مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع

مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع


07-25-2015, 03:16 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1437833804&rn=37


Post: #1
Title: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:16 PM
Parent: #0

03:16 PM Jul, 25 2015
سودانيز اون لاين
سيف اليزل برعي البدوي-
مكتبتى فى سودانيزاونلاين



وجدت الموهبة لتكون مقياس للتنافس بين الأفراد والعقول، ولتكون نبراسا يميز أصحابها .. تقودنا إلى الإبداع ، والابتكار من نبع الخيال، وإلى تحقيق أعلى النقاط في مستويات الذكاء، وبلوغ الحقائق التي قد لا يدركها الآخرون .
هذه الموهبة نعمة من الخالق عز وجل، وهبها عباده لتكون أمانة، يصقلونها وينمونها .. فهي قدرة بشرية طبيعية، وذات قيمة متميزة.

الموهبة تفوق في الحواس والإدراك العقلي إلى حد الابتكار والاختراع، ونسج ما يتكون في العقل الباطن من صور وخيالات يقوم الموهوب بتجسيدها في الحقيقة حتى تتكون صورة ملموسة ومحسوسة مما يراه في عقله ويشعره في داخله.
لذا فالموهبة خلط بين الإدراك الحسي والمعنوي والعقلي، تحتاج من يرعاها وينميها لأنها لا تُورث ولا تُكتسب .

كما أن الموهبة قد تحقق نجاحا أكبر وأوسع من النجاح الذي تحققه الخبرة الحياتية أو الدراسية، لأنها لا تستعرض الوقت الطويل للحضور والتجسد، لكنها تحتاج من يقوم بإيصالها من العالم المعنوي إلى العالم الحسي.
فالموهبة عطاء بلا حدود، وفرصة الموهوبين لإثبات حضورهم في الوجود، عن طريق الإبداع والأفكار النيرة المتجددة .

من هو الطفل الموهوب ؟
يختلف علماء النفس في تعريف «الموهوب»، إلا أنهم يتفقون على أن التفوق العقلي وارتفاع نسبة الذكاء، هما أساسا التعرف عليه .. ويعرف الذكاء بأنه: القدرة العقلية العامة على التعلم وتطبيق المعرفة للتكيف مع البيئة، ولدى الإنسان الذكي القدرة على التفكير المنطقي والتفكير المجرد بصورة تختلف عن الآخرين .. إن صفة الموهوب تعني قدرة عقلية عالية جدا «استثنائية»، وتدل الموهبة على أولئك الذين يملكون بعض القدرات الإدراكية الخاصة بشكل متميز، مثل: الرسم، والشعر، والكتابات الإبداعية، والمهارات الرياضة، والحرف اليدوية، والمهارات الميكانيكية، والقيادة الجماعية ...إلخ
وتقول الدكتورة «مريم استوبارد»، أخصائية الأطفال والخبيرة الشهيرة في تنمية الطفل: (إن وجود الطفل الموهوب من الأشياء النادرة، علي الرغم من أن العديد من الأطفال قد تكون مهاراتهم متقدمة في سن معينة، فهنالك فقط حوالي 2% من الناس موهوبون حقا).

ملامح الموهبة
عادة ما يكون الآباء والأمهات قادرين في وقت مبكر على ملاحظة أن طفلهم ليس مثل بقية الأطفال. وتشير الدكتورة «ديبورا روف»، كبير أخصائي الذكاء وأسس التعليم: أن هنالك مستويات مختلفة من الموهبة، تتراوح بين 1-5 درجات. وتنقسم هذه الدرجات بناء على العوامل المرتبطة، مثل: الذكاء، والطموح، وسمات الشخصية، ومدي معدل الذكاء الذي حققه الطفل.
وتشمل صفات الطفل الموهوب ما يلي :

• يظهر اهتماما مبكرا بنطق الحروف الأبجدية مع الاكتساب المبكر للغة .. فبعض الأطفال يمكنهم التحدث بطلاقة وبناء الجمل المركبة قبل السنة الثانية من عمرهم.

• يمشي مبكرا، وأحيانا يستخدم يديه أو قدميه بسهولة لإنجاز بعض المهام الحركية الكبيرة والصغيرة، كقدرته على التقاط شيء صغير باستخدام أصابع قدميه.

• القراءة في وقت مبكر، إذ يتمكن العديد من الأطفال تعلم القراءة في سن 3-4سنوات، في حين أن 6% من الأطفال يمكنهم القراءة قبل السنة الثانية.

• قوة الحجة ورجاحة المنطق.. كما يميل الطفل المفكر الموهوب إلى النقاش المفتوح والحوار المتصل، ولا شيء يغضبه أكثر من اختصار النقاش للقيام بمراجعة أخرى، أو طلب منه التقيد والامتثال.

• الشغف بالمعرفة، وطرح العديد من التساؤلات: كيف – لماذا – متى – أين...إلخ مع الاستياء من عدم الحصول على إجابات مقنعة وكافية وشافية.

• التفكير بشكل منطقي لافت للنظر، والقدرة على التفكير التباعدي التفكير بأكثر من حل لمسألة ما بشكل إبداعي مجرد أو محسوس, عكس التفكير التقاربي: أي التفكير بحل واحد فقط)

• طاقات بلا حدود، قد يساء أحيانًا تفسيرها على أنها نشاط زائد وغير طبيعي.

• يعبر عن ضيقه مما يحده مما يظهر أن عقله يريد أن ينجز أشياء لا يستطيع جسمه بعد التعامل معها .

• إبداء قدرة عالية على التعامل مع الألعاب التركيبية المعقدة، والشغف بممارسة الألعاب التي تستند على الفك والتركيب والتحليل والربط أكثر من استخدام الألعاب التي تستند على الحظ.

• إدراك مبكر لمفاهيم السببية ؛ والقياس والحجم والوقت، ومقارنة الأشياء مستخدمًا هذه المفاهيم.

• امتلاك ذاكرة مكانية قوية، والقدرة على تحديد الاتجاهات بدقة.

• يتذكر الأحداث المعقدة، ويستطيع شرحها بوضوح بعد مرور فترة طويلة على حدوثها.

• حل المسائل الحسابية البسيطة في وقت مبكر. والقدرة على حل المسائل أو الألغاز بشكل لافت.

• يستطيع استيعاب مفهوم «السبب والنتيجة»، ويستطيع عمل «تخمينات» جيدة عند محاولة الإجابة على الأسئلة، ويستجيب للاتجاهات والأمور المتعددة التي تطلب منه في سن مبكرة عن غيره.

• القدرة علي التركيز لمدة طويلة .. يتمتع بقدرة على الانتباه لفترة أطول من الذين هم بنفس عمره, ويمل سريعا من الروتين.

• يتحمس هؤلاء الأطفال لهوايات وأنشطة معينة، أو لأشياء تثير انتباههم، اختاروها بأنفسهم، مثل: كتابة الشعر أو القصص أو دراسة التاريخ.
د. خالد سعد النجار

Post: #2
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:18 PM
Parent: #1

يواجه الطفل في السنوات الأولى من حياته تحديات متعددة، ولعل من أهمها تلك التي تتصل ببناء قدراته الفكرية والتعليمية بناء صحيا وقويا، ويتأثر النمو المعرفي والتطور الذهني في مرحلة الطفولة بعوامل داخلية وخارجية متعددة، ولعل التغذية الصحية من أهم العوامل التي تعمل على تفعيل النشاط الفكري للطفل كما تسهم في تنمية قدراته على التعليم والتحصيل المعرفي في المدرسة.
لقد أثبتت الأبحاث أن بعض أنواع من الطعام لها تأثير إيجابي على قوة ذاكرة الطفل وقدرته على التعلم، وأن هناك أصنافا محددة من شأنها أن تعيق نموه العقلي.
ويلاحظ الكثير من الأهل أنَّ أطفالهم في فترة الدراسة يميلون كثيراً لتناول الوجبات الخفيفة كالبسكويت والبطاطا المقلية «الشيبسي» والكعك المليء بالسكر.. وعلى الرغم من أنَّ هذه الوجبات الخفيفة يمكن أن تعطيهم الشعور بالشبع، إلا أنها -سواء كانت مالحة أم حلوة- لن تعمل على دعم عمل الدماغ على المدى الطويل.

منارات عملية
• الكربوهيدرات (مولدات الطاقة)... للكربوهيدرات المركبة أو المجمعة تأثير كبير على الطلاب في تحصيلهم الدراسي؛ إذ تعمل على دعم عمل الدماغ (يحتاج الدماغ إلى نحو 100ملجم من عنصر الجلوكوز في الدقيقة)، وترفع الطاقة لدى الطلاب.
وتوجد الكاربوهيدرات المركبة في الخبز الكامل والأرز والموز. ويقول اختصاصيو التغذية: إنَّ الكثير من الناس يمكن أن يخلطوا بين هذه الكربوهيدرات المركبة والمكررة كالبسكويت والكاتو والكعك؛ على اعتبار أنها أيضاً من الكربوهيدرات، وتصنع من القمح.
وأوضحوا أنَّ الكربوهيدرات المكررة يمكن أن تعطي مقداراً من الطاقة، إلا أنها تزول سريعا، تاركة الطالب في حالة من عدم التركيز إلى جانب شعوره بالبلادة.
وعلى الأهل أن ينصحوا أطفالهم بتناول الكربوهيدرات عند الصباح، لأنها ليست أبداً من المواد الغذائية التي تزيد من الوزن؛ بل على العكس فإنَّ لها القدرة على دعم الطاقة لديهم، وتزيد من قدرتهم على التركيز في الحصص المدرسية.
ويحتاج التلميذ أيضًا للسكريات البسيطة التي توجد في العسل الأبيض والأسود، وترجع أهمية هذه السكريات إلى مساعدتها في أداء وظائف المخ الذي يحتاج إلى هذه السكريات الممتصة حديثًا من الأمعاء.

• دماغ الطفل يحتاج بالدرجة الأولى إلى حصص كبيرة من البروتينات الغنية بالأحماض الأمينية. فبقدر ما تتوازن كمياتها فيه بقدر ما يتمتع الطفل بحافظة ذهنية خارقة تدفعه نحو مزيد من الاكتساب وتنفيذ الاختبارات، وإحصاء النتائج بصورة أسرع، تحت تأثير قدرة هذه الأحماض على تجديد الخلايا الدماغية، والعصبية باستمرار.
وعموما في حال لم يكن الطفل يحبّ تناول الحبوب الكاملة كحبوب القمح والكورن فليكس عند الصباح، يمكن له أن يتناول البيض الغني بالبروتينات ومجموعة فيتامين «ب» المركب، والذي يؤثر وبشكل كبير على عمل الذاكرة لديه.
ومع البيض يمكن تناول الخبز الكامل، وبذلك يدمج الطفل بين البروتين والكربوهيدرات، وبعدها يمكن للطالب أن يختتم فطوره بتفاحة يتناولها وهو ذاهب إلى المدرسة.

• يجب تخفيض مقادير اللحوم الدهنية في غذاء الطفل، واستبدالها بمقادير كبيرة من الأسماك الغنية بأحماض «أوميجا- 3» الفاعلة في نمو الدماغ وتطوير الذاكرة والذكاء، وعلى صعيد الدهون فإن تواجدها في الدماغ يعادل 60% من وزنه العام، وهي لا تمده بالوحدات الحرارية، بل تساعد على تجديد الأغشية الخلوية مما يفرض تأمينها من مصادر صحية كالدهون النباتية ( زيت الزيتون وزيت جوز الهند والنخيل)، ودهون السمك «أوميجا- 3» حتى تتواصل عملية تشحيم النواقل والخلايا العصبية.
يذكر أن «السيروتونين» مادة مهدئة مضادة للضغط النفسي والانفعالات، يفرزها الدماغ، تعدل مستوياتها بإعطاء الطفل مأكولات غنية بالسكريات وأحماض «أوميجا- 3»، لأن انخفاض تلك المادة يؤدي إلى اضطراب في مزاجه وتراجع في توازن ذاكرته، مما يؤثر مباشرة على مستوى ذكائه.
وفضلا عن الأسماك توجد «أوميجا - 3» أيضا في جبن الغنم والذي يحتوي على 0.5 جرام من الأوميجا-3 في كل 100 جرام. وأيضا في الجبن الأبيض الطري واللوز والبندق والصنوبر، حيث تحتوي الثمار الزيتية على حوالي 6جم/100 جرام.

• الليسيثين والكولين ... يعملان على تحفيز الذاكرة، ويفيدان في تنشيط الذاكرة وتقويتها لسنوات طويلة، فتجد الشخص الذي يهتم بتناول تلك العناصر لديه تركيز ذهني عندما يتقدم به السن، كما أوضحت ذلك الأبحاث العلمية، وتلك المواد متوفرة في كثير من الأغذية لارتباطها بالدهون (صفار البيض والقمح واللحوم والكبد والأسماك والأجبان والفول السوداني).
وتضاف مادة الليسيثين اعتياديا إلى الزيت النباتي والشوكولاتة بهدف مزاوجة الدهن في هذه المواد بالماء، ولمادة الليسيثين تأثيرات إيجابية أخرى غير هذا، لأنها تزيد مادة الكولين في الدماغ بشكل قليل، وهذا يعني من ناحية أخرى أن مادة «اسيتايل كولين» ستزداد أيضا، وهي أحد المرسلات العصبية الهامة لعمل الدماغ والذاكرة.

• الحديد ... عموما يساعد الحديد مباشرة في عملية بناء المواد المرسلة أو الناقلة للإشارات العصبية، كما أن عنصر الحديد يقي الإنسان من الإصابة بالأنيميا، والتي تعد من الأمراض التي تؤثر بصورة مباشرة على وظائف المخ، فالشخص الذي يعانى من الأنيميا عادة يعانى نقصًا في الأكسجين الذي ينبغي توافره حتى يصل لخلايا المخ، لذلك فإن عدم وصول الأكسجين إلى هذه الخلايا يجعل الفرد غير قادر على التركيز والاستيعاب.
وأوضحت العديد من الدراسات التي أجريت على تلاميذ المدارس وبخاصة البنات أن نقص الحديد «فقر الدم» أكثر الأمراض انتشاراً بالمنطقة العربية، ويؤثر «فقر الدم» بشكل كبير على التحصيل الدراسي. ووجد أن التلاميذ المصابين بفقر الدم يعانون من الدوار وقلة الشهية وسوء التغذية والإحساس السريع بالتعب والإجهاد، وعادة ما يكون التحصيل الدراسي لهؤلاء منخفضاً مقارنة بأقرانهم من التلاميذ.
يتوفر الحديد في اللحوم، وخاصة الكبد، ويوجد – أيضا- في الخضراوات الورقية (الجرجير والسبانخ ...).

• يعمل المغنسيوم والفيتامين «ج» و «ب -5» على مواجهة الإجهاد والضغط النفسي، سواء في فترة الدراسة أو فترة الامتحانات، ويتميز دور فيتامين «ج» بمنعه التأثير الضار للعوامل المؤكسدة في الجسم، ويقي من الأنيميا ومرض الإسقربوط الذي يؤدى إلى ظهور تقرحات في الجلد.
يوجد المغنيزيوم في الخضراوات ذات الأوراق الخضراء كالسبانخ، بالإضافة إلى وجوده في الدبس والمكسرات. أما فيتامين «ج» فيوجد بكثرة في الفواكه الحمضية (خاصة الليمون والبرتقال) والكيوي والفراولة والجوافة. ويعتبرُ كل من الأرز البني والأجبان والموز والبيض والحليب والمكسرات، من المواد الغنية بالفيتامين «ب-5».

• الزنك .. ضروري لعمل فيتامين «ب6» على الدماغ، وتشير أحدث الدراسات على الأطفال أن النعاس والتبلد والسلبية وضعف البنية وضعف القدرة على الاستيعاب -ومن ثم يصبح الطفل متخلفًا دراسيا- من أهم أعراض نقص الزنك، وأن هذه الأعراض تختفي تماماً بعد إعطاء مكملات الزنك.
يذكر أن أعلى نسبة للزنك في جسم الإنسان توجد في العين وبالأخص القزحية والشبكية، حيث يقوم بدور كبير في تنشيط فيتامين «أ» والذي يمثل أحد عوامل الرؤية في الليل. كما لوحظ أن هناك دلائل متزايدة حول قلة تناول الزنك ومشاكل العين مثل عدم التمييز بين الألوان «عمى الألوان»، وكذلك الإصابة بالمياه الزرقاء والتهاب العصب البصري.
الزنك متوافر في البقول كالفاصوليا والفول والعدس والبسلة والخبز الأسمر الغني بالنخالة، كما يوجد في الكبد واللبن والبيض ولحم البقر وقلب الدجاج ولحم الديك الرومي ولحم الضأن، وأغنى الأطعمة بالزنك «المحار» ويليها بقية الأطعمة البحرية والأسماك، وتعتبر شوربة الخضار من المصادر الغنية بالزنك بشرط أن تؤكل بمائها، هذا مع ملاحظة أن الأطعمة المجمدة تفقد نسبة كبيرة من الزنك الموجود بها، كما أن الزنك الموجود في اللحوم والمأكولات البحرية يتم امتصاصه أفضل من الزنك الموجود في الحبوب.

• مجموعة الفيتامين «ب» المركب فاعلة على صعيد الوقاية من الأمراض الدماغية، لأن أي نقص في معدلاتها في الدماغ يعني ظهور بوادر التوتر العصبي والمزاج الحاد، مما يحد من قدرة الطفل على التركيز في اختباراته، ويحول دون الوصول إلى النتائج السليمة، لذا نوصى الأم بضرورة وضع نظام غذائي خاص بالطفل يتفوق فيه الفيتامين «ب» المتواجد في الدجاج والبطاطا واللحوم والخضراوات المطبوخة والكبد والأسماك ومشتقات الحليب.
د . خالد سعد النجار

Post: #3
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:18 PM
Parent: #2

Quote: الحب الحقيقي لا يقتله الزواج، إنما يتم التعبير عنه بصور أخرى تلحظها وتشعر بها المرأة الواعية، ويدركها ويلمس حرارتها الزوج النبيه، وكل يعبر عن حبه بأسلوب أو بآخر. فالحب الزوجي هو حب من نوع خاص، وله نكهة خاصة، وهو روح الزواج ومداد حياته التي من دونها تصبح العلاقة الزوجية جافة ناشفة كأوراق الخريف اليابسة.

• من المهم جدا الحرص على ترسيخ «السكن النفسي» لدى الطرفين، فالزواج هو رحلة البحث عن السكن النفسي والألفة وراحة البال، فلتكن لشريكك صدرًا حانيًا وقلبًا عطوفًا، وليجد منك البسمة والمعونة والطاعة في غير معصية الله، قال تعالى: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} [البقرة: 87].

• الحياة الزوجية تحتاج إلى نوع من التضحية، وتقديم قدر من الموازنة والمسايرة، والكثير من الواقعية؛ فلا يمكن أن تتطابق صفات ما قبل الزواج مع ما بعده؛ فإذا اكتشف الزوج أن ثمة فجوة ما اجتماعية أو فكرية أو ثقافية في زوجته فعليه أن يبذل قصارى جهده، ويسخر كل مساعيه من خلال التفاهم والتحاور؛ لسد الهوة المتشكلة بين الواقع وبين ما هو متخيل، ونفس الأمر ينطبق على الزوجة؛ فعدم التغلب على هذه الحالة يخلق الشعور بالإحباط واليأس والكآبة وفقدان التوازن، خصوصًا إذا انعدم الأمل في حدوث تغيير؛ وهو ما يخلق بيئة خصبة لكل أنواع الخلافات والمشاحنات.

• الحب مثل أي علاقة إنسانية يطرأ عليها التغيرات والتطورات، والزوجان الواعيان يستطيعان الاحتفاظ بحرارة الحب ليس بالكلمات المعسولة فقط وإنما بالنوايا الطيبة والتصرفات الإيجابية.
• علاقة الحب تفقد بريقها عندما نتوقف عن استثمارها وتنميتها باستمرار، فبعد فترة من الحياة الزوجية نشعر بالأمان تجاه الطرف الآخر ونهجر التعامل معه برومانسية أو عفوية، وقد نكف عن التواصل معه، لنستيقظ صباح يوم ونجد أنفسنا متورطين في علاقة زوجية جافة كئيبة لم نكن نتصورها يوما ما.

• كثيراً ما نسمع أناسًا يشكون من أن مَن حولهم لا يعبرون لهم أبدًا عن حبهم، أو لا يفعلون ذلك إلا نادرًا، ولكننا لم نسمع شخصًا واحدًا اشتكى من أن الآخر كثيرًا ما يقول له: «أحبك» .. فالحب إذا لم يتم التعبير عنه بشكل جيد فإنه مع الوقت يخبو ويضعف وربما يهرم أو يموت؛ لذلك علينا أن نستدعي هذا الحب ونحركه، علينا أن نبذل الوسائل المعينة لإثارة معانيه، وأول هذه الوسائل أن نقول لمن نحب «أحبك».
• بعد الزواج والشعور بالأمان تجاه العلاقة يغفل الشريكان عن بعض التصرفات الصغيرة التي تثير مشاعر الحب، مثل تبادل نظرات الحب والإعجاب، والتلفظ بعبارات حب بسيطة بين الفينة والأخرى.
• جميعنا ينتظر الثناء عندما نقوم بعمل جيد، وذلك ينطبق على علاقة الحب بين الزوجين، فالشريك يحب سماع عبارات الثناء من شريكه، تلك العبارات التي تبعث السعادة بداخله وتدفعه لمبادلته نفس التصرف.

• (لو عادت الأيام لما قبلت بزوج غيرك)، (أحس برضا الله عني أن رزقني زوجا مثلك)، (عسى الله أن يجمعنا الآخرة كما جمعنا في الدنيا) .. إن مثل هذه العبارات تزيد من بنيان العلاقة الزوجية، وتقوي الحب بين الزوجين، وتجعله في حالة توقد دائم، ويدوم ولا يموت.

• الإكثار من تصرفات التودد والمحبة من أعظم الأمور التي تعطي الحب دفعة للأعلى دوما .. إنها تصرفات صغيرة وبسيطة ولكنها ذات قيمة كبيرة وثمن غال: أن يضع أحد الزوجين اللحاف على الآخر إن رآه نائما من غير لحاف. يناوله المسند إذا أراد الجلوس. يضع اللقمة في فيه. يربت على كتفه عند صدور تصرف حسن منه .. كل هذه التصرفات إذا صدرت عن الزوجة لزوجها، أو عن الزوج لزوجته، فإنها تؤكد معاني الحب .
• أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق أن بلال بن أبي بردة قال لجلسائه يوما : ما العروب من النساء؟ قال: فماجوا، وأقبل إسحاق بن عبد الله بن الحارث النوفلي، فقال قد جاءكم من يخبركم، فسألوه فقال: الخفرة [شديدة الحياء] المتبذلة لزوجها، وأنشد:

يعربن عند بعولهن إذا خلوا.. وإذا هم خرجوا فهن خفار

هكذا يجب أن تكون الزوجة الواعية، شديدة الحياء في غيبة زوجها، فإذا خلا كل منهما بالآخر نزعت ثوب الحياء، فالزوجة العاشقة العروب لا تدع مناسبة إلا وأعربت فيها عن حبها لزوجها تلميحا أو تصريحا بطريقة تلقائية غير متكلفة، حتى وإن كانت لا تحبه، فإن «التحبب داعية الحب» كما قالت علية بنت المهدي أخت هارون الرشيد.
• من أهم ثمار الحب: إزهار بذور المسامحة والعفو وغض الطرف عن الهفوات .. ويتأتى هذا حين يكون الإنسان كبيرًا في نفسه لا تؤثر فيه التفاصيل الصغيرة أو تستوقفه، فهو دائمًا يعفو ويسامح، فهذا يفرض حب الآخرين له رغمًا عن أنوفهم دون قيد أو شرط.

• كثرة اللوم لا تصدر من ذي خلق كريم، أو طبع سليم، ثم إن ذلك يورث النفرة، ويوجب الرهبة، وإن كان هناك ما يستوجب العتاب كان عتاباً ليّناً رقيقاً يدرك به الخطأ دون أن يهدر كرامة، أو ينسى جميلا. وما أحسن أن يتغاضى المرء ويتغافل؛ فذلك من دلائل سموّ النفس وشفافيّتها وأريحيّتها، كما أنه مما يُعلي المنزلة، ويريح من الغضب وآثاره المدمّرة.
• حينما نقول «لا» نحاول أن نقولها بملمس الوردة الناعمة، وليس بأشواكها المؤلمة .. لا نجرح الطرف الآخر ونثير مشاكل أكبر، بل نكن هادئين واثقين مؤمنين، بابتسامة طيبة وأدب جم، ومن الممكن أن نفكّر في أكثر من أسلوب نبيّن فيه رأينا المخالف، ونختار أقلّها أضراراً وأشدّها إقناعاً، وأطيبها أثراً في نفس الشريك.
• الزوجان الواعيان عليهما إدراك أن أي مشكلة موقف مشترك بينهما، وأن عليهما مناقشة الأمر بصدق معا، وحتماً سيصلان لحل مرضي -بعون الله تعالى- من خلال المناقشة الهادئة، والنية الصادقة.
• لا يغيب عنا الشعور بالمسؤولية تجاه شريك العمر، فما يعد نجاحًا لأحدهما هو نجاح لشريكه، وكذلك إخفاق أحدهما هو إخفاق للآخر، وبالتالي تتحد الجهود والأهداف فلا فرق بينها.

Post: #4
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:19 PM
Parent: #3

تحيط الأخطار بالأطفال في كل زمان وفي كل مكان، وتعتبر سلامتهم من أهم أولويات التربية البدنية السليمة، وهي من الأمور التي لا تنتهي عند حد أو عمر معين .. إن الخطأ الذي يقع في ثانية قد يجلب لنا سنين من الألم والندم، لذا يجب أن ينتبه الآباء للأخطار المحتملة لكي يتمكنوا من توفير الحماية اللازمة لأطفالهم من الأشياء التي لا يستطيع الأطفال حماية أنفسهم منها حتى سن معينة. مع مراعاة أن الحد من غريزة الفضول لدى الطفل وحبه للاستكشاف بقولنا: «لا تفعل ذلك» أو «لا تلمس ذلك» وتكرار هذه الأوامر بشكل دائم قد لا يكون شيئاً صحياً لنمو الطفل البدني والعقلي.
لذلك فإن أفضل طريقة هي أن نحاول توقع كل ما يمكن أن يؤذى الطفل ونعمل جاهدين على تجنبه سواء في البيت أو خارجه، وهذا يتوقف على النظر إلى العالم المحيط كما يراه الطفل وليس كما نراه نحن.

قواعد عامة لسلامة الطفل
• توخي دوما الحذر، وحذار من قصر إجراءات السلامة على مجرد مراقبة الطفل عن قرب والاكتفاء بمتابعته بالنظر، لأن الأخطار التي تتهدد سلامة الطفل تتغير بتغّير عمره، فهو يكتشف ميدانا جديداً للمغامرة والاكتشافات كل ثلاثة أشهر تقريباً.

• إعادة تنظيم المنزل داخلياً بحيث يصبح من الصعب على الطفل الوصول إلى الأشياء الثمينة أو الخطرة. فنتأكد من أن منزلنا مرتب وآمن من وجود أشياء يمكن أن تشكل خطورة لأطفالنا. ونحاول أن نجلس على الأرض في وسط كل غرفة لنعرف كيف تبدو تلك الغرفة في عيون الأطفال، مع النظر إلى الأشياء التي يمكن أن تثير الانتباه والتفكير في طريقة جعلها آمنه، ومحاولة إبقاء الأدراج والخزانات مغلقة والتي تعتبر مستودعاً لأدوية أو ثقاب الكبريت أو سكاكين أو مقصات...الخ.

• يجب حفظ القمامة في حاويات مغلقة، ولا نترك أكياس النايلون الفارغة في المنزل تفادياً لعمليات الاختناق، لأن الطفل قد يحاول إدخال رأسه في الكيس!!

• لا نضع المشتقات البترولية أو مواد التنظيف، مثل: «ماء جافيل» أو «الكلورينا» أو «حمض الخل» في أوان توحي بأنها معدة للشرب، مثل: زجاجات المياه الغازية أو أكواب الماء، لأن الطفل سيظن أنها للشرب، وقد يحاول ذلك فعلا! لذلك كل هذه المواد يجب أن توضع في علبها الخاصة، أو في إناء محكم الإغلاق، وفي مكان بعيد عن متناول يد الطفل، ويكتب عليها بخط أحمر أنها مادة خطرة.

• يجب علينا الاحتفاظ بعدد من الأدوية في المنزل لاستعمالها في الحالات الطارئة، خاصة ليلا حيث لا يمكن الاتصال بالصيدلية بسهولة. على أن نحفظ تلك الأدوية في مكان واضح لنجدها بسهولة إذا ما احتجناها. ومن المهم أن لا نمزج الحبوب أبدا في نفس العلبة، وأن نبقي كل الأدوية بعيداً عن متناول الأطفال في خزانة مقفلة إذا أمكن. وعلينا أيضا توفير أدوات إسعافات أولية، وحفظها في صندوق نظيف وجاف ومحكم الإغلاق، ووضعها حيث يسهل تناولها عند الطوارئ.

• الاحتفاظ بأرقام هواتف الإسعاف ومراكز مقاومة التسمم.

المطبخ مسرح الحوادث
كثيرة هي الحوادث المأساوية التي يتعرض لها فلذات أكبادنا في البيت وخصوصا المطبخ، ووفقا لما تشير إليه الدراسات فإن هذه الحوادث يمكن الوقاية منها وتجنبها ببذل الأهل المزيد من الانتباه والحرص على سلامة أطفالهم.

• منع الطفل من دخول المطبخ بمفرده، لأن المطبخ مليء بالأدوات التي تهدد سلامة الأطفال ابتداء من السكاكين بأنواعها وانتهاء بالصحون والأكواب القابلة للكسر، وأفران الغاز والأدوات الكهربائية التي باتت تحتل حيزا لا بأس به في مطابخنا.

• لا تدعي طفلك يلعب تحت أقدامك أثناء تواجدك في المطبخ، وعند القلي يجب تطبيق إجراءات احترازية صارمة داخل المطبخ، لأن الزيت الساخن يتطاير منه رذاذ قد يتعرض له الطفل فيؤذيه، كما يمكن أن يحدث ما هو أسوأ من ذلك، ولا تقومي عزيزتي الأم بحمل طفلك أثناء تحضير الطعام خاصة الحار منه.

• احتفظي بالأشياء القابلة للكسر في الأرفف العلوية، وضعي الأشياء البلاستيكية في الأرفف السفلية. واستخدمي الأطباق والأكواب الغير قابلة للكسر في تقديم الطعام والشراب للأطفال.

• ابعدي الأجهزة والأدوات الكهربائية الخاصة بالتقطيع أو الفرم عن متناول يد الأطفال حتى لا يعبثوا بها.

• يجب وضع أواني الطهي فوق الموقد بحيث تكون أياديها بعيدة عن النار، وبعيدة عن حافة الموقد الخارجية، حتى لا تستهوي الطفل فيجذبها، وحتى لا يصدم بها الكبير أيضا أثناء تحركه أمام الموقد.

• لا تضعي غطاء للطاولة إذا كان لديك طفل أقل من أربع سنوات، واحرصي على وضع الأواني بعيداً عن حواف الطاولة، خاصة إذا كان فيها أطعمة ساخنة، إذ تكفي ثلاثة ثوان لإصابة الطفل بحرق من الدرجة الثالثة إذا سكب عليه ماء أو سائل بدرجة 60 مئوية.

الحمام والمراقبة الصارمة
• لا تدعي الطفل يغلق باب الحمام بالكامل بينما هو بالداخل، بل يكفى فقط مواربة الباب، كما يجب أن يكون باب الحمام من النوع الذي يمكن فتحة من الخارج حتى تتمكني من فتحه إذا ما أغلق من الداخل.

• حافظي على جفاف أرضية الحمام حتى لا ينزلق الأطفال.

• ضعي في البانيو وعلى أرضية الحمام الأرضيات المطاطية الواقية من الانزلاق، ويجب تزويد البانيو بمساكات حتى يمسك بها الصغير أثناء استحمامه فلا تزل قدمه، مع الحرص على عدم ارتداء الأطفال أحذية ناعمة النعل عند دخول الحمام خوفا من الانزلاق.

• يجب الانتباه جيدا وعدم إغفال العين ولو لبرهة قصيرة عن الطفل وهو في حوض الاستحمام. ولا تحاولي أبداً ترك الطفل للرد على الهاتف أو فتح الباب ولو لبضع ثوان ، فقد تكون هذه الثواني كافيه ليغرق الطفل في الماء، ويجب ألا يغري الأم انقطاع الطفل عن البكاء أو عدم طلب الأشياء المختلفة باللعب بالماء، وإبقائه في الحمام وحده، لأن ضريبة صمت الطفل وراحة الأم قد يدفعها الاثنان معا فيما بعد.

• راقبي درجة حرارة سخانات الماء بالمنزل، وتأكدي من أنها بعيدة عن وصول الأطفال لها. ولا تدعي الأطفال دون الخامسة يستخدمون حنفية الماء الساخن.

• كوني حريصة على وضع الغطاء فوق قاعدة دورة المياه، مع غلق باب الحمام دوما لتفادي الغرق، وعدم تخزين مياه في أوعية كبيرة قد يسقط فيها الطفل فيغرق.

• تأكدي باستمرار من سلامة غلق باب الغسالة الأوتوماتيكية أثناء عملها، حيث أن العطل فيها وارد، وقد يحدث أن يفتحها الأطفال فيصابون بالضرر.

• لا يجب إدخال المدفئة الكهربائية المتنقلة إلى الحمام.

البيت صديق طفلك
• لا تتركي مع صغار الأطفال اللعب التي بها قطع صغيرة لتفادي بلعها، وكذلك الأزرار والدبابيس والعملات المعدنية الشائع بلعها من الأطفال.

• علمي الأطفال أن يبتعدوا عن شاشات الأجهزة الضوئية «التليفزيون» مسافة لا تقل عن ثلاثة أمتار على الأقل، والابتعاد عن «شاشات الكمبيوتر/ الأتاري» مسافة كافية مع وضع الفلتر الضوئي أمامهما للأهمية، وكذلك خفض أصوات الأجهزة السمعية للحد المعتدل مع تجنب استعمال سماعات الهدفون.

• يجب استخدام حاجز للوقاية من نار المدفئة، وحواجز على مدخل المطبخ إن كان لا يوجد به باب، وعلى الدرج خاصة إذا بدأ الطفل بالحبو أو المشي.

• عدم وضع كرسي أو أي منضدة بجانب الشبابيك حتى لا يحاول الطفل تسلقها والوقوف علي النوافذ، وكذلك عدم وضع كرسي في البلاكونات حتى لا يتسلق الطفل لمشاهدة الطريق.

• استخدمي أغطية بلاستيكية لسد أكباس الكهرباء.

• ثبتي المكتبة وقطع الأثاث الغير الثابتة بمسامير في الحائط.

• افصلي الأجهزة الكهربائية عن التيار عندما لا تكون قيد الاستخدام، مع ضرورة لف الأسلاك ووضعها بعيداً عن الطفل.
د. خالد سعد النجار

Post: #5
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:20 PM
Parent: #4

كذب الأطفال ظاهرة قد تتفاقم لتصل إلى حد المشكلة المزمنة التي قد تستعصي على الحل، لكن بداية نشير أنه من المهم عندما نناقش لجوء طفل دون سن التكليف للكذب أن نتساءل أولاً عن الدوافع التي جعلته يكذب؟ وكذلك عن كيفية التعامل مع ذلك الكذب من المحيطين؟ وماذا إذا تكرر الكذب؟

• تلعب القدوة دورًا مهمًّا، فإذا سمع الطفل من والديه أقوالاً، وتبين له فيما بعد كذبهما، أصبح الكذب شيئًا عاديًّا في نظره، واستخدمه بنفس طريقة والديه؛ لذلك على كل مربٍّ ألا يكذب على أطفاله بحجة إسكاتهم من بكاء، أو تسكينهم من غضب، أو ترغيبهم في أمر .. فإنه إن يفعل ذلك يكون قد عوَّدهم بطريق الإيحاء، والمحاكاة، والقدوة السيئة على أقبح العادات وأسوأ الأخلاق ألا وهو «الكذب»، فضلا عن أنهم يفقدون الثقة بأقوال المربي، ويضعف جانب التأثر بنصائحه وعواطفه.
يضاف إلى ذلك وجوب اتصاف الكبار المحيطين بالطفل بالصدق بأنواعه فلا غش ولا كذب ولا تجسس ولا اختلاق أعذار ولا تفادي للمواقف. وكذلك يتحتم وجوب احترام الصادق وتقديره، مع مراعاتنا للعوامل التي تشجع الطفل على الكذب ومحاولة تلاشيها وإبعادها، وخاصة في المدرسة حين يجتمع مع رفاقه وأصدقائه، وكذلك غضب المدرس وصراخه بالطفل مما يدفعه لتغطية خطئه بالكذب.

ومن أخطاء المدارس أحياناً عرض بعض الأعمال في المعارض على أنها من أعمال التلاميذ وتبرير ذلك، بأن جزءاً منها من أعمال التلاميذ. ويكون الواقع أن ما قام به التلاميذ من التفاهة بحيث لا يبرر عرضه على أنه من عملهم. والتلاميذ يشعرون عادة في قرارة أنفسهم بهذا، وبالتالي يتعودون الكذب والتساهل فيه وذلك عن طريق المثال والممارسة الذاتية.

• من المهم جداً توضيح الأمور للطفل يشكل جلي، وأنه حتى ولو رأى كباراً يكذبون، فإن هذا السلوك خاطئ، ولا يجوز، مع ذكر بعض القصص والأحاديث النبوية والآيات القرآنية التي تتناول مثل هذا الموضوع بأسلوب مبسط يتناسب مع مستوى الطفل ومرحلته العمرية .

• يجب تفهيم الطفل أن تغيير الحقائق يسمّى «كذبًا» وهو أمر لا يحبه الله، ولا يحبه الناس، ويجعل الإنسان بعيدًا عن الله وعن الناس؛ لذا فلا يجب فعله، وبالتالي يتم إقناعه لماذا الخطأ خطأ.

• ينبغي الاتفاق مع الطفل على أنه سيقول الصدق دائمًا دون خوف من أي شيء، ويمكن دعم ذلك بالقصص التي أثّر فيها الصدق إيجابًا وحمى أصحابها أكثر مما لو كذبوا.

• لا نطلب من الأطفال أن يشهدوا ضد أنفسهم، أو أن نطلب منهم الاعتراف بأخطائهم، وبدلاً من ذلك يجب جمع الحقائق من مصادر أخرى، ووضع القرارات بناءً على هذه الحقائق.

• محاولة فتح حوار مباشر وبسيط مع الطفل لمعرفة آماله وأحلامه، ورؤيته لتحقيق بعض هذه الأحلام، وإشعاره من خلال هذا الحوار بقيمته، وتدعيم ثقته بنفسه، وبأن عدم وجود هذا الأمر أو غيره من وسائل ترفيه أو كماليات لا يضيره ولا ينقصه، بل إن الله تعالى خلق الناس وميز بينهم في القدرات والإمكانات .. وغير ذلك من أمور تشعر الطفل بقيمته الذاتية، وأهميته، وتزيل منه أي إحساس بالنقص قد يستشعره لسبب أو لآخر، وذلك بأسلوب يسير مبسط ، مطعم بالقصص الهادفة، وبعض الطرائف المناسبة .

• واجه الطفل بطريقة إيجابية: بمعنى لا تطلق لفظ «أنت كاذب» أو تنقده مباشرة، لأن مثل هذا الأسلوب يدفعه إلى الانتقام، ويقلل من تقديره لنفسه، ولكن بدلاً من ذلك تقول بكل هدوء: أنا أعرف أن الذي تقول غير صحيح، والكذب غير مفيد، ودعنا ننظر في الموضوع .

• استخدم أسلوب التأديب المناسب: ينبغي أن يعرف الأبناء شيئين: أننا نفخر بهم إذا أخبرونا الصدق. وأن الكذب يترتب عليه مضاعفة العقوبة، التي من الأفضل أن تكون بالحرمان من شيء يحبه الطفل لفترة محدودة، وأن نحجم عن علاج ظاهرة الكذب في ذاته بالضرب أو السخرية أو التشهير.

• الابتعاد عن استعمال العقاب الذي يبدو أن الطفل يعفى منه لو دافع عن نفسه بأسلوب الكذب، لأن الأطفال سوف يكذبون حتى يوفروا على أنفسهم إهانات الكبار
.
• لا ينبغي في الأحوال العادية إيقاع العقوبة على الطفل بعد اعترافه بذنبه، فالاعتراف له قدسيته واحترامه. ومن شأن إيقاع العقاب على الطفل في هذه الحالة، أن يقلل من قيمة الصدق ومكانته في نظره، وأما مَن يصر على الإنكار فلا ينبغي أن نلح في استجوابه لأن هذا نتيجته الاسترسال في الكذب والتفنن فيه.

• يمكن الاتفاق مع الطفل الكذوب على أنه لو ذكر الصدق دائمًا سيحصل على مكافأة، وأن يضع لنفسه جدولاً أسبوعيًّا يضع فيه علامات على الأيام التي التزم فيها بالصدق .. وعلى قدر العلامات تكون المكافأة. وعليك أن تأخذ أقواله بشيء من الثقة والتقدير، وحاذر أن تظهر أمامه بمظهر الشك أو التردد سواء في حديثك أو حركاتك.

• حذار من عدم تناسب العمل الذي يكلف به الطفل مع مقدرته، مما يضطره إلى استعمال الحيل للتخلص من الظهور بمظهر العجز، وكذلك عدم تناسب البيئة مع مستوى الطفل، كوجود طفل فقير في وسط غني، أو طفل غبي بين أذكياء.

• إذا كان الأطفال يكذبون في أحيان كثيرة لتغطية نقص يشعرون به، فعلينا أن نكثر لهم من الرحلات والهوايات .. فكل هذه تعطيهم آفاق حقيقية يظهروا فيها ويتحدثون عنها، مع عدم الإكثار من مشاهدة الأشرطة الخيالية والخرافية، وإنما الاستزادة من القصص المفيدة والواقعية.

• يجب أن نتجنب الظروف التي تشجع على الكذب.. فمثلاً: إذا كان لدينا طالب نعهد فيه هذه الخصلة، فلا نجعله المصدر الوحيد للشهادة في حادثة ما، لأن هذا يعطيه فرصة الانطلاق في عادة الكذب وتثبيتها بالتكرار والتمرن، وزيادة على ذلك فلا يصح أن يعطى الكاذب فرصة الإفلات بكذبة دون أن نكشفه، لأن النجاح في الإفلات بالكذب له لذة خاصة تشجع على تثبيته واقترافه مرة أخرى، بل تشجع أيضاً على الاسترسال في سلسلة من الأكاذيب المقصودة التي تصدر عن نفس هادئة مطمئنة.

• البعد عن استحسان الكذب لدى الطفل أو الضحك فرحا بذلك .. فقد يبدو في أحد مواقف الطفل التي يكذب فيها ما يثير إعجاب الوالدين أو ضحكهما، فيعزز هذا الاستحسان لديه الاتجاه نحو الكذب ليحظى بإعجاب الآخرين.

• الالتزام بالوفاء لما يُوعد به الطفل .. فالطفل لا يفرق بين الخبر والإنشاء، وقد لا يقدر عذر الوالدين في عدم وفائهما بما وعداه به، ويعد ذلك كذبا منهما.

• تذكر دائما .. الأطفال ذوو خيال عريض وكبير؛ صحيح أن هذا يكون مع الأطفال الأصغر سنًّا، وأنه عند بلوغ السادسة المفروض أن يصبح لدى الطفل قدرة على التفرقة بين الواقع والخيال؛ ولكن هذا لا يمنع أن يلجأ إلى التأليف الذي نسميه «كذبًا».

من أسباب اعتياد الطفل للكذب

أما الطفل الذي يعتاد الكذب، فهو ذلك الطفل الذي لا يشعر بحب والديه ولا بدفء العلاقة بينه وبينهما، ويشعر بأنهما حين يعاقبانه ينتقمان منه.
وهو ذلك الطفل الذي لا يفهم أسباب المنع وأسباب الرفض لما يطلب منه.
وهو ذلك الطفل الذي يشعر دائما بالقهر والذلة في التعامل وعدم التقدير لمشاعره أو احترامها.
وهو ذلك الطفل الذي يشعر بالملاحقة الدائمة، والتركيز على كل كبيرة وصغيرة في حياته.
وهو ذلك الطفل الذي يملى عليه دائما ما يفعل دون ترك فرصة كي يبادر هو نفسه بالكف عن ارتكاب الخطأ، وحينما يخطئ نتتبع أخطاءه ونتعقبها، ولا نترك له مساحة للتراجع عنها من تلقاء نفسه.
وهو ذلك الطفل الذي يواجه دائما بسؤال مباشر مستفز: أأنت الذي فعلت هذا أو ذاك؟.
وهو ذلك الطفل الذي نكثر من عتابه ولومه على أخطائه مهما كانت بسيطة.
وهو ذلك الطفل الذي يتهم صراحة بالكذب أو يطلق عليه هذه الصفة.
كل هذا هو الذي ينشئ طفلاً يعاني من الكذب فضلاً عن الاضطرابات النفسية التي تلحقه.
د. خالد سعد النجار

Post: #6
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:21 PM
Parent: #5

امتلاك قلب الزوج هو هدف كل زوجة تنشد حياة زوجية سعيدة، وهو الشغل الشاغل لمن تتمنى الحب والاستقرار العائلي، والمطبخ ركن أساسي من الحياة الزوجية، ومملكة الزوجة الخاصة، والطبخ من أشهر أسلحتها للاستحواذ على أعجاب زوجها بل وعائلتها، فبالأطباق الشهية لذيذة المذاق تستطيع الزوجة أن تسعد زوجها وعائلتها، وتجذبهم للجلوس على مائدتها المنزلية، حيث يجمعهم الدفء العائلي الذي تفتقده أشهر المطاعم مهما قدمت من أكلات نادرة ومتميزة.

إن الطهي مهارة وفن يكسب المرأة الكثير بتعلمه، فهو مساحة تميُّز للمرأة وتشعرها بروعة ومتعة دورها في الأسرة، وهو شكل من أشكال تعبيرها عن حبها ورعايتها لأفراد أسرتها، كما أنه استعراض لمهارتها في تحويل الأفكار والخبرات إلى أكلات شهية، بل إن البعض يرى أن جودة الطعام ولذته إنما ترتبط بالعاطفة والرغبة في إسعاد الغير، خاصة وأن العلماء قد اكتشفوا أن مركز الرغبة في الإنسان موجود في منطقة تسمى تحت المهاد بالمخ ، وقد لا تكون صدفة أنها نفس المنطقة التي تتحكم في شهية الإنسان للطعام والشراب.

إليك عزيزتي الزوجة
• الرجال عادة عندهم ولع شخصي بتذوق الطعام من يد زوجاتهم، ولا يثقون بأي أيد غريبة تعد الطعام كالخدم ونحوهم، فاحرصي على أن تجهزي بيديك لزوجك وأسرتك ما لذ وطاب، فرائحة الطهي في البيت عند حضور الزوج من العمل أسرع نفاذا إلى قلبه من أبلغ كلمات الحب في العالم.

• استعيني بالله عز وجل في أمرك كله، وابدئي إعداد الوجبات دائماً بالتسمية لجلب البركة في الطعام، وعند تذوق الطعام اذكري الله، ورددي: «بسم الله، ما شاء الله، اللهم بارك لنا في طعامنا»، واعلمي أن نية صالحة مع تعب وجهد، تحول العادة لعبادة، وتجني من ورائها أجرا كبيرا بإذن الله تعالى.

• الرجل مغرم بالزوجة التي تقدم الوجبات وترافقها الابتسامة، فالابتسامة تجعل الطعام ألذ حتى وإن كان بسيطا، أما لغة الشكوى من طول الوقوف في المطبخ والمعاناة المستمرة مع الأولاد .. لن تثمر سوى شهية فاترة، حتى ولو كان الطعام مما لذ وطاب.

• حذار من أن يستبد الجوع بزوجك، أو تقديم الأكل له شديد السخونة، حيث يذكر علماء النفس أن الإنسان حال جوعه يفسر ما يراه على أنه يشبه كذا من أنواع الطعام، وكذلك ما يشمه من روائح، فالجائع تنطلق مشاعره كلها نحو الطعام مما يزيد من معاناته إذا تأخر الأكل أو طالت فترة انتظاره، وصدقت العربية الأصيلة (أم إمامة بنت الحارث) حين قالت لبنتها ناصحة: «فالتفقد لوقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع ملهبة، وتنغيص النوم مغضبة».

• كوني عصرية وتقيدي بكل ما ينصح به خبراء التغذية، بل وتخلصي من كل الأفكار القديمة الخاطئة، وخصوصا وصفات الطعام الدسمة جدا ثقيلة الهضم .. اهتمي بإعداد الوجبات البسيطة والخفيفة، مع المحافظة على التنوع الغذائي والتوازن بين عناصره ليناسب كل أفراد الأسرة بمختلف أعمارهم واحتياجاتهم، ولا يفوتك حسن اختيار الألوان الجذابة وطريقة التقديم الأنيقة، فالعين تأكل قبل الفم.

• طوري نفسك وحاولي أن تخرجي عن النمطية في إعداد الوجبات التقليدية مستعينة بأشهر كتب الطهي العصرية وبرامج الطهي التلفازية المتنوعة، فالطهي علم له حساباته وفن له أسراره، وليس مسألة صدفة أو «نفس» كما يقول البعض .. إنه مقادير معينة تخلط بطريقة مرتبة مع درجة حرارة ملائمة، كل هذا يدعمه صبر كبير من الطاهية، ومراقبة للطعام دون ضجر أو تسرع.

• في بداية الحياة الزوجية من الأفضل أن تكوني حذرة وتتبعي لغة « جس النبض» كما يقال .. تعرفي تدريجياً على ما مزاج زوجك وما يحبه من أكلات ووصفات .. يمكنك ابتداء الاعتماد على الوصفات البسيطة التي تجيدينها، وإذا لم تكوني محترفة للطهي فحاولي اختصار الجهد باستخدام – مثلا- صدور الدجاج الجاهزة بدلا من " خلي " الدجاج الكامل الذي يحتاج لمهارة في نزع عظامه، وبعض المكونات نصف تجهيز، وذلك لتقليص فترة الطهي بالإضافة لعدم الحاجة إلى مهارة عالية في التنظيف والتجهيز.

• حذار أن تجعلي أفراد الأسرة حقل تجارب، لذلك فأوقات الفراغ -وخاصة الأجازات الصيفية- فرصة غنية مسبقة لكي تتعلمي فنون الطهي من الوالدة أو الصديقات، فمن الصعب الإحساس بالفشل خاصة أمام من نحبهم، وكي لا يكون لدى زوجك ما يحمله على عتابك بسبب وبدون سبب، أو تكوني مدعاة للسخرية أو التندر من أهله وأقاربه.
ومن الأهمية بمكان اهتمام الفتاة قبل الزواج - مهما كانت ظروف دراستها أو عملها – بإجادة الطهي، وعمل أنواع الوصفات المختلفة، وأن تحاول جاهدة إتقان مهارات إدارة المنزل حتى تتقرب إلى زوجها عمليا بفعل ما يحبه، وتدخل بذلك البهجة على قلبه بتفانيها في إسعاده بشتى الطرق.

إن الحياة أدوار، والسر في استقرار حياة الزوجين أن يعرف كل طرف الدور المنوط به، وفي الدورات التدريبية المكثفة الحل لمن فاتها تعلم مهارات الطبخ وإدارة شئون البيت في فترة صباها، كي تكون جديرة بالمسئولية التي ستلقى فوق عاتقها، خاصة وأنه في بداية الحياة الزوجية يكون كل طرف غريبا عن الآخر وفي مرحلة استكشاف لصاحبه، والظهور بمظهر الفشل في مثل هذه المرحلة لا يكون لصالح أي طرف، مهما اكتسب من خبرات بعد ذلك.

• كثير من الرجال يراودهم الحنين إلى طبخات أمهاتهم، وقد يأخذ هذا الحنين شكل النكاية في الزوجات اللاتي لسن بمستوى وبراعة الأمهات في الطبخ، فحاولي أن تتقبلي الأمر بشيء من المرونة والتفاهم، ولا تظهري نوازع الغيرة العمياء من حماتك، خاصة إذا عرفت أن خلايا التذوق في اللسان تبلغ ذروتها في مرحلتي الطفولة والمراهقة، ثم تقل بنسبة 10 % في مرحلة الرجولة المتقدمة والكهولة. لذلك فإن ما يتناوله المرء في مراهقته المبكرة يظل عالقا على لسانه وفي ذهنه وقلبه على أنه الألذ، وهو ما يفسر تفضيل الأزواج لطعام أمهاتهم على طعام زوجاتهم.
إن نمط ونظام الزوج الغذائي ليس وليد لحظة، بل هو مرحلة كبيرة من العمر تمتد من أول يوم استهل فيه صارخا، لذا فالتغيير ربما يكون عسيرا، والأولى هو أن تدخلي عالمه وعاداته التي نشأ عليها، وهذا لن يكون إلا بالانخراط في جو أسرته التي نشأ بين أحضانها، ومحاوله التعرف على كل الأصناف التي تروق له، وطريقة إعدادها سواء من الأم أو الأخت، فلكل عائلة خصوصية غذائية وأسلوب خاص بها، وسعادتك منوطة بالتأقلم معها.

• نحن نأكل لكي نعيش، لا نعيش لكي نأكل .. لا تجعلي من الطعام قضيتك الأسرية الوحيدة فتوليها كل اهتمام وإنفاق وبذخ، فما عال من اقتصد، والله لا يحب المسرفين، والإسلام لا يحض على ضيق العيش والتقشف، قال تعالى:{قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف:32] ولكنه في الوقت ذاته لا يريد أناساً متخمين ممتلئة بطونهم بكل ما لذ وطاب، يركنون إلى الدنيا ولذَّاتها .. إن الرجال الذين ينغمسون في التشبع والامتلاء، ولا هم لهم إلا الحديث عن الجديد في وسائل الطهي وفنون التلذذ، لا يصلحون لأعمالٍ جليلة، ولا ترشحهم هممهم لبناءٍ أو تضحية، وقديما قال الأحنف بن قيس رحمة الله عليه: «جنبوا مجالسنا ذكر النساء والطعام، إني أبغض الرجل يكون وصّـافاً لفرجه وبطنه» [سير أعلام النبلاء]، و «التخمة تذهب الفطنة» كما يقولون.

• لا توجد صعوبة مطلقا في التنسيق والتوازن بين مظهرك الشخصي وشئون الطبخ .. إن رائحة الثوم والبصل في ثيابك الملطخة ببقايا الصلصة والزيت لن تشفع لها الوجبات الشهية التي حضرتها لزوجك، فالرجل يعشق بعينه غالبا، وقديما قالوا «لا يشم منك إلا أطيب ريح، ولا تقع عيناه منك على قبيح»، ومن اعتبرت الزوج أو الزواج بابا مفتوحا لها للجنة سوف توازن بين كل هذه الأمور، وتحرص كل الحرص على رضا زوجها، بدون أن يطغى جانب على الآخر. وما أجمل قول الحبيب صلى الله عليه وسلم: «فانظري أين أنت منه ، فإنما هو جنتك ونارك» [صحيح الجامع: 1509]

وأخيرا تبقى قضية «الطبخ» أحد الركائز المهمة في بناء البيت السعيد، فإذا كانت الزوجة تجيد إعداد الطعام لزوجها العائد من يوم عمل متعب وشاق، فهذا ينعكس بالطبع إيجابا على حالته المزاجية، ويساعده على استعادة حيويته، وينعش روح الدعابة لديه، ويخرجه من عناء يوم العمل الطويل؛ والعكس صحيح فإذا كانت الزوجة تعد طعاما أقرب للمحنة منه إلى المنحة فلا تلومن إلا نفسها إذا وجدت من زوجها نشوزا أو إعراضا ، نتيجة إحساسه بالفشل في الاختيار، واختلافه عن أقرانه سعداء الحظ بزوجات ناجحات، وقد تترك هذه المشكلة في نفسه ندبة لا تداويها كل مطاعم الدنيا حتى ولو وجد يسارا في الذهاب إليها.
د. خالد سعد النجار

Post: #7
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:23 PM
Parent: #6

إذا لم يكن بين الزوجين حوار واضح ومباشر، وكلاهما يضمر في نفسه ما لا يستطيع مناقشته مع الآخر، ويعيش متكلماً مع نفسه فقط .. فهذا ضرره وعاقبته على الحياة الزوجية فوق كل تصور، لأنه وبعد فترة من الزمن سيكتشف الزوجان أن كل واحد منهما يعيش خصوصياته فقط لا يشاركه فيها أحد .. بمفرده يأخذ القرار، وبنفسه ينفذه، وتدور في ذهنيهما أسئلة: لمَ تزوجت؟.. بماذا أفادني الزواج؟ وتبدأ الأسرة في التفكك الضمني، حتى وإن بدت في ظاهرها أسرة متماسكة، وقد يصل الأمر إلي أن يجعل كل واحد منهما غرفة نوم خاصة به، وتتطور الحالة إلي تناثر وتشتت تام في السلوك اليومي للحياة الأسرية، وبذلك يصبح في البيت الواحد بيتان منعزلان كلياً عن بعضهما البعض.

الانفصال السلوكي والروحي يقيم بين الزوجين حواجز وسدودا تعلوا وتعلوا مع مرور الوقت، ومن أجل تحطيم هذه السدود لا بد أن يكون عندهما قناعة بضرورة الحوار في كل أمر من أمورهما .. يتحدثان عن إيجابياته وسلبياته، وهذا يترتب علي قناعة كليهما معاً، وبهذا تصبح قراراتهما مشتركة، مهما صعبت.

ومن المفارقات أن هناك دراسة تقول إن المرأة تتحدث في اليوم (13) ألف كلمة والرجل (8) آلاف، فإن لم يكن بينهما حوار عقلاني فأين تذهب هذه الطاقة الحوارية؟
إنها تذهب إلي حوار نفسي سلبي بالطبع، فعلى رأس هرم السعادة الزوجية يأتي الحوار بين الزوجين، وهذه ليست دعوة للرجال لأن يثرثروا مع زوجاتهم، ولا أن تصم الزوجة آذان زوجها بكثرة الكلام، بل المقصود الحوار البناء الذي يشمل الحديث المدروس في التوقيت المناسب.

قواعد تقوية العلاقات الأسرية
قام علماء الاجتماع بدراسة شملت مائة من الزوجات بمناسبة اليوبيل الفضي لزواجهن, وتم توجيه بعض الأسئلة المتعلقة بأفضل الطرق والاستراتيجيات التي تقوي العلاقات الأسرية وتمتنها, فكانت النتائج أن 75% منهن أشرن إلى أن ما يسلح بنيان الأسرة هو الآتي:
ـ الاستعداد لمساعدة كل منهما الآخر.

ـ العفو السريع.

ــ أن يضع كل من الزوجين نفسه مكان الآخر، ويحاول أن يغوص في عالمه الخاص، ويساعده على فهم ما هو جوهري وأساسي, فقد لا يتمكن أحدهما من رؤية تفاصيل الحياة من منظوره الشخصي.

ــ عدم الاختلاف بسبب أمور صغيرة, وعدم السماح بظهور صعوبات وتعقيدات تولد الصراع, والعمل قدر المستطاع على الإيقاف الآني للخلاف كي لا يتطور متخذًا منحى أشد خطورة, فالإنسان الذكي هو الذي يعمل جاهدًا على وقف الخلاف واجتثاث جذوره.

ــ إتباع سياسة أسرية تتصف بالمرونة والدبلوماسية عن طريق تنشيط المشاركة في المسئوليات الأسرية .. إن المحافظة على توازن الأسرة وتقوية دعائمها مسئولية جميع أفرادها, فلو واجهت الزوجة - على سبيل المثال - صعوبة ما سببت لها الإنهاك في الوقت الذي يقف فيه باقي أفراد الأسرة موقف المتفرج الذي يعطي الإرشادات والنصائح من شأنه أن يفاقم الموقف, ويمهّد لظهور الجفاء والفتور بين الزوجين, ويترك أثرًا سلبيًا عسير الزوال.

ــ أن يرفع دائمًا شعار (لا فظاظة ولا خشونة), وليعلم الزوجان أن لاشيء يحطم سعادتهما مثل الفظاظة والقسوة .. إن الحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والثقافة والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة.

ــ ضرورة الاتفاق على استراتيجيات وأساليب تربوية واحدة بالنسبة لتربية الأطفال وتنشئتهم التنشئة الاجتماعية السليمة, مثل: عدم تقديم التعزيز الإيجابي (حلوى, نقود...) بعد عقاب الطفل من قبل أحد الوالدين.

وفي النهاية علينا العمل بقدر المستطاع على أن تكون هذه السعادة متبادلة, وذلك فن راق للتواصل الأسري يمتن أركانها ويحصنها ضد مختلف أشكال التفتت والتفكك والضياع.

قواعد أساسية في الحوار
• ضرورة التقدير والاحترام المتبادلين، والبعد عن الألفاظ المبتذلة بحجة العشرة والبساطة وطرح التكلف.

• التخفيف قدر الإمكان من أشكال اللوم والعتاب، فكثرة العتاب تفرق الأحباب وتوغر الصدور.

• القدرة على ضبط الزوجين انفعالاتهما والتحكم بأعصابهما أثناء ثورات الغضب.

• أن يكون باستطاعة الزوجين التنازل والتساهل, وهذا شرط من الشروط الأكثر أهمية بالنسبة لنجاح العلاقات الزوجية.

• تجنب اللجوء إلى أشكال العقاب الشديد لأن الإنسان الذكي يدرك المقصود بمنتهى السهولة.

• عدم التسرع في قذف الزوجين كل منهما الآخر, بكلمات قاسية وفظة, بل على العكس يجب أن تستخدم قدر المستطاع كلمات رقيقة وحانية

• حذار من إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي تتسم بالمغالاة والإطناب (إنك لا تريد أن تفهمني أبدًا, إنك تتصرف دائمًا على النحو الذي تريده, طلبت منك ألف مرة,....) فالتعميمات لا تخرج عن وصف الشريك بالفشل, وهذا من شأنه أن يجرح كرامته جرحًا عميقًا قد لا يندمل أبدًا.

• عدم كتمان الإساءة وكبتها, فكلما كشف الزوجان عن حالات الصراع الداخلي بصورة أسرع كان تأثير ذلك أقل في بنيان الأسرة. ويجب على الزوجين أن يعملا جاهدين على اتخاذ الخطوة الأولى ليلتقي أحدهما الآخر بهدف المصالحة وإزالة مسببات التوتر التي ولدت الأزمة.

• الدفاع المنصف عن الزوج أو الزوجة في حال نشوء خلافات مع الأصدقاء والأقارب.

• عدم كشف الخصوصيات الأسرية أمام الغرباء.

• عدم التحدث عن عيوب الزوج أو الزوجة أو الأطفال أمام الآخرين.

• من غير المحبذ لكلا الزوجين توجيه أي ملاحظات بحضور أناس غرباء، لأن هذا قد يسبب جرح لعزة النفس والمشاعر ليس بالنسبة لهما فقط, بل وحتى الأطفال عامة والمراهقين خاصة.

• الإيمان بخصوصية العلاقة الأسرية، وعدم السماح لأي كان بالتدخل في شئون الأسرة الداخلية ولو كان من أقرب المقربين والأصدقاء.

• أن يكون باستطاعة الزوجين التفاهم والمساعدة والتغاضي, وهذا شرط مهم جدًا.
د . خالد سعد النجار

Post: #8
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:24 PM
Parent: #7

يشبه علماء النفس الجوانب النفسية للمرأة بأمواج البحر الهادرة، حيث تتماوج عواطفها ومشاعرها بالارتفاع الشديد عندما تكون مسرورة مبتهجة، ثم تعود بالانخفاض عندما تنزعج وتضعف ثقتها بنفسها، وما تلبث تلك المشاعر أن ترتفع من جديد، وهكذا بين ارتفاع وانخفاض وإقبال وإدبار ..
وعندما ترتفع مشاعر المرأة وتعظم ثقتها بنفسها، فإنها تكون مصدرًا لا ينضب للحب والتضحية والعطف والحنان للآخرين وخاصة زوجها، ولكن عندما تنخفض أمواج عواطفها وتشعر ببعض الاكتئاب فإنها تحس بفراغ كبير في داخلها، وبأنها تحتاج إلى الحب والرعاية من قبل الآخرين، وخاصة زوجها.
وهناك من يشبه انخفاض مشاعر المرأة وعواطفها وكأنها تنزل في بئر عميق مظلم، وما تلبث بعد أن تصل إلى قاع البئر - وخاصة إذا شعرت أن هناك من يحبها ويتمناها - أن تبدأ رحلة الصعود للخروج من هذا المنخفض، وتعود كما كانت نبعًا معطاءً من الحب والرعاية لمن حولها وخاصة زوجها.

إن الحياة مليئة بالمتغيرات الكثيرة وخصوصًا العلاقة الزوجية، ويجب أن يفهم الرجل أن تبدل مشاعر المرأة على هذا النحو من الارتفاع والانخفاض، ونزولها وصعودها، ليس من تصرفاتها، بل هو سجية وخلقة خلقها الله عليها، ويجب أن يتعامل معها كما هي .. فمن الأخطاء التي يمكن أن يقع فيها الرجل منع زوجته من تقلبات المشاعر والمزاج، أو أن يحاول إخراجها من ذلك البئر العميق، لأن المرأة عندما تنزل إلى ذلك البئر فإنها لا تحتاج إلى من يخرجها منه، وإنما تحتاج أن تشعر بأن زوجها بجانبها يحبها ويرعاها، وتحتاج أن تسمع منه كلمات الرعاية والعناية وأن تحس بدفء الحب ولطف المعاملة.

• لا تبحث المرأة عن رجل يحبها بل عن رجل يبادلها الحب، فالمرأة إذا أحست بحنان وحب زوجها واحترامه لها، وهبته كل ما تملك، ووفرت له كل سبل السعادة، وكان عليه الصلاة والسلام يتحين الفرص لإظهار المودة والمحبة لزوجاته

• الكلمة الطيبة صدقة .. فخير ما يتصدق به الزوج على زوجته «الكلمة الطيبة» .. إن الزوجة لها طبيعة نفسية عجيبة ورائعة، طبيعة مفعمة بالرقة والأنوثة تجعلها تتأثر باللفظ الجميل والأسلوب الجذاب، ولذلك فاللفظ الرقيق الجميل من الزوج لزوجته عبارة عن دفقة حب ونبضة إخلاص وقطرة حنان، ولو أتقن الزوج كلامه مع زوجته لاكتسب قلبها دائما وأبدا بل واحتله بسهولة، وعلى الزوج حتى يتقن هذا الفن أن ينادي زوجته بأحب الأسماء إليها، وأن يدللها ويسمعها الكلام الطيب ويمدح شخصها ومظهرها، ويذكر دوما صفاتها الحسنة، وأن يعبر لها دائما عن شدة فرحه بلقائها بعد عودته إلى المنزل ويقول لها:

وما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا

• الزوجة ليست قضيتها فقط أنها تريد أن تسمع كلام وقصائد وأشعار، وإنما تريد أيضا أن تشعر بأنها تشكل قيمة عاطفية في حياة زوجها، وأنها تحتل مكانة في قلبه وأحاسيسه، فكن –عزيزي الزوج- مرنا حنونا، وحاول مشاركتها في أعبائها الأسرية ما أمكن وكلما أتيحت لذلك فرصة.

• كن دائما بجانبها خاصة إذا مرضت أو أخفقت، ولا تستهن بشكواها، فهي تبحث حتى عن مجرد التأييد العاطفي والمعنوي.

• لا تتدخل كثيراً في شؤون البيت، وامنحها الثقة، فإن هذا يشعرها بأنها ملكة متوجة داخل منزلها.

• الزوجة ليست أداة متعة فقط، وإنما هي إنسانه لها مشاعر وأحاسيس ورغبات وميول .. استمع لها وحاورها، وخذ برأيها لتشعرها بدورها كشريكة حياة، فأنتما نصفان يكمل أحدكما الآخر. ولا تستخف باقتراحاتها لحل المشاكل التي تواجهكما، فهذا الاستخفاف يشعرها بعدم أهميتها، كما لا تتوقع منها أن تحل المشاكل بطريقة عقلانية ومنطقية، لأنها أكثر ميلاً إلي استخدام العاطفة بحكم الفطرة التي فطرت عليها.

• ابتعد عن المثالية، وعش حياتك بطريقة طبيعية، ولا تتوقع المعجزات. وحاول دائماً حصر النزاع بينكما في دائرة ضيقة، ولا تجعل المشاكل والخلافات تتسع، وسيطر أنت على المشكلة قبل أن تفلت من يدك، وإياك أن تسارع باتهام زوجتك عند كل مصيبة، وكأنها هي المخطئة دائما، وهي من يجب أن يتعلم ويتدرب لكي تجلب لك السعادة والاستقرار.

• تهديد الزوج للزوجة بالطلاق في كل مشكلة تحدث أمر يُصعب الخلافات ويزيد الفجوات بينكما، وبدلا من ذلك ينبغي البحث عن ايجابيات الطرف الآخر وتعدداها مع النفس، فهذا من شأنه أن يهدئ غضب الزوج ويجعله يشعر بأن لديه كنزا ينبغي أن يحافظ عليه.

• واجه الزوجة دائما بالأمور التي تبعدك ظاهريا ونفسيا عنها، وبمعنى آخر المصارحة معها حول أخطائها وتقصيرها -ولاسيما في أوقات الصفاء والاسترخاء- فهذا أفضل من الهروب إلى خارج المنزل مع الرفقاء أو الهروب إلى القنوات الفضائية والانترنت، ولا تجعل الأمور تتراكم وتتراكم حتى يثقل القلب ولا يتحرك أبدا بأي عاطفة.

• لن يتأتى للرجل الانتفاع بزوجته إلا أن يداريها، ويلاطفها، ويوفيها حقها. فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإنك إن ترد إقامة الضلع تكسرها، فدارها، تعش بها) [أحمد وصححه الألباني، صحيح الجامع (2/163)]. وقال أيضا عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة خلقت من ضلع، ولن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها، استمتعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيمها كسرتها، وكسرها طلاقها) [مسلم]

• عدِّل سلوكك من حين لآخر، فليس المطلوب فقط أن تقوم زوجتك بتعديل سلوكها، وتستمر أنت متشبثا بما أنت عليه، وتجنب ما يثير غيظ زوجتك ولو كان مزاحا.

• تجنب الحديث عن تجاربك ومغامراتك السابقة أو عن الماضي المرتبط بامرأة أخرى، سواء كانت خطيبة أو زوجة سابقة.

• لا تجعلها تغار من عملك بانشغالك به أكثر من اللازم، ولا تجعله يستأثر بكل وقتك، وخاصة في إجازة الأسبوع، فلا تحرمها منك في وقت الإجازة سواء كان ذلك في البيت أم خارجه، حتى لا تشعر بالملل والسآمة.

• لا تجبر زوجتك على زيارة أهلك، بل اعرض عليها أن تزورهم برغبتها، وأن تحمل معها هدية إن رغبت. وفي المقابل اعتنِ أنت بأهلها وتواصل معهم وخذ لهم الهدايا، وأسأل زوجتك عن والدتها ووالدها وإخوانها واجعلها تشعر أنك تهتم بأهلها لتبادلك نفس التصرفات.

د. خالد سعد النجار

Post: #9
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:25 PM
Parent: #8

من أشد الغبن أن نقصر تربية أبنائنا وتعليمهم على تصفح بطون الكتب فقط، فالعلم بحره واسع والتربية ساحة مترامية الأطراف ، من الحيف أن نركن لزاوية واحدة منها دون الأخذ بباقي معالمها وأبعادها خاصة في عصرنا الذي تنوعت فيه روافد الثقافة وتعددت فيه أشكال المعرفة، هذا مع تزاحم أحداثه وتقارب زمانه حتى صارت المهمات أكثر بكثير من الأوقات.

وإن قصرنا المعرفة والتربية على بطون الكتب وحدها - مع أهميتها- فأين يقع تعليم «القدوة الصالحة» ومتى نستفيد من «الوسائل الالكترونية» الحديثة المرئية والمسموعة، خاصة وأن التعليم بالرؤية أثبت في الذهن وأرسخ في السلوك إذا قورن بالتصفح البحت للمعلومات المجردة على صفحات الكتاب، ويبقى للتعليم بالممارسة والتطبيق الباع الأوفر من حيث الإيجابية، ولذلك كثرت في السلف الصالح رحلات السفر العلمية حيث كانوا ينتفعون برؤية العلماء ويتعلمون من سمتهم ودلهم كما ينتفعون بعلمهم، ورحم الله أم الإمام مالك التي أوصت ابنها لما أرسلته إلى «ربيعة» عالم زمانه، فقالت له موصية: «تعلم من أدبه قبل علمه».

ومع تشعب أحداث العصر وتنوع وسائله تشتت أفراد الأسر، فالأب غارق في ضغوط الحياة، والأم منهمكة مع الأولاد ومسئولياتهم، أما الأبناء فحدث عن المدرسة والواجبات المنزلية والنوادي الرياضية والكمبيوتر والإنترنت .. وغيرها من الظواهر التي اختطفت أبنائنا اختطافا وهم بين أحضاننا، والضحية الوحيدة في كل هذه المعمعة هو «التواصل الأسري» الذي بات عزيزا في كثير من المجتمعات رغم أهميته التربوية وعظم روعته التعليمية.
ورغم كل هذا التشتت تبقى «مائدة الطعام» أحد المجالات الصامدة أمام عاصفة التشرذم الأسري، حيث يجتمع كل أفراد الأسرة ليس للأكل فقط وإنما لتواصل حميمي فريد في كينونته عظيم في أهميته وفائدته بالنسبة للجميع.
على مائدة الأسرة نتبادل الحوارات مع أبنائنا عن شواغلهم والتزاماتهم العلمية والعائلية وعن معاناتهم وأحلامهم وطريقة تعاملهم مع الحياة .. لكن يبقى المحور الأعظم والهدف الأكبر هو التوجيه الأبوي والتعليم الهادف عبر مناقشة تصرفات وأفكار فلذات الأكباد حيث نتناولها بالتعزيز أو النقد والتعديل والتوجيه للأصوب من منطلق خبرتنا العملية وعمق تجاربنا الحياتية.

وتتجلى على مائدة الأسرة التربية بالقدوة العملية الحسنة، من منطلق التزام الأبوين بهدي السنة النبوية في آداب الطعام وهدي الإسلام في الصحة والغذاء، حيث يرى الأبناء تطبيقا فريدا للعديد من الآداب والتوجيهات الإسلامية الراقية:
- كم هو رائع أن يحرص الزوج عند أول دخوله المنزل وبعد إلقاء السلام أن يبدأ بسؤال الأولاد عن تواجد الوالدة ويذهب إليها ملقيا السلام ومقبلا رأسها تطيبا لخاطرها وإعلانا عن مشاعر الود والرحمة، فالزوجات عموما يعشقن الاهتمام الخاص من الزوج، ويثمنّ الإشارات واللفتات اللطيفة المفعمة بمشاعر الألفة والتقدير.

- ينبغي أن لا تقع مراسم تجهيز المائدة على عاتق الزوجة المنهكة في المطبخ وحدها، بل يتشارك كل الأفراد في حمل الأطباق وسائر الأغراض في جو مرح لطيف، وهذه المشاركة وإن كانت رمزية بالنسبة للزوجة إلا أنها تنطوي على معاني العرفان والمعونة بالقدر المستطاع، كما أنها تفتح شهية الصغار الذين يختارون لون طبقهم المفضل وكمية ونوعية الطعام المناسبة لديهم حسب الرغبة.

- من الهدي النبوي أن لا نعيب طعاما قط، فالنقد لنعمة الله تعالى نوعا من الجحود لفضل الكريم الوهاب، حتى وإن كانت تلك النعمة بسيطة في محتواها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: "ما عاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طعاما قط، كان إذا اشتهى شيئا أكله، وإن كرهه تركه". قال أهل العلم: وأما حديث تركه –صلى الله عليه وسلم- أكل الضب فليس هو من عيب الطعام، إنما هو إخبار بأن هذا الطعام الخاص كان –صلى الله عليه وسلم- لا يشتهيه.

- من الأدب أن لا يبدأ أحد الصغار بالأكل قبل أن يبدأ رب الأسرة أولا، وما أجمل أن يجهر الوالد بالتسمية عند بدأ الأكل تعليما للجاهل وتذكيرا للناسي .. «بسم الله» أو «بسم الله الرحمن الرحيم»، فإن نسي ذكر الله تعالى أثناء الطعام «بسم الله أوله وآخره»، فإنها تطرد الشيطان وتحل البركة في الطعام. وفي هذا الأدب قصة ما أجمل أن نرويها لأطفالنا أثناء الأكل لتكون أوقع في نفوسهم، بدلا من أن نستفرغ الحديث فيما لا طائل منه، فعن حذيفة –رضي الله عنه- قال: "كنا إذا حضرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم طعاما- لم نضع أيدينا حتى يبدأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيضع يده، وإنا حضرنا معه مرة طعاما، فجاءت جارية كأنها تدفع، فذهبت لتضع يدها في الطعام، فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيدها ثم جاء أعرابي كأنما يدفع فأخذ بيده. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إن الشيطان يستحل الطعام أن لا يذكر اسم الله عليه، وإنه جاء بهذه الجارية ليستحل بها، فأخذت بيدها، فجاء بهذا الأعرابي ليستحل به، فأخذت بيده، والذي نفسي بيده إن يده في يدي مع يدها ثم ذكر اسم الله وأكل». [رواه مسلم]

- من سنن وآداب الطعام العملية: الأكل والشرب باليمين، والأكل مما يلي المرء، وأن لا يأكل من وسط الطبق لأن البركة تتنزل فيه، والاجتماع على الأكل وأن لا ينفرد كل واحد بطبق خاص قدر المستطاع، وأن لا يقرن المرء بين حبتين من الأكل مما يؤكل أفرادا كالتمر وحب الفواكه كالعنب والمشمش وغيرها، ويجوز الإقران في حال استئذان الجلوس، أما الشرب فعلى ثلاث مرات، وأن لا يتنفس في الكوب.
فعن عمر بن أبي سلمة –رضي الله عنه- قال: كنت غلاما في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك»، فما زالت تلك طعمتي بعد [متفق عليه] ، وعن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: «البركة تنزل وسط الطعام، فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه». [رواه الترمذي وصححه] ، وعن وحشي بن حرب أَنَّ رجلًا قال: يا رسول اللَّه، إِنَّا نأكُلُ ولا نَشْبَعُ؟! قَالَ –صلى الله عليه وسلم-: «فَلَعَلَّكُم تَفْتَرِقُونَ عن طِعَامِكُم، فاجْتَمِعُوا علَيْه، واذكُرُوا اللَّه عزَّ وجل يُبَارِك لكم». [أبو داود]

- من التوجيه النبوي الذي يهمله كثير من الناس، قوله – صلى الله عليه وسلم-: «إذا وقعت لقمة أحدكم فليأخذها. فليمط ما كان بها من أذى وليأكلها. ولا يدعها للشيطان. ولا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه. فإنه لا يدري في أي طعامه البركة».[مسلم]

- من شكر نعمة الأمل حمد لله تعالى بعد الفراغ منه، فعن أبي أمامة -رضي الله عنه- أنه قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا رفعت المائدة قال: «الحمد لله كثيراً طيباً مباركاً فيه، غير مكفي، ولا مودع، ولا مستغني عنه ربنا» [البخاري] .. (غير مكفي) من الكفاية، والضمير راجع إلى الله تعالى، فيكون المعنى: أنه تعالى هو المطعم لعباده والكافي لهم، يستغني عن غيره، وغيره لا يستغني عنه، وذلك مثل قوله تعالى: {وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ} [الأنعام:14] .. (ولا مودع) أي: غير متروك، لأنه لا يستغنى عن الله عز وجل طرفة عين .. (ولا مستغني عنه) أي: غير مطروح ولا معرض عنه بل محتاج إليه فهو سبحانه لا يستغنى عنه طرفة عين ولا أقل من ذلك، وهو غني عن الخلق، والخلق مفتقرون إليه.

- شكر الزوجة على الطعام، وذكر وتعداد محاسنه، فمقولة الجالسين للأم «جزاك الله عنا خيرا» تطيب نفس الزوجة المكدودة، ومن لا يشكر الناس لا يشكر الله.

- ما أجمل أن نتشارك في رفع المائدة كما تشاركنا في تكوينها، ويا حبذا لو تشاركنا في غسيل الأطباق وترتيب الأواني كل في موضعه، فعن الأسود قال: سألت عائشة -رضي الله عنها-: ما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصنع في أهله؟ قالت: "كان في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة". [البخاري] وفي رواية: قالت: "يخيط ثوبه، ويخصف نعله، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم". وفي رواية أخرى: "ما كان إلا بشرا من البشر، كان يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه".
د . خالد سعد النجار

Post: #10
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:26 PM
Parent: #9

نعيش اليوم - مع الأسف - واقعا تربويا أليما، حيث يمكن القول أن كثيرا من الآباء قدموا استقالتهم تربويا، فلم يعودوا يأبهون أو يهتمون بتربية أبنائهم، وكثيرا من الأمهات انشغلن عن أبنائهن بالخروج إلى العمل الذي يأخذ حيزا كبيرا من أوقاتهن ومجهودهن، وأصبحن سلبيات أمام أبنائهن، فلم تعدن قادرات على تحمل المسؤولية التربوية.
بل هناك من الآباء والأمهات من يعتقدون أن تحقيق الرفاهية المادية للأسرة هو المطلوب منهم، فيظلون طوال اليوم يكدحون ويسافرون، غائبون جسدا وروحا عن بيوتهم، حتى إذا ما عادوا إلى أبنائهم يستمرون في غيابهم، فيحضرون جسدا فقط أما معنويا وتواصلا وحوارا مع أبنائهم، ومعرفة حاجاتهم النفسية فيجهلون ذلك أو يتجاهلونه.
كما أن معظم الآباء ينقصهم الوعي التربوي بسبب الأمية المنتشرة في مجتمعنا، وخاصة الأمية التربوية، فمعظم الآباء لا يتأهلون قبل الزواج وبعد الزواج لممارسة الفعل التربوي، فهم يربون أبناءهم بالتقليد والعادة وليس بالإطلاع على ما جد في الميدان التربوي أو بالتأسي بأخلاق الرسول -صلى الله عليه وسلم- في التربية، ولهذا فكثيرا من الأبناء يعانون من سوء معاملة الأسرة لهم.
ويمكن القول أن ما نراه من مواقف واتجاهات لدى الأبناء اليوم من: التشبث بالقيم المادية، وغلبة روح التواكل، وعدم تحمل المسؤولية، وفقدان روح المبادرة، وعدم الاستقلالية، أو ما نراه من انحرافات سلوكية لدى الأبناء، أو ما يسمى بجنوح الأحداث، كلها نتيجة الأخطاء التربوية داخل الأسرة وخارجها في المدرسة والشارع ووسائل الإعلام.

حتى لا يفلت الزمام
• الأطفال يحتاجون إلى جرعات كبيرة من الحب والحنان والعطف، لأن هذه العواطف تشعرهم بالأمن والطمأنينة، وتجعلهم ينمون نموا طبيعيا سليما، وتبعدهم عن الاضطراب والخوف والقلق، فالطفل الذي ينشا في أسرة مشبعة بالحب والحنان يكون أكثر انضباطا وأكثر طاعة وأكثر تعاونا داخل الجماعة سواء كانت أسرة أو غيرها، ولهذا فإشباع الطفل من الناحية العاطفية هو شيء أساسي في التربية، وديننا الحنيف يحث على هذا، ولنا في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة في حسن معاملته لأبنائه وأحفاده ومعاملة الأطفال عموما، وكيف أنه كان يقبل فاطمة والحسن والحسين وغيرهم من الصبيان.

ووسائل التعبير عن هذا الحب والحنان كثيرة منها: الضم ، القبلة، الابتسامة، المداعبة، اللعب معه، السلام عليه، إشعاره بأهميته داخل الأسرة بإشراكه في أمورها وإعطاؤه الحرية مع المراقبة البعيدة، تشجيعه على الكلام بحرية، دعمه واحترام اختياراته ومشاعره وخاصة مع المراهقين.

• تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما في علاقته بوالديه، فالطفل الذي يرتبط بقوة بالوالد يكون أسرع بالطبع في تبني المعايير السلوكية لذلك الوالد، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن الطفل الذي يتمتع بعلاقة عاطفية دافئة مع الوالدين يكون حريصاً على الاحتفاظ بهذه العلاقة، ويخشى بدون شك من فقدانها بمخالفتهما، فمعظم الأطفال يقلقهم احتمال فقدان العطف والحب اللذين يتمتع بهما مع والديه، ولذلك فهو يحافظ على معاييره السلوكية حتى يقلل من حدة ذلك القلق.

• الطفل حساس تجاه الكلام الذي يوجه إليه، وحساس أيضاً إزاء طريقة معاملة الكبار له، فإن خوطب كما يخاطب الشخص الراشد - أي باتزان - رد بالمثل، وإن عومل معاملة الشخص الذي لا يعي شيئا، تحول إلى طفل تافه يفقد أي رغبة بالقيام بجهد لتخطي رغباته ونزواته.
• كثيرا من الآباء يتعاملون م
ع أبنائهم وكأنهم ممتلكات شخصية لهم، يجب أن يخضعوا لأوامرهم وسلطتهم الأبوية، وهذا من أفدح الأخطاء التربوية التي تجعل الطفل لا شخصية له ولا كيان. فالتربية الشديدة الصرامة ومحاسبة الطفل على كل كبيرة وصغيرة وملاحقته، تجعل الطفل يتخذ موقفا عدائيا من السلطة الأبوية ومن المجتمع عامة، وقد تدفعه إلى الجنوح والانحراف، أو تجعله يستكين ويخضع ويطيع ولكن النتيجة هي الإحساس بالذل وفقدان الثقة بالنفس والشعور بالنقص وانعدام روح المبادرة والعجز عن الدفاع عن حقوقه.
والعكس كذلك صحيح فالتساهل المفرط مع الطفل والتراخي في معاملته والإفراط في تدليله تجعله مستقبلا لا يتحمل أية مسؤولية في حياته، فالتساهل المبالغ فيه يعرض الطفل لاضطرابات الشخصية مثله في ذلك مثل الطفل الذي يعامل بقسوة وعنف.

• أي طفل له طاقة كبيرة جدا، ومن المفروض استثمار هذه الطاقة بشكل مناسب في هوايات وألعاب مفيدة ( الرسم، فك وتركيب الألعاب، الانضمام لنادي علمي ).. حينها لن يتبقى له الوقت الكافي للشجار أو الصراخ.. ما دام حقق إشباعا و رضي ذاتيا.. واستطاع أن يفرغ شحنة الانفعالات التي لديه.

• الزمن الوحيد الذي يعمل الطفل وفقه هو الزمن الذي يحسه هو حسب متعته أو ألمه ، فإذا كان مستغرقا في اللعب، مثلا، فإنه يعتقد في قراره نفسه أن الكون كله سيتوقف احتراما لتمتعه بعمله ذاك، فلا حق لأي أحد حسب إحساسه أن يشوش عليه متعته تلك. وبالتالي فمن الضروري استحضار هذا الأمر أثناء إلزام الطفل القيام بواجب ما في وقت ما، وذلك بمساعدته للخروج تدريجيا من زمنه النفسي إلى زمنه الاجتماعي.
فإذا كان مستغرقا في اللعب مثلا، وكان عليه أن ينتهي منه الساعة الخامسة لينجز واجبا ما، فما عليك إلا أن تنبهه إلى ذلك قبل الموعد بعشر دقائق على الأقل، وإذا كان لديك الوقت الكافي فلتشاركه فيما يقوم به، حتى تدخل معه زمنه النفسي ثم تخرجه منه شيئا فشيئا. فالزمن عند الطفل زمنا نفسيا وليس زمنا اجتماعيا

• احترام الطفل هو احترام رغبته في اللعب وحاجته إليه، وليس القبول برغبته في امتلاك كل الألعاب التي يراها أو التي تقع يده عليها، فإن حاز على كل الألعاب التي يطالب بها خسرت هذه الدمى قيمتها لديه، وتحولت عملية المطالبة بلعبة جديدة إلى لعبة بحد ذاتها... إنها لعبة ابتزازية يتقنها الطفل اتقانا تاما، ولكن خطورتها تكمن في كونها تحوله إلى طاغية صغير مستبد وإلى كتلة من الأنانية الجوفاء.

• مسالة تربية الأبناء لابد أن تقوم على أمرين: الثواب والعقاب؛ الثواب إن هم أحسنوا صنعا، والعقاب إن زاغوا عن الطريق واستمروا في العناد والخطأ. وقضية الثواب لا إشكال فيها، فيمكن أن نكافئهم ببعض الأشياء التي نراها محببة لديهم. لكن بالنسبة للعقاب لابد من تأطيره بضوابط معينة ؛ فمثلا هذا الطفل الذي ننهاه عن فعل أمر ما ويكرره، ونشرح له الأمر ويكرر الخطأ، لابد من أن نعاقبه بالحرمان، كأن نقول له مثلا: لو كررت هذا الأمر فسأحبسك في غرفتك. وهنا يجب أن نكون هادئين جدا لكي لا نشعره بالاضطهاد. فإذا كرر الخطأ، فعلينا أن ننفذ ما توعدناه به، وحين ينتهي العقاب نسأله إن كان يعرف سبب عقابنا له، ونطالبه بالاعتذار. ثم بعد ذلك نضمه إلينا. حينها سيعرف أننا عاقبناه لمصلحته. وهكذا سيتعلم من خطأه.

• من أخطر الأمور في تكوين شخصية الطفل، التذبذب في المعاملة، بمعنى عدم ثبات الأب أو الأم في استخدام أساليب الثواب والعقاب، حيث يعاقب الطفل على سلوك معين مره، ويثاب على نفس السلوك مرة أخرى، وهذا ملاحظ كثيرا في حياتنا اليومية، مثلا: عندما يسب الطفل أمه أو أباه نجد الوالدين يضحكان له ويبديان سرورهما، بينما لو كان الطفل يعمل ذلك العمل أمام الضيوف فيجد أنواع العقاب النفسي والبدني، وهذا التذبذب يجعل الطفل في حيرة من أمره لا يعرف هل هو على صح أم على خطأ.. وغالبا ما يترتب على إتباع ذلك الأسلوب المتذبذب شخصية متقلبة مزدوجة في التعامل مع الآخرين.

• حتى تكون قراراتك التربوية سليمة لابد أن تقوم على فهم صحيح لسلوك الأبناء. يجب أن يبذل الأب وسعه في فهم محركات السلوك عند أبنائه. ما الذي يدفع الابن لهذا السلوك أو ذاك؟! لنأخذ مثلاً: كثرة خروج الشاب من المنزل، غالباً ما ينحصر تفكير الآباء في الاستياء من هذا السلوك الطارئ، ونقد هذا السلوك ومحاولة إبقاء الولد في البيت ومنعه من الخروج ترهيباً أو ترغيباً دون أن يبذل بعض الجهد في معرفة دوافع هذا السلوك، تلك الدوافع التي يسعى الشاب عن طريقها إلى إشباع حاجات نفسية واجتماعية ملّحة قد لا تكون الأسرة مهيأة لإشباعها؛ كأن يكون الأب متعسفاً يعاقب على الصغيرة والكبيرة، أو مهملاً غافلاً لا يحظى منه أولاده بالانتباه والاهتمام الكافي. وقد تكون المشكلة في الأم ذاتها أو في اختلافها الدائم مع الأب، وقد يكون للإخوة الآخرين في البيت دور في هذا الأمر. بالإضافة لعامل آخر قد يتداخل مع هذه العوامل، وهو بعض الحاجات التي تظهر لدى المراهقين وخاصة الحاجة للرفقة .

د . خالد سعد النجار

Post: #11
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:27 PM
Parent: #10

الدلال مرتبة من مراتب الحب بين الزوجين، ولكن غالبا الدلال صفة أخص بالزوجة، وبه تحلو الحياة الزوجية، وتبدو غضة طرية، وبدونه تكون العلاقة الزوجية جافه قاتمة، ويكون تعامل الزوجين فيها أشبه بتعامل الموظفين في القطاعات الإدارية، يتحدثون بصوت مرتفع، وبأوامر تنفيذية، لا تشتم منها رائحة التواصل العاطفي، ولا تتذوق فيها طعم المودة والرحمة.
يقال دائما أن المرأة بطبعها طيبة وحنونة، ويقال أيضا أن الرجل ما هو إلا طفل كبير، ولذلك فإن كلا من الطرفين في حاجة ماسة إلى التدليل من الطرف الآخر، سواء عن طريق الكلمة أو اللمسة أو بأي تصرف آخر يعبر به الزوج أو الزوجة عن حبه لطرفه الآخر.

طبيعة المشكلة
أغلب الزوجات – إلا ما رحم ربي- تركن رقة الدلال، وتعجن بعجينة خشنة الملبس، ولبسن عباءة الرجال تحت مسميات المساواة وإثبات الذات .. أما الرجولة فحدث ولا حرج عن ذكورة سُرقت منها معاني الرجولة والبذل والعطاء، واكتفت بالمظاهر الخشنة، وأنماط السيطرة، ولغة الأوامر وكأننا في ثكنة عسكرية.
والقضية غريبة، فلا المرأة صارت ترضى بأنوثتها، ولا صارت تعتز بدلالها، ولا هي تريد أن تعرف كيف توظف دلالها ورقتها لإنجاح حياتها الزوجية، بل بعضهن يرون أنه لا جدوى من الدلال في ظل حياة مليئة بالمشاكل والضغوط، تفترض منا الأسلوب العملي الجاف في التعاطي.
كما يجهل الزوج بدوره الاعتراف بأن له دورا إيجابيا في تدليل زوجته للاستمتاع بأنوثتها كاملة، وكي يصبح هو بدوره الزوج المدلل في البيت .. فلا المرأة تصبح أنثى دون رجولة زوج يعرف معنى العطاء، ولا الرجل سينعم بمعاملة كريمة ترضي غروره إذا تعمد إهمال أنوثة زوجته.

الوعي المتهم الأول
يقول د. طاهر شلتوت ( استشاري طب نفسي ): إن عدم وجود وعي بمتطلبات ومهارات الزواج الناجح هو الذي يدفع الزوجين لإهمال سلوك التدليل والترقق بينهما، كما أن هناك اعتبارات أخرى تعوق إمكانية أن يتعاملا بدلال ودلع، خصوصا أن كثيرا من الزيجات يضطر فيها الزوجان أن يعيشا في بداية حياتهما الزوجية مع الأهل، مما يخلق نوعا من الحرج الشديد لدى الزوجين في إظهار عواطفهما بصراحة، لأنهما قد يتعرضان للوم والتقريع من قبل الحماة مثلا، وقد تبدأ أطراف أخرى في اتهام الزوج الذي يدلل زوجته بأنه ضعيف الشخصية، مما يدفع بالزوج المخدوع إلى الشدة والجدية الشديدة في تعاطيه مع زوجته ليثبت أمام الجميع أنه «سي السيد»

من هنا نبدأ
يقول أهل اللغة: الدلال والتدلل من المرأة: حسن حديثها ومزحها، وفى الدلال على الزوج تكسر وملاحة محببة تسعد النفس وتنعش الفؤاد، وفى الدلال جمال وأي جمال، ويقولون: امرأة دل ، أي ذات شكل تدل به

• تختلف آراء الرجال حول المرأة التي يرغبونها زوجة، لكنهم يتفقون في شيء واحد هو أن تكون «أنثى» بمعنى الكلمة .. الأنوثة هي رأس جمال المرأة، وأهم ما يميزها. فإذا ما استهانت المرأة بأنوثتها فأخفتها، أو تجاهلت أهميتها ودورها فإنها سوف تفقد مكانتها عند الزوج .. الأنوثة هي السحر الحلال الذي يحرك مشاعر الزوج ليجعل منه محباً، وليس شرطًا للأنوثة أن تكون المرأة فائقة الجمال، ولكن الأنوثة تحمل معاني كبيرة، وأساسها أن كون امرأة بمعنى الكلمة .. امرأة ظاهرًا وباطنًا .. بشكلها .. ونطقها .. ودقات قلبها.. بروحها التي تتوارى داخل جسدها .. امرأة تتقن فن الأنوثة.

• إياك والحياء المزيف، والمقصود به الحياء في غير موضعه بينك وبين زوجك؛ فرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم رغّب في تنمية العواطف بين الزوجين، وحث على اختيار المرأة التي تمتلك صفة «تداعبك» و «تلاعبك» من النساء، ويدخل في ذلك كله طريقة اللبس، والعطور، والحركات، والكلمات، والإشارات، والإيماءات .. وكل وجوه الجاذبية والتفنن في إشباع الحواس والفؤاد.

• تغيرت أشياء كثيرة على مدى العقود الماضية، ولكن بقي شيء واحدا على حاله، وهو أن تقدير الزوج لذاته وثقته بنفسه مرتبطان بمدى إتقانه لوظيفة الرجل الكامل، فإذا لم تعبري لزوجك عن إعجابك به، لن يثق بنفسه حتى لو كان دخله ألوف مؤلفة، وسيظل في دوامة جلد الذات، لكن احرصي أن يكون ثناؤك عليه حقيقيا وصادقا ويشعره برجولته أيضا.

• جددي في أسلوب الحديث مع زوجك .. انتقي عبارات عذبة وسريعة الوصول للقلب والعقل.

• حاولي أن تكون طريقة تجميل وجهك وتصفيف شعرك بأسلوب متجدد، مع إضافة لمسات وابتكارات، فهذا يجعلك تتمتعين بمظهر جذاب علي الدوام.

• الزوجة الناجحة يجب أن تعلم - بحسها الأنثوي وخبرتها - ما يغري زوجها ويرغبه فيها؛ فتحرص على الالتزام به، وهذا له تأثيرا كبيرا على المزاج النفسي للزوج، وفي تحقيق الانجذاب بين الشريكين.

• التفاني في الاهتمام بالآخر مفتاح سحري لقلبه وعقله .. حين تشتري لزوجك معجون الأسنان الذي يفضله قبل أن ينفذ القديم سيطير فرحا .. وحين تأتين له بكوب الماء الدافئ الذي يشربه على الريق قبل أن يطلبه، سيقول فيك شعرا .. هذه الأفعال البسيطة تكشف له مدى مراعاتك لمشاعره واهتمامك الخاص به.

• عندما تغادري المنزل اتركي له ملحوظة بأسلوب جميل ومرح واختميها بعبارة «أنا احبك». هذا الأمر من شأنه أن يزيد من محبة زوجك لك ويحافظ على دفء العلاقة الزوجية بينكما.

• الابتسامة الصادقة تأسر القلوب وتسحر النفوس، ولها رونق وجمال وتعابير، وتضفي على وجه صاحبها ما لا يضفيه العبوس، فالابتسامة تعتبر بمثابة الكنز الذي لا يكلفك درهمًا ولا دينارًا، فهي مفتاح كل خير ومغلاق كل شر، ولها أثر عجيب في نفوس الآخرين؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «تبسمك في وجه أخيك صدقة» [صحيح المشكاة/الألباني 1853]، وقال أيضًا: «لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق» [مسلم2626]. ويقول الإمام ابن عيينة: البشاشة مصيدة المودة، والبر شيء هين: وجه طليق وكلام لين.

• لا تلاحقيه بحبك حتى لا يهرب منك، فإن من الحب ما قتل.

يقول د. محمد مهدي (رئيس قسم الطب النفسي بجامعة الأزهر): لا يفوتنا أن نؤكد على أن التدليل لا يحدث إلا إذا كان الطرف الآخر يشعر أساسا بقيمة شريكه «المدلِلِ» فهذه العلاقة فيها رعاية وتضحية وعطاء بلا مقابل وبدرجة عالية، ومن المهم أيضا أن يستقبل الطرف «المدلَلَ» هذا التدليل بفرح وانبساط وقبول، فبعض الناس لا يقوم بذلك مما يشكل صدمة للطرف الآخر الذي قام بعملية التدليل ولم يلق استجابة. فالتدليل لا يجب أن يتم حسن استقباله فحسب، بل يتم تبادله أيضا، ولا يبقى طرف على طول الخط مدللا للآخر وهو متلق فقط .. لذلك نشجع الأزواج والزوجات على الاهتمام بهذه العلاقة الجميلة وتبادلها لأنها ليست ترفا كما يتصور البعض وإنما احتياج إنساني مهم جدا.

د . خالد سعد النجار

Post: #12
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:28 PM
Parent: #11

كلما زادت سنوات العشرة بين الزوجين، وكلمات زاد الاقتراب، وكلما تعمقت العلاقة .. كلما زادت قدرتهما على التحاور غير المنطوق .. تصبح هناك وسائل أخرى غير الكلام للحوار والتواصل والإحساس، فيصبح كل منهما قادراً على قراءة وجه الآخر، بل من متابعة حركة العين ذاتها يستطيع أن يعرف الكثير عما يدور بخلده. تصبح الابتسامة أكثر تعبيراً وتأثيراً، وكذلك الإيماءة والحركة، وكذلك السلوك التلقائي والسلوك المقصود .. إنها درجات راقية من الاقتراب إلى الحد الذي يصبحان فيه كأنهما شخص واحد. ومنطقياً فإن الإنسان لا يتكلم مع نفسه بصوت مسموع، ولكن الحوار يكون داخلياً بين الإنسان ونفسه، حوارا غير مسموع، وهذا هو ما يحدث بين الزوجين الحبيبين بعد سنوات من الزواج. تصبح حواراتهما غير مسموعة لأنها غير كلامية وغير شفهية.

هناك شيء آخر أكبر يتعلق بالإحساس بين الزوجين. فإحساس كل منهما بالآخر ينمو ويكبر ويعظم إلى الحد الذي لا يحتاج فيه إلى كلمات لنقله والتعبير عنه، إذ يصبح كل منهما في حالة إحساس دائم بالآخر. إحساس كل الوقت. عاطفة حقيقية راسخة مؤكدة، تبعث على الإحساس بالاطمئنان والأمان والاستقرار والثبات والخلود، ولذا تصبح أي كلمات غير كافية للتعبير عن هذه الدرجة السامية من العواطف. بذلك يصبح الصمت بليغاً أبلغ من الكلمات. يصبح للصمت قدرة تعبيرية هائلة. يصبح الصمت معناه قمة الإحساس بالآخر. يصبح الصمت معناه أن كلاً منهما يعيش داخل عقل الآخر، وأن روح كل منهما ملتصقة بروح الآخر.
وهذا النوع من «الصمت الصحي» يختلف تماماً عن «الصمت المرضي» والذي يقصد به التعبير عن غضب أو رفض أو عداوة أو فراغ بالإحساس .. عندها يفقد الزوجان لغة التواصل، وتتفجر المشكلات، فتشتكي الزوجة من ظاهرة «الزوج الصامت» ويشتكي الزوج من ظاهرة «المرأة الثرثارة».

لماذا يصمت الرجل؟
بداية لابد من التفريق بين صمت الزوج الجبلي الذي هو سمة من سمات شخصيته عموما، وبين صمت الزوج الوقتي بالأخص مع زوجته وداخل البيت، وهذا النوع من الخطورة التي تتعدد دوافعها ومسبباتها:
1- عندما يواجه الرجل مشكلة أو مسألة معقدّة أو يمّر بظروف صعبة، فغالباً ما يلجأ إلى الصمت، فهو يصمت لأنه يفكر بهدوء، ولأنه يعتبر أنه المسئول عن حلّ مشاكله بنفسه، ولا يحب أن يشاركه أحد في التفكير، وبعد أن يجد حلاً يعود تلقائيا إلى الحوار والتواصل مع الآخرين.
في هذا الموقف من الخطأ أن تصرّ الزوجة على أن يتكلم الزوج عما يعتمل بداخله، فهذا يزيد من توتره لعدّم تفهّم زوجته حاجته النفسية للصمت والتفكير الذاتي. فالزوج لا يحب أن يشعر بأنه محط رعاية دائمة من زوجته فهذا يشعره بالضعف.

2- صمت الزوج المرهق الذي يحتاج فترة من الراحة للاستجمام واستعادة الطاقة.. جدير بالذكر أن المرأة عندما تكون متعبة تعبّر بصوت عال وتتكلم بطلاقة عما يتعبها، وعندما تخرج ما بداخلها ترتاح. لكن الرجل على العكس تماما حيث يفضل الصمت لاستعادة طاقته.
من المهم للزوجة في تلك الحالة تجنب إمطار الزوج بوابل من الأسئلة خاصة عند دخوله المنزل بعد يوم عمل شاق، فهذا يزيد من ضجر الزوج، وقد يلجأ إلى الصمت أكثر للتهرّب من ثرثرة وفضول الزوجة .. التصرف الأمثل للزوجة يكون باستقباله بالملاطفة، فهذا من شأنه أن يعجل خروج الزوج من صمته ويستعيد نشاطه. وكم هو جميل أن تهتّم الزوجة بتأمين الجو الهادئ لراحة زوجها المرهق: كتجهيز حمام دافئ له، وترتب غرفة نومه بطريقة لطيفة، وإعداد طعاما يحبه، وتشعره بأنها تقدّر تعبه من أجلهم.
3- انشغال تفكير الزوج لفترات طويلة في قضايا العمل ومسؤولياته، فهذا الانشغال الفكري يدفعه للصمت والانغلاق في دائرة واحدة من التفكير ألا وهو العمل واهتماماته.

تستطيع الزوجة أن تتحيّن الفرص والأوقات المناسبة للحديث معه ومناقشته في مشاكله واهتماماته. ولا بدّ للزوجة أن تتعلّم الأسلوب التشويقي والجذّاب لنقل الزوج من دائرة التفكير المغلقة إلى الحوار معها، ومن هذه الأساليب:
- أن تتعلّم هواية الزوج، وتشاركه فيها.
- أن تختار المواضيع الشيّقة التي تجذبه وتشد اهتمامه.
- أن تتحدث بأسلوب تشويقي يتخلله طرح أسئلة مفتوحة، مثل: "هل تعلم ماذا حدث؟ ماذا تقول أنت؟"، وأن تدخل عنصر المفاجئة في حديثها، وتدخل عنصر الفكاهة والمرح في الحوار.
- تعرض عليه مسألة معقدّة أو مشكلة ما وتطلب منه المساعدة في حلّها.

4- أسباب أخرى تدفع الزوج للصمت، منها:
-سماع تعليق خاطئ واستهزاء من زوجته عندما يتحدث.
- مقاطعته كثيرا عند الكلام.
- إصدار الأحكام المسبقة على حديثه قبل الانتهاء منه.
- الاتهام المباشر واللوم والتهكّم أثناء الحديث معه.
- تسخيف ما يطرحه من حديث أو يقترحه من حلول وأفكار.
- أن تشعره الزوجة أنها تفهم أكثر منه في الموضوع الذي يحاورها فيه أو أن تلجأ إلى تصحيح معلوماته أو تحقّره بذلك.
- أن لا تبدي الزوجة اهتماماً لما يطرحه من حديث.
هنا يصمت الرجل ضجرا أو دفاعاً عن نفسه، وهذا الموقف له آثار سلبية على العلاقة الزوجية، ويجب على الزوجة أن تراجع نفسها وتغير من أسلوبها، وإلا فهي المسئولة عن صمت زوجها. من المهم أن تستبدل ذلك بمفردات المدح والتقدير والثناء، وتشعره بحاجتها إليه، وأن تعبّر له عن ثقتها فيه.

لماذا تثرثر المرأة ؟
1- حاجة المرأة الدائمة للحوار، وأنها عندما تتحدث فهي تتواصل مع الآخرين، وبالتالي تشعر بقيمتها الذاتية.. هذه الثرثرة تعالج بالمصارحة والاتفاق بين الزوجين، على أنه باستطاعته أن يصغي إليها لفترة محددة، وعندما يمل يخبرها بالتوقف، أو يستأذنها بالاستراحة على أساس أن يكملا الحديث في وقت لاحق. وقد يتفق معها على أن يديرا الحوار، ويقسّما المواضيع المطروحة على أن ينهيا كل موضوع على حدة.

2- تثرثر المرأة عندما يكون لديها وقت كبير تقضيه بمفردها، وتعاني من وقت فراغ كبير لا تستثمره في أعمال مفيدة .. هنا يجب التنسيق بين الزوجين على وسائل معينة للاستفادة من وقت الفراغ، بإعداد برنامج من النشاطات والأعمال المفيدة التي تساعد الزوجة على الاستفادة من وقتها وتفريغ طاقاتها. ومن الرائع أن يتشاركا في أعمال واحدة يحققان فيها المزيد من التواصل بينهما.

3- تكثر الزوجة الكلام لأنها تشعر بعدم اهتمام الزوج بها وقلة تقديرها، ولا يعطي لها الوقت الكافي لأن يجلسا معا أو يخصصا وقتا بمفردهما. فتكثر الكلام لإثبات ذاتها لشعورها بأنها مهمّشة .. هنا يجب أن يحرص الزوج على تخصيص وقت محدد للإصغاء للزوجة، والسماح لها بالتعبير الحرّ عن ما يدور في خاطرها وما تكن من مشاعر.. ومن المهم أن يعبّر لها عن تقديرها في الأمور الصغيرة والكبيرة التي تقوم بها لخدمته ولخدمة الأسرة، وأن يكافئها بالعطايا والهدايا المختلفة.
د. خالد سعد النجار

Post: #13
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 03:29 PM
Parent: #12

من أهم ما ينبغي أن يدركه كل زوج هو أن سعادته في الزواج تتوقف على سلوكياته في الحياة الزوجية، فإذا كنت شخصاً متزناً عاقلاً خالياً من العقد النفسية، مستقيماً على شرع الله تعالى، ففي استطاعتك أن تحقق لنفسك السعادة الزوجية بحذافيرها، وليس هناك أدني شك في أن من يتعامل مع الزوجة من منطلق إشعارها بالحنان قد نجح في فهمها واستطاع أن يخرج منها أفضل صفاتها، وهو بهذا سينعم بكل ما تستطيع أن تعطيه الزوجة من اهتمام ورعاية، فالمرأة عطاء بلا حدود .. بشرط أن نفهمها.

• لا تفكّر في أن تأخذ من شريكتك السعادة بل فكِّر في أن تمنحها لها أولا فتجدها عندك ... «أعط لتأخذ» هذا هو أحد قوانين الحياة، فإذا أعطيت لزوجتك السعادة حصلت عليها، واعلم أن المستفيد الأول من سعادة زوجتك هو أنت، لأنك إذا نجحت في إسعادها فلن تدخر هي وسعاً لإسعادك ورد الجميل إليك، فإحساس المرأة المرهف يأبى أن يأخذ ولا يعطي؛ لأنها بطبيعتها تحب العطاء والبذل والتضحية من أجل من تحب.

• المدح والثناء من الأخلاق التي تجمل الحياة الزوجية، وتعطيها طعما طيبا، كلما مدح الزوج زوجته على عمل قامت به لأجله أو لأجل أبنائه، فالمدح مكافأة نفسية لكلا الطرفين، والحياة الزوجية تكون جافة وروتينية إن لم يتخللها المديح والثناء.
الإنسان بفطرته يحب أن يمتدح إذا قام بعمل أو أدى حقا، ولكن الذي يحجب الزوج عن مدح زوجته هو الخوف من غرورها وتكبرها، لكن علينا أن نفرق بين مدح الذات ومدح الصفات، فزوجتك قد تتكبر عليك إن كنت تمدح ذاتها، ولكنها لا تتكبر عليك عندما تمدح صفاتها ومواقفها الطيبة، بل على العكس إنها تتشجع وتستمر في العطاء لأن المدح يعتبر مكافأة نفسية ثمينة

• الزوجة تريد أن يحبها زوجها لشخصها وخصالها، وألا يقارنها بوالدته أو أخته أو أي سيده أخرى، ومن الطبيعي أن يضايقها قوله مثلا: "إن مذاق الطعام لم يعجبه إلا للشبه بينه وبين مذاق طعام والدته" ففي هذا إشارة إلى أنه لم يحبها إلا لأنها تشبه والدته، وعليها أن تكون صوره مكررة منها، وهذا بالطبع لا يقصده الزوج ولكن عليه أن يتجنب المقارنة، فالزوجة تعي تماما أنه يحب والدته كما تحب هي والدتها، لكن هي تريد حبا مختلف وتريد منه أن يشعرها بذلك.

• لا تطيق المرأة أي انتقاد يوجه إليها بصدد مظهرها الخارجي على وجه الخصوص. وقلما توجد امرأة راضية تماماً عن مظهرها الخارجي. ويسود دوما لديها شعور كبير من عدم اليقين، وعدم الثقة بالنفس، وتراها تسعى باستمرار لأن تكتشف فيما لو كانت ما تزال جذابة في نظر زوجها. لذا فعليك أن تسعى دوما وبقدر إمكانك للتأكيد لها على أنك تجدها فعلاً مازالت جميلة ورائعة وجذابة.

• الزوجة تريد من زوجها دوما إشعارها بأهميتها في حياته وبامتنانه بكل ما تقوم به لأجله، وهذا الاهتمام يكون بإظهار محبته لها، وامتداحه لشكلها، وأنه يرى أن ربه فضله على كثير من الرجال لأنه اختصه بها وكانت من نصيبه .. لا بد أن تشعرها بأنها شيء كبير ومهم بالنسبة لك، وأن الحياة تهون في صحبتها، فهي التي تخفف عنك، وهي التي تسري عنك، حقا وواقعا وليس كذب وتملقا.

• قد يكون الزوج من النوع الذي يضخم الأخطاء وينسى المحاسن، فيجعل من الحبة قبة، ويبني من التصرفات العادية تلالاً من الأوهام والظنون الفاسدة والشكوك المدمرة، وعلى من هذا حاله أن يعيد النظر في نفسه أولاً، ويقوم بإصلاحها وتقويمها حتى تكون جديرة بالحكم على الآخرين، فمن لم يستطع قيادة نفسه كيف له أن يتمكن من قيادة غيره! .. ليس من المعقول أن تندلع حرب كلامية كل يوم أو كل أسبوع على شيء تافه كملوحة الطعام أو نسيان طلب أو الانشغال عن وعد غير ضروري أو زلة لسان، فهذه حياة جحيم لا تطاق.

• حاول أن تغض الطرف عن بعض نقائص زوجتك، وتذكر ما لها من محاسن ومكارم تغطي هذا النقص لقوله – صلى الله عليه وسلم- فيما رواه مسلم: «لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمنٌ مؤمنة، إن كرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر».

• الحقيقة التي ينبغي أن يدركها كل رجل أن ما ينطبق على المرأة ينطبق على الرجل أيضا، فإذا كانت هي مطالبة بعدم رفع صوتها عاليا – مثلا - فإن الرجل أيضا مطالب بذلك، على عكس ما يعتقده بعضهم أو يطبقونه في أرض الواقع بالحديث بأصوات جهورية وعالية جدا، بحيث لا يعترفون بحميمية الموقف أو بخصوصية باقي الناس من الذين لا ذنب لهم سوى أنهم موجودين في نفس المكان الذي هو فيه.

• المرأة عندما تذرف الدمع تريد أن تشعر بأن هناك من يستقبل هذه الدموع ويتأثر بها ويسأل عن سببها .. الأهم من ذلك هو ألا يستخف الزوج بها أو يقلل من أهميتها. إنها عندما تشعر بالضيق والاكتئاب، تريد أن تجد من يهتم بالاستماع إليها بصدق، ولا تريد من يوهمها بالإنصات، بل يستمع إليها بكل جوارحه .. إنها تريد أن تشعر من خلال نظرات زوجها بأنه يفهمها بدون أن تتكلم، ويحس بها دون أن تتأوه.

• بالرغم من أن الرجل الرومانسي مرغوب لدى النساء إلا أن الرومانسية المفرطة قد تجعل منه شخصية سلبية منفرة حين يرفض التجاوب مع ظروف الواقع، فيلجأ للهروب كي يقفز فوق العقبات ولا يرتطم بحواجز الحياة، لكن إن استطاع الرجل الرومانسي والواقعي اجتياز العقبات؛ فإنه سيصبح بالضرورة مفضلاً لدى الزوجات عن الرجل الواقعي بليد المشاعر .. يجب أن يملك الرجل الرومانسي جانباً واقعياً في حياته حتى يستطيع أن يواجه الظروف الصعبة في الحياة؛ فتضفي تلك الصفات على شخصيته جاذبية خاصة تجمع بين الرومانسية والقوة في المواجهة.

• لا تتخيل أن امرأة أحسن من زوجتك. قال ابن الجوزي: " أكثر شهوات الحس النساء. وقد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، أو يتصور بفكره المستحسنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوج والتسري، فإذا حصل له مراده لم يزل ينظر في عيوب الحاصل التي ما كان يتفكر فيها، فيمل ويطلب شيئاً آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن، منها أن تكون الثانية لا دين لها أو لا عقل، أو لا محبة لها أو لا تدبير، فيفوِّت أكثر مما حصل! وهذا المعنى هو الذي أوقع الزناة في الفواحش، لأنهم يجالسون المرأة حال استتار عيوبها عنهم، وظهور محاسنها، فتلذهم تلك الساعة ثم ينتقلون إلى أخرى. فليعلم العاقل أن لا سبيل إلى مراد تام كما يريد {وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ} [البقرة:267] وذو الأنفة يأنف من الوسخ صورة وعيب الخلق معنى، فليقنع بما باطنه الدين وظاهره الستر والقناعة، فإنه يعيش مرفه السر طيب القلب. ومتى استكثر فإنما يستكثر من شغل قلبه ورقة دينه ".

• و عن الأشياء الصغيرة التي تمكن الرجل من الحفاظ على خزان الحب لدى شريكته ممتلئا، يقترح (د.جون جراي) مجموعة من الأفكار: عند عودتك للمنزل، ابحث عنها أولا وقبل أي شيء آخر ..... اسألها عن يومها بدقة، مما يدل على معرفتك بما خططته ليومها (ماذا حدث في موعدك مع الطبيبة). اشكرها عندما تؤدي لك عملا. عندما تعد الطعام امدح طهوها. نوه بإعجابك بمظهرها. إذا بدت في يوم متعبة أو مشغولة اعرض عليها مساعدتك بتأدية بعض الأعمال بدلا منها، مثل: إحضار الأبناء من المدرسة، أو ترتيب غرفة المعيشة، أو إعداد العشاء. اتصل بها من العمل لتسأل عن أحوالها، أو تشاركها شيئا ما. عندما تتحدث إليك ضع المجلة من يدك أو اقفل التلفاز وامنحها انتباهك التام وانظر لها. اسألها قبل أن تخرج إذا كان هناك ما ترغب في أن تحضره معك ولا تنسى إحضاره. إذا كنت ستتأخر، فاتصل بها لتخبرها. تعاطف مع مشاعرها عندما تشعر بالضيق.
د . خالد سعد النجار

Post: #14
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:11 PM
Parent: #13

الجفوة بين بعض البنات وأمهاتهن مشكلة فرضت نفسها في كثير من الأسر المعاصرة، وخلفت العديد من الآثار السلبية على بناتنا، وتصدع بسببها ركن هام من أركان الأسرة، تاركا ورائه جرح لا يندمل، وأزمات قد تستعص على الحل في كثير من الأحيان.
لكن ثمة العديد من التساؤلات التي تطرح نفسها في هذا الموضوع الشائك: ما الدوافع التي تجعل الابنة تفضل عدم التواصل مع والدتها، وتنكفئ على ذاتها، بل وربما تفضل التواصل مع صديقاتها وزميلاتها؟ .. هل السبب عائد إلى مجرد اختلاف العقليات أو الثقافات بين الطرفين؟ أم أنه بسبب اختلاف الزمن أو الجيل؟ وما هي المآخذ التي يأخذها الأبناء على آبائهم؟ وكيف هو السبيل للخروج من حالة الجفاف تلك؟

بين الطرفين
رغم أن لكل عصر خصائصه، وكلٌ يرى أن عصره أكثر حساسية من غيره، فإننا نرى أيضا أن عصرنا كذلك، حيث يتمتع بخصوصية فريدة، ساعدت في تباعد الفجوة بين الجيلين، بسبب ما دخل في عصرنا الحديث من تطور اجتماعي وتقني متسارع لم تشهد له الأحقاب الماضية مثيلاً، وما شهده من تقارب في الزمان والمكان، وإلغاء لحواجز كثيرة ارتبط أساساً بالتكنولوجيا التي حولت العالم إلى قرية صغيرة.
إن الانفتاح الذي حصل في المجتمع هو السبب الجوهري في حدوث تلك الفجوة خاصة بين البنات والأمهات، فالحياة التي عاشتها الأم قبل ثلاثين أو أربعين سنة لم يكن بها مثل هذا الانفتاح، فالابنة الآن ترى أن هناك فارقا كبيرا بين تفكيرها وتفكير والدتها، خاصة إذا ما كانت الأم محدودة التعليم وكانت الابنة جامعية وتدخل على مواقع الإنترنت وتتواصل مع وسائل الإعلام والتثقيف المعاصرة، بخلاف الوالدة التي لم تعش مثل هذه المجالات، فتحس الابنة بوجود فجوة بين تفكيرها وتفكير والدتها، وقد تراها من أصحاب «العقليات القديمة»، ويتسرب بداخلها إحساس أنه لا يمكن أن تتفاهم معها اعتقادا بأن الأمهات لا يفعلن شيئا سوى إصدار الأوامر وعلى الأبناء التنفيذ.
وعلى صعيد آخر نجد الكثير من الأمهات – إلا من رحم ربي- يقدمن الحب والعناية والرعاية لكن نادرا ما يتفهمن بناتهن أو يحرصن على تكوين صداقة معهن كي تبث لهن البنات أفكارهن ومشاكلهن بل ومخاوفهن وأحزانهن، وكي تجد في أمهاتهن الصديقات اللاتي يشاركهن الأفراح والأتراح، ويقدمن لهن المشورة النافعة والنصيحة المخلصة .. طبعا كل هذا تحت دعوى أن البنت مهما كبرت فهي صغيرة في عين أمها، قليلة التجربة،لم تعركها أحداث الأيام وصروف الليالي، وبالتالي فرأيها لا يهم لسطحيته، ومشاعرها ليست في الحسبان لأنها في طور النضج لم تكتمل بعد!.

والمحصلة أن تجهيل كل طرف للآخر، وعدم احترام عقليته وثقافته ورغباته يمثل حلقة مفرغة يدور فيها الطرفان دون الوصول إلى خروج عملي من هذا المأزق.
أضف إلى هذا جهل الأمهات بمنهج التربية السليم، وغياب الوعي التربوي داخل البيت، من العوامل المؤثرة في اتساع هذا الخرق. فالآباء والأمهات غالبا ما يربون الأبناء بطريقة تقليدية موروثة، ليست ممنهجة، ولا تتمتع بأي مرحلية، ولا تأخذ في الاعتبار أسسا تربوية لا غنى عنها، كمراعاة الفروق الفردية، والتدرج في العقاب، والتوازن بين الترغيب والترهيب، والفهم الجيد لمرحلة المراهقة... إلى آخر هذه الأسس التي يجهلها كثيرٌ من الآباء والأمهات.

الآثار والعواقب
العلاقة بين الأم والبنت شيء مميز يجب الاهتمام به وإلا حصل ما لا تحمد عقباه، فالجفاء يتعارض مطلقا مع مشاعر الأنوثة الرقيقة، والعاطفة الفياضة القابعة في كينونة كل امرأة سواء صغرت أم كبرت، لذلك لا نستغرب ردة فعل قاسية قد تأخذ أحد المظاهر التالية:
• جفاف العلاقة بين الأم وابنتها، وإذا جمع بينهما حوار غلب عليه الطابع الانتقادي من كلتيهما للأخرى، وقد تتمرد البنت على طلبات أمها غير مقتنعة بآرائها، وإذا كانت لا تصرح بذلك علانية.

• الفراغ العاطفي الذي يدفع الفتاة لأن تبحث عن صدر حنون في مكان غير المناسب فتقع ضحية، فغالبا ما تلجا البنت لخارج البيت تبحث عن من يسمعها ويتفهم مشاعرها (الصديقة، الجيران، زملاء العمل) والخطير أن تقع فريسة لعديمي الضمير أو قليلي الخبرة الذين يقدمون لها حلولا قد تكون مأساوية.

جسور التواصل
• من المهم أن تحرص كل أم على أن تطور نفسها وثقافتها حتى إذا لم تمكنها ظروفها من إكمال دراستها، فالثقافة لا علاقة لها بالشهادات، وهناك الكثير من دورات تطوير الذات وكيفية التعامل مع الآخرين، وتلك الدورات المنتشرة والحمد لله في بلادنا العربية والإسلامية على نحو جيد وعلى أعلى المستويات. ثم ما المانع من تبني سياسة التثقيف الذاتي وجني أرباح التكنولوجيا العصرية بتعلم مهارات الكمبيوتر والإنترنت، ومواكبة ثقافة وروح العصر، لكي نتفهم طبيعة هذا الجيل ونتقن فن التعامل معه.

• عبارات التجهيل والتصغير وربما التحقير تسد منافذ الفكر، وتغلق النفس، وتحكم على أي علاقة بالفشل حتى من قبل بدايتها .. ليلين كل منكما في يد الآخر، ويحترم حقه في الفكر والرأي والميول، فليس كل «قديم» عقيم لا فائدة فيه، وليس كل «حديث» غني وثري بمنافعه، فتجارب وخبرات الماضي ثروة لا يستهان بها، وجيل اليوم بلا شك يختلف في متطلباته وتطلعاته، ولو أفسح كل طرف صدره للطرف الآخر لوجد عنده كنوزا ربما لا يدركها من الوهلة الأولى .. إن الحب المشروط أول بدايات الكره الممقوت.

• عزيزتي الأم .. يا من أنت أكبر سنا ومقاما وخبرة، يقول الإمام الثوري رحمه الله: «لاعب ابنك سبعاً، وأدبه سبعاً، وصاحبه سبعاً، ثم اتركه والتجارب».. تذكري دائما أن ابنتك تكبر كل يوم .. وتحتاج منك الدعم والمساعدة إلى جانب منحها الصلاحية لإدارة حياتها كما تحب ما لم تقع في زلل .. من الخطأ أن ترسمي لها الطريق كاملا كي تجنبيها الخوض في متاعب الحياة، متناسية أهمية أن تخوض ابنتك تلك التجارب كي تعي أهمية النتيجة الصحيحة في النهاية، وبذلك تكبر قيمة الشيء وتحافظ عليه أكثر .. إنها للأسف محاولة الأمومة الجارفة في أن تلغي مرحلة من مراحل حياة ابنتها (فترة المراهقة)، وتريدها أن تقفز بها من كونها طفلة إلى إنسانة ناضجة بدون متاعب .. يجب إعطاء الفتيات فرصة المرور بكل المراحل مع الوضع في الاعتبار أن تمرد الأبناء يدور بين الرقابة المفرطة والحرية المفرطة.

• من المهم أيضا مراعاة الأم لطبيعة وشخصية الابنة ، فضلا عن مستواها الفكري، من أجل تحديد الهدف من الحوار .. فما أجمل أن نستعيض عن القوانين الصارمة بالحوار البناء المثمر.
• من المسلمات التربوية أن حرص الأم على حكاية بعض أسرارها لابنتها يكسر حواجز الرهبة ويدعم جسور التواصل الفكري، وبالتالي يشجع البنت على حكاية أسرارها لأمها، واعتدادها برأيها، واللجوء إلي مشورتها في الأزمات التي قد تواجهها خارج المنزل.

• بنيتي الغالية .. إن ما ينبغي أن تضعيه في اعتبارك أن كل واحدة منكما لها وظيفة تختلف عن الأخرى. فعليك كبِنت أن تخاطري وتخوضي التجارب، وعلى والدتك أن تشرف وتراقب. وبينما تحتاجين للخصوصية في المشاعر, تحتاج الأم إلى أن تشعر بأنها تسيطر على الوضع, ولا يتحقق هذا إلا إذا اطلعت أمك على ما بداخلك من أسرار.

• بعض الفتيات يفضلن العزلة والانطواء في غرفهنّ، ويردن أماً تفهمهنّ بدون أن يتحدّثن .. إنّهنّ يعشن خيالات وأوهام، فالأم مشغولة في معظم الأحيان، وهي التي تحتاج لابنتها .. تريد أن تبادرها ابنتها بالحديث عن همومها وتخفف عنها، فقلب الأم كبير، لكن الكثير من الفتيات لا يدركن حقيقته.

د. خالد سعد النجار

Post: #15
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:12 PM
Parent: #14

Quote: «النجاح» تلك الثمرة البراقة التي يسعى إليها كل الناس الأسوياء، ويشغل بالهم دوما البحث عن أفضل السبل للوصول إليه.. والحقيقة أنه لا توجد طريقة مباشرة ومحددة نقطف بها ثمار النجاح، لأن النجاح له عوامل كثيرة متشعبة تتشارك لكي يصل الفرد إلى غايته، وتختلف هذه العوامل باختلاف الأفراد والمجتمعات والبيئات، لكن يبقى هناك عوامل كثيرة مشتركة بين النجاح والناجحين, فوجود «رسالة للحياة» هو أهم سمة مشتركة بينهم، وهي الغاية الجميلة التي يريد الفرد الجاد الوصول إليها في حياته، وهذه الرسالة أمر مستمر لا ينتهي إلا بالموت، لذلك يعتبر النجاح رحلة مستمرة لا تتوقف، وهو في مراحل يكون نجاحا باهرا، وفي مراحل أخرى يشوبه فشل أو يكون نجاحا باهتاً، إلا أن المرء الذي وضع رسالة لحياته والتزم بها لا تثنية العقبات والمصاعب, ويبقى دائما أكثر حرصاً على وقته وأكثر حرصاً على إنجاز أهدافه التي تعلي من قدره في مجتمعه وتخلد ذكره بالخير بعد رحيله.

عوامل النجاح
- تنظيم الأوقات: الاستفادة من الوقت هي الشعرة الخفية بين الناجحين والفاشلين، فالسمة المشتركة بين كافة الناجحين قدرتهم على موازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم البارعة لذواتهم، وهذه الإدارة تحتاج قبل كل شيء إلى أهداف ورسالة تسير على هداها، إذ لا حاجة إلى تنظيم الوقت أو إدارة الذات بدون أهداف يضعها المرء لحياته، لأن حياته ستسير في كل الاتجاهات، مما يجعل من حياة الإنسان مشتتة مبعثرة لا تحقق شيئا وإن حققت فسيكون إنجازا ضعيفاً.

ومعوقات تنظيم الوقت كثيرة منها: «التكاسل والتأجيل» وهذا من أشد معوقات تنظيم الوقت. «النسيان» يغلب على الأشخاص الذين لا يدون ما يريدون إنجازه، فيضيع بذلك الكثير من الواجبات. «مقاطعات الآخرين» كالانغماس في المشاكل العائلية التي لا تنتهي أو الطفيليين والثقلاء الذين يفتقدون الأهداف ويفضلون العيش على هامش الحياة، فينبغي الاعتذار منهم بكل لباقة. «المهام المبتورة» أو الأعمال الغير مكتملة نتيجة الملل أو نفاذ الصبر وهذا من شأنه أن يستفز الجهد ولا يحقق خطوات إيجابية في رحلة تحقيق الأهداف.

- تدوين الأفكار: لا بد من تدوين أفكارك وخططك وأهدافك وإلا فيمكن اعتبارها مجرد أفكار عابرة ستنساها بسرعة، إلا إذا كنت صاحب ذاكرة خارقة! والتدوين سيساعدك أيضا على تنقيح أفكارك بإدخال تعديلات وإضافات وحذف بعض الأمور.. فبعد الانتهاء من الخطة توقع أنك ستحتاج إلى إدخال تعديلات كثيرة عليها، فلا تقلق ولا ترمي بالخطة فذلك شيء طبيعي.

- تحقيق الذات: لخص عالم النفس (ماسلو) الصفات المميزة لمن استطاعوا تحقيق ذواتهم في الآتي: يدركون الحقيقة بكفاءة، ويستطيعون تحمل التأرجح بين الشك واليقين. يتقبلون ذاتهم كما هي والآخرين كما هم. تلقائيون في تفكيرهم وسلوكهم. يركزون اهتماماتهم في المشاكل أكثر من تركيزهم على ذاتهم. يتحلون بملكة الفكاهة. مبدعون وخلاقون. يقاومون التشكل الحضاري الدخيل ولكن دون تحفظ متزمت. يهتمون بسعادة الإنسان والبشرية. قادوين على التقدير العميق للتجارب الأساسية في الحياة. يقيمون علاقات مشبعة مع القلة وليس مع الكم من الناس. ينظرون للحياة نظرة موضوعية.

لكي تحقق ذاتك:
مارس حياتك كالطفل!! أي باستغراق واهتمام كامل. استمع إلى إحساسك الخاص في تقديرك للتجارب وليس لصوت التقاليد أو الغالبية، وليكن لك رأيك المستقل. كن مخلصا وتجنب المظاهر والشعارات الجوفاء. تحمل المسئولية. اعمل بجدية فيما تقرره. حاول استكشاف عيوبك ودفاعاتك اللاشعورية، وتحلى بالشجاعة في القضاء عليها.

- تعلم فن التأثير: يتمثل نجاح المرء أياً كان في قدرته على أن يحمل فريق العمل على أداء ما يريده منهم .. من أوتي القدرة على التأثير في المحيطين فقد أوتي خيراً كثيراً، فالناس في كل الحالات هم الهدف، وهم الوسيلة أيضا لتحقيق الأهداف، ولكنك لن تستحق كل الطاعة من قبل الآخرين إلا إذا أعطيتهم كل الرعاية من نفسك.

- انشد النجاح الطويل: القصور المبنية على الرمال سرعان ما تدمرها الريح.. كذلك النجاحات قصيرة الأمد.. أن تحقق أهدافا كبرى ولو متأخراً خير من أن تحقق أهدافا صغيرة في وقت سريع.. في الأهداف كما في الآلات الصناعية استخدم نوعية تدوم .. حاول أن تكون بعيد المدى فتلك من صفات عظماء التاريخ.

- تعلم أن تستشير: المشورة قوة عظمى، فاستفد منها دائماً، وقدمها للآخرين إذا طلبوا منك ذلك فالدين النصيحة، واحصل عليها منهم كلما هممت بالقيام بأي عمل .. إن الاستعانة بعقول وخبرات الآخرين، أهم ألف مرة من الاستعانة بعضلاتهم، فلا مجال لتقوية الذكاء والعقل إلا عبر تلقيحهما بعقول الآخرين وذكائهم، فالعقل موزع على الناس بالتساوي، ومن استطاع أن يأخذ من كل واحد منهم قسطاً صغيراً منه يكون قد حصل على أكبر الحصص.

منارات في النجاح:
- في كل الأمور يتوقف النجاح على تحضير سابق وبدون مثل هذا التحضير يكون الفشل.
- قضاء سبع ساعات في التخطيط لأفكار وأهداف واضحة هو أحسن وأفضل نتيجة من قضاء سبع أيام بدون توجيه أو هدف.
- الحكمة الحقيقية ليست في رؤيا ما هو أمام عينيك فحسب!! بل هو التكهن ماذا سيحدث بالمستقبل.
- عندما تعرض عليك مشكله أبعد نفسك عن التحيز والأفكار المسبقة، وتعرف على حقائق الموقف ورتبها ثم اتخذ الإجراء الذي يظهر لك أنه أكثر حكمة وتمسك به.
- يجب أن تكون عندنا مقبرة جاهزة لندفن فيها أخطاء الأصدقاء وإلا لن تصفو علاقتك بأحد.
- مع كل حق مسؤولية.. فلماذا لا يذكر الناس إلا حقوقهم؟!
- خلق الله لنا يدين لنعطي بها، فلا ينبغي أن نجعل من أنفسنا صناديق للادخار، وإنما قنوات يعبرها الخير فيصل إلى غيرنا.

Post: #16
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:14 PM
Parent: #15

Quote: إن أول كلمة نزل بها جبريل على نبينا صلى الله عليه وسلم هي (اقرأ) مما يدل على أن القراءة والبحث والاطلاع تشكل شيئا مهما في بداية قيام الأمة وتشكل الوقود الحى لاستمرارها.

بناتي العزيزات أبنائي الأعزاء:
هل تريدون لعقولكم أن تصبح منفتحة؟ وهل تريدون لرؤيتكم للأشياء أن تصبح واضحة؟ وهل تريدون مجالسة أعظم عباقرة الأمم عبر التاريخ؟ وهل تريدون الاطلاع على حكمة عصور بأكملها؟....
إذا كنتم تريدون ذلك وأكثر منه فعليكم بالقراءة..

نصيحتي لكم كي لا تخطفكم وسائل الإعلام من الكتاب؛ فأنتم حين تقرؤون تهدفون إلى الحصول على شيء ينفعكم، لكن حين تجلسون أمام التلفاز فإنكم ترون ما ينفعكم وما يضركم، وما يحل وما لا يحل..
وعليكم أن تدركوا أن مصداقية ما نقرؤه ونطلع عليه أعلى من مصداقية ما نسمعه، وأن قراءة كتاب قد تكون في بعض الأحيان أنفع لكم من مجالسة صاحبه،

وعليه.. ابذلوا جهدا في اختيار الكتاب الملائم لكم فعلا؛ فالكتاب مثل الثوب يستمد كثيرا من جودته ـ ليس من جودة قماشه ـ وإنما من مدى ملاءمته لجسم لابسه.

حين يشترى الواحد منكم كتابا رديئا أو غير ملائم لاهتماماته وحاجاته ومستواه الثقافي فإنه يخسر ماله ويخسر وقتا عزيزا ينفقه في قراءته دون فائدة تذكر.

وإذا خير أحدكم بين كتاب سهل سلس يستوعبه قارئه من غير مشقة وبين كتاب فيه شيء من الصعوبة وتحتاج قراءته إلى شيء من التركيز والأناة فإن عليه ألا يتردد في اختيار الثاني.. وهذا ما أفعله أنا شخصيا في اختياري للكتب.

لماذا نفعل ذلك؟ لأننا نريد من الكتاب أن يرتقى بنا في عالم المعرفة، ولا يمكنه الارتقاء بنا إلا إذا كان أعلى من مستوانا قليلا.

لا تفرحوا يا بناتي وأبنائي بقراءة الكتب السهلة؛ لأن المرء حين يقرأ لا يفهم إلا ما يعرف، فإذا فهمتم ما تقرؤونه فهذا يعنى أنكم تعرفونه ويكون دور الكتاب هو التذكير ليس أكثر.

احرصوا على قراءة الكتاب بطريقة جيدة، احرثوه حرثا، وضعوا خطوطا تحت العبارات المهمة أو انقلوها إلى أوراقكم، حاولوا استنفاد كل ما في الكتاب وفكروا فيما تقرؤونه، لأنه أصبح ملكا لكم إلا من خلال التفكير فيه.

نحن لا نشكو من ندرة الكتب الممتازة، وإنما نشكو من ندرة القراء الممتازين، وإن القارئ الجيد ليس هو الذى يقرأ كتبا كثيرة ولكنه إذا قرأ كتابا قرأه بطريقة جيدة. وقد كان العقاد – رحمه الله- يقول:" اقرأ كتابك جيدا ثلاث مرات فذلك أنفع لك من قراءة ثلاثة كتب غير جيدة".

إن الواحد منكم أيها ـ الأعزاء والعزيزات ـ إذا قرأ كل يوم ربع ساعة فإنه يضمن لنفسه قراءة عشرين كتابا متوسطا في العام، وهذا ليس بالقليل. وإن الواحد منكم لو قرأ في أي علم من العلوم كل يوم نصف ساعة فإنه يصبح بعد خمس سنوات أستاذا في ذلك العلم.

ما الذى يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعنى الآتي:
1- اقتطعوا جزءا من مصروفكم الشهري من أجل شراء الكتب وبناء مكتبة صغيرة في المنزل.

2- مطلوب من كل واحد منكم أن يخصص ساعة من كل يوم – على الأقل - للقراءة المدققة والمتأنية.

