‏من لاجيء إلى دراسة الطب و أخيرا مترجما لماركيز و اكثر ‏من عشرات الكتب للعربية:‏

‏من لاجيء إلى دراسة الطب و أخيرا مترجما لماركيز و اكثر ‏من عشرات الكتب للعربية:‏


03-04-2017, 06:07 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1488604041&rn=0


Post: #1
Title: ‏من لاجيء إلى دراسة الطب و أخيرا مترجما لماركيز و اكثر ‏من عشرات الكتب للعربية:‏
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 06:07 AM

05:07 AM March, 04 2017 سودانيز اون لاين
محمد عبد الله الحسين-الدوحة
مكتبتى
رابط مختصرنموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب ليجد نفسه مترجما لماركيز و اكثر من ‏عشرات الكتب للعربية:‏و الله يكاد قلبي يقفز من صدري و أنا أقرأ قصة نجاحه و هي هدية لكل شبابنا لكي ‏يبدع و ينجز، و لأولياء الأمور لكي يدفعوا أبناءهم لطريق النجاح.‏أنا أقرأ في ذهول سيرة حياتي مئات الأسئلة الشغوفة تقفز إلى ذهني: لماذا نحن ‏بعيدين من الترجمة ؟ لماذا بعيدين عن الأدب المقارن و عشرات المترجمين الشباب ‏يظهرون كل سنة في مصر و لبنان و سورية و المغرب العربي؟ ‏لماذ و نحن في كافة أصقاع الأرض منتشرون و نتقن لغات تلك البلاد و ليس لدينا ‏مترجمين لها؟ و لا لادابها؟ و كأننا اكتفينا بالتواجد في تلك البلاد و كأن ذلك ‏إنجاز؟لماذا لا توجد في جامعاتنا دراسة للغات اللاتينية :الاسبانية الإيطالية...؟حقيقة ماذا فعلنا في هذا الجانب حتى الآن؟لا أريد أن ينبري لي شخص منا ليدافع عن بلدنا بأن لدينا و لدينا و لدينا ..لأنني ‏أعرف من لدينا .. و كأنني أجنبي أو كأنني أسيء إلى بلدي.‏حقيقة نحن مقصرين مقصرين مقصرين......للأسف.‏هذا ليس موضوعنا و لكن الموضوع يقود للموضوع:‏من هو هذا الشخص الذي جعلني أتهم نفسي و غيري بالتقصير؟من هو و قد قرأت له عشرات الكتب التي ترجمها و لم أعرف سيرته إلا اليوم؟

Post: #2
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 06:31 AM
Parent: #1

سأقول لكم من هو : ‏
لا بد ان تعرفوا شيئا عن صالح علماني.لأنه نموذج حي لإنسان استطاع أن ينجح ‏بعد أن وجد نفسه في هذا الطريق.‏
إنه اسم غير معروف إلا في مجال الترجمة.ترجمة الأدب و بالذات اللاتيني و ‏على وجه الخصوص لجبريل جارسيا ماركيز.‏
صالح علماني. معظمنا لم يسمع به. لأن المترجم رغم دوره الكبير لكن قل من ‏يهتم الناس به .فهو يضيع بين الكلمات كما يضيع مؤلفوا الأغنيات بين المطرب ‏والملحن .‏
حتى أنا لم أهتم بمن يكون المترجم الذي ترجم الكتب التي اسمتع بها لجابريل ‏جارسيا مار كيز و ايزابيل الليندي و سيرماغو وغيرهم من رموز الادب ‏العالمي.‏
و لكن لفت نظري بدقة تعبيراته و حلاوة أسلوبة و نصاعة كلماته و كأن القصة ‏مكتوبة بالعربية. فقررت أن أتعرف عليه.
فتفاجأت بالمعلومات التي جعلتني أفتح ‏لها بوست لانه تنير الطري لمن يهوى أو لمن يفكر أن يجد طريقا للنجاح.‏

Post: #3
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 06:38 AM
Parent: #2

صالح علماني مترجم عربي‎ ‎فلسطيني‎ ‎مقيم في سوريا، يترجم عن الإسبانية‎. ‎ولد في مدينة حمص‎ ‎عام ‏‎1949‎، ودرس ‏الأدب الإسباني‎. ‎أمضى أكثر من ربع قرن في خدمة الأدب اللاتيني ليُعرّف القرّاء العرب على هذا النوع من الأدب‎.‎
الكتب التي ترجمها
ترجم صالح علماني ما يزيد عن مئة عمل عن الإسبانية، هي محصلة جهوده الدؤوبة خلال أكثر من ثلاثين عاماً في ترجمة ‏أدب أمريكا اللاتينية، والأدب الإسباني عموماً‎.‎
ترجم للراوئي غابرييل غارسيا ماركيز‎:‎
• الحب في زمن الكوليرا
• قصة موت معلن
• ليس لدى الكولونيل من يكاتبه
• مئة عام من العزلة
• عشت لأروي
• ذاكرة غانياتي الحزينات
• ساعة الشؤم
• الجنرال في متاهة
و ترجم للراوئي ماريو بارغاس يوسا
• حفلة التيس
• دفاتر دون ريغوبرتو
• رسائل إلى روائي شاب
• في امتداح الخالة
• من قتل بالومينو موليرو
• شيطنات الطفلة الخبيثة
و ترجم للروائية إيزابيل أيندي
• إنيس... حبيبة روحي
• ابنة الحظ
• صورة عتيقة
• حصيلة الأيام
• باولا
و ترجم كتبا أخرى هي‎:‎
• كل الأسماء‎: ‎جوزيه ساراماغو
• انقطاعات الموت‎: ‎جوزيه ساراماغو
• مدينة الأعاجيب: إدواردو ميندوثا
• رؤى لوكريثيا: خوسيه ماريا ميرينو
• الريح القوية‎: ‎ميغل أنخل أستورياس
• أبوباباكواك: برناردو أتشاغا
• عرس الشاعر: أنطونيو سكارميتا
• بيدرو بارامو‎: ‎خوان رولفو
• عبده بشور الحالم بالسفن‎: ‎ألفارو موتيس
• النشيد الشامل‎: ‎بابلو نيرودا
• نيرودا حياته وشعره -دراسة‎.‎
• شيء من حياتي - مذكرات- ترجمة‎.‎
• مختارات شعرية لالبيرتي -ترجمة‎.‎
• القطار الأصفر- رواية للأطفال‎.‎
• الدب القطبي - رواية للأطفال‎.‎
• أربع مسرحيات للوركا -ترجمة


