سماح

سماح


11-11-2017, 07:17 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=499&msg=1510424254&rn=8


Post: #1
Title: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-11-2017, 07:17 PM
Parent: #0

06:17 PM November, 11 2017

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر


والدي العزيز
لك تحياتي و أسمى آيات تقديري و محبتي ...
عذرا لتأخير خطابي هذا ..
فقد إستغرق مني الحصول على سكن مناسب وقتا طويلا ..
ثم إجراءات تسجيل الجامعة ..
و عشرات التفاصيل الأخرى التي لا أريد أن أزحم بها رأسك ..
والدي الحبيب .. شوقي إليك لا يوصف.
أرجو أن تقرأني بعناية و أن تتفهم دواعي لهجتي هنا .. فالقلب مثقل.
لم أكن متأكدة من أنك ستوافق على سفري وحدي بهذه السرعة و دون أي إعتراض ..
فقد رفضتَ أنت من قبل و بإلحاح سفر أخي غير الشقيق عندما توسل إليك هو و أخواله للموافقة على سفره للدراسة بالقاهرة ..
القاهرة التي على مرمى حجر .. أصررتَ على عدم سفره إليها ..
لم أندهش بالطبع عندما وافقتَ على سفري وحيدة إلى هذه الأصقاع البعيدة .. فقد جاءت موافقتك بسرعة مذهلة و دون تردد و إختزلتْ كل التوسلات التي كنت أنتقي كلماتها أياما طويلة ..
لم تفاجئني موافقتك السريعة ..
و لكن ..
موافقتك على سفري .. تعرف أسبابها .. فأنت تُبعد عنك كل خيط يقود إلى الفضيحة التي ربما تلازمك إن تم الكشف عن المستور ..
و أرجو أن تغفر لي ما سأقوله إن كان يدخل في نطاق العقوق أو التطاول يا أبي ..
فأنا أعتز بك جدا .. و تتشابى قامتي لتعانق السماء لأنك أبي .. و سأظل أعيش مفتخرة بإنتسابي إليك .. فأنا ظفر في لحم أصبعك ..
و قبل أن ألِج هذا الأمر .. أقول لك بأنك يا والدي إرتكبت خطأ فادحا في حياتك .. و أعذرني يا أبي مرة أخرى ..
فأنت سليل الحسب و النسب .. إبن الأسرة العريقة ..
ورثتَ عن ابيك و أجدادك الكثير من العز و الجاه و المال .. و إسم أسرتك له وقْع الطبول.
ثم زوجوك إحدى بنات أعرق الأسر التي توازيك نسبا و حسبا ..
كنتما كفَرَسِىْ رهان ..
ولِدتْ لك البنين و البنات .. يحسدك الكثيرون عليهم ..
فهم خُلُق و خَلق ..
أتتْك الدنيا طواعية .. و وهبك الله كل شيء ..
فكيف أتيت بي ؟
أقصد لم أتيت بي إلى هذه الدنيا ؟
كان يكفيك ما أنت فيه من نعيم دانٍ و عز وافر .. و زينة الحياة الدنيا.
هذا سؤال تعرف أنت إجابته تماما كمعرفتك راحة يدك ..
أنا لي رأى آخر .. قد يغضبك .. و لكني لن أعيش به بقية عمري ..
سيثقل كاهلي إن لم أبُحْ به إليك .. و أنا مصممة على أن لا أموت و هو في جوفي ينحرني ليل نهار و يذبحني من الوريد إلى الوريد.
أنا يا أبي ثمرة طيشك و عدم مبالاتك ..
فقد أتيت بي لهذه الدنيا بسبب نزوة من نزواتك .. و بسبب مزاجك العالي ..
سامح الله أمي.
أنا لا أحتقرها .. و لا ألومها ..
فهي نسيج مختلف تماما .. دفعتها ظروفها أن تكون أحد أسباب توفير مزاجك العالي .. رحمها الله ..
بهرْتها بجاهك .. أغدقت عليها من مالك .. ملكتها بحلو لسانك ..