3- اقرأوا للمبدعين والكتاب الجيدين حتى تحصلوا على أكبر قدر ممكن من المعرفة الموثوقة والجديدة.

4- إذا نظم الإنسان وقته على نحو جيد فإنه سيجد لديه فراغا كبيرا يملؤه بالقراءة والاطلاع.

Post: #17
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:15 PM
Parent: #16

Quote: أثبتت الدراسات أن أصحاب المشاريع يفشلون في المتوسط أربع مرات قبل أن يدركوا النجاح في أعمالهم، ولذا فإن الناجح يفكر في الحل، والفاشل يفكر في المشكلة، والناجح لا تنضب أفكاره، والفاشل لا تنضب أعذاره.

أعظم المخترعين والمكتشفين ورؤساء الدول والسلاطين والصناعيين والمبتكرين والاقتصاديين والإعلاميين والموسيقيين والرياضيين.. كلهم يجمعهم شيء واحد. كلهم فشلوا فشلاً ذريعاً قبل أن ينجحوا، كلهم فهموا المعنى الحقيقي للفشل فاحتضنوه، بل جعلوا من كل فشل لبنة في بناء نجاحهم.. كلهم طبقوا مفهوم (الفشل البنَّاء).

عانى من مشاكل في السمع في سن مبكرة، وصفه مدرسوه في المدرسة بـ(المغفل) و(شديد الغباء) الذي لا تجدي محاولات تعليمه. ترك المدرسة بعد ثلاثة أشهر من دخولها فدرسته أمه في البيت، فانكب على قراءة كل ما يقع بين يديه من كتب وموسوعات وصحف ومجلات، وأطلقت يديه ليختبر ما يشاء فأعد مختبر كيمياء في منزله وهو في العاشرة من عمره، وكان يعمل في السوق بائعاً للخضروات، ثم بائعاً للحلوى والصحف في القطارات حتى طرد من عمله بعد اشتعال النيران بمختبره الكيميائي في عربة نقل في محطة القطارات وأُلقي به في الشارع، مما جعله يتفرغ للأبحاث والتجارب.

كان يقول: والدتي صنعتني، فاحترامها لي وثقتها بي أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط. سجل 122 اختراعاً ولمَّا يبلغ الثالثة والعشرين من عمره. يعد أحد أعظم المخترعين وأكثرهم إنتاجاً في التاريخ، فامتلك 1093 براءة اختراع وأكثر من 1300 جهاز وأداة علمية كان لها الأثر الواضح في حياة إنسان العصر الحديث.

مرضت أمه مرضاً شديداً فقرر الأطباء إجراء عملية جراحية فورية لها، ولكن الليل حال دون ذلك لانعدام الضوء الكافي لإجراء العملية، فاضطروا إلى الانتظار حتى شروق الشمس، فقرر أن يخترع مصباحاً كهربائياً متوهجاً عملياً تجارياً طويل الأجل. فشل في ألف محاولة حتى نجح، وكان يسمي كل تجربة فاشلة خطوة في سبيل تحقيق النجاح. ويقول: أنا لم أفشل، بل وجدت ألف طريقة لا يمكن للمصباح أن يعمل بها، ولم أكن لأنجح في اختباراتي لو لم أدرك حاجات البشر، كنت أرى حاجات الناس ثم أبدأ بالاختراع.

فقد مختبره في حريق كبير عام 1914 وعمره يناهز الـ67 عاماً. وفي الصباح التالي كان يقول: “هناك فائدة عظيمة لما حصل البارحة، فقد احترقت كل أخطائي فالشكر لربي لأنني يمكنني البدء من جديد”. وبعد ثلاثة أسابيع فقط اخترع أول مشغل أسطوانات (فونوجراف)، ومن اختراعاته آلة التصوير السينمائي، وتطوير الآلة الطابعة والهاتف والحاكي وجعل صناعة التلفزيون ممكنة.. وغيرها كثير.
النجاح
أسس أكثر من 14 شركة منها شركة GE” General Electric” العالمية.. يقول: “كل شخص يفكر في تغيير العالم ولكن قليلين هم من يفكرون في تغيير أنفسهم”، ويقول: “سقوط الإنسان ليس فشلاً، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط، فالأشخاص الذين فشلوا في الحياة هم أشخاص لم يتعلموا كم كانوا قريبين من النجاح عندما استسلموا للفشل”.. إنه توماس إديسون.

يقول المؤلف جون ماكسويل في كتابه Failing Forward: “أنت الشخص الوحيد القادر فعلاً على تسمية ما تفعله فشلاً.. وكل عبقري كان يمكن أن يصبح فاشلاً”.

Post: #18
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:16 PM
Parent: #17

Quote: «الأدب» .. تلك الملكة التي تَعصِم من قامَت به عمَّا يَشينه، كما قال الزبيدي، أو هو معرفة النفس ورُعوناتها، وتجنُّب تلك الرُّعونات، كما أشار ابن المبارك، فالأدب رياضة النَّفس على محاسن الأخلاق والعادات وجميل الصفات، وعدَّه بعض الحكماء أحد أربعة أمور بها يسود العبد، وهي: "العلم، والأدب، والفقه، والأمانة". بل لا يتم عقل المرء إلا بالأدب، فعن عامر بن قيس قال: "إذا عَقَلَكَ عقلُك عما لا ينبغي فأنت عاقل".

فالأدب جمال الباطن والظاهر، وشرف في كل حال ومجال .. قال شبيب بن شيبة: "اطلبوا الأدب فإنه مادة العقل، ودليل المروءة، وصاحب الغربة، ومؤنس في الوحشة، وحلية في المجلس، ويجمع لكم القلوب المختلفة". وعن عمران الخزاعي قال: سمعت الحسن يقول: "ما تمّ دين عبد قط حتى يتم عقله".
إذا تم عقل المرء تمت أموره وتمت أياديه وتم ثناؤه

عن أبي رزين قال: قيل للعباس - رضي الله عنه -: أنت أكبرُ أو النبي - صلى الله عليه وسلم-؟ قال: "هو أكبر، وأنا ولدتُ قبله".
ولما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، نزل على أبي أيوب -رضي الله عنه-، فنزل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- السفل، ونزل أبو أيوب العلو، فلما أمسى، وبات؛ جعل أبو أيوب يذكر أنه على ظهر بيتٍ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسفل منه، وهو بينه وبين الوحي، فجعل أبو أيوب لا ينام يحاذر أن يتناثر عليه الغبار، ويتحرك فيؤذيه، فلما أصبح غدا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! ما رأيت الليلة فيها غمضًا أنا ولا أم أيوب، فقال: (ومم ذاك يا أبا أيوب؟) قال: ذكرت أني على ظهر بيتٍ أنت أسفل مني، فأتحرك، فيتناثر عليك الغبار، ويؤذيك تحركي، وأنا بينك وبين الوحي.

وعن أبي أيوب -رضي الله عنه- قال: لما نزل عليَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قلت: بأبي وأمي إني أكره أن أكون فوقك، وتكون أسفل مني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أرفق بنا أن نكون في السُّفل لما يغشانا من الناس)، فلقد رأيت جرَّة لنا انكسرت، فأهريق ماؤها، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة [كساء له خمل] لنا، وما لنا لحاف غيرها ننشف بها الماء فَرَقَا [خوفا] من أن يصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منا شيء يؤذيه.

ولما أذنت قريش لعثمان - رضي الله عنه- في الطواف بالبيت حين وجَّهه النبي -صلى الله عليه وسلم- إليهم في قصة الحديبية، أبى -رضي الله عنه-، وقال: "ما كنت لأفعل حتى يطوف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم-".

الأدب خير نسب
قال أهل العلم: الفضل بالعقل والأدب لا بالأصل والنسب، لأن من ساء أدبه ضاع نسبه، ومن ضل عقله ضل أصله، وقالوا: زكِ قلبك بالأدب كما تزكي النار بالحطب، وحسن الأدب يستر قبيح النسب.

حكي أن رجلا تكلم بين يدي المأمون فأحسن، فقال: ابن من أنت؟ قال: ابن الأدب يا أمير المؤمنين، قال: "نِعم النسب انتسبت إليه"، ولهذا قيل: المرء من حيث يثبت لا من حيث ينبت، ومن حيث يوجد لا من حيث يولد.
وقال بعض الحكماء: من كثر أدبه كثر شرفه وإن كان وضيعا، وبعد صيته وإن كان خاملا، وساد وإن كان غريبا، وكثرت حوائج الناس إليه وإن كان فقيرا.

حسن الأدب
من حسن الأدب أن لا تنازع من فوقك، ولا تقول ما لا تعلم، ولا تتعاطى ما لا تنال، ولا يخالف لسانك ما في قلبك، ولا قولك فعلك، ولا تدع الأمر إذا أقبل، وتطلبه إذا أدبر.

قال ابن المقفع: ما نحن إلى ما نتقوى به على حواسنا من المطعم والمشرب بأحوج منا إلى الأدب الذي هو لقاح عقولنا، فإن الحبة المدفونة في الثرى لا تقدر أن تطلع زهرتها ونضارتها إلا بالماء الذي يعود إليها من مستودعها.

حكى المبرِّد: "سأل المأمونُ يحيى بن المبارك عن شيءٍ، فقال: لا، وجعلني الله فداك يا أمير المؤمنين. فقال: لله دَرُّك، ما وُضِعَتْ واوٌ قطُّ وضعًا أحسن منها في هذا الموضع. ووصله وحمله".

وروي أن الرشيد كان في داره حزمة خيزران، فقال لوزيره الفضل بن الربيع: ما هذه؟ فقال: عروق الرماح يا أمير المؤمنين. ولم يُرِدْ أن يقول الخيزران، لموافقته اسم أُمِّ الرشيد.

قال ابن القيم: "وأدب المرء عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه عنوان شقاوته وبواره، فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانها بمثل قلة الأدب، فانظر إلى الأدب مع الوالدين كيف نجى صاحبه من حبس الغار حين أطبقت عليهم الصخرة، والإخلال به مع الأم تأويلا وإقبالا على الصلاة كيف امتحن صاحبه بهدم صومعته وضرب الناس له ورميه بالفاحشة. وتأمل أحوال كل شقي ومغتر ومدبر كيف تجد قلة الأدب هي التي ساقته إلى الحرمان".

قال الحجاوي رحمه الله: "مثل الإيمان كمثل بلدة لها خمسة حصون: الأول من ذهب، والثاني من فضة، والثالث من حديد، والرابع من آجر، والخامس من لَبِن، فما زال أهل الحصن متعاهدين حصن اللبن، لا يطمع العدو في الثاني، فإذا أهملوا ذلك؛ طمعوا في الحصن الثاني، ثم الثالث حتى تخرب الحصون كلها. فكذلك الإيمان في خمسة حصونٍ: اليقين، ثم الإخلاص، ثم أداء الفرائض، ثم السنن، ثم حفظ الآداب، فما دام يحفظ الآداب ويتعاهدها؛ فالشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب؛ طمع الشيطان في السنن، ثم في الفرائض، ثم في الإخلاص، ثم في اليقين".

الأدب نور العقل
ما استنارت العقول بمثل الأدب، ولا فتح لها باب العلم إلا به، ولذلك قال عمر -رضي الله عنه-: "تأدّبوا ثم تعلّموا" .. قالوا لأن بالأدب يفهم العلم، وبالعلم يصلح العمل، وبالعمل تنال الحكمة.
قال الأحنف بن قيس: الأدب نورُ العقل، كما أن النار نور البصيرة.
وقال عبد الله بن المبارك: "لا ينبل الرجل بنوع من العلم، ما لم يزين علمه بالأدب"
وقال أبو عبد الله البلخي: "أدب العلم أكثر من العلم".

وقال ابن سيرين رحمه الله: "كانوا [أي الصحابة] يتعلمون الهدي [أي السيرة والهيئة والطريقة والسَّمْت] كما يتعلمون العلم". وقال بعضهم لابنه: "يا بني، لأن تتعلم بابًا من الأدب أحب إليَّ من أن تتعلم سبعين بابًا من أبواب العلم".
وقال الحسن البصري رحمه الله: "إن كان الرجل ليخرج في أدب نفسه السنتين ثم السنتين".
وقال ابن المبارك رحمه الله: "تعلمت الأدب ثلاثين سنة، وتعلمت العلم عشرين سنة".

قال الإمام أبو حنيفة رحمه الله: "الحكايات عن العلماء أحب إليَّ من كثير من الفقه؛ لأنها آداب القوم وأخلاقهم".
حكى ابن سلام قائلا: مددت رجلي تجاه الكعبة فجاءتني امرأة فقالت: إنك من أهل العلم لا تجالسه إلا بالأدب وإلا محا اسمك من ديوان القرب.
وقال القاسمي رحمه الله: "أدب النفس ممدوح بكل لسان، ومتزَّين به في كل مكان، وباقٍ ذكره مدى الأزمان، وكل من أعار الوجود نظرة البصير؛ علم أن حاجة المرء إلى تأديب نفسه من أهم الحاجات، وإذا كان الرجال بالأعمال؛ فإن الأعمال هي آثار الآداب والأخلاق والشهادات فحسب، فإن العلم آلة تديرها الأخلاق، وتسيرها الآداب.
خير ما ورث الرجال بنيهم أدب صالح وحسن الثناء
هو خير من الدنانير والأوراق في يوم شدة أو رخاء
تلك تفنى والدين والأدب الصالح لا يفنيان حتى اللقاء

Post: #19
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:17 PM
Parent: #18

كان أحد رجال الأعمال يقف في طابور طويل في إحدى المطارات، فلاحظ أن أغلفة تذاكر السفر بيضاء خالية، ففكر في طباعة إعلانات على هذه المغلفات وتوزيعها مجاناً على شركات الطيران، وافقت شركات الطيران على هذا العرض، وتعاون رجل الأعمال مع مدير إحدى المطابع وتم هذا المشروع، والنتيجة أرباح بملايين الدولارات!.... الفكرة إبداعية وصغيرة، لكنها جديدة ولم يفكر فيها أحد من قبل، وجعلت لهذا الرجل ريادة في مجال الإعلان.

حينما أراد المنصور إنشاء مشفى في بغداد طلب من الرازي تحديد المكان الأنسب معتمداً على التجربة والمشاهدة، فجاء بذبيحة وعلّقتها في مكان ما.. ثمّ علق قطع منها في مناطق مختلفة من بغداد.. بالتجربة والمشاهدة عرف المكان الأفضل الذي لم تتعرض فيه الذبيحة إلى التعفن بسرعة!.. السرّ في إبداعه إذن هو: «التجربة» «المشاهدة» «الاختيار».

الإبداع كفاءة، وطاقة، واستعداد يكتسبه المرء من خلال تركيز منظّم لقدراته العقلية وإرادته وخياله وتجاربه ومعلوماته.. الإبداع سر من أسرار التفوّق في ميادين الحياة، ويمكن صاحبه من كشف سبل جديدة في تغيير العالم الذي يحيط به والفكاك من قيود الرتابة والنمطية.

الإبداع مفهوم عميق للعمل الجاد والتفاني فيه، فالانهماك في العمل والتنسيق بين أفكار عادية بأسلوب مبتكر يثمر – إن شاء الله تعالى - إبداعا غير مسبوق، فكل إنسان يمكن أن يكون مبدعا أو فنانا بأفكاره البسيطة والعادية، بصقل بعض المهارات، وتعلم الأشياء بطريقة جيدة وفعالة. فالإبداع ليس مرتبطا بأي شيء سوى بالأفكار وكسر حواجز الإطار التقليدي للحياة.

والإبداع ضروري لحياة الفرد لكسر الروتين والملل، ولتطوير مهاراته ومعارفه، ولإثراء حياته بالتجارب والمواقف الجميلة، وله أيضا دوره المهم في جعل المبدعين بصحّة نفسيّة رائعة، ويسهم في تنمية الصفات القيادية لديهم. هذا فضلاً عن لذة الاكتشاف، وسعادة التميز، والابتكار في إدهاش الآخرين، واكتشاف قدرات الذات ومواهبها.

مــع المبدعـــين
يقول هارولد أندرسون: (لا تكمن أهمية الإبداع في كونه عملية إنتاج تشهد كل لحظة من لحظاتها ولادة جوهرة ذات قيمة آنية، ليس ذلك فحسب، بل تكمن الأهمية في كون الإبداع ضرورة من ضرورات الحياة).
ويرى سميث أن الإبداع: (إيجاد علاقات بين الأشياء لم يسبق أن قيل أن بينها علاقات).
وعرف لوينفليد المبدع بأنه: (الشخص المرن ذو الأفكار الأصيلة، والمتمتع بالقدرة على إعادة تعريف الأشياء أو إعادة تنظيمها، والذي يمكنه التوصل إلى استخدام الأشياء المتداولة بطرق وأساليب جديدة، تعطيها معان تختلف عما هو متداول أو متفق عليه بين الناس).

ووصف بيكاسو المبدع بأنه: (وعاء ممتلئ بالانفعالات التي تأتيه من كل المواقع، من السماء، من قصاصات الورق، أو من شكل عابر، أو من نسيج العنكبوت. والمبدع يودع ما يرى أو يسمع أو يقرأ لتخفف من وطأة الانفعالات وازدحام عقله بالرؤى).

صفات المبدعين
المبدعون يبحثون عن الطرق والحلول البديلة ولا يكتفون بحل أو طريقة واحدة. لديهم تصميم وإرادة قوية. لديهم أهداف واضحة يريدون الوصول إليها. يتجاهلون تعليقات الآخرين المثبطة. لا يخشون الفشل. لا يحبون الروتين. مبادرون. إيجابيون ومتفائلون.

أكد العلماء أن الإبداع مهارة يمكن تعلمها، وأن (98%) من الإبداع هو جهد شخصي، وأن عملية الإبداع نفسها تتطلب بجانب الذكاء عوامل أخرى مهمة «كالموهبة، والحافز، والجراءة، وأصالة التفكير، والشجاعة في مخالفة النمطي..»

الإبداع لا يحتاج إلى كم هائل من الذكاء، خاصة وأن الأبحاث أظهرت بأن الأشخاص المبدعين في أي مهنة من المهن ليسوا أذكى من زملائهم في العمل، ولكن ما يميزهم هو أنهم يعرفون كيف يوظفون الأفكار، من حيث اختيار الأفكار المناسبة، وكيفية التعامل معها للوصول إلى النهاية المبتكرة.

إذن فالإبداع فطري اكتسابي، بمعنى أن خميرته موجودة لدى كلّ واحد منّا، أمّا آلياته فيمكن تحصيلها من هنا وهناك.

الطريق من هنا
• مفهوم الإبداع الأوسع أننا جميعا مبدعون، فحلنا للمشكلات، وتكيفنا مع الأزمات، أو تغلبنا على المصاعب التي تعترض طريقنا، وإدخالنا للأشياء الجديدة في حياتنا، وتعديل الأشياء القديمة فيها ما هو إلا دليل على أن الإبداع قائم في حياتنا.

• آفة الإبداع الدفينة بدواخلنا أن ننظر إلى أنفسنا نظرة ازدراء واحتقار، وأن نتمثل في كل المواقف بمقولة: «رحم الله امرءا عرف قدر نفسه»! .. ولا يعني هذا الدعوة إلى الغرور أو مجافاة التواضع.. كلا، وإنما المقصود التأكيد على أهمية الثقة بالنفس كشرط رئيسي للإبداع.

• احذر شعارات: «لا جديد تحت الشمس»، «ليس في الإمكان أبدع مما كان».. فإذا أسدلت الستائر، وبنيت الحوائط فلا تلومن الشمس إذ لم تدخل.. لابد أن تترك أثرا، ولن يكون ذلك إلا بأن تبتكر، ولن يكون الابتكار إلا بالتفكير خارج نطاق المألوف.

• يقول (اينشتاين) عن العبقرية أنّها 1% موهبة و 99% مثابرة.. كتب الشاعر المصري الكبير «إبراهيم ناجي» أيام شبابه قصيدة وأرسلها إلى مجلّة أدبية، فما كان من المحرّر إلاّ أن نصح الشاعر بعدم دخول عالم الشعر، لأنّه لا يصلح كشاعر من وجهة نظره، وحين قرأ إبراهيم ردّ المجلّة أصيب بالخيبة وارتطم بعمود الكهرباء أثناء سيره إلى البيت فكسرت ساقه! لكنّ إبراهيم ناجي أفاق بعد ذلك من ذهوله وخيبة أمله ليصبح شاعراً مبدعاً من الطراز الأوّل، ولو كان استسلم للصدمة لحرم الأدب العربي من قصائد وجدانيّة غاية في الروعة والإبداع.

• «الإتقان» و«السرعة» لا يجتمعان غالبا، وقلما تجد عملاً إبداعياً جاء على وجه العجلة. لكن بالمقابل قد يترك المبدع عمله الإبداعي فترة من الزمن قبل أن يباشر تنفيذه وذلك لغرض التمكّن الكامل منه.

• أحد مفاتيح الإبداع هو النظرة التي ينظر بها للموضوع، والتي عادة ما تكون مختلفة عن الآخرين، مما تجعلنا نستنبط أشياء لم يستطع غيرنا رؤيتها.

• القواعد المنطقية كالقياس والاستدلال والتصنيف والتقسيم والترتيب.. من أهم وسائل التفكير، غير أن الإفراط في محاكمة الأفكار في مرحلة تولدها عبر تلك القواعد قد يعيق تدفقها ويعقد بلورتها، فقد تنتفي الأسس التي استقت منها القواعد المنطقية صحتها، أو يصدر المفكر في تلك المرحلة حكماً خاطئاً بسبب (العجلة الذهنية).. إذاً لا تغال أفكارك الوليدة بمحاكمتها عبر القواعد المنطقية، وأخر تلك المحاكمة إلى مرحلة تقييم الأفكار، واستعن بالله وانزع قفل المغالاة المنطقية!!
إن التفكير الإبداعي يعالج المعلومات بطريقة مختلفة تماماً عن طريقة التفكير المنطقي، فالحاجة ملحة لأن تكون خطوات الحل صحيحة في نمط التفكير التقليدي أما فيما يتعلق بالتفكير الإبداعي، فلا مبرر لذلك، وقد تستدعي الحاجة أحياناً أن نكون على خطأ كي نتمكن من إعادة صياغة نمط معين بطريقة جديدة.

• قد يخيفك الغموض من التجول في شوارع الفكرة المظلمة، وحدائقها المرعبة، وأسواقها المكتظة، ومطاعمها البائسة.. قد يبدو لك غموض كثيف يلف الفكرة الإبداعية بدثار مخيف، ويحيطها بسياج منيع، فإذا لم تستجمع قواك حينئذ وتستحث شجاعتك وتستعن بالله تعالى على ذلك المارد الغامض، فقد يفوتك الإبداع، وتعتل بالجمود!!

• ليس ثمة طريق يوصل للإبداع إذا كان الإنسان يخاف من الخطأ، ويعده «ذنباً ذهنياً» يجب أن يترفع عنه، أو يعتقد أنه (منقصة عقلية) قد ينال منه بسببها.. إن التحرر من هذا القيد يتيح لك الاستفادة من الأفكار التي كنت تعتقد بخطئها، ولكن بالتجربة والتحقق ثبتت صحتها، وهذا ما يجعلك أكثر انطلاقاً في التفكير، لأن الفكرة التي تعتقد بخطئها دون التأكد من ذلك تظل عالقة في اللاوعي وتعرض لك بين الوقت الآخر مما يعيق عملية توليد الأفكار الجديدة لديك.

• من محبطات الإبداع القناعة بما وصل إليه المبدع، والرضا بمستوى أو مرحلة معيّنة من العطاء، والنوم على أمجاد الماضي .. إنّ المراوحة في المكان قد تبدو غير الرجوع إلى الوراء، لكنها في حساب الزمن والعطاء كذلك.
د. خالد سعد النجار

Post: #20
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:18 PM
Parent: #19

«الحياة حلوة».. شعار لابد أن يكون منطلقنا ورفيقنا في رحلة العمر القصيرة، ودافعنا لأي عمل بناء ومثمر، فانشراح النفس عند البداية كفيل بأن يجعلنا نتحمس كي ندرك الغاية والنهاية بعون الله تعالى وتوفيقه.. كفيل بأن نأخذ الأمور بحجمها والدنيا بقيمتها..كفيل بأن يجعلنا نتحمل المشاق والصعوبات وربما الآلام التي تواجهنا.. كفيل بأن يجعل الثغر دوما باسما، والأمل دوما حاضرا، والهدف دوما واضحا، فلا تمر الحياة عبثا ولا تضيع الأيام سدى.
من المهم جداً أن تعتني بنفسك وأن تسعى للحصول على السعادة لها، لأنك إن لم تكن سعيداً، فلن تسعد أيامك، ولن تسعد الآخرين، ولن تنجح فيما تعمله.

الطريق من هنا
• لكي تعيش بأعصاب سليمة يجب عليك أن تتجنب التفكير المستمر والعمل المتواصل، فإن لنفسك كما لبدنك عليك حقا.. عش هادئ الأعصاب، تعش سليماً معافى.. تعلم كيف تسترخي لبعض الوقت، ولا تعمل شيئا: راقب الطيور لبرهة في الفضاء الشاسع، أو استمتع بمنظر الخضرة أو صوت خرير الماء.. فرغ عقلك لبرهة من كل ما يشغله!

• أحب عملك: فكل إنسان يسعى إلى رزقه ويتخذ لنفسه عملاً جدير به أن يحب عمله ليتجنب المتاعب التي تنشأ من بغضه لمهنته، فالمرء الذي يمقت عمله يظل ضجراً متأففاً وهو يمارس هذا العمل البغيض إلى نفسه.

• تجاوب مع الأشياء البسيطة المحيطة بك، ولا تتعود أن تطلب ما ليس عادياً لمتعتك، فالحياة جميلة إذا تعلمت أن تستمتع بما فيها من جمال على بساطته.

• من الناس من لا يرضى عن أي شيء حوله، فهو ساخط على الدوام كأنما يحيى في جحيم، رغم أن الإفراط في السخط لا جدوى منه والتذمر لا مبرر له. ولا ريب أن الرضا بالمقسوم أسهل وأيسر، وأصح للجسم وأرضى للنفس وأمتع للروح، والبحث عن الأشياء التي ترضي أيسر من تلمس التي تسخط، وخير للإنسان أن يقنع بما يستطيع الحصول عليه، ويترك التطلع إلى ما يتعذر نواله، وليس معنى هذا أن لا يكون المرء طموحاً إلى الرقي دوما.

• في تجربة أجراها على الطلبة أحد أساتذة علم النفس في جامعة (ميتشيجان) الأمريكية، قام البروفسور «كريس بيترسون» بتكليف طلبته بكتابة رسالة شكر لأي شخص يختاره الطالب ولأي سبب. اكتشف أن كتابة تلك الرسائل منحت الطلبة عنصراً ملموساً من الرضا والسعادة التي استمر أثرها طويلاً.

إن الرضا يمنح صاحبه دفعات من الطاقة والحضور الذهني. يقول الباحثون: أن الإحساس بالرضا يجعل نومك هادئا، ويدفعك لمزيد من النشاط الجسماني، ويقلص إحساسك بالضغط العصبي، فتشعر بتحسن في الصحة وكفاءة في الأداء.

إذا انتابك إحساس بالضيق أو الضجر خذ من الوقت بضع دقائق لا أكثر.. أمسك بالقلم والورق وسجل الأشياء الصغيرة التي تشعرك بالرضا، بدءاً بمعروف أسديته لصديق ومروراً بأصناف الطعام التي تفضلها، والهوايات التي تشعرك بالمتعة.
كما أن الذكرى المتصلة بأوجه النعمة في حياتك عنصرا فعالا في النجاة من الهم والكدر، فالأمور التي تعتبرها عادية هي في الواقع أمور فوق العادة كأن تكون رب أسرة، وأن يكون لك بيت، وأن تتمتع بصحة جيدة.. التفكير في النعمة يشعرك بأنك موصول ومكفول بالحماية الربانية.

• كل الناس في كل العالم لديهم نقاط قوة وضعف، والكل ينجح ويفشل، يقع ويقوم مرة أخرى، يتعثر ولكن لا يظل على الأرض بل ينهض بنفس مستوى السقوط، لا يقف لينفض عنه تراب الأرض بل ليتعلم لماذا سقط ووقع.. هذا هو الفارق بين ضدين: السلبية، والاعتزاز بالنفس.

• نحن في حاجة لنسامح غيرنا حتى نشفي أنفسنا.. إن التسامح يفتح حياة الإنسان ليشعر بالسعادة والحب ورضا الرب، فلنستفد من المشاعر الرائعة لدينا باستخدام أعظم ثلاث أدوية للحياة: «الحب، والسعادة، والإيمان» فهي تأتي بالانسجام والسلام الداخلي بدلا من الإحساس بالذنب أو الاستياء أو الرفض.

• يجب أن تتخذ قراراً معيناً في كل موقف أو أزمة تقابلك بعد روية وتبصر، وأن تسعى لتحقيق هذا القرار بصبر وجلد، واحذر المواقف المعلقة وأنصاف الحلول فإنها لا تحسم أمرا، وتؤدي بك إلى التفكير المستمر والقلق المتواصل.

• مما يزيد من متعة الإنسان بالحياة أن يكون له إلى جانب عمله «هواية نافعة» فالتجارب الجديدة تحدث أثراً نفسياً جميلاً، والهواية تخلق التجارب الجديدة وتخلق المجهود المثمر، وكلاهما متعة للإنسان، ومن لا هواية له تمر به أوقات طويلة مملة، يضطر في غضونها إلى التفكير في متاعبه، والأفضل أن تكون الهواية مجدية ولا يكون حظنا منها اللهو واللعب فقط.

• لا تغفل العناية بصحتك، وأعط بدنك حقه من الرياضة، وحذار أن تسيء استعماله بل احتفظ به آلة جيدة صالحة تؤدي ما يطلب منها بسرعة وإتقان.

• كن ذكياً فيما تأكل، واحرص على الفواكه والخضراوات الطازجة، وعلى تناول الحبوب الكاملة، والمنتجات الغذائية الطبيعية. اجعل تناولك للأطعمة متعة بحد ذاتها، لا واجباً عليك القيام بإتمامه كي تعيش وتتمكن من العطاء. وفي الحديث الشريف «كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة» [صحيح الجامع 4505].

• احذر الهم والغضب فهما أعدى أعدائك، وعواقبها وخيمة، فالهم قاتل، ويجب عليك أن تتغلب عليه بإزالة أسبابه وبقوة إرادتك وإيمانك، أما الغضب فتذرع له بالحلم وابدأ يومك بهدوء وابتسامة، وستجد أنه ليس ثمة ما يوجب الغضب في أكثر الأحيان.

• عند فقد قريب أو صديق عزيز، من الطبيعي المرور بنوبة حزن وألم نفسي، حينها يحتاج المرء للسماح لنفسه بوقت للتفاعل مع الأزمة والتجاوب مع المحنة وربما البكاء على الفراق، فلا تقف أمام مشاعرك وانفعالاتك، لأن تفريغ المشاعر كفيل بأن يؤدي في النهاية للراحة النفسية وتجاوز الأزمة بسلام بإذن الله تعالى. أيضاً في مثل هذه الأوقات الصعبة يكون وجود صديق مخلص أو مستشار ناصح عامل هام للخروج من أفق الأزمة.

ولا ننسى قيمة الصبر والرضا بالقضاء والتفهم لطبيعتنا البشرية التي حرم الله عليها الخلود في الدنيا، وما أجمل أن نردد الدعاء النبوي «اللهم أجرني في مصيبتي، واخلف لي خيرا منها» فإن ذلك يساعد على النسيان والاسترخاء من خلال تقبل الواقع وسنة الحياة.

«اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري، وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر».
د. خالد سعد النجار

Post: #21
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:20 PM
Parent: #20

الكلمة شأنها جليل وقدرها عظيم، فبالكلمة تتواصل مع الآخرين، وبطريقة حوارك ترتسم معالم شخصيتك، وتتضح مكنونات نفسك وملامح ثقافتك وطريقة تفكيرك، وللكلام فطنة تنبثق من فطنة العقل ونور البصيرة، وهي فطنة قادرة على استيعاب الجميع استيعابا قد تعجز عنه الأموال، ولذلك لا تجد عظيما إلا وكلامه كالدرر ومنطقه ينضح بالحكم.

يقول الشيخ على الطنطاوي: "ورب كلمة تدخل الجنة، وكلمة تدخل النار، وكلمة أنجت من القتل، وكلمة دفعت صاحبها إلى القتل، ورب صاحب حاجة عند وزير أو كبير، عرف كيف يطلبها فقضيت له، وآخر طلبها فلم يصل إليها. وكثيراً ما كان يقصدني أرباب الحاجات يسألونني أن أكلم لهم من أعرف من الوزراء والكبراء وأنا أكره أن أسأل في حاجة لي أو لغيري، فكنت أعتذر إليهم ولكني أفيدهم فائدة أكبر من وساطتي، هي أن ألقنهم الكلام الذي يقولونه للوزير أو للكبير".

ومن فطنة الكلام تنزيل الناس منازلهم، وانتقاء كلام يناسب الأحوال والمقامات.. كان (النضر بن شميل) من أساطين النحو واللغة والأدب، أخذ عن الخليل بن أحمد، وأقام بالبادية زمناً طويلاً فأخذ عن فصحاء العرب، ولما ضاقت عليه الأسباب في البصرة عزم على الخروج إلى خراسان، فشيعه من أهل البصرة نحو ثلاثة آلاف من المحدثين والفقهاء واللغويين والنحاة والأدباء، فجلس لوداعهم بالمربد وقال: يا أهل البصرة، يعز علي والله فراقكم، ولو وجدت عندكم كل يوم كيلجة من الباقلاء ما فارقتكم، فلم يكن يهم واحد يتكلف له ذلك، فسار إلى مرو.

قال الزبير بن بكار: حدثني النضر بن شميل قال: دخلت على أمير المؤمنين (المأمون) بمرو وعلي أطمار فقال: يا نضر، تدخل على أمير المؤمنين في مثل هذه الثياب؟ فقلت: إن حر مرو شديد لا يدفع إلا بمثل هذه الأخلاق.
قال: بل أنت رجل متقشف، ثم تجارينا الحديث فأجرى ذكر النساء وقال: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سَداد من عوز)، ففتح السين من سداد، فقلت صدقوك يا أمير المؤمنين، وحدثني عوف بن أبي جميلة الأعرابي عن الحسن عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا تزوج الرجل المرأة لدينها وجمالها كان فيه سِداد من عوز)، وكسرت السين قال: وكان المأمون متكئاً فاستوى جالساً وقال: السَداد لحن عندك يا نضر؟ قلت نعم ههنا يا أمير المؤمنين. قال: أوتلحنني؟ قلت: إنما لحن هشيم وكان لحاناً فتبع أمير المؤمنين لفظه، فقال: ما الفرق بينهما؟ قلت: السَداد: القصد في الدين والطريقة والأمر، والسِداد: أبلغه وكل ما سددت به شيئاً فهو سداد، وقد قال العرجي:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا ... ليوم كريهة وسِداد ثغر

ومن فطنة الكلام أن يواكب نظمه طبيعة الحدث ويساير أجوائه.. كان أمير البحار (خضر بن يعقوب) الملقب بخير الدين بربروس [أي ذو اللحية الحمراء] من أبرع من ركب البحر وقاد السفن وخاض معارك الفتوحات الإسلامية البحرية إبان الخلافة العثمانية، ويحفظ لنا التاريخ رده على كارلوس الخامس (شارلكان) ملك أسبانيا عندما قال له الملك: "يجب ألا تنسى أن الأسبان لم يخذلوا في معركة، وأنهم قتلوا أخويك إلياس وعروج، وإن تماديت فيما أنت عليه وركبت رأسك فإن عاقبتك ستكون كعاقبة أخويك".
فأجاب (خير الدين): "سترى غدا، وإن غدا ليس ببعيد، أن جنودك ستتطاير أشلاؤهم، وأن مراكبك ستغرق، وأن قوادك سيرجعون إليك مكللين بعار الهزيمة".
فلما حاصر شارلكان الجزائر خرج له خير الدين بحزم وعزم، وتلا على جميع قواده وجنوده قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد:7] وتقدم إلى الميدان ومعه رجاله، وقال لهم: "إن المسلمين في المشرق والمغرب يدعون لكم بالتوفيق، لأن انتصاركم انتصار لهم، وإن سحقكم لهؤلاء الجنود الصليبيين سيرفع من شأن المسلمين وشأن الإسلام".. فصاحوا كلهم: "الله أكبر" وهاجموا الأسبان فأبادوهم عن آخرهم.

والكلمات الحكيمة مردودها خير يعم المستمع والمتكلم، وقد تغير واقعا بائسا أو تعدل مسارا خاطئا أو تفجر طاقة كامنة، فينتفع ببركتها المجتمع بل ربما البشرية قاطبة .. عندما احترق معمل ومصنع (توماس أديسون) كان عمره حينئذ يناهز السبعة والستون عاماً، وقبل أن يهدأ الركام ويستقر في مكانه أرسل (هنري فورد) -عملاق الاختراعات الحديثة- لأديسون شيكاً بمبلغ 750.000 دولار، وأرفق بهذا الشيك عبارة تقول: «إن أديسون يمكنه الحصول على أي مبلغ يريده بالإضافة إلى هذا المبلغ».
كان هذا الموقف النبيل والكرم الحاتمي الفريد مثار إعجاب الكثيرين، ولكن أحد الأسباب التي دفعت (فورد) لذلك يرجع إلى موقف قديم عندما كان (أديسون) يعمل في تصميم سيارة كهربائية، وكان قد قام بالفعل بصنع البطاريات التي جعلت هذه الفكرة صالحة للتطبيق إلى حد ما، وحينئذ سمع (أديسون) أن هناك شاباً يُدعى (هنري فورد) يعمل على صنع محرك يعمل بالجازولين.
ذهب (أديسون) ليقابل هذا الشاب، وطرح عليه بعض الأسئلة، فأجاب (فورد) عن أسئلة (أديسون) بكل دقة وعناية، وفي نهاية المقابلة قال أديسون لـهنري فورد: «عزيزي الشاب، أعتقد أنك ستحقق شيئاً، وأنا أشجعك على الاستمرار في محاولاتك».
قال هنري فورد: «إن كلمات التشجيع التي قالها أكبر المخترعين وأعلاهم مقاماً في الولايات المتحدة الأميركية كانت تعني الكثير بالنسبة لي» .. ونجحت بالفعل المحاولات وأثمرت سيارات تنتفع بها البشرية جمعاء.

كثرة الكلام عي وفهاهة:
وعلى الجانب الآخر نجد أن كثرة الكلام نقيض الفصاحة وآفة الشخصية ومذهبة للمروءة، وفي مكنون الحكم: "استمع أكثر مما تتكلم، وابتسم أكثر مما تتجهم، واضحك مع الآخرين ولا تضحك منهم".
وعن شعبه أنه قال: قلت للحكم بن عيينة: لِم لَم ترو عن زاذان؟ فقال: كان كثير الكلام.
وعن وديعة الأنصاري قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول وهو يعظ رجلا: "لا تتكلم فيما لا يعنيك".
ومن حكم العرب: "لو تأملت أحوال الناس لوجدت أكثرهم عيوبا أشدهم تعيبا".
وقال العلامة ابن الجوزي: "احذر جمود النقلة، وانبساط المتكلمين، وجمود المتزهدين، وشره أهل الهوى، ووقوف العلماء على صورة العلم من غير عمل، وعمل المتعبدين بغير علم".

ومن بديع الحكم:
- "من السكوت ما هو أبلغ من الجواب".
- "أفرح بما لم تنطق به من الخطأ مثل فرحك بما نطقت به من الصواب".
وقال ابن محيريز: صحبت فضالة بن عبيد الله -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: -أوصني رحمك الله-: قال: "أحفظ عني ثلاث خصال ينفعك الله بهن:
- إن استطعت أن تَعرف ولا تُعرَف فافعل.
- وإن استطعت أن تسمع ولا تتكلم فافعل.
- وإن استطعت أن تجلس ولا يجلس إليك فافعل".

إن الكلام فن من الفنون، ومهارة من المهارات التي يجب أن نوليها اهتمامنا وعنايتنا؛ فعذوبة المنطق أحد أركان حسن الخلق التي أمرنا بها ديننا الحنيف، وهي مفتاح مغاليق النفوس ورسول المودة، ومن جوامع الخير أن تألف وتؤلف، فلا خير فيمن يعيش وحده، ويجافي مجتمعه.
د. خالد سعد النجار

Post: #22
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:20 PM
Parent: #21

ليس هناك تلازم ذو قيمة بين الروح والجسد؛ فقد يكون المرء في مقتبل العمر وروحه روح عجوز، وقد يكون المرء في سن الثمانين، وهو يتمتع بروح الشباب!
هل هذه مبالغة؟!
أنا هنا في مقام الناصح والمرشد لأبنائي وبناتي، ولا ينبغي أن أتجاوز الحقيقة لأي سبب من الأسباب، وهذه هي الحقيقة.

مقومات الروح الشبابية
وأظن أن أفضل شيء نفعله الآن، هو أن نذكر مقومات الروح الشبابية حتى يعرف كل واحد منكم ما مقدار ما يملكه منها:

1 ـ تعني الروح الشبابية: وجود ثقة كبيرة بكرم الله تعالى ولطفه ومعونته، والانتظار لمدده وعطاءاته غير المحدودة.

2 ـ تعني الروح الشبابية: المرونة والتكيف وتفتح العقل، والإصرار على منع شرايين الذهن من أن تقسو وتتصلب.

3 ـ تعني الروح الشبابية: الاحتفاظ بالمرح والتفاؤل والتجاوب مع الطرفة الذكية والضحك ملء القلب من النكات البارعة.

4 ـ تعني الروح الشبابية النمو المستمر على مستوى الروح والعقل والأهداف والتطلعات، وتذكروا أيها الأعزاء والعزيزات أن المرء يشيخ حين تشيخ أحلامه، ويموت حين يموت آخر حلم له.

5 ـ تعني الروح الشبابية: التفكير بطرق جديدة، وقراءة كتب جديدة، وممارسة هوايات جديدة، كما تعني الحب المتدفق للاكتشاف وفهم الوجود.

6 ـ تعني الروح الشبابية: ألا نفكر أبدا ـ نحن معاشر الشيوخ ـ فيما يطرأ على وجوهنا من تغيرات، وأن نركز انتباهنا على ما يمكن أن نفعله.

7 ـ تعني الروح الشبابية: الانشغال الدائم، وبذل الجهد المتواصل من أجل بناء مستقبل زاهر لنا ولأمتنا.

8 ـ تعني الروح الشبابية: التخطيط لأعمال ومشروعات ترجى ثمرتها بعد مدة ليست قصيرة، فالذين شاخت أرواحهم هم وحدهم الذين يخططون للمشروعات العاجلة فقط.

9 ـ تعني الروح الشبابية: القدرة على الصفح والعفو عن أعظم الزلات، فالشباب هم أصحاب القلوب البيضاء والأرواح النقية.

10 ـ تعني الروح الشبابية: المسارعة إلى عمل الخير، ونفع العباد، والإسهام في بناء الوطن.

11 ـ تعني الروح الشبابية التأبي على البيئة اليائسة المحطمة، والانطلاق نحو الآفاق الرحبة.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني شيئا واحدا: أن تجددوا أرواحكم من خلال ما ذكرناه!
والله يتولانا وإياكم بلطفه ومعونته.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب "50 شمعة لإضاءة دروبكم"

Post: #23
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:23 PM
Parent: #22

التّوفيق هو: الإلهامَ للخَيْر، يقال: وَفَّقهُ اللهُ أي ألهمه إيّاه وسدّد خُطْاه وأنْجَحه فيما سعى إليه.
أَمَّا الخذلان فمعناه: تَرْكُ الْعَوْنِ، يقال خذَله اللهُ: أي: تخلَّى عن نصرته وإعانته، وفي التنزيل: {وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ}، أي: وإِنْ أراد خذلانكم وترك معونتكم فلا ناصر لكم.

والخَذول صيغة مبالغة أي كثير الخذلان، وهو من يتخلّى عن نصرة صاحبه ومساعدته في أحرج الأوقات، قال تعالى: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولاً} أي يُضله ويُغويه ويزين له الباطل ويقبح له الحق، ويَعِدُهُ الأماني ثم يتخلى عنه وقت الحاجة فلا ينقذه ولا ينصره.

ولكل من التوفيق والخذلان أسباب:-
أَمَّا أسباب التوفيق فمنها
ذُلّ العبد وانكساره، وخضوعه لله، واقراره بعجزه وضعفه: فيقر العبد في كل ذَرَّةٍ مِنْ ذَرَّاتِهِ الباطنة والظاهرة بافتقاره التام إلى ربه ووليه، ومن بيده صلاحه وفلاحه، وهُدَاهُ وسعادته، وهذه الحال التي تَحْصُلُ لقلبه لا تَنَالُ الْعِبَارَةُ حقيقتها، وإنما تُدْرَكُ بالحصول، فيحصل لقلبه كَسْرَةٌ خاصة لا يشبهها شيء.... فما أقرب الْجَبْرَ من هذا القلب المكسور! وما أدنى النصر والرحمة والرزق منه! وما أنفع هذا المشهد له وأجداه عليه! وَذَرَّةٌ مِنْ هذا وَنَفَسٌ مِنْهُ أحب إلى الله من طاعات أمثال الجبال مِنَ الْمُدِلِّينَ الْمُعْجَبِينَ بأعمالهم وعلومهم وأحوالهم. ( مدارج السالكين لابن القيم)

ومنها النية الصالحة: فعلى قدر نية العَبْد وهمته وَمرَاده ورغبته يكون توفيقه سُبْحَانَهُ وإعانته، فالمعونة من الله تنزل على الْعباد على قدر هممهم وثباتهم ورغبتهم ورهبتهم، والخذلان ينزل عَلَيْهِم على حسب ذلك، فَالله سبحانه أحكم الْحَاكِمين وأعلم العالمين يضع التَّوْفِيق في مواضعه اللائقة بِهِ والخذلان في مواضعه اللائقة به « الفوائد لابن القيم »

أَمَّا أسباب الخذلان فمنها:
اتباع الهوى: إِذْ إِنَّهُ يغلق عن العبد أبواب التوفيق ويفتح عليه أبواب الخذلان، فتراه يلهج بأن الله لو وفق لكان كذا وكذا، وقد سد على نفسه طرق التوفيق باتباعه هواه، قال الفُضيل بْن عِيَاضٍ: من استحوذ عليه الهوى واتباع الشهوات انقطعت عنه موارد التوفيق.« روضة المحبين ونزهة المشتاقين»
ويشهد لهذا قوله تعالى: {وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} أي: لا تَمِلْ مع أهواء نفسك وحظوظها، فيصرفك الله عن الدلائل الدالة على الحق.

الرياء وملاحظة المخلوقين: لا ينفك أحد عن التطلع إلى حب لذة المحمدة والجاه والطمع فيما في أيدي الناس، لكن من كمل عقله ووفق لاتباع الحق رأى ذلك مَرَضاً مُهْلِكًا فاحتاج إلى دواء يزيله ويقطع عروقه ، وذلك الدواء النافع هو أن يُعْرض عن رغبته في كل ذلك لما فيه من المضرة، وفوات صلاح القلب، وحرمان التوفيق في الحال والمنزلة الرفيعة في الآخرة، والعقاب العظيم والمقت الشديد والخزي الظاهر، حيث ينادى على رءوس الخلائق ويقال للمرائي: يا فاجر، يا غادر، يا مرائي أما استحييت إذا اشتريت بطاعة الله تعالى عرض الحياة الدنيا، راقبت قلوب العباد واستهزأت بنظر الله تعالى وطاعته، ....ولا يخلو الطامع في الْخَلْقِ من الذُّلِّ والخيبة أو من الْمِنَّةِ والمهانة.« الزواجر عن اقتراف الكبائر»

- التكبر والغرور: إِذا عرف العبد قدر النعمة وخطرها وشكر الْمُنعم عليها، أدامها الله عليه وأزادها، كما قال تعالى عن سُلَيْمَان بن دَاوُ : {هذا مِن فَضْلِ رَبِّي ليبلوني أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ} أي: هذا من فضل الله عليَّ، وإِحسانه إليَّ، وَلم يقل هَذَا من كَرَامَتِي. فَإِذا علم الله سُبْحَانَهُ هَذَا من قلب عبد فَذَلِك من أعظم أَسبَاب توفيقه. وأمَّا إِنْ وافته النعم فقال هذا لي، وَإِنَّمَا أُوتِيتهُ لِأَنِّي أَهله ومستحقه، فتعجبه نَفسه وتطغى بِالنعْمَةِ وتستطيل على غَيرهَا، فَيكَون حظها مِنْهَا الْفَرح وَالْفَخْر، كَمَا قَالَ تَعَالَى عن قارون: {إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي} أي: لَوْلَا رِضَاه عَنِّي، وَمَعْرِفَتُهُ بِفَضْلِي مَا أَعْطَانِي هَذَا الْمَالَ. فَإِذا علم الله سُبْحَانَهُ هَذَا من قلب عبد فَذَلِك من أعظم أَسبَاب خذلانه وتخليه عَنهُ.

- التعلق بغير الله: أعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله، فَإِنَّ ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت.. كما قال تعالى: {لا تجعل مع الله إلها آخر فتقعد مذموما مخذولا} مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. «مدارج السالكين»

- كثرة المعاصي: فَمِنْ عُقُوبَاتِهَا أنها تُعْمِي بصيرة القلب وتطمس نوره، وتَسُدُّ طُرُقَ الْعِلْمِ ، وتحجب مواد الهداية. وقد قال مالك للشافعي لمّا اجتمع به: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية. ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحلّ، وظلام المعصية يقوى، حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم. فكم من مَهْلكٍ يسقط فيه، وهو لا يبصره، كأعمى خرجِ بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب. فيا عزّةَ السلامة، ويا سرعةَ العطب! ثم تَقْوَى تلك الظلمات، وتفيض من القلب إلى الجوارح، فيغشى الوجهَ منها سوادٌ بحسب قوتها وتزايدها!!« الداء والدواء لابن القيم »
اللَّهُمَّ مُنَّ علينا بتوفيقك، وارزقنا الْهُدَى وَالسَّدَادَ، وجَنِّبْنَا الخطأ والزلل والخلل والخذلان، آمين.
د. أحمد عبد المجيد مكي

Post: #24
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:24 PM
Parent: #23

Quote: احتدم مؤخرا الجدل الدائر بشأن السجائر الإلكترونية (وهي سجائر إلكترونية تعمل بالبطارية وتوفر النيكوتين في شكل محلول مبخر يستنشقه المستخدمون، وهي تحاكي عملية التدخين)، ومدى كونها تساعد المدخنين على الإقلاع عن التدخين، وقد اتخذ الجدل منحى جديدا بعد نشر نتائج دراسة حول استخدام هذا النوع من السجائر خلصت إلى أن من يستخدمون السجائر الإلكترونية ومن يدخنون سجائر التبغ هم أكثر اعتمادا على النيكوتين، وأن فرصهم في الإقلاع عن التدخين متساوية، وربما هي أقل لمن يستخدمون السجائر الإلكترونية.

وكانت الدراسة قد نشرت على الإنترنت في مجلة "السرطان"، وهي مجلة طبية دورية تصدرها الجمعية الأميركية للسرطان، وجاء فيها: "إن نتائج الدراسة تشكك في إمكانية أن تساعد السجائر الإلكترونية مرضى السرطان في الإقلاع عن التدخين، وأن الدراسة شملت حوالي 1074 مدخنا مريضا بالسرطان، وخلصت إلى أن هذه السجائر تزيد من إمكانية الإصابة بسرطان الرئة والمخ والعنق.

تقرير منظمة الصحة العالمية
وقد نشرت بعض المواقع الإلكترونية تقرير منظمة الصحة العالمية حول هذا الموضوع والذي صدر في أكتوبر 2014، وهو تقرير مفصل حول السجائر الإليكترونية وتركيبها والمواد المستخدمة بها. وكشف التقرير عن أنه بغض النظر عن تفاوت نسب النيكوتين والمواد الضارة بين السجائر العادية والإليكترونية، إلا أن الخطر في الحقيقة لا يزال واحدا.

مخاطر التدخين الإلكتروني
أوردت منظمة الصحة العالمية آثارا قريبة الأجل تنتج عن تدخين السيجارة الإلكترونية منها: تهيج العين والجهاز التنفسـي بسـبب التعـرض لمادة تعرف باسم "جلايكـول البـروبيلين". كما حذر التقرير أيضا من مشـاكل صـحية وخيمـة قصــيرة الأجـل غيـر أنهـا نـادرة للغاية. كما تشـير البيانـات المعتمـدة علـى تقيـيم المركبـات الكيميائيـة الموجـودة فـي السـوائل التـي تستخدمها السجائر الإلكترونية والرذاذ الذي تولده إلى ما يلي:

1- السـمية الخلويـة المحتملـة فـي بعـض المحاليـل التـي تثير القلـق بالنسـبة للسيدات الحوامل اللاتي يستخدمن هذه السجائر أو يتعرضن للرذاذ غير المباشر الناتج عنها.

2-يحتوي الرذاذ عادة على بعـض المركبـات المسـرطنة وسـائر المـواد السـمية الموجـودة فـي دخان التبغ بمقادير تقـل بدرجـة أو درجتـين فـي المتوسـط عـن المقـادير الموجـودة السجائر، إلا أنها أعلى من المقادير التـي يحتـوي عليهـا جهـاز لاستنشـاق النيكـوتين. وقـد تبـين أن بعـض الأصناف تحتوي على بعض هذه العوامل المسرطنة مثل الفورمالديهايد .

٣-حجم الجسيمات المولدة باستخدام السجائر الإليكترونية يماثل مدى حجم الجسيمات التي تولدها السجائر التقليدية، بوجود معظم الجسيمات في المدى الفـائق الدقـة (الـذي يتراوح بين ١٠٠ و٢٠٠ نانومتر) مقارنة بالحجم الأكبر الموجود في دخان السجائر، ولكن مستوى الجسيمات التــي تولــدها الــنظم الإلكترونيــــة هــو أدنــى مــن المســتوى الــذي تولــده.

دعاية كاذبة
وتثبت البيانات المتوفرة والأبحاث أن الرذاذ الذي تولده السجائر الإليكترونية ليس مجرد "بخار الماء" على النحو المزعــوم فــي الغالــب في برامج الدعاية وحملات التسويق هــذه المنتجــات. فاســتخدام السجائر الإليكترونيــة يعــرض المــراهقين والأجنــة للنيكـوتين، ولتهديدات خطيرة تعـرض غيـر المـدخنين والأشـخاص المقربين منهم للخطر.

ويؤكد التقرير أن هناك احتمالا كبيرا أن يؤدي استخدام السجائر الإليكترونية في المتوسط إلى التعـرض للمـواد السمية بمستويات أدنى مما هي عليه باستخدام المنتجات القابلة للاحتراق في السجائر العادية، ولكن يبقى خطرها موجودا ولا يقل كثيرا عن السجائر العادية.

أحكام مشددة
وجاء في موقع الجزيرة نت: أنه منذ فترة قريبة طالبت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها بفرض أحكام مشددة على استخدام السجائر الإلكترونية، وفرض حظر على استخدامها في الأماكن المغلقة، وعلى الدعاية لها، وبيعها لمن هم دون سن البلوغ.

وعقب هذه الدعوة من منظمة الصحة العالمية استجابت لذلك بعض الحكومات كحكومة الهند حيث جاء في ذات الموقع تصريحات لمسئول كبير في وزارة الصحة الهندية أن وزارة نيودلهي تبحث مسألة حظر السجائر الإلكترونية بسبب المخاطر التي يمكن أن تسببها للصحة العامة، وفقا لما أعلنه المسؤول.
وقال المسؤول ـ أيضا ـ: إن السجائر الإلكترونية تعد "وسيلة للدخول من باب خلفي، لا تحتوي على التبغ لكنها تحتوي على النيكوتين". وأضاف: "أوصت لجان الخبراء بوضع ضوابط لاستخدامها أو حظرها. ولا يمكن للهند تنظيم استخدامها بسهولة"، ولكن الحكومة سوف تبحث فرض الحظر خلال الشهر المقبل أو الشهرين المقبلين".

حكم التدخين:
وقد أفتى السادة العلماء الكرام ومراكز الإفتاء المختلفة بحرمة التدخين بأنواعه، السجائر والنارجيلة أو الشيشة، وذلك لما لها من آثار سلبية وأضرار صحية لم يعد في تحققها شك، بعد تأكيد العلم الحديث وإثبات الدراسات والأبحاث المتواترة، ولأنها من الخبائث التي حرمها الله على أهل الإيمان.
وممن أفتى بحرمة التدخين دار الإفتاء المصرية في الفتوى الصادرة برقم 3966، والمنشورة تحت عنوان "حكم التدخين" تحت هذا الرابط:
http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=3699http://www.dar-alifta.org/ViewFatwa.aspx?ID=3699
وكذا مركز الفتوى في موقع الشبكة الإسلامية ورابطها:
http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwaandOption=FatwaIdandId=1671http://fatwa.islamweb.net/fatwa/index.php?page=showfatwaandOption=FatwaIdandId=1671
وقد أفتى بحرمة ذلك علماء كرام كالشيخ العلامة ابن عثيمين والشيخ العلامة عبدالعزيز بن باز والشيخ العلامة يوسف القرضاوي وغيرهم كثير رحم الله الجميع، وعافانا والمسلمين من كل مكروه وسوء، ومن كل ما يستوجب غضب الله جل في علاه.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Post: #25
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:25 PM
Parent: #24

ممَّا لا شكَّ فيه أنَّ الإسلام دعَا إلى القوَّة في العُقول والأَبدان والقُلوب، ومَن اجتمعَتْ فيه هذه المقوِّمات فهو العضو الفعَّال في المجتمع؛ لأنَّ الله يحبُّ المؤمن القويَّ (في إيمانه، وعقله، وجسده)؛ يقول - صلَّى الله عليه وسلَّم -: [المؤمن القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير، احرص على ما ينفعُك، واستَعِن بالله ولا تعجز](رواه مسلم).

فالاهتِمام بالجسم - إذا حَسُنَت النيَّة - عبادة يُثَاب عليها الإنسان؛ لأنَّ الإنسان بقوَّته التي استُمِدَّت من حول الله وقوَّته قادرٌ على نفْع نفسه ومجتمعه، بخلاف المؤمن الضعيف؛ لا يَقوَى جسدُه على عبادة، ولا يَنفَع مجتمعُه؛ لذا أمَر الإسلام الإنسانَ أن يُحافِظ على صحَّته وبدنه؛ فقد أَقَرَّ الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - سلمان على النصيحة التي نصَحَها لأبي الدرداء، وهي: "إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّه"، فأتى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فذكَر ذلك له، فقال النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم: [صدق سلمان](رواه البخاري).

ونستَفِيد ممَّا سبق أنَّ كلَّ ما يُقوِّي البدن ممَّا أحلَّه الله مطلوب، والرياضة - بضوابطها الشرعيَّة - أمر مطلوب؛ لأنها تُؤَدِّي إلى غايات نبيلة، ولكن هنا سؤال: هل ما يفعله الناس من اعتِكاف على المباريات من قَبِيل الرياضة النافعة؟

الرياضة ممارسة لا مشاهدة
أقول: الرياضة مُمارَسة لا مُشاهَدة؟ هذه هي الإجابة الشافِيَة بأمر الله؛ لأنَّك لو قارَنْتَ بين رجلٍ يجلس الساعات الطوال أمام مُشاهَدة مُبارَاة أو أكثر في اليوم، وفي الأسبوع، وعلى مَدار الشهر - لجمعت ساعات كثيرة جدًّا، لو استُغِلَّت في تقوِيَة جسم الإنسان، ومن قبلُ الإيمان، وفي التفكير في حال المسلمين الآن، وفي حال المسجد الأقصى الذي حُوصِر من كلِّ اتِّجاه، وبُنِيَتْ حولَه الكنس الصِّهْيَوْنيَّة، وأصبح لا يُصَلَّى فيه إلا بإذنٍ من الصَّهايِنَة، ولأعمارٍ مُحَدَّدة من قِبَلِ أعداء الله - لكان هذا الفعل أَوْلَى.

لو استُغِلَّت هذه الأوقات كما ينبغي لحقَّقنا لإسلامنا وأمَّتنا ما أرادَه الله مِنَّا، ولَكُنَّا خير أمَّة أُخرِجت للناس، ولا تستَهِن بهذه الأوقات التي تُنفَق في غير نَفْعٍ، فإنَّ لحظة واحدة في عمر الإنسان هي عمر ثانٍ لا ينبغي الاستِهانة به، يقول ابن الجوزي: "ينبغي على الإنسان أن يعرف شرف زمانه وقدر وقته، فلا يُضَيِّع لحظةً في غير قربة".

أغلب المسلمين الآن مُغَيَّبون عن واقِعِهم، ساهُون لاهُون، قد احتلَّ الإعلام المزيَّف - بما يُقَدِّمه - عقولَهم، ووُجِّهت اهتمامات أكثر الأمَّة إلى التفاهات، ووَقَع كثيرٌ من شبابنا في شِباك الكرة، فهي التي تُحَرِّك مَشاعِرهم وتُؤَثِّر فيهم أكثر من تأثير القرآن الذي كاد أن يُزَلزِل الجِبال، ويُحَرِّك الجمادات: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللهِ}[الحشر:21].

إنَّ البحث عن سَفاسِف الأمور وتَناقُلها بين الناس أصبح جزءًا أصيلاً من حياتهم، وإذا جلس الواحد مِنَّا في مجالس الناس لا يسمَع إلا عن الكرة، والفنَّانين والفنانات، لقد غزت الكرة ديارنا وأعمالنا ومَدارسنا، حتى المساجد بيوت الله تأثَّرت بالكرة، فإذا كان هناك مباراة خَلَتِ المساجد واشتَكَتْ حالَها إلى الله، ومَن يأتي إليها أثناء المباراة يأتي على عَجَلٍ يُرِيد من الإمام أن يُقِيم الصلاة بسرعة ويُصَلِّي بسرعة، فجسده أمام الله وقلبه في الملعب بين أرجُل اللاعبين، فسبحان الله!

إلى متى أيها الموحدون؟
إلى متى ترضَوْن أنْ تكون المباريات والأفلام والمسلسَلات هي العقل المحرِّك في حياتنا، أخشى أن تُصبِح الكرة وَثَنًا في قلوب كثيرٍ من الناس وهم لا يشعرون، فالأمر جِدُّ خطير، فأين تذهبون؟!

قد يقول قائل: أنت تُبالِغ، لا، لا والله لا أُبالِغ، ولو أردتَ أن تَعرِف فانظُر إلى الناس عندما يُطلِق الحكم صافِرة البداية - بداية المباراة - فإنَّ الأصوات تخشع، والأبصار تَشخَص، والأعصاب تُشَدُّ، حتى يصل الأمر إلى السبِّ والقَذْفِ، بل والتشاجُر بين اللاعِبين أو بين المشاهِدين، بل يَصِلُ الأمر إلى القتل، بل قد يموت الإنسان تأثُّرًا بالمباراة، وكم من إنسان مات بسكتة قلبيَّة بسبب انهِزام فريقه!

فإلى متى سنظلُّ أسرى ما يُصَدَّر إلينا؟! ومتى نَصِلُ إلى الدرجة التي نعرِف فيها ما ينفعنا فنُقبِل عليه وما يضرُّنا فنُحجِم عنه؟! إلى متى سيستَمِرُّ هذا الغزو؟! ومتى نتحرَّر منه؟!
د.خالد راتب

Post: #26
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:26 PM
Parent: #25

خواطر راودتني، وأحاسيس غالبتني، ومشاعر حركتني.. فأمسكت بقلمي، وقلبت صفحات ذاكرتي، وتذكرت صفاء الابتداء، وصياغة الأوفياء، وصناعة السابقين، وتاريخ المخلصين ممن قضوا نحبهم وهم أوفياء لدينهم ودعوتهم وبيعتهم، فوجدت أكثرهم نفعا وتأثيرا.. "غرباء"، أو إن شئت فقل ”جنود مجهولون”.

سرعان ما انسالت الكلمات يسطرها القلم، تاريخ عظيم لا أجد له مثيلا، عظماء سطروا لنا معالم التاريخ، دلنا على وصفهم وأخبارهم وحالهم إمام المربين وحبيب المقتدين محمد الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم، فقال: [طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه، أشعث رأسه، مغبر قدماه، يطير على ظهره عند كل هيعة] (رواه البخاري).. غايته مرضاة ربه، قدوته النبي وصحبه، منطلقه دستور ربه، سبيله الجهاد، أسمى ما يتمناه الموت في سبيل ربه ودينه.

ومن أخص وصفه: ما بينه حبيب ربه صلى الله عليه وسلم: [إنَّ أغبطَ أوليائي عندي لمؤمنٌ خفيفُ الحاذِ ذو حظٍّ من الصلاة، أحسنَ عبادةَ ربه وأطاعه في السرِّ، وكان غامضًا في الناسِ لا يشار إليه بالأصابعِ، وكان رزقُه كفافًا فصبر على ذلك، ثم نقر بإصبعَيه فقال: عُجِّلت منيتُه، قلَّتْ بواكيهِ، قلَّ تراثُه](رواه الترمذي وحسنه).

هل رأيتم هذه الصفات العجيبة؟ إنها والله تنطبق على معظم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، (لمؤمن خفيف الحاذ) أي خفيف المسئولية والمؤنة، (غامض في الناس) فلا تسلط عليه الأضواء، ولا يسمع عنه الناس، بل مجهول في وسطهم. (لا يشار إليه بالأصابع) فلا يقال هذا فلان بن فلان، (فعجلت منيته) في الجهاد في سبيل الله، يلقى بنفسه في غمرات الموت لا يهاب، (وقل تراثه، وقلت بواكيه) لأنه يموت في الغربة، كأمثال حمزة بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد مات قرب المدينة، ليس له باك يبكى عليه من زوجة أو ولد، حتى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: [لكن حمزة لا بواكي له] (رواه أحمد وابن ماجة). كذلك مات جعفر بن أبى طالب رضى الله عنه على حدود الروم ولم يبكه أحد، فهم وأمثالهم عاشوا غرباء وماتوا غرباء في سبيل الله رب العالمين.

وأمثال هؤلاء أبكوا خليفة رسول الله الفاروق، حين فتحت نهاوند في أقاصي الشرق وسأل عمن استشهد من الصحابة؟ فقيل: النعمان بن مقرن، وفلان وفلان من القادة، وبعض الجند لا يعرفهم أحد، فبكى عمر بن الخطاب رضى الله عنه وجثا بركبتيه على الأرض، وقال: إياك أن تقول لا يعرفهم أحد، لا يضرهم إن كان لا يعرفهم عمر بن الخطاب ويعرفهم الله الذى في سابع سمائه.

معاذ يبكى.. والفاروق يسأل
مرَّ عُمَرُ بمُعاذِ بنِ جَبلٍ وهو يبكي، فقال ما يُبكيكَ؟ قال حديثٌ سمِعْتُه مِن صاحبِ هذا القبر (يعني النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم)، سمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ أدنى الرِّياءِ شِرْكٌ، وأحَبَّ العبيدِ إلى اللهِ الأتقياءُ الأخفياءُ: الَّذينَ إذا غابوا لَمْ يُفتَقَدوا، وإذا شهِدوا لَمْ يُعرَفوا، أولئكَ أئمَّةُ الهُدَى ومصابيحُ العِلْمَ. (رواه الطبراني وهو ضعيف).. وبكاء معاذ هو نفس ما أبكى عمر حين سأل عن شهداء نهاوند.

هؤلاء غرباء لأنهم طلاب آخرة، لا طلاب دنيا.. طلاب جنة، لا طلاب مكانة ومنصب.. طلاب آخرة وجنة؛ لأنهم حطوا رحالهم هناك [لموضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها](رواه الترمذى).

يقول إبراهيم بن أدهم: ما صدق الله من أحب الشهرة. وقال ابن مسعود: كونوا ينابيع العلم، مصابيح الهدى، أحلاس البيوت، سرج الليل، جدد القلوب، خلقان الثياب، تعرفون في أهل السماء وتخفون في أهل الأرض.

فالعمل الصامت عند المخلص أحب إليه من العمل الذي يحفه ضجيج الإعلان وطنين الشهرة. ورحمة الله على من قال: كونوا عبادا قبل أن تكونوا قوادا، تصل بكم العبادة إلى أحسن القيادة.

إن المخلص يستوى عنده العمل، قائدا معروفا أو جنديا مغمورا، فكلا الدورين يبتغى بهما وجه الله تعالى. ورحم الله خالد بن الوليد، المنتصر الفاتح الذى لا يشق له غبار، يأتيه أبو عبيدة ابن الجراح بخبر عزله عن القيادة، فيقدمه فرحا بتخفيف الله، ويعلن صدق إخلاصه بحسن نصحه وإرشاده للقائد الجديد. فالكل في سفينة لا يهم من القبطان، ولكن تأمين المسير هو السبيل لبلوغ شاطئ الأمان.

فكلمة الإخلاص هي التي تسوى بين الرؤوس؛ لا فرق بين أبيض ولا أسود، ولا عربي ولا عجمي إلا بالتقوى.. يستوى مع ذلك القيادة والجندية.

هذا هو الجندى المجهول.. الذى بموته تستمر الحياة، وبتاريخه تبنى الأمم حضارتها، وبذكراه تتوالد الأجيال بعد الأجيال، وبتاريخه العزة والنصر والكرامة والإباء. وصدق الله إذ يقول: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا}(سورة الأحزاب).
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
ماهر أبو عامر

Post: #27
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 05:27 PM
Parent: #26

Quote: يعج تاريخنا الإسلامي المجيد بأعداد هائلة من النماذج الرائعة التي ترجمت معاني الإسلام وجعلته واقعا يتخذ منه الخلف من السلف قدوة وأسوة. وكما كانت هذه النماذج الفذة متكاثرة في الرجال، فكذلك كانت في النساء أيضا حتى لا يعدمن النسوة قدوة. وقد اخترت من بطون التاريخ ـ من بعد الصحابيات والتابعيات ـ نموذجين لامرأتين جليلتين حفرت كل واحدة منهما اسمها في سجل التاريخ بأحرف من نور؛ فخلد التاريخ ذكرهن ليكن لمن بعدهن نورا ونبراسا يستضئن به، ويترسمن خطاه.

الأولى: فاطمة الفهرية.. مجددة مسجد القرويين
كانت فاطمة من سكان القيروان التي اتخذها عقبة بن نافع الفهري قاعدة له، وقد هاجرت ضمن المهاجرين إلى فاس مع أبيها محمد بن عبد الله الفهري، وكان ذا مال عريض وثروة طائلة، ولم يكن له من الأولاد سوى بنتين هما: فاطمة ومريم، أحسن تربيتهما واعتنى بهما حتى كبرتا، فلما مات ورثته ابنتاه، ورأتا ضيق المسجد بالمصلين فأحببتا أن تخلدا ذكرهما وذكر والديهما بخير.

عمدت فاطمة إلى مسجد القرويين فأعادت بناءه مما ورثته من أبيها سنة 245هـ، وضاعفت حجمه بشراء الحقل المحيط به، وضمته إلى أرض المسجد، وبذلت مالا جما برغبة صادقة حتى يكتمل بناؤه في صورة بهية وحلية رصينة.. وقد جاء في قصة بنائها المسجد ما يلي:
بدأت فاطمة بنت محمد الفهري في اتخاذ الخطوات الأولي في البناء، واشترت أرضاً بيضاء بالقرب من منزلها بالقرويين، ودفعت لصاحبها بسخاء حتي إذا شرعت في البناء عقدت العزم علي ألا تأخذ تراباً أو مواد بناء من غير الأرض التي اشترتها بحر مالها، وطلبت من عمال البناء أن يحفروا حتي أعماق الأرض المزمع إقامة البناء عليها، فأخذوا يستخرجون من أعماقها الرمل الأصفر الجديد والأحجار والجص ليستخدموه في البناء، وهي بذلك تهدف إلي عدم وجود أي شبهة تشوب مشروع تشييد البناء في المسجد، ومع أول أيام البناء أصرت علي بدء الصوم، ونذرت ألا تفطر يوماً حتي ينتهي العمل فيه.

بدأ الحفر أولا في صحن المسجد لإنشاء بئر من أجل شرب البنائين ولاستخدام الماء أيضاً في أعمال البناء، ثم عمدت بعد ذلك في حفر بناء أساس وجدران المسجد، وقامت بنفسها بالإشراف علي أعمال الأساسات والبناء فجاء المسجد فسيح الأرجاء محكم البناء، وكأن فاطمة عالمة بأمور البناء وأصول التشييد لما اتصفت به من مهارة وحذق، فبدا واضحاً شكل المسجد في أتم رونق وأزهي صورة وأجمل حال وبهاء، حتي إذا انتهي العمل وتم البناء كان أول رمضان سنة 245 من الهجرة؛ فصلت فاطمة صلاة شكر لربها علي فضله وامتنانها لكريم رزقه وفيض عطائه الذي وفقها لبناء هذا الصرح الذي عرف بمسجد القرويين.

وكانت نية أم البنين صادقة لوجه الله في بناء مسجد أسس علي الصدق والتقوي والضمير الحي، فأضحي مسجداً للورع والصلاح، وأصبح جامع القرويين الشهير أول معهد ديني وأكبر كلية عربية في بلاد المغرب الأقصي.. ويعد بعض المؤرخين هذا الجامع أول جامعة عربية إسلامية في البلاد المراكشية، وبذلك تصبح السيدة فاطمة بنت محمد الفهري القيرواني المعروفة بأم البنين الفهرية هي مؤسسة أول جامعة عربية إسلامية في هذه البلاد، وماتت السيدة فاطمة نحو عام 265 هـ/1180م.

مريم الفهرية:
ومثلما نحت فاطمة الفهرية هذا العمل سبيلاً نجد أختها مريم ـ أم القاسم ـ تمشي علي نفس الدرب فأنشأت مسجداً عرف باسم جامع الأندلس.
ولا زال جامع القرويين إلي جوار جامع الأندلس يؤديان الدور المنوط بهما في نشر الاسلام والعلوم.

الثانية: ست الشام سيدة الخواتين
هي ابنة الأمير نجم الدين أيوب، وأخت السلطان العظيم صلاح الدين الأيوبي محرر الأقصى.. اكتسبت فاطمة خاتون (الملقبة بست الشام) كل الصفات الحميدة والخصال الطيبة من أبيها وأخيها، فكانت سيدة الملكات أو سيدة الخواتين في ذلك العصر (خاتون: كلمة كردية تعني المرأة العاقلة الرزان).
قال عنها ابن كثير في تاريخه: " الخاتون الجليلة، ست الشام، بنت نجم الدين أيوب رحمها الله، أخت الملوك، وعمة أولادهم، وأم الملوك، كان لها من الملوك المحارم خمسة وثلاثون ملكا". وقال: "واقفة المدرستين الشامية البرانية والشامية الجوانية".

كانت تقطن في بيت كبير في دمشق مقابل البيمارستان النوري ـ الذي جعلته مقصداً وملاذاً للخائفين من بطش الإفرنج رجالاً ونساء ـ وكانت تقدم الصدقات لكل محتاج، وتغدق في عطائها عليهم.. كانت سيدة الخواتين، عاقلة، كثيرة البر والإحسان والصدقات، وكان يعمل في دارها من الأشربة والمعاجين والعقاقير في كل سنة بألوف الدنانير) مما يجعلنا نقول أنها كانت جديرة بلقب ست الشام.

كانت ست الشام الجندي المجهول الذي قام على إعمار المدارس والاهتمام بالأدب والأدباء، كما بذلت جهوداً كبيرة لتحفيظ القرآن الكريم، ولعل أفضل ما تركته بناء مدرستين كبيرتين هما: المدرسة الشامية الجوانية و المدرسة الشامية البرانية، وجلبت لهما أحسن المدرسين وجعلتها للفقهاء والمتفقهين من أصحاب الإمام الشافعي؛ فكانت بمثابة جامعة من جامعات ذلك العصر.

وفي يوم الجمعة الموافق للسادس عشر من ذي القعدة سنة 616 هجرية توفيت ست الشام بدمشق بدارها المقابلة للبيمارستان النوري بجنازة رهيبة تحدثت عنها الركبان، فقد سار الناس وراء نعشها بالآلاف وهم يرددون الأدعية لها، حيث دفنت بجانب ولدها حسام الدين في المدرسة الحسامية. ويقال بأن جنازتها كانت فريدة إذ لم تشيع امرأة قبلها بمثل ما شُيعت به خاتون ست الشام.

قدوة شريفة
إن الله سبحانه وتعالى إذا أراد لأمة الرقي والرفعة، وأذن لها بالسعادة الغامرة، أيقظ في أفرادها وجدانا شريفا، وشعورا عاليا يدفعهم للقيام بصالح الأعمال وأشرفها وجليلها وأرقاها، من أجل سعادة الدارين.. فهل نجد من يحيي ذكرى أولئك الماجدات بالسير على طريقهن؟.

Post: #28
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 08:06 PM
Parent: #27

Quote: يحكى أن فتاة صغيرة كانت مع والدها يعبران جسرا.. خاف الأب الحنون على ابنته من السقوط، لذلك قال لها: حبيبتي أمسكي بيدي جيدا، حتى لا تقعي في النهر.
فأجابت الابنة دون تردد: لا يا أبى.. أمسك أنت بيدي.
رد الأب باستغراب: وهل هناك فرق؟!
فردت الفتاة مجيبة: لو أمسكتُ أنا بيدك فقد لا استطيع التماسك، ومن الممكن أن تنفلت يدي فأسقط.. لكن لو أمسكتَ أنت بيدي، فلن تدعها تنفلت منك أبدا.

من يحبك يحب راحتك وسعادتك أين ومتى كانت.. يفرح لفرحك ويحزن لحزنك.. يسعى في مرضاتك، ويبادر في الاعتذار عند خطأه بحقك.. يقضي حاجاتك بشغف دون كلل ولا ملل.. تجده عند الشدائد نعم المعين، وعند المشورة نعم المشير.. من السهل عليه أن يضحي من أجلك.. لا يتردد في الدفاع عنك.. يرد غيبتك ويصون عرضك.. يتحملك هفواتك ويسدي لك النصح الصادق من غير تفضيح ولا تجريح.. آخر من يقسو عليك أو يتعمد جرح مشاعرك.. يثق فيك إلى أقصى غاية.

وخير المحبة وأدومها ما كانت في ذات الله سبحانه وتعالى، لأنها تتجرد عن حظوظ النفس ومكاسب الدنيا، وتتعفف عن الأهداف والغايات النفعية والمصالح الشخصية، فلا ينتظر منك محبوبك مقابل سوى رضوان الرحمن، ولذلك أوصانا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلا: «إذا أحب أحدكم أخاه في الله فليعلمه، فإنه أبقى في الألفة، وأثبت في المودة» [صحيح الجامع:280]

والمعنى "إذا أحب أحدكم أخاه" لدينه وتقواه وحسن شمائله ولصفاته الجميلة"، لأن شأن ذوي الهمم العلية والأخلاق السنية إنما هو المحبة لأجل الصفات المرضية، لأنهم لأجل ما وجدوا في ذاتهم من الكمال أحبوا من يشاركهم في الخلال، فهم بالحقيقة ما أحبوا غير ذواتهم وصفاتهم، وقد يدعي شموله للمحبة الذاتية أيضاً إذا عرت عن المقاصد الفاسدة {وَاللّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ}[البقرة:220]، (فليعلمه) لأنه إذا أخبره به فقد استمال قلبه، واجتلب وده، فالإعلام بالمحبة أبقى للألفة وأثبت للمودة، وبه يتزايد الحب ويتضاعف، وتجتمع الكلمة، وينتظم الشمل بين المسلمين، وتزول المفاسد والضغائن، وهذا من محاسن الشريعة.
كما أنه إذا علم أنه يحبه قبل نصحه، ولم يرد عليه قوله في عيب فيه أخبره به ليتركه فتحصل البركة. قال البغدادي: «إنما حث على الإعلام بالمحبة إذا كانت لله لا لطمع في الدنيا ولا هوى، بل يستجلب مودته، فإن إظهار المحبة لأجل الدنيا والعطاء تملق وهو نقص، والله أعلم». وجاء في حديث أن المقول له يقول له: «أحبك الذي أحببتني من أجله» [فيض القدير للمناوي:254، بتصرف]

ابحث عمن يحبك
ابحث عن من يحبك، لا من تحبه أنت.. اجتمع عند أبي الحسن الأنطاكي أكثر من ثلاثين رجلا، ومعهم أرغفة قليلة لا تكفيهم، فقطعوا الأرغفة قطعًا صغيرة وأطفئوا المصباح، وجلسوا للأكل، فلما رفعت السفرة، فإذا الأرغفة كما هي لم ينقص منها شيء؛ لأن كل واحد منهم آثر أخاه بالطعام وفضله على نفسه، فلم يأكلوا جميعًا.

وعن علقمة العطاردي أنه قال في وصيته لابن له لما حضرته الوفاة: «يا بني إن عرضت لك إلى صحبة الرجال حاجة فأصحب من إذا خدمته صانك، وإن صحبته زانك، وإن قعدت بك مؤونة مانك. اصحب من إذا مددت يدك بخير مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى منك سيئة سدها. اصحب من إذا سألته أعطاك، وإن سكتّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك. اصحب من إذا قلت صدّق قولك، وإن حاولتما أمراً أمّرك، وإن تنازعتما في شيء آثرك. اصحب من يكتم سرك، ويستر عيبك، ويكون معك في النوائب، ويؤثرك في الرغائب، وينشر حسناتك، ويطوي سيئاتك. فإن لم تجده يا بني، فلا تصحب إلا نفسك».
قال القاضي ابن أكثم: لما سمع المأمون هذا الكلام قال لناقله: «يا رجل أعطني هذا الصاحب، وخذ مني الخلافة!! ولكن أين هو؟!».

وما أروعها لو كانت المحبة متبادلة .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله تعالى في الحديث القدسي: حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصلين في، وحقت محبتي للمتناصحين في، وحقت محبتي للمتزاورين في، وحقت محبتي للمتباذلين في; المتحابون في على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء» [صحيح الجامع:4321]
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن الله تعالى يقول يوم القيامة: أين المتحابون بجلالي، اليوم أظلهم في ظلي، يوم لا ظل إلا ظلي» [مسلم:6713]

(المتحابون بجلالي) أي لعظمتي فالباء بمعنى اللام أو في، وخص الجلال بالذكر لدلالته على الهيبة والسطوة، أي المنزهون عن شوائب الهوى والنفس والشيطان في المحبة، فلا يتحابون إلا لأجلي ولوجهي لا لشيء من أمور الدنيا (اليوم أظلهم في ظلي) أي ظل عرشي كما جاء مصرحاً به في خبر آخر. [فيض القدير 368].

الأنصار والإيثار
قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الحشر:9]
وصف شامل للأنصار {تَبَوَّأُوا الدَّارَ} أي المدينة {وَالْأِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ} أي بيعة العقبة الأولى والثانية من قبل مجيء المهاجرين، بل ومن قبل إيمان بعض المهاجرين. وقيل المعنى تبوءوا دار الهجرة ودار الإيمان، سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} ويستقبلونه بصدور رحبة {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} حزازة وغيطاً وحسداً {مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} يُقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من أسباب المعاش {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} والخصاصة التي تختل بها الحال، وأصلها من الاختصاص وهو الانفراد في الأمر، فالخصاصة الانفراد بالحاجة، أي ولو كان بهم فاقة وحاجة، وقيل الخصاصة: الفاقة، مأخوذة من خصاص البيت، وهو ما يبقى بين عيدانه من الفرج والفتوح، فكأن حال الفقير هي كذلك، يتخللها النقص والاحتياج.[تفسير أضواء البيان:8/43،وغيره]

قال الشنقيطي رحمه الله: ظاهر النصوص تدل بمفهومها أن غيرهم لم يشاركهم في هذه الصفات، ولكن في الآية الأولى ما يدل لمشاركة المهاجرين الأنصار في هذا الوصف الكريم وهو الإيثار على النفس، لأن حقيقة الإيثار على النفس هو بذل المال للغير عند حاجته مقدما غيره على نفسه، وهذا المعنى بالذات سبق أن كان من المهاجرين أنفسهم المنصوص عليه في قوله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ}[الحشر:8]، فكانت لهم ديار وكانت عندهم أموال وأخرجوا منها كلها، فلئن كان الأنصار واسوا إخوانهم المهاجرين ببعض أموالهم وقاسموهم ممتلكاتهم، فإن المهاجرين لم ينزلوا عن بعض أموالهم فحسب بل تركوها كلها، أموالهم وديارهم وأولادهم وأهلهم، فصاروا فقراء بعد إخراجهم من ديارهم وأموالهم، ومن يخرج من كل ماله ودياره ويترك أهله وأولاده لا يكون أقل تضحية ممن آثر غيره ببعض ماله وهو مستقر في أهله ودياره، فكأن الله عوضهم بهذا الفيء عما فات عنهم.[أضواء البيان:8/43]

إن المسلمين اليوم بأشد الحاجة إلى مثل هذه المؤاخاة والتي لن ترقى إلى مستوى المؤاخاة في المدينة، فليكن فيها التعاون والإيواء والنصرة ومواساة المسلم.

إن الفرد المسلم حين يشعر أن له إخوة يحبهم ويحبونه، وينصرهم وينصرونه، خاصة إذا تفاقمت الأزمات، وضاقت عليه الأرض بما رحبت، فإن هذا مما يرفع من روحه المعنوية، بل ويرفع قدراته الذاتية، ويجعله أقوى مضاء وعزيمة، وإن فقدان مثل هذه المؤاخاة مما يضعف الصف الإسلامي، ويجعل الفرد المسلم يشعر أحيانا أنه وحيد أمام أعداء يكنون له كل حقد، ويحيطون بع من كل جانب، فكيف يستطيع حمل كل هذه الضغوط النفسية والمادية؟ وإذا كان التوارث قد نسخ فإن التعاهد والمواساة الأخوية من حقوق المسلم على أخيه، وقد مدح رسول الله صلى الله عليه وسلم الأشعريين قوم أبي موسى الأشعري لأنهم كانوا «إذا أرملوا تقاسموا الزاد بينهم».

ولا أظن أن المسلمين يستطيعون «الإقلاع» لاستئناف حياة إسلامية – قوية عزيزة- إذا لم يتخلقوا بهذه الأخلاق العملية، ويرتقوا إلى هذا المستوى الإيماني، وإلى هذه التضحيات، وأما هذه المظاهر من الأخوة (باللسان) فلا تجدي فتيلا.[فقه السيرة، محمد العبدة]

Post: #29
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 08:07 PM
Parent: #28

يمضي المراهقون وقتا أطول في المدرسة أكثر من أي مكان آخر. المدرسة هي أيضا مركز حياة المراهق الاجتماعية حيث إن تجاربهم فيها تحدد نمط حياتهم اليومية.

ومع تقدم الطفل في المدرسة, فإن الانتقال من الصفوف الابتدائية إلى المتوسطة، ومن ثم المدرسة الثانوية قد يكون صعبا. ففي المدرسة الابتدائية، يتعامل معظم الطلاب مع معلم واحد يعرفونه شخصيا, أما في الصفوف العليا، فهناك مدرس متخصص بكل مادة.

قد تصبح الأدوار المفروضة مصدر حيرة بالنسبة للمراهق خلال سنين المراهقة. ففي بعض المدارس يعتبر الطالب في الصف السادس " طفلا كبيرا"، و في الصف السابع يعتبر "طفلا صغيرا" و يعتبر في الصف التاسع "مراهقا".

قد يعاني العديد من الطلاب من اضطرابات مؤقتة خلال فترة الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة، حيث تحدث اضطرابات في تقدير المراهق لذاته و قد تنخفض درجاته قليلا.

كما قد يلاحظ أن اهتمامهم و مشاركتهم في الأنشطة المدرسية بدأ في الانخفاض. و قد يشعر المراهق بالغربة و الضعف و الضياع.

و يصبح إجراء التعديلات أمرا صعبا إذا كان المراهق يمر بتغيرات كبيرة أخرى، مثل: البلوغ، أو الانتقال من مكان لآخر أو الانفصال عن شخص عزيز، أو الطلاق.

و خلال سنين المراهقة, تحدث العديد من التغيرات في حياة المراهق على المستوى الاجتماعي، حيث يبدأ بالتغير من الميل إلى الالتزام بالقواعد المفروضة إلى الفردية, ففي سنين المراهقة الأولى يميل المراهق إلى الانسجام مع عائلته، و لكن في منتصف سن المراهقة يبدأ المراهق بالتعرف إلى العديد من الأشخاص و المجموعات، و ينكر انتمائه إلى مجموعة محددة ( العائلة).

خلال منتصف سن المراهقة, يقل تقليد المراهق لمحيطه الأسري و يصبح الأصدقاء هم موضع السلطة بشأن ما ينبغي عمله و قوله و طريقة التفكير و اللبس.

و يبدأ المراهق باستبدال الاستقلال العائلي بالاستقلال الجماعي.

و في هذا السن: تبدأ رغبة المراهق في معاملته بكونه فردا مستقلا. فمثلا: تتغير العبارة من "الجميع يقوم بذلك" إلى "أنا أريد أن أذهب" أو "هذه هي حياتي الخاصة".

وفي سن المراهقة, ينظر المراهق إلى الإخوة والأخوات والأقران والآباء والأمهات على أنهم "القوى المعارضة". وفي منتصف المراهقة, يدرك المراهق أن هناك آراءً مختلفة، و أن رأي الشخص تحدده مصالحه الخاصة.

و على الرغم من أن تأثير الأقران قد يقل خلال أيام المرحلة الثانوية، إلا أنه يستمر في بعض الجوانب. لذلك يحتاج المراهق إلى الحصول على المعلومات والإرشادات من الخبراء و المختصين.
و بالنسبة للأنماط والأذواق: فإن الأقران يعتبرون الخبراء أما في الأمور الأخرى فالوالدين هم الخبراء.

لا يلجأ المراهق عادة إلى والديه لمساعدته في حل واجباته المدرسية، لاعتقاده أن الأمر سيستغرق وقتا طويلا لإعطاء والديه الخلفية التي يحتاجون إليها من أجل حل المسألة. و لذلك عادة ما يلجأ المراهق إلى زملاءه في مثل هذه الأمور.

أما في المسائل الكبيرة مثل: الأخلاق و المدرسة و القرارات التي تختص بالحياة، فعادة ما يلجأ المراهق إلى والديه على الرغم من إدراكه معرفة زملاءه بهذه الأمور و عمق ثقافتهم.

هناك العديد من المحطات التي يمر بها المراهق خلال هذه المرحلة ليصبح شخصاً مستقلاً و عضواً صالحاً في المجتمع.

ينبغي على الوالدين تخصيص بعض الوقت للتحدث والاستماع إلى ابنهما المراهق و مساعدته على مواجهة التحديات اليومية.
منى العوبثاني ( لها أون لاين )

Post: #30
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 11:42 PM
Parent: #29

الجوال جهاز فرض نفسه على الدنيا بأسرها، لما له من براعة في التواصل مع الغير في أي مكان وزمان، مما يوفر الوقت والجهد.. ورغم أنه وسيلة عصرية إلا أنه لا يخرج استعماله عن منظومة الآداب الإسلامية التي تتسم بها شخصية المسلم، بل لا نبالغ إذا قلنا أن حُسن استخدام هذا الجهاز من حُسن سمت المسلم، لما فيه من الآداب الكثيرة التي هي مكون قيمي من مكونات الشخصية الإسلامية وآدابها.

• اتصالك بشخص على الجوال لا يقتضي بلزوم رده عليك، فقد يكون المستقبل قد ضبط جهازه على وضع صامت، أو ربما في مكان به ضوضاء شديدة قد لا تمكنه من سماع رنات هاتفه، أو في حالة نفسية أو انشغالية يصعب معها الحديث مع أحد.. أو غيرها من الأعذار التي ينبغي أن نتلمسها للناس، وفي الحكمة: «التمس لأخيك مائة عذر».

• الانفراد بالحديث مع شخص بالجوال معناه أنك قد اقتنصت جزءًا من وقته، وأقحمت نفسك في دائرة أحداثه، واستحوذت على فكره، ولكن أيضا لا ترى حاله بالعين المجردة، فربما يكون في اجتماع مهم، أو أمام آلة دوارة، أو في حالة نفسية سيئة لا تسمح بالحديث.. ولذلك ينبغي الاختصار قدر الإمكان، والتعبير عن المقصود بأوجز الكلمات، خاصة وأن الثرثرة معيبة في حق الفضلاء، فإن كان الموضوع الذي تتحدث فيه يحتاج إلى إطالة فينبغي أن تستعلم أولا من محدثك، هل هو في وقت يسمح له بالشرح والإسهاب؛ لأن الاسترسال في الكلام مع وجود ما ينغص لدى المستمع يشتت فكره ويفوت المقصود من الحديث معه.

• تجنب الاتصال في الأوقات التي لها خصوصية يتأبى معها الحديث، كأوقات الصلاة، وغالبا ما تستمر من الآذان وحتى نصف ساعة بعده، فكثيرا ما نسمع الألحان ومختلف الرنات في المساجد، وهذه ظاهرة لا تليق بحرمة المساجد، وكل هذا بسبب اتصال الثقلاء الذين لا يراعون حرمة الوقت والمكان.

• من الأوقات الحرجة -أيضا- فترات النوم التي غالبا ما يعتاد الناس الراحة فيها، كجوف الليل ووقت القيلولة، وهذا ما أشارت إليه الآية -ولو من بعيد-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاء ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُم بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}[النور:58].

• الجوال من أيسر الوسائل العصرية لتدعيم تواصلك بالآخرين، فمجرد الاتصال على زميل أو جار أو صديق مسافر لتطمئن على سلامة وصوله إلى مقصده إنما هو تعبير عن وضعك الآخرين في بؤرة اهتمامك، الأمر الذي يزيد من محبتك لديهم. ويندرج تحت هذا الأمر الاتصال بالزوجة وأنت في مكان عملك لتطمئن على أحوالها، وتسألها عن أي أغراض تحتاجها لتشتريها لها وأنت في طريق العودة، ويا حبذا لو تخللت المكالمة بعض الكلمات الرقيقة والدعوات الجميلة، فكل هذا من شأنه أن يزيل الجفوة بين الزوجين، ويذهب ملل الحياة الزوجية الذي يعاني منه الكثيرون، أما الأولاد -وخاصة في سن المراهقة- فيرضيهم غاية الرضا أن يكونوا في قائمة سلم أولوياتك، وما أجمل المكالمة قبل دخولهم لجنة الامتحان بدقائق تشحذ فيها همتهم، وتذهب بها رهبة الموقف، وما أروعها -أيضا- من مكالمة فور خروجهم من الامتحان لتطمئن بها على مستوى الامتحان .. وغيرها الكثير من المكالمات في مواقف متعددة تسعد من حولنا، وتدعم تواصلنا معهم، فأجمل شيء نمنحه لمن حولنا، الاهتمام بأمورهم قبل أمورنا، وإيثار أحوالهم على أحوالنا، وقد مدح الله تعالى الأنصار العظماء إبان الهجرة بقوله عز وجل: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر:9]، وقال - صلى الله عليه وسلم-: «ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق» [صحيح الجامع:5721].

• لا ننسى أبدا فتوى كثير من العلماء المعتبرين بأن الاتصال بذوي القربى للاطمئنان على أحوالهم يعد من صلة الأرحام التي أوصانا الله بها، وما أجملها من فتوى تتماشى مع روح العصر والتيسير الذي أمرنا الله تعالى به، خاصة بعدما تعقدت الأحوال، وزادت الانشغالات، وبعدت الديار، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: «ليس شيء أطيع الله تعالى فيه أعجل ثوابا من صلة الرحم، وليس شيء أعجل عقابا من البغي وقطيعة الرحم» [صحيح الجامع:5391].

• كان أحد الفضلاء يستخدم طريقة رائعة لتأليف القلوب، حيث يخرج من جيبه زجاجة عطر ويعطر محدثه، فاقتبسها أحدهم وشحن جواله بالعديد من الفلاشات الدعوية والأنشودات الجميلة ومقاطع تلاوة القرآن العذبة، وكان يحرص على إهدائها للغير عن طريق الجوال بخاصية البلوتوث.

• من أجمل السلوكيات الدعوية المنتشرة بين الإخوة المسلمين، الحرص على إيقاظ بعضهم البعض في صلاة الفجر برنات الجوال، ووالله ما أجملها من سنة، وما أحلاه من تعاون، فتجد الأخ وهو في طريقه للمسجد فجرا لا يبخل على مجموعة من إخوانه برنات جواله، في تعاون على الخير، اقتداء بكلام الحبيب -صلى الله عليه وسلم-: «كل معروف صدقة، والدال على الخير كفاعله» [صحيح الجامع:4556]، وقوله - صلى الله عليه وسلم-: «من سن سنة حسنة، عُمل بها بعده، كان له أجره، ومثل أجورهم، من غير أن ينقص من أجورهم شيء»[صحيح الجامع:6306].

• تعرف على جوالك.. فلا تبخل على نفسك في أوقات فراغك بالتعرف على إمكانات جوالك، والخدمات العديدة التي قد تنتفع بها من خلاله، فكثير من الناس لا يعنيه من الجوال إلا الاتصال واستقبال المكالمات، وبالتالي تنحصر معرفته بجهازه في حدود مفتاح الغلق والفتح، حتى أن البعض يعسر عليه إضافة رقم جديد إلا بشق الأنفس، وقد يستعين بصديق أو مار بالطريق لكي يسجل له الاسم، وهذا عين الغبن، وقمة الكسل، في حين أن التدرب على هذه الأمور لا يكلف شيئا، وشين بالمرء أن يستجدي العلم ويظهر بمظهر الأمي الجاهل وهو يقدر على المعرفة، وعلى الجانب الآخر هناك من يقرأ القرآن من الجوال الذي أغناه عن حمل المصحف، وأعلم أخا داعية قد اكتشف في جوالة خاصية قراءة ملفات (PDF) فما كان منه إلا أن أضاف للجوال كل خطبه للجمعة ومحاضراته الدعوية، وصار يلقيها قراءة من الشاشة عوضا عن الذاكرة.. وغيرها من الأفكار والخدمات التي وفرتها التقنية الحديثة، وحان دورنا أن نستفيد منها غاية الاستفادة لتوفير الوقت والجهد.

• مضار الجوال أشهر من أن تذكر، ومعصية الله عز وجل قد تكون بالجوارح وقد تكون بآلة مساعدة، فقبيح بالمرء -مثلا- أن يسجل مكالمة للمتحدث معه وهو لا يعلم، فقد ينبسط المرء في الكلام ثقة بالمستمع، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنما المجالس بالأمانة» [صحيح الجامع:2330] أي أن المجالس الحسنة إنما هي المصحوبة بالأمانة، أي كتمان ما يقع فيها من التفاوض في الأسرار، فلا يحلّ لأحد من أهل المجلس أن يفشي على صاحبه ما يكره إفشاؤه. وهذا يشمل أيضا التصوير.

• أعيذك بالله أن يكون جوالك سبيلا إلى دخول النار، حين تستعمله في إرسال مالا يحل النظر إليه من صور أو أفلام أو مقاطع، أو ما يحرم الاستماع له من أغنيات أو موسيقى أو غيرها، أو حتى ما تحرم قراءته من كلمات أو موضوعات أو نكات أو غيبة أو نميمة، فتكون أنت أول من أرسلها وينشرها الآخرون من بعدك، فتتضاعف سيئاتك، وتبوء أنت بإثمها، فقد جاء في الحديث: "ومن دعا إلى ضلالةٍ، كان عليه من الإثمِ مثلُ آثامِ من تبِعه، لا يُنقِصُ ذلك من آثامِهم شيئا"(رواه مسلم).
د/ خالد سعد النجار

Post: #31
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 11:46 PM
Parent: #30

ابني تغير إنه لم يعد ذلك الطفل المطيع ؛ لقد بدأ يعاندني بل يخالفني في كثير من القضايا ؛ لم يتقبل كل ما أقوله له عن كثير من قضايا الحياة بكل سهولة كما عهدته من قبل : فقد يجادل ويناقش وقد يرفض التسليم بما أقول . حتى الأنشطة الاجتماعية التي تقوم بها الأسرة كزيارة بعض الأقارب أو حضور مناسبة اجتماعية يرفض الذهاب مع الأسرة إلي كثير منها ويصر علي البقاء في البيت أو مع زملائه. إنه يصر علي السهر: ويمضي مع زملائه وقتاً ربما أطول مما يقضيه مع والديه وإخوانه.

هذه عبارات يرددها كثير من الآباء والأمهات متحدثين عن أبنائهم عندما يصلون إلي المرحلة المتوسطة أو بعد التحاقهم بها بسنة أو سنتين. هذه الشكاوى قد تقولها الأمهات عن بناتهن أيضاً مع بعض الخلافات البسيطة ، فقد تكون الشكوى حول الإصرار علي ملابس معينة أو البقاء علي الهاتف لفترات طويلة . وغيرها من الشكاوى وقد يتحدث الوالدان عن سرعة غضب أبنائهما أو سرعة بكائهما وغير ذلك من الملاحظات التي تؤكد التغير الذي يتحدثون عنه.

ومع أن هذا الوصف قد يكون فيه بعض المبالغة من بعض الآباء والأمهات ، وقد لا تجتمع هذه الأوصاف في ابن أو بنت واحدة إلا أنه يحمل كثيراً من الصحة فالأبناء والبنات لم يعودوا أطفالاً : وهم يمرون بمرحلة انتقالية بين مرحلة الطفولة ومرحلة الراشدين ، إنها مرحلة المراهقة .

هذه المرحلة الانتقالية وما يصاحبها من تغيرات جسمية ونفسية قد لا يجد بعض الآباء سهولة في تقبلها أو التعامل المناسب معها ؛ وهذا راجع لعدد من الأمور منها :
أولاً: الجهل بطبيعة هذه المرحلة وما لها من خصائص تميزها عن غيرها من المراحل . ومع أن جميع الآباء . والأمهات قد مروا بمثل هذه المرحلة فإن كثيراً منهم قد نسي ما كان يحس به وكيف كان ينظر للكبار والحياة بشكل عام عندما كان في تلك المرحلة.

وثانياً: أن الوالدين ينظران دوماً لأبنائهما علي أنهم لا زالوا صغاراً وليس من السهولة تقبل أنهم أصبحوا كباراً يستقلون برأيهم وتصرفاتهم لأن في هذا الاعتراف شعور داخلي بأن ذلك يعني فقد السلطة علي الأبناء ، وإشعار بكبر الآباء . مع أن هذه المشاعر قد يخالطها شعور بالافتخار لتحول الأبناء إلي رجال يقفون مع والديهم في شؤون الحياة والبنات إلي نساء يقفن في والدتهن. إن الوالدين يريدان مزايا تلك التحولات لكن لا يريدان التنازل عن بعض الأمور التي تتطلبها هذه المرحلة.

ولا يعني هنا الكلام أن ما ذكر في مطلع الكلام هنا من صفات يتحدث عنها الآباء أو الأمهات عن أبنائهم وبناتهم أنها صفات حتمية في المراهقة لابد أن يتصف بها المراهق. كلا فإن كثيراً من تلك الصفات تبرر في المراهقة نتيجة طريقة المعاملة التي يتلقاها المراهق ليس من والديه فحسب بل من المحيطين به بشكل عام.
إن الأصل في المراهقة أن تكون طبيعية تمر مروراً سلساً لو تعامل المجتمع معها بما يناسبها.

وإن من الأمور التي جدت في حياتنا المعاصرة طول فترة الإعداد للحياة العملية ، فالفتي أو الفتاة يمضي الواحد منهما أكثر من عشرين عاماً من حياته قبل أن يبدأ في العمل ويتعرف به كعضو كامل العضوية في المجتمع – هذا التأخير ترتب عليه تأخير في إشباع كثير من حاجات المراهق النفسية والفطرية ، وألجأه إلي تصرفات قد تكون غير مقبولة ليثبت لنفسه وللآخرين أنه رجل أو أنها امرأة ، وكلما زاد التضييق من قبل المجتمع علي الشباب في إعطائهم ما تتطلبه مرحلتهم زادت تلك التصرفات كثرة وحدة.

وإن المتأمل في وضع المجتمعات بشكل عام ومجتمعنا السعودي بشكل خاص ليجد أن التعامل مع المراهقين لم تكن مشكلة تقلق بال الآباء والأمهات بشكل كبير في الماضي كما هو الحاصل في وقتنا الحاضر. وهذا لا يعود لتغير المراهقة في ذاتها بقدر ما يعود لتغير نظرة المجتمع وتعاملهم مع المراهقين. لقد كان الفتي يعد رجلاً منذ أن يبلغ السادسة عشرة فهو يبدأ بالعمل ويتزوج بل قد يصبح أباً عند هذه السن، والفتاة قبل ذلك بسنتين أو ثلاث بل ربما أكثر.

ومما لاشك فيه أنه ليس في مقدور الآباء في الوقت الحاضر أن يجعلوا أبنائهم يعملون ويتزوجون في السن التي تزوج فيها أجدادهم لأن الأمر يتعلق بالمجتمع بأسرة ، ولكن يمكن للآباء أن يتعاملوا مع أبنائهم بما يوافق هذه المرحلة بما هو في حدود إمكاناتهم وهذا يتطلب في البداية أن يفهم الوالدان طبيعة هذه المرحلة من خلال الإطلاع والقراءة وسماع المحاضرات التي يتحدث فيها المتخصصون المشهود لهم بالعمل والاستقامة عن مرحلة المراهقة والشباب: وفي نفس الوقت يحاولون أن يسترجعوا بعض ذكرياتهم عندما كانوا في تلك المرحلة وماذا كانت مشاعرهم وتطلعاتهم وأن يحاولوا أن يضعوا أنفسهم موضع أبنائهم . كل ذلك دون إفراط أو تفريط ومحكوماً بضوابط الشرع.

أسأل الله الهداية والسداد للآباء والأبناء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
المكتب التعاوني للدعوة والإرشاد
د. عمر المفدى

Post: #32
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 11:47 PM
Parent: #31

الناس متشابهون إلى حد بعيد في أمور كثيرة، ولذلك فإن كل واحد منا سيظل في حاجة إلى لمسة خاصة تتصل باللطف والشفافية، أو تتصل بالإتقان والجودة، أو تتصل بالعطاء والإحسان، أو بالتعبير وأسلوب الكلام....

اللمسة الشخصية شيء يميز الإنسان عن مئات الناس العاديين الذين يختلط بهم، وليس المقصود بالتميز التميز المعبر عن التعالي، وإنما التميز المعبر عن الذوق الرفيع واللطف والكرم والأريحية وحسن الأداء.. وهذا يجعل المرء قدوة تتعلم منه الأجيال الجديدة، وتزدهر به الحياة الراكدة...

هنا سيقول بعض بناتي وأبنائي: ما المقصود باللمسة الشخصية ؟ وهل في إمكان كل واحد منا أن تكون له لمسته الخاصة ؟!
الجواب: نعم.. وبكل تأكيد، وهذه بعض الأمثلة الموضحة:
- تعود أصحاب المحلات التجارية أن يغري كل واحد منهم المتسوقين بالشراء من محله، ويشتد الإغراء في أيام الكساد والركود. بعض أصحاب اللمسة الشخصية كانوا يقولون لمن جاء في الصباح ليشتري منهم: "أنا اليوم استفتحت -أي بعت شيئاً- لكن جاري لم يستفتح بعد اذهب إليه واشتر منه!".

- كل الناس يقولون على مسجلات هواتفهم عبارات قريبة من: (أرجو أن تذكر اسمك ـ ورقم هاتفك ـ وحاجتك).. هناك شخص صاحب لمسة شخصية وراقية جداً سجل على جهازه عوضا عن (حاجتك لي): (وحاجتي إليك) إكراماً للمتصل! لله دره!.

- في عالمنا العربي لا يلتزم معظم الناس بالوعود التي يقطعونها، فتجد الواحد منا يقول: أكون عندك الساعة الثامنة، وربما لا يأتي إلا بعد الساعة التاسعة، وقد لا يحضر أبداً!!
لكن هناك أشخاص قليلون يلتزمون بالمواعيد على نحو دقيق جداً إلى درجة أن في إمكان المرء أن يضبط ساعته على مواعيدهم، وصار من لا يملك ساعة يقول: (الساعة الآن هي السابعة: لأن فلاناً يخرج من بيته الساعة السابعة!).

ما الذي يعنيه هذا الكلام
ما الذي يعنيه هذا الكلام بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟ إنه يعني الآتي :
1ـ اللمسة الشخصية تعني تميز صاحبها، وأمتنا في حاجة ماسة للمتميزين؛ فحاول أن تكون واحداً منهم.

2ـ اللمسات الشخصية أكثر من أن تحصى، وحين يتوفر الصدق والاهتمام، فإن كل واحد منا قادر - بإذن الله تعالى - على أن تكون له لمسته الخاصة.

3ـ ترتقي الأمة من خلال وجود عدد كبير من أصحاب اللمسات الشخصية، فكونوا عامل ارتقاء بأمتكم.

4ـ بناتي ربما يكن أقدر على إبداع اللمسات الشخصية، ونحن نأمل أن يكن عند حسن الظن.
د. عبدالكريم بكار

Post: #33
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 11:48 PM
Parent: #32

يتساءل بعض الناس لماذا يستطيعون النجاح في بعض أهدافهم دون البعض الأخر؟
إذا كنت تفكر في مثل هذا السؤال فسوف نحاول الإجابة عليه في الخطوات التالية، ولا تقلق من التفكير في مثل هذا فأنت لست أقل شأنًا من الأشخاص الناجحين؛ فهم يفكرون في مثل هذا السؤال أيضا.. فالسؤال عن تجارب الماضي والتفكير فيها بشكل عقلاني وعلمي للاستفادة من الأخطاء ليس عيبًا أو تفكير الفاشلين كما يمكن أن يظن البعض.

إليكم بعض الخطوات المهمة التي يمكن تتبعها والاعتماد عليها في تحقيق أهدافك في المستقبل:
1. كن مُحَدَّدًا:
عندما تختار لنفسك هدفًا اجعله قدر الإمكان محددا وواضحا في مجال معين.. "مثلا سأفقد بعض الوزن"؛ لأن تحديد الهدف يعطيك فكرة واضحة عن النجاح وما تريد تحقيقه، كما أنه يجعلك متحمسا لعمل ما يتطلبه تحقيق هدفك ووضع خطوات واضحة للوصول إليه.

2. اختيار اللحظة المناسبة لتحقيق هدفك:
كل منا يومه مشغول بحياته وعمله، وكل الأهداف التي يريد تحقيقها في الحياة والنظام الذي وضعناه لتحقيقها، ولكننا ببساطة نفشل في متابعة هذا النظام وتسلسل الخطوات فمن ضمن خطوات تحقيق الهدف هو استغلال الفرص التي يمكن أن تظهر أمامنا قبل أن تطير من بين أصابعنا.
ولكي تستطيع استغلال الفرص التي تمكنك من تحقيق هدفك يجب أن تعلم متى وأين يجب عليك اتخاذ خطوة معينة لذلك، بحيث تضع أوقاتا معينة ومحددة للعمل على هدفك؛ حيث أن الدراسات أثبتت أن ذلك يساعد على زيادة توقعات العقل للفرص المتاحة.

3. معرفة المسافة التي تفصلك عن نهاية الهدف:
لتحقيق أي هدف يجب أن تراقب خطواتك بأمانة لكي تعرف مدى تقدمك، وإن لم تستطيع أن تراقب خطواتك فإنك لن تستطيع تحقيق الخطة التي وضعتها لتحقيق ما تنشد إليه.

4. كن متفائلا بواقعية:
عندما تهدف إلى شيء ما فلابد لك من أنْ تفكر بإيجابية قدر الإمكان حول ما يمكنك فعله لتحقيق هدفك، كما أن الثقة في النفس تساعد كثيرًا على ذلك، ولكن مهما كان لا تقلل من صعوبة الخطوات التي تتخذها؛ فكل الأهداف تحتاج إلى التخطيط وبذل الجهد والمقاومة واستغلال الوقت بشكل جيد.

5. فكر في الحصول على الأحسن لا الحسن:
الرضى بما قسمه الله لك شيء جميل ومحفز للتقدم، ولكن الرضا بما قسمه الله يختلف تمامًا عن الاستسلام للواقع، فيجب عليك أن تثق في قدراتك لتحقيق الأفضل، ويجب عليك أن تجعل من نفسك أفضل كل يوم، ولا تثق في ذكائك وشخصيتك بشكل مبالغ فيه فهذا يضر بك وبهدفك.

6. امتلاك الإرادة:
يجب أن تتمتع بالإرادة لتحقيق أهداف بعيدة المدى والمثابرة في وجه الصعاب، وقد أوضحت الدراسات أن الأشخاص المثابرين يتعلمون من حياتهم بشكل أفضل، ولكن ان كنت لا تملك المثابرة فإن قدرتك على تحقيق النجاح تقل كثيرًا عن الأشخاص العاديين.

ومن الأخبار السارة لمن لا يملكون هذه المهارة أن المثابرة يمكن اكتسابها عن طريق فعل بعض الأشياء التي يمكن أن تساعدك على ذلك عن طريق وضع خطط صغيرة وأهداف واضحة مهما كانت صغيرة في عيون من حولك، ولكنك بتحقيقها والتعود عليها سوف تعطيك نوعًا من المثابرة المكتسبة.

7. التحكم في قوة الإرادة:
تعتبر قوة الإرادة مثلها مثل عضلات الجسم إذا لم تحصل على التدريب الجيد بشكل منتظم فهي تصبح أضعف وأضعف مع الوقت ولكن إذا قمت باستخدامها في أوضاع مناسبة تصبح أقوى وتعطيك القدرة والمساعدة على تحقيق أهدافك. ولكي تقوم بتدريب قوة إرادتك قم بوضع خطة معينة والعمل عليها بشكل أمين مثل الإقلاع عن أكل الأطعمة الغير مفيدة إذا كنت من هواتها أو محاولة تعلم مهارة جديدة ـ ولا أنكر أن هذا التمرين سوف يكون صعبا في بادئ الأمر، ولكنه بالتعود سوف يصبح أسهل ـ وكلما أصبحت قوة إرادتك أكبر كبرت معها قوة التحديات التي تواجهها.

8. لا تعاند الحدود: صحيح أن قوة الإرادة يمكن أن تكون أقوى كل يوم ولكن لكل شيء في هذه الدنيا حدود معينة فلا تحاول وضع نفسك في ضغط لا يمكنك تحمله، ولا تحاول أن تقوم بتحدي أكثر من تحدي واحد في نفس الوقت، فالأشخاص الناجحون لا يحاولون جعل الطريق إلى هدفهم أكثر صعوبة مما هو عليه.

9. ركز على ما سوف تفعله وليس على ما لن تفعله:
هل تريد أن تنجح في خفض وزنك أو الإقلاع عن التدخين أو التغلب على عادة سيئة؟ يجب عليك أن تخطط لكي تجعل عادة أخرى تريدها تحل مكانها بدلا من التركيز على العادة السيئة نفسها؛ فقد أثبتت الدراسات أنه كلما أردت ألَّا تفكر في فكرة ما زاد نشاط المخ تجاهها.

تعليق
أتمنى ألا تكون هذه الخطوات مجرد كلمات في مقال، أتمنى أن ننفذها جميعًا على أنفسنا لكي تكون القراءة مثمرة.
ليس شرطًا أن يكون هدفك هو تغيير العالم أو هدفا كبيرا في نظر الناس، الأهم أن تكون مقتنعا أن هذا طريقك الذي تريد أن تسلكه
ـــــــــــــــــــــــــــ
سها سامي (المجتمع:2067)

Post: #34
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-25-2015, 11:50 PM
Parent: #33

مما لا شك فيه أن الإنترنت باتت من أهم إنجازات الثورة الرقمية المعاصرة، لما وفرته من سهولة الاتصال بين أقطاب المعمورة، مما أثر إيجابا على كافة النشاطات المعلوماتية والاقتصادية والاجتماعية، بل ويتوقع للإنترنت أن تصبح أسلوباً للتعامل اليومي، ونمطاً للتبادل المعرفي والتجاري خلال السنوات القليلة القادمة، إلا أن كل هذه الانجازات لا تخفي الوجه الكالح الآخر للإنترنت فيما يعرف بالجريمة الالكترونية والجنس الالكتروني.

فمع الانفتاح السريع الذي دشنته الثورة التكنولوجية في مجال الاتصال، استطاع الإنترنت أن يطرح نفسه وبقوة، بديلا موضوعيا وغنيا عن المجلات والأشرطة، وصار بإمكانه توفير مساحات أوسع للباحثين عن معرفة شبقية متعذرة.. لقد صار بالإمكان الآن الحديث عن «عولمة الجنس» فالمواقع الإباحية على الشبكة تتناسل كالفطر مشكّلة أكبر سوق للجنس عرفه التاريخ الإنساني، كما أن أرباحها تتضاعف ملايين المرات، مما يوضح حجم الزبائن الضخم عبر العالم.

ويرصد أحد المحللين تلك الظاهرة حيث يقول: لقد شكلت «مقاهي الإنترنت» منذ ظهورها وانتشارها، فضاءات لاستقطاب العديد من المراهقين والمتراهقين، الباحثين عن زمن افتراضي متحرر من كل أشكال الضبط والرقابة الاجتماعية، خاصة بعد تناسل أخبار عن بعض زبائن «الشات» الذين تمكنوا من العبور إلى جنة الشقراوات الأوروبيات عبر علاقات افتراضية تحولت إلى زواج فعلي، مما وفر «لغرف الدردشة» زبائن مدمنين على «الشات» يقضون الساعات الطوال وراء شاشة الحاسوب بحثا عن صدفة قد تقلب شروط العيش. ولأن زمن المعجزات قد ولى، فكذلك زمن الصدف، ليتحول البحث إلى إدمان على لعبة غير محددة الأبعاد، لعبة أشبه بكرنفال التنكر، الكل فيها مقنّع، والكل فيها مطارد، ولا تنتهي إلا كي تبدأ مع كل جلوس أمام الشاشة الصماء.

توضيح وتعريف
الزنا الإلكتروني.. الزنا العقلي.. الجنس الافتراضي.. الفاحشة الإلكترونية.. الجنس الشفوي.. الدعارة الإلكترونية.. السيبرسكس شات... تتناسل التعريفات وتختلف لتلتقي عند وصف ممارسة جنسية شاذة، خارج المحددات والضوابط الاجتماعية والدينية والطبيعية، أي ممارسة جنسية مع شريك مجهول، متغير أو ثابت عبر الدردشة الإلكترونية، عن طريق تبادل الجمل المثيرة، والكلمات الساخنة المفعمة بالإثارة الجنسية، إضافة إلى تبادل الصور الماجنة، وتختلف العملية حسب تطور التقنية المستخدمة في التواصل، ابتداء من الكتابة، إلى ما تقدمه الكاميرا المتصلة بالحاسوب و«المايك» من إمكانية رؤية وسماع الآخر، وربما «التعري» قصد تقريب العملية الجنسية إلى الواقعية دون الوصول إلى الملامسة الجسدية.

كما برزت ظاهرة «بيع الجنس» عبر الشات أو ما يتعارف عليه بـ «الكام» وكذلك عبر خدمات الهاتف الجوال وغيره، مقابل شحن بطاقة جوال بدلاً من النقود، حيث تقوم بعض بائعات الهوى باستغلال غرف الدردشة والشات بنشر أرقامهن والبريد الالكتروني لمن يرغب بالحديث عن الجنس أو مشاهدة الاستعراض الجنسي لأجسادهن.

وهم الأمان
الجنس الالكتروني من الأمور التي انتشرت مع انتشار الإنترنت، وخاصة في أوساط الشباب غير القادرين على الزواج، كما أنه تعدى إلى المتزوجين الذين قد لا يجدون المتعة مع زوجاتهم أو حتى مع أزواجهن، بل يسعى البعض إليه من باب الترفيه عن النفس وإشباع الغريزة الجنسية، ظنا أن فيه استمتاعا بلا مشاكل حقيقة كالزنا، أو الارتباط الحقيقي بين شاب وفتاة، أو ما قد ينجم عن العلاقة المباشرة من حالات إجهاض أو فقد عذرية الفتاة، أو انتقال بعض الأمراض كالإيدز أو السيلان أو غيرهما من الأخطار الصحية والاجتماعية التي تنجم عن العلاقة الجنسية المباشرة بين الجنسين.

وقفات مع المتورطين
• دخول الإنترنت في حياتنا كشف لنا حقيقة أنفسنا أمام أنفسنا، فحين غاب الرقيب ظهرت بواطننا وما يدور بداخلنا؛ فظهر بوضوح فينا كمّ الكذب والخداع والخيانة والجنس وقصص الحب المزيفة... إلخ، ورغم كل تلك البشاعة إلا أنني أراها فرصة وليست أزمة؛ لنتمكن من إصلاح أنفسنا بصدق، وعن بيّنة ومعرفة تامة بدواخلنا بدون أي رتوش أو مغالطات.

• الجنس احتياج فطري وطبيعي خلقه الله سبحانه بداخلنا لنتقارب ونتزاوج، ولكي يحدث ذلك لابد أن يتم بضوابط ويتم برضا وبشرع الله سبحانه، والجنس ما أجمله حين يرتبط بمشاعر حقيقية وحب بين زوجين، وما أقبحه حين يتحكم فينا {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}[الجاثية:23].. يأمر فيُطاع، ويصبح هدفا في حد ذاته، فنتحول لبهائم {وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ}[الأعراف:176].. بهائم نمارس الجنس مقطوعاً من المشاعر مع أي سائر في الطريق، حتى لو كان الطريق هو شارع الإنترنت غير المرئي.

• الجنس الإلكتروني بوابة الشر لإدمان العادة السرية وإدمان الأفلام الإباحية والوقوع في فخّ مشاهدة ما لا تتصوره فانتبه، فالمعصية ولود، والنفس لا تقنع، والهوى متجدد، وما يغريك اليوم لا يحركك الغد ومن ثم تطلب المزيد من الشهوة والشذوذ.

• الجنس الإلكتروني سيفقدك براءة الإحساس، وبراءة الشوق، ولذة العلاقة الجنسية الحقيقية بينك وبين زوجتك أو مع زوجك فيما بعد؛ لأن الجنس الإلكتروني يقوم على التخيلات والإثارة بطرق غير واقعية، تجعل من يقع فيها غير راضٍ بعد ذلك عن العلاقة الطبيعية الفطرية.

• ما تقوم به يفقدك الكثير من طاقتك وجهدك وتفكيرك، وأصعب ما تفقده معه هو فقدك لاحترامك لنفسك وضغط الشعور بالذنب، وهو ما سيُوقعك -شئت أم أبيت- في حالة نفسية سيئة، قد تدفع لها ثمناً أنت لست مستعدا له إطلاقاً، ففرصتك الآن في تقوية إرادتك ومقاومة هذا الغول الذي يريد التهامك، ولن يتمكن منك كلما قاومت وقطعت نفسك عنه بالكلية وشغلتها عنه وحسمت أمرك.

• دع شعارات الخوف على الطرف الآخر، والوعود بالالتزام والاحتشام معه أثناء التواصل، واقطع صلتك بهذا الأمر تماما.. أعلم جيدا أن ألم الفراق للحبيب يكون أكثر من ألم الكي، ولكن ما تمارسه مع هذه الصديقة المزعومة ليس حباً وليس له أي علاقة بنسيان قصة الفراق، ولا يحمل أي نوع من المشاعر، ولكنه بصراحة جنس خالص ليس فيه أي شيء سوى القذارة، والسرقة، وممارسة العادة السرية، والزنا مع امرأة غريبة.

• خذ زمام المبادرة.. انقل جهاز الكمبيوتر من غرفتك الخاصة إلى أي مكان مكشوف في البيت حتى لا تحدّثك نفسك بالقيام بهذا الأمر مرة أخرى، فيصعب عليها إرغامك، وقلل دخولك على الإنترنت قدر إمكانك خصوصاً في تلك الفترة.

• نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل.. اشغل وقتك في أمور مفيدة ومفضلة لديك، ولو بسيطة أو حتى تافهة من وجهة نظرك؛ فشغل الوقت والانشغال من الأمور التي ستحميك من نفسك الأمارة بالسوء.

• اقترب من الله سبحانه أكثر من هذا، واطلب التوبة والاستعانة به على نفسك، وابتغاء رضاه وتذوق حلاوة القرب والطاعة.

• احرص على تكوين صحبة مختارة من رواد المسجد الذي تصلي فيه، فالطبع لص، والمرء على دين خليله، ومخالطة الفضلاء والصالحين تدفع النفس للتشبه بهم.

• قيم ذاتك بدقة، وضع طريقة للثواب والعقاب معها، ففي كل مرة تنجح في المقاومة كافئ نفسك بأمر محبب لك أو كنت تتمنى الحصول عليه منذ فترة، فهذا من شأنه أن يدعم رغبتك في الاستمرار والشعور بالفخر والاحترام، وعلى العكس كلما وقعت في الأمر عاقب نفسك بحرمانها مما كنت ستقدمه لها، ولا تيأس وتقول: أنا فشلت.. أنا سيئ، ولكن قل: لا بأس سأكرر مرات النجاح من جديد، وسأكون أفضل. واعلم أن الله غفور مسامح، ويعلم صدق نيتك ورغبتك في الكف عما تقوم به.

• اقترب أكثر من أسرتك ووالدك وأهلك، فإن لم يكن لهم وجود بحياتك فتذكر أننا أنفسنا الذين نقرر من يقترب ومن يبتعد بتصرفاتنا وبما نمنحه لهم من مساحة قرب وبفهمنا لهم ولشخصياتهم، فابدأ أنت بفتح ذراعيك لأسرتك وستجد من بينهم حباً وحناناً لا تتصوره.
د / خالد سعد النجار

Post: #35
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:44 AM
Parent: #34

من رحم المحنة تكون المنحة، لكن الأمر يتطلب «صبر وبصر».. صبر على البحث والتفكير في الخروج من المشكلة، وبصر نافذ يلمح الحل وسط ظلمات الألم وأشواك المآسي، وهذا ما يميز الأفذاذ عن غيرهم، فاستيعاب الصدمة وتلمس الحل هو الفارق الحقيقي بين النجاح والفشل، فالمشاكل لن تنتهي وستستمر إذا وجدت منا فكرا مغلقا وبصرا لا ينظر إلا تحت الأقدام.

من الفروق الهامة بين الشخصية الناضجة والشخصية السطحية، أن الشخصية السطحية تتسم بقدر من «القصور الذاتي» بمعنى أنها تظل في حركتها متأخرة عن متطلبات الواقع، فأثناء عملها ترتكب أخطاء وتواجه مشكلات، ولكن حركتها في معالجة تلك الأخطاء والمشكلات تظل بطيئة وتأتي متأخرة، بسبب ضحالة رصيدها من الشفافية والمرونة. هذا فضلا عن أنها تعجز عن إقامة حواجز بين التصلب الممدوح الذي يتمثل في الثبات والتمسك بالعقائد والمبادئ والمفاهيم الكبرى، وبين التصلب الذهني المذموم الذي يتمثل في نقص المرونة الذهنية، واعتناق بعض المفاهيم الخاطئة التي تجعل المرء فاقد للرشد الفكري.

السطحيون يتجنبون دوما مواجهة مشاكل الواقع على عكس الناضجون الذين يواجهون الواقع بتلهف مدركين أن أسرع الطرق لحل أي مشكلة هو التعامل معها بشكل حازم وفوري.. فالناضجون يتحدون مشاكلهم، بينما السطحيون يتهربون منها أو يتجاهلونها.

وعندما لا تسير الأمور وفق ما يتوقعه الشخص السطحي فإنه يضرب بقدميه الأرض سخطا وتذمرا، ويحبس أنفاسه ويبكي أو يتحسر على قدره، أما الشخص الناضج - في المقابل - فإنه يفكر بطريقة مختلفة، وباتجاه مختلف، ويستمر مواصلاً حياته الطبيعية بحلوها ومرها.

كما أنه عندما يُحبط أو يخيب أمل الشخص السطحي فإنه يبحث عن شخص ليلومه، بينما الشخص الناضج يبحث عن حل.. فالأشخاص السطحين يهاجمون الآخرين، بينما الناضجين يهاجمون المشاكل، ويستخدمون غضبهم كمصدر لطاقة التحرر من الأزمات، وحين يشعرون بخيبة الأمل أو الإحباط فإنهم يضاعفون جهدهم لإيجاد حلول لمشاكلهم.

إن النجاح ليس دائماً وليد الأفكار الثورية الضخمة، فكثيراً ما يكون مفتاحه فكرة بسيطة. والعقبة الرئيسية التي تعيق التطور الطبيعي للحياة هي «الأفكار المتحجرة» التي نفرضها على أنفسنا، فالبساطة صفة من صفات الحقيقة التي تتدفق من الداخل إلى الخارج، تحفزنا على التطور. وكل ما تحتاجه البساطة هو الصدق والمرونة والشفافية ليتفتّح الحس السليم وتتدفّق النوايا الحسنة وتتفجّر الثقة بامتلاك قوة العزم التي لا رجوع إلى الوراء بعد امتلاكها بتوفيق الله تعالى وتسديده.

التفكير السليم
يرى علماء النفس أنّ التفكير بالمشكلة يمرّ بأربع مراحل حتّى يتمكّن المرء بشكل عام من حلها:
1- مرحلة الاعتراف بالمشكلة، فبعض الناس أزمته أنه لا يريد أن يعترف أنّ هناك مشكلة أصلا، ولا يحاول أن يتفهّم طبيعتها، وبذلك يصعب عليه علاجها.

2 - مرحلة توليد الأفكار والفرضيات، فنضع احتمالات للحلّ على كثرتها وتنوعها.

3- مرحلة اختيار الفرضية المناسبة، فنرجّح إحدى الفرضيّات على أنّها هي الكفيلة بحل المشكلة ونعتمدها.

4- مرحلة التقويم من أول بدء العمل بها وحتى الوصول للإنجاز المطلوب، فالتقييم المستمر يضمن لنا التعديل الفوري إذا أخفقنا في أي مرحلة، وبذلك نوفر الوقت والجهد، ونخرج من الكبوة بأقل كلفة.

لكنّ هذه المراحل ـ كما يرى آخرون ـ ليست حتمية، أي ليس بالضرورة أن نستحضر الخطوات الأربع حتّى نصل إلى الحل، فقد يمكن التوصّل إلى الحلّ بإتباع بعضها، وبصفة عامّة فإنّنا نحتاج إلى تحديد المشكلة بالكشف عن أسبابها الرّئيسة والثانويّة، ودوافعها الكامنة، وأن نعالج الأسباب لا المظاهر، وقد نحتاج في ذلك إلى تعاون أصحاب التجربة ممّن نثق بهم ويُخلصون إلينا، أما الانكماش فإنه لا يحلّ المشكلة إنّما يضيف إليها مشكلة أخرى، ولذلك فنحن حينما ندعو إلى مواجهة مشاكلنا إنّما ننطلق من الترحيب بأيّة مشكلة تعصف بنا، لأنّها تستنفر أنبل وأفضل ما فينا من قوى روحيّة ونفسية وبدنية كامنة، وفي الحديث: [لمؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم](صحيح الجامع:651).

إن أصحاب الطبيعة النفسية المعقدة لا تأتي سلوكياتهم بما تحب حتى لذاتها، لأنها في كثير من الأحيان تتحرك بالاندفاع أو بردود الأفعال بدلاً من التخطيط المسبق والنوايا الحسنة، ولا شك أن لهذه المسألة دورا كبيرا في كافة المجالات الإنتاجية والتنموية، لأن صاحب الطبيعة الصعبة - بقدر صعوبة مزاجه وتعامله - يعكر صفو العلاقات ويعكر آلية التعامل ويُعقَّد طرق تنفيذ المشاريع صغيرة كانت أم كبيرة، فهو من تعقيد إلى تعقيد. فما أحرى بنا أن نتبسط لكي تنبسط لنا الحياة، قال – صلى الله عليه وسلم-: [ألا أخبركم بمن تحرم عليه النار غدا؟ على كل هين لين قريب سهل](صحيح الجامع:2609)
د. خالد سعد النجار

Post: #36
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:45 AM
Parent: #35

كانت فتاة في ريعان الشباب، سطرت حكايتها قائلة: أحب ديني وأغار عليه كثيرًا، وأحسن الله خُلقي وخلقتي فهو أحسن الخالقين، تربيت على الخوف من الله تعالى وعدم الإساءة إلى الناس، فقد كنا نعاقب عقابا شديدا من والديّ -جزاهما الله خير الجزاء- إن اعتدينا على أي إنسان، فتعلمنا بأن أجمل ما في الدنيا تقوى الله والحذر من الجور على حقوق الناس.. أعلم بأنه لو كان كلام بني آدم كله صدقاً وعمله كله حسناً يوشك أن يخسر عندما يعجب بنفسه، فوالله ليس عُجبا، ولكن سيتضح علة ما ذكرت في القادم من رسالتي.

أعمل في وظيفة طبية مرموقة، وتقدم لي الكثير، وكان من ضمنهم زوجي (طبيب، ومدير، عمره 50 سنة، خلوق متدين متزوج ولديه ثمانية أبناء).. خطبني ولم أوافق في بادئ الأمر لفارق السن الكبير بيننا ولأنه متزوج، كما أخبرت والدتي عنه وأخي فلم يوافقا مطلقا لأسباب أوجدها المجتمع وتشبع بها (علما بأن أبي في المستشفى مصاب بشلل كامل إثر حادث مروري) وأعمامي أيضا لن يوافقوا عليه أبدا أبدا.

قلت لامي ذات ليلة: إذا كان من نصيبي فسيعود مرة أخرى، وبعد ثلاثة أشهر خطبني مرة أخرى، ففكرت واستخرت واستشرت بعض الدعاة وبعض المستشارين النفسيين والاجتماعيين عبر البريد الالكتروني، وكانت خلاصة كلامهم بالموافقة خاصة أنهم استشعروا قناعاتي بالموافقة النابعة من عدم رد الزوج الصالح حتى ولو كان متزوجا أو فارق السن كبير.

كانت قناعاتي الشخصية أن التلاقي بين الأرواح وليس بين الأجساد، وأن الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف، ولا يضر فارق العمر لأن عطاء الرجل يمتد بعكس المرأة، وهذه المسألة لا علاقة لها بالأعمار لأنها هبة من الله تبارك وتعالى، وقد تزوج نبينا صلى الله عليه وسلم عائشة وعاشت معه أجمل حياة.

ومما زاد من قناعتي به أنه رجل فيه سمات أهل الدين والصلاح- ولا أزكي على الله أحدا -بالإضافة إلى حسن خلقه، ومقياس القبول دلنا عليه أفضل الخلق عليه الصلاة والسلام «الدين والخلق» فمن يرى بنور الله تعالى يؤيد قراري ويبارك لي فيه، أما من يعانون من الازدواجية الدينية فيأخذون من الدين ما يوافق هواهم ويرضي الناس عنهم بكل تأكيد لا شأن لي بهم.

كنت على قناعة أن الرجل الكبير يملك الخبرة في الحياة عامة والحياة الزوجية خاصة والتي تحتاج إلى العقل الراجح والحكمة، وأنا من البنات العقلانيات جدا، والزواج قرار مصيري، ونحن نرى الكثير من الشابات الصالحات الجميلات مطلقات ليس إلا بسبب زوج يستخدم أبغض الحلال لأتفه الأسباب ليكسرها ثم يرميها ويبحث عن أخرى أو لأن لديه زوجة ثانية.

وفي حواراته معي كان يرسم لي معالم طريق حياتنا المستقبلية القائمة على العدل والحكمة: (لك منزلك ولهم منزلهم) (سأساعدك على الدراسة).. وحدد إخبار أولاده وزوجته عن زواجنا بعد الزواج بأسبوع ليضعهم أمام الأمر الواقع.

بعد ذلك طلب مني أن أستقيل من وظيفتي، وأقطع علاقاتي بكل زميلات العمل، وأصر على ذلك.. ترددت لكن وافقت مؤخرا لأنه سيوفر لي حياة كريمة، واقترح أن أتناول دواء لمنع الحمل في بداية الزواج إلى أن تستقر حياتنا فوافقت.

بعد الزواج بشهر ذهبت إلى أهلي أسبوع لظروفه ثم أرسل لي رسالة: (أخبرت زوجتي، وهي في حالة سيئة جدا، فادعي لها بالثبات) وبعدها بأيام قليلة أرسل رسالة أخرى: (أخشى على عقل ودين زوجتي، وأنتي صبرتي كثيرًا، اسأل الله أن يكتب لك الخيرة المباركة)!!

انهرت وصدمت وذهلت وبكيت ولم استطيع النوم، فلم يتصل ولم يرسل لي أي كلمه ليعتذر مني أو ليطمئن علي!! بل أرسلت له عدة رسائل فلا مجيب.. ثم تقابلنا، وأنا التي طلبت أن أراه وليس هو، وكانت معي والدتي لوضعي الصحي، فقلبي كان ينبض بشدة، وأشعر بألم شديد في صدري!!

أتى زوجي بوجه آخر لا أعرفه .. عيناه كسيرة في الأرض، وصوته منخفض، يتكلم معي وكأنه لا يعرفني.
قال لي: زوجتي تركت لي المنزل، وحالتها سيئة، بالإضافة أن لدي ثلاثة أطفال معاقين عقليا، ولم أخبرك مسبقا، وأمهم تتعب معهم، وأنا بصيص أملها في هذه الحياة.

لم يطلب مني الصبر أو التنازل عن بعض حقوقي، بل كان يريد الانفصال، فكان آخر الاتفاق أنه سيقول لزوجته بأنه طلقني ويبقى زواجنا بالسر!! متفضلا ومتكرما علي.. في تلك اللحظة لم يكن نصب عيني إلا أن أحفظ نفسي من مقالة السوء!!
ثم خرج وتركني أنا ووالدتي بآلامنا وأحزاننا وحرقتنا في شقة الزوجية التي لم تكن لي سوى منفى أبكي واشكي وأخاف وأتألم فيها وحدي !!

بعدها بأيام سألته هل فعلا سنعيش بهذه الطريقة؟ هل سيأتي يوم وتتركني؟ قال لي: والله لا استطيع أن أوعدك بشيء، لكن إذا مللت أخبريني! ولو أردت مالا تعويضا لك أنا مستعد!.. كان يتكلم معي وهو ينظر إلى نفسه في المرآة بكل بساطة وعدم مبالاة!

مرت الليالي والأيام وهو يتكرم علي بأن يبقى عندي من العصر إلى أذان العشاء، أما الأجازات الرسمية والأعياد وأجازة نهاية الأسبوع فلا حق لي فيها!.. تأقلمت مع الأيام، وعودت نفسي أن أطفئ غيظ قلبي بالصبر والقناعة.

عشت معه زوجة بلا مميزات ولا حقوق، وعندما أذكره بحقوقي أو أتكلم عن مستقبلنا يتغير ويتهرب كأنني لست زوجة له.. عشت في دوامة كبيرة، ولم أعد أفرق بين قبوله لي أو رفضه!! كل ما أدركته في هذه الدوامة أنني كنت مجرد نزوة عابرة، وفريسة سهلة، خدعها بحجة إباحة التعدد التي شرعها الإسلام، وفهمها البعض خطأ، واستغلوها أسوأ استغلال، دون أدنى اعتبار لمشاعر الإنسانة التي انخدعت بهم.

تسابقت الأيام إلى أن وصلت إلى مرحلة حرجة في التفكير وتحليل الأمور، لدرجة أنني أصبحت أفرح كثيرا عندما يقوم بأبسط الواجبات التي يقوم بها الزوج لزوجته، وأعتبرها اهتمام وحب وبشائر تغيير للأفضل، فقد طلب مني أن أكتب له مستلزمات المنزل ليحضرها، وأحضر لي مدفأة صغيرة وساعة صغيرة.. اعتذر عن هذا الجنون لكن صدقوني وصلت إلى هذه المرحلة المؤلمة!