Post: #4
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 09:04 AM
Parent: #3

أقرأ هذه المقابلة التي أجريت مع المترجم الفلسطيني صالح علماني لتدرك مدى حجم انجازاته و ‏لتدرك تواضعه و :‏
بصوت هادئ يبدو طالعاً من "الغرائبية السحرية" لأدب أميركا اللاتينية وبتواضع لمنجزه الترجمي الذي ‏قارب المئة كتاب منذ "مئة عام من العزلة‎" ‎و"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه" لماركيز؛ يعترف المترجم ‏الفلسطيني صالح علماني بأن الإطراء الذي لقيه عمله الأول هو الذي جعله يقرر أن يكون مترجماً ‏ويشعر أن قدره أن يعيش ليترجم‎.‎
وقال علماني، في جلسة حوارية ضمن فعاليات "مهرجان مسقط"، إن للترجمة فضل كبير عليه، أكثر مما ‏له عليها حيث إنه لم يختر الإسبانية لغة لينقلها إلى العربية، بل هي التي اختارته -على حد تعبيره- أثناء ‏دراسته الطب، مشيراً إلى أن الظروف لعبت دوراً مهماً وساعدته كمترجم مع صعود تيار الرواية ‏اللاتينية وبروزها عالمياً في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات، وهو مدين في شهرته لهؤلاء الكتّاب ‏الذين ترجم لهم‎.‎
واستطرد قائلا إن هذا الفضل توّج أخيراً بأن مُنح الإقامة في إسبانيا مع عائلته بعد نزوحه من سورية، ‏إثر مطالبة خمسة من أبرز كتّاب أميركا اللاتينية الذين ترجم لهم، حكومة إسبانيا بأن تمنحه الإقامة ‏تكريماً لمنجزه في نقل إبداعات اللغة الإسبانية إلى العربية‎.‎
وبما أنه كان يعيش وضعاً صعباً بسبب المأساة السورية، فالمكالمة الهاتفية التي وردته بهذا الخبر جعلته ‏يبكي، وهو مدين بهذا للترجمة ولأصدقائه الكتّاب، معترفاً أن هذا شيء أخجله حقاً، لأن الناس ما زالت ‏تتذكر أن هناك مترجماً‎.‎
وزاد من هذا الاحتفاء بأن مُنح أيضاً جائزة "جيرار دي كريمونا" للترجمة العام الماضي، وهي جائزة ‏سنوية مخصصة لمساهمة مهمة من شخص أو مؤسسة من الضفة الشمالية ومن الضفة الجنوبية ‏للمتوسط في ميدان الترجمة وتحمل اسم جيرار دي كريمونا (1114 – 1187) الذي درس العلوم ‏العربية في القرن الثاني عشر، وترجم أكثر من سبعين كتاباً إلى اللغة اللاتينية في الوقت الذي رد فيه ‏علماني الجميل بأن ترجم مئة كتاب من اللغات اللاتينية إلى العربية‎.‎
وفي معرض رده على سؤال حول تقنية الترجمة أو خلطته السحرية في الترجمة التي تكاد تقارب النص ‏الأصلي، قال مترجم "عشت لأروي" إنه لا توجد ترجمة أفضل من النص الأصلي في أية لغة، خاصة ‏الشعر، معترفاً بأنه لا يقدم على ترجمة عمل ما لم يقع في حُبه، حيث رفض بعض الأعمال التي لم ترق ‏له واعتذر عن ترجمتها، معرّجاً في إجابته على "تقنيته الترجمية" المتمثّلة في القراءة الاستطلاعية ‏للعمل ثم قراءة العمل مرة أخرى وترجمة فصل أو فصلين ثم معاودة القراءة من حيث انتهى‎.‎
وهكذا ذاهباً وراجعاً بين قراءة العمل وترجمته حد الإجهاد، مع ضرورة فهم السياق التاريخي والثقافي ‏للعمل المُترجم لفهم الإيحاءات والمعاني الملتبسة، تليها القراءة الأخيرة للعمل ليضع نفسه مكان القارئ ‏ويشعر بسلاسة القراءة حتى يصل إلى الحالة المُرضية للترجمة النهائية‎.‎
وأضاف علماني أن المشكلة أثناء الترجمة في اللهجات الأميركية اللاتينية وليس في اللغة الإسبانية، ‏والتي تختلف من بلد إلى آخر، لذلك فإن دراسته الطب وعيشه في هذا البلد ومعرفتة لشعوب القارة ‏وأحوال معيشتهم وحكاياتهم وخرافاتهم وآلامهم وموسيقاهم، واطلاعه على تاريخ أميركا اللاتينية؛ كل ‏ذلك ساعده كثيراً على فهم هذه الاختلافات النابعة على حد تعبيره من تركيبة هذه القارة وشعوبها ‏المتعددة الأعراق والتي تميل إلى "الحياة شبه الفوضوية وعدم الصرامة‎".‎
كما أشار إلى تأثير المستعمر الإسباني الذي دمر حضارات بأكملها كحضارات المايا والأزتيك والإنكا، ‏لكنه اضطر في النهاية ومن خلال مجمع اللغة الإسبانية إلى أن يعترف بهذه اللغات "الهندية" كون نصف ‏أعضائه من جميع بلدان القارة، وبدأ يضيف الكلمات العامية إلى معجمه مما أغنى اللغة الإسبانية، بسبب ‏انتشار ظاهرة الأدب اللاتيني، ما يعني أن المستعمَر فرض على المستعمِر لغاته الأم‎.‎
وضرب علماني مثلا في صعوبة ترجمة بعض الكلمات التي لها معانٍ مختلفة من بلد لآخر، بكلمة ‏‏"خُلاسية" إذ توجد ست مسميات للأنواع الخلاسية في القارة الأميركية تبعاً لعرق الوالدين، وهذا ما ‏يوجب توضيحه في الترجمة، كما أنه وقع حائراً في ترجمة كلمة "غانية" في كتاب ماركيز "ذاكرة ‏غانياتي الحزينات‎" ‎التي تعني في الأصل كلمة أكثر بذاءة من كلمة "عاهرة‎".‎
وقال مبتسماً بأن العربية لا تعدم طبعاً مرادفات لهذه الكلمة، متذكّراً أن وزير الثقافة الكولومبي قال له ‏إنه لا يسمح شخصياً لابنته بقراءة عنوان كهذا، ما جعله في النهاية يستقر على كلمة "غانية" بكل ‏دلالاتها في اللغة العربية‎.‎
يعتبر علماني نفسه محظوظاً، فرغم أن المترجم لا يمكنه العيش من الترجمة، إلا أنه سعيد بما منحته ‏الترجمة من دخل مادي يساعده في معيشته وأسرته، فرغم مشاق الترجمة المعروفة؛ إلا أن الترجمة ‏الأدبية خصوصاً ممتعة وشيّقة، لأنك تترجم في النهاية "الجانب الإنساني في الإنسانية‎".‎

