أم هارون الرشيد الجارية التي اخترقت التاريخ

أم هارون الرشيد الجارية التي اخترقت التاريخ


08-04-2016, 03:11 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=490&msg=1470276675&rn=0


Post: #1
Title: أم هارون الرشيد الجارية التي اخترقت التاريخ
Author: زهير عثمان حمد
Date: 08-04-2016, 03:11 AM

03:11 AM August, 04 2016

سودانيز اون لاين
زهير عثمان حمد-السودان الخرطوم
مكتبتى
رابط مختصر


باسم خندقجي، الأسير لدى الاحتلال الإسرائيلي والمحكوم عليه بثلاثة مؤبدات، عانى الأمرين لإنجاز روايته «مسك الكفاية» (الدار العربية للعلوم ناشرون). يضيء العمل على لحظات متأزمة من التاريخ العربي أثناء الفترة العباسية حيث الفتن والمؤامرات في سبيل الحكم... إلا أنّ الكاتب يمنح البطولة للمرأة هذه المرة: الخيزران والدة هارون الرشيد، سُبيت صغيرة وبيعت جارية، ثم ناضلت للتخلص من عبوديتها ونيل حريتها، بالثورة ضد السبي والظلم!
الاستاذ محمد جبعيتي هو من قدر له قراءة «مسك الكفاية» (الدار العربية للعلوم ناشرون) للروائي الفلسطيني باسم خندقجي (1983)، سيلاحظ مدى الاشتغال على البناء الفني واللغة الروائية. إنّنا أمام عمل استثنائي محكم لولا بعض الملاحظات والمآخذ التي تكاد لا تخلو من أي نص أدبي.
مع العلم أن الروائي أسير لدى الاحتلال الإسرائيلي ومحكوم عليه بثلاثة مؤبدات، بالتالي يمكننا أن نتخيل مدى الصعوبات والتحديات التي واجهها أثناء الكتابة، من تجهيز المادة وجمع المعلومات، بخاصة أنها رواية تاريخية، وبحاجة إلى كمية من المصادر والمراجع، بهدف التوثيق وإعادة صياغة المادة التاريخية في قالب فني، إلى مرحلة تهريب الرواية وإخراجها من السجن عبر كبسولات، ثم كتابة المادة على الحاسوب وتدقيقها، قبل أن تصل إلينا في كتاب ورقي. من هنا، ورغم كل هذه التحديات التي تجاوزها خندقجي كحال أي مبدع حقيقي، ينشغل في مشروعه الأدبي، سنحاول قراءة العمل بموضوعية، وبأدوات علمية، بعيداً عن الاحتفاء الذي يستحقه على كل حال.
في «مسك الكفاية... سيرة سيدة الظلال الحرة»، يضيء لنا خندقجي أحداثاً مهمة ولحظات متأزمة من التاريخ العربي أثناء الفترة العباسية حيث الفتن والمؤامرات في سبيل الحكم والسلطان. لقد اختار الروائي فترة زمنية شائكة لينبت فيها حكايته. اختيار العنوان كان ذكيّاً، إذ شكّل مدخلاً مدهشاً للقارئ، خاصّة، في العنوان الفرعي. لذلك، كان العنوان عامل جذب للقارئ، الذي قد يستوحي من عنوان النص أنه داخل إلى عوالم موغلة في القدم والغرائبية، والمسك هو عطر من مصدر حيواني، وكان من العطور المتداولة عند العرب، وشاعت المفردة في الاستعمال اللغويّ، ووردت في القرآن: «خِتَامُهُ مِسْك» سورة المطفِّفين، آية (26).
وفي الحديث النبوي: «لَخَلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المِسْك».
[4] لعلّ الخندقجي استقى العنوان من الآية القرآنية، فالقرآن الكريم كان إحدى الدعائم الأساسية التي ارتكز إليها في العمل، وهذا ما أشار إليه في تعقيبه الأدبي والتاريخي. أما مفردة كفاية فهي مصدر من الفعل كفى، ومعناه حسب المعجم اللغوي، هو ما يلزم بالضبط على قدر الحاجة إلى حد يفي بالغرض ويُغني عن غيره.
