**** ((عطبرة ما ياها)) ....... واقع التغيير في عطبرة ****

08:31 AM May, 15 2017

سودانيز اون لاين
الهادي الشغيل-السعودية - جدة
مكتبتى
رابط مختصر

((عطبرة ما ياها))
واقع التغيير في عطبرة

بقلم : الهادي محمد عمر الشغيل :
لا شك أن عطبرة أم المدائن التي ترقد بسلام عند التقاء النيل الخالد ونهر الأتبراوي الطامح الثائر هي مدينة نموذجية تضم كل قبائل وأطياف السودان جمعتهم عطبرة واحتضنتهم ورش السكة حديد في ماضي السنين يعيشون في وئام وحب وسكينة تربط بينهم وشائج قوية يعيشون في هذا البقعة الجغرافية في بيئة تسودها الألفة والمودة يغيثون الملهوف ويسندون المكروب يقفون مع بعضهم البعض في السراء والضراء في اصطفاف وتكاتف وتعاضد قل أن نجد نظيره في أي مدينة أخرى .

يزخر المجتمع العطبراوي بالفضائل ، الأخلاق العالية ، الطيبة والشهامة وأضف إن شئت من مرادفات لهذه الكلمات فهي متأصلة ومتجذرة في أهل عطبرة الذين ضربوا أروع الأمثلة في التكافل الاجتماعي وأصبحوا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً يتصفون بسلامة صدورهم ونواياهم وحسن طويتهم ومحبتهم لبعضهم البعض .

تضافرت عدة عوامل أسهمت في تغير أحوال مدينة عطبرة على مر الزمن بعد أن كان معظم سكانها من الشريحة العمالية البسيطة الكادحة الذين هجروا أو قل - هُجّروا إن شئت – من عطبرة بحثاً عن الرزق في مناطق أخرى وأضحت الورش خاوية على عروشها ينعق فيها البوم وتسكنها الغربان شاهدة على التدمير الممنهج لهذا القطاع الحيوي . نعرف جميعنا أن مدينة عطبرة أشتهرت في السابق قبل عدة سنين دون مثيلاتها عطبرة بالرخاء وانخفاض الأسعار التي كانت في متناول الجميع ، لكن تغير الحال وتبدل في ظل الثورة العمرانية حيث توسعت المدينة وامتدت رقعتها الجغرافية وارتبطت بشبكة طرق ضخمة ربطتها بالشمال والشرق والعاصمة الخرطوم وكثرت سيارات الشحن والمقطورات الضخمة علاوة على البصات السياحية التي باتت تنقل الوفود والساكنين الجدد لمدينة عطبرة فتملكوا واشتروا عقاراتها وتزوجوا بنسائها وغزوا الأحياء والسوق حتى بات أهل عطبرة غرباء في مدينتهم ، نعم أصبح التغيير الديموغرافي والسكاني واقع وحقيقة ماثلة أمام الجميع ولا ينكرها أحد ، أضف إلى ذلك فقد دفع التنقيب التقليدي عن الذهب الآلاف من البشر للهجرة لعطبرة والاستقرار فيها لوقوعها في منطقة متاخمة لمناطق الذهب الأصفر.

تلاحقت السنين وإنقلب الحال رأساً على عقب وتبدلت الأمور .. أوووواه ربي فقد طمست معالم مدينتنا عطبرة الصامدة حتى بتنا نبحث عنها في بحر هادر متلاطم من الأمواج فلا نجدها ؟ !!! ...
أين تلك المدينة الوادعة الهانئة التي كانت مضرب المثل في التراحم والتعاون والتكاتف والتعاضد والتكافل الاجتماعي ؟؟!!!! لماذا تغيرت طباع المجتمع العطبراوي نسبياً وانحسرت الكثير من المثل العليا والقيم النبيلة التي كنا نراها في السابق وإن كنا نعتقد ونجزم أن عطبرة ما زالت وستظل بخير فقد غرس السابقون من أهل هذه المدينة غرساَ طيباً سيظل يؤتي أكله وسيمتد لعقود قادمة . أين سوق عطبرة القديم الذي كان يعج بعمال السكة الحديد ما بين التاسعة وحتى العاشرة صباحاً في جو بهيج يشرح الصدور ؟!!!! أين الوجوه العطبراوية السمحة البشوشة التي نعرفها ونألفها ؟!!! أين مدينتي مدينة السلام والتي تهاجر إليها الطيور بحثاً عن الأمان والإطمئنان ؟!!! أين رائحة جوها حين تمطر وأين صوت الريح وتفاصيل السماء ؟؟!! أين صوت عصافيرها فلم يعد بذات العذوبة ؟!!! أين صوت الأولاد وهم يلعبون الكرة خارج المنزل ؟!!! أين صوت زمجرة قاطراتها وهدير محركاتها وهدير الماكينات داخل الورش ؟ !!!

نعم تغير كل شيء حتى بتنا نسير في شوارع عطبرة وأزقتها ونحن نميد كالطير نتلمس جدرها وحوائطها لنتأكد هل هي مدينتنا عطبرة التي أحببناها وأحبتنا ؟ ، تغير كل شيء في عطبرة حتى الهواء الذي نتنفسه ليس بذاك العبق الذي كنا نستنشقه في الماضي .
لكن برغم كل هذه المتغيرات ستظل عطبرة مهما شابها من تغيير ديموغرافي واجتماعي وما صاحبها من تأثيرات سلبية هي عشقنا الخرافي يتغلغل حبها في أفئدتنا وفي حنايا الفؤاد يريبنا ما رابها ويؤذينا ما آذاها ، وسنظل نحبها بجنون ونعشق أرضها وهواءها وترابها وشجرها وحجرها وستبادلنا هي هذا الوفاء لأنها الأم الرؤوم التي تضج حناناً ورحمة على أبنائها وتحتضن فلذات أكبادها يكل حب وتحوطهم برعايتها وحنانها المتدفق.
وفي الختام نسأل المولى أن بعيد لهذه المدينة عطبرة بريقها وألقها ونتمنى أن نتلمس نهج السابقين الأخيار الذين عاشوا على تراب هذه المدينة الصامدة وضربوا لنا أروع الأمثلة في القيم والأخلاق الفاضلة واتخذوا الفضيلة رداءاً والمثل الرفيعة إزاراً ، وأبشروا بالذي يسركم أيها العطبراويون فالخير باق فيكم وفي مدينتكم إلى قيام الساعة وسيخلق الله من أصلابكم من سيعيد لعطبرة سيرتها الأولى ويغير ملامح المسجد المحزون الذي قال فيه أحمد شوقي (فلا الأذان أذان في منارته إذا تعالى ولا الآذان آذان) .
ودمتم سالمين .