Post: #5
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 10:33 AM
Parent: #4

مقال يحكي عن تاريخ و مراحل حياة صالح علماني
المترجِم شريكاً‎ :
يعترف علماني للحضور في الندوة العُمانية أن المترجم موجود في أعماله، وهو يرى أن المترجم شريك للكاتب في ‏العمل، حتى إن الهيئات القانونية في إسبانيا تعتبر المترجم "مؤلّفاً للترجمة"، ولكن في بلداننا العربية لم نصل بعد إلى هذا ‏الاعتراف، مشيراً إلى أنه فكر في وضع كتاب عن تجربته، لكنه أجّله كما أجّل فكرة كتابة رواية بعد أن قرأ وترجم "ليس ‏لدى الكولونيل من يكاتبه" لكن الفكرة قائمة على أية حال>
مستوحياً من العبارة التي عنون بها ماركيز مذكراته، اختار صالح علماني ذات وسم في صفحته على فيسبوك نهاية عام ‏‏2010، أن يلخص حياته ببساطة.. "عشتُ لأترجم". كانت رحلته في الحياة أشبه بواقعية سحرية لشاب فلسطيني بدأ في ‏دراسته طبيباً، تراوده أحلام رومانسية أن يغدو روائياً عظيماً، قبل أن يحزم قراره الذي سيكرّسه واحداً من أهم ‏المترجمين العرب الذين طوعوا الإسبانية لتنطق بالعربية مع أكثر من مئة عمل بين رواية وقصة وشعر، جعلت قارئ ‏الضاد يتنقل مع عوالم نيرودا ولوركا وماركيز وإيزابيل الليندي .. كأنه يقلب بأُلفة صفحات خطّها نجيب محفوظ أو ‏محمود درويش‎.‎
من آخر معقل مقاوم في فلسطين عام 1948، غادر الفلاح عمر علماني ابن "ترشيحا" أو "جبل الشيح" كما كانت تعرف ‏بالكنعانية تلك القرية الموشحة بأشجار الزيتون شمال عكا، حيث تعايش المسلمون والمسيحيون قروناً، لتبدأ التغريبة، ‏ويشارك الآلاف من أبناء شعبه الذين هُجروا في تلك الرحلة التي ستطول كأنها مئة عام من العزلة، لينتهي به المطاف ‏في سورية، وفي شهر شباط من عام 1949، رزق الحكّاء الأمي بمدينة حمص بذلك الطفل الذي سيولع بالقراءة، وأطلق ‏عليه اسم "صالح‎".‎
كانت رحلته في الحياة أشبه بواقعية سحرية لشاب فلسطيني، بدأ في دراسته طبيباً، تراوده أحلام رومانسية أن يغدو ‏روائياً عظيماً
استقر مقام العائلة في الحجر الأسود ذلك الاتساع الغرائبي لمخيم اليرموك جنوب دمشق، حيث أكمل صالح علماني ‏دراسته، ليحزم حقائبه نهاية الستينيات صوب مدريد لدراسة الطب حاملاً معه دواوين لصلاح عبدالصبور، وبدر شاكر ‏السياب، ونازك الملائكة، وديوان محمود درويش الأول "آخر الليل" مما كان يثير سخرية زملائه، فلم يكن مستغرباً ألا ‏يتوافق مع هذا التخصص، رغم نجاحه في السنة الأولى، ليتحول إلى دراسة الصحافة التي وجدها أكثر صعوبة! ثم يترك ‏الدراسة فترة بعد أن ساءت أحواله المادية، خصوصاً مع اشتعال حرب تشرين عام 1973، واضطر للعمل في الميناء ‏وأماكن أخرى، ليوفر تكاليف دراسته الجديدة "الأدب الإسباني"، وكانت بدايته في الترجمة مع مقررات المجلس الوطني ‏الفلسطيني التي كان يقوم بنقلها لرفاق شيوعيين إسبان، لتنشر في مجلة يشرف عليها الحزب الشيوعي الإسباني.
يتبع


