تَحَلُّل..!

تَحَلُّل..!


11-18-2015, 02:20 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1447852813&rn=2


Post: #1
Title: تَحَلُّل..!
Author: طه جعفر
Date: 11-18-2015, 02:20 PM
Parent: #0

01:20 PM Nov, 18 2015

سودانيز اون لاين
طه جعفر-تورنتو..اونتاريو..كندا
مكتبتى
رابط مختصر

تَحَلُّل
حتي الذكريات تَعِبَت من إلحاحي عليها ، نعم تَعِبَت، أحسست بتعبها و أنا أحاول جرجرتها، كانت تمضي ورائي بقدمين ثقيلين و بعينين نصف مغمضتين، توقفتُ، فنامت ذكرياتي. كنت مُجْهداً في ذلك اليوم، كنت تعباً ذلك النوع من التعب الذي يمنعني النوم و يفرض عليّ صحواً منتقص الوعي. أدركت في لحظة ما أن صحوي و نومي سيان ربما يكون ذلك لأن التراب لا يهتم كثيرا بالأقدام التي تطحن وجه حبيباته الجديدة عندما يكتشف المشاة درباً إلي محطةٍ مجاورة.
لم تشرق الشمسُ في ذلك الصباح، لم أهتم إلا ذلك النوع من الإهتمام الذي كان يعتريني عندما أفتقد شجرة في الطريق أو عندما يغيب عن المشهد في الشارع بيتٌ قديم أو غرفةٍ متهدمةٍ و مُنكَشفة الحال للعَيان لا يسترها حائط ، سور زنك، صريف أو حتي زريبة شوك. لم تشرق الشمس في ذلك الصباح، إكتفت السماء بضوء قليل من شمس البارحة. لقد كانت شمسُ البارحة كريمةً في ضوءها و بهيةً في طلتها و ربما كانت منيرةً و حارقةً باكثر مما هو مطلوب من أي شمسٍ أُخرى ، شمسٌ في الحقيقة هي ليست أكثر من نجمٍ أصفر عجوز و مائت بلا محالة. في وقت ما من ذلك اليوم المترهل و الممتد، اليوم الذي لا يحده صباح، اليوم الذي لم تشرق علي شرف قدومه شمسٌ، في وقت ما من ذلك اليوم نجَحْت في جرجرة ذكريات بيضاء بصورة مملة، بيضاء و باردة. ذكريات أرجعتني إلي أيامي التي قضيتها بين البطاريق، الدنيا حولي بيضاء و باردة، السماء بعيدة و متحدبة، زرقاء، سماء محايدة و فاجرة، سماء لا تهتم بأنواع السحب الراحلة التي تغشاها، الأرض ليست من الصخر فقط، يقتسم الثلج العنيد مع الصخر المكان المتسع الفارغ بنوعٍ من القسمة الضِيزى. الفقمات، أسود البحر و كلاب البحر توقفت عن المشي و الوقوف منذ زمان بعيد جداً فإنبطحت ، البطاريق وحدها تجول البرية باقدامها ذات اللون الاخضر الزيتوني، بطونها و صدورها البيضاء، ظهورها السوداء، وعيونها التائهة بجفونها الصفراء، المناقير طبعاً من أي لون. كانت البطاريق حولي ضاجّة و مائجة النشاط و متوترة. تبعتهم يوما ما إلي معبدهم، رائحة السمك المتعفن بالعبد ضايقتني مزّقت قشور السمك حفا قدميّ، البخور الذي أطلقه البطريق القيّم علي أمر العبادات لم يهزم رائحة العفونة. توقفت عن متابعة البطاريق إلي معبدها، إكتفيت بمعايشتها في الهواء الطلق في ذلك المكان البارد البعيد بألوانه المحدودة.
لم تكن عيناي قادرتان لسبب مجهول علي رصد أو متابعة الدببة البيضاء و البطيئة، ربما يكون ذلك لقسوتها غير المبررة علي الفقمات، أو لضخامتها و بياض فروِها المُمِل أو ربما لأنها تدس هويتها السوداء و تدوسها تحت القدمين. هل لأن الدببة القطبية هاربة بالأساس من مواجهة خصومها بحكم قوانين الإنتخاب الطبيعي، لم أكن أعرف و لم أرد المعرفة بالأساس. بالمكان طيور لا تنتمي حقيقة إليه فأنصرف عقلي عن متابعة أخبارها.
استمر اليوم المترهل في تمدده، إستمر و لم يتوقف عن الإستمرار. كرهتني ذكرياتي و في هذه المرة نبحت الذكريات في وجهي ككلابٍ غاضبةٍ. إنصرفتُ عنها، هي أيضاً إنصرفت عني فسكت النباح، ساد صمت تبعته ظلمة مسيخة و دافئة بفعل الدفْن ربما. إستشعرت نَهْمِها و هي تنهش اللحم، تلك الموجودات الصغيرة التي كانت نَهِمة و نشطة علي طول الزمن و كانت صغيرة الحجم و رخوة و مائعة التكوين، أحسست بلعابها الكيميائي و هو يعمل مناجله الدقيقة في اللحم، ضجت افراحٌ في رأسي، إحتفيت بإعفاء عقلي عن الإهتمام بجزء طرفي من الجسد، مجرد إصبع! ماذا يضير هذه الكتلة من اللحم و العظم اذا فقدت إصبعاً. كان فعل الموجودات الصغيرة النَهِمة في العصب موجعاً، نوعٌ من الوجع المدفون الغتيت، الأعصاب هشّة،متهدمة و متهالكة لا يحتاج لعابُ تلك الموجودات الصغيرة الكثير من الوقت ليقطعها و يحولها الي تفافة تافهة و مائعة، كنت أعرف أن الأعصاب قد تهدمت و تهالكت من كثرة الإستعمال و الإرهاق. يمرّ الزمن المتمدد في ذلك اليوم المترهل غير المحدد، يمرّ و يتخلص عقلي بعد كل حين من المسئولية عن جزء من أجزاء جسدي. أتت تلك الكائنات الرخوة ذات اللعاب الكيميائي علي الجلد أسفل شعر رأسي ، فتعري وجهي من كسائه القديم، أفتضح ما كانت تخفيه الأنف بشممها، تدفق ماء العين الزجاجي اللزج علي التراب ففغرت المحاجر باطنها من دون حياء، أعملت تلك الكائنات الرخوة مناجلها الكيميائية في كل نسيج رخوٍ متماسك في بنية جسدي إلي أن هزمتها العظام فتوقفت عن النهش. نتيجة لمؤآمرات و إختلالات بِنْية و عيوب صنعة عرفت الموجودات الصغير النَّهِمة دربها إلي باطن رأسي فإنكشف عقلي و تدفق مائعاً علي التراب ثم إتسخ.

