(المرحوم/السفير عابدين إسماعيل) ما أجمل أن نعيش في عصر عبدين: بقلم السفير /سيد أحمد الحردلو

(المرحوم/السفير عابدين إسماعيل) ما أجمل أن نعيش في عصر عبدين: بقلم السفير /سيد أحمد الحردلو


03-09-2017, 10:00 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1489093229&rn=0


Post: #1
Title: (المرحوم/السفير عابدين إسماعيل) ما أجمل أن نعيش في عصر عبدين: بقلم السفير /سيد أحمد الحردلو
Author: زهير عثمان حمد
Date: 03-09-2017, 10:00 PM

09:00 PM March, 09 2017

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر


وقف عابدين إسماعيل وكأنه هرم من إهرامات البركل.سامقآ وشامخآ وصامدآ. وهو يقول بصوته الجاهر الجهوري وبلغة إنجليزية صافية كنعنعة الماء "إن ما حدث في مطار بنينة جريمة كبري..بل انه سابقة ليس لها

وحين سأله صحفي وهو يتجه خارج القاعة..للشارع الضيق الذي يفصل بين السفارة وقصر سنت جيمس.حيث تقيم الملكة الأم "سفير من أنت..هل أنت سفير جعفر نميري..أم أنت سفير بابكر النور..!" قال وهو يتقدم نحو سيارته "أنا سفير السودان !" .

كانت الدنيا في سبعنيات القرن العشرين، وعلي وجه الدقة كانت بدايات السبعنيات، وكانت لندن . أيامها. رحيمة بالسودانين وكان السودانيون رحيمين بها.
نسي السودانيون أو تناسوا ما فعلته الإمبراطورية العجوز بهم ولهم في كرري وأم دبيكرات، ونسوا سنوات القهر الإستعماري التي إمتدت من تسعينيات القرن التاسع عشر إلي خمسينيات القرن العشرين.
إنها الذاكرة السودانية المتسامحة والتي سرعان ماتنسي وتقلب الصفحات،بل هو القلب السوداني الطيب الذي يدير الخد الأيسر للصفعة التالية. كانت الأيام .برغم الإستعمار. سودانية،وكان السودانيون .برغم الإستعمار.
لا يزالون بخير، وكانت لندن لا تزال شابة ورائعة الحسن جدآ.

(الحردلو)
كان جمال محمد أحمد قد إنتهي للتو من ترجمة "أفريقيا تحت أضواء جديدة" لبازل ديفدسون،وكان الطيب صالح قد نشر الترجمة الإنجليزية لروايتيه "عرس الزين" و "موسم الهجرة للشمال" وكان أبراهيم الصلحي وعثمان وقيع الله لا يزالان يعيدان رسم لوحة لندن بعيون سودانية، وحين يقبل الليل كان يحتشد جميع هؤلاء في دارتي بنواحي همستد.
في تلك الأيام هبط علينا ذلك الرجل السامق كنخيل بلادي والرائق كنيل بلادي،والوطني المقاتل من أجل وطن يكون قبلة الحرية والديموقراطية وحقوق الإنسان.
جاءنا وجاء معه حزب من النبيلين والنبلاء.
بروفسر محمد عمر بشير،دكتور عز الدين علي عامر،ودكتور أحمد النجيب، وانضموا إلي منتدي دارتي التي كانت تضم كذلك طوماس هودجكن،بازل ديفدسون،مايكل ولفرز،أنطوني سلفستر وري صو.
وهكذا دخل لندن من كل أبوابها وسرعان ما تأقلم الراحل المقيم علي أجواء الدبلوماسية ومناخاتها،الجهيرة والمستترة، وأقام علاقات وثيقة مع الدبلوماسية البريطانية..وتلك المعتمدة لديها.
كنت مسؤلآ عن قسم الصحافة والإعلام وشؤون جنوب السودان بالسفارة، وكنت أحرص علي دعوة صحفي برطاني علي الغداء كل أسبوع في شقة للسفير ملحقة بالسفارة، وكان يحرص دائمآ علي ذلك اللقاء الأسبوعي
للتعرف علي الصحفيين البريطانيين بل ويدعوهم لزيارة السودان والتعرف علي أحواله، وهكذا كسبنا عددآ من الصحفيين النافذين في صحف كالتايمز والجارديان والديلي تلجراف والفاينانشيل تايمز وأفريكا كونفدانشيال.
أنه .أيضآ وعلي أيام سفارة عابدين إسماعيل، كانت المبادرة الأولي لفتح حوار مع حركة أنانيا ممثلة في مادينق دي قرنق رئيس مكتبها في لندن وهذه المبادرة كانت بمثابة مقدمات لتوقيع إتفاقية أديس أبابا عام 1972 وكان شهود المبادرة بروفسر محمد عمر بشير واللواء عوض مالك وشخصي. فعلنا كل ذلك بدون إستشارة الخرطوم
فقد كان يكفي أن لدينا وزيرآ للخارجية في قامة فاروق أبو عيسي، وسفيرآ في لندن في سموق عابدين إسماعيل، وهل يحتاج الهرمان صكآ من أبي الهول!
ما ذلت أذكر ذلك المساء، الإثنين الموافق 19 يوليو 1971 الساعة السابعة بتوقيت جرنتش. كنت في دارتي..وكان وصل إليها السفير يعقوب عثمان والسيدة الفضلي حرمه وكنا بإنتظار وصول الرائد فاروق عثمان حمد الله وآخرين..حين رن الهاتف وكان المتحدث رئيس قسم الأخبار بصحيفة الديلي ميرور ،والذي نقل إلي أنهم تلقوا "فلاشآ" من وكالة الأنباء العراقية بحدوث إنقلاب في السودان بزعامة الرائد هاشم العطا..طالبآ مني التعليق،فاعتذرت عن التعليق واتصلت بالسفير وحين لم أجده، أخطرت الرائد فاروق حمد الله. وهو صديق منذ الخمسينيات.والذي توجه علي الفور ألي شقة المقدم بابكر النور في نواحي بكنجهام بلاس.