لقد أضاء العنوان الفرعي على الشخصية الرئيسة في العمل وهي الخيزران والدة هارون الرشيد، التي سُبيت صغيرة وبيعت جارية، إلى أن وصلت إلى قصر الخلفاء العباسيين، وأصبحت محظية المهدي خليفة الدولة العباسية. والظلال الحرة هي إحالة إلى دورها المركزي في التأثير، لكن مواربة وخفية، إذ أنها أصبحت توجّه سياسات الحكم وهي في الظل، والشاعر من خلال هذا التركيب اللغوي الشاعري، استطاع تحميل العنوان العديد من المعاني، التي لا يمكن لمفردة واحدة أن تستوعبها. إضاءة على تفكير القبيلة ككيان اجتماعي مغلق على نفسه، أمام المراكز الحضرية في العراق وبلاد الشام
في 344 صفحة، يكشف خندقجي عمّا يمكن أن نسميه النهج الكتابي أو روح الرواية في التوطئة، حيث يقول: «لم أكتب سوى ما انتابني من جنون وذهول وحزن، أثناء تعثري باسمها الغامض في سفر تاريخي لم يلطخها إلا بحبر ذكوريته العمياء الطاغية».
بهذه التوطئة الشاعرية، يقول لنا إنه لا يهدف من خلال العمل إلى تقديم مادة تاريخية تتخللها المتعة والتشويق، بغية دفع القارئ إلى تحمل ثقل التاريخ والمواصلة في القراءة، وإنما يكتب ما انتابه من مشاعر إعجاب وذهول بهذه الشخصية النسائية، التي اخترقت ذكورية التاريخ لتروي بطولتها هي، المرأة مسلوبة الحرية، الجارية التي أصبحت زوجة الخليفة وأم المؤمنين. هذه التقنية في افتتاح النص بتوطئة للقارئ بهدف تسهيل استيعابه، وإبعاده عن أي سوء فهم، هي طريقة قديمة ولم تعد مستساغة في العمل الأدبي، حيث تدل القارئ إلى كيفية التعامل وتلقي العمل، بالتالي استخدام سطوة المؤلف من أجل توجيه القرّاء إلى فهم معين، وطريقة معينة في قراءة النص واستيعابه.
في الحقيقة، أن الرواية هي نوع أدبي غير مكتمل، بمعنى أنها ما زالت في طور التشكُّل. يقول روجي كايلو: «ليس للرواية قواعد، فكل شيء مسموح، وليس هناك أي فن بوطيقي، يذكرها أو يسن لها قوانينها، إنها تنمو كعشب متوحش في أرض بوار». يرجع بنا خندقجي إلى بداية ظهور الرواية في بدايات القرن العشرين، ونشوب الخلاف بين الأدباء والدارسين حول ميلاد هذا الفن الأدبي، حيث انقسموا إلى قسمين، فهناك من قال إن الرواية هي أدب أوروبي خالص ووفد إلى الوطن العربي، وهناك من قال إن للرواية أصولاً في التراث العربي يعود إلى مقامات الحريري والهمذاني، وكتاب «ألف ليلة وليلة».
في هذه الرواية، نلاحظ لغة شاعرية وتراثية متأتية من ثقافة الروائي الشعرية، خاصة الشعر العربي القديم خلال عصر ما قبل الإسلام، أو أثناء العصرين الأموي والعباسي، إضافة إلى النثر العربي في بواطن كتب التراث والسير والأحاديث النبوية، وكتب الأدب مثل «العقد الفريد» و«ألف ليلة وليلة»، إذ تذهب بنا اللغة إلى عالم موغل في القدم والغرابة وأجواء الصحراء وساكنيها من العرب. كان خندقجي موفقاً في استخدام اللغة الشاعرية التي جاءت متناسقة مع مضمون الرواية، الذي احتاج إلى هذا المستوى اللغوي والبلاغي والدلالي، واستخدام تقنيات الشعر وعوالمه لتنقل القارئ إلى أجواء العمل، عبر لغة مشحونة بالدلالات، ومحمّلة بالطاقات الإيقاعية، والوصف البديع. لكن، ينبغي أن نشير هنا إلى أن الروائي تماهى مع اللغة وغوايتها، فكان العمل يتسرّب من بين يديه، قبل أن يسترده بمهارته وذكائه، فاللغة غواية خاصة لشاعر يكتب رواية، فكثرة المعطوفات والمفردات والأفعال تدخل القارئ في حالة تشتت وضياع. بالتالي، أستطيع أن أدّعي أن الروائي توفق في اختيار اللغة المناسبة للنص، فجاءت شاعرية وبلاغية ومشحونة بالموسيقى والمعاني، لكنها شطحت في بعض الأحيان خارجة عن سياقاتها السردية. لقد استطاعت الرواية اجتياز العتبة الأولى في الأدب ألا وهي المتعة.