وعدني قبل الزواج بأن يساعدني أن أكمل دراستي، وبعد الزواج طلب مني أن أبحث عن سائق بمحرم ليوصلني.
قال لي قبل الزواج: (الطيبة تأسرني جدا.. لا استطيع النوم إذا أكرمني شخص بطيبته!)
قال لي قبل الزواج: (أنا الطلاق عندي كأنه محرم، ولا أفكر فيه أبدا)
لكن لم أر بعد الزواج إلا عكس ذلك!
الآن أشعر بأنه عدو يتربص بي لينتقم مني ويقهرني! أو كأنه يعاقبني لأنني تزوجته وصدقته ووثقت به! خاصة أن لديه حرصا شديدا على تناولي حبوب منع الحمل.

تلك كانت ورطتي مع صنف غريب من البشر اعتادوا التصنع والتسربل بسربال الدين والنظر إلى حقوقهم وامتيازاتهم دون الالتفات إلى واجباتهم والتزاماتهم.. صنف غريب من الناس لا تؤثر فيه الطيبة ولا تردعه العشرة بالمعروف، بل ليس عندهم أدنى رغبة في تعديل المسار وتدارك الخطأ.. تتعدد فرائسهم، وتكثر مظالمهم، وينجرفون مع نزواتهم انجرافا أعمى لا يلوي على شيء.. يتقنون لغة الفضائل ويفشلون في تطبيقها في واقعهم، بارعون في التنكر، ونصب شباك السجايا لتقع الضحايا من أجل متعتهم الشخصية فقط.
د. خالد سعد النجار

Post: #37
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:47 AM
Parent: #36

ربما تصيبنا الحيرة في بعض الأحيان, والخجل في أحيان أخرى, حينما تتم المقارنة بين حال المرأة في التاريخ الإسلامي, وبين ما وصلت إليه نظيرتها الغربية, من فاعلية وتأثير ومشاركة في حركة المجتمع.

وأقصى ما نستطيعه في هذا المجال, هو المقارنة بين عفة المرأة المسلمة, وكيف أن الإسلام حفظها وحافظ عليها, بينما فرطت الغربية في عفتها وذبح شرفها في مذابح علب الليل الماجنة.

وهو استدلال وجواب غير صحيح , وفي غير محله, ويشوبه العوار من أكثر من ناحية..

الناحية الأولى, أننا نقر بهذا الجواب انزواء المرأة المسلمة عن حركة التاريخ, وأنها تفرغت لتربية الأولاد والعناية بشئون الزوج والبيت, وفقط, وهذا غير صحيح بالمرة, فلم تكن المرأة كذلك, في عهد النبوة, ولا فيما تبعه من عهود الخلافة الراشدة , مع تعظيمنا لهذه الأدوار كلها.

الناحية الثانية, أننا نقلل من حجم المرأة ودورها في التاريخ الإسلامي, وننظر إليها فقط من منظور العفة وفقط, ولاشك أن العفة تاج رأس المرأة, ولا تضارب أو تعارض بين الحفاظ على العفة والطهر, وبين المشاركة والفاعلية في حركة الحياة والمجتمع, وهو ما كان عليه حال المرأة.

وقد آثرت أن اثبت خطأ هذا التصور, بكافة تفاصيله, بوقائع من التاريخ الإسلامي ذاته, منذ عهد النبوة والخلافة الراشدة, وما بعد ذلك, لنؤكد أن دور المرأة في التاريخ ليس من فصل واحد هو عهد النبوة , ثم انقضى إلى حال سبيله, فهو دور ممتد عبر التاريخ الإسلامي, ولم ينزو إلا في عهود التخلف والجمود العقلي والفقهي معا.

فقد ضربت المرأة المسلمة في عهود الإسلام الأولى أروع الأمثلة ، وبرزت في مجال التجارة والجهاد والعلم حتى رأينا الشاعرة والفقيهة, وكانت شريكة الرجل في صناعة المجتمع والدفع عن الإسلام وتبليغ الدعوة.

ولعلنا نتذكر ما قامت به السيدة خديجة – رضي الله عنها – مع الرسول صلى الله عليه وسلم حيث دثرته وأذهبت الروع عنه، وقالت قولتها المشهورة:”تالله لن يخذلك الله أبدًا، إنك لتحمل الكل وتكسب المعدوم وتعين على نوائب الدهر”. ومن مفاخر السيدة خديجة أيضاً أنها كانت مثالاً للمرأة العاملة في الميدان الاقتصادي كتاجرة بمالها، ولم تبخل بذلك المال في سبيل الدعوة إلى الإسلام.

وهذه أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين التي قامت في ريعان شبابها بدور الفدائية, إذ كانت تحمل الطعام والشراب كل مساء متسللة تحت جنح الظلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبيها رفيقه في الغار حتى لا تراها عيون المشركين المتربصين بهما، والهول يتهددها في كل لحظة.

وهذه أسماء بنت يزيد تجاهد وتغزو وتقتل تسعة من الرُّوم، فقد روى محمد بن مهاجر، وأخوه عمرو، عن أبيهما، عن أسماء بنت يزيد قالت: قتلت يوم اليرموك تسعة. وكذا أم سليم الرُّميصَاء تتجهز بخنجرها للأعداء يوم حُنَيْنٍ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ حُنَيْنٍ: «مَنْ قَتَلَ كَافِرًا فَلَهُ سَلَبُهُ» فَقَتَلَ أَبُو طَلْحَةَ يَوْمَئِذٍ عِشْرِينَ رَجُلاً وَأَخَذَ أَسْلابَهُمْ وَلَقِيَ أَبُو طَلْحَةَ أُمَّ سُلَيْمٍ وَمَعَهَا خِنْجَرٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا هَذَا مَعَكِ؟ قَالَتْ: أَرَدْتُ وَاللَّهِ إِنْ دَنَا مِنِّي بَعْضُهُمْ أَبْعَجُ بِهِ بَطْنَهُ، فَأَخْبَرَ بِذَلِكَ أَبُو طَلْحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.

وفي عهود ما بعد الخلافة الراشدة, نجد سودة بنت عمارة بن الأشتر الهمدانية تقوم بدور سياسي نيابة عن قومها, حينا دخلت على معاوية بن أبي سفيان شاكية، فقالت: يا أمير المؤمنين أنت للناس سيد ولأمورهم مقلد. والله سائلك عما افترض عليك من حقنا. ولا تزال تقدم علينا من ينهض بعزك ويبسط بسلطانك فيحصدنا حصاد السنبل ويدوسنا دياس البقر ويسومنا الخسيسة ويسألنا الجليلة. هذا ابن أرطاة قدم بلادي وقتل رجالي وأخذ مالي، ولو لطاعة لكان فينا عز ومنعة، فإما لو عزلته فشكرناك وإما لا فعرفناك. فقال معاوية: اكتبوا إليها بالإنصاف لها والعدل عليها. فقالت: إلى خاصة أم لقومي عامة؟ قال: وما أنت وغيرك؟ قالت: هي والله إذن الفحشاء واللؤم؛ إن كان عدلاً شاملاً، وإلا يسعني ما يسع قومي. قال اكتبوا لها بحاجتها.

وتقوم أسماء بنت أبي بكر بدور رائد في المعارضة السياسية, حينما دخل عليها الحجاج بن يوسف الثقفي بعد ما قتل ابنها عبد الله بن الزبير – وقد صلبه على جذع فوق الثنيّة- فقال: أرأيتِ كيف نصر الله الحق وأظهره فقالت: ربما أديل الباطل على الحق وأهله وإنك بين فرثها والجنة فقال: إن ابنك ألحد فى هذا البيت، وقد قال الله تعالى: “ومن يرد فيه بإلحاد بظلم ندقه من عذاب أليم” وقد أذاقه الله ذلك العذاب الأليم، قالت: كذبت كان أول مولود فى الإسلام بالمدينة، وسُرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم وحنَّكَه بيده وكبَّر المسلمون يومئذ حتى ارتجَّت المدينة فرحًا به، وقد فرحت أنت وأصحابك بمقتله، فمن كان فرح يومئذ بمولده خير منك ومن أصحابك، وكان مع ذلك برًّا بالوالدين صوَّامًا قوَّامًا بكتاب الله معظّمًا لحرم الله؛ يبغض من يعصي الله عز وجل، أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول: سيخرج من ثقيف كذّابان الآخر منهما شرٌّ من الأول، وهو مبير فانكسر الحجاج وانصرف.

وفي مجال العلم نجد عمرة بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية الفقيهة، تربية عائشة وتلميذتها، روى القاسم بن محمد أنه قال: أتيتها -لطلب العلم- فوجدتها بحرًا لا ينزف، وكثير من الفقيهات على مرّ التاريخ ذُكرن في كتب أهل العلم، وتراجمهن معلومة أمثال: فاطمة أمّ البنين النيسابوريّة، وفاطمة بنت القاسم، وخديجة بنت الحسن، وغيرهن الكثير.

وقد تواترت تراجم النساء في ذكر أسماء عديد من النساء اللواتي رحلن، وحصلن على إجازات علمية من كبار مشايخ العصر في مختلف المدن، من ذلك ما يرويه الحافظ الكبير ابن عساكر في ترجمته لفاطمة بنت سعد الخير بن محمد بن سهل الأنصاري الأندلسي من أنها ولدت في البحرين، ورحل بها أبوها إلى أصفهان، فسمعت بها من العالمة فاطمة بنت عبدالله الجوزادنية، ثم قدم بها بغداد، فسمعت من جماعة من كبار العلماء، ثم قدمت دمشق مع زوجها علي بن نجا الحنبلي، وسمع منها بعض طلبة الحديث. وأشار إلى أنها: “كانت تعظ النساء في المساجد”.

وقد تكرر ذكر العلماء الأعلام لعديد من النساء العالمات اللائي تلقوا على أيديهن، أو أنهن أجزنهم في علم من العلوم، فتكرر لديهم عبارات: أخبرتنا فلانة أو سمعنا من فلانة كثيرا من خلال ترجمة إحدى النساء العالمات، أو سرد حديث من الأحاديث الشريفة، كان من هؤلاء الخطيب البغدادي، والحافظ ابن عساكر، وابن حجر، وغيرهم من العلماء .

وبرز من النساء , كذلك, من أتقن علوما إنسانية كالرياضيات والفلك والطب والصيدلة، وغير ذلك من العلوم ، وكن مثالا في التعلم ونشر العلم بمختلف الوسائل المتاحة لهن, وقد نتج عن ذلك أن نبغ في ديار الإسلام عدد كبير من النساء العالمات في مختلف علوم العصر، وكان لهن أثر واضح في إثراء الحركة العلمية في تاريخنا الإسلامي على مر عصوره.

ومما عنيت به المرأة المسلمة من العلوم: علم الطب الذي لم يقتصر النبوغ فيه على الرجال، بل كان لعديد من نساء المسلمين أثر واضح فيه، فقد نبغ عدد منهن في صناعة الطب وممارسته عمليا.

ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصلت المرأة المسلمة في علم الطب وصناعته إلى مرتبة الرئاسة، وقد أشار إلى ذلك أحمد عيسى بك في كتابه: “تاريخ البيمارستانات في الإسلام” حينما قال:”فقد تخطى الاهتمام بالطب الرجال إلى النساء، فكان منهن طبيبات بارعات، بل كان منهن من تولت مشيخة الطب في حاضرة من أعظم حواضر الإسلام”، وهو يقصد بذلك: بنت الطبيب شهاب الدين أحمد بن الصائغ الذي توفي سنة (1036 هـ – 1626م) عن مشيخة دار الشفاء المنصوري بالقاهرة، ولم يخلف إلا بنتا تولت مكانه مشيخة الطب.

وكان للنساء أيضا مشاركة فعالة في تشجيع حركة التعليم في بعض عصور الإسلام عن طريق الإسهام بإنشاء المدارس ودور التعليم على اختلافها، ووقف الأوقاف القائمة بها، فثالث مدرسة أنشئت ببغداد في العصر العباسي كانت من إنشاء تركان بنت طراج الجلالية زوجة السلطان السلجوقي ملكشاه (ت487هـ – 1094م).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* موقع تواصل-أبو لجين إبراهيم*

Post: #38
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:48 AM

حوالي 500 امرأة في أمريكا يمثلن نوعا من “الأمن الخاص”، هن عارضات أزياء محترفات، يقمن بأدوار متعددة، عرض الأزياء إحداها، لكن هناك أدواراً خفية وأخرى ظاهرة أجبرت حوالي 15 مليون فتاة أمريكية للاصطفاف للانخراط في هذه المنظمة الغريبة.

نموذج الجمال - للمرأة - تم تطويره من قبل الرجل وبمقاييسه هو وآلياته هو.. بعيداً عن شعور المرأة ورؤيتها الخاصة لنفسها!...
نظرية أفلاطون للجمال الأنثوي مازالت مستحضرة وتمثل ركناً أصيلاً من النظرية الغريبة لها.

نظرية الجمال للمرأة في الغرب تعتمد على مقياس ” الشيء الجميل” بمعنى أن المرأة “شيء” فينبغي كي يستهلك أو يمتلك أو يؤخذ أن يكون "جميلاً " بصيغة ما.!
لذلك فان المرأة عارضة الأزياء ينظر إليها - هي - كجسد قبل أن ينظر إلى ما تلبسه.!

الغريب أن هذه النظرة - الجسدية - انتقلت للنساء فالجسد مقدم على الثوب!!
الجسد - بحسب النظام الإسلامي - للمرأة قسمان: عورة مغلظة وهي التي لا يصح أن يطلع عليها إلا الزوج، وعورة خاصة "من السرة إلى الركبة - على رأي الكثير من الفقهاء –" والباقي يجوز كشفه للنساء والمحارم من الرجال.. أما بالنسبة للرجال الأجانب فهو على رأيين فقهيين (الجسد كله عورة؛ أو الجسد عدا الوجه والكفين).

التشريع الإسلامي - بالنسبة لجسد المرأة - منصف وعادل ومنطقي ( كيف لا وهو تشريع رباني ). وقصر حدود الاطلاع على جزء من الجسد (الظاهر) على المحارم والنساء، مراعاة لخصوصية المرأة في ذلك والحاجة وعدم التكلف للمحارم.

في الإرث الإغريقي الروماني المرأة جسد جميل ينبغي التلذذ في النظر إليه والاستمتاع به، لذلك فالتماثيل التي تصور المرأة عارية كثيرة ومتنوعة وبقي منها عدد ليس بالقليل حتى وقتنا الحاضر.
سميت فنوناً جميلة، لكن لماذا غلبت هذه الوصفة للجمال على جسد المرأة (مع استثناء يسير لبعض المنحوتات للرجال!!).

من يسير في أزقة روما ويدخل متاحف فرنسا يظن أن المرأة كانت ملهمة للرجال لكن للأسف بصيغة سلبية.. تماثيل العري للمرأة تتضمن ثقافة عميقة لدى الغرب تجاه المرأة الجسد.

هذه الثقافة مازالت موجودة حتى الآن فالكثير من مدارس الفن المعاصرة في الجامعات والمعاهد تعتمد على رسم المرأة كجسد من خلال إحدى المتطوعات لذلك، بل حتى في التاريخ الكنسي لأوربا انتشرت رسوم عارية فاضحة للنساء وتزين بها الكنائس والقصور مظهرة حقيقة ناصعة أن المرأة - في هذه الثقافة - جسد فحسب جسد يتلذذ بالنظر إليه (عارياً في أغلب الأحيان!!).

الغريب أن ثقافة المرأة الجسد موجودة لدى شعوب أخرى كالهندوس.. بل أن بعض القبائل الهندية تعبد فرج المرأة!!!

وهذه الثقافة انعكست - وبشدة - في الإعلام المرئي.. فهي - المرأة الجسد - ملهمة للرجال، تتحرك وترقص وتكشف لإمتاع الرجال فقط!!
إعلام الدعارة في أمريكا يجاوز 10 بليون دولار فقط ومحوره - بالكامل - المرأة الجسد.. والغريب أنه رغم عدم وجود حدود للعلاقات بين الرجال والنساء - عندهم - إلا أن الإعلام الإباحي منتشر لديهم بصورة عجيبة غريبة...

المرأة الجسد لم يكن قاصراً على الصورة والتمثال بل تعداه إلى الأدب والرواية.
كثير من الشخصيات الأنثوية لم تتعدى البعد الجسدي ودورها متجسد في هذه الصيغة فقط.

النظرية في تنتقل إلى بلادنا
هذه الصورة - وان انتشرت في الرواية الغربية - إلا أنها بدأت تنتقل إلى المجتمعات المسلمة والعربية وبشكل بغيض يعكس طبيعة كتابها وخيالهم المريض.
المرأة الجسد.. حاضرة بقوة في الأغاني المصورة (الفيديو كليب) وهي وإن كانت ثقافة غربية بحتة إلا أنها انتقلت للمجتمعات العربية للأسف الشديد.
الكاميرا تنتقل بين الراقصات وتقرب الصورة من الأماكن الحساسة لإثارة الرجل بالطبع وتحريك مخيلته لأن القائمين على الإنتاج والإخراج ينظرون للمرأة كجسد ينبغي أن يمتع نظر الرجال، حتى في الأفلام نجد في كثير الأحيان المرأة جسد لإغواء الرجال وجذبه وإيقاعه في المشكلات أو سلبه ماله أو الحصول على معلومات استخباراتية.
وحتى لو صورت المرأة كبطل مؤثر لا ينسى المخرج أن يستحضر جسد هذا البطل ويجعله جزءاً من صفات التميز والإبهار للمشاهد.

مصممو الأزياء النسائية يحرصون - عادة - على كشف أكبر جزء ممكن من جسد المرأة واللباس هنا ليس للتغطية ولكن للإثارة وما يغطى منه إنما يغطي لتحريك خيال الرجل فقط والجزء المكشوف توطئة فقط لما يخبئه اللباس من جسد!!

المرأة يحق لها - بحسب الشريعة الإسلامية - أن تتمتع بالرجل (الزوج) كما هو حق له، "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ"، والعملية تكاملية، أما النظرة الوثنية والمنحرفة فتقصر الأمر على الرجل ليستمتع بالمرأة الجسد.

الاغتصاب - كظاهرة اجتماعية وجريمة في الغرب - تنتشر بالتوازي مع انتشار ظاهرة المرأة الجسد لذلك عندما كانت المرأة متسترة (قديماً) لديهم كان الاغتصاب نادراً جداً لذلك فإن هناك من المطالبات (وبصفة قانونية) أن تتحمل المرأة جزءاً من المسئولية في حال الاغتصاب جراء كشف أجزاء مثيرة من جسدها أمام الرجال!!

وهذا هو السبب في قلة الاغتصاب في المجتمعات المسلمة لانتشار تغطية جسد المرأة ومكامن الفتنة لديها أمام الرجال.. والذي يرجع بدوره للتشريع الإسلامي لحجاب ولباس المرأة أمام الرجال.
د. مالك الأحمد ( موقع تواصل )

Post: #39
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:50 AM
Parent: #38

يشعر الناس في أحيان كثيرة بالارتباك تجاه التعامل مع الأزمنة الثلاثة: الماضي والحاضر والمستقبل، فمنهم من يريد للمستقبل أن يكون صورة من الماضي، وإذا لم يكن كذلك، فإنه يشعر بالأسى، ومنهم من يغرق في الحاضر: متعه وملذاته وهمومه ومشكلاته، وليس لديه وقت ولا طاقة للنظر في ماض ولا مستقبل، ومن الناس من ضيع الحاضر طلبا لمستقبل لا يعرف كيف ومتى يصل إليه؟!

قد يقول أبنائي وبناتي: كيف نهتم بالمستقبل؟ ولماذا؟ وكيف نوازن بينه وبين الحاضر؟
والجواب على هذه التساؤلات يكمن في المفردات الخمس الآتية:
1 ـ إن الله تعالى أوصانا أن ننظر إلى الأمام وأن نرقب الغد حين قال: {يأيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون}(الحشر:11).. والحقيقة أن المسلم الملتزم مستقبلي من الطراز الرفيع؛ لأنه يضبط كل حركته وفق ما هو مطلوب للنجاة في الآخرة.. هذا هو الأصل، وعلينا أن نتشبث به.

المستقبل الحقيقي ـ أيها الأعزاء والعزيزات ـ ليس في الدنيا، وإنما في الآخرة؛ لأنه المستقبل الأبدي الذي يتلاشى معه الزمان، وهو متجدد إلى ما لا نهاية، وهذه الحقيقة يجب أن تظل متألقة في أذهانكم، اعقدوا العزم عند كل مشرق شمس أن يكون يومكم في سبيل الله، ومن أجل مرضاته، وبهذا تكونون عاملين من أجل المستقبل.

2 ـ تريدون مستقبلا مشرقا؟ المستقبل المشرق له طريق واحد، وهو أن تحسنوا القرارات التي تتخذونها اليوم، وأن تجعلوا حركتكم اليومية في الاتجاه الصحيح، والحديث عن مستقبل زاهر من غير واقع جيد وناهض عبارة عن خداع للنفس، وهو وهم كبير يقع فيه كثير من الناس.. هؤلاء الناس كثيرا ما يكون مستقبلهم عبارة عن علامة استهزاء بماضيهم، وهؤلاء كلما نضجوا وتحسن وعيهم ينظرون إلى أوضاعهم وتطلعاتهم السابقة باستخفاف، وكل ذلك بسبب عدم الاهتمام بالحاضر على النحو المطلوب.

3 ـ حاولوا يا أعزائي وعزيزاتي، أن تمتلكوا أعلى درجة من وضوح الرؤية، حددوا أهدافكم بدقة، واجتهدوا في معرفة الطرق الموصلة إليها، ولتكن تلك الأهداف وسائل لبلوغ الهدف الأسمى وهو الفوز برضوان الله تعالى..

من غير تحيد للأهداف الجادة والواضحة فإن أقواتكم ستضيع سدى، كما هو شأن كثير من شباب الأمة، كما أن الطاقات الهائلة التي تمتلكونها ستظل كامنة هاجعة، وستجدون أن الحديث عن (تطوير الذات) شيء لا معنى له..

إن الاستفادة من الوقت والعمل بأقصى طاقة من الأمور الشاقة على النفس، فإذا لم يكن لدينا هدف عزيز نؤمن به بقوة فإننا لن نضحي، ولن نجاهد أنفسنا، ولن نضغط عليها. أضيفوا إلى هذا أننا من غير أهداف واضحة سنجد أنفسنا منجذبين إلى أداء الأشياء السهلة ـ وأحيانا التافهة ـ عوضا عن الاشتغال بالأمور المهمة والعظيمة.

4 ـ بعض الناس ـ يا أبنائي وبناتي ـ يعيش حاضره، وهو في حالة ذهول عن نفسه: إنه لا يستمتع بالأشياء التي بين يديه، وكلما توفر معه مبلغ من المال وضعه في مشروع جديد مع التقتير على نفسه وعلى أسرته، وكل ذلك من أجل المستقبل، وحين يترك مرحلة الشباب خلف ظهره سيشعر بأن قدرته على الاستمتاع بما جمعه من مال وبما لديه من متاع قد تراجعت إلى أبعد الحدود.. وهذا الفريق ينطبق عليه تحذير من قال: "لا تكن مثل من يقضي الشطر الأول من حياته في اشتهاء الشطر الثاني، ويقضي الشطر الثاني في التأسف على الشطر الأول"!!.

عيشوا كل أيامكم في طاعة الله، ورفهوا عن أنفسكم في إطار المباح، ولا تضيعوا حاضرا من أجل مستقبل، ولا مستقبلا من أجل حاضر، وفي التوسط والاعتدال يكمن الكثير من الأشياء الجميلة.

5 ـ هناك خطور في أن يكون نظرنا إلى المستقبل واهتمامنا به عبارة عن هموم جاثمة على صدورنا ومخاوف تجتاحنا، وخواطر سوداء تزعجنا وتقلقنا، وهذا ما يحدث فعلا كلما سيطر علينا الكسل والغموض والفوضى.

فلنحارب هذا الثالوث النكد، حتى يتحول المستقبل إلى مصدر للأمل وحافز على العمل، وإلى مرشد نحو الطريق القويم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب "50شمعة لإضاءة دروبكم"-د. عبدالكريم بكار

Post: #40
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:51 AM
Parent: #39

خلق الله تعالى العباد وجعل أحوالهم جارية على سنن قدّرها وقضاها. فمن سنن الله تعالى، سنة المداولة {وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:140] فالفاشل قد ينجح.. والناجح قد يفشل.. تلك سنة جارية، ولن تجد لسنة الله تبديلا ولا تحويلا!

ولذلك ليس الفاشل من يقع في الفشل.. فتلك سنة، إنما الفاشل من يقع فيه ثم هو يرتضيه.. قال تعالى: {إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَـئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَـئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا}[النساء: 17- 18]

والشخصية الفاشلة تقف حجر عثرة أمام تقدم صاحبها ورقيه، وتبدل أفراحه أتراحاً، وتترك عمره بلا ثمر ولا حصيلة، ويحدد لها علماء النفس بعض السمات التي تتصف بها:

سمات الشخصية الفاشلة:
•النظرة التشاؤمية هي الغالبة عليها في كافة تصرفاتها وقناعاتها. باطنها مملوءة بالانتقام والعدوان، وفي أكثر الأحيان لا تستطيع أن تنفذ ما تريد، وينعكس ذلك في كلماتها وآرائها.

• العزلة والانطوائية: صاحب هذه الشخصية لا يقيم علاقات اجتماعية مع الناس، فطابع العزلة والانفراد هو السمة الغالبة لديه، نتيجة عدم الرغبة في تحمل المسؤولية، وقد تكون تعبيراً عن الترفع والاعتداد بالنفس مما يدفعه إلى السلبية إلا إذا جاءت الأمور طبقاً لرغباته، وقد تكون صفة الانطوائية ناجمة عن شعوره بالنقص من الآخرين وما يولده ذلك من مشاعر العنف والقسوة تجاه ذاته ومعاقبتها لأنه لا يستطيع مجاراة الناس ممن يقدمون لبعضهم البعض أجمل الابتسامات والتمنيات بالخير عندما يلتقون، ويكنون لهم أعظم الأمنيات بالتوفيق، فصاحب الشخصية الفاشلة يضمر الكره بسبب عقدة النقص التي تلازمه، وعقدة الحقد على كل ما هو مفرح وناجح، فينعكس هذا السلوك السلبي على قسمات وجهه وإيماءاته التي يقرأها الناس، فيتخذ حينئذ العزلة والابتعاد والسلبية تجاه الآخرين.

• موقف الحذر من المشاركة فيما يهم الناس في أفراحهم و أحزانهم، حتى ولو كان بالتعبير السطحي، وإظهار مظهر من مظاهر المشاركة الوجدانية كما يفعل عامة البشر أثناء الأفراح أو المصائب والشدائد التي تبتلى بها عائلة ما.

• ضعف الفعالية في كافة مجالات الحياة، بل إنها شخصية لا ترى للنجاح معنى، أو ليس عندها مشروعاً اسمه النجاح، وتحاول إفشال مشاريع النجاح. لا تؤمن بمسيرة الألف الميل التي تبدأ بخطوة، بل ليس عندها همة الخطوة الأولى، ولهذا لا تتقدم ولا تحرك ساكناَ وإن فعلت في مرة توقفت مئات المرات. كما أنها لا ترى أن هناك فراغاً يجب أن تملأه وأن يكون لها دورا تؤديه.

• عدم الانضباط والالتزام: فليس للالتزام والانضباط معنى أو قيمة في قائمة أولوياتها، فلا تتأثر بالمواعظ ولا تلبي أي نداء ولا تسمع التوجيهات النافعة.

• المشاغبة: دائماً تقوم بدور المعوق والمشاغب بكل ما هو تحت تصرفها أو ضمن صلاحياتها.

• كثرة الشكوى بلا مبرر: شخصية مطعمة بالحجج الواهية والأعذار الخادعة بشكل مقصود. وهي دائمة الشكوى والاعتراض والعتاب والنقد الهدام. وإذا ناقشت موضوعا ما ناقشته بغضب وتوتر والانحيازية لذاتها ومصالحها.

إن الهمة العالية مطلب عظيم يتمناه أصحاب النفوس الكبيرة التي تتوق إلى المعالي، وقوة الإرادة هي وقود هذه الهمة العالية، فبدون هذا الوقود – بعد توفيق الله عز وجل – لن يتم لهذه الهمة منالها ومبتغاها، ولعل خير شاهد على ذلك همة العلماء وطلبة العلم وكيف أنهم استطاعوا تحقيق أعمال وكأنها أشبه بالخوارق، وكانت تلك الإرادة الصلبة التي رُدفت بهمة عالية طريقاً لذلك.

ومشكلتنا الشائعة أن البعض منا يتصور في نفسه قصوراً متوهماً، وكأن أصحاب الإنجازات ليسوا من البشر، فإذا نظر إلى حافظ القرآن، أو إلى طالب متفوق في دراسته، أو إلى مبتكر، أو إلى عالم، أو إلى خطيب، أو إلى أي إنسان متميز.. قلل من نفسه واتهم ذاته بعدم القدرة على مقارعة هؤلاء، واستمر على ما هو عليه في مكانه لا يتقدم إن لم يكن يتراجع! فهذا وأمثاله ندعوهم دعوة صادقة للتوكل على الله أولاً، ونفض غبار الأوهام وارتداء رداء قوة الإرادة بعزيمة تتهاوى معها كل المثبطات والعوائق، وسيلاحظون بإذن الله الفرق قريباً.

أننا نعيش جميعاً بواسطة التركيبات أو الأوامر الذاتية طيلة حياتنا، وأحياناً ما نعيش بتوكيدات سلبية مثل "أنني لا أجيد صنع شيء" أو "أنني لا أستطيع أن أتحدث أمام الجمهور"، أو "أن لي ذاكرة ضعيفة تنسى كثيراً".. وهكذا، فعقلنا الواعي بمثابة البستان، أما عقلنا اللاواعي «الباطن» فيمثل "البستان نفسه"، وأي شيء نزرعه أو نبذره في بستاننا سيثمر، والأفكار سرعان ما تتحول إلى واقع ملموس ..

إذا ما فهمنا هذا جيداً فسندرك أننا قد برمجنا عقولنا لكي تفكر بطريقة خاطئة، وبالتالي لكي نتقدم علينا أن نكتب توكيداً نصيغه على هيئة تصريح بما سنبرمج عليه أنفسنا في الواقع، بل نكتب عدة توكيدات لكل هدف، فإذا كنت -على سبيل المثال- تود أن تتحمل الناس أكثر فإنك ستكتب قائلاً: "إنني دائماً أتحمل الناس" أو " في كل يوم يمر عليّ أصبح أكثر تحملاً " .. وهكذا في كل أمر، وبذلك نتحرر من قيود الأفكار السلبية وانعكاساتها على واقعنا العملي.
د. خالد سعد النجار

Post: #41
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:52 AM
Parent: #40

فورات الاندفاع والحماس لا تغني فتيلاً ولا تنفع عند مجابهة الحقائق، فالواقع غير الخيال، ومعاركة الأحداث غير مداعبة الأحلام، وبريق السيوف فوق الرؤوس ليس كبريق العواطف في النفوس، وليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن ما وقر في القلب وصدقته الأعمال.
ولقد يظن الإنسان في نفسه لأول وهلة عند دفقة الحماس أنه قادر على فعل المعجزات، لكن عندما يرجع البصر، ويتعمق في الفِكَر ويصحو من سكرته يعرف نفسه على حقيقتها، فيعود إلى رشده بعد غفلته
والدعاوى ما لم تقيموا عليها **** بينات أصحابها أدعياء

والنبي صلى الله عليه وسلم بنظرته الثاقبة، وخبرته بالنفس البشرية يعلمنا هذه المعاني الكبيرة خاصة في لحظات الحماسة، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال: من يأخذ مني هذا ؟ فبسطوا أيديهم كل منهم يقول أنا أنا!! قال: فمن يأخذه بحقه؟ فأحجم القوم!! فقال سماك بن خرشة "أبو دجانة": أنا آخذه بحقه، فأخذه ففلق به هام المشركين.

أرأيت إلى النفس البشرية كيف تندفع في غمرة الحماس.. رسول الله يأخذ سيفاً ويلوح به، والمعركة بين إيمان وكفر، وحق وباطل، والصحابة خرجوا ينصرون الله ورسوله، والسيف قد باركته يد رسول الله.. من يأخذ مني هذا؟... ويا لها من فرصة ذهبية نادرة يحظى مغتنمها بهذا الشرف العظيم.. ويتدافع الصحب الكريم ويبسطون أيديهم ليتناوشوه، وبريق السيف يكاد يخطف أبصارهم، وتتزاحم الأكف، وتهتف الحناجر وكأنها حنجرة واحدة.. أنا أنا، أنا الذي أريد شرف الضرب بالسيف الذي باركته يد رسول الله، لأني إذا ضربت به فكأنما يد رسول الله هي الضاربة لتوقع النكاية في أعداء الله، وينظر رسول الله - وهو القائد الفذ- إلى الجموع المتكاثرة، والحناجر الهاتفة، والحماسة الفائرة، ثم ينظر إلى السيف في يده المباركة، إنه سيف لا كالسيوف.. سيف له حق خاص، ووضع مميز.. ويلقي كلمته المدوية.. فمن يأخذه بحقه.. فيفترق الزحام، وتنزل الأكف، وتخمد اندفاعات البركان، وتغيب أنا أنا، إلا صوتاً واحداً، ويداً واحدة.. صوت صاحب عصابة الموت سماك بن خرشة أبي دجانة رضي الله عنه.. أنا آخذه بحقه يا رسول الله.. ولا أجد ما أعبر به عن مقولته هذه، وأتركه يعبر عن نفسه لأن حق آخذ هذا السيف أن يضرب به حتى ينحني أو ينكسر، لأن حقه أن يشق رؤوس الكفر المحاربة لله ورسوله والمؤمنين، لأن حقه أن تفلق به هذه الرؤوس المشركة المعتدية فلقاً، لأن حقه الوفاء بما عَهِد به رسول الله. أدعه يعبر عن نفسه أصدق تعبير وقد وفى بما عاهد، وأخذ السيف وهو يرتجز:
أنا الذي عاهــدني خلـيلي .. .. ونحــن بالسفح لدى النــخيل
ألا أقوم الدهر في الكيَّول .. .. أضرب بسيف الله والرسول
والكيول: آخر الصفوف في الحرب

وما أحسن ما قاله الإمام حسن البنا في مثل هذه المقامات الفائرة غير محسوبة النتائج :
ألجموا نزوات العواطف بنظرات العقول، وأنيروا أشعة العقول بلهب العواطف، وألزموا الخيال صدق الحقيقة والواقع، واكتشفوا الحقائق في أضواء الخيال الزاهية البراقة.
الشيخ عبد العظيم عرنوس

Post: #42
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 01:57 AM
Parent: #41

الحب فطرة إنسانية، وحاجة وجدانية ونفسية، فالعواطف والمشاعر هي التي تجعل حياتنا سعيدة مشرقة، وإلا كيف ستكون الفتاة أمًا وزوجة؟ ويكون الشاب أبًا وزوجًا؟! فبالحب تغفر الزلات، وتقال العثرات، وتشهر الحسنات، ويوم يغيب الحب تضيق النفوس وتتولد المشاكل والخصوم. ومما لا شك فيه أن الحياة الزوجية المبنية على الحب والتفاهم بين الزوجين يُكتب لها النجاح والسعادة والاستمرارية. ولكن يبقى السؤال: متى يكون هذا الحب؟ وكيف يبدأ ويزدهر بصورة عفيفة يقبلها العرف والشرع؟

إن الحب لا يتكون داخلنا فجأة، أو بمجرد نظرة نجد أنفسنا غرقى فيه !! إن هذا النوع من الإعجاب الرومانسي الحالم الهش إن وجد إذا اصطدم بواقع الحياة، وتم الزواج على أساسه فقط ينتهي بالفشل حتما.

أما الحب الذي يبدأ تدريجياً بالميل العاطفي ثم الود والقبول وفق أسباب منطقية، ويرتقى تدريجياً بالعشرة الزوجية فهو «حب واقعي» تجد فيه نفسك تحب زوجتك بجميع ما فيها من مميزات، ومتقبلاً وراضياً بعيوبها وهي كذلك أيضا.

وأنجح زواج هو الزواج الذي يقوم على التكافؤ أولا ثم الحب ثانيا، لأن الحب الرومانسي المجرد يذهب سدى بعد فترة قصيرة من الزواج، ويحل محله نوع آخر من الحب أكثر هدوءًا وأقل سخونة، هو حب من نوع جديد مبني على ما يحمله كل طرف تجاه الآخر من احترام وشعور بالتكافؤ والتآزر.

وتؤكد الإحصائيات أن الزواج التقليدي من أثبت وأصمد أنواع الزواج مقارنة بالزواج الذي تم عن طريق «الحب العذري» كما يقولون عنه.. ونعني بالتقليدي، الزواج الذي يقوم على أسلوب من التعارف والتشاور مع الأهل، وترشيح وتواصل علني بين الشاب والفتاة في حضور الأهل، وللأمر بعد ذلك أن يسير في المسار الطبيعي من قبول عاطفي، واقتناع عقلي يتنامى بعد الزواج، بالتفاهم والمودة والتسامح والتنازل المتبادل.
فقد جاء في إحصائية مصرية أن 88% من الزيجات التي تتم نتيجة الميل العاطفي البحت انتهت بالطلاق، بينما لم تنته بالطلاق سوى 12% من الزيجات التقليدية التي تتم بمشاركة أهل الشاب وأهل الفتاة.

كما تقول دراسة أعدها "د. إسماعيل عبد الباري" ـ أستاذ علم الاجتماع-: "إن ثلاثة أرباع حالات الزواج التي تمت بعد قصة حب فشلت تماما وانتهت بالانفصال بين الطرفين، أما الزواج الذي يتم عن طريق الخاطبة أو الأقارب والأصدقاء والجيران فإن نسبة نجاحه تتعدى 95 %".. ومرجع ذلك إلى أن الذَين يتزوجان نتيجة الميل العاطفي – ويسمونه الحب - لا يبصران صفات كثيرة يجب أن يعرفها كل منهما عن الآخر.. إنهما ينظران بعين العاطفة وحدها، وعين العاطفة لا ترى كل شيء، فإذا ما تم الزواج وهدأت العاطفة المتأججة، صحت عيون أخرى، وصارت ترى ما لم تكن تراه عين العاطفة.

يقول الدكتور "صول جوردون" - الأستاذ المحاضر في جامعة (سيراكيوز) الأمريكية: "حين تكون في حالة حب فإن العالم كله - بالنسبة إليك - يدور حول شخص من تحب، ويأتي الزواج ليثبت عكس ذلك، ويهدم جميع تصوراتك، بعد أن تكتشف أن هناك عوالم أخرى كان لابد أن تنتبه لوجودها .. إنها عوالم المفاهيم والقيم والعادات ".

ويضيف جوردون متسائلا: " لماذا يكون الزواج أكثر نجاحا حين لا يسبقه ما يسمى الحب؟
ويجيب فيقول: "مع الميل الشديد لا يستطيع الشاب أو الفتاة أن يقيّم مختلف جوانب شخصية الآخر، ولا يستطيع أن يتعامل معه بعقلانية، لأنه دائما يجد التبريرات لما يفعله الآخر، وفي أحسن الأحوال يأمل في أن كل شيء سوف يتغير بعد الزواج، ولكن الوقائع أثبتت أن ذلك غير صحيح، لأن كلا الطرفين حين يتعودا الاستحسان من الآخر لا يمكن أن يتحمل النقد منه أو اللوم بعد الزواج حول وضع معين، يعرف يقينا أنه لم يضايقه من قبل، والدليل أنه لم يعترض عليه، ولم يضع ملاحظة ما حوله".

ويدندن جوردون حول هذا المعني بقوله: "حين يسيطر الحب في العلاقة، فإن الواحد لا يرى الآخر في الحقيقة بل في إطار من المثاليات، ولذلك فهو يتجنب الانتقادات ويتجنب حتى إثارة أي موضوع يشعر أنه لا يروق له، وهكذا يستمر حبا سطحيا لا يرى الواحد في الآخر إلا أحلامه وأمانيه، فلا يستطيع -من ثم- أن يفكر فيه وفي تصرفاته بعقلانية حقيقة".
ويؤكد ذلك المفهوم الدكتور "جوردون" في دراسة ميدانية له موضحا أن 85% من زيجات الحب والغرام تنتهي بالطلاق، أو بالمشكلات التي تنغص حياة الزوجين، وتذهب ما كان بينهما من حب؛ بينما نجد في المقابل أن الزيجات القائمة على العقل والاختيار التقليدي نجحت واستمرت".

ويفسر "جوردون" ذلك بأن "النوع الأول من الزيجات تظهر العيوب بجلاء بعد الزواج بعد أن تكون اللحظات الجميلة ذابت والعواطف تبخرت والمشاعر الرقيقة ذهبت أدراج الرياح، وهو زواج يؤخر إلى الوراء لأن المتحابين يهملان عملهما أو دراستهما وعلاقاتهما الاجتماعية، ويقضيان معظم الوقت في مطارحة الغرام وتبادل عبارات الهيام، فتكون النتيجة أن 85% من زيجات الحب تنتهي بالطلاق والفشل، بينما لا تتجاوز تلك النسبة 5% في الزيجات التقليدية التي تعتمد على العقل والتريث، ولا تستند إلى الاندفاع العاطفي فتنهار عند أول منعطف".

هذا ومن جانب آخر فقد ذكر باحثون بريطانيون في دراسة حديثة: أن الحب بالفعل أعمى! سواء كان حب الأم لطفلها الوليد أو لوالده. حيث أظهر مسح بالأشعة لأدمغة عشرين من الأمهات الشابات أن هناك منطقة معينة بالمخ تنشط عندما يتطلعن لأطفالهن الرضع بنفس طريقة نشاطها عند التطلع إلى صور أحبائهن من الأزواج، وأن المنطقة بالدماغ المسئولة عن التفكير النقدي تتوقف عن العمل آنئذ. وهذه المنطقة تمثل النظام المسئول عن التقديرات السلبية، بحيث تمنع الإنسان من اكتشاف العيوب.

وقديما كانت العرب في الجاهلية إذا أحب رجل امرأة وعشقها، فإنه لا يتزوجها في الغالب، حتى لا يخفت وهج ذلك الحب أو يزول بالكلية، وعندما جاء الإسلام عكس هذا المفهوم تماما، فحثّ كل متحابين على ضرورة الزواج، كما قال الرسول صلى الله عليه و سلم : "ما رأيت للمتحابين مثل النكاح " ، قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ‏[الروم:21].. فسرها ابن كثير بقوله: "وجعل بينهم وبينهن مودة وهي المحبة، والرحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إما لمحبته لها أو رحمة بها أو للألفة بينهما وغير ذلك"
وذلك بلا شك معنى أشمل وأرقى وأسمى بكثير من حب تلك الصور الخيالية التي تصورها لنا الأفلام والروايات.

إن الحب يجب أن يكون أساساً رئيسياً في الزواج .. الحب الذي يعني جاذبية متبادلة بين شخصين، ولهذه الجاذبية كيانها الخاص في حياتهما، وليس مجرد رغبة جنسية فقط، فمثل هذه الرغبة موجودة عند جميع البشر، ولكنها لا تكون حباً إلا إذا تميزت في شخص معين مميز في أعيننا عن بقية الناس، وأضيف إليها صفات الوفاء والولاء والارتباط، والإيمان العميق والاحترام المبني على الثقة.
وهذا لا يعني مطلقاً أننا نقيم من «الحب» أساساً وحيداً للزواج الناجح، فرغبة الوالدين ورضاهما ومشورتهما من أنفع الأمور للفتيات والفتيان، ولها أهميتها في كل زواج متين الأواصر. فقد يبدي الوالدان ملاحظات قيمة لا يستطيع الشاب أن يراها، لما لهما عمق المعرفة بالحياة ورصيد من التجارب والخبرة يفتقدها الشباب في مقتبل العمر.
د. خالد سعد النجار

Post: #43
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:00 AM
Parent: #42

في الإشارة العاشرة من إشاراته على الطريق يقول الشيخ علي بن عبدالخالق القرني:
من الناس من يتحسر على ما مضى من تقصيره، ويسرف في ذلك حتى يضيع حاضره، ويقطع عليه مستقبله؛ فيأتي عليه زمان يتحسر فيه على الزمن الذي ضيَّعه في الحزن والتحسر.

إن تعويض ما فات لا يكون بالندم على ما فات فحسب، ولا باجترار أحزان الماضي؛ إنما يكون بالجد والعمل واغتنام كل فرصة قادمة ليتقدم بها خطوة، وهذا دليل الكيس، وآية علو الهمة. هذا ابن عقيل الحنبلي رحمه الله، وهو في الثمانين يقول:
ما شـاب عزمي ولا حــزمي ولا خلقي .. .. ولا ولائــي ولاديـنــي ولا كـــرمــي
وإنما اعــتاد شعـري غــيـر صـبغـته .. .. والشيب في الشعر غير الشيب في الهمم
وقال غيره:
فإن كنت ترجو معالي الأمور .. .. فأعدد لها همة أكبرا

احمد الله على إمهاله:
ألا فليحمد الله من ضيع وقصر على إمهاله له، وليعوض؛ فأيام العافية غنيمة باردة، وأوقات الإمهال فائدة؛ فتناول وعوض ما دامت عندك المائدة، فليست الساعات بعائدة:
فإن تك بالأمــس اقـترفت إساءةً .. .. فبادر بإحسان وأنت حميد
ولا تُبقِ فعل الصالحات إلى غدٍ .. .. لعل غــدًا يأتي وأنت فقـيد

أنس بن النضر وموقفه في يوم أحد
غاب أنس بن النضر رضي الله عنه عن وقعة بدر، فأحس بألم غنيمة ضيعها، فقال - كما روى البخاري ومسلم: {يا رسول الله! غبت عن أول قتال قاتلتَ المشركين؛ لئن أشهدني الله مشهدًا آخر في قتال المشركين ليرين الله مني ما أصنع} فلما كان يوم أحد، وانكشف المسلمون، أقبل أنس يعتذر إلى الله مما صنع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبرأ إلى الله مما صنع المشركون، ثم يتقدم ويكسر غمد سيفه، ويستقبله سعد بن معاذ، فيقول: الجنة ورب النضر! إني لأجد ريحها من دون أحد، يقول سعد: فما استطعت -يا رسول الله- ما صنع، ولما انتهى من المعركة وجدوه قد قُتل ومثَّل به المشركون، به بضع وثمانون ضربة بسيف أو طعنة برمح أو رمية بسهم؛ فما عرفه إلا أخته ببنانه.
إما فتى نال المنى فاشتفى .. .. أو فارس ذاق الردى فاستراح

أنين وحنين:
من تذكر تفريطه أَنَّ، ولتعويض ما مضى حَنَّ. هذا عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه أسلم عام الفتح، وشعر بما قد فاته من سابقة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يقول: {والذي نجَّاني يوم بدر - يا رسول الله - لا أدع نفقة أنفقتها بالصد عن سبيل الله إلا أنفقت أضعافها في سبيل الله، ولا قتال قاتلته في الصد عن سبيل الله إلا قاتلت ضعفه في سبيل الله}..
ويبر عكرمة بقسمه؛ فما خاض المسلمون معركة بعد إسلامه إلا خاضها معهم، ولا خرجوا إلا كان في طليعتهم، وفي يوم اليرموك، وما يوم اليرموك؟ أقبل عكرمة على القتال إقبال الظامئ على الماء البارد في اليوم القائظ، لما اشتد الكرب بالمسلمين نزل عن جواده، وكسر غمد سيفه، وأوغل في صفوف الروم، فبادره خالد بن الوليد قائلاً: لا تفعل يا عكرمة! إن قتلك على المسلمين سيكون شديدًا، قال: إليك عني يا خالد لقد كان لك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سابقة، أما أنا وأبي أبو جهل، فقد كنا أشد الناس عداوة على رسول الله، دعني أُكَفِّر عما سلف مني، أأقاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أفر اليوم من الروم؟! والله لا يكون أبدًا.
فلو بان عضدي ما تأسف منكبي .. .. ولو مات زندي ما بكته الأنامل

ثم نادى: من يبايع على الموت؟ فبايعه أربعمائة من المجاهدين في سبيل الله، فقاتلوا حتى نصر الله المسلمين نصرًا مؤزرًا، ولقي عكرمة ربه مُثخنًا بجراحه، ولسان حاله: {وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى}[طه:84].. فرضي الله عنه وأرضاه:

همة أخرجت حظ الدنيا من نفوسهم؛ فتاقوا إلى تعويض ما فات من ساعات في خدمة دينهم، فاقتحموا المكاره بغية المكارم، وعقدوا لله على أنفسهم عقدًا؛ فما نكثوا، وما نقضوا؛ فبادر -أخي- قبل العوائق، واستدرك ما فات؛ فلعلك بالأخيار لاحق؛ إن كنت على طريقهم، فما أسرع اللحاق بهم!
إذا استدرك الإنسان ما فات من علا .. .. إلى الحزم يعزى لا إلى الجهل ينسب
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
يراجع: "كتاب قطرات الينابيع:64"

Post: #44
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:02 AM
Parent: #43

Quote: من علامات الفشل التربوي أن نتوارث طرق وأساليب آبائنا في تربيتنا لنطبقها نحن في تربيتنا لأبنائنا؛ ذلك أن لكل جيل ظروفه ومستجدات زمانه وطرق التأثير عليه والمؤثرة بالتالي على العملية التربوية، وطرق حياة تختلف كثيرا أو قليلا عن الجيل الذي سبقه.. فتربية جيل جديد بأساليب عتيقة لا يمكن أن تأتي إلا بجيل مشوه تربويا..

ولابد أن أشير وأؤكد أنني أتحدث عن طرق وأساليب التربية، ولا أتكلم عن مبادئ تربوية وأصول.. فالمبادئ والأصول لا تتغير بتغير الوقت واختلاف الأحوال.. فالصدق يبقى أصلا تربويا في كل زمان وإنما الذي يختلف هو أسلوب تعليم الناشئ كيف يكون صادقا، وقل مثل هذا في بقية الأصول التربوية. فليس الخلاف على المبادئ وإنما الأساليب المتبعة في ترسيخ تلك المبادئ وكيفية التعامل مع أولادنا لنصل بهم إلى القناعات اللازمة للمبادئ التربوية.

ومن هنا أقول: إن أسوأ ما يمكن أن يتوارثه آباء اليوم من آباء الأمس هو التسلط التربوي والذي قد يكون ممتزجا بالقسوة في غالب الأحيان أو بالشدة الخارجة عن حيز الاعتدال.

والتسلط التربوي هو إحكام قبضة الأب على أولاده بحيث لا يمكنهم الخروج عن مراداته ولا عن رؤيته هو لواقعهم ومستقبلهم. وهذا التسلط كما يكون في البيت يكون في المدرسة والجامعة وهو من أشكال التسلط التي تسود المجتمعات المتخلفة اجتماعيا وثقافيا.

وهذا التسلط له أسبابه :
فقد يكون وراثيا بمعنى أن الأب رباه أبوه بهذه الطريقة فأخذها منه وورثها عنه وجعل يطبقها على أولاده.

وقد يكون سبب التسلط رغبة الأب في تحقيق حلم فشل هو في تحقيقه بنفسه فهو يريد أن يحقق حلمه في أبنائه، كأب كان يتمنى أن يكون طبيبا جراحا أو مهندسا مثلا، ولكنه لسبب ما ضاع حلمه فلم يستطع تحقيقه.. فيسعى لإرغام أبنائه أو بعضهم على أن يدرسوا ليكونوا أطباء ليحققوا له ما عجز هو عن تحقيقه بنفسه.
وهذا جانب كونه فشلا تربويا فهو أيضا أنانية مطلقة أن يُرغَم الابن على فعل ما لا يحبه أو يشتهيه من أجل إرضاء شهوة في نفس أبيه.

وسبب آخر لهذا التسلط هو أن الأب يريد أن يبقى حاكم البيت الأوحد فلا ينازعه أحد في أي أمر، ولا ينبغي أن يخرج أحد عن طوعه أو أن خالف أمره في صغير أو كبير، وينسى في ظل هذا التخوف من ذهاب سلطانه أو خشيته أن ينازعه ذلك أحد أبنائه، أن الأولاد يكبرون وتتكون لهم شخصيات تحاول أن تكون مستقلة، ولها رأيها فإذا رآى الأب ذلك من أبنائه أو أحدهم ثار وقام حماية لحقوقه وخوفا من انتزاع سلطاته التي يظن خطأ أنه نوزع فيها.

قبضة حديدية وآثار مدمرة
إن بعض الآباء يحكم قبضته على أولاده ولا يريد لهم أبدا أن يتحرروا من تلك القبضة مهما بلغت سنهم أو طال عمرهم، وكلما كبر الأولاد وبدت عليهم ملامح المراهقة والرجولة ـ ومعها استقلالية الرأي ـ زادت قوة قبضة الأب ـ ربما خوفا عليهم من التفلت أو لما سبق ذكره من أسباب.. غير أن ازدياد هذه القبضة ليس له إلا إحدى نتيجتين:

الأولى: أن ينجح هو في تشديد قبضته فينكسر الولد تحت وطأة هذه الشدة، فيفقد الولد شخصيته، وتكون النتيجة نتاجا (ولد أو بنت) بلا رأي ولا قيمة ولا شخصية، لا يصلح أن يتخذ قرارا، ولا أن يبدي رأيا، ولا يحس لنفسه بقيمة، فهو كعدمه لا يصلح لينفع مجتمعه وأمته، أو حتى أن ينفع نفسه هو، هذا إذا نجى من الأمراض النفسية كالانطوائية والإحساس بالدونية، أو العدائية الشديدة أو غيرها.

الثانية: أن يقاوم الابن تلك القبضة حتى يزيحها تماما ويخرج عن السيطرة بامتياز، وليفقدها الأب إلى الأبد، ولا يبقى أمام الأب إلا أن يقبل بالواقع ويعيش هو وابنه كل في حاله، وتكون حياة أشبه بالعزلة الحقيقية أو الشعورية.. وإما أن يتشبث الأب بسلطته المنزلية فلا يقبل بوجود شخص متمرد فربما طرده من البيت ليفقده إلى الأبد.

المربي الذكي
إن المربي الذكي ليس هو الذي يُخضع من يربيه لرغباته أو يصل به إلى الطاعة العمياء لأوامره، وإنما المربي الناجح هو الذي يخفف قبضته على من يربيه كلما كبرت سنه ونضج عقله، حتى ترتفع تلك القبضة كليا مع تمام النضج العقلي للمربَّى، وإنما يبقى جانب التوجيه والإرشاد والتنبيه على الأخطاء وبيان وجهات النظر من خلال الحوار المستمر لا من خلال الأوامر والنواهي.

Post: #45
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:03 AM
Parent: #44

طلب أحد الأستاذة الجامعين من طلابه الذهاب إلى حي فقير جدا بمدينة (بالتيمور) بالولايات المتحدة وتقييم مستقبل 200 فتى يعيشون في حالة بائسة، فكان تعليق الطلاب على كل حالة درسوها عبارة: «لا أمل» وبعد 25 سنة أحب أستاذ جامعي آخر - رأى الدراسة السابقة - أن يعرف ما حلّ بهؤلاء الفتيان، فأرسل طلابه للبحث عنهم فوجدوا 180 منهم، وتبين لهم أن من هؤلاء الـ180، حقق 176 منهم نسبا من النجاحات كأطباء ومحامين ورجال أعمال. بسؤالهم عن الأسباب التي ساهمت في نجاحهم أشاروا جميعا إلى معلمة فذة كانت تعلمهم في مرحلة من مراحل دراستهم.. بحث الطلاب عن تلك المعلمة فوجدوها على قيد الحياة، وسألوها عن سرّها مع هؤلاء الفتية، فأجابتهم: «الأمر بسيط.. لقد أحببتهم».. نعم إنه الحب صانع المعجزات.

ليس من المهم أن نعمل أكثر، ولكن من المهم أيضاً أن نفعل ذلك بحب ورغبة، لأننا عندما نعمل بجد نؤدي العمل بطريقه جيده.. وعندما نعمل بحب نؤدي نفس العمل بطريقة رائعة، فبالحب نسير بإيجابية بعيداً عن كدر الحياة، فلا تندم على لحظات كفاح عشتها بحب، حتى ولو صارت ذكرى تؤلمك، فإذا كانت الزهرة قد جفت وضاع عبيرها ولم يبق منها غير الأشواك، فلا تنس أنها منحتك يوماً عطراً جميلاً أسعدك.

هناك من لا يدرى ما هو الذي يحبه؟ وما هو الذي يكرهه من الأعمال؟.. يحيا كل يوم بشكل آلي روتيني، رغم أنه قد يكون ما يقوم به من أعمال هو أنسب من يقوم به على الأرض، ولكنه أغمض عينيه على بعض الأفكار والمشكلات فأغرق نفسه فيها متجاهلا ما في أعماله من نعم من الله تعالى ومتعة لا نهاية لها.

فلماذا لا نكتشف أنفسنا من جديد، ونعيد صياغة عقولنا ومهاراتنا ورؤيتنا لحياتنا بشكل أكثر تفتحاً وثقة في أن الله قد كتب لنا ما نحن فيه لنتقنه ونبرع فيه لا أن نهرب من أنفسنا ومن حياتنا.

أما إن كان عملك لا يحقق لك كل أمنياتك التي يحق لك جنيها منه، فلا تنس أنه يتيح لك تحقيق جزء من ذاتك، ويكف وجهك عن سؤال الناس، وهذا كفيل بأن تحرص من كل قلبك على إنجازه، وتنمي استعدادك وقابليتك على تذوق ما تفعله، والتلذذ ببهجة أن تتعلم شيئاً ما مهما تكن خبرتك السابقة.

إن النجاح شعور، والناجح يبدأ رحلته بحب النجاح والتفكير بالنجاح.. فكر وأحب وابدأ رحلتك نحو هدفك.. تذكر أن النجاح يبدأ من الحالة النفسية للفرد، فعليك أن تؤمن بأنك ستنجح ـ بإذن الله ـ من أجل أن يكتب لك فعلا النجاح.. فالناجحون لا ينجحون وهم جالسون لاهون ينتظرون النجاح، ولا يعتقدون أنه فرصة حظ، وإنما يصنعونه بالعمل والجد والتفكير والحب واستغلال الفرص والاعتماد على ما ينجزونه بأيديهم.

الحب الحقيقي
يقول د. عائض القرني: كن من أولياء الله وأحبائه لتسعد، إن من أسعد السعداء ذاك الذي جعل هدفه الأسمى وغايته المنشودة حب الله عز وجل، وما ألطف قوله تعالى {يحبهم ويحبونه}.. قال بعضهم: ليس العجب من قوله {يحبونه} ولكن العجب من قوله {يحبهم} فهو الذي خلقهم ورزقهم وتولاهم وأعطاهم ثم يحبهم، قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}[آل عمران:31]

إن رجلا من الصحابة أحب {قل هو الله أحد} فكان يرددها في كل ركعة ويتوله بذكرها ويعيدها على لسانه، ويشجي بها فؤاده، ويحرك بها وجدانه، فقال له – صلى الله عليه وسلم-: (حبك إياها أدخلك الجنة)..
إن مجنون ليلى قتله حب امرأة، وقارون حب المال، وفرعون حب المنصب، وقتل حمزة وجعفر وحنظلة حبهم لله ولرسوله، فيا لبعد ما بين الفريقين.

إنما يتعثر من لم يخلص
يقول ابن الجوزي رحمه الله: واعلم أن الطريق الموصلة إلى الحق سبحانه ليست مما يقطع بالأقدام، وإنما يقطع بالقلوب، والشهوات العاجلة قطاع الطريق، والسبيل كالليل المدلهم، غير أن عين الموفق بصر فرس، لأنه يرى في الظلمة كما يرى في الضوء، والصدق في الطلب منار أين وجد يدل على الجادة، وإنما يتعثر من لم يخلص.

حب الناس
التعامل مع الناس فن من أهم الفنون نظراً لاختلاف طباعهم، فليس من السهل أبداً أن نحوز على احترام وتقدير الآخرين، وفي المقابل من السهل جداً أن نخسر كل الناس، وكما يقال: «الهدم دائماً أسهل من البناء»، فإن استطعنا توفير بناء جيد من حسن التعامل فإن هذا سيسعدنا نحن في المقام الأول، لأننا سنشعر بحب الناس لنا وحرصهم على صحبتنا ودعمنا.
والتوجيهات النبوية في هذا الشأن جواهر ثمينة، حرى بنا أن نقتنيها. قال – صلى الله عليه وسلم-:
(ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس)، (شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس)، (اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن)، (أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما)، (أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينا، أو تطرد عنه جوعا، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في المسجد شهرا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظا ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رضا يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه المسلم في حاجته حتى يثبتها له أثبت الله تعالى قدمه يوم تزل الأقدام، وإن سوء الخلق ليفسد العمل كما يفسد الخل العسل).

كلمات في الحب
- الإنسان قبل الحب شيء، وعند الحب كل شيء، وبعد الحب لا شيء.

- الحب فرصة ليصبح الإنسان أفضل وأجمل وأرقى.

- الحب ليس عاطفة ووجداناً فقط، إنما هو طاقة وإنتاج.

- الحب فضيلة الفضائل، به نعلو بأنفسنا عن العبث والتهريج والابتذال العاطفي، ونحمي عقولنا من الضياع والتبعثر الفكري.

- الحب تجربة إنسانية معقدة، وهو أخطر وأهم حدث يمر في حياة الإنسان، لأنه يمس صميم شخصيته وجوهره ووجوده، فيجعله يشعر وكأنه وُلد من جديد.
د. خالد سعد النجار

Post: #46
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:06 AM
Parent: #45

ما أجل الكلمات الدافئة التي امتزجت بكل معاني الإخلاص عندما تخرج من قلب أغلى الناس وأحن الخلق وأعطف البشر .. «الوالد» الذي فطره الله تعالى على حب دفين لأبنائه لا يعرف المصانعة ولا التملق ولا النفاق، إنها الكنوز الحقيقية والنصائح النورانية التي يكون الولد في أمس الحاجة إليها لقلة خبرته وضعف حيلته وندره الناصح المشفق.

• اعلم يا بني وفقك الله للصواب: أنه لم يتميز الآدمي بالعقل إلا ليعمل بمقتضاه، فاستحضر عقلك، واعمل فكرك، واخل بنفسك .. تعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف، وأن عليك فرائض أنت مطالب بها، وأن الملكين يحصيان ألفاظك ونظراتك، وأن أنفاس الحي خطاه إلى أجله، ومقدار اللبث في الدنيا قليل، والحبس في القبور طويل، والعذاب على موافقة الهوى وبيل.
فأين لذة أمس؟! رحلت وأبقت ندما .. وأين شهوة النفس؟! كم نكست رأسا، وزلت قدما، وما سَعِد من سعد إلا بخلاف هواه، ولا شَقِي من شقي إلا بإيثار دنياه. فاعتبر بمن مضى من الملوك والزهاد، أين لذة هؤلاء وأين تعب أولئك؟ بقي الثواب الجزيل، والذكر الجميل للصالحين، والمقالة القبيحة والعقاب الوبيل للعاصين، وكأنه ما جاع من جاع، ولا شبع من شبع.

• واعلم أن الكسل عن الفضائل بئس الرفيق، وحب الراحة يورث من الندم ما يربو على كل لذة، فانتبه واتعب لنفسك.

• واعلم أن طلب الفضائل نهاية مراد المجتهدين، ثم الفضائل تتفاوت، فمن الناس من يرى الفضائل الزهد في الدنيا، ومنهم من يراها التشاغل بالتعبد، وعلى الحقيقة فليست الفضائل الكاملة إلا الجمع بين العلم والعمل، فإذا حصلا رفعا صاحبهما إلى تحقيق معرفة الخالق سبحانه وتعالى، وحركاه إلى محبته وخشيته والشوق إليه, فتلك الغاية المقصودة وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم، وليس كل ما يريد مرادا ولا كل طالب واجدا، ولكن على العبد الاجتهاد، وكل ميسر لما خلق له، والله المستعان.

• واعلم يا بني: أن من تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة يسيرة، وعلم أن اللبث في القبور طويل، فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة أو النار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا -فرضنا ستين سنة مثلا- فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم، ونحو من خمس عشر في الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره في الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيرا، فبماذا تشتري الحياة الأبدية، وإنما الثمن هذه الساعات؟

• فانتبه يا بني لنفسك، واندم على ما مضى من تفريطك، واجتهد في لحاق الكاملين مادام في الوقت سعة، واسق غصنك ما دامت فيه رطوبة، واذكر ساعتك التي ضاعت فكفى بها عظة، ذهبت لذة الكسل فيها، وفاتت مراتب الفضائل، وقد كان السلف الصالح رحمهم الله تعالى يحبون كل فضيلة ويبكون على فوات واحدة منها.. قال إبراهيم بن أدهم: دخلنا على عابد مريض، وهو ينظر إلى رجليه ويبكي، فقلنا: ما لك تبكي؟ فقال: ما اغبرتا في سبيل الله.. وبكى آخر، فقالوا: ما يبكيك؟ فقال: على يوم مضى ما صمته، وعلى ليلة ذهبت ما قمتها.

• فاعلم يا بني أن الأيام تبسط ساعات، والساعات تبسط أنفاس، وكل نفس خزانة، فاحذر أن يذهب نفس بغير شيء، فترى في القيامة خزانة فارغة فتندم ولا ينفعك الندم.
• كتب علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- إلى ولده الحسين: من عبد الله علي أمير المؤمنين الوالد الفاني، الذام للدنيا، الساكن مساكن الموتى، إلى الولد المؤمل ما لا يدرك، السالك سبيل من قد هلك، عرضة الأسقام، ورهينة الأيام، وأسير المنايا، وقرين الرزايا، وصريع الشهوات، ونصب الآفات، وخليفة الأموات.. يا بني إن بقيت أو فنيت فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، وعمارة قلبك بذكره، والاعتصام بحبله، فإن الله يقول: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ} [آل عمران:103] وأي سبب يا بني أوثق من سبب بينك وبين الله عز وجل. أحي قلبك بالموعظة، ونوره بالحكمة، وقوه بالزهد، وذلـله بذكر بالموت، وقرره بالفناء، وحذره صولة الدهر وتقلب الليالي، وأعرض عليه أخبار الماضين، وسر في ديارهم وآثارهم، فانظر ما فعلوا، وأين حلوا، فإنك تجدهم قد انتقلوا من دار الغرور ونزلوا دار الغربة، وكأنك عن قليل يا بني قد صرت كأحدهم، فبع دنياك بآخرتك، ولا تبع آخرتك بدنياك، ودع القول فيما لا تعرف، والأمر فيما لا تكلف، ومر بالمعروف بيدك ولسانك وكن من أهله، وأنكر المنكر بيدك ولسانك وباين من فعله، وخض الغمرات إلى الحق، ولا تأخذك في الله لومة لائم، واحفظ وصيتي فلا خير في علم لا ينفع، واعلم أنه لا غنى بك عن حسن الارتياد مع بلاغك من الزاد، فإن أصبت من أهل الفاقة من يحتمل عنك زادك فيوافيك به في معادك فاغتنمه، فإن أمامك عقبة كئودا لا يجاوزها إلا أخف الناس حملا. وأجمل في الطلب، وأحسن في المكسب، فرب طلب قد جر إلى حرب، وإنما المحروب من حرب دينه، والمسلوب من سلب يقينه، واعلم أنه لا غنى يعدل الجنة، ولا فقر يعدل النار.. والسلام عليك ورحمة الله.

سل الأيام ما فعلت بكســـرى .. .. وقيصر والقصور وساكنيها
أمـا اسـتـدعتهم للمـوت طُـرا .. .. فلم تدع الحــليم ولا الســفيها
دنت نحـو الدني بسهم خطب .. .. فأصمـته ولـم تـدع الوجــيها
أمـا لو بـيـعـت الدنـيا بفـلـس .. .. أنِفـتُ لعـاقــل أن يشـتـريـهـا
د. خالد سعد النجار

Post: #47
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:07 AM
Parent: #46

Quote: في زماننا كثرت الفتن، وانتشرت الشهوات والمغريات، وسهل الوقوع في المعاصي والسيئات، وفتحت على مصاريعها أبواب المخالفات. ولا يملك الإنسان المسلم، السليم الديانة الصحيح العقيدة المشفق على عباد الله، إلا أن يدعو ربه أن يحفظه هو أولا ثم يحفظ جميع عباده من الوقوع في هذه السقطات أو الهفوات أو المهلكات، ومع ذلك فكل مُواقِع لذنب أو مقيم على معصية ـ سواء كان شابا أو غير شاب ـ فإنا وإن كنا نرحمه وندعو الله أن يحفظه ويصونه، إلا أننا أيضا ندعوه للتوبة إلى الله والأخذ بأسباب العودة إليه، وترك ما هو عليه، والإنابة إلى سيده ومولاه، ونعده موقنين أنه قادر على التخلص من قيد الشياطين؛ فالمعصية وإن طال الوقوع فيها فهي من كيد إبليس، وقد أخبر الله أن كيده كان ضعيفا.. ومن استعان بالله أعانه ومن أقبل عليه قبله، ومن طلب منه المدد وفقه..

في حياتنا وعلى مدار الزمان كم من صاحب معصية وقع فيها لضعف أو شهوة أو غفلة فداوم عليها، ثم أصر عليها حتى أدمنها، وحاول مرات أن يتخلص منها لكن صعب عليه مفارقتها، وفي كل مرة يحاول التوبة يعود، حتى أوهمه إبليس أنه صار أسيرا لها وأقنعه أنه لا يمكنه الإقلاع عنها أو التخلص منها، حتى يبلغ به مبلغ الإحباط وينأى به عن طلب التوبة من رب الأرض والسموات.. فمن ضعفت همته، وسفلت نفسه وقل إيمانه بسعة رحمة الله وبقدراته على التوبة استسلم له حتى بلغ منه إبليس مراده ونال منه مطلوبه، فمات مصرا أو على الأقل غير تائب.. ولكن كانت هناك طائفة بقي أملها بالله ويقينها بالقدرة على هزيمة الهوى والنفس الأمارة وإبليس اللعين؛ فاستعانوا بربهم وأخذوا بأسباب التوبة وطرقوا أبوابها، فما لبثوا إلا قليلا حتى فتحت لهم الأبواب فولجوا على الكريم الوهاب؛ فوجدوا لذة العبادة وأنس الطاعة وحلاوة المناجاة، وندموا على أيام عصوا فيها ربهم ظنا منهم أنهم يجدون السعادة في معصيته، فلما ذاقوا لذة القرب منه أسفوا على ما فاتهم في خوالي أيامهم.

ليس العيب أن تسقط.. ولكن
إنني أقول لكل أخ حبيب، وابن قريب، وشاب أريب، ومسلم لبيب وقع فيما قد وقع فيه: ليس العيب أن تسقط، فإنها طبيعة البشر، [كل ابن آدم خطاء]، ولكن العيب ألا تحاول النهوض وترضى بالبقاء في مستنقع الرذيلة، فالكل معرض للسقوط ولكن {خير الخطائين التوابون].

إن باب التوبة مفتوح، وطريق العودة يسع جميع التائبين، وربك واسع المغفرة يفرح بعودة المذنبين وتوبة المخطئين {إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين}، فهلم بنا إلى الله فأنت قادر يقينا على قهر نفسك وشيطانك بعون رب العالمين.

فإن قلت كيف؟ قلت لك تعال معي نحاول
أولا: خل عنك الخطرات وأفكار السوء:
إن أول طريق الذنب خطرة يمررها الشيطان على الخاطر، فإن طردتها سريعا، وإلا تحولت إلى فكرة تتقلب بين العقل والقلب، فإن نفاها القلب عنه وإلا تحولت إلى هم وهو أول طريق التحول من الخيال إلى الواقع، ومن التمني إلى التنفيذ، ومن رحمة الله أن يؤاخذ به في الخير دون الشر، فإذا لم يدفع العبد عن نفسه هذا الهم تمكن حتى يصير عزيمة، وهي اتخاذ القرار بالفعل والتنفيذ، إلا أن يصرف العبد صارف من تقوى أو من واقع خارج، ولذلك يؤاخذ العبد على عزيمته في الخير والشر.
مراتب القصد خمس هاجس ذكروا .. .. فخاطر فحديث النفس فاستمعا
يلـيه هــم فـعـــزم كلــها رفـعــت .. .. سوى الأخير ففيه الأخذ قد وقعا

ثانيا: لا تتبع العزم العمل:
إذا تمكن العزم على المعصية من قلب العبد ولم يصرفه تحول إلى فعل، فيقع الإنسان في المعصية.. وإلى هنا فالباب ما زال واسعا، فإذا تذكر العبد سريعا وتاب وأناب من قريب فأمره سهل، وكل ترك سهل في مباديه، {إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون}، فإذا غلبه شيطانه كرر الذنب وتمادى فيه، ومع كل تكرار تقل هيبة الله في القلب ويسهل عليه الذنب ويهون في عين صاحبه، فيزداد جرأة عليه ويزداد تمكن الشيطان من قلبه.. ولو أنه رد عزيمته أول أمره، أو تاب اول ذنبه لهان عليه الأمر، ولكن بدأ الران يدب إليه ويضعف جذوة الإيمان ويطفئ نور البصيرة والهداية شيئا فشيئا. حتى إذا صار الذنب سلوكا وعادة ازداد تمكن الشيطان منه حتى يوهمه أنه لا سبيل له إلى تركه، فيوقعه فيه بمجرد الإشارة {وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي}..

ثالثا: إياك والاستسلام:
مهما اقترف العبد من ذنوب، ومهما بلغ الذنب منه، ومهما تمادى في العصيان يبقى لنا الأمل في سعة رحمة الله ولطفه، وبره بعباده ورحمته، فلا ينبغي أن يتسلل اليأس والقنوط إلى النفس، فإن الذنب مهما زاد وكثر فرحمة الله أوسع، وليس هناك ذنب يستعصي على المغفرة طالما تاب العبد منه، وقد غفر الله للكفل من بني إسرائيل وهو الذي لم يكن يرعوي عن ذنب قط، وغفر لقاتل المائة نفس، وغفر لصاحب سجلات الشر المائة إلا واحدا، وأكثر من هذا مما لا يعلمه إلا الله.. فلا ترفع الراية البيضاء للشيطان، بل ارفعها مع الرحمن، واستسلم بين يديه، وانطرح على أبوابه طالباً إعانته ومرضاته فهو القائل: {ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم ، وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون}.

ثالثا: ثق بقدرتك على الإحسان:
لابد أن تثق في نفسك، وفي قدرتك على التخلص مما أنت عليه، وإياك أن يبلغ الشيطان منك أن يحقر لك نفسك، ويقنطك من القدرة على التوبة والعودة إلى طريق الطاعة وترك المعصية، ومتى وُجِدت الرغبةُ والهمة لدى إنسان فقد أمسك بأول مفاتيح الانتصار، وأول مقومات النجاح، فشجع نفسك وتب إلى ربك توبة نصوحا وسارع إلى مغفرة الله {يأيها الذين آمنوا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيئاتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار}، {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة} .

رابعا: كن على ثقة بسعة عفو ربك:
ويكفي أن تقرأ هذين الحديثين ففيهما غنية عن كل كلام.. فقد روى مسلم عن ابنِ عباسٍ رضي الله عنه أنَّ ناسًا من أهلِ الشركِ قَتلوا فأكثروا، وزنَوْا فأكثَروا ثمَّ أتَوْا محمدًا صلَّى اللهُ عليه وسلم فقالوا: إنَّ الذي تقولُ وتدعو لحسنٌ ولو تخبرُنا أنَّ لِما عمِلنا كفَّارةً! فنزل: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ، إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}[الفرقان: 68ـ 70)، ونزل: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}[الزمر:53]

وذكر ابن حجر العسقلاني في كتاب "الأمالي المطلقة" وكتابه "الإصابة في معرفة الصحابة" عَن أبي طويلٍ شَطَبٍ المَمدودِ رضيَ اللَّهُ تعالى عنهُ أنَّهُ أتى النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: أرأيتَ رجلًا عملَ الذُّنوبَ كلَّها فلم يترُكْ منها شيئًا، وَهوَ مع ذلِكَ لم يترُكْ حاجَّةً ولا داجَّةً إلَّا أتاها، فَهَل لذلِكَ من توبةٍ؟ قالَ: أليسَ قد أسلَمتَ؟ قالَ: أمَّا أَنا فأشهَدُ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهَ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ.. قالَ: نعَم، تَفعلُ الخيراتِ وتترُكَ السَّيِّئاتِ فيَّجعلُهنَّ اللَّهُ لَكَ حسَناتٍ كُلَّهُنَّ. قالَ: وغدَراتي وفجَراتي؟ قالَ: نعَم.. قالَ: اللَّهُ أَكْبرُ. فما زالَ يُكَبِّرُ حتَّى توارَى] قال ابن حجر حديث حسن صحيح غريب. وقال في الإصابة على شرط الصحيح.

خامسا: ابتعد عن رفقاء السوء:
إن بيئة المعصية تذكر بالمعصية وتعين عليها، وأصحاب السوء يدعون أصحابهم إليه، يذكرون بالمعصية ويأمرون بها، ويهربون من الطاعة وينهون عنها، فهم في الدنيا أعوان إبليس في الدلالة على الشر والدعوة إليه، وفي الآخرة أعداء يتبرأ كل منهم من صاحبه ويدعو الله أن ينتقم منه {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا ، يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ، لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي ۗ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا}(الفرقان:27ـ29)، وقال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ}(الزخرف:67).. فرفيق السوء كنافخ الكير: إما أن يحرق ثوبك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة.

سادسا: غير بيئتك
وانتقل إلى بيئة الطاعة وأصدقاء الخير الذين يدعونك إليه ويعينونك عليه، فإذا نسيت ذكروك وإذا ذكرت أعانوك وإن وجدوك على شر وسوء بصروك ونهوك.. فبيئة الخير تعين عليه ولذلك أمر العالم التقي الفهم قاتل المائة نفس حين أراد التوبة أن يترك قريته فإنها قرية سوء وأن ينتقل إلى قرية أخرى قريبة يعبد أهلها الله فيعبد الله معهم..

سابعا: تخلص من أسباب المعصية:
فطريق التوبة لا يتم إلا بالعزم على عدم العودة، ولا يصح هذا إلا بالتخلص من أسباب الذنب ودواعيه، فإن كانت معاكسات فتخلص من الأرقام والعناوين، وإن كانت صورا فأحرقها أو تخلص منها بأي وسيلة تمنعك من الوصول إليها، وإن كانت مقاطع حقيرة فاحذفها للأبد، وإن كان ذنب يعمل في الخفا فلا تخلون قدر الاستطاعة.. المهم ألا يبقى بين يديك سبيل يدعوك للعودة للمعصية ويسهلها عليك.

لا تنفرد وحدك أمام الشاشات، ولا تتغيب خلف الأبواب بحيث لا يراك أحد فيسول لك الشيطان فعل المعصية، واجلس دائما مع الناس خصوصا مع من تستحي من أن يروك على خلاف ما تحب، فإن الحياء يمنع أحيانا كثيرة من المعاصي والله أولى أن يستحيى منه.

ثامنا: اشغل نفسك بالطاعة:
لا تترك نفسك فارغة قدر طاقتك، بل اشغلها دائما بعمل فإن لم تكن طاعة فعلى الأقل ليس بمعصية، فإن النفس إن لم تشغلها بالطاعة شغلتك بالمعصية، وإن لم تأمرها بالحق أمرتك بالباطل، فابحث عن عمل تؤديه، أو دعوة تقوم بها، أو رحم تصلها، أو زيارة لمريض، أو صديق.. وأبواب الخير كثيرة، وأحسنها الحفاظ على الفرائض الواجبات ثم الإكثار من نوافل العبادات فهو من أعظم ما يعين على طاعة الله ويجلب محبته ورضاه كما روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم عن رب العزة سبحانه في الحديث القدسي يقول: [من عادَى لي وليًّا فقد آذنتُه بالحربِ، وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إليَّ ممَّا افترضتُ عليه، وما يزالُ عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافلِ حتَّى أُحبَّه، فإذا أحببتُه: كنتُ سمعَه الَّذي يسمَعُ به، وبصرَه الَّذي يُبصِرُ به، ويدَه الَّتي يبطِشُ بها، ورِجلَه الَّتي يمشي بها، وإن سألني لأُعطينَّه، ولئن استعاذني لأُعيذنَّه].

تاسعا: المجاهدة المجاهدة
إن الشيطان لن يدعك لتتوب وتفلت منه وتنجو من النار التي يريد أن يصليكها، ولذلك سيجلب عليك بخيله ورجله، ويحشد عليك جنوده، وسيذكرك بماضيك وكل معاصيك، وسيزين لك ما رأيت قبحه يريد أن يردك إلى ما كنت عليه، ويجعلك من نصيبه الذين أقسم أن يدخلهم معه جهنم، فلا عليك إلا أن تجاهد وتصبر، وتقاوم وتستغفر، وتستعين بالله تعالى عليه، وتجاهد نفسك أشد الجهاد.. وما هو إلا يسير حتى تشرق على قلبك شمس التوبة فيفر خفافيش الظلام من أمامك وتشعر بنشوة الانتصار كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين}.

عاشرا: الدعاء الدعاء
فهو عدة المؤمنين وسلاح القانتين وجنة المحاربين وسبيل الصادقين للنصر المبين، فالله تعالى قريب يجيب دعوة الداعين، وقد أمرك بقوله: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}(غافر:60)، وهو أقرب إليك مما تظن وأسرع في الإجابة مما تتوقع، فالجأ إلى جنابه، وأكثر الطرق على بابه يأتيك منه الخير كل الخير {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة:186).

أسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحا يغفر بها ما سبق من ذنوبنا، ويصلح لنا بها ما بقي من أعمارنا؛ إنه سميع مجيب.

Post: #48
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:08 AM
Parent: #47

الحمد لله.. جعل هذه الحياة داراً للابتلاء والامتحان، وميداناً للصراع بين الإنسان وبين الشيطان، وجعل موطن هذا الصراع وميدان هذه المعركة هو قلب الإنسان.. فأيهما تمكن منه كانت له الغلبة وكان له الفوز.. فإذا فاز الإنسان بالإيمان تمكن من القلب وطرد الشيطان، وإذا كان العكس كانت العاقبة للشيطان فباض فيه وفرخ وسكن فيه ووسوس.

والوسوسة نوع من الابتلاء الذي يصاب به الإنسان ويحزنه به الشيطان فيفسد عليه دينه وعبادته، بل وينغص عليه حياته كلها.
الوساوس داء عضال، ومقت ووبال، وقد يبغض المرء بسببه العبادة، ويستثقل الحياة، وقد يصاب بمرض نفسي أو عضوي بسبب الوسواس.

صليت بالأمس بجانب رجل صلاة الظهر فراعني والله ما رأيت، وعجبت مما سمعت وشاهدت، حتى أفسد على صلاتي أو كاد، ولم أملك في النهاية إلا أن أدعو الله تعالى أن يعافيه من هذا البلاء الشديد والكرب العجيب. وقد كثرت شكوى الموسوسين هذا الزمان في أشياء كثيرة من شئون دينهم ودنياهم، فأحببت أن أكتب حول هذه القضية.

سبب الوسوسة
ذكر أهل العلم كالإمام الجويني - رحمه الله- في كتابه الذي سماه: التبصرة في الوسوسة، ثم نقل هذا عنه عدد من العلماء أن الوسواس لا يكون إلا بأحد سببين: إما نقص في غريزة العقل، وإما جهل بمسالك الشريعة.

النقص في غريزة العقل
أما كونه نقصا في العقل فإن أحدهم يغسل يده عشر مرات ثم هو يظن أنها لم تغسل ولم يصل إليها الماء، ويقف أحدهم ينوي للصلاة ويرفع صوته فيسمع نفسه ويسمعه كل من حوله ثم هو بعد ذلك يظن أنه لم ينو.. ولولا نقص عقلهم ما بلغ الشيطان منهم هذا المبلغ.

ولذلك ذكر ابن الجوزي وابن القيم رحمهما الله أن رجلاً جاء إلى الإمام أبي الوفاء بن عقيل الحنبلي فقال له: يا إمام إنني أنغمس في الماء مرة، ومرتين، وثلاثاً، ثم أخرج منه، وأنا أشك هل ارتفعت الجنابة عني أم لا، هل اغتسلت أم لا. فقال له أبو الوفاء بن عقيل رحمه الله: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: [رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والصغير حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق] وهذا جنون.

الجهل بمسالك الشريعة
وذلك أن كثيراً من الموسوسين أيضاً يجهلون حكم الله ورسوله فيما يعانونه، يجهلون أسماء الله عز وجل وصفاته وما ينبغي له، وما لا يجوز عليه، فيقعون في الوسوسة في أسماء الله وصفاته، يجهلون أحكام الطهارات والمياه وغيرها فيقعون في الوسوسة في ذلك،.

أنواع الوسوسة
أنواع الوسوسة كثيرة فإنها ضرب من الجنون، وكما قالوا الجنون فنون.. فمن أنواع الوسواس:
الوسوسة في الإيمانيات
وفي قضايا العقائد، حيث يتنطع بعض الناس في التفكير في ذات الله تعالى وأسمائه وصفاته، ويخطر في فكره وقلبه خواطر وتصورات وظنون تشغل باله، وتجعله يشك في نفسه ويشك في إيمانه وتقلقه، حتى ربما يسهر بعضهم الليالي ذوات العدد وهو يتقلب في الفراش يفكر في هذه الأمور ويحاول أن يدفعها، ثم يرد على قلبه خاطر أعظم وأطم من ذلك، فيقول له الشيطان الذي أوقعه في الشبكة: مسكين أنت، قد تموت وأنت على هذه الحال، شاك في الله عز وجل مرتد عن دينه، فيكون مصيرك إلى نار جهنم، ولا يزال الشيطان يغلي هذا الإنسان في هذا الحريق حتى يصبح كالحبة التي تتقلب على النار، لا يهدأ له بال، ولا ينعم بنوم، فهذا هو النوع الأول.

الوسوسة في النية
أما النوع الثاني: فهو الوسواس في شأن النية: فإن كثيراً من الناس يوسوسون في نياتهم ومقاصدهم، يوسوس في نيته إذا أراد الطهارة، فيتوضأ مرة ثم يعود فيبدأ في الوضوء، فإذا انتصف قال: ربما لم أتوضأ، فقطع النية وعاد من جديد وهكذا يبدأ ويعيد، فإذا أراد أن يصلي أصابه ما قرب وما بعد في شأن النية، فإذا بدأ فيها ونصفها ربما قطعها وخرج منها ليعيد نيته من جديد مما يقود إلى الوقوع في كثير من البدع التي تزيد على العشر، كما ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله. ويصيبه من ذلك والعياذ بالله من المشقة والعنت ما لا يحمد عليه في الدنيا، ولا يؤجر عليه في الآخرة فنسأل الله السلامة بمنه وكرمه.

الوسوسة في الطهارة والمياه
أما النوع الثالث من أنواع الوسوسة: فهو الوسوسة في الطهارة والمياه وغيرها، فتجد الإنسان إذا قضى حاجته تعب في ذلك أشد التعب، وربما بقي في مكان الخلاء الساعات الطوال ومع ذلك يخرج وهو لا يدري هل تظهر أم لا.

الوسوسة في العبادات
وبطبيعة الحال فالوسوسة في العبادة ليست في الصلاة، فقط، بل قد يداخله الوسواس في الصيام وفي الحج، في عدد الطواف مثلاً، وفي عدد الحصوات التي رمى بها، وفي نوع العمل الذي عمله وفي كل عبادة من العبادات، فيفسدها عليه، ويحرمه من لذة العبادة وهو مع أهميته وجلاله أقل ما يمكن أن يصيب أصحاب الوساوس.

الوسوسة في المعاملات
والنوع الخامس من أنواع الوسوسة: هو الوسوسة في المعاملات، فتجد الإنسان يشدد على نفسه ويبالغ في ذلك وربما يطول بكم العجب لو رأيتم بعض ما ابتلي به هؤلاء الموسوسون في مثل ذلك، ثم إذا اشترى شيئاً أو باع شيئاً، رجع إلى بيته فنسي، هل أديت المال وقيمة هذه السلعة أم لا؟ فغلب على ظنه أنه لم يؤدها فرجع وربما يدفع قيمة ما اشتراه مرتين وثلاث مرات، وربما يكثر من مراجعة نفسه، أنك قلت في فلان كذا والواقع أن الأمر كذا، وقلت في أمك كذا، وقلت في أبيك كذا، وقلت في زوجتك كذا، وبدأ الشيطان يتلاعب به في أقواله وأفعاله، حتى أفسد عليه دينه ودنياه، هذه أهم أنواع الوسوسة.

آثار الوسوسة ومضارها
فهي تنقسم إلى: مضار دينية، ومضار دنيوية.
المضار الدينية على الموسوس
فالمضار الدينية أن هذا الموسوس قد يبغض إليه كثير من أمور الدين بسبب ما ابتلي به من الوسواس، فيبغض العبادة، يبغض الصلاة ويبغض قراءة القرآن لما يعرض له في ذلك من كيد الشيطان، وإذا حصل له هذه النوايا في قلبه بسبب ما ابتلى به من الوسواس ابتلي بوسواس آخر فقال له الشيطان: أنت الآن تبغض قراءة القرآن، أنت تبغض الصلاة لأنك ربما قد وقعت في الكفر، فجره إلى نوع آخر من الوسوسة والعياذ بالله! وانظر كيف يتدرج الشيطان بالإنسان، فهي سلسله من الوساوس إذا بدأت في الإنسان لا تكاد تنتهي، إلا بتوفيق الله عز وجل.

ومن المضار الدينية التي يبتلى بها الموسوس أنه قد يترك هذه العبادة، لا يكتفي ببغضها بل قد يتركها، فربما ترك الصلاة أو ترك على الأقل كثيراً من النوافل بسبب الوسوسة.

إن الوسوسة تشغل كثيراً من وقته فيما لا فائدة فيه فينشغل عن القراءة والذكر والعلم والدعوة بهذا البلاء المستطير، وربما دخل قلبه شيء من الخوف الذي هو خوف في غير مكانه، وأدى إلى ضرر عظيم على هذا الإنسان.

المضار الدنيوية على الموسوس
أولا: أن الإنسان قد يبتلى ببلاء من جنس ما وسوس فيه. كمن يوسوس في نزول البول بعد الطهارة فما يزال بنفسه حتى يصيبه ذلك من كثرة ما يخطئ في أسلوب الطهارة.

ثانيا: أننه يؤثر في صحته وجسمه، لأنه هم وغم يصيب الإنسان فيؤثر على عقله وبدنه، حتى ترى بعضهم هزيلا ضعيفا من كثرة الفكر وطول الهم خاصة إذا طال الزمن.

ثالثا: أنه قد يحرم الإنسان من المنافع الدنيوية، فأعرف من ترك طلب العلم والدراسة، أو التجارة أو غير ذلك وانشغل بهذا الأمر، فإذا انشغل تفرغ لهذا الوسواس وتفرغ الشيطان له، وكما يقال: زاد الطين بلة.

آثاره على غير الموسوس
وللوسوسة آثار ومضار على غير أصحاب البلاء، فمن آثاره ومضاره:
أنه يجعل نفسه مسخرة للناس حيث يضحكون به ويسخرون به، وربما نالهم الإثم بسبب غيبتهم له أو ضحكهم منه، أو استهزائهم بأعماله وتصرفاته.

ومنها: أن بعض من يحسنون الظن بهذا الموسوس قد يجارونه ويسايرونه ويقتدون به فيما فعل، فيسبب لهؤلاء الناس ضرراً وإثماً، وكان قدوة سيئة لغيره في ذلك.
ومن أضراره على الناس أيضاً، وهذه من الأضرار العظيمة في هذا العصر خاصة أنه يفتح ثغرة على أهل الخير حيث إن كثيراً من الأشرار وأعداء المؤمنين قد يسخرون منهم بسبب هؤلاء الموسوسين، فإذا وجدوا بين المؤمنين شخصاً موسوساً أطلقوا الوسواس على كل المؤمنين، فإذا رأوا إنساناً يعمل عبادة مشروعة مستحبة، بل ربما يعمل واجباً قالوا: هذا موسوس، فألصقوا به هذه الفرية بسبب وجود فرد أو أفراد مبتلين بهذا الداء، وبعضهم يقول للأب إذا رأى ابنه مع الصالحين: ابنك سيتحول إلى موسوس ويصاب بما أصيب به فلان من ترك العمل، وترك الدراسة، وكثرة البقاء في دورات المياه وإطالة الصلاة، وما أشبه ذلك من الأمور التي قد يجدونها في بعض الموسوسين.

علاج الوسواس
الوسواس داء وما أنزل الله من داء إلا أنزل له دواء، عَلِمه من عَلِمه وجَهِله من جَهِله. فعلى المبتلى أن يعرف أين طريق العلاج ثم يسلك فيه فيشفى بإذن الله. وهو ما سنحاول أن نبينه في مقال قادم بإذن الله .. نسأل الله أن يشفي كل مريض مسلم، وأن يلبسنا جميعا ثوب الصحة والعافية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ملخص محاضرة "رسالة إلى موسوس" للشيخ سلمان العودة

Post: #49
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:09 AM
Parent: #48

هناك طموح مشترك وعظيم لدى الشباب المسلمين والشابات المسلمات، وهو إقامة أسرة ملتزمة ومتحابة وناجحة، وهذا الطموح السامي نابع من طبيعة تكوين كل من الرجل والمرأة؛ حيث إننا حين ننظر في ملامح تكوين كل منهما نجد أن الرجل خلق ليعيش في جوار المرأة، كما أن المرأة خلقت لتعيش في جوار الرجل؛ إذ إن كل واحد منهما محتاج حاجة شديدة إلى الآخر، كما أن كلا منهما يوفر للآخر من الأنس والأمان والرعاية ما يجعل حياته هانئة وسعيدة.

أنا أشعر أن الشاب المعرض عن الزواج أو غير المهتم به، وأن الفتاة التي لا تطمح إلى أن تكون ربة بيت وأما صالحة.. أن ذلك وتلك سيظلان ناقصي الشخصية، حتى إني أكاد أقول: إن الإنسان يكتسب شخصية جديدة بعد الزواج؛ وذلك بسبب نمو بعض المشاعر والمفاهيم لديه من خلال تغير نظرته للحياة.

لاحظوا ما لدى آبائكم وأمهاتكم من الشعور بالمسؤولية تجاه بعضهم وتجاه الأسرة، ولاحظوا روح التضحية والإيثار والاحتمال وروح المسايرة والتفاوض والتنازل والتكافل والتعاون والتراحم والتعاطف المتبادل... إن كل هذه المعاني تكون لدى الآباء والأمهات أكثر اكتمالا وحيوية منها لدى الرجال والنساء غير المتزوجين وغير المتزوجات.

شيئان مهمان:
وعلينا ألا ننسى هنا شيئين مهمين جدا هما:
الأول: تحصين النفس من الانحراف، وإعفاف العين عن النظر إلى الحرام، وكلكم يعرف قوله صلى الله عليه وسلم: [يامعشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء] (متفق عليه).
إن هذه دعوة صريحة إلى الحرص على الزواج وإلى الحرص على التبكير فيه، وأي شيء أجمل من أن ينجب الإنسان أولاده وهو شاب، فيستمتع بهم، ويستمتعون به مدة طويلة من الزمان ـ بإذن الله ـ كما أن الأبوين الشابين يكونان أقدر على فهم مشاعر أبنائهما واحتياجاتهم وأقدر على تربيتهم وتعليمهم.

الثاني: إشباع عاطفة الأبوة والأمومة التي فطر الله تعالى عليها الرجال والنساء، وهذه من بركات الزواج.

إن الأطفال هم بهجة الحياة، وبهم ينسأ الله في آمال الإنسان ويمد في نظرته للمستقبل، كما أن الصالحين منهم يضيفون باستمرار الحسنات إلى رصيد آبائهم وأمهاتهم والذين كانوا السبب في وجودهم وصلاحهم.

مقومات بناء أسرة متميزة
قد تقولون: ما الذي علينا أن نفعله حتى نتهيأ لبناء أسرة متدينة ومتحابة ومتميزة؟

أقول : إن هذا الأمر يتطلب العديد من الأمور وأهمها ثلاثة:
1 ـ إدخال مسألة الزواج وبناء الأسرة في الخطط المستقبلية للشباب والفتيات، وهذا يعني أن عليهم وهم يفكرون بدراستهم أن يتساءلوا: متى سيكون الزواج؟ وهل يمكن التوفيق بين الدراسة والزواج؟ وكيف يتم ذلك؟ أو أن الزواج يكون بعد الانتهاء من الدراسة؟

وهذه المسألة مهمة جدا بالنسبة إلى الفتيات، حيث إن الواحدة منهن قد تختار تخصصا يحتاج الفراغ منه إلى وقت طويل، وقد تلتحق بالدراسات العليا ولا تفرغ منها إلا وقد تجاوزت الثلاثين، وهذا يجعل الخيارات أمامها محدودة. مما يضطرها إلى أن توافق على زوج ليس هو الزوج الذي تستحقه، وحسب خبرتي الخاصة فإنه إذا توفر المال فإن الزواج لا يعيق عن التحصيل العلمي الجيد، ولا سيما إذا تم تنظيم الوقت على نحو حسن.

وينبغي على الفتاة إذا حصلت على الثانوية أن تعطي الأولوية للزواج عند عدم إمكانية الجمع بين الدراسة والزواج وسيكون في إمكانها أن تدرس منتسبة أو في جامعة مفتوحة.

2 ـ ليكن الدين والخلق أهم ما يبحث عنه الشاب، وأهم ما تبحث عنه الفتاة؛ لأنهما يشكلان الضامن الأساسي لاستمرار الحياة الزوجية، بعض الشباب والفتيات يؤدون الفرائض ولا يرتكبون الكبائر لكن لديهم طباع رديئة وأخلاق صعبة، وبعضهم لديه أخلاق سهلة وصفات محببة، لكنهم مفرطون في الواجبات ومتساهلون تجاه بعض المحرمات، وهؤلاء وأولئك ليسوا ممن ينبغي أن يسعى إليهم، وذلك بسبب عدم توفر الدين أو الخلق، وإن كثيرا من المشكلات التي تعاني منها الأسر اليوم يعود إلى ضعف في الدين أو ضعف في الأخلاق.

3 ـ أنتم تلاحظون كثرة الخلافات الزوجية وكثرة وقائع الطلاق في هذه الأيام، وذلك بسبب الثقافة التي تنشرها العولمة والتي تؤكد على لاستقلال الشخصي، وتروج للأنانية، والتمتع والتسلية واللهو، وهذه المعاني مضادة لمقتضيات التآلف والتراجم بين الزوجين، ومضادة لأسس الاستمرار في حياة زوجية هانئة؛ ولهذا فإن على كل واحد من أبنائي وبناتي أن يحاول امتلاك الثقافة التي تساعد على أن يكون عضوا ممتازا في أسرة ممتازة ، وذلك من خلال معرفة أدوار الحياة الأسرية وواجباتها، ومعرفة شروط الوئام الأسري، كما أن عليه أن يتهيأ نفسيا وثقافيا لتربية الأولاد والبنات وينبغي أن يكون هذا قبل الزواج بمدة كافية.

4 ـ إن أقدر نسان على إسعاد إنسان آخر وإشقائه هو الزوج والزوج؛ ومن ثم فلابد من معرفة مكونات الحياة الأسرة الناجحة، والامتثال لمتطلباتها.

إن الزواج المبكر من غير استعداد حسن قد يؤدي إلى طلاق مبكر، وهذا ما تشير إله الدراسات حيث إن معظم حالات الطلاق يقع في السنوات الأربع الأولى من بداية الحياة الزوجية.
د. عبدالكريم بكار

Post: #50
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:10 AM
Parent: #49

كانت كل الأحاديث حولي تدور حول تفوقي الدراسي وهمتي الفريدة في مساعدة والدتي في شئون المنزل ومهارتي في الطبخ، حتى أن أمي كانت تتباهى بي في كل محفل وعند كل وليمة نعدها بالمنزل للضيوف من الأقارب والأحباب، واتسمت من بواكير شبابي بسداد الرأي فكان كل من بالبيت والعائلة يحرص دوما على مشورتي في مجريات الأحداث وتلمس رأيي الشخصي، بل أذكر أن والدي لما كبرت صار يعمل لي ألف حساب عندما ينشب الشجار بينه وبين والدتي تقديرا لشخصي واحتراما لمشاعري فهو يحاول أن يجذبني لصفه، ولا يصعد المشكلة لو تحاملت عليه ولمته على انفعاله، فلقد كنت دلوعته الحبيبة وبنته الوحيدة وموضع فخره واعتزازه، وتوطدت الصداقة بيننا لما نجحت في الثانوية العامة ودخلت كلية من كليات القمة التي تقاصرت قامات كثير من شباب العائلة والجيران عن الالتحاق بها وفاتهم ما ظفرت أنا به بسبب درجة أو درجتين لا أكثر ولا أقل، وكان حتما عليهم لتدارك ما فات أن يدخلوا الجامعات الخاصة بلهيب أسعارها الذي يثقل كاهل أغنى الأسر.

كانت الدنيا كلها ملكي، وكنت أعيش بمعادلة واحدة «من جد وجد ومن زرع حصد».. لكن مع دخولي في سن الزواج بدأت الرياح تأتي بما لا تشتهي السفن.. حتى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي رغم أن رفيقاتي وقريباتي بدأن في دخول القفص الذهبي الواحدة تلو الأخرى، وانتبهت لأمور لم تخطر على بالي يوما.. إني سمراء في مجتمع يعشق شبابه الشقراوات! والمجتمع يعاني من أزمة بطالة استعصت معها أمور الزواج وتكاليفه من شقة ومهر وميزانية تثقل كاهل أي شاب حديث العهد بمسئوليات الحياة.

جرت السنون سراعا ودخلت على أعتاب الثلاثين وبدأت كلمة «عانس» ترن في أذني وترد مرارا على خاطري.. معقولة أنا عانس؟!!.. يا إلهي.. بأي ذنب وجريرة.

وليت الأمر اقتصر على ذلك، بل أجدني فريسة مستباحة في المجتمع لأني بدون رجل، ووصل الأمر إلى خوف بعض المتزوجات مني على أزواجهم!!.. إن الأرض تكاد تمور من تحت قدمي وأوشك أن أفقد توازني واستقراري النفسي الذي كنت أتمتع به.

لقد بدأت المعادلة التي كنت أعيش بها تهتز، وأيقنت مع تجارب الأيام أن ليس بحتم أن كل من جد وجد وليس كل من زرع حصد! وكم في السجن من مظاليم، وكم في الحياة من مساكين، بلا جريرة تذكر ولا خطيئة تؤثر ولكنها الأقدار.

كانت مناسبات الزواج السعيدة من حولي أشبه بمأتم شخصي يذكرني بزوجي وفقيدي الذي لم يأت، وكانت تهنئة «عقبالك» كسكين يغرز في قلبي ووجداني، وأتمنى ساعتها لو انشقت الأرض وابتلعتني من شدة الإحراج الذي أحاول أن أدفعه بكل ما أوتيت من إرادة وعزيمة كي لا يبدو على قسمات وجهي.

كنت أحس بالغربة عندما أرى زوجة قد تعلقت بيد زوجها في الطريق وأمامهما طفلين جميلين أشبه بالعصفورين، وكنت كالصماء بين السيدات اللاتي يتحدثن عن أزواجهن وغيرتهم أو غضبهم أو حنانهم.

رغم أنفي في عالم غريب
إن العنوسة عالم غريب دخلته رغما عن أنفي، وأغرب ما فيها أنني ما تصورتها بحياتي يوما، ولا تخيلت أنني سأعيش كالمتهمة تلاحقني نظرات الشفقة حينا ونظرات التهمة حينا آخر.
ولقد دفعني الفضول لأن أغوص في هذا العالم وأتعرف على مكنوناته وأسراره، فوجدت أن المختصين قالوا: إن العانس قد تعاني من بعض السلوكيات النفسية الغريبة كالانطوائية، أو الميل للعدوانية نحو النساء المتزوجات كنوع من التعبير عن الحقد عليهن، أو التعلق الزائد بالوالد (عقدة الكترا) لإرواء الحاجة بوجود رجل في حياتها، أو السخط على المجتمع عامة وأفراد الأسرة خاصة ـ وبالذات لو كان قرار الأب أو الأم عائقا في تزويجها كغلاء المهر أو الانتماء القبلي أو تزويج الكبرى أولا أو غيرها من الآفات الاجتماعية التي توقع البنت المسكينة في شراك العنوسة بلا ذنب ولا جريرة.
وقالوا أيضا: إن العانس تكون غارقة في أحلام اليقظة عن فتى الأحلام الذي تصبو نفسها إليه، مع النزعة التشاؤمية وفقدان المعنى من الحياة.

أما الفقهاء الإسلاميين فتناولوا الآفات الاجتماعية التي تعرقل الزيجاب بما يعرف باسم «العضل»، حيث يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ النِّسَاء كَرْهاً وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}[النساء:19]

والطامة الكبرى «الطفولة» التي حرمت منها ولفظة (أمي) التي طالما حلمت بها.. إن حبي للأطفال لا يبلغه وصف ولا يحده حد، وكم كنت أتمنى أن يكون لي طفل أحتضنه وأشتمه وأقبله وألاعبه، وأملأ به دنياي، لكن ما كل ما يتمنى المرء يدركه.

لكني اليوم ـ ومع طول خبرة في أيام العنوسة ـ أدركت أنني كنت خاطئة بهذه المشاعر المبالغ فيها.. إنني اليوم أكثر نضجا مما مضى، وأكثر تفهما لطبيعة الحياة، فبعد استيعاب الصدمة وهدوء المشاعر والتفكير بواقعية وعقلانية أكثر تبين لي أن العنوسة لا تعدو كونها قدر وابتلاء ومحنة كسائر المحن، ومن منا استقامت له الحياة دوما على دروب السعادة والهناء.. إن لكل منا أزمته ومحنته مع اختلاف الصور والأشكال لا أكثر ولا أقل.
فكم من معاق أغلى أمانيه أن يرد الله له صحته، وكم من فقير تمنى أن يسد الله فاقته، وكم من سجين تمنى أن يفك الله حبسته، وكم من خائف تمنى أن يؤمن الله روعته، وكم من غريب تمنى أن ينهي الله غربته. وكم من مدين وتعيس وجاهل ومكروب ومأزوم.. والقائمة تطول.
وهل كل من تزوج فهو سعيد، حتى لو اختار الزوجة الجميلة وعنده الطفل البريء والمسكن الهنيء؟.. كلا وألف كلا، فأين الزوج البخيل والشكاك وضعيف الشخصية والفاشل والمدمن والسلبي والحقود والغيور؟!.. وأين الزوجة الثرثارة والغير نظيفة والمتهورة والغبية والخائنة؟.. أليست كلها مشكلات تعشش في القفص الذهبي؟.. أليس من الأزواج من يتحسر على أيام الشباب والانطلاق ويسخط على أيام زواجه وعظيم مسئولياته؟.. أليس من الزوجات من تصبح كل يوم على أمل أن يقبض الله روح زوجها لتستريح من ضربه المبرح أو إدمانه أو نزواته أو ألفاظه الجارحة وتصرفاته الخشنة؟.

إن المؤمن يعيش بين قضاء وقدر ووفق مخطوط قلم سبق، ومن العباد من إن أغناه الله فسد حاله، ومنهم من إن أفقره الله صلح حاله، ورسالة الإنسان الجوهرية ليست في الزواج وحسب، بل رسالته في أن يقيم العبودية، والصبر على الأقدار أحد مقاماتها بل من أشرفها على الإطلاق، وهذا ما يميز المؤمن عن غيره، حتى صار مضرب المثل ومكمن العجب، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، فسبحان من يبتلي عباده ليكرمهم ويعظم أجرهم، فتلمس عوض الجليل والنعيم المقيم يهون كل بلاء وييسر كل عسير، ومن يرد الله به خيرا يصب منه، ويبتلى المرء على قدر دينه.

فاللهم ارزقنا الرضا في السراء والضراء، وارزقنا شكر نعمك العديدة ومنحك المديدة، واجعل عاقبتنا في الأمور كلها إلى خير، ولا تكلنا إلى أنفسنا فنزل ونشقى، أنت حسبنا ونعم الوكيل، وأنت المستعان على الكثير والقيل والجليل والحقير.
د.خالد سعد النجار

Post: #51
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:11 AM
Parent: #50

نجاح .. مكسب .. فرح .. قلق .. خوف .. حزن .. إحباط .. إحساس بالفشل .. استياء..
تختلف المشاعر التي نتعرض لها، وتختلف ردود أفعالنا تجاهها .. ربما نكون جزء من الألم الذي نتعرض له، وربما نكون الضحية بلا ذنب .. قد نجد من يستمع إلينا ويرشدنا إلى بر الأمان.. يذكرنا في حين غفلة أن أمر المؤمن كله خير، وأن رحمة الله وسعت كل شيء .. وقد نجد الأبواب مؤصدة ونبقى أسرى لمشاعرنا حينا من الزمن.

قد تمر عليك لحظات تكون فيها يائسا إلى أبعد الحدود .. ولكن يبقى هناك شعورا غريبا بداخلك يقف بجانبك، وهو الذي يجعلك تستمر وتكابد مصاعب الحياة .. نعم عندما تقفل جميع الأبواب في وجهك، يظل هذا الباب مفتوحا أمامك، وأنت تمني النفس وتبني الآمال أن يكون لهذا الباب الوحيد دورا في تغير حياتك وإبعاد اليأس عنك ..

نعم إنه باب «الأمل» فالحياة كلها تدور لحظاتها سريعة وتتفاوت بين اليأس أحيانا وبين الأمل أحيانا أخرى، فهل اليأس هو الحل الوحيد لك وللمشاكل كلها .. بالطبع لا .. فجميعنا لدينا أمل أن تتحسن الظروف ويتغير الحال.
«الأمل» .. تلك القوة الدافعة التي تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة، كما تدفع المخفق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، وتحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه.
الأمل الذي نتحدث عنه هنا ضد اليأس والقنوط .. إنه يحمل معنى البشر وحسن الظن بالله تعالى، بينما اليأس معول الهدم الذي يحطم في النفس بواعث العمل، ويُوهن في الجسد دواعي القوة. ولهذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجب».. القنوط هو اليأس، والعجب هو الإعجاب بالنفس والغرور بما قدمته.
قال الإمام الغزالي: «إنما جمع بينهما: لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، لأن ما يطلبه مستحيل في نظره».

وقمّة الأمل والتفاؤل في اتصال القلب بالرب جل وتعالى؛ فالصلاة تفاؤل، والذكر تفاؤل؛ لأنه يربط الفاني بالحي الباقي، ولأنه يمنح المرء قدرات واستعدادات وطاقات نفسية لا يملكها أولئك المحبوسون في قفص المادة .. إن المؤمن في كل أحواله صاحب أمل كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره؛ لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب، بل يتعداها موقنا أن لها خالقا ومسببا وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون، فيمتلئ قلبه توكلا ورجاء وأملا. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين؛ لذلك تراهم ينتحرون ويصابون بالعقد والأمراض النفسية الكثيرة، نسأل الله العافية.
ولذلك كان الصالحون يتقربون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم، فهذا ذو النون المصري كان يقول في دعائه: "اللهم إليك تقصد رغبتي، وإياك أسأل حاجتي، ومنك أرجو نجاح طلبتي، وبيدك مفاتيح مسألتي، لا أسأل الخير إلا منك، ولا أرجو غيرك، ولا أيأس من رَوحك بعد معرفتي بفضلك".
قضية اليأس والأمل ليست مجرد قصة تتصل بالحالة النفسية للإنسان عبر نتائجها الإيجابية والسلبية، بل تتصل بالنفس عبر كلام الله تعالى والخط العقائدي .. فأن تكون الإنسان الذي يعيش الأمل في عقله وقلبه يساوي أن تكون مؤمناً قويا في إيمانك .. أما أن تكون الإنسان اليائس يساوي أن تكون المرء الفاتر ضعيف الإيمان.

ونحن قد نعيش في مجتمع سلبي، ونحاط بأخبار سيئة ابتداءً من صحيفة الصباح وحتى أحداث المساء بشكل عام، قد تكون ثقافتنا ليست مشحونة دائما بجو إيجابي، وكل يوم نقوم بخيار ما لنملأ عقولنا إما بأفكار إيجابية أو بأفكار سلبية .. وللهروب من مجرى الأفكار السلبية، فأنت تحتاج لأن تفسح مجالاً لعادة التفكير بإيجابية، فالإسهاب في الأفكار السلبية هو سلوك مكتسب، وما تم اكتسابه يمكن للمرء أن يتخلص منه، لأن التفكير السلبي يشبه القطار الذي تزداد سرعته كلما تحرك مسافة أبعد.
إنك تبرهن عن النجاح أو الفشل طبقا ًلنوعية وطريقة تفكيرك الاعتيادي .. أيهما أقوى في حياتك: أفكار النجاح، أم أفكار الفشل؟ إن كان تفكيرك سلبيا ًفي معظم الأوقات، فلن يكفي التفكير الإيجابي بين الحين والآخر لاجتذاب النجاح. ولكن إن فكرت باستقامة وإيجابية فستعثر على ضالتك وستبلغ غايتك، حتى ولو شعرت أنك محاط بظلمة كثيفة..

أنت الوحيد المسئول عن نفسك :
ولا سبيل إلى جعل مستقبلك أفضل من حاضرك - بإذن الله تعالى - إلا بشيئين:
«الأول»: تخيل صورة ذهنية للمستقبل أفضل من صورة الحاضر.
«الثاني»: بذل الجهد واتخاذ الخطوات العملية التي تستطيع أن تحيل بها تلك الصورة الذهنية المتخيلة إلى واقع متحقق.
فمن الخطأ الجسيم أن ننسى ما يجب أن يكرسه المرء من وقت وجهد وتركيز ومواصلة لتحقيق صورته الذهنية، بل ينبغي في نفس الوقت تخصيص الجهد والوقت والمثابرة والمواصلة حتى نجعل الوسائل المتاحة لدينا ناجعة وذات فاعلية وتأثير في تحويل الصورة الذهنية إلى واقع حي.
فعلى الإنسان المؤمن إذا أحاطت به المشاكل أن يدرسها على أساس الواقع، وأن يدرس الثغرات التي يمكن أن ينفذ منها، والآفاق التي يتطلع إليها، وأن لا يحبس نفسه في سجن ضيق من التشاؤم ومن اليأس، بل يفتح لنفسه كل أبواب الرجاء وكل أبواب الأمل.

وقد حدثنا الله تعالى في بعض آياته أن التقوى التي يعيشها الإنسان في عقله وفي قلبه وفي حياته تمنحه المخرج حيث لا مخرج، ويكتشف الحل حيث لا حل، ويحصل على الرزق من حيث لا يحتسب {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ}[الطلاق: 2 – 3].
ومن يتوكل على الله وهو يسعى لحل مشكلته .. ومن يتوكل على الله وهو يعي طبيعة الواقع .. ومن يتوكل على الله وهو يخطط للمستقبل ..{وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} [الطلاق: 3] فإذا أراد الله شيئاً بلغه {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} أي قد جعل الله للمشاكل قدراً محدوداً، ولحلولها قدراً محدوداً، وفتح للإنسان أكثر من أفق جديد، في عقولنا وفي قلوبنا ومشاعرنا.

فأن نكون مؤمنين يعني أن لا يزحف اليأس إلى حياتنا، وأن نبقى محدقين في الشمس عندما تميل إلى الغروب وينتشر الظلام، ونحدق بالنجوم وهي تشير إلينا أن الظلام ليس خالداً، وأن هناك إشراقة الفجر التي تنطلق من كل نقاط الضوء .. فإذا كنت تشعر بالظلام ففكر بنقاط الضوء التي تجدها منتشرة في الحياة حتى تلتقي بالفجر، وفي قلبك أكثر من أمل، وفي قلبك أكثر من انفتاح على الشروق، وأقولها للشباب، عندما ينطلقون في دراساتهم وفي مشاعرهم وفي عواطفهم، وأقولها للثائرين وللمجاهدين الذين يواجهون التحديات .. «ليس هناك ظلام مطلق» .. علينا أن ننتج النور من عقولنا، وأن ننتج النور من قلوبنا، وأن ننتج النور من جهدنا، لنلتقي بالنور الذي يفتحه الله تعالى لنا من خلال إشراقة شمسه.
د. خالد سعد النجار

Post: #52
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:13 AM
Parent: #51

طلقني يا رسول الله
"وما منعني أن أجيبك إلاّ أنّي سمعت رسول الله يذكرها". هكذا أجاب أبو بكر عمر و هو يستسمحه أنْ لم يُجبْ عليه عندما عرض عليه الزّواج من حفصة.

حفصة الصّحابيّة، وواحدة من أوليات المهاجرات، و زوجة شهيد بدريّ، وابنة صفيّ من أصفياء رسول الله ومن المبشّرين بالجنّة والمعزّ لدين الله، ولكن أغلب صفاتها هذه قد تنطبق على كثير من الصّحابيّات في عصرها، و في الصّحابة فضل كبير، وكان يمكن لرسول الله - صلّى الله عليه و سلّم- أن يختار أحسنهم ويزوجه بها؛ فقلبه وعقله وحياته ممتلئة بكاملة من النّساء، هي عائشة - رضي الله عنها- وقد مكّن الله لها في قلبه، ورزقه حبّها، وجعله عقدة لا تنفكّ أبدًا لتكون زوجة الدّنيا وأمّ المؤمنين، وسيّدة من سيّدات أهل الجنة، وليكون ريقها الطّاهر المطهّر آخر ما يدخل جوف المصطفى، قبل أن يلاقي ربّه مؤثرًا الرّفيق الأعلى على صحبة الأحباب، بعد أن أدّى الرّسالة وبلّغ الأمانة ونصح للأمّة وعبد ربّه.

لماذا يقدم الرّسول على الزّواج بحفصة وقد حاز الكمال والرّضا والسّعادة والحبّ وقرّة العين في عائشة؟! لماذا يبادر بنفسه، ولا يقدّم غيره؟! هل أراد أن يؤذي عائشة ويكسر قلبها قصدًا وتجبّرًا بما آتاه الله من سلطة القوامة والقدرة على التّعدّد وإنفاذ أمره، وهو يعلم تعلّقها وغيرتها وحبّها؟!

هل ضرب بحياتهما سويًّا عُرض الحائط وهي التي تزوّجته صغيرة السّن وهو في أشدّه، وفتحت عيناها وقلبها وعقلها على دنياه؟! هل أراد فقط أن يجبر كسر حفصة؟ وهل كانت حفصة امرأة عاديّة، وهي التي أوصى بها الله سيّدنا محمد، فأوحى إليه: "إنّ حفصة صوّامة قوّامة وهي زوجك في الجنّة"، وهي من لُقّبت بحارسة القرآن الذي حفظت نسخه في بيتها قبل جمعه في المصحف؟!

مثل هذه التّساؤلات تسألها نساء عصرنا عمّن يعدّد، و أنا منهنّ ما زلت أحاول أن أفهم، أرى النّجاح فأفرح، وأرى الفشل فأزداد نقمة على من أساؤوا لدين الله، ولولا قدْر رسول الله في نفوس المؤمنات لتساءلن عن السّيرة أيضًا، ولكنّنا نكتفي بالقول والحكم أنْ ليس أحد مثل الرّسول في شخصه وعدله، وأنّنا لا نحرّم الحلال نظريًّا، ولكن عمليًّا تفضّل 90% من النّساء- حتى لا أعمّم، المتديّنات خصوصًا، الموت، أو أن يموت زوجها، ولا يتزوّج عليها؟! فهل معنا حقّ؟!

معنا بعض حقّ لغياب العدل على الأغلب لمن يعدّدون، إلاّ في أمثلة قليلة تحتاج إلى جهود جبّارة من التّقوى والحكمة ليس فقط من الرّجل، وإنْ كان يقع عليه العبء الأكبر، وإنّما من النّساء والعائلة.

فهل الحلال حلال نظريّ؟! وهل كان ربّنا الرّؤوف الرّحيم الودود يريد ظلم النّساء بهذا التّشريع، وهو الذي أوجد الغيرة والتعلّق في فطرتهنّ؟! تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا.
ولنقل إنّ الرّسول رسول مؤيّد من الله بالصّبر والحكمة وسعة الصّدر، فماذا عن النّساء؟!

في ليلة الزفاف!!
في ليلة بناء الرّسول بحفصة هل بكت أمّنا عائشة دموعًا أغرقت المدينة المنوّرة، وجاءتها أختها أسماء وقريباتها، والكلّ يندب معها حظّها وعمرها وتضحيتها؛ حتى أُغمي عليها، وأيقظتها النّساء وهي ذاهلة، وفي رأسها فكرة واحدة لا بديل عنها "بمجرّد أن أرى محمّدًا سأطلب منه الطّلاق؟!".

هذا السّيناريو والمشهد هو ما نعرف ونرى ونتوقّع في حياتنا، فهل هو ما حصل فعلاً، مع علمنا بغيرة السّيّدة عائشة الأسطوريّة والخالدة على رسول الله؟ هل عبست في وجهه وهجرته، وغلّقت الأبواب، ونكرته بعد أن أمرها أبو بكر بلزوم بيتها وزوجها؟!

هذه الغيور الشّابّة المحبّة التي نُسجت نياط وعروق قلبها لتنبض بحبّ رسول الله الذي قالت له: "إنّي لأحبّك و أحبّ هواك" لم تفعل شيئًا من ذلك، بل إنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- لمّا خيّرها في البقاء معه أو طلاقها في قضيّة الإنفاق، وطلب منها أن تستشير والديها قالت له بدموع عينها: "أفيك أستأمر والديّ"؟ وكانت الحياة لها حياة رسول الله، والموت موته لا انفصام في دنيا ولا في آخرة.

هذه المحبّة الغيور التي ما عرفت حبيبًا ولا رجلاً غير محمد - صلّى الله عليه و سلّم- أصبحت -كما تذكر السّيرة- مع حفصة حزبًا واحدًا ويدًا واحدة لا تتركها، بل إنّ السّيّدة حفصة كانت تقول: "رأيي تبع لرأي عائشة"!
فهل كانتا امرأتين خارقتين من طينة غير طينة النّساء؟! أم هنّ ليستا من البشر، لذا لا غيرة في قلبيهما؟! ألم يكن لهما بعض جولات مع الغيرة؟!!

ألم تطلب السّيّدة أم حبيبة على فراش موتها السّيّدة عائشة وقالت لها: "قد كان يكون بيننا ما يكون بين الضّرائر، فتحلَّليني من ذلك؛ أيْ سامحيني، فحلّلتها، واستغفرت لها، فقالت: سررتني سرّك الله". وأرسلت بمثل ذلك إلى باقي الزّوجات.

الجواب والحلّ
الجواب والحلّ الذي ندّعي أنّنا نملكه كنساء ولا نملكه هو التّقوى ومخافة الله عند حصول الاختلاف، والجواب والحلّ الذي يدّعي الرّجال أنّهم يملكونه، ولا يملكونه هو العدل في النّفقة والمبيت، وحبّة المسك فوق ذلك في الطّيبة والحنان.
ثم هل كان فلك السّيّدة عائشة وحفصة يدور في الحب ّوالغيرة وكيْد النّساء؟!

أم أنّ عائشة كان لديها مشروعها الخاصّ في بلوغ منزلة العلم والفقه والفتوى، والنّهل من معين العلم النّبويّ؛ فكان أن أحرزت نصف علوم الدّين لتتولّى تعليم المسلمين أمور دينهم، ووراثة النّبوّة بالعلم؟!
وأمّا حفصة فكانت تعرف القراءة والكتابة، وكانت تفتي، وتروي الحديث، ولذا استودعوا عندها أعظم الأمانات من صحائف القرآن قبل جمعه.

هذا مقال ليس له خاتمة؛ فأنا أقف فيه على الأعراف، أسأل الله لي وللمسلمين من أفضال الفهم وأنوار الهداية التي توصل إلى جنّة الدّنيا والآخرة، وأدعو على الظَّلَمة إمّا بالتّوبة أو القصاص لمن يلعب بدين الله.
هذا مقال ليس له خاتمة، بل أسئلة أطرحها للتّداول والنّقاش..

هذا مقال لم يذكر قصص ظلم الزّوجات والعائلات بسبب فَسَقة من الرّجال أخذوا من الدّين ذريعة لتحقيق أهواء دنيئة ممّا يجعل النّاس، وخاصّة النّساء، ينفرْن من التّعدّد، بل ومن خطاب الدّين كلّه، ويمارسْن شيئًا من الشيزوفرينيا الإيمانيّة في الإيمان بالنّصّ النّظريّ والكفر بالتّطبيق العمليّ!!

هذا مقال لم يذكر أنّ هناك حالات معاصرة مشرقة للتّعدّد تستحقّ دراسة أسباب نجاحها.
هذا مقال لم يتعرّض لأثر الإعلام الهدّام في زيادة النّفور من التّعدّد بتصوير الزّوج بالخائن، وتصوير الزّوجة بالضّحيّة، والزّوجة الثّانية بالمجرمة.

هذا مقال لم يذكر أنّ هناك ملايين الأرامل في العراق، ومئات الآلاف في سوريا، والعوانس كذلك يبكين كلّ ليلة مثل تلك المرأة في زمن سيّدنا عمر التي مرّ ببابها، وهو يعسّ وسمعها تنشد:
تطاول هذا اللّيل واسودّ جانبُهْ
وأرّقني ألاّ خليل ألاعبُهْ
فو اللهِ لولا اللهُ أنّي أراقبُه
لحرّك من هذا السّريرَ جوانبُه
فما كان من سيّدنا عمر إلاّ أن ذهب إلى أمّنا حفصة وسألها: أيا بنيّة، كم تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت له: يا أبتِ، يغفر الله لك، أَمِثلُك يسأل مثلي عن هذا؟! فقال لها: لولا أنّه شيء أريد أن أنظر فيه للرّعيّة ما سألتك عن هذا. قالت: أربعة أشهر، أو خمسة أشهر، أو ستّة أشهر. فقال عمر: يغزو النّاس يسيرون شهرًا ذاهبين، ويكونون في غزوهم أربعة أشهر، ويقفلون شهرًا.
فما بالنا بمَن غاب عنها زوجها غيبة أبديّة، أو لم تتزوّج سابقًا، وكان لها رغبة في زوج وأسرة تكمل لها دينها ودنياها؟!

هذا مقال قد نتساءل بعده (النّساء بالذّات): لماذا يجب أن أدفع أنا من حياتي واستقراري لمثل هؤلاء النّسوة؟ ألا يكفي الدّعاء والتّعاطف والكِفالة الماديّة وليحمل غيرنا عنّا؟!
أسئلة ليس لها إجابة حاسمة عندي.
مع رجاء ألاّ تقوم الحرب العالميّة الثّالثة عليّ، وألاّ أفقد جمهوري من القارئات، أو أكسب قرّاء من الرّجال؛ لأنّي تناولتُ حاجة في نفوسهم يقدمون عليها، دون فهم أو عزم أو قدرة!
أمّا من وفى فقد وفى لشرع الله ولنفسه، ونجا في الدّنيا والآخرة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم

Post: #53
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:14 AM
Parent: #52

Quote: الزواج سنة كونية، وشريعة ربانية، وهو سنة الأنبياء، وطريق الأنقياء الأتقياء. يحفظ الله به الدين ويصون المؤمنين، ويقرب من رب العالمين.. يغض المرء به بصره، ويحفظ فرجه، ويحمي دينه ويصون مروءته وخلقه، ويقيم به أسرة تكون لبنة صالحة في بناء المجتمع ، ويرزق به نسلا يباهي بهم النبي الأمم يوم القيامة... لكن..

قبل أن يكون الزواج غلطة، أو ورطة، أو يتسبب لك في الإصابة بجلطة لابد أن تقف قليلا لتتخير من تتوفر فيها المؤهلات التي تحقق لك كل ما ذكرناه آنفا.. فليست كل امرأة ولو كانت جميلة أو غنية أو عاملة أو حسيبة نسيبة قادرة على القيام بهذه المهمة الخطيرة أو هذه السلسلة من المهام الهائلة... وكذلك ليس كل رجل.

والحل؟؟!!
الحل هو أن تتوقف كثيرا ـ لا قليلا ـ لاختيار من تصلح لك، لتكون زوجة واعية، وأما مربية، وصديقة ودودة، ورفيقة درب في الحياة أولا ثم في الجنة بعد الوفاة إن شاء الله.

إن اختيار شريك الحياة أو شريكة الحياة من أهم خطوات الزواج، إن لم يكن أهمها على الإطلاق ـ كما أعتقد أنا ـ وهذا الاختيار يحتاج إلى تحقيق وتدقيق وتأن وعدم تعجل، فالتسرع في هذا الباب يجر ويلا وويلات، بل هو أول أسباب انحلال الحياة الزوجية، وتنغيص الحياة الأسرية. وكم من شاب سارع بالزواج لأنه سحره جمالها وحسن قوامها؛ فوقع بعد الزواج على أم رأسه وقاسى الويلات وذاق المرارات، وقل مثل هذا في المتسرعات من الشابات أيضا.

قواعد للاختيار
يقول الله تعالى في سورة النور: {وأنكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم}(النور:32)، وقد روى الترمذي عن سيدنا النبي قوله: [إذا خطب إليكم من ترضون دينه خلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض].
يقول العلماء: أكد الشارع أن الكفاءة في الزواج أصلها الصلاح وهو أهم عنصر في الاختيار، ولئن كان النسب والغنى والمستوى العلمي وغير ذلك من الأمور معتبرة، إلا أن صلاح الزوجين والتزامهما بتعاليم الدين وآدابه واوامره يذيب كل تلك الفوارق ويجمع بين الزوجين على خير وفضيلة.

وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم بنت عمته زينب لزيد بن حارثة مولاه، وزوج عبد الرحمن بن عوف أخته من بلال الحبشي، وزوج أبو حذيفة سالما من هند وهو مولى لامرأة من الأنصار، وعندما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بني بياضة أن يزوجوا أبا هند امرأة منهم قالوا: يارسول الله نزوج بناتنا من الموالي؟ فنزلت: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}(الحجرات:13).

وفي الحديث السابق حض لأولياء المرأة أن يقبلوا لبناتهم ذوي الخلق والدين، وفيه أن المعتبر في الكفاءة في المقام الأول هو الدين وحسن الخلق؛ وفيه أيضا أن رد الصالحين فتنه وفساد.. وهو كذلك من ناحيتين:
الأولى: أن رد هؤلاء وعدم تزويجهم يعرضهم لوساوس الشيطان، ويفسد عليهم قلوبهم ويشوش عليه عبادتهم، وربما عرضهم للوقوع في المحظورات، وهذا فساد لدينهم ودنياهم.

الثانية: أن عدم تزويج الصالحين قد يؤدي إلى تزويج غير الصالحين، وفي هذا فساد لدين المرأة إن كانت دينة أو تضييع لحقوقها، فإن مثل هذا لا يعرف دينا يعلمه لزوجته، ولا يعرف لها حقا ولا يحفظ لها مكانتها التي حفظها الدين، بل ربما ظلمها وضيق عليها في دينها ودنياها.. ولذلك قال بعضهم حين سئل لمن أزوج ابنتي؟ قال: "زوجها من صاحب الدين والتقوى؛ فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها".

وهذا هو ما دل عليه حديث الصحيحين: [تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها.. فاظفر بذات الدين تربت يداك](رواه البخاري ومسلم).
وفي الحديث ما يدل على أن هذه الأمور قد تكون مقصودة في الزواج وهذا لا حرج فيه، ولكن بين الحديث أنه ينبغي ألا تكون هي أساس الاختيار، وإنما رغب أن يكون أصل الاختيار هو الدين، فإن اجتمع معه الجمال فبها ونعمت، وإن اجتمعت لك كل هذه الصفات في زوجة، أو اجتمعت لك أيتها المسلمة في زوج، فما أهنأكم وما أسعدكم حينها.

نكاح غير المسلمات:
أما نكاح المشركات والملحدات ومن لا دين لهن (وكذلك المشرك والملحد) فنكاحهن ونكاحهم حرام وباطل؛ إذ كيف تجتمع مثل هذه مع من عقيدته عقيدة التوحيد؟! لا يمكن أبدا.. وما يقال للرجال في هذا يقال أيضا للمقبلات على الزواج من النساء. قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}(البقرة:221).

وأما الكتابيات (من اليهود والنصارى) فنكاحهن وإن كان جائزا شرعا للرجال المسلمين، فإن بعض الصحابة كان لا يراه كابن عمر رضي الله عنه وعن أبيه، وقول الجمهور على خلافه. والكل مجمع على حرمة زواج المسلمة من يهودي أو نصراني..
وكذا منع ابن عباس من نكاح الحربيات واستدل بقوله تعالى: {لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم}(المجادلة:22).

والحق أن مثل هذا الأمر (أعني زواج الشاب المسلم من كتابية) متوقف على المصلحة والمفسدة، خاصة في زماننا؛ فإن كثيرا من الأزواج ـ بل معظمهم ـ لم يعد يعرف دينه، ولا عنده الاستعداد لدعوة زوجته للإسلام، ولا تعليم أولاده وتربيتهم .. فيخرج الأولاد في الغالب على دين أمهم، تربيهم عليه، بل وربما خرج الرجل أيضا من دينه إرضاء لزوجته واتباعا لأهوائه، وانسياقا وراء شهوته.. والله المستعان.

وهنا تستخدم قاعدة درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، خصوصا وجانب المفسدة يكاد أن يكون محققا وجانب المصلحة بعيد جدا لا يكاد يرى بالعين المجردة.

إنها وقفة مهمة، لما يترتب عليها وما يتأتي بعدها ، وكثيرا ما تهاون في هذا الاختيار أناس فعضوا أنامل الندم، ولكن "ولات حين مندم".
اللهم زوج أبناءنا وبناتنا أزواجا صالحين وزوجات صالحات، وأسعدهم جميعا في الدنيا والآخرة.

Post: #54
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:16 AM
Parent: #53

التردد.. الآفة الخفية
التردد ينتج من ضعف الثقة بالنفس، وقد يمتزج برغبة قاهرة في الكمال أو التجويد المستحيل، والمتردد يسعى إلى الأفضل، ولكنه يؤخر حسم الاختيار، أو يتذبذب فيه، وفي اللحظة التي يجب أن يتخذ فيها قراراً حاسما نراه يلجأ للتراجع والتسويف والمماطلة على أمل أن يتاح له خيار آخر، وقد يلوم نفسه بعد اختياره دونما سبب واضح أو معقول.

التردد ليس كله شرا، بل إن درجة منه ربما تكون مفيدة لإعطاء فرصة للتفكير في الاحتمالات المختلفة والعواقب المتوقعة، ودراسة البدائل المتاحة، ورؤية الموضوع من أكثر من جانب، وربما يتبع ذلك استشارة ذوى الرأي. وفي بعض الأحيان نفعل كل هذا ثم نجد أنفسنا مازلنا في حيرة من أمرنا لأن هناك جوانب في الموضوع مازالت خافية عنا وبالتالي تقلقنا.

الشخصية المترددة
شخص متقلب في رأيه، لا يعرف ماذا يريد تحديدا، غير حازم في قراراته، لا يثبت علي منهج أو طريقة، يقبل الرأي ثم سرعان ما يقتنع بضده، ضعيف الثقة بنفسه، دوما خجول وقلق، يتسم بالزهد في المهمات الكبيرة، ويقنع بالأعمال البسيطة والمشاريع قليلة الأهمية.

وأصحاب هذه الشخصية ربما يعيشونَ في عالمٍ مرعبٍ من المثاليات والقواعد التي تدفعهم في كثيرٍ من الأحيان إلى الإحجام عن التجربة أو عن تعلم الجديد، فهم لا يستطيعونَ تحملَ الخطأ لأنهم يجبُ ألا يخطئوا.

أيضا صاحب الشخصية المترددة: يضيع وسط البدائل العديدة، يميل إلى الاعتماد على اللوائح والأنظمة، كثير الوعود ولا يهتم بالوقت، يطلب المزيد من المعلومات والتأكيدات، يرى نفسه أنه ليس بخير.

هذا النمط من الشخصية يحتاج إلي التعامل معه بقدر من الحكمة من خلال الثناء علي آرائه لدعم ثقته بنفسه، والتخفيف من درجة القلق والخجل بأسلوب «الوالدية الراعية»، كما أنه يحتاج إلي وعي من جانب المتعامل معه، والذي يقع علي عاتقه دائما محاولة تقديم مجموعة من الاقتراحات والخيارات حتى يسهل عليه عملية اتخاذ القرار.

الطريق من هنا
• حياة كل منا هي عبارة عن مجموعة قرارات اتخذناها، بعضها تدفعنا إلى الأمام وبعضها تجرنا إلى الخلف، لذلك يجب أن نتأنى في اتخاذ هذه القرارات ونفكر ونتأمل ونستشير، وفى ذات الوقت نستعين بالله ذي العلم الواسع الشامل، فأسأل الله تعالى دوما التوفيق والثبات، وقدم الاستخارة في كل أمورك.

• الإنسان مجموعة من الرغبات والآمال وتطلع نحو حياة أفضل، وخلال تحقيق تلك الأمنيات يكون هناك إرهاصات من الخوف والرجاء.. الخوف تصاحبه حالات من القلق والتوتر والتردد والإحباط واليأس وعدم الثقة في النفس.. هذه الانفعالات النفسية ما هي إلا معوقات تؤثر في قراراتنا وتحديد مصيرنا، وتفويت الفرص الذهبية التي تمر بنا وقد لا تتكرر.. فالإنسان الذي يتيح لهذه انفعالات أن تتحكم في حياته لاشك أنه يفتقر إلى استقلال الشخصية، ويجعل من نفسه شخصية مذبذبة تنعدم لديها روح المبادرة والإبداع.

• الذي يغلب جانب الرجاء والتفاؤل بالمستقبل وحسن العاقبة، ستكون قراراته حاسمة وقوية وسوف يتعزز لديه الجانب الايجابي من حياته، وإذا نجح في تحقيق أهدافه فسيكون ذلك دافعا لنجاحات أخرى في المستقبل، ولو فشل في تحقيق أهدافه قد يحبط بعض الوقت، ولكنه يملك مقومات الخروج من الأزمة سريعا.

• إذا كنت تتردد في كل موقف يقابلك، فاسأل نفسك هذه الأسئلة: لماذا التردد؟ وهل لديك خبرات أو معلومات تغنيك عن التردد، أم أنه التردد فقط لعدم الإلمام بالموضوع؟ وهل هو خوف من تحمل المسئولية وحدك نتيجة اختيارك وقرارك؟ .. بإجابتك عن هذه الأسئلة تستطيع أن تعرف نقطة الضعف لديك، وتبدأ منها للتغلب على التردد.

• هناك قرارات هامة في حياة كل إنسان مثل: الالتحاق بكلية معينة، اختيار العمل، الخطبة والزواج.. فلابد من أن يكون هناك وقت كاف ودراسة شاملة قبل اتخاذ القرار بشأنها، فالتسرع من أخطر الأمور التي تكتنف هذه القرارات المصيرية.

• أنت تحتاج إلى التقليل من الاهتمام برأي الناس، فليس من المعقول أن يكون الناس أمة واحدة في أذواقهم، ونظرتهم للأمور، وليس من المعقول أن نكون متأثرين برأي كل من هب ودب .. ضع كل آراء الآخرين في اعتبارك، وليكن اتخاذ القرار النهائي لك وحدك، وباقتناع تام دون ضغط من أحد.

• تعلم من تجاربك السابقة في الاختيار، واستمع للنقد البناء وتفهم مبرراته؛ لتحسين أدائك في المرات القادمة، وليس من أجل تدعيم لومك لذاتك على ما مضى، وبالتدريج ستزداد ثقتك بنفسك.

• أجمع المعلومات الكاملة والصحيحة عن الموضوع الذي يحتاج إلى اتخاذ قرار فيه، لأن محاولة اتخاذ القرار مع نقص المعلومات أو مع عدم صحتها، سيؤدي إلى اتخاذ قرار خاطئ، وبالتالي ستكون النتائج كارثية.