فهل خدعتها يا أبي ؟ هل وعدتها بشيء ثم أخلفت وعدك ؟
يتعبني الآن أنني لا أعرف عنها شيئا ..
أستحلفك بالله أن تحدثني عنها و أنا الآن بعيدة عنكم و أنت في مأمن من كل ما يكشف سرك العظيم ..
لا أعلم كيف تزوجتها سرا .. و لا أريد أن أعرف الآن ..
و لكن الذي أعرفه يا أبي أنك تزوجتها ربما درءا للفضيحة بعد أن تكورتْ بطنها معلنة بداية الخطيئة و الخطأ .. لتضمن بذلك سكوتها الأبدي .. و درءا لإنتشار الفضيحة بين أهلك و أسرتك .. أليس كذلك ؟
و أخذتني عندك .. و أنت تعلم مجريات الأحداث .. تعلمها يا أبي ..
أنكرتَ أولا أبوتك لي .. و قلت لهم أنني يتيمة تود كسب الأجر و المثوبة بتربيتي .. و أنا وقتها صغيرة لا أعلم لِم أنا بعيدة عن والدتي بين أسرتك التي لم ترحب بي كثيرا ..
ثم أفضيتَ إلى زوجتك بالسر الدفين في لحظة ندم ربما .. فتغيرتْ معاملتها لي .. تغيرتْ كليا ..
رغم أنني لم أعلم سر التغير في معاملتها وقتها .. إلا أنني أعتقد بأن الله يحبني .. فقد ألهمني صبرا جميلا ....
أفرغتْ زوجتك كل حقدها على ضرتها في شخصي .. و لولا لطف الله بي .. لكنت مشردة لا أعرف أسرة أو أهلا .. و لا أدري أين كان سينتهي بي المصير ..
و تحت سمعك و بصرك جرتْ أمور ستظل محفورة في ذاكرتي أبد الدهر ..
أمور أقل ما أصفها بها الآن أنها توصمك بالظلم الفادح .. الظلم المر .
كأنك تجعلهم يعاقبونني على ما إقترفته يداك بسكوتك عن الظلم الذي كان يقع على..
عاقبتَ نفسك في شخصي ..
لا أكرهك .. لسببين .. لأنك والدي ... و لأنك يوما ما كنت ترتبط مع والدتي رحمها الله برباط مقدس .. رباط لم تعطه حقه كاملا سامحك الله ..
كانت هناك جذوة عميقة داخل روحي تقول أنك أكثر من مُحسن و كافل يتيم..
كنت أسهر لحين عودتك و أطمأن بعد دخولك غرفتك ..
كنت أغضب في دواخلي حينما تتطاول زوجتك عليك .. و أطرق مكسورة عندما أراك منهزما أمامها ..
و لكن .. أرَقتْني كثيرا و لسنوات طوال أمور شتى ..
فأَن أنام دون عشاء عقابا لتقصيري بسبب الإرهاق أو التعب.. فهذا لم تعرفه لأنك كنت تأتي مخدرا و مخمورا و تُساق إلى مخدع زوجتك سَوْقا ..
أن أُعاقَب يوميا على أخطاء الآخرين .. فهذا كان يفوتك لغيابك طيلة ساعات النهار ..
و لكن أيعطيك هذا العذر لكى لا تناديني و تمسح على رأسي و ترى إن كنت أشكو شيئا ؟ ألم تستيقظ فيك يوما عاطفة الأبوة ؟
أيعطيك هذا عذرا حتى لا تفرق بين ما كنتُ ألبسه و ما كان تلبسه أخواتي ؟
أيعطيك هذا عذرا حتى لا ترى أيام راحتك في المنزل إتحناءتي أقوم بكل أعمال البيت بينما إخواتي حولك في صخب طفولي كنت أرمقه من طرف خفي و بداخلي سؤال يكاد يكتم أنفاسي ؟ سؤال دافعه شعور خفي بأنني جزء منك ..
أذكر سنوات طفولتي فأصاب بغصة تكاد تفقدني صوابي .. ستبقى تلك الأيام كالشرخ يدخل منه صقيع عطش أيامي و جوع لياليها الطوال.
أحمد الله أن أعطاني القوة و الصبر ..
حمدا لله كثيرا..
لا أود تأنيبك الآن .. فلا فائدة أجنيها بتأنيبك .. يكفيك صراعك الداخلي الذي عشته و تعيشه و ستعيشه.
كان من الأفضل أن تتركني في حضن أمي .. أو حضن مَن على شاكلتها بعد موتها .. كان أكرم لي ...
ما معنى أن أقتات الفتات في منزل أبي ؟
ما معنى أن ألبس أسمال إخواتي ؟
إخواتي ؟
يا للسخرية .. هم يعرفون فقط أنني يتيمة تعيش على إحسان الأسرة ..
الذي أعرفه أن الأبوة لا تتجزأ ... لا تفرق بين لحم و لحم .. و ليس هناك لونين للدم الذي يجري في العروق.
فكيف طاوعك قلبك على أن تجعلني أعيش دور المقطوعة من شجرة وسط إخوتي .. بينما زوجتك التي تعرف الحقيقة تُشْهِر لك سلاح الفضيحة كلما حَنَ قلبك أو لمتها على سوء معاملتها لي ؟
فكيف إستطعت أن تصبر كل هذه السنوات لتخبرني بالحقيقة؟
ليتك لم تخبرني .. ليتك تركتني أحبك فقط لأنك الذي أحسن إليّ بعد موت أمي ..
أتدري ما الذي أحسست به عندما أخبرتني و أنت منتشي بفعل الخمر ليلتها ؟
إمتدتْ يدي لتصفعك ..
نعم ..
أصدقك القول .. إمتدت يدي لتصفعك .. و لكني أحسست أنها ملتصقة بي تماما لا حراك بها .. و أحمد الله على ذلك أيضا.. فقد منع عني جريرة كبيرة.
لم تتركني زوجتك أكمل النظر إلى تعابير وجهك و أنت تكمل إعترافك الهزيل المبتور ..
فقد سحبتْك و كأنك طفل يجرجرونه إلى فراشه ..
و صباح اليوم التالي .. خرجتَ لا تلوي على شيء .. لم تطق حتى النظر في وجهي و أنا أزاول عملي اليومي.
يا لها من ليلة .. تلك الليلة ..
لم يغمض لي جفن ..
كانت الصدمة أكبر من عقلي و أنا في بداية مراهقتي أكابد ما أكابد ..
فكرت في الهرب ..
ثم أحجمتُ متعلقة بأهداب محبة قد تأتي بعد هذا ..
و لكنني كنت واهمة ..
أرقبك من فرجة الباب في غرفتي الكئيبة و أنت تترنح داخلا غرفتك متكئا عليها ..
رحمك الله يا أمي ...
لا أعرف كيف وافقتْ زوجتك أصلا على دخولي المدرسة ..
و هذه محمدة أضعها في ميزان أعمالها الفارغ تماما.. و كرم منها رَسَمَ خُطى حياتي .. و ربما قصدتْ أن تشغلني عندما أكبر بشيء حتى لا أواجهها أو أطالب بأشياء تراها هي أنها ليس من حقي ....
و لكنني وقتها كنت قد قررت أن أواصل حفظ سرك حتى لا تسقط من نظر أهل زوجتك و أهلك ..
أرأيت كيف كانت معادلتي صعبة و شائكة ..
تفوقي الدراسي منذ البداية كان سببه أن أرد لك الجميل كرجل يحسن إلى يتيمة ..
ثم إزداد تفوقي بعد أن عرفت الحقيقة التي أخفيتها حتى عن إخوتي أنت و زوجتك ..
حاولت كثيرا أن أجلس جلسة مصارحة مع إخوتي .. و لكنني أضعف دائما أمام توسلاتك ..
فكن مطمئنا .. لن أحدثهم .. حتى و أنا بعيدة عنهم الآن لن أفشي سرك حتى لا تتغير نظرتهم إليك ..
و لكن .. أرجو أن تسمح لي بأن أقول لك .. بأن لا نية لي في العودة ..
لا نية لي أبدا ..
إن كان في العمر بقية ربما أراك مرة أخرى .. أرجو أن تزورني أنت ..
و رغم كل شيء .. قبلاتي لك و لإخوتي و أخواتي .. و لزوجتك ...
أسامحك أبي .. أسامحك ... من كل قلبي .. و سأدعو لك ..
أطلب الرحمة لأمي ..
و أغفر لي تطاولي ..
سأكتب لك دائما ..
إبنتك ...

