من أي طينة أنت ؟ ( أو : أي الثمرات أنت ؟ )

من أي طينة أنت ؟ ( أو : أي الثمرات أنت ؟ )


12-04-2017, 01:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1512390300&rn=0


Post: #1
Title: من أي طينة أنت ؟ ( أو : أي الثمرات أنت ؟ )
Author: ابو جهينة
Date: 12-04-2017, 01:25 PM

12:25 PM December, 04 2017

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر

ذات عاصفة مباغتة ..
و ظلامٌ دامس يحجب الرؤيا ..
سقطت ثلاث ثمرات من على غصن الشجرة المتخم بالثمار ...

(الفجيعة المضاعفة تلجم ألْسِنة الحزانى و تجعل أفواه النواح خرساء ..فيذرفون دماً بدلاً عن الدموع)

إحدى الثمرات كانت قد غزتْها جحافل من أنواع النمل و العناكب..
فتركتْها خاوية من الداخل .. بينما خديها يحتفظان بشيء من توردهما ..
خاوية إلا من ألياف تتمسك بأهداب نواة الثمرة ... كأنها تستجديها نفْخ الروح فيها من جديد .
تراخت عنها أصابع الشجرة الأم ..
فما احتملت قوة الرياح العاتية ..
بينما راحت الشجرة تناشد الأوراق والأغصان أن تزود عن فلذاتها .. فهي بالكاد ينوء جسدها بكل هذا الحِمْل ..

(مَن يكون في الملمات ضعيفاً لا حول له و لا قوة .. ثم مضطراً يناشد مَن هو أضعف منه ..
تتداعى إلى نفسه أمواج الإحباط في درجات متفاوتة ..
و تتنازعه ومضات الأمل كبريق عيني وحش جريح في حلكة الظلام .. يروم يد المساعدة و في نفس الوقت يتحاشاها لعلمه بأن الطالب أضعف من المطلوب)

بينما كانت الرياح تراوغ الأوراق و تمرق من بينها .. محدثة صفيراً متدرجاً..
استغاثت الثمرة بأخواتها ...
و لكن الثمرات كن مشغولات عنها باجترار الرحيق الجاري في عروقها حتى الثمالة التي أفْقدتْها الإحساس بمن حولها ..
و لاهيات بالعبق المستشري في المكان من قشورها...
يتمايلن في لهو طفولي مع حركة الرياح .. يحْسِبْنه مرحٌ بريء.
فسقطتْ الثمرة و هي تنادي أمها الشجرة ...
و لكن صوت الريح كان أعلى .. فضاع النداء كصرخة في وادٍ..
أدركتْ الشجرة أن الثمرة قد هلكت لا محالة و لا رجاء في عودتها ... فانصب اهتمامهاعلى باقي الثمار ...

(لا يعرف أحد إلى يومنا هذا كيف يكون شعور الإنسان يهوى إلى قدره المحتوم ... مواجهاً الموت و الهلاك و هو ينادي مستغيثاً و كل مَن حوله لا يسمع و لا يحس أو يصطنع ذلك ..)


و الثمرة الثانية.. منذ أن بدأتْ برعماً عند منحنى الغصن .. كانت تعاني من مشكلة في النمو و مجاراة أخواتها في الشَب عن الطوق والتشبع بمختوم عصارتها...
ضعيفة .. و مهددة بالسقوط بين لحظة وأخرى.
أفزعتْها قوة الرياح ..
التصقت بثمرة قربها كانت في عنفوان أيام قطافها ..
فأبعدتْها بلكزة و ساعدتْها الرياح على زيادة قوتها ..
فسقطت قرب الثمرة الأولى ..
حاولتْ أن تزحف نحوها طلباً للحماية ..
فتدافعت جموع النمل نحوها .. مختزلة جهد الطلوع إلى الأعلى .. و غطتْها بالكامل تمتص ما تبقى من حياتها.

(الضعاف من بني البشر .. الضعاف فقط هم الذين يراهنون على الإستقواء بالعشيرة .. فقد اختلط حابل الحق بنابل منطق القوة).


الثمرة الثالثة ...

أصابتْها مخالب طائر ليلي لم يحسن الالتقاط ... فرفرف بجناحيه .. و أطلق صيحة الخيبة و أنطلق مارقاً من بين الأشجار ... يروم ثمرة أخرى تطالها مخالبه ..
و بجرحٍ غائر على جنبها ...
سقطتْ هي الأخرى .. تنزف رحيقاً اختزنته طوال الصيف ...تنتظر قدرها المحتوم

( وقوع المصيبة .. و لا انتظارها ...)


و انقسمت جحافل النمل بين متسلق ساق الشجرة ..
و بين متحلق حول الثمرة المريضة .. و بين مهرول إلى هذه التي تلفظ عصارتها .. بينما جرح الثمرة يغري الجحافل بالولوج إلى لبها عبر هذا الرحيق المندلق.
سقطت الثمرات .. بالقرب من ساق الشجرة الأم ..
التي تقف كأن الأمر لا يعنيها في شيء ...
استسلام لحزن أبدي .. و ركون إلى القدر المحتوم ..
و فجيعة تتكرر كل موسم .. حتى تحجَّر قلبها فصار أقسى من ساقها التي تغطيها طبقات لحاء خشنة ..
فالثمار لا محالة مقطوفة عنها الواحدة تلو الأخرى ..
تقف وسط هوج الرياح .. كجبل راسخ ...
تنتظر تجرد أغصانها من الثمار ..
تترقب خسارتها لفلذاتها .. بهلع لا يجديها نفعاً حيث لا نصير ...
لتبدأ مخاضاً جديداً ..
برعماً برعماً ..
بتْلة تلو البتْلة ..
زنبقة بعد الأخرى ..
ثمرة إثْر ثمرة ...
تحس بها تُثْقِل كاهل أغصانها و فروعها ..
تستقبل أرتال الفراشات و ممالك النحل و جيوش النمل ...
يزورها زوار الليل أنواعاً من الوحش و الطير يحتك بها دون مَنٍّ منها أو أذى .. فتفقد لحاء ساقها .. طبقة من بعد طبقة ..
لا تعرف إلى أي حدٍ وصلتْ شرايين جذورها ... ولكنها على يقين بأن حدود جذورها آمنة .. فتبقى سعيدة بأن جسدها يتلقى منها العرفان فيمدها بأسباب بقائها و نضارتها ....
تهدأ الريح .. و لكن إلى حين ..
ثم تنجلي معركة الليل غير المتكافئة ..
تنتشي الثمرات المتدلية مع أولى قطرات الندى المنزلقة على خدودها ..
و تنثر الفراشات ظلالاً من الألوان من أجنحتها الزاهية ..
و مع أهازيج العصافير..
و أصوات هرولة الأوراق الجافة بين سيقان الأشجار ..
لا يفتقد أحد الثمرات الثلاث...
و كأنها لم تكن ...
فبعد حين .. ستتدلى ثمرات و ثمرات .. لا تعرف من كان قبلها .. و من سيأتي بعدها ..
ناموس الحياة الأزلي ...

***
إضاءة خارج الغابة :

النسيان ( نعمة كبيرة ) لانعرف قيمته إلا حينما نجلس إلى وحدتنا نلوك خيوط الذكرى ..

إضاءة ثانية : أي الثمرات أنت؟