• اطلع بقدر ما تستطيع على ثقافات متعددة، وزد حصيلتك بالقراءة واكتساب المعرفة والمعلومات، فكل هذه المعارف تساعدك على طرح التردد، وعلى الكلام والتحدث بثقة.

• عنصر الزمن عنصر هام في الحياة، وبالتالي هناك أشياء تحتاج للحسم في توقيتات مناسبة، فإذا تركنا أنفسنا للتردد بلا ضابط فإننا سنضيع فرصا كثيرة، ونشعر ببطء إيقاع الحياة، وبأننا مكبلين بحبال الخوف والقلق. والتردد بهذه الدرجة المعوقة هو علامة اهتزاز ثقتنا بأنفسنا وبالآخرين.

• لا تلُم أو تبكِّت نفسك بقسوة إذا ضاعت منك فرصة بسبب ترددك، فكل إنسان مهما كان خبرته أو درجة تعليمه، يحتاج إلى التدريب على اكتساب المزيد من المعرفة والثقة بالنفس. وتذكر أنه لا يوجد إنسان لم يُضع بعض الفرص بسبب تردده، فالإنسان يتعلم دائماً من أخطائه حتى يتغلب عليها، كما يتعلم أيضاً من أخطاء الآخرين.

• من المفيد أن تتعلم مهارة اتخاذ القرارات، فهي مهارة حياتية غاية في الأهمية.. تعوّد على تحمل المسئولية، وابدأ بالمسئوليات الصغيرة، أو البسيطة، واطلب ممن حولك أن يسندوا إليك بعض المسئوليات، حتى تستطيع التدريب على تحملها. وبإحراز النجاح والتشجيع ممن حولك، تكون قد خطوت خطوة نحو الثقة وعدم التردد.
د.خالد سعد النجار

Post: #55
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:18 AM
Parent: #54

Quote: "الفرومكا" نقاب اليهود العائد !!
جاء دين الله ليوافق الفطر السليمة، والنفوس المستقيمة.. ولا يخالف أحد أن ستر المرأة واحتشامها من أسباب طهارة المجتمعات، وأن عري المرأة وتهتكها سبب من أسباب دمار وزوال تلك المجتمعات، واستحقاقها عقوبة الله تعالى.

والمرأة العفيفة تسلك مسلك الستر وترضاه وتقبله، والأديان السماوية كلها تدعوها لذلك وتأمرها به صيانة لها ولمجتمعها.. لماذا نقول ذلك؟؟ أولا أريدك أن تنظر إلى الصورة المرفقة.

قد تبدو النساء الثلاث في الصورة المرفقة ـ للوهلة الأولى ـ نساء مسلمات من أفغانستان أو مصر أو السعودية أو غيرها بسبب الزي الذي يرتدينه، ولكنها في الحقيقة صورة لنساء يهوديات يسكنّ في القدس ويلبسن الحجاب اليهودي الفرومكا، كما ترتديه المرأة في أسفل الصورة والتي نشرتها صحيفة معاريف الإسرائيلية.

فقد ظهرت في الآونة الأخيرة مساجلات في المجتمع اليهودي حول النقاب والبرقع أو ما يسمى عند بعض طوائف اليهود "الفرومكا".. ودار جدل حول بعض الفتاوى من حاخامات يهود يطالبون المرأة بتغطية وجهها وارتداء زي واسع محتشم، صيانة لجسدها واحتراما لقيمتها وذاتها.. وأكبر من هذا اتباعا لدينها وطاعة لربها...

وهذا الجدل يذكرنا بما يدور أحيانا في بلاد المسلمين حول نفس القضية، والهجوم الذي يقوم به العلمانيون وأشباههم، وتتولى كبره الصحافة والمجلات والإذاعات وبرامج التلفاز تهجينا وتسفيها وسبا وقذفا يجاوز حدود الأدب أحيانا وربما تطاله يد القانون لو كان هناك قانون.

فقد ذكرت صحيفة معاريف الإسرائيلية (كما نقلت ذلك مواقع ووكالات أنباء) أن الحاخامات اليهود الذين ينتمون لإحدى الجماعات الدينية في إسرائيل "الحريديم" (والتي وصفتها الصحيفة بالمتشددة) أصدروا فتوى دينية تلزم النساء الإسرائيليات بارتداء النقاب وعباءة واسعة لإخفاء كل أجزاء الجسد وعدم التبرج، حفاظاً على مكانة واحترام المرأة لجسدها وذاتها وتنفيذاً لتعاليم الدين اليهودي الذي يدعو إلى الالتزام بالأخلاق والاحتشام.

ووصفت الجريدة التي تعتبر الأولى في إسرائيل هذه الفتاوى بأنها تعتبر نوعا من التطرف.. وأنها تستنسخ جماعات على غرار جماعة طالبان الإسلامية.
فقد قالت "معاريف": إن هذه الفتوى تعتبر نوعا من التطرف والتشدد الذي تنادي به بعض الجماعات الدينية ”الحريديم"، وهو ما يعتبر بداية لولادة طالبان يهودية في إسرائيل وفقاً لما كتبه "إسحاق تسلر" الصحفي بمعاريف.

أضافت الصحيفة أن الحاخامات اليهود الذين قاموا بإصدار هذه الفتوى قاموا بتوزيعها في الشوارع ولصق الآلاف منها على الجدران، وأن هذه الفتوى تحمل توقيعات العديد من الحاخامات وعلى رأسهم الحاخام اسحق طوبيا رئيس طائفة "الحريديم".

وقالت: إن الفتوى تجرم الحديث في الهاتف، وتمنع أصحاب الملابس من بيع ملابس نسائية قصيرة وعارية وعرضها في واجهات المحال التجارية، إلا أن أصحاب المحال التجارية أبدوا رفضهم لهذه الفتوى واستمروا في عرض ملابس نسائية تخالف فتوى الحاخامات اليهود، الأمر الذي أدى إلى وقوع مظاهرات وأعمال شغب من قبل من ينتمون للجماعات الدينية ضد أصحاب محلات الملابس.

إلا أن ظهور نساء إسرائيليات يرتدين الملابس "المحتشمة" التي جاءت في الفتوى الدينية اليهودية، فتح الباب مجدداً للجدل والاختلاف بين التأييد والمعارضة.

الخلاف في كشف الوجه:
وذكرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية أن جماعة دينية يهودية أخرى أصدرت فتوى جديدة أقل تشدداً من سابقتها، لأنها تعفي النساء الإسرائيليات، وخاصة اللاتي ينتمين إلى الفئة الملتزمة بتعاليم اليهودية، من ارتداء النقاب أو غطاء الوجه، وهو ما يكون أقرب إلى حديث "الحجاب" عند المسلمين، لأن الفتوى الجديدة تلزم الإسرائيليات بارتداء ملابس محتشمة وغير مثيرة للغرائز لكن ليس بالضرورة إخفاء الوجه، وذهبت الفتوى الدينية الجديدة إلى أهمية موافقة الزوج على ملابس الزوجة وهل ارتداء النقاب يغضب الزوج أم لا.

ويذكر أن صحيفة معاريف الإسرائيلية قد نشرت في يوليو 2012م خبراً عن الفتوى الدينية اليهودية التي تلزم النساء الإسرائيليات بارتداء “الشال” الذي يغطي جسد المرأة من الرأس حتى القدم بالإضافة إلى عدم الحديث في الهاتف المحمول لأن صوت المرأة عورة فضلاً عن أن الفتوى تضمنت تحريم بيع الملابس النسائية المثيرة في محلات الملابس وهو ما أدى إلى قيام يهود متدينين بمهاجمة محلات الملابس التي تعرض مثل هذه الملابس وتحطيمها، وقد نشرت صحيفة معاريف صورة لامرأة إسرائيلية تسير في أحد الشوارع وهي ترتدي ملابس محتشمة التزاماً بالفتوى الدينية اليهودية التي تدعو النساء إلى عدم التبرج والى الاحتشام.

تعليق لابد منه:
إن وصف كاتب المقال لهذه الفتاوى بأنها متشددة وبداية لولادة طالبان يهودية في إسرائيل، مغالطة، وإنما الحق أن يقال: إن تكريم الأديان للمرأة ليس جديدا.. والدين مصدره واحد وإنما يحرفه البشر.. فلماذا نستغرب أن يكون النقاب في دين اليهود؟ واليهودية الحقة دين الله الذي أنزله على موسى عليه السلام، كما أن الإسلام دين الله الذي أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم؟!. فلماذا لا تتشابه أديان السماء ومصدرها الرب تعالى.. والله تعالى كرم المرأة وصانها ولكن جاء أتباع إبليس فعروها ليستمتعوا بها وينالوا بها شهواتهم وملذاتهم...
وقد علق بعض المنتسبين إلى الإسلام على الخبر بقوله: "ومن هنا تسلل النقاب إلى الإسلام".. فلماذا لا نقول بدلا عن ذلك: {إن الدين عند الله الإسلام}؟!!..

Post: #56
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:19 AM
Parent: #55

ذات يوم استعد سائق الباص للانطلاق مؤدياً عمله اليومي. وبينما هو في طريقه توقف في إحدى المحطات حيث ركب الحافلة شخص ضخم الجثة ونظر للسائق وقال له: «جوني الكبير لا يدفع». ولأن السائق كان ضعيفاً نحيل الجسم لم يحاول مراجعته فيما قال، وفضل الصمت.

المشكلة أن هذا الموقف أخذ يتكرر يوماً بعد يوم، فلا «جوني الكبير» دفع يوماً، ولا السائق حاول أن يطالبه بالأجرة.
قرر السائق فجأة أن يستعد لمواجهة الراكب الطفيلي، فذهب إلى أحد الأندية وطلب أن يتعلم بعض فنون الدفاع عن النفس لكي يواجه زبونه العملاق. بعد أشهر عدة، وبينما السائق يمر بالمحطة صعد «جوني» إلى الباص وقال كلمته المعتادة: «جوني الكبير لا يدفع».

عندها التفت إليه السائق وهو يستعد لمعركة حامية وقال: (ولماذا لا يدفع جوني الكبير؟). توقف «جوني» فجأة وقال له: ( لأن جوني الكبير لديه اشتراك سنوي ).
هكذا دائماً يدخلنا الخوف من المجهول في أوهام ننقاد إليها وفي النهاية نكتشف أننا على النقيض تماماً من الصواب.

يقول أبو حامد الغزالي في التعريف والتمييز بين الخوف الموضوعي (الطبيعي)، والمرضي (العصابي): " الخوف تألم القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل".
وقسمه رحمه الله إلى قسمين:
( الخوف العادي ): وهو خوف من الله تعالى، وله مقامان؛ أحدهما: الخوف من عذابه، والثاني: الخوف منه .. فالمقام الأول: خوف عموم الخلق، والمقام الثاني: خشية العلماء.
والحاصل أنه خوف من الأشياء الموضوعية التي يكمن الخطر فيها، وهو صفة حميدة لتحقيق العمل الصالح وحفظ الحياة.
( الخوف المفرط ): وهو خوف زائد مذموم. يخرج الإنسان إلى اليأس والقنوط، ويمنعه من العمل، ويسبب له المرض، والضعف، والوله والدهشة، وزوال العقل، وأحياناً يؤدي به إلى الموت، وهو مذموم؛ لأنه معوق، وسبب للقنوط والجزع، والشعور بالعجز والاستسلام للهم.

إذا فالخوف عموما فطرة في النفس، ولا يخلو منه إنسان في أي وقت من الأوقات، بل هو قوة طبيعية لازمة للمحافظة على بقاء النوع الإنساني. وبالتالي فهو موروث من جانب، ولا أمل في اقتلاعه من جانب آخر، وإنما يراعي فيه حسن التوجيه، ولهذا كان للبيت والمجتمع والخبرات الفردية المكتسبة أثرها في التخفيف من عبء هذه الفطرة أو زيادتها، مما يجعلنا نجزم بأن الخوف ( عملية نسبية ) يتفاوت الناس فيها تبعا للعوامل البيئية والجسمية والنفسية التي يمر بها الإنسان.

والخوف من المجهول هو خوف غير مبرر، وهو يعمل على فقدان الثقة بالنفس، وهو المسئول عن إبقائنا في الظل، وهو الذي يوقفنا في أماكننا لأزمنة طويلة وعلى عدة مستويات .. يوسوس لنا أننا لن نستطيع تحقيق أحلامنا، يخبرنا أن نبقى صامتين، ويكبح جماح رغباتنا في التعبير عن أنفسنا بحرية ودون خجل.

إننا نحتاج للابتهاج بالحياة إلى شيئين هامين:
أولهما ( تنظيم الحياة في أنفسنا وفي مَنْ حولنا )؛ فالبيت إذا نُظِّم - أعني نُظِّمت ميزانيتُه، ونظمت حياةُ صغاره وكباره، ونظمت العلاقة بين الزوجين، وبينهما وبين الأولاد - كان أهله أقربَ إلى الابتهاج بالحياة. والموظف إذا نظمت مصلحته، أعني حسنت علاقته بينه وبين رؤسائه ومرؤوسيه كان أهدأَ بالاً، وأسعدَ حالاً .. وكذلك كل ما يتعلق بالإنسان من شؤون إذا نظمت كانت مبعث سعادة وابتهاج.

والأمر الثاني ( الشجاعة )؛ فكثيراً ما يكون سبب الحزن فقدان الشجاعة، يخاف الإنسان من الموت، ويخاف من الفقر، ويخاف أن تنزل به كارثة، ويخاف من المستقبل، ويخاف أن يفشل في عمله؛ فهذا الخوف كله ينغص عليه حياته، ويجعله منقبضاً غير مبتهج.
إن الخوف من المجهول هو لب المتاعب، ومن الحكمة والعقل ألا يجمع الإنسان على نفسه بين الألم بتوقع الشر، والألم بحصول الشر؛ فليسعد ما دامت أسباب الحزن بعيدة عنه، فإذا حدثت - لا قدر الله - فليقابلها بشجاعة واعتدال وصبر، ومن يخشى مصائب الحياة فليتق إذن أسبابها ما استطاع ويفوض أمره إلى الله تعالى بعد ذلك، وليطرح عنه أثقال الخوف، وليتمسك بعقيدة القضاء والقدر فإنها أساس كل خير، قال تعالى: {وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [يونس:107]، فإذا ما ملأ المؤمن قلبه بالتوكل على الله لم يبق للجزع في قلبه موضعًا، ولا للاضطراب في نفسه مكانًا، بل تراه ثابت الجنان، واثق الخطى، يعمل للدنيا كأنه سيعيش أبدا، ويعمل للآخرة كأنه سيموت غدا.
وما الحياة إلا مرحلة عابرة لا تستحق أن ينغص الإنسان نفسه فيها بكثرة الألم، ولا شك أن الهم والاستسلام للحزن، والخوف من توقع المكروه، والإفراط في تقدير الآلام .. مما يضعف الحياة، ويضعف الإنتاج، ويزيد الآلام والبؤس والشقاء؛ فحارب الكآبة في نفسك وابتسم للحياة، وابتهج بها في غير إسراف تزد حياتك قوة، وتشعر بالسعادة، وتُشعر بها من حولك.

من روائع الحكمة
- من النعم أن يكون في حياتك رصيد من التجارب التي في غالب الأحيان لا تتوافر إلا باقتحام المجهول.
- الخوف من أي محاولة جديدة طريق حتمي للفشل.
- لن تستطيع أن تمنع طيور الهم أن تحلق فوق رأسك، لكنك تستطيع أن تمنعها أن تعشش في رأسك.
- فكر دائما فيما يسعدك، وابتعد دائما عما يقلقك.
- أن تكون فرداً في جماعة الأسود خير لك من أن تكون قائداً للنعام.
- لا تجعل قطرات المطر في الصباح الباكر توقعك في تفكير طويل: هل ستذهب للعمل أم لا.
- الخوف من المجهول لا يبدو برجفة في الأطراف وجفافاً في الحلق، ولكنه يمارس دوره السلبي علينا لفترات طويلة من حياتنا بهدوء وصمت لا نعلم به.
- الإيمان يذهب الهموم، ويزيل الغموم، وهو قرة عين الموحدين، وسلوة العابدين .

د. خالد سعد النجار

Post: #57
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:21 AM
Parent: #56

أخرِجوها من بيتها
عندما بحث أعداء الإسلام في أسباب انتصار الإسلام على مناوئيه، وقهره لأعدائه وشانئيه، وسبب رفعة أهله، وعلو كعبه وشأنه وجدوا أن من أعظم أسباب هذا الانتصار هو دور المرأة المسلمة فيه، وأثرها الفعال في تربية الأبناء وإعانة الأزواج، وصيانة دين الأسرة ومن ثم إنتاج الرجال، وإخراج الكماة الأبطال الذين تربوا في محاضن العفة والصيانة، وبيئات المروءة والكرامة، فحملوا لواء الدين خير محمل، ورفعوا راياته حتى رفرفت في شتى بقاع الأرض، ودان لها أهل الشرق والغرب.

فلما رأى أعداء الإسلام ذلك أدركوا أن كسر شوكة هذا الدين لا تكون إلا بإفساد هذا العنصر الفعال ـ أعني المرأة ـ وتعطيل إنتاجها وتهميش دورها وتدمير عقلها وفكرها، وأدركوا أيضا أن ذلك لن يكون إلا بإخراجها من محضنها الكريم، ومملكتها الآمنة، وإلى أي مكان خرجت فالعاقبة ستكون معلومة ومعروفة وهو انهيار المجتمع الإسلامي كله.. وهو ما قد كان فعلا.

فشمر أهل التغرير – المسمون زورًا وبهتانًا بدعاة التحرير – عن ساعد الجد، وفارقوا النوم والسهاد، وودعوا الراحة والدعة من أجل تحقيق تلك الغاية.. وكان من أساليبهم التي خدعوا بها المرأة ليخرجوها من بيتها ويفسدوا الأسرة والمجتمع أنهم هاجموا بقاءها في البيت، وجعلوا ذلك من أكبر علامات احتقارها وازدرائها، وعيروها بأنها آلة للحمل والولادة، ومتعة الرجل (يعني زوجها)، وأنها كالخادمة تكنس وتطبخ وتنظف، فذموها بما هو محمدة، واستنقصوها بما هو من كمالها وجمالها، كل ذلك ليحققوا منها مآربهم.

قالوا لها: إن المرأة المتحررة يجب ألاَّ يكون عليها قيود أي قيود، وأما البيت فهو آخر ما تفكر فيه، ووصفوه لها بكل وصف منفر ومقزز، وصوروه على أنه السجن وهو الضيق، هو التأخر، هو الرجعية، هو التقاليد البالية، هو القرون الوسطى المظلمة، هو عصر الحريم، هو ديكتاتورية الرجل، هو شل المجتمع عن الحركة، ودفعه إلى الوراء بسبب تعطيل نصفه الجميل، وإيقاف إحدى كليتيه.

إن المرأة – عندهم – يجب أن تخرج لتتعلم، ويجب أن تتعلم لتعمل، ويجب أن تعمل لتتحرر اقتصاديًّا من تبعيتها للرجل، فيكون لها رأيها واستقلاليتها، تفعل ما تشاء، وتفعل ما تريد، بدون أن تحكم من أحد، لا لتبقى في البيت كما كانت جدتها الجاهلة.

وهكذا حتى أصبح البقاء في البيت هو المعرة التي لا تطيق فتاة أن تلصق بها؛ فلأي شيء تبقى في البيت لتطبخ وتغسل يا للخزي، لتحمل وتلد يا للعار، لتراعى زوجها وتربي أولادها، ما هذه المهانة، وأي مصلحة للوطن في هذا؟

يقول سلامة موسى وهو واحد منهم: "ماذا في البيت يستحق أن ترصد له الزوجة نفسها ووقتها وفراغها، يجب على المرأة المتعلمة أن تعمل خارج البيت وتؤدي خدمة اجتماعية لوطنها".

وكما ترى فإن الزوجية في رأيه ليست شيئَا مذكورًا، وقيام المرأة بحقوق زوجها وبدهيات بيتها وحاجيات أولادها كل هذا لا قيمة له، والاستقرار الاجتماعي، وثبات العلاقات العائلية الناتج عن سلامة الأسرة واستقرارها؛ كل هذا ليس خدمة للوطن، بل هو تعطيل للطاقات لا يستحق أن تفرغ له المرأة وقتها".

رجع صدى
وأود أن أنبه أن هذا الذي يقوله أدعياء تحرير المرأة، إنما هو في الحقيقة رجع صدى لما قاله أسيادهم في الشرق الشيوعي، أو الغرب الرأسمالي؛ فهم كما عودونا ببغاوات تردد ما تسمع في الشرق أو الغرب، فلا تعجب حينما تسمع ما قاله "تومسون" الشيوعي: "إن الزواج رياء، والبيت هو سجن المرأة مدى الحياة".

وقال تروتسكي – وهو أحد المنظرين للثورة الشيوعية -: "لقد سعت الثورة – ببطولة – إلى هدم البيت العائلي القديم المتداعي الذي يشكل مؤسسة بالية روتينية خانقة، تقضي على المرأة بالأشغال الشاقة من الطفولة حتى الممات.

وفي الغرب تقول هافلوك أليس: "الحقيرة فعلاً ليست هي البغي، وإنما هي بالأحرى المرأة التي تتزوج للمال، فهي تنال أقل مما تناله الأولى بكثير، وتقدم بالمقابل عملاً وعناية أكبر وتكون مرتهنة بملكيتها لسيدها.
وتقول نوال السعداوي: "إن الزواج في مجتمعنا أصبح نوعًا من البغاء المقنع".

وأريدك أن تقارن بين كلام سلامة موسى وكلام تومسون وتروتسكي، وقارن بين قول تومسون: "أن الزواج رياء"، وقول السعداوي أنه بغاء مقنع، لتعلم أن دعاة التغرير عندنا هم في الحقيقة عقول مستنسخة من جينات غربية، يدلك عليها صراحة قول ماسينيون أستاذ طه حسين: "إنني حين أقرأ لطه حسين أقول هذه بضاعتنا ردت إلينا".

ومقصود القوم لا شك هو هدم الأسرة، وتدمير الحياة الزوجية، فلا أبوة، ولا بنوة، ولا زوجية ولا أرحام، وإنما هو عالم كعالم البهائم، وإذا أردت أن تتأكد فانظر إلى مقررات مؤتمر المرأة في بكين ثم مؤتمر السكان في القاهرة، لتقف على هول المصيبة.

الدين خير كله
إن هذا الدين خير كله، وهو الذي أتى بمصالح الدنيا والآخرة، والإسلام لم يمنع المرأة من العمل أو الخروج من بيتها إذا كان لهذا ضرورة، وبشروط الحشمة والحجاب على أن الأصل يبقى في قرار المرأة في بيتها. قال تعالى: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى)[الأحزاب:33].
قال ابن كثير: هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهنَّ في ذلك".
قال: (وقرن في بيوتكنَّ): أي الزمنَ بيوتكن فلا تخرجن لغير حاجة.
وقال مجاهد في قوله تعالى: (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى) كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرجال فذلك تبرج الجاهلية".

فبقاء المرأة في بيتها أفضل ما تتقرب به إلى ربها. روى البزار عن أنس قال: "جئن النساء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلن: يا رسول الله! ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله، فما لنا عمل ندرك به عمل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "من قعدت منكنَّ في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله".
ومعلوم أن المرأة إذا قعدت في بيتها رعت أولادها وقامت على تربيتهم حق التربية، ولا شك أن هذا من أعظم الجهاد.

حتى الصلاة التي أباح النبي صلى الله عليه وسلم خروج النساء إليها، جعل البقاء في البيت خيرًا وأعظم أجرًا. ففي الحديث: "لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن وهنَّ تفلات [ غير متزينات ولا متعطرات] وبيوتهنَّ خير لهنَّ".

وفي حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون بروحة ربها وهي في قعر بيتها".[رواه الترمذي والبزار].

وكلما كانت أبعد من الرجال كان أفضل لها وأحب إلى الله، كما قال صلى الله عليه وسلم: [صلاة المرأة في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها، وصلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها].[أبو داود بإسناد جيد].
اسلام ويب

Post: #58
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:24 AM
Parent: #57

نحن لا نرى إلا جزءاً من الواقع وتفاعلاته, كما أن المصادر التي يمكن أن تأتينا منها الأخطار والمنغصات كثيرة, وإن حاجة الإنسان إلى الأمن والطمأنينة والسلام, لا تقل عن حاجته إلى الأكل والشرب, فكيف يمكن لأبنائي وبناتي أن يشعروا بالأمن, ويطردوا عن أنفسهم الخوف والقلق المزعج والمعوق؟

لعلي ألخص ذلك عبر المفردات الآتية:
- يخبرنا الله - تعالى - في العديد من الآيات أن الإيمان والعمل الصالح يوفران المظلة الأمنية التي نحتاج إليها في الدنيا والآخرة, حيث يقول - عز وجل: (قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ), ويقول - سبحانه -: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نزُلا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ). وقال - عز وجل -: (الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).

وإن عمل السيئات مدعاة إلى سلب الأمن, كما قال – سبحانه: (وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ).

إن الشرك بالله تعالى، وعقوق الوالدين، والبغي، وظلم الناس هي أكبر مصادر التهديد لأمن الواحد منا؛ وإن الإيمان، والإحسان إلى الخلق، والصدقة، والعدل هي أوسع أبواب الأمان والسكينة والرحمة, فاحرصوا على أن تبددوا الخوف بالطاعة والاستقامة على أمر الله تعالى.

تنبيهات:
1 ـ يظل قدر من الخوف من الهزيمة والإخفاق شيئاً جيداً ما دام يولد لديكم الشعور بالمسؤولية, ويحفزكم على العمل والإتقان والمثابرة, فإذا صار عبارة عن هم ليس أكثر صار شيئاً سيئاً ومؤذياً, فهل هذا واضح؟

2 ـ لننظر إلى الحياة الدنيا على أنها ليست داراً للهناء التام والنجاح المستمر والعافية الدائمة.. إن فيها المسرات والمكدرات بأنواعها, وإن علينا أن لا نشغل بالنا بما يمكن أن يحدث لنا من مصائب وكربات, فإن هذا من الإخفاق في إدارة المشاعر, ومن باب استعجال الخوف من غير أي مسوغ.

3 ـ تذكروا دائما أن الله - تعالى - ينزل من المعونة والصبر على مقدار ما ينزل من الشدة والبلاء, ولهذا فلنفوض أمورنا إلى الله, وسنكتشف أنه لا داعي للجزع مما يحدث في المستقبل.

4 ـ لزوم الحق والصواب والابتعاد عن الكذب والغش والخداع والتقصير في أداء الواجبات المختلفة... من الأمور الضرورية للشعور بالأمن والتخلص من الخوف.

5 ـ الغموض والشك والخرافة والجهل مصادر مهمة للخوف, ووقاية النفس منها تكون عن طريق العلم والمعرفة والفهم والحرص على الوضوح.

6 ـ عودوا أنفسكم الدخول في شيء من المجازفات ذات المخاطر القليلة ؛ لأن ذلك يؤكد لديكم الثقة بالنفس, ويطرد المخاوف التي تتولد من الركود وحشر النفس في الزاوية الضيقة, وما أجمل قول أحدهم: "إن الجبناء يموتون مرات عديدة قبل موتهم الحقيقي, والشجاع لا يذوق طعم الموت إلا مرة واحدة".
د. عبدالكريم بكار

Post: #59
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:26 AM
Parent: #24

قضية البنت المراهقة في مجتمعنا اليوم، الذي يواجه هجمة قوية من المتغيرات الاجتماعية بسبب الانفتاح الثقافي والتطور الهائل في وسائل التقنية.

وتعد هذه القضية أشد حساسية من قضية المراهق الذكر خاصة وأن هناك دراسات توصلت إلى وجود فجوة في علاقة البنت المراهقة بأمها، وأن أساليب التنشئة الاجتماعية المطبقة داخل بيوتنا تعتمد على التسلط والتوجيه دون وجود حوار حقيقي داخل المنزل، وأن الاهتمام بالأبناء الذكور أكثر من الإناث؛ مما ينعكس بدوره على التنشئة السوية للأبناء من الذكور والإناث.. لذلك نجد الفتاة المراهقة تلجأ لأشخاص من خارج الأسرة لطلب المعلومة أو النصح أو الإرشاد، ولا يخفى ما في هذا من الخطر الشديد.

والملاحظة التي لا تخفى أن كثيرا من الاتصالات التي تتلقاها القنوات الفضائية تأتي من الإناث لطلب النصح والتوجيه، والقريب من مؤسسات التوجيه والإرشاد الأسري يلحظ أيضا أن كثيرا من طالبات الاستشارة أو الإرشاد هن من الإناث أيضا وصغيرات السن..

بل قد تلجأ البنت في بعض البيوت والبلدان إلى الخادمة في المنزل!! ولنا أن نتخيل ما المعلومة التي ستعطيها الخادمة للبنت المراهقة ـ خاصة في الأمور المتعلقة بالتغير البيولوجي الذي ستواجهه فجأة؟!!
هذه الفجوة التي أنشأها طرفا العلاقة أو البيئة الأسرية التي تعيشها البنت.

هناك في بعض البيوت حساسية شديدة جدا في أكثر الأحيان في علاقة البنت بأمها ويجب على الأمهات الانتباه لذلك وإدراكه والعمل على مد جسور العلاقة الإيجابية مع بناتهن لضمان لجوء البنات لهن عند طلب الإرشاد والنصح. كما أن في إهمال المراهقة آثارا وخيمة على شخصية الفتاة المراهقة من حيث تشكل مكونات الشخصية الأساسية؛ لذلك يجب أن تكون المتابعة قريبة ومرنة دون أن تعني التلصص أو إعطاء الحرية الكاملة.. بل يجب أن يكون التوسط والديمقراطية في الحوار والحرية المقيدة هما الأسلوب الأمثل في التعامل مع حالات المراهقة.

ولابد من التنبيه على ضرورة وجود الأب في العملية التربوية فأن مشاركة الأب بمنطقه وتعلق البنت به من الأمور المستحبة؛ فكلنا يعرف حب البنت لوالدها وتعلقها به. ويزداد هذا التعلق في سن المراهقة.. لذلك من المهم قرب الأب من ابنته للإسهام مع أمها في تخطي ابنتهما لهذه المرحلة.

وفي تصوري فإن هناك ضرورة لإيجاد برامج للتوعية والتوجيه والاستشارة النيرة التي تنفع الأسر، كما وأني أنصح بتنظيم الدورات التأهيلية حول إدارة الحياة الأسرية ومهارات التعامل مع الأبناء والبنات خصوصا في مثل هذا السن وتلك المرحلة الهامة في حياة الأسرة جميعها.
ومن المؤسف أن الواقع لدينا لم يصل للمستوى الذي يكون فيه تواصل بين الأسرة وبين مراكز التوجيه والإرشاد الأسري المتخصصة.. فكثير من قضايا الأسرة ومشكلاتها يمكن حلها بتوجيه بسيط من قبل مختص يجيد فنون التعامل مع مثل تلك المشكلات.

لقد أصبح وجود مراهقة في المنزل واحدة من أكثر المشكلات تعقيدا عند بعض الناس لأنه لم يتوفر لدى الأسرة مهارة التعامل مع من يدخل هذه المرحلة من بناتها؛ لذلك أرى أن موضوع التعامل مع المراهقة من منظور أنها مرحلة متغيرة يجب ألا تكتفي فيه الأم والأب بعرض تجربتهما الشخصية في هذه المرحلة لنقلها لبناتهما. فالظروف والأوضاع قد تغيرت كثيرا، ولذا فإن التزود بالمعلومة مهم جدا والتعامل مع جهات ذات اختصاص وخبرة بات أمرا ضروريا..

كما أن قضية التعامل مع المراهقة تحتاج مساندة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية وبالأخص مؤسسات الأسرة والمدرسة، ويجب أن يكون هناك تلاق في التوجيهات والوصايا المطلوب إرسالها للفتاة في هذه المرحلة؛ حتى لا تحدث الهوة بين المؤسستين وتبقى الفتاة هي الضحية لهذا الاضطراب والاختلاف في الرسائل الموجهة لها، بل على العكس يجب أن يكون هناك تساند معرفي وإرشادي بين المؤسسات التربوية المختلفة لضمان حسن التوجيه..

كان من المفترض أن تضطلع وسائل الإعلام والاتصال بدورها وأن تتحمل مسؤوليات كبرى في التعبئة والتوجيه المجتمعي لما فيه صلاح الأسرة.. ولكن للأسف فالواقع يقول غير ذلك تماما.. والقارئ والمتابع يدرك جيدا الدور السلبي الذي تقوم به بعض ـ أو أكثر ـ وسائل الإعلام في النخر في جسد الحياة الاجتماعية وإشغال الناس بالكثير مما تخشى عاقبته وبما يعود بالسلب على العملية التربوية والتنشئة على شبابنا وبناتنا. فالله تعالى المستعان.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.عبدالعزيز الغريب (الأسرة:154)

Post: #60
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:27 AM
Parent: #59

الشهوة الجنسية.. صخرة في سفح جبل
أكثر ما يقلقكم معاشر الشبان والفتيات, هو تلك الغريزة الجنسية التي ركبها الله - تعالى - في النفس البشرية بغية استمرار النوع الإنساني.
وأنا لا أريد الخوض الواسع في هذه المسألة, لكن أحب أن أحذر بقوة وبشدة من ارتكاب الأخطاء في التعامل مع هذه الطاقة الكامنة, والتي هي أشبه بــــ ( البنزين ), حيث إنه يظل طاقة نافعة ما دمنا نستخدمه بالطريقة الصحيحة, فإذا قربناه من النار تحول إلى قوة مدمرة, قد تحرق حياً بأكمله !..

أحد الحكماء شبه الطاقة الجنسية بصخرة عظيمة في سفح جبل شاهق, فإنها قد تمكث قروناً على تلك الحال, فإذا جاء من يحركها, فإنها قد تتدحرج, وإذا تدحرجت, فلن تستطيع أي قوة بشرية إيقافها.

إن الذي يحرك الشهوة لدى الفتيان والفتيات محصور في عدد من الأمور, من أهمها:
- التفكير في أمر الجنس واستخدام الخيال في ذلك, ولهذا فإن الفراغ والتمحور حول الذات من الأسباب القوية لتحريك الغريزة الجنسية.

- مشاهدة المناظر الفاضحة ونظر الرجال إلى النساء والنساء إلى الرجال, وكذلك الاختلاط بين الجنسين.

- حضور المجالس التي تثار فيها المسائل الجنسية.

- مصاحبة بعض التافهين والمنحرفين والمنحرفات الذين ليس لديهم همة نحو أي شيء سامٍ أو مهم.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:

1- ليشتغل كل واحد منكم بشيء نافع ومفيد, وليحاول استهلاك طاقته فيه, وإن الرياضة مما يستهلك الطاقة الجسمية, وينفع في تخفيف الضغط الغريزي.

2- الزواج المبكر فضيلة عظمى لمن قدر عليه, وهو حصن حصين - بإذن الله - وإن على الشباب والشابات التخطيط له بجدية, كما أن على المجتمع أن يُيسر أسبابه.

3- تعزيز الجانب الروحي لدى كل واحد منكم, يعد شيئاً أساسياً في هذا الشأن, فقد أوصى صلى الله عليه وسلم الشباب بالصيام كما هو معروف, وإن المواجهة الرئيسية للتيار الشهواني الجارف يجب أن تتم بإنشاء تيار روحي قوي وشامل وملتزم بآداب الشريعة.

4- صحبة الصالحين والأخيار أهل القلوب النقية والهمم العالية.

5- الابتعاد عن المجالس والأماكن التي يُتَحدث فيها عن الجنس.

6- غض البصر والبعد عن الاختلاط بالجنس الآخر على قدر الوسع والطاقة.

7- ليفكر كل واحد منكم مئة مرة قبل أن يخطو خطوة خاطئة, تترك في حياته أسوأ الآثار, وفي نفسه أسوأ الذكريات.
د.عبدالكريم بكار

Post: #61
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:30 AM
Parent: #60

المثابرة تصنع العجائب
لو تصفحتم يا أبنائي وبناتي سير عظماء الرجال وعظيمات النساء, لوجدتم أنهم يشتركون في عدد من الصفات والعادات الحسنة, وهي التي جعلتهم عظماء ومتميزين, وستجدون من بين تلك الصفات (المثابرة) والقدرة على الاستمرار في العمل؛ وذلك لأن الأعمال الصغيرة حين تستمر تتراكم, وتتحول إلى أعمال عملاقة, وكلكم يعرف ما تفعله قطرات الماء الواهية في الحجر الأصم, إنها مع الاستمرار تحفر فيه الأخاديد, وتغير شكله.

إن كثيراً من عمل الشيطان يتركز في حرماننا من الاستمرار في الأعمال الصالحة والنافعة وصرفنا إلى التسلية أو عمل ما لا خير فيه, وقد أمر الله - تعالى - نبيه صلى الله عليه وسلم بأن يلتزم العبادة إلى آخر لحظة في حياته حيث قال - سبحانه -: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ), وقال صلى الله عليه وسلم: (من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه, فقرأه ما بين صلاة الفجر إلى صلاة الظهر كتب الله له كأنما قرأه من الليل).

إن المسلم يحرص على أداء ما التزم به من التنفل والتطوع في ليله, فإن فاته شيء لأي عارض, فإنه يبادر إلى قراءته وأدائه في الشطر الأول من النهار, ليعلن بذلك أنه لم يهزم, ولم يتراجع, وأنه قادر على استدراك ما فاته في أقرب وقت. وفي سياق التحذير من النكوص والتراجع وفقد الاستمرار على صعيد العبادة يذكر عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: (يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم الليل, فترك قيام الليل).

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي ؟
إنه يعني الآتي:
1ـ عودوا أنفسكم طلب المعونة من الله - تعالى - في كل شأن من شؤونكم.

2ـ على كل واحد منكم أن يرتب على نفسه مهمات يومية على صعيد العبادة والقراءة وإنجاز بعض الأعمال النافعة, وليحاول أن يكون ما يلتزم به ضمن طاقته وقدرته, وليحذر من الإكثار حتى لا يقع في العجز والسأم, وحتى لا يجد في نفسه مسوغاً للانقطاع.

3ـ حاولوا مصاحبة ذوي الهمم العالية وأهل الاستقامة والثبات حتى تقتبسوا من عزائمهم.

4ـ قاوموا وساوس الشيطان لكم بالانقطاع عن العمل, وجاهدوا أنفسكم في ذلك.

5ـ التزموا بقضاء ما يفوتكم من ساعات القراءة والعمل التطوعي وذلك من باب تربية النفس وحملها على العزائم.

6ـ رتبوا على أنفسكم بعض العقوبات الشخصية حين تقصرون في أداء ما أنتم ملتزمون به, كأن يقرأ الواحد منكم مدة ساعة ونصف مقابل إهماله في القراءة مدة ساعة.

7ـ اقرؤوا في تراجم بعض الذين حققوا إنجازات كبيرة لتتعلموا منهم الآليات التي مكنتهم من الارتقاء إلى القمة.

8ـ لا تتحدثوا عن قرباتكم إلى الله - تعالى - أمام الناس حتى تحصنوا أنفسكم من الرياء.
د.عبد الكريم بكار

Post: #62
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:31 AM
Parent: #61

التميز.. مطلب تبحث عنه النفوس، وتسعى وراءه العقول، وتهوى إليه الأفئدة.. لا يكاد يوجد إنسان على ظهر الأرض إلا وهو يبحث عن التميز والتفرد المطلق والشعور بالتفوق على الآخرين.

ولا شك أن هذا الشعور وهذا المطلب مطلب مشروع، ومن حق كل إنسان أن يكون كذلك، بل من حقه أن يسعى للوصول إلى مطلبه، ما دام القصد مشروعا والوسيلة مشروعة، أما إذا اختل القصد وفسدت النية والوسيلة فقد انتفت المشروعية، ودخل صاحبها في متاهة مضلة ستتلوها متاهات ومتاهات وهلم جرا.

البحث عن التميز هو حديث نفسي إلي، وحديث نفسك إليك، وحديث نفسه إليه، وحديث النفوس السوية إلى أصحابها.. أما أصحاب النفوس الكسولة البليدة التي رضيت بواقعها وبظروفها وبحياتها ومعاشها فلا تفكر بذلك، ولا ترغب حتى بالخوض فيه.. أما أنا وأنت، وهو ونحن جميعا فإننا لا نزال نفكر ونفكر، طويلا بحثا عن التفوق والتميز والإبداع.

كيف أكون داعيا متميزا، وكيف أكون عالما متميزا، وكيف أكون أو تكون طبيبا أو مهندسا أو معلما أو موظفا أو زوجا أو أبا أو أخا أو صديقا أو جارا.. كيف يكون كل هؤلاء من المميزين؟ كيف نكون كذلك وكيف نصل إليه؟

لقد اختصر أبو الطيب المتنبي الموضوع، ودل الراغبين على طريق الوصول في بيت واحد.. فقال:
لولا المشقة ساد الناس كلهم .. .. الجود يفقر والإقدام قتال

فالفرق بين حياة السيادة والريادة والتميز والإبداع، وبين حياة البساطة والسكون والدعة والخمول هو تحمل المشقة التي لولاها لساد الناس جميعا وتميزوا وظهروا ونبغوا وعلا شأنهم وذكرهم...
مشقة الجود والكرم والسخاء، ونداوة اليد والنفس، مع مشقة الإقدام والشجاعة والبطولة، مع مشقة الصبر والتحمل والمواصلة والمثابرة.. هذه المشقات التي ميزت بين السادة والعبيد، وبين العمالقة والأقزام، وبين أهل الكرم والبخلاء، وبين أهل البطولة والجبناء.

الجود هو مظنة الفقر والحاجة، والإقدام مظنة القتل والموت، ولكن ذلك لا يعني شيئا لمن سمت نفسه للمعالي، وسلك طريق المشقة والصعوبات، يبتغي بذلك أن يحيا سيدا وأن يموت سيدا كريما يصدق فيه قول الشاعر:
لعمرك ما الرزية فقد مال .. .. ولا شاة تموت ولا بعير
ولكن الــرزية فـقــد حـــر .. .. يموت بموته خـلق كـثير

إذا.. فالتميز والتفوق هو اختيار واضح لطريق لا مجال فيه للراحة ولا للموادعة أو الخمول أو السكون، بل هو طريق شاق فيه الجهد كله، وفيه التعب كله، وفيه السهر كله.. فيه لجم النفس والهوى والشيطان بلجام من حديد صلب متين.
التميز مطلب عظيم.. والمطالب العظيمة لا تتحقق بسهولة ويسر؟
وما نيل المطالب بالتمني .. .. ولكن تؤخذ الدنيا غلابا

التميز من جهة أخرى:
تعالوا ـ أحبابي ـ لننظر إلى الموضوع من جهة أخرى، من زاوية أعمق وأصدق وأبلغ.
أليس الوصول إلى الجنة هو الأمنية التي لا تدانيها أمنية، والمطلب الذي لا يعلوه مطلب؟
كيف حدثنا الله عنه؟ يقول الله جل وعلا: {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين}. والمعنى: هل تريدون أن تحققوا أمنياتكم دون جهد وجهاد ومشقة وتعب وصبر وتحمل وجلد؟ هل تريدون الجنة وأنتم كما أنتم دون أن يمسكم ما مس الذين من قبلكم.. {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ ۖ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ ۗ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}(البقرة: 214)

أمنية كمال الإيمان:
إننا مسلمون جميعا، ولله الحمد والمنة، ولكن من هو المؤمن منا؟ ومن هو المتميز في إيمانه؟
إن الوصول إلى الإيمان هو التميز الذي تنقطع دونه النفوس، وهو المطلب الذي تهون من أجله التضحيات، وهو الغاية التي تبذل فيها ولها الشهور والأيام والساعات واللحظات. وإن التميز الحقيقي هو التميز في الإيمان.. إن التميز أن تكون مؤمنا حقا يصدق فيك قول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ}(الأنفال:2، 3)

إن حديث الإيمان أصبح اليوم حديثا مملا ومنفرا ومتعبا عند كثير من الناس.. يقول الناس هذا بألسنتهم، ويقولونه بأفعالهم، ويقولونه بسلوكهم، ويقولونه وهم لا يدرون، وربما أيضا وهم يدرون.. ولكن الحقيقة التي يجب أن نعلمها حيدا أن كل تميز أو إبداع أو تفوق ينقصه إيمان صادق ومؤثر وفاعل وحاكم على التصرفات والأقوال يصبح تميزا دنيويا بحتا، وربما يصير أحيانا مفسدا ومخربا، أو لا أثر له ولا فائدة.

لابد من التساؤل:
إذا كنا نبحث عن التميز في الإيمان فإننا لابد أن نتساءل: أين ديننا؟ أين إيماننا؟ أين هي قلوبنا؟ أين خوفنا من الله، أين بكاؤنا من خشية الله؟..
يجب أن نتساءل: أين الآيات التي حفظناها؟ وأين الأحاديث التي رويناها؟ وأين العلوم التي درسناها؟ أين تلك المعارف ولماذا لا تملأ قلوبنا رقة وخوفا وانكسارا بين يدي الله؟ لماذا أصبحت لا تغير طبعا؟ ولا تغير سلوكا؟ ولا تهذب لسانا؟ ولا تؤدب جارحة؟ ولا تزكي نفسا؟. صدق عبد الله بن مسعود حينما قال: "إنما العلم الخشية".
لقد روى البخاري ومسلم عن أنس قال: [خطَب رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطبةً ما سمِعتُ مثلَها قَطُّ قال: (لو تَعلَمونَ ما أعلَمُ لضَحِكتُم قليلا ولبَكيتُم كثيرًا). قال: فغطَّى أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وجوهَهم لهم خَنينٌ]. يعني من البكاء.. هذا وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه. ونحن والله أحوج منهم إلى البكاء وفي أمس الحاجة إليه.

أعني بكثرة السجود
كان ربيعة بن كعب غلاما يصب الماء على النبي صلى الله عليه وسلم لكي يوضئه، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: سلني!! فقال ربيعة: أسألك مرافقتك في الجنة.. فقال له عليه الصلاة والسلام: [أعني على نفسك بكثرة السجود].
إنها الحقيقة التي ينبغي الا تغفل أبدا.. إنه لا مجال للتميز، ولا مجال للوصول إلى الغايات إلا بالعمل الدؤوب، أما التخليط والتخبط، أو السير في ركاب الكسالى والخاملين والغافلين والباردين فإنه لن يحقق أبدا أمنية، ولن يحقق تفوقا، ولن يخلق تميزا، ولن يوصل إلى غاية...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصادر:
ـ التميز في القرآن والسنة
ـ خطبة لإبراهيم الحارثي

Post: #63
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:35 AM
Parent: #62

نحو إجازة سعيدة هادفة
نِعَمُ اللَّهِ تعالى على عباده كثيرة لا تُحْصَى، ولهذه النِّعَمِ أصول وفروع، ومن أصولها بعد الإيمان: نعمة الصحة ونعمة الوقت.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من تضييع هاتين النعمتين فقال: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»، والمغبون هو مَنْ يبيع السلعة بأقل من ثمنها أو يشتريها بأكثر من ثمنها، والمقصود أَنَّ غالب الناس لا ينتفعون بالصحة والفراغ بل يصرفونهما في غير محلهما.

وتجتمع هاتان النعمتان- مع غيرهما من النعم- في الإجازة الصيفية للشباب، ولَمَّا كان سوء توظيفهما وضياعهما يعرض الشباب والأمة لخسارة كبيرة، أردت أَنْ أتناصح معهم في كيفية استغلال هذه الإجازة بما يعود علينا جميعا بالنفع في الدنيا والآخرة.
فأقول: لكي يستفيد المسلم من إجازته تمام الاستفادة - وفي نفس الوقت يستمتع بها - عليه أمران:
الأمر الأول: التخلي عن الرذائل التي تجتمع وتتكاثر في هذه الفترة، وسأتحدث عنها تحت عنوان: المحذورات.
الأمر الثاني: التحلي بالفضائل وسأتحدث عنها تحت عنوان: المقترحات.

أ – المحذورات :
1ـ رفقاء السوء: فمن المعلوم أن للرفقة أبلغ الأثر في سلوك المرء، فالصاحب ساحب، والطبع سرَّاق، فَمَنْ جالس الأشرار وعاشرهم فلابد أَنْ يتأثر بهم، ويقتبس من أخلاقهم، فمجالستهم تسوق بصاحبها إلى الحضيض، فكلما همَّ بالنهوض والتحلي بمكارم الأخلاق، والتخلي عن مساوئها أعاقوه، فعاد إلى غَيِّه، واستمر على جهله وسفهه، فعلى المسلم أَنْ يقلع عن صحبة السوء وأَنْ يصحب أولي الهمم العالية من الصالحين، وينتفع بلحظهم قبل لفظهم، وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عن النَّبِيِّ المحمود صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْمَرْءُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ].
«عَنِ الْمَرْءِ لا تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِهِ ... فكل قرين بالمقارن يقتدي»

2ـ الفراغ: يعد الفراغ ووفرة الوقت لدى بعض الشباب مشكلة وسببا لكثير من مظاهر الانحرافات السلوكية المختلفة، إذ إِنَّ وفرة الوقت دون عمل نافع- أيًا كان- يوقع صاحبه في أسر الوساوس الشيطانية، والأفكار والهواجس النفسية الخطيرة، فيبدي له من التصورات والأفكار الجديدة والكثيرة ما لا يمكن أن يحصل أثناء الانشغال بعمل ما. وتعود مشكلة الفراغ في حقيقتها إلى الفراغ الروحي، وخواء القلب من كمال الإيمان الذي يشعر بالأنس والاطمئنان.
كما أَنَّ الفراغ يجعل الشاب ثقيل الظل في البيت، كثير المشاكل، كثير الأوامر والنواهي، لذلك قال الحكماء : إن الشباب والفراغ والجدة .. .. مفسدة للمرء أَيُّ مفسدة

3ـ التسويف: التسويف بحر لا ساحل له، يدمن ركوبه مفاليس العالم، وهو من جنود إبليس المقربين، وقد أجاد أحد السلف حينما سأله مَنْ حوله النصيحة، فقال لهم: «احذروا التسويف»، وعن الحسن البصري قال: «إياك والتسويف فإنك بيومك ولست بغدك»، وكتب أحدهم إلى أخيه: «إياك وتأمير التسويف على نفسك أو إمكانه من قلبك»، ويلاحظ أَنَّ بعض الشباب يستطيل الإجازة ومِنْ ثَمَّ يسوف لنفسه آجالاً ويقول: سأبدأ غَداً سأفعل غَداً، وتنقضي الإجازة يوما بعد يوم، وتنصرم الشهور ولم يفعل مِنْ ذلك شيئًا، ولا شك أَنَّ هذا من تلبيس إبليس.

4ـ الإعلام المدمر:لا يخفى على أحد أَنَّ كثيرا من وسائل الإعلام مُسَخَّرَةٌ اليوم لإشاعة الفاحشة والإغواء بالجريمة والسعي بالفساد في الأرض، فهي خطة للهدم استعملت فيها كل الوسائل لتدمير هذا الدين والقضاء عليه بطريق مباشرة أو غير مباشرة، فاحذر أَنْ تسول لك نفسك أو يسول لك الآخرون، فيخدعونك بأَنْ هذا ترويح عن النفس، فما هو بترويح، بل هو السم الزعاف، والعائدون إلى ربهم من هذا الطريق الموحش يعرفون ذلك ويقرون به بعد أَنْ خبروا أسراره وتجرعوا غصصه، ولا يعني هذا أَنْ تخاصم النافع والمفيد منها، فأنت تعرف جِيدًا عن أي نوع أتحدث، وأي نوع أقصد !!

ب - المقترحات :
ما سبق من المحذورات إذا تجنبها المسلم يكون قد قطع شوطًا كبيرًا نحو تحقيق هدفه، وبقي الشوط الثاني وهو التحلي بالفضائل. وهذه بعض مقترحات في هذا الجانب:
أولاً: ابحث لك عن عمل ولا تنظر إلى العائد المادي منه، فللعمل مزايا وفوائد لا تحصى منها: أنه يعلم الصبر والمثابرة والجدية، وكسر حاجز الخوف من التعامل مع الناس، وتنمية روح العمل في فريق، ومن خلاله يتخلص الإِنسان من عادات سيئة كالكسل والفوضى والتسويف وسرعة الملل وحدة الطبع والفردية، كما أَنَّه يشبع حاجاته النفسية، كالحاجة إلى الاحترام والتقدير والإِحساس بالذات؛ وقد كان داود حدادًا، وزكريا نجارًا، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يرعى الغنم، بل ما من نبي إلا ورعى الغنم كما في الحديث الشريف.
وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم من كان يحمل على ظهره كي يحصل على مال يتصدق به. وليس هذا بعيب ولا منقص من قدرهم. وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [إنَّ خير ما أكل المرء من عمل يده، وإنَّ نبي الله داود كان يأكل من عمل يده]

ثانيًا: مساعدة الأهل: من أَخْلاقِ النَّبِيِّ صلى اللَّهُ عليه وسلم: أَنَّهُ كَانَ يَخْصِفُ النعل ويقم البيت -أي ينظفه- ويخيط الثوب. وقد سُئِلَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: مَا كَانَ يَعْمَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ وَيَحْلُبُ شَاتَهُ وَيَخْدِمُ نَفْسَهُ، وقالت أيضا: كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ فَإِذَا سَمِعَ الأَذَانَ خَرَجَ
فضع في برنامجك خدمة أهل بيتك وقضاء حوائجهم، ومن ذلك زيارة الأرحام والاطمئنان عليهم والتفاني في خدمتهم، خاصة إذا كانوا في حاجة لذلك.

ثالثًا: حفظ القرآن: احفظ كل يوم ولو عشر آيات وارتبط بمقرأة لتتعلم أحكام التلاوة، وإذا كنت أتقنتها فحافظ عليها- أي المقرأة- من أجل أن تكون من القوم الذين يجتمعون في بيت الله لتلاوة القرآن ومدارسته، تحفهم الملائكة، وتنزل عليهم السكينة، ويذكرهم الله فيمن عنده.

رابعًا: حافظ على أذكار الصباح والمساء، وأكثر من الاستغفار والتسبيح والتحميد والتهليل والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، واقتن كتيب «حصن المسلم»، واحرص على ألا يفارق جيبك.

خامسًا: تعرف على حياة الصحابة والعلماء والصالحين لتقتدي بهم، فهم أعلام الهدى ومصابيح الدجى، وهم الذين ورثوا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم هديه وسمته وخلقه، فالنظر في سيرهم والاطلاع على أحوالهم يبعث على التأسي بهم والاهتداء بهديهم.

سادسًا :: شارك في بناء الأمة واحرص على صلاة الجماعة في المسجد ومنها صلاة الفجر، وخذ بكل الأسباب الممكنة لذلك (المنبه - الهاتف - أحد الأصدقاء)، وتذكر دعاء الحبيب :(اللَّهُمَّ إنِّي أعُوذ بِكَ مِنَ الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكَسَلِ). ومما يجب أَنْ تكون على يقين منه أَنَّ توفيق الله لا يؤتاه خامل أو كسول متقاعس عن أداء فرض الله.

سابعًا: تعاون مع إخوانك بمسجد الحي في إقامة الأنشطة المتنوعة - علمية واجتماعية وتربوية وأدبية - ولا تنس أَنْ تشارك في نشاط أو أكثر من هذه الأنشطة، منها على سبيل المثال:
ـ مسابقة بين الشباب والناشئة في المحافظة على صلاة الجماعة والتبكير اليها، وفي حفظ حديثين من رياض الصالحين كل يوم.
- زيارة إحدى المؤسسات الخيرية أو مكاتب الدعوة؛ أو المستشفيات والمؤسسات الإيوائية لتتعرف عليها وتسهم فيها بأي شكل مهما كان يسيراً .
- الالتحاق بإحدى الدورات العلمية أو العملية النافعة والمفيدة، مثل: دورة في الخط أو الكمبيوتر أو الرسم وغيرها كثير

ثامنًا: شيء من الترويح: من الضروري في أغلب أيام الأسبوع أَنْ تخصص وقتا لممارسة شيء من اللهو المباح الذي يروح به المسلم عن نفسه، ففي الأثر: «روحوا القلوب سَاعَةً بَعْدَ سَاعَةٍ، فإِنَّ القلوب إِذَا كَلَّتْ عَمِيَتْ»، والترويح المباح كثير - ولله الحمد- ومتنوع ومتعدد في وسائله حتى يتمكن كل فرد أَنْ يجد ما يناسبه، فمنه: السفر، السياحة، والرياضة باختلاف أشكالها، الصيد والقنص والمخيمات والرحلات، بالإضافة إلى ما يُشاهد أو يسمع، مع التنبيه على ضرورة اختيار المكان المناسب و أَنْ يخلو هذا اللهو من المخالفات الشرعية.

تاسعًا: وأخيرًا، الأمة في أمس الحاجة إلى قلبك وعينيك، فلا تفسدها بيديك وجاهد نفسك على غض بصرك، فكُلُّ الْحَوَادِثِ مَبْدَؤهَا مِنَ النَّظَرِ ... وَمُعْظَمُ النَّارِ مِنْ مُسْتَصْغَرِ الشَّرَرِ، وستجد لذلك ثمرة عجيبة – إِنْ شاء الله- فالجزاء مِنْ جنس العمل، وليتك تنسخ قول ابن القيم وتحتفظ به قريبا منك- بعد أَنْ تتأمله وتتدبره-: «وللمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة، الْمُضِرَّةِ بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله...
اللهم ارزقنا حسن استغلال أوقاتنا، وَقِنَا وأَهْلَنا شَرَّ البطالة و الفراغ، آمين
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. أحمد عبد المجيد مكي (بتصرف واختصار)

Post: #64
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:36 AM
Parent: #63

Quote: السموم البيضاء.. وأثرها على الشباب
"الديمورفين" أو "الدايستلمورفين".. هو الاسم الطبي للمخدر الأخطر والمعروف باسم الهيروين.. والهيروين هو مخدر قوي للجهاز العصبي المركزي، يحصل عليه من أستلة (إقحام جزيء أستيل في مركَّب المورفين.) وهو مركب شبه قلوي مستخرج من الخشخاش المنوم ويسبب إدمان جسمي ونفسي قوي. ويصنف مع المخدرات.

تاريخ اكتشافه:
و كما جاء في الموسوعة الحرة الويكيبيديا.. صنع الهيروين لأول مرة من مادة المورفين عام 1874 م من قبل كيميائي اٍنجليزي ولكن لم يعرف مفعوله، ثم صنع من جديد عام 1898 م من قبل هنريك دريسار، كيميائي ألماني من المؤسسة الصيدلانية باير (Bayer) التي أنتجته كدواء للعديد من الإصابات منها داء السل. وأعطي اٍسم هيروين من التسمية الألمانية heroisch (تنطق هيرويش).

الاستخدامات الطبية:
يستخدم"الدايمورفين" أو "الدايستلمورفين" وهو الاسم الطبي للهيروين للأغراض الطبية (كمخدر للآلام الحادّة أو ضمن برامج التخلص من الإدمان) فهو يستخدم كمسكن قوي للألم مثل: الإصابات الجسدية الحادة، واحتشاء عضلة القلب، وآلام ما بعد الجراحة، والآلام المزمنة، بما في ذلك المراحل الأخيرة للسرطان وأمراض أخرى. وفي بعض البلدان الأخرى يشاع أيضا استخدام المورفين أو الأفيونيات القوية الأخرى في مثل تلك الحالات).

كما يستخدم الهيروين كعلاج لحالات الإدمان؛ وذلك بشكل قانوني في بعض المناطق ويخضع استخدامه وجرعاته للرقابة، ويأتي في شكل حبوب أو إبر، والسماح المحدود لاستخدامه يرتبط عادة بجرعات تعطى في مراكز طبية متخصصة وتحت إشراف طبي من المناطق التي قنن فيها استخدام الهيروين لهذا الأغراض الطبية كما في المملكة المتحدة. كما يتم مراقبة استخداماته من خلال قانون إساءة استخدام الأدوية لعام 1971، حيث يصنف من ضمن الأدوية فئة A الخاضعة للرقابة. وتقوم المستشفيات بالاحتفاظ بسجلات استخدامه.

إدمان الهيروين:
وفي مقال له عن الإدمان يقول الأستاذ فوزي غنيم ما معناه: "إدمان الهيروين هو واحد من أكثر أنواع إدمان المخدرات خطورة، إن لم يكن أخطرها على الإطلاق (كما يقول الأطباء)، وغالبا لا يأتي فجأة وبدون مقدمات.. فالمشهور أن الشخص لا يدمن الهيروين مباشرة ولكنه يبدأ بأنواع أخرى من المخدرات ثم يتعرف على الهيروين.
وعادة ما يعرفه المدمن عن طريق التاجر الذي يبيع له المخدرات الأخرى فيبدأ بإغرائه بأن يمنحه جرعة بلا مقابل مادي ويوهمه بأنه نوع أفضل من الذي يعتاده، وبعد أول مرة أو بعد الثانية يحدث الإدمان، فيعود إليه ثانية ولكن هذه المرة يدفع المقابل ويصبح زبونًا مدمنا للهيروين.

وقد نشرت الـ " بي بي سي " تقريرا عن معدل الاستخدام العالمي من خلال تقديرات منظمة الأمم المتحدة حيث هناك أكثر من ٥٠ مليون متعاطي بشكل دائم للهروين والكوكايين والمخدرات عموما. أما الهيروين خصوصا فإن الاستخدام العالمي للهروين يتراوح ما بين ١٥ مليون إلى ٢١ مليون شخص تتراوح أعمارهم ما بين ١٥-٦٤ سنة. وهي بلا شك نسبة مخيفة.
كما تقول إحصائيات أخرى أن إدمان الهيروين منتشر أيضا بين الفتيات، وقد ثبت أن نسبة الفتيات المدمنات للهيروين إلى الشباب تعادل 7%، وعادة ما تتعرف عليه الفتاة عن طريق الزوج إذا كان مدمنًا أو عن طريق أصدقاء السوء.

والهيروين إما أن يؤخذ عن طريق الشم أو عن طريق الحقن بالوريد، وهو أكثر خطورة، لأنه يصل إلى الدم مباشرة، ومن المعروف أن مدمن الهيروين لا يستطيع أن يعالج منه إلا طبيًا في الأعم الأغلب، على خلاف إدمان الحشيش فما هو إلا تعود يحتاج من اعتاد عليه إلى قوة إرادة فقط عندما يريد العلاج منه.

أغلى من الذهب:
ويحدث إدمان الهيروين عندما يحصل الشخص على الجرعة للمرة الثانية، وكثيرا ما يحدث من أول جرعة، فتعتاد خلايا الجسم عليه، وتحدث الأعراض الجسمانية فإذا تأخر عن شمه في موعده يشعر المدمن بإسهال ورشح ونشر في الجسم وعدم تحكم في انفعالاته وهمدان عام مع عدم القدرة على التركيز وفقدان في الشهية..

أما إذا استمر في تعاطيه بعد المرة الثالثة وحاول الانسحاب فيحدث في هذه الحالة انهيار في الوظائف الحيوية وانهيار في وظائف الكبد، ولاسيما الهيروين والكوكايين اللذان يتعاطاهما المدمن عن طريق الشم، وهي مساحيق خفيفة الوزن باهظة الثمن، يصل سعرها إلى ستة أضعاف سعر الذهب، لأن الكيلو جرام الواحد من الهيروين يتطلب استخلاص محصول فدان كامل من نبات الأفيون، لاستخراج المسحوق الناعم الشفاف البني اللون، الذي يعطى رائحة الخل ويوفر لمن يشمه الإحساس بالتعاطي.

من مدمن إلى تاجر:
ومكمن الخطورة أن المدمن تتضاءل أمام عينيه جميع المشاكل والهموم حتى يحصل على الجرعة، وعند أكثرهم يسهل التضحية بكل شيء وأهونها المال، ويمكن أن يبيع جميع مبادئه أو يبيع نفسه بل وكم سمعنا عمن يبيع عرضه من أجل شمة أو جرعة أو حقنة، فإذا أخذها غمره إحساس بالسعادة المتناهية والتي تعتبر دليلا على أنه أصبح في عداد المدمنين.

فإذا أضفنا إلى ذلك الارتفاع الكبير في سعر الكوكايين والهيروين – الذي قلنا إن سعر الجرام الواحد منه يساوى سعر ستة جرامات من الذهب – فإن توفير ثمن الشمة يصبح بعد ذلك مشكلة، حتى أمام القادرين والموسرين، وهذا هو السر في أن الشمامين يتحولون بسرعة إلى موزعين ومهربين، حيث إن حصيلة التوزيع تعود على صاحبها بمبالغ كبيرة، وخاصة أن نقل وتسريب هذا المخدر هو في الواقع أسهل كثيرًا من تهريب غيره من المخدرات التقليدية، وهذا البلاء ينتشر في بلادنا وبلاد أخرى كثيرة بجانبنا أو حولنا.

طريق الانهيار
إن انتشار هذا البلاء بين الشباب يعني انهيار هذه الطائفة التي هي عصب حياة أي دولة، فالإدمان يجعل الشباب بلا هدف له في الحياة إلا الحصول على هذه الجرعة، وتتضاءل أمامها كل أمنية أخرى، ويتلاشى معها كل هدف.. فما ظنك بشباب أمنيته من الحياة شمة هيروين أو حقنة كوكايين أو لحظة سعادة موهومة سرعان ما تتلاشى وتتبخر وتذهب هباء مع الريح، وما هو مستقبل تلك الأمة التي يصبح هذا حال شبابها.

ولذلك لم يكن غريبا أن يحرم الدين مثل هذه التصرفات، ويعاقب على تناول هذه المسكرات المهلكات، صيانة للأمة وصيانة لشبابها..

ولم يكن غريبا أيضا أن تسعى الدول لسن التشريعات، والقوانين والعقوبات، ووضع الترتيبات لمحاربة هذا العدو الذي يفترس خيرة شبابها ويغتال عقول أبناءها، بل ويهدم مستقبلها ويجعلها أمة هرمة شائخة لا تملك إلا أن تنتظر الموت.

Post: #65
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:37 AM
Parent: #64

حادثتني تريد النصائح لحياتها المستقبلية فلم يتبق على زفافها سوى أيام.. كانت خائفة كثيراً.. قلقة.. مهمومة.. مشغولة الفكر.. مرهقة النفس.. تشعر بتداخل المشاعر بداخلها.. رهاب وقلق وهم وخوف من الفشل.. خليط من المشاعر.. وحُقَّ لها هذا بل كل هذا طبيعي لكل مقبلة على حياة جديدة مختلفة تماماً عما اعتادت عليه ونشأت.. ورجل غريب وشخصية جديدة عليها.. وعالم آخر.. مسئولية بيت وزوج.. ووسط اجتماعي جديد لم تعتد عليه ولم تألفه بعد.. أهل الزوج وعائلته وأقاربه.. وربما عادات وتقاليد مختلفة عما تربت عليه ونشأت طيلة عمرها.. كل هذا مع مزيد من الهم والخوف الخاص من ليلة الزواج والحفل والحضور و.. و.. الخ.. بصراحة المقبلة على الزواج تملك طاقة جبارة عندما تتحمل كل هذا دون انهيار قبل ليلة الزواج.. بل مع ملاحظة أنها كلما اقترب الموعد هجرت الأكل والنوم وصاحبت السهر والأرق والتفكير.. !

أعانك الله أيتها العروس..
نعود لصاحبتي.. بالتأكيد عندما استنصحتني قدمت لها كل ما بجعبتي من خلال المعرفة المتواضعة والتجربة البسيطة.. ووددتُ نفع الأخوات بما قلت لها فنقلته هنا راجية أن يجدن فيه ضالتهن..

طبعاً لن نفتأ نذكر بأهمية تقوى الله في حياتنا وجميع شؤوننا.. وهذا هو منطلق سعادتنا وسرها الحقيقي..
1ـ حاولي تهدئة نفسك قدر الإمكان.. اذكري الله باستمرار.. في كل أحوالك سبحي واستغفري.. خاصة الاستغفار الزميه في كل حي.

2ـ أبدت مخاوفها من كيفية تفهمه وخوفها من أهله.. فذكَّرْتُها بمقياس لسعادتها لا يخيب إلا عند من فسدت قلوبهم وضل سعيهم وأراد الله استدراجهم بنعمه الدنيوية عليهم.. إنه الإقلاع والبعد عن المعاصي والذنوب.

فهي ـ والله ـ سبب مشاكلنا وسر تعاستنا في حياتنا وخاصة الحياة الزوجية.. لكل معصية أو ذنب أثر واضح جلي فيما يعقبه من مشاكل أو شقاء في حياتنا.. ولو دققنا ولاحظنا لوجدنا ذلك بيناً جداً.. ألم يقل أحد السلف يوماً (إني لأفعل الذنب فأرى أثر ذلك في خلق دابتي وزوجتي!!) فما بالنا بذنوبنا نحن التي كالجبال؟ لا عجب ولا غرابة إن شقينا وأصبحت أيام سعادتنا محدودة معدودة فهي بما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير.. {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِير}.

3ـ الحفل الذي ستقيمه أي عروس.. لابد من مراعاة انتفاء وجود منكرات فيه؛ فبدء حياتنا بهذه المكدرات والمنغصات من الآثام هي بداية لطريقة وحلقة من سلسلة طويلة لعذاباتنا ومشاكلنا الأسرية.. والمنكرات متعددة وكثيرة وسأذكر بعضاً منها على عجل :

* الإسراف في تكاليف تجهيزات الزواج والعروس ومنها :
= بطاقات الدعوة التي تطبع بأثمن الأسعار ثم مصيرها حاوية النفايات أكرم الله الجميع.

= ثمن الكوافيرة والذي كما سمعت عند البعض يبلغ آلافا عدة!!

= باقي التجهيزات لا داعي لاختيار أغلى الأثمان بل اختاري الجيد مضمونا وسعراً..

* حاولي أن يكون من بين المدعوين أناس محتاجون.. ليحضر الوليمة من يستحقها من المحرومين.. وفي هذا حديث وإن لم يحصل لك ذلك اتفقي مع أي المؤسسات الخيرية على حضورهم بعد العشاء لأخذ ما تبقى وتوزيعه على من يحتاجه.. فنحن نموت بالتخمة وغيرنا يموت من الجوع !!

* احرصي أن يكون المدعوون ممن يتقون الله تعالى حتى لا تحتاجين إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر.. وما أصعبه في مثل هذه الليلة.

* المنهج النبوي أن الاحتفال والضرب بالدفوف للنساء فقط ولم يكن يستغرق الليل كله، بل كان وقتا يكفي لإعلان الناس بالنكاح وإشهاره وإدخال السرور على العروسين وأهليهما والأحباب..

* حاولي لزيادة الخير توزيع مطويات أو أشرطة نافعة، للحضور وستجدي أثمانها متواضعة للتوزيع الخيري والكميات الكبيرة..

* احرصي على حجابك في ليلة زفافك لا يستخفنك الشيطان لتبدئي حياتك بمعصية..

4ـ حتى تنعمي بسعادتك وزوجك وتيسير أموركما لا تجعلي صلاة الجماعة تفوته إطلاقاً، ولو كان أول يوم.. ولو سهرتم.. وثِّقي هذا الرباط بحبل الله.. طبعاً لن يرفض لك طلباً فلا تتردي.. وأخلصي النية لله..

5ـ الزمي الأذكار.. أذكار الصباح والمساء والأذكار الخاصة بكل أعمال المسلم اليومية عند الطعام والشراب واللباس والدخول والخروج.. لأنها بصفة عامة خير وفضل عظيم.. والأمر الآخر هي خير حافظ لك بإذن الله.. ولن تتعبك فهي لا تستغرق وقتاً وجهداً.. ولا تنسي أن تذكري زوجك بها .

6ـ بشكل عام اجعلي ميزانك في كل شيء في حياتك مبدئياً ومستقبلياً طاعة الله ورضاه..

7 ـ ثقي تمام الثقة بأنه (من أرضى الناس بسخط الله أسخط الله وأسخط عليه الناس ومن أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس).
هذا الأثر يحتاج لوقفة تأمل من كل من يسعون جاهدين في جميع أمورهم لإرضاء الآخرين والاهتمام بما يقول الناس وما ينال إعجابهم، بغض النظر إن كان فيه رضا الله أو سخطه..

فإن قالت إحداكن البيئة التي حولي لا تساعد !
قلت لها: من استعان بالله أعانه، ومن توكل عليه كفاه، ومن طلب الرضا عنده أرضاه.
أسعد الله صاحبتي وكل عروس من فتيات وشباب المسلمين بطاعته وهداهم للحق والهدى، وأبعد عنهم كيد الشيطان ونزغه..اللهم ارزقهم الذرية الصالحة وأسعدهم واجعل كل نساء المسلمين وذرياتهن قرة أعين لأزواجهن واجعلهم هادين مهديين. وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه..
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "زواج بلا مكياج".. بتصرف.

Post: #66
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 02:39 AM
Parent: #65

وافدة النساء
تخطئ المرأة في بلادي كثيرا حينما تظن أن سعادتها في تحقيق ما ينادي به من يسمون أنفسهم ـ زورا وبهتاناـ بمحرري المرأة.

تخطئ حينما تلهث وراء أفكارهم المطروحة، ومطالبهم المشبوهة، وحينما يتعلق قلبها وتشرئب نفسها لرؤية هذه الأفكار واقعا ملموسا وأمرا مشاهدا محسوسا.

تخطئ حين تبهرها أضواء كلماتهم الرنانة، وتخدعها لافتاتهم الطنانة.

تخطئ حين تنخدع بأقوال المغررين بها، والمتصيدين لها، أصحاب العاهات العقدية وطالبي المتعة الجسدية، والأمراض القلبية.

تخطئ حينما تظن أن ما يصلح للمرأة الغربية يصلح باللزوم والتبع للمرأة الشرقية، وأن ما يصلح للكافرات يوافق المؤمنات، وما يوافق المتبرجة المتحللة يصلح للعفيفة الطاهرة.

إن ما يُطلـَب للمرأة في الغرب إنما هي أفكار وآراء ـ في غالبها أو مجملهاـ فصلت لشخصية غير شخصيتك، ومطالب لبيئة غير بيئتك، وحالة غير حالتك.

إن من البلاهة أن نطالب بحرية المرأة في اللباس ونجعل لها الحق في التعري وترك الحشمة وإظهار المفاتن بدعوى الحرية الشخصية.

إن من الدياثة أن نطالب لها بحرية الجسد، فتفعل به ما تشاء مع أي شخص تريد، في أي وقت كان.. يلبسها أحدهم كما يلبس حذاءه متى احتاجه، ويخلعه متى استغنى عنه، أو تغير هي فيهم كما تغير جواربها.

من العجب أن نستورد لها ما يلغي فطرتها، ويلغي أمومتها، ويصادر أنوثتها؛ بدعوى حرية العمل والرأي والفكر واللبس والجنس.

مظلومة.. ولكن:
ربما كانت بعض النساء في بلادنا مظلومة مهضومة في مناح عدة، وجهات مختلفة، نقر بهذا، ولكن ليس هذا ـ أبداـ بسبب أوامر دينها، ولا ضوابط إسلامها، وإنما بسبب جهل الكثيرات منهن أولا، وجهل كثير من الرجال بمفاهيم الإسلام وحقيقة أوامره وطبيعة ضوابطه، وبسبب تغول الرجل أحيانا وسوء تصرفه ومخالفته للدين في أغلب الأحايين.

نعم ربما كانت تحتاج إلى شيء من الإنصاف والتطوير والتنوير والتحرير... ولكنه أبدا ليس تحرير المغررين بها، ولا تنوير المتصيدين لها، ولا تطوير المتربصين بها، المتسترين بمسمى التحرير وحقيقتهم التغرير، والظاهرين في صورة أصدقائها وهم ألد أعدائها، الذين لبسوا لها لبوس الضأن على قلوب الذئاب يتحينون الفرص لافتراسها.

إن الله خلق المرأة لوظيفة كونية عظيمة، وهيأها لذلك أعظم تهيئة، وإنما تتناغم مع الكون حين تعرف حقيقة وجودها، إعمار الكون بمراد خالقه، فلها وظيفتها الهائلة كما للرجل وظيفته، وأفضلهما في النهاية أتقاهما.
فإذا ترك كل منهما أو أي منهما ما خلق له، وأراد أن يعيش كما يحلو له لا كما يريد الله منه، فسد نظام الكون، وضاق على أصحابه، وعم الشقاء أفراده، وجاءت التعاسة من حيث تظن السعادة، والضنك والضيق من حيث ابتغيت الفسحة والسعة.

إن المرأة إنما تنال سعادتها بقدر ما تعرف من مقصود الله منها، وبقدر ما تحقق من وظيفتها التي جبلها الله لتتوافق مع فطرتها، وهذا ما فهمته وافدة النساء فاطمة بنت قيس فاسمع قصتها:

وافدة النساء:
أخرج البيهقي عن أسماء بنت يزيد الأنصارية [أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي - لك الفداء - أنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء فآمنا بك وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجاً أو معتمراً أو مرابطاً حفظنا لكم أموالكم، وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أموالكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟
فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله ثم قال: هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مُساءلتها في أمر دينها من هذه؟ فقالوا: يارسول الله! ما ظننا أن امرأة تهتدي إلى مثل هذا؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال لها: انصرفي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء إن حسن تبعل إحداكن لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فأدبرت المرأة وهي تهلل وتكبر استبشاراً].
اسلام ويب

Post: #67
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:32 AM
Parent: #66

روى ابن ماجة في سننه عن بسر بن جحاش رضي الله عنه قال: [بزقَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ في كفِّه، ثمَّ وضعَ أصبعَهُ السَّبَّابةَ وقال: يقولُ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا ابْنَ آدمَ! أنَّى تُعْجِزُني وقد خلَقْتُكَ من مِثْلِ هذا؟ حتى إذا سوَّيْتُك وعَدَلْتُك، مَشَيتَ بين بُرْديْنِ ولِلأرضِ منكَ وئِيدٌ، فجمعْتَ ومَنعْتَ، حتى إذا بَلَغَتِ التَرَاقيَ قُلتَ: أتَصدَّقُ، وأنَّى أوانُ الصَّدَقةِ؟!(صحيح ابن ماجة وصحيح الجامع)

أحيانا تأخذ الغفلة بعض البشر، وينسى أصل خلقته، وعجز قدرته، وضعف قوته، وقلة حيلته، ويستهويه الشيطان ويسول له أنه شيء، ولا يزال ينفخ فيه حتى تأخذه العزة بالإثم ويركبه الغرور، فربما تكبر على الخلق واحتقرهم، وربما زاد الغي فأنكر الرب وألحد.. وهذا القسم الأخير فيهم من سوء الأدب مع الله شيء كثير، وقد يغرهم إمهال الله لهم وسعة حلمه بهم وبغيرهم من الكفار والفجار، فيحملهم الحلم إلى التطاول والبذاء، وربما يكون الجزاء بالمرصاد وهم لا يشعرون؛ فيجعل الله منهم آية على قدرته، وعبرة لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد.

تبرج ووقاحة:
منذ فترة تناقل الشباب في فضاء الإنترنت قصة فتاة متبرجة بصورة فجة ، ركبت سيارة أجرة فلفت نظر السائق تهاونها في إبداء مفاتنها، فنصحها بأدب ولطف، ودعاها أن تستر نفسها وتتقي ربها، وذكرها بالله تعالى.. فما كان منها إلا أن زاد غرورها وفجورها وعتوها ونفورها، فأخرجت هاتفها النقال ومدت يدها به إلى السائق قائلة، في تهكم واضح وتهتك فاضح: "خذ الجوال وكلم ربك ليحجز لي مكانا في جهنم"!!!.
وكان القدر لها بالمرصاد، فلم يمهلها فقبضت روحها وهي مادة يدها بجوالها.. فكانت نهاية مخزية وخاتمة مؤلمة.

أربعين سنة:
قديما قرأت قصة في مجلة الأسرة عن شاب أعدمه الفقر، وأعوزه البرد، واضطره الجوع في ليلة قارس بردها عاصف ريحها، عضه الجوع حتى كاد يزهق روحه، فدخل متجرا آنس من ظاهره وحجمه وبهرجه غنى صاحبه، وعندما دخل وجد صاحب المتجر يعد دراهمه وأمواله.. وعلى استحياء سأله شيئا يسد به رمقه.. فما كان من صاحب المتجر إلا أن نظر له بازدراء وتأفف وقال: كم هم أمثالك الذين يمرون علي كل يوم، ولو أعطيت كل واحد درهما لبارت تجارتي وفنيت أموالي.. فقال: وما تصنع دريهمات في مالك، أدعو الله لك أن يحفظ بها مالك ويحمي تجارتك من الزوال.. ومرة أخرى يفعل الخذلان فعلته فينطق الرجل بغرور ونكران: "إن الله يحتاج إلى أربعين سنة ليأخذ مني مالي" ..
وبهت الشاب مما سمع، فهو فقير نعم، لكنه يؤمن بالله العلي القدير.. ثم أقعده البرد فنام.

لم تمر على هذا الموقف المريع وهذا الكلام الفظيع أيام حتى كان الرجل صاحب المتجر قد طلق زوجته، وكانت هي صاحبة القصر الذي يؤويه، والمتجر الذي يتاجر فيه، والمال الذي يكنزه، فسلبته كل ذلك وطردته شر طردة.. فخرج في لحظة من كل ذاك النعيم..
قابله الفقير فمال على أذنه وقال: إن الله لا يحتاج إلى أربعين سنة.. ولا أقل منها حتى يسلب منك مالك.

قارون:
لقد كان قارون ممن يضرب به المثل في الغنى على مر الدهور وكر العصور، والقرآن الكريم اختاره ليكون مضرب المثل للغني الفاجر المتعجرف الكافر.. ملأت كنوزه الأرض وكثرت خزائنه حتى ضج الرجال الكثر ذوو القوة والبأس من حمل مفاتيحها..

دعاه نبي الله موسى عليه السلام للإيمان، ودعاه قومه ليحسن في مال الله الذي وهبه إياه، ولا يبغ الفساد في الأرض، وأن يشكر نعمة الرب، فأعجبه ماله، وأطغاه غناه {كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى}، وأنكر نعمة الله ونسب الفضل لنفسه {قال إنما أوتيته على علم عندي}.. فلما زاد الطغيان عن الحد، لم يكن من إهلاكه بد، {فخسفنا به وبداره الأرض}.
إن التاريخ القديم والحديث ممتلئ بهذه الوقائع التي فيها عبرة للمعتبرين، وزجر للمتطاولين، ولكن يبدو أن بعض الحمقى لا يتعظون ولا يعتبرون، وبعض الناس ليست له عبرة إلا من نفسه..

في ركب الحمقى:
في أيامنا ظهرت فتاة عربية عمدت إلى إرسال رسائل نصية عبر الهواتف النقالة، وكتبت تويتات في تويتر، وكتبت في الفيس بوك، عبارات مشينة وكلمات بذيئة فيها كفر صراح، تتطاول فيها على الرب الكريم والنبي الأمين والدين والعظيم؛ تزعم أنها تتحدى بذلك الله، جل جلاله،!!!، وأنها لن تتوقف حتى يأتيها عقاب الله، والذي تعتقد أنه لن يأتي أبدا.

قلت مسكينة.. انضمت إلى جيش المساكين، مخذولة سلكت نفس سبيل المخذولين، حمقاء رضيت بفعل أهل الحماقة.. وهو الداء الذي لا دواء له..
لكل داء دواء يستطب به .. .. إلا الحماقة أعيت من يداويها

وهل تطفأ الشمس بالنفخ فيها؟، وهل يضر السحاب نبح الكلاب؟، وهل يضر البحر أن ألقى فيه غلام بحجر؟
ما ضر شمس الضحى في الأفق ساطعة .. .. ألا يرى نورها من ليس ذا بصر

لا يضر البحر أمسى زاخرا .. .. أن رمى فيه غلام بحجر

فسبحان من يعمي هؤلاء الخلق عن الاعتبار والادكار، وأخذ العبرة ممن سبق وغبر.. ولكن صدق الله.. {ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون}.
إسلام ويب

Post: #68
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:33 AM
Parent: #67

لا نتعجب حينما نجيل فكرنا في أروقة وزارات الثقافة في كثير من دولنا العربية والإسلامية ونبحث عن الانتماءات الفكرية للقائمين عليها فنجد أنهم في الغالب الأعم من العلمانيين الموغلين في العلمانية المدافعين عنها بكل شراسة.

ولعل هذا المنصب يخضع لتدقيق شديد من الغرب بحيث لا يسمحون فيه لذوي الميول أو الأفكار الإسلامية من الاقتراب من هذا المنصب لخطورته.

ولعل هذا المنصب يفوق في الخطورة منصب رأس الدولة، إذ إنه في ظل السياسات المهترئة التي يعيش بها معظم أرجاء وطننا العربي والتي لا تتواجد بها الخطط القومية ولا العمل المؤسسي تصبح كل وزارة قطاعا منفصلا في أهدافها وتوجهاتها وسياساتها وخططها وبرامجها، وبكل تأكيد تخضع وزارات مهمة كالثقافة والإعلام والتعليم لمعايير شديدة لابد وان ترضي الغرب.

وبنظرة شاملة متفحصة نجد أن وزارة الثقافة في بلد عربي كبير ترأسها وزير لمدة فاقت عشرين عاما من (1987 إلى 2011).. وقف طيلتها بكل سبيل يحول بين هذا البلد وبين هويته الإسلامية؛ فأبعد عن وزارته كل مثقف لديه أدنى شبهة من ولاء للفكرة الإسلامية، في حين جعله كل الروافد الثقافية حكرا على اليساريين الشيوعيين الذي تحكموا في كل مفاصل الثقافة، هذا مع تصريحات مخالفة للدين هاجم فيها الحجاب واعتبره ردة وتخلفا وعودة، كما جعل الجوائز الأدبية لكل من يتطاول على الإسلام، وطبع من الكتب المعادية للإسلام الكثير على حساب الوزارة، بل أصبح الهجوم على الثوابت الإسلامية الباب الوحيد المضمون لنيل الشهادات والمناصب في عهده.

اذن كان لابد وان نعي حصاد الثقافة في عصر كان على رأسه مثل هذا الرجل.

ويبدو أن هذه الوزارة منكوبة دوما في وطننا العربي، إذ جاء على قمتها في بلد عربي كبير أيضا امرأة ، ربما لا تحمل من الإسلام ولا يدل على حالها فيه إلا اسمها فقط، فخرجت في حوار صحفي أخير لكي تهاجم العبادات الإسلامية بصورة لا تخرج إطلاقا من مسلم وتحتاج إن أثبت عليها هذه الكلمات إلى استتابة منها؛ فقد تخرجها هذه الكلمات من الملة، إن أقرت بها وفق الضوابط التي وضعها العلماء للكلمة التي تكفر صاحبها.

ففي كتاب صادر لها سألتها صحفية صهيونية في ثنايا الكتاب الذي جاء في معظمه كحوار بين الوزيرة والصحفية، فسألتها: لماذا لا تصلين الصلوات الخمس في اليوم كما هو مطلوب؟
فتجيب الوزيرة: الصلاة خمس مرات ليست مطلوبة على الإطلاق، وأتحدى أي شخص أن يجد في القران آية تحدد عدد و أوقات الصلوات اليومية،.شيء تافه!!".
ثم أضافت : " قررت ألا أصلي صلاة المسلمين، لأن وضع الرأس على الأرض يعتبر أكبر إهانة للإنسان، ولأن هذه الصلاة المجسدة للعبودية فكرة من ابتكار ...... ... النخاسين، وقد قررت أن أؤدي صلاة غير صلاة المسلمين، فقد طويت سجادتي ووضعتها في قفة وقررت بذالك التخلص من الأكاذيب والنفاق" (صفحة 33)

أما عن الحج فهي تقرر إنها لا تؤمن به، فتقول: "أنا أتأسف على الأموال التي تضيع هناك في الحج التي كان المفروض أن تنفق على بناء قاعات سينما!!! (صفحة 32) "

وأيضا لا ترى فضيلة ولا ضرورة للزواج الشرعي فتعجب من التضييق غير المبرر عندها، وتتعجب من كون الرجل والمرأة إذا كانا غير متزوجين لا يسمح لهما بغرفة مشتركة في فنادق بلدها.

أما عن الحجاب فلم يخطر ببالها يوما، فقالت في (صفحة 53) ردا على سؤال: هل فكرتي لحظة ما في التحجب؟
فأجابت بعد أن أصابها ما يشبه الهستريا وكأن طائفا من الجن مسها: المسالة لم تخطر ببالي على الإطلاق!!! هيهات، هيهات، هيهات!!! احتجب؟! لا... ، نحن نساء التحرر والاستقلال: اللواتي أردن الدراسة واحتراف مهنة، وكسب قوتهن، (والزواج والطلاق) بحرية.

أما عن الدين كله والعقيدة فهي تعلن أنها على ديانة وعقيدة أخرى، ففي صفحة 36 قالت ردا عن سؤال وجهته لها الصحفية: هل أنت كافرة؟ فأجابت: أنا لست كافرة، ولكن بصفة أخرى أنا داييست deiste والداييزم (بالفرنسية: deisme ، وبالإنجليزية: deism ) هي مذهب فلسفي يقر بوجود الله وينكر الوحي والعقائد.

هذا هو حال الثقافة في بعض بلاد عالمنا العربي، وهذا هو دورهم الذي عبر عنه الوزير والوزيرة وما زال يعبر عنه وزراء للثقافة آخرون.

فهل يتعجب أحد ما وصل إليه شبابنا من التغريب الثقافي والانحلال الخلقي والفساد الفكري إذا كان أمثال هؤلاء هم القائمين على أمر الثقافة وتغذية الروح؟؟!!
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مركز التأصيل للدراسات والبحوث

Post: #69
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:35 AM
Parent: #68

كثيراً ما يتجادل الناس في مسألة المفاضلة بين العقل والعلم، وفي القدر المطلوب منهما للإبداع والاختراع والتفوق.. وفي مرحلة من تاريخنا كان كثير من المثقفين يعتقدون أن تفضيل العلم على العقل شيء لا يليق بمثقف رصين، ومن أدبيات الجدال في هذه المسألة ما ذكره أحد الشعراء حين قال:
علم العليم وعقل العاقل اختلفا .. .. من ذا الذي منهما قد أحرز الشرفا
فالعلم قال أنا أحرزت غايتـه .. .. والعقل قال أنا الرحــمن بي عـرفا
فأومــأ العـــلم إيمــاءً وقـال له .. .. بأينا الرحمن في فرقـانـنا اتصـــفا
فبـان للعــقـل أن العـلم ســـيده .. .. فقــبل العــقل رأس العـلم وانصرفا

لا أحد يا أبنائي وبناتي يستطيع أن يهون من شأن الذكاء ومن دوره في تنظيم المعرفة وخضها من أجل الوصول إلى شيء جديد.. ولا أريد هنا أن ألفت نظركم إلى أشياء بدهية، لكن أود أن أشير إلى أن كلاً من الذكاء والعلم أساسي في الإبداع والنجاح.. لكن كلما قل العلم ظهر دور الذكاء وكلما كثر العلم تراجع دور الذكاء، وإن الحجم المتاح من العلم اليوم شيء هائل، وإن المعرفة تتضاعف في هذا العصر كل خمس عشرة سنة مرة؛ مما يعني أن قيمة الذكاء تتراجع باستمرار..

ومن هنا فإن الاعتقاد السائد الآن هو أن العلم هو المصدر الأساسي لتشكيل العقل وقد شبه أحدهم العقل بالرحى التي تطحن الحبوب، وشبه العلم بالقمح الذي نصبه فيها، فمهما كانت الرحى عظيمة فإنها لن تخرج لنا طحيناً إلا من نوع القمح الذي وضعناه فيها، وإذا لم نضع فيها شيئاً لن تخرج لنا شيئاً.

ذكاء متوسط مع تعلم جيد ومع جد ومثابرة وتخطيط طموح أجدى على صاحبه وأنفع له من ذكاء متوهج وعال جدا "لكن لا يصحبه تنظيم ولا علم ولا طموح".
وهذا هو التفسير الصحيح لما نراه من تسجيل كثيف لبراءات الاختراع لدى بعض الدول سنويا، وما نراه من شح في ذلك لدى دول أخرى؛ حيث أن الذكاء على مستوى الأمم والشعوب موحد تقريبا. إن الذكاء ـ فعلا ـ لا ينفع الذين لا يملكون شيئا سواه.

ما الذي يعنيه هذا بالنسبة لأبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:
1 ـ لا تفكروا في مستقبلكم ولا ترسموا أهدافكم بناء على ما لديكم من ذكاء، ولكن حاولوا أن تحصلوا العلم النافع الذي يساعدكم على الوصول إلى تلك الأهداف.

2 ـ لا تلتفتوا إلى ما قد يقوله فيكم بعض ذويكم وبعض أساتذتكم من أنكم متوسطو الذكاء أو محرومون منه، واعملوا على الاستفادة من أوقاتكم إلى أقصى حد، وادرسوا التخصصات التي تميلون إليها وتحبون القراءة فيها.

3 ـ حين يبلغ أحدكم أشده، فليحرص على تلقي العلم عن نبهاء عصره، فإن المرء حين يأخذ عن الكبار فإنه يرشح نفسه ليصبح مثلهم، وابحثوا عن الجامعات الممتازة ولو كانت مكلفة؛ لأن التعليم والتدريب الجيدين يعوضان المرء عن بعض ما قد يكون لديه من نقص في الإمكانات العقلية.

4 ـ بالصبر والعزيمة والإصرار على طلب العلم قد يحقق الواحد منكم من التقدم الشخصي على المدى البعيد ما يعجز عنه كثير من الأذكياء.. وتذكروا دائما الذي جرى بين الأرنب والسلحفاة حيث هزم الأرنب بسبب غروره وتوانيه، وفازت السلحفاة بدأبها ومثابرتها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب (50 شمعة لإضاءة دروبكم)-د. عبدالكريم بكار*

Post: #70
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:36 AM
Parent: #69

خلق الله الخلق ودلهم عليه، وأوضح لهم طريق الوصول إليه، {وهديناه النجدين}، {ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها}، {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى}.. فأقام عليهم بوضوح الدلالة حجته، بعد أن قطع المعاذير ببيان طريق السير على محجته، والدعوة إلى جنته {والله يدعوا إلى دار السلام}.

ومعلوم أن هذه الهداية هي هداية الدلالة والبيان التي أنزل الله بها كتبه، وأرسل بها رسله {مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، فبينوا الحق تمام البيان، وأقاموا الحجة على الخلق تمام القيام {فلله الحجة البالغة}.

ولم يبق بعد هداية البيان إلا التوفيق أو الخذلان، والناس في ذلك فريقان: موفق إلى الحق والخير بفضله سبحانه، ومخذول عنهما لسوء نفسه وقبح طويته من غير ظلم له بل بحكمة الله وعدله جل شانه.
فمن يشـا وفقه بفضله .. .. ومـن يشـــا أضــلــه بعـدلـــه
فمنهم الشقي والسعـيد .. .. وذا مــقـــرب وذا طـــريــــد
لحكمة بالغة قضــاهـا .. .. يستوجب الحمد على اقتضاها
{من يشأ الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم}،{وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}.

درجات ودركات:
والتوفيق درجات متفاوتات، كما أن الخذلان كذلك دركات متباينات:
فمن الناس موفق: يترقى في المعالي، ويتوقى المخازي، فلا تراه ناظرا إلا إلى الفردوس الأعلى، ولا ساعيا إلا في طاعة، ولا ناطقا إلا بذكر، ولا ساكتا إلا لفكر، يحتسب نومته كما يحتسب قومته، فحياته كلها طاعة، وأوقاته كلها عبادة، أولئك أهل الله وصفوته من خلقه السابقون المقربون.

ومنهم المخذول: الذي تيسر له أبواب المعاصي والسيئات، فهي تناديه أينما حل، وتسارع إليه حيثما نزل أو ارتحل، وهو يجهد في النيل من الملذات والشهوات، لا يفرق بين حلالها وحرامها، أو طيبها وخبيثها، يترقى من ذنب إلى ذنب، ومن معصية إلى أختها.. كلما كاد أن يغلق عليه باب منها إذا به يفتح له أبواب، فهو موفق للغاية، ولكن في الخزي والشر، فهو توفيق للخذلان أو خذلان عن التوفيق..
أمكر في الوصول إلى الشر من الثعلب، وأخبث من الذئب، وأحرص من الكلب، وأصفق من الخنزير، وأدأب من غراب، وأصبر من حمار.. فهو إما من الكافرين أو ممن هو إلى الكفر أقرب أو من الفاسقين.

وبين هاتين المنزلتين درجات ودركات، وطبقات متفاوتات، صعودا إلى الدرجات، أو نزولا وانحدارا إلى الدركات.. والموفق السعيد من أعطي عالي الهمم وجنب المخازي والفتن.. ولا يجمع الخير كله إلا المصطفون الأخيار.

أمثلة:
وإذا أردت مثالا ليقرب المقال، ويدلل على اختلاف الأحوال.. فاقرأ في الأول ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [من أصبح منكم اليوم صائما؟ قال أبو بكر: أنا. قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكينا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: فمن عاد منكم اليوم مريضا؟ قال أبو بكر: أنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة].

ويتجلى معنى التوفيق حين تقرأ رواية ابن بشكوال في كتابه "غوامض الأسماء المبهمة" عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكر قالَ: قَال رسولُ اللَّهِ صلى اللَّهُ علَيهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ: [مَنْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ مِنْكُمْ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، نَوَيْتُ مِنَ الْبَارِحَةَ فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا! فَقَالَ: مَنْ تَصَدَّقَ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا، تَصَدَّقْتُ عَلَى مِسْكِينٍ، قَدْ دَخَلْتُ فَإِذَا كِسْرَةٌ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَأَخَذْتُهَا فَأَعْطَيْتُهُ، فَقَالَ: أَيُّكُمْ عَادَ الْيَوْمَ مَرِيضًا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَا! قِيلَ لِي: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ مَرْيضٌ فَذَهَبْتُ فَعُدْتُهُ! فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَا اجْتَمَعَتْ فِي رَجُلٍ هَذِهِ الْخِصَالُ فِي يَوْمٍ إِلا دَخَلَ الْجَنَّةَ!].

والعجب كل العجب أن هذا كله عمله أبو بكر رضي الله عنه والناس لم يصلوا الفجر بعد، حتى إن عمر رضي الله عنه كان يتعجب من هذا كما ذكره ابن أبي عاصم في كتاب السنة عَنْ عبد الرحمن بن أبي بكر قَالَ: [صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ بِوَجْهِهِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ أَصْبَحَ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: يَارَسُولَ اللَّهِ، لَمْ أُحَدِّثْ نَفْسِي بِالصَّوْمِ، فَأَصْبَحْتُ مُفْطِرًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَكِنِّي حَدَّثْتُ نَفْسِي بِالصَّوْمِ الْبَارِحَةَ، فَأَصْبَحْتُ صَائِمًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟ فَقَالَ: يَارَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ، فَكَيْفَ نَعُودُ الْمَرْضَى؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: بَلَغَنِي أَنَّ أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ شَاكٍ، فَجَعَلْتُ طَرِيقِي عَلَيْهِ حِينَ خَرَجْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ تَصَدَّقَ أَحَدٌ مِنْكُمُ الْيَوْمَ بِصَدَقَةٍ؟ فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّيْنَا ثُمَّ لَمْ نَبْرَحْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا أَنَا بِسَائِلٍ يَسْأَلُ، فَوَجَدْتُ كِسْرَةَ خُبْزِ شَعِيرٍ فِي يَدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَأَخَذْتُهَا فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنْتَ فَأَبْشِرْ بِالْجَنَّةِ.. فَتَنَفَّسَ عُمَرُ وَقَالَ: أَوَّهْ أَوَّهْ أَوَّهْ لِلْجَنَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلِمَةً رَضِيَ بِهَا عُمَرُ، زَعَمَ أَنَّهُ لَمْ يُرِدْ خَيْرًا قَطُّ إِلا سَبَقَهُ إِلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ].
والمرء بعد هذا لا يتعجب أن يقول النبي صلى الله عليه وسلم لمثل أبي بكر أنه يدعى من أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء.
من لي بمثل سيرك المدلل .. تمشي رويدا وتجي في الأول.

الجهة الأخرى:
وعلى الجهة الأخرى يمكنك أن تذكر قصة عالم بني إسرائيل التي ذكرها الله في سورة الأعراف لتقف على مفهوم الخذلان، وأن العبد إنما يخذل بفعله، أو سوء نيته، أو خبث طويته.. {ولا يظلم ربك أحدا}.. يقول تعالى: {واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها فأتبعه الشيطان فكان من الغاوين . ولو شئنا لرفعناه بها ولكنه أخلد إلى الأرض واتبع هواه فمثله كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا فاقصص القصص لعلهم يتفكرون . ساء مثلا القوم الذين كذبوا بآياتنا وأنفسهم كانوا يظلمون} (الأعراف:175ـ177)

وشبيه به العابد الذي ذكره الله تعالى في سورة الحشر: {كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين . فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين}.. وقد قالوا: إنه كان عابدا من بني إسرائيل تعبد زمانا طويلا ثم زنى وقتل المرأة وولدها من الزنا، ثم كانت العاقبة في النهاية أنه سجد للشيطان وكفر بالرحمن وقُبض على هذه الحال.. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وصدق الله تعالى إذ يقول: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون}..
فنسأل الله توفيقا لطاعته، وتيسيرا لعبادته، وتثبيتا على دينه وملته، فهو حسبنا ونعم الوكيل.
اسلام ويب

Post: #71
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:39 AM
Parent: #70

في مقال سابق كتبت عن الإعلام التغريبي والاغتيال الثقافي.. وألمحت إلى أن عرض الإعلام التغريبي (الغربي القادم من الغرب أصلا، أو الإعلام العربي الداخلي الذي يحمل نفس الهدف) غرضهما هو الترويج للنموذج الغربي والعمل على تعميقه في فكر الدول والشعوب المستهدفة.. وأن عملية القصف الإعلامي هي عملية اغتيال ثقافي تنتهي بهدم مقومات بلادنا وهدم مبادئنا وإحلال مبادئ أخرى مكانها لا تناسب ديننا أو فكرنا أو ثقافتنا، عاقبتها انهيار قوانا وانقطاع الطريق بنا، فلا نحن أدركنا الغرب؛ لأن طريقته لا تناسبنا، ولا نحن بقينا على أخلاقنا وديننا.. خسرنا الدنيا والآخرة.

الشباب أول المستهدفين:
وعملية الاغتيال الثقافي والهدم القيمي أول من يصطلي بجحيمها ويكتوي بنارها هم شباب أمتنا؛ لأنهم، أولا: أكثر وأسرع الباحثين عن الجديد والغريب.. وثانيا: لأنهم أهم الفئات المستهدفة من هذا القصف.. وبتأثرهم ستتأثر بلادهم؛ إذ هم قوة اليوم، وأمل الغد، وقادة المستقبل.

والحق الواضح بلا مواربة أن أبناءنا قد وقعوا فعلا تحت القصف، وأسفرت كثرة الطـَرْقِ على الأبواب عن فتح كثير منها، وتخطي كثير من الحدود أو لم تعد هناك حدود أصلا.

وقد ركز الإعلام التغريبي ضد الشباب على محاور خطيرة ومؤثرة ومضمونة الثمرة ، سارت جميعها متوازية ومتزامنة تخدم فكرة معينة وتسعى لتحقيق هدف واضح معلوم وهو تحطيم الشباب المسلم ونزع هويته وتغيير ثقافته..

وقد كان من أهم هذه المحاور:
نزع الهوية:
وذلك بقطع الصلة بين الشباب وبين تاريخه الإسلامي العظيم، وقطع العلاقة بينه وبين قدواته الحقيقية، ونقل الانتماءات والولاءات من أن تكون على العقيدة والدين لتكون على الحضارات القديمة والنزعات القومية والعرقية والحزبية الضيقة..

فالإعلام لا يتوقف عن الطعن في تاريخ الأمة الإسلامية وبضراوة شديدة، والطعن صراحة أو خفاء ـ حسب الحال ـ في الدين وثوابته، ومحاولة النيل من الخلافة الإسلامية على مدار التاريخ.. في الوقت الذي يحاول أن يحيي النعرات القديمة الفرعونية والآشورية والبابلية والسبأية.. أو إثارة النعرات القومية العربية والفارسية والكردية والتركية.. أو حتى ما هو أضيق فيكون الولاء والمحبة على الأرض والوطن دون العقيدة والدين.

وإعلامنا لا يقدم لنا رموزا إلا المطعون في دينها، أو الفارغة التي لا قيمة لها ولا وزن، ولا أثر لها ولا دور.. وحتى الأعمال الدرامية فلا مجال فيها للإسلامي إلا النادر المشوه تمام التشويه.
والنتيجة شباب يعرف أسماء الممثلين والممثلات واللاعبين واللاهين أكثر مما يعرف من أسماء الصحابة والتابعين، أو حتى أمهات المؤمنين.. فضلا عن أن يعرف تاريخ بطولات وأمجاد أمته وغزوات رسوله، وحروب ومآثر قادته العظام.

التسطيح الفكري للشباب:
فكان اختيار المادة الإعلامية بعناية شديدة بحيث تعتمد على مبدأ شد الانتباه من خلال البريق والإبهار لخطف الأبصار والسرعة والإتقان مما يستأثر بنظر المشاهد ويأسره، ولكنها في ذات الوقت خالية عن أي مضمون هادف أو قيمة حقيقية، وإنما رسائل سطحية في ذاتها ومسطحة لفكر المشاهد؛ ولذلك كانت صناعة الترفيه هي أهم ما تقدمه هذه المواد، الأفلام، المسلسلات، الرياضة وأخبار الممثلين والرياضيين وأهل الفن، وأكثر المادة المقدمة تعتمد على الخرافات أو الغثاثة والركاكة، ومخاطبة العواطف أكثر من مخاطبة العقول، واستغلال الانفعالات البشرية.. مع التركيز على الأمور الثانوية في المعروض وإهمال المهمات والأولويات.. وما يشبه هذا..
فإذا أدمن الشاب مشاهدة مثل هذه البرامج وتلك المشاهد يعزف ـ شيئا فشيئا ـ عن متابعة كل جاد وهادف، وتخمد في نفسه كل دعوة لعلو همة أو جليل عمل.

تأجيج الشهوات وإذكاء الانحراف السلوكي لدى الشباب المسلم:
والبرامج التلفزيونية الغربية المستوردة مليئة بهذا الفحش، وعرض المشاهد الفاضحة والعلاقات الجنسية ونشر الإباحية مع البحث عن مبررات لها حتى لا يشعر المقترف للخطأ بذنبه. وبلغ الإفراط في عرض مثل هذا أن ضج بعض الغربيين أنفسهم خوفا على صغار أولادهم، ولو في بعض مراحل عمرهم.

والعجيب أن يتلقف إعلامنا هذه البرامج ويستنسخها لنا ويعرضها بصورة أكثر ابتذالا أحيانا، دون النظر لاختلاف الثقافات، وتفاوت الأخلاق، وتباين الأديان.

ومما لا يشك فيه ذو عقل أن عرض هذه المثيرات وتلك المناظر أمام الشباب والمراهقين يترك الشباب الذي فيه خير في اضطراب داخلي وصراع شديد بين ما تربى عليه من مبادئه وبين ما يراه وتدعوه إليه غريزته، كما أنه يمثل دافعا كبيرا عند البعض للانحراف والانزلاق في مهاوي الفساد وأوحال الضلال والدخول في تيه الجريمة والإدمان..

وهذا هو المطلوب.. شباب لا يعرف إلا الشهوة، ولا يفكر إلا في النزوات والبحث عنها وكيفية الوصول إليها.. فماذا نريد من مثل هذا؟ وبماذا يمكن أن ينفع دينه ووطنه وأمته؟!

الإغراق في الفكر المادي:
وسلخ الجيل عن الروحانيات، فالإعلام يصب في خانة واحدة هي الدنيا، بالتركيز على الإعلانات التجارية عن أحدث المنتجات، وأحدث الموضات، وأفضل المتنزهات، وأجمل الشاليهات.. وأخبار عن الأثرياء ورجال الأعمال وأغلى المقتنيات.. كل هذا يعرض بطريقة تدعو المشاهد وتغري الفرد على اقتنائها، والسعي في تحصيلها وتدفعه حثيثا للبحث عن الدرهم والدينار بأي شكل وبأي طريق، في تنافس لكنه ليس بشريف، وإنما انتزاع ما يمكن انتزاعه، وامتلاك أكثر مما يمتلكه غيره، ليعيش مثل هؤلاء، وليحيى حياة البشر كما يقولون.

وفي ذات الوقت يبث هذا الإعلام فينا رسالة بأننا أمة مستهلكة وغير منتجة، فنوجه إلى الاستهلاك دون الإنتاج مما يحقق لهم الربح على حسابنا.

ولا نكاد نرى في هذا الإعلام أحدا يتحدث عن الآخرة وما أعد الله لأهل الإيمان في الجنة، ولا ما بعد الموت من حساب وعقاب، ونعيم وعذاب، وضبط الحياة بضوابط الشرع والدين.. فإن وجد برنامج ديني فوقته في الوقت الميت(dead time) حيث لا مشاهدة.. ثم طريقة عرض عدمها أولى منها، فهي تنفر ولا تبشر، وتبغض ولا تحبب، وتعسر ولا تيسر، وتثير الشفقة على الدين وأصحابه أكثر مما تثير المحبة له ولأهله.. والسبب أنها تقدم بطريقة مغرضة في أكثر أحوالها كما هو مشاهد ومعلوم.

وهكذا يربي الإعلام في المسلم نزعة اللهاث وراء بريق الدنيا، ويلهيه عن ذكر الله والدار الآخرة وتزكية النفس والروح مما يؤدي في النهاية إلى فقدان المجتمع لمقوم أساسي من مقومات قيامه وتقدمه وهو الشباب الزكي الطاهر الذي يصلح الدنيا بالدين، ويملك الدنيا ليشتري بها الآخرة.

والعلاج:
ـ البحث عن الطرق التي يمكن من خلالها توعية الشباب والجيل كله إلى أهمية التمسك بهويته، وإلى إحياء الحس الديني والارتباط بين الشباب وتاريخه الإسلامي المجيد، والحديث عن أمجاد الإسلام وبطولاته.

ـ ربط الشباب برجالات الإسلام العظام أصحاب الهمم العالية والآثار الطيبة في العلم والدعوة والجهاد والعبادة..

ـ شغل أوقات الشباب في أعمال الخير وخطفهم من أمام الشاشات بالبرامج العملية، وتكليفهم بمهام تتوافق مع قدراتهم؛ فإنهم إن لم ينشغلوا بالحق فسيشغلهم الشيطان بالباطل.

ـ ومن المهم جدا البحث عن الإعلام البديل، وتطوير صناعة الإعلام الإسلامي لمجابهة هذا الضغط الرهيب، وليجد الشباب فيها ما يوافق قيمه ويحقق رغباته.

إن صناعة الإعلام الإسلامي متأخرة جدا إذا لم تكن متخلفة؛ ولهذا فهي وإن كانت تحمل نبل الهدف لكنها لا تملك جمال البضاعة وأسلوب العرض الجذاب الذي يجعل أفئدة المشاهدين تهوي إليهم.. وهذا يدعونا إلى وقفة طويلة لإيجاد حلول لهذه المعضلة والخروج برسالة إعلامية تتناسب مع عظمة المسؤولية التي نحملها. ومقدار الخطر الذي يتهدد شبابنا ويتهدد أمتنا إذا فقدنا هذا الشباب.

ونحن هنا ننادي كل رجال المال والأعمال والغيورين على الإسلام إلى الاستثمار في هذا الباب، لأنه من أعظم أبواب الاستثمار وهو من الجهاد بالقلم والبنان واللسان.. لعلنا في يوم من الأيام نتمكن من تصدير إعلام هادف إلى أبناءنا والغرب بدلا من استيراد هذا الإعلام الهابط والهدام.
اسلام ويب

Post: #72
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:41 AM
Parent: #71

إن الله تعالى خلقنا في هذه الحياة ليبلونا أينا أحسن عملا، وحسن العمل إنما تكون ثمرته بثقل الموازين التي يزن الله بها أعمالنا بميزان الحق والعدل والقسط يوم القيامة: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين}.. فيزن الله حسنات العبد وسيئاته {فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون}، {فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون تلفح وجوههم النار وهم فيها كالحون}، {فمن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية ومن خفت موازينه فأمه هاوية وما أدراك ماهيه نار حامية}.

فإذا كان الأمر كذلك وجب على كل ذي عقل أن يتفكر فيما يثقل به موازين الخير لديه خصوصا وأعمار هذه الأمة قصيرة بالنسبة للأمم قبلها كما قال عليه الصلاة والسلام: [أعمار أمتي بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك](رواه الترمذي وهو حسن).

فإذا تفحصت في ستين سنة يعيشها المرء تجدها لا يصفو منها للعمل الحقيقي إلا ثلثها أو ربعها؛ فهو ينام ثلثها، ويعيش خمسة عشر عاما طفولة ومراهقة دون تكليف، ويأكل ويقضي حاجته في سنتين تقريبا.. والباقي منه يعمل قرابة ثلثه فلا يبقى إلا نحوا من خمسة عشر إلى سبعة عشر عاما...

أربعة تثقل الميزان:
والسؤال.. كيف يثقل المسلم ميزانه في هذا العمر القليل؛ ليتفادى ذلك الموقف الرهيب في هذا اليوم العصيب؟
هناك أربعة أمور ينبغي الحرص عليها:
أولها: الحرص على الأعمال التي تطيل العمر وتبارك فيه:
وهل الأعمار تطول؟.. نعم.. قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك عندما قال: [صِلَةَ الرَّحِمِ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ، وَحُسْنُ الْجِوَارِ، يَعْمُرنِ الدِّيَار، وَيَزِدَنِ فِي الأَعْمَار](صحيح الجامع).
وفي الحديث المتفق عليه: [مَن أحبَّ أن يبسُطَ لَه في رزقِه، ويُنسَأَ لَه في أثَرِه، فليَصِلْ رَحِمَهُ].
وقد فسر العلماء زيادة العمر بمعنيين: فمنهم من يري أن هذه الإطالة حقيقية بالأيام والشهور والسنين، ومنهم من يقول: هي البركة في عمره، بالتوفيق للطاعات، والبعد عن المعاصي والسيئات، والعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره إلا في الزمن الكثير.
وأيا ما كان الأمر فنحن أحوج ما نكون إلى التوفيق للطاعة وتيسير سبلها وفتح أبوابها، والعصمة عن المعصية، والصيانة منها والبعد عنها..

ثانيا: الحرص على الأعمال التي تهدم الذنوب وتحط الخطايا:
وإن كان الأصل ترك الذنوب والمعاصي، والفرار منها.. لكن لما كان كل ابن آدم خطاء ـ هكذا جبل وعليه طبع ـ كان لا بد من العمل على محو أثر تلك الذنوب حتى تخلو كفة السيئات أو تخف قدر الإمكان، وإنما يكون ذلك بأمور.. منها:
التوبة: فإنها تجب ما قبلها، ومن تاب تاب الله عليه، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتائب حبيب الرحمن.. فتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون لعلكم تفلحون.

الاستغفار: فإنه هادم للسيئات كما قال نوح لقومه: {استغفروا ربكم إنه كان غفارا}، وقال نبينا عليه الصلاة والسلام: [من قال أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان قد فر من الزحف](حديث حسن).. وقد قيد في بعض الروايات بثلاث مرات، وفي بعضها بقوله دبر الصلوات.

الحج والعمرة: ففي الحديث المتفق عليه: [من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه]، وقال عليه الصلاة والسلام: [تَابِعُوا بين الحجِّ والعمرةِ، فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ، كما يَنفي الكيرُ خَبَثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ] (رواه الترمذي وقال حسن صحيح)، [العمرةُ إلى العمرةِ كفارةٌ لما بينَهُما، والحجُ المبرورُ ليس له جزاءٌ إلا الجنةِ](متفق عليه).

الصلوات الخمس: ففي مسند الإمام أحمد عن أبي هريرة قال صلى الله عليه وسلم: [الصلاةُ المكتوبةُ إلى الصلاةِ التي بعدَها كفارةٌ لما بينهما](صححه الشيخ شاكر).. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أيضا قال عليه الصلاة والسلام: [أرأيتُم لو أن نهرًا بباب أحدِكم، يغتسل فيه كلَّ يوم خمسًا، ما تقول: ذلك يبقي من دَرَنه. قالوا: لا يُبقي من درنِه شيئًا، قال: فذلك مثلُ الصلواتِ الخمسِ، يمحو اللهُ بها الخطايا](متفق عليه).. وقال أيضا: [تحترقون تحترقون فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم المغرب غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العشاء غسلتها، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا](قال المنذري: حسن صحيح).

ثالثا: الحرص على الأعمال ذات الأجور المضاعفة:
وهي أعمال تحتاج إلى معرفة فضل الأماكن، وفضل المواسم، وفضل الكلمات والأذكار.. وسوف أضرب لك مثلا تنسج أنت على منواله:
فمن الأماكن: المسجد الحرام: فصلاة في المسجد الحرام تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، وبحسبة بسيطة فإن صلاة واحدة فيه تعدل قرابة صلوات ستة وخمسين عاما.. ومن صلى هناك عشر ركعات كانت بأجر مليون ركعة في غيره وأما المسجدان النبوي والأقصى فإن الصلاة في الأول بألف صلاة وفي الثاني بخمسمائة صلاة.

وأما المواسم ففي عشر ذي الحجة، وفي رمضان، وفي ليلة القدر، والأخيرة العبادة فيها تكافئ العبادة في ثلاث وثمانين سنة تقريبا ليس فيها ليلة قدر.

وأما الكلمات والأذكار: فأعظم ما يذكر الله به كتابه، ولكن سوره تتفاضل؛ فسورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن، وسورة الكافرون تعدل ربع القرآن.. ففي صحيح مسلم من حديث أبي الدرداء قال عليه الصلاة والسلام: [أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث القرآن؟ قالوا: وكيف يقرأ ثلث القرآن؟ قال {قل هو الله أحد}، يعدل ثلث القرآن]

وأما في التسبيح: فهناك أذكار قليلة تجمع ثوابا عظيما في وقت قليل.. فمن ذلك:
حديث جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: [أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرج من عندِها بُكرةً حين صلى الصبحَ، وهي في مسجدِها. ثم رجع بعد أن أَضحَى، وهي جالسةٌ. فقال: ما زلتُ على الحالِ التي فارقتُكِ عليها؟ قالت: نعم. قال النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ " لقد قلتُ بعدكِ أربعَ كلماتٍ، ثلاثَ مراتٍ. لو وُزِنَتْ بما قلتِ منذُ اليومَ لوزَنَتهنَّ: سبحان اللهِ وبحمدِه، عددَ خلقِه ورضَا نفسِه وزِنَةِ عرشِه ومِدادَ كلماتِه](رواه مسلم).

ومنها: حديث سعد بن أبي وقاص [أنَّه دخل مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على امرأةٍ وبين يدَيْها نوًى أو حصًى تُسبِّحُ به فقال أخبِرُك بما هو أيسرُ عليك من هذا أو أفضلُ فقال سبحانَ اللهِ عددَ ما خلق في السَّماءِ سبحانَ اللهِ عددَ ما خلق في الأرضِ سبحانَ اللهِ عددَ ما بين ذلك سبحانَ اللهِ عددَ ما هو خالقٌ واللهُ أكبرُ مثلُ ذلك والحمدُ للهِ مثلُ ذلك ولا إلهَ إلَّا اللهُ مثلُ ذلك ولا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا باللهِ مثلُ ذلك](صححه ابن حجر في الفتوحات الربانية).

ومنها: حديث أبي الدرداء رضي الله عنه قال: أبصرني رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وأنا أحرِّكُ شفتَي فقال يا أبا الدرداءِ ما تقولُ؟ قلت: أذكرُ اللهَ. قال: أفلا أعلِّمُك ما هو أفضلُ من ذكرِ اللهِ الليلَ معَ النهارِ والنهارَ معَ الليلِ؟ قلت: بلى. قال سبحانَ اللهِ عددَ ما خلق، سبحانَ اللهِ عددَ كلِّ شيءٍ، سبحانَ اللهِ ملءَ ما أحصَى كتابُه، والحمدُ للهِ عددَ ما خلق، والحمدُ للهِ ملءَ ما خلق، والحمدُ للهِ ملءَ ما أحصَى كتابُه].(حسنه ابن حجر)

ومنها أيضا: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [من استغفر للمؤمنين وللمؤمنات، كتب الله له بكل مؤمن و مؤمنة حسنة](صحيح الجامع).

وكل هذه الأحاديث يجمعها قلة الكلمات، وسهولة الحفظ، وقلة الوقت، وعظم الأجر والثواب بحيث لا يأتي عليه العد.. فلم يبق إلا القبول.. نسأل الله أن يوفقنا ويتقبل منا ومن جميع المسلمين.

رابعا: الحرص على الأعمال التي يبقى أثرها بعد الموت:
فهذا عمر زائد يضاف إلى عمر العبد فلا ينقطع ثوابه بمجرد وفاته، كما جاء في الحديث: [إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ. أو علمٍ ينتفعُ به. أو ولدٍ صالحٍ يدعو له](رواه مسلم).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، وولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه، أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته](رواه المنذري وحسنه والألباني).

وأخيرا:
بقي أن نقول إن نية المؤمن أفضل من عمله، والنوايا تحول العادات إلى عبادات، فيتحول الأكل والنوم والعمل بحسن النية إلى طاعة يثاب عليها صاحب النية دون غيره.. فالله الله في نواياكم، والله الله في أعمالك.. عسى أن يجعلنا الله ممن ثقلت موازينه فيكون من المفلحين.
اسلام ويب

Post: #73
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:43 AM
Parent: #72

في سنة 88هـ حدث أن سفينة عربية كانت قادمة من جزيرة الياقوت (بلاد سيلان) عليها نساء مسلمات مات آباؤهنَّ في بعض بلاد السند ولم يبق لهنَّ راعٍ هناك، فقررن السفر للإقامة في العراق، وبينما كانت السفينة في طريقها إلى البصرة مارة بميناء «الديبل» ببلاد السند، خرج قراصنة من السند واستولوا عليها. فبعث الحجاج حملتين على «الديبل» ولكن الحملتين فشلتا وقتل القائدان على يد جنود السند.

ووصلت الأخبار إلى الحجاج أن النساء المسلمات مسجونات في سجن «الديبل» ويأبى ملك السند الإفراج عنهن عنادًا للعرب، فأرسل الحجاج جيشًا كبيرًا لفتح تلك البلاد التي كان قراصنتها يضايقون السفن العربية التجارية المارة بين موانئ البلاد العربية وموانئ بلاد الهند.

واختار محمد بن القاسم الثقفي ليكون قائد جيش المسلمين وكان عمره 17 سنة، فتحرك القائد الشاب بجيش تعداده ستة آلاف مقاتل سنة 90هـ، وهناك انضم إليه ستة آلاف من الجند، فاتجه نحو بلاد السند وفتحها مدينة بعد أخرى في مدة سنتين إلى أن التقى جيش المسلمين بقيادته الشابة مع الجيش السندي بقيادة الملك داهر في معركة دامية مصيرية سنة 92هـ، فانتصر المسلمون وقتل ملك السند في الميدان.

وقد برزت مواهب محمد بن القاسم الفذة في القيادة وإدارة المعارك حيث حفر الخنادق ورفع الرايات والأعلام ونصب المنجنيقات، ومن بينها منجنيق يقال له: العروس كان يقوم بتشغيله عدد كبير من الجند، تقذف منه الصخور إلى داخل الحصون فيدكها دكًّا.

واستمر محمد بن القاسم في فتوحاته لبقية بلاد السند حتى انتهى منها سنة 96هـ، ليكون بذلك مؤسسًا لأول دولة إسلامية في الهند، وليبقى اسمه شامخًا في سجل الفاتحين الأبطال، وقد كان محمد بن القاسم رغم صغر سنه متميزًا برجاحة العقل وحسن الإدارة والتدبير ومتصفًا بالعدل والكرم.. وفيه قال الشاعر:

إن المــروءة والسماحـــة والنـدى .. .. لمحمد بن القاسـم بن محمد
ساس الجيوش لسبع عشرة حجّة .. .. يا قرب ذلك سؤددًا من مولد

لقد أثبت محمد بن القاسم أن تحمل المسؤولية أثناء الشباب ليس من باب تكليف ما لا يطاق ولا هو خلل تربوي بل هو الأسلوب الصحيح في بناء الرجال، وما أحوجنا إليه في عصرنا هذا الذي كثرت فيه ميوعة بعض الشباب وتفاهة أفكارهم وضعف هممهم حتى أنك ترى أحدهم وقد قارب الثلاثين فارًا من المسؤولية ومؤثرًا العيش على الهامش همه في الحياة الركض وراء شهواته.

صناعة جيل
إننا اليوم أحوج ما نكون لصناعة جيل جديد من الشباب يمتلك مقومات الرجولة والمروءة ويتحمل المسؤولية ومستعد للتضحية والإنجاز فينفع نفسه وأمته. وهذا لا يتحقق إلا من خلال إعادة النظر في كثير من مناهج التربية الموجودة وفي نظرتنا وتعاملنا مع الشباب مع إيمان المجتمع بفئاته كافة بهذا الهدف وتكاتف جهودهم في سبيل ذلك.

وأيضًا من خلال الثقة بهم وفتح المجال أمامهم للوصول لمناصب القيادة التي تحتاج للدماء الجديدة وإزاحة الديناصورات التي تعشش في الأماكن القيادية لفترات طويلة مع تواضع في الأداء وفقر في الإبداع.

إن أغلى ثروة لأي أمة ليس البترول والغاز ولا غيرها من الثروات المادية، وإنما ثروتها الحقيقية شبابها الذين يمثلون حاضرها وعماد مستقبلها.

هذا وإن تولية الشباب المسؤولية ودعمهم وتشجيعهم للنجاح فيما كلفوا به منهج تربوي نبوي، فقد ولى عليه السلام أسامة بن زيد إمارة الجيش وعمره 18 سنة، وكان عمر بن الخطاب يُجلِس عبد الله بن عباس مع كبار الصحابة رغم صغر سنه يستشيره ويعجب برأيه، فما أحوجنا اليوم أن نعود لاكتشاف مواهب وطاقات الشباب وإعطائهم الفرصة لإثبات وجودهم وتفجير طاقاتهم وإظهار إبداعهم في خدمة دينهم وأوطانهم وتحقيق ذواتهم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ فيصل بن جاسم آل ثاني ـ كاتب وأكاديمي قطري
جريدة العرب القطرية العدد: 9024

Post: #74
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 09:45 AM
Parent: #73

لم يمر على الناس زمان استخدموا فيه كلمات (فرصة) كما هو حاصل اليوم, وهذا إن دل على شيء, فإنما يدل على كثرة الفرص وكثرة المهتمين بها. إن الله تباركت أسماؤه جعل تطور مجالات الحياة وأنواع التغير التي تطرأ على أوضاع البشر من أسباب تجدد الفرص والإمكانات التي يمكن للبشر أن يستفيدوا منها, ولهذا فإني أود من أبنائي وبناتي أن يؤمنوا على نحو جازم أنه ما دام هناك حياة وأحياء, إذن هناك فرص للعمل والسعادة والنجاح والعطاء والترقي.

لكن لابد من القول: إن الفرص أشبه بالأسماك, فالفرص الصغيرة وغير القيِّمة أشبه بالأسماك الصغيرة التي نجدها قرب الشواطئ في المياه الضحلة. أما الفرص العظيمة, فهي أشبه بالأسماك الضخمة وأشبه باللآلئ العظيمة التي تحتاج إلى الذهاب إلى لجج البحر وإلى الغوص في أعماقه.

من النادر أن تطرق الفرصة باب أحد إلا إذا كان متميزاً ومشهوراً جداً. أما الشباب والفتيات وحديثو التخرج, فإن عليهم هم أن يبحثوا عن الفرص بجدية وحسب الأصول.

بعض أبنائي وبناتي يبحثون عن عمل عشرة أيام أو عشرين يوماً فإذا لم يجدوا بغيتهم جلسوا يندبون حظهم, ويشكون من سوء الأحوال, وهذا ليس بالشيء الجيد. هناك أناس بحاجة إليك وإلى خبرتك وتخصصك, وهناك جامعات ستكون مسروراً إذا درست فيها, وهناك مشروعات في إمكانك أن تنفذها بنجاح كبير, لكن من غير بحث دؤوب, فقد لا تصل إلى أي شيء من ذلك.

وهذه بعض الملحوظات في مسألة الفرص:
1- الفرصة رزق الله تعالى وإن ما عند الله ينال بطاعته, ولهذا فإن على طالب فضل الله تعالى أن يتقيه ويستقيم على أمره, وقد قال عز وجل: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً}.

2- العلاقات الحسنة بالناس والتواصل معهم وتقديم الخدمة لهم والتعاطف معهم من الأعمال التي ترضي الله تعالى وهي مصدر رزق؛ ولدينا ما لا يحصى من الوقائع الدالة على ذلك. وإن سوء الخلق والعزلة والأنانية, لها تأثير مضاد, وهو شح الفرص, ولدينا أيضاً ما لا يحصى من الوقائع الدالة على هذا.

3- الصدقة أيضاً باب من أبواب الرزق؛ وقد كان أحد الأخيار الأجواد يقول لأولاده: إذا اشتدت عليكم الكروب, وضاقت الأحوال, فتصدقوا ولو بالقليل, فإن الله يعوض عليكم ما أنفقتموه أضعافاً مضاعفة, ويوسع عليكم. ولا تنسوا بر الوالدين وصلة الرحم, فهما أيضاً من أسباب الرزق, وقد قال عليه الصلاة والسلام: [من أحب أن يبسط له في رزقه, وينسأ له في أثره (أي يؤخر أجله) فليصل رحمه].

4- الفرص موجودة وغير موجودة في آن واحد: موجودة أمام المؤهلين لها, وغير موجودة أما الكسالى والمهملين والفوضويين, ولهذا فإني آمل أن تمضوا في حياتكم وفق هذه القاعدة:
" كلما كان المرء أقوى وأفضل استعداداً وتأهيلاً كثر المحتاجون إليه, والباحثون عنه؛ وكلما كان المرء ضعيفاً في تأهيله واستعداداته ومهاراته, عظمت حاجته إلى الناس, وعظم استغناء الناس عنه. ولكم أن تلمسوا هذا في الطالب الذي نال الدرجة النهائية في (الثانوية) واختبارات القبول في الجامعات, فإنه يجد أبواب كل الكليات مشرعة أمامه, كذلك الشاب الذي تخرج من جامعة ممتازة, فإنه يحصل على عقد قبل أن يتخرج, وهذا أمر واضح جداً.

5- إذا خُيرِّ أحدكم بين أن يجلس في بيته وبين أن يعمل مجاناً, فإنه عليه ألاّ يتردد في أن يعمل مجانا؛ لأن عمله يشكل بحثاً عن عمل مأجور, حيث يتعرف أرباب العمل عليه, ويكتسب خبرة إضافية.

6- حاول دائماً أن تكون لك ميزة على أقرانك, مثل أن تتقن لغة أجنبية, أو تحسن استخدام الحاسب الآلي, أو يكون لك تخصص دقيق في فرع من فروع المعرفة, أو في شيء مهني أو تقني, أو يكون معك شهادة عليا مميزة.

7- إذا لم تجد العمل المناسب لك, فلا تقعد في بيتك, واقبل بما تيسر, ثم ابحث عمّا هو أفضل وأليق بك.

8- تعلم كيف تعبر عن نفسك من خلال كتابة سيرة ذاتية بأسلوب جيد, أو من خلال الاستعداد لامتحان المقابلة للتوظيف, أو من خلال تقديم نموذج ممتاز في فترة التجربة قبل تثبيت العقد.

9- شيء طبيعي ألاّ يجد المرء في مقتبل عمره الوظيفة المناسبة, لكن بعد مدة أربع أو خمس سنوات تستقر الأمور, وتنتهي المشكلة.
اد.عبد الكريم بكار

Post: #75
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:33 PM
Parent: #74

من علامات صدق النبوة أن يخبر الرسول عن أشياء غيبية ثم تقع كما أخبر بها، وقد حدثنا النبي عليه الصلاة والسلام في هذا الباب عن أشياء كثيرة تحقق كثير منها قبلنا، وبعضه يتحقق في حياتنا وبعضه سيحدث لا محالة بعدنا كما في أشراط الساعة وعلاماتها الكبرى..

ومما تحدث عنه النبي صلوات الله وسلامه عليه موضوع بيع الدين.. ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بادروا بالأعمالِ فتنًا كقطعِ الليلِ المظلمِ. يصبحُ الرجلُ مؤمنًا ويمسي كافرًا. أو يمسي مؤمنًا ويصبحُ كافرًا. يبيعُ دينَه بعرضٍ من الدنيا]... قال الحسن البصري رحمه الله تعالى: "قد رأيناهم والله يبيع أحدهم دينه بثمن العنز".

على أنني أقول إن كل ثمن يدفع مقابل الدين فهو حقير، وكثمن العنز بل أحقر وأرذل، وإن كان ملك الدنيا كلها.. فكيف وهو في أول الأمر وآخره لعاعة من ملك أو جاه أو منصب أو مال أو انتشار ذكر بين الناس؟!

الشرف المزعوم
لقد كانت بداية بيع الحق والدين منذ بدأ النبي دعوته، وأعلن بين الناس براءته من الأصنام وعبادتها وعبادها، وأعلن بين قريش قولته وصرخته "لا إله إلا الله"، "قولوا لا إله إلا الله تفلحوا".. وقرأ عليهم القرآن، وتسمَّع له أبو جهل وبعض الزعماء فلما سألوه: ماذا تقول فيما سمعت من محمد؟ قال: وما سمعت؟ تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف.. أطعموا فأطعمنا، وحملوا فحلمنا، وأعطوا فأعطينا حتى تحاذينا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: "منا نبي يأتيه الوحي من السماء" فمتى ندرك مثل هذه؟ والله لا نؤمن به أبدا ولا نصدقه.
وصدق الله إذ يقول: {وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}، {فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون}.

رأس المنافقين:
ومثال آخر لبائعي الدين.. ألا وهو عبدالله بن أبي بن سلول.. فقد كان الأوس والخزرج اتفقوا على توليته عليهم، وقد صنعوا له تاج الملك.. وحدثته نفسه بأنه أصبح سيد القوم وملكهم، وتحركت في نفسه وقلبه الأماني، وتخيل نفسه وهو يعيش دور الملك.. لكن حدث ما لم يكن في حسبانه .. فقد هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة قبل أن يتوجوه، والتف الناس حول رسول الله ولهوا عن ابن سلول، وبالطبع أسلم المسلمون قيادهم لرسولهم.. فكان ابن سلول يرى أن محمدا سلبه ملكه، فما زال يحاربه حتى نصر الله نبيه في بدر؛ فأدرك ابن سلول أن الأمر قد خرج من يده فقال: "هذا أمر قد توجه"، فدخل الإسلام ظاهرا، ولكن الحقد بقي يأكل قلبه؛ فعاش منافقا ومات منافقا.. وباع الدين.. فما حصل دنيا ولا أخرى، ولكنه حصل الدرك الأسفل من النار.. نعوذ بالله من الخذلان.

الأنفة أخرجته من الدين
كان جبلة بن الأيهم ملكاً من ملوك غسان، دخل إلى قلبه الإيمان، فكتب إلى الخليفة عمر رضي الله عنه يستأذنه في القدوم عليه، فسرّ عمرُ والمسلمون لذلك سروراً عظيماً.. وكتب إليه عمر: أن اقدم إلينا ولك مالنا وعليك ما علينا. فأقبل جبلة في خمسمائة فارس من قومه، ودخل المدينة وقد تزيا بزي الملوك، وأظهر العز والملك والثراء.. ثم دخل المدينة، فلم يبق أحد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء والصبيان.

بعد قليل.. ذهب جبلة في صحبة له إلى العمرة.. وبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل فقير من بني فزارة، فالتفت إليه جبلة مغضباً فلطمه فهشم أنفه.. فاشتكاه الفزاري إلى عمر بن الخطاب أمير المؤمنين.
فبعث عمر إلى جبلة فقال: ما دعاك إلى أن لطمت أخاك في الطواف فهشمت أنفه؟ فقال: إنه وطئ إزاري؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه..
فقال له عمر: أما وقد أقررت، فإما أن ترضيه، وإلا اقتص منك.
قال: يقتص مني وأنا ملك وهو سوقة؟
قال عمر: إن الإسلام قد ساوى بينك وبينه.. فما تفضله بشيء إلا بالتقوى.
قال جبلة: إذن أتنصر!! قال عمر: إذا أضرب عنقك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: [من بدل دينه فاقتلوه].
فقال: أخّرني إلى غدٍ يا أمير المؤمنين. قال: لك ذلك.
فلما كان الليل خرج جبلةُ وأصحابُه من مكة.. وسار إلى القسطنطينية فتنصّر.

فلما مضى عليه زمان هناك، ذهبت اللذات، وبقيت الحسرات، فتذكر أيام إسلامه، ولذة صلاته وصيامه، فندم على ترك الدين، والشرك برب العالمين، فجعل يبكي ويقول:
تنصرت الأشراف من عار لطمة * وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تـكـنـفـنـي مـنـهـا لـجـاج ونـخــوة * وبـعـت لها العين الصحيحة بالعور
فـيالـيـت أمـي لـم تـلـدنـي ولـيتني * رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
ويالـيتني أرعى المخاض بـقـفـرة * وكـنـت أسـيرا فـي ربـيـعة أو مضر
ويالـيـت لـي بـالـشام أدنى معـيشة * أجالـس قومي ذاهــب السمع والبصر
ولكنه بقي هناك إلى أن مات على نصرانيته.. فما أغنى عنه جاهه ولا كبره ولا ملكه من الله شيئا.

المؤذن المفتون:
قال القرطبي في كتاب التذكرة: "روى أنه كان بمصر رجل ملتزم مسجداً للأذان والصلاة، وعليه بهاء العبادة وأنوار الطاعة، فرقي يوماً المنارة على عادته للأذان، وكان تحت المنارة دار لنصراني ذمي، فاطلع فيها فرأى ابنة صاحب الدار، فافتتن بها وترك الأذان، ونزل إليها ودخل الدار. فقالت له: ما شأنك وماذا تريد؟ فقال: أنت أريد. قالت: لماذا؟ قال لها: قد سلبت لبي وأخذت بمجامع قلبي. قالت: لا أجيبك إلى ريبة. قال لها: أتزوجك. قالت له: أنت مسلم وأنا نصرانية وأبي لا يزوجني منك. قال لها: أتنصر. قالت: إن فعلت أفعل. فتنصر ليتزوجها، وأقام معها في الدار. فلما كان في أثناء ذلك اليوم رقي إلى سطح كان في الدار فسقط منه فمات، نعوذ بالله ثم نعوذ بالله من سوء العاقبة وسوء الخاتمة.

المحفظ المخذول:
ومن عجائب مصر في زماننا أنه كان رجل حفظ القرآن وعمل محفظا له يحفظه للمسلمين وأبنائهم، ثم إنه توسم فيه رجل من أغنياء النصارى ميلا للدنيا، ورأى فيه مخايل الخداع والختل، فاستماله بماله، ووهب له منه، فترك القرآن وأهله، ولزم القسس والرهبان، وترك مشايخ الإسلام والدعاة ووصفهم بطول اللحى وسعة البطون يستهزئ بهم، في الوقت الذي رؤي مرات وهو يقبل أيدي القسس والرهبان..

وبعد أن كان المسجد حياته إذا به يستبدله بالكنائس والبيع، ويهون عليه أمر المسجد حتى يقول: القاهرة عندي أقدس من القدس، والأهرامات أقدس من المسجد الأقصى، وإذا به يتولى القسس ويتمنى لو كان كاهن النصارى رئيسا لمصر، ولم يكتف بذلك حتى صرح بأن القرآن به ألفاظ تؤذي مشاعر الآخرين (يقصد النصارى) فلا ينبغي استخدامها.. وسبحان مقلب القلوب.

