رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار

رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار


05-23-2018, 02:54 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1527040456&rn=0


Post: #1
Title: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 05-23-2018, 02:54 AM

02:54 AM May, 22 2018

سودانيز اون لاين
المعز عبدالمتعال-الولايات المتحدة ، ولاية كونيتيكت
مكتبتى
رابط مختصر

رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار.

كانت إرادة الله و خيارات القدر أن أعيش مهاجراً في الولايات المتحدة الأمريكية لثمانية عشر عاماً.
و منذ ستة عشر عاماً لم اُصادف شهر رمضان في السودان، و لم اُصادف أي عيد، هنا في أمريكا يبدو رمضان مختلفاً عن السودان رغم حفاوتنا به.
لايزال طعم رمضان في السودان عالقاً في الذاكرة، أذكر جيّداً طفولتي الرمضانية، كنت أعاني من نهاراته العطشى و أنتظر بلهفةٍ شديدة مسائاته الرواء. لازلت أذكر لعبة (شليل) في ليالي رمضان المُقمرة، أذكر جيّداً كيف كنا نقتفي أثر العظم، نستند على ضياء القمر، كيف كنا نُردد:
"شليل وينو، أكلو الدودو، شليل وين راح، أكلو التمساح، و نهتف معاً هتافاً موحّد، شليييييييل" ثم يرمي أحدنا العظم في إتجاه مجهول عصيّ على الإكتشاف، ثم نمضى نبحث عنه، مُستمدين من ضياء القمر طاقتنا، مُتعتنا في محاولات البحث، و فرحتنا في إكتشافه، و حين يصير القمر بدراً، يتواطأ ضدنا، يمسح خد (شليل)، تصير أماني (شليل) في الإختباء عنّا عصيّة، يلوم (شليل) القمر، و يضحك القمر ملء عينيه الضياء، ثم نصير فراشات تلتفّ حول (شليل)، نحطّ حوله، تجمعنا الضحكات و تحتوينا الهمسات و تغمرنا النشوة و ألق الأمسيات الحميمة.
منذ طفولتي و أنا مُولع برمضان، حين صرت صبياً بدأت الصيام، شعرت بالرهق، ما أن أشفق على نفسي حتى أستعيد عنادي بكل تحدٍ و صبر، أمضي نحو سباق صيام رمضان الجميل، كانت لحظات النهار شديدة العناء، و كانت ليالي رمضان باهرة العبق، تتحّول شمس النهار الحارقة لقمرٍ يُغدق في الضياء، نلتفّ حوله بحكايات ناضجة المذاق، نرتشف معها أكواب الشاي و نرتمي فوق (بُرش) الصلاة، بطوننا ممتلئة بالطعام و الشراب، و ضحكاتنا تهز الأرض من تحتنا.
نادراً ما كنت أتناول إفطار رمضان بالمنزل، كنا نخرج به للشارع، نتصيّد المارة، أولئك المُسرعون نحو دعوة إفطار، أو يحاولون اللحاق ببيوتهم، كانت فكرة صيد المارة تشكّل السبب الرئيسي لخروجنا للإفطار في الشارع، لكن السبب الخفي كان في متعة الفكرة نفسها، فكرة المشاركة الوجدانية لنا و للمارة، فكرة أن تتناول إفطار متنوّع الأصناف، أن تأكل مما يليك و تنظر خلسةً لطبقٍ مجاور، و حين تُفتضح رغباتنا و تعجز الأيادي عن إلتقاط الأصناف البعيدة، كنا نتبادل الأطباق، نبدأ بتوزيع الماء و التمرٍ و التينٍ و (البليلة)، نُقايض (العصيدة)ب(القُراصة)، نساوم عصير (الحلو مر) ب(الكركدي)، و أحياناً نخلط (العرديب) بنكهة (التبلدي)، فيكون سحر المزيج.
أذكر جيداً أنني كنت لا أفارق أطباق أمي، ولكن شغفي ب(أم جنقر)، جعلني أتلصص صينية جارنا، كنت أتصيّد أطباقه بلهفة بالغة، أترصّد خروجه حاملاً إفطاره، ثم أتلّصص مكاناً قُرب أطباقه، و شيئاً فشيئا أزحف نحو (أم جنقر)، أتلذّذ بمذاقها و يعتريني الفرح، سألت جارتنا عن مكوّناتها، قالت لي أنها تتكوّن من مُشتقات الدخن المبشور، مضافاً إليها حليب أو سمن أو لبن رائب، سألت نفسي، لماذا ترتبط وجبات رمضان في شهر رمضان فقط؟ لماذا لا نشرب (الحلو مر) في رجب؟ و نستمتع ب(أم جنقر) طوال العام؟.
كلما تجتاحني ذكريات رمضان في السودان، أشعر أنني من جيل المحظوظين، إذ حملت بيدي (الزرّيعة)، أذهب بها للمطاحن، و روائح صُنعها تملأ الطُرقات، تلتحم بأنفي في نهار رمضان و عند الإفطار اتجرّع عصيرها فأشعر بالإنتشاء و الرواء.
كنا في رمضان نعانق الأمسيات في نوادي الحي، نلعب الورق، و التنس و الشطرنج، نُقيم الليالي الأدبية، نقرأ الأشعار و نغني، ثم نفترق في هدوءٍ و غبطة، و في نهاية رمضان، نصطف في المخابز، نحمل صواني الكعك و الخبيز، نصنع من فرحة العيد مهرجانات سعيدة.
أذكر جيّداً آخر يوم من أيام رمضان قضيته في السودان، و كان ذلك قبل ستة عشر عاماً، كنت أقود سيارة بصحبة أخي، و فجأة إستوقفنا رجالاً يرتدون جلاليباً خضراء، هيئتهم بسيطة، و نفوسهم عظيمة، مدجّجون بالكرم و التسامح، وقفوا على منتصف الطريق المُسفلت، حاولوا إجبارنا على الوقوف لتناول الإفطار معهم، إعتذرنا لهم بلطف، ثم ناورنا، نلوذ بنا من سخائهم الكريم، و منذ ذلك الوقت لم أرى هذا المشهد، فهنا في أمريكا يبدو رمضان مختلفاً تماماً عن السودان، نعم نلتقي عند الإفطار، نتبادل الزيارات، نرتدي الجلاليب، نتناول نفس الأطباق السودانية، (الفول) و (العصيدة) و (القُراصة) و (سلطة الروب)، نشرب (التبلدي) و (الكركدي) و (الحلو مر)، لكننا لا نشعر بطعم الإرتشاف، نجوع و نشبع، لكننا لا نتناول الإفطار في الشوارع، ليس ثمة(أم جنقر) على مائدة الإفطار، ليس ثمة قطّاع طُرق كُرماء يسدّون عنا شوارع السخاء ليجبرونا على تناول الإفطار عنوةً.
في أمريكا نعرف الأوقات و نصلي، لكننا لا نسمع صوت الآذان، هنا المساجد بلا آذان، نتعرّف على أوقات الصلاة بطريقة إلكترونية، أو عن طريق المُلصقات، و من دون شهور السنة نفتقد آذان شهر رمضان، و من دون الصلوات الخمسة نفتقد آذان المغرب، هنا تبدو الحياة عصرية، إيقاعها سريع، الكل يلهث، يفطر بعضهم في أماكن العمل، حيث لا آذان ولا طقوس ولا مشاركة، رمضان بالنسبة لي حين أمسك بتمرة في يدي، و أذني ترهف لسماع الآذان، حين أتناول إفطاري في الشارع و أتصيّد المارة، حين أشتم عبق (الحلو مر) و تغازل عيناي (العرديب) و (التبلدي)، أمريكا بكل سطوتها، لا تُعادل عندي طبق (أم جنقر) على (بُرش) في السودان، و رمضان أمريكا رغم محاولاتنا من جعله يشبه رمضان السودان، إلا أنه باهت رغم ضيائه، يخلو من نفحات الأسحار.