صباح الثلاثاء 20 يليو كان مبني السفارة محاطآ بعشرات الكاميرات وعشرات الصحفيين،فاتصلت بالسفير في مكتبه أسأله ان كان قد ذهب لزيارة بابكر وفاروق،فرد بصوت حاد ولهجة قاطعة"ما مشيت..وما حا أمشي..الدايرني يجيني في سفارتي" .
كنت منهمكآ في إعداد نشرة بردود فعل أجهزة الإعلام البريطانية..حين إتصل بي الملحق العسكري السوداني يقول "الجماعة موجودين في شقة السفير..فتعال" قلت بحده أنا لا أتلقي توجيهات منك ! وأغلقت الهاتف.
وبعد قليل اتصل بي السفير وقال لي "إن الملحق العسكري أحضر الجماعة إلي الشقة..فتعال" وحين صعدت إلي الشقة..وجدت هناك أيضآ دكتور عز الدين علي عامر وفليب أوبانق وأحمد نور. ووجدت أن قرارآ قد أتخذ بعمل مؤتمر صحفي, لكن السفير إسماعيل لم يحضر ذلك المؤتمر الصحفي بسبب ارتباط سابق!
أقلعت الطائرة في تمام الحادية عشرة من ليل الأربعاء 21 يوليو وعليها المقدم بابكر النور والرائد فاروق حمد الله والنقيب عثمان بلول وعند الرابعة صباحآ كان جرس الهاتف يرن بعنف وإصرار في بيتي وكان المتحدث علي الجانب الآخر..السفير عابدين الذي أخبرني بأن مدير الخطوط الجوية البريطانية اتصل به قبل لحظات وأخبره أن السلطات الليبية أرغمت الطائرة علي الهبوط في مطار بنينة الليبي،وأن اسلطات الأمنية هناك قد احتجزت كلا من المقدم بابكر النور والرائد فاروق،وان الطائرة عائدة الآن إلي مطار هيثرو، وطلب مني أن أذهب حالا للمطار لمقابلة كابتن الطائرة ومعرفة ما حدث علي وجه الدقة، كان ذلك فجر الخميس 22 يوليو.
نقلت للسفير عابدين تقريرآ بما حدث قبل وفوق وعند مطار بنينة فطلب مني غبراق الخرطوم بذلك.
وجهني السفير ذلك الصباح أيضآ بالدعوة لمؤتمر صحفي يعقد بالسفارة ظهر ذلك اليوم،ودعوت للمؤتمر واحتشد الصحفيون بالقاعة الكبري في الطابق الأرضي، وقبيل المؤتمر إتصل بي صديق من القسم الإنجليزي ال"بي بي سي" يخبرني أن نميري يتحدث في تلك اللحظة من أذاعة أم درمان، فاتصلت بالسفير إسماعيل انقل إليه المعلومة واقترح عليه الغاء المؤتمر الصحفي فرفض وأصر علي قيام المؤتمر.
كنا. عابدين إسماعيل وشخصي.نهبط الدرج من الطابق الثالث وكنا في هدوء تام..كان نبأ عودة نميري قد انتشر