مائة ناقة:
الأعشى بن قيس.. كان شيخاً كبيراً شاعراً.. خرج من اليمامة.. من نجد.. يريد النبي عليه الصلاة والسلام.. راغباً في الدخول في الإسلام.. مضى على راحلته.. مشتاقاً للقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.. بل كان يسير وهو يردد في مدح النبي صلى الله عليه وسلم قائلا:
ألم تغـتمض عيناك ليلة أرمـدا * وبت كما بات السليمُ مسـهدا
ألا أيـهـذا السائـلي أين يمـمت * فإن لها في أهل يثرب موعدا
نبي يرى ما لا ترون وذكرُه * أغار لعمري في البلاد وأنجدا
أجدِّك لم تسمع وصـاة محـمد * نبيِّ الإله حيث أوصى وأشهدا
إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى*ولاقيت بعد الموت من قد تزودا
ندمت على أن لا تكون كمثله * فترصد للأمر الذي كان أرصدا

وما زال يقطع الفيافي والقفار..يحمله الشوق والغرام.. إلى النبي عليه الصلاة السلام.. راغباً في الإسلام ونبذ عبادة الأصنام..
فلما كان قريباً من المدينة..اعترضه بعض المشركين فسألوه عن أمره؟ فأخبرهم أنه جاء يريد لقاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسلم.. فخافوا أن يسلم هذا الشاعر.. فيقوى شأن النبي صلى الله عليه وسلم..
فقالوا له: يا أعشى دينك ودين آبائك خير لك..
قال: بل دينه خير وأقوم..
فقالوا له: يا أعشى!! إنه يحرم الزنا.
فقال: أنا شيخ كبير.. وما لي في النساء حاجة..
فقالوا: إنه يحرم الخمر..
فقال: إنها مذهبة للعقل.. مذلة للرجل.. ولا حاجة لي بها..
فلما رأوا أنه عازم على الإسلام قالوا: نعطيك مائةَ بعير وترجع إلى أهلك وتترك الإسلام؟
فجعل يفكر في المال.. فإذا هو ثروة عظيمة.. فتغلب الشيطان على عقله.. والتفت إليهم وقال: أما المال فنعم..
فجمعوا له مائة بعير.. فأخذها.. وارتد على عقبيه.. وكرَّ راجعاً إلى قومه بكفره.. واستاق الإبل أمامه.. فرحاً بها مستبشراً.. فلما أن كاد يبلغ دياره.. سقط من على ناقته فانكسرت رقبته ومات.

اللهم احفظنا:
فسبحان من بيده مقاليد الأمور، ومفاتيح القلوب يصرفها كيف يشاء.. فاحذر أن تبيع دينك بعرض قليل، وسل الله دائما أن يثبت قلبك على الإيمان، وتعوذ دائما وأبدا من الخذلان، وإياك أن تحسن الظن بنفسك.. فإنها ضعف وعورة وذنب وخطيئة.. ولكن علق رجاءك بالله والزم بابه واطَّرِح بين يديه فلا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه..
وما أحسن ما قال القرطبي:
قال العلماء: إذا كانت الهداية إلى الله مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة، و العاقبة مغيبة، والإرادة غير مغالبة، فلا تعجب بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قربك، فإن ذلك وإن كان من كسبك فإنه من خَلق ربك وفضله الدار عليك وخيره، فمهما افتخرت بذلك، كنت كالمفتخر بمتاع غيره، وربما سُلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير، فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم، فأصبحت وزهرها يابس هشيم، إذ هبت عليها الريح العقيم.. كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم، فيصبح وهو بمعصيتة مظلم سقيم. ذلك فعل العزيز الحكيم الخلاق العليم.
اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.. اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك.
ـــــــــــــــــــــــ
همام الحارثي

Post: #76
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:37 PM
Parent: #75

من جماليات دين الإسلام أنه دين الشمولية، ومن دلائل شموليته أنه اهتم بالإنسان روحا وبدنا، فوفر للروح حاجتها وأسباب سعادتها، وفي ذات الوقت لم يهمل البدن وعوامل قوامه وقوته.. فدعا للاهتمام به، والأخذ بأسباب قوته وأسس بنائه.. ومن مشهور كلام النبي صلى الله عليه وسلم: [المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير](رواه مسلم). وقال أيضا: [وإن لجسدك عليك حقا](رواه مسلم وغيره).

ومن هنا يأتي دور الرياضة كوسيلة فعالة لتقوية الجسم وتقويمه، فهي بهذا مطلب شرعي، لا كما يظن البعض أنها من الأمور التي يجب على المسلم الابتعاد عنها باعتبارها لهوا يشغل عن العبادة والذكر، ويقلل من درجة الهيبة والاحترام بين الناس.. وهذا لا شك فهم خاطئ لمعنى الدين الشامل الذي جاء ليصوغ المسلم جسديا وعقليا وروحيا واجتماعيا وأخلاقيا...

فوائد الرياضة
إن الرياضة ـ بلا شك ـ من أسباب بناء الجسم وتقويته، وهي تعينه على تأدية وظائفه، وتنظم دورته الدموية، وتحسن عمل المخ والقلب، وتقوي العضلات وتمنع ترهلها، وتزيد مرونة المفاصل، وتكسب المرء النشاط والحيوية.. كما وأن الطاقة المبذولة فيها تزيل الشحوم والدهون، فتنقي البدن من الشوائب والسموم، وتمنع الأمراض وتحارب السمنة.
والرياضة باب لملء الفراغ في النافع المفيد، فلا يستغل في الانحلال والفساد،كما أنها علاج للاضطرابات النفسية والقلق والتوتر خصوصا عند الشباب.

وعلى الجانب الأخلاقي.. فهي تنمي أخلاق الفرد وتحسن من علاقاته ومعاملاته مع الآخرين، وتربيه على أخلاقيات الفرسان كالقوة والفتوة واحترام المنافس، وتنمي فيه روح التعاون والمنافسة الشريف الهادفة بين الأفراد والجماعات.
وإذا أدركنا أن التكاليف الشرعية تنتظر المسلم وجوبا بمجرد بلوغه، وأنها تحتاج إلى بدن سليم وبنية قوية، كما هو الحال في الصلاة والصيام والحج والجهاد. وإذا انتبهنا كذلك إلى أن أمة الإسلام أمة فتية، وظيفتها عبادة الله، ومهمتها تعبيد الناس لله تعالى، وسيادة العالم وقيادته بهذا الدين.. وأن أمة هذا شأنها يلزمها أن تكون أمة قوية معدة إعدادًا يتناسب مع هذه المهام الجسام.. كما أمر الله المؤمنين بقوله: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل}(الأنفال: )، وفسر النبي صلى الله عليه وسلم القوة بالرمي..فقال: [ألا إنما القوة الرمي].. علمنا أهميتها في حياة الإنسان، ودورها في حياة المسلم.

الرياضة في الإسلام
لقد اهتم الإسلام ونبيه عليه الصلاة والسلام بالرياضة عند المسلمين رجالا ونساء وأطفالا:
الرياضة عند الأطفال:
اللعب والرياضة عمل هام جداً للأطفال، ورغم أن أكثرها يؤديه الطفل عفواً أو لمجرد الاستمتاع مع أقرانه إلا أن لها دوراً هاماً في تنشيط البدن والقلب، وفي تطوير الجسد والعقل، فلا ينبغي أن ينظر إليها على أنها مجرد مضيعة للوقت وإهدار للعمر، بل ينظر إليها على أنها ضرورة، وباب لتنمية قدرات الطفل ومواهبه، وباب للمعرفة وتحصيل المعلومات، وكذلك إقامة العلاقات مع أبناء جنسه، وهي كذلك باب لتفريغ الطاقة ومحاربة الكبت والانطوائية.

ولقد راعى الإسلام محبة الأطفال للعب والحركة والرياضة وعدها نوعا من الهداية الربانية في بناء الجسم، ومطلبا نفسيا هاما وخطيرا؛ وجزءًا لا يتجزأ من العملية البنائية والتربوية لدى الأطفال، ولذا كان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فتارة يداعبهم ويلاعبهم، وتارة يلقاهم يلعبون فيقرهم ويتركهم، طالما لم تكن هناك مخالفات شرعية. بل كان يقيم بينهم المسابقات ويكافئهم على ذلك.. ففي مسند أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عليه عنه قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول: من سبق فله كذا وكذا... قال فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، ويقبلهم ويلتزمهم].

وأقام مصارعة بين رافع بن خديج وسمرة بن جندب وهما ابنا أربعة عشر عاما، فصرع سمرة رافعا وقبلهما النبي في الغزوة بعد ما رأى قوتهما، وكان رافع راميا، وسمرة مصارعا بطلا.

وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام البني صلى الله عليه وسلم بناشئة الإسلام، وأنه كان يرعاهم بنفسه، ويجرى بينهم المسابقات على رغم شغله وكثرة أعبائه، وقد ورث عنه قادة الأمة هذه المهمة.... ومازال الدهر يصدح بما روى عن عمر بن الخطاب في قولته المشهورة (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).

الرياضة عند النساء
لم يهمل النبي صلى الله عليه وسلم النساء بل دلت سيرته على اهتمامه بهن في هذا الجانب، كما اهتم بهن في كل الجوانب.. وليس أدل على هذا الاهتمام من حديث مسابقته لعائشة زوجته مرتين، سبقته مرة، وسبقها مرة.. فقال: هذه بتلك.

وقد كانت النساء في عهده يخرجن للجهاد معه في بعض الأحيان، يسقين العطشى، ويعالجن الجرحى، ويداوين المرضى، وربما يشاركن في القتال، كما حدث في معركة أحد، كأم عمارة وعائشة وأم سليم رضي الله عنهن.. ومعلوم أن مثل هذا يحتاج إلى خفة ونشاط وقوة لا تتأتى بالخمول والنوم والبدانة والتنعم، وإنما بالجهد والتدريب والرياضة.

وعموما فإن الرياضة للنساء أمر مباح إذا ما روعيت الضوابط الشرعية: كعدم الاختلاط، أو التكشف، أو الدخول فيما يخص الرجال، أو شغل المرأة عن واجباتها الشرعية، أو إخراجها عن طبيعتها الأنثوية.. ونحو ذلك.

الرياضة عند الرجال:
وأما الرياضة عند الكبار، واهتمام الإسلام بها فشيء لا تخطئه العين، ولا ينبو عن السمع، ولا ينكره العقل والفكر.. فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على القوة والفتوة والرجولة ومعالي الأمور، ويعدهم للحياة وللجهاد.. فكان يقيم لهم المسابقات، وينافس بينهم في المصارعات، وكان هو القدوة لهم في ذلك؛ وقد صارع ركانة بن يزيد، وكان من أقوى الرجال في الجاهلية، فطلب أن يصارع النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ فصارعه النبي وصرعه.

وقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمر "أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل وراهن"، وفي رواية "سابق بين الخيل وأعطى السابق"، وفي إتحاف المهرة: "سابق بين الخيل والإبل".. وفي الصحيح قال صلى الله عليه وسلم: [لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر](رواه الترمذي وهو حسن)

وقد روى البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقيم السباقات بين الخيل المضمرة وغير المضمرة.. فعن ابن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: أَجْرَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا ضُمِّرَ مِنْ الْخَيْلِ مِنْ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَجْرَى مَا لَمْ يُضَمَّرْ مِنْ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ.
قَالَ سُفْيَانُ: بَيْنَ الْحَفْيَاءِ إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ خَمْسَةُ أَمْيَالٍ أَوْ سِتَّةٌ، وَبَيْنَ ثَنِيَّةَ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي زُرَيْقٍ مِيلٌ.
قَالَ اِبْن عُمَر وَكُنْت فِيمَنْ أَجْرَى فَوَثَبَ بِي فَرَسِي جِدَارًا"، "فَسَبَقْتُ اَلنَّاسَ".

قال ابن حجر في فتح الباري: "وَفِي اَلْحَدِيثِ مَشْرُوعِيَّة اَلْمُسَابَقَةِ، وَأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ اَلْعَبَثِ بَلْ مِنْ اَلرِّيَاضَةِ اَلْمَحْمُودَةِ اَلْمُوصِلَةِ إِلَى تَحْصِيل اَلْمَقَاصِد فِي اَلْغَزْوِ وَالانْتِفَاعِ بِهَا عِنْدَ اَلْحَاجَةِ، وَهِيَ دَائِرَةٌ بَيْنَ اَلاسْتِحْبَابِ وَالإِبَاحَةِ بِحَسَبِ اَلْبَاعِث عَلَى ذَلِكَ".

وكان عليه السلام يشجع المسلمين على الرمي ويأمرهم بتعلمه وينهاهم عن تركه بعد إتقانه: فمر يوما على جماعة من الأنصار يرمون فقال: [ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا](رواه البخاري )، وروى مسلم عن عقبة بن عامر قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر يقول: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}.. ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي]. وقال عليه الصلاة والسلام : [من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا](رواه أصحاب السنن وصححه الألباني).

ضوابط يجب مراعاتها :
• الاحتشام في اللباس عند ممارسة الألعاب الرياضية، فلا يحل كشف العورة بحجة ممارسة الرياضة.
• أن لا تلهي الرياضة عن أداء العبادات والواجبات الدينية في أوقاتها كما أمر الله، فلا تضيع الصلاة ولا تُنهك حُرمة الصيام.
• عدم الاختلاط بين الجنسين أثناء ممارسة الرياضة، فلكل جنس أن يمارس ما يناسبه من الرياضة في مكان خاص بهم.
• عدم اتخاذ المسابقات الرياضية وسيلة للكسب الحرام كالمراهنات والقمار.
• عدم إيقاع الأذى المقصود بالمخلوقات من الناس أو الحيوانات، كاتخاذ الطيور أهدافاً للتدريب على الرماية، أو تعذيب الحيوان، أو التحريش بين الطيور والحيوانات بقصد اللهو مثل مصارعة الثيران، والاستمتاع بمناظرها لنهي النبي عن اتخاذ الطيور غرضاً يرمى، والتحريش بين البهائم. أو إيذاء الإنسان كما يجري في بعض أنواع المصارعة.
• أن تكون الرياضة مشروعة وأن لا تُعرض حياة الإنسان للخطر المحقق.
• أن لا تحمل على التعصب، وتفريق الولاء والبراء في غير المشروع.
إسلام ويب

Post: #77
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:41 PM
Parent: #76

لابد للإنسان أن يكون له هدف في هذه الحياة وغاية يشرئب إليها قلبه، وتتوق لها نفسه، وتطمح آماله لنوالها، ويسعى حثيثا لتحقيقها، فمن عاش بغير هدف كانت حياته بلا معنى، أشبه ما يكون بحياة الحيوانات، يأكل كما اتفق، ويشرب كما اتفق، وينام كما اتفق، ويقضى شهوته كما اتفق، "يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم".

حياة بلا هدف.. هي حياة بلا معنى يقتل الإنسان فيها وقته، والحقيقة أن الوقت هو الذي يقطع عمره
حياة بلا هدف.. أشبه بلاعب كرة في ملعب بدون مرمى، فهو يسير يخبط بها في كل اتجاه لا يدري ما يفعل بها.
حياة بلا هدف.. بحر بلا شاطئ، يسبح السابح ولا يدري إلى أي اتجاه.
حياة بلا هدف.. هي حياة بلا قيمة وأيضا في الغالب بلا نتيجة ـ يعني سبهللاـ وهو عين ما تحسر عليه الشاطبي رحمه الله بقوله: فيا ضيعة الأعمار تمضي سبهللا.

الأهداف نفيسة وخسيسة
فإذا كان لابد من هدف تنشده، وغاية تسعى إلى تحقيقها.. فاعلم أن الغايات نفيسة وخسيسة؛ كما قال ابن القيم: "القلوب جوالة: منها ما يجول حول العرش، ومنها ما يجول حول الحش".
وقال تعالى: {منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة}، وقال أيضا: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون . أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون}(هود:15،16).

فالغايات والأهداف مختلفات، ولكنها لا تخرج عن أمرين: هدف يتعلق بالدنيا وآخر يتعلق بالآخرة.. وشتان بين الهدفين، وما أبعد ما بين الغايتين... يقول النبي صلى الله عليه وسلم: [من كانت الآخرة همه: جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة. ومن كانت الدنيا همه: جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له](صحيح الجامع)

الغايات تدل على أصحابها:
ونفاسة الغايات وخستها إنما تدل على نفوس أصحابها: فمن كانت همته خسيسة دل ذلك على نفس حقيرة، وهمة سافلة، وضحالة فهم، وضعف عقل، خصوصا إذا كانت همته تتعلق بما تتعلق به همم الحيوان، كما قيل لطرفة بن العبد: ما أفضل العيش؟ قال: مطعم هني، ومركب وطي، ومسكن دفي. وكذلك الشاعر الذي تعلق بالدنيا وكره موت الكرامة فقال:
أضحت تشجعني هند وقد علمت .. .. أن السلامة مقرون بها العطب
للحــرب قــوم أضـل الله سعـيهم .. .. إذا دعتهم إلى حوماتـها وثــبوا
ولست منهم ولا أبـغي فـعالهــم .. .. لا القتل يعجبني منها ولا السلب
لا والذي جعل الفردوس جنته .. .. ما يشتهي الموت عندي من له أرب

فقارن بين هذا وبين أبي بكر الصديق رضي الله عنه وقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: [أتاني جبريل فأراني باب الجنة الذي تدخل منه أمتي. فقال أبو بكر: وددت والله أني كنت معكم فأنظر إليه. قال النبي صلى الله عليه وسلم: أما إنك يا أبا بكر أول من يدخل منه من أمتي]

وانظر إليه والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول: [مَن أَنفَقَ زوجَينِ في سبيلِ اللهِ، نودِيَ من أبوابِ الجنةِ : يا عبدَ اللهِ هذا خيرٌ، فمَن كان من أهلِ الصلاةِ دُعِيَ من بابِ الصلاةِ، ومَن كان من أهلِ الجهادِ دُعِيَ من بابِ الجهادِ، ومَن كان من أهلِ الصيامِ دُعِيَ من بابِ الرَّيَّانِ، ومَن كان من أهلِ الصدقةِ دُعِيَ من بابِ الصدقةِ . فقال أبو بكرٍ رضي الله عنه : بأبي وأمي يا رسولَ اللهِ، ما على مَن دُعِيَ من تلك الأبوابِ من ضرورةٍ، فهل يُدْعَى أحد من تلك الأبوابِ كلِّها ؟ . قال : نعم، وأرجو أن تكونَ منهم](متفق عليه).

الفردوس الأعلى:
ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه كبر الهمة وعلو الهدف وسمو الغاية، وكان يحزن إذا رأى من أحدهم غير ذلك.. كما في حديث عجوز بني إسرائيل ــ الذي رواه أبو يعلى الموصلي في مسنده وعنه ابن حبان في صحيحه والحاكم في المستدرك وقال صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي وصححه الشيخ الألباني وقال: إنما هو على شرط مسلم وحده ــ ، عَنْ أَبِي مُوسَى, رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: أَتَى النَّبِيُِِِِِِّ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَعْرَابِيّاً فَأَكْرَمَهُ، فَقَالَ لَهُ: (ائْتِنَا) فَأَتَاهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (سَلْ حَاجَتَكَ)، قَالَ: نَاقَةٌ نَرْكَبُهَا، وَأَعْنُزٌ يَحْلِبُهَا أَهْلِي، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم: (أَعَجَزْتُمْ أَنْ تَكُونُوا مِثْلَ عَجُوزِ بَنِي إِسْرَائِيلَ) قَالُوا: يَا رَسُولَ الله، وَمَا عَجُوزُ بَنِي إِسْرَائِيلَ؟! قَالَ: إِنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا سَارَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ مِصْرَ ضَلُّوا الطَّرِيقَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ عُلَمَاؤُهُمْ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلامُ لَمَّا حَضَرَهُ الْمَوْتُ أَخَذَ عَلَيْنَا مَوْثِقًا مِنَ اللهِ أَنْ لاَ نَخْرُجَ مِنْ مِصْرَ حَتَّى نَنْقُلَ عِظَامَهُ مَعَنَا، قَالَ: فَمَنْ يَعْلَمُ مَوْضِعَ قَبْرِهِ؟ قَالُوا: عَجُوزٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا فَأَتَتْهُ، فَقَالَ: دِلينِي عَلَى قَبْرِ يُوسُفَ قَالَت: حَتَّى تُعْطِيَنِي حُكْمِي، قَال: ومَا حُكْمُكِ؟ قَالَتْ: أَكُونُ مَعَكَ فِي الْجَنَّةِ، فَكَرِهَ أَنْ يُعْطِيَهَا ذَلِكَ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ أَعْطِهَا حُكْمَهَا، فَانْطَلَقَتْ بِهِمْ إِلَى بُحَيْرَةِ مَوْضِعِ مُسْتَنْقَعٍ فِي مَاءٍ، فَقَالَتْ: أَنْضِبُوا هَذَا الْمَاءَ، فَأَنْضَبُوهُ قَالَتْ: احْتَفِرُوا فَاحْتَفَرُوا، فَاسْتَخْرَجُوا عِظَامَ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، فَلَمَّا أَقَلُّوهَا إِلَى الأَرْضِ إِذَا الطَّرِيقُ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ).

وكان يقول لهم: [إذا سألتم اللهَ فسلُوهُ الفردوسَ، فإنَّهُ أوسطُ الجنةِ، وأعلى الجنةِ، وفوقَه عرشُ الرحمنِ، ومنه تَفجَّرُ أنهارُ الجنةِ](متفق عليه)

وقد انتفع الصحابة بهذا بتوجيهات نبيهم صوات الله وسلامه عليه أشد الانتفاع، فارتفعوا بها في الدنيا والآخرة؛ فما عرف على وجه الأرض أقوام أعلى همما منهم، ولا أعظم غايات، ولا أشد عزما ومضاء منهم رضوان الله عليهم، ويكفي أن تتذكر موقف عكاشة بن محصن وقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله أن يجعله من السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا سابقة عذاب، فقال له: أنت منهم.. وكذلك ربيعة بن كعب الأسلمي وقد قال له النبي يوما سلني.. فلم يجد فرصة أعظم منها ليهتبلها وينال بها غاية الشرف الذي يمكن أن يناله إنسان؛ فقال: أسألك مرافقتك في الجنة.

بين الهدف والأمنية:
على أن الأهداف لا تكون أهدافا حتى يسعى الإنسان لتحقيقها، ويسلك السبل لنوالها والفوز بها، وإلا كانت في عداد الأماني، والأماني رأس مال المفاليس، ووهم يعيشه قعيد الهمة، وخيال يتخيله في أحلام نومه أو أحلام يقظته فإذا استيقظ وجد يده والحصير.

فإذا كنت صاحب غاية فاسع إليها، وابذل جهدك في الوصول إليها تمدح وإلا فالذم. فطلب الآخرة بعمل الدنيا نوع من الغرور، وانتظار الجنة بعمل أهل النار سفه، وانتظار رحمة الله وأنت مقيم على معصيته خذلان وحماقة، وقد قال يحيى بن معاذ رحمه الله: عمل كالسراب، وقلب من التقوى خراب، وذنوب بعدد الرمل والتراب ثم تطمع في الكواعب الأتراب!! هيهات.. أنت سكران بغير شراب.

يا ناظرا يرنــو بعــيني راقـــد .. .. ومشــاهد للأمــر غــير مشـــاهد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي .. .. درج الجنان ونيل فوز العابد
ونســيت أن الله أخــــرج آدمـــــا .. .. منـــها إلى الدنــيا بذنب واحـد

وقال آخر
ما بال دينك ترضى أن تدنسه .. .. وثوبك الدهر مغسول من الدنس
ترجو النجاة ولا تسلك مسالكها .. .. إن السفينة لا تجري على اليبس
اسلام ويب

Post: #78
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:44 PM
Parent: #77

حب المسلم لدينه ولدعوته أحيانا يفوق الوصف ويتخطى الخيال، وقد قرأنا في سيرة الصحابة والسابقين حكايا مبهرة، وقصصا تفوق في واقعيتها الخيال، وما زالت الأيام تحمل لنا عجائب وغرائب.. لا يمكن أن يصدقها إلا من عرف معنى الحب.

وقول القائل: "حبك الشيء يعمي ويصم"، فيه كثير من الحقيقة بل هو فعلا حقيقة.. فالحب الحقيقي ينسي الإنسان الجوع، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني).. وينسي الإنسان الألم، كما كان بلال يعذب ويستعذب قولته: أحد أحد.. وينسي الإنسان نفسه فيسترخصها في جنب من يحب، كما في قول خبيب بن عدي رضي الله عنه، وينسي الإنسان أهله وزوجه ووالده وولده، كما قالت المرأة وقد قتل أبوها وأخوها وزوجها في يوم أحد: "كل مصيبة بعدك يارسول الله جلل". أي حقيرة صغيرة هينة.. وهذا باب يصعب تقصيه.

فإذا جمع الإنسان مع الحب الصدق همة عالية بلغ الثريا وطاول الجوزاء، وسبق سبقا بعيدا.. وهذا ما فعله هذا الشاب صغير السن رفيع القدر عظيم الهمة.

قصة عجيبة
قصته قرأتها قديما وقد ذكرها بعض الدعاة فاسمعه وهو يحكيها بنفسه يقول:
ذهبت إلى دولة السويد في شهر رمضان.. كنت في رحلة دعوية لإلقاء بعض المحاضرات..
دعاني بعض الأخوة في أحد المراكز الإسلامية للقاء عدد من الشباب السويديين المسلمين..
دخلت المركز بعد الظهر.. فإذا هم مجتمعون في حلقة ينتظرون.. كانوا جالسين على الأرض..
لفت نظري غلام لم يتعدَّ عمره خمس عشرة سنة.. اسمه محمد.. جنسيته سويدي.. لكنه من أصل صومالي..
رأيته مقعداً على كرسي متحرك.. وقد ربطت يداه في جانبي الكرسي لأنها تنتفض بشكل دائم ولا يملك التحكم فيها.. وهو إلى ذلك كله لا يتكلم.. ورأسه ينتفض أيضاً طوال الوقت.

أشفقت عليه لما رأيته.. اقتربتُ منه.. فهشّ في وجهي وبدأ يتبسم وينظر إليَّ ويودّ لو كان يستطيع أن يقوم..
سلمتُ عليه فإذا هو لا يفهم العربية لكنه يتكلم الإنجليزية والسويدية بطلاقة.. إضافة إلى اللغة الصومالية..

بدأت أحدّثه عن المرض وفضله وعِظم أجر المريض.. وهو يهزّ رأسه موافقاً..
لاحظتُ أن أمامه لوحاً صغيراً قد علّق عليه ورقة فيها مربعات صغيرة وفي كل مربع جملة مفيدة: شكراً.. أنا جائع.. لا أستطيع.. اتصل بصديقي.. الخ.. فتعجبتُ من هذه الورقة.. فأخبرني أحد الحاضرين أن هذا الغلام إذا أراد الكلام ركبوا على رأسه حلقة دائرية يمتدّ منها عصا صغيرة، فيحرك رأسه بين هذه المربعات حتى يضع طرف العصا على المربع المطلوب فيفهمون منه ما يريد..!! وهذه هي الطريقة الوحيدة للتفاهم معه.. فهو لا يتكلم.. ولا يتحكم بحركة يديه..

تكلمت معه عن فضل الله علينا بهذا الدين.. وأن المرء إذا وفق للإسلام فلا عليه ما فاته من الدنيا.. فاكتشفتُ أن محمداً هذا من أكبر الدعاة.. كيف؟!! أنا أخبرك بذلك:

وزارة الشئون الاجتماعية السويدية قد خصصت له رجلين موظفَين يأتيان لخدمته في الصباح.. واثنين يأتيانه في المساء..
فإذا جاءه رجل غير مُسلم.. طلب منه عن طريق الإشارة على هذه الورقة أن يتصل بصديقه فلان.. فإذا اتصل هذا الموظف بالصديق، طلب منه محمد أن يسأل صديقه: ما هو الإسلام؟
فيجيب الصديق على السؤال.. فيحفظه الموظف ثم يشرحه لمحمد..
ثم يطلب محمد من الموظف أن يسأل الصديق عن الفرق بين الإسلام والنصرانية؟..
فيجيب عن ذلك..

ثم يطلب منه أن يسأل عن حال المسلم وغير المسلم يوم القيامة؟ فيجيب الصديق ويشرح الموظف..

حتى إذا فهم الموظف الكلام كله أشار له محمد إلى درج المكتب فيفتحه.. فيجد فيه كتباً في الدعوة إلى الإسلام.. فيأخذ منها ويقرأ..
وقد تأثر بسبب ذلك أشخاص كثيرون..

فلله درُّ محمد ما أكبر همّته.. لم يقعده المرض عن الدعوة.. بل ولا عن البشاشة والسرور..
إسلام ويب

Post: #79
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:47 PM
Parent: #78

لم يكن أبو عبدالله يختلف كثيراً عن بقية أصدقائي.. لكنه – والله يشهد – من أحرصهم على الخير.. له عدة نشاطات دعوية، من أبرزها ما يقوم به أثناء عمله.. فهو يعمل مترجما في معهد الصم البكم..

اتصل بي يوما وقال: ما رأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي معهد الصم لإلقاء كلمة على المصلين؟!
تعجبت!! وقلت: صم يلقون كلمة على ناطقين؟
قال: نعم.. وليكن مجيئنا يوم الأحد.

انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر.. وجاء الموعد..
وقفت عند باب المسجد أنتظر.. فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته..
وقف قريباً من الباب.. نزل ومعه رجلان.. أحدهما كان يمشي بجانبه.. والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده.
نظرت إلى الأول فإذا هو أصم أبكم.. لا يسمع ولا يتكلم.. لكنه يرى.. والثاني أصم.. أبكم.. أعمى.. لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى..

مددت يدي وصافحت أبا عبد الله..
كان الذي عن يمينه – وعلمت بعدها أن اسمه أحمد - ينظر إليّ مبتسماً.. فمددت يدي إليه مصافحاً..
فقال لي أبو عبد الله - وأشار إلى الأعمى: سلم أيضاً على فايز..
قلت: السلام عليكم.. فايز..
فقال أبو عبد الله: أمسك يده.. هو لا يسمعك ولا يراك..
جعلت يدي في يده.. فشدني وهز يدي..

دخل الجميع المسجد.. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد.. وعن يساره فايز..
كان الناس ينظرون مندهشين.. لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم..

التفت أبو عبد الله إلى أحمد وأشار إليه.. فبدأ أحمد يشير بيديه.. والناس ينظرون.. لم يفهموا شيئاً..
فأشرت إلى أبي عبد الله.. فاقترب إلى مكبر الصوت وقال: أحمد يحكي لكم قصة هدايته.. ويقول لكم: ولدت أصم، ونشأت في جدة، وكان أهلي يهملونني ولا يلتفتون إليّ.. كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد ولا أدري لماذا! أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد، ولا أدري ماذا يفعل.. وإذا سألت أهلي عن شيء، احتقروني ولم يجيبوني..
ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار له..
فواصل أحمد حديثه.. وأخذ يشير بيديه.. ثم تغير وجهه.. وكأنه تأثر.. خفض أبو عبد الله رأسه.. ثم بكى أحمد.. وأجهش بالبكاء..

تأثر كثير من الناس.. لا يدرون لماذا يبكي.. واصل حديثه وإشاراته بتأثر.. ثم توقف.
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحول في حياته، وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه.. وكيف أنه لما بدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله.. وتخيل الأجر العظيم لبلائه.. وكيف أنه ذاق حلاوة الإيمان..
ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد..

كان أكثر الناس مشدوداً متأثراً.. لكنني كنت منشغلاً.. أنظر إلى أحمد تارة.. وإلى فايز تارة أخرى.. وأقول في نفسي.. هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة.. وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة.. ترى كيف سيتفاهم مع فايز وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم؟!!
انتهى أحمد من كلمته.. ومضى يمسح بقايا دموعه..

التفت أبو عبد الله إلى فايز..
قلت في نفسي: هه ؟؟ ماذا سيفعل ؟!!
ضرب أبو عبد الله بأصابعه على ركبة فايز.. فانطلق فايز كالسهم.. وألقى كلمة مؤثرة.. تدري كيف ألقاها؟
بالكلام ؟ كلا.. فهو أبكم.. لا يتكلم..
بالإشارة ؟ كلا.. فهو أعمى.. لم يتعلم لغة الإشارة..

ألقى الكلمة بـ (اللمس).. نعم باللمس.. يجعل أبو عبد الله (المترجم) يده بين يدي فايز.. فيلمسه فايز لمسات معينة.. يفهم منها المترجم مراده.. ثم يمضي يحكي لنا ما فهمه من فايز.. وقد يستغرق ذلك ربع ساعة..
وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أم لا.. لأنه لا يسمع ولا يرى..
فإذا انتهى المترجم من كلامه.. ضرب ركبة فايز.. فيمد فايز يديه.. فيضع المترجم يده بين يديه.. ثم يلمسه فايز لمسات أخر..

ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجم.. بين عجب تارة.. وإعجاب أخرى.. وجعل فايز يحث الناس على التوبة.. كان أحياناً يمسك أذنيه.. وأحياناً لسانه.. وأحياناً يضع كفيه على عينيه.. فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عن الحرام..

كنت أنظر إلى الناس.. فأرى بعضهم يتمتم: سبحان الله.. وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه.. وبعضهم يتابع بشغف.. وبعضهم يبكي..

أما أنا فقد ذهبت بعيداً.. بعيدا جدا.. أخذت أقارن بين قدراته وقدراتهم.. ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم.. الهم الذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم.. لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً..
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا

رجل محدود القدرات.. لكنه يحترق في سبيل خدمة هذا الدين.. يشعر أنه جندي من جنود الإسلام.. مسئول عن كل عاص ومقصر.. كان يحرك يديه بحرقة.. وكأنه يقول يا تارك الصلاة إلى متى؟!! يا مطلق البصر في الحرام إلى متى؟!! يا واقعاً في الفواحش!! يا آكلاً للحرام!! بل يا واقعاً في الشرك!! كلكم إلى متى.. أما يكفي حرب الأعداء لديننا.. فتحاربونه أنتم أيضاً؟!!
كان المسكين يتلون وجهه ويعتصر ليستطيع إخراج ما في صدره..
تأثر الناس كثيراً.. لم ألتفت إليهم.. لكني سمعت بكاءً وتسبيحات..

انتهى فايز من كلمته.. وقام.. يمسك أبو عبد الله بيده..
تزاحم الناس عليه يسلمون..
أخذ أبو عبد الله بيد فايز.. ومضى به خارجاً من المسجد..
أخذت أمشي بجانبهما.. وهما متوجهان للسيارة..
والمترجم وفايز يتمازحان في سعادة غامرة..

آآآه ما أحقر الدنيا.. كم من أحد لم يصب بربع مصابك يا فايز ولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن..
ما أجمل أن يبتلي الله عبده ثم ينظر إلى قلبه فيراه شاكراً راضياً محتسباً..

هذه كانت قصة واقعية من كتاب "قصص العريفي الواقعية".. قرأتها فتأثرت بها، وأدركت كم نحن مقصرون في الدعوة إلى الله، وحمل هم دينه، والخوف على عباده من النار، والبحث عن نجاتهم منها، وقد أعطانا الله كل الأسباب وأعاننا بكل الوسائل والنعم.. وكيف أن فايز لم يدع لنا عذرا بقيامه بواجب الدعوة والبحث عن طوق نجاة للعباد، وقد كان الأولى أن يبحثوا عن طوق نجاته.. ولكنها الهمم
وإذا كانت النفوس كبارا .. .. تعبت في مرادها الأجسام
اسلام ويب

Post: #80
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:55 PM
Parent: #79

من التصورات الخاطئة لدى الكثير من الزوجات، ما تعتقده بعضهن من أنها بزواجها قد ملكت زوجها، فتهمل نفسها، وتنغمس في رعاية أولادها وأمور بيتها ظنا منها أنها بذلك قد أتمت كافة واجباتها الزوجية، وتتصور أنها مهما فعلت فلن يفلت من قبضتها هذا العصفور. بل تظن خطأً أن اهتمام زوجها بها أمر مفروغ منه؛ مما يجعلها تتصرف بلا مبالاة فيما يتعلق بجلب اهتمام زوجها، الذي سرعان ما يمل وقد ينزلق إلى طريق آخر ملقيًا باللوم عليها.

• الرجل يرغب بالزواج ليستمتع بالحياة الدنيا في ظل الشرع، والمرأة هي الدنيا والحياة، كما قال رسولنا الكريم –صلى الله عليه وسلم-: «الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة» [رواه مسلم] فلا تصادم بين فطرة الإنسان وبين ما شرعه الله تعالى، لذلك نجد أن المرأة مهما تقدم بها العمر ومهما بلغت من العلم وحازت أعلى المناصب تبقى في نظر زوجها أنثى، وهو دائمًا يريدها كذلك.

• الزوجة المثالية الصالحة هي التي تبادل الزوج الاحترام، ولا تكون ميالة لحب السيطرة وعزل الزوج من الإطار العام الذي يجب أن يكون فيه الرجل الطبيعي، وتوقف التمارض والثرثرة وبث الأمور السخيفة.

• الطبيعي أن الزوج هو صاحب المبادرة والتجديد في العلاقة الزوجية، ولكن أيضًا دور الزوجة لا يقل عن دور الزوج من الإقبال والتشويق والجاذبية.

• حين يعود الزوج إلى المنزل بعد يوم عمل شاق، لا تحاولي أن تفتحي معه حوارا وتسأليه عن يومه في العمل، لأن الرجال يحتاجون فعلا إلى فترة قصيرة «مساحة فاصلة» بين أجواء العمل وأجواء الأسرة، تساعدهم على الاسترخاء والتخلص من ضغوط العمل.

• مهم جدا جلوسك مع زوجك لمدة ساعة على الأقل يوميًا تكونين خلالها متفرغة له تمامًا؛ تتجاذبين أطراف الحديث في الشؤون التي تهمه، فهذا يُعد أنفع وأجدى من قيامك بأي عمل آخر مهما كلفك ذلك من تضحيات.

• حتى لو لم يعجبك الموضوع الذي يتحدث فيه زوجك امنحيه اهتمامك كاملا. فمجرد حديثه إليك له مدلولات عاطفية مهمة عنده.

• إياك والصراخ .. فرقة الصوت التي طالما ارتبطت بالمرأة والأنوثة غدت عملة نادرة أمام صوت الصراخ الذي سيطر وبقوة على حنجرة كثير من النساء في تعاملهن مع أبنائهن.

• ابتعدي عن أسلوب التوجيهات أو كشف العيوب بطريقة صريحة، لكن يمكنك توصيل هذه الملاحظات والمآخذ بأسلوب رقيق وبدون إحراج حتى تضمني انجذابه إليك، بل استئثاره بك مدي الحياة.

• إياك وصدم مشاعره عند التنازع أو الاختلاف، وليكن شعارك «العفو والتسامح».

• من المهم جدا عدم إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي تتسم بالمغالاة على سبيل المثال ( إنك لا تريد أن تفهمني أبدا، إنك تتصرف دائما على النحو الذي تريده ) .. زوجك يمكن أن يخطئ وكذلك أنت في تصرف ما، فلا تتسرعي بإطلاق تعميمات الفشل والخيبة وغير ذلك.

• صفيه دوما بالرجولة واظهري إعجابك بقوته وقدرته علي تحمل المشاق، فالرجل يحب أن يشعر بقوته ورجولته‏.

• من الأشياء التي تزيد الود بين الزوجين أن تذكر الزوجة لزوجها بعض أعماله الحسنة ومآثره الحميدة معها ومع أسرتها.
• لا تعيريه بماضيه المتواضع - الوظيفي أو العائلي- ودعي له شرف الاعتراف، وسيفعلها بمحض إرادته، وساعتها عليك الإشادة بعصاميته المتفردة التي لا يذكرها أحد، وتذكري أن المتغابي هو سيد قومه وليس الذكي.

• ادفني أخبار المنازعات القديمة، وسدي باب الخلاف والشر، وأكثري من الحديث عن الذكريات الطيبة التي تؤلف القلوب.

• تملقيه أمام الآخرين، واسأليه عن رأيه في بعض الموضوعات واستمعي إليه باهتمام وإعجاب. ‏

• من الأشياء التي تؤثر كثيرا في نفسية الرجل، أن تشكك زوجته في صحة معلومة قالها في حضور آخرين كالأصدقاء أو الأقارب .. انتظري حتى ينفض الآخرون عنكما ثم ناقشيه.

• الصدق في كل شيء من أهم دعائم الاستقرار والسعادة الزوجية، وهناك من النساء من يعشقن الكذب، إما كهواية وإما خوفاً وجبناً، وفي كلتا الحالتين فإن الرجل يمقت في المرأة الخداع والكذب، وإذا قبل الرجل الكذب لظرف أو لآخر فإن ذلك يكون مصحوباً بنظرة احتقار.

• الزوجة الذكية تبحث دائما عن نقاط الانسجام بينها وبين زوجها، وهذه النقاط من الطبيعي أن يتغير بعضها بين الخطوبة والزواج، وبين الزواج والإنجاب .. ففي البداية تركز مثلا على التقرب من الزوج، ثم تحول هذا التقرب إلى ود وعاطفة قوية، ومع الأيام لابد للعاطفة أن تخبو قليلا، فتجنح الزوجة لأن تكون الرفيقة والصديقة .. وهكذا، أي أنها تدفع بعربة زواجها بحسب ما تمليه عليها راحة بالها وبال أسرتها.

• حاذري من أن تكوني كتاباً مفتوحاً أمامه يستطيع أن يتوقع محتوى الصفحات التالية منه، فإن تمكن بعبقريته من معرفة الخطوة التالية سارعي إلى تغيير الأحداث لتخالف توقعاته، وتحفظ لك ولحياتك معه عنصر التشويق.

• المشاركة في عبادة، مثل صلاة معاً، قراءة القرآن، إعداد وجبات للفقراء .. يزيد من الود والحب، وتقبل الكلام من كلا الطرفين.

• حاولي أن تحتفلي بالمناسبات السعيدة بطرق مختلفة ومشوقة في كل مرة.

• إن كان الملل قد تسلل إلي حياتك الزوجية، وأصبحت مسئوليات الحياة هي الموضوع الرئيسي الذي يسيطر علي حوارك مع زوجك بعد أن ضاعت كلمات الحب والغرام، فلماذا لا تعيدين الرومانسية إلي أرجاء منزلك وتبادرين بالخطوة الأولي ولتقدمي هدية تعبرين بها لزوجك عن حبك واهتمامك‏,‏ فالرجل أيضا في حاجة إلي هدية من زوجته ليقتل بها الرتابة التي تصيب علاقتهما الزوجية‏ .‏

وأخيرا لا تجعلي حياتك يدور محورها حول زوجك فقط ، فلا تجعلي شعورك بقيمتك الذاتية مرتبط بحب زوجك لك لا غير .. عليك أن تركزي على اهتمامك بنفسك "صحياً، وذهنياً، وإيمانياً"، لذا أوجدي لك اهتمامات خاصة بك، ترتقين من خلالها وتتطورين .. لا تجعلي عطاءك لزوجك يطغى على نفسك فتهملينها بحجة خدمة الزوج ورعايته، فكلما كان اهتمامك بنفسك كبيراً، كلما جذبت زوجك لكل شيء جميل فيك .
د . خالد سعد النجار

Post: #81
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:57 PM
Parent: #80

الخيال ملكة ثمينة، وخصوبتها وثرائها مرهون بموهبة الفرد وتطلعاته، بل هو ثروة فطرية لو أهملناها في بواكير الطفولة فسوف تضمحل وتتلاشى وتصير الحياة الفرد جافة مملة، فالخيال يريح النفس، ويجلو الذهن، وينشط الفكر، ويدفع ملكة الإبداع، وعلى العكس فالخيال عند الطفل مثله مثل ملكة «حب الاستطلاع ، وحب التملك» إذا أسيء توجيهها أدى إلى ضرر بالغ بشخصيته ونفسيته.
ويتميز الطفل بقدرة كبيرة على الخيال الواسع غير المحدود منذ سنوات عمره الأولى، وهو أقرب من سواه إلى عالم الخيال، وذلك لأن أرصدة تجاربه العقلية في مهدها لم تزل غضة غير مكتملة، ولم تستجب بعد لشروط التجربة العملية، فيحاول تكملتها من خلال تصور كل شيء على أنه حياة.

إن خيال الطفل وسيلة مهمة من وسائل شعوره بالسعادة، فضلا على أنه وسيلة لتحقيق رغباته المكبوتة، والتنفيس عن الإحباطات التي يواجهها في حياته اليومية نتيجة الإخفاق في إشباع بعض الرغبات.

العلم والتعلم
«خيال الأطفال» هو الأداة الأكثر قوة وحيوية في التعلم، فيمكن توظيف خيال الأطفال تربويا عن طريق اللعب، وذلك بإعداد الأطفال في المدرسة أو البيت للعب بألعاب تتضمن القيام بالأدوار الاجتماعية المختلفة، كقيام الطفل بأداء دور الأب أو المعلم أو الجندي .. وهكذا ، من أجل تعليمهم حقيقة هذه الأدوار، وطبيعة عملها الذي تؤديه في خدمة المجتمع الكبير الذي هو جزء منه، بل إن الطفل الذي يتمتع بخيال خصب يسهل انقياده وترويضه، فأحلام الطفل أن يكون - مثلا- طبيا أو مهندسا تفتح شهيته للتحصيل الدراسي، وخياله أن يصبح طيارا أو رياضيا يخفف من حدة المعاناة اليومية حول أنماط تغذيته .. وهكذا.

بين الخيال والكذب
لما كان الخيال وتنميته عند الطفل أمرا حتمياً لنموه العقلي المبدع، فإن تدريبه على إدراك الحقائق ومعرفة الفارق بين الكذب والخيال أمراً هاماً ولابد من العمل على تنميته أيضاً .. إن تجاوب الطفل مع الحقيقة محدود للغاية، وأقل إدراكاً من الشخص الناضج بالأشياء التي لا يمكن أن تحدث. فمن الخطأ عندما يسرد الطفل قصته الخيالية أن يتم مقاطعته أو الضحك أو السخرية منه أو حتى الدهشة مما يرويه .. فكل هذه التصرفات المضادة تجعل الطفل يفقد ثقته في المحيطين به، وبدلاً من ذلك يجب البحث عن الأسباب التي دفعته لكي يروى مثل هذا اللون من القصص، وعجزه عن سرد الوقائع.

فيمكن أن تكون رغبته في الحصول على اهتمام الآخرين، أو أن يحقق في الخيال ما يعجز في أن يحققه في الواقع، أو تبرمه من زملاء اللعب، أو لحاجته إلى مزيد من الحب التي تكمن وراء لجوئه إلى هذا «الكذب التخيلي»، وهناك سبب آخر قد لا يدركه البعض وهو أن الطفل غير قادر على تذكر الأحداث أو الأشياء بعد مضى فترة من الزمن على وقوعها.

إن أسلم حل أن نوضح للطفل أننا نعرف أن ما يحكيه خيال، ولا نصفه بالكذب، وإننا مع سعادتنا في قدرته على نسج القصص الخيالية، فإننا تخشى عليه من اختلاط الواقع مع الخيال في ذهنه؛ لذا فعليه أن يستغل هذه الموهبة في كتابة القصص أو رسمها، ولكن وهو يدرك أنه خيال، وبذلك يرى فيما يقوله أمرًا إيجابيًا تم تشجيعه عليه، ولكن في إطار سليم وصحيح، فهو لم يصبح جزءًا من منظومة الذم التي يهرب منها بالخيال، وبالتالي لا يصبح في حاجة لهذا الخيال المريض، وسيوجهه إلى أمر مفيد، مثل كتابة القصص أو الرسم أو التمثيل .. وهكذا
إذا هناك فارق بين الحقيقة والخيال، وبين الكذب والخيال، فلا مانع من تنمية خيال الطفل وتوجيهه توجيهاً مفيداً مع تدربيه على عدم الخلط بين المفاهيم التي قد تتشابك معه بحيث لا يرقى إلى مرتبة الكذب، أو يلغى القدرة على إدراك الحقائق التي يزيد بها وعيه وتعلمه لكل ما يحيط به في الحياة.
إن الخيال في حد ذاته إبداع ، فلا يخاف الآباء أو يحاولون الحد منه، وفى بعض الأحيان قد تغيب عنا حقيقة ثابتة هي أن كثيراً من الأشياء المبهجة التي تحدث في حياتنا تأتى نتيجة لأحلام اليقظة المثمرة ..أما إذا جنح الطفل للعزلة والاسترسال في الخيال هرباً من مواجهة المشكلات، فعلينا حينها أن نعجل بالبحث عن علاج ناجع.

الاستثمار الأمثل
• لغة الأوامر والوتجيهات والتلقينات لا تجدي نفعا في تنمية شخصية الطفل، خاصة في سنوات عمره المبكرة والتي تعتبر أكثر حساسية, ففيها تبدأ عملية تشكيل المراحل الأساسية للجهاز النفسي, وتتضح عناصر التفكير، وتكتسب الشخصية قوامها وانسجامها، ولذلك ينبغي الاعتماد على الممارسة العملية والميدانية التي تتيح للأطفال القدرة على النسج من خيالهم, ذلك لأن الطفل يمتلك موهبة الابتكار والتعبير وعلى المحيطين دعم وتشجيع مهاراته من دون قهر أو إجبار. بل ينبغي أيضا الابتعاد عن تأنيب الطفل ولومه على إبداعاته الخاطئة, وعدم تعرضه للحماية المبالغ فيها, أو الإسراف في التدليل, والتعامل مع أسئلته وخياله باحترام, وإظهار الاهتمام المباشر بما يقدمه ويطرحه ويتساءل حوله, لأجل تنمية إحساسه بالتذوق الجمالي من خلال توجيه انتباهه إلى كل ما هو رائع ومنسق ومنتظم داخل البيت أو خارجه.

• تعتبر الألعاب التخيلية جزءا أساسيا من الألعاب اليومية للطفولة السوية، حيث يساعد اللعب التخيلي الطفل على تنمية قدراته النفسية في التعامل مع مختلف المواقف، فيمكن – مثلا- أن يتغلب الطفل على مخاوفه في الذهاب إلى الطبيب، عن طريق لعب دور الطبيب أو المريض. كذلك يساعد اللعب التخيلي على تدريب الطفل على المشاركة ومهارات التحدث والعمل مع الآخرين واكتشاف الذات والإبداع.

• الأطفال يعشقون ألعاب الكمبيوتر لأنها من حيث أسلوب العرض والمضمون تساير خيالهم الواسع وتشغل وقتهم وتجذبهم، لكن لابد أن نحرص على ألا يقع ابننا أسيرًا للتلقي السلبي من الكمبيوتر، حتى لا يفقد القدرة الحركية البدنية والمشاركة الاجتماعية، بل وحتى لا يفقد القدرة على التخيل؛ لأن الكمبيوتر في بعض الأحيان يقدم المادة بما يصاحبها من الخيال والتصور، كما أن طول الساعات أمام الألعاب الإلكترونية من شأنه أن يغرق الطفل في الخيال، الأمر الذي يبدد طاقته الواقعية، ويجعله يحيا دائماً في أحلام اليقظة، ويهرب من مواجهة الواقع.
ومن هذا المنطلق لابد أن يحرص الآباء على توفير بدائل تربوية تجذب الطفل، مثل الحوار، والرحلات، والحكايات، والكتاب الورقي، فينبغي – مثلا- تعويده على نزهه أسبوعية في الحديقة يلعب ويلهو بالطبيعة برفقه أفراد الأسرة، فإن من شأن ذلك أي يقوي انتماء طفلك للأسرة وللطبيعة، ويمنحه نموا أفضل نفسياً وفكرياً وسلوكياً.

• لنجعل من اللعب العفوي غير المخطط له ( الرسم أو التشكيل بطين الصلصال أو تركيب المكعبات ..) مُتعة ووقتًا نقضيه مع أطفالنا، تتلاشى فيه الحواجز، ويتعمق الإحساس بالاهتمام والقرب، ولا بد أن ندرك أن المحدِّدات التي يتقدم بها المربي تجاه طفله في العمل الفني يمكن أن تأسره، فلو قلنا له –مثلا- ارسم الحديقة ولعب الأطفال فيها، فهذا من شأنه أن يعوق مخيِّلته عن الابتكار والإبداع. فالأولى أن نطرح سؤالاً يكون فيه من إطلاق الخيال الكثير، مثل أن يكون الموضوع عن رحلة إلى غابة أفريقية، هنا نضع الطفل أمام تجربة ثرية، يُتْعِب فكره وجهده حتى يصل إلى تصور، ويضعه على الورقة أمامه، وهو ما يجعله يستمتع، ويفكر، وينمو عنده الخيال.

• القصص تنمي خيال الطفل بإثارته لتكوين صور ذاتية عن الأشخاص والأحداث والأماكن التي نحكى له عنها، كما أنها تمكن التربويون من أن يغرسوا مضامين تربوية نبغي تعليمها للصغار، خاصة إذا كانت على لسان حيوانات الغابة، مثل: مساعدة الآخرين أو التعاون أو حب واحترام الوالدين أو مخافة الله تعالى .. وغيرها، ويفضل القصص التي تحكي دون الاعتماد على كتاب - مستخدمين الإشارات، والإيماءات، وتعبيرات الوجه والجسد، ومحاولة محاكاة الشخصيات بالصوت والحركة- لأنها تثير خيال الطفل وتحفزه، لكن ينبغي أن تكون هذه القصص بمستوى عمر الطفل؛ لأن البعض يريد - حتى من خلال القصة - أن يخرج الطفل من طفولته إلى عالم الكبار، وهذا خطأ فاحش.

يذكر أن الأطفال قبل المدرسة يناسبهم القصص القصيرة التي تدور موضوعاتها حول العلاقات الأسرية أو أبطالها من الحيوانات والأطفال. كما أنهم يحبون القصص الكوميدية أو الفكاهية. أما الأطفال (6-10 سنوات) يحبون القصص الخرافية التي تتحدث عن الشخصيات الخارقة والمغامرات. والأطفال الأكبر سنًا (10-12 سنة) يتقبلون القصص الواقعية وقصص الأبطال التي تتضمن شخصية إيجابية، كما تستهويهم المغامرات والأساطير الشعبية أو حكايات ألف ليلة وليلة. ويمكن تقسيم القصة الواحدة لعدة جلسات بالنسبة للأطفال الكبار، وأما الصغار فيفضل القصص ذات النهاية السريعة لعدم قدرتهم على التركيز والانتباه لمدة طويلة.

• هناك علاقة وطيدة بين ارتفاع نسبة الذكاء وإعمال الخيال وتنمية الإبداع من ناحية، وتعلم اللغة الأم من ناحية أخرى. حيث دلت الدراسات التربوية على أن أصلح لغة للتعليم هي اللغة التي يفكر بها الطالب كلما كان ذلك ممكناً، كي لا يفكر بلغة، ويعبر بلغة أخرى، وتكمن الضرورة كذلك في سهولة الاتصال بين المعلم وطلابه، وتوفير جو النقاش العلمي الخالي من الحرج والتكلف الذي تسببه الترجمة أحيانا.
د/ خالد سعد النجار

Post: #82
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 06:58 PM
Parent: #81

تدخين النساء .. عوار ثقافي وتفلت قِيَمي
من الأعراف السائدة في مجتمعاتنا العربية أنها تتقبل تدخين الرجل وتستهجن تدخين المرأة لأنهم يربطون تدخينها بانحلال سلوكها الأخلاقي، رغم أن التدخين هنا هو نفسه التدخين هناك بحرمته ومضاره، ورغم أنها نظرة غير منصفة، إلا أن اعتبار التدخين «سلوك ذكوري» يرجع لانتشار تلك العادة بين الرجال بصورة كبيرة ومن قديم الأيام بالمقارنة بالنساء اللاتي دخلن هذا المجال حديثا نسبيا حتى صار رؤية الرجل المدخن في كل مكان نوعا من العادات التي ألفتها العين وتعودت عليها انفعالاتنا بعكس المرأة المرتبطة بحكم فطرتها التي جبلها الله عليها بصفات الحياء والخجل الذي يحول دون جهرها بما يشين المرء.
ولا يقتصر تدخين النساء على النظرة الدونية التي تلاحقها في كل مكان، بل الأمر قد يلوح لها بشبح العنوسة لأن العقلية العربية المحافظة لا تقبل بأي حال من الأحوال الارتباط بفتاة تدخن، حتى وإن قبلت فضغط العائلة وحديث الناس من أكبر العوائق التي تقود الشاب للتراجع والإحجام.
بل إن الخطاب المجتمعي الدارج يعتبر تدخين المرأة ثلمة في صرح صفاتها الحسنة، فيقال: جميلة لكن مدخنة، من أسرة عريقة لكن مدخنة، جامعية وصاحبة شهادة مرموقة لكن مدخنة .. بل لا يمكن إطلاقا أن يقال: مؤدبة لكن مدخنة، لأن التدخين عادة قبيحة تسقط صاحبها من الأنظار، وتحط من قدره بين ذوي الأقدار.

إن المرأة المدخنة «رجل سيء بجسم امرأة» .. فالتدخين يشوه أنوثة المرأة، ويسلبها نعومتها ورقتها المعهودة، حتى بات منظر المرأة المدخنة مستفزا لأبعد درجة، وإذا كان التدخين لا يليق بالرجال أصلا فكيف بأنثى، ينفر منها الجميع بسبب رجولتها المصطنعة ورائحة السجائر المقززة، وعلى الصعيد التربوي فرؤية الأطفال لأمهم وهي تدخن شيء يرتبط لحد كبير بخلل تربوي وفجوة نفسية لديهم من الصعب معالجتها، فضلا عن تخلخل النظرة للأم المحضن والقدوة، أو على الأقل محاولة المحاكاة والتشبه، وهذه طامة كبرى وبلية عظمى.
ونتيجة الترسخ في العرف الاجتماعي أن التدخين عادة ذكورية تحرص أغلب المدخنات على التدخين في الحمامات والغرف المغلقة خوفا من تلوث السمعة أو على الأقل تجنب سماع عبارات السخرية والتهكم أو أن لا تكون محط أنظار الآخرين ومحل دهشتهم.

حقائق طبية
لا يكاد يختلف اثنان على مضار التدخين الصحية، وبالنسبة للمرأة المدخنة نجد أن مادة النيكوتين لها تأثير قابض على الأوعية الدموية مما يؤدي إلى شحوبة وجهها ويجعل لون بشرتها رمادياً، ويؤدي إلى ظهور تجاعيد مبكرة ويؤثر على حيوية الشعر والأظافر، إضافة إلى اصفرار الأسنان.
كما أن التدخين يؤدي إلى حدوث التهابات في الأحبال الصوتية الأمر الذي ينتج عنه تغير نبرة الصوت وبدلاً من أن يكون صوت المرأة رقيقاً وناعماً يضفي عليها أنوثة ورقة, يتحول صوتها إلى صوت فيه خشونة.
والتدخين يسبب تفاقم مشكلة حب الشباب، ونمو الشعر فى أماكن مثل الذقن واليدين والساقين.

والمدخنات يصلن إلى سن اليأس مبكرا عن الحدود الطبيعية المعروفة بـعشر سنوات، وعدم انتظام فترات الطمث بين المدخنات يصل إلى ضعفي نظيره لدى غير المدخنات, كما تنخفض خصوبة المرأة المدخنة (أي قدرتها على الإنجاب) بمعدل يصل إلى أكثر من 40% وتتضاعف احتمالات سقوط الأجنة المتكررة لديها أثناء الحمل، وكذلك تتضاعف احتمالات حدوث الحمل خارج الرحم وانفصال المشيمة المبكر بثلاثة أضعاف عن غير المدخنات.
التدخين أيضا يؤخر نمو الجنين داخل الرحم بسبب تأثير غاز أول أوكسيد الكربون المنبعث من السيجارة وتراكمه في الرئتين يؤدي إلى قلة وصول الاوكسجين والمواد الغذائية المنقولة عبر المشيمة إلى الجنين مما يؤدي في أكثر الاحيان إلى موت الجنين داخل الرحم.
والمدخنة الحامل تكون أكثر عرضة للإصابة بارتفاع ضغط الدم وتسمم الحمل وزيادة احتمال إصابتها بالجلطة القلبية والدماغية وسوء التغذية وفقر الدم.
66% من المدخنات معرضات للإصابة بجلطة المخ. وهن أكثر عرضة للفشل الكلوي والبول السكري وسرطان عنق الرحم وهشاشة العظام.
كما تشير دراسات أخرى إلى أن نحو 25% من المدخنات يتوفين بسبب أمراض ناجمة عن التدخين وثلث هؤلاء يمتن دون 56 من أعمارهن، وفي مجتمع المدخنات يعد التدخين مسئولاً عن 40%, بل إن وزارة الصحة الأميركية كشفت في تقرير لها عن أن التدخين يقتل 165 ألف امرأة سنوياً.

دوافع ومبررات
وعن الدوافع والمبررات التي تدفع بالمرأة للتدخين فأصدق ما يقال عنه أنه «عذر أقبح من ذنب»، فالبعض وخاصة المراهقات يرونه نوعا من الانفتاح وإثبات الذات ومظهر من مظاهر التحضر والعصرية ووسيلة لممارسة الحرية والاستقلالية، ولا شك أن هذه الفكرة تولدت جراء الانفتاح الغير منضبط على المجتمعات الأخرى من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومحاكاة المسلسلات التي تروج لممارسة التدخين وتظهـره على أنه ملجأ من الهموم والقلق.
كما أن تفشي التدخين وسط الآباء والشباب الذكور في البيوت يتيح فرصة للفتيات للتجربة بسهولة.
وبعض المخدوعات لجأن لهذه الآفة بسبب الطلاق أو المشاكل الأسرية أو الفراغ أو الصحبة المدخنة.

ومن البلية أن نجد زوجات أدمن الدخان مع الأزواج المدخنين، وكانت البداية كنوع من المرح والإحساس بالمشاركة ولكن انقلب الأمر عليهن ووقعن في شراك الإدمان الذي لا فكاك منه إلا بشق الأنفس.
ومن المضحك أن البعض يرين السيجارة تساعد على فقد الوزن والحفاظ على القوام متجاهلات الآثار الكارثية للتدخين.
يذكر أن عمل المرأة خارج المنزل كان أحد الأسباب التي لا يمكن تجاهلها حيث أشارت تقديرات الأخصائيين الاجتماعيين أن نسبة المدخنات تزداد كلما اتجهت المرأة للعمل خارج بيتها، والسبب في ذلك يعود إلى وسائل الاحتكاك مع الأخريات والشعور بشيء من الاستقلال المادي عن العائلة.

الإيمان خير ترياق
لا شك أن ضعف الوازع الديني والخلل التربوي هو العباءة التي خرجت من تحتها كل مشاكلنا الاجتماعية قاطبة، وبالتالي فمعالجة الأمور ينبغي أن ترجع إلى سببها الرئيس وليس بتجاهل الأصل والتمسك بالفرع عن طريق سن القوانين وفرض العقوبات وعقد الندوات الإرشادية والبرامج التثقيفية وكلها حلول مساعدة وليست ناجعة، استخدمها الغرب من قبلنا مرارا وتكرارا ورصدت لها ميزانيات جبارة ولكنها لم تؤت أكلها ولو بعد حين.

إن محضن الدين الإسلامي كفيل بأن يذيب كل هذه الآفات ما دامت العقيدة الصافية مترسخة في القلوب، والقدوة الصالحة متوفرة في الأسر والمجتمعات، فما زال القرآن شفاء لما في الصدور، وما زالت الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، وما زال الذكر يطمئن القلوب وينتشلها من مستنقعات القلق والتوتر، وما زال الإيمان بالقضاء والقدر روضة الراضين وملاذ الشاكرين.

إن الإيمان الذي منع الصحابة عن الخمر فور نزول آية تحريمها بالمدينة هو الكفيل اليوم بأن يردنا إلى جادة الصواب، فإذا تمكن من القلوب استنارت وانقشعت ظلمة المعاصي فهانت على الجوارح تركها، أما عبارة «التدخين ضار جدا بالصحة» فقد باتت عبارة ساذجة رغم حقيقتها، لأنها وببساطة لم تلق قلوبا واعية تخشى الله في السر والعلن، فمع المراقبة والخشية يهون الترك، وتحجم النفس عن الشهوات ولو كانت مستطابة، ويكون رضا الله تعالى نعمة لا تدانيها نعمة.

د/ خالد سعد النجار

Post: #83
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:01 PM
Parent: #82

الزواج في بيت العائلة
الزواج في بيت العائلة «الأسرة الممتدة» له إيجابياته المتعددة، أهمها على الإطلاق توافر الشبكة الاجتماعية الداعمة للأسرة الجديدة، فالسكن مع الأهل يشكل جواً اجتماعياً جيدا للزوجين والأبناء، إذ تبين أن وجود الأحفاد في أسرة يكون الجد والجدة فيها علي قيد الحياة يمثل قوة نفسية للأطفال، ويتيح لكبار السن أن يقدما الدعم والخبرات للأم في تربية الأبناء، وكذلك توفر الأسرة الممتدة الأمن والتعويض النفسي للزوجة عندما يغيب عنها زوجها لأي سبب من الأسباب، ولما كان أهل الزوج هم أقرب الناس إليه، وأكثرهم دراية بطباعه وأقدرهم على فهمه، لذلك فهم أفضل من يساعد الزوجة الجديدة على تفهم زوجها وعلى حل المشكلات التي من الطبيعي أن تتعرض لها في بداية مشوار الحياة الزوجية.

أيضا السكن مع أهل الزوج يؤمن احترام الزوج لزوجته وعدم هضم الحقوق تجاهها، إذ تمثل الحياة في بيت العائلة عامل ضغط اجتماعي على الزوج يضطره لتحمل مسئولية الأسرة، والإحصائيات تؤكد أن الزوج الذي يعيش في أسرة محدودة (زوج وزوجة وأولاد فقط) كثيرا ما يسهر بالليل ويتأخر في العودة إلى منزله، بعكس من يعيش ضمن أسرة ممتدة، وأولئك الذين يستخدمون الضرب أسلوباً للتعامل مع زوجاتهم معظمهم كانوا بمسكن مستقل، أما إقامة الزوجين في منزل العائلة يمثل صمام أمان لعدم الإقدام علي العنف الأسري في معالجة الخلافات الزوجية، كما تقل أيضا حالات الطلاق بين الأزواج في الأسر الممتدة، حيث تتوفر النصيحة والمشورة من الأهل التي تحول دون اتخاذ قرارات مندفعة ومتهورة، وأخيرا فالأسرة الممتدة تسمح بأن يشارك كل الأبناء وزوجاتهم والأحفاد في مسئولية ورعاية الوالدين المسنين، بحيث تتوزع المسئولية وتصبح في حدود الطاقة، وهذا لا يتوفر بالطبع في الأسر المحدودة التي يكون مطلوبا من أحد الأبناء أن يتحمل مسئولية والديه كاملة، ومع توزيع المسئولية يسهل على الأبناء التعرف على الخصائص النفسية للمسن، وكيفية التعامل مع هذه الخصائص وبالتالي لا يشكل المسن عبئا على أبنائه.

سلبيات متوقعة
على العكس يمكن أن يكون الزواج في بيت العائلة مقدمة لمشاكل كثيرة، والمشاكل عادة تنتج من غياب الحدود الواضحة للخصوصية بين الزوجين، وإذا غابت مثل هذه الحدود فإن المشاكل قد تنتج من تدخل الأهل حتى لو عاش الزوجين في بيت منفصل، فالسكن المستقل ليس بالضرورة صمام أمان لعدم تدخل الأهل، وعلى هذا فيجب أن لا يتاح لأي من أهل الطرفين التدخل في هذه المناطق شديدة الخصوصية، مع الأخذ في الاعتبار أنه يمكن أن يحاول الأهل التدخل، وهنا يأتي حسن التصرف من الزوج والزوجة للتصدي لمثل هذه المحاولات.
وقد تنتج المشاكل في الأسرة الممتدة إذا كانت زوجة الابن جاءت من نمط معيشي يخالف تماما النمط الذي يعيش فيه أهل زوجها مما يؤدي إلى عدم قدرتها أحياناً علي التأقلم مع البيئة الخاصة بأسرة الزوج من جهة، وعدم القدرة علي التحاور والتعايش مع أفراد الأسرة من جهة أخري، وخاصة أم الزوج أو أخواته.

أيضا قد يؤدي العيش في أسرة ممتدة إلى عدم تحمل كلا الزوجين للمسؤولية بشكل كامل نظراً لكونهما جزءاً من نسق أسري كبير.
والأصل في الموضوع أننا نرتاح لما هو شائع، وما تعارفنا عليه، ففي وقت من الأوقات كانت الأسرة الممتدة هي النموذج الشائع وتعايش معها البشر على اختلاف توجهاتهم ومشاربهم، وتعايشوا مع المشاكل واستفادوا من الإيجابيات، ولكن هذا النمط تغير وأصبح الشائع هو الأسرة المحدودة بميزاتها وعيوبها، وأصبحنا أكثر تقبلا لهذا النمط لأنه هو الشائع ولأن وسائل الإعلام بضغطها المستمر صنعت عندنا جميعا توجها نفسيا ضد نمط الأسرة الممتدة.
ويؤكد الخبراء أن فشل العلاقة الزوجية، بدعوى عدم التفاهم مع أهل الزوج، يعود لمستوى وعي كل من الزوج والزوجة وقدرتهما على التعامل معها. فمسؤولية كسب ود الأهل، تقع على عاتق الزوجين أولا، وطريقة تعاملهما مع بعضهما البعض، ثم مع الأطراف الخارجية، وحتى نتجنب المشاكل نحتاج إلى استراتيجية لإدارة الاختلافات بين أفراد الأسرة الكبيرة، وقوام هذه الاستراتيجية «التفهم، والتقبل» فإذا توفرت هذه الشروط يمكن أن تكون للحياة في بيت الزوج إيجابياتها المتعددة.

عزيزتي الزوجة
خطوات اكتساب مودة أهل الزوج تبدأ من القضاء على الفكرة المسيطرة على عقولنا، والتي زرعتها الأفلام والمسلسلات، وهذه الفكرة ترسخ أن أهل الزوج وبالذات «أمه» هم مصدر كل المشاكل. بعد ذلك يمكنك التقرب إلى أهل زوجك ببذل كل جهد ممكن لاكتساب قلوبهم، بدءا من التودد إليهم والاهتمام بشؤونهم، وتقديم المساعدات والهدايا، والمداومة على السؤال عنهم، ودفع زوجك دائما لبرهم بجهده وماله، بحيث يصل إليهم معنى أنهم أضافوا ابنة جديدة إلى أسرتهم، وأنهم بالعكس لم يفقدوا ابنهم.
• مهم جدا أن تتعاملي مع أهل زوجك على أنهم أهلك، أم جديدة وأب جديد وأخوات جدد، قد يختلفون عنك بدرجات متفاوتة، ولكن تعاملك معهم من هذا المنطلق يعينك كثيرا على أن تكسبي قلوبهم.
• معرفتك لحق الوالدين علي الزوج وأهمية البر بهما يسهل عليك مهمتك، ويجنبك الكثير من المتاعب.
• إخلاص النية لله في مساعدة الزوج على بر والديه وصلة رحمه يضمن لك التوفيق من الله تعالى.

• الترفع عن التوافه وخصوصا من قبل أم الزوجة ومراعاة كبر سن الوالدين يفيدك جدا في هذا المضمار.
• إن الله يحب الرفق في الأمر كله، فلا تقمعي أحدا في كل مرة يحاول فيها تقديم النصيحة لك، ولا بأس أن تمنحي المخالطين فرصة التعبير عن مخاوفهم أو قلقهم تجاه صحة طفلك. فالجدة تقلق فعلا إن أصيب حفيدها بوعكة ولو بسيطة. والمشكلة تكمن في كونها لا تعرف كيف تعبر عن مشاعرها وقلقها على نحو لا يضايقك.
• تعمدي أن تطلبي نصيحتهم في بعض الأمور البسيطة حتى تشعريهم بأهمية دورهم في حياة أسرتك الصغيرة، على أن لا تكون الاستشارة حول موضوع حساس ومهم بالنسبة لك إلى درجة أنه قد يوتر أعصابك.

• تجنبي تدخل أفراد الأسرة في حياتك الشخصية بالمحافظة على خصوصياتك. فبسردك تفاصيل حياتك الخاصة أمامهم، تكونين كمن يعطيهم الضوء الأخضر بالتدخل. أما إذا كانت علاقتك بهم متوترة، فأنت تعطيهم سلاحا قد يستعملونه ضدك فيما بعد. لهذا يتعين عليك أن تتركي دائما مسافة احترام بينك وبينهم.
• تمتعي بخفة الروح وخذي الأمور ببساطة، فذلك سيساعد على تقليص أي توتر قد ينتج عند الانفعال، كما أنه سيعطيك فرصة التعبير عن رأيك بطريقة أكثر تأثيرا، ويكسبك ثقتهم وحبهم على المدى البعيد.
• كوِني مع زوجك فريقا واحدا ومتحدا. لا تتوقعي من زوجك، أو تطلبي منه أن يكون جافا مع أهله، المهم بالنسبة لك أن يدعمك أمامهم بطريقة مهذبة في حال شعر أن حماتك كانت قاسية معك. ولا تأخذي الأمر كأنه تحد بينك وبينها فيه رابح وخاسر، واكتفي بتفهم زوجك لموقفك، لأنه عندما تهدأ النفوس، لابد وأنه سيحاول أن يوضح لأمه موقفها إن كان خاطئا، أو على الأقل يشرح لها أسباب سوء التفاهم الذي حصل بينكما.

• لا تكوني من السذاجة بحيث تتأثري بأي موقف، وأن تتحلى بالحكمة والمرونة في التعامل مع زوجك وأهله على حد سواء.
• عليكِ بمعاملة حماتك معاملة حسنة كما تعاملين أمك بل أفضل مما تعاملين أمك، وتأكدي من الأثر الإيجابي لتلك المعاملة؛ لأن من الصعب مقابلة حماتك لذلك العطف بالإساءة، ولا تظهري لحماتك تأففك من شيء تحبه، وحاولي كسب رضاءها في كل الأوقات، ولا تنسي الاختيار المناسب لهدية حماتك في المناسبات، واحرصي علي تقديم هديتك المستقلة عن زوجك؛ وذلك لتشعر بمدى حبك لها .
د/ خالد سعد النجار

Post: #84
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:03 PM
Parent: #83

التقدم في السن والشيخوخة يؤدي إلى حدوث عدد من التغيرات الفسيولوجية والنفسية في الصحة العامة، وكما تدخل النساء في سن اليأس فإن الرجال يعانون أيضا من آثار هذه السن، إذ أثبتت دراسات طبية نشرت حديثا أن تقدم الرجال في السن يترافق مع تغيرات في الخصوبة والقدرة الجنسية التي تعتبر من آثار الشيخوخة على الرجال والتي أطلق على هذه الحالة «سن اليأس الذكوري»!!

عندما نذكر مرحلة «سن اليأس» فإن المرأة أول ما يتبادر إلى الذهن، ولكن الدلائل تؤكد أن هذا المصطلح ينطبق على الرجل أيضا، وبرغم أن بعض الرجال لا يفضّلون تسميتها بسن اليأس، لأن مصطلح سن اليأس عند المرأة مشتق من يأسها من الحمل الولادة بانقطاع الطمث، ولكن من ماذا ييأس الرجل؟ إذ لا يوجد شيء يجعله ييأس في هذا العمر، لذا كان من الأقرب أن نسميها بـ «خريف العمر» و «أزمة ما بعد منتصف العمر» حيث أن سن اليأس النسائي يأتي متلصصا ويحدث عند المرأة تبدلات مفاجئة في نوع حياتها، بينما يأتي سن اليأس الرجالي بصورة تدريجية على مدى عقد من الزمن، ويزول من دون أن يحس به الرجل.

ويؤمن الأطباء اليوم بشكل واضح بالانحسار الهرموني عند الرجال في سن اليأس لكنهم يعرفون أيضا بأن هذا الاضطراب الهرموني لا يتم بالطريقة المباغتة التي يجري فيها عند النساء. والمشكلة هنا أن الباحثين قد أخضعوا سن اليأس عند النساء إلى دراسات مطولة وتفصيلية طوال العشرين سنة الماضية إلا أن الأبحاث في سن اليأس عند الرجال ما زالت محدودة.
وتشير العديد من الدراسات إلى أن نسبة هرمون (التيستوستيرون) الذي تفرزه الخصيتان تبدأ بالانخفاض تدريجيا منذ سن الأربعين عند الرجل، وبنسبة 1-2% كل عام. وقد لا تنطبق هذه النسبة على كافة الرجال، إلا أن 25 % من الرجال من سن 60 – 80 عاما كأقصى حد، يعانون من أعراض نقص التيستوستيرون.

وأعراض الوصول إلى سن اليأس عند النساء سهلة التشخيص حيث أن العادة الشهرية تتوقف، على عكس الحال عند الرجال الذي يتطلب الأمر الكثير من الفحوصات كفحص الدم لمعرفة مستوى هرمون التيستوستيرون، وبالتالي فإن المشكلة قد لا يتم علاجها لكون الحالة صعبه التشخيص، كما المشكلة لا زالت في الظل لأن الرجال الذين يعانون من هذه الحالة لا يريدون الاعتراف بأن طاقتهم الجنسية لم تعد كالسابق.
لكن الأمر لا يقتصر على هذه الناحية فقط فانخفاض نسبه هذا الهرمون في الدم تؤثر على القوة العضلية والذاكرة عند الرجال، بل تتعدى ذلك إلى ضعف بنية العظام، ومن جانب آخر وفيما يتعلق بالأعراض فقد تبين أيضا أن الرجال يمكن أن يصابوا بنفس الأعراض التي تصاب بها النساء في سن اليأس والمتمثلة بالتعرق الغزير وسرعة دقات القلب والشعور بالتوهج في الوجه والجسم أو ما يعرف بالهبات الساخنة، إضافة إلى الإحساس بالوهن العام والميل إلى الهمود والكآبة.

وعادة لا يتوجه الرجل بسبب الخجل إلى الطبيب ليشكو تطورات سن اليأس لديه إلا بعد ظهور ضعف حالة الانتصاب لديه. هذا في حين أن الدراسات الحديثة ــ حسب رأي لونينفيلد ــ لم تثبت علاقة العجز الجنسي بانخفاض مستوى التيستوستيرون في الدم.
والسبب هو أن الجنس ليس غريزة تظهر بيولوجيا عند الإنسان بتأثير الهرمون الذكري فحسب، وإنما هو على علاقة وارتباط وثيقين بشخصية الإنسان وتكوينه، وعلى هذا الأساس فإن فقدان القدرة الجنسية ليس النتيجة المباشرة لتقدم العمر، إنما ــ وبشكل أشمل ــ هو انعكاس لموقف شخصي من الجنس أيضا.
وخلاف انخفاض مستوى الهرمون الذكري فهناك الكثير من المواد الأخرى التي تلعب دورا في تقدم العمر. فلقد ثبت أن جسم الرجل يفرز بعد بلوغ الخمسين هرمون النمو وهرمون ديهايدرو ايبي اندروستيرون DHEA بشكل أقل. إذ يجري تركيب هذه المادة بشكل سلفات ديهايدر ايبي اندروستيرون في قشرة الغدة الكظرية ليعاد إنتاجها بشكل تيستوستيرون أو اوستراديول.
ويتسبب نقص هذه المواد بالعديد من المضاعفات: تزداد عملية الهدم في العظام، تتقلص فترات النوم ويضعف الجهاز المناعي عند الرجل. والأهم هو أن قدرات الإنسان المختلفة تضعف وتتغير عملية استقلاب الشحم فترتفع نسبة الكولسترول في الدم وترتفع معها بالطبع مخاطر تصلب الشرايين ومخاطر الإصابة بجلطة القلب.
ويعلق العلماء آمالا كبيرة على إمكانية تطوير أقراص هرمونية توقف هذه التغيرات عند الرجل.

ومن المواد الأخرى المؤثرة على حيوية الرجل ونشاطه بروتين معين اسمه (الجلوبيولين الرابط بالهرمون الجنسي) وهو بروتين يرتبط يالتيستوستيرون ويؤدي بالتالي إلى خفض مستواه في الدم.
وأكد الباحث البلجيكي اليكس فرمويلن أن النتائج الأولية التي تحققت من وراء علاج سن اليأس عند الرجال بواسطة الهرمونات كانت مشجعة جدا، وذلك من خلال الحقن أو الأقراص أو من خلال طرق أقل تعقيدا مثل اللصوق على الجسم أو كيس الصفن.
إذ ثبت أن إعادة ميزان التيستوستيرون إلى نصابه في جسم الرجل قد نجح في إبعاد خطر الإصابة بجلطة القلب. كما ثبت أيضا أن الإكثار من تناول الهرمونات يؤدي إلى نتائج معكوسة تماما لأن شعار «كلما كان أكثر كلما كان أفضل» لا مجال لتطبيقه هنا.
فضلا عن ذلك فقد نجحت جرعات من الميلاتونين في تحسين نوم الرجال ، ويعول الباحثون علي مزيد من التدقيق في تأثيرات العقار العجيب DHEA قبل البدء باستخدامه في العلاج على نحو واسع. إذ لاحظ العلماء سلفا علاقة هذه المادة بتطورات العمر عند الرجال، وأن نسبته في مصل الدم تختلف بشكل حاد بين مرحلة وأخرى من مراحل نمو الذكر.
وتبلغ هذه النسبة ذروتها في مرحلة الشباب لتبدأ بالانخفاض بشكل تدريجي ملحوظ مع تقدم العمر. وتشير نتائج عدة دراسات أجريت إلى أن الرجال الذين تحوي دماؤهم نسبة عالية من DHEA لا يتعرضون لجلطات القلب كما يحتفظون دائمة بفعالياتهم وقدراتهم.
وهذا ما يقوله البروفسور (برونو اللوليو) من جامعة فورتسبورج الألمانية مشجعا الرجال دائما على زيارة أطبائهم والاستفادة من إرشاداتهم والعلاج بالهرمونات. وتثبت الدراسة التي أجراها اللوليو على DHEA أن هذه المادة لها فعل ايجابي أيضا على مناعة جسم الرجل فهي: " تحسن نوعية حياة الرجل عموما، تزيد قدراته وشعوره بأنه في أحسن حال".
ونصح الطبيب والباحث السويسري (ماريوس كرينزلن) من جامعة بازل الرجال الذين يعانون من سن اليأس بتناول الكالسيوم بانتظام بغية القضاء على احتمال إصابتهم بمرض تنخر العظام. وعموما فقد أفلح العلاج بالهرمونات حتى الآن بمساعدة الرجال في سن اليأس عن طريق تحسين نسبة الكولسترول في دمائهم وخفض مقاومة أجسادهم للأنسولين ناهيكم عن تحسن الوضع النفسي والجسدي للرجل وقدراته.

د / خالد سعد النجار

Post: #85
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:05 PM
Parent: #84

الكعب العالي .. رشاقة ثمنها الألم
ثبات الجسم يتناسب تناسبا طرديا مع سعة القاعدة التي يرتكز بها علي الأرض، فكلما اتسعت القاعدة كان الجسم أكثر ثباتا، فالإنسان ليس سوى عمود متحرك، ولبس المرأة للكعب العالي هو قلب للقاعدة حيث تضطر للميل للأمام مما يجعلها تمشي بأطراف أصابعها وباطن قدميها، ومع الاستعمال المتكرر للأحذية الضيقة والكعوب العالية، يجب أن تعرفي سيدتي بأنك في خطر الإصابة بالعديد من المشاكل الصحية على المدى البعيد إذا لم تقومي اليوم بتغير عاداتك في شراء الأحذية ومنح قدمك الفرصة لترتاح من الضغط المستمر.

الخلفية التاريخية
تعود قصة ابتكار الكعب العالي إلى القرن السادس عشر، حيث كان من عادة أهل البندقية أن يقيموا كل عام مهرجاناً كبيراً تتبارى فيه النساء في التبرج والزينة، فيرتدين أفخر الثياب التي كانت تستورد من بلاد نائية خصيصاً لهذا المهرجان.‏
حدث في إحدى السنين أن غرقت جميع السفن التي كانت تحمل السلع المستوردة إلى البندقية، عدا سفينة واحدة ينتمي ربانها إلى عائلة (فسبوتشي) الأرستقراطية، وكانت المنافسة على أشدها بين نساء هذه العائلة ونساء عائلة أرستقراطية أخرى هي عائلة (بوتاني).‏
استولى الحزن على نساء عائلة (بوتاني) ، لقصر توزيع السلع النادرة المستوردة على منافساتهن، ولكنهن لم يستسلمن لليأس، فعقدن مجلساً وبحثن عن الوسائل التي تعوضهن عن تلك الخسارة، وجاءت ليلة المهرجان وظهرت نساء عائلة (فسبوتشي) وهن فرحات فخورات بما استأثرن به من تلك الواردات وما ارتدينه من ملابس فاخرة دون غيرهن، ولكنهن فوجئن بظهور نساء الأسرة الأخرى بقامات أطول من المعتاد، لفتت إليهن الأنظار واكتسبن فوزاً باهراً في المهرجان.‏
وكان سر هذا الفوز أنهن استعملن لأول مرة في التاريخ أحذية عالية الكعوب، بأن ثبتن تحت كعوبها طبقات من الفلين.. ومنذ ذلك الحين انتشر الكعب العالي بين الفتيات الإيطاليات، ثم اقتبست عنهن بقية النساء في مختلف البلاد، وأخذ على مر العصور أشكالاً وتصاميم عديدة وقياسات مختلفة.‏

الأطباء يحذرون
لم تبال الكثيرات بتحذيرات الأطباء من خطورة الكعب العالي، لكونه يوزع ثقل الجسم بطريقة غير متوازنة فيزيد الضغط على القدم، ويسبب آلام الظهر، وكذلك تحذيرهم من الحذاء ذي القدم المدببة من الأمام، لكونه يصيب الإصبع الكبير بأورام، بل إن دراسة سويدية حديثة ذهبت إلى أبعد من ذلك، واتهمت الكعب العالي بأن له علاقة بالفصام العقلي المعروف بـ «الشيزوفرينيا» لما يسببه من توتر شديد في القدم يمنع المستقبلات العصبية في عضلات القدم من إطلاق مركب «الدوبامين» الذي يحافظ علي سلامة العقل.

ورغم ما يحققه الكعب العالي من إشباع جمالي للمرأة إلا أن مساوئه أكثر من مميزاته ، حيث يتسبب في العديد من الأمراض والمشاكل الصحية للسيدات من أهمها: دوالي الساقين إلى جانب التقلصات الرحمية المبكرة للحامل، والإجهاض المبكر للحمل، واحتقان الحوض، علاوة على تشوهات القدمين و" الكالو" ، بالإضافة إلى تأثيره الكبير على العمود الفقري، وانحناءاته للأمام، أما أخطر وأهم ما ذكرته الدراسات الطبية هو العلاقة القوية بين ارتداء الكعب العالي وبروز الكرش، فعند لبس حذاء كعبه أطول من 5 سم، يتركز وزن الجسم كله على مقدمة القدم، ويبقى الجسم مشدوداً إلى الوراء للحفاظ على التوازن، وبالتالي تصبح زاوية الحرقفة 45 درجة، وبهذا تبرز البطن للأمام.
ولا ينتهي الأمر عند ذلك بل وجد أن هذه الأحذية ذات الكعب العالي تساعد على كبر حجم الأرداف والأفخاذ وسمنة الأرجل.. كل هذا دفع أطباء التخسيس والرشاقة إلى النصيحة بعدم ارتدائه مطلقا.

وأشارت دراسة طبية حديثة إلى وجود علاقة بين الكعب العالي والتهابات العظام والمفاصل، حيث تسبب الأحذية ذات الكعوب العريضة المرتفعة ضغطاً إضافياً على القدم نسبته 30 % عما لو سارت السيدة بدون حذاء. ويؤدى ازدياد هذا الضغط إلى أن تعمل العضلة الرباعية للفخذ بصعوبة أكثر، وهو ما يعزز الضغط على غطاء الركبة، وأكثر أجزاء الركبة تضرراً هي تلك الأجزاء التي تبدأ في التآكل مع تطور المرض.
كما أطلق الأطباء تحذيرا جديدا للنساء من مخاطر ارتداء أحذية عالية الكعب. وقالوا إن ذلك يزيد من مخاطر تكسر العظام وآلام الكاحل. ويقول " روبرت إيفانز " وهو طبيب يتولى الحوادث والحالات الطارئة في مستشفى جامعة ويلز البريطانية: إن مثل تلك الإصابات قد تؤدي لمشاكل صحية طويلة الأمد. وتتفاوت إصابة هؤلاء بين تكسر العظام إلى التواء الكاحل، ووصلت إلى حد الخلع في بعض الحالات، بل وسببت إعاقة دائمة في البعض الآخر.

ووجد الباحثون أن السيدات بسبب ارتداء الكعوب العالية فقدن توازنهن بنحو 12 % وتعرضن لخطر السقوط أكثر من تسع مرات، كما أن وزن الجسم يكون مرتكزاً على مقدمة القدم الذي تظهر فيه معظم التشوهات. ولاحظ العلماء بعد إجراء فحوص التوازن على السيدات أن مستخدمات الكعب العالي تعرضن للسقوط بنحو 27 % عند المشي على سطوح غير ملساء أثناء الليل.
وأخيرا حذر خبير بريطاني من أن محاولات بعض السيدات الظهور وكأنهن فارعات الطول، قد تؤدي إلى خسارتهن لحياتهن كأمهات. مؤكدا أن خصوبة المرأة مهددة بسبب استخدام أحذية بكعب عال. ‏كما أنه يؤثر على الأعضاء الداخلية للمرأة، ويتسبب بعدم قدرة المرأة على الإنجاب. ‏يذكر أن لبس الكعب العالي لفترات طويلة قد يسبب انقلابا للرحم حيث إن الرحم داخل الحوض متصل بأربطة رخوة سهلة التمدد والارتخاء‏، والضغط المستمر إذا لم يحدث انقلابا في الرحم فعلى الأقل سيسبب آلاما في أسفل البطن والحالبين.‏

رأي الدين
تظل أهم أسباب حرص النساء على ارتداء أحذية ذات كعب عال - كما أشارت إحصائيات الأكاديمية الأمريكية لجراحي العظام - هي دواعي إبراز جمال الجسم، أو المساعدة على تضخيم أجزاء منه، أو ضرورات الموضة، أو الارتقاء بالمظهر في العمل
يقول الشيخ بن باز رحمة الله: وأقل أحواله الكراهة؛ لأن فيه أولا تلبيسا حيث تبدو المرأة طويلة وهي ليست كذلك، وثانيا فيه خطر على المرأة من السقوط، وثالثا ضار صحيا كما قرر ذلك الأطباء.
ومن العلماء من رأى عدم جواز لبس الكعب العالي مطلقا:
لأنه يُعرض المرأة للسقوط، والإنسان مأمور شرعاً بتجنب المخاطر بمثل عموم قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء/29]، وقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة/195].
كما أنه يُظهر قامة المرأة وعجيزتها بأكثر مما هي عليه، وفي هذا تدليس وإبداء لبعض الزينة التي نهيت عن إبدائها المرأة المؤمنة بقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ} [النور/31] انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (مجلة البحوث 9/46 )
وكذلك فهو يجعلها مائلة إلى الأمام فيخشى انطباق وعيد المائلات المميلات عليها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (صنفان من أهل النار لم أرهما بعد ، رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس – يعني ظلماً وعدواناً – ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات).وهو يؤذي الظهر وهذا ثبت طبياً.
وكذلك يصدر الكعب صوتاً يلفت أسماع الرجال ويفتنهم، قال تعالى: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور/31] نسأل الله السلامة والعافية.
د. خالد سعد النجار

Post: #86
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:08 PM
Parent: #85

الواجبات المدرسية .. معاناة يومية
دور الآباء في العملية التعليمية للطفل ركن هام لا ينفك عنها، وعامل محوري في مسيرتها الطويلة، فمن أكبر الأخطاء أن نعول على المدرسة وحدها ونقتصر على دورها التعليمي دون تقديم دورا تكميليا للآباء في المنزل سواء بالمراقبة أو المتابعة بل والمشاركة، خاصة في إتمام الواجبات المنزلية التي تمثل الواجهة النهائية ليوم تعليمي حافل بالمعرفة.
ويمكن القول أن مساعدة الطفل على إتمام واجباته بطرق صحيحة يمثل علامة فارقة في تفوق الطفل حيث تتحول العملية التعليمية إلى نوعا من المتعة أكثر منها عبء ثقيل يؤرق الطفل.

بيئة مناسبة
لابد أن نراعي وجود أجواء منزلية ملائمة غاية الملائمة، فلنحرص دوما على اختيار مكان مناسب وثابت في المنزل لعمل الواجب المنزلي، ومن الأفضل أن يختاره الابن بنفسه، مع مراعاة أن تتوفر فيه عوامل الراحة والهدوء مع الإضاءة الكافية والبعد عن الملهيات من تلفاز وكمبيوتر وغيرها.
كذلك التنسيق مع معلم المدرسة مهم جدا في ضبط إيقاع الواجبات المدرسية من حيث القدر المناسب للطفل، واختيار النوعية التي تتوازن بين السهولة والصعوبة، والقلة والكثرة، وبالتالي نضمن وجود حيز من الوقت للعب الطفل وإعطاءه فرصة لممارسة هواياته، ونتلافى أجواء الكآبة التي تنتاب أطفالنا وقت إتمام واجباتهم.

التخطيط الجيد
عوامل التخطيط الجديد تتألف من تنظيم الوقت بما فيه من اختيار الوقت المناسب لعمل الواجبات المنزلية، فنتجنب فترات قبل النوم حيث يغلب النعاس أو حالات الإرهاق ..
وهناك قاعدة تربوية تقول: «العمل قبل المرح» ولذا لا يسمح للطفل مثلا بأن يلعب ويمرح ويخرج ويشاهد التلفاز ويزور أصحابه قبل أداء واجباته، وبالطبع لا نعني أن يؤدى الأمر بطريقة آلية إلا أنه لابد من اعتياد وقت ونظام ومكان ثابت لأداء الواجبات.

أيضا تقسيم الواجبات إلى مهام صغيرة يسهل إنجازها، والبدء بالأصعب ثم الأسهل، مع المراجعة الأسبوعية الشاملة فهي مهمة في تدعيم الذاكرة وترسيخ المعلومة في الذهن. جدير بالذكر أن حل الواجب المدرسي في مجموعة صغيرة مكونه من الأخوة والأخوات يضفي نوعا من الارتياح بالنسبة للطفل، ويحبب له هذا الروتين اليومي، ويعزز مهاراته عندما يرى تشارك اخوته في نفس قضيته ومسئوليته.

الواجب مهم
لا ننكر أن الواجب المدرسي عبء ثقيل لا يحبه غالب التلاميذ، لذلك من المهم تعزيز الدافع لديهم لإنجازه برحابة صدر عن طريق توضيح أهميته بالنسبة للتلميذ وتفوقه الدراسي وتميزه العلمي ..
«الواجب مهم ولو كان مملا» لابد أن يكون شعارنا دوما، بل لابد أن تترسخ هذه القناعة لدى الطفل، وهذا لا يتم إلا بتكرار توضيح ضرورة الواجبات المدرسية وحيويتها لتسيير الحياة الدراسية، وأنها في مجملها ثمرة الجهد التعليمي ووسيلته النافعة لترسيخ المعلومة في الذهن، والتعمق أكثر في تناول المادة العلمية التي لا يكفي وقت الحصة القصير في تحقيقه، كما أنها برهان التواصل الجيد مع العلم، وخير وسيلة لتدريب أطفالنا على تحمل المسئولية.

مشكلة الآباء
قد يكون للآباء - خاصة الأمهات - دورا سلبيا يقلب أجواء الواجبات المدرسية إلى محنة يومية ..
«ابنك ليس أنت» وبالتالي لا تتوقع منه أن يؤدي العمليات التعليمية بنفس المهارة أو السرعة التي تؤديها أنت، ومن هذا المنطلق فالصبر وسعة الصدر وتجنب الضجر من أعظم الوسائل لاحتضان الشبل الصغير وجعل أداء الواجب بالنسبة له نوعا من المنحة لا المحنة.
أيضا الجلوس مع الطفل لمساعدته في اتمام واجباته لابد أن نعتبره مهمة أساسية لا فرعية، وفريضة راقية ليست نافلة ثانوية، ورسالة أكثر منها مهمة تقلبنا كحراس نرقب حتى أنفاس الطفل ..

مشكلتنا أن معظمنا يجلس مع الطفل مساء في نهاية يوم متخم بالأعباء وبالتالي فنحن نريد منه أن ينجز بسرعة وعجلة كي نخلد للنوم أو الراحة، وهذا ما يوتر الموقف ويحول دون إتمامه بالحب لا بالكره. خاصة لو أوجعنا الطفل ضربا أو شتما أو تجريحا لتراخيه في الأداء، وتتعقد المشكلة بين ضجر الوالد وبين الابن الفوضوي أو الضعيف دراسيا أو المتمرد، ويصل الأمر بالصغير إلى كره وقت الواجبات التي يراها مدرسة مسائية تثقل كاهله بعد المدرسة الصباحية.

ولا يفوتنا أن ننوه إلى أن الضجر قد يفرغ الواجبات المدرسية عن مضمونها وفاعليتها، فالخطأ الإملائي في أي فقرة كتبها الطفل لا ينبغي أن نشير إليه مباشرة بل بقليل من التمهل نطلب من الصغير أن يبحث عن كلمة كتبها خطأ .. هذا كفيل أن ينشط ذهنه، ويعوده على المراجعة بعد أي إجابة.

أيضا يحملنا الضجر على الإجابة المتسرعة عن كل سؤال يسأله الطفل، والأولى أن نقدم له الإجابة في نقاط تقريبية أو نستثير ذهنه ببعض الكلمات الإرشادية أو حتى التريث حتى يبحث هو بنفسه عن الإجابة بين ثنايا الدرس.

ومن الأمور التي يجب أن يراعيها الأب أو الأم عند مشارك ابنه في أداء الواجبات المدرسية أن تتناغم طريق المنزل مع طريقة الأستاذ في الفصل الدراسي، بمعنى أن يتعرف الوالدان من الطفل على الكيفية التي تبناها المدرس في حل التمارين الرياضية أو التعامل مع سائر المعلومات سواء بالحفظ أو الفهم، وذلك لأن تبني أسلوب آخر يمكن أن يشتت الطالب، ويفقده الثقة في طريقة أستاذه، بل ربما نصعب نحن عليه التحصيل الدراسي لأن طريقة الأستاذ في الغالب تكون الأفضل بحكم خبرته ومهارته التعليمية والميدانية .

وأخيرا ننوه بأهمية تعزيز الطفل نفسيا وماديا عن طريق: التشجيع، رصد مكافأة عند تفوقه، مراعاة أوقات الراحة والاسترخاء، تخلل فترات المذاكرة بوجبات خفيفة غنية بالفواكه، المعاونة الجادة عند مواجهة صعوبة ما، الحوار الدافئ واسترجاع ذكرياتنا حول الدراسة ليعلم الصغير أن الجميع مر بما يمر به الآن وأنه ليس مضطهدا.

د / خالد سعد النجار

Post: #87
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:10 PM
Parent: #86

الشيخوخة المبكرة .. محنة يمكن تفاديها
كثيراً ما نرى رجلاً في الأربعين من عمره وقد أصابته الأمراض بحيث تصبح حالته الصحية (عمره الحقيقي أو البيولوجي) تماثل حالة رجل في الستين من عمره. كما قد نرى رجلاً في الستين من عمره ممتلئاً بالنشاط والصحة وخالٍ من أمراض القلب أو ارتفاع الضغط أو البدانة ويبدو بنشاط رجل في الأربعين من العمر.
ويعد التوتر والانفعالات الشديدة، وأسلوب الحياة الذي يتنافى مع القواعد الصحية، وقلة الحركة وعدم ممارسة الرياضة، والتدخين، وإدمان المخدرات، والإرهاق البدني والذهني، والإفراط في الطعام ؛ خاصة اللحوم الحمراء من أهم العوامل تساعد على إفراز هرمونات ترفع مستوى المواد الكيماوية النشطة داخل جسم الإنسان، وتدمر خلايا الجسم، وتسبب العديد من الأمراض التي تؤدي إلى الشيخوخة في سن مبكرة.

يقصد بالشيخوخة المبكرة حدوث مظاهر الشيخوخة قبل الوصول إلى المراحل المتقدمة من العمر، فقد يكون الإنسان في مراحل الشباب من العمر ولكن تبدو عليه مظاهر العجز والشيخوخة التي يفترض ظهورها في مراحل أخرى متقدمة من العمر, ويعتمد ذلك إلى حد كبير على الظروف المحيطة بالإنسان والبيئة التي يعيش فيها كما ذكرنا .

مظاهر الشيخوخة المبكرة
ومن أشهر مظاهر الشيخوخة المبكرة :
• التراجع البصري: ويقصد به تيبس عدسة العين، وبذلك يصبح من الصعب عليها أن تتشكل وتغير من درجة تحدبها وتكيفها تبعاً لانقباض العضلة التي تتحكم فيها.
• هشاشة العظام: هو حدوث تخلخل أو تآكل في حجم أو كمية العظام المكونة للجسم ولكن بدون حدوث أي خلل أو تغير في التركيب الكيميائي للعظام, وهذه الظاهرة شائعة الحدوث في النساء بعد سن توقف الطمث، وعادة تتأثر كل عظام الجسم بهذا التغير، وخاصة عظام الفقرات القطنية, حيث تنكمش المراكز العظمية بها، وبذلك يصبح العمود الفقري عرضة للانحناءات، كما تكون العظام عرضة للكسر خاصة الضلوع وعظام الفخذين.
• التهابات المفاصل: ومن أكثر المفاصل تأثرا الركبة والكتف وفقرات العمود الفقرى الظهرية، ويشعر المريض بتصلب في حركة المفصل، وآلام شديدة عند بدء الحركة، حيث تقل حركة هذا المفصل تدريجياً، وكذلك قد يحدث التهابات المفاصل الروماتويدية نتيجة خلل في نظام المناعة الداخلية لجسم الإنسان، مسببا تورم والتهاب شديد في المفصل كما تزداد كمية السائل داخله مما يسبب له ارتشاحاً وتورماً، ويحدث كذلك ضمور واضمحلال في غضروف المفصل واستبداله بنسيج ليفي مما يجعل المفصل غير قادر على الحركة.
• ظهور قوس الشيخوخة: حيث يظهر كقوس رمادي في جسم القرنية على بعد 1 ملليمتر من الحافة الخارجية للقرنية, وربما يظهر على شكل حلقة كاملة أو متقطعة، وهو نتيجة وجود اضمحلال هلامي في طبقات القرنية، الذي يصيب الألياف الضامة, وظهور هذا العرض في سن مبكرة عند الشباب دليل على وجود خلل هلامي في عملية التمثيل الغذائي، وأحياناً يكون مصحوباً بشيب الشعر.
• الاغتراب السنى لجفن العين الأسفل: يقصد به سقوط الجفن السفلى للعين وابتعاده عن مقلة العين، وينتج ذلك لوهن وترهل أنسجة الجسم عامة، وخاصة عضلات وأنسجة الجفن السفلى حيث يبتعد عن مقلة العين.
• ضعف أو انخفاض في حاسة السمع تدريجياً: ويزداد هذا الضعف شدة كلما تقدم العمر، ويحدث ذلك نتيجة لحدوث ضمور في الخلايا الحساسة المختصة باستقبال الموجات الصوتية.

إن مشكلة الشيخوخة هي مجموعة من المشكلات الصحية والنفسية والذهنية، وللجزء النفسي النصيب الأكبر فيها لأن كثيراً من المسنين يهرمون بالوهم قبل أن يهرموا بالشيخوخة، وكل ما نحتاج إليه هو أن نتحدى الشيخوخة ولا نستسلم لها، وذلك بأن نعد الجسم والذهن والعاطفة لنشاط لا يركد، وهذا النشاط قد يبطئ، ولكن العدو الذي يجب أن نكافحه هو هذا الركود الآسن الذي نركن إليه فيما يشبه الموت، كارهين ثقافة الذهن والجسم، قانعين بالاستقرار دون الاستطلاع حتى تبلى العواطف وتموت.

فالإسراف والمبالغة في تناول المقليات والأطعمة المشبعة بالدهون لاسيما الحلويات يعد عاملاً هدّاماً لمرحلة الشباب لأن لكل فئة من المراحل العمرية احتياجات خاصة بها من الناحية الغذائية، ولكل حالة مرضية كذلك نظامها الغذائي الخاص بها، وفى جميع الأحوال لابد من زيادة عدد الحصص المتناولة من الخضروات والفاكهة والابتعاد عن الدهون، واستبدال أطباق الحلويات بالفواكه والتمر والمكسرات وتقليل كمية اللحوم المتداولة واستبدالها بأطباق الحساء المختلفة الغير دسمة، وأن يكون طبق السلاطة هو الطبق الأساسي.

وهنا تجدر الإشارة إلى ضرورة الإقلاع عن بعض العادات السيئة التي قد تكون سبباً في إصابة أغلب الشباب بالأنيميا وهى إقبالهم النهم على تناول الوجبات السريعة «التيك أواي» لخلوها من الفيتامينات التي يحتجاها الشباب في هذا السن.
وممارسة الرياضة مهم جدا ولابد أن نجعل ممارستها متعة وليس واجباً حتى تصبح عادة يومية تدخل السرور على قلوبنا بشرط أن يتم اختيار الرياضة المحببة سواء كانت السباحة أو المشى السريع وإذا خصص 30 دقيقة يومياً للرياضة سوف نعتنى بأجسادنا ونوفر على أنفسنا ساعات وأياماً نقضيها في معالجة أمراض كالقلب والسكر وضغط الدم لأن الرياضة تساعد على إفراز مادة «السيروتونين» في الدماغ وهى مادة طبيعية لمقاومة التوتر العصبي والاكتئاب.

بالحب نقاوم الشيخوخة
والمدهش ما أعلنه بعض الباحثين من أن عاطفة الحب تعد أفضل سبل تقوية المناعة وضبط ضغط الدم مما يترتب عليه تأخير الشيخوخة، عكس الكراهية التي تدمر جهاز المناعة وتسبب أمراض القلب والضغط والسكر والكبد والقولون العصبي، فالحب يشيع الشعور بالرضا والبهجة والأمان والاستقرار والأمل والتفاؤل وهذا الشعور ينشط إفراز هرمون "إيمورتنين" ويحفز المخ على إفراز مادة «الغالسيوم» ومادة «الإنكفالين» ويحفز الغدة النخامية على صنع مواد تعرف باسم «الفاوبيتا أندروفين» وكلها هرمونات ربانية مهدئة تزيل التوتر والقلق وتشيع الحيوية والنشاط وتحافظ على سلامة الجسم، وتكسب البشرة نضارتها وشعر الرأس جماله، وتساعد على التكيف مع البيئة، والبحوث التجريبية إلى أن الإنسان في حالة الحب يكون ضغط دمه في الشرايين مثالياً مما يجنبه أمراض القلب والسكر والكلى التي تهدّْ الجسم وتعجل بالشيخوخة وتقصف العمر، والخلاصة أن مضادات الشيخوخة والمرض تسبح داخل أجسامنا وما علينا إلا أن نستحضرها وننشطها بالحب، ذلك الساحر العجيب.

أيضا حبوب اللقاح لما تحتويه من أسرار وأسرار لم يكشف عنها العلم حتى الآن النقاب، تستطيع أن تقى الإنسان من شرور هذه الشيخوخة المبكرة وكان أبوقراط يقول: "إذا أردت الاحتفاظ بشبابك, فعليك بتناول ملعقة من عسل النحل يومياً ". واستخدام حبوب اللقاح بصفة دائمة ومستمرة يزيل الشعور بالهرم والشيخوخة، ويشعر الإنسان بالنضوج، وهو بهذا يستمتع بالحياة وينشط لجنى ثمرات السنين الماضية.
ويمكن القول بأن خليطاً من عسل النحل وحبوب اللقاح والغذاء الملكي هو غذاء ضد الشيخوخة، حيث قد أعطى ذلك الخليط لعدد من الشيوخ تتراوح أعمارهم بين 65- 85 عاماً، وظهرت نتائج ايجابية عند 65% منهم في صورة زيادة الشهية وظهور الحيوية والسعادة، كما أصبح ضغط الدم طبيعياً وزال الإحساس بالتعب والإجهاد, ويعتقد الأطباء والباحثون أن تلك المادة تقوى وظائف الجسم وتزيد من مقدرة العمل اليدوي والذهني وتحسن المزاج العام، وتجعل عمليات تبادل المواد الغذائية طبيعية، وبالإضافة إلى ذلك فإنها تزيد من التفاعلات المناعية للجسم، وتقوى من الخواص الدفاعية لكرات الدم البيضاء.
د / خالد سعد النجار

Post: #88
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:14 PM
Parent: #87

تتعدد المواقف التي يجد فيها الزوجان أن لكل منهما رغبات واحتياجات لا تتفق مع ما يريده الطرف الآخر، وتواجه الحياة الزوجية أزمات حادة حين يصر كل طرف على ما يريد، كما أن فوز طرف وخسارة الآخر لا تعني مرور الأزمة بسلام، بل فقط تأجيل الانفجار لوقت لاحق, لشعور طرف بالغبن وتجاهل رغباته أو احتياجاته. لذا فلا غرابة أن نتحدث عن مهارات التفاوض والإقناع في الحياة الزوجية للوصول لأفضل الصيغ التي تحقق حلاً معقولاً للطرفين لتستمر الحياة بعدل وتوافق وانسجام.

أهمية التواصل الأسري
يلعب التواصل الأسري والتفاهم بين الزوجين دورًا حيويًا في تحفيز قدرات الإنسان على العمل وجعلها أكثر فعالية, ويخلق مقدمات ضرورية لحياة الإنسان الروحية, ويحدد روح الأسرة وأسلوبها والأدبيات المتبعة في التنشئة الاجتماعية للأطفال والمراهقين, كما يحمل في طياته السرور والسعادة.
ولكل أسرة خصوصية فريدة تميّزها عن غيرها, لكن خلق مناخ أسري يتوقف على وقت الفراغ، والمستوى الثقافي, والتواصل النفسي. وبمقدور الزوجين أن يرفع أحدهما من شأن الآخر أو يفعلا عكس ذلك, لذا فإن المساعدة على إزالة عيوبهما ونقائصهما تتوقف على مستوى ذكاء كل منهما وعلى المودة التي يكنها كلاهما للآخر.
ويشير (بيلنسكي) إلى أن الاحترام المتبادل للكرامة الإنسانية يولد المساواة، فعندما يسود الاحترام والتكافؤ جو الأسرة, يكف الزوج عن التصرف كالسيد المطلق ذي السلطة والصلاحيات التي لا تناقش ولا تعارض, ولا تبقى الزوجة أمة مغلوبة على أمرها, أما الأُسر التي تسيطر فيها علاقات الأنانية والاستبداد حيث لا احترام متبادل ولا مساواة ولا محبة .. من شأنه أن يهيئ الأرضية الخصبة لنشوء أشكال مختلفة من الصراعات والخلافات. وبهدف تجنب ذلك يتحتم على الزوجين أن يعرف كل منهما الآخر بشكل جيد, وسمات طبعهما ومزاجهما, وأن يدرك كل منهما أنه شخصية متباينة تماما عن شخصية الآخر بسماتها ومقوماتها وخلفيتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية .. عند ذلك يمكننا نزع فتيل الأزمات التي يمكن أن تعصف بكيان الأسرة وتماسكها.

لا فظاظة ولا خشونة
ينبغي دائما أن نرفع في بيوتنا شعار «لا فظاظة ولا خشونة», وليعلم الزوجان أن لا شيء يذبح سعادتهما مثل الجلافة والقسوة. فالحب الكبير والحنان والملاطفة والرقة والمعاملة الراقية مهمة جدًا لبناء علاقات أسرية سليمة.
كما ينبغي عدم التسرع في قذف الزوجين كل منهما الآخر بكلمات قاسية وفظة, بل على العكس يجب أن تستخدم قدر المستطاع كلمات حسنة وجميلة .. إن عبارات المديح والثناء مسألة مهمة جدًا وخصوصًا بالنسبة للزوج الشاب, لأنه أكثر صعوبة في التكيّف مع دوره كزوج مقارنة بالفتاة التي هي أقدر على التلاؤم مع دورها كزوجة, لذا يترتب على الزوجة الشابة أن تعمل على دفع زوجها ليصبح رب أسرة حقيقي بمدحه وتشجيعه وتعزيز تصرفاته الإيجابية، وليس عن طريق إصدار الأوامر والمواعظ والإرشادات التي تقتل لديه الرغبة في فعل شيء ما.
أيضا يجب عدم إطلاق بعض الاستنتاجات والتعميمات التي تتسم بالمغالاة والإطناب: (إنك لا تريد أن تفهمني أبدًا, إنك تتصرف دائمًا على النحو الذي تريده, طلبت منك ألف مرة, ..) فالزوج يمكن أن يخطئ - وكذلك الزوجة - في تصرف ما, فيسارع الآخر إلى إطلاق سيل من التعميمات القاطعة, واصفًا شريكه بالفشل، وهذا الموقف يمكن أن يجرح كرامته جرحًا عميقًا قد لا يندمل أبدًا.

ماذا تريد الزوجة ؟
الزوجة تريد من زوجها التفاعل مع مشكلاتها، وأن يهتم بمعاناتها، ويكون دائما موجودا بجانبها عندما تحتاجه، ويقدم لها الرعاية والحنان. ولا تحب أن تسمع منه النقد اللاذع المستمر مع كل صغيرة وكبيرة .. تريده أن يفرح لفرحها ويحزن لحزنها. لا يطيل السهر مع الأصدقاء ويتركها وحيدة، فتشعر بالألم عندما تتخيله يلهو ويضحك معهم وهي تسهر مع القلق والتوتر.

ماذا يريد الزوج ؟
يريد مشاعر رقيقة وكلمة حانية تستقبله الزوجة بها عند عودته من يوم العمل، ولا بأس بالعتاب الرقيق، لا بالتوبيخ والتجريح وكثرة الشكوى من متاعب البيت والأطفال وكثرة توجيه الأسئلة والإسراف المادي .. تهتم به وتحب أهله ولا تتضايق من زيارة أمه، والزوج يشعر بالزهو والفخر عندما يستخدم قدراته لإسعاد زوجته، وذلك بحل مشاكلها، لكنه قد ينفر منها عندما لا تستجيب له، ولا يوجد أي شيء يرضيها، هنا ستبدأ المشاكل ويقول في قرارة نفسه: النساء كافرات بالعشير .. يحاول جاهدا أن يرضيهن، ولكن دون جدوى.

ضوابط حسن الحوار
1 ـ أن يكون بقصد الوصول للمعلومة لا غير، فلو جاء بغير هذا القصد من رواسب النفس كالكبر أو العجب أو التشهير مثلاً .. أو جاء بقصد التسفيه والمغالطة لإثبات التفوق العلمي، أو بقصد التضليل أو الانتقاص من الآخرين .. أو أي قصد آخر غير الحقيقة موضوع الحوار، فإنه يلغي الحسن فيه، بل قد يحوله قبحاً.

2 ـ أن يكون المبادر بالحوار والمثير للتساؤلات يملك أسلوبا حسناً يتميز بمنهج منطقي يقود إلى النتيجة الضرورية للموضوع الذي اتخذه للحوار. وأن يتمتع بالصبر، وقدرة على استعمال الألفاظ المهذبة، والتجاوز عن هفوات محاوره، ويحاول مساعدته في التعبير عما يريد قوله.

3 ـ أن يسعى المتحاوران إلى ما يريدان إثباته بشكل مباشر وذلك باستبعاد الفرضيات الباطلة، وقطع المداخلات الجانبية ذات المآخذ البعيدة عن لب الموضوع.

4 ـ أن يرتب المحاور تساؤلاته في موضوع الحوار بما يؤدي إلى ما يريد إثباته خطوة فخطوة وبشكل مبين، ولا يعود لموضوع حسم فيه الحوار من تلك الخطوات، لأن ذلك يؤدي إلى التقليل من جاذبية الحوار ومتعته، بما فيه من ملل التكرار واللف والدوران.

5 ـ أن يكون له من حواره رقيب عليه ومرجع إليه يعترف به الطرف الآخر في الحوار، قد يتمثل بحقيقة ماثلة معروفة أو آية بينة أو سلطان علمي مبين، كشخصية علمية أو دليل معنوي شاخص.

6 ـ إذا علم أن الطرف الآخر جاد في الحوار وصادق في طلب الحقيقة، ولكن يجهل جوانب بيانها، فعليه أن يعاونه في إظهار تلك الجوانب، كأن يقول له أظن أن بيانها في المصدر كذا أو في الموضع كذا، فلنذهب ولنرى، ويطلعان عليه معا.

ومع كل هذه الضوابط المميزة للحوار الحسن، فإن من حسن التحاور أن يظهر المحاور لينا ومدارة كبيرة لمحاوره، ويتحاشى الحدة والانفعال والغضب لما فيها من قلة العقل والظهور بمظهر الضعف والقهر، فالمحاورة بذاتها فعالية عقلية تنافي الانفعال والحدة والغضب وما يرتقب منها.
د / خالد سعد النجار

Post: #89
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:16 PM
Parent: #88

البدانة .. كابوس يؤرق الزوجين
تؤكد دراسات واستبيانات عديدة في معظم أنحاء العالم أن الأزواج والزوجات معا يفضلون الرشاقة على البدانة، ومع ذلك تزداد نسبة السمنة بينهما، فيما يظل الزوج يطالب الزوجة برشاقة الغزلان بالمقابل يطلب دائما منها أطايب الطعام التي تصيبها وتصيبه بالسمنة، وقد بينت أحدث إحصائية أن نسبة العربيات البدينات تراوحت بين 42 - 68%، وهي نسبة تفوق معدل أربع دول في العالم خضعت للدراسة ولم تصل إلا إلى 60%

البدانة والصحة الإنجابية
السمنة المفرطة تحول مريضها إلى أسير لا يستطيع الاستمتاع بحياته أو علاقته الحميمة مع شريك عمره في كثير من الأحيان، فلقد كشفت دراسة طبية أنه من المحتمل جدا أن ينجب المراهقون والمراهقات الذين يعانون من البدانة عددا أقل من الأطفال عندما يصبحون بالغين. وأكدت الدراسة أن البدانة لها صلة بصعوبات الإنجاب بسبب علاقتها الوثيقة بمشكلات الخصوبة. فعلى سبيل المثال يمكن أن يكون للبدانة دورا كبيرا في الإصابة بتكيس المبايض، كما أنها تزيد من خطر عدد من مشكلات الحمل.
وتزيد البدانة من خطر الإصابة بضعف الانتصاب عند الرجل، وربما العقم أيضا ( زيادة 9 كجم في وزن الرجل تزيد احتمال إصابته بالعقم بنسبة 10% ). إضافة إلى أن الرجال الذين يعانون من البدانة المفرطة تقلّ لديهم نسبة هرمون الذكورة، بينما تزيد لديهم نسبة هرمون الأنوثة، ويحدث العكس لدى النساء، مما يتسبب في ضعف الرغبة الجنسية.

والسمنة غالبا ما تُسبب التهابات فطرية وانبعاث روائح كريهة من الجلد، وتلوّثاً في المناطق التناسلية ما يؤدي إلى تسلّخات والتهابات، وكلها عوامل تؤثّر على المعاشرة الزوجية، وقد تكون من أسباب فقدان الرغبة فيها كلية.
كما أظهرت دراسة جديدة أن فرصة الحمل لدى الزوجين البدينين أقل بكثير منها لدى الزوجين النحيفين. فلقد أجرى باحثون دنمركيون دراسة على 47835 من الأزواج والزوجات في الفترة بين سنة 1996 - 2002 لكشف أثر البدانة على الخصوبة لديهم، وأظهرت الدراسة أنه إذا كان كلا من الزوجين بدينان فإن احتمال انتظارهما لما يقارب من عام قبل حدوث حمل، وقد يزيد إلى ما يصل لثلاثة أضعاف المعدل لدى الأزواج ذوي الوزن العادي، فضلا أن السيدات البدينات اللاتي يتمكن من الحمل بالفعل يحتجن إلى المزيد من المعدات ومن طاقم العمل في المستشفيات بسبب زيادة المخاطر الناتجة عن مضاعفات الحمل لديهن كبدينات.

البدانة والصحة العامة
قال باحثون أمريكيون: إن البدانة من أكثر عوامل المخاطر المنفردة للإصابة بسرطان القولون لدى النساء. ووجد الباحثون أن النساء اللاتي أصبن بورم غير خبيث بالغشاء المخاطي في القولون - الذي يحتمل تحوله إلى سرطان - كن أكثر استعدادا للبدانة مقارنة بنظرائهن اللاتي لم يواجهن مثل هذه المشكلة. وخلصوا إلى أن البدانة هي أكثر عامل تنبؤ - مقارنة بالتدخين أو التاريخ العائلي - للإصابة بسرطان القولون. " فواحدة من بين كل خمس حالات إصابة ربما يمكن إرجاعها إلى البدانة ".

وإضافة إلى القائمة الطويلة للمشكلات الصحية التي تسببها البدانة عند الفتيات والشابات، أظهرت الدراسات الجديدة أن البدينات والمفرطات في الوزن أكثر عرضة من غيرهن للإصابة بأزمات الربو الحادة. حيث لاحظ الباحثون أن مشكلات الوزن كانت المسئولة عن ظهور 28% من حالات الربو الجديدة بين الفتيات والنساء في سن 9 - 26 عاما، ويعتقد العلماء أن السبب يرجع جزئيا إلى زيادة مستويات دهون الجسم عند النساء بعد فترة البلوغ، أو بسبب دور الهرمونات الجنسية الأنثوية.
بل إن مشكلة البدانة امتدت إلى أطفال النساء البدينات إذ تزيد فرص إصابتهم بتشوهات وإعاقات خلقية (سبعة من بين كل 16 من الإعاقات الخلقية كانت من نصيب أبناء الأمهات البدينات) ومن بين هذه الإعاقات الخلقية: مشكلات في القلب، وخلل في نمو النخاع الشوكي ينتج عنه مشكلات في الحركة، وغيرها من الإعاقات التي تصل في بعض الأحيان إلى اندثار الأطراف.

الزوج قد يكون السبب
يقول أخصائي أمراض جهاز المناعة د . جاكوب تيتيلبوم : " يعمل هرمون الكورتيزون في الحالات العادية على تعزيز جهاز المناعة، إلا أن مستوى إفرازه يزداد في الجسم حينما يتعرض المرء إلى الضغوطات النفسية، مما يؤدي بدوره إلى انخفاض في إنتاج الأجسام المضادة داخل الجسم فيضعف جهاز المناعة؛ كما أن زيادة إفراز هذا الهرمون قد تقود إلى زيادة الوزن، ولذلك فإن الزوج البغيض قد يكون سبباً مباشراً في مرض زوجته وزيادة وزنها".
يذكر أن رفض الأزواج لممارسة زوجاتهم للرياضة أو الخروج لممارسة أي نشاط لتخفيف الوزن يشكل عائقا رئيسا، إلى جانب عدم وجود أندية اقتصادية تذهب إليها الزوجات خاصة مع ارتفاع رسوم الاشتراك في الأندية التجارية.
كما أن التزامات الزوجة المنزلية تقلل من دوافعها لتخفيف وزنها، ويزيد من قوة هذا العائق عدم تحمل الرجل للمسؤولية داخل المنزل، فكثيرا ما يرفض الأزواج مساعدة زوجاتهم بمراقبة الأبناء – مثلا - في المنزل لفترة محدودة تستطيع فيها الزوجة
ممارسة الرياضة.

أيضا يلعب الطلاق والعنوسة دورا رئيسيا في ارتفاع نسبة السمنة لدى النساء، فقد ثبت علمياً أن الإحساس بالملل أو الفشل يزيدان من التوجه إلى الطعام كتعويض لا شعوري عن الكبت النفسي والعاطفي، لأن للطعام بحد ذاته لذّة تقطع حبل التوتر لدى المرأة، وأبحاث أخرى تقول إن في الشيكولاته مادة تزيل الكآبة وتبعث على السعادة.
ولا ننسى تأثير وسائل الإعلام والإعلان التي تروج لمستحضراتها الخاصة بالتجميل وتخفيف الوزن بالاستعانة بعارضات رشيقات، وتقدمهن على أنهن النموذج الذي يجب أن يحتذي به. وقد تطيق الزوجة البدينة كل هذه الاستفزازات، إلا عبارة سخرية تخرج من فم زوجها، تأخذ بجسدها المثقل - بالدهون والهموم - عالياً وتلقيه أرضاً دفعة واحدة.

الزواج برئ
ظاهرة البدانة تنتشر بوضوح بين الزوجات العربيات، ويرجع السبب في أن الفتاة في مجتمعنا تهتم برشاقتها جدا قبل الزواج، وتتبع نظاما غذائيا صحيا وتمارس الرياضة، لكنها بعد الزواج وإنجاب الطفل الأول تهمل نفسها، وغالبا ما تترك عملها وتستقر في البيت وما يترافق مع هذا من قلة الحركة، فضلا عن أنها تطلق العنان لشهيتها - خاصة وأن الزواج يواكبه الاستقرار النفسي والتفنن في إعداد الأطباق الشهية للزوج الحبيب - فيزداد وزنها بشكل كبير، حتى تجد نفسها مضطرة لأن تخوض رحلة البحث عن وسيلة للتخلص من هذه الزيادة .. مرة لدى العطارين ومرة بإجراء عمليات شفط الدهون المتراكمة.
لكن المرأة الذكية هي التي لا تترك مسؤوليات عملها واهتمامها بأولادها وزوجها وبيتها تطغى على الاهتمام بنفسها ووزنها.
د/ خالد سعد النجار

Post: #90
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 07:19 PM
Parent: #89

في تكوين الإنسان دافع أصيل بأن تكون له أشياء تخصه، وهذا الدافع له وظيفة إيجابية في السلوك حين يكون في حدوده المعقولة، ويقوِّم هذا الدافع قيم دينية وأعراف وقوانين حتى لا تحدث تعديات أو تجاوزات من أي فرد على ملكية غيره، وإذا حدث هذا التعدي فهو يعتبر ذنبا في الاصطلاح الديني، يعاقب عليه الله تعالى، كما يعتبر جرما في الاصطلاح القانوني يعاقب عليه المجتمع.
ويظهر هذا الدافع الفطري بصورة تلقائية لدى الطفل في نهاية السنة الأولى من عمره، ويكبر معه تدريجيا، فيعرف أن هذه ملابسه، وهذه لعبه، ويحرص على أن تكون له وحده دون غيره. ويبدأ من نهاية السنة الأولى بالتمسك بملكيته لأشيائه الخاصة، ويمنع الآخرين من أخذها، وإذا حدث أن سلبه أحد شيئا من أغراضه فإنه يبكي ويضرب الأرض بيديه ورجليه محاولا استردادها.

ومع هذا فإن حدود الملكية لا تكون واضحة لدى الطفل في سنوات عمره الأولى، فهو يريد أن يمتلك أي شيء يعجبه، ويستعين بوالديه للحصول على الأشياء التي يحبها ولا يستطيع الحصول عليها بنفسه، فإذا كبر قليلا وأصبح -هو نفسه- قادرا على أخذها فإنه لا يتردد في ذلك؛ إذ ليس عنده سبب يمنعه من أن يأخذ ما يحبه.
وهنا يأتي دور التربية الأسرية التي تعلم الطفل بأسلوب بسيط يستوعبه عقله الصغير بأن هناك أشياء تخصه وهناك أشياء تخص غيره كإخوته مثلا، ولا يصح أن يأخذ ملابس أخيه أو أخته أو لعبهما، وهم أيضا لن يأخذوا منه شيئا يخصه، وهنا يبدأ أول دروس حدود الملكية والأمانة. ولكي يتم ترسيخ هذه القيم في عقل الطفل ووجدانه يجب أن يكون له سريره ودولابه وملابسه ولعبه الخاصة التي لا يشاركه فيها أحد.

وفي الوقت نفسه الذي يتعلم فيه الطفل معنى «الملكية» يجب أن يتعلم أن هناك شيئا اسمه «الاستئذان» فإذا أحب -مثلا- أن يلعب لبعض الوقت بلعبة أخيه، فيمكنه ذلك بعد أن يستأذن أخاه، ثم نعلمه أن هناك شيئا عظيما اسمه «الإيثار» وذلك بأن يعطي لأخيه بعض لعبه ليلعب بها بعض الوقت، وأن هناك خلقا عظيما اسمه «الأمانة» وهى عدم التعدي على أشياء إخوته أو أبيه وأمه أو رفاقه، وأن الله تعالى الذي خلقه وأحبه ومنحه والديه وكل شيء في حياته، يحب هذه الأمانة، ويكره أن يأخذ أحد شيئا ليس من حقه، وأنه يراه سبحانه حين يفعل ذلك، حتى لو لم يره أحد من البشر، وهكذا تكون هناك فرصة في سن مبكرة لإرساء هذه القواعد المهمة والأصيلة بشكل مبسط في سلوك الطفل، أما إذا فشلت هذه العملية التربوية فإننا قد نواجه مشكلات كثيرة ربما يصعب حلها في السن الأكبر.

عوامل وراء سرقة الأطفال
• العلاقة الجافَّة بين الطفل ووالديه والتي تأتي نتيجة عدم إشباع حاجته من الحُبِّ والحنان، أو لتعرُّضِه للعقوبة القاسية، أو لِشَدَّتِهما في التعامل معه في المرحلة الأولى من عمره، أو لعدم تعزيز شعوره بالاستقلال في المرحلة الثانية من عمره .. كلها عوامل تدفع بالطفل في كثير من الأحيان إلى السرقة كفعل انتقامي.

• قد يسرق الطفل الذي يعيش في جو أسري متقلب ومضطرب، تنعدم فيه الرقابة الأسرية، أو في أسرة متصدعة اجتماعياً، مهتزة القيم، أو مستواها الاقتصادي منخفض لا تلبي احتياجاته الأساسية من مأكل وملبس.

• يمارس بعض الآباء مع أطفالهم ما يسمى بالتدليل المفرط، حيث تلبى جميع رغبات الطفل على الفور، وبدون مناقشته في مدى احتياجه لها، مما يؤدي إلى غرس نوع من الأنانية وحب التملك في نفسيته، وعدم القدرة على الانتظار والصبر، أو تحمل الإحباط، فيلجأ للسرقة كأسهل حل للحصول على ما يريد.

• قد يسرق الطفل تقليدا لبعض الزملاء في المدرسة، بدون أن يفهم عاقبة ما يفعل، أو لأنه نشأ في بيئة إجرامية عودته على السرقة والاعتداء على ملكية الغير، حيث تشعره السرقة بنوع من القوة والانتصار وتقدير الذات.

• إصابة الطفل بمرض نفسي أو عقلي أو بسبب كونه يعانى من الضعف العقلي وانخفاض الذكاء، مما يجعله سهل الوقوع تحت سيطرة أولاد أكبر منه قد يوجهونه نحو السرقة، فالطفل المتخلف عقليا لا يدرك ما له وما عليه لقصور قدراته العقلية، فطفل في العاشرة ( العمر الزمني) وعمره العقلي (في الثالثة) تجده يسرق أغراض غيره لأنه لا يدرك معنى السرقة شأنه شأن الطفل ذي الثلاث سنوات.

• السرقة كنوع من حب المغامرة والاستطلاع: فقد نرى بعض الأطفال ينتظرون غياب حارس الحديقة للسطو على بعض من ثمارها، وقد لا تكفي لإشباع طيراً صغيرا، إلا أن دافع السرقة هنا ليس الجوع والحرمان ولكنه حب الاستطلاع والمخاطرة وروح المغامرة، بل قد يسرق الطفل - تحت هذا الدافع - طعاماً لم يره من قبل ولم يتذوقه.

• السرقة نتيجة الكراهية والعدوانية ضد الآخرين، كالطفل الذي يسرق من معلمه في المدرسة، لأنه يضربه أو يهينه بين زملائه، أو أن يسرق من زميله في الفصل، لأنه أفضل منه دراسياً.

• الخوف من العقاب والتخلص من مأزق: في بعض الأحيان يفقد الطفل إحدى لعبه وهو يلعب مع زملائه خارج المنزل فيخشى من إخبار والديه بذلك خوفًا من عقابهما، وللتخلص من هذا المأزق يلجأ الطفل لسرقة اللعبة من أحد زملائه أو يسرق نقودا من والديه ليشتري لعبة أخرى لإخفاء فعلته واتقاء لعقاب الأسرة.

انتبه لطفلك
السرقة أحدى العادات السلوكية السيئة المكتسبة التي لا ترجع إلى أية دوافع فطرية، فهي إذا ليست غريزة حتمية، وبالتالي يمكن تجنبها والتخلص منا نهائيا، فلا بد من دراسة الدوافع التي دفعت الطفل إلى السرقة، وهل السرقة عابرة أم متكررة ؟ .... وإذا استطعنا تحديد السبب سهل علينا بإذن الله تعالى معالجة المشكلة، مع الأخذ في الاعتبار التوجيهات التالية:
• الطفل دوما لا يسرق من أحد يحبه، فمشاعر الحب والحنان الأبوي للطفل بلسم يعالج الكثير من مشاكله السلوكية.

• عند اكتشاف سرقة الطفل لا ينبغي تهوين الذنب أو إخفائه حماية للطفل أو لسمعة أهله، بل ينبغي مواجهة الطفل بحزم وقوة، ولا نقصد بذلك القسوة والعنف معه، بل يكفي أن يفهم الطفل أن هذا العمل غير صحيح وغير مسموح به، ولابُدَّ من إرجاع ما أخذه إلى أصحابه والاعتذار منهم.

• لا بد أن يتعود الطفل قاعدة هامة أنه «من أتلف شيئًا فعليه إصلاحه» فإن سرق شيئًا لابد أن يرد هذا الشيء المسروق من مصروفه، ويخصم جزء من مصروفه لسداد ثمنه.

• عدم إذلال الطفل السارق، بل نشجعه على مواجهة المشكلة في صراحة وجلاء، لأنَّ تصرّفات الإذلال والتعيير قد تدفع الطفل إلى السرقة وبشكل أضخم من الأول، أيضا لا نبالغ في العقوبة بحرمان الطفل كل ما يريد، بل نكون مرنين حسبما يتطلب الأمر.

• على المربين والآباء أن يغرسوا في نفوس أبنائهم عقيدة المراقبة لله تعالى والخشية منه، وفضيلة «الأمانة» وأن يعرفوهم بالنتائج الوخيمة التي تنجم عن السرقة، حيث تستفحل بسببها سلوكيات الغش والخيانة، وأن يبصروهم بما أعد الله للمجرمين من مصير فاضح في الدنيا وعذاب أليم يوم القيامة.


• حين تصبح السرقة سلوكا متكررا ومزمنا لدى الطفل، وحين تفشل جهود الوالدين لاحتوائه.. هنا يجب عرض الطفل على طبيب نفسي لدراسة الحالة واكتشاف الاضطرابات المرضية أو المشكلات التربوية الكامنة خلف هذا السلوك، وربما يحتاج الأمر إلى إجراء بعض الاختبارات النفسية كاختبارات الذكاء والاختبارات النفسية التي تقيس درجات القلق أو الاكتئاب أو العدوان، والعلاج ربما يكون في صورة إعطاء بعض الأدوية المناسبة، أو في صورة علاج نفسي فردي أو علاج سلوكي أو علاج عائلي، حسب مقتضيات الحالة.
د / خالد سعد النجار

Post: #91
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 10:32 PM
Parent: #90

تلعب المشاحنات بين الزوجين، والحمل والولادة، وعدم مبالاة الزوجة، واهتمامها المفرط بأولادها .. تلعب دوراً كبيراً في دفع الزوج للتغير. حيث يصل الزوج إلى قناعة أن زوجته بعد أن حملت وأنجبت وتحملت المسئوليات لم تعد كما كانت من قبل، وأنه لم يعد يجد منها الاهتمام والحظوة التي كانت في بدايات الزواج. وربما كانت الزوجة هي المسئولة عن ذلك التغير بتحول كل اهتمامها لأطفالها وبيتها وإهمال زوجها، وكلما التفت الزوج نحوها وجدها قليلة الاعتناء بنفسها مشغولة بأبنائها وبيتها، وبالتالي يشعر أنه أصبح في مرحلة متأخرة من اهتمامها، وأن الأطفال والبيت أصبحوا محور حياتها، فيولي وجهه خارج المنزل بحثا عن أصدقاء يسدون الفراغ الذي في حياته.

من الزوجات من يمثل الزواج لديها قيمة حقيقية وهدفا ساميا، وبالتالي فإن قدرا كبيرا من الاستقرار يشمل حياتها لمجرد أنها أصبحت زوجة، وهذا يحقق لها إرضاء نفسيا وسعادة حقيقية، ولهذا قد تسترخي إلي الحد الذي قد يبدو في عين الزوج أنه تغير وإهمال وعدم عناية، بينما في حقيقة الأمر هو ليس إهمالا عن عمد ولكنه قدر عال من الطمأنينة، أي ضمان ثبات العلاقة واستقرارها حيث لا يصبح هناك ضرورة للمظاهر الشكلية البراقة ولا حاجة أيضا إلي الإبهار بالعناية بمظهرها ووزنها وأناقتها.
فإذا كانت الزوجة حسنة النية ويقابلها زوج يحمل نفس المشاعر ــ وبالتالي نفس المفاهيم ــ فإنه لن يتذمر من هذا التغير الشكلي، أما إذا كان رجلا سطحيا فإنه سوف يعتبر ذلك إهمالا متعمدا أو نقصا في المشاعر، فيقابل ذلك بالتذمر والشكوى، والأخطر أنه قد يجد لنفسه المبرر للانفلات.

وهناك زوجة أخري ينطفئ وهجها بعد الزواج، وخاصة إذا كانت بذلت مجهودا للحصول علي زوج، فبعد الزواج يصيبها الفتور العاطفي ويتراجع اهتمامها بكل ما يتعلق بقضية الزواج، من اهتمام بالزوج واهتمام بالحياة الزوجية ذاتها ومدي حرصها علي استقرار العلاقة واستمرارها، وهنا لا يكون الأمر شكليا فقط ولكن تتضح نيتها أو اهتماماتها المادية البحتة، أو تقديمها لنفسها على زوجها، أو نرجسيتها، أو تأتي احتياجات زوجها في المرتبة الأخيرة، وهذا يعني في البداية أن الزواج لا يمثل قيمة كبري أو هدفا حقيقيا في حياتها، والزوج قد يستجيب لهذا التغير في شخصية الزوجة إما بالاستسلام أو برد الفعل الحاد الذي قد يهدد العلاقة الزوجية بالانهيار.
وقد تتكشف أشياء عن الزوجة كانت خافية علي الزوج قبل الزواج واستطاعت الزوجة أن تخفيها ويفاجأ بها الزوج بعد الزواج، ويبدو الأمر علي أنه تغير حدث في الشخصية، كالمرأة العصبية والعدوانية والغيورة والأنانية والمادية والنرجسية والأهم من ذلك المرأة غير الملتزمة دينيا.
وقد تمثل هموم الأسرة ومسئولية البيت عبئا ثقيلا على بعض الزوجات بالقدر الذي لا تتفرغ فيه لباقي اهتماماتها وخاصة المتعلقة بالزوج، وهذه ليست ظاهرة طبيعية ولها سبب علمي يعود إلى شخصية المرأة وأسلوب نشأتها، فنحن لم نرب أطفالنا على أشياء مهمة منها: حسن استغلال الوقت، وتقسيمه بين المسئوليات المطلوبة منهم مثل المذاكرة، وممارسة الرياضة، والمساعدة في أعمال البيت؛ حتى تستطيع المرأة بعد الزواج تقسيم وقتها بين عملها وبيتها وزوجها وأولادها فلا تجور مسئولية على حساب الأخرى.
كما يعتبر تدريب الفتيات منذ الصغر على أعمال البيت تدريبا تدريجيا لهن على تحمل مسئولية بيوتهن بعد الزواج، وبالتالي تستطيع القيام بواجبها دون التقصير فيه أو في حق الزوج والأبناء.