المعز عبد المتعال سر الختم
نيو بريتن، الولايات المتحدة الأمريكية.
19 مايو، 2018

Post: #2
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: Arif Nashed
Date: 05-23-2018, 04:19 AM
Parent: #1

ذكريات تظل محفورة في وجداننا
شكرا يا مبدع علي هذه النفحات الرمضانية

Post: #5
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 05-23-2018, 02:37 PM
Parent: #2

تسلم يا عارف، تحياتي و رمضان كريم

Post: #3
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: تماضر الطاهر
Date: 05-23-2018, 05:40 AM
Parent: #1

ﻭ ﺗﻨﻈﺮ ﺧﻠﺴﺔً ﻟﻄﺒﻖٍ ﻣﺠﺎﻭﺭ،

دي حكاية الحياة
،

نغادر ونكسر بداخلنا الكثير.. لنجبر خواطر..او نغامر

السودان هو فعلاً حلو مر

Post: #4
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: ولياب
Date: 05-23-2018, 08:02 AM
Parent: #3

يا سلام يا معز أبدعت في السرد والحكايات الجميلة

ذكريات مشتركة بين كثير من الأجيال الماضية

وحتى القريبة بنحو ربع قرن ، على إمتداد الوطن

توحدت معظم العادات الرمضانية ، إلا أن الفارق

بسيط بين بعض البيئات من ناحية الثقافة الغذائية

الرمضانية ،،، أم جنقر لم أسمع به ولكني بشرحك

ووصفك إستوعبت المذاق .

شكرا كتير يا معز .

Post: #7
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 05-23-2018, 05:15 PM
Parent: #4

تسلم عزيزي ولياب، أسعدني مرورك جدا، و رمضان كريم،
أم جنقر دي حكايتها حكاية،

Post: #6
Title: Re: رمضان بطعم أم جنقر و نفحات الأسحار
Author: المعز عبدالمتعال
Date: 05-23-2018, 03:50 PM
Parent: #3

ويحهم أولئك المدجّجون بالكرم، لهم التحايا، السودان دا فعلا بلد مُدهش، شكرا تماضر