Post: #6
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 11:06 AM
Parent: #5

ذات مساء قاده التسكع في قاع مدينة برشلونة إلى أحد المقاهي، حيث كان لقاؤه الأول مع أدب أمريكا اللاتينية برواية "مئة ‏عام من العزلة" التي أهداه إياها أحد أصدقائه الإسبان، ليُؤخذ بذلك السرد العجائبي لغابرييل غارسيا ماركيز، ما جعله يحسم ‏أمره ويمزق مخطوط روايته الأولى، ويغادر حلمه الأثير بأن يكون روائياً معروفاً "أن تكون مترجماً مهمّاً أفضل من أن ‏تكون روائياً سيئاً"، ليشرع بترجمتها، وداوم على ذلك لاحقاً بعد إنهاء دراسته في معسكرات الجيش أثناء تأديته الخدمة ‏الإجبارية في سورية، قبل أن يتوقف بعد صدور أول ترجمة عربية للرواية بقلمي سامي وإنعام الجندي.. لكن ظل في نفسه ‏شيء من هذا العمل، حتى بعد أن تُرجِم أكثر من مرة، وكان على القارئ العربي أن ينتظر حتى عام 2005، لتصدر الرواية ‏بعربيّة علماني‎.‎
أن تكون مترجماً مهمّاً أفضل من أن تكون روائياً سيئاً
دفعَهُ حرص التّرجمان إلى الانتساب لجامعة دمشق، ودراسة الأدب العربي، حتى يتسلح باللغتين العربية والإسبانية، ويذكر ‏الروائي والقاص الفلسطيني رشاد أبو شاور أن أول عملترجمه صديقه صالح كتاب صغير عن شاعر التشيلي بابلو نيرودا، ‏ولكن لم تلتفت إليه الأنظار إلا عام ‏‎1979‎، بعد أن انتهى من ترجمة رائعة ماركيز"ليس لدى الكولونيل من يكاتبه‎" ‎لتتسابق ‏بعدها دور النشر للتعامل مع هذا المترجم الواعد، "كنت أعمل في وكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) وذهب عبدالله حوراني (من ‏دار الفارابي) إلى مدير دائرة الثقافة وسأله: ماذا يعمل صالح علماني معكم، فأخبره لا أعرفه، وبعد أن سأل، أخبروه أنني ‏أعمل محرراً في الوكالة، فقال لا هذا احبسوه معكم في غرفة وخلوه يترجم فقط!"، وكان من ضمن متابعيه محمود درويش ‏أثناء عمله محرراً في مجلة "شؤون فلسطينية"، بعد أن وقع على نسخة مترجمة له لأشعار ‏‎"‎رافئيل ألبيرتي" ليعلق درويش ‏‏"هذا الرجل ثروة وطنية ينبغي تأميمها"، ويطلب من الشاعر أحمد دحبور التواصل مع علماني، وإخباره بنية المجلة نشر ‏بعض هذه الأشعار المترجمة‎.‎
الترجمة أداة للديمقراطية
الترجمة في نظر علماني أداة للديمقراطية تتساوى فيها جميع اللغات، ولكنه يؤمن أنها في الوقت نفسه ضرب من الخيانة ‏الأمينة؛ لأن الترجمة الحرفية كما يعترف جريمة لا تغتفر "المنطق البلاغي بين لغتين قد لا يتقاطع دائماً.. لا يمكن لأي ‏مترجم أن يختفي وأن يتلاشى، هذا مستحيل.." لكنه يرى أن "الخيانة" الآن أقل مع التقدم التقني، لأن المترجم أصبح يطّلع ‏الآن بكل سهولة على حقيقة المنطقة والثقافة التي يترجم عنها، "عندما تواجهني كلمة أبحث في غوغل عنها، وأطلب معرفة ‏معناها في منطقة البيرو وأحصل على المعنى فوراً ... هذا سهّل عمل المترجم وقلل خيانته‎".‎
كرس علماني حياته لترجمة الأدب المكتوب بالإسبانية، لكنه لم يقاوم في عام 2006 إغراء ترجمة الديكاميرون للإيطالي ‏بوكاشيو، وكانت هذه أوّل مرّة ينقل فيها عملاً من اللغة الإسبانيّة لم يكتب بها، بعد أن رأى أن سبعة قرون فترة امتدت أكثر ‏مما يحتمل، لنقل "ألف ليلة وليلة الإيطالية" كاملة إلى العربية؛ فهو ما يزال ينظر إلى الترجمة بوصفها في الدرجة الأولى ‏علاقة حبّ مع النص. "أحب رواية "الحب في زمن الكوليرا‎" ‎كثيراً، أحبها لأنني أحبها لا لأمر آخر، أحبها ليس لأنني ‏ترجمتها، بل لأنني قرأتها أولاً‎".‎
حلم استحال إلى لجوء
بعد أن تحسنت أحواله المادية نسبياً لم يطل مقامه في "الحجر الأسود" بحثاً عن حياة أهدأ، فغادره مع زوجته وابنيه عمر ‏ولارا ليبتني بيتاً في معضمية الشام.كان يعمل عشر ساعات يومياً، وهو منبطح على الأرض قبل أن يشتري آلة كاتبة استغنى ‏عنها بجهاز الحاسوب، "أقرأ النص خمس مرات، ثم أترجمه مباشرة على شاشة الكمبيوتر. وعندما أنجز بضع صفحات، أقرأ ‏النص الذي ترجمته بصوت عال لمعرفة الإيقاع السمعي للجملة‎".‎