أيضا نجد أن تعليم الأولاد المشاركة والتعاون في أعمال المنزل يشجعهم على معاونة ومساعدة زوجاتهم أو على الأقل الاعتراف بالمجهود الذي تبذله الزوجة في أعمال البيت. ولا ننكر أن مسئولية البيت والأولاد الملقاة على عاتق الزوجة كبيرة وثقيلة -خاصة إذا كانت الفتاة لم تتعود دخول المطبخ أو الأعمال المنزلية سابقا- ويزداد ثقلها بعدم تعاون الزوج معها أو على الأقل تشجيعها بكلمات تحمل معنى الحب والاعتراف بمجهودها لتعطيها الدافع للاستمرار في العطاء دون كلل أو ملل.
وإذا حدث العكس .. أي قامت الزوجة بمسئوليتها تجاه بيتها وأولادها، ولم تجد الزوج المتعاون معها بدا عليها علامات التغير، المتمثل في إهمالها لمظهرها وعملها وأحيانا بيتها وزوجها، ويظهر نتيجة التغير نفسيا وجسمانيا.
- نفسيا: أي ليس لديها الدافع للاهتمام بهندامها ورشاقتها ما دام أنها في كل الأحوال لا تعجب زوجها، ولا تسمع منة كلمة إعجاب أو ثناء على أي عمل تقوم به.
- جسمانيا: متمثلا في الإرهاق البدني والشكوى من الآلام المتنوعة بالجسم.

ويؤكد علماء النفس أن التغير في شخصية الزوجة عموما يختلف حسب موقفها من الزواج وقدرتها علي التكيف مع الطرف الآخر، فإذا كانت حريصة علي زواجها فإنها ستبذل كل جهد لتكون بالصورة التي يحبها عليها زوجها، أما إذا كانت غير حريصة بالقدر الكافي فإنها ستكون لا مبالية ولن تبذل جهدا في الحفاظ علي صورتها وهيئتها.
إن التغير الطبيعي في شخصية المرأة بعد الزواج يجب أن يكون في اتجاه أنها أصبحت اثنين وليس شخصا واحدا، وامتزاج شخصيتها مع شخصية الطرف الآخر، وهذا يمنحها قوة في مواجهة مشاكل الحياة بأنانية أقل وتسامح أكبر ورضا أعمق، وكل هذا يتوقف علي ذكاء حواء‏,‏ فحين ترضي الزوجة الجديدة عن حياتها فسرعان ما تبدأ مرحلة جديدة لبلورة شخصيتها التي ستقود بها البيت، فتتنازل عن آرائها المتعصبة لتوائم حياتها، والأكثر من ذلك أنها تضطر لتغيير عاداتها، بل وصداقاتها إذا كانت لا ترضي الزوج منعا للمشاكل والخلافات، وقد تجد الزوجة أن لها أخلاقا وصفاتاً وطباعا يكرهها الزوج: كالتدخل في شئون الآخرين أو حب التملك والسيطرة وكراهية هواياته أو أصدقائه، فتبدأ في محاولة المسالمة لتقريب التفاهم مع زوجها، وقد يأخذ هذا بعض الوقت‏.

ومغالبة ما تعودت عليه الزوجة سنوات طويلة يحتاج إلي صبر، حتى يتم تقويم الصفات التي تجعلها في أحسن صورة كما يتمناها الزوج. ففترة الفتاة الحالمة كان لها مذاقها وذكرياتها، لكن الواقع يفرض نفسه علي حياتها فلا تنطوي علي نفسها وتصر علي عدم التغيير، حتى لا تندم علي نهاية حياتها الجديدة سريعا بحجة الكرامة والإصرار علي عدم مواءمة مناخها بمناخ زوجها‏.‏
د / خالد سعد النجار

Post: #92
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 10:34 PM
Parent: #91

رائحة الفم الكريهة أو ما يعرف بـ «بخر الفم» حالة مرضية تهم كل إنسان، فهي تؤثر على علاقات الفرد الاجتماعية والمهنية، وطالما فرقت بين الأزواج والزوجات، ففي الولايات المتحدة الأمريكية مابين 50 - 80 مليون شخص يعانون من الرائحة المنبعثة من الفم، وتنفق أمريكا وحدها 850 مليون دولاراً كل سنة لغسول الفم أو لمزيلات الرائحة بطعم النعناع أو بخاخات الفم.
وبالرغم من أنَّ الفم مدخل لأنواع مختلفة من المأكولات والمشروبات، وبالرغم من كونه مدخل الهواء ومخرج النفس، إلا أنَّ الله سبحانه وتعالى زوَّده باللعاب واللسان اللذين يقومان بعملية التنظيف الذاتية وإخراج النفايات العالقة بالأسنان وغسل الفم بالكمية المطلوبة من اللعاب، نتيجة لهذا التناغم من إبداع الخالق فإنَّ رائحة الفم تكون عادة لا تكاد تشمّ، شأنها شأن الكثير من الروائح المختزنة داخل الجسم (الدم، البراز، والبول) التي لا تفوح إلى الخارج.

اختبر نفسك
تتنوع رائحة الفم بتنوع الأسباب المسببة لها، وأهم هذه الروائح:
«رائحة تعفن» تتكون أساسا نتيجة عدم الاعتناء بنظافة الفم والأسنان.
«رائحة حموضة» وجود هذه الرائحة في الفم غالباً ما يدلُّ على أنَّ هناك خللا ما في المعدة، أو نقص كمية اللعاب كما في بعض الحالات المرضية.
«رائحة شبيهة برائحة السمك» وهي غالباً تدل على وجود خلل شديد في الكبد لعدم تمكنه من التخلص من السموم الطيارة التي تنطرح عن طريق الرئة بواسطة هواء الزفير.
«رائحة شبيهة برائحة الأسيتون أو طلاء الأظافر» تظهر غالباً عند الإصابة بمرض السكـــر.
«رائحة تشبه رائحة البول» تظهر في حالات الفشل الكلوي.

وبما أنه لا يستطيع أحدنا أن يكشف وحده عما إذا كان عنده بخر فم أم لا ، فإليك طرقا بسيطة لتختبر نفسك:
ـ أولا: تؤخذ قطعة من الخيط السني ويمرر بين الأسنان الخلفية العلوية والسفلية .. انتظر لمدة 45 ثانية ثم شمها ولاحظ رائحتها.
ـ الاختبار الثاني: تؤخذ قطعة من القماش ثم تقشط وتمسح أبعد نقطة تصلها في اللسان ثم مرة ثانية انتظر 45 ثانية وشمها.
ـ الاختبار الثالث: العق رسغك النظيف ثم انتظر برهة ثم شمها .. هذا الاختبار يمكن أن يعطيك فكرة سريعة وقريبة إلى حد ما من الواقع.

أشهر الأسباب
• إهمال نظافة الفم والعناية به: 75% من حالات البخر سببها عدم مراعاة القواعد الصحية الواجب اتباعها في الاعتناء بنظافة الفم والأسنان، والمفتاح لفهم سوء الرائحة هو مركبات الكبريت الطيارة التي تنتج من تفكيك الأحماض الأمينية بفعل نوع من البكتيريا المحللة تتواجد بالفم، علما بأن عمليات التفكيك هذه تحدث على نطاق ضيق في الحالات الطبيعية ولا تؤدي إلى انبعاث الرائحة الكريهة. لكن إهمال تنظيف الفم، لاسيما بعد تناول الأطعمة الغنية بالبروتينات، يعطي تلك البكتيريا كمية كبيرة من الغذاء وبالتالي يزداد نشاطها التحليلي.
ويزيد من سرعة التخمر وجود القلح، وهو تلك الرواسب التي تشبه الجبس حول الأسنان. ذات لون أصفر مسمر وتكون مليئة بالجراثيم، حيث تجد الجراثيم في هذه الأفواه الملجأ الأمين والشروط الحسنة من غذاء وحرارة مناسبة.
ومما هو جدير بالذكر أن جفاف الفم يزيد من رائحته، لذلك نجد الذين يتنفسون من أفواههم أكثر تعرضا لبخر الفم، كما أن تقدم العمر قد يسبب رائحة الفم خاصة مع إهمال النظافة.

• من أهم الأسباب الأخرى: التهابات اللثة، أطقم الأسنان الصناعية، بعد العمليات الجراحية بالفم لتعطل عملية مضغ الطعام العادية.
• التهاب اللوزتين: وهو من أكثر الأسباب شيوعاً، حيث تتجمع في جيوب اللوزتين الملتهبتين رواسب ومواد صديدية تجعل رائحة الفم نفاذة جداً.

• التهاب الأنف والجيوب الأنفية: والتي قد تؤدي إلى ضمور الغشاء المخاطي فيه مما يسبب رائحة نفاذة لا تطاق، كما أن الالتهابات الصديدية المزمنة التي تصيب الجيوب الأنفية تسبب نفس الرائحة الكريهة. وهناك العديد من أمراض الجهاز التنفسي أيضا تساهم بدرجات متفاوتة في بخر الفم أهمها التهاب الشعب الهوائية حيث تفقد الشعب الهوائية ليونتها وتمتلئ بالسوائل التي تبقى في حالة ركود، فتنبعث منها رائحة كريهة.

• أكل البصل أو الثوم: فالزيوت الطيارة التي يحتويها البصل أو الثوم تسبب الرائحة الكريهة عقب أكلهما، وتمتص من القناة الهضمية بواسطة الدم ومن ثم تخرج من الفم في هواء الزفير عن طريق الرئتين.

• التدخين: آثار التدخين على الغشاء المخاطي تلاحظ عند المدخنين بصورة شديدة، فيحدث في البداية التهاب الغشاء المخاطي، ويزداد التقرن، وتتضخم الغدد المخاطية في الجزء الخلفي لقبة الحنك، ويمكن أن تنسد أقنيتها المفرغة، ويمكن أن يحدث تقرح وضمور في الحلميات الموجودة على اللسان، وليس هذا مبلغ ضرر الدخان فحسب، وإنما تلك الحالة من بخر الفم التي يشعر بها كل من يقترب من المدخن وتؤدي إلى النفور منه فضلا على تلون الأسنان باللون الأصفر المقزز.

• عسر الهضم: إن عسر الهضم قد يحدث ثقل في المعدة وغثيان ورائحة كريهة لا تطاق تصدر من الفم

أساليب المعالجة
ينحصر العلاج بشكل رئيسي في إزالة المسبب, فإذا كانت الأسباب طبية عامة كأمراض الدم والسكر والرئة فلابد من معالجة هذه الأمراض.
أما الرائحة الناجمة عن أسباب فموية فالمعالجة تعطي نتائج فعالة، وغالبا ما يشفى بالاعتناء بالصحة الفموية، والطريقة الأساسية لتنظيف الأسنان هي تفريشها بالفرشاة والمعجون الذي يحتوي على مادة الفلورايد، واستخدام الخيط السني للتنظيف بين الأسنان مرة أو مرتين في اليوم، ويعتبر استخدام المقشط من الطرق التي تؤدي إلى التخلص من رائحة الفم الكريهة. تقوم فكرة المقشط على إزالة بكتيريا الفم، وخصوصاً المركبات البكتيرية التي تسبب الرائحة الكريهة، والتي تعشش في اللسان، وبصورة خاصة في مؤخرته التي يصعب الوصول إليها.
«المقشط» هو شريط بلاستيكي رفيع وطويل، له حافة مسننة مصممة لتنزلق على اللسان لجرف البكتيريا، ويكفي سحبه إلى الأمام والوراء مرة واحدة أو مرتين في اليوم لصيد البكتيريا ومنعها من التكاثر.

طبيب الأسنان يمكن أن يعالج الأنسجة المريضة والأسنان التالفة، ويقاوم العوامل السيئة التي تسبب تجمع فضلات الطعام.
ويجب اللجوء إلى استعمال غسولات فموية ولاسيما تلك الحاوية على عوامل مضادة للجراثيم فهي تزيل رائحة الفم المزعجة لمدة لا تقل عن ساعتين، وهو إنقاص مؤقت للنفس الكريه.
أما «مضادات البخر» فهي كثيرة، وتقوم بتأثير كيميائي أو ميكانيكي لتعديل التفاعلات الكيماوية الناتجة عن تفسخ واختمار بقايا الطعام فيما بين الأسنان وضمن النخور السيئة والمناطق الالتهابية في اللثة، ومن هذه الأدوية المواد المؤكسدة، والمواد الماصة كالفحم والكلوروفيل، والحموض، والمواد التي تحرر الكلور، ومن أشهر المواد المؤكسد (الماء الاكسجيني) فمحلوله المائي بنسبة 3% يؤثر موضعيا على الجراثيم .. يستعمل في مكافحة البخر، وفي التهابات الفم واللثة المختلفة.

ومن المواد الماصة، الكلوروفيل ويوجد في النباتات الخضراء مثل الخس والسبانخ، ويتدخل الكلوروفيل في الأكسدة فينشط الخلايا الحية مما يساعد على سرعة التئام الجروح والتقرحات، ويعدل الأجسام الأجنبية التي تعتبر سببا لرائحة الفم.
وأخير لابد أن ننوه إلى أن جفاف الفم سبب مهم للرائحة الكريهة لذلك يفضل الإكثار من تناول الماء ومضغ اللبان لأنه ينشط إفراز الغدد اللعابية، وهناك أنواع جيدة من العلك تحافظ على نكهتها مدة طويلة.
د. خالد سعد النجار

Post: #93
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 10:35 PM
Parent: #92

الزوج في الحياة الأسرية هو محور ثباتها ومركز فلكها وقدوة أفرادها، ولذلك أسند الله تعالى مهمة القوامة إليه، فقال جل شأنه: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}[البقرة:228] والدرجة ما يرتقى عليه في سلم أو نحوه، وصيغت بوزن فعلة من درج إذا انتقل على بطء ومهل، يقال: درج الصبي، إذا ابتدأ في المشي، وهي هنا استعارة للرفعة المكنَّى بها عن الزيادة في الفضيلة الحقوقية، وذلك أنه تقرر تشبيه المزية في الفضل بالعلو والارتفاع، فتبع ذلك تشبيه الأفضلية بزيادة الدرجات في سير الصاعد، لأن بزيادتها زيادة الارتفاع، ويسمون الدرجة إذا نزل منها النازل: «دركة» لأنه يدرك بها المكان النازل إليه.[التحرير والتنوير:2/401] والمعنى: أي وللرجال على النساء منزلة زائدة من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف والقِوامة على البيت وملك الطلاق.[التفسير الميسر]

وقال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}[النساء:34] وقوّام: صفة مبالغة، وهو الذي يقوم بالأمر ويحفظه، مشتقّة من القيام المجازي الذي هو مجاز مرسل أو استعارة تمثيلية، لأنّ شأن الذي يهتمّ بالأمر ويعتني به أن يقف ليدير أمره، فأطلق على الاهتمام القيامُ بعلاقة اللزوم، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها، وفي الحديث: «أنت قيوم السموات والأرض ومن فيهن» ، والباء في بما للسبب، وما مصدرية أي: بتفضيل الله. وقيام الرجال على النساء هو قيام الحفظ والدفاع، وقيام الاكتساب والإنتاج المالي، ولذلك قال: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} فجيء بصيغة الماضي للإيماء إلى أنّ ذلك أمر قد تقرّر في المجتمعات الإنسانية منذ القدم، فالرجال هم العائلون لنساء العائلة من أزواج وبنات. وأضيفت الأموال إلى ضمير الرجال لأنّ الاكتساب من شأن الرجال، فقد كان في عصور البداوة بالصيد وبالغارة وبالغنائم والحرث، وذلك من عمل الرجال، وزاد اكتساب الرجال في عصور الحضارة بالغرس والتجارة والإجارَة والأبنية، ونحو ذلك، وهذه حجّة خطابية لأنّها ترجع إلى مصطلَح غالب البشر، لاسيما العرب. ويَنْدُر أن تتولّى النساء مساعي من الاكتساب، لكن ذلك نادر بالنسبة إلى عمل الرجل مثل استئجار الظئر نفسَها وتنمية المرأة مالاً ورثتْه من قرابتها [تفسير البحر المحيط:3/193 وغيره]
قال القرطبي: فهم الجمهور من قوله تعالى: {وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، أنه متى عجز عن نفقتها لم يكن قواماً عليها، وإذا لم يكن قواماً عليها كان لها فسخ العقد لزوال المعقود الذي شرع لأجله النكاح. وفيه دلالة واضحة من هذا الوجه على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة، وهو مذهب مالك والشافعي.[الجامع لأحكام القرآن:5/169]
وقال الشنقيطي: وإذا علمت ذلك فاعلم: أنه لما كانت الحكمة البالغة، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقوماً عليه من قبل القوي الكامل، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزماً بالإنفاق على نسائه، والقيام بجميع لوازِمهن في الحياة. كما قال تعالى: {وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [أضواء البيان:3/26]
إن هذا النص - في سبيل تنظيم المؤسسة الزوجية وتوضيح الاختصاصات التنظيمية فيها لمنع الاحتكاك فيها بين أفرادها، بردهم جميعاً إلى حكم الله لا حكم الهوى والانفعالات والشخصيات- يحدد أن القوامة في هذه المؤسسة للرجل؛ ويذكر من أسباب هذه القوامة: تفضيل الله للرجل بمقومات القوامة، وما تتطلبه من خصائص ودربة، وتكليف الرجل الإنفاق على المؤسسة. وبناء على إعطاء القوامة للرجل، يحدد كذلك اختصاصات هذه القوامة في صيانة المؤسسة من التفسخ؛ وحمايتها من النزوات العارضة؛ وطريقة علاج هذه النزوات -حين تعرض- في حدود مرسومة [في ظلال القرآن:2/117]

في مهنه أهله
إن المساعدة الحياتية حاجة من الحاجات النفسية التي تحتاجها الزوجة، وهي جديرة بأن تخلق أجواء من الحب والمودة بين الزوجين, وتضفي علي البيت نسائم السعادة، ولذلك لما سُألت أمنا عائشة رضي الله عنها: ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: «كان يكون في مهنة أهله [تعني خدمة أهله] فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة» [رواه البخاري]. وبيان ذلك وشرحه في قولها لما سئُلت رضيَ الله عنها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعمل في بيته؟، قالت: «كان بشرًا من البشر، يفلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه» [السلسلة الصحيحة:671].
"إن من أحب سلوك الملاطفة إلى الزوجات شعورهن شفقة الأزواج عليهن في خدمة البيت، وتقديم العون لهن في ذلك، فإن المرأة ربة البيت إذا أعطت جهدها, وبذلت طاقتها في خدمة زوجها وولده، ثم لم تجد تشجيعًا على ذلك, وتقديرًا لجهودها، فإنها تشعر بالإحباط وشدة الجوع العاطفي، ومن هنا كان صلى الله عليه وسلم يراعي هذا، فكان لا يكلفهن مؤنة نفسه، فقد كان يخدم نفسه، ويسارع في مساعدة أهله، حتى لربما وضع رجله لإحداهن لتصعد على البعير .. إن وعي الرجال بذلك وملاطفتهم للزوجات في المعاملة، وتقديم شيء من الخدمة، كل ذلك له أثره البالغ في سكون نفوسهن واستقرار عواطفهن بحيث تُقبل إحداهن على زوجها في غاية السعادة والرضا، حتى وإن كن في شدة من ضيق العيش وقلة ذات اليد" [أخلاق الفتاة الزوجة].
ولقد أظهرت دراسة أميركية نشرت مؤخرا أن مساهمة الرجال في أعمال المنزل تشكل عاملا مهما في تحسين جو الألفة مع زوجاتهم وحياتهم العاطفية، وتشير الدارسة -التي نشر ملخص لها على موقع منظمة مجلس العائلات المعاصرة على الإنترنت- إلى أنه عندما يشارك الرجال في أعمال المنزل يزداد شعور النساء بالعدل وبالرضا وتقل الخلافات العائلية، ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن (سكوت كولتران) -عالم الاجتماع في جامعة «ريفرسايد» في كاليفورنيا وأحد معدي الدراسة- قوله: «نحن علماء الاجتماع لا نهتم عموما بهذا، لكن الاختصاصيين النفسانيين يرون علاقة مباشرة بين عمل الرجال في المنزل ووتيرة العلاقات الحميمة». وقال عالم النفس (جوشوا كولمان) في مقال نشر على موقع المجلس: «إن تقاسم الأعمال المنزلية مرتبط بمستوى أعلى من الرضا عن الزواج، وفي بعض الأحيان يزيد من وتيرة العلاقات الحميمة كذلك».
إن قضية إدارة البيت وتلبية طلبات الزوج هي من أهم الطرق الممهدة لزيادة أرصدة الحب في بنك الحب الذي يمتلكه الزوج، والعكس صحيح، فمساعدة الزوجة أيضًا هي وسيلة لزيادة رصيد الحب في بنكها.

جهد المقل
عزيزي الزوج.. إذا استحكمت عليك المشاغل، وزادت حولك ضغوط العمل، فلا أقل من كلمة طيبة تطيب بها خاطر زوجتك، وتمتن فيها بخدمتها لك ولأولادك، وما أجمل أن تطعمها بدعوة صالحة أن يبارك الله لها في جهدها وعافيتها، أما الهدية فهي سحر القلوب التي تذهب عنها كلال التعب وعناء اليوم كله، وهي تقدير عملي راق ومهذب، أقل ما فيه الإحساس بمعاناة الطرف الآخر، وهذا وحده يعني الكثير لدى الزوجة الحنون.
كما أن للمعونة أكثر من وجه، فلا تتواني في المشاركة ولو بتخفيف طلباتك الشخصية، أو جلب الأولاد من المدرسة وحاجات التسوق في طريق عودتك من العمل، أو حتى تنظيم أفكاركما معا بوضع خطة أسبوعية عن نوعية الوجبات وحساب المصروفات، بل إن مجرد الاستماع لشكوى الزوجة ومشاركتها همومها في جلسة حميمة كفيل بأن يمتص منها عناء ساعات، ويحوى ضمنه كل معاني التقدير لجهدها وهذا هو أهم متطلباتها.
عزيزتي الزوجة .. أحيانا قد يكون الزوج الاتكالي من صنعك نفسك، وأنت لا تدري، ثم ما تلبثي أن تشتكي منه لاحقا، فالكثير من الزوجات - خاصة في بداية الحياة الزوجية- تسودها الروح الإيجابية الزائدة فتتحمل كافة مسئوليات الأسرة، ولا تعطي فرصة للزوج لمعاونتها، وبدون أن تشعر تكبر الشخصية الهروبية في نفس الزوج، فيلقي عليها كل التبعات، وصدق المثل «يداك أوكتا وفوك نفخ». فحذار أن تكوني بالبيت كل شيء، وعليك يعتمد الصغير والكبير، لأن توزيع الأدوار قمة العدل والإنصاف، والراحة الآنية والمستقبلية.
د. خالد سعد النجار

Post: #94
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-26-2015, 10:36 PM
Parent: #93

الزواج ليس بيتاً صغيراً ينعزل فيه العروسان عن العالم، إنه ارتباط أسرتين، كما هو رباط بين فردين، وحتى ينجح هذا الارتباط؛ هناك عدة مفاتيح ومهارات إذا أتقنها كل عروسين .. ظللتهما الدعوات الصالحة من أهليهما، وأغلقا باباً واسعاً تتسلل منه الخلافات والمنغصات ، خبراء فنون التعامل وكسب الآخر يرشدون الأزواج والزوجات إلى هذه المهارات:

نسيان الإساءة : نسيان الإساءة من فضل الله على عباده، وهى نعمة رزقهم الله إياها، فعلى العروسين أن ينسيا أي إساءة، فينسى الإنسان إساءة المسيئين، وجفوة الجافين، ويسمو ليصل إلى أمرٍ أعظم من النسيان، وهو الصفح والغفران، ومن أراد راحة البال وحُسن العاقبة والمآل، فليحاول نسيان ما يلقاه من الآخرين، وليبدأ صفحة جديدة مع من قصروا في حقه.

المرونة والحكمة :أجواء الأسرة الجديدة غريبة عليكما، لذا يجب أن يكون التعامل مع أفراد الأسرة فيه ذكاء وفطنة؛ حتى لا تتوتر العلاقات وتنقطع، ولتحافظا دائماً على شعرة معاوية، كما تقول الحكمة: (لو كان بيني وبين خصومي مقدار شعرة، ما انقطعت أبداً، فإن هم شدّوا أرخيت، وإن هم أرخوا شددت).

فن (لا): إن قضاء حاجات الآخرين وتلبية مطالبهم، ومجاملتهم في المواقف والمناسبات، وحُسن ضيافتهم، كلها أمور مطلوبة، ولكن لكل شيء حدوداً لا ينبغي تجاوزها، وحتى لا تكلفي نفسك ما لا تطيقين؛ تعلَّمي فن الاعتذار وقول كلمة (لا)، ولكن بتأدب في قولها، فلا تقوليها وأنت غاضبة، أو بصوت مرتفع، أو منفرة، بل قوليها وأنت مبتسمة، وبأسلوب رقيق مؤدب، وأشعري من قلت له: (لا)، بأنك متألمة؛ لأنك لم تستطيعِ تلبية المطلوب.

الهدية : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: (تهادوا؛ فإن الهدية تذهب حر الصدور) رواه الترمذى، فالهدية تؤلف القلوب، وتعمق أواصر المحبة والمودة بين الناس، وكلما كانت الهدية بلا مناسبة، ومما يرغب فيه المُهدى إليه ويحبه كانت أوقع، فاجعل الهدية رسول حب بينكما وبين أسرة كل منكما، جربا ولن تندما.

الآباء جسر إلى الأبناء : حماتك وحموك أقصر طريق إلى قلب زوجك والعكس، فالإنسان يعتبر إكرام والديه إكراماً له، وإهانتهما إهانة له، فإذا أراد كل زوج وفاقاً مع شريكه، فليحب أبويه ويحترمهما، ولا يتحدث عنهما بسوء ابداً حتى لا يدق مسامير في نعش الزواج.

نحلة لا ذبابة : تقف النحلة على الزهور لتمتص الرحيق وتخرج العسل، ولا تقف الذبابة إلا على القاذورات،وكأنها تتتبع زلات الناس وعوراتهم وتتصيد أخطاءهم،ولو أراد الإنسان إحصاء عيوب أيّ شخص لوجد العديد من الأخطاء، ولكن هذا ليس شيم الكرام والانشغال بعيوب النفس لإصلاحها وإعفائها من عقوبة الغيبة وتتبع العورات.

حفظ الأسرار : حفظ السر أهم ما يحقق الثقة بين الناس، وإفشاؤه يهدم جسور هذه الثقة، فليكن كل من الزوجين مستودع سر أسرة الآخر، خاصةً الأب والأم، فقد قال رسول الله إذا حدّث الرجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة)، وجملة "السر في بئر" التي نرددها جميعاً من مفاتيح القلوب.

القناعة : ولماذا أنا ؟ تساؤل يجب ألا يردده الزوجان أبدًا، وهما يقارنان نفسيهما بالآخرين، فلماذا بيتي غرفتان، وبيت فلان ثلاثة؟ولماذا أركب "الحافلة” وسيارة فلان أحدث طرازًا؟ وغير ذلك من الأسئلة التي تتردد في النفس، ولكن آثارها تبدو في التعامل مع الآخرين، وفى نظرات الحسد وعباراته التي تنطلق رغماً عن قائلها، القناعة مع الأخذ بأسباب الارتقاء بعيدًا عما لدى الآخرين سر من أسرار السعادة والوفاق .. جرباه.

ابتسامة النقد : بعض الناس يعتبرون أنفسهم آلهة لا يُراجَعون ولا يُنَقَدون - هؤلاء يخسرون الكثير في علاقاتهم الاجتماعية، وينفرون الناس منهم، والفطن هو من يعتبر النقد دفعة والمعارضة - مكسباً حتى لو صدرت عن نفس حاقدة.. المهم موضوع النقد والمعارضة، فقد يكون صاحبه محقاً، فابتسما في مواجهة النقد، ووسعا صدريكما له، فلا معصوم سوى النبي صلى الله عليه و سلم وملاطفة الحماة أو معارضة أخت الزوج - أو والد الزوجة ليست جرائم إلا إذا أراد الزوجان اعتبارها كذلك - وهما في هذه الحالة خاسران.

نقد السلوك لا نقد الشخص : شتان بين "أنت أخطأت" و"ما فعلته ليس مقبولاً"، فنقد السلوك لا الشخص فن ورسالة موجزة توصل معاني إيجابية للمنقود، أهمها: "إننى أحبك وأحترمك، ولا أرفضك، بل لي تحفظ على سلوك صدر منك"، فالآخرون يصبحون أفضل إن لم يشعروا برفض غيرهم لهم، ويجدون في إرشادهم إلى السلوك الصائب، بدلاً من صب نيران النقد الهدام على رؤوسهم، أفضل حافز للتغيير
مجلة الرائد العدد 14

Post: #95
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:10 AM
Parent: #94

الجسم البشري يحتاج إلى ساعات نوم يومية تتراوح ما بين 6 - 8 ساعات، وفترة النوم هذه ضرورية وهامة لتجديد وبناء الخلايا، وإعطاء الجسم الفرصة لتنظيم عملية إفراز الهرمونات، والتمثيل الغذائي والبناء, فضلا عن أن النوم يعمل على إبطاء عمل «الجهاز العصبي السمبثاوى» وهذا يؤدى بدورة إلي مزيد من الراحة والاسترخاء لجميع أجهزة الجسم، وخصوصا القلب والجهاز التنفسي.

الآثار الدينية والاجتماعية
يقول الله سبحانه: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا}[يونس:67] ويقول جل ذكره: {وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [القصص:73].
فمن رحمة الله تعالى بعباده، وتنظيمًا لنشاطهم، وإتقانًا لأعمالهم، أن جعل الظلماتِ بالليل والنورَ بالنهار؛ ليكون النهار بما فيه من نور مساعدًا على كسب العيش وأداء الواجب لعمارة الكون، وليكون الليل بما فيه من ظلمة مساعدًا على الراحة من عناء العمل بالنهار، ولذلك جعل الله تعالى أكثر العبادات التي يتقرب بها إليه في فترة النهار.

من أجل هذا أرشد الإسلام إلى المُبادرة بالنوم بعد صلاة العشاء، وكرِه تضييع فترة الليل فيما لا يفيد خيرًا، وما دامت لا تُوجد ضرورة ولا حاجة تدعو إلى السهر، كالذين تُوكَلُ إليهم الحِراسة بالليل من أجل المصلحة العامة أو يذاكرون العلم أو تُحَتم عليهم ظروف العيش أن يكون عملهم بالليل، وفي ذلك جاء الحديث الشريف: «عينان لا تمسهما النار، عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله» [الترمذي 1254]

ومن أجل التنسيق بين العمل والراحة، أرشد الله إلى أن قيام الليل يكون بحيث لا يُؤثر على الواجبات التي تَلْزَمُهَا الراحة وَتُبَاشَر بالنهار، قال تعالى في شأن قيام الليل: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَءوا مَا تَيَسَّر مِنْه} [المزمل:20]
وقال صلى الله عليه وسلم لمن يُرهقون أنفسهم بقيام الليل كُلِّه أو بالصيام اليوم كله: «إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا وَلِبَدنك عليك حقًّا، فأعط كلَّ ذي حقٍّ حَقَّه» [البخاري 1874]
ومما جاء في كراهية السهر لغير ضرورة أو حاجة، ما رواه البخاري ومسلم عن أبي برزة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُؤَخِّر العِشَاء إلى ثُلُثِ الليل، ويكره النوم قبلها والحديث بعدها.

أما كراهية الحديث بعدها لأن السهر مَظَنَّة غلبة النوم في آخر الليل فيفوت قيام الليل، ويعرض صلاة الصبح للفوات، وقد رُوي عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: جدب لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم السمر بعد العشاء. [يعني زجرنا].
وعن عمر - رضي الله عنه - أنه كان يضرب الناس على الحديث بعد العِشَاء، ويقول: "أسُمَّرًا أول الليل ونومًا آخره، أريحوا كُتَّابكم". والسُمّر: هم القوم الذين يسمرون بالليل، ويقال لهم: السامِر والسُّمَّار، وقد جاء في ذمهم قوله تعالى عن المشركين: {مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ} [المؤمنون:67] أي سمَّارًا، تكبَّروا فلم يؤمنوا، وسهروا في الطعن في الدِّين وتدبير المؤامرات للرسول أو فيما لا يفيد.
ومن مبررات كراهية السهر فيما لا يفيد إراحة الكُتَّاب وهم الملائكة الذين يُحصون أعمال الناس، كما يشير إليه قول عمر السابق، ومنها مُخالفة نظام الله في جعل النهار للعمل والليل للنوم والسَّكن، ومنها عدم إزعاج النائمين بما يُثار في السهر من أعمال تقلق الراحة.

وإذا كان السهر بالليل غير مرغوب فيه إلا لضرورة أو حاجة، فإن الأمر الذي يدور عليه السهر إن كان حرامًا كان النَّهي مؤكدًا، كالذين يمضون وقتًا كبيرًا من الليل في السهرات المعروفة بمنكراتها، من أجل المتعة والترويح عن النفس بزعمهم، ومعلوم أن المتعة والترويح عن النفس أمر مُبَاح ولكن في حدود الحلال في المادة وفي النتيجة المترتبة عليه، وليس من مصلحة العامل الحر أو المرتبط أن يُرْهِق نفسه بطول السهر ويتأخر عن صلاة الصبح والذهاب إلى العمل.
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم دعا ربه أن يبارك لأمته في البكور، فقال: «اللهم بارك لأمتي في بكورها» [ابن حبان]، وقال أيضا مقررا: «بورك لأمتي في بكورها» [صحيح الجامع 2841] ومرَّ على ابنته فاطمة -رضي الله عنها- وهي مُضطجعة وقت الصباح فقال لها: «يا بنية قُومي اشْهَدي رِزْقَ رَبِّك، ولا تكوني من الغافلين، فإن الله يقسم أرزاق الناس ما بين طلوع الفجر وإلى طلوع الشمس» [البيهقي 5/125].

وقد جاء في نيل الأوطار للشوكاني حديث رواه أحمد والترمذي عن ابن مسعود: «لا سَمَر بعد العِشَاء [أي العشاء الآخرة] إلا لأحد رجلين: مُصل أو مُسافر» ورواه ضياء الدين المقدسي عن عائشة بلفظ: «لا سَمَرَ إلا لثلاثة: مُصلٍّ أو مُسافر أو عَرُوس».
وجاء فيه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يَسْمُر عند أبي بكر الليلة في الأمر من أمر المسلمين وأنا معه، كما رواه أحمد والترمذي عن عمر رضي الله عنه وهو حديث حسن.
كما جاء عند مسلم أن ابن عباس رضي الله عنهما قال: رقدت في بيت ميمونة ليلة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندها لأنظر كيف صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل، قال: فتحدث النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله ساعة ثم رَقَدَ.
وجمع الشوكاني بين الأحاديث المجيزة للسهر والمانعة منه، بأن الجواز إذا كان لحاجة وفي خير، والمنع إذا كان في غير ذلك. وقال مثل ذلك القرطبي في تفسيره.

السهر تدمير للصحة
• السهر يمكن أن يهدد العمر، ويقلل من فاعلية جهاز المناعة الذي هو خط الدفاع الأول ضد الأمراض. هذا فضلا عن ضعف الحيوية والنشاط، وحدوث تغيرات في المزاج وفي الحالة النفسية ينعكس على أداء الفرد الشخصي أثناء النهار، حيث يصاب المرء بالهذيان، والتشتت الذهني، وتعزى أسباب ذلك إلى تأثر الموصلات العصبية الكيميائية بالمخ، مثل مادة «السيروتونين» وحامض «البوتريك».

• بينت الدراسات في جامعة «س – بافيا» في إيطاليا أن قلة النوم تسبب ارتفاع في ضغط الدم صباح اليوم التالي، وأن تكرار ذلك يؤدي إلى أضرار صحية خطيرة، ويعتقد الباحثون أن عدم أخذ القسط الكافي من النوم يكون مسئولا عن حدوث الأزمات القلبية في ساعات الصباح المبكر في معظم الحالات.

• جاء في دراستين منفصلتين أن زيادة السهر تزيد من مستوى هرمون الجوع، وتقلل من مستوى هرمون الشبع في الجسم. وبالتالي زيادة مفرطة في الوزن، فلقد أظهرت الدراسة الأولى والتي شملت 12 رجلاً في بداية العشرينيات من العمر، أن مستوى هرمون الشبع «ليبتين» قد انخفض بمقدار 18% لدى الذين ناموا 4 ساعات فقط من الليل لمدة ليلتين، بينما ارتفع هرمون الجوع «جريلين» بمقدار 28%. كما أظهرت الدراسة أن المشتركين فيها قد مالوا إلى تناول الأطعمة السكرية على حساب الفواكه والخضار أو منتجات الألبان. وقد يفسر ذلك حاجة الدماغ إلى طاقة سريعة «سكر الجلوكوز» والتي فقدها خلال السهر.

أما الدراسة الثانية فقد وجدت أن أكثر الناس سهراً هم أكثر زيادة في الوزن. وقد فحص «د. مانويل» في جامعة «ستانفورد» بكاليفورنيا 1000 شخص، وسجل ساعات النوم لكل منهم، كما سجل مستوى هرموني «ليبتين، جريلين»، ووجد أن الذين ينامون خمس ساعات أو أقل ليلاً بشكل ثابت، قد ارتفع لديهم هرمون الجوع «جريلين» بمعدل 14.9%، بينما انخفض لديهم هرمون الشبع «ليبتين» بمعدل 15.5%، مقارنة بأولئك الذين ناموا 8 ساعات ليلاً.

• توصلت دراسة حديثة إلى وجود علاقة بين احتمالات الإصابة بالسرطان ونوبات العمل الليلي، مشيرة إلى أن التدخين يظل المسبب الأبرز لهذا المرض. وطبقا لدراسة «الهيئة الدولية لأبحاث السرطان»، فإن منظمة الصحة العالمية ستعلن تصنيف العمل الليلي باعتباره مسببا للمرض الذي يتهدد عدة ملايين يمثلون نحو 20% من قوى العمل في مختلف أنحاء العالم.
ووصف «ريتشارد ستيفنز» الخبير الدولي بهذا المجال نتائج الدراسة بأنها تحول مفاجئ، مشيرا إلى أنه أجرى دراسة عام 1987 انتهت إلى الربط بين التعرض للضوء بشكل مستمر أثناء الليل والإصابة بسرطان الثدي. كما توصلت دراسات أخرى إلى أن الرجال الذين يعملون ليلا معرضون للإصابة بأنواع أخرى من السرطان منها سرطان البروستاتا.

• أكدت دراسة طبية – بحسب ما ورد في جريدة الأخبار القاهرية - أن الحصول علي قسط كاف من النوم وانتظام عادات النوم السليمة يساعدان في الحيلولة دون الإصابة بمرض السكري، حيث تعمل الهرمونات التي تفرز أثناء النوم على تنظيم نسبة السكر بالدم.

• السهر وقلة النوم يؤدي إلى أضرار كثيرة بالبشرة، من أبرزها: ظهور حب الشباب، وتدهور نضارة البشرة، وإصابة العين باحمرار ونقص بحدة الإبصار، وذلك بسبب نقص إفراز مادة «أرودوبسين» التي تفرز بكثرة أثناء النوم ليلاً.

• الأبحاث الطبية أظهرت أن الطلبة الذين لا يحصلون على نوم كاف أثناء الليل يكون أداؤهم الأكاديمي أقل من الطلبة الذين ينامون لساعات كافية، كما أن قلة النوم تؤثر سلبا على قدرة الطالب على التركيز، وتضعف الذاكرة قصيرة المدى، مما يؤثر على قدرة الطالب على التحصيل العلمي، وقد أظهرت الدراسات أن الأطفال المتفوقين ينامون 15-30 دقيقة ليلا أكثر من غيرهم.

وذكر العلماء – أيضا - أن من أهم مخاطر السهر أنه يحرم الشخص من تجديد نشاط الخلايا المسئولة عن الذاكرة بالمخ والموجودة بالجزء المسمى بالمادة السوداء، حيث بات معروفا أن هذه الخلايا تتجدد حيويتها في الظلام الدامس، وعندما ينام الإنسان طوال النهار ويظل ساهراً طوال الليل فإنه يحرم نفسه من تجديد تلك الخلايا المهمة.
د / خالد سعد النجار

Post: #96
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:14 AM
Parent: #95

أنت مسئولة عن سلامتك في الحمل وسلامة جنينك أيضا، فهناك ممارسات خاطئة تهدد صحتك وصحة جنينك أثناء فترة الحمل، وتجعل احتمال إنجاب طفل من ذوى الاحتياجات الخاصة كبيرًا .. أبحاث الآن أكثر وأكثر أثبتت أن العوامل الوراثية ليست فقط هي ما يحدد الطباع المزاجية للطفل، ولكن الأهم هي البيئة التي توفرها الأم لجنينها وهو ما زال في رحمها.
بالإضافة إلى الغذاء المتوازن الذي يحتوى على كل العناصر الغذائية والفيتامينات التي تحتاجها الأم وجنينها، وبالإضافة إلى حرصها على ممارسة الرياضة المناسبة للحمل مثل المشي أو تمارين ما قبل الولادة، فإن الحامل تحتاج أيضاً لملاحظة حالتها النفسية. فالتعرض للكثير من المشاكل الأسرية - خاصة مع شريك العمر- يؤدى إلى إفراز هرمونات معينة تضر بصحتها وتمر إلى الجنين من خلال المشيمة لتؤثر سلبا على تكوينه، وبالتالي تعرض الطفل للقلق والضغط النفسي مستقبلا.
هذا ما أكدته د. "جانيت ديبيترو" -أخصائية النمو- بقولها: «إن الجنين يستجيب للحالة النفسية السلبية للأم والتي تؤثر بدورها سلبياً على حالته هو النفسية».

النكد الزوجي وصحة الحامل
أوضح الأخصائيون في مستشفى "جايز وسانت توماس" بلندن، أن مشكلات الخصوبة والحمل ترتبط ارتباطا وثيقا بالنكد الزوجي. وكثيرا ما يدور التساؤل بين السيدات عن تأثير العصبية الزائدة والتقلبات المزاجية والعاطفية علي صحة الحامل، وعن مدي تأثير ذلك علي الأطفال بعد الولادة‏، وتجيب على هذه التساؤلات دراسة حديثة أجريت علي ‏97‏ سيدة حامل في الأشهر الثلاثة الأخيرة للحمل لمعرفة تأثير التقلبات النفسية والعصبية، وأسفرت تلك الدراسة عن أن السيدات اللاتي كانت نسبة بعض المواد الكيميائية مرتفعة لديهن بالدم ـ والتي تدل علي تعرضهن للإجهاد العصبي والنفسي خلال شهور الحمل ـ كن أكثر عرضه للإصابة بارتفاع نسبة السكر في الدم‏,‏ مما يؤكد أن الاضطرابات النفسية والعصبية والمزاجية لدي السيدات أثناء الحمل تؤدي إلي الإصابة بسكر الحمل‏.
ولاحظ الأطباء بأن الزوجة غير السعيدة في زواجها، تعاني أكثر في حملها، خاصة إذا كان الزوج لا يدعمها عاطفياً. بل ربما تقودها هذه المعاناة إلى الإجهاض، فالضغط النفسي هو أحد الاحتمالات التي تسبب الإجهاض، ومن المعروف أنَّ الضغط النفسي يؤدي إلى إفراز عدة هرمونات من الدماغ، من بينها هرمون CRH، وهو هرمون يحث هرمونات أخرى على الإفراز، كما يفرز في المشيمة والرحم لدى الحامل لانطلاق عملية الانقباضات عند الولادة.
لكن الجديد في الموضوع أن مراكز أخرى في الجسم غير الدماغ تفرز هرمون CRH وهرمونات الضغط النفسي التي تستهدف الخلايا البدينة بشكل خاص، وهذه الخلايا تحتوي على موصلات وهرمونات التهابية، وتكثر هذه الخلايا في الرحم أثناء الضغط النفسي، ومع الإفراز الموضعي للهرمون CRH تنفجر الخلايا البدينة وتنطلق الموصلات الالتهابية التي تسبب الإجهاض.

مجمل تأثير الانفعالات النفسية على الأم الحامل :
1. القيء والغثيان المستمر أثناء الحمل.
2. اضطرابات في إفراز الغدد الصماء في الدم، ينشأ عنها اضطرابات سيئة في حياة الأم الحامل والجنين نفسه.
3. الإجهاض المتكرر نتيجة الصراعات النفسية.
4. الولادة المتعسرة أو الولادة المبكرة.
5. القلق النفسي الذي يتمثل في: الأرق. العصبية المستمرة. فقدان الشهية.
6. الاكتئاب النفسي البسيط: الحزن. الرغبة في البكاء. الإرهاق النفسي والجسدي. الدموع المنهمرة بدون سبب واضح.
7. الاكتئاب النفسي الشديد: الرغبة في التخلص من الحياة، الإحساس الشديد باليأس والرغبة في الانتحار، الإحساس بالألم النفسي، عدم القدرة على التركيز أو العمل.
8. مرض الفصام: هلوسة سمعية وبصرية. اعتقادات خاطئة. كلام غير مترابط. أفكار اضطرابية ضد المحيطين ولاسيما الزوج. عدم الاهتمام بمسئوليات الأسرة. الحقد على الزوج.

النكد الزوجي وصحة الجنين
تنعكس العلاقات الأسرية السيئة، وما يرتبط بها من صراعات بين الزوجين على الحالة الصحية للجنين، أيضا يتوقف اتجاه المرأة الحامل نحو حملها على حالتها الانفعالية أثناء الحمل. إذ يلاحظ أن المرأة التي تكره أن تكون حاملاً لكراهيتها للزوج، تكون أكثر ميلاً إلى الاضطراب الانفعالي الذي يصاحبه في العادة نوع من الغثيان والتقيؤ.
وقد يؤدي الاضطراب الانفعالي ـ في بعض الحالات ـ إلى الولادة المبتسرة أو غير الناضجة التي قد تحدث قبل أن يتم الجنين فترة الحمل بالكامل داخل بطن أمه، مما يجعله يخرج إلى الحياة وهو على غير استعداد لها. بل وبسبب هذه التوترات النفسية التي تعاني منها الأم، يتعرض الجنين لقدر كبير من الشدة والعناء داخل الرحم، وكذلك أثناء خروجه إلى الحياة. ومثل هذا الوليد يكون وزنه في الغالب أقل من وزن الطفل الطبيعي الذي يولد في موعده.
ونتيجة للولادة المبتسرة، أو لنقص وزن المولود، أو لاستخدام الآلات في مساعدة الوليد على الخروج من بطن أمه .. يكون هناك احتمال كبير لإصابة مثل هذا الوليد بالخلل العقلي. وقد يعاني من صعوبات كلامية ونقص في التآزر الحركي، وتطرف النشاط، إما بالزيادة أو بالنقصان، فضلاً عن الصعوبات المرتبطة بعملية ضبط الإخراج. ومن نتائج ذلك أيضاً الإصابة بحالة التشتت، وعدم التركيز الذهني، مما يؤثر على النمو التعليمي للطفل.
ويؤكد الباحثون على أنه إذا تعرض الجنين داخل الرحم إلى ضغوط نفسية مستمرة، فالأغلب أنه سيكون طفلاً عصبياً، تهدئته صعبة، لا ينام بسهولة، وربما يعانى من نشاط مفرط، وقد يعانى أيضاً من نوبات مغص.
فالأم عندما تتعرض لضغط نفسي أو قلق أو اكتئاب فإن حركة الجنين تصبح أكثر نشاطاً وأقل استقراراً، وكلما زاد الضغط النفسي كلما أصبحت حركة الجنين أقل استقراراً لأنه بدلاً من أن يهنأ بنوم هادئ وآمن تقوم هرمونات التوتر التي تدخل له من خلال الرحم بإزعاجه.

النكد الزوجي عدو الذكاء
ترتبط الناحية العقلية للوليد بالجوانب النفسية، حيث يرث المولود ابتداء ذكاء من يحمل سماته من والديه أو أجداده. ولذلك يقال إن الطاقة العقلية الوراثية تأتي مع الطفل، أو هي الطاقة الولادية الموروثة عن الجهاز العصبي، والتي تحددها الجينات ثم تتولى البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل بعد ذلك تنميته وتدريبه، وما ينجم عنه من نمو وتطور عقلي.
وهذا النمو يسمى «الذكاء» وهذا الذكاء تختلف معدلاته من بيئة إلى أخرى، تماماً مثل البذرة التي تغرس في أرض طيبة، وتسقى بماء عذب، فإنها تنبت وتعطى حصاداً طيباً، بينما بذرة أخرى مشابهة لو غرست في أرض سبخة، وسقيت بمياه ذات ملوحة مرتفعة، فإنها لا تعطي حصاداً مشابهاً.
وكذلك الحال بالنسبة لعقلية الطفل الذي يوجد مع أبوين متفاهمين يكرسان كل أوقاتهما لابنهما، ويساعدانه في دراساته، وفي استثمار أوقاته ونشاطاته بصورة إيجابية، بينما طفل آخر يعيش مع أبوين متشاكسين يفضلان إزجاء أوقاتهما بعيداً عن النكد المنزلي وعلى حساب القدر من الرعاية الذي يحتاجه طفلهما .. ومن هنا فإن ذكاء الطفل الأول ينمو ويرتفع ويتقدم وتتعدد أبعاده، بينما ذكاء الطفل الثاني يخبو ويتقدم ببطء شديد.
د / خالد سعد النجار

Post: #97
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:15 AM
Parent: #96

تلعب الأجواء الأسرية دورا حاسما في تربية البنات بخلاف تربية الأولاد، وهذا بحكم انطوائية البنات وارتباطهن أكثر بالأسرة بخلاف الأولاد الذين يجدون متنفسا معقولا خارج النطاق الأسري خاصة في فترة المراهقة وما يليها، ومن هذا المنطلق فإن الأنماط الأسرية لها بصمة لا يستهان بها في تكوين شخصية البنت، بل إن بصمة الأم أكثر تأثيرا عن غيرها من أفراد الأسرة لالتصاق البنت بأمها سلوكيا ووجدانيا، إضافة إلى كل هذا لا نستطيع أن نهمل المشاعر الحساسة للبنات، والتأثر المفرط بكل ما يدور حولها، وهذا وإن كان من طبيعة المرأة الفطرية إلا أنه عامل شديد الحساسية في حياة البنات وبالأخص المراهقات.

الأم الصارمة أو الجافية، الدلال الزائد، فقدان الأم ، زوج الأم الجافي، التفكك الأسري .. كلها مطبات تربوية تترك أثرا كئيبا على الصفحة البيضاء الناصعة لنفسية بناتنا، وتوتر أحاسيسهن بدرجات متفاوتة قد تصل إلى منعطفات نفسية كارثية، وتربك الإشباع العاطفي والنفسي للفتاة، وتوقعها ضحية لأفكار سوداء، أو التمرد والعناد وكل هذا ينتج «حطام أنثى» أو ما يعرف بالانتحار الذاتي.

إن البنت عندما تتأثر عاطفتها نجد منها الانطوائية والانكفاء على الذات مع عدم الثقة بالنفس وفقدان المقدرة على اكتساب مختلف المهارات الاجتماعية التي تصوغ شخصيتها وأنوثتها لاحقا فيما يعرف بالعزلة الشعورية.
وقد تصبح الفتاة أكثر تأثراً بآراء الآخرين تزامنا مع قلة الثقة بنفسها، وهذا ما يجعلها تنفجر أمام مواقف عادية لعدم قدرتها على احتوائها، كما أنها تتصور المواقف والكلمات كلها ضدها، وهذا ما يجعلها دائمة التوتر أمام أدنى إشارة أو لفتة، وتجدها تعترض على سلوكيات الأم والأخوات، وكثيرا ما يؤدي هذا الاعتراض إلى البكاء والتأثر السريع والشديد .. ثم إن أدنى اندفاع يسبب لها الشعور باليأس والإحباط العميق لضعف القدرة على التكيف العقلاني مع الظروف والأحداث، وربما تحاول الفتاة إرضاء الآخرين بطرق مختلفة، خاصة بعد أن تحدث مواقف متشنجة، فإذا كانت الأمهات يجهلن آلية احتواء البنت ويمر الموقف دون اكتراث من الأم أو إبداء اهتمام انعكس سلباً على الفتاة وسبب لها جراحات نفسية يصعب أن تندمل.

فنون إرشادية
- خريطة الذات نرسمها ابتداء من صورة الآخرين عنا، ولذلك من المهم جدا عدم التركيز بصورة مباشرة على المنعطفات النفسية والسلوكية السلبية للبنت، وهذا يشمل تجنب النقد اللاذع والاتهامات المتكررة والمراقبة الدائمة التي تشعرها بانتهاك خصوصيتها. بل إن تدعيم الصفات الحميدة يفتح شهية ونفسية البنت ذات الحس المرهف إلى تقبل النقد البناء والانسجام مع محاولات التخلص من السلبيات، والانخراط الإيجابي مع الواقع المحيط وتفريغ مشاعرها وأحاسيسها بصورة سليمة.
- الحجاب الشرعي، الثقة المنضبطة، المصارحة حتى في المواضيع الحساسة، الحب القائم على الاحترام، القدوة النموذجية، المشاركة الوجدانية .. كلها إيجابيات تربوية وبلسم يذيب كل العقد النفسية والمشاكل السلوكية التي تنتاب بناتنا المرهفات في فترات عمرهن المختلفة.
- استشارتها في ما يناسبها من قضايا ويلائم مرحلتها العمرية والفكرية، وهذا من شأنه أن يفتح جسور التواصل ويدعم ثقتها بنفسها ويدربها على اتخاذ القرار ومهارات النقاش.

- تؤدي الأم الدور الكبير مع ابنتها المراهقة، إذ تنتهي قوانين الطفولة الصارمة لتبدأ مرحلة الحوار المفتوح في كل ما يخص الشابة اليافعة، مع الانتباه لضرورة ترك مجال لخصوصيتها الشخصية كالانفراد المعقول في غرفتها، وترك الحرية لها في ترتيبها واقتناء الأشياء التي تشبع دافع الفضول لديها، وبالتالي ندعم خصوصيتها وهويتها الشخصية التي تساعدها في ترسيخ جوانب الإبداع في حياتها، والتفريق بين ما ينبغي وما لا ينبغي، لأن المراهق أشبه بالصغير الذي يتعلم المشي لأول مرة ويستفيد من كبواته في إتقان توازن جسمه.
- التدريب على حفظ الأسرار .. خاصة الأسرار الأسرية لما لها من صلة يومية مباشرة بكل أفراد الأسرة، فما كل ما يعلم يقال، ومن رجاحة العقل ترتيب المنطق .. عن أنس –رضي الله عنه- قال: أتى عليّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ألعب مع الغلمان. فسلم علينا، فبعثني إلى حاجة، فأبطأت على أمي، فلما جئت قالت: ما حبسك؟ قلت: بعثني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحاجة، قالت ما حاجته؟ قلت: إنها سر، قالت: لا تحدثن بسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحداً. [رواه مسلم]

- يقول الإمام عبد الحميد بن باديس –رحمه الله-: «إذا علمت ولداُ فقد علمت فرداُ، وإذا علمت بنتا فقد علمت أمة».
وتعليم البنت ليس محصورا على حشو الدماغ بالمقررات الدراسية، بل هو مفهوم أرفع وأرحب من هذا بكثير .. إنه تعليم يقوم على تنشئة أنثى سوية في نفسيتها وسلوكيتها، أنثى تعرف أبجديات العفة والأمومة وفنون الحياة الأسرية والزوجية، وهذا يتطلب أولا من الآباء تعديل نظرتهم للبنت الرقيقة وأم المستقبل، وإعطائها قدرها وحقها من الرعاية كما يرتضيه ديننا وقيمنا ..
خطب صعصعة بن معاوية إلى عامر بن الظرب -حكيم العرب- ابنته «عمرة»، وهي أم عامر بن صعصعة فقال: يا صعصعة، إنك أتيتني تشتري مني كبدي، وأرحم ولدي عندي، والحسيب كفء الحسيب، والزوج الصالح أب بعد أب. وقد أنكحتك خشية أن لا أجد مثلك.
والبنت المراهقة -خاصة- ترى في أبيها الباب الذي تدخل منه إلى عالم الرجال، والهادي الأمين الذي يبصرها بضروب الرجولة وسماتها، ومن هذا المنطلق ينبثق دور الأب التربوي في حياة ابنته الشابة، فهو محور حياتها الذي باستطاعته أن ينبت لنا زوجة وأما مثالية أو على النقيض، امرأة معقدة تكره كل ما يمت للرجولة بصلة.

- قضية المساواة بين الأولاد، وعدم التميز بين الولد والبنت من أهم الأمور التي ينبغي أن نوليها اهتمام بالغ، لما عكر صفوها الكثير من التقاليد البالية التي تكسر نفسية البنت وتفقدها الثقة بجنسها، بل ربما تتنكر لأنوثتها فتفرز المرأة الرجولية، ولذلك لا غرابة أن نجد شريعتنا السمحة تولي هذه القضية عناية خاصة، فقال – صلى الله عليه وسلم-: «اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف» [رواه الطبراني]. فلا يوجد صاحب ديانة وخلق ديدنه الظلم والجور، كما أن انتظام المعاش والمعاد إنما يدور مع العدل، والتفاضل بينهم يجر إلى الشحناء والتباغض ومحبة بعضهم له وبغض بعضهم إياه، وينشأ عن ذلك العقوق ومنع الحقوق.

- سلطة الابن الأكبر في غياب الوالد بالسفر أو الموت من أكبر المشاكل التي تواجه البنت في أسرنا العربية، خاصة أن مجتمعاتنا العربية غالبا ما تعلي من شأن الذكر وتفضله على الأنثى، ومعظم الأسر تغرس هذه النظرة الجائرة، مما يجعل الولد ينظر إلى أخته على أنها مخلوق أدنى منه، ونفس الشيء لدى البنت التي تعتقد أنها أدنى من أخيها، وأنه أفضل مكانة، بالإضافة إلى حب التسلط لدى الابن الأكبر الذي يرى في التحكم بقرارات الأسرة نوعا من الإحساس برجولته وسيادته، الأمر الذي ينعكس سلبا على البنت كسيرة الجناح، وقد يصل بها الأمر إلى رفض الرجال عموما، ونبذ فكرة الزواج خصوصا.

- الجوال، الإنترنت وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي والشات .. أصدقاء جدد دخلوا حياة أبنائنا بالإضافة إلى أصدقاء المدرسة والجيران والأقارب، فالحذر الحذر، والحرص الحرص، والمراقبة المعقولة دون تخوين أو تشكيك، أما إذا علم الوالدان من بنتهما شرا أو فسادا فلا مانع مطلقا من تتبع تصرفاتها لمنع هذا الشر وتجنب شر وفساد أكبر وأعظم ..
فالحذر من انفراد الأولاد بالإنترنت في غرف مغلقة، بل يوضع جهاز الكمبيوتر في مكان بارز حيث أفراد الأسرة يروحون ذهابا وإيابا، وينطبق هذا الكلام على منع السهر على الإنترنت بينما سائر أفراد الأسرة نائمون، وأن تكون كافة مواقع التواصل والبريد الالكتروني بكلمة سر معلومة للوالدين، والمحك الإيماني هام في هذا الموضوع ، بتربية الأبناء على مخافة الله في السر والعلن، وتقديم القدوة الإيمانية الطيبة في الوالدين، مع المزيد من الحنان والصراحة كي لا يشرد فلذات أكبادنا إلى محاضن أخرى خداعة تستقطبهم وتهلكهم.
د / خالد سعد النجار

Post: #98
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:17 AM
Parent: #97

السعادة الزوجية من أكبر النعم التي يمن الله بها علي عباده بعد نعمة الإسلام والصحة .. فالرفق والمودة بين الزوجين غاية منشودة يتطلع إليها كل فؤاد سوي، وخير البيوت بيت تلألأ بتلك النعمة، فظللت عليه المودة والرحمة بظلالها، وتحقق لأفراده المعني الكامل للسكن، فنهلوا من منهل لا ينضب، وذاقوا شهدا لا تنقطع حلاوته.
والزوجة هي العماد الذي يقوم عليه صرح تلك النعمة الدافئة، وتتحقق به السعادة، وذلك إذا استطاعت أن تكون ممن وصفهن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بقوله: ( إنما الدنيا متاع، وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة ) [صحيح. ابن ماجة]
‌ويقول داود عليه السلام: المرأة السوء علي بعلها كالحمل الثقيل علي الشيخ الكبير، والمرأة الصالحة كالتاج المرصع بالذهب كلما رآها قرت عينه برؤيتها.
عن الحصين بن محصن –رضي الله عنه- أن عمة له أتت النبي –صلى الله عليه وسلم- في حاجة ففرغت من حاجتها فقال لها النبي –صلى الله عليه وسلم-: ( أذات زوج أنت؟ ) قالت: نعم، قال ( كيف أنت له ؟ ) قالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه، قال: ( فانظري أين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك ) [حسن. رواه أحمد]

قال المناوي: ( انظري ) أيتها المرأة التي هي ذات بعل ( أين أنت منه ) أي في أي منزلة أنت منه، أقريبة من مودته مسعفة له عند شدته ملبية لدعوته، أم متباعدة من مرامه كافرة لعشرته وإنعامه ( فإنما هو ) أي الزوج ( جنتك ونارك ) أي هو سبب لدخولك الجنة برضاه عنك، وسبب لدخولك النار بسخطه عليك، فأحسني عشرته ولا تخالفي أمره فيما ليس بمعصية. وأخذ الذهبي من هذا الحديث ونحوه أن النشوز كبيرة.

مكانة الزوج عند الزوجة
يظهر لنا في هذا الحديث الجليل براعة ودقة وصف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لمكانة الزوج بالنسبة للزوجة بأنه جنتها أو نارها، ففي رضاه الجنة وفي سخطه النار، ليس في الآخرة فحسب وإنما في الدنيا قبل الآخرة، فمكانة الزوج في نفس المرأة مكانة عالية رفيعة، فهو رفيق الدرب الطويل .. الصديق الذي حلمت به كثيرا .. تصافح أفكارها أفكاره، وتعانق مبادئها وأحلامها أحلامه .. مكانته عندها لا تفوقها مكانه، لأنه الود والأمن والسكن .. اليد الحانية والكلمة الطيبة التي تقطر بالود والمحبة لتمحو العناء وتبعث في النفس الثقة والاطمئنان، لذا فهي لا ترضى عنه بديلا ومؤنسا، صوته عطر يعبق أيامها، وتواصله معها نسيج يسبح على جدران بيتها بالرضا والوفاق والصفاء، فإذا حرمت كل ذلك وانقلب الوفاق والود إلى خصام وشجار ونزاع لاينتهي تحولت تلك الجنة إلي جحيم لا يطاق.

حق الزوج
من هذا المنطلق كان حق الزوج من أجل الحقوق علي الزوجة، حتى أنه يفوق حق أبويها فيقول –صلى الله عليه وسلم-: ( لو كنت أمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، والذي نفس محمد بيده، لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها، حتى لو سألها نفسها وهي علي قتب لم تمنعه ) [ حسن . رواه ابن ماجة]

فمن حق الزوج حسن الطاعة ورعاية البيت والأولاد، وصيانة العرض والمال والتزام الحشمة والحجاب، وعدم الإذن بدخول بيته لمن يكره، وعدم الخروج من البيت بغير إذنه.
ومن حقوق الزوج أيضا عصمته من الزلل بتلبية رغبته فيها وقتما شاء، والتزين له بكل زينة مباحة، مع عدم التكلف وتحميله ما لا يطيق من نفقات، فليس معني التزين ارتداء أفخر الثياب والتطيب بأغلى العطور، فإن مجرد المحافظة علي النظافة الشخصية وحسن المظهر زينة لمن لم ييسر الله لها امتلاك ما تتزين به.
بل إن بسمة الرضي علي وجهها زينة تستقبله وتودعه بها، والكلمة الطيبة علي شفتيها زينة تريح بها قلبه وتخفف بها عنه عناء الحياة، فالرجل بين يدي زوجته طفل صغير شغوف بالإطراء والمديح والكلمة اللينة، فلتمتدحي أختاه صفاته الطيبة ولتظهري له مدي سعادتك بالارتباط به، ولا تبخلي عليه بالمودة وبذل الحنان قدر استطاعتك فالرسول –صلى الله عليه وسلم- يقول: ( ألا أخبركم بنسائكم في الجنة ) قلنا بلي يا رسول الله قال ( ودود ولود إذا غضبت أو أسئ إليها أو غضب زوجها قالت: هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض – أي لا أنام – حتى ترضي ) [حسن. رواه الطبراني] والودود أي المتحببة في زوجها.
وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: يا معشر النساء لو تعلمن حق أزواجكن عليكن لجعلت المرأة منكن تمسح الغبار عن وجه زوجها بنحر وجهها.
وعن معاذ بن جبل –رضي الله عنه- قال –صلى الله عليه وسلم-: ( لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيا إلا قالت زوجته من الحور العين، لا تؤذيه قاتلك الله فإنما هو عندك دخيل يوشك أن يفارقك إلينا ) [صحيح . رواه الترمذي] ‌
د / خالد سعد النجار

Post: #99
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:18 AM
Parent: #98

حديث العلاقة بين الزواج والصحة الجيدة هو حديث الدراسات والأبحاث التي تؤكد يوما بعد يوم على أهمية الزواج باعتباره فطرة إنسانية راقية تعصم المرء من مهاوي الإباحية والشذوذ الذي أودي بأصحابهما إلى أتون الإيدز والأمراض الفتاكة، وأوهن روابط الأسرة، وأكثر من إنجاب اللقطاء وأطفال الشوارع.

في واشنطن أوضحت دراسة جديدة نشرتها مجلة "علم الوباء وصحة المجتمع" المتخصصة، أن الزواج يفيد صحة الرجال بشكل عام, وخصوصا الشباب, ويحسّن نوعية غذائهم, بفضل اهتمام الزوجات بتقديم المزيد من الخضراوات والفواكه الطازجة.
ووجد الباحثون بعد متابعة 40 ألف رجل شاركوا في دراسة طويلة الأمد حول الأمراض المزمنة, تراوحت أعمارهم بين 40 - 75 عاما، في بداية فترة المتابعة عام 1986 وتسجيل حالاتهم الاجتماعية وأوضاعهم الصحية والغذائية كل أربع سنوات حتى عام 1994، وجد الباحثون أن الرجال المتزوجين اكتسبوا وزنا إضافيا وقل مقدار الرياضة التي مارسوها, مقارنة مع الرجال الأرامل أو العازبين أو المطلقين أو المنفصلين.

ولاحظوا أن نوعية غذاء المتزوجين تحسّنت, وتناولوا المزيد من الخضراوات ولحوم الدجاج, وانخفض استهلاكهم من السكر والمشروبات المحلاة، وكانت هذه التأثيرات أقوى عند الشباب الذين تزوجوا ثانية بعد وفاة زوجاتهم, مشيرين إلى أن الرجال الذين يفقدون زوجاتهم يزيدون من استهلاكهم للكحول والخمور ويقل تناولهم للخضراوات, ويتعرضون لنقص كبير في الوزن.
وخلص العلماء إلى أن فشل علاقة الزواج وانتهائه بالطلاق أو وفاة الزوجة يؤذي صحة الرجال ويؤثر سلبيا على حياتهم, وخصوصا على طبيعة غذائهم, مما يؤدي إلى زيادة خطر إصابتهم بالأمراض.
كما أكد تقرير للمركز القومي لإحصاءات الصحة بأمريكا ــ وهو أحد مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية بالولايات المتحدة- أكد هذه النظرية، وقالت "تشارلوت شونبورن" الخبيرة في إحصاءات الصحة والتي قادت فريق الدراسة: إن هناك نظريتين لما خلص له التقرير.

النظرية الأولى: هي نظرية «حماية الزواج» وترى أن المتزوجين قد يتمتعون بإيجابيات أكثر بمفهوم المصادر الاقتصادية والدعم الاجتماعي والنفسي والتشجيع لاعتماد أسلوب حياة صحي.
أما النظرية الأخرى: فهي نظرية «اختيار الزواج» ومفادها أن الناس الأكثر صحة يتزوجون ويظلون متزوجين، في حين لا يقدم الأقل صحة على الزواج أو من المرجح أن يصبحوا أكثر عرضة للانفصال أو الطلاق أو يصبحوا أرامل إذا تزوجوا.

مضمد الجراح
يقول علماء أمريكيون: إن العلاقة الزوجية السعيدة والناجحة تسرّع التئام الجروح والشفاء من الأمراض, في حين يساهم الزواج الفاشل والتعيس في إضعاف مناعة الإنسان، ويزيد فرص إصابته باعتلالات ومشكلات صحية عديدة.
فلقد وجد الباحثون في كلية الطب بجامعة ولاية "أوهايو" أن الأزواج استغرقوا وقتا أطول للتعافي من الجروح عندما طلب منهم مناقشة موضوعات تتعلق بصراعاتهم مع شريك الحياة، مقارنة بالوقت الذي احتاجوه للشفاء عند مناقشة موضوعات حيادية, في حين استغرقت جروح الأشخاص الذين تعرضوا للانتقادات والشجارات والإهانات فترة أطول للتعافي بحوالي 40 % ، ولاحظ الخبراء أن مناقشة الخلافات البسيطة أبطأت أيضا عملية التئام الجروح, مما يدل على أن النفسية السيئة وعوامل التوتر والعصبية تضعف مناعة الجسم ووظائفه الحيوية, مشيرين إلى أن ضعف المناعة كان أوضح ما يمكن عند الأشخاص العدائيين، الذين تعرضوا أيضا للإصابة بإنتانات والتهابات تنفسية بمعدل أعلى من غيرهم.

قلب سليم
خطورة تعرض المرأة المتزوجة لنوبة قلبية أو جلطة بسبب الإرهاق في العمل تكون أقل من المرأة العزباء أو الرجل الأعزب، أما إذا كان الزواج سعيدا فإن الاحتمالات تكون أقل بكثير. فوفقا لدراسة طبية توصل الباحثون إلى أن هناك علاقة قوية بين ضغط العمل وبين ضغط الدم المرتفع، وقد تبين أن ضغط الدم المرتفع ينخفض بشكل ملحوظ عندما تكون الزوجة مع زوجها، خاصة إذا كانت تربطهما علاقة زوجية سعيدة.
فضغط الدم وحجم البطين الأيسر من القلب مرتبط بنوعية وحالة الزواج التي يعيشها الزوجان. ويخلص العلماء إلى الحقيقة التالية: «كلما كان الزواج أسعد، كلما كان ضغط الدم واحتمالات الإصابة بالجلطات والنوبات القلبية أقل».

فوائد نفسية
يعتقد العلماء أن الزواج يقود إلى تغييرات في دماغ الإنسان تحفز جهاز المناعة. تدعم هذه النتيجة إحصائية قامت بها إحدى شركات الأدوية الألمانية‏،‏ حيث توصل القائمون على الدراسة إلى أن الرجل المتزوج الذي توجد في حياته امرأة تكون صحته أحسن وأفضل من الرجل الذي يعيش وحيدا‏.‏ فقد تبين أن الفئة الأولى أسرع في الاستعانة بالطبيب أو اللجوء لعلاج إذا ما أصيبت بوعكة صحية‏.‏ كما أنهم يدخنون أقل، ويراعون تناول الطعام المفيد لصحتهم، والبعد عن الوجبات الجاهزة‏.

وقاية وعافية
أكدت دراسة بجامعة "لوجانو" السويسرية الفوائد الصحية للزواج .. فقد ثبت أن الزواج يقي الرجال والنساء متاعب الصداع العارض والمزمن، حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة المستقرة على تخفيف حدة توتر الجسم، وإفراز هرمونات السعادة بكم أكبر من هرمونات القلق والخوف والحزن.
كما تقول الدراسة: إن الزواج يساعد الإنسان على التخلص من غالبية أشكال الضغوط النفسية والعصبية، ومن توابع مشاكل العمل والاصطدام بالمجتمع.
ويساعد الزواج أيضا على علاج الأرق، وقلة ساعات النوم، وعلى التخلص من السعرات الزائدة أولا بأول، وبمعدل لا يقل عن 200 سعر حراري في كل لقاء، وهو يعادل ممارسة الرياضة لمدة 40 دقيقة للرجال، وعلى الاحتفاظ بحيوية الرجل لأطول سنوات ممكنة، وعلى وقايته من سرطان البروستاتا بنسبة لا تقل عن 85 %.
وأضافت الدراسة أيضا أن الزواج يفيد في تقوية عضلات القلب لما فيه من دفع مؤقت للدم وتنشيط للدورة الدموية واستنشاق كميات إضافية من الأكسجين يستفيد منها الجسم فتعطيه مزيدا من الطاقة. إضافة إلى ذلك يساعد الزواج على التخلص من أنواع كثيرة من البكتريا ويعمل على تقوية جذور الشعر من خلال الحركة الدموية.
وفى هذا الصدد يقول الباحثون إن الزواج يعتبر أفضل ألف مرة من استخدام أغلى الأدوية التي تعالج سقوط الشعر دون الإحساس بالاستقرار النفسي، ويستثنى من ذلك حالات الصلع الوراثي أو تلك الحالات المرضية المفاجئة التي يصاب بها الرجال والنساء لأسباب مختلفة.

وتقول دراسة بريطانية أن النساء المتزوجات أكثر سعادة من النساء العازبات والمطلقات. كما أن الرجال يعانون أيضا نفسيا من الانفصال وخاصة إذا تم رفضهم من قبل الطرف الآخر. أما إذا بقيت المرأة عزباء وخاصة بعد علاقة زواج فاشلة، عندها تكون احتمالات الإصابة بالاكتئاب عالية جدا. وطبقا لهذه الحقائق فإن الزواج مفيد للصحة النفسية، وذلك ينطبق على الرجال والنساء بشكل متساوي. وتخلص الدراسة إلى أن الزواج مهما كانت مساوئه يبقى أفضل من البقاء بدون شريك.
وقال أخصائيو الطب النفسي: إن العلاقة الزوجية قد تفيد صحة الرجل على المدى الطويل, من خلال تحقيق الأمان العاطفي والاستقرار النفسي الذي ينشده, مؤكدين أن العزوف عن الزواج يزيد خطر الاضطرابات البدنية والنفسية بين الشباب والرجال. كما أشار الخبراء إلى أن ضعف القدرة على التعامل مع المواقف الموترة هي وراء زيادة خطر إصابة الرجال غير المتزوجين بأمراض القلب والسكتات، إضافة إلى عوامل المهنة والدخل المادي ومستوى التعليم التي تؤثر أيضا على الاستقرار العاطفي والنفسي للشخص.

د/ خالد سعد النجار

Post: #100
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:23 AM
Parent: #99

يعتبر قضم الأظافر من العادات القهرية الشائعة في الطفولة وبين الكبار، وكثير ممن يقضمون أظافرهم يستمرون في قضمها بصورة متكررة، بحيث تبدو الأظافر قبيحة أو تدمى، ومعظمهم لا يستطيعون التخلص من تلك العادة مع التقدم في العمر.
والطفل الذي يقضم أظافره، هو بشكل عام، حيوي كثير الحركة، ولكن قليلاً ما يعبّر عن مشاعره أو حساس لدرجة مفرطة. ويقف الضغط النفسي خلف إصابة الطفل بهذه العادة (التوتر والقلق وضغوطاً في المنزل أو في المدرسة..)، وذلك كنتيجة لعدم استطاعته التعبير عن قلقه ومخاوفه. لذا، يصبح قضم الأظافر مجرّد تفريغ عمّا يدور في داخله.
وإذ يعتبره عدد من الأطباء تصرّفاً غريزياً على غرار مصّ الإصبع، غالباً ما تهدأ حالة الطفل المتوتّرة بعدها، أي أنّ العادة العصبية تساعده في التغلّب على القلق والبقاء هادئاً في المواقف الصعبة، إلا أن قضم الطفل ظفره حتى يسبّب لنفسه جروحاً جلدية، يجعل القلق عليه مبرراً، لأن ذلك يدلّ على أن هناك عدوانية تجاه الذات، ويحتاج في هذه الحالة إلى مساعدة نفسية من قبل اختصاصي.

الدوافع
• القلق والتوتر العصبي، فيلجأ إلى ممارسة هذه العادة لإفراغ توتره، والتعبير عن قلقه.
• حدوث تغييرات كثيرة في حياة الطفل في وقت واحد، كانتقاله إلى بيئات خاصة (الحضانة مثلاً) أو إصابته ببعض الأمراض الجسمانية الطويلة المدى.
• وصول مولود جديد للأسرة، وهذه قد تعتبر صدمة شديدة للطفل، وقد لا نشعر نحن بذلك.
• كثرة منع الطفل في المدرسة أو البيت عن أشياء يحبّها، مثل اللعب.
• سوء التوافق الانفعالي، بمعنى أنّ الطفل يقوم بقضم أظافره رغبةً في إزعاج والديه، أو قد تكون هذه العادة عقاباً من الطفل لنفسه نتيجةً لشعوره بالسخط على والديه وعدم استطاعته تفريغ شحنته فيهما، فتتجه تلك المشاعر العدوانية التي يكنّها لهما نحو ذاته.
• الضغط على الطفل بالطلب منه القيام بأمور تفوق قدراته، فيشعر بالخوف من تحقيق أي شيء، مما ينعكس هذا الخوف في صورة قلق وتوتر. ويكون قضم الأظافر، من مظاهر هذا القلق أو قد يكون ردة فعل لقيام أحد الوالدين بضربه أو توبيخه.
• تقليد الطفل لأقرانه في المدرسة أو لأحد في المنزل.
• ضعف الرقابة من قِبل الوالدين، والسماح للطفل بهذه الأفعال دون إرشاد أو توجيه.
• معاناته من الضعف العقلي.

في دائرة الضوء
أعلن عدد من أطباء علم النفس بلندن أن معظم الرجال والنساء الذين يقضمون أظافرهم كانوا يمارسون هذه العادة منذ الصغر حتى اعتادوا عليها، وأن قضم الأظافر مؤشر واضح على التوتر أو القلق، وهي عادة شائعة في سن الطفولة؛ فالدراسات تشير إلى أن40% من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين خمسة أعوام وثمانية عشر عاماً يقضمون أظافرهم، بل إنهم لا يكتفون بالظفر ويصل الأمر حتى الجلد الموجود على جانبي الظفر، فينتج عنها تشققات تساعد في حدوث العدوى الميكروبية والفطرية، أو ربما ضعف الجسم نتيجة السموم الموجودة في الأظافر.
وفي دراسة أخرى أشار باحثون إلى أنه - ونتيجة للعب في ظروف غير نظيفة داخل البيت أو خارجه- يتراكم الرصاص على الأظافر، والمعروف عن الرصاص أنه مادة سامة، ويؤدي إلى مشكلات في النمو عند الأطفال، ويؤذي الخلايا العصبية والتي بدورها تقلل من معدل الذكاء.
وقضم الأظافر قد يفسر سرّ ارتفاع نسبة الرصاص لدى بعض الأطفال؛ ففي روسيا وجد الباحثون من خلال دراساتهم أن اثنين من كل ثلاثة أطفال في بعض المناطق يعانون من مستويات عالية بشكل مقلق من الرصاص، واعتمدت مستويات الرصاص عند الأطفال على ما إذا كان الأطفال يعيشون في مناطق صناعية مزدحمة أو معتادين اللعب بالتراب، ومن ثم قضم أظافرهم أو أنهم اعتادوا قضم أقلام الرصاص، ومن المعروف وجود الرصاص بصورته الطبيعية في التربة، كما أنه يوجد في الفواكه والخضار التي يتناولها بعض الناس دون غسلها، لذا من المهم أن تحرص الأم على نظافة طفلها والطعام الذي يُقدّم له.

منارات عملية
تساهم هذه الخطوات في جعل الطفل يتخلّى عن هذه العادة السيئة، وذلك وفق الشكل التالي:
• بما أن الطفل يكون غير مدرك لعادته هذه وعواقبها فيجب على الأهل في المرحلة الأولى توعيته بسلبيات هذه العادة، والطلب منه التخلي عنها من خلال إقامة حوار هادئ ومريح، ومراعاة البعد تماماً عن توبيخه أو انتقاده أو ومعاقبته؛ لأن ذلك من شأنه تطوير العادة العصبية.
• حسن معاملة الطفل، وإحاطته بالمودّة والحب، وتوفير الجو النفسي الهادئ له، وإبعاده عن مصادر الإزعاج والتوتر.
• يجب على الوالدين محاولة التحدّث مع الطفل للتعرّف على الأسباب التي تشعره بالقلق والتوتر.
• يجدر بالوالدين إدراك أنّ هذه العادة تشير بوضوح إلى مشكلة تزعج الطفل، وأن يحاولا التعرّف عليها. وفي هذا الإطار، عليهما أن يتجنّبا إظهار الانزعاج له، إذا كان يمارس هذه العادة، كما يجب عليهما الابتعاد عن استخدام أسلوب التعنيف أو الضرب، لأنّ هذه الأساليب تزيد من خوف الطفل، ممّا يزيد من شعوره بالقلق والتوتر ويعجز عن إراحة يديه.
• ضرورة البعد عن معايرة الطفل بسلوكه كي لا يحاول القيام به في الخفاء، فيُصاب بالإضافة لهذه العادة إلى انعدام الرقابة الذاتية عنده، فيتعمد القيام بهذا السلوك غير المرغوب بعيداً عن عيون من حوله.
• في بعض الحالات قد تفيد مناقشة الطفل وإقناعه بضرورة إقلاعه عن هذه العادة المنبوذة من قِبل الآخرين.
• تقليم أظافر الطفل أولاً بأول، وعدم تركها تطول.
• وضع مادة مرّة على أظافر الطفل بشرط تعريف الطفل بالهدف من ذلك، وهناك مستحضرات تستعمل خصيصاً لهذا الغرض.
• العلاج السلوكي، ويمكن إشراك الطفل في هذا العلاج بأن يكون له دور مباشر، وهذا يعتبر أيضًا نوع من العلاج بالإيحاء، كأن نطلب منه يوميًّا أن يدهن أصابعه بزيت الزيتون.
• إشغال الطفل بأنشطة متنوعة تمتصّ الطاقة والتوتر، كألعاب العجين والصلصال، والرسم .. أي إتباع أسلوب التشتيت ولفت انتباهه بأشياء أخرى مفيدة.
• مكافأة الطفل مادياً ومعنوياً في تعزيز عدم قضم الأظافر، فالثواب يفيد أكثر من العقاب.
• التخلّص من هذه العادة تتطلب من الأهل الوقت والمثابرة، لذلك عليهم أن يتذكروا باستمرار مدح سلوك صغيرهم الحسن حتى يختفي هذا السلوك تدريجياً.
د/ خالد سعد النجار

Post: #101
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:25 AM
Parent: #100

المرأة .. ذاك الكيان من المشاعر المتدفقة والأحاسيس المرهفة .. إنها الحبيبة والسكن والأم والحضن الدافئ والحنان المتدفق .. هي كل المعاني التي استحقتها الوصية النبوية المباركة في إجابتها الخالدة عن أحق الناس بحسن الصحبة: أمك ثم أمك ثم أمك.

شاعرية وتميز
مشاعر المرأة الجياشة مشاعر منضبطة لا تصل إلى حد السفه أو البلاهة، ففطرة الأنثى لا تخلو من لمحة قيادية تعقلية وإن لم تصل إلى مستوى الرجل الذي فضله الله بدرجة القوامة .. فالدراسات ترصد تميز المرأة في تعلم اللغات الأجنبية، وبراعتها في القيام بأكثر من مهمة في وقت واحد، ودقة ملاحظتها الأمر الذي يجعل الكذب عليها عسيرا، حيث وجد أن المرأة يمكنها ملاحظه 70% من تعابير الوجه, 20% من لغة الجسد, 10 % من حركة الشفاه. بل إن دقة ملاحظة المرأة تجعلها معنية بالتفاصيل لدرجة أنها قلما يفوتها نظرة خلسة من زوجها أثناء سيرهما في الطريق مهما كانت نظرته سريعة خاطفة.

ويقول علماء التشريح إن شبكات الاتصال في عقل المرأة أكثر من الرجل، وهذا يعني عمليا أن النساء أكثر تأثراً بالتجارب من الرجال، وأكثر احتفاظا بها وتذكرا لها. كما أن منظومة الألياف العصبية الواصلة بين نصفي الدماغ أكثف بنسبة 30% عند المرأة، مما يعني ترابط أكبر بين الخلايا العصبية، حيث أن النصف الأيسر من المخ معني بالتفكير المنطقي والتحليلي والرياضي والحسابي، في حين أن النصف الأيمن معني بالتفكير العاطفي الخيالي والإبداعي.
كما أن المرأة المشهورة بغلبة العاطفة نجدها عاطفة لا تخلو من الاتزان والتعقل حيث تتأثر النساء بحديث الرجال، بل وحتى بنغمات حديثهم، وسلوكهم الحميمي معهن أكثر من تأثرهن بمظهرهم، على العكس تماما من الرجال الذين تبدأ الاستثارة العاطفية عندهم بالمظهر، وانجذابهم لقسمات الجمال أكثر من انجذابهم للصفات الأخرى.

وشخصية المرأة شغوفة بالنجاح على كافة صوره ومظاهره .. النجاح في حياتها الأسرية عامة وحياتها الزوجية بالأخص ومجال عملها الخارجي، وهذا ما يفسر نجاحها في القيام بأدوار التربية وتحمل مشاغبات الصغار ومشاكساتهم في المراهقة وعنفوان الشباب. بل حب المرأة للمغامرة يفوق حب الرجل، لدرجة أنه إذا امتزجت روح المغامرة بالعاطفة ربما يقودها للتهور.

صمام الأمان
كل هذه المميزات المستورة بحائط المشاعر الأنثوية جعل من المرأة صمام أمان للحياة الأسرية باقتدار، فالزوجة التي تحسن توظيف هذه الملكات قادرة - بعون الله تعالى- على تنظيم حياة زوجها المبذر - مثلا- الذي لا يرى مستقبلا لحياته الأسرية، ولا يجاوز طموحه أرنبة أنفه، ويعيش كالقناص لشهواته ولذاته .. بحكمة الزوجة المحبة العاقلة تستطيع إذابة كل هذه التراكمات العالقة برغبات زوجها، فضلا عن قدرتها على رسم خطة لحياتهما الأسرية بشقيها الآني والبعيد المدى، انطلاقا من قناعتها بأن دوام الحال من المحال، وأن الأولاد كلما كبروا كبرت معهم احتياجاتهم ومشاكلهم، فالادخار سبيلها والأمن الاقتصادي قضيتها مهما وجدت من زوجها امتعاضا وضجرا إلا أن وقوفها بجواره وقت الشدائد كفيل بأن يعدل قناعته بأنها نعم الزوجة، ونعم العقل عقلها والتدبير تدبيرها.
وعلى وجه العموم فالزوجة المحبة العاقلة صمام أمان لاستقرار الأسرة وسعادتها، وعندها من الملكات والقدرات ما تواجه به مطبات الحياة الزوجية وكبواتها من زوج سلبي أو أناني أو منفلت أو عصبي .. كل هذا لأنها تتعامل مع هذه العثرات بحب وتعقل، وتقبل لعيوب الطرف الآخر تقبلا لا يثنيها عن المعالجة دون كلل أو ملل، تعرف متى تتجاهل، ومتى تراقب، ومتى تواجه.
والزوجة المحبة العاقلة نعم المربي وخير مدرسة تعد الرجال، ورغم أنها في عاطفة الأمومة كأي أم إلا أن تميزها في عقلها ورجاحة شخصيتها وتوازنهما مع عاطفة الأمومة، فلا تثنيها مشاعرها عن الحزم المطلوب، فالتربية الناجحة هي التي تدور بين الحب والحزم.

العقل المعرفي
لكن تبقى هذه المنظومة السلوكية الرائعة رهينة خلفية ثقافية علمية عن طبيعة الحياة الزوجية ومتطلبات الزوج والأولاد، فكما أن الإنسان بحاجة إلى همة فطرية ترقيه، فهو بحاجة أيضا لعلم يبصره ويهديه، خاصة وأن الحياة الزوجية تتطلب نوعاً من التكيف النفسي مع معطيات الأجواء الجديدة، وهذا يتطلب ابتداء تنازل كل من الطرفين عن جزء من نمط حياته قبل الزواج، وتنازل عن شطر من رغباته واعتبار أن سعادته جزء من سعادة أفراد الأسرة قاطبة.
كان المفكر الغربي جان جاك روسو يقول: "إن الرجل من صنع المرأة، فإذا أردتم رجالا عظماء أفاضل فعلموا المرأة معنى عظمة النفس ومعنى الفضيلة".
تعليم المرأة - والرجل أيضا- فنون ومهارات الحياة الزوجية باتت قضية ملحة تفقرها مناهجنا الدراسية والبرامج المعنية بالحياة الزوجية داخل مؤسسات الرعاية الاجتماعية.
وبدون العلم بأبجديات هذه الحياة لا يمكن ثقل المواهب الفطرية ولا ترشيد الرؤية والتصورات حول طبيعة هذه الحياة المقدسة، خاصة وأن كافة الدول المتقدمة صارت تولى اهتماما بالغا بهذا الأمر بعد طوفان التفكك الأسري الذي اجتاح حياتها الاجتماعية، وما خلفه من كوارث تنذر بانفصام عروة النسيج الاجتماعي كله.
ففي ماليزيا وصلت نسبة الطلاق في بداية عقد التسعينيات من القرن العشرين نحو 32%؛ وهو ما اعتبرته الحكومة الماليزية مؤشرًا خطرًا على خطط النهضة والتنمية في البلاد، فقررت تطبيق فكرة «رخصة الزواج» كحل لتكوين ثقافة زوجية علمية لدى الشباب والفتيات المقبلين على الزواج.
وقامت الفكرة على أن كل متقدم للزواج لابد أن يقدم للقاضي الشرعي شهادة من وزارة الشئون الاجتماعية تفيد بأنه حصل على دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة، مثل: أهداف الأسرة، والتخطيط للحياة الزوجية، وفهم نفسية الزوج أو الزوجة، وطرق زيادة حب كل طرف للطرف الآخر، وإدارة المشكلات الأسرية، والمسئوليات، والميزانية... إلخ. وبعد عشرة أعوام من تطبيق التجربة انخفضت نسبة الطلاق إلى نحو 7% فقط.

خصوبة فكرية
لا يفوتنا الإشارة إلى أن الزوجة المثقفة هي زوجة خصبة في أفكارها وأحاديثها وسلوكياتها وهذا كفيل بالقضاء على الملل الزوجي المستشري بالبيوت بعد السنة الأولى من الزواج غالبا، بل لا تجد في حياة هذا النوع من النساء مشاكل زوجية كالخرس الزوجي أو هروب الزوج من البيت ميمما وجهه شطر أصدقائه ومريديه أو على أضعف الأحوال إلى الإنترنت والكمبيوتر.
وعلى الصعيد التربوي يضمن التثقيف الفكري للزوجات وضعية متميزة في نفوس أبنائهن، عكس غالبية النساء اللائي ينظر إليهن الأبناء على أنهن من جيل عتيق، وهم من جيل الأيباد والإنترنت، فلا يقبلون منهن نصحا ولا يخضعون لهن في أي قرار أو أمر .. الثراء المعرفي للأم ضروري جدا في تعاملها مع أبناء يعيشون في عالم تتسارع وتيرته المعرفية والتكنولوجية، فالثقافة نضارة نفسية تحافظ على رمزية الأم كمحضن وملجأ وملاذ في كل الأزمات التي تعتري الأبناء، يجدون بجانب الدفء الأموي المشورة الواقعية والحلول العصرية لكل معضلة.

وما أغرب الدعوات الهدامة التي تسطح المرأة فكريا وعقليا كمن يروجون أن الرجل يخشى المرأة المثقفة وأن المنزلة العلمية للزوجة تؤرق الزوج وغيرها من خزعبلات شياطين الإنس الذين لا يرجون الخير للحصن الأسري ويتمنون تصدعه وانهياره .. فالزوج ينزعج من الزوجة المشاكسة لا المستنيرة، ويمتعض من الزوجة المملة لا المتألقة، ويسعد بالغ السعادة عندما يجد في أزماته نعم المشيرة والمعينة.
إن العقل المثقف خير تاج للأم العصرية، فهو الذي يضمن لها تألقها الأسري وسعادتها الزوجية وبريقها الروحي الذي لا تشوبه الأيام حتى لو بلغت من الكبر عتيا.
د / خالد سعد النجار

Post: #102
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 12:57 PM
Parent: #101

الاعتدال الغذائي بوابة الصحة والعافية
تذخر موسوعات التغذية ولقاءات المختصين الإعلامية بالحديث عن الفوائد الجمة للتوازن الغذائي، وضرورة أن تحتوي وجباتنا على باقة متنوعة من العناصر الغذائية المختلفة، مع اعتبار أن الأطعمة الدسمة خطا أحمرا لا ينبغي تجاوزه بأي حال من الأحوال .. إلا أنه غابت في ثنايا هذه المعطيات قضية «الاعتدال» في تناول الأطعمة حتى ولو وصفت من قبل اختصاصي التغذية بأنها آمنة ومفيدة، فالإفراط مطب غذائي يغفل عنه الكثيرون، وهو بوابة للعديد من المشاكل الصحية، ولذلك ينبغي أن لا تغيب عن أذهاننا تلك المقولة الطبية الهامة بأن «المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء».

الاعتدال حياة
روي أنه اجتمع عند كسرى أربعة من الحكماء وهم عراقي ورومي وهندي وسوداني، فقال لهم: ليصف كل واحد منكم «الدواء الذي لا داء معه»
فقال العراقي: الدواء الذي لا داء معه أن تشرب كل يوم قليلاً على الريق ثلاث جرع من الماء الساخن.
وقال الرومي: الدواء الذي لا داء معه أن تسفّ كل يوم قليلاً من حبّ الرشاد.
وقال الهندي: الدواء الذي لا داء معه أن تأكل كل يوم ثلاث حبات من الهليلج الأسود.
أما السوداني فكان ساكتًا وكان أحذقهم وأصغرهم سنًا، فقال له الملك: ألا تتكلم؟ فقال: يا مولانا، أما الماء الساخن فيذيب شحم الكلى ويرخي المعدة، وأما حب الرشاد فيهيج الصفراء، وأما الهليلج الأسود فيهيج السوداء.
فقال الملك: فما الذي تقول أنت؟
فقال: يا مولانا، الدواء الذي لا داء معه هو أن لا تأكل إلا بعد الجوع، فإذا أكلت فارفع يدك قبل الشبع، فإنك إن فعلت هذا لا تشكو علة إلا علة الموت.
فقالوا الحكماء كلهم: صدق، صدق.

حديث الدراسات
أكد باحثون أميركيون أن الإفراط في تناول الطعام يجعل المخ مشوشا بما يؤدي إلى أضرار ربما تتسبب في الإصابة بالبول السكري وأمراض القلب وغيرها من العلل. وقال الباحث (دونج شينج كاي) من جامعة (ويسكونسين ماديسون) وزملاء له: إن الإفراط في تناول الطعام ينشط فيما يبدو مسار نظام مناعي ساكن في المخ ما يدفع إلى إرسال خلايا مناعية لمهاجمة وتدمير غزاة ليسوا موجودين هناك.
كما كشفت دراسة علمية أخرى أن إشارات الشبع تستغرق ما لا يقل عن 12 دقيقة للوصول إلى المخ بين الأشخاص ضعاف البنية، لكنها تحتاج 20 دقيقة عند الأشخاص البدناء، مما يؤكد على ضرورة تناول الطعام ببطء حتى يتاح لإشارة "الشبع" ما يكفي من الوقت للوصول إلى المخ.
وبخلاف ما يعتقد البعض فإن المعدة وإن كان باستطاعتها التمدد مع كميات الأكل الكبيرة فإنها أيضا قادرة على التقلص عند التعود على تناول مقادير معتدلة من الطعام، مما يعطي فرصة لأصحاب الكروش الكبيرة في التخلص منها بتنظيم مقادير الوجبات اليومية.

معلومات تهمك
• هناك إجماعا على أن مرضى القلب وضغط الدم والكلى يجب أن يخفضوا من استهلاك الملح في طعامهم، فلا شك من وجود علاقة بين زيادة ارتفاع ضغط الدم عند زائدي الوزن وزيادة تناول الأطعمة المالحة، ويوضح بعض الباحثين كيفية تأثير الملح على ضغط الدم بأن للجسم آلية معينة لتوازن السوائل والأملاح، فعندما يزداد معدل الملح يختزن الجسم المزيد من الماء للحفاظ على هذا التوازن، مما يزيد من حجم السوائل بالجسم، ويشكل الأمر ضغطا إضافيا على القلب لدفع هذه السوائل، فينتج عن ذلك ارتفاع في ضغط الدم.
كما أن الإفراط في تناول الأطعمة المالحة يساهم في: إصابة عدسة العين بالتعتيم والذي يعرف باسم «كتاراكت»، يزيد من فرص الإصابة بداء السكري، وأيضا هشاشة العظام من خلال طرده الكالسيوم في البول، الملح مثير قوي للأعصاب في الخلايا العصبية، ومثير للأغشية الدقيقة الرقيقة بالجسم.
فضلا على أن الإفراط في تناول الملح - بما يسببه من انهيار جسدي - يؤدي إلى انحطاط في القوى الجنسية.
كما قال الصندوق العالمي لأبحاث السرطان في بريطانيا إن واحدا من بين سبعة أشخاص يمكن أن ينجو من خطر الإصابة بسرطان المعدة إن هو اتبع التوجيهات الصحية اليومية، والتزام الحد الذي يُوصَى به من تناول الملح في اليوم الواحد (ستة جرامات) أي ما يعادل تقريبا ملء ملعقة صغيرة، لكن الأشخاص في الغالب يتناولون نحو 8.6 جرامات من الملح يوميا في المتوسط.

• الإفراط في تناول الفيتامينات قد يؤدي إلى أعراض مرضية خطيرة:
التسمم بفيتامين «أ/A» يحدث نتيجة تناوله بكميات كبيرة أكثر من عشرين مرة الجرعة اليومية المقررة منه (أكثر من ألف وحدة دولية) خلال فترة تزيد على ثلاثة أشهر، فتحدث حالة من التسمم به، وتشمل أعراضها الصحية: الشعور بالغثيان والقيء وألم في البطن والصداع والشعور بالنعاس وتعب عام ووهن في الجسم وألم في مفاصل العظام وصداع شديد واضطراب عاطفي، وفي بعض الأحيان يحدث جحوظ في العينين ورشح عام في الجسم وجفاف حرشفي بالجلد وشقوق بالفم. وفي أحوال نادرة يصاحب ذلك حدوث أعراض صحية سيئة أخرى مثل ارتفاع الضغط داخل العين والصداع وتناقص في الإدراك الذهني وسقوط الشعر.
فيتامين «د/D» يؤدي إلى تكلس في أنسجة الجسم المختلفة، وسرعة تكوين حصوات الكليتين.
فيتامين «ه/E» يؤدي الشعور بالغثيان ونفخة في البطن وإسهال، وصفار الجلد في الأطفال الصغار.
مجموعة فيتامين «ب/B» تؤدي إلى أمراض مماثلة لأعراض زيادة إفراز الغدة الدرقية، ويسبب بعض الأضرار للجهاز العصبي. فيتامين «ب-6» يتناوله بعض السيدات بصفة مستمرة لإدرار اللبن أثناء فترة الرضاعة، والإكثار من هذا الفيتامين يسبب بعض الأضرار للجهاز العصبي إذا زاد المقدار عن نصف جرام من هذا الفيتامين يومياً.
فيتامين «ج/C» قد يؤدي تناول جرعات كبيرة منه (2000 -3000 ملجم) إلى ظهور بعض الأعراض لدى بعض الناس مثل: الإسهال، والغثيان، وحرقة الفؤاد، والتهاب المعدة، والإجهاد، والهبّات الساخنة، والصداع، والأرق، واختلال التوازن الكيميائي للجسم، وتكوين حصوات بالكلى.


• الإفراط في تناول اللحوم قد يؤدي إلى:
سرطان البروستات والقولون والمستقيم، يخفض معدلات الخصوبة، ضعف العظام عند النساء المُسِنّات، النقرس خاصة مع اللحوم الحمراء، زيادة عدوانية الأطفال وتعزيز الإثارة في نشاطاتهم اليومية، يزيد فرصة الإصابة بسرطان الكلى بنسبة (19%) .. إن زيادة مستوى اليورات في الدم نتيجة كثرة تناول اللحوم يؤدى إلى ترسيب بعض عناصر مثل الكالسيوم والصوديوم في أنسجة الكليتين، بالإضافة إلى تكوين الحصوات وانسداد الحالبين الذي يؤدى في النهاية إلى خلل في وظائف الجهاز البولي واحتمالات تكوين خلايا سرطانية نتيجة ترسيب المعادن في أنسجة الكليتين. وتلقى إحدى النظريات اللوم على (الأمينات) وهى مواد كيميائية تتولد أثناء طهي اللحم في درجات حرارة عالية. كما قد تلعب المواد الحافظة الموجودة في اللحوم المعالجة دورها، وخصوصا (النترات) التي تثير المخاوف لأن الجسم يحولها إلى (أمينات النتروز) وهى مواد مسببة للسرطان.

• الإفراط في تناول الشاي المغلي قد يؤدي إلى:
اضطرابات القناة الهضمية، فقر الدم (الأنيميا) لأنه يعرقل امتصاص الحديد، سرعة التنفس، ارتفاع ضغط الدم، الإمساك، الأرق والقلق، قرحة المعدة والاثنى عشر. كما أن الإفراط في تناول القهوة قد يؤدي إلى: زيادة آلام الرأس (الصداع والشقيقة). وعموما يعمل الكافيين على زيادة نسبة الكورتيزون بالجسم وبالتالي يزيد من توتر الأعصاب والانفعـال الزائد والذي يؤدى إلى العصبية وبخـاصة لدى مرضى السكر وضغط الدم المرتفع.

• يجب عدم الإفراط في تناول الفواكه الحمضية أو عصيرها (البرتقال، اليوسفي، الكيوي) لأن زيادة الأحماض النباتية عن الحد المعتدل يؤثر على مستويات الكالسيوم في الأسنان، ويسبب خللا في توزيع الكالسيوم في الجسم عامة‏، مما يؤثر على جهاز المناعة ومقاومة الأمراض وخاصة الالتهابات‏، وقد يساعد أيضا على تكوين حصوات الكلى (أكسالات الكالسيوم).
كذلك الألياف الموجودة في البرتقال مفيدة في حالة الاعتدال بتناولها فهي تزيد حركة الأمعاء وتساعد على التخلص من الفضلات‏ وتقاوم الإمساك‏، وفي حالة الإفراط في تناول البرتقال تسبب أليافه عسر الهضم وتعرقل عملية امتصاص المواد الغذائية‏. كما يجب على مرضى قرحة المعدة والإثنى عشر عدم الإفراط في تناول الفاكهة الحمضية بكافة أنواعها.

• في دراسة أعدتها جمعية القلب البريطانية تهدف إلى التوعية بمخاطر التناول المكثف لأكياس رقائق البطاطس، أشارت إلى أن أكثر من نصف الأطفال البريطانيين اعتادوا على تناول كيس من رقائق البطاطس كل يوم، كما أن واحداً بين كل خمسة أطفال يتناولون اثنين أو أكثر، وبعد دراسة هذه الكميات تبين أنها تعادل تجرع تسعة لترات من الزيت كل عام!

• يعتبر البيض من أكثر أصناف المواد الغذائية تنوعاً وشمولية من حيث القيمة الغذائية بعد حليب الأم، فالبيض يمثل وحده غذاء متكاملة؛ لاحتوائه على جميع المواد اللازمة لجسم الإنسان بكميات وافرة، فهو يحتوي على 13 نوع من الفيتامينات الأساسية والمعادن. لكن حذرت دراسة طبية من أن الإفراط في تناول صفار البيض يؤثر سلبا على كفاءة أداء الأوعية الدموية والشرايين، وبالتالي مضاعفة فرص الإصابة بأمراض القلب. وأوضح الباحثون أن الإفراط في تناول صفار البيض يعمل على تضاعف معدلات تراكم مادة شمعية أطلق عليها «كاروتايد» تعمل على إعاقة وتقليل التدفق الطبيعي للدم في الشرايين والأوعية الدموية مما يضاعف من فرص الإصابة بأمراض القلب والأزمات القلبية.
د. خالد سعد النجار

Post: #103
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:00 PM
Parent: #102

ما أسهل الكلام والحديث عن الأحوال والمستجدات، وما أكثر المتفيهقين والمتفلسفين والمتشدقين الذين يخوضون في أمورنا توصيفا وتحليلا وتفنيدا، في ظاهرة يجمعها قاسم مشترك أعظم هي «غياب الحق» .. ذلك الحق القائم على تقوى الله في الكلمة، والإخلاص في الوصف، والصدق في بذل النصح .. إنه «النفاق الاجتماعي» الذي استشرى في زماننا - خاصة الإعلام- لدرجة فاقت الوصف، ولمستوى أشبه بالعهر.
ورغم أن ظاهرة «النفاق الاجتماعي» قديمة قدم البشرية إلا أن التاريخ يسرد لنا منها الكثير من الحوادث الفردية في أغلب الأحيان، لكن أزمتنا المعاصرة تكمن في تفشي تلك الظاهرة لدرجة كارثية من الكذب الصريح، والنفاق الداعر، والمجاملة الممجوجة، وطمس الوقائع، وتزيف الحقائق، وتحريف الكلم عن مواضعه، حتى باتت تلك الظواهر لغة العصر وشعار الزمان إلا من رحم الله تعالى، الأمر الذي أدى إلى انحدار الكثير من القيم والأخلاق، وبسبب ذلك ساءت العديد من العلاقات الاجتماعية، وضاعت الكثير من الحقوق، واستشرى الظلم بأبشع صورة، وتعلمت الأجيال الخوف والجبن، وتجرعت ثقافة الخنوع والضعف والاستكانة وتسلط العدو وغيرها من المساوئ.

التاريخ يروي
وقف المهديُّ على عجوزٍ من العرب، فقال: ممَّن أنتِ؟ قالت: من طيِّئ. قال: ما منع طيِّئًا أن يكون فيهم مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك. فعجب من جوابها ووصلها.

ودخل عليه رجل يوما ومعه نعل فقال: هذه نعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أهديتها لك. فقال: هاتها، فناوله إياها، فقبلها ووضعها على عينيه وأمر له بعشرة آلاف درهم. فلما انصرف الرجل قال المهدي: والله إني لأعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم ير هذه النعل، فضلا عن أن يلبسها، ولكن لو رددته لذهب يقول للناس: أهديت إليه نعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فردها علي، فتصدقه الناس، لأن العامة تميل إلى أمثالها، ومن شأنهم نصر الضعيف على القوي، وإن كان ظالما، فاشترينا لسانه بعشرة آلاف درهم، ورأينا هذا أرجح وأصلح.

قال ابن المبارك - رحمه الله -:
وهل أفسد الدين إلا الملوك .. .. وأحبــار سـوء ورهبانها
وروى الإمام مسلم عن النواس بن سمعان قال: ذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل‏.‏ فلما رحنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال‏:‏ ‏‏ما شأنكم‏؟‏ قلنا‏:‏ يا رسول الله ذكرت الدجال الغداة، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل. فقال‏:‏ ‏(غير الدجال أخوفني عليكم)؛... وقد ثبت في المسند بسند جيد عن أبي ذر قالوا: من يا رسول الله؟ قال: (الأئمة المضلون).
وعن بشر بن الحارث عن الفضيل بن عياض: "لأن آكل الدنيا بالطبل والمزمار أحب إلي من أن آكلها بدين".
وعن مالك بن أنس قال لي أستاذي ربيعة الرأي: يا مالك من السفلة؟ قلت: من أكل بدينه. فقال: من سفلة السفلة؟ قال: من أصلح دنيا غيره بفساد دينه. قال: فصدقني.

يقول ابن القيم في كتابه الفوائد: "علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون الناس إليها بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم، فكلما قالت أقوالهم للناس: هلموا؛ قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم، فلو كان ما دعوا إليه حقا كانوا أول المستجيبين له، فهم في الصورة أدلاء، وفي الحقيقة قطاع طرق".
ورحم الله الإمام أحمد حيث قال: "إذا تكلم العالم تقية، والجاهل بجهل، فمتى يعرف الحق؟".
فباعوا النفوس ولم يربحوا .. .. ولم تغل في البيع أثمانها
لقــد رتـــع القـوم في جيفة .. .. يبـين لــذي العـقل أنتانها

تملق السلاطين
وتملق أهل السلطان أخطر أنواع النفاق الاجتماعي لأن بأيديهم السلطة والقوة وهي فتن تغر وتجعلهم أقرب للبطش والتجبر، كما أنهم أسهل وأسرع الناس زلقا في فخاخ الكبر والبطر، لذلك كان احتياجهم لعاقل ناصح أمين أشد من احتياجهم للهواء والماء، ورحم الله الحسن البصري الذي قال: "تولّى الحجاج العراق وهو عاقل كيّس، فما زال الناس يمدحونه حتى صار أحمق طائشاً سفيهاً".
وفي مسند أحمد بسند عن عمر –رضي الله عنه- قال: حذرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من كل منافق عليم اللسان. وروى الطبراني في الكبير عن عمران بن حصين – رضي الله عنه - قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (إن أخوف ما أخاف على أمتي كل منافق عليم اللسان).
وكم نصّب هؤلاء من الزعماء رموزا تصل إلى فوق المكانة النبوية أو لمرتبه الألوهية ..

قالوا في فاروق ملك مصر
يا واحد العرب الذي أمسى وليس له نظير
لو كان مثلك في الورى ما كان في الدنيا فقير
وبنفس الأسلوب وبنفس الروحية يخاطب ابن هانئ الأندلسي المعز لدين الله الفاطمي حيث يقول له:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار .. فاحكم فأنت الواحد القهار

كارثة اجتماعية
كلمة «نفاق» في اللُّغة مأخوذة من النَّفَق، وهو حفرة تحفرها بعض الحيوانات وتجعل لها فتحتين أو أكثر، فإن هوجمت من ناحية خرجت من الأخرى .. فالمنافق شخص حربائي متلون حسب المعطيات والمواقف والمصالح .. قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (تَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ؛ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) [متفق عليه] وقال: (مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين، تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة، لا تدري أيهما تتبع) [مسلم]
إن مشكلة المنافق أنه يعيش بالقناعة التي يريدها سيده، فإن سقط سيده سرعان ما انقلب عليه، وتملق سيدا آخر، لذلك فتبدل المواقف في حياته يسير وكثير، دون أي شعور بالخجل أو المراجعة أو الاعتذار .. يأكل على كل الموائد، وجاهز لكل المواقف، ولديه براعة في قلب الحق باطلا والباطل حقا، لدرجة أن التاريخ يحدثنا عن بعضهم في العصر الفاطمي البائس لما زلزلت الأرض قال ممتدحا - بصورة فجة - الخليفة الفاطمي:
ما زلزلت مصر من كيد ألمّ بها .. لكنها رقصت من عدلكم طربا

النفاق الإعلامي
عن النفاق الإعلامي حدث ولا حرج، وذلك لأن صناديق الانتخابات الديمقراطية تحتاج إلى من يملئوها من السذج والبسطاء الذين حالهم كحال نسوة يوسف حين انبهروا بظاهر جماله ونسوا جراحهم، فلا غرو أن ينفق الطغاة بسخاء على الآلة الإعلامية الرهيبة التي تصنع لهم «حشودا تحت الطلب» جاهزون لرسم مشاهد التأييد والتبريك.
ولم يصل النفاق الإعلامي إلى درجة تزيف الوعي فحسب بل امتد إلى العقائد والهوية الإسلامية فعاث فيها خرابا وفسادا، وفق مخططات مرسوم لها بعناية .. يقول المستشرق «جب»: "إن علينا كي نغير وجه الإسلام أن نسير في اتجاهين: الأول: بناء كوادر علمانية، والثاني: صناعة الرأي العام" .. وذكر أن الكوادر العلمانية تصنع في البعثات لأوروبا وأوكار التعليم التابعة للغرب عندنا، والرأي العام يتكفل به الإعلام المضلل.
وعلى كثرة أمراضنا الاجتماعية يبقى «النفاق الاجتماعي» من أخطرها وأشدها ضراوة .. هذا الداء العضال الذي يحتاج إلى مواجهة حقيقية بترياق من تقوى الله تعالى ممزوجا بالشفافية والصراحة وتحري الصالح العام فوق كل مصلحة شخصية أو منفعة وقتيه، والله الموقف إلى سواء السبيل.
د. خالد سعد النجار

Post: #104
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:01 PM
Parent: #103

«المرض» في بيت الزوجية
حين يصاب أحد الزوجين بمرض تتأثر حياتهما تأثرًا شديدًا، ويتعرضا للتوتر والقلق، ويقع الغرم الأكبر على الطرف الآخر السليم، الذي ينبغي أن يتحمل أعباء إضافية كبيرة. ومع تباين حالات المرض تتباين درجة الارتباط بين الزوجين ودوام العشرة بينهما، فهناك المريض النفسي، والمريض العقلي، والمعاق، والمرض المزمن، وأخيرا الأمراض المعدية التي تختلف في ضراوتها من البسيطة إلى الشديدة التي قد تفتك بالمريض وشريكه كالجزام وغيره ... لكن عموما يبقى لكل حالة لبوسها ولكل مقام مقاله، ويظل التحمل والصبر أو الانفصال متوقفا علي مقدار الحب والارتباط بين الزوجيين، ومدى الضرر الذي قد يلحق بالطرف الآخر، ولا نستبعد وجود الكثير من النماذج الكريمة كأيوب عليه السلام في صبره، وزوجه مضحية كزوجته.

الفأل بحياة زوجية طيبة من أروع وسائل نجاحها وبركتها؛ لأن الفأل كله خير، غير أن معرفة الواقع أمر ينبغي ألا نجهله أو نتناساه، حتى تكون النفوس أكثر استعدادًا لتقبله والتعامل معه، فإن من الأمور التي قد تغيب عن العروسين أن الحياة التي ينتظرانها بكل الشوق لابد أن يعتريها النقص والتعب، والمرض والنصب، ولا يعني هذا أبدًا أن يضع الزوجان هذه الهموم الملازمة لحياة كل إنسان نصب أعينهما، فتتراجع خطواتهما عن الفرح والحبور .. كلا .. وإنما القصد هو أنه لابد من الاستعداد النفسي لكل طارئ أو عارض.
بصراحة ....
لابد أن نصارح أنفسنا بأن هذه الدنيا مهما أسعدتنا فلابد أن تحزنا، ومهما أفرحتنا فلابد أن تشجينا، وأنه لا سعادة تامة إلا بلقاء الله تعالى في جنته، هناك تكمل الفرحة، وتتم البهجة.

• المرض نوع من أنواع البلاء، فمن صبر عليه، ورضي به، كتب له الأجر إن شاء الله تعالى، ومن صبر مع شريكه المعاق أو صاحب مرض مزمن - سواء أكان الزوج أم الزوجة - فإنه يشاركه في الأجر، ويكون له نصيب طيب منه يقدره الله بحكمته ورحمته.

• المرض ليس اختياراً، أي إن الشخص المصاب لم يختر بإرادته أن يكون مريضا، وبذلك لا يكون مدعاة أن يتخلى عنه شريك حياته ويتركه .. ومن ثم فإن تخلي أحد الزوجين عن صاحبه المريض يزيد في ألمه وحزنه ومعاناته بلا شك.

• ليسأل المعافى من الزوجين نفسه: أما كان يمكن أن أكون أنا المبتلى بهذا البلاء؟ أفكنت أرضى أن يتركني شريك عمري؟!

• إن كان الإصابة بالمرض أو الإعاقة قبل الزواج فقد علم بها الشريك الآخر مسبقاً، ورضي بها، وليس من حسن العشرة والوفاء والكرم أن يجعلها سبباً للانفصال.
• إن كان الإصابة بالمرض أو الإعاقة بعد الزواج فليس من حسن العشرة والوفاء أن يرضى أحدهما بصاحبه معافى، ثم يتخلى عنه ويتركه وقد ابتلي بهذا البلاء.

رأي الفقه
يقول د. محمد بن إبراهيم الغامدي (عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد): الأمراض المعدية التي تظهر بأحد الزوجين بعد أن عاشا مع بعض فترة من الزمن لا يخلو من أحد حالين:
«الحالة الأولى»: أن يكون ذلك المرض من الأمراض التي يمكن الوقاية منها بأخذ التطعيمات التي تقي – بإذن الله عز وجل- من ذلك المرض، فهذا النوع لا تأثير له، ويمكن أن يعيش الزوجان معاً، ويستمتع كل منهما بالآخر، كما كانا قبل ذلك المرض.
«الحالة الثانية»: أن يكون من الأمراض التي لا يمكن الوقاية منها، وتنتقل عن طريق المعاشرة الزوجية كالإيدز – عافانا الله، وإخواننا المسلمين- فهذا النوع لا يحل لأحد الزوجين كتمانه عن الآخر؛ لأن ذلك يفضي إلى الإضرار بالآخر، بل لو تعمد أحدهما نقله إلى الآخر كان هذا جريمة قتل عمد، ولو أنه لا يقتل في الحال لكنه يفضي به إلى الهلاك، ولا يحل للزوجة إذا كان الزوج هو المصاب أن تمكنه من نفسها، وكذا الحال بالنسبة للزوج؛ لأنه لا يحل لأحد أن يلحق الضرر بنفسه، ولا بغيره، وقد قال تعالى: {ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة} [البقرة:195]، وقال عز وجل: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً} [النساء: 29]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولا ضرار»[رواه أحمد، صحيح الجامع7517].

المريض النفسي حالة خاصة
المرض النفسي يختلف عن أي مرض عضوي في كونه يختلف في صفاته وتطوره وعلاجه باختلاف شخصية المريض ومدى تحمله للضغوط النفسية ومستواه التعليمي والثقافي ... وغير ذلك؛ وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خلق كل شخصية متفردة بذاتها لها سماتها وشكلها وقوتها وعاطفتها وسلوكها بحيث لا يمكن تقليدها في صفاتها مجتمعة بأي حال من الأحوال. وعلى العكس من ذلك يبدو المرض العضوي كالسكري وضغط الدم مثلا، فيمكن أن يبنى قرار علاج المريض على نتائج القياس والتحاليل مثلا، ولا يختلف الأمر كثيرا من مريض لآخر إذا صادف نفس نتائج التحاليل.
والإبقاء على العلاقة متواصلة مع شريك حياة يعاني من أمراض عقلية أو نفسية، يعد أمراً غاية في الصعوبة. وعلة ذلك هي أن أي شخص يكابد مرضاً من نوع معين مثل: الاكتئاب، اضطرابات مصدرها قلق ما، أو أي نوع آخر من أنواع الحالات النفسية المرضية .. فإن هؤلاء الأشخاص كثيراً ما يكونون متقوقعين داخل ظلمات آلامهم، الأمر الذي يحول بينهم وبين التواصل مع الآخرين، ومع مرور الزمن فإن المرض العقلي يمكن أن يطمس معالم العلاقة الحميمة بين الزوجين ويجني عليها، وأن يقضي على كل ما هنالك من ثقة كانت بينهما قائمة، فيمحو كل عاطفة من شأنها أن تجعل الزواج مجدياً فيما لو كانت طبيعية.
أما على المستوى الأسري فاختلال التوازن بنظام الأسرة نتيجة مرض الأب – مثلا - سيوطد العلاقة بين الأولاد والأم بصورة قوية، ليعوض الأولاد عن فقدانهم لأبيهم وهذا وضع مرضي، فالطفل يقترب للتصرفات الأنثوية التي يتعلمها من أمه مع غياب الأب مثله الأعلى للسلوك الذكوري، كما أن وجود التوتر المستمر يجعل الكثير من الأولاد يظنون العصبية بالتعامل هي أمر طبيعي، فضلا عن أن سيطرة الأم على الأسرة ليس أمرًا صحيًّا؛ لأن الولد قد يخاف في المستقبل التعامل مع الجنس الآخر، أو يولد لديه شعورًا بالخمول تجاه الجنس الآخر، وبالتالي يصبح غير مؤهل لبناء أسرة وتحمل مسئوليتها.

وبالنسبة للفتاة إذا رأت أمها تُضرب يمكن أن تخاف التعامل مع الرجال في المستقبل، وفي حال رؤيتها الأم مسيطرة على الأسرة قد تجد أنها لا بد أن تمارس ذات السيطرة على أسرتها في المستقبل، وهو ما يؤدي إلى مشكلات في التعامل مع زوجها ومع الناس أيضًا، ويأتي هنا دور الأم والزوجة التي لا بد أن تكون واعية للطرق التي قد يتأثر بها الطفل، وأن تدع درجة معينة من الحب والاحترام للأب المريض، وتحاول أن تقدم لهم القدوة الصالحة بأن توجه أنظارهم نحو العم أو الخال أو أستاذ المدرسة، وعن طريق الحوار تقول لهم بأن الوضع استثنائي ناتج عن المرض ليس إلا.
د. خالد سعد النجار

Post: #105
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:02 PM
Parent: #104

«العض» ظاهرة شائعة جداً بين الأطفال في عمر العام والنصف إلى ثلاثة أعوام. ويعكس أغلب هذا العض مشاعر الطفل الصغير، نتيجة قصور قدراته اللغوية عن التعبير، حيث يستطيع الطفل في عمر الخمس سنوات أن يعبر عن حاجاته ورغباته، ولكن الطفل الأصغر عمراً قد يستخدم أسنانه كوسيلة للتعبير.

تعتبر «ظاهرة العض» لدى الأطفال موضوعاً بالغ الحساسية بالنسبة للوالدين، فهو يبدو سلوكاً همجياً وغير مهذب، ويعتقد العديد من الآباء أنه ينم عن اضطراب في شخصية الطفل. فلا شيء يجعل الطفل مرفوضاً من دار الحضانة ومنبوذاً من قائمة المدعوين للحفلات والمناسبات السعيدة أسرع من أن يُعرف بأنه «عضاض». ولكن المطمئن في الأمر أن العض وحده ليس مؤشراً ينبئ بمشاكل نفسية أو اجتماعية في المستقبل، كما أن أخطاره الجسمانية لا تذكر.
وغالبا ما يعض الطفل للحصول على مراده أو التعبير عن مشاعره المختلفة، ورغم أن العض يبقى تصرفا غير مقبولا حتى من الطفل رغم توفر سلامه النية، لكن لا داعي للقلق لأن هذه الحالة ليست فريدة بل نصادفها لدى معظم الصغار، إلا أن هذا لا يعني أن نغض الطرف عن هذه العادة ونمنح الحرية الكاملة للولد، بل لابد من مساعدة الطفل ووالديه للتغلب على هذه المشكلة.

لماذا يحب الطفل العض أحياناً ؟
مسألة العض تختلف من طفل إلى آخر، فمنهم من يتخذها وسيلة للفت الانتباه، أو تعبيرا عن الانزعاج أو الغضب، أي للتفريغ عن مشاعر داخلية، ومنهم من يتخذها وسيلة لطلب شيء يريده، وقد تكون أحيانا وسيلة للتعبير عن الحب، وذلك بتقليد شخص قام بعضه وهو يلاعبه، أو للتعبير عن الشعور بالغيرة، أو للدفاع عما يملكه الطفل خصوصا إذا قام أحد أترابه بمحاولة انتزاع غرض ما منه.

ويمكن اختصار أهم أسباب العض عند الطفل في أربعة فئات :
• العض الاستكشافي: أي أن الطفل يستخدم العض كوسيلة من وسائل استكشاف ما حوله وكل ما قد يصل فمه, وهذا يلاحظ عند الأطفال في بدء المشي, فيميل لعض كل ما يصل إلى يديه .. فالطفل في هذه الفترة لا يزال في المرحلة الفمية (مرحلة التحسس عبر الفم) حيث يسمح له الفم بتحقيق رغباته خصوصا تلك التي تتعلق بسد جوعه والإحساس بالراحة والطمأنينة التي تؤمنها له الرضاعة .. من هناك كان طبيعيا أن تكون ردة فعله الأولى اكتشاف كل ما يحيط به بواسطة هذا الجزء من جسمه «الفم».

• العض الانفعالي: فالطفل قد يلجأ للعض أو الضرب لمن حوله عندما يجد نفسه في ورطة، وغير قادر على حل المشكلة التي هو فيها! وتكون هذه الظاهرة عندما يتعلم الطفل كيف يلعب مع الآخرين ممن حوله
ويمكن التخفيف من ظاهرة العض الانفعالي كما يلي: اجعل وقت اللعب قصيراً, وضمن مجموعات قليلة العدد, وراقب الطفل عن قرب عندما يلعب, وعندما يقوم الطفل بالعض خلال اللعب, قل له: (لا! لا تعض, فالعض يؤلم), وقم بسحب الطفل من الحالة والوضع الذي هو فيه, وابق معه حتى يهدأ، واشرح له كيفية حل الورطة التي كان فيها بطرق هادئة وسلمية.

• العض بسبب حاجة الطفل للشعور بالقوة: وهذا يحدث في الحالات التي يجد فيها الطفل نفسه بحاجة للشعور بأنه قوي، وهذه الظاهرة تشاهد عند الأطفال الأصغر سناً من بين الأخوة
ويمكن التخفيف من هذا النوع من العض بتعزيز شعور الطفل بأنه محمي وليس في خطر، وأنه لا يمكن لأحد أن يأخذه بعيداً أو يعتدي عليه، وأشرح سبب العض لمن هو أكبر من الطفل وكيف يلعب بهدوء مع الصغير، وعند تكرر الحالة أخبر الطفل بألا يعض، وأبعده عن الموقف الحاصل، وأبق معه حتى يهدأ، واشرح له أن هناك طرق أخرى لحل هذه المواقف غير العض.

• عض الطفل بسبب التوتر: وهذا يحدث عندما يكون الطفل تحت ضغوط عاطفية كثيرة، كالفرح الزائد أو الانفعال الزائد أو الغضب أو بسبب شعوره بالألم, وهنا لابد من معرفة السبب ومراقبة الحالات التي يعض فيها، وما هي محرضات العض عنده لتجنبها مستقبلاً.

منارات عملية
على الأرجح يندهش الطفل ويفاجأ عندما تقابل أحاسيسه المبالغة التي يعبر عنها بالعض - تقابل ببكاء رفيقه أو التوبيخات المختلفة التي يوجهها له الكبار.. لكن الأهم هو ألا نعاقبه أو نوبخه بقسوة أو حتى نعضه:
- على الوالدين تشجيع طفلهما الذي يعض على النطق، واستخدام الكلمات للتعبير عن مشاعره.

- لا تنتظر ولو لبضعة دقائق بعد أن يعض طفلك آخر حتى تتكلم معه، فقدرة الصغار على التركيز ضعيفة، ولذا يحتاجون إلى رد فعل واضح وفوري .. كن هادئاً وحازماً في تعاملك مع الطفل، اركع بجانبه كي تصبح على مستواه وتستحوذ على انتباهه، ثم تكلم إليه ببطء وبطريقة جازمة وأعلمه أنك غير موافق على تصرفه هذا، وبأن العض يؤذي الآخرين، وأظهر له الآثار التي خلفتها أسنانه الصغيرة على بشرة غيره.

- تجنب العبارات المبهمة مثل: «الآن يجب أن تكون لطيفا مع أخيك»، وذلك لأن الطفل الصغير لا يرى الصلة بين ذلك والعض.. جرب أن تقول: «لا! يمكننا أن نعض التفاح أو الساندويتشات، لكننا أبداً لا نعضّ الناس!».
- يجب أن يعي تماما أنه لا يجوز أن يعض مجددا. ولكي يقتنع بوجه نظرك قدم له تصرفا بديلا يمكنه اللجوء إليه عوضا عن العض، فإن شعر بالغضب – مثلاً- لأن صديقه أخذ منه لعبته، فبإمكانه أن يأتي ويخبرك بغضبه، ويطلب منك المساعدة في استعادة أغراضه بدلاً من أن يعض من حوله.

- إذا كان عمر الطفل أقل من سنة ونصف، فيفضل وجود لعبة نظيفة مخصصة للعض ليعضها. ومن المهم أيضا تزويده بلعب تساعده في التعبير عما يعاني منه.

- إذا أصر الطفل على عض من حوله رغم ما سبق، ألزمه بالبقاء وحيداً في الغرفة لخمس دقائق في كل مرة يعض فيها، أو اسحب منه لعبته المفضلة لدقائق.

- لا تقم بعض طفلك إذا قام بعضك، فالمرء من فرط غيظه يميل لمقابلة العض بالعض! وهذا خطأ فاحش، لأن من شأنه أن يعزز فائدة فعل العض عند الطفل.

- لا تعض –أيضا- طفلك على سبيل المزاح، فهذا يجعله يعتقد أن العض يمكن أن يكون جزءاً من اللعب والدعابة.

- في حال قام الطفل بعض طفل آخر فلا تركز على طفلك، ولكن ركز على مدى الأذى الذي لحق بالطفل الآخر وحاجته للعلاج، وتجاهل من قام بالعض لفترة من الوقت.

- يمكنك أيضا أن تعتذر من أهل صديقه الذي عضه في وجوده، فهذا من شأنه أن يجعله يتخلى سريعا عن هذه العادة، وتصبح تصرفاته مع الآخرين أكثر سلمية.

- امنح الطفل المكافآت عند تخليه عن عادة العض، أو على الأقل اطبع قبلة حارة كلما استغنى عن العض كوسيلة للتعبير.
د. خالد سعد النجار

Post: #106
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:03 PM
Parent: #105

الملل الزوجي .. الخراب الصامت
الملل آفة من آفات النفس البشرية ومرحلة من الخمول تنتابها بين الحين والآخر، وهي وإن كانت فطرة طبيعية لكنها ليست محمودة على كل حال، لأن الملل يدفعنا لترك قضيتنا ويجهض رسالتنا بعد بدايات متوهجة وعزيمة متقدة، لكن يبقى الرفق بالنفس هو خير دواء مع الوضع في الاعتبار أن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل.

«الملل الزوجي» .. شعور يعتبره الزوجان نذير خطر، ولكن هذا الإنذار قد يكون مفيداً إذا أدرك الزوجان أنه طور عابر يعني الحاجة الماسة إلى التغيير والتجديد في نمط حياتهما، وقد لا يكون الإنذار بهذه البساطة إذا أخذ منحى آخر، ووصل أحد الزوجين إلى حلٍ منفرد فأحدث التغيير بمفرده بعيداً عن الأسرة والمنزل كالسهر الطويل خارج البيت والتنزه والرحلات. الانغماس في هوايات ومواهب جديدة، كالألعاب الإلكترونية والإنترنت. الانخراط في عمل طويل ومجهد. اختلاق المشاكل والمنغصات داخل البيت التي قد تصل إلى الانفصال. بعض الأزواج يلجأ إلى الزواج ثانية وأحياناً ثالثة والبعض يبحث عن علاقات غير شرعية أو سلوك خاطئ.
والملل شيء يأتي غالبًا من داخل الإنسان لانتصار الظروف السيئة وكثرة المشاغل والأعباء والضغوط، ولكي ينجو الزواج من مصيدة الملل، يجب الاهتمام بتجديد طقوس الحياة الزوجية ورعاية تغيير أنماطها من وقت لآخر، فالزواج مثل الكائن الحي يظل متمتعًا بالحيوية ما دام هناك الجديد، ولن يتم قهر الملل إذا لم يكن لدى الإنسان غاية في هذه الحياة.

- تبادل الهدايا حتى وإن كانت رمزية، فوردة توضع على مخدة الفراش قبل النوم لها سحرها العجيب، وبطاقة صغيرة ملونة كتب عليها كلمة جميلة لها أثرها الفعال، والرجل حين يدفع ثمن الهدية، فإنه يسترد هذا الثمن إشراقًا في وجه زوجته، وابتسامة حلوة على شفتيها، وكلمة ثناء على حسن اختيارها، ورقة وبهجة تشيع في أرجاء البيت.

- تخصيص وقت للجلوس معًا والإنصات بتلهف واهتمام للمتكلم، وقد تعجَّب بعض الشرّاح لحديث أم زرع من إنصات الحبيب المصطفى –صلى الله عليه وسلم- في حديث عائشة –رضي الله عنها- الطويل وهي تروي القصة .. من المهم تخصيص هذه الجلسات الحميمية يتصارح فيها كلا الزوجين، ويتحدثان لبعضهما عما يشعر كل طرف منهما تجاه الآخر، وذلك حتى يتخلصا من كمِّ المشاحنات الداخلية والرواسب النفسية.

- النظرات التي تنم عن الحب والإعجاب، فالمشاعر بين الزوجين لا يتم تبادلها عن طريق أداء الواجبات الرسمية، أو حتى عن طريق تبادل كلمات المودة فقط، بل كثير منها يتم عبر إشارات غير لفظية من خلال تعبيرة الوجه، ونبرة الصوت، ونظرات العيون .. فكل هذه من وسائل الإشباع العاطفي والنفسي.

- التحية الحارة والوداع عند الدخول والخروج، وعند السفر والقدوم، وعبر الهاتف.

- الثناء على الزوجة، وإشعارها بالغيرة المعتدلة عليها، وعدم مقارنتها بغيرها.

- الاشتراك معًا في عمل بعض الأشياء الخفيفة كالتخطيط للمستقبل، أو ترتيب المكتبة، أو المساعدة في طبخة سريعة، أو الترتيب لشيء يخص الأولاد، أو كتابة طلبات المنزل الأسبوعية، وغيرها من الأعمال الخفيفة التي تكون سببًا للملاطفة والمضاحكة وبناء المودة.

- التوازن في الإقبال والتمنع، وهذه وسيلة مهمة، فلا يُقبل على الآخر بدرجة مفرطة، ولا يتمنع وينصرف عن صاحبه كليًا، وقد نُهِيَ عن الميل الشديد في المودة، وكثرة الإفراط في المحبة، ويحتاج التمنع إلى فطنة وذكاء فلا إفراط ولا تفريط، وفي الإفراط في الأمرين إعدام للشوق والمحبة، وقد ينشأ عن هذا الكثير من المشاكل في الحياة الزوجية - التفاعل من الطرفين في وقت الأزمات بالذات، كأن تمرض الزوجة أو تحمل، فتحتاج إلى عناية حسية ومعنوية، أو يتضايق الزوج لسبب ما، فيحتاج إلى عطف معنوي، وإلى من يقف بجانبه، فالتألم لآلم الآخر له أكبر الأثر في بناء المودة بين الزوجين، وجعلهما أكثر قربًا ومحبة أحدهما للآخر.

- التجديد المستمر؛ فلا بد أن تجيد الزوجة فنّ التغيير، التغيير في الملبس والتغيير في المكياج، والتغيير في تسريحة الشعر، والتغيير في العطور... نعم عند الزوجة ملابس مناسبة، وعطور جيدة وشعر جميل، ولكن هذا لا يُغني؛ إذ إن التغيير مطلوب في حدّ ذاته، فهو من البهارات اللازمة لتغيير نمط العلاقة الزوجية.

- لا تلغي وجود زوجتك، فالشورى مهمة في الحياة الزوجية، ولابد أن يشعر كل واحد بأنه مشارك فعال في الأسرة وأنه غير مهمل.

- الاختلاف الدائم في الرأي يؤدي غالباً إلى اختلاف القلوب، فوافقي زوجك أحياناً حتى وإن كنت غير مقتنعة. واعلمي أن الطاعة في غير معصية الله، وأنها من المعروف.

- الإجازات من أعظم الوسائل لقتل الملل في الحياة الزوجية، فلابد من جعل يوما واحدا في الأسبوع للخروج للترفيه عن النفس الابتعاد عن الروتين المنزلي، وجعل يوم في الشهر لخروج الزوج والزوجة فقط دون الأبناء، وحبذا لو كان الذهاب إلى مكان شاعري أو مكان له ذكريات جميلة في حياة الزوجين، ولو خُتمت النزهة بهدية رقيقة من أحد الزوجين لكان أفضل وأروع.

- يجب على الزوجة أن تراعي ظروف زوجها، فالحياة صارت من الصعوبة لتوفير حياة كريمة، كما يجب عليها أن تشاركه روحيًّا ومعنويًّا لتشعره أنَّها شريكته في الكِفاح، ولتصرف عن نفسه الشعور بأنه وحيد في حياته، أو أنها بعيدة عنه وتريد نفسها فقط، أو أن اهتمامها به قلَّ نظرًا لظروفه الحياتية التي أجِبَر عليها.

وأخيرا فلقد ثبت علميا أن المرأة لديها القدرة على التجديد والابتكار أكثر من الرجل. إذ أن طبيعة المرأة تجعل لديها القدرة على التخيل والابتكار، والتجديد دائماً يحتاج إلى تخيل وابتكار، ومن المشاكل التي تواجه المرأة المجددة في الحياة الزوجية أن الزوج لا يشجعها أحيانا، وإذا كان الزوج لا يشجع زوجته على التجديد فأنها لن تستمر.

يقول علماء السلوك: «إننا إذا لم نمتدح صاحب السلوك الحسن، فإنه سيترك سلوكه، ولكن ذم السلوك السيِّئ لا يؤدي دوماً إلى ترك السلوك السيِّئ» لذا فهم يؤكدون على أهمية امتداح السلوك الإيجابي.
وفي أحيان أخرى ترى الزوجة التجديد من زاوية معينة ولكن الزوج يراه من زاوية أخرى، ولكن الأصل في الموضوع هو السعادة، فليحاول كل طرف أن يري الطرف الآخر من زاويته، فهي غاية الهدف، لأنهم سيرون زاويتين جديدتين، وهي مشاعر في قمة الروعة والجمال.

والمشكلة الأخرى هي مشكلة هؤلاء الأشخاص الذين ينتظرون من الآخرين أن يدخلوا السرور على قلوبهم ولا يبادرون هم بهذا العمل.
د. خالد سعد النجار

Post: #107
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:04 PM
Parent: #106

أبجديات السعادة الأسرية
من منا لا ينشد السعادة في الدنيا والآخرة، ومن منا لا يسعى إليها سعيا حثيثا كل حسب رؤيته وميوله وقدراته ورغباته .. فهذا سعيه للمال، وذاك سعيه للجاه، وآخر سعيه لانتهال اللذات، والكل يغدو ناشدا السعادة والهناء، وفق من وفق، وخاب من خاب.
لكن أي قيمة للسعادة بعيدا عن منزل هادئ نظيف، وزوجه رائعة طيعة، وأطفال تتدفق البراءة منهم كتدفق قطرات الماء العذب في جدول الربيع .. هل يمكن لنفس سوية أن تستشعر السعادة وسط ضجيج الأسواق وتوتر البورصات ومعارك النفوذ والمناصب وصخب السهرات والانغماس في الملذات دون حسيب ولا رقيب؟!.