منذ السطور الأولى، تشد القارئ نحو عوالمها الموغلة في الدهشة وفتنة السؤال عبر سرد شاعري ممتع، دافعة بالقارئ إلى تقليب الصفحات حتى نهاية الكتاب. ثم تأتي عبقرية الروائي في عدم كتابة التاريخ أو إعادة صياغة التاريخ في قالب أدبي، وإنما جعل هذا التاريخ ينطق بالحقيقة بعيداً عن سطوة السلاطين والمؤرخين، الذي كان يكتبه المنتصر الذكوري. في هذا العمل، يعطي خندقجي الفرصة للشخصيات الهامشية، أو التي كانت تعيش في الظل، لأن تروي حكايتها من دون تدخل وتلاعب السلطتين السياسية والدينية، فنجد الجارية الخيزران هي الشخصية الرئيسة.
المرأة هي البطل في عمل يتناول حقبة تاريخية، شائكة ومثيرة للجدل والخصومات، حيث الصراع على السلطة والحكم عبر إراقة الدماء وإشعال الفتن، مستغلين كل الوسائل التي قد توصلهم إلى سدة الحكم من الدين والأعراف الاجتماعية واسترقاق الناس واستعبادهم بالترهيب والترغيب. يحيلنا خندقجي في نصه إلى تفكير القبيلة ككيان اجتماعي مغلق على نفسه، أمام المراكز الحضرية في العراق وبلاد الشام، وتغير القيم وأنماط الحياة فيها بسبب دخول العناصر الأجنبية، واختلاطهم مع العرب خاصة الفرس. لم يكتفِ بكتابة رواية ممتعة، هدفها التشويق وإثارة إعجاب القارئ، وإنما كانت محملة بأبعاد فكرية وأيديولوجية، وقيم أراد التأكيد عليها.
نلاحظ تركيزه على قضية المرأة ومعاناتها في مجتمع ذكوري، حيث تُسترق وتستعبد وتباع في سوق النخاسة. من هنا يذهب بنا إلى التوحش والنظرة الجنسية إلى جسد المرأة، كونه محض سلعة ومخلوقاً من أجل متعة الرجل فقط، فالمرأة تُسبى من عائلتها الفقيرة إثر غزوة، وتصبح ضمن هدايا الأمراء والخلفاء، لتنتهي إلى جناح الحريم في قصورهم منشغلة بمهام تنحصر في المتعة والإنجاب. وهذا الفكر القديم المتجدد والنظرة الدونية إزاء جسد المرأة وكيانها، نلاحظه في أيامنا عبر تيارات سياسية وفكرية تحاول حبس المرأة في البيت، وحصر دورها في تربية الأولاد وإمتاع الزوج. يعتبر محور السلطة وما يُحاك في سبيلها من مؤامرات وخيانات، ضمن ثيمات الرواية التي تطرق لها الروائي.
ومن هنا يقول لنا إن الصراع لم يكن لأسباب دينية، وإنما خلافات على الحكم بحجج دينية واهية، فالغاية كانت السلطان، ولم يكن الدين سوى وسيلة استغلها الخلفاء، في ترهيب الناس ودفعهم نحو البيعة، وإضافة الشرعية إلى حكمهم. من ناحية أخرى، هناك الحركات الثورية التي تمردت على الظلم والطغيان، وطالبت بتحقيق العدل، وهذا ما يحيلنا إلى محور آخر وثيمة مهمة أضاء عليها خندقجي، ويمكن كتابتها بالخط العريض لأنها تمس حياته ومعاناته. إنها الحرية، الحرية التي لا طعم للحياة من دونها، وتتجلى هذه القيمة في الخيزران التي حاربت وسعت للتخلص من عبوديتها، بالثورة ضد السبي والظلم الذي وقع عليها، كونها كانت جارية ضمن مئات الجواري في قصر الخليفة، حتى أُعتقت ونالت حريتها، بل أصبح لها الشأن كله في الخلافة، فأصبحت تدير دفة الحكم، وترسم سياساته. ما يستحق الاحتفاء في هذا العمل، هو الالتفات نحو عوالم جديدة بعيداً عن موضوع القضية الفلسطينية وعذابات السجن،
رغم أن خندقجي يكتوي بناره صباح مساء، محروماً من حريته ولقاء أهله وأحبائه، إلا أنه كان شجاعاً في الذهاب نحو اكتشاف لغته وأدواته الأدبية، في تجارب جريئة، بحاجة إلى شغل وبحث تاريخي واستعداد أدبي. هذه الرواية تسير بنا إلى فهم العلاقات الاجتماعية بين الرجل والمرأة، الجواري والغلمان في عالم الخلفاء، ضمن الحياة اليومية، وتضيء على علاقة الحاكم بالدين، عبر سرد شيق ومشاهد في زمن حضاري جميل رغم الشوائب والصراعات، ليرينا كيف تصبح السبيّة الجارية سيدة الظلال الحرة، بالعزيمة والإرادة.