Post: #2
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-11-2017, 07:22 PM
Parent: #1

أعيد كتابة هذه القصة الحقيقية بعد 12 عاما من رواية صاحبتها لي في إحدى الدول الغربية
أعيدها لتفوقها في حياتها العملية والزوجية
أعيدها بعد أن أستأذنتها في نشرها مرة أخرى
فهل هناك تسامح أكبر وأشمل من تسامحها ؟؟؟

Post: #3
Title: Re: سماح
Author: ابوبكر عبدالله ادم
Date: 11-12-2017, 01:14 AM
Parent: #2

شكرا ابوجهينة
اسلوب سردى رائع ولغة مشبعة جمالا ومعانى...
عجبتنى القصة كنص ادبى راق ومسؤول...ثم استمتعت بقراءتها اكثر بعد تعليقك اعلاه.
لك تشكراتى وتحياتى لك ولقراءك

Post: #6
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-12-2017, 06:21 PM
Parent: #3

تحياتي اخي الاستاذ ابوبكر
لك الشكر على المرور الفخيم

مجتمعنا يعج بعشرات من هن على (شاكلة) سماح
لله درها

دمت

Post: #4
Title: Re: سماح
Author: Hani Arabi Mohamed
Date: 11-12-2017, 01:57 AM
Parent: #2

عمي جلال - صباح الخير

النَص أعلاه يصلح أن يكون نواة لفيلم سينمائي عظيم

ومن هنا أوجه التحية لصاحبة القصة وأدعو لها بالتوفيق والنجاح


شكراً جزيلاً

Post: #5
Title: Re: سماح
Author: ياسر السر
Date: 11-12-2017, 10:26 AM
Parent: #4

ومشيناها خطا كتبت علينا ... ومن كتبت عليه خطا مشاها ..
كم احسست بطعم العلقم وانا اطالع هذه السطور الجريحه ... خصوصوا بعد ان علمت انها قصة حقيقية ,, اولا الرحمة والمغفرة لوالدة صاحبة القصة والمفغرة لوالدها على اغترافه هذا العمل اللا انساني ...
واصل الستاذي ابو جهينة في نطا هذه الجراح ونحن لك من المتابعين ....

تحياتي : ياسر العيلفون ....

Post: #9
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-14-2017, 07:59 PM
Parent: #5

تحياتي اخي الفنان الجميل ياسر

مشكور على المرور والتعليق
الحياة مترعة بالاف القصص الشبيهة بقصة هذي الفتاة قوية الشخصية
كثيرات انطمست قصصهن لانهن يفضلن السكوت والانزواء لاعقات جراحهن

دمتم

Post: #7
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-13-2017, 08:33 PM
Parent: #4

الابن هاني
سلام كبير وتحايا مقيمة

اشكر لك الولوج لمعمعة هذه القصة
وللتعليق الفخيم

دمتم

Post: #8
Title: Re: سماح
Author: الهادي الشغيل
Date: 11-14-2017, 10:42 AM
Parent: #7

ياسلام هذا قصة رائعة مؤثرة تحمل في طياتها الكثير من العبر والدروس وتستدر المدامع وتهمل لها المقل
والأروع أسلوبك يا أبا جهينة فصياغتك صياغة كاتب لا يشق غبار تجعل القاريء مشدوها متعلق بكل كلمة فيه .
دم بخير أستاذنا

Post: #11
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-16-2017, 05:35 PM

الزول الأتبراوي الأصيل الهادي

سلام كبير

ولك الشكر على المرور

Post: #10
Title: Re: سماح
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 11-15-2017, 09:25 AM
Parent: #1

تدخل بوستات ابوجهينة وانت مالي يدك تماما من" الخروج من لدنها وأنت مليء بها" ..

Post: #12
Title: Re: سماح
Author: ابو جهينة
Date: 11-16-2017, 05:37 PM
Parent: #10

أخي وصديقي الصدوق محمد حيدر المشرف

تحياتي لك

زمن طويل منذ آخر مشاركات هنا ومداخلات
عدنا و نتشرف بمروركم

دمتم