إن السعادة لا تعني إلا السكن والاسترخاء بعد يوم كد وعمل، والسعادة لا تزيد عن رغبة ملحة في العودة لرحاب أسرة يتوقف في أجوائها ضجيج الحياة وعنف الانفعالات ومعاناة التوترات، والسعادة هي السكن والمودة والرحمة الزوجية التي جعلها الله تعالى آية من آياته، فقال جل ذكره ممتنا على عبادة: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الروم:21]
قال المفسرون: {لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} والسكن إلى شيء هو نقيض التحرك، والمعنى إنكم تتحركون من أجل الرزق طوال النهار ثم تعودون للراحة عند زوجاتكم، فالرجل عليه الحركة، والمرأة عليها أن تهيئ له حسن الإقامة، وجمال العشرة وحنان وعطف المعاملة. فالمسئوليات موزعة توزيعاً عادلاً، فهناك حق لك هو واجب على غيرك، وهناك حق لغيرك وهو واجب عليك.
{وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} بعد أن لم يكن سابقة تعارف يوجب التواد، فالزوجان يكونان من قبل الزواج متجاهلين فيصبحان بعد الزواج متحابين، وأن جعل بينهما رحمة فهما قبل الزواج لا عاطفة بينهما فيصبحان بعده متراحمين كرحمة الأبوة والأمومة.
ويقول الشيخ محمد عبده عن الزوجة: "وهى منه بمنزلة البعض من الكل، وألزم له من الظل، وصاحبته في العز والذل، والترحال والحل، بهجة قلبه، وريحانة نفسه، وأميرة بيته، وأم بناته وبنيه"

والمودة من أبواب المحبة التي تتضمن التمني مع اتخاذ الأسباب الموصلة إلى المحبوب، وعلى العكس فهروب الزوج من عش الزوجية لابد أن يكون له من الأسباب والمبررات ما يقض مضجعه ويذبح سكينته فيجد نفسه مضطرا لأن يبحث عن سعادته وراحته في موطن آخر غير القفص الذهبي والعش الوردي. منهم من يبحث عن السعادة على المقهى أو في النادي أو في دور السينما، ومنهم من يهرب هروبا داخليا فيدمن الجلوس على النت أو أمام شاشات الفضائيات، ويكون «الحاضر الغائب» .. حاضرا بجسده غائبا بروحه وفكره.

لكن يبقى للروتين الزوجي العامل الأكبر في هروب السعادة الزوجية ومحاولة كل طرف بالبحث عنها خارج إطار الأسرة وهيهات أن يجدها .. إن النفس ملولة وتعشق التجديد، ورتابة الحياة الزوجية لا تروق لها بحال من الأحوال، وللزوجين دورا في ترسيخ هذه الرتابة بين جنبات المنزل عندما يتخلى كل واحد منهما عن محاولة إنعاش الأحداث وتجديد المواقف وإعادة ترتيب العلاقة بينهما.
فكما أن مسئوليات الزوجية توفير متطلباتها واحتياجاتها المادية، أيضا من متطلباتها الحفاظ على أجواء الود والتآلف، فالزوج عليه أن يخرج عن نمطيته المعتادة بإشاعة جو الدعابة من حين لآخر والخروج للتنزه سويا، ولا ننسى أيضا جلسات تعليم الصغار أمور الحياة التي يتخللها مواقف اللطف والمرح كتعليم الأطفال الوضوء أو الصلاة أو فنون الرياضة والإنشاد بصورة عملية أمام أفراد الأسرة، فضلا عن المسابقات والقراءة مع الصغير ومطالعة المجلات المصورة والفضائيات الهادفة مصحوبة بالتعليقات من كافة الأطراف.

إن اقتطاع رب الأسرة جزء من وقته خاص بأسرته يطرح فيه التكلف الزائد والأوامر الصارمة كفيل بأن يدعم جسور التواصل ويملأ أركان البيت بالبهجة والسعادة، بل ويحسن من مزاجه النفسي ويحرره من ضغوط الحياة التي لا تنتهي.

أما الزوجة فنكاد نجزم بأن جُل مفاتيح السعادة الزوجية بيدها بحكم أنها ربه هذا المنزل وقيمته والمسئولة عن كل كبيرة وصغيرة فيه، وبحكم أنها رئيسة «الجبهة الداخلية» في الحياة الزوجية.
إن اعتناء الزوجة الزكية بمظهرها وجوهرها له بالغ الأثر في استقرار حياتها الزوجية، فضلا عن نظافة بيتها وإعادة ترتيبه كل فترة لإضفاء شكل جديد عليه يقتل النمطية التي تصيب الأبصار بالسآمة والملل، والزوجة الزكية تحسن السيطرة على مفاصل بيتها وضجيج صغارها خاصة وقت تواجد الزوج المتعب الذي ينشد الاسترخاء والراحة .. إن أهم ما يؤثر في الزوج ويجعله أسير الحياة الزوجية أن يحوز الاهتمام الكافي من قبل الزوجة التي تنجح في إضفاء وضع خاص للمنزل عند عودة الزوج المتعب المكدود من عمله، وهذا يشمل جهوزية الطعام الذي يحبه، واختفاء ضجيج الأطفال عبر وسائل أعدتها الزوجة مسبقا كجلوسهم حول برامج الكمبيوتر الهادفة أو الأفلام التربوية الشيقة التي تحجم من فرط حركة الصغار لحظة راحة الزوج واسترخائه.
ومن الأمور التي تروق للزوج «المبادرة بتلبية رغباته» حتى قبل أن يطلبها بلسانه، كسرعة إعداد الشاي بعد الغذاء أو تقديم الفاكهة التي يحبها أو توفير الجريدة التي يفضل قراءتها أو اختيار القنوات التي تروق له .. مما يشعره بأنه سيد مطاع وضيف مرغوب في قربه وتواجده، فالحب ما هو إلا تعبير وتطبيق، ونكران الذات في سبيل راحة المحبوب، وأحب شيء للرجل هو شعوره بأن له مكانة خاصة في قلب زوجته وحياتها، وأنها تبذل كل هذا الود والاهتمام تقديرا لجهده وامتنانا بفضله.
أما السياج الآمن الذي يجعل زوجك أسير منزله وسعيد زمانه فهو مشاركته في هواياته والأنس به في حواراته وفتح قلبه لك في جلسات ودية حميمة يبوح كلاكما بمكنونات صدره وسوانح أفكاره وآرائه وطموحاته. والنبي العدنان - بأبي هو وأمي- سابق عائشة فسبقته وسبقها، وحاورها وحاورته في جلسات ودية تمثل نموذجا راقيا لمن ينشد السعادة الزوجية.
كما أن الزوجة الزكية تعرف كيف تتحاور مع زوجها ومتى تتناقش، واللحظة التي عندها تطلب أو ترفض أو تخالف أو تعترض .. كل هذا من واقع معرفة وخبرة جيدة بمزاج زوجها ومداخل شخصيته وما يحب وما يكره.

ورغم أن العيوب البشرية تتفاوت لكن الزوج يهرب بالأخص من الزوجة الثرثارة والنكدية والجريئة في علاقاتها الاجتماعية والمبذرة والفضولية والشكاية والمغرورة والمهملة والعنيدة.
أما الزوجة فتنفر من الزوج البخيل والأناني والمتسلط والمطلاق والغضوب والمنحاز لأسرته بشكل جائر والمدخن وأسير النزوات والغيور المفرط والشكاك والمستهتر.
وكل هذه التوجيهات لا تعني بالضرورة أن يكون الرجل حبيس بيته قد سيطرت زوجته على دقائق حياته بل معناه حرص كل طرف على أن يجعل حياته الزوجية قبلته التي تصبو نفسه إليها ويجد عندها سكينته وراحته، وهذا لا يمنع إطلاقا من العلاقات الاجتماعية والأنس بالأصدقاء والأقارب والجيران، فالإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، لكن في الاعتدال السلامة، وما أجمل أن نعيش الحياة كاملة بوسطية لا إفراط فيها ولا تفريط، وما أبشع أن يصير البيت أتون نار تغلي فيه عواطفنا ومشاعرنا ونهرب من جحيمه بحثا عن السعادة في الطرقات.

وأخيرا ينبغي للزوجين أن يكونا على قناعة تامة بأن الهناء الأسري نعمة وفرصة ربما لا تمنحها الأقدار على الدوام ولذلك فالتمتع بهما والارتواء من نبعهما عين الكياسة، والحفاظ على أسبابهما من مقتضيات التعقل والفطنة، بل إن من دوام استمرار النعمة شكر المنعم، فليتدارك كل منهما نفسه ويصحح مساره كي تدوم أسباب الوصل، ويستمتع بمباهج حياة أسرية مستقرة بدلا من النفرة التي لا مبرر لها على الإطلاق.
د. خالد سعد النجار

Post: #108
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:08 PM
Parent: #107

تجنب النكد الزوجي من أهم أسباب الحياة الزوجية السعيدة، لأن النكد أسوء صفة للزوجة التي تحاول باستمرار خلق المشاكل وإزعاج زوجها وأولادها، فالمرأة النكدية هي امرأة تشتعل حقدا وتجافي الحب والمودة، ودائما ما تكون غبية، تدمن العناد والتحدي، وربما تكون مريضة نفسيا لأن أغلب سلوكها غير سوي وهي تحول المنزل إلى متحف للأمراض والعلل والمشاكل التي بدورها تنفر الرجل عنه وتسيء إلى الأولاد في تربيتهم ودراستهم ومستقبلهم.

اعتلال المزاج النفسي الدائم عند المرأة والميل للاكتئاب والاستعداد لافتعال المشاكل مع الآخرين‏ قد يكون من مظاهر اضطراب قديم يسميه علماء النفس بالسوداوية‏,‏ أو الميلانكوكيا‏,‏ وأعراضه الأساسية: الحزن‏، واللامبالاة العاطفية،‏ والتباطؤ النفسي والحركي‏,‏ أي تباطؤ الاستجابة النفسية والاستجابة الحركية للدوافع المختلفة‏،‏ ويكون الإنسان مشغولا بنفسه عن الآخرين‏.

ينحصر في ذاته دائما، ويتخيل أن كل ما يرتبط به من هموم وشواغل وأفكار لابد أن يكون بالضرورة موضع اهتمام الآخرين‏,‏ كما هو موضع اهتمامه‏، ولهذا فإنه يبادر من يقترب منه بالحديث دائما عن نفسه وهمومه وشواغله وهواجسه، ويتوقع منه أن يشاركه همه وأن ينشغل به عن كل ما عداه‏.
وقد يضيق به أو يشتبك معه إذا استشعر لامبالاته بما يحدثه عنه‏، أو إذا حاول الآخر تهوينه عليه أو لفت نظره إلي أنه ليس من هموم الحياة الصعبة‏، أو لا يقارن بهموم المبتلين بأشياء قدرية أخري يصعب احتمالها‏.
كما أنه يطلب أيضا من الآخرين الكثير‏ ولا يعطيهم من نفسه شيئا غالبا لأنه غير قادر علي العطاء ولأنه يتصور أنه ذات ميزة من واجب الآخرين أن يهتموا بها‏،‏ وليس من حقهم أن يتوقعوا منها الاهتمام بأمرهم.
ولهذا فإن الشخصية السوداوية تكون عادة شخصية شديدة الوطأة علي الغير، وتحاول دائما أن تفرض همومها وشؤونها عليهم‏، وتجعل من ذاتها محور الحديث معهم‏، وقد لا تتورع عن أن تكدر عليهم صفو أوقاتهم عند الضرورة،‏ بافتعال المشاجرات معهم أو مع أقرب الناس إليهم في حضورهم‏,‏ فينفرون من الاقتراب منها مرة أخري .. كل ذلك مرجعه إلي اللامبالاة العاطفية باعتبارات الآخرين، والانحصار داخل الذات وشواغلها وشجونها وحدها‏!‏

والمنزل الذي يعشش فيه النكد تستوطنه الأمراض والعلل وخاصة للزوج، وهذا ما أكدته الأبحاث النفسية والطبية، فمن أهم ثمرات الحياة الزوجية السعيدة الصحة الجيدة ومقاومة أكثر للعدوى وانخفاض احتمالات الوفاة بسبب الإصابة بالأمراض الخطيرة كالسرطان أو أمراض القلب.

ويضيف أحد علماء النفس فوائد أخرى، مثل التمتع بحياة أطول وخاصة إذا كانت الحياة الزوجية أكثر ترابطا وعلاقات الزوجين جيدة، كما أن هناك فوائد صحية وعقلية وجسمانية للحياة الزوجية السعيدة الخالية من النكد تتمثل في قلة حالات اكتئاب والقلق والاضطرابات العقلية والذهنية.
إلا أن كل ذلك يتحول إلى العكس تماما عندما تتأزم الحياة الزوجية، فيتحطم قلب الآخر، فيما يمكن أن نطلق عليه الإصابة بمرض «القلوب المحطمة» ويصف عالم النفس "جوتمان" المرض بأنه شيء مفجع، حيث يدخل الفرد في دوامة الأحزان، وتتوقف العديد من الأجهزة عن أداء عملها، ويصبح الطرف الحزين أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المعدية، حيث يرتبك جهازه المناعي عن العمل، وبالتالي يظهر الشخص وكأنه يعاني من مرض السل، بالإضافة إلى أنه يفقد الرغبة في الحياة.

ولاحظ "جوتمان" أن الحياة الزوجية السعيدة توفر فوائد عديدة للرجال والنساء، وإن كان الرجال يحصلون على قدر أكبر من هذه الفوائد. وأشار إلى أن واحدا من الطرق الرئيسة للحصول على الفوائد من الحياة الزوجية هو تقليل المخاطر، حيث يتوقف الرجال عن القيام بسلوكيات خطيرة، مثل القفز من ارتفاعات عالية أو تناول المشروبات الكحولية أثناء القيادة، كذلك يهتمون أكثر بصحتهم على العكس من الرجل الغير موفق في حياته الأسرية.
كما أثبتت الدراسات أن هناك علاقة مباشرة بين الحياة الزوجية الجيدة وصحة الأوعية الدموية. ففي أحدث الدراسات التي أجريت على مدى ثلاثة أعوام عن الحالة الصحية لعدد من الرجال والسيدات الذين يعانون من تفاوت في ضغط الدم وجد الباحثون أن هناك ارتباطا مباشرا بين ضغط الدم والعلاقة الزوجية، خاصة بالنسبة لمدى تعاون الزوجين فيما بينهما.

وينصح "د.بريان بيكر" المتخصص في علم النفس والذي أشرف على الأبحاث بالابتعاد عن شريك الحياة طالما كانت الحياة الزوجية تعيسة، لأن حدوث احتكاك مستمر بين الزوجين سيؤدي للإصابة بارتفاع في ضغط الدم, في حين أن العكس يحدث تماما في الحياة الزوجية السعيدة. كما أنه في حالة الأزواج الذين يتمتعون بحياة زوجية جيدة، يكون جدار القلب أقل سمكا من جدار القلب لدى الأزواج الذين لا ينعمون بحياة زوجية ناجحة، وهذا بدوره يضمن أداء متميز لعضلات القلب.
وبينما ركزت الغالبية العظمى من الدراسات على تأثير الحياة الزوجية على الأوعية الدموية, تبين أن للزواج الناجح آثارا أخرى تمتد إلى حسن طريقة تعامل الجسم مع ضغوط الحياة، وقد ضمت أبحاث "بيكر" العديد من الدراسات التي توضح التأثيرات الصحية للحياة الزوجية، وأشارت إحدى هذه الدراسات على سبيل المثال إلى أن ضغوط الحياة الزوجية يمكن أن تضاعف من احتمالات الإصابة بمرض السكر.
وأشارت دراسة أخرى إلى أن الزوجات اللاتي يعانين من ضغوط الحياة الزوجية أكثر عرضة للإصابة بالأزمات القلبية للمرة الثانية بمعدل يصل إلى ثلاثة أضعاف الأحوال العادية، وهذا ما أكدته دراسة للباحثة السويدية "كريستينا أورس جومير" نشرتها مجلة الجمعية الطبية الأمريكية حيث أشارت إلى أن المشاكل الزوجية وما يتولد عنها من نكد أسري تضر بقلوب السيدات خاصة اللاتي يعانين من مشاكل الشريان التاجي أكثر مما ينتج عن إرهاق العمل، وهذه الدراسة شملت 292 سيدة متزوجة من سن 30-65 سنة تعرضن لمخاطر الذبحة الصدرية حوالي 3 مرات أكثر من اللاتي يعشن في جو أسري هادئ، وتفسر هذه النتائج بأن هرمونات الانفعال الثلاثة «الأدرينالين والفورادرينالين والكورتيزون» يزيد إفرازها في حالات الانفعال والضيق، مما يؤثر علي سلامة القلب.

بينما أشارت دراسة ثالثة لبيكر إلى أن الحياة الزوجية السعيدة تؤدي إلى زيادة مناعة الجسم، وتقليل فرص الإصابة بأمراض القلب بسبب انخفاض نسبة هرمونات التوتر في الجسم.
بل لقد اكتشف علماء في جامعة "هايد لبيرغ الألمانية" في دراستهم التي نشرتها صحيفة (لوس أنجلوس تايمز) الأمريكية، بعد متابعة عشرين زوجاً وزوجة يعاني أحدهما أو كلاهما من آلام وأوجاع مزمنة في الظهر، أن الآلام المزمنة في الظهر والرقبة كانت بسبب وجود شريك حياة نكد على مقربة من المريض. ولاحظ العلماء أن وجود الزوج أو الزوجة على مقربة من شريك الحياة الذي يعاني من ألم الظهر يزيد درجات الألم بثلاثة أضعاف، بينما يخف عند خروجه من الغرفة.

إن النكد لا يمر في بيوتنا مرور الكرام، فإن دخلها لابد أن يهدد استقرار الحياة الزوجية، فالزوج الذي يرى أن «النكد» هو سيد الموقف يستقبله كلما دخل بيته الذي ينشد فيه الراحة والهدوء يهرب منه وينشد الراحة خارجه، وهو ما لا ترغب به أي امرأة، لذلك على الزوجة أن تعي خطورة النكد الذي قد تتسبب فيه، وهنا لا نبرئ الزوج من كونه قد يسبب النكد في بعض الأحيان، إلا أن المرأة بضحكتها العذبة وابتسامتها الرقيقة يمكن أن تذيب أي خلاف أو سوء تفاهم يداهم عشها الصغير.


- أول ما يجب أن تنطلق منه أي امرأة تنوي حياة زوجية سعيدة الالتزام الصحيح بدين الله سبحانه وتعالى، فهو خير قاية من حياة النكد والشقاء، فلا يجهل أحد ما جاء في حديث رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عندما سئل عن خير النساء فقال: «الذي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره» [رواه أحمد]

- لاشك أن الملل قد يدخل الحياة الزوجية، وهذا ما قد تفرضه طبيعة الحياة علينا نتيجة كثرة المسؤوليات والواجبات؛ لذا عليك أيها الزوجة أن تبدأي برحلة التجديد في حياتك، افعلي شيئاً مختلفاً، حضّري المفاجئات لزوجك، أعدي عشاءً جميلا ناقشي خلاله ما تريدينه بصراحة مغلفة باللباقة، وبمقدمة تمتدحين حياتك فيها مع زوجك وتمتدحين خصاله، فهذا سيكون جواز سفرك إلى عقله وقلبه معاً، وبذلك تضمنين عدم عودتك من رحلتك خائبة.

- ابتعدي عن الشكوى المستمرة، سواء من الأحوال المادية أو مسؤولية الأولاد أو الأعمال المنزلية، واعلمي أن لزوجك مشاكله التي قد لا يبوح لك بها ؛ لأن طبيعة الرجل تختلف عن طبيعة المرأة، فهو يكتم مشاكله لئلا يحملك عبئا فوق أعبائك، بينما تقذفين أنت في وجهه بشكواك، والأسوأ من كونك تكثرين الشكوى أنك قد تحملينه مسؤولية ما تعانينه، وهو ما يجعله يصد عما تقولينه، ولو أنك عرضتها بمعزل عنه وبطريقة هادئة لفكر معك في حل لها، ووجدت منه تعاطفاً يرضيك.

- لا تستسلمي للهم والقلق وكوني طلقة الوجه، بشوشة، متفائلة، فلكل مشكلة حل؛ لذا فكري بحل لمشكلاتك التي قد تعترض حياتك، لا في وجودها وحسب.

- ابتعدي عن الخيال وواجهي الحياة بواقعية، فعالم الأحلام لا ينطبق على الواقع.

- عليك بالرضا والقناعة وعدم مقارنة حالك مع الآخرين، فإن قنعت بما قسمه الله لك ملكت مفاتيح السعادة.

- لا تفكري بهموم الغد فكما يقال: «لكل وقت أذان». وعليك أن تعلمي أن إسعاد الطرف الآخر يجب أن يكون غاية كل زوجين .
د. خالد سعد النجار

Post: #109
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:09 PM
Parent: #108

لا شك أن وجود طفل موهوب، أمنية تتمناها كل أسرة، وحلم جميع الآباء. ومن ناحية أخرى نجد أن ظاهرة الطفل الموهوب قد لفتت نظر المفكرين والمربين منذ أقدم العصور، وحاول بعضهم أن يقدم تفسيرات شتى لهذه الظاهرة، كما استُخدمت مصطلحات عدة للدلالة عليها، كالعبقرية والنبوغ والإبداع. ويرى البعض أن الموهوب يختلف عن المبدع، فالموهوب هو الذي يملك قدرة عقلية عالية، أما المبدع فيتسم بالإنجاز الجديد الأصيل.
وينظر علماء النفس أثناء تعاملهم مع الموهوبين إلى المستقبل، في حين ينظرون إلى الماضي أثناء تعاملهم مع المبدعين، وكأنهم في حال الموهوبين يضعون الإعداد والرعاية والتوجيه نصب أعينهم، كي يتمكنوا من الاستفادة المستقبلية من هؤلاء الموهوبين.

وفي الواقع فإن الأطفال الموهوبين ذخيرة يجب أن تصان ولا تبدد، فهم القوة التي تدفع البشرية إلى الأمام، وهم القلم الذي يكتب التاريخ، وهم وديعة الوطن وثروته، ومن هنا تمثل رعاية الموهوبين الأساس ونقطة الانطلاق، وما يتم صرفه على فئات الموهوبين لا يضيع هباء، بل يظهر مردوده بعد سنوات عدة في مختلف مجالات الحياة.

ومن المهم معرفة أن الأطفال الموهوبين، بالإضافة إلى احتياجاتهم الأساسية كأطفال، إلا أنهم يعتبرون أطفالا ذوي احتياجات خاصة، لأنهم يحتاجون إلي دعم إضافي، حتى تنموا مواهبهم إلى أقصى حد. وفي عديد من الدول في العالم، تم توجيه عناية أكبر بهؤلاء الأطفال. وتوجد هنالك جمعيات مختلفة أسست لدعمهم وذويهم.

يوجد عدد من الصفات النفسية الإيجابية والسلبية التي يشترك فيها الموهوبون .
أولا: الصفات الإيجابية:
- مهارة في التعبير عن أفكاره ومشاعره.
- يحكى القصص والأحداث بوضوح ويستطيع ابتكار نهايات منطقية للقصص.
- الإنجاز السريع لما يطلب منه من أعمال.
- العمل بعناية وضمير.
- حب التعلم والاستكشاف، والسعي دائما وراء المعلومات، ودقة ملاحظة ما يدور حوله، واكتساب الخبرات من هذه الملاحظات.
- يقوم باستمرار بتقسيم، وترتيب، وتنظيم الأشياء وتسميتها.
- مهارات اجتماعية متميزة، وسهولة في تكوين علاقات خاصة مع من هم أكبر منه سنًّا.
- الحساسية لاحترام مشاعر الآخرين، واحترام حقوقهم.
- الاشتراك في المنافسات، وإثراؤه لها بآرائه.
- سرعة وإدراك العلاقات التي تربط الظواهر أو المشكلات بأسبابها، أو العوامل التي تؤثر فيها.
- القدرة الفائقة على استخدام مهارات القراءة، واكتساب معارف ومعلومات جديدة للإسهام في خلق جو من المرح والبهجة وإسعاد الآخرين.

خصائص نفسية سلبية
هذا بالإضافة لعدد من الخصائص النفسية السلبية منها:

- السعي بإصرار للتحكم في المناقشات التي يشترك فيها.
- قلة الصبر أحيانًا في الانتقال من مرحلة إلى أخرى في عمل أنشطته.
- إمكانية التهور بذكر ملاحظات كبيرة غير قائمة على أساس سليم من المعلومات والخبرة.
- احتمال تفضيل القراءة على حساب الأنشطة الاجتماعية الأخرى، والتفاعل مع الآخرين.
- معارضة أو تجاوز النظم والقواعد والتعليمات أو المعايير.
- المعاناة من إحباطات، نتيجة غياب المنطق، أو تجاوزه في ممارسة الحياة اليومية.
- احتمال الاندماج لفترات طويلة في أحلام اليقظة التي تبعده عن الواقع المحيط به، وتحول بينه وبين التركيز والانتباه.
- إمكانية الشطط والخروج عن الموضوع أثناء المناقشة لجوانب لا علاقة لها به.
- الشعور بالملل بسبب التكرار والإطالة في شرح قواعد أو بديهيات أو مفاهيم.
- مقاومة الالتزام بجدول أو نظام قائم على الوقت، وليس على العمل نفسه.
- سرعة فقد الاهتمام بالأشياء أو الهوايات.
- أخطاء في الهجاء، ورداءة الخط.
- الاندماج في أنشطة حركية زائدة، مثل: الانتقال من عمل غير مكتمل لآخر، خاصة حين الافتقاد لمتنفس لطاقاته العالية في أعمال تتصل باهتماماته وتتحدى ذكاءه العالي.
- الإحساس بالغرور، وما يترتب عليه من عزلة اجتماعية، أو تهاون يؤدي للفشل في أعمال بسيطة.
- المعاناة من اضطراب النوم والقلق..

يتميز الأطفال الموهوبون بزيادة الحساسية والاستجابات الداخلية لأي رد فعل للمشاكل العادية للنمو، ويرجع ذلك إلى مجموعة واسعة من المظاهر الاجتماعية خلال التفاعل الاجتماعي، وهو ما يجعل هؤلاء الأطفال يدركون عدم الانضباط أو الخلل الاجتماعي حولهم، وكأن هناك شيئًا خاطئًا بالنسبة لهم

خصوصًا عندما يلاحظون أن الأطفال متوسطي الموهبة والذكاء محبوبون بين زملائهم في الفصول الدراسية، بينما يجدون (الأطفال الموهوبون ذوو المستويات العالية في الموهبة) صعوبة في التوافق مع أقرانهم، وتبدو مشكلة عدم التواصل بين الأطفال الموهوبين في سنوات ما قبل المدرسة، وينفصلون عن الأطفال في سن صغيرة في حوالي الثالثة، نظرًا لاستخدامهم اصطلاحات ومفردات لفظية لمن هم في عمر ست سنوات، وبذلك لا يفهم من هم في أعمارهم نفسها (أي في الثالثة)، وهم في سن الرابعة يلعبون بعض الألعاب التي تحتاج إلى قدرات عقلية أعلى، مثل: لعبة البنج بونج أو الفيديو جيم. ولا يلعبها أقرانهم ..

فمفهوم الأطفال الموهوبين عن المؤسسة أو الجماعة يشبه مفاهيم الراشدين، ولكنهم يُصدمون عندما تحاصر سلوكياتهم، وتصادر حقوقهم من قبل الراشدين في المشاركة في الجماعة أو المؤسسة، فيلجأ هؤلاء الأطفال إلى الانسحاب من التفاعل الاجتماعي، وهنا يشخص معلم ما طفلاً موهوبًا في عمر الرابعة على أنه مضطرب عاطفيًا أو انفعاليًا!! لأنه انسحب من المشاركة الاجتماعية، وتزداد المشكلة ـ بعد الانسحاب ـ تعقيدًا إذا وجهه الآباء للعلاج النفسي، جهلاً منهم بأن المشكلة ناتجة عن عدم الموازنة بين قدراته وقدرات الأقران العاديين الذين يبتعد عنهم.
لكن ينبغي التنويه إلى أنه ليس كل من تتوفر فيه هذه الصفات الآنفة الذكر يكون موهوبًا، وليس كل من لم تنطبق عليه غير موهوب .. والذي يعنينا في هذا الأمر أن نعتبر هذه الصفات مجرد إشارة لإمكانية وجود موهبة، لنسرع بتعهدها ونسعى لاكتشاف المزيد منها، بل وغرس بعض ما يمكننا غرسه لإثمارها.
وهذا ما يعبر عنه دائما بقول: «كل طفل مشروع موهبة، خاصة إذا كانت مجالات الموهبة تتسع لتشمل كل مجالات النشاط الإنساني؛ ولذا فمن حق الطفل الحصول على أفضل فرص للنمو».
وهناك فرق واسع بين أن نحكم على أطفالنا ونصنفهم لموهوب وغير موهوب، وأن نتناول الخصائص المميزة كبوصلة تدل على المساحات التي يجب الاهتمام بها، ونتجه فورًا للبحث عن الوسائل التي تكفل التنمية لأقصى حيز ممكن. ولا يعنينا فقط عملية التصنيف التي كثيرًا ما تكون جائرة وغير سليمة، بل دعوني أقل بأن ضمير الأمومة يأباها ويرفضها.

لا علاقة
ينبغي الإشارة إلى أن الموهوبين والمؤثرين في الحياة والمجتمع ليس بالضرورة هم الأذكى أو الأعلى في العلامات المدرسية .. صحيح إن التفوق الدراسي هو عامل مهم في التفوق الحياتي، لكنه ليس الوحيد .. إن المؤثرين في الغالب هم الذين يمتلكون مهارات اجتماعية في التعامل وبناء العلاقات، وحسن استثمار ما لديهم من قدرات، وما يستطيعون بذله من جهد.
د. خالد سعد النجار

Post: #110
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:20 PM
Parent: #109

اللعب والرياضة وتربية الأولاد
تعتبر فترة الطفولة في الإنسان هي أطول طفولات الكائنات الحية، وخلال هذه الفترة يتم البناء الجسدي للطفل وتستمر حتى البلوغ ً، بعدها يصعب النمو في العضلات والعظام وعموم البدن تقريباً. وبالتالي فلابد أن يستوفى البناء الجسمي للطفل حقه خلال هذه الفترة الهامة.

ومنع الطفل عن اللعب أو تقييد حركته له مخاطر جمة بدينة ونفسية بل الأصل ومن تمام التربية أن تهيأ له فرصة طيبة لهذا واعتباره أمرا طبعياً ولازماً. وقد نبه على ذلك الإمام الغزالي في الأحياء فقال: "وينبغي له بعد الفراغ من المكتب (كتاب تحفيظ القرآن) أن يلعب لعباً جميلا يستفرغ إليه تعب الكتاب، بحيث لا يتعب في اللعب، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعليم دائماً يميت القلب، ويهبط ذكاءه، وينغص العيش عليه حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً".

فإذا أخذنا في الاعتبار أن التكاليف الشرعية تنتظره وجوبا بمجرد بلوغه، وأنها تحتاج إلى بدن سليم بل كامل وبنية قوية كما هو الحال في الصلاة والصيام والحج والجهاد أدركنا ما لهذه التربية من أهمية.

لعب الأطفال:
تعتبر كثرة حركة الأطفال وميولهم الغريزية إلى اللعب نوعا من الهداية الربانية في بناء الجسم، كما أن اللعب هو مطلب نفسي؛ ولذلك راعت الشريعة هذا الأمر واعتبرته جزءاً لا يتجزأ من العملية البنائية والتربوية لدى الأطفال، وكان صلى الله عليه وسلم يراعي ذلك فتارة يداعبهم ويلاعبهم، وتارة يلقاهم يلعبون فيقرهم ويتركهم طالما لم تكن هناك مخالفات شرعية.

روى الطبراني عن جابر رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعينا إلى طعام، فإذا الحسين يلعب في الطريق مع صبيان فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم أمام القوم ثم بسط يده فجعل يفر ههنا وههنا فيضاحكه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أخذه فجعل إحدى يديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه، ثم اعتنقه فقبله.

وعن ابن عباس رضي الله عليه عنه قال: [مر بى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الغلمان فاختبأت منه خلف باب فدعاني فحطأني حطأه (أي ضربني ضربة) ثم بعثني إلى معاوية فرجعت فقلت هو يأكل](رواه أحمد 1/338).

وكما لعب ابن عباس والحسين لعب أيضا أنس رضي الله عنه، فهاهو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: [بينما ألعب مع الغلمان فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرسلني في حاجة](متفق عليه).

وقصة عبد الله بن الزبير حينما مر عليه عمر وهو يلعب مع الغلمان، ففروا جميعاً خوفاً من عمر إلا ابن الزبير فسأله عمر لم لم تفر فقال: ما كانت الطريق ضيقة فأوسع لك، ولست مذنبا فأخاف منك.

بل وقد ثبت في السنة أنه عليه الصلاة والسلام كان يلعب في صغره مع أترابه حين جاء جبريل فأخذه من بينهم وشق صدره كما في الحادثة المشهورة (المسند 3/288)

وليس اللعب غريزة عند الذكور فقط، بل هو أيضا عند الجواري كذلك؛ فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم – وكانت تأتيني صواحبي، فينقمعن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يسربهن إلى فيلعبن معي](ينقمعن: أي يستترن)

المسابقات الرياضية:
اللعب والرياضة عمل هام جداً للأطفال، ورغم أن أكثرها يؤديه الطفل عفواً أو لمجرد الاستمتاع مع أقرانه إلا أن لها دوراً هاماً في تنشيط البدن والقلب، وفي تطوير الجسد والعقل، فلا ينبغي أن ينظر إليها على أنها مجرد مضيعة للوقت وإهدار للعمر، بل ينظر إليها على أنها ضرورة، وباب لتنمية قدرات الطفل ومواهبه، وباب للمعرفة وتحصيل المعلومات، وكذلك إقامة العلاقات مع أبناء جنسه، وهي كذلك باب لتفريغ الطاقة ومحاربة الكبت والانطوائية.
وإنما دور الآباء والمربين هو التوجيه وتصحيح الأخطاء، ومحاولة الدلالة على أنواع اللعب المفيدة، مع ترك مساحة لحرية اختيار الابن لنوعية اللعب واللعبة دون إجبار وتدخل مباشر.

الإسلام سباق دائما:
لن نعجب من سبق الإسلام في هذا الباب، فقد سبق الإسلام في كل مفيد نافع؛ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يُجري المسابقات بين الصغار ويكافئ الفائز منهم ففي مسند أحمد عن عبد الله بن الحارث رضي الله عليه عنه قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصف عبد الله وعبيد الله وكثير بني العباس رضي الله عنهم ثم يقول : من سبق فله كذا وكذا... قال فيسبقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، ويقبلهم ويلتزمهم].
وهذا إن دل فإنما يدل على اهتمام البني صلى الله عليه وسلم بناشئة الإسلام، وأنه كان يرعاهم بنفسه، ويجرى بينهم المسابقات على رغم شغله وكثرة أعبائه، وقد ورث عنه قادة الأمة هذه المهمة.... ومازال الدهر يصدح بما روى عن عمر بن الخطاب في قولته المشهورة (علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل).

تلبية لابد منه:
ولابد ونحن نتكلم عن لعب الأطفال ورياضتهم أن نذكر أولياء الأمور والمربين إلى أن ألعاب زماننا منها الكثير المضر، فألعاب الكمبيوتر والأجهزة الحديثة أكثرها لا تفيد بدنا ولا تبني جسدا، ولا تصنع رجلاً، وإنما أكثرها خيال، ونهايتها وبال، وإذا لم ينتبه إليها علمت أولادنا الانحلال، ثم الانطوائية، ومحبة الانفراد والوحدة، وقطيعة الرحم، وعدم التعاون، والعيش في عالم خاص بعيد عن الواقع، هذا إذا أفلت من ضمور العضلات، والأمراض النفسية، والانحرافات العقدية.

إن الألعاب الهادفة هي التي تبني الجسم والعقل جميعاً بتعددها وتنوعها، وهي التي تعين على إيجاد جيل مستعد للدفاع عن دينه وعقيدته ووطنه، وهو أمر عظيم يحتاج بلا شك إلى تضافر جهود وبذل مجهود عسى أن يكون مستقبل أمتنا خيراً من حاضرها... اللهم آمين.
إسلام ويب

Post: #111
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:22 PM
Parent: #110

عشر خطوات للتغلب على عادة مص الإصبع
الطفل حين يرضع يحاول إشباع غريزتين هما: «غريزة الامتصاص» و «غريزة الجوع»، وحين يتناول زجاجة الحليب ويفرغها، تبعدها الأم عن فمه حتى لا يمتصّ الهواء ويصاب بالمغص، وعادة يكون قد شبع تماما، ولكن هل أشبع غريزة الامتصاص ؟ هل تمتع بالامتصاص للمدة التي يشاؤها؟

هذا أمر مشكوك فيه جدا، وخصوصا إذا كبر في السن واستطاع أن ينهي زجاجة الحليب بسرعة .. ولعل كثيرا من الأمهات يلاحظن أن الطفل يقاوم من يحاول نزع حلمة زجاجة الحليب من فمه بعد فراغها ويتعجبن من هذا، فهن يفسّرنه بأنه جوع بالرغم من كفاية كمية اللبن، ولكن الواقع أن الطفل يحتاج إلى إشباع هذه الغريزة المسيطرة «غريزة الامتصاص» حتى بعد أن انتهى جوعه.

كما أن عادة مص الإصبع بعد عمر ستة أشهر تختلف تماماً عما هي علية قبل ذلك، فالطفل بعد هذا العمر يبدأ بمص إصبعه عند شعوره بالتعب أو الانزعاج أو الضجر أو محاولة النوم، وهو يرضي بذلك العديد من الحاجات النفسية والاجتماعية، فالذي يمص إصبعه في الشهر الأول تعبيراً عن عدم الاكتفاء بالرضاعة تتحول لديه الحالة بعد الست أشهر الأولى لتعبر عن الشعور بعدم الارتياح، ولهذه الأسباب فليس هناك أي حاجة لزيادة وقت أو عدد الرضعات بعد العمر المذكور.

منارات عملية
1. يجب تجاهلها أو صرف انتباه الطفل عنها طالما أنه لم يبلغ أربع سنوات من العمر .. فقبيل هذه السن تعتبر هذه العادة أمراً طبيعياً؛ خاصة عند شعور الطفل بالتعب، لكن إذا كان الطفل يمص إصبعه إحساسا بالملل وكان عمره يزيد عن العام؛ فحاولي أن تصرفي انتباهه عنها وأعطيه شيئا يشغل به يديه (التلوين، الرسم، لصق بعض القصاصات الورقية الملونة .. ) دون أن تظهري له اهتمامك بهذه العادة، كذلك امدحي الطفل من حين لآخر على عدم مصه لإصبعه.

2. لابد أن تبني موقفاً متسامحاً مع الأطفال الصغار الذين يمصون أصابعهم وغض النظر عنهم، وكوني مسترخية، واعملي على تخفيف التوتر الذي يشعر به طفلك.. ونعود ونؤكد إلى أن أي ضغوط أو عقاب لمنع الطفل من ممارسة هذه العادة قبل بلوغه السن التي يستطيع فيها استيعاب ما تقولينه عن أضرارها سوف يؤدي إلى زيادة مصه لإصبعه.

3. الفائدة الرئيسية للمصاصة هي أن الطفل إذا تعود استعمالها فلن يمصّ إصبعه عادة، كما أن مصّ الإصبع قد يؤدي إلى بروز الأسنان إلى الأمام إذا استمرت تلك العادة بعد ظهور الأسنان الدائمة، فالمصاصة أقل ضغطاً من الإصبع على الأسنان، وبالتالي فتأثيرها في بروز الأسنان للأمام أقل بكثير من مص الإصبع، بالإضافة إلى إمكانية التحكم في استعمالها إذا كبر الطفل؛ إذ يكون بإمكانك تحديد الوقت الذي يجب أن تمنعيه من استعمالها، وعلى النقيض فلا يمكنك منع الطفل عن مص إصبعه في أي وقت تشائين، طالما أن الإبهام يخص الطفل.

4. لا تعلّقي المصاصة في حبل أو خيط أو سلسلة حول عنق الطفل؛ خشية أن يتسبب ذلك في اختناقه، ويمكن استخدام المشابك الجديدة التي تربط المصاصة بملابس الطفل بشريط قصير؛ لأنها عملية وأكثر أمانا.
5. لا تستعملي المصاصات التي تحتوي على سائل؛ فإن بعضها قد يكون ملوثا بالجراثيم.

6. لا تغطي المصاصة بأي نوع من الحلوى؛ خشية أن يؤدي ذلك إلى تسوس الأسنان إذا كانت قد ظهرت. ولا تضعي العسل على المصاصة؛ خشية أن يسبب ذلك مرضا خطيرا يسمى «التسمم الوشيقي» وهو أحد أنواع التسمم الذي يصيب الأطفال الذين لم يبلغوا العام من عمرهم عندما يتناولون العسل.

7. بعد أن يبلغ الطفل أربع سنوات من العمر ساعديه على الإقلاع عن مص الإصبع أثناء النهار .. في البداية يجب أن تأخذي عهداً من الطفل بالإقلاع عن هذه العادة بعد أن تبيني له مدى الضرر الذي يمكن أن تلحقه بالجسم، كأن تجعليه ينظر في المرآة إلى الفراغ الموجود بين أسنانه، أو ينظر إلى التجعيد الخشن في الإبهام (الجزء الصلب أو الغليظ من الجلد الذي ينتج عن مص الإصبع)، وأظهري له شعورك بالفخر حياله لإقلاعه عن تلك العادة، عندئذ يستجيب معظم الأطفال، ويوافقون على وجوب الإقلاع عن تلك العادة.

8. تأكدي من أن الطفل لا يمانع من تذكيره إذا نسي ومص إصبعه: افعلي ذلك بتعليقات لطيفة مثل: «خمن ماذا تفعل؟» ثم طوقيه بذراعيك، وذكريه بأنه كان يمص إصبعه مرة ثانية .. شجعيه على تذكير نفسه إما برسم نجمة على إبهامه بقلم فسفوري أو بوضع شريط لاصق عليه أو طلاء أظافره، ولكن يجب أن تدعي الطفل يقوم بفعل هذه الأشياء بنفسه، وامتدحيه كلما لاحظت أنه لا يمص إصبعه في الأوقات التي اعتاد على ممارسة تلك العادة فيها من قبل، كما يمكن أن تكافئيه في نهاية كل يوم لا يقوم فيه بمص إصبعه بأن تعطيه مثلاً مبلغاً قليلاً من المال أو وجبة خفيفة أو تروي له قصة مسلية.

9. كلما زاد شعور الطفل بالأمان كلما قلّت الحاجة عنده للبحث عن الراحة في مصّ الإصبع، فإذا كان الطفل يواجه أي قلق، فحاولي تخفيف هذا الضغط النفسي الذي يتعرّض له بقدر الإمكان، والعمل على أن يكون جوّ البيت هادئاً مريحاً، آمناً سعيدا، وأن تكون هناك علاقة ودّ وصداقة بين الأبوين والطفل.

10. آخر طريقة نلجأ إليها هي الجهاز الطبي وهذا حين يفشل كل شيء. فطبيب الأسنان سيثبت قطعة بلاستك توضع في الفم حول الأسنان خلال اليوم وفي الليل، حسب ما يحدد الطبيب. وهذه الطريقة تساعد الطفل إلى حد كبير في أن يقلع الطفل عن هذه العادة.

د. خالد سعد النجار

Post: #112
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:27 PM
Parent: #111

الغضب .. عاصفة تزلزل الحياة الزوجية
الغضب جزء من مكونات شخصيتنا البشرية، فمن منا لا يغضب، ومن منا لا يفقد أعصابه، وتتوتر نفسيته، خاصة مع أحداث الحياة المعقدة، وكبواتها التي لا تنتهي، فالحلم بزوجين هادئين لا يعدو كونه خيال لا يلمس أرض الواقع مطلقا، لكن التعامل الحكيم مع ثورات غضب الشريك هو الواقع المثالي الذي ننشده، والقوة النفسية الهائلة التي نتمناها لكل زوج وزوجة، كي تمر العاصفة بسلام ويخرج الطرفان منها بأقل خدوش، يجمعهما سياج متين من الحب والود والعشرة، لا تفت في متانته العواصف، ولا توهن من تماسكه الخطوب.

• خطأ أحد الزوجين لابد أن يتبعه لين جانبه للطرف الآخر، فما أقسى الخطأ مع التعنت والتبجح والإصرار، ولين الجانب قد يكون في كلمة دعابة أو سرعة استجابة للطلبات، مع احتمال كلمات العتاب وربما التوبيخ من الطرف الآخر، وغض الطرف عن بعض التصرفات العكسية المتوقعة.

• للغضب ثورة أشبه بالسكر الذي يفقد عقل الإنسان، وهذا يتطلب مرونة فائقة من الطرف الآخر وتجنب مقاطعته في الحديث أو الرد عليه بكلمات استفزازية، بل حبذا لو جاريناه ببعض الكلمات الرقيقة مثل: "معك الحق" .. "أعرف أنك مرهق" .. "لا تتعب نفسك" .. فمثل هذه الكلمات تطفئ ثورة الانفعالات، وتشعره بأنك تهتم به وبهمومه. بعد أن تهدأ العاصفة يمكن أن ندندن حول فضيلة الحلم، وأنه لا ينبغي أخذ الأمور دوما بعصبية؛ وإنها مشاكل بسيطة وحلها بالعقل والروية أفضل من العصبية، وما أروع الحديث بأسلوب لبق يشعره بالخطأ، ويجعله يندم على انفعالاته، بل ربما يعتذر عما بدر منه.

• لنحرص على التحكم في انفعالاتنا وألا تفارق وجهنا الابتسامة والبشاشة فهي بريد الوئام والتفاهم، وهي رسالة غير مباشرة لإعلان وقف المشاحنات في البيت وإنهاء الخصام.
وفي الحديث النبوي الشريف: «ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» [متفق عليه].. قال العلماء: أي إنما القوي من كظم غيظه عند ثوران الغضب، وقاوم نفسه وغلب عليها، فحول المعنى فيه من القوة الظاهرة إلى القوة الباطنة، ومن ملك نفسه عنده فقد قهر أقوى أعدائه وشر خصومه، لخبر أعدى عدوك نفسك التي بين جنبيك، وهذا من قبيل المجاز وفصيح الكلام لأن الغضبان لما كان بحال شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه سورة الغضب وقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كمن يصرع الرجال ولا يصرعونه.

• تبسمك في وجه أخيك صدقة، فما بالنا بشريك العمر ورفيق الدرب بالطبع ستكون صدقات وصدقات، فالابتسامة المشرقة المضيئة والفكاهة والبشاشة كفيلة بأن تبدد غيوم الكآبة وشبح البغضاء وتضفي على البيت أجواء من السعادة قد لا ينعم بها الكثير بسبب البخل في ابتسامة صافية وكلمة حانية لا تكلفهم الكثير من الوقت والجهد.

• اللامبالاة بغضب الشريك أسوأ درجات الاستفزاز، وأسوأ منه التعبير بعبارات تبين له مدى استهانتك بشخصيته، فهذا من شأنه أن يسير بكما في نفق مظلم لا خروج منه، ويعقد المشكلة التي بدأت بسيطة لكنها صارت ككرة الثلج التي كبرت حتى أتت على كل شيء.

• من الخطأ أن نقابل الانفعال بانفعال واتهام، فغضب الزوج – مثلا- لا يقابل بشكوى الزوجة من مشاكل الأطفال وهموم المنزل، لأن هذا من شأنه أن يؤجج نار العداوة ويوغر الصدور أكثر فأكثر، وما أجمل أن نحتسب عند الله الصبر على الضراء لأن هذا يهون على النفس مرارة الموقف، فكل عمل لله تعالى فيه نصيب فهو هين ويسير على النفس.

• عزيزتي الزوجة: تذكري دائما قول الرسول –صلى الله عليه وسلم-: «أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة». [رواه ابن ماجة] .. لا تنامي وهو غضبان منك، فبعد أن تهدأ الأمور، وتتأكدي من هدوء أعصاب زوجك، حاولي المبادرة لاسترضائه، فالواجب الشرعي يقول: إن المبادرة تكون من خيرهما ديناً وعقلاً، أو من أقدرهما في الغضب والرضا، كما قال أبو الدرداء لأم الدرداء رضي الله عنهما: «إذا غضبتُ فاسترضيني، وإذا غضبتِ أسترضيك، وإلا لم نجتمع».

• حذار من النكد المستمر والشحناء المتواصلة، فهي السوس الذي ينخر في بيت الزوجية حتى يستحيله خرابا ودمار، والبيت المملوء بالحب والهدوء والتقدير المتبادل والاحترام والبساطة في كل شيء خير من بيت مليء بما لذ وطاب وأجواء النكد والخصام متوغلة في كافة أركانه وأجوائه.

• الزوج المتوتر يؤثر بتوتره على حياته الزوجية وعلى زوجته وأطفاله، وعلامات التوتر عنده أنه دائماً في عجلة من أمره، ويبحث دوما عن الكمال، وأي عمل أمامه دائماً ناقص، كما أنه دائماً ما يجعل المسؤولية على عاتقه في العمل والمنزل، ولا يعرف كيف يستمتع بوقته وبحياته ..

نصائح لتخفيف التوتر
تقول الدكتورة «روزاليت» أخصائية علم النفس الأمريكية: إن هناك عدة نصائح لتخفيف التوتر عند زوجك، أهمها:
ـ ابحثي عن الأشياء التي تستمتعان بممارستها معاً مثل الخروج للتنزه .. ويفضل ممارسة بعض التمارين الرياضية.

ـ تجنبي الألعاب التنافسية مع زوجك، فبدلاً من ممارسة التنس مثلا يمكنك التريض معه سيراً على الأقدام.

ـ كافئي زوجك إذا تمسك بهدوئه في موقف صعب بدعوته مثلاً على العشاء داخل أو خارج المنزل، أو إهدائه كتاباً مضحكاً أو فكاهياً مرحا يجعلكما تضحكان من الأعماق.

• الحالة الاقتصادية وظروف المعيشة الصعبة وشد الأعصاب في العمل وزحام المواصلات وصعوبة التعامل مع الدواوين الحكومية‏ ..‏ كلها عوامل تجعل أفراد الأسرة في حالة توتر مستمر‏,‏ خاصة الأزواج‏,‏ حيث تكثر مشاحناتهم التي قد تتحول إلي خلافات عميقة‏.

وكثيرا ما تبدأ شرارة هذه المشاكل أثناء المناقشة بين الزوجين عقب عودة الزوج من يوم حافل بالعمل الشاق بعد استهلاكه لقدر كبير من طاقته‏,‏ وتكون نسبة السكر في دمه قليلة للغاية‏,‏ ويقول الأطباء: «إن النقص في السكر يجعل الزوجين في حالة تعب وإرهاق لا تسمح لهما بمناقشة هادئة‏» ..‏ لذا يجب على الزوجات الإسراع بتقديم وجبة الغداء فور عودة الزوج، وعدم إثارة أي من الأمور العائلية أو المشاكل الأسرية حتى ولو كانت أمورا تافهة لأن ذلك يثير الأعصاب‏.‏

ويقول خبراء الاجتماع إن الجوع يساعد علي سرعة انفلات الأعصاب‏,‏ لذا فهم ينصحون الزوجات بالتروي عند عرض وجهات نظرهن وعدم مناقشة أي موضوعات مع الأزواج إلا بعد الأكل حتى يكون السكر قد عاد إلى مستواه المعتاد في الدم‏,‏ كما أنهم ينصحون بتقديم عصير أو مشروب سكري للزوج عند عودته إلي المنزل‏.
• الغضب ليس نهاية الطريق وليس علامة تلاشي الحب والود بينكما، فكبد الحياة لا ينتهي، وإنما سمي القلب قلبا لأنه يتقلب، وما من محنة إلا ويتبعها منحة، فالصبر الصبر وحذار من وساوس الشيطان الإبليسية.
‏د. خالد سعد النجار

Post: #113
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:28 PM
Parent: #112

لا يشم منك إلا أطيب ريح
لا نبالغ إذا قلنا إن الرائحة الجميلة الزكية مفتاح من أهم مفاتيح العلاقة الزوجية الناجحة، بل وسائر العلاقات الاجتماعية، وعلى العكس تشكو بعض النساء من هروب أزواجهن من عش الزوجية، ويعتقدن بأن سبب ذلك هو مشكلة جمالية .. غير منتبهات إلى أن الرائحة الكريهة قد تكون هي السبب الخفي وراء هذا النفور والهجر.
بل وهناك زيجات تفشل رغم أن الزوجة تكون على قدر كبير من الجمال والرشاقة، ويكون الزوج على درجة عالية من النضج والفتوة. ويندهش الجميع لهذا الفشل ويحاولون دون جدوى معرفة السبب، ورغم أن الأسباب كثيرة ومتعددة ولكن من أهم هذه الأسباب التي لا يبوح به عادة الأزواج «الروائح المنفرة» أي وجود رائحة عامة تشمل الجسم كله، خاصة رائحة العرق، أو تكون خاصة من الفم مثلا، أو تكون أكثر خصوصية من الأعضاء التناسلية.

وهناك أنواع شتى من العطور نشتريها رجالاً ونساء عند الزواج، ويُهدى إلينا أضعافها.. يوصي البعض العروس بعطر جديد «أخَّاذ» وآخر «فتّان» وثالث «مثير» ثم بعد شهور ننظر إلى زجاجات العطر ونعتبرها جزءًا من الديكور .. ففي المطبخ، ومع قدوم الطفل الأول، والانشغال بتغيير الحفاظات، وترتيب المنزل .. وغيرها من الأعباء، يبقى العطر للمناسبات العائلية فقط. لكن من قال إن الرائحة الطيبة هي قارورة عطر وحسب، بل على العموم فإن الرائحة الطيبة وغياب الروائح الكريهة هي- بدون مبالغة- أساس العلاقة الزوجية الناجحة، ومفتاح تجددها.

خير الهدي النبوي
قال ابن القيم في زاد الميعاد: وكان صلى الله عليه وسلم يكثر التطيب، ويحب الطيب، وكان لا يرد الطيب، وثبت عنه في حديث رواه مسلم أنه قال: «من عرض عليه ريحان فلا يرده، فإنه طيب الرائحة خفيف المحمل» وبعضهم يرويه: «من عرض عليه طيب فلا يرده» وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سكة [وعاء الطيب] يتطيب منها، وكان أحب الطيب إليه المسك.
وأورد مسلم في كتاب الفضائل باب بعنوان: «طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم، ولين مسه، والتبرك بمسحه» وذكر حديث جابر بن سمرة رضي الله عنه، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الأولى، ثم خرج إلى أهله وخرجت معه، فاستقبله ولدان، فجعل يمسح خدي أحدهم واحدا واحدا، قال: وأما أنا فمسح خدي، قال فوجدت ليده بردا أو ريحا كأنما أخرجها من جؤنة عطار [أي السفط الذي فيه متاع العطار].
وأورد أيضا حديث أنس رضي الله عنه قال: ما شممت عنبرا قط، ولا مسكا، ولا شيئا أطيب من ريح رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا مسست شيئا قط ديباجا ولا حريرا ألين مسا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفي باب «طيب عرق النبي صلى الله عليه وسلم والتبرك به» أورد الإمام مسلم حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل علينا النبي صلى الله عليه وسلم، فقال عندنا فعرق، وجاءت أمي بقارورة، فجعلت تسلت العرق فيها [أي تمسحه] فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا أم سليم! ما هذا الذي تصنعين؟» قالت: هذا عرقك نجعله في طيبنا، وهو من أطيب الطيب.
قال النووي في شرح مسلم: وفي هذه الأحاديث بيان طيب ريحه صلى الله عليه وسلم وهو مما أكرمه الله تعالى، قال العلماء: كانت هذه الريح الطيبة صفته صلى الله عليه وسلم وإن لم يمس طيبا، ومع هذا فكان يستعمل الطيب في كثير من الأوقات مبالغة في طيب ريحه، لملاقاة الملائكة وأخذ الوحي الكريم ومجالسة المسلمين.
وكان صلى الله عليه وسلم أشد ما عليه أن تُشم منه ريح كريهة، فروى البخاري عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يَمْكُثُ عندَ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ وَيَشربُ عِنْدها عَسلا، فَتَوَاصَيْتُ أَنَا وَحَفْصَةُ أَنَّ أيَّتَنا دَخَلَ عَلَيْهَا النبي صلى الله عليه وسلم فَلْتَقُلْ إني أَجِدُ مِنكَ رِيحَ مَغَافِيرَ [صمغ حلو له رائحة كريهة] أكَلْتَ مَغَافِير؟ فَدَخَلَ على إِحْدَاهُمَا فَقالت لَهُ ذَلِكَ، فَقال لا بَلْ شَرِبْتُ عَسَلا عِندَ زَيْنَبَ بِنتِ جَحْشٍ وَلَنْ أَعُودَ لَهُ فَنَزَلَتْ: {يَا أَيُّهَا النَّبِي لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم:1]

احتفظ بأنفاسك زكية
قبل أن تفتح فمك بتحية أو بكلام تأكد أن رائحته طيبة، فكثير من الأزواج يشكون من أن رائحة فم شريك الحياة مزعجة، ولذلك ينفرون من الاقتراب من أنفاسه ما استطاعوا لذلك سبيلاً. ولا شك أن موالاة تنظيف الأسنان بعد الوجبات وقبل الصلوات وعند الاستيقاظ وقبل النوم (وفقًا لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم) كفيلة بحل هذه المشكلة أثناء النهار، أيضا يمكن لقرص من النعناع أو العلكة أن يجدد رائحة الفم.
وهناك الآن في الصيدليات الكثير من المنتجات التي تحفظ رائحة الفم طيبة، يشتريها الناس لأسباب اجتماعية، فلماذا لا نقدم الزوج أو الزوجة في هذا المجال؟! والأقربون أولى بالمعروف.

رائحة الجسد
هناك أماكن في الجسم لها صفات خاصة من حيث إفراز مواد دهنية وشمعية من غدد دهنية متخصصة، وأهم هذه الأماكن: الإبطان والفخذان والرقبة .. تتركز فيها الغدد العرقية بدرجة أكبر، وتتصف أيضا بوجود غدد دهنية تفرز مادة دهنية شمعية تساعد على ليونة الجلد وتمنع الاحتكاك بين الأجزاء المحيطة بالمكان.
ومع زيادة إفراز العرق والمواد الدهنية في هذه الأماكن، إضافة إلى أنها أماكن ليست معرضة للتهوية، يعطى وسطا مناسبا لنمو بعض أنواع من البكتريا والفطريات لا تعتمد على الأكسجين في نموها، محدثة التهابات جلدية فطرية متصاعدة تختلط بها خلايا الجلد المصاب فتحدث الرائحة المنفرة المصحوبة بتغيير لون الجلد المعروف للسيدات البدينات بصفة خاصة.
ومما يساعد على تفاقم الحالة وجود أمراض مثل «السكري»، ووجود التهابات جلدية وعرق غزير يعطى رائحة منفرة لتلك الأماكن المصابة غالبا مما يجعل الطرف الآخر غير راغب في التجاور والمخالطة.

ويمكن التغلب على مشكلات رائحة العرق الكريهة بعيداً عن الحقن والأدوية والعقاقير من خلال ما يلي:
- الاستحمام يومياً بالماء الدافئ والصابون.
- إزالة الشعر من تحت الإبطين والعانة فهي من سنن الفطرة، وقد وقتت الشريعة الإسلامية مدة أربعين يوما كحد أقصى لإزالة هذا الشعر.
- إذا كنت ممن يفضلن البخور على العطور فضعي قطرة من دهن العود تحت كل إبط تكفيك لمدة يومين.
- استعملي البخور بعد كل استحمام وجسدك ما زال ندياً وشعرك ما زال مبللاً؛ لكي تعلق بك رائحة العود، وعندما تطلقين البخور في غرفة النوم افتحي الدواليب وأغلقي باب الغرفة، حتى تعلق الرائحة الذكية بالملابس.
- اعلمي أن البشرة الجافة تمتص الزيوت الموجودة بالعطور؛ لذلك تذهب رائحة العطر بسرعة. أما البشرة الدهنية فهي أكثر احتفاظاً برائحة العطر.
- الفتيات صغيرات السن يناسبهن العطر المصنوع من الزهور، أما النساء الأكبر سناً فيناسبهن العطر الأثقل والأقوى.
- تجنبي وضع العطور بعد تناول الأطعمة الحريفة، مثل: البصل والثوم والسمك والكاري وغيرها؛ فمثل هذه الأطعمة تصل إلى البشرة وتؤثر على رائحة العطر.
- لا تضعي العطور وأنت متوترة أو في حالة نفسية سيئة؛ ففي هذه الحالة تؤثر العطور بشكل مباشر على الأعصاب ذات الصلة بحاسة الشم.
- تجنبي وضع المساحيق والكريمات بكثرة حتى لا تنغلق مسام البشرة، وهو ما يمنع خروج العرق فتتكون البثور والحبيبات.
- تجنبي تناول الأطعمة الدسمة فهي تزيد من شعورك بحرارة الجو فضلاً عن تأثيرها الضار على الجلد، لاسيما بشرة الوجه.
- إذا كان شعرك طويلاً فارفعيه لأعلى حتى لا تشعري بالحر، ومن ثم تقل نسبة العرق.
- في حالة غزارة العرق المصحوب برائحة كريهة تستعمل الأعشاب التالية كغسول استحمام: زهور الكاموميل وأوراق الحناء والجوز والبلوط والكاد الهندى ومسحوق الريحان.
- علاج الأسباب المرضية مثل السمنة والسكر مهم جدا ولا يجب إغفاله.
د/ خالد سعد النجار

Post: #114
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:29 PM
Parent: #113

الذكاء التعليمي .. بوابة الإبداع والتميز
الضغط، والعجلة، وتكثيف المقررات الدراسية .. كلها محاولات حثيثة يطلق فيها الآباء لأنفسهم العنان من أجل تنمية واستثمار ذكاء أطفالهم، يحدوهم في كل هذا الرغبة العارمة بأن يكون ابنهم متميزا، وأن لا تضيع بواكير الذكاء وأمارات النباهة سدى، في الوقت ذاته لا ينتبهون إلى كونهم أطفالا وليسوا «روبوتات» قابلة للبرمجة وتكديس المعلومات، مع عدم التقدير الواقعي لمرحلتهم العمرية وما تتطلبه من احتياجات وتتمتع به من خصائص وقدرات .. لذا لا غرابة - مع سوء توظيف للطاقة الكامنة بالأطفال- أن نجدهم بعد فترة قصيرة يملون ويفترون، بل ويتمردون ويعزفون عن المعرفة والتعلم بالكلية.

بين القديم والحديث
هناك علاقة وطيدة بين ذكاء الطفل وثقافته، بل إن الثقافة تنمي ملكة الإبداع لديه، لكن من الضروري التخلي تماما عن نظام مد الطفل بثقافة الذاكرة (الحفظ والتلقين) والاهتمام بمتابعة مواهبه وصقل الملكات الإبداعية لديه بطرق عملية باعتبارها أساساً للتكوين المعرفي والسلوكي في حياته المستقبلية، كما أن الاعتماد على الممارسة العملية والميدانية, تجعل خيال الطفل متجددا خصبا، وهذا أول طريق النبوغ والتميز، خاصة وأن التطور التقني والمعرفي الرهيب جعل من الحصول على المعلومات غالبا لا يشكل أية صعوبة، كما لن يشكل امتلاك المعلومات في المستقبل فارقًا جوهريًا بين الأمم والأفراد، وإنما سيكون التميز مرتكز أساسا على مهارات المجتمع في استخدام المعلومات وتحليلها وتوظيفها، ولذا فإن تنمية المهارات العقلية العملية لدى الأطفال ستكتسب أهمية بالغة.

ماهية الذكاء
«الذكاء» هو جوهر النشاط العقلي، وهو قدرة كامنة في الفرد تتشارك فيها عوامل عديدة، قاعدتها الأولية العوامل الوراثية (عامل داخلي) ثم يأتي دور الوسط والبيئة الاجتماعية والتعليمية (العوامل الخارجية)، فالذكاء كقدرة كامنة يمكن تعديلها عن طريق الاستثارة بالمؤثرات البيئة المختلفة.
وإن كان الذكاء -كما يرى علماء النفس- قد يتوقف كقدرة كامنة (عند عمر 15سنة تقريبا) شأنه في ذلك شأن النمو الجسمي، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة توقف التعلم والإنتاج العقلي واكتساب المهارات والخبرات الجديدة.

عوائق وعوارض
ثمة عوائق أسرية تعترض إبداعات الطفل مثل: التأنيب المبالغ فيه تجاه المحاولات الفاشلة أو حرمانه من التجريب والخطأ، والحماية الزائدة، ومقابلة استفسارات الطفل بنوع من السخرية أو الاستهتار، والإفراط في التدليل أو الإفراط في العقوبة والقمع، وتجاهل الحوارات معه والتي من شأنها أن توجه الطفل ذهنيا وتنظم أفكاره، خاصة وأن ملكة الخيال عند صغارنا تفوق تصوراتنا وعلينا تغذيتها، أيضا تجاهل هموم الطفل ومخاوفه، وعدم الإلمام بإمكاناته وقدراته الذاتية.
وفي المقابل لا يفوتنا أهمية العديد من العوامل المحفزة للقدرات العقلية لأبنائنا مثل: الاستقرار العائلي، والتغذية السليمة، والرعاية الصحية الجيدة، والرعاية الأسرية المتوازنة، حيث كشفت -مثلا- أحدث الدراسات النفسية عن أن احتضان الوالدين لابنهما الطفل واللمس على كتفه يزيد من ذكائه ونموه الطبيعي، إذ أنه يساعد على إفراز مادة «لاندروفين» في الجسم، وهي موصل عصبي يساعد على تخفيف العصبية والقلق النفسي والإحساس بالألم .. إن العقل ينشطه الأمن ويحجمه التوتر؛ ولذا تتضح أهمية الدعم المعنوي للطفل بالتشجيع والحب.

رأي المختصين
تقول البروفيسيره (آنا جوزبينا ماتيولي) من معهد الدراسات التربوية في جامعة (لاسابينسا) في روما: «الطفل لا يعنيه المغزى أو المعنى من الوجود بقدر ما تعنيه تلك العلاقة المادية بينه وبين العالم الخارجي في درجات توازنها مع جسده وحواسه, لأن الطفل في حالة ذهنية تتميز بعدم القدرة على إدراك الفارق بين الواقع والخيال, أو بين الذات والموضوع, كما أنه عاجز عن التمييز بين ذاته والأشياء التي تحيطه, فالمكان والزمن والسبب كلها أمور بعيدة عن فهم الطفل وإدراكه بخاصة في مراحله المبكرة, كما أن التقدير الأخلاقي للسلوك لا يولد مع الطفل, وهو بالتالي لا يستطيع إدراك القيم الأخلاقية المتعارف عليها بيننا كالكذب والصدق والأمانة والسرقة.. الخ، فالطفل وهو ينتقل من سن إلى سن, لا يستطيع أفراد عائلته إدراك ووعي مراحل الانتقال, يعني إدراك الحاجات الجديدة التي تولد بفعل النمو, وحين يجد عدم تجاوب, يقود نفسه نحو الانعزال وتخمد حالة الإبداع عنده شيئاً فشيئاً».

مهارات عملية
كل مناحي النمو لها حد أقصى وحد أدنى، وإذا ما تحدثنا عن طبيعة أي مرحلة من عمر الطفل فإننا نتحدث في هذا الحيز، وبالتالي فإن تدخلنا لتنميتها واستثمارها إنما يكون محاولة لنصل بقدرات أبنائنا إلى حدها الأقصى داخل الحيز الممكن. أي أننا لابد ألا نكون مفرطين في توقعنا، وألا ندفع الطفل لتعلم ما لم يستعد بعد لتعلمه.

• تعتبر الألعاب (الأنشطة الحسية الحركية) منذ بواكير الطفولة عامل جوهري في تنمية القدرات الإبداعية لأطفالنا، مثل ألعاب: الفك والتركيب وتنمية الخيال وتركيز الانتباه والاستنباط والاستدلال والحذر والمباغتة وإيجاد البدائل لحالات افتراضية متعددة..
يقول الخبراء: «يعتبر اللعب التخيلي من الوسائل المنشطة لذكاء الطفل وتوافقه، فالأطفال الذين يعشقون اللعب التخيلي يتمتعون بقدر كبير من التفوق، كما يتمتعون بدرجة عالية من الذكاء والقدرة اللغوية وحسن التوافق الاجتماعي، كما أن لديهم قدرات إبداعية متفوقة، ولهذا يجب تشجيع الطفل على مثل هذا النوع من اللعب، كما أن للألعاب الشعبية كذلك أهميتها في تنمية وتنشيط ذكاء الطفل، لما تحدثه من إشباع الرغبات النفسية والاجتماعية لدى الطفل، ولما تعوده على التعاون والعمل الجماعي، ولكونها تنشط قدراته العقلية بالاحتراس والتنبيه والتفكير الذي تتطلبه مثل هذه الألعاب» [كتاب الإنصات الانعكاسي]

• تنمية ملكات «التفكير العقلي» للطفل مهم جدا عن طريق: الأطالس المصورة والكتب العلمية المبسطة وأفلام المغامرات والخيال العلمي، هذا فضلا عن المشاهدات اليومية لمفردات كثيرة من حولنا على أن تحكي لابنك ما يرى وكيف يعمل، والذي من شأنه أن ينمي ملكة «التفكير العلمي» لدى الصغير، ويشبع رغبته الجارفة في التعلم والاستكشاف، وينمي لديه «الذكاء المنطقي الرياضي». كذلك حفظ القرآن الكريم على قدر طاقته، وترديد الأناشيد الإسلامية، وقراءة القصص التربوية الهادفة، وحكي الحكايات دون الإسراف في الخيالي منها كي لا تشوه الحقائق من حوله.
• البدء مع الأطفال بالمحسوسات والانتقال منها تدريجيًا إلى المعنويات والفرضيات، التدريب على رصد الملاحظات والانتباه لأدق التفاصيل، استشعار قيمة الأشياء الجميلة في الكون من حوله كالطبيعة وتناغم الألوان وعذوبة الأصوات المختلفة وقدرة الخالق سبحانه في الإبداع الكوني من حولنا ..
كل هذا من شأنه أن يصقل الحس المرهف لديه، وينمي ملكة الخيال والوجدان، مع الاستجابة الجيدة والفعالة لكل المظاهر الإيجابية في حياته.

• الأنشطة الاجتماعية لها دور محوري في «الذكاء التعليمي»، كما تشكل أحد العناصر الهامة في بناء شخصية الطالب وصقلها، فهي تساعد الطلاب على التوافق السليم والمثابرة وتحمل المسؤولية والشجاعة والإقدام والتعاون وحسن استغلال أوقات الفراغ، ونقصد بالأنشطة الاجتماعية تلك الأنشطة المدرسية المختلفة (فعاليات اتحاد الطلاب، الهوايات المسرحية والرسم وفنون الخط والزخرفة .. )، والأنشطة الترفيهية في النوادي الاجتماعية (جماعة الكشافة، المسابقات الرياضية والثقافية..)، فضلا عن الأنشطة الرياضة التي تناسب سن وقدرات الطفل البدنية والنفسية.

مجمل القول
نستطيع أن نقول أن البيئة المحيطة بالطفل والمجتمع الذي نشأ فيه يتحمل مسئولية كبيرة تجاه تنمية ملكاته، وجعل التعليم نوع من المتعة أكثر منه نوع من المحنة، وتجربة جديرة بالمعايشة وليست مرحلة صارمة تنتهي بامتحان عصيب ..
إن حصر الطالب في مجموعة من الدرجات والعلامات كفيل بأن يخنق نواحي الإبداع فيه، أما معايشة المعلومة وممارسة التجربة، كفيل بأن يفجر الطاقات الإبداعية، وينمي المدارك العقلية لدى الطفولة البريئة، فهل سيأتي اليوم الذي نجد فيه ثورة في مناهجنا التعليمية بما يضمن الرعاية المثالية للمبدعين الصغار.
د. خالد سعد النجار

Post: #115
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:31 PM
Parent: #114

قيلوا فإن الشياطين لا تقيل
إذا كان النوم بالليل يجدد وينشط ويحافظ على خلايا الجسم والدماغ، فإن نوم القيلولة يساهم أيضا في إراحة الدماغ، والاسترخاء البدني، وإزالة التشنج العضلي، وتعزيز قدرة الإدراك والتلقي. فقد أكد العلماء أن فترات القيلولة القصيرة في منتصف النهار، لمدة نصف ساعة، تلغي تأثير التعب وتعيد الاستقرار والحيوية والنشاط للذهن والجسم. كما أكدت البحوث العلمية الحديثة أن أخذ غفوة قصيرة أثناء العمل، يجدد الطاقات الفكرية والجسدية للعاملين، ويزيد إنتاجيتهم وقدرتهم على تحمل ظروف العمل بصورة أفضل. ويؤكد الخبراء أيضا أن القيلولة أهم مضاد للتوتر والقلق وذلك عبر تقليص معدل هرمون الكورتيزون المسئول عن التوتر.

لا تقتصر فوائد القيلولة على تلك المزايا قصيرة المدى من اعتدال المزاج وغيره، وإنما تفيد على المدى الطويل أيضا، حيث تقلل من فرص الإصابة بالأزمات القلبية والجلطات والسبب المؤدى لهما وهي الضغوط..
فلقد أظهرت إحدى نتائج الدراسات هذا الفارق بحوالي 30% نتيجة أن القيلولة تساعد على انتظام النبض ومعدلات التنفس التي لها تأثيرا مباشرا وغير مباشر على القلب. كما أن القيلولة مفيدة جدا للأولاد، ففي خلالها يفرز الجسم هرمونات النمو، وتتنشط اليقظة الجسدية والتوازن النفسي.

تاريخ عريق
يمكن القول بأن القيلولة نتاج للتقاليد والأعراف الاجتماعية، حيث تدمجها عدة شعوب في تقاليدها اليومية. وهي على الخصوص من نمط حياة سكان البحر الأبيض المتوسط وأمريكا الوسطى والجنوبية، واعتمدتها بعض الشعوب كاستراتيجية للعلاج ومكافحة الأمراض، حيث يتمكن الجسم خلالها من إعادة التوازن ومقاومة الميكروبات.
كما عرفت القيلولة في العديد من الحضارات القديمة، فقد مارسها الصينيون منذ قرون وقرون خلت، وكان الفراعنة يدعون بعضهم البعض للاستمتاع بالقيلولة.
ومن الذين اشتهروا عبر التاريخ بمزاولة القيلولة " نابليون بونابرت " الذي عرف بإغفاءاته الكثيرة، حتى خلال المجالس الوزارية، حيث يغفو ثم يستيقظ بعد حين ليواصلها، وكان قد نام في"الشينغين" على كرسيه وأمامه جنرالاته الذين انتظروه واقفين حتى استيقظ. كما اشتهر الفنان "سالفادور دالي" بقيلولة متميزة، حيث كان يسترخي على الكرسي ممسكا بإصبعيه ملعقة وما إن يغفو حتى تسقط فيستيقظ. واشتهر " وينستون تشرشيل" بنومه ساعتين بعد الظهر. ويكتفي الرئيس الفرنسي السابق "جاك شيراك" بأربع ساعات من النوم ليلا ويواظب على القيلولة بعد الظهر. كما اشتهر بالقيلولة، كذلك "أيديسون" و " فيكتور هيغو "...وغيرهم

القيلولة في الإسلام
قال الفيومي في المصباح المنير: " قال يقيل قيلاً وقيلولة: نام نصف النهار، والقائلة وقت القيلولة " وقال الصنعاني في سبل السلام: " المقيل والقيلولة: الاستراحة نصف النهار، وإن لم يكن معها نوم ". ونومة القيلولة مستحبة شرعاً لما فيها من الأثر الإيجابي في حياة الإنسان المادي والمعنوي على حد سواء.
وقد جاء ذكر القيلولة في القرآن الكريم في موضعين هما:
1. قول الله تعالى: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا} [الفرقان:24] أَحْسَنُ مَقِيلًا:أي موضع قائلة، قال الأزهري: القيلولة عند العرب الاستراحة نصف النهار إذا اشتد الحر، وإن لم يكن مع ذلك نوم، والدليل على ذلك أن الجنة لا نوم فيها، وقال ابن عباس وابن مسعود: لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.
2. قول الله عزَّ و جلَّ: {وَكَم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا فَجَاءهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَآئِلُونَ} [الأعراف:4] قال المفسرون: وهي ساعة غرة واسترخاء وأمن.

وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تحديد وقت نصف النهار المقصود بالقيلولة، فذهب بعضهم إلى أنها قبل الزوال وذهب آخرون إلى أنها بعده، قال الشربيني الخطيب: " هي النوم قبل الزوال ". وقال المناوي: " القيلولة: النوم وسط النهار عند الزوال وما قاربه من قبل أو بعد ". وقال البدر العيني: " القيلولة معناها النوم في الظهيرة ". والذي يُرجح أن القيلولة هي الراحة بعد الزوال - يعني بعد الظهر- ما رواه البخاري ومسلم عن سهل بن سعد –رضي الله عنه- قال: " ما كنا نقيل ولا نتغذى إلا بعد الجمعة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- ".
ونومة القيلولة مستحبة عند جمهور العلماء، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم-: (قيلوا فإن الشياطين لا تقيل) [حديث حسن] لأن القيلولة تعطي النفس حظها من الراحة في النهار، فإذا جاء الليل استقبلت السهر بقوة ونشاط وانبساط فيقوي ذلك على الطاعة في الليل بالتهجد والمذاكرة ونحو ذلك.

قال الإمام الغزالي: "وإنما تطلب القيلولة لمن يقوم الليل ويسهر في الخير، فإن فيها معونة على التهجد، كما أن في السحور معونة على صيام النهار، فالقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام النهار".
وقال الخطيب الشربيني:" يسن للمتهجد القيلولة، وهي النوم قبل الزوال، وهي بمنزلة السحور للصائم ".
وقالوا في الفتاوى الهندية: " ويستحب التنعم بنوم القيلولة ". وقال في كشاف القناع: " ويستحب النوم نصف النهار، قال عبد الله: كان أبي ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفاً لا يدعها ويأخذني بها ". وروى الخلال عن أنس –رضي الله عنه- قال: " ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم، من قال وتسحر وأكل قبل أن يشرب ". وروي أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال: " نومة نصف النهار تزيد في العقل ". وقال عبد الله بن شبرمة: " نوم نصف النهار يعدل شربة دواء ".
وعمل السلف والخلف على أن القيلولة مطلوبة، حتى إن أحدهم إن لم يستطع القيلولة بالبيت قال في المسجد، وهذا ما يظهر من حكاية خصام علي مع فاطمة رضي الله عنهما، والحديث أخرجه البخاري ‏عن ‏سهل بن سعد –رضي الله عنه- ‏‏قال: جاء رسول الله‏ -صلى الله عليه وسلم- ‏بيت ‏فاطمة ‏‏فلم يجد ‏‏عليا ‏‏في البيت فقال: أين ابن عمك؟ قالت: كان بيني وبينه شيء فغاضبني فخرج فلم ‏يقل (ينام القيلولة) ‏‏عندي. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏لإنسان: انظر أين هو؟. فجاء فقال: يا رسول الله، هو في المسجد راقد. فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏وهو مضطجع قد سقط رداؤه عن شقه وأصابه تراب فجعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏يمسحه عنه ويقول: (‏قم‏ ‏أبا تراب، ‏قم ‏أبا تراب).
بل الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يحافظ على نومة القيلولة، فقد أخرج البخاري عن ‏أم حرام بنت ملحان ‏أخت ‏أم سليم‏، أن رسول الله ‏‏-صلى الله عليه وسلم- ‏قال عندهم، فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله: ما أضحكك؟ قال‏: ‏رأيت قوما ممن يركب ظهر هذا البحر كالملوك على الأسرة. قالت: قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال: فإنك منهم. قالت: ثم نام فاستيقظ وهو يضحك. قالت: فقلت يا رسول الله ما أضحكك؟ فقال مثل مقالته. قالت: قلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم. قال:أنت من الأولين. قال فتزوجها ‏عبادة بن الصامت‏ ‏فغزا في البحر فحملها معه، فلما رجع قربت لها بغلة لتركبها ‏‏فصرعتها، ‏‏فاندقت عنقها فماتت.
وقد كان السلف رضوان الله عليهم يحرصون عليها أشد الحرص، لما لها من أثر كبير في حياة الإنسان، حتى إن الواحد ليتابع عماله وأهل بيته في المحافظة عليها، ففي حديث مجاهد قال: بلغ عمران عاملا له لا يقيل، فكتب إليه: أما بعد فقِلْ فإن الشيطان لا يَقيل.
وعن أبي فروة أنه قال: القائلة من عمل أهل الخير، وهي مَجَمَّة للفؤاد، مِقْواة على قيام الليل.

د. خالد سعد النجار

Post: #116
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 01:32 PM
Parent: #115

الانسجام بين الزوجين .. خطوة بخطوة
الانسجام بين الزوجين معناه أن يتصرف الزوجان باتجاه واحد حيال مؤثر معيّن، وأن يتعاونا على قطع مرحلة الحياة معًا على درب واحد .. ورغم أنه تعريف سهل وبسيط ، لكن وجوده على أرض الواقع يقتضي مزيداً من الجهود، من الزوجين خاصة لأنهما صاحبا المسئولية المباشرة، ومن المجتمع عامة لأنه هو المربي والموجه الكبير، فطبيعة حياتنا تجلت فيها قيم الاستسهال وعدم مواجهة المشكلات بشكل حقيقي، بل وعدم فهم ماذا تعني الأسرة؟! وما السبيل لاستقرارها؟! ولذلك عندما يرتبط الزوجان ويواجهان مشكلات الزواج - حتى لو كانت تافهة - فلا يستطيعان تحملها، وبالتالي تحدث الخلافات التي يمكن أن تؤدي إلى الانفصال.

• لابد من أن يدرك الزوجان أولاً معنى الزواج، وما هي منظومة الأسرة ؟ وكيف يتم الحفاظ عليها؟ قبل الارتباط بشريك الحياة.
فغالبا ما يعتقد الزوجان في بداية حياتهما الجديدة بأن الارتباط المتوج بالحب القوي لا تنجم عنه حاجات لأمور ومفاهيم أخرى، وهذا مطب عميق قد يخلق الكثير من الأزمات، فلابد من الوضع في الاعتبار أن العلاقة الزوجية ليست علاقة عادية أو مؤقتة، بل هي علاقة تحكمها العديد من العوامل: كالود والمرحمة ، والتحاور والتفاهم ، والمسؤولية والإمكانية ، والإرشاد والتناصح ، والتسامح والعفو ...

إن العلاقة الزوجية المتينة قائمة على التفاهم والوضوح والتضحية، والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات، وكلها أمور تساهم في استمرارها بحب ومودة واحترام، أما إن قامت العلاقة بين الزوجين على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء والمشاجرات المستمرة على كل صغيرة وكبيرة، فإن ذلك يسرع بتصدع الأسرة، ويشتت شمل أفرادها، وقد يقضي على كيانها بالكلية.

• من المهم أن لا نجعل من اختلاف الطبائع «شماعة» نعلق عليها فشلنا الأسري، فرغم أن طباع البشر تختلف من بيئة إلى أخرى، ومن مجتمع إلى آخر، ومن تقاليد وثقافة إلى تقاليد وثقافة أخرى، لكن يبقى الإنسان هو المحور في كل الأحوال وفي جميع الاتجاهات، فالتغيرات الاجتماعية، والتأثيرات المناخية، والعادات والتقاليد، لا تمنع في أي حال من الأحوال لغة التفاهم بين الناس، فكيف تمنع تفاهما تراضى عليه امرأة ورجل، وتوافقا من خلاله على علاقات زوجية يتولد عنها نشوء مجتمع صغير، يُصنع بهدوء وروية، ويعكس صورة الزوجين معا، ورؤيتهم التصحيحية لما هو سيئ ويجب تغييره في مجتمعهم.

• يُظهر الانسجام النفسي بين الزوجين مدى قدرتهما على تخطي المسافات بينهما، بمسؤولية تامة تحكمها علاقات «الصراحة، والمصارحة» في كل شيء وفي مختلف المواضيع، وخصوصا العلاقات التي لها صلة بشخص كل واحد منهما.
سواء أكان ذلك على صعيد حاجة الشريك من الشريك الآخر، أم على صعيد احترام حاجات كل شريك في إطار حوار بناء بأسلوب لبِق جذّاب، يسوده جو من الاحترام والتوقير خاصة للزوج لأن حقه عظيم.

قال ابن الجوزي -رحمه الله-: " عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال: قالت ابنة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم. وعنه - أيضاً - قال: قالت امرأة سعيد بن المسيب: ما كنا نكلّم أزواجنا إلا كما تكلّمون أمراءكم: أصلحك الله، عافاك الله" ..
يجب أن يقرّب كل حوار بين الزوجين، سواء بتوضيح غامض، أو إفادة علمية، أو تعاون بشأن تربية الأطفال، أو كشف النقاب عن موضوع مختلف عليه. ومشكلة المشاكل أن يعتقد أحدهما أنه أفهم من الآخر فيقف حياله موقف المعلم المتعالي. أو أن يكون أحد الزوجين يعشق السكوت، والآخر ميال إلى حب الكلام. أو أن يصعّد أحدهما الحوار ليجعله صراخاً، يكتنفه بعض عبارات العنف اللفظي.

• تغيير الأدوار داخل الأسرة، وخروج بعض الزوجات إلى العمل، ومساهمتهن بجزء من راتبهن في المنزل، وفي نفس الوقت لم يواكب هذا تغيير في تعامل الزوجين مع بعضهما، جعل ثقافة الندية عند البعض هي السائدة، مما أدى إلى زيادة الصراع داخل الأسرة.

• الزواج يعني نوعاً من الشراكة.. الشراكة في كل شيء .. شراكة تقوم على الاشتراك في الأهداف .. الاشتراك في المواقف، والتعاون والتضامن في حل المشاكل التي تعترض أحدهما باعتبارها همّاً مشتركاً يستلزم موقفاً مشتركاً وموحداً، يحاول الرجل أن يجهد نفسه في العمل من أجل توفير متطلبات أسرته، وتحاول الزوجة - من خلال التدبير والتوفير- تسيير شؤون منزلها وفق ما هو متاح من ميزانية، وبذلك تكون قد تضامنت مع زوجها في حل المشاكل وتذليل الصعاب.

• الحياة بحر متلاطم الأمواج، زاخرة بألوان المحن التي تزلزل القلوب، ولذا فإن على الزوجين الوقوف معاً في مواجهة ما يعترضهما من أمواج، وأن يبتعدا عن التشاؤم ويتقبلا الواقع بنفس راضية بالالتزام بأوامر الله تعالى الذي أمر بالحرص على حقوق العشرة، وأن يخلعا رداء الكبر والتعنت، ويرجعا إلى الله لحل الخلاف، ويتفنن كل منهما في خلق جو من التراحم والتواد والألفة، والأهم من ذلك أن يتشاركا في تلاوة القرآن والأذكار لتطمئن القلوب.. {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد: 28]

• السعادة الزوجية هدف يسعى إليه كل من يقدم علي خطوة الزواج؛ فالهدف من إنشاء هذه العلاقة أصلاً هو الاستقرار النفسي والوصول إلى حالة الأمن العاطفي، لكن في نفس الوقت علينا أن نعترف بأن السعادة الزوجية مفهوم نسبي لا يسهل قياسه وتعميمه، وهو يعني عموما رضا الزوجين عن حياتهما الزوجية بشكل عام وبدرجة عالية من جميع النواحي، فمن رضي فله الرضى ومن سخط فله السخط.

• أضخم العقبات في طريق تحقيق الانسجام بين الزوجين هو عدم وجود أحلام جديدة وأهداف طموحة مشتركة يسعيان لتحقيقها، فقبل الزواج كان لهما حلم وحيد هو الارتباط، فلا بد أن تستمر الأحلام والطموحات البناءة بعد الزواج.

• يجب أن يكون الإنسان على طبيعته لا يبالغ في التجمل ولا يكذب خاصة قبل الزواج، فأقنعة ما قبل الزواج يوشك أن تسقط بعده، ويظهر كل واحد للآخر بالصورة الحقيقية، التي ربما تكون سببًا من أسباب هروب الانسجام بينهما.

• من أقسى الأمور التي تعكر صفو الحياة الزوجية، البوح بسر دفين، أو الكشف عن شيء مخفي، وهذا أمر في غاية الخطورة، قد يؤدي إلى تفجير الثقة بين الشريكين، ويأتي الشجار ليزيد الوضع تأزماً.

• الخلافات والمشاكل الزوجية أمر عادي وطبيعي جداً في كل البيوت تقريباً، وهي لا تعني أن صرح الود والانسجام بين الشريكين قد انهار، فالخلافات لا تفسد للود قضية كما تقول القاعدة المعروفة، ويمكن أن نرفض وأن نقول «لا» ولكن بدبلوماسية وبعد تفكير وروية، وقد نحتاج لوقت أطول للتفكير في الموضوع ومن ثم إعطاء رأينا النهائي، وما أجمل أن نتبع كلمة «لا» بشرح مبسط ومختصر لسبب الرفض، أما شجاعة الاعتذار عند إدراك الخطأ فهي صفة النفوس الكريمة، لذلك ينبغي أن يكون لدينا الشجاعة في الاعتراف به والاعتذار قبل أن نأوي إلى الفراش، لأن ترك الأمر للغد قد تزيده تعقيدا ويصعب الاعتذار في هذه الحالة.

• استغلال الجدال الدائر حول موضوع معين لتوجيه ضربات دنيئة للآخر، وتذكيره بعيوبه وسلبياته وإخفاقاته وفشله لا يؤدي أبداً إلى الوصول إلى حل، بل قد يزعزع أسس العلاقة ويدمرها، لأنه يعبر عن استعداد الشريك الذي يقوم بذلك للنزول إلى مستويات دنيئة لأذية الآخر، أو لمعاقبته على أمور سابقة بشكل قاسٍ ومؤلم.
د . خالد سعد النجار

Post: #117
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:21 PM
Parent: #116

طفلك فوضوي .. إليك الحل
مع رغبة الأهل بأن ينموا أولادهم ويكبروا بشكل جيد، ومع بدء تحقيق هذه الأمنية، تكثر الصعاب، وتزداد سلوكيات الأطفال نشاطا وإزعاجا .. ولا شك أن الأبوين هما الوعاء الأكبر الذي عليه استيعاب كل ذلك، واحتضان ما يعتمل بداخل أبنائهم من أفكار وأسرار، وما يعتريهم من تغيرات سلوكية تكون مزعجة في كثير من الأحيان .. ومع تفهم طبيعة الطفل، وسمات كل مرحلة عمرية يمر بها، يمكن أن نتفاعل بإيجابية مع كل النصائح التي يقدمها لنا التربويون، لنخرج للمجتمع بطفل سوي يجيد لغة البناء لا لغة الهدم.

منارات عملية
• تذكر نصيحة مضيفي الطيران قبل الإقلاع والتي ينبهونك فيها إلى ضرورة وضع قناع أوكسجين في حالة حدوث أي طارئ ..
قبل أن تساعد طفلك على وضعه، من الأهم أن يكون التعامل مع عواطفنا محط أنظارنا أولاً، فكل ما عليك فعله هو الانتباه قبل كل شيء إلى نفسك، ويقول (د. وولف): «قد لا يكون غضبك في حد ذاته هو المشكلة، وتكون المشكلة الأهم هي كيفية تعاملك مع غضبك هذا، أن تقسم بألا تغضب أبداً قد يكون شيئاً مستحيلاً، وسيجعلك تشعر باستياء كبير، إضافة إلى أن الأطفال يشعرون بانزعاجك حتى وإن حاولت أن تخفي هذا الأمر عنهم، كل ما عليك أن تفعله هو أن تحد من غضبك»، فإذا ما ترعرعت وسط عائلة صاخبة، كل من فيها يصرخ، فقد يصبح ضبط الطريقة التي قد تعبر فيها عن مشاعرك أمراً شديد الصعوبة ..
عليك أن تغير الطريقة التي تعبر بها عن غضبك من سلوكيات طفلك الفوضوي، فبإمكانك أن تعبر عن غضبك دون أن تقول له أية كلمة تجرحه ..
هدئ أعصابك، فذلك سيساعدك - بدون أدنى شك - على التعامل بطريقة جيدة مع الموقف، بالإضافة إلى أنه سيمنح طفلك فرصة لفهم ما تقوله ..
تذكر «إذا ما صرخت في وجه طفلك، فقد يقوض الصراخ من عملية تعليم الطفل نفسه، فكل ما سيركز عليه هو غضبك وطريقة تعبيرك عنه، وسينسى الخطأ الذي ارتكبه».

• نؤكد على كلا الوالدين أن يتفقا على نفس النظام والقوانين، فلا يجوز أن تتسامح الأم في موضوع معين ثم يأتي الأب ويناقضها كلياً في الموضوع نفسه!!.. إن الأبوين اللذين يشكلان جبهة موحدة فيما يخص الانضباط هما اللذان يحققان أفضل النتائج التربوية .. تبادل أنت وزوجتك الأفكار والمشاعر حول كيفية التصدي للسلوك السيئ ..

إن النظام الأمثل هو أن ندع كلا من الطرفين سواء الأب أو الأم المتواجد مع الطفل عند إساءة السلوك بمعالجة الأمر كما يتراءى له، فعهد «انتظر حتى يعود والدك» يجب أن يكون قد انقضى منذ زمن بعيد؛ لأن مثل هذه العبارات تصور الأب على أنه «الرجل الشرير»، بالإضافة إلى أن هذا التهديد يخلق نوعًا من القلق غير المبرر لدى الطفل الذي كان يمكن من الأفضل أن ترد عليه الأم بشكل فوري قائلة: «قلت لك ألا تضرب أخاك ولكنك ضربته ثانية، تعال واجلس معي واتركه يلعب لوحده في سلام».

• لا تخضع قوانين وروتين الأسرة للحالة المزاجية للوالدين، فلا يجوز أن يتم التغاضي عن التزام الأبناء بالنظام حينما يكونان (أحدهما أو كلاهما) في حالة مزاجية طيبة، أو يتشددان في تنفيذ الأوامر مع أبنائهما إذا كانا في حالة سيئة!..
إن الشعار الدائم الذي يجب أن يتبعه أولياء الأمور هو «الاستمرارية والثبات»، فالأطفال يفكرون دائماً بصورة منطقية، وهو ما يجعلهم يعتقدون بأنه إذا لم يكن الأب والأم يطبقان قوانينهما بصورة مستمرة فهذا يعني بأنهما لم يكونا جادين فيما قالاه.

• تعاملا معه بصداقة، واحترما مشاعره ولا تستفزاه، بل تعاملا معه بهدوء وتسامح إلى حد كبير - طبعًا في حدود المعقول-، وساويا بينه وبين إخوانه في النظرة والحنان وطريقة التعامل؛ فقد يكون كل ما يقوم به بدافع الغيرة من إخوته، والاهتمام بهم أكثر منه؛ لأنهم أكثر هدوءاً وذكاء ونظافة… إلخ، وتوقفا عن مقارنته بأحد.

• لا بد من تكرار متابعتنا للطفل، فهو يحتاج إلى التنبيه والتكرار عليه مرات عديدة لكي يفهم ويدرك ويتعود، فهذا الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يدرك مبدأ التكرار مع الأطفال، فقال في معرض توجيهه لسلوك الآباء نحو أبنائهم: «عودوهم الخير فإن الخير عادة».

•اربط العمل بالمتعة ليصبح وقعه على النفس أفضل، وهذا ينطبق على الترتيب والنظام، فإذا ما شعر الطفل بأهميته وبأنه عمل ممتع، فإنه يتبناه أيضاً، فاحرص دائماً على أن يراك الطفل وأنت مستمتع بترتيب أوراقك في غرفتك، لكن اعلم أن ما قد يبدو لك غير منظم، قد يعتبره الطفل منظماً ومرتباً، فلا تنتقده دائماً حتى لا تفقده ثقته بنفسه، بل شجعه وعلمه، وأشعره بالفخر بما يقوم به، فهو كلما تقدم في العمر تمكن من هذه المهارة.

• حاول أن تجعل ابنك يحس ويتحمل مسؤولية الخطأ الذي قام به، بعد أن تتحدث إليه وتخبره عن سبب غضبك، واشرح له السبب الذي جعلك تطلب إليه شيئاً معيناً، والعواقب الحقيقية التي قد تنجم عن أي فعل يقوم به، بدلاً من أن تخبره عن الطريقة التي ستعاقبه بها .. أفهمه – مثلاً- بأنك لن تتمكن من إزالة آثار القلم.

وكلما قل عمر طفلك قلت معه الكلمات التي يتعين عليك استخدامها لتوضح له الأمر .. انزل لمستوى طفلك وانظر إلى عينيه، ويجب أن يستمع إلى الخطأ الذي قام به، وما كان يتعين عليه فعله لإصلاح خطئه، كأن تقول: ما كان عليك أن تكتب على الحائط، كان بإمكانك أن تأخذ ورقة إذا أردت الكتابة ، واترك الأمر بعد ذلك.

• وجه الطفل بعد قيامه بالسلوك الفوضوي مباشرة إلى ممارسة السلوك الصحيح المناسب، فإذا كان هذا السلوك متمثلا بالتحدث دون استئذان، فالسلوك الذي ينبغي على الطفل تعلمه هو التحدث بطريقة مناسبة .. وهكذا.

• استخدام طريقة الباب مفتوح أو مغلق: يمكن استخدام هذه الطريقة مع طفل واحد أو أكثر يشتركون في غرفة نوم واحدة، حيث يتم تفحص الغرفة في وقت متفق عليه مع الأطفال، فإذا كان وضعها مرضيا، أبقيت الباب مفتوحا، أما إذا لم يكن مرضيا، قمت بإغلاق الباب، والباب المغلق يعني أن الغرفة بحاجة لترتيب وعدم السماح للطفل بالخروج للعب إلا إذا كان الباب مفتوحا ..
إنها طريقة عملية يمكن استخدامها مع الأطفال.. إذا كان الباب مغلقا فعلى الأطفال تنظيف الغرفة قبل خروجهم للعب أو مشاهدة التلفزيون أو ما إلى ذلك.. وهذا النوع من الترتيب يؤدي إلى تجنب النقد اللفظي من قبل الأبوان والجدال الدفاعي من قبل الطفل.

• عوِّديه -أيتها الأم الفاضلة - على النظام مرّة تلو الأُخرى، وساعديه في تعليق ثيابه التي ألقاها في زوايا الغرفة .. قولي له: «سأعلق لك ثيابك هذه المرّة، وساعدني في ذلك».
وفي المرّات اللاحقة تستطيعين أن تشجِّعي طفلك على الترتيب مستفيدة من التجربة السابقة: «هيا يا بطل .. أنت تستطيع أن ترتِّب غرفتك كما فعلت المرّة الماضية بنجاح».
• ترتيب خزانة الطفل يعتبر من الأمور التي إن تمت، فسوف توفر عليك عزيزتي الأم وعلى الطفل الكثير من الوقت، ومن أجل هذا قومي بترتيب دوري للخزانة بمصاحبة الطفل ..
اسأليه أثناء الترتيب عن طريقة الترتيب التي يرغب في أن تكون عليها خزانته .. ابدئي بنظرة فاحصة للخزانة، فإذا كانت مفتوحة فأخرجي منها الأشياء التي تحجب رؤيتك لقاع الخزانة ..
تخلصي من الأشياء أو الملابس أو الألعاب غير المستعملة، بالتبرع بها للجهات الخيرية .. شجعي ابنك على فعل هذا؛ لتعلميه حب العطاء إلى جانب الترتيب، ثم تأتي المرحلة التي تقرران فيها معاً ما هي الأشياء التي يجب أن تعلق؟ وهل تعلق على الأرفف أم توضع في السلة داخل الخزانة؟

• استخدام العلب والألوان .. هناك علاقة بين الألوان والترتيب، فالعلب والسلال الملونة، تسهل عمليتي التصنيف والترتيب للأم والطفل، بل تعطي روحاً طفولية للغرفة، لذا يمكن الاستعانة بالسلال الملونة الجاهزة، هذا بالإضافة إلى إمكانية تلوينها في المنزل، وذلك عن طريق رشها بالصبغ، ولكن تأكد من خلوها من مادة الرصاص السامة.

• أحيانًا يمكن ترك الطفل ليكتشف بنفسه مساوئ عدم تطبيق النظام؛ ليفهم من ذلك أهمية تطبيقه، فمثلاً إذا كنت تعاني من أن أطفالك لا يعيدون الأشياء إلى مكانها؛ فدعهم يبحثون عنها بأنفسهم، وأعلمهم أن هذا الوقت الذي يضيع في البحث سيقتطع من وقت لعبهم وليس من وقت دراستهم.

• اكتساب مهارة التنظيم في كل الأعمال، فالنظام لا يعني فقط غرفة مرتبة، وخزانة نظيفة، ولكنه يعني أيضاً: التفكير بنظام، والاستفادة من الوقت بنظام، وكل هذا يكتسبه الطفل بالممارسة، والصبر من قبل الوالدين، فالطفل منذ ولادته في حاجة إلى أن نعلمه النظام، فهناك نظام غذائي يُتبع لإطعامه، وهناك نظام لنومه، ونظام لأداء واجبه .

د . خالد سعد النجار

Post: #118
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:23 PM
Parent: #117

أطفالنا وخطر الوجبات السريعة
لا شك أن تناول الوجبات السريعة من الأمور التي استحدثت في النظام الغذائي العربي، وذلك ضمن حمى العولمة التي أصابت العالم.
وعلى الرغم من أن الثقافة الأمريكية تدعي أنها ثقافة الجسد الوظيفي الذي يتسم بالنحافة والرشاقة والقوة بسبب ركام المكملات الغذائية الدوائية التي أفرطت الحضارة الأمريكية في إنتاجها...
بالرغم من هذا، فإن هذه الوجبات تحوي معدلات عالية من السعرات الحرارية وخاوية من العناصر المغذية، وتنطوي على الكثير من الأضرار الصحية بالغة الخطورة، مما جعلها تلعب دورا أساسيا في أمراض هذا العصر، كما أنها سبب جوهري في فتور العلاقات الاجتماعية والتباعد الأسرى بعد أن كان الطعام هو الذي يجمع أفراد كل الأسرة ثلاثة مرات يوميا على الأقل.

مشاكل صحية
إن تناول الأطفال لهذا النوع من الوجبات بما تحتويه من كميات كبيرة من الدهون ومكسبات الطعم، تؤثر على كيمياء المخ، وتسلبهم الإرادة في التوقف عن تناول هذه الوجبات مثلما يحدث مع المدخنين، كما أظهرت الأبحاث أن كثرة تناول الوجبات السريعة تعمل على تنشيط الجين الخاص بالسمنة بصورة مرضية.
وقد تنبهت إلى هذا الخطر أكثر من 20 ولاية أمريكية، ومنعت طلاب المدارس من تناول هذه الوجبات لوجود علاقة بينها وبين الإصابة بالأنيميا وفقر الدم وارتفاع نسبة الكولسترول، بجانب وجود علاقة بين المشروبات المرفقة مع هذه الوجبات التي تحتوى على الصودا وبين الإصابة بهشاشة العظام وعسر الهضم.

علاقتها بالسمنة
لا شك أن السمنة تعتبر من أخطر الأمراض التي تهدد صحة الإنسان، وهى تعتبر أول الأعراض الناتجة عن تناول مثل هذه الوجبات السريعة، خاصة عند الأطفال، فقد ذكرت دراسة حديثة أجراها العلماء البريطانيون أن الأطفال في بريطانيا أكثر عرضه للأمراض الخطيرة الناتجة من تناول الوجبات السريعة، وأوضحت الدراسة أن10% من الأطفال مصابون بالسمنة، بينما يعانى 20 % من الوزن الزائد، مع زيادة حالات الوفيات بين الأطفال.

وتقول (جين واردل) أستاذة علم النفس الإكلينيكي بجامعة لندن: منذ 30 عاما فقط كانت البدانة شيئا نادرا بين الأطفال، لم نكن نسمع عن البدانة المفرطة والزائدة .. إنني اعتقد بوجود شيء ما غريب لدي هؤلاء الأطفال، واعتقد أنهم يعانون من حساسية في علاقتهم بالأطعمة أو أجهزة تخزين الدهون.
وتضيف (جين) قائلة: إن الناس يعرفون أن البدانة مرتبطة بأمراض القلب والسكتة الدماغية، لكنه خلال الآونة الأخيرة تكشفت لدينا نتائج مذهلة تربط بين السمنة والإصابة بالسرطان.

مزيد من الأخطار
أظهرت دراسة أمريكية أن تناول الوجبات السريعة يزيد درجة قصر النظر بالمقارنة بتناول الوجبات الغذائية الغنية بالبروتين، وقد أكد الباحثون أن زيادة استهلاك الأطعمة النشوية في مراحل الطفولة والشباب قد يكون وراء زيادة معدلات الإصابة بقصر النظر.

وقد ثبت من خلال البحث الذي قاده البروفيسور (أنتوني سبتون) – الأستاذ بقسم طب البيئة والمجتمع بجامعة «أباردين»- زيادة نسبة التعرض لأزمات الربو الشعبي في الأطفال الذين يتناولون الأطعمة والوجبات السريعة، ويخلو طعامهم من مضادات الأكسدة – التي توجد في الألبان والخضراوات - والأطعمة التي تحتوي على فيتامين «هـ» والكالسيوم والمغنيسيوم والصوديوم والفوسفات، وقد تسبب ذلك في زيادة نسبة الإصابة بالربو ثلاثة أضعاف عن الأطفال الذين يعيشون في بيئة الريف ويتناولون الخضراوات والألبان.

وأوضحت باحثة أمريكية أن تناول السكريات‏ والأطعمة السريعة‏ والدهون بكثرة يغير سلوك الأطفال‏، وأن الوجبات السريعة تدفع إلى خمول العقل وكسله وإلى ترهل الجسم!
كما ذكرت مجلة «نيو ساينتيست» (new scientist) مؤخرًا أن ما يحصل عليه الجسم من الدهون الموجودة بكثرة في الساندويتشات السريعة‏ ووجبات الشوارع يسبب أضرارًا بالغة بالمخ،‏ ويؤذي قدرة الذاكرة؛‏ لأن هذا الغذاء يمنع وصول الجلوكوز إلى المخ بكمية كافية.
ويكمن الحل الجذري لمشكلة بدانة الأطفال في رأي هؤلاء الخبراء فيما يصفونه بتعديل وتغيير البيئة التي نعيش فيها، أو إعادة عقارب الساعة إلي الوراء لعشرات السنين فيما يتعلق بالغذاء، فاليوم يتم أعداد أغذية غنية بالطاقة والدهون للأطفال..والبدانة تحدث عند الأطفال بسبب هذه الدهون لأنهم يكتسبون طاقة أكثر مما يفقدون.

مضار اجتماعية
هذا فضلا على أن ظاهرة الوجبات السريعة تمثل أحد مظاهر التغريب التي غزت أمتنا، والتي أفقدتنا حس التماسك الاجتماعي، والدفء الأسري.
فلقد نشأت ثقافة الـ «تيك أوي» هذه لتلبي حاجة اجتماعية طارئة على المجتمع الغربي، الذي تهيمن فيه المادة لدرجة أن من لا يلتزم فيه بمواعيد الطعام يمكن أن تضيع عليه أجرة عمله في ذلك اليوم، بل ومن لا يلتزم بالمواعيد عمومًا فإن هذا يؤدي إلى تعقيد حياته وإصابتها بالركود والشلل.
ولا شك في أن هذا النظام والالتزام في المواعيد من الآداب الحميدة التي حث عليها الإسلام، وأمرنا بها باعتبارها ضمن الوفاء بالعهود. لكن إن كنا نحن المسلمين ننظر إليها هكذا، فإن المجتمعات الغربية لم تعتبرها أدبًا في الحياة، بل عبئًا أخلاقيًا، وأسهمت ضغوط الحياة المادية في الغرب في إنتاج ثقافة الـ «تيك أوي» لتساعد الناس على انتهاز الوقت واستغلاله.
وبدلاً من قيام الرجل بتناول الإفطار والغداء والعشاء في بيته، وسط أهله، بين أمه وأبيه، أو مع زوجه، أو وسط بنيه، صار يتناول أي طعام يحصل عليه من الطريق أو من جانب عمله أو من أي مكان.
إن ثقافة الـ «تيك أوي» هذه قد أدت إلى تقليص الفترة التي يجلس فيها الآباء مع الأبناء...لقد كان الأب قديمًا يتناول فطوره بالمنزل مع أهل بيته, وكان البيت يرسل لمن في الخارج طعامه، وكان الأب في منتصف النهار يقيل في بيته متبعًا إياه بتناول وجبة الغداء مع أهله، ثم تكون وجبة المساء التي تكاد تجمع الجميع في دفء عائلي نفتقده هذه الأيام.

وخلال هذه الجلسات كان الأهل يتواصلون، فينقلون القيم الاجتماعية التي يريد المجتمع الحفاظ عليها بين بعضهم بعضًا، فيستمع الأب أو الأم إلى مشكلات الأبناء ويوجهونها، ثم يسمعون الاعتراضات ويردون عليها، ثم يعرفون موطن الخلل الذي لم تعالجه الجلسة فيسعون إلى زيادة مساحة الوقت المخصص لعلاجها.
أما اليوم، فالسهر الطويل أمام أجهزة التلفزة يعقبه نوم حتى الظهيرة، يعقبه صحو متعجل، بغرض الذهاب إلى مكان العمل، والفطور يكون «تيك أوي»، ويكون المحظوظ من عملت له أمه هذا الـ «تيك أويي» فلا يزال محملاً بمحبتها وحنانها، وبراعتها في صناعة الغذاء المفيد أولاً واللذيذ ثانيًا.
بينما يكون الأب قد ذهب إلى العمل، وربما قام متأخرًا فذهب إلى العمل رافضًا أن يحمل طعامه في يده، معتمدًا على أن السوق فيه «تيك أوي».
وتتناول الأم إفطارها وحيدة شاعرة بالعزلة، هذا إذا كنت ربة منزل.
وفي وقت الغداء الأب قد يأتي مبكرًا لتناول الغداء أو لا يأتي لانشغاله، والابن يكون مع الرفاق أو في المدرسة يلهو أو في النادي، أو يحضر إلى البيت من دون التزام بموعد يجمع الأسرة كلها معًا.
وفي المساء تجد الأولاد خارج البيت يتناولون طعام الـ «تيك أوي»، بينما الأم والأب في المنزل وحدهما، إن جمعهما عشاء.
وهكذا ضاعت من بيوتنا قيمة غالية حيث انفرط عقد جلسة تجمع الأسرة ثلاث مرات يوميًا.. تلك هي عواقب ثقافة الـ «تيك أوي» التي تقودنا إلى ضرر بدني واجتماعي، لا يعلم مداه إلا الله تعالى وحده.

د/ خالد سعد النجار

Post: #119
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 02:24 PM
Parent: #118

التفوق الدراسي .. فن المنافسة على القمة
الواقع العملي لا يعترف إلا بنوابغ المجتمع، فالكل بالإجماع يسعى صوب الطبيب الأمهر والصانع الأجود والخبير المحنك .. لذلك كان التفوق مطلب أصحاب الهمم العالية الذين يبحثون عن مكان راق في الحياة، يحدوهم الإصرار على التميز وعدم الاسترسال مع مطبات وعقبات الطريق، خاصة وأن نصف درجة ممكن أن يغير مسار حياتهم ويهبط بهم في كلية قد لا يرغبونها، وعلى أعتابها تتحطم آمالهم وطموحاتهم.

إن التفوق الدراسي بات عملية ممنهجة ومنظمة، تتبع العديد من البرامج والتوجيهات ولا تعتمد فقط على عامل الذكاء وحده، بل هو منظومة متناسقة من ترتيب الأولويات واستخدام للقدرات الذاتية والبيئة من أجل الوصول لقمة الشرف، وما أجملها من قمة وما أعظمها من رحلة تشوبها محن لكن ثمرتها عبقها يفوح وشذاها يدوم.

توجيهات ذهبية
- تلمح شرف الغاية واعلم أن كل عمل امتزج بالإخلاص فهو قرين النجاح والفلاح، والإخلاص يهون مصاعب الطريق، فبين السفح والقمة مشوار طويل وتعب وكد وكفاح ومشقة ومثابرة وصبر على الانكسارات التى ربما تفوق في عددها الانتصارات، ولن يأتى النصر لمن لا يصبر على بلائه ويواصل اجتهاده فى عمله.

- الدراسة بالأساس مسألة دافع ذاتي, فإن وُجد هذا الدافع لدى الطالب كانت العملية التعليمية تسير بالطريق الإيجابي والمتميز .. اجعل نفسك في حالة نجاح مستمر، وفكر بالتميز دائما، وثق بنفسك أنك تستطيع أن تحصل على المركز الأول، ولا تحتج دوما بالعقبات.

- تحقيق التوازن بين العلم والعبادة: فلا خير فيمن يجتهد فى طلب العلم ويفرط في العبادة، لذا يجب تحقيق التوازن بين الأمرين، ويقول الإمام الحسن البصري: «العامل على غير علم كالسالك على غير طريق، والعامل على غير علم ما يفسد أكثر مما يصلح، فاطلبوا العلم طلباً لا يضر بالعبادة، واطلبوا العبادة طلبا لا يضر بالعلم، فإن قوماً طلبوا العبادة وتركوا العلم حتى خرجوا بأسيافهم على أمة محمد -صلى الله عليه وسلم [يعنى الخوارج] ولو طلبوا العلم لم يدلهم على ما فعلوا».
كما لابد أن تكون صحيح العبادة؛ فصحة العبادة طريق الصلاح والفلاح والسعادة، وهى علاج القلق والاكتئاب والحيرة وقلة الحيلة، قال تعالى: {يا عباد الله لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون} [الزخرف:68] فأد الفرائض واستزد من النوافل واجتهد فى قراءة القرآن الكريم وجاهد نفسك عن المعصية إلى الطاعة.

- عادة يكون البدء في المذاكرة عسيرا، لذا يستحسن البدء بأعمال روتينية كمراجعة درس سابق أو استكمال نقل درس ناقص .. تكون هذه البروتوكولات بمثابة استعداد وشحذ على المذاكرة. ومن المهم استغلال بواكير الصفاء الذهني في مذاكرة الدروس الصعبة وترك المواد السهلة في نهاية فترات المذاكرة حيث لا يبذل الذهن المكدود كثير عناء في الاستيعاب والتحصيل.

- النفس بطبعها ملولة خاصة مع العادات اليومية ومنها المذاكرة، فحاول دوما التجديد في طريقة المذاكره من الكتابة إلى الشرح الذاتي بصوت مرتفع نسبيا مع المشي في الغرفة، أو استخدام الرسوم، أو عمل تلخيص للموضوع، وأيضا تغيير أماكن المذاكرة سواء في البيت أو حتى الذهاب إلى بعض الحدائق أو شاطئ البحر إن تيسر ذلك، ولا تنزعج من النسيان فهو أمر ضروري ولابد من المراجعة أكثر من مرة لتترسخ المعلومة في ذهنك.

- حافظ على وقتك ورتب أولوياتك، ولا يفوتك البكور وبركته، واحذر من معوقات الوقت ولصوص الطاقة: (الزوار والطفيليون، التسويف، عدم التنظيم، الانشغال بأهداف فرعية أو ثانوية، المشاكل العائلية).

- إن كنت تعاني من ضعف الذاكرة أو مشكلة النسيان فاحرص على: المذاكره كتابة لا مشافهة. احذر من الحفظ دون الفهم. اختتم مذاكرة الدرس بحل أسئلة عليه فهذا من شأنه أن يرسخ المعلومات في ذهنك ويدربك فعليا على أجواء الامتحانات.

- دعائم الذاكرة الجيدة ثلاث: التكرار. الربط والخيال. التنظيم .. وإياك أن تربط بين عدد الساعات وحصيلة الاستيعاب لأنه لا علاقة بينهما.

- التسميع (شفوي أو تحريري) هو مرآة الذاكرة، وخير دليل على اختبار مدى رسوخ المعلومة في ذهنك، فهو يكشف لك مواضع ضعفك والأخطاء التي تقع فيها، كما أنه الوسيلة القوية لتثبيت المعلومات وزيادة القدرة على تذكرها لفترة أطول، فالطالب الذي يذاكر من دون تسميع ينسى بعد يوم واحد، ومعدل ما ينساه الطالب الذي يقوم بالتسميع يبدأ بعد 35 يوماً.

- لا تذاكر وأنت مرهق، ولا نعسان، ولا مشغول الفكر، ولا في الضوضاء، ولا مع المجموعة، ولا في الضوء الخافت، ولا في مكان رديء التهوية، ولا أنت جوعان أو متخم بالطعام بل ينبغي أن تكون المعدة بين الشبع والجوع.

- تحضير الدرس مسبقا من شأنه أن يجعل الدرس مجرد تعزيز للمعلومات في ذهنك، ويفعل المشاركة أثناء الشرح مع المعلم، ويستجلب الانتباه له، وسؤاله عن النقاط الصعبة في الموضوع، وقد قيل لابن عباس –رضي الله عنهما-: “بم تحصلت على هذا العلم؟“ فقال: “بلسان سؤول، وقلب عقول“، وكل هذا من شأنه أن يرسخ المعلومة في الذهن لتناولها بطريقة المعايشة، فضلا عن اختزال الجهد المبذول في المراجعة خاصة أوقات الامتحانات.

- الدراسة الاستنباطية من أمتع طرق الدراسة فهي دعامة التفوق والإبداع، وهي تتمحور حول تحليل المعلومة والوصول إلى النتائج ليس بالطريقة النمطية والطرق المملة والعقيمة، وهذا مع ما يكتنفها من الشعور بالمتعة وبتحليل المعلومة.

- عليك بالتزود بمعلومات أكثر من مجرد قراءة الكتاب المقرر، وتفهمها بعمق استعداداً لأي تحليل أو استنتاج أو تطبيق خارج عن التمارين الموجودة في الكتاب المقرر.

- في الفصل الدراسي احرص على الجلوس في المقدمة حتى تصبح بمنأى عن مشوشات الزملاء وحيث يكون المدرس قريبا منك، فكلما ابتعدت عن المدرس كلما زادت فرصة انشغالك، لأنك ستجد عشرات الرؤوس حولك مشاربهم شتى، أما في المقدمة فستجني كل الفائدة، كما ستعطي انطباعاً خاصاً للمدرس بأنك هنا لتنصت وتتعلم لا لقضاء الوقت فحسب.

- ابحث عن صديق بارع تنافسه، فالصاحب ساحب، والمنافسة الشريفة تؤجج الهمة وتقضي على بواعث الكلل والملل.

- خصص وقتاً مناسبا لممارسة الرياضة وهواياتك وللتنزه وممارسة بعض الأنشطة المدرسية؛ فهذا يريحك نفسياً ويبعث فيك أملاً جديداً، واعلم أن من لا يجيد فن الراحة لا يجيد فن العمل.

- كافة العائلات مهما كان دخلها أو مستواها التعليمي والمادي والاجتماعي تستطيع أن تتخذ خطوات محددة وواضحة من شأنها أن تساعد الطالب على التعلم بصورة متميزة، وهو ما يعرف بـ «عملية الاستغراق» أو «المشاركة الإيجابية» للوالدين

ومن أشهر أبجديات هذه العملية:
- الحرص على تنمية الحوار مع الأبناء من أجل التعرف أكثر على دواخلهم ومشاكلهم، بل وميولهم وتوجهاتهم وأحلامهم، وبالتالي تحديد طبيعة الدعم البناء الذي يمكن أن يقدماه له.
- متابعة أدائهم الدراسي ومشاركتهم فيه، كحل بعض الواجبات سويا وتسميع المحفوظات وشرح المفردات الصعبة.
- إقامة حدود واضحة داخل البيت، كتنظيم أوقات الاستذكار والفراغ واللعب، ومتابعة طريقة قضاء الأطفال لها.- خلق بيئة محفزة ومساعدة داخل البيت، وخاصة مصادر الضوضاء وأماكن تواجد التلفاز والكمبيوتر وسائر ما يلفت انتباه الطالب أو يشتت تركيزه.

- من المهم كآباء ومربين أن لا نرسل رسالة سلبية لأبنائنا مفادها أن مكانتهم وقيمتهم لدينا مقرونة بالمجموع الذي سيحصلون عليه نهاية العام, وإنما ينبغي أن تكون المكانة الحقيقة مقرونة بمدى ثقافتهم واستفادتهم ونظرتهم للعلم بحد ذاته كقيمة عليا في الحياة والمجتمع, وبذلك نمكنهم من محبة الدراسة, وتحقيق نتيجة باهرة متميزة من منطلق ذاتي مفعم بالمحبة للعلم وتوقير أهله.
د . خالد سعد النجار

Post: #120
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-27-2015, 08:02 PM
Parent: #119

قد يثير مصطلح «التفاوض» حفيظة البعض لأنه يرى أنه يوحي بالخصومة والنزاع، وهو ما لا يتفق مع الحياة الزوجية التي تقوم على المودة والرحمة، لكننا هنا لا نقصد التفاوض بالمعنى السياسي الصراعي، بل إدارة العلاقة الزوجية بشكل منظم بعيداً عن العشوائية التي تسمى أحياناً بغير اسمها، وتؤدي إلى فشلها لميل كفة الميزان لصالح طرف على حساب الطرف الآخر، لذا فالتفاوض هنا يتم بين طرفين عن وعي دائم بأنهما يشكلان وحدة واحدة في مركب واحد، وأن علاقتهما ليست صراعية، بل تراحمية تكاملية، وما التفاوض إلا أداة لضبط ميزان الحقوق والواجبات.

لا غنى عن التفاوض
العلاقات الحديثة لم تعد تعتمد على الأدوار التي يفرضها الإرث الثقافي. فالشريكان يجب أن يحددان أدوارهما بحيث أن كل عمل فعلا يستدعي التفاوض.
وبما أن احتياجات الناس تظل تتغير طيلة الوقت، ومتطلبات الحياة تتغير أيضا، فإنه لا غنى للعلاقات الجيدة عن التفاوض ومعاودة التفاوض طيلة الوقت. وتظل المفاوضات ناجحة إذا توفر «حسن النية» في الوصول إلى نقاط مشتركة مثمرة.
إلا أن الكثير من الأزواج والزوجات يخافون من التعبير عن حاجاتهم، فيضطرون إلى إخفائها أو تمويهها. فتكون النتيجة «خيبة الأمل» لعدم حصولهم على ما يريدون، والضجر من الشريك لأنه لم يسد حاجاتهم الدفينة. متناسين أن المودة لا تأتي بدون مصراحة، فشريكك لا يستطيع قراءة أفكارك.

روح الفريق الواحد
لابد أن تعتبرا نفسيكما فريقا واحدا ، أي أنكما شخصين فريدين، منظوراكما مختلف، وقوتكما مختلفة .. هذه هي قيمة ضبط خلافاتكما، حسب ما تقول خبيرة العلاقات "ديان سولي " مديرة الزيجات الناجحة .. يجب أن تعرفا كيف تحترمان الخلافات وتتعاطيان معها، فذلك هو مفتاح نجاح العلاقات. فالخلافات لا تفسـد العلاقات، ولكن الشتائم هي التي تفسدها وتهدمها.

استمع لشريكك
المراوغة أو تجاهل الخلافات ليست الطريقة السليمة للتعاطي معها، فإذا كنت لا تفهم أو لا تحب شيئا يفعله شريكك، اسأل عنه، واسأل عن سبب قيامه به. تحدث واستكشف ولا تفترض.

استمع لقلق شريكك وتذمره قبل أن تصدر حكما يخصه، ففي كثير من الأحيان يكون كل ما نحتاجه هو وجود أحد يستمع إلينا، فهذا يفتح الباب للثقة، لأن مشاركة الشعور أمر حيويّ حيث ننظر إلى الأمور من وجهة نظر شريكنا، ومن وجهة نظرنا أيضا.

اعتذر، واعتذر، واعتذر
كل منا معرض أن يخطئ، ومحاولة إصلاح الخطأ أمر حيوي في فضاء السعادة الزوجية. فقد تكون المشاجرات سخيفة أو مضحكة أو حتى تدعو إلى السخرية، ولكن الرغبة في إصلاح ذات البين فيما بعد هو محور سعادة كل زواج.

طبيعة المرأة
لغة التفاوض تحتاج من الرجل ـ خاصة ـ فهم جيد لطبيعة المرأة، فالمرأة لها طبيعة وجدانية انفعالية أسرع من الرجل، وهذه الطبيعة مناسبة تماما لوظيفتها الرئيسية «الأمومة» .. إن الله تعالى غرس فيها هذه العاطفة لتكون تلبيتها لنداء وليدها وصغيرها تلبية فورية، غير قائمة علي الحسابات العقلية والموازنات الظرفية، وإلا لهلك الطفل! هذه الطبيعة الانفعالية لا يمكن للمرأة أن تحيدها مع طرف، في الوقت الذي تطلق لها العنان مع طرف آخر، فالمرأة تتصرف بهذه الطبيعة مع كل الأطراف سواء كان وليدها أم زوجها أم غيرهما؟!
ولابد أن تفهم المرأة ذلك عن نفسها، ولابد – كذلك – للرجل أن يفهم ذلك عن النساء، لأنه إذا أدرك ذلك فلن يبادرها بما يثير حفيظتها ضده أكثر، أو يشعل غيظها تجاهه إلي أقصي الدرجات، ولا يبادرها أيضا إذا اشتكت له بما يثير حفيظتها منه أو من والدته أو من جيرانهم، أو من أي طرف كان .. بل يجاوبها بتهدئتها كقوله: الموضوع بسيط، وتافه، ولا يستحق كل هذه الثورة منك!

طبيعة الرجل
أيضا ينبغي للمرأة أن تتفهم طبيعة الرجل، فأغلب الظن أن الوظيفة الأولي للرجل كانت الصيد، فقد كان الرجل يترك زوجته مع صغيرها في مكان آمن، ثم يخرج هو ليأتي لهم بما يطعمون، ووظيفة الصيد كما نعلم جميعا تحتاج إلي ملكات معينة، منها عدم الانفعال السريع، لأن الانفعال السريع يثير الحركة، والحركة تضيع الفريسة لأنها تنبهها بوجود من يتربص بها، ومنها طول البال لتحين أنسب الأوقات للانقضاض علي الفريسة، ومنها قوة وحدة وجرأة الانقضاض، إذ لا معني للانقضاض البطيء أو الضعيف الذي يضيع الفريسة .. ومنها الكثير غير ذلك .
وكما نري فإن الله أودع الرجل مثل هذه الصفات لأنه بدونها لا يستطيع أن يؤدي وظيفته الرئيسية، من حماية ورعاية من يعول، وبالطبع فهذه الطبيعة لا يستطيع الرجل أن يحيدها مع طرف أو مجال، أو يستفرغها بكل قوة في مجال آخر.

الزواج ليس نقاشاً مستمراً
الزواج من المفترض أن لا يكون نقاشاً مستمراً، وجدلا لا ينتهي، إذ لابد من وضع وقت للمتعة والقبول؛ فلا تقضى ساعات مع زوجك في مناقشة خلافاتكما حتى لو شعرت بالحاجة لذلك. وهذا خطأ تقع فيه الكثير من الزوجات، فما إن ترى زوجها أو تجلس معه على انفراد إلا وتشرع في مناقشة نقطة خلاف بينهما، ويمر الوقت ويصبح ما يتحدثون عنه هو الجانب السلبي في حياتهما فقط، ثم تتساءل الزوجة: لماذا لا يحب زوجي الجلوس معي؟! ولماذا يتهرب مني في كل مرة أقترب منه؟! ..
هل تعتقدين بأن أي إنسان يرغب بأن يقضى وقته مع شخص يشعره بمشاعر سلبية تجاه نفسه؟! .. الزوجة الذكية تحسن اختيار الوقت المناسب لمناقشة أي موضوع حتى لا تتحول المناقشة إلى مشاجرة ونتيجة سلبية .

مراحل التفاوض.
- الإعداد: ماذا تريد؟ حدد هدفك ورتب أفكارك ومطالبك بشكل يضبط ما هو جوهري لا تنازل عنه، وما هو أقل في الأهمية يمكن التفاهم بشأنه.
- التحاور: اكتشاف وكشف الهدف من التفاوض باستخدام الأسئلة المفتوحة، والسماع الجيد والهادئ للطرف الآخر.
- العرض: إذا حدث كذا فسنفعل كذا، ويفضل دائماً استخدام كلمة «نحن»؛ لأن الأسرة كيان يجمع الطرفين، وعادة هي كلمة تؤكد الوعي بهذه الحقيقة، وأن الطرف المتحدث أهدافه المصلحة العامة لكيان الأسرة، أو أنه راعى – إذا كانت المصلحة فردية - مصالح الآخرين وأخذها في الحسبان.
- التساوم: تقديم أشياء مقابل أخرى، وتقديم حلول للمشكلات، وتسجيل ما تم الوصول إليه بشكل واضح.
وأخيرا لا ننسى أن الحب ليس دائما كاملا، وليس سلعة محدودة تشتريها وتبيعها .. إنه شعور يمتد وينحسر حسبما تعاملان بعضكما البعض. فإذا تعلمتما طرقا جديدة للتفاعل مع بعضكما، تعود مشاعركم متدفقة وغالبا أقوى من ذي قبل.
د . خالد سعد النجار

Post: #121
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 00:01 AM
Parent: #120

ظاهرة انشغال الزوج باتت أحد الظواهر الملموسة في عصر تتسارع فيه الأحداث وتتعاظم معه المسئوليات، وقد يكون انشغال الزوج إما في طموحاته ومستقبله المهني أو التجاري، أو انشغاله في الدعوة إلى الله عز وجل، وفي كلا الحالتين يأتي هذا الانشغال على حساب الاهتمام بالزوجة والأولاد، وتحمل كامل مسؤولياتهم ومتطلباتهم.

ولأهلك عليك حقا
بعض الرجال يبررون انشغالهم بالعمل، بأنه نابع عن إحساسهم بوظيفتهم الحقيقية، والغريب أن يحاول الزوج المشغول أن يشعر زوجته دائماً بأن هذا الوضع طبيعي، ويمارس سلطاته تحت شعار قوله تعالى: {الرجال قوامون على النساء} متجاهلاً قوله عز وجل {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}، وأن أداءه لحقوق الآخرين واجب عليه مثل الواجب الآخر الذي يشغله، وطبيعة الحياة تستوجب من الإنسان الكدح لتحقيق التوازن بين العديد من الواجبات المتنافرة.
إن عليك أخي الزوج المشغول أن توازن بين الاستغراق في أعمالك والاهتمام بزوجتك وأولادك، لأننا مأمورين شرعاً أن نعطي لكل ذي حقٍ حقه دون إفراط وتفريط، ولابد أن تعي حقيقة دورك التربوي قبل أن تجد ولدك قد فسد أو انحرف أو ضل الطريق، فحينئذ ماذا ستفيدك أموالك وأعمالك؟ هل سترده إلى جادة الطريق؟ أم هل ستقَوم خلقه بعد فوات الأوان.

يقول ابن القيم الجوزية في كتابه "تحفة المودود في أحكام المولود": وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده، وفوَت عليه حظه في الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.

كوني متفهمة لأعبائه
المشكلة الأساسية عند معظم الزوجات أنها تفكر بالأمور من زاويتها هي ومن خلال ما تريده، فتراها كثيراً ما تظلم الزوج عندما تطلب أكثر من حقها، أو عندما تطلب حقها في غير الوقت المناسب أو بطريقة غير مناسبة ..

و عندما تسيء فهم ظروف زوجها ودوره وأعباءه، أو عندما تفشل في التعويض عن انشغال الزوج بمجالات وأنشطة خاصة تملأ بها فراغ وقتها، وخاصة الزوجة الشابة التي لم تنشغل بعد بالأولاد ومشاكلهم.

لكي يعود زوجك إليك
• مسألة قولك بأن زوجك لا وقت لديه للاهتمام بك وبأولادكما ليس حقيقيا، فالمشكلة ليست في الوقت وإنما في «تنظيم الوقت»، وهذا عمل برامجي يحتاج إلى مشاركتك له في وضع برنامج مرن يتناسب مع وقته هو، والعبرة ليست بكم الساعات التي يقضيها الزوج في المنزل، وإنما كيف يقضي ذلك الوقت مع أبنائه وزوجته.

• حاولي أن تجعلي مواعيد ثابتة يوميا للجلوس معه ومع الأطفال ولو لفترة بسيطة .. احرصي على مشاركته لكم وجبة أو وجبتين للطعام يوميا حسب وقته.

• رتبي لقاء أسبوعي أو شهري لتناول الطعام خارج المنزل .. بدعوة منك .. ورتبي زيارات اجتماعية للأهل معا أسبوعيا أو شهريا.

• اجعليه أكثر تعلقا بك وبالأطفال.. وعندما يعود من عمله حاذري من التذمر، بل استقبليه بوجه بشوش.

• تقربي منه بمهاتفته في عمله للسؤال عنه، أو ترك رسالة ودية على جواله تشعره أنك تشتاقين إليه حتى في عز انهماكه بالعمل، وهو ما سيجعله يلتزم بالرد عليك ومبادلتك الرسالة بمثلها.

• أكثري من التودد له، واجعلي البيت جنة حقيقية حتى يشتاق لك وللبيت، وأفردي له مكتبا مستقلا بالبيت يستطيع من خلاله أن يتابع أعماله من داخل منزله، واغتنمي أيام الأجازات والعطل للمكوث معه.

• أشعريه دائما أنه رجل ناجح ولا تشعريه بأي تقصير تجاه البيت، بل قولي له بأنك في البيت تقومين بخلافته فيه، وعززي طموحه وطلبه للعلم أو العمل، وحاولي مشاركته في اهتماماته دون إزعاج له.

• قدمي له أشرطة ومواد سمعية لطيفة حول الزواج والسعادة والحقوق والواجبات يسمعها خلال القيادة .. أشعريه بأن نجاحه في البيت يزيد من نجاحه بالعمل.

• أنت لا تقدرين على محاربة الرجل بسلاحه لأنه ثقيل في يدك الناعمة، وتتعبين جد التعب من حمله، فإذا كان زوجك مولعاً بالتردد إلى الأندية العمومية، وأردت أن تستبقيه عندك، فلا تؤذيه بهجر القول، بل اجعلي بيتك الصغير نادياً رحباً، له فيه كل ما يسره ويسليه، واستنبطي كل يوم مسرة تجتذبينه بها، وسيريك الزمان أن أسلحة المرأة الماضية هي: الجمال والاستسلام والحلم واللطف والسكينة والاتكال والخجل والحنان، ولعلك تظنينها أسلحة ضعيفة، ولكن أؤكد لك أنها إذا شحذتها الحميمية والأمانة كانت ماضية جداً، وكافية لأن تدمث الطباع الخشنة، وتخفض من غلواء الرجل، وتحط من كبريائه.

• حاولي أن تسندي بعض المسؤليات التربوية لزوجك، واتفقي معه على أنها من واجباته مثل: أخذ الأولاد الذكور لحضور الصلوات المفروضة في المسجد، أو حضور بعض مجالس العلم معه لسماعه والاستفادة والإقتداء به، مصاحبة الأولاد لبعض أعماله التي تكسبهم خبرة ووعي وثقافة .. إلى غير ذلك.

• اجعليه مشاركاً لك في بعض أعباء المنزل على قدر ما يسمح وقته وجهده، كقضاء لوازم المنزل من مأكولات وملابس معك، أو متابعة ومذاكرة لبعض أولاده معك، ومشاركة لكم في جلسة أسبوعية على الأقل لمعرفة أحوال الأولاد ثم إلقاء بعض التوجيهات منه لهم .. إلى غير ذلك.

• جدير بأن تبحثي عن وسيلة لملء فراغ وقتك وتقدير الأمور حق قدرها، وإياك ثم إياك أن تتحولي إلى عبء يثقل كاهل زوجك أكثر مما هو مثقل .. إنك بذلك تعمقين الهوة بينك وبينه.

• عليك أن تكفي عن التعامل مع الزوج على أنه المصدر رقم واحد للإشباع الإنساني من خلال الحوار معه، بل لابد من تنمية باقي جوانب حياتكما المشتركة وتحسين علاقتك العاطفية به، والكف عن انتقاده؛ فالرجل الناجح لا يحب الانتقادات، ويعتز بنفسه كثيرا وقد يعود عزوفه عن الحديث معك لاعتراضك على آرائه.

ومجمل القول أنه لابد أن تحسني اختيار الوقت المناسب للحديث مع زوجك في الأمور التي يحبها، وأن تقدري اهتمامه بعمله، وأن تنشغلي أنت أيضا بأولادك وهواياتك واهتماماتك في الحياة، وألا تجعلي من زوجك محورا لحياتك فتنتظرين عودته لتستمدي الحياة من وجوده؛ مما يشعره بأنك تمثلين عبئا عليه.
د. خالد سعد النجار

Post: #122
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 00:04 AM
Parent: #121

فر من الضغوط فرارك من الأسد !!
في تجربة تربوية أجريت على مجموعة مصطفاة من أفضل الطلبة كانوا يدرسون في معهد أمريكي لتخريج القضاة .. طلبوا منهم إجراء بحث، وتعمدوا أن يكون إنجاز هذا البحث محتاجا إلى عشرة أيام على أقل تقدير، لكنهم سمحوا لهم بيومين فقط، وسمحوا لهم بالإطلاع على ما يشاءون من مراجع في المكتبة، وأخفوا عنهم أمر كاميرات التصوير التي كانت تراقبهم.
انطلق الطلبة في المكتبة يحاولون إنجاز المستحيل, لكنهم سرعان ما أدركوا استحالة المحاولة، وإزاء هذا الظرف الغير طبيعي نسى الطلبة ما تعلموه, وتراجعت قيمهم وإحساس كل منهم بالآخر، فراح كل واحد منهم يسارع بالكشف في المراجع، ليس لإكمال بحثه، بل لتمزيق الصفحات المطلوبة في البحث وإخفائها حتى لا يستطيع زملاؤه الوصول إليها .. لقد أدرك كل واحد منهم استحالة النجاح، فتحولت مهمته إلى منع الآخر من النجاح.
وخلصت التجربة إلى أنه إذا وضعت إنسانا سويا بل متميزا في ظروف عسيرة أو حرجة، فمن المحتم أن تكون تصرفاته غير طبيعية!

الطريق من هنا
• بسّط حياتك بدلاً من البحث والنظر في طرق لضغط مهام يومك كي تنجز الكثير مما لا تستطيع عمله في الأربع والعشرين ساعة .. تخلى عن بعض التزاماتك الغير مهمة، واسأل نفسك بكل تجرد: ما هو الواجب علي المبادرة لفعله ؟ وما الذي يُمكنه الانتظار وتأجيل القيام به؟ وما هو الذي لا يلزمني أداؤه أصلا؟

• حاول أن تنتدب غيرك في المنزل والعمل للقيام ببعض الواجبات أو المهام المطلوبة منك، وحاول أن تُجزّئ الأعمال الكبيرة أو المعقدة إلى مراحل، وأن تنجز الأعمال الواحد تلو الأخرى بدلاً من القيام بمجموعة منها في نفس الوقت.

• عش ليومك الذي أنت فيه ولا تحاول أن تعالج مشاكل حياتك كلها في يوم واحد، إنك تستطيع أن تفعل أشياء كثيرة خلال اليوم إذا ركزت تفكيرك عليها ولم توزع فكرك في أحداث الماضي أو المستقبل.

• حاول دائماً أن تكيف نفسك وفقاً لما هو كائن، بدلاً من أن تحاول تكييف ما يحيط بك وفقاً لما تريد أن يكون.

• لا تتوقع المتاعب ، فمن الناس من يتوقع المتاعب قبل وقوعها، فهو دوما يعتقد أن هناك خطأ سيقع منه، أو مرضاً أو نائبة ستحل به.

• كن دوما جاهزاً، بمعنى أن تُرتب برامجك اليومية مسبقاً، وبشكل مرن قابل للتغير بكل راحة، والأهم أن تضع في ذهنك وبرنامجك مساحة للمفاجآت، سواء كانت من نوع متطلبات العمل وواجبات الأسرة أو من نوع العارض الصحي أو غيره.

• تقبل الخسارة، وهي خصلة من الصعب على الكثيرين التحلي بها، لكنها قد تكون ضرورية لاستمرار التفاعل مع الحياة وديمومة العطاء. ففقد أمر يجب ألا يكون عائقاً عن إنجاز أمور أخرى، وخسارة شيء لا تعني فقد كل شيء.

• اضبط سلوكك وتفاعلك، وخاصة في لحظات التوتر والإجهاد. الأهم أن تتعلم كيف تكون منتجاً في لحظات قد ييأس البعض فيها، دون أن يزيد هذا من توترك وإجهادك. والأساس في هذا - بالإضافة إلى التوكل على الله سبحانه وتعالى، والثقة بقدرات النفس - تهيئة النفس لوضع الإيجابيات فوق الأفكار السلبية.