Post: #2
Title: Re: أم هارون الرشيد الجارية التي اخترقت التار
Author: بريمة محمد
Date: 08-06-2016, 06:39 AM
Parent: #1


Quote: الخيزران ملكة بغداد.. من أجل طموحها قتلت ابنها



الحدث التاريخي هو نواة التاريخ وسبب قيامه، والأبطال هم الذين يصنعون تاريخهم. ومثلما وجد أبطال من الرجال والنساء الذين أوفاهم التاريخ والمؤرخون حقهم ونالوا مكانتهم المميزة في الذاكرة الشعبية، وشاعت سيرهم، فان كثيرين غيرهم لا يقلون عن هؤلاء بطولة وتأثيرا، لم يأخذوا حقهم من الشهرة في الذاكرة الشعبية، ولم تنل سيرهم وأفعالهم حظها في الذيوع، أو ان انتشارها ظل محصورا في إطار مكاني محدود وفي افق معرفي ضيق.
قد يكون هؤلاء المغمورون معروفين لدى أهل العلم من المتخصصين والباحثين، أو مشهورين في بلدانهم أو طوائفهم أو جماعاتهم، لكن سيرتهم لم تتجاوز الإطار الجغرافي أو الزماني الذي صنعوا أحداثه.
في رمضان الماضي قدمنا سلسلة كان للرجال فيها حصة الاسد، وفي هذا العام نخصص مساحة لشخصيات مميزة من النساء اللواتي لم ينصفهن التاريخ، ومن اجل أولئك المغمورات في التاريخ نقدم هذه السلسلة. والى شخصية اليوم:

هي زوجة الخليفة المهدي العباسي ثالث الخلفاء العباسيين، حكم من 158-169هـ، أم ولديه الخليفتين موسى الهادي وهارون الرشيد، وهي نموذج لشخصية المرأة القوية المتسلطة التي لم تكتف بالدور التقليدي للنساء في عصرها، بل سعت الى ممارسة السلطة والحكم، استنادا لكونها الزوجة الاثيرة للخليفة العباسي المهدي بن جعفر المنصور، وام الخليفة الهادي. لكن، لهذه الرغبة الجامحة بالتسلط والتحكم كانت نهايتها مأساوية عليها وعلى محيطها الاسري.
خلفيتها الاجتماعية
اختلف المؤرخون في أصلها، فمن قائل إنها يمانية من بلدة جرش في جنوب عسير، وهناك من ينسبها الى البربر. والثابت انها كانت جارية عند المهدي، أعتقها وتزوجها.
كانت رائعة الجمال، دقيقة القوام، طاغية الأنوثة، راجحة العقل. وكانت أثيرة عند الخليفة المهدي ومقدمة على نسائه، وكانت مسموعة الكلمة عنده، ولها دالة واسعة عليه ولم تلد امرأة خليفتين غيرها.
كانت في أيام زوجها المهدي صاحبة الأمر والنهي، وهو يطاوعها، وكانت ذات نفوذ وقوة يخافها أولادها ومن خالفها منهم أو اعترضها قتلته.
ويذكر المؤرخ المعروف الواقدي الذي كان صديقا للمهدي، انه في احدى المرات واثناء جلوسهما حدث مرة ان قام المهدي وقد اشتاق للخيزران، ثم ما لبث ان عاد يشكو للواقدي يقول له: دخلت على الخيزران فقامت ومزقت ثوبي وقالت: ياقشاش ما رأيت منك خيرا. واني والله وقد نالت عندي ما نالت وقد عقدت البيعة لوالديها ليكونا الخلفاء من بعدي ومع ذلك تفعل بي ما فعل.
أطماع كبيرة
في تاريخ الإسلام تتشابه حالة الخيزران في تولي الأحكام والتدخل في شؤون الدولة وتقرير من يجب أن يكون الخليفة وتعيين الوزراء، مع حالة اخرى هي حالة شجرة الدر جارية السلطان الايوبي نجم الدين ايوب في مصر.