..................................................

تحلَّل الشَّيءُ : تفسَّخت أجزاؤُه وانفصلت عناصرُه بعضُها عن بعضٍ
http://www.almaany.com/http://www.almaany.com/

طه جعفر
تورنتو، اونتاريو، كندا
نوفمبر 2015م

Post: #2
Title: Re: تَحَلُّل..!
Author: صديق مهدى على
Date: 11-18-2015, 11:03 PM
Parent: #1

طه جعفر سلام كونه تكتب معناها انت موجود أما أنا فقد موت من زمان
تحياتى
لكن روعة والله التحية لك وزى ما قال محمد ميرغنى أمكن ألقى الزيى فيكم
يعنى ممكن تجد إلزيك فيهم هههها

Post: #3
Title: Re: تَحَلُّل..!
Author: طه جعفر
Date: 11-20-2015, 02:53 AM

Quote: وزى ما قال محمد ميرغنى أمكن ألقى الزيى فيكم
يعنى ممكن تجد إلزيك فيهم هههها


شكراً
يا صديق مهدي علي
عليالمرور و التعليق
و إن شاء نلقي محلنا بينهم بعد خرف


فالحياة جميلة و تستحق أن تعاش

طه جعفر

Post: #4
Title: Re: تَحَلُّل..!
Author: صديق مهدى على
Date: 11-20-2015, 10:09 PM
Parent: #3

سلام طه مرة أخرى بدون تملق كتاباتك جميلة لكن للأسف أين المنصفين بس يوجد منصفين وهذه هى مشكلة السودان الحقيقية
تحياتى
أيها الرجل الغيور على وطنه

Post: #5
Title: Re: تَحَلُّل..!
Author: طه جعفر
Date: 11-21-2015, 01:48 AM
Parent: #4

شكرا يا صديق

ما اكتبه ، اكتبه لحاجة في نفس يعقوب قضاها بالكتابة
تنتهي مهمتي بالكتابة
و من هناك تبتديء مهمات الآخرين
شكراً لمخترعي الكمبيوترات و ما لحقها من انترنت و غيرها
لأن هذه الإختراعات بالفعل قد عقّدت مهام الآخرين
لم تعد هناك كتابة ستختفي بتمزيق الأوراق التي كتبت عليها أو بدلق وافر الماء علي حبرها لينمحي
الكتابة الآن هي بالفعل كلمة الله التي أراد لها البقاء

شكرا

طه جعفر