• من الأفكار غير العقلانية التي تستثير لدينا التوتر والمشاكل النفسية والاجتماعية فكرة السيطرة التي تتمثل في بحثنا الدائم عن منافسات ومقارنات مع الآخرين يجب أن تكون لنا فيها الغلبة والسيطرة والتميز، على نمط «.. لنا الصدر دون العالمين أو القبر»، ونمط «.. ويشربُ غيرنا كدراً وطينا».

• خصص وقتاً يومياً للاسترخاء تكون فيه مع نفسك ولو لبضع دقائق يومية أثناء زحمة العمل أو القيام بالواجبات الأسرية، وخاصة حينما تشعر أن عضلاتك بدأ عليها التوتر والشد والإجهاد.

• مارس هواية محببة لديك، فالشخص الذي لا يلهو ولا يستجم مطلقاً ويكرس كل وقته لعمله قد يعجب بنفسه أول الأمر لاسيما حين يجد من يعجبون بتفانيه في العمل ويصفونه بأنه «دينامو»، ولكن هذا الدينامو لا يلبث قليلاً حتى تضعف حركته ويفقد قوته ويضطر إلى التوقف عن العمل، وقد يطول توقفه عشرات الشهور، ريثما تتجدد قواه، وتواتيه القدرة على استئناف المسير.

• لا تفرط في الأجازات سواء الأسبوعية أو السنوية، واجعل منها وسيلة لتصفية الذهن وراحة الجسم فقط. فليس المقصود بالراحة الانغماس في الكسل والخمول، بل الاسترخاء الذي يجدد النشاط. مما أثبتته الدراسات الطبية الفسيولوجية دوره في راحة البدن والذهن «ممارسة الأنواع المتوسطة القوة من الرياضة البدنية» ولا أفضل في هذا الشأن من «رياضة المشي» والابتعاد قليلا عن مناخ العمل حتى لو كان التواصل معه عبر الهاتف.

• اضحك وامرح باعتدال، ولا تغفل البتة عن أهمية الابتسامة والفرحة في حياتنا، ولا تنسى أن أطباء القلب والأعصاب يكتشفون كل يوم شيئاً صحياً جديداً حول تأثير الفرحة والانشراح على القلب والأوعية الدموية وهرمونات الغدد الصماء وسلام العضلات وعمل أجزاء الدماغ وحفظ الذاكرة وغيرها.

• خذ كفايتك من النوم الليلي، ولا تدخل إلى السرير إلا حينما تجد الرغبة لديك في النوم، وإذا لم تخلد إلى النوم خلال ربع ساعة من التقلب على السرير، فقم واعمل أي شيء آخر خفيف كالقراءة مثلا حتى يغلبك النعاس، ولا تنسَ أن المشروبات المحتوية على الكافيين وحتى بعض أنواع أدوية معالجة الصداع تسبب الأرق.

• ليس لديك مقدرة على تغيير الماضي، استفد من تجاربه ولا ترهق نفسك بأثقاله، ولا تكن حبيسه، فما فات مات، لا الحزن يعيده ولا التحسر يحييه.

• ثق بأن الله تعالى معك، ومن كان الله عز وجل معه فلن يخاف من أي مخلوق، ولا يفوتك أن تستمتع بكل ما هو جميل، وأن تحب كل ما هو جدير بالحب.
د. خالد سعد النجار

Post: #123
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 00:11 AM
Parent: #122

السيجارة .. قنبلة زوجية
لا شك أن السيجارة جمعت من سوء السمعة وفساد السيرة ما لم يجمعه منتج آخر، فالسيجارة متهمة طبيا ومنبوذة دينيا وأخلاقيا وتعافها الفطرة السليمة، وهي من خوارم المروءة التي تحط من قدر صاحبها، لكن تبقى السيجارة من الويلات العظام كشيطان جاسم على صدر بيت الزوجية الذي تتضرر فيه صحة الأب أو الأم المدخنان فضلا عن آثار التدخين السلبي الذي يعاني منه الطرف البريء الغير مدخن وعلى رأسهم الأولاد الأبرياء، واهتزاز صورة الأب أو الأم كقدوة، وتسريب تلك العادة الخبيثة إلى الأبناء في بواكير فترة المراهقة ليخرج في النهاية إلى المجتمع براعم أشبه بالمسخ تعاني من شخصيات مشوهة وأجسام عليلة وتلك هي الكارثة العظمى والمصيبة الكبرى التي تهون دونها المصائب.

بين شبح الاقتران والانفصال
بات ضرر وخطر التدخين أشبه بالمسلمات التي لا يجحدها أحد، ويكفي أن كل القوانين عالميا قد ألزمت شركات التبغ أن تكتب على منتجاتها تلك العبارة الشهيرة «التدخين ضار جدا بالصحة، ويسبب الوفاة»، لكن على صعيد الحياة الزوجية صار التدخين من أحد أهم المطبات الزوجية التي قد تعوق الارتباط ابتداء أو قد تؤدي للطلاق انتهاء،

والإحصاءات والمؤشرات المحلية العربية تدق ناقوس الخطر في هذا المجال، فبحسب تقرير نشرته جريدة «عكاظ» السعودية فإن المحكمة العامة في المدينة المنورة سجلت أكثر من 100 دعوى «طلب طلاق» من قبل نساء رفضن الاستمرار مع «الزوج المدخن»، كما تضمن التقرير الإشارة إلى دراسة أكدت رفض الكثير من الفتيات في المدينة المنورة الاقتران بـ «الشاب المدخن» المتقدم لخطبتهن، ومن طريف المواقف في هذا الصدد الإعلان الشهير «عليك الإقلاع وعلينا الزواج» الذي أطلقته (الجمعية الخيرية لمكافحة التدخين) في العاصمة السعودية الرياض، لمساعدة بعض الشبان المدخنين غير القادرين على الزواج، شريطة إقلاعهم عن تلك العادة الضارة، وأوضح مسئول التوعية والإعلام بجمعية مكافحة التدخين أن الغاية من المسابقة تقديم مهر يقدر بـ 35 ألف ريال للفائز الأول، والـ19 فائزاً الباقين لهم إعانة تتمثل بتأثيث بيت الزوجية.

سراديب المعاناة الزوجية
بعيدا عن أجواء الطلاق والانفصال يحدونا الفضول للدخول في دهاليز وسراديب الحياة مع زوج مدخن .. تلك الحياة التي تكون غالبا على مضض حيث يقدم الطرف الغير مدخن تنازلا تلو الآخر على حساب صحته ونفسيته من أجل مصلحة الأولاد، ولكي تستمر سفينة الزوجية حتى ولو سارت متعثرة تارة ومتعرجة تارة أخرى.

ماذا يعني «زوج أو زوجة مدخن»؟
- يعني: رائحة فم نتنه، وأسنان صفراء، وزيادة ضربات القلب حتى درجة الهبوط وقصور في الشرايين وبخاصة الشريان التاجي وشرايين العضو الذكري، مسببا صعوبة الانتصاب، ونقص الأكسجين في الدم الذي يؤثر بالسلب علي وظائف القلب، وتأثر نهايات الأعصاب مما يجعل العلاقة الزوجية أقرب للمعاناة منها إلى الإشباع والإعفاف والإمتاع ..
يذكر أن التدخين يفاقم العجز الجنسي عند المدخنين أكثر من غيرهم ستا وعشرين مرة كما يقول الأطباء.

- يعني: تأخر فرص الحمل لتأثيره على خصوبة الزوجين بل وجدت الدراسات أن التدخين له تأثير كامن على خصوبة الرجال من خلال ثلاث آليات هي: نوعية النطاف (تشوه الحيوانات المنوية) وقدرة الرجل على إتمام اللقاء الجنسي وشهوته الجنسية.
إن أول أكسيد الكربون الموجود في الدخان يملك تأثيرا كامنا على إنقاص مستويات «هرمون التستستيرون» وهو الهرمون الذكري المسئول عن الإثارة والرغبة الجنسية, أما بالنسبة للسيدات فقد وجدت الدراسات أن الإخصاب عند سيدة تدخن 20 سيجارة يوميا هو 8 % فقط في مقابل 25 % عند امرأة سوية لا تدخن، وفرص الحمل للمرأة المدخنة تقل بنسبة 50% خلال العام الأول بعد الزواج عن مثيلاتها اللاتى لا يدخن، والعقم يزداد بنسبة 13% أما الإجهاض المتكرر فيزداد بنسبة 17%.
كذلك ثبت أن التدخين يلحق أضرارا فادحة بالخلايا الهدبية لقناتي فالوب ويعيق تأديتها لوظائفها، مما يؤثر سلبا على عملية نقل البويضة الملحقة في الثلث الأخير لقناة فالوب نحو الرحم الشيء الذي يؤدي إلى ارتفاع حالات الحمل خارج الرحم.

- يعني: شخير ليلي، وضيق تنفس أثناء النوم، وكحة متواصلة وإفرازات مع بواكير الصباح لطرد البلغم المتراكم طيلة الليل، وعادات سيئة تبدأ من الإفطار على السيجارة، وفقدان لحاسة التذوق، وضعف الشهية والوهن العام، وبخاصة الرئة التي لا تساعده في القيام بأي مجهود، ورائحة دخان منفرة تعلق بالملابس والمفروشات، ومزاج متقلب لا يقيمه إلا إشعال سيجارة تلو الأخرى حتى نبدأ الحوار ونضمن له عدم الانهيار.. فالسيجارة هي الملاذ في لحظات الاسترخاء وعنفوان النرفزة والانفعال وبعد الوجبات وأثناء مشاهدة البرامج والمباريات ومن مقتضيات التركيز عند جلل الأعمال!!.

- يعني: زوج مريض وأسرة يغتال المرض هنائها الأسري وتخيم على أجوائها سحابة سوداء مجالها بين الأطباء والتحاليل والعقاقير والكلفة الاقتصادية والكآبة النفسية. يقول أحد مشاهير الأطباء: «لقد مضى على معالجتي للسرطان 25 عاماً فلم يأتني مصاباً بسرطان الحنجرة إلا مدخن».

- يعني: تعجيل سن اليأس عند المرأة وانقطاع الطمث باكرا، كما أنه يمكن أن يسبب العقم بتأثيره الضار على بويضات المبيض، هذا فضلا عن قبح البشرة التي هي محور جمال النساء.
يقول خبير التجميل (جوزيف بورن): «إن وجوه السيدات المدخنات هزيلة ضعيفة، ضامرة مقرفة، وتصير بشرتهن شاحبة خضراء، وتفقد شفاههن لونها الجميل، وتتجمع الغضون حول زوايا أفواههن، وتمتد شفتهن السفلى إلى الأمام».

- يعني: التدخين الإجباري لكافة أفراد الأسرة الأبرياء من غير مدخنين فيما يعرف طبيا بـ «التدخين السلبي»، فالدخان المنبعث من تدخين المدخنين عبارة عن مزيج معقد لما يزيد على خمسة ألاف مادة كيميائية في شكل جزيئات وغازات في غاية الخطورة، فمنها المسرطنات والمهيجات والمواد المسببة للطفرات الوراثية (الزرنيخ والكروم والنيتروزامين والبنزوابيرين). ومنها سموم ومؤثرات على الجهاز العصبي المركزي (سيانيد الهيدروجين وثاني أكسيد الكبريت وأول أكسيد الكربون والأمونيا والفورمالدهيد) والمواد المسببة لارتفاع ضغط الدم والأورام الخبيثة.
وأظهرت دراسة حديثة بحسب بيان منظمة الصحة العالمية أن 38 % من الأطفال، و35 % من النساء، و24 % من الرجال يتعرَّضون على نحوٍ منتظم لدخان المدخنين في إقليم شرق المتوسط.

القدوة المقززة
على الصعيد التربوي يقدم الأب المدخن لأولاده صورة «القدوة المقززة» التي تؤثر سلبا على بنائهم الشخصي والنفسي، فالأب المدخن في كيان الطفل هو ذلك الأب صاحب المزاج كريه الرائحة الذي لا تهدأ أعصابه إلا بعد تدخين السيجارة.
- وهو ذلك الأب سيء الخلق الغضوب في نهار رمضان بسبب حرمانه من التدخين حتى إنه يحيل أيام الشهر الروحانية إلى معارك ومشادات مع كل أفراد الأسرة الذين من المفروض أن يتلمسوا له العذر لأنه بعيد عن السيجارة. بل هو ذلك الأب الذي يفطر على السيجارة عند سماع صوت الأذان، ولا يصوم الست من شوال أو أي أيام نفل أخرى بسبب التدخين.
- وهو ذلك الأب ضعيف الإرادة الذي قرر مرارا وتكرار الإقلاع عن التدخين ثم يفشل في ساحة الصمود والثبات على موقفه.
- وقد يكون هو ذلك الأب الطريد خارج المنزل إذا اختار السيجارة تجنبا لأذية أسرته حيث تلجئه السيجارة إلى السلم أو البلكون أو السطوح وكأنه مريض بمرض جلدي معدي، وربما هو ذلك الأب محدود الدخل الذي يحمل أولاده تكاليف تدخينه حيث يحرمهم من بعض متطلباتهم واحتياجاتهم ليقتطع ثمن علب السجائر التي يدخنها.
- وهو ذلك الأب الذي لا يتحرج من إرسال ابنه أو ابنته وهم في ريعان الطفولة البريئة أو المراهقة الحرجة ليشتروا له السجائر من البائع، وهو ذلك الأب الذي لا يستطيع أن ينتقد أو يمنع ابنه المراهق من الزلل في أتون التدخين لأن هذا الابن هو أول ضحاياه.
د. خالد سعد النجار

Post: #124
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 02:39 AM
Parent: #123

أبي الحبيب ... أرجوك لا تؤذيني بسيجارتك
مدى حساسية الأطفال لدخان التبغ يجب أن تأخذ منا اهتمامًا خاصًا وحيزًا كبيرًا، فالجهاز التنفسي للأطفال أصغر وأجهزتهم المناعية أضعف، كما أن الأطفال نتيجة لصغرهم يتنفسون بشكل أسرع من البالغين، وهذا يجعلهم يستنشقون كميات أكبر من المواد الكيميائية الضارة لكل كيلوجرام من وزنهم مقارنة بالبالغين في الوقت نفسه.

حملت دراسة حديثة نشرتها «المجلة الطبية البريطانية» تحذيرًا مفاده أن الأطفال الذين يتعرضون لدخان التبغ البيئي من خلال التدخين السلبي (أي وجودهم على مقربة من أشخاص مدخنين) يواجهون خطرًا أعلى للإصابة بسرطان الرئة عندما يصلون إلى مراحل البلوغ والشباب.
وأوضح الباحثون أن الأطفال الذين تعرضوا للتدخين السلبي على نحو يومي ولساعات كثيرة، واجهوا خطر الإصابة بسرطان الرئة عندما كبروا أعلى بأربع مرات تقريبًا من الذين نشئوا في بيئة صحية خالية من التدخين، وأظهرت الدراسة أيضًا أن الأطفال الذين تعرضوا للتدخين السلبي عدة مرات أسبوعيًا، واجهوا خطرًا أعلى بمرة ونصف للإصابة بسرطان الرئة مقابل مرتين عند من تعرضوا للدخان يوميًا ولكن لساعات أقل.

ووجد الباحثون بعد متابعة أكثر من 303 آلاف شخص في أوروبا لم يدخنوا أبدًا، أو توقفوا عن التدخين لعشر سنوات على الأقل، وسجل 123 ألفًا منهم تعرضًا سابقًا للتدخين السلبي تمت متابعتهم لمدة سبع سنوات. أن 97شخصًا من الذين تعرضوا للتدخين السلبي في طفولتهم ولم يدخنوا أبدأ أصيبوا بسرطان الرئة، وعانى 20 آخرون من سرطانات تنفسية كسرطان الحنجرة، وتوفي14 منهم بسبب مرض الرئة الانسدادي المزمن خلال فترة المتابعة.
وتدعم هذه الدراسة ما أظهرته الدراسات السابقة عن خطورة التدخين السلبي وتأثيراته السلبية ودوره في الإصابة بالأمراض السرطانية الخبيثة.
كما أخضع الباحثون في ولاية «بادن فورتمبيرج» الألمانية بين 1977-1998م ما مجموعه 8500 طفل من المدخنين السلبيين، ممن يعيشون في كنف عائلات مدخنة، إلى فحوصات سريرية دقيقة، وثبت لهم من خلالها أن قابلية هؤلاء الأطفال للإصابة بالسعال في الخريف والشتاء ارتفعت بنسبة 23-55٪ بالمقارنة مع أطفال غير المدخنين.

كما ثبت أيضًا أن أطفال المدخنين يصابون بالتهابات المجاري التنفسية 14-25٪ أكثر من أطفال غير المدخنين. وبدت الصورة هنا بأفظع ما تكون حينما شمل الفحص الصبيان المدخنين، إذ أثبتت الفحوصات أن نسبة التهابات الجهاز التنفسي عند الأطفال المدخنين ترتفع بأكثر من50٪ عن نسبتها بين الأطفال غير المدخنين. أما نسبة الإصابة بالسعال عند المدخنين فتبلغ عشرة أضعاف نسبتها بين غير المدخنين!
وتفيد الإحصائيات أن أكثر من 386 مليون لفافة تبغ تدخن في ألمانيا يوميًا. والدخان الذي ينبعث من كل سيجارة يحتوي على أكثر من 4000 مركب كيميائي ضار بالصحة، ومن بينها مواد مسرطنة. ولا يقتصر الضرر على المدخنين وحسب، إنما على غير المدخنين.
وترى السلطات الصحية المسئولة طبقًا لدراستها أن نصف الأطفال في ألمانيا يعيشون في أسر يكون الأب أو الأم أو كلاهما من المدخنين.

والمشكلة الخطيرة هنا هي أن جسم الأطفال الصغار والرضع حساس جدًا إزاء النيكوتين بصورة لا تقارن مع أجسام البالغين. ذلك أن أعضاء الجسم ونظام المناعة لدى الأطفال تكون في مرحلة النمو ولم تنضج بعد، وهي غير قادرة على تنقية نفسها من النيكوتين والمواد الضارة.
وعلاوة على ذلك فإن عملية التمثيل الغذائي والأيض تكون في جسم الأطفال ذات وتيرة أعلى مما هي لدى البالغين، وهم يستنشقون كمية أكبر من المواد الضارة نسبة إلى أجسامهم الصغيرة الغضة.
الدكتورة «مارتينا لانجر» من المعهد الألماني لأبحاث السرطان في هايدلبيرغ، تحدثت عن الدراسة التي تناولت هذا الموضوع، وقالت:«لقد درسنا مسألة ماذا يحدث للأطفال الذين يدخنون سلبيًا في ألمانيا، وثبت أنهم يمثلون نصف عدد الأطفال أي ما يربو على 6 ملايين طفل».
ولم تقتصر الدراسة على النتيجة الإحصائية وحسب، بل تخللتها أبحاث طبية ومعالجة لمعلومات عن صحة عد كبير من الأطفال في سن مختلفة ممن تعرضوا للتدخين السلبي.
الدكتورة «مارتينا لانجر» تقول: (لقد وصلنا في الأبحاث إلى نتائج تثير الصدمة، إذ يجب أن ننطلق من أن التدخين السلبي خطر على الأطفال أكثر مما هو على الكبار البالغين. وعندما يدخل الدخان إلى غرفة المنزل تمتصه الجدران والأثاث والسجاد. وهذه المواد السامة -وبعضها مسرطن- تبقى هناك على الرغم من التهوية المستمرة، ثم تتراكم وتزداد مع كل نفثة تدخين. وبالطبع الأطفال يعانون بالدرجة الأولى لأنهم يعيشون في السنوات الأولى أكثر من 80٪ من الوقت في داخل الغرف).

وعن أبرز الأمراض التي تصيبهم جراء ذلك، تحدثت الدكتور «مارتينا لانجر» وقالت: «أثبتت الأبحاث أن حالات الموت المفاجئ للرضع لها علاقة ما بالتدخين السلبي، إذ إن ما يتراوح بين30-50٪ من الأطفال المتوفين كانوا من المدخنين السلبيين. كما يسبب التدخين السلبي التهابات مزمنة في الأذن الوسطى والتهابات الرئة (كالربو) إضافة إلى إعاقة في نمو الرئتين وتسوس الأسنان وفرط الوزن والتغيرات السلبية في السلوك كالعدائية وما إلى ذلك.كما أن الحاملات المدخنات يتعرضن أكثر إلى الولادة المبكرة، وإنجاب أطفال يعانون من نمو غير سوي في بعض أعضائهم وغير ذلك».
كما حذر باحثون مختصون من أن الأطفال الذين يتعرضون لدخان التبغ والسجائر في المنازل والمدارس والبيئة المحيطة بهم أقل ذكاء، وأضعف في المهارات الإدراكية والذهنية، خصوصًا فيما يتعلق بالقراءة والحساب.
وأوضح الباحثون أن التدخين السلبي أضعف أداء الأطفال، حيث سجلوا درجات متدنية في الاختبارات الذهنية، والمهارات العقلية، المخصصة لتقويم مستويات تركيزهم واستيعابهم. وقام هؤلاء الباحثون في الدراسة التي نشرتها مجلة «منظور الصحة البيئة» بقياس مدى التعرض البيئي لدخان التبغ، والتعرض للتدخين السلبي. ووجد الباحثون أنه كلما كانت مستويات التعرض لدخان السجائر أعلى كان معدل الضعف في القراءة والقدرة على التحليل أكبر، فالزيادة المتوسطة في التعرض أضعفت أداء الأطفال في اختبارات القراءة بثلاث نقاط، وفي اختبارات الحساب بمقدار نقطتين.

وأثبتت الدراسات الطبية أيضًا أن النيكوتين يعزز نمو البكتيريا التي تعتبر من أهم أسباب تسوس الأسنان. ويبدو أن العامل المغذي للبكتريا في النيكوتين هي مادة «كوتينين» التي تضر بدورها بمادة الأسنان.
وتقول الدراسة: (إن ضرر كوتينين على أسنان الأطفال أكثر من ضررها على أسنان البالغين لأن أسنانهم لبنية. وبالأرقام فإن الأطفال الذين يدخنون سلبًا مع والديهم يعانون أكثر من غيرهم من تسوس الأسنان. وعزت الدراسة 27٪ من حالات تسوس أسنان الأطفال التي لم يتم علاجها، و14٪ من حالات تسوس الأسنان التي جرى علاجها إلى التدخين السلبي للأطفال).

ومما يؤيد هذا الرأي ويكمله ما أكدته دراسة أمريكية حديثة من أن النيكوتين لا يلون أسنان المدخنين فقط بالأسود، وإنما يلون أسنان أطفالهم أيضًا ممن يدخنون قسرًا مع ذويهم سلبًا. ويؤدي التراكم (السلبي) للنيكوتين على أسنان الأطفال إلى الإضرار بمينائها وزيادة مخاطر تسوسها.
وخلاصة القول إن كل هذه الإصابات والمشكلات الصحية والسلوكية التي يتعرض لها الأطفال بسبب التدخين السلبي يمكن تفاديها تمامًا، وهذا ما يجب أن يتنبه إليه جميع النساء اللاتي يفكرن في الإنجاب بالإقلاع عن التدخين قبل فترة كافية من الحمل، والأمر ذاته ينطبق على آباء المستقبل وعلى آباء الحاضر ألا يتأخروا أبدًا في الإقلاع عن التدخين من أجل صحة أطفالهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار


Post: #125
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 02:42 AM
Parent: #124

رائعــة .. لَـوْلا
استيقظت فزعة كمن لدغتها أفعى,هرعت إلى غرف الأبناء وبدأت بنزع الأغطية عن وجوههم بعنف قائلة: استيقظوا سوف تتأخرون عن موعد المدرسة ,سيفوتكم "الباص"....
توجهت إلى المطبخ لإعداد وجبة الإفطار فأحدثت جلبة كافية لإيقاظ سكان العمارة والشقق المجاورة..
رفع سعيد الغطاء عن وجهه قائلا: زوجة رائعة لولا الجلبة التي تحدثها كل صباح..
الأبناء: أم رائعة لولا الرعب التي تبثه في قلوبنا كل صباح...
الجيران: جارة رائعة لولا إصرارها على إيقاظنا على معزوفة أواني المطبخ كل صباح..
إن الرفق ما كان في شيء إلا زانه وما نزع من شيء إلا شانه.
يوم الإجازة
بعد صلاة الفجر أصوات الغسالة والمكنسة الكهربائية تصم الآذان, ورائحة المنظفات والمبيضات تخنق الأنفاس, وعاصفة الغبار والأتربة من أثر "التنفيض" تزكم الأنوف, وكل خزانات الملابس مفتحة أبوابها لإخراج ما يلزم غسله. ثم لابد من سحب غطاءات السرائر من تحتهم لغسلها أولا مع الملابس الفاتحة الألوان..
فتح سعيد عينيه ليراها واقفة أمامه وقد لفت شعرها بعصابة حمراء ,وشلالات من السائل البني تنحدر من صدغيها من أثر الحناء الذي طلت به شعرها,وقد غطت وجهها بقناع حماية أخضر - ذكّرته بالرجل الأخضر في أفلام الكرتون - وقد شمرت "جلابيتها" بعبقرية مصممي الأزياء بتعرجات عجيبة صنعت حول خصرها انتفاخات متراكمة..
قالت: ما هذا يا سعيد كان يجدر بك الاستيقاظ مبكرا لنمضي بعض الوقت معا.. ثم ولت وهي تتمتم. طوال الأسبوع عمل ويوم الإجازة يمضيه في النوم.. هذا ظلم!!
أغلق عينيه ودس رأسه تحت الوسادة: يا إلهي ما هذا الكابوس المرعب الذي يعاودني صباح كل جمعة؟!!
بعد الإفطار..
الصغار يلعبون ويشاغبون وسعيد جالس على الأريكة مقابل التلفاز وبيده "الريموت" يتابع برامج الأخبار والرياضة وهي لا تزال تذرع البيت جيئة وذهابا تلمّع التحف, وتتناول كرسيا لتصعد فوقه لتلميع الثريات: يا له من يوم إجازة.. شقاء لا ينقطع.. اسكتوا ياأولاد.. لا أدري لماذا لا يكون يوم الجمعة يوم دراسة؟! سعيد: أحضر لنا غداء جاهزا لا وقت لدي للطبخ..
على وجبة الغداء..
هذا المطعم الذي جلبت منه الطعام سيّئ.. إنهم لا يجيدون طهو السمك.. ألا تعرف مطعما غيره؟
حسنا.. لا فرق المهم أني ارتحت من تحضير طعام الغداء..
سعيد مغتاظ لكن ماذا يقول؟
قالت: سعيد.. لو سمحت تأخذ الأولاد في نزهة بعد العصر لأنه ستأتي صديقاتي لزيارتي.. لكن قبل ذلك أريد بعض الحلوى وبيتزا للضيافة..
ولم يملك إلا أن يهز رأسه بالموافقة.
بعد العصر..
كانت ترفل في أبهى حلة ورائحة البخور تعبق في البيت.. دخل سعيد بكيس البيتزا والحلوى.. وعندما هم بالجلوس بادرته: لا.. لا تجلس فإن صديقاتي سيأتين بين لحظة وأخرى, قام متلكئا وهو يتنسم تلك الروائح الزكية ويتأمل جمالها الأخاذ وزينتها الفاتنة..
في المساء..
فتحت له وللأولاد الباب.. صعق سعيد من منظرها بالجلابية ذات التعرجات العجيبة وهي مشمرة ساعديها ممسكة بالمكنسة مرة أخرى, منهمكة بتنظيف البيت من أثر الزيارة..
أخذ نفسا عميقا محاولا استرجاع ذكرى تلك الروائح العطرة وتلك الزينة الفاتنة والحلة البهية. لكن دون جدوى فجذوة الغضب التي اشتعلت في داخله أحرقت كل أثر لها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نبيلة الوليدي (الأسرة: عدد:173)

Post: #126
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 02:44 AM
Parent: #125

الإمبراطور الصغير
«المراهقة» .. أخطر منعطف يمر به الشباب، وأكبر منزلق يمكن أن تزل فيه قدمه.. إنها طاقة متفجرة، وقدرات شبه مكتملة، ونشاطا يفرض نفسه على الأسرة والمجتمع، فإن لم يوجه ويستثمر بصورة مثالية، ضاعت تلك الطاقة وانشلت هذه القدرات، وبات النشاط عجزا؛ بسبب الإفراط أو التفريط في الطرق التربوية لهذه المرحلة المهمة.
وثمة فرق كبير بين البلوغ والمراهقة، ففي حين أن البلوغ هو بداية «إرهصات المراهقة»، إلا أنه تحديدا لا يعني سوى النضوج الجنسي والقدرة على الإنجاب، أما المراهقة فهي ثورة نضج جسمي وعقلي ونفسي واجتماعي في رحلة طويلة متدرجة تستغرق قرابة العشر سنوات قبل اكتمالها ووصولها للرشد والنضج التام.

مشكلات وتحديات
1- الصراع الذاتي: جولات الصراع الداخلي لدى المراهق تكاد لا تنتهي.. صراع محاولة الاستقلال وإثبات الذات، والحيرة بين مخلفات الطفولة ومسئوليات الرجولة، وجلد الذات نتيجة التقصير في الالتزامات، هذا فضلا عن ثورة الغرائز الداخلية، والمعاناة الفكرية نتيجة تزاحم المشاعر ورهافة الأحاسيس.

2- النزعة للتمرد: المراهق يكاد يكون في تباين دائم مع المحيطين، خاصة الآباء والمعلمين وكل من له دور توجيهي في حياته، كل هذا تحت دعوى أنهم لا يفهمونه، وأنهم من جيل وهو من جيل مغاير تماما، وفي حقيقة الأمر أنها محاول للتمرد على سلطة النظم السائدة، ورغبة في إثبات الذات ولو حتى بالمخالفة والمكابرة الغير منطقية.

3- الميل للعزلة: الأنماط الأسرية الفاشلة (التدليل أو القسوة الزائدة) من شأنها أن تخلق شابا عاجزا عن مواجهة مشكلاته، ويفضل الاعتماد على الآخرين في حلها، غير أن طبيعة مرحلة المراهقة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه، ومن هنا تزداد حدة الصراع لديه، وقد يميل إلى الانسحاب من العالم الاجتماعي والانطواء والخجل المفرط.

4- السلوك المزعج: حيث يصاب المراهق بنوع من الأنانية الذاتية «الاستعظام الذاتي» والتمحور حول متطلباته فقط دون مراعاة ظروف الآخرين، فنجده صاحب سلوك نشاز (المجادلة بداعي وبدون داعي، حدة الطبع، العند والعصبية الزائدة، رفع الصوت، العنف والعراك الدائم مع إخوته).
وقد يتفاقم الأمر خاصة مع غياب الجو الديني والتقصير في إحاطة المراهق بمزيد من الحنان والاهتمام والتوجيه والعناية، فنجد الانحرافات الجنسية، بل ربما الميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وانحرافات الأحداث (اعتداء، وسرقة، وهروب).
وتبقى أبرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة: «فقدان الهوية والانتماء، وافتقاد الهدف الذي يسعون إليه، وتناقض القيم التي يعيشونها، فضلاً عن مشكلة الفراغ».

فنون إرشادية
• ينبغي أن نتعامل كآباء مع المراهقة على أنها مرحلة وليست حالة ثابتة ودائمة، فهذا من شأنه أن يهون علينا معاناتها وانتظارنا لتجاوزها، وهذا بالطبع يجعلنا نتعامل مع المراهق بانفتاحية أكبر وتقبل أكثر، والتغاضي قدر الإمكان عن الهفوات والزلاّت، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «يعجب ربك من شاب ليس لـه صبوة» [رواه أحمد والطبراني واختلف في تحسينه وتضعيفه، فحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد 10/270، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع 1658]

• المراهق يجيد فن السباحة ضد التيار في محاولة لإشباع رغبته في الاستقلالية، ولا أسلم في هذه المواقف من تفهم وجه نظر الأبناء فعليا لا شكليا، وإحلال لغة الحوار الحميمية بدلا من لغة إصدار الأوامر، وإفساح المجال العملي أمامه ليرتب حياته بصورة لائقة..
يقول التربويون: «إن من أكبر الخطأ أن يفسر الأب تصرفات ابنه على أنها تعدٍّ على مكانته وتحدٍّ لسلطته واستفزاز لكرامته، ويبدأ يستنفر قوته حتى يضعها في مواجهة عنيفة مع ابنه المراهق «صراع السيطرة»، هذا الناشئ الذي يلملم أطراف شخصيته .. بدلا من أن يراعي التغيرات التي تعتري ابنه، ويصبر على اضطراباته ..

إن كل مراهق ومراهقة بحاجة إلى تفهم والديه ومراعاة هذا الظرف المؤقت الخارج عن إرادته، وأن يقف معه لا ضده، ويراعون هذه الانفعالات التي تتراكم وتتجمع في نفس المراهق كما يتجمع الهواء الحار في القِدْر ..

الانفعالات متراكمة في قلب صغير يضيق بها، يحتاج يخرج قليلاً من الهواء الحار، وفي لحظة إخراجه لهذا الهواء الحار يحتاج إلى معرفة كيفية إخراج هذه الانفعالات باللباقة والذوق ومراعاة الآخرين؛ لأنه في عالم ثان تشغله انفعالاته الداخلية عن تصرفاته الخارجية، ولا يخطر في بالك أنه يقصد إيذاء أحب الناس عنده».

• على المستوى الأسري الأبوي لابد أن نعترف أن أغلبنا يعاني من أزمة استماع كل طرف للأطراف الآخرين داخل الأسرة الواحدة الصغيرة، وأن كلا منا يسمع نفسه ويردد أفكاره فقط، ويظن أن الطرف الآخر – خاصة الأصغر سنا- ليس لديه القدرة ولا الملكة التي تمكنه من التعبير عن نفسه وعن متطلباته وآماله وطموحاته وأفكاره،
ويتهم بعضنا بعضا بالهامشية والسطحية، وكل منا يظن أنه يحتكر وحده الصواب..

إن المراهق في أشد الحاجة لمن يتسع له صدره ويستمع لدواخله دون مقاطعة أو تصيد للأخطاء، وأن لا نتجاهل أسئلته، أو نتنكر من إظهار عواطفنا تجاهه، فهو بحاجة لصديق ناضج أكثر من حاجته لأب لا يجيد غير التعليمات والتوجيهات، وهو بحاجة لمن يقدم له الدعم والمساندة والمشورة الصادقة والإجابة عن كل تساؤلاته بطريقة مقنعة.

• «البرمجة السلبية» من أخطر أساليب التعامل مع المراهق، مثل عبارات: أنت فاشل، عنيد، متمرد، اسكت يا سليط اللسان، أنت دائماً تجادل وتنتقد، أنت لا تفهم أبداً...إلخ؛ لأن هذه الكلمات والعبارات تستفز المراهق، وتزيد من معاناته الداخلية ..
إن التركيز على الإشادة بالإيجابيات في شخصية ابنك – حتى ولو كانت صغيرة- كفيل بأن ينميها ويدفعها للأمام، وهذا أفضل بكثير من لغة التوبيخ المستمرة التي تولد بدواخله الإحباط واليأس، ولا ننسى أن أبنائنا لهم أعين يبصرون بها سلبياتنا أيضا، وليس من المعقول طلب المثالية منهم ونحن في واقع الأمر عاجزون عن تحقيقها مع ذواتنا، وهذا من شأنه أن يشعره بمرارة الضيم، وأنه مضطهد، ولا أشد من هذه المشاعر عليه التي تدعم رغباته في التمرد، وربما تؤدي إلى الجنوح في تصرفاته بصورة لا يحمد عقباها.

• تلعب البيئة دورا هاما في عصبية المراهق، كنشأة المراهق في جو أسري مشحون بالعصبية والسلوك المشاكس الغضوب. كما أن الحديث مع المراهقين بفظاظة وعدوانية، والتصرف معهم بعنف، يؤدي بهم إلى أن يتصرفوا ويتكلموا بنفس الطريقة، هذا فضلا عن أن تشدد الأهل معهم بشكل مفرط ، وتقييد حريتهم بالأوامر الصارمة، ومطالبتهم بما يفوق طاقاتهم وقدراتهم من التصرفات والسلوكيات، يجعلهم عاجزين عن الاستجابة لتلك الطلبات، ويثير مكامن العصبية والتمرد فيهم، ولذلك يبقى الترياق الناجح لكل هذه التوترات هو: الأمان، والحب، والعدل، والمرونة في التعامل، واحترام رغباتهم في المشاركة والاستقلالية.

يقول الدكتور (الحر): «فلا بد للمراهق من الشعور بالأمان في المنزل.. الأمان من مخاوف التفكك الأسري، والأمان من الفشل في الدراسة، والأمر الآخر هو الحب، فكلما زاد الحب للأبناء زادت فرصة التفاهم معهم، فيجب ألا نركز في حديثنا معهم على التهديد والعقاب، والعدل في التعامل مع الأبناء ضروري؛ لأن السلوك التفاضلي نحوهم يوجد أرضاً خصبة للعصبية، فالعصبية ردة فعل لأمر آخر وليست المشكلة نفسها، والاستقلالية مهمة، فلا بد من تخفيف السلطة الأبوية عن الأبناء وإعطائهم الثقة بأنفسهم بدرجة أكبر مع المراقبة والمتابعة عن بعد، فالاستقلالية شعور محبب لدى الأبناء خصوصاً في هذه السن، ولابد من الحزم مع المراهق، فيجب ألا يترك لفعل ما يريد بالطريقة التي يريدها وفي الوقت الذي يريده ومع من يريد، وإنما يجب أن يعي أن مثل ما له من حقوق، فإن عليه واجبات يجب أن يؤديها، وأن مثل ما له من حرية فللآخرين حريات يجب أن يحترمها».

• أشهر مظاهر المراهقة «العناد والتمرد»، وتصبح جماعة الأصدقاء أكثر أهمية من الأسرة، فكل ما يقوله الأصدقاء مرغوب ومقبول بعكس ما تطلبه الأسرة. ويرجع ذلك إلى رغبة الطفل في أن يدخل مجتمع الكبار وأن يستقل نوعاً ما عن أسرته.. ولذلك علينا تفهم ذلك جيدا، والوضع في الاعتبار أهمية الأصدقاء والصداقة بالنسبة للمراهق، وأن ينحصر دورنا كآباء ومربين على تدريب المراهق على فنون ومعايير اختيار الصديق، والتقييم الدوري أصدقائه لنبذ الطالح والتشبث بالصالح منهم في جو من الشورى والإقناع.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار


Post: #127
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 02:46 AM
Parent: #126

أخطاء قد تنسف حياتك الزوجية
طبيعة الحياة الزوجية يتخللها بعض الاختلافات الفكرية والسلوكية، لكن المشكلة قد تكون على حافة الخطر حين تصير الاختلافات جوهرية ناتجة عن سلوكيات سيئة، وكما يصنف لنا المختصون، فإن بعض السيدات تكون صبورة وحليمة ولديها من القدرات العقلية والانفعالية ما يجعلها تواجه مشاكل الزمن والحياة بطريقة مثلى وخاصة مع زوجها، وهذه المرأة تعلم أن أسرار الحياة الزوجية مقدسة فتعمد إلى مواجهتها بكثير من المسئولية، بينما الجانب الآخر من السيدات لا يمتلك فن الصبر فتعمد إلى البلبلة في كل لحظة وتشكو على الدوام من الاختلاف، مما يؤدي إلى تفاقم مشاكل أكبر مع زوجها، وربما ينتهي الأمر بالانفصال.

• ليس من المودة والتراحم كثرة التشكي والتأفّف من معيشة زوجك ورزقه، فكوني قنوعة واشكري زوجك على ما يجلبه لك من طعام وشراب وثياب .. وغير ذلك مما هو في قدرته، واجتنبي جحده، فإن هذا من موجبات دخول النار، فقد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم عاقبة هذا السلوك غير السوي من الزوجة عندما ذكر أن أكثر أهل النار من النساء، فلما سُئل عن سر ذلك قال: "لأنهن يكفرن العشير"، أي التنكّر للخير وكثرة الشكوى.

فلتحذري من هذا السلوك، فالعاقبة غير حميدة في الدنيا وكذلك الآخرة. وإن قصر معك الزوج في بعض حقوقك أو بدت لك حاجة فقدمي بين يدي طلبك عبارات فيها ثناء وذكر لأخلاقه الجميلة ثم اذكري حاجتك، وإياك وإنكار الجميل وجحود مواقفه الرائعة معك فإن ذلك من كفران العشير، وهو أعظم ما يفسد الود بين الزوجين .

• أسرار البيت أمانة يجب عليك المحافظة عليها وتفريطك بها يذهب ثقة زوجك بك، فاحذري أن تكون أسرار بيتك موضوعًا لثرثرتك أو فضفضتك مع قريناتك؛ كما قد يخيل إليك، ولا تظني أن صديقتكِ أو جارتكِ ستحفظ سرك الذي ضاق به صدركِ، وقديمًا حذرت أمامة بنت الحارث ابنتها في وصيتها المشهورة قبل زواجها فقالت: " فإن أفشيت سره فلن تأمني غدره "
قال تعالى: {فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله} [النساء:34] وهذا كله خبر، ومقصوده الأمر بطاعة الزوج والقيام بحقه في ماله وفي نفسها في حال غيبة الزوج، فقوله تعالى (فالصالحات) أي من النساء التي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام (قانتات) أي مطيعات لله في أزواجهن (حافظات للغيب) الغيب خلاف الشهادة، أي حافظات لمواجب الغيب، إذا كان الأزواج غير شاهدين لهن، حفظن ما يجب عليهن حفظه في حال الغيبة من الفروج والأموال والبيوت (بما حفظ الله) أي بحفظ الله إياهن وعصمتهن بالتوفيق لحفظ الغيب فالمحفوظ من حفظه الله، أي لا يتيسر لهن الحفظ إلا بتوفيق الله، أو المعنى: بما حفظ الله لهن من إيجاب حقوقهن على الرجال، أي عليهن أن يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله لهن حقوقهن على أزواجهن حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن، فقوله بما حفظ الله يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك، أي في مقابلته، وفي الحديث الشريف قال صلى الله عليه وسلم: «خير النساء من تسرك إذا أبصرت، وتطيعك إذا أمرت، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك» [صحيح الجامع: 3299 ]

• أشعريه دائما بالأمان والثقة وبأنك تتمنين أن تطول الحياة بكما معا ومع أطفالكما، وابتعدي عن الأحقاد، ولا تحقري أعماله ولا مشترواته، ولا تقللي من شأنه أو من شأن وظيفته أو شهادته، فهذه التصرفات إن وقعت فيها سوف تنسفين كل ركائز المحبة والاحترام بينكما.

• إياك أن تشعريه بأنه مقصر معك عاطفيا، وأنه جامد لا مشاعر له، وأنك متضايقة من تبلد أحاسيسه .. فكل ذلك سيزيد جموده وتبلده، بل ربما يؤدي إلى عناد منه يدفعه للزيادة في إهمالك، وعلى العكس تماما بالغي في إطرائه ومدحه على أمور فعلها لك ولم يلق لها بالا.

• إياك أن تقارنيه مع أبطال الأفلام والمسلسلات سواء ظاهريا أو ضمنيا فلا يشعر هو بذلك منك، وأشعريه بأنك سعيدة جدا مع زوج ديّن يصونك ويرعاك، ويحافظ ويخاف عليك، ويوفر لك ما تريدين، وتتعاونين معه على تربية أبناءكما، ومن ثم على طريق الجنة، وأن عقلك أكبر بكثير من ذلك الذي ترينه في وسائل الأعلام من خداع وتزوير للحقائق والواقع.

• هناك نوع من الزوجات لا تطيع الزوج في أمر إلا بعد أن يتنفس الصعداء من جراء جدالها معه ومناقشتها إياه، والحياة بهذه الطريقة لا تستقيم، فالجدال يعمل على اختلاف القلوب، وكثرته تؤدي إلى النُّفرة، قال صلى الله عليه وسلم: «لا تختلفوا فتختلف قلوبكم» [ صحيح الجامع: 7256 ].
ومع كثرة الاختلاف تختلف القلوب ولا يعرف الحب طريقه إليها، ولا يكون هناك معنى للطاعة إذا كانت الزوجة لا تطيع زوجها في أي أمر إلا بعد نقاشٍ أو جدال. وقد قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، أي النساء خير ؟ قال: «التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر» .. فتحدثي معه بكل هدوء ومنطقية وبما يفيد، ولا تكرري الكلام بدون فائدة، وابتعدي عن الدعاء عليه بالسوء أو التهديد فكلا الطريقتين لا فائدة منها إلا زيادة الحقد والمشاكل، بل أبدلي الجدل بالتفاهم، وأبدلي الدعاء السيئ بالنصح والإرشاد.

وإياك من كثرة العتاب أو رفع صوتك عليه في المناقشات أمام الأولاد أو في الأماكن العامة، ولكن أخري ذلك إلى خلوتك به، وانتظري حتى تهدأ نفسه ويسكن غضبه، وخاطبيه بصوت منخفض وكلام مؤثر وعتاب المحب فحينها سيتأثر ويستجيب، ولتعلمي أن الرجل ذو أنفة وحمية لا يناسبه غالبا إلا هذا الأسلوب الناعم اللطيف، وكثير من النساء تفقد زوجها لجهلها هذه الحقيقة.

• تقبلي الوضع الخطأ وعالجيه بذكاء .. فإذا عاد زوجك في وقت متأخر من الليل – مثلا - فلا تصرخي في وجهه وتثيري ضجة، لأنه حين يأتي متأخراً يكون شعوره حافلاً بالذنب، فحاولي أن تشعريه أنك كنت خائفة من الجلوس وحدك في المنزل، أو أنك افتقدتيه طوال الوقت الماضي.

• لا تفضحي كذبه، فأحياناً يتعمد زوجك الكذب بهدف التصالح معك وحرصاً على شعورك.

• احذري أن تكوني مقلقة لزوجك إذا أراد منك حاجته الزوجية، أو تتبرمي بالأعذار الواهية، فقد جاء الوعيد الشديد في ممانعة المرأة لزوجها إذا طلبها لفراشه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فأبت، فبات غضبان، لعنتها الملائكة حتى تصبح» [البخاري]

• إياك والغيرة الزائدة فإنها مفتاح الطلاق .. تجنبي كثرة الأسئلة المريبة، ولا تكوني من اللواتي يفتشن الجيوب ويتنصتن على المكالمات ويتصيّدن الهفوات، خصوصاً إن كانت لك ضرّة أو ضرّات ..كل ذلك مذموم وعواقبه وخيمة، وبالأخص إن كانت غيرة جنونية من أمه وأخواته ومن أمور كثيرة لا يحق لك الغيرة فيها.

• الزوجة الصالحة لا تسأل زوجها الطلاق من غير سبب يلجئها إليه - وإن استُفزّت- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة» [أصحاب السنن]، فأرجو أن تمحي كلمة طلقني من قاموس حياتك, فالطلاق لن يريحك ولاسيما بعد أن تنجبي الأطفال، والزوج كثيراً ما يكون متعقلا ولا يستجيب لمهاترة الزوجة، لكن الحصيلة لتلك المهاترات هو قلق الأبناء وزرع الخوف الدائم في حياتهم بالطلاق.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #128
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 04:47 AM
Parent: #127

طفلي مفرط الحركة !!
فرط الحركة «النشاط الزائد» حالة طبية مرضية سلوكية يتم تشخيصها لدى الأطفال والمراهقين، يظهر في صورة زيادة ملحوظة جداً في مستوى النشاط الحركي للطفل، تخرج عن حدود المعدل الطبيعي، سواء في المنزل أو الشارع أو المدرسة، مما يسبب له فشلاً في حياته بسبب قلة التركيز، مع اندفاعيته المفرطة وتعجله الزائد والدائم.

تبدأ هذه الظاهرة لدى الأطفال في السنة الثانية إلى السادسة ، وتضعف شدة الحركة عادة عند البلوغ ، ولكن الأعراض الأخرى قد تبقى مصاحبة لهذه الحالة. وتنتشر هذه المشكلة بين الأولاد أكثر من البنات، وبين أبناء الطبقة الفقيرة والأطفال المتخلفين عقلياً أكثر من العاديين، وبين الأطفال الميالين إلى الاستكشاف والأذكياء جداً.
وأوضحت الدراسات أن حوالي 5 - 10% من الأطفال لديهم نشاط زائد، وأن 40% من الأطفال المصابين يحالون إلى عيادات الصحة النفسية.

بين الطبيعي والمريض شعرة
ليس كل طفل كثير الحركة من وجهة نظر والديه فهو مريض، فحركة الأطفال قد تكون دليلاً على الحيوية والنشاط، خاصة لأولئك الصغار الذين بدؤوا حديثاً في المشي وغمرتهم السعادة في اكتساب مهارة جديدة وهي المشي والجري والوصول للأشياء. فنرى الطفل يجري هنا وهناك، ويستكشف هذا المكان أو ذاك.
وقد تكون الحركة الكثيرة داخل الفصل الدراسي إشارة إلى ارتفاع معدل الذكاء لأولئك الصغار الذين يقيدهم منهج دراسي موجه لمتوسطي الذكاء .
وبعض الأمهات يشتكين من حركة أطفالهن الزائدة، وحينما يتم تقييم هؤلاء الأطفال يتضح أن حركتهم لا تزال في الحدود الطبيعية، لكن تحمل أسرهم لهم ورحابة صدورهم تجاههم قد تكون ضيقة، وقد يكون ذلك لوجود عوامل خارجية مثل ضيق المنزل وعدم وجود أماكن مناسبة يعبر الأطفال فيها عن نشاطهم الطبيعي ، وربما يرجع ذلك إلى عدم وجود وسائل تسلية وألعاب مناسبة يفرغ الأطفال فيها طاقاتهم الطبيعية. كما قد يعبر الأطفال عن إحساسهم بالكآبة وإحباطاتهم وعدم استقرارهم الأسري والعاطفي بالحركة الزائدة.

طفلي مريض
لا يمكن اعتبار الطفل مريضا بفرط الحركة إلا إذا ظهرت عليه الأعراض التالية:
• زيادة الحركة: لا يستطيعون أن يبقوا في مكانهم أو مقاعدهم فترة وجيزة. عادة ما يتسلقون ويجرون في كل مكان في البيت وفي السوق، ويوصفون بأنهم لا يهدؤون أبدا.
• قلة الانتباه: يتصف هؤلاء الأطفال بأن المدة الزمنية لدرجة انتباههم قصيرة جدا، لا يستطيعون أن يستمروا في إنهاء نشاط أو لعبة معينة، يبدون وكأنهم لا يسمعون عندما نتحدث إليهم، عادة ما يفقدون أغراضهم أو ينسون أين وضعوا أقلامهم أو كتبهم.
• الاندفاع: يجاوبون على الأسئلة قبل الانتهاء من سماع السؤال ، لا يستطيعون أن ينتظروا دورهم في أي نشاط ، يقاطعون المتحدث أثناء كلامه.

الأسباب مجهولة
الأسباب الحقيقة وراء هذا المرض مازالت لغزا يحير العلماء، إلا أن البعض يرى مجموعة من العوامل قد تسبب في حدوث هذا الانحراف السلوكي من أهمها:
• اضطراب في المواد الكيماوية التي تحمل الرسائل إلى الدماغ، حيث يعتقد الباحثون أن هناك نقصا في مادة «الدوبامين» التي تعمل كناقل عصبي، وبنقصها تضطرب عملية النقل العصبي إلى بعض أقسام الدماغ وخاصة الفص الأمامي الذي يتم فيه ضبط كثير من السلوكيات والتصرفات؛ وهو ما يؤدي إلى اضطراب وفوضى في التحكم في كثير من الحركات ونقص في الانتباه وتشوش في التركيز وزيادة في الشرود.

• إذا كان أحد الوالدين مصابا فقد يصاب الأبناء، أي أن هذا النقص في مادة الدوبامين هو من أصل وراثي في حوالي 95% من الحالات، ومما يدعم هذه النظرية أن الحالة موجودة عند آباء هؤلاء الأطفال بنسبة 35% من الحالات، وعند أمهاتهم بنسبة 17% من الحالات.

وأما الأسباب العامة لفرط النشاط لدى الأطفال، فهي متعددة؛ فقد تكون طبية كالأنيميا المزمنة، والأنيميا الوراثية، وضعف الغدة الدرقية، ونقص السكر في الدم، والتسمم بالرصاص، والإصابة بالطفيليات، وضعف النظر والسمع، وإصابات بالمخ (أثناء الحمل أو الولادة)، والحوادث التي تؤثر على الجمجمة.
وقد تحدث نتيجة لإصابة الطفل بالأمراض المعدية، خاصة الأمراض التي تؤدي إلى إصابة المخ مثل: الحمى الشوكية، والحميات المختلفة التي قد تؤثر في المخ إذا لم تعالج في الوقت المناسب بالعلاج السليم.

وتعد الأمراض النفسية الناتجة عن تفكك الأسرة أو التعرض لحوادث خطرة، أو مواقف مؤلمة من العوامل المؤدية إلى إصابة الطفل بفرط النشاط الحركي.
وقد تتسبب بعض الأطعمة والمواد الحافظة في تطور وزيادة المرض لدى الأطفال المصابين، لذا ينصح بتزويد الطفل بغذاء صحي خالٍ من الصبغات الصناعية والمواد الحافظة.

العلاج دوائي ونفسي
لا يوجد علاج شافي ونهائي للمرض، ويشمل العلاج الدوائي تناول العقاقير التي تحفز إنتاج الدوبامين والنورأدرينالين (المنبهات العصبية ), وفي بعض الحالات يمكن إضافة المعالجات النفسية، كأن نحاول أن نعطي للطفل لعبة القوالب الخشبية لحوالي 15 - 20 دقيقة، فإذ ركز معنا في هذا الوقت، نجرب أن نلعب معه لعبة فريز باستخدام الساعة، حيث يقف ثابت (متجمد) لبضع ثوان ثم نزيد بالوقت تدريجيا، فهذا يساعده على التركيز أكثر.

ودور الأهل في العلاج مهم جدا، ويكون عموما بوضع جدول يومي لحياة الطفل يساعده على تنظيم حياته اليومية فمثلا نحدد للطفل الوقت الذي يستيقظ فيه، ومتى يجب عليه أن يعود من المدرسة، ومتى وقت التلفاز ... وهكذا، ويمكن أن نشركه بنشاط وبرنامج رياضي مثل السباحة أو ألعاب القوى حتى ينمي مهاراته الحركية ويوجهها التوجيه السليم، ومن المهم أن لا نترك الطفل وحده في أماكن يجدها مناسبة ليأخذ حريته مثل الحدائق العامة.

واستخدام أسلوب الثواب والعقاب من أنفع الوسائل العلاجية ويكون باستخدام شيء يشدُّ انتباه الطفل مع تلازم الثواب للأداء الجيد؛ بمعنى أن يتبع الأداء الجيد مباشرة بالجائزة، وتمنع الجائزة في حالة عدم الالتزام بالأداء. إضافة إلى الحزم في تطبيق هذا النوع من العلاج. ويجب الابتعاد عن العقاب الجسدي تماما، وأفضل ما نفعله كأب أو كأم عندما يقوم طفلك بتصرف خطأ هو تجاهل الأمر والعودة لمناقشته مع الطفل عندما يهدأ.

أما في المدرسة فيجد الطفل كثير الحركة صعوبة كبيرة في التأقلم مع قوانين المدرسة، ولذلك من الضروري أن نشرح وضع الطفل لإدارة المدرسة بحيث تقدم له المساعدة، ويفضل إبقاء الطفل المصاب ضمن مجموعات صغيرة من الطلاب وليس ضمن أعداد كبيرة، علما بأن الطفل المصاب بكثرة الحركة ونقص الانتباه ليس لديه نقص في الذكاء ويستفيد من الدروس القصيرة أكثر مما يستفيد من الدروس الطويلة.
اسلام ويب

Post: #129
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 01:53 PM
Parent: #128

الحياة الزوجية ضرب من ضروب العلاقات الإنسانية الوطيدة ، بل هي أشد العلاقات ترابطا وتجاورا وتلاحما، وهي بالتالي تخضع لأصول سلوكية وقواعد مرعية وفنون إنسانية .. مطلوب منا أن نمارسها بمزيج من المهارة والحب والإيثار، لذلك لا غرابة أننا في حالة التفريط في هذه القواعد أن نصاب بما يعرف بخيبة الأمل الزواجي التي نشعر في أتونها أننا كنا في فترة عزوبتنا أسعد حالا وأكثر انطلاقا وتحررا

فما أصعب أن يتحول الزواج من عش هادئ إلى قيد وغل يقيد حياتنا ويجرف ضعاف النفوس منا إلى جحيم الطلاق أو الخيانة الزوجية، والإحصاءات في بعض المجتمعات تكاد تكون مخيفة، فهل لنا من عودة إلى الالتزام بالأسس الواضحة لهذه الحياة كي ننعم بجنتها ولا نصطلي بنارها.

• لا تتزوج ابتداء من امرأة ترى أنها أفضل منك أو كأنها تسدي إليك معروفاً بارتباطها بك (الشخصية النرجسية أو المتعالية)، واعلم أنك إذا فعلت ذلك فسوف تتحول حياتكما الزوجية إلى نكد دائم وتعاسة مستمرة. فإما أن ترضخ لزوجتك باعتبارها صاحبة المعروف والشريك الأعلى كما تتوهم هي، وبذلك تفقد اعتبارك وإحساسك بالأهمية، وإما أن تطالب بحقك في القوامة والريادة والمسئولية، وعند ذلك لن تخضع لك شريكتك لأنها تنظر إليك على الدوام نظرة الشريك الأدنى، ففي كلا الحالتين سوف تنشأ المشكلات

• جميل أن نلتزم بأقصى درجات المرونة والتغافل لنكسب من نحب، وجميل أن نوهم من أمامنا أنه أكثر حكمة ودراية ومعرفة. فلا يخلو شخص من نقص، ومن المستحيل على أي زوجين أن يجد كل ما يريده أحدهما في الطرف الآخر كاملاً، ولهذا على كل واحد منهما تقبل الطرف الآخر والتغاضي عما لا يعجبه فيه من صفات أو طبائع ما دامت في حدود المقبول، وكما قال الإمام أحمد بن حنبل: «تسعة أعشار العافية في التغافل» وهو تكلف الغفلة مع العلم والإدراك لما نتغافل عنه تكرماً وترفعاً عن سفاسف الأمور. وقيل أيضا: «ما استقصى كريم قط» .. «كثرة العتاب تفرق الأحباب».

• لابد من قضاء وقت أطول معا يتخلله بعض اللعب والمزاح والانبساط وطرح التكلف، فالعشرة من شأنها أن تجدد الحب، والغفوة تسبب الجفوة، وتؤجج نار الظنون السيئة، أما تبادل أطراف الحديث من شأنه أن يتعرف كل طرف على دواخل الآخر، ويعذر البريء المسيء، ويشارك كل منهما مشاعر الطرف الآخر.

• الابتسامة لها مفعول السحر على رفيق الحياة، بل على كل من حولنا عموما، فمن يضحك أكثر يستمتع أفضل بعلاقته الزوجية، ومن لا يضحك تصبح حياته جافة مملة .. إن الابتسامة بهجة الحياة الزوجية التي تستطيع أن ترفع عن كاهل الزوجين أعباء المسئوليات الجسام، وهي نعمة سماوية، ومفتاح للسعادة الزوجية في حد ذاتها.

• العش الزوجي هو الذي يدخل فيه شخصان بمزاجين مختلفين، ومن بيئتين متفاوتتين، ويحملان في ذاتهما فكراً وفهماً يتباين عن الآخر، ولا يكون عشهما ذهبياً حتى يُملأ من الحس الذهبي بوجود الآخر، والاحترام الذهبي لكلّ منهما تجاه الآخر، وبالعكس يفقد العش الزوجي ذهبيته عندما يفكر كلا من الزوجين بنفسه وبسعادته دون الآخر، ويتوقع أن يأخذ من الآخر أكبر قدر من التنازلات. عندئذ لا يتبادل الشريكان رسائل الحب والتقدير والتضحية بل رسائل الأنانية والانكباب على الذات واستغلال الآخر، وبالطبع لن تستقبل هذه الرسائل بودّ واحترام، لأنها لا تحمل أية معان جميلة للآخر.

• ليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها .. إحساناً للعشرة، وتخفيفاً على الزوجة، ولا ننسى أن قدوتنا النبي –صلى الله عليه وسلم- كان في بيته في مهنة أهله. قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة: 228]
قال أهل التفسير: هذا من بديع الكلام، إذ حذف شيئاً من الأول أثبت نظيره في الآخر، وأثبت شيئاً في الأول حذف نظيره في الآخر، وأصل التركيب: ولهنّ على أزواجهنّ مثل الذي لأزواجهنّ عليهنّ. {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} وقال ابن عباس: تلك الدرجة إشارة إلى حض الرجال على حسن العشرة والتوسع للنساء في المال والخلق. أي: إن الأفضل ينبغي أن يتحامل على نفسه.

وكذا حال المرأة مع زوجها، فلا هي باللحوحة ولا الشكاية ولا التي في مقارنات دائمة بين حالها وحال جيرانها ورفيقاتها، بل هي الهينة اللينة التي تنشد استدامة محبة زوجها، وتكسب ثقته ومودته.

• من أكبر الأخطاء التي نقع فيها أن يعامل الرجل المرأة على أنها رجل مثله. فالمرأة لا تأخذ الأمور كما يأخذها الرجل، فهو يهتم بأساسيات المشكلة، لكن المرأة تهتم بالتفاصيل وتعطيها أهمية أكبر من لب الموضوع، لذلك من المهم مراعاة ذلك عندي أي نقاش للخروج من الأزمة بحل يرضي الطرفين.

• المرأة لا تريد التعامل بالمنطق دائماً، لأن مشاعرها تغلب عقلها في أغلب الأحيان، وهي لا تريد أن تحاسب بدقة على كل كلمة تتفوه بها، بل تريد أن يتغاضى الرجل عن تقلبات مزاجها، وألا يغضب من دلالها عليه، ومن بعض متطلباتها غير المهمة بالنسبة له.

• ليست الزوجة فقط هي المسئولة عن حدوث الجفاف العاطفي بين الزوجين، فالمرأة كثيرا ما تتعرض إلى أسباب تؤدي بها إلى تعكر المزاج والقلق والتوتر، كهموم تربية الأطفال وضغوط فترة الطمث وزيادة أو نقص الهرمونات، وعلى الزوج أن يدرك ذلك جيدا. وهو أيضا يكون مسئولا عن هذا الجفاف العاطفي عندما يتعرض لمشكلات في عمله، فينعكس ذلك على علاقته بزوجته وأبنائه فيحصل الشجار والمشاكل. لذلك من دوام العشرة التماس الأعذار للآخر.

• على كل من الزوجين أن يتفهم غيرة شريكه، خاصة إذا كانت في الحدود المعقولة، على أن لا تصل الغيرة إلى الشك ومحاصرة الشريك ولغة التخوين وأساليب المحاسبة على كل موقف صغر أم كبر.

• «تشاركا في الرأي والمشورة» .. وذلك لا يعني أبدا أنك -عزيزي الزوج- تنازلت عن رجولتك لأنك صاحب القرار، بل على العكس تماما، فالزوجة عندما تسمع كلمة «أريد آخذ رأيك في شيء مهم» يكون لذلك أثرا قويا على نفسيتها، لأن ذلك يعني أن لها مكانة غالية لديك، وهذا هو ما تريده الزوجة، ولعل في موقف الرسول -صلى الله عليه وسلم- وأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها في صلح الحديبية دليلا وهاديا، فعندما تأثر الصحابة من بعض ما جاء في الصلح واحتار الرسول -صلى الله عليه وسلم- في كيفية إزالة هذا الأثر عنهم وحثهم على الحلق والعودة إلى المدينة، فسأل السيدة أم المؤمنين فاقترحت عليه أن يخرج أمام الناس ويحلق هو أمامهم، فإذا رأوه - وهو قدوتهم - سيفعلون مثله وينتهي الموقف وفعلا هذا ما كان .. فإذا كان رسول الهدى -عليه الصلاة والسلام- يستشير زوجته في قرار غاية في الأهمية، فهل يمتنع بعضنا عن مشاورة زوجاتهم عن أمور أقل من ذلك بكثير؟!

• كلا الزوجين مطالب بأن يراعي حق صاحبه في والديه وأقاربه، وألا يذكر أحداً منهم بسوء، فإن ذلك يوغر الصدور، ويجلب النفرة بينهما، وكم من زوج تحدث أمام حليلته بسلبيات أبيها وسقطاته – وهو مَن هو في جلالة قدره عندها – فأحدث ذلك ألماً في قلبها أطفأ شمعة السعادة المضيئة في حياتها الزوجية، وأشد من ذلك الحديث عن أمها. وإذا كان هذا في حق الزوج وله القوامة، فما بالك بحديث الزوجة عن والدي زوجها بسوء.

ولسنا نلزم أحداً منهما بمحبة أقارب الآخر، فالقلوب بيد الرحمن، يصرفها كيف يشاء، ولكنا نُحتِّم عليه أن يحفظ لصاحبه مشاعره، وكرامته وعرضه. وأقارب كلا الزوجين يجب احترامهم وتقديرهم وعدم الإساءة إليهم. أما عن علاقة الزوجين بالجيران، فتختلف باختلاف الجيران، فينبغي عليهما تحديد إطار مسبق لعلاقتهما بهم.

• مراعاة الاستمرارية والنفس الطويل في العطاء حتى وإن كان الطرف الآخر لا يبادل نفس العطاء، وهنا نعود لقاعدتي «الإخلاص، والتجارة مع الله» وهذه مجاهدة يجيدها من لديه إصرار على نجاح أسرته وعلاقته بشريكه .. إن الحياة الزوجية بمعناها الحقيقي «حياة عطاء» فهي حياة قوامها واجبات على كل طرف من الأطراف قبل أن تكون له حقوقاً، ومن ذلك كان لزاماً على كلا الزوجين أن يتنازلا طوعاً عن كل ما كان ينعم به من حرية شخصية واستقلالية قبل الزواج، وعلى كل منهما أن يضحي عن طيب خاطر، وأن يكون شعار الحياة الزوجية التضحية المشتركة، فلا يشعر أحدهما أنه يضحي في حين أن الآخر يضن بالتضحية، ومن لم يكن لديه القدرة على التضحية، عليه أن ينتحي ناحية من المجتمع، وينعزل عن الناس، وأن لا يطرق باب الزواج أصلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #130
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:06 PM
Parent: #129

ميزانية أسرتك .. كيف تديرينها بجدارة؟
"الأسرة" .. تلك المؤسسة الصغيرة المهمة التي على الرغم من صغرها ما زالت هي أهم المؤسسات في المجتمع، ولاعتبار الأسرة مؤسسة لا بد من امتلاكها «كيان إداري» له أهداف وخطط يدير ذلك الصرح الصغير.
ومن أهم الإدارات الداخلية لهذا الكيان هي «الإدارة المالية»، إذ المال عصب الحياة وبه نحقق رغباتنا واستمرارية المعيشة.
ونظرًا لظروف الحياة العصرية المعقدة، فغالبًا ما نجد دخل الأسرة لا يكفي لتمويل ذلك الصرح لتحقيق أهدافه وطموحاته، ومن ثم كان لازمًا وضع تصور بناء لإدارة المال في الأسر عمومًا، يسير بها في حد الاعتدال ولا تنجرف صوب الإفراط أو التفريط.

• المصارحة فيما بينكما بخصوص الأمور المادية تستطيع تأمين علاقتكما ومستقبلكما المالي معا، وهذا بالطبع يشمل حقيقة دخل الزوج أو الزوجة إن كانت تعمل، وأوجه الإنفاق المختلفة، والمدخرات .. وهكذا.

• من واقع الدراسات المسحية تبين أن الرجال أقدر على إدارة الأمور المالية الأساسية للأسرة، ويشكل عدد الرجال الذين يضطلعون بمسؤولية ميزانية المنزل ضعف عدد النساء اللواتي يقمن بالدور ذاته، أما المسئولون عن استثمار أموال الأسرة فيشكلون ثلاثة أضعاف النساء اللاتي يقمن بهذه المهمة.
فلماذا لا نوزع الأدوار داخل الأسرة ؟ ولماذا لا يتشارك الزوجان مسئولية الميزانية ؟ خاصة وأن نفس الدراسات تؤكد أن معظم الأزواج ( 67% ) يتخذون القرارات معا كفريق، ولكن كل حسب موقعه التقليدي.

• توحيد مصدر الصرف في الأسرة مسألة في غاية الأهمية، فإما أن يكون الزوج أو أن تكون الزوجة، حتى لا تحدث تشتت في الإنفاق بتكرار شراء أشياء قد لا يتم الاتفاق عليها مسبقا، أو لا تحتاج الأسرة إليها في الوقت الحالي، بما يؤدي إلي هدر في الميزانية لا داعي له إطلاقا.

• من المهم مراقبة الميزانية من وقت لآخر، ولا نتركها لآخر الشهر أو السنة، وهذا يفيد جدا في اكتشاف الأخطاء أولا بأول، وسرعة تداركها وتلافي الوقوع في كوارث مادية مفاجئة.

• لابد أن تتعاملي مع التخطيط والميزانيات بأسلوب مرن، تحسباً للظروف الطارئة التي قد تحتاج إليها الأسرة على غير المتوقع، فتكونين مستعدة لذلك، بحيث تجعلي الميزانية تستوعب أي مستجدات مفاجئة.

• رضا الناس غاية لا تدرك والأفضل هي القناعة الشخصية .. فلابد أن يكون كل أفراد الأسرة على قناعة أنهم يعيشون لأنفسهم وليس من أجل ما يقوله الناس، وبالتالي فهم الذين يحددون احتياجاتهم ونفقاتهم دون أن يخضعوا لضغوط اجتماعية أو حمى المظاهر، الأمر الذي قد يضطرهم إلي الاستدانة والوقوع في براثن القروض.

• ابتكري طرقا جديدة لحل الأزمات المالية:
- كحذف بعض الكماليات في سبيل الحصول على الضروريات.
- الاقتصاد في البرامج الترفيهية للأسرة مؤقتا حتى تمر الأزمة بسلام.
- إعادة استعمال بعض الأشياء القديمة بعد تجديدها وإصلاحها.
- الشراء من محلات الجملة والاوكازيونات ابتغاء الأسعار المخفضة.
- ولا ننسى دور البحث عن وسائل التوفير لنفقات الطعام من خلال أصناف اقتصادية تعدينها في المنزل. أو من خلال مكملات تقومين بتخزينها طيلة أيام العام.

• في بداية الزواج يكون الادخار أسهل من أي وقت آخر خلال رحلة الحياة الزوجية ؛ وذلك لعدة أسباب منها :
- أن عدد أفراد الأسرة الجديدة صغير، وبالتالي فإن مصروفاتهم اليومية بسيطة.
- عدم احتياج عش الزوجية لصيانة مكلفة ولا للتجديد، فالشباب في الغالب يبدءون حياتهم الزوجية بعد شراء كل احتياجاتهم الأساسية من ملابس وأجهزة كهربائية وأثاث، وبالتالي فإن الشباب المتزوج حديثا عليه أن يتحمل مسئولية حياته المستقلة منذ اليوم الأول، وعليهم الادخار استعدادا لطفل ينعم به الله عليهم أو أي التزامات أخرى قد تطرأ.

• العمل على تنمية وتطوير دخل الأسرة وما في حوزتها من أموال والمحافظة عليها وما يتعلق باستثمارها.
وهذه العناية بالميزانية تتطلب معرفة الوالدين بالخطط المستقبلية للعائلة، والأهداف التي يسعيان إلى تحقيقها، حتى يستطيعا أن يدخرا من المصروف ما يلبي حاجات الأسرة المستقبلية من بناء بيت وزواج أولاد والمصاريف الصحية عند الكبر وغير ذلك.
وبعبارة أخرى: لابد من وجود هدف استراتجيي طويل الأجل تسعى الأسرة لتحقيقه، بجانب مجموعة من الأهداف الفرعية التي ترتبط بمراحل الحياة الاجتماعية للأسرة.

• إشراك الأبناء في إدارة ميزانية الأسرة فرصة تربوية رائعة يتعلمون من خلالها كيف يتصرفون في توزيع دخل الأسرة على أوجه الإنفاق المختلفة، وكيف يمكن اختصار بعض أوجه الإنفاق لتدبير ما يمكن إنفاقه على أحد أبواب الإنفاق التي تزدهر في بعض الشهور دون أخرى ..
هذه التجربة في إدارة ميزانية الأسرة لن تجعلهم يطلبون منا مطلبا لا تستطيع الميزانية أن تتحمله ؛ لأنه في هذه الحالة سيكونون أول من يعلم حدود طلباتهم التي يمكن أن تلبيها الإمكانية المادية الحقيقية للأسرة، فلا يطلبون ما هو أكثر، بل ربما يقترحون الاستغناءعن بعض طلباتهم من أجل الآخرين (أخيه أو أخته )، أو من أجل أن تبدو الأسرة ككل بمظهر لائق إذا فوجئت بموقف لم يكن في الحسبان، وبذلك يتعلموا شيئا جديدا هو «الإيثار».

هذا بالإضافة إلى أنهم يتعلموا مهارة حل الأزمات والتفكير في الخروج منها، وعدم التقوقع فيها، أو اللجوء إلى الغير لحلها، ولا يصبح الاقتراض هو الطريق السهل أو التلقائي لحل أزماتهم المالية، كما يتدرب الأبناء على كيفية إدارة ميزانية الأسرة، التي عادة ما يفاجئون بالقيام بها دون تدريب مسبق عند بداية الزواج.

• الإنفاق كما يكون له هدف في الدنيا من تحقيق السعادة للإنسان، يكون أيضا للسعادة في الآخرة بدخول الجنة إن شاء الله تعالى، فلا بد من إخراج الحق الواجب من الزكاة على مدخرات الأسرة، والإنفاق في وجوه البر المختلفة .. ففي المال حق سوى الزكاة، والإنفاق في الخير من أعظم وسائل بركة المدخرات للحديث القدسي الجليل «أنفق يا ابن آدم أُنفق عليك» [البخاري]
كما أن الإنفاق الخيري لا يقتصر على الفرد نفسه بل يشمل النفقة على الأقارب وأفراد الأسرة وأفراد المجتمع المحتاجين حسب قدرة كل فرد وإمكانياته المالية، لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا» يقول: فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك [مسلم].
وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك» [مسلم].
ويقول ابن عمر رضي الله عنهما: (أربع من فعلهن فقد بريء من البخل: من آتى الزكاة، وقرى الضيف، ووصل الرحم، وأعطى في النائبة) وعلق على ذلك ابن تيمية بقوله: (من ترك أحد هذه الأربعة فهو بخيل).

• الدَّين هم بالليل مذلة بالنهار .. فالاستدانة وإن بدت حلا سهلا لأزماتنا المالية، إلا أنها قد تتحول إلى مرض مزمن وشبح مرعب قد لا نستطيع التخلص منه، والعلاج يكون بأن نفكر ابتداء كيف نخرج من المأزق المالي في حدود إمكانياتنا دون اللجوء للاستدانة.
اسلام ويب

Post: #131
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:08 PM
Parent: #130

الزواج بين جمال الصورة وجمال الروح
من حقّـنا أن نضع الجمال في قائمـة المواصفات التي نطلبها في الزواج .. فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً قال: إني تزوجت امرأة، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ( ألا نظرت إليها، فإن في أعين الأنصار شيئا !!) [النسائي]
ولمّا سئل - صلى الله عليه وسلم -: أي النساء خير؟! قال: ( التي تسره إذا نظر، وتطيعه إذا أمر، ولا تخالفه في نفسها ومالها بما يكره ) [ النسائي]
ومما يدل شرعا على أهمّية اعتبار الجمال: إباحة النظر إلى المخطوبة، ومعلوم أن النظر إنما أبيح ليُعرف القبح والجمال في المرأة والرجل.

ولكنّنا قد نبالغ أحياناً في شروط وأوصاف الجمال، متناسين أنّ التي تتوافر على شروطنا لها شروطها أيضاً التي قد لا تتوافر فينا، وأنّ المبالغة في التركيز على الشكل تخسرنا الجمال الآخر الذي عبّرنا عنه بـ «الجاذبية» أو «جمال الروح»، وأنّ الجمال الجسدي الخالي من الجمال الروحي ليس جمالاً بل وبالاً.
الشكل أو الجمال الظاهري مطلوب، لكنّه ليس الشرط الوحيد في تحقيق السعادة الزوجية، فهناك في هذه الحياة المشتركة الجميلة الكثير والكثير من مظاهر الجمال غير المنظر الخارجي، فهناك المودّة، وهناك الرّحمة، وهناك الألفة والعشرة والأنس، وهناك التفاني، وهناك العمل المشترك على إنشاء أسرة صالحة .. وهناك وهناك، فإذا فاتنا جمال فسيكون هناك أكثر من جمال آخر يمكن أن نتطلّع إليه، ويمكن أن ننجذب بسببه إلى الآخر.

الجوهر قبل المظهر
- جمال الصورة تبليه السنين ولا يقبل النّماء، بعكس جمال الروح فإنه قابل للنّماء والتألّق، وهو الجمال الذي امتدحه الله تعالى بقوله: { فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } [النساء/34] .

- جمال الصورة قابل للتنازل عنه، بعكس جمال الروح فإنه لا يقبل التنازل عنه أو التساهل فيه.
وتذكّر وصية حبيبك محمد -صلى الله عليه وسلم-إذ أوصاك بقوله: ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ).

- جمال الروح وجمال الطباع ينعكس على الجسد فيجعله جميلاً، أما جمال الجسد فلا يغني إذا ساءت الروح أو الطباع .. ورب ملكة جمال لا يطيق زوجها أن ينظر إليها لسوء أخلاقها وطباعها، والنفس تحب ألوان الجمال جميعًا المادي والروحي.

- القصور في بعض ملامح الجمال الظاهري يمكن تكميله وتعويضه بعكس جمال الروح .. فلا يلزم من اشتراطك ملامح معيّنة في الجمال أن تفرّط في بعض الفرص السانحة بسبب ذلك، فمثلاً قد تجد فتاة صيّنة دينة على جمال وخلق لكنها (بدينة بعض الشيء) وأنت ترغب في فتاة غير بدينة، فالجمال من هذه الجهة ممكن أن يعوّض بمساعدتها مثلا على برنامج للحمية ونحو ذلك.

انتبه لاختيارك
• من أكثر الأخطاء التي يقع فيها المقبلون على الزواج - سواء شابا أو فتاة - هو عدم أخذ المشورة من أهل الاختصاص ومن أهل الخبرة في الحياة العملية، سواء من الأهل أو الأصحاب.
كذلك عدم إعطاء نصائحهم قيمة في هذا الصدد، مع أن مثل هذه النصائح إذا أخذت في الحسبان فإنها سوف تمنع الكثير من المشاكل التي قد تطرأ بسبب وجود تنافر في الطباع يتم التغاضي عنه تحت تأثير العاطفة والرغبة في إتمام الزواج.

• عند تحديد بنود التكافؤ لشريك الحياة يجب الانتباه إلى أن الشخص كامل الأوصاف غير موجود، وأن عليك تحديد أولوياتك وترتبها حسب ما تحتاجه من شريك حياتك، وأي منها أساسية وأيها ثانوية، وما هي الأشياء التي تقبل التنازل عنها في بنود التكافؤ لحساب بنود أخرى، بمعنى إذا وضعت الشكل والجمال – مثلا- في أول القائمة، فعليك أن تضع في اعتبارك أن ذلك قد يكون على حساب المستوى الاجتماعي والاقتصادي -مثلا- وهكذا .

• ما يهم في شريكي الحياة أن يلبي كل منهما احتياجات الآخر بطريقة تبادلية ومتوازنة، وهذا لا يتطلب تشابههما أو تطابقهما، وإنما يتطلب تكاملهما بحيث يكفي فائض كل شخص لإشباع حاجات الشخص الآخر.

• اختلاف الثقافات ليس العامل الوحيد المؤثر في نجاح أو فشل العلاقة الزوجية، بل إن التعويل إنما يكون على مرونة الطرفين وقدرتهما على توظيف الاختلاف الثقافي بوصفه عنصر إثراء وتكامل، ووعيهما بحتمية التنازلات المشتركة أحيانًا، وبضرورة التفهم والتفاهم، والتعامل بروح الانفتاح وليس الإصرار على عادات أو تقاليد بعينها بوصفها الصواب، وغير ذلك خطأ.

• الأصل أن يكون الرجل أكثر خبرة وحكمة ونضجًا من المرأة التي سيكون قوامًا عليها، ولا يعني هذا بالطبع أن تكون هي حمقاء، وبالتالي فإن العبرة في الفارق العمري أن يساهم في حصول هذا الفارق في النضج؛ لأنه في مصلحة العلاقة الزوجية.

• من الأفضل اختيار السلامة من الأمراض والعيوب قدر الإمكان، وقد بعث الرسول -صلى الله عليه وسلم- أم سليم إلى امرأة فقال: ( انظري إلى عرقوبها وشمي معاطفها ) وفي رواية ( شمي عوارضها )، ومن المهم السلامة من أي عائق ممكن أن يمنع من الإنجاب.

ــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #132
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:08 PM
Parent: #131

ادفعي زوجك دوما إلى النجاح
الحياة ليست سهلة، والكفاح هو أحد جوانبها المثيرة والممتعة، والذي يحمل في طياته مزيجا من التعب والأمل ولذة الشعور بالإنجازات ..

ومن أعظم الغبن أن تتركي - عزيزتي الزوجة - شريك حياتك وحده في رحلة الكفاح الأسري، وإياك والسلبية التي تجعلك تفقدينه ويفقدك، وبالتالي تفقدان معا كل معنى جميل للحياة الهانئة، فعيشي كفاح زوجك، وليكن كفاحكما شريفا من أجل غايات نبيلة لتشعرا بأنكما دائما وللأبد معا.

• ذكري زوجك دائماً باستحضار النية الصالحة في كل عمل، فهي الوقود الرباني الذي يشحذ الهمم الصادقة، ولا تدفعيه لشيء فوق طاقته، فيلجأ لطريق حرام، أو طريق فيه شبهة لتلبية طلباتك، ولتكن وصيتك دائماً عين وصية تلك المرأة الصالحة التي قالت لزوجها: “اتق الله فينا، ولا تطعمنا إلا حلالاً، فإننا نصبر على الجوع في الدنيا، ولا نصبر على النار في الآخرة”.

• لا تضجري من عمل زوجك، وانشغاله عنك في بعض الأحيان، فإن أسوأ ما تصنع بعض النساء هو إعلان الضجر من عمل الزوج. الإعلان يكون عادة في زوبعات النكد، والدأب على الشكوى في كل مقال ومجال، واتهام الزوج بإهمالها، واللجوء إلى بيت أبيها غضبى.

• المرأة الذكية هي القادرة على القيام بأدوار متعددة في حياة الرجل، وتفرض نفسها في حياته بإيجابياتها المتنوعة .. فهي أحياناً أم ترعى طفولته الكامنة، وأحياناً أنثى توقظ فيه رجولته، وأحياناً صديقة تشاركه همومه وأفكاره وطموحاته، وأحياناً ابنة تستثير فيه مشاعر أبوته .. وهكذا، وكلما تعددت وتغيرت أدوار الزوجة في مرونة وتجدد فإنها تسعد زوجها، كأي طفل يسأم لعبه بسرعة ويريد تجديداً دائماً، أما إذا ثبتت الصورة، وتقلصت أدوار المرأة في تنظيف المنزل والعكوف في المطبخ فإن هذا نذير بتحول اهتمام الزوج المرهق نحو ما هو جذاب ومثير وجديد.

• احرصي أن تملكي لساناً حلواً عذباً ينشر عبق السعادة والارتياح في كل أرجاء حياتكما الزوجية، وابتعدي قدر ما تستطيعين عن الألفاظ المحبطة التي تثبط العزيمة وتفتر الهمة، وتجعل الحياة الزوجية تتراجع إلى الوراء.
• انتبهي لأفعاله لا لمظهره، فالرجال بحكم أنهم جبلوا فطريا على حب التنافس فيما يفعلون وفي مقدار ما يحققون من إنجازات مهنية، فإنهم يميلون نحو المديح الذي يستهدف إنجازاتهم أكثر من ملامحهم التي خرجوا إلى الدنيا بها أو ملابسهم التي يشترونها، بحسب ما تقول (جوان إليسون) مؤلفة كتاب “الجنس .. تاريخ طبيعي“. وبعبارة أخرى، فإن مديحك لزوجك على عمل أنجزه بنجاح يجعله يشعر أفضل مما لو تكلمت عن شعره المجعد.

• من الطبيعي أن الرجل يأوى إلى البيت للاستراحة من إرهاق العمل والضوضاء والصياح .. معنى هذا أن الزوجة يجب أن تحافظ على الهدوء في البيت قدر الإمكان ولا تثير الضجيج والصياح، وأن تتكلم بهدوء ووقار. وإذا كان لديها أمر يستلزم رفع صوتها، فمن الأفضل أن تقترب حتى تتكلم بصوت منخفض قدر الإمكان، وهذه أحد أهم مفردات السكن المنوط بالحياة الزوجية السعيدة.

• من المهم أيضا توفير الجو الملائم للزوج لمساعدته على التفكير والتخطيط للعمل، وهو هادئ النفس، مرتاح البال .. ساعديه في حصر كل ما يحتاج إليه لإنجاز أعماله الذي يقوم بها، وشاركيه في وضع خطة مرحلية يتم فيها إنجاز شيء مهم للأسرة خلال فترة مناسبة.

• دعوة المساواة في تحمل المسئوليات هي دعوة تخلو من أي فهم لطبيعة العلاقة بين الزوج والزوجة التي قامت على التناغم والتكامل لا الندية والمنافسة .. فلا ينبغي أن ينظر كل طرف للآخر على أنه ند، فالعلاقة الزوجية الطبيعية خالية من أي شبهة تحدٍّ أو ندية، ولا يمكن أن يكون هناك تطابق في طبيعة المرأة والرجل، فهما مختلفان تشريحياً وفسيولوجياً ونفسياً. والرجل يهتدي لمسؤولياته كرجل بفطرته السوية، وكذلك المرأة، فليتحمل كل منكما مسؤولياتـه، وليحمل أي منكما الآخر على كتفيه إذا كان هذا الآخر عاجزاً عن تحمل قدر من مسؤولياته .. فالزواج ليس شركة وليس مؤسسة وليس تجارة، وإنما هو حب وتعاون وتكامل وحياة مشتركة ومصير واحد.

• لا تدخلي معه في الصباح في مناقشات أسرية، حتى ولو كانت ضرورية وهامة بنظرك‏,‏ فهذه الفترة المبكرة في أول النهار لا تسمح بأي مجادلات قبل توجهه للعمل، وأي مشكلة يمكن مناقشتها معه في فترة ما بعد الظهر بعد تناول طعام الغداء وأخذ قسط من الراحة‏، أو في فترات السمر المسائية .. تمني له يوما سعيدا قبل مغادرته المنزل، مع رسم ابتسامة مشرقة علي ملامح وجهك‏‏ تمده بشحنة من القوة العاطفية طوال اليوم، وعند عودته احرصي علي استقباله بوجه بشوش‏,‏ واعلمي أن الرجل طفل كبير يسعده أن يشعر باهتمامك,‏ وبحرصك علي إرضائه.

• كوني دقيقة في فهم احتياجاته ليسهل عليك المعاشرة الطيبة دون إضاعة وقت، فالثرثرة كما هي كلامية منها أيضا السلوكية، والرفيق المزعج أو الغير متفهم من أشد الثقلاء على النفس.
• كوني أيضا متفاعلة مع أحواله المزاجية، ولكن ابتعدي عن التكلف.
• اضبطي مناخ البيت وفق مواعيده هو، ولا تشعريه بالارتباك في أدائك للأمور المنزلية.
• احرصي على إيجاد علاقة طيبة بين الأولاد والأب مهما كانت مشاغله، ولكن بحكمة دون تعطيل لأعماله أو تشويش لذهنه بمشاكل الصغار التي لا تنتهي.
• أشعريه رغم انشغاله عن البيت بأنك تتحملين رعاية الأولاد بفضل دعائه لك، وباستشارته فيما يخصهم.
• اهتمي بأوراقه وأدواته الخاصة وحافظي عليها، ونسقي كتبه وملفاته بدقة وبشكل طبيعي، دون أن تتفقدي ما يخصه طالما لا يسمح لك.
• أشعريه دائما أن واجباته لها “ الأولوية الأولى” مهما كانت مسؤولياتك وأعمالك، وتفقدي مواطن راحته سواء بالحركة أو الكلمة، واسعي إليها بروح جميلة متفاعلة.
• عدم التردد أو التباطؤ عندما يطلب منك شيئا، بل احرصي على تقديمه بحيوية ونشاط.
• أكثر ما يغيض الأزواج إشعار الزوجات بأن محاولتهم لكسب الرزق هو دور طبيعي لا يستحقون الشكر عليه، فلا تكوني تلك الزوجة.
• كوني قانعة راضية، فالحياة دوما تتقلب بين يسر وعسر، واحرصي على عدم الإسراف بحيث لا تتجاوز المصروفات الواردات.
• حافظي على أموال زوجك، ولا تنفقي شيئا من ماله إلا بإذنه، وبعد أن تستوثقي من رضاه .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذنه) قيل: يا رسول الله ولا الطعام؟ قال: (ذلك أفضل أموالنا) [رواه الترمذي بسند جيد]. وإذا أعسر زوجك فتصدقي عليه من مالك، وإن لم يكن لك مال، فاصبري على شظف العيش معه لعل الله تعالى يفرج عليكما.
• إذا حصل زوجك على مبلغ إضافي خلال الشهر كمنحة أو مكافأة أو غير ذلك فلا تصرفي هذه الزيادة .. بل اقتصديها ووفريها للاحتياجات المستقبلية الغير متوقعة

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #133
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:10 PM
Parent: #132

أكبر وأنا عند أمي صغير وأشيب وأنا لديها طفل هي الوحيدة التي نزفت من أجلي دموعها ولبنها ودمها نسيني الناس إلا أمي عقّني الكل إلا أمي تغيّر عليّ العالم إلا أمي الله يا أمي: كم غسلت خدودك بالدموع حينما سافرت! وكم عفت المنام يوم غبت! وكم ودّعت الرّقاد يوم مرضت! الله يا أمي.

إذا جئت من السفر وقفت بالباب تنظرين والعيون تدمع فرحا وإذا خرجت من البيت وقفت تودعينني بقلب يقطر أسى الله يا أمي: حملتني بين الضلوع أيام الآلام والأوجاع ووضعتني مع آهاتك وزفراتك وضممتني بقبلاتك وبسماتك الله يا أمي .
لا تنامين أبدا حتى يزور النوم جفني ولا ترتاحين أبدا حتى يحل السرور علي إذا ابتسمت ضحكت ولا تدرين ما السبب وإذا تكدّرت بكيت ولا تعلمين ما الخبر تعذرينني قبل أن أخطئ وتعفين عني قبل أن أتوب وتسامحينني قبل أن أعتذر الله يا أمي: من مدحني صدقته ولو جعلني إمام الأنام وبدر التمام ومن ذمني كذبته ولو شهد له العدول وزكّاه الثقات أبدا أنت الوحيدة المشغولة بأمري وأنت الفريدة المهمومة بي الله يا أمي.

أنا قضيّتك الكبرى وقصتك الجميلة وأمنيتك العذبة تحسنين إليّ وتعتذرين من التقصير وتذوبين عليّ شوقا وتريدين المزيد يا أمي: ليتني أغسل بدموع الوفاء قدميك وأحمل في مهرجان الحياة نعليك يا أمي.
ليت الموت يتخطاك إليّ وليت البأس إذا قصدك يقع عليّ

يا أمي كيف أردّ الجميل لك بعدما جعلت بطنك لي وعاء وثديك لي سقاء وحضنك لي غطاء؟ كيف أقابل إحسانك وقد شاب رأسك في سبيل إسعادي ورقّ عظمك من أجل راحتي واحدودب ظهرك لأنعم بحياتي!
كيف أكافئ دموعك الصادقة التي سالت سخيّة على خدّيك مرة حزنا عليّ ومرة فرحا بي لأنك تبكين في سرّائي وضرّائي؟ يا أمي أنظر إلى وجهك وكأنه ورقة مصحف وقد كتب فيه الدهر قصة المعاناة من أجلي ورواية الجهد والمشقة بسببي يا أمي أنا كلي خجل وحياء إذا نظرت إليك وأنت في سلّم الشيخوخة وأنا في عنفوان الشباب تدبين على الأرض دبيبا وأنا أثب وثبا.

يا أمي أنت الوحيدة في العالم التي وفت معي يوم خذلني الأصدقاء وخانني الأوفياء وغدر بي الأصفياء ووقفت معي بقلبك الحنون بدموعك الساخنة بآهاتك الحارة بزفراتك الملتهبة تضمين تقبّلين تضمّدين تواسين تعزّين تسلّين تشاركين تدعين يا أمي أنظر إليك وكلي رهبة وأنا أنظر السنوات قد أضعفت كيانك وهدّت أركانك فأتذكر كم من ضمة لك وقبلة ودمعة وزفرة وخطوة جدت بها لي طائعة راضية لا تطلبين عليها أجرا ولا شكرا وإنما سخوت بها حبّا وكرما أنظر إليك الآن وأنت تودعين الحياة وأنا أستقبلها وتنهين العمر وأنا أبتدئه فأقف عاجزا عن إعادة شبابك الذي سكبته في شبابي وإرجاع قوّتك التي صببتها في قوّتي .

أعضائي صنعت من لبنك ولحمي نسج من لحمك وخدّي غسل بدموعك ورأسي نبت بقبلاتك ونجاحي تم بدعائك أرى جميلك يطوّقني فأجلس أمامك خادما صغيرا لا أذكر انتصاراتي ولا تفوقي ولا إبداعي ولا موهبتي عندك لأنها من بعض عطاياك لي أشعر بمكانتي بين الناس وبمنزلتي عند الأصدقاء وبقيمتي لدى الغير.

ولكن إذا جثوت عند أقدامك فأنا طفلك الصغير وابنك المدلّل فأصبح صفرا يملأني الخجل ويعتريني الوجل فألغي الألقاب وأحذف الشهرة وأشطب على المال وأنسى المدائح لأنك أم وأنا ابن ولأنك سيّدة وأنا خادم ولأنك مدرسة وأنا تلميذ ولأنك شجرة وأنا ثمرة ولأنك كل شيء في حياتي فائذني لي بتقبيل قدميك والفضل لك يوم تواضعت وسمحت لشفتي أن تمسح التراب عن أقدامك.
ربّ اغفر لوالدي وارحمهما كما ربّياني صغيرا
د.عائض القرني

Post: #134
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:12 PM
Parent: #133

8 معاول لهدم الحياة الزوجية
تبدأ الحياة الزوجية عادة بمشاعر تفيض بالحب والود والوئام والانسجام بين الزوجين، لكن مع مرور الوقت وتحمل المسئوليات قد تغيب هذه المعاني السامية عن بعض الأسر، فنجد مشاعر الحب في انخفاض مستمر، ويتبع ذلك غياب الوئام والتفاهم ليحل محلهما النزاع والشقاق، بل قد تتطور الأمور إلى ما يفضي إلى نهاية الرابطة الزوجية.

وحين نتأمل! لماذا يحدث هذا بين الزوجين بعد أن بدءا حياتهما بحب كبير وتفاهم واضح؟، نجد أنَّ هناك العديد من الأمور التي باستمرارها تتحول إلى معاول لهدم جسور الحب والمودة بينهما، فليحذرا من هذه المعاول الهدامة، وليعملا على تجاوزها، ومن أهم هذه المعاول:

1- إبراز العيوب وإغفال المزايا:
بعض الأزواج يسلطون الضوء على عيوب ونقائص الطرف الآخر، ويعملون دائمًا على إبراز هذه العيوب وتضخيمها، وفي نفس الوقت يُغفلون ما يتحلى به هذا الطرف الآخر من إيجابيات ومزايا عديدة، وهذا بدوره يبني جسورًا من الجفاء والنفور بين الزوجين.

ولذا ينبغي على الزوجين أن يهتما ويبحثا عما في الطرف الآخر من مزايا وإيجابيات، ويعملا على إبرازها وتنميتها، والانطلاق من خلالها لمعالجة جوانب القصور لدى الطرف الآخر.

2- عقد المقارنات:
فبعض الأزواج يعمدون بطريقة شعورية أو لا شعورية إلى عقد مقارنات بين أزواجهم وبين أناس آخرين، من زملاء أو زميلات العمل، أو من الأقارب أو غير ذلك، وهذا بدوره يؤدي إلى وجود مشاعر سلبية لدى الطرفين، فمن ناحية يَشعر الطرف الذي يُقارن بمشاعر عدم الرضا تجاه الطرف الآخر، ومن ناحية أخرى تؤدي هذه المقارنة إلى جرح عميق في مشاعر الطرف الآخر، وطعنًا في كرامته.

فعلى الزوجين أن يبتعدا عن عقد هذه المقارنات، وأن يتحليا بالرضا والواقعية، وأن يستحضرا دائمًا أن لكل إنسان مزاياه وعيوبه وإلا لما كان من البشر.

3- السكوت على المشاكل:
لا تخلو حياة زوجية من المشاكل والخلافات، ولكن كثرتها وتكرارها بشكل مستمر، وعدم توقف الزوجان عندها والبحث عن الأسباب التي تؤدي إليها، وبذل الوسع في العمل على علاجها من خلال الحوار البناء بينهما، يوّلد شعورًا بالضجر، ورغبة في التخلص من هذه العلاقة؛ ولذا فعلى الزوجين أن يسارعا بمعالجة ما ينشأ بينهما من خلافات أولاً بأول، من خلال الحوار الهادئ والمناقشة الموضوعية.

4- الاستهزاء وجرح المشاعر:
الاستهزاء والسخرية من أحد الطرفين تجاه الآخر في تصرفاته وسلوكياته، أو في مظهره، أو في طريقة تفكيره، أو في غير ذلك من الأمور يوّلد نوعًا من المشاعر السلبية المشبعة بالإحباط والنفور، وعدم الميل تجاه الطرف المستهزئ، فلا تترك مجالاً للحب والود؛ ولذا فعلى الزوجين أن يحرصا على أن يحترم كل منهما مشاعر الآخر، وأن يعملا على تفادي ما يجرح مشاعر الآخر.

5- الانشغال الدائم:
الانشغال الدائم لأحد الزوجين عن الآخر سواء داخل المنزل أو خارجه، في العمل أو مع الأصدقاء، في تربية الأبناء، أو في الأعمال الخيرية والدعوية، في ممارسة الهوايات أو أي أعمال أخرى، يُشعر الطرف الآخر بالإهمال والنبذ، كما يشعره بفراغ كبير خاصة إذا كان لا يستطيع أن يشغل هذا الفراغ؛ لذلك لابد أن يكون هناك اهتمام بالطرف الآخر ولو كان ذلك على حساب بعض الأعمال الضرورية، حتى لا يشعر بالإهمال وبالتالي يحدث الفتور العاطفي.

6- التثبيط وعدم التقدير:
قد يكون لكل من الطرفين رغبات وطموحات وحاجات تحتاج إلى المساندة والمساعدة في تحقيقها، ولكن عدم تفهم الطرف الآخر لهذه الحاجات وعدم تقديره لها، يدفعه إلى التقليل من قيمة هذه الحاجات، وتثبيط الهمة، وقد يصل الأمر إلى السخرية منها، مما يولد شعورًا بالضيق لدى الطرف صاحب الطموح، ويتبع ذلك فتور عاطفي خاصة إذا أبدى آخرون إعجابًا بهذه الطموحات، فعلى الزوجين أن يعيش كل منهما طموحات الآخر، وأن يبذل كل منهما للآخر المشاركة المعنوية والمادية في تحقيق هذه الطموحات والآمال.

7- الغيرة الشديدة:
قد تدمر الغيرة العلاقة الزوجية، وتنقلها من الأمان إلى القلق والشك، فتثور الأسئلة التشكيكية، ويتبع ذلك سوء الظن والتكذيب، مما يولد العنف والخوف، وفي ظل هذه الأجواء تختفي كل معاني الحب والود، وعلى الزوجين أن يلتزما الغيرة المعتدلة البعيدة عن الإفراط أو التفريط، وأن يلتزما بالصراحة والوضوح؛ تجنبًا لإثارة بذور الشك والريبة بينهما.

8- التسلط:
يظن بعض الرجال أنه يجب أن يكون منفردًا باتخاذ القرارات في كل كبيرة وصغيرة تخص الأسرة، فلا يحاور أحدًا، ولا يسمح لأحد بمراجعته، فيسود البيت جو من التوتر، ورغبة في الهروب من هذا البيت، وكذلك الزوجة إذا كانت متسلطة، فعلى الزوجين أن يتجنبا الانفراد في اتخاذ القرار، وأن يجعلا من الشورى التي جعلها الحق تبارك وتعالى من صفات المؤمنين في قوله: {وأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} منهجًا يُديرون به شئون حياتهم وعلاقاتهم مع أزواجهم
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
أ. ياسر محمود

Post: #135
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:14 PM
Parent: #134

أعيدوا نهر العواطف في بيوتكم
خلقت المرأة من ضلع أعوج، والاعوجاج يعني الانعطاف، وجلت قدرته بحكمة خلقها من ضلع أعلى فوق القلب، وفي آياته أفلا تتفكرون؟

إذا فلنفكر في حكمته بهذا الخلق؛ الرجل نهاية منعطف المرأة مهما سارت طويلا في انعطافها ولا يمكن أن تتخلى عنه، ولكن بمرافقته العطف والحب والحنان لها؛ يكون صدر الرجل الملاذ الأخير لمطلب الأمان عند المرأة، ففيه كل الأمان لجميع مطالبها الأنثوية، وإذا فقدت المرأة أمانها في زوجها أجبرها أن تبحث عنه وتتمناه فإذا توفر ذلك أمامها أطاعت له برغبة من فطرتها.

المرأة بطبيعتها ذات عاطفة ملتهبة لينة الحركة، أينما تجد دفئها وأمانها وحفظها لكرامتها تلتوي وتهدأ بالمكان الذي لا توجد به رياح وعواصف الألم والحزن التي تؤذي عاطفتها اللينة وتخدشها؛ لذلك بنظري كل زوج يجب أن يثبت أحبال خيمته جيدا، وأن يبني بيته في مكان وظروف مناسبة للأمان والاستقرار ويجعلها أكثر راحة عن غيرها؛ لكي يضمن استقرار عواطف زوجته في جعبته، ومهما ثارت العواصف خارج خيمته فإنها لا تؤثر هبوبها على محتوى الخيمة، ولن يحصل هناك خلل في الأمان والاستقرار داخلها.

فلننظر في واقعنا إلى حالات الزواج الأغلب انتشارا، ونقارن بدايتها بعد مرور زمن عليها تجدها كانت جميلة رومانسية ممتعة هادئة في أولها ـ وخاصة أي في بداية الارتباط بالزوجة، وبالخصوص في الخطبةـ وإذا استفتيت الزوجات عن أسعد لحظات زواجهن يجبن بأنه أول أيام ارتباطها بزوجها وأول أيام زواجها، ثم بدأت السعادة تتلاشى ببطء حتى اختفت.. فلماذا يا ترى ؟!!

أنا أجيب.. وليست إجابتي نابعة من رأيي الخاص فحسب، بل هي إجابة جاءت بعد تجارب واستفتاء طويل الأمد، السبب وللأسف هو بعد الزوجين عن روح العاطفة، فعند بداية ارتباطهما تكون بداية فوران الدم للحب والفرحة، وتكون اللهفة ثائرة تفور حرارتها بكلمات جميلة رقيقة تحمل بين أحرفها لسعة حمم بركانية تحرق بها القلوب فتنير عتمة سريرتهما، وتؤمن خوفهما الذي كان يملؤه ظلام حالك من ظروف وقساوة الزمن، فيهدأ بال الزوجة وتركن طبيعتها بين يدي زوجها وتأمنه على نفسها وقلبها، ويستقر عصفها بعد سماعها وعوده بصنع السعادة لها.

الزوجة كالطفلة تماما أين تبتسم تؤلف، والزوج كالصقر تماما أين يجد متوفرا لصيده يكنف، وبعد الزواج وأخذ متعته وإشباعها ويقينه بأن بيته متوفر به صيده، يبدأ بالعودة إلى طبيعته فيحوم في أطراف منطقته ثم يبدأ بالابتعاد والانشغال كأي صقر آخر، وإذا طلب منه الإصغاء لصوت الحب والعاطفة القديمة، تحجج بأنه واقعي وليس متفرغ، وعنده ما يشغله، فينسى أو يتناسى الطفلة التي عنده بأنها بحاجة ضرورية لتغذية روحها بالحب وإطعامها الحنان وتهدئة روعها بالأمان واستقرار نفسيتها بالاهتمام؛ فيبتعد عنها ويزيد بعده بالرغم من قربه الشديد، فلا تجده صديقا تحاكيه وتمازحه وتلاعبه ولا تجده أما حنونة ولا أبا لتشكو همها له.. وإن عاتبته زوجته يوما صرخ في وجهها قائلا: ألا يوجد بحياتي غيرك، فعندي من الأشغال كالأثقال، فتختل ثقتها به وتنهدم أحلامها تدريجيا وتنتكس برائتها وتنكسر أنوثتها، ويلتف حولها خوف وترهق ذاكرتها وهى تذكره بوعوده فتتلاشى سعادتها بسقوط دموعها.

الزوج يقتطف زوجته كالزهرة من بيت يحتوي أخوة وأخوات وأم وأب، يأخذها من مجتمع صغير متكامل في سكنها، ويأخذها بحجة انه سينميها عنده في بيته ففيه ما يبرز جمال فطرتها أكثر، وخاصة إذا تفرعت جذورها بأبناء؛ وبعد ذلك يضعها في مكنونة خالية الغذاء، فلا سعادة ولا عاطفة؛ فتذبل تماما كالزهرة.

هذه رسالة أبعثها لكل زوج وزوجة بل لكل مؤسسة أسرية تعنى بهذا النوع من المشاكل، أحسنوا لأنفسكم وأعيدوا نهر العواطف في بيوتكم تفلحوا...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
افتخار عنيزات: كاتبة أردنية.

Post: #136
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:17 PM
Parent: #135

النوم الجيد سر الصحة و السعادة
لقد صاحب التقدم التقني والتكنولوجي وابل الأمراض التي باتت تؤرق المعنيين بهذا الشأن في كافة دول العالم ، وحتى تبدو الصورة أكثر وضوحاً فإن التقدم التكنولوجي بالطبع ليس سبباً في هذه الأمراض ولكنه سبب في الكشف عنها حتى أصبحت معلومة لكافة الباحثين، ومن ثم بدأ العلماء والباحثون سباقاً محموماً للتوصل إلى حل مجدٍ ، وكجزء من تلك المحاولات بدأ العلماء في التوصل إلى بعض الطرق الممكن من خلالها منع الإصابة بالمرض وذلك بالتحكم في الجينات ، لكن الحديث عن الجينات أمر غاية في التعقيد ولا يقبل عليه الكثيرون ، لذا يجد البعض في الطب الوقائي ضالته المنشودة حيث يتبع توجيهات وإرشادات مبسطة تخلق لديه قناعة بأنه يستطيع أن يعيش حياته في مأمن من الإصابة بالأمراض وأيضاً اتباع النصائح التي يسديها أساتذة التغذية المتخصصون إضافة إلى البحث عن بعض الممارسات الرياضية البسيطة والمفيدة مثل الركض

وفيما يلي سوف نسلط الضوء على بعض العادات الهامة التي يعتبرها العلماء تسهم بدرجة كبيرة في التمتع بصحة أفضل ويمكن أن نطلق عليها في مجملها طرق وقائية ، وقد تحدث جاسون ثيودو ساكيس اختصاصي الطب الوقائي عن بعض هذه العادات :
الأمر الأول : الذي يعد جزءً من برنامجنا الوقائي هو : النوم الجيد ، فمن لا يأخذ قسطاً مناسباً من النوم كماً وكيفاً لا يمكن أن يتمتع بصحة جيدة .

والولايات المتحدة الأمريكية تعد أولى البلدان التي أجريت دراسات في هذا الصدد وكان النتيجة أن 45 مليون أميركي يعانون من مشاكل النوم وهذا الرقم في تزايد مستمر ، وبالرغم من أن البحث عن حلول لتلك المشكلة مازال قيد الدراسة في العديد من المدارس الطبية

وبالرغم من وجود العديد من الأدوية البسيطة ذات الفاعلية إلا أن الأقراص المنومة مازالت العلاج المفضل لدى الكثير من الناس وفي الواقع نجد أن الحبوب المنومة تعد أكثر الأدوية التي ترد في وصفات الأطباء باستثناء حبوب تحديد النسل التي تتقدم عليها .

وقلة النوم أو عدم انتظامه يمكن أن يكون سبباً في العديد من المشاكل الصحية الأخرى مثل الاكتئاب، نقص المناعة ، ضعف الذاكرة والقدرات الإدراكية والمعرفية ، انخفاض مستوى الطاقة وفقدان الشهية .
والأخطر من ذلك أن دراسة حديثة بينت أن مشاكل النوم المزمنة تنقص من عمر الإنسان ( يقل العمر الافتراضي لدي من يعاني من تلك المشاكل )

النوم الصحي
والنوم الطبيعي الصحي له صفات معينة يجب أن تراعى ، وقد قام الباحثون تقسيم الليلة إلى دورات والدورة إلى مراحل ، فبالنسبة للقدر المناسب من النوم لكل ليلة فهو عبارة عن 5 أو 6 دورات ، وزمن الدورة الواحدة (90 دقيقة) وبذلك يكون القدر الكلي من 7.5 ساعات إلى 9 ساعات وكل دورة من الدورات المذكورة تتكون من أربع مراحل تبدأ من النوم الخفيف في المرحلة الأولى حتى الغطيط الشديد في المرحلة الرابعة وهكذا يستمر الحال من دورة إلى أخرى ، أما الحركة السريعة للعين فتحدث عندما تنتهي المرحلة الرابعة ونبدأ في دورة جديدة ، ومع انتهاء الليلة يصبح النوم خفيفاً في المرحلة الثالثة والرابعة من الدورة الأخيرة.

وعندما يقوم الأطباء بأجراء فحوصات للتعرف على اضطرابات النوم وإيجاد حل لها فهم يستخدمون تلك المراحل ليحددوا بدقة أين تحدث المشكلة، وحتى الآن توصل الأطباء إلى 86 نوع مختلف من اضطرابات النوم.

وهناك العديد من العوامل التي تسبب مشاكل النوم أو تؤدي إلى تفاقمها، وأكثر العوامل التي لها تأثير سلبي على النوم هي : الضغوط ، القلق ، الاكتئاب ، سوء استعمال الحبوب المنومة ، وتعاطي الخمور ، التبغ ، الكافيين ، المشاكل الصحية والعمرية ، والتغيرات الفسيولوجية المصاحبة لتقدم العمر مثل انقطاع الطمث والاكتئاب وتناول أنواع متعددة من الأدوية وانخفاض الإفراز الطبيعي للميلاتونين ( والميلاتونين عبارة عن هرمون في المخ تفرزه الغدة الصنوبرية ) .

ويمكن أن تكون اضطرابات النوم أحد الأعراض المصاحبة للعديد من المشاكل الطبية والأمراض الأخرى وذلك هو السبب الذي يجعل طبيعة النوم جزءً هاما من التاريخ الطبي للمريض والذي يجب أن يعلمه الطبيب .

وعندما يتم تشخيص المشكلة التي تعاني منها بالصورة المناسبة فإن ذلك يهم بدرجة كبيرة في تحقيق الجانب الصحي من النوم ، وهناك بعض العادات التي تجعل النوم عميقاً وجيداً وتجعلك تشعر بالراحة والانتعاش عندما تستيقظ

خطوات بسيطة لتحسين عملية النوم
وهناك بعض الخطوات البسيطة لكنها هامة في نفس الوقت تساعد في تحسين عملية تحسين النوم والتخلص من الاضطرابات المصاحبة لها في غضون أيام قليلة .
ومن هذه الخطوات :
- أن تعتني بالفراش والملاءة والوسادة ليس فقط من أجل الراحة البدنية ولكن من أجل الراحة النفسية أيضاً

- اجعل المناخ داخل الحجرة يشعرك بالراحة ويهيئك نفسياً وبدنياً للنوم ويفضل أن يكون أبرد من المعتاد لكن ليس بدرجة كبيرة ، ومما لا شك فيه أن الظلمة المصحوبة بشيء من البرودة تخفر المخ على إفراز سلسلة من الهرمونات التي تشعر الشخص بالنوم

- لا تحتفظ بأي شيء يتعلق بالعمل في غرفة نومك لأن ذلك سوف يدفع العقل إلى التفكير في الوقت الذي ييجب أن يخلد فيه إلى الراحة ،

- إذا حدث واستيقظت في منتصف الليل فلا تجبر نفسك على النوم ثانية وامنح نفسك 10 أو 15 دقيقة حتى تأتيك الرغبة في النوم مرة ثانية ولكن إذا لم تستطع فعليك مغادرة غرفة نومك ولا تعد إليها حتى تشعر بالنعاس ، ولا تقلق بشأن بقاءك مستيقظاً فإن لم تكن قادراً على النوم فلا طائل من الاستلقاء في السرير ، وفي الحقيقة إن الاستلقاء في السرير بدون نوم قد يسبب القلق ويجعل النوم أصعب ، ويطلق الأطباء على هذه الحالة اسم الأرق المشترط.

وكن حذراً بشأن الميلاتونين الذي يباع كثيراً على أنه علاج للأرق والإرهاق فقد قرر معظم المتعاطين له أنهم لم يشعروا بتحسن بل ساءت حالاتهم أكثر بعد استخدام تلك المادة المحولة صناعياً من هرمون النوم الطبيعي .
ودائماً تناقش مع طبيبك ما تأخذه من أدوية حتى تلفت انتباهه إلى ما تأخذه ويكون على علم بها .

- ومن الأمور الواجب اتباعها ألا تنظر في ساعتك أو ساعة الحائط أمامك حتى الصباح وأن تتجنب التفكير في الوقت وأنت تقاوم الأرق ، ويجب أن تحافظ على نمط معتاد تتبعه دوماً ولا تحيد عنه لأن جسدك بحاجة إلى هذا النمط حتى يفزر الهرمونات ويحافظ على درجة الخلايا المناسبة للنوم .

وبالنسبة (( للدورات اليومية )) ويقصد بها القيام بالأمور في أوقاتها المحدودة مثل النوم في وقت معين والاستيقاظ في وقت معين ، فيجب الحافظ على انتظامها ، فعندما تذهب إلى سريرك متأخراً في ليلة ثم تذهب مبكراً في الليلة الثانية فسوف يحدث خلل في تلك الدورات وهذا من شأنه أن يؤثر سلباً على طبيعة النوم لديك

وأيضاً من الأمور التي تؤهلك للنوم أن تخفض مستوى الإضاءة في المنزل قبل النوم ويمكنك استعمال المصابيح التي فيها الإضاءة تدرجياً من خلال الضغط على زر معين ، والهدف من كل ذلك أن تخلق جواً يساعد

ويفضل اتباع برنامج لممارسة التمارين الرياضية ، فالتمارين أثناء النهار تساعد في تحسين وإطالة مراحل النوم خاصة الثالثة والرابعة وتلك هي أهم المراحل بالنسبة لجهازك المناعي .

ويجب تجنب الكافيين والتبغ ، فتناولك لفنجان واحد من القهوة يكمن أن يظل أثره في جهازك لمدة 24 ساعة بعد تناوله ، وحتى إذا كنت بخير في يوم من الأيام فإن التغيرات التي تحدث في دورة الجسم ربما تجعل الكافيين والنيكوتين أسوء مشكلة في اليوم التالي ، وأفضل سياسة هو أن تتجنبهما معاً ، وأيضاً تناول اللبن الدافئ قبل النوم قد يساعدك على النوم .

ويجب أن تدرك جيداً عزيزي القارئ أن النوم جزء هام من برنامجك الوقائي بدرجة لا تقل أهمية عن الغذاء وممارسة الرياضة ، وفقدانك حتى ليلة واحدة له آثار أكبر وأخطر من مجرد الشعور بالترنح في اليوم التالي

وفي النهاية لا مفر من أن بدنك في حاجة النوم المناسب كماً وكيفاً أيا كان مقدار انشغالك ويجب أن تجعل راحتك البدنية وخلودك إلى النوم من أولويات حياتك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إعداد وترجمة / أحمد الشاهد

Post: #137
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 03:20 PM
Parent: #136

العلاقة بين الفتاة وأبيها.. حوار
"كل فتاة بأبيها معجبة".. مقولة مشهورة، ربما تزحزح الإيمان بها إلى مستوى ليس باليسير في السنوات الأخيرة، ففتاة اليوم قد ترى في أبيها الرجل الذي يرفض كل تصرفاتها وحركاتها. فلا يرضى لها جلوسها أمام التلفاز أو الإنترنت، ولا يريد لها أن تصاحب فتيات المدرسة، ولا يريد لها أن ترتدي هذا ولا ذاك، وربما ضغط عليها ماديًا، أو ضربها لإجبارها على تغير سلوكياتها، وبالتالي هي لا تريد لهذا الرجل أن يعرف عنها شيئا قد يعرفه كل محيطها دونه، وربما أصبح جهد بعض الفتيات ينصب في إتقان إخفاء شخصياتهن الحقيقة عن آبائهن على وجه الخصوص! فهن في فترة وجوده في البيت يكن كما يحب هو وليس كما طبيعتها !!

وفي الحقيقة أنه مع تعاظم وتشابك أمور الحياة العصرية المعقدة لن تجد الفتاة رجلا يحميها أكثر من والدها، وذلك إذا انتهج في تربيته وتعامله معها شرع الله الحنيف ..

لقد أجرى موقع "لها أون لاين" حوارا لتذكر آباء اليوم بالحقوق الشرعية تجاه الفتيات اللواتي هن بأمس الحاجة إلى أب راع بحق، وتحاور الأستاذ الدكتور ماهر السوسي الأستاذ في قسم الشريعة بالجامعة الإسلامية:

- في البداية هلا حدثتنا شيخنا الفاضل عن تكريم الفتاة في الإسلام؟
الإسلام رحب بالأنثى منذ ولادتها واعتبرها هبة من الله عز وجل، وفي قوله تعالي (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاء إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاء الذُّكُورَ)(سورة الشورى)، وقدم الإناث على الذكور للمبالغة في التصحيح لثقافة كانت رائجة في المجتمع العربي القديم، وهي أن الإناث بلاء ونقمة، فليست هي من النعم المستحقة للحمد.
الإسلام أمر بإكرام المرأة، سواء كانت أمًا أو ابنة أو زوجة، ومن مظاهر تكريم الإسلام للبنت قول النبي صلى الله عليه وسلم : [من عال جاريتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهتين وضم أصابعه](رواه مسلم).

- بعض الآباء يؤمن أن من حقه أن يعتدي على ابنته بالضرب كيفما يشاء بحجة أنه أبوها، ويهينها دون اكتراث.. كيف حدد الإسلام العلاقة بين الأب وابنته في إطار السلطة؟
من حق الأب على أبنائه التربية، لكن التربية لها أصول وضوابط شرعية، وللتربية وسائل متعددة، يكون الضرب في حالة الخطأ جائزا وهذا له ضوابطه.

لكن إذا كان يضربها لأنها أنثى فقط، أو بدون مبرر شرعي فهو عاص لله؛ لأن البنت كرمها الله - سبحانه وتعالى- من جملة بني آدم المكرمين الذين لا يجوز إهانتهم بدون مبرر شرعي، أو وجه حق.

أذكّر هنا بقول النبي عليه الصلاة والسلام: [استوصوا بالنساء خيرا](متفق عليه)، وقوله عليه الصلاة والسلام [روَيْدَكَ بالقَواريرِ](متفق عليه)، أي رفقا بالقوارير، فالفتاة رقيقة النفس والأعضاء والإهانة والضرب يؤثر بها أكثر ما يتأثر الذكر.

- فيما يتعلق بنفقة الأب على ابنته في جميع الحالات الاجتماعية، كيف حدد الإسلام مسؤولية الأب في النفقة؟
في جميع الأحوال من حق الفتاة على أبيها النفقة بحسب سعته، وعليه أن ينفق على أبنائه بحسب إمكانياته وبما يكفيهم، وكل من يمتنع عن الإنفاق عن أبنائه فهو يعصي الله.
كما أوصي الإسلام بعدم البذخ في النفقة عموما على الفتيات والفتيان حتى لا يتسبب ذلك في إفسادهم أو إفسادهن.

- يعضل بعض الآباء بناتهم بسبب الطمع المادي أو لأسباب نفسية واجتماعية.. ما موقف الشرع من ذلك؟
العضل حرام، ومنع الفتاة من الزواج أمر محرم، ففي قوله – عز وجل- {وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِراراً لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} الخطاب للأزواج لكنه ينطبق على الآباء، فالأب الذي يمنع ابنته من الزواج هو آثم وعاص، فهذا المنع قد يدفعها إلى ارتكاب الفاحشة التي حرم الله، أو في أحسن الأحوال يمنعها حق منحه إياها الله عز وجل.

- إذًا هل يجوز أن تتزوج الفتاة بولي غير أبيها، إذا عضلها أبوها وجاء خاطب صاحب خلق ودين؟
هذا يحتاج لإثبات أن الأب قد عضل ابنته، ومنعها من الزواج دون مبرر شرعي، فعند ذلك إذا لم يكن لها ولي يقوم مقام الأب يمكن للقاضي بنفسه أن يزوجها في مثل هذه الحال، رغما عن أبيها؛ لأن القاضي في الإسلام ولي من لا ولي له. أما أن تزوج هي نفسها دون ولي ولا قاض فهذا فيه محاذير عظيمة وأخطار جسيمة.

- مبدأ "الطاعة العمياء" للأب قد يتسبب في تعقيد نفوس بعض الفتيات، ما سبب هذه القناعة لدي الآباء، وماذا نقول لمثل هؤلاء الآباء؟
جاء هذا من الجهل بالحقوق والواجبات من قبل الأب، الأب في الغالب يفهم أن حق القوامة حق سلطوي، وفي الحقيقة القوامة هي تكليف بقيام على رعاية الأسرة وحسن تصريف شؤونها، وهي مسؤولية يسأل عنها الرجل أمام الله سبحانه وتعالى.

سيسأل الله تعالى كلا منهما هل أدي ما عليه من واجبات تجاه الآخر، وهل منع كل منهما حقوق الآخر التي عنده، من أجل ذلك الحياة هي فرصة لأن نبرأ ذمتنا من حقوق الآخرين حتى إن كانوا أبنائنا أو آبائنا.

- لماذا الفتاة إذا تعرضت لورطة أو مشكلة تخاف في المقام الأول من والدها أن يعرف، وقد يعرضها ذلك لخطر شديد؟ وما السبيل لجعل الأب هو الملاذ الأول في تلك المواقف الحياتية؟
هذا سؤال مميز، يحتاج لمناقشة مستقلة، لكن أستطيع أن أقول أن الأمر متعلق بثقافة الأسرة العربية نفسها، ويتعلق بمدى فهمها لعلاقة الآباء بالأبناء.. في الكثير من الأسر علاقة الأبناء بالآباء جيدة وليست علاقة تسلط وسلطة، والطرفان يتعاملان بود وحب وصدق وأمانة في مثل هذا الحالة لا يوجد الخوف سابق الذكر، ويمكن للفتاة أن تكون أكثر أمنا ومصداقية مع أهلها.

لكن حينما تكون علاقة الأب ببناته علاقة تسلطية، فلا تشعر الفتاة بالأمان مع أبيها، وحينما تشعر أنه غير متفهم تخشى من أن تبوح له حتى إن كانت مغررا بها أو كان هناك من يطاردها ويلاحقها.

العلاقة تتعلق بمدى انفتاح الأب على أبنائه، مدي انفتاح الأسرة بعضها على بعض، ودفء العلاقة الأسرية مهم جدًا، والوضوح والصراحة والمكاشفة والشفافية مهمة جدًا. مهم جدًا أن يكون الأب صديقًا لابنته، والحوار المستمر بينهما أمر مهم جدًا.

- يحرم الكثير من الآباء بناتهن من العاطفة، فلا هو يقول لها كلمة طيبة تسر نفسها ولا يهديها هدية تشجعها، وهذا قد يدفعها للبحث عن إشباع عاطفتها خارج البيت.. ما تعقيبك؟
هذه نقطة مهمة جداً، فحرمان الفتاة من العاطفة يتم تحت إطار الحجة أنه "عيب"، الناس هنا ثقافتها ضعيفة جدا، تحتاج إلى إصلاح وإعادة ترتيب وتثقيف الناس، العيب أمر مهم جدًا لكن له حدود وضوابط، فما الذي يمنع أب أن يمدح أو يقول كلمة طيبة لابنته تشعرها بقيمتها كإنسانة.

لا يصح أن نمنع الفتاة من مصارحتنا بالمشكلات التي تمر بها، فأي إنسان يستطيع أن يطرح مشاكله بطريقة لبقة ولنا في القرآن الكريم أمثلة كثيرة جدًا تعلمنا اللباقة في هذا المجال.

الأمر يحتاج إلى انفتاح في الأسرة على بعضها، ويجب أن يتفهم الأب حدود سلطته ويفرق بين التودد للأولاد والرفق واللين وبين الضعف والخور، ويفرق بين الحزم وبين الكبرياء والغرور، وفي النهاية لابد من التحاور.. لابد من التحاور.
لها أونلاين

Post: #138
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 05:01 PM
Parent: #137

الزوج السلبي
بعض الأزواج لديه استعداد داخلي لصعود سلم السعادة الزوجية فنجده يعدل سلوكه وشخصيته ليصل إلى مبتغاه، وبعضهم ـ للأسف ـ سلبي يعرف حقوقه جيدا ولا يعرف واجباته، ويعتقد أن زمام السعادة منوط بزوجته فقط، لذلك فالزوجة المثالية -من وجهة نظره- هي تلك التي لا تطالبه بأي حق، وتغفر له أي تقصير، أو كونه زوجا غير مثالي !!!

تلك نوعية من الأزواج انتشرت في تلك الأيام .. يهمل رعيته، فيترك صغاره وزوجته لا يعبأ بهم، إما لانشغاله بهواياته ولذاته، وإما بظنه أنه ينشغل بأعمال يعود نفعها المادي عليهم، ويظن أنه لكونه قد هيأ لهم سكنًا واسعًا ومركبًا طيبًا وطعامًا هانئًا فقد أدى ما عليه ..


وللإنصاف فإن تلك النعم التي أشرنا إليها هي بلا شك من أسباب السعادة، بيد أن أهم أسباب السعادة الأسرية هي رعاية الزوج النفسية لزوجته وأبنائه، فماذا تفيد تلك المظاهر الفارغة إذا أحس الأبناء بالفراغ العاطفي وعدم توجيه آبائهم؟! وماذا تجدي تلك المساكن الجميلة عن زوجة وحيدة لا ترى زوجها إلى لُماما؟! وقد قال تعالى: {{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:6]، وقال صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيته» [رواه الترمذي]، فأي رعاية يوفرها ذلك المهمل لزوجه وأبنائه؟! وأي توجيه ووقاية من النار سيمنحه إياهم ، وهو لا يراهم ولا يجالسهم؟!

وتشعر المرأة بمرارة إذا أوقعها حظها العاثر في رجل يحمل هذه السلبية المفرطة، وتدرك أنها فقدت حياتها. فإما تفر، وإما تتحمل على مضض. وتدريجياً تفقد أحاسيسها نحو هذا الرجل ....

وتؤكد مستشارة الزواج الأمريكية ( ميدوست) أن الرجل في هذا الزمان يواجه أزمة حقيقية .. فرغم أنه عرف المطلوب منه بحكم تطور المجتمع وتغير الظروف، إلا أنه لا يستطيع تطبيق معتقداته هذه، لأنها تعنى بالنسبة له التخلي عن امتيازات اكتسبها على مر السنين، وهكذا يظل الرجل دائما حائرا على أمل أن تتحقق المعادلة الصعبة، فيجد المرأة العاملة الواعية التي تدير شئون بيته وترعاه دون أن تطالبه بأي شيء.

وفى رأي الأستاذة (ميدوست) أنه لا سبيل لحل هذه المعضلة الصعبة -سواء بالنسبة للنساء أو الرجال- إلا بمزيد من الواقعية، ومحاولة تفهم كل طرف لاحتياجات الطرف الآخر، على أسس حقيقية ليس فيها أحلام ست الحسن والجمال، أو ترحم على أيام زمان ..

المطلوب إذن وباختصار هو: مزيد من الواقعية، ومزيد من الصبر، ومزيد من التسامح، والكثير والكثير من الحب، لتحقيق علاقة مستقرة مستمرة بينهما رغم كل المشاكل والاتهامات، فلا شيء سيقضى أبدا على احتياج الرجل أو المرأة للآخر.

ولكي تجعلي من زوجك ربًا لأسرته وأبًا مثاليًا، إليك بعض الأساليب البسيطة التي يمكنك بها أن تحببي زوجك في القيام بدوره الأبوي، وتشجيعه على الاستمرار فيه:
• الزوج أول من يعلم: التزمي بهذه المقولة، وليكن زوجك دائما على علم بكل ما يخص أبنائه، وما يجرى في المنزل.
• كوني صبورة مع زوجك: فمسئولية الأبناء ليست بالأمر الهين، فلا تسخري منه إذا أخطأ، بل اجعلي الأمر يبدو كمزحة عابرة.
• اسألي نفسك وأجيبي بصراحة: هل تشعرين أن الطفل ابنكما معًا، أم أنك أكثر امتلاكًا له؟
• تقبلي طريقته الخاصة في إدارة الأسرة: فربما يمارس الأب دوره بشكل مختلف حسبما يراه هو، فتقبلي طريقته الخاصة دون تذمر، ولا تنتقديه، ولا تظهري اهتمامك الشديد بالأبناء، فاهتمامك الشديد لا يعطى فرصة للزوج للتدخل.
• الحب الحب: احرصي على تنمية حبك لزوجك، وأعطيه الفرصة للشعور بذلك، فلهذين الأمرين الأثر الكبير في تنمية دوره الأبوي.
• الرباط العائلي: احرصي أيضًا على تنمية علاقة الأبناء بوالدهم، وهو كذلك عن طريق:
1 - استخدام الكلمات والتعبيرات التي تربى فيهم الاعتزاز والحب له، وتشعره هو بذلك، مثل: تقبيل يديه عند قدومه، وعند ذهابهم للنوم، واستخدام كلمات مثل: حضرتك، يا والدي الحبيب، وغيرها.
2 - ممارسة بعض الألعاب مع زوجك وأولادك، فاللهو سويًا يضفي جوًا من الألفة والمتعة المتبادلة.
3 - الخروج من المنزل لفترة بسيطة، وترك الطفل مع الأب وحدهما، من شأنه أن يكسب الأب الثقة في قدرته على تحمل مسؤولية تربية ولده.
• المشاركة الإيجابية: حاولي إشعاره دائمًا بأن ابنك هو"ابنكما معاً"، وذلك بإشراكه معك في بعض المسئوليات المتعلقة به، مثل: اختيار المدرسة المناسبة، أو دفع المصروفات الدراسية، أو المشاركة في مراجعة بعض المواد الدراسية، أو الذهاب للطبيب، وإن لم تستطيعي لظروفه أو لرفضه الذهاب، فعلى الأقل تخبريه بكل ما حدث، وتسأليه عن رأيه.
• إياك وعناد الزوج: عند شعورك بالإرهاق والتعب من كثرة أعبائك كأم، فلا تعبري عن ذلك بأسلوب انفعالي عصبي حتى لا تستثيري عناد زوجك، ولكن اطلبي منه العون بكلمات رقيقة تشعره باحتياجك إليه.
• الحوار المتبادل: الحديث بين الأب والأم عن تربية الطفل، ورسم خريطة تربوية يشارك فيها الطرفان يكوّن محيطًا عائليًا سعيدًا، وآمنًا للطفل، فاحرصي على هذا الأسلوب مع زوجك (أكثري من ذكر المواقف أو الأشياء الجميلة عن الأولاد وما فعلوه وما قالوه و....)
• عند دخوله المنزل لا تبادريه بمشاكل الطفل: ( أولاً ): حتى يكون على استعداد لمشاركتك الحديث والمناقشة. ( ثانيًا ): حتى لا تثيري عداوته لطفله .. أمهليه حتى يستطيع مناقشة المشكلة، والبحث معك عن حل تربوي لها، ولا تبادري بذكرك للحل حتى يشعر بقيمة رأيه.
• حذار أن ينسيك اهتمامك بطفلك اهتمامك بوالده حتى لا تتحول علاقتهما إلى نوع من الغيرة والندية.
• أظهري لزوجك دائمًا تقديرك لدوره العظيم، وامتنانك وشكرك له على كل ما يبذله لك ولأسرتك، وأعلني ذلك، وكرريه على أولادك ليفعلوا هم أيضًا ذلك.
• اتركي لزوجك فرصة ليقضى وقتًا خارج المنزل (خاصًا به) مع أصدقائه أو في ممارسة بعض هواياته، حتى يستطيع الاستمرار في أداء دوره الزوجي بكفاءة وحب.
وفى وسط ذلك كله: لا تنسى أن تعيشي مع زوجك بعض الوقت بعيدًا عن شخصية الأب والأم، بل بشخصية الزوج والزوجة والحبيب والحبيبة، فهذه الأوقات تعين بالتأكيد على القيام بدوركما على أكمل وجه.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #139
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 05:03 PM
Parent: #138

اهمال التربية.. والعقوق المتبادل
تربية الأبناء واجب على الآباء وأولياء الأمور، وهو مطلب شرعي يجر وراءه كثيرا من المنافع للمربي والمربَى جميعا، كما ينتج عنه منافع دنيوية وأخروية لا حصر لها.. لكن..

ماذا لو قدم أب أو أم استقالته من تربية الأولاد؟ ربما تتعجبون من هذا السؤال!! ولكن أليست هذه حقيقة عند فئام من الأسر؟

ألم يتحول كثير من الآباء إلى مجرد وزارة مالية، وصارت المهمة تربية أبدان فارغة من العقول؟!

ألم يتحول بعض أو كثير من بيوتنا من محضن تربوي إلى مجرد معلف أو لوكاندة أو فندق للنوم وفقط؟

هل يعقل أن أبا يمر عليه أسابيع لا يرى أبناءه أو بعضهم؟ أو أن أما ترى صورا في غرفة ولدها فتقسم ما رأتها إلا الآن وهي معلقة منذ فترة؟

هل الأب الذي لا يعرف صف ولده في المدرسة يصلح أن يكون أبا ومربيا؟!

هل الأم التي تركتها ابنتها وذهبت لتحكي آمالها وآلامها لصديقتها واستقت منها كل ما ترغب في معرفته.. هل هذه تستحق وصف الأمومة الحقيقية؟

الأب الذي يغيب عن حياة أبنائه، ولا يجلس معهم إلا منهكا آخر الليل أمام الشاشة ليشاهد فيلما أو مسلسلا ولا يتكلم معهم في أي شيء يخصهم .. في أي خانة يوضع؟

أليس أمثال هؤلاء قد قدموا استقالة جماعية عن تربية أبناءهم ورعايتهم، أعني التربية فمفهومها الصحيح والرعاية بمعناها الشامل.

ألا يمكن أن يعد أبناء أمثالهم في عداد الأيتام، أعني تربويا، فإن بعض الآباء حي لكنه كالميت، أبناؤه أيتام في حياة أبيهم.. كما قال الشاعر:
ليس اليتيم من انتهى أبواه من .. .. هـم الحياة وخلـفاه ذلـيلا
إن اليــتــيم الــذي تـلــقى لــه .. .. أما تخلت أو أبا مشغولا.
من الظلم إذا كان هذا حال المربين أن نسخط على أبنائنا لسوء خلقهم أو كثرة أخطائهم، أو قبح فعالهم..

حقوق الأبناء
أيها الآباء.. إذا كان لكم حقوق على أبنائكم، وهذا صحيح بلا شك، فإن لأبنائكم أيضا حقوقا عليكم.. وقد أصل عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا الأصل حين جاء إليه أب يشكو إليه عقوق ولده؛ فاستدعى عمر الابن وسأله، فقال: يا أمير المؤمنين أليس للأبناء حقوق على آبائهم كما أن للآباء حقوقا على أبنائهم؟ قال: بلى. قال: فما حقي عليه؟ قال: أن يختار أمك، وأن يحسن اسمك، وأن يعلمك القرآن. فقال: أما أمي فأمة حبشية سوداء، وأما اسمي فقد سماني جعلا، وأما القرآن فما علمني منه شيئا.. فنظر عمر إلى الرجل وقال: اذهب فقد عققت ابنك قبل أن يعقك.

إنه عقوق متبادل: تفريط في التربية من الآباء، وإهمال في الرعاية، وعدم اهتمام بالحاجيات الأساسية، يقابله ولابد عقوق، وسوء أدب، وعدم احترام وربما يزيد احيانا فيصل إلى القتل.

إن إهمال الوالدين للتربية لن يضر الأبناء فقط، ولن يتوقف أثره على الدنيا فقط، بل عاقبته في الدنيا عقوق متبادل وثمرة مرة أمر من العلقم، وفي الآخرة حساب طويل، وعقاب وبيل قد تكون خاتمته النار والبقاء فيها لزمن طويل طويل.

روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته].

فإذا فرط الإنسان في الأمانة وغش الراعي رعيته حرم الله عليه والجنة؛ كما في حديث معقل بن يسار عن النبي المختار عليه الصلاة والسلام قال: [ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة]. صدق رسول الله.
اسلام ويب

Post: #140
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 07:10 PM
Parent: #139

في تجربة شيِّقة لاكتشاف أثر ملابس المرأة على الرجال قام علماء الأعصاب بتحديد مناطق مخ الرجل التي تنشط عند مشاهدته لنساء ترتدي ملابس خليعة، واكتشفت التجربة أن نشاط المخ الذكرى حينها يتطابق مع نشاطه عند رؤية أدوات كالشاكوش والمفك، كما خمل تماماً الجزء الخاص بتأمل مشاعر الآخرين عند بعضهم. وبمعنى آخر فإن نظرتهم لأولئك النسوة كانت - من ناحية بيولوجية بحتة وبعيداً عن السياسة والشعارات- نظرة إلى جمادات وليست إلى بشر.

هذه التجربة على درجة كبيرة من الأهمية والصلة بمجتمعنا المعاصر، حيث بدأنا نلاحظ تذمر الكثير من الفتيات من اعتبار الرجال لهن مجرد “أشياء“ أو “حلويات“ دون تقدير لمشاعرهن وشخصياتهن بما يستتبع ذلك من ظواهر كالتحرش الجنسي. وكالعادة يُلقى باللوم على الرجال الذين يُتهمون بالسطحية والحيوانية وعدم القدرة على ضبط النفس إلخ، وكأن الرجل المثالي هو الرجل منزوع الشهوة أو الذي يتحمل الاستفزاز إلى ما لا نهاية، وكأن الفتاة التي تنسى ارتداء ملابسها قبل خروجها من بيتها لا تتحرش بالرجال جنسياً هي الأخرى.
لكن الحقيقة تبقى أنه مهما حاول بعض الرجال “المتحضرين“ التظاهر بعكس ذلك، فإن الغريزة الفطرية تُحتم النظر للأنثى التي تعرض مفاتنها ولا تَحترم آدميتها كأداة للتلذذ فقط.

ويحضرنا هنا إحصائية أثبتت أن نسبة تعرض المحجبة للتحرش تقل بحوالي الثلث عن نسبة تعرض الحاسرة له، إذ أن 28% ممن يتعرضن للتحرش في مصر غير محجبات رغم أن نسبتهن في المجتمع 20% فقط.

ودعونا لا نتطرق اليوم إلى أثر الملابس الماجنة على تقييم الرجل لجمال زوجته وبالتالي على استقرار البيوت مما يجعل هذا الداء وبالاً على المجتمع كافة بