أبيض وأسود

أبيض وأسود


02-01-2017, 01:40 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1485952841&rn=0


Post: #1
Title: أبيض وأسود
Author: ابو جهينة
Date: 02-01-2017, 01:40 PM

12:40 PM February, 01 2017

سودانيز اون لاين
ابو جهينة-السعودية _ الرياض
مكتبتى
رابط مختصر

إلى تلك الخلاسية التي سألتْني عن تناسخ الألوان في جنس البشر و هي موقنة أن في سحنتها سفْرٌ من إجابة تملأ أضابيرا ..
قلت لها وأمام ناظري تتراقص صور شتى تتراءى من شوارع المدن المزدحمة وهدوء القرى النائمة على ضفاف الأنهر وصخب التواصل في زماننا هذا بشتى السبل :
***
ذات مزاج راقبتُ بصبر وأناة ما يشفي غليلك.
فقد ظلَّتْ حبات القهوة تتباهى بلونها الأسمر ونكهتها المفعمة بعبق التلال ...
عندما دلقوها على سطح ( المحماس ) الساخن .. وفاحت رائحتها ... استكانت لتسُّرب العطر الجديد داخل النتوء الذي يقسم حباتها إلى (إثنين) .. وانتفختْ أوداجها الطرفية وهي تتقافز من لسعات السطح الذي تزايدت حرارته.
رغم أن لونها اكتسى سواداً أشد حلكة من ذي قبْل .. إلا أنه أعجبها ... ولم تنتبه إلى يد ( المهباج ) ينهال عليها داخل ( الإناء الخشبي ) ويحيلها إلى ذرات دقيقة وناعمة وتندلق عليه حبيبات أخرى بأمزجة مختلفة وألوان متباينة وأحجام متنوعة. ( فاستكانت طائعة لهذا التمدد الذي يزيد من جيناتها ).
في ذات الوقت ... كان الحليب يتبختر كما الطاؤوس مفاخرا بلونه .. فتارة يقول : أنا ابن الشمس .. وتارة يقول أنا الذي أرضعه القمر في عنفوان استدارته ..
عندها صاحت حبيبات القهوة السوداء وهي تعاني جراء الذي ينهال عليها : أنا لوني الأسود أصل الأشياء.
وجاراها الحليب وهو يُغْلى على نار هادئة ليس ببعيد عن الحبيبات : وأنا الأبيض لون الإشراق والإصباح.

وتعالتْ الأصوات هنا و هناك:
الأسود
الأبيض
أنا الذي
أنا التي

وعندما أستقر الاثنان في جوف الإبريق الفضي ... متجاورين في حيز ضيق .. شعرا بأن الحيز أوسع بكثير من الفضاء الرحيب الذي أحتوى المغالطة التي مارساها.

همدتْ الأصوات .. و تكالب الأبيض على الأسود ..
وتسرّب الأسود داخل طيات الأبيض ..
تعانقا كما جذور أشجار الأحراش العتيقة عندما تخالف نواميس الطبيعة وتعانق سيقان الأشجار وفروعها الغليظة ...

لاحظ الاثنان أنهما اتخذا لوناً ثالثاً ...خُلاسي السحنة ... بأصالة تضاهي كل ما جاء في سِفْر الألوان.
وعندما اندلقا سوياً على فنجان فخاري ... في هدير متناغم ..
كانت فقاعات الاندلاق تُشكل وجهاً مبتسماً ابتسامة عريضة ..
فسَكَن خوف الاثنين ...
واستقرا بهدوء يحتويهما هذا المتخم دفئاً وترحاباً ..
خالطهما إحساس بأن هذا الوعاء الطيني هو الملاذ .. وهو جذور أصليهما ...
وخالطت رائحة الفخار مزيج النكهة الجديدة ..
وتمايلت سحابة من بخار تتمايل وكأنها تتراقص على أنغام طبول نحاسية ..
فراحا في إغماضه مستكينة غير عابئين بما يحدث بعد ذلك ...