أنجبت الخيزران للمهدي ولده الأول الهادي ثم الثاني هارون، فزادت محبتها عنده. ولم يكن زوجها يرد لها طلبا أو يقف في طريقها، مما زاد في مداخلاتها وعظم من أطماعها.
واستطاعت الخيزران أن تخطو الخطوة الخطيرة الأولى، فترتفع من جارية عادية تباع في سوق الرقيق لتكون محظية الأمير، فأم أولاده، فزوجته الرسمية والملكة غير المتوجة.
شخصية شديدة الحيوية
ويدلل نجاح الخيزران في الاحتفاظ بمركزها رغم الزوجات العربيات ذوات الأصل والعصبية والسلطان، على انها كانت ذات شخصية قوية وشديدة الحيوية.
ويؤكد تأريخها أنها كانت ذكية تحسن الحديث والمناقشة والجدل، ولا بد أنها أحسنت استعمال ما تعرفه من ألوان المعرفة. فقد انتظمت في حلقات الدروس التي تلقى في المسجد على التلامذة والطلاب، ولما أصبحت في البلاط كانت تملك كل الأسباب والوسائل للاستماع الى أحاديث الشعر وأخبار العرب والأدب.
مفاضلتها بين أبنائها
كان الهادي، وهو الابن الأكبر للخيزران، مشوه الفم بعض الشيء ولم يكن في حيوية ابنها الآخر هارون. فكان أن خصت الرشيد بحبها دون الهادي. وكان الخليفة المهدي التزم بمبدأ والده المنصور بتولية الابن الاكبر لولاية العهد، لكن الخيزران ارادت نزع الولاية من الهادي ونقلها الى الرشيد، وراحت تعمل مع الأيام حتى تمكنت من إقناع زوجها بأن هارون أفضل من الهادي للخلافة من بعده، فوافقها على فكرة نزع الولاية من الهادي ونقلها الى الرشيد.
وحاول المهدي اقناع ولي عهده وابنه الأكبر بالتنازل لشقيقه فامتنع، فطلبه، وعندما لم يأت سار المهدي اليه، لكن الخليفة مات فجأءة في الطريق.
وجاءت وفاة الخليفة المهدي المفاجئة ضربة لمخططات الخيزران بنقل الخلافة الى ابنها الأثير هارون الرشيد، فقد تولي ولي العهد الهادي الخلافة تلقائيا.
ونقل المؤرخ المعسودي عن هارون الرشيد: أن أباه الخليفة المهدي احضر الحكيم بن إسحاق الصيفري وكان يفسر الرؤيا فقال له الخليفة: رأيت في منامي أني دفعت قضيبين إلى ابنيّ موسى (الهادي) وهارون (الرشيد)، فأورق أعلى قضيب موسى قليلا وأورق قضيب هارون كله فقال الحكيم: يملك موسى وتقل أيامه، ويملك هارون فيبلغ أخر ما عاش خليفةز
فلما تولى موسى الهادي الخلافة قال لأخيه الهارون: كأني بك تحدث نفسك بتمام الرؤيا وتؤمّل ما انت بعيد عنه ومن دون ذلك خرط القتاد!
فقال هارون: إن وصل الأمر إلي صيرت أولادك أعلى من أولادي وزوجتهم بناتي وبذلك اقضي حق ابينا المهدي فانجلي عن موسى الغضب وبان السرور في وجهه، وقال لخزانه: يا خزاني احمل إلى أخي الساعة ألف ألف دينار وإذا جمع الخراج فاحمل إليه نصفه.
صراعها مع ابنها
مع تولي الهادي للخلافة استمرت الخيزران تتدخل في أمور القصر والدولة، وتسلك في الاستبداد بالأمر والنهي، وكانت كثيراً ما تكلمه في الحاجات والطلبات، فكان يواقفها في كل ما تسأله حتى مضى على ذلك أربعة أشهر من خلافته، فبدأ الناس يتوافدون عليها، وطمعوا فيها فكانت المواكب تزدحم إلى بابها.
ومع مرور الوقت ضاق صدر الخليفة الهادي بتدخل والدته في شؤون الدولة واستقبالها للقادة والوزراء في قصرها. وكلمته يوماً في أمر، فلم يجد إلى إجابتها فيه سبيلاً، فقالت: لابد من إجابتي إليه فإني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك.
