البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟

البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟


05-18-2017, 09:53 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1495140823&rn=0


Post: #1
Title: البشير وترامب: موسم الهجرة إلى الشمال؟
Author: زهير عثمان حمد
Date: 05-18-2017, 09:53 PM

09:53 PM May, 18 2017

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر

تقدّم رواية الكاتب الراحل الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» رؤية مأساوية لمصير علاقة بطلها السوداني المهاجر إلى أوروبا تنتهي بقتله زوجته البريطانية وهجرته المعاكسة عائداً بعدها بسنوات إلى بلاده.
النص، الذي اعتبر واحداً من أهمّ مئة رواية عالمية، يمكن أن يشكّل خلفيّة عميقة للعلاقة المضطربة بين السودان والغرب (بالنسبة للمشرق العربي أو الشمال حسب التقسيم الجغرافيّ قياساً بالجنوب الذي تمثّله افريقيا) وقد يفيد أيضاً في إعطاء بعد أدبيّ للرحلة السياسية التي قطعها الرئيس السوداني عمر البشير منذ عام 2009 حين بدأت المحكمة الجنائية الدولية عمليّاً بملاحقته بتهم ارتكابه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (وتبعه حكم آخر عام 2010 بتهمة ارتكاب جرائم إبادة) مرتبطة بالنزاع في دارفور الذي أدّى إلى مقتل ما لا يقل عن ثلاثمئة ألف شخص.
ورغم أن البشير لا يستطيع إعادة التاريخ إلى الوراء أو الاستئناف ضد الحكم الدولي الصادر بحقّه فإنه مع ذلك حقّق نجاحا بمقاييس كسر قدرة المحكمة المذكورة على تطبيق حكمها وكان خروج طائرة البشير خلال مؤتمر قمة الاتحاد الأفريقي عام 2015، بعد محاولة محكمة فيها إصدار حكم بوجوب تسليمه التزاماً بالقوانين الأممية، إحدى النقاط الدراميّة الكبيرة التي أدت المواجهة فيها بين الأمم المتحدة وجوهانسبرغ إلى مفترق كانت نتيجته الفعلية انتصاراً للبشير، ولو بصيغة الهروب المتّفق عليه مع جنوب أفريقيا ما كان ممكناً ألا تحضر فيه مواضعات الصراعات القديمة والجديدة بين القارتين.
أركان هذا الصراع كانت موجودة أيضاً خلال القمة الطارئة للاتحاد الأفريقي عام 2013 والتي خصصت للنظر في إمكان انسحاب جماعي لدول القارة من المحكمة الجنائية الدولية والتي شارك فيها الرئيس السوداني، وما كان لهذه القمّة أن تعقد أو لدعوة مقاطعة المحكمة الدولية أن تجد صدى لولا مطاردة المحكمة لرؤساء أفارقة ولشخصيات حكومية في دول أفريقية عديدة بينها كينيا وليبيا ومالي والكونغو وأوغندا وأفريقيا الوسطى إضافة للسودان على خلفية اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
تشكّل القمة العربية الإسلامية التي ستعقد في الرياض مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرصة مهمة جداً يريد الرئيس السوداني استغلالها وسيشكل قبول ترامب وجود البشير مع الزعماء العرب والمسلمين الآخرين سابقة سياسية لا نظير لها لأن تطبيع علاقات الولايات المتحدة الأمريكية مع السودان ورئيسه سيكون له مفعول هائل ضمن المنظومة الدولية.
الحكومة الأمريكية، من خلال سفارتها في الخرطوم، كانت واضحة في معارضتها حضور البشير للقمة الإسلامية الأمريكية وعليه فإن الأغلب أن المراهنة السودانية لن تكون محسومة.
الواضح أن رياحاً عديدة، وخصوصاً القادمة منها من دول الخليج العربيّ، تدفع مراكب الرئيس السوداني نحو التطبيع مع العالم، وهو ما يحمّس البشير على المراهنة على القمة المقبلة معتمداً على هذا الدعم وربما على فرضية أن ترامب رئيس لا يحب الالتزام الدقيق بالبروتوكولات الدبلوماسية والقانونية لكنّ الواقع الذي لا ينصاع للمراهنات هو أن كسر قرارات أممية في موضوع لن يجلب فائدة كبرى لواشنطن هو أمر خارج الحسابات.
تقدّم وضعيّة الرئيس السوداني إشكاليّة كبرى عربية وأفريقية وعالمية لأنها تثبت مجدّداً محدودية فعل القوانين الدولية والهيئات التي يقوم عليها النظام الأممي فإمكان تطبيقها يتعلّق بداية باتفاق الدول التي تمتلك حقّ النقض على تحويل القضية إلى المحكمة الجنائية، وهو ما يمنح بعض أكثر الطغاة توحّشاً في العالم كالرئيس السوري بشار الأسد رخصة أممية بالقتل، كما يمنح دولة إسرائيل وضعية الدولة الأعلى من القانون.
… وحين تنجح في إصدار أحكامها، كما حصل مع البشير، فإنها غير قادرة على إلزام العالم بها، مرّة لأنها زرعت الشكوك في عدالتها، ومرّة لأن تداعيات صراعات الشمال مع الجنوب والغرب مع الشرق وآلام «العالم الثالث» المستديمة ما تزال تتفاعل.