داخل السفارة، وكان رجال من أعلي الرتب العسكرية والمدنية يهرولون بجانبنا علي السلم..يسقطون وينهضون وينطلقون كالريح علي حد تعبير السيد كارتر الساعي بالسفارة،وكان الجنرال عابدين إسماعيل كما كان يسميه السفراء العرب. يمشي واثق الخطوة، أبيض الشعر، صارم القسمات، حتي إذا أدركنا باب القاعة دلف إليها وتقدم نحو المنصة، وأضواء الكاميرات تضئ القاعة، بينما كان يناديني الملحق الإعلامي المصري.وهو صديق قديم. "ياسيد..ده نميري رجع" فقلت في هدوء "عارف" فصرخ الرجل "وكمان عارف!" وصفق يديه وهو يردد "لا حول ولا قوة إلا بالله" .
وقف عابدين إسماعيل وكأنه هرم من إهرامات البركل.سامقآ وشامخآ وصامدآ. وهو يقول بصوته الجاهر الجهوري وبلغة إنجليزية صافية كنعنعة الماء "إن ما حدث في مطار بنينة جريمة كبري..بل انه سابقة ليس لها
سابق،وأنه قرصنة جوية وعمل بربري تتري، وأنه مدان من كل الشعب السوداني ومن كل الشعوب المحبة للحرية."
وحين سأله صحفي وهو يتجه خارج القاعة..للشارع الضيق الذي يفصل بين السفارة وقصر سنت جيمس.حيث تقيم الملكة الأم "سفير من أنت..هل أنت سفير جعفر نميري..أم أنت سفير بابكر النور..!" قال وهو يتقدم نحو سيارته "أنا سفير السودان !" .
كان المطر في تلك اللحظات.يزخ عنيفآ..كأنه يجلد وجه الصبية لندن..فتنهال المساحيق والألوان تحت قدميها
فتبدو لندن ركيكة في ثيابها المبللة..وشعرها المنكوش،فلم تعد لندن هي تلك اللندن..ولا إنجلترا هي تلك الإنجلترا التي يقول عنها ويردزويرز :
"هذه الأرض الخضراء
هذا الفردوس
هذه الإنجلترا".
كان المطر يجلد كل شيئ.كأن نهر التايمز قد صعد إلي السماء وانكفأ عاليه علي سافله واندلق فوق جسد لندن
مطرآ أسود..مطرآ أزرق.. مطرآ أحمر بلون الدم..وكان نهر النيل يهرول عبر الخرطوم مذعورآ ومغسولآ بالدم..وكان صوت عابدين إسماعيل عبر الريح والمطر "ما مشيت وما حا أمشي الدايرني يجيني في سفارتي".
وكان صوت عابدين إسماعيل يزخ في أذني عبر الريح والمطر " ان ما حدث في مطار بنينة جريمة كبري وسابقة ليس لها سابق".
وكان صوت عابدين إسماعيل يرعد في أذني..ويبرق أمام أعيني : "أنا سفير السودان" .
لحظتها..وأنا أركض.عبر الريح والمطر.تحت سماء لندن الباكية رأيت أنني أغني "ما أجمل أن نعيش في عصر عابدين إسماعيل !" .
رحمه الله

Post: #2
Title: Re: (المرحوم/السفير عابدين إسماعيل) ما أجمل أ�
Author: ياسر منصور عثمان
Date: 03-16-2017, 08:37 AM
Parent: #1

رحم الله المحامي والسفير الهرم عابدين اسماعيل
رأيته في اواخر ايامه
تحس فيه بكامل الشخصية السودانية كاملة الدسم

شكراً زهير