فغضب الهادي وقال: قد علمت أنه صاحبها، والله، لا أقضيها لك.
قالت: إذاً والله لا أسألك حاجة.
قال: لا أبالي.
وقامت مغضبة فصاح بها: مكانك.. والله، أنا نفي من قرابتي من رسول الله لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من قوادي أو خاصتي، لأضربن عنقه ولأقبضنَّ ماله. ما هذه المواكب التي تغدو وتروح إلى بابك؟.. أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكّرك أو بيت يصونك؟ إياك وإياك.. لا تفتحي بابك لمسلم ولا ذمي.
فانصرفت وهي لا تعقل ولم تنطق عنده بعدها.
ثم إنه قال لأصحابه: أيما خيرٌ أنا أم أنتم، وأمي أم أمهاتكم؟
قالوا: لا بل أنت وأمك خير.
قال: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه فيقال فعلت أم فلان وصنعت؟
قالوا: لا نحب ذلك.
قال: فما بالكم تأتون أمي فتتحدثون بحديثها؟
فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها فحقدت عليه. وغضبت الخيزران غضبا عظيما لهذا الهوان، فانصرفت لا تعقل ما تطأ فلم تنطق عنده بحلو ولا بمر.
اغتيال الخليفة الهادي
لم تكن علاقة الخيزران بابنها الهادي علاقة أم بولدها، وإنما تنظر إليه كرجل حاول إذلالها. وعندما علمت أن الخليفة الهادي يريد خلع أخيه الرشيد عن ولاية العهد ويأخذ البيعة لابنه، أمرت بعض جواريها بقتله بالسم والجلوس على وجهه، فقتلنه.
وقد ذكر الطبري في تاريخه ان الخليفة الهادي حاول قتل والدته حين أرسل إليها أطعمة مسمومة في طبق، لكن الخيزران عملت على أن يتذوق كلب من هذا الطبق أولا وقد سقط الكلب ميتا على الفور.
نهاية المعركة
حين أتى الهادي الموت انتهت المعركة بين الأم والابن، وأخبرتها جاريتها انه قد مات مسموما وقد تم دفنه وطلبت اليها أن تنسى كل الحقد والغضب، فقامت الخيزران وهمت للوضوء وصلت عليه، ولها قول مأثور «اذا كان موسى الهادي قد مات فمعنى هذا أن هارون لايزال حيا».
وأرسلت إلى يحيى البرمكي تأمره أن يهيئ الكتب اللازمة الى قواد الأقاليم وحكامها يخبرهم فيها بموت الهادي وخلافة هارون الرشيد.
وفي عهد ابنها هارون تؤكد الحوادث انها كانت مطلقة اليد تتصرف في شؤون المملكة تأمر وتنهى.
أملاكها
كانت الخيزران كثيرة الأملاك والاقطاعات حول بغداد بصورة خاصة، وعندما توجهت للحج قامت بتوزيع المال على الفقراء والمعوزين، وعزمت على بناء مسجد في المكان الذي ولد فيه رسول الله، واشترت المكان وأقامت على أنقاضه مسجدا دعي بمسجد الميلاد، وهو يقع الآن في الطريق الذي يسمى طريق الميلاد.
واشترت الأرض القائمة الى جانب منزل آل الأرقم حيث كان رسول الله (ص) يجتمع ويصلي مع أتباعه وأطلقت عليه اسم منزل الخيزران.
كذلك أقامت سبيلا للماء في الأرض التي يملكها جعفر البرمكي في مكة، واشترت الأراضي والقصور والأملاك وجمعت أغلى الثياب والحرائر من موشى ومطرز. ولما ماتت ورث هارون ثروة ضخمة لا تعدلها ثروة في الدولة.
وفاتها
لم تعمرالخيزران طويلا بعد انتصارها على ولدها الهادي وجلوس ابنها المحبب هارون على كرسي الخلافة. فقد توفيت سنة 731 هجرية ولما تبلغ الخمسين من العمر في يوم ممطر. وشوهد هارون الرشيد يوم ماتت أمه حافيا يعدو في الطين حتى أتى وصلى عليها في مقابر قريش ببغداد في مقبرة سميت بأسمها مقبرة الخيزران.
وعندما خرج الخليفة الرشيد ُوضع له كرسي ليجلس عليه، فدعا الفضل بن الربيع ودفع إليه خاتم الوزارة قائلا: كنت أهم أن أوليك الوزارة فتمنعني أمي فأطيعها.