عمل علماني مترجماً في السفارة الكوبية وموظفاً في وزارة الثقافة السورية لسنوات طويلة قبل تقاعده عندما بلغ الستين، ‏وبحكم علاقته التي وثقها مع "ثورة المعلومات" ما فتئ ينبش في مواقع الكتب الإسبانية على شبكة الإنترنت، وعندما يعجبه ‏كتاب جديد، يسارع إلى اقتنائه علّه يكون مشروع مولود ترجمة جديداً آخر‎.‎
الترجمة في نظر علماني أداة للديمقراطية تتساوى فيها جميع اللغات، ولكنه يؤمن أنها في الوقت نفسه ضرب من الخيانة ‏الأمينة
لكم راوده حلم ببناء بيت ريفي في ضواحي دمشق، يكون محراباً لعمله، لكن أطاحت به قذيفة من "الربيع السوري" أتت على ‏معظم بيته في المعضمية، لينتقل منه لاجئاً في مسقط رأسه سورية قبل أن يجبر على مغادرتها والإقامة في إسبانيا التي كرمته ‏في عام 2015، عندما أعلنت ‏‎"‎مدرسة طليطلة للمترجمين" عن منحه جائزتها السنوية للترجمة، في دورتها الأولى، مؤكدة ‏أن "لا كرامة لنبيّ في وطنه‎".‎
في عام 2014، قدم صالح علماني مع وفد من إسبانيا إلى الأردن، ضمه مع الشاعر والمترجم الفلسطيني محمود صبح، ‏ومدير مدرسة طليطلة للمترجمين لتكريمهم في رام الله، بدعوة من اتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين، والكلية الجامعية ‏العصرية، إلا أنه احتجز في المطار؛ لأنه يحمل وثيقة سفر إسبانية، ولم يتمكن من الدخول إلا بعد تدخل الدكتور الأردني خالد ‏الكركي، إلا أن سلطات الاحتلال مانعت دخوله وأجبرته على العودة إلى عمّان، لتتاح له فرصة الالتقاء بشقيقته المقيمة في ‏عمّان، والتي لم يشاهدها منذ سنوات طويلة، ليصطدم علماني بالبيروقراطية التي كادت تمنعه من هذا اللقاء لولا ضمانة ‏شخصية أخرى من السياسي والمثقف الأردني الأبرز خالد الكركي رئيس الديوان الملكي السابق‎.‎
رحلة صعبة أهلته للنجومية
نجح صالح علماني في تكريس نجوميّة المترجم؛ لأنه آمن أن الترجمة جنس أدبي قائم بذاته، وأن المترجم هو مؤلف مستقل ‏آخر للترجمة يندمج مع النص ويعيد إنتاجه، لكنه ظل وفياً لتواضعه الذي ميزه طوال حياته، فرغم أنه ترجم جميع أعمال ‏ماركيز، إلا أنه رفض ترجمة رواية "خريف البطريرك" التي يعدها بعض النقاد أهم أعمال صاحب مئة عام من العزلة، ‏والتي نقلها إلى العربية عن الفرنسية محمد اليوسفي، وحين سئل علماني عن ذلك أجاب "لن يكون بإمكاني ترجمتها أفضل ‏منه‎".‎
عناوين كثيرة مهمة لم يترجمها علماني بعد، مرجعاً ذلك إلى "صعوبة تسويق الأسماء المجهولة إلى قرّاء العربية"، من جهة ‏وإلى أن "دور النشر تلحق الأسماء الرائجة" من جهة أخرى، مستدركاً في إحدى تصريحاته على ما سبق "من المؤسف ألّا ‏تصلنا أعمال الأرجنتيني توماس إيلوي، أو خوان كارلوس وينتي من الأوروغواي، هذا الروائي هو الأب الشرعي للواقعية ‏السحرية‎".‎
لم تكن رحلة "كولونيل الترجمة" سهلة، بل كافح ليصل إلى قلوب القراء، ويحصد محبتهم؛ فقد باتوا يدركون معنى كتابة اسم ‏علماني على غلاف الكتاب، ليكون جديراً بالاقتناء، وعن ذلك قال في مداخلة له بأحد المؤتمرات: "إن مهنة المترجم دائماً في ‏الظل؛ لأنه يقدم شخصاً آخر، والمصادفات وحدها هي التي جعلتني نجماً. وأقبل محبة الناس لكنني أخجل، وأرجو لكل ‏المترجمين حظاً مثل حظي في الشهرة‎".‎
علماني الأكثر وفاء لخيانة الترجمة
المترجم العراقي الدكتور محسن الرملي في حديثه مع مدونة وطن‎ "eSyria" ‎قال عن "عرّاب أدب أمريكا اللاتينية": "إن ‏الحديث عن صالح علماني يقتضي تذكر عبارة تقول: "إن الترجمة خيانة"، فإذا كانت كذلك، فإن أكثرنا وفاء لهذه الخيانة هو ‏صالح علماني‎".‎
وأضاف الرملي "صالح علماني درسٌ حيّ وتاريخي لنا جميعاً نحن المترجمين، حيث تخلى عن كل شيء، ليجعل الترجمة ‏طريقاً وهدفاً له، تخلى عن دراسته الأكاديمية، وتخلى عن الكاتب فيه لمصلحة المترجِم فأذاب الروائي في المترجِم كما تذوب ‏قطعة سُكّر في قدح الشاي، لذا نلمس هذه العذوبة في أسلوبه لكل ما ترجمه. وقد راهن علماني على الترجمة ولم يخسر، فحقق ‏شهرة تفوق شهرة الكثير من الكُتاب، حيث لا تكاد تخلو أية مكتبة عربية عامة أو خاصة من كتاب يحمل اسمه‎".‎

Post: #7
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: عمر دفع الله
Date: 03-04-2017, 11:41 AM
Parent: #6


هل أساء ابن رشد فهم أرسطو؟
صالح علمانى

Post: #8
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: عمر دفع الله
Date: 03-04-2017, 11:50 AM
Parent: #7


Post: #9
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-04-2017, 09:37 PM
Parent: #8

الأخ عمر دفع الله
ألف شكر على المشاركة الإيجابية و شكرا على الفيديوهات و التي أضافت الكثير من الإضاءات حول الشخصية.
لك الشكر و المودة

Post: #10
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: عمر دفع الله
Date: 03-04-2017, 11:19 PM
Parent: #9

‏أنا أقرأ في ذهول سيرة حياتي مئات الأسئلة الشغوفة تقفز إلى ذهني: لماذا نحن ‏بعيدين من الترجمة ؟ لماذا بعيدين عن الأدب المقارن
و عشرات المترجمين الشباب ‏يظهرون كل سنة في مصر و لبنان و سورية و المغرب العربي؟
--------------------------------------
الاخ محمد عبدالله
والله كلامك الفوق دا حننني
ياخي نحنا ما قدر كدي
نحنا بيننا حسن صاعقة النجم والمدفع الرزام واسد الكداد الهز البلد من اليمن للشام .

وعلى قول اخونا اسامة الخواض :
لو لا قيض الله لنا الروائي الطيب صالح لاصبحنا امة بلا مبدعين ........ تحياتي

Post: #11
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-05-2017, 08:26 AM
Parent: #10

الأخ عمر
ملاحظتك صحيحة. حتى الندوة اللي في الفيديو ما فيه مشاركين سودانين.
السبب الأساسي لإنشاء البوست هو للفت الانتباه لموقعنا في خارطة المساهمة الفكرية و الإبداعية مقارنة مع من حولنا.
و ثانيا للفت نظر الشباب لإمكانية تحقيقالنجاح من خلال المثابرة و من خلال لفت نظرهم لكثير من المجالات التي ليس لنا فيها مشاركات كما يجب.
كما أن البوست يهدف للفت نظر أولياء الأمور لاستكشاف مجالات جديدة و متاحة لأبنائهم و التي ربما يملكون فيها مواهب و إمكانات نحجبها نحن الكبار بدفع أبناءنا لدراسة تخصصات لا يجدون فيها أنفسهم و لا يبدعون.
لك الشكر أخي عمر

Post: #12
Title: Re: ‏ نموذج للنجاح من لاجيء ترك دراسة الطب لي�
Author: محمد عبد الله الحسين
Date: 03-05-2017, 11:48 AM
Parent: #11

عشت لأروي الحياة : الحياة ليست ما يعيشه احدنا بل ما يتذكره : غابرييل ج. ماركيز
‏(الحياة ليست ما يعيشه احدنا بل ما يتذكره و لكن كيف يتذكره ليرويه) ‏
بهذه العبارة الماركيزية يفتتح الروائي الكولومبي الحائز على نوبل للآداب غابريال ‏غارسيا ماركيز كتابه (عشت لأروي) (مذكرات) في جزئه الاول ونقله الى العربية ‏صالح علماني‎.‎
ماذا في هذه المذكرات لروائي اصيل ومبدع من طراز ماركيز وأحد ابرز الذين عبروا ‏عن روح اميركا اللاتينية وارسى ما سُمي بـ(الواقعية السحرية) في اعماله الأدبية. في ‏هذه المذكرات يكتب ماركيز عن الينابيع الاولى لحياته وكتاباته وعائلته واصدقائه. يكتب ‏عن خريطة الطريق التي اوصلته الى ما هو عليه اليوم. واحيانا، في غمرة قراءتنا ‏مذكراته، ينسينا ماركيز ان النص هو مذكرات او سيرة وليس رواية. فهو يجمع العناصر ‏ويحبكها لنكتشف معه ذاك الفارق الضئيل بين الأدب والحياة، وإن يكن الفارق بين حياة ‏ماركيز وادبه وخياله ضئيلا حقا ويكاد لا يرى. فهو القائل (نقلا عن خوسيه فيلكس): ان ‏الفرق بين الحياة والادب هو مجرد خطأ بسيط في الشكل‎.‎
عابرا نهر المغدلينا في المركب برفقة والدته التي ما ان فاض النهر حتى تشبثت ‏بمسبحتها وكأنها تتمسك بحافات رافعة رحوية يمكنها ان تسحب جرارا او تحمل طائرة ‏في الجو‎.‎
ثم ينقلنا في مشهد آخر ليتذكر رموزه في ادب وليم فوكنر ويسميه (اوفى شياطين ‏الاوصياء‎).‎
والزمن في (عشت لأروي) ليس متسلسلا بل يبدو دائريا يتسع لرؤى كثيرة ومشاهد تطل ‏وتغيب كل مرة اكثر اكتنازا وظلالا وعمقا. والاسئلة التي يطرحها المرء في ذهنه حول ‏ماركيز يجد في الكتاب اجوبة عنها، واسئلة جديدة كذلك‎. ‎ماذا فعل ماركيز ليصل الى ‏الجامعة، وليصل الى الصحافة او الأدب؟ علل نفسه بالوهم الجريء في العيش من ‏الصحافة او من الادب دونما حاجة إلى تعلمهما، او متحمسا لعبارة برنارد شو المشهورة ‏منذ طفولتي الباكرة اضطررت إلى قطع تعلمي لكي اذهب إلى المدرسة. ثمة علم آخر ‏ومدرسة ثانية في الحياة والشارع والطبيعة. يكشف ماركيز النقاب عن مقومات طفولته: ‏جده والنساء والعائلة الكبيرة والمنزل المتسع لدراما الحياة. منذ طفولته يروي القصص ‏والاكاذيب ويخاف من الليل، وقبل ان تضيق العائلة ذرعا به ينقذه الدكتور باربوشا بحجة ‏حكيمة: (اكاذيب الاطفال علامة موهبة كبيرة). هل كان ذلك خبث طفل او ما يعزوه ‏ماركيز نفسه إلى تقنيات بدائية لراوٍ في بداياته من اجل جعل الواقع اكثر متعة وقابلية ‏للفهم‎.‎
يؤكد ماركيز في مذكراته انحيازه الى عالم النساء الذي اتاح له شعورا بالراحة والامان ‏‏(بينهن) اكثر منه بين الرجال. ويرد اقتناعه الى انهن عماد حماية العالم، بينما نشيع فيه ‏نحن الرجال الفوضى بهمجيتنا التاريخية‎.‎
والمنزل مليء بالاسرار. قال والده لوالدته حين قدم اليها الوردة بعد انتزاعها من عروته ‏‏(اسلمك حياتي في هذه الوردة).. عبارة اثيرة لحب كبير‎.‎
ماذا في العائلة؟ اي سر يخيم عليها؟ . يتذكر ماركيز والده خارجا من البيت، مودعا بين ‏يديه نقودا: بين يديك اتركهم وبين يديك سأجدهم. وحين ودّعه ملوحا ادرك عندئذ كم ‏يحبه، والى الابد. تظهر علاقة ماركيز وارتباطه المكاني بالمنزل عبر بعدين: الحنين ‏والتطهر: كل شيء يؤكل في المنزل يجب ان يكون متبلاً بمرق الحنين (ص88). وعن ‏جديه انهما كانا متورطين في حنينهما كلما سعيا الى التطهر من المنزل. لكن تبقى ‏علاقته الاثيرة بجده الذي يشعره بالامان التام. مثله الاعلى. وحده يدعوه الطفل الكامل. ‏مع جده يقول جملته الروائية الاولى، نجاحه الادبي الاول. يؤوب الى عام 1932 حين ‏توفي صديق جده البلجيكي وشريكه في لعبة الشطرنج: لن يعود البلجيكي الى لعب ‏الشطرنج بعد اليوم. رأى جده في تلك الجملة خاطرة عبقرية راح يرددها امام الجميع: يا ‏للعنة، هذا الطفل سيصير كاتبا. يسمع ماركيز قدره بصوت احدهم. وموت الجد علامة ‏فارقة في حياته. يتذكر في حسرة موت نيكولاس ماركيز بسرطان الحنجرة، وبحسب ‏الطقوس، حرقوا ثيابه وقبعاته المخملية وبينها قبعة غابريال المخملية التي احرقت سهوا. ‏ولكنه رأى في وضوح شيئا خاصا به يموت معه. في تلك اللحظة احس ماركيز بأنه ولد ‏كاتبا وهو لا يزال في المدرسة الابتدائية ولا ينقصه الا تعلم الكتابة. وبواقعيته السحرية ‏يكتب كيف ماتت عمته: خيّطت كفنا على مقاسها بتأنٍ بالغ واستلقت به في تلك الليلة ولم ‏تودع احدا، بلا مرض بلا آلم. تأهبت للموت، وملأت استمارات الوفاة واجراءات الدفن‎. ‎ماذا يفعل الكاتب ازاء حوادث حياته وتأثره برؤية معينة كان يتطهر منها في القصة ‏القصيرة؟ مات الجد وماتت العمة وصار البيت بلا روح حينما لم يعد هناك من يعود في ‏القطار‎.‎
يذهب الى بوغوتا لمتابعة دراسته ويتذكر منها الاحصنة الضخمة والعربات الفاخرة وذاك ‏الاعلان الكئيب. يروي رعبه مع الامتحانات والقلق الناجم عنها‎. ‎ويتعلم في المعهد ‏الوطني ما لن ينساه: في جوهر كل منا توجد البلاد بأسرها‎.‎
ماذا عن اول قصة كتبها ماركيز وعن علاقته بالكتابة؟ كانت قصة عقدة نفسية هاجسية ‏كتبها متأثراً باكتشافه كتابات فرويد. اما شعور الكتابة لديه فهو التزام. اما ان اكتب او ‏اموت. او في تعبير ريلكه: اذا كنتَ تظن انك قادر على العيش من دون كتابة فلا تكتب‎.‎
واللافت ان شهرته لم تكن كقاص او شاعر او روائي بل كخطيب سياسي إثر خطبة ‏القاها بعد الحرب العالمية الثانية. كتب الشعر تحت اسم مستعار هو خافيير غاريتش ‏معتبرا الامر تمارين حرفية غير طالعة من الروح وبلا قيمة شعرية‎.‎
في مستهل حياته الصحافية كتب روبورتاجات طولها متر او متر ونصف المتر وكان ينام ‏على الورق ويصل الليل بالنهار. انضم الى جماعة من الشعراء والادباء وتدرّب معهم ‏على امكان فقدان الصبر انما من دون ان نفقد على الاطلاق حس السخرية‎.‎
وتلقن في بداية حياته كاتبا من رامون غوميث لاسيرنا قاعدة لن ينساها طوال حياته لا ‏تعرض على احد ابداً مسودة مازلت تكتبها. ولا يتحرج البتة من ذكر غزواته الى ماخور ‏‏(القط الاسود) ومناقشاته الصاخبة المجنونة مع رفاقه في المجموعة‎. ‎ولكن ما هي اجمل ‏قصة سمعها ماركيز في حياته ؟! انها من كتاب ‏‎(‎الف ليلة وليلة): صياد يعد جارته بأن ‏يهديها اول سمكة يصطادها اذا قدمت له قطعة رصاص من اجل شبكته، وعندما تشق ‏المرأة السمكة لتقليها، تجد في داخلها الماسة بحجم لوزة‎. ‎يتحدث ماركيز عن مصادفات ‏كثيرة في حياته. يروي قصة روايته الثالثة ساعة الشؤم. كتب اصولها في الحي اللاتيني ‏في باريس ثم جعل من اوراقها لفافة لربطة العنق ودفنها في قاع الخزانة. ثم فازت ‏بجائزة قيمتها ثلاثة آلاف دولار في مسابقة شركة آسو الكولومبية يوم ولد ابنه الثاني عام ‏‏1962 . اما مأساته الشخصية المستمرة في الكتابة فهي الاملاء‎. ‎فبعد سبعة عشر كتابا ‏لا يزال مصحّحوه يصفون اخطاءه بأنها مجرد اخطاء مطبعية. وينهي ماركيز كتابه ‏بأزمته مع العائلة. يسهر ليلا في بيوت قاطعات الطرق وينام نهارا. تأخذه ارجوحة النوم. ‏لم يعد يقرأ. ينسى. بات غريبا في البيت. والداه يحلمان له بمستقبل لامع. يبدأ الصدام ‏امام الخيارات التخصصية. يرفض ان يكون ما ليس عليه او ما تريده له الحكومة ان ‏يكون. تقول له والدته: في امكانك ان تصبح كاتبا جيدا اذا صممت. يعاهدها بانهاء ‏الثانوية على الاقل. ويقول له والده: انك تمزق قلبي... ولكن يبقى لي على الاقل فخر ‏مساعدتك على ان تكون ما تشاء. ويعبر اخيرا الامتحان بنتيجة مميزة وجائزة خاصة هي ‏كتاب (حيوات الفلاسفة اللامعين) وكان له التقويم الافضل تلك السنة رغم اقتناعه بأنه لم ‏يكن كذلك‎. ‎في كتابه عشت لأروي يعبر ماركيز بين عالمين، ذاتي وموضوعي، في جرأة ‏وسخرية وتشويق، والفقرات مؤثرة يسقط فيها القناع بين الشخص والراوي، من دون ان ‏يتخلى عن واقعيته، وفي شعرية نابضة ورؤية عميقة. ماركيز هنا مثلما يقول كونديرا ‏ثمل بالعالم الموضوعي يرفعه الى نطاق يصير فيه كل شيء واقعيا وغير معقول ‏وسحريا في الوقت نفسه‎. ‎عشت لاروي: كتاب اخاذ لروائي قل نظيره يفتح فيه نافذة الى ‏داخل الروح، وهو في الوقت عينه شرفة تطل على عالم ماض في حركته وتغيره ‏وغرابته‎.‎
المؤلف: غابرييل غارسيا ماركيز. ترجمة: صالح علماني