ربما كانت المواد المصورة للرئيس (الراقص) وهو يرقص في كل محفل هي الأكثر وفرة لأي رئيس دولة على الإطلاق. الرجل راقص محترف، وعلى عكس ما قد توحي به الجملة من انتقاص، فهي تشير بدرجة أكبر إلى غباء وذكاء سياسي معاً يتسم به ذاك (الهبنقة) الذي ارتقى سدة الحكم بإنقلاب مشؤوم جثم به على صدور البسطاء هو وشرذمته و مليشياته وأخيرا ولا اظنه آخرا في ظل غياب مؤسسية المعارضة و غباء المثقفين السياسيين، بينما تعصف السجون ومناجل الموت بأعمار معارضيه و مناهضيه.. رقص الراقص في دارفور كما يرقص السكان المحليون. وفعلها في إقليم كردفان، كما يفعلها الكردفانيون. وكررها في فرح سوداني تقليدي، مثلما يرقص أبناء السودان في أفراحهم.وفي كل افتتاح لمشروع ينم عن الفشل منذ وضع اللبنة الاولى.. وفي كل رقصة كان الراقص يوصل رسالة بعينها، ويؤكد على معنى بذاته، ويتوسل تعاطفًا يدركه في أزماته العاصفة التي سكنت جغرافيا السودان منذ استقر الرجل في حكمها مزمنًا على كرسيه، في واحدة من المرذولات العظام والشدائد اللئام.. ارتدى الراقص ذات مرة جلد نمر، ورقص بحربة، فيما سيبدو للناظر رقص أحراش وسط قبائل أفريقية لا رقصًا داخل السودان كما ترتسم صورته في مخيلتنا. لكن الحاصل أن الراقص كلما مر على جماعة من جماعات بلاده الإثنية، رقص لها رقصها، فيما يبدو توددًا وإشارة لانتمائه لأرض الوطن كله، لاسيما في أقاليمه التي شهدت حروبا واقتتالات ونزاعات ودعاوى انفصال، كجنوبه ودارفوره وكردفانه والنيل الأزرق والشرق والشمال و الوسط ... ورغم هذا إذا ما نظرنا للراقص كرجل يحسب نفسه (حاكمًا إسلاميًا) يطبق أحكام الشريعة في بلاده، ويحكم إدخال الحواشي الرمزية حول مشروعه القمعي الذي يصنف كثيرًا بأنه (إسلامي) كتسمية حروبه الأهلية بمصطلحات من قبيل (الجهاد)، سنجد أنفسنا أمام رجل يجيد التحلل من أعبائه وقت الحاجة..وبلغة أكثر وضوحا رجل نفعي.. أو بلغة أقل وضوحا لكنها أكثر اجتراحًا للحقيقة في معناها الخام (راقص).. الرقص في السودان لعوامل ثقافية وعرقية سياسة محضة... وفي عمق من أعماق نفسه، راقص محبوس في جسد (رئيس). تأتي به الضرورة السياسية، فيبتهج الراقص الطروب في أعماقه.. على يوتيوب، ستجد رقصات الرئيس تملأ الفضاء، في كل مكان يرقص، حتى في ملعب كرة قدم، في زيارة لولاية من ولايات بلاده، في افتتاح (جسر)، في أي مناسبة كانت.. الراقص يرقص.. يلف عصاه في الهواء وتنفرج أساريره وتأخذ السكرة بمجامع جثمانه المثقل بالشحم والمؤامرت، فيدور يمينًا وشمالًا، كأنما يتحرر من أعبائه وذنوبه فيميل طرباً مستقلا عاطفة الانسان السوداني الأصيل .. وفي ملابسه البيضاء وعمامته المثقلة فوق رأسه، ربما ستتعاطف مع الرئيس الراقص اكثر مما يروق لك تقلب الرئيس السياسي في البلاد.. رقصًا وغناءً.. ميلًا وتأملا. الراقص داخل الشخصية الرئاسية يتلوى من هذا الطرف لذاك، ويبتكر هذه القضية ويحييها من العدم، ليخترع عدوًا يزايد عليه أمام شعبه، ليهرب من أزماته للأمام دون اكتراث ..فالشعب السوداني، طيب الحاشية، رقيق العاطفة، حاضر الكبرياء، موفور الكرامة، مندفع الانفعال، تستثيره كلمة واحدة ويلوث صفحة نفسه الناصعة بسوء تقدير من أي طرف يعتبره قائد وهو ذات ما يشيعه الراقص من أن أمريكا والعقوبات هي السبب في أذمة البلاد وليس هو شخصيًا وحاشيته بعدما أفقروا بلدا وخسروا مساحتها الأكبر، وجروا عليها من البلاء ما لم يجره حاكم قط لهذا البلد العظيم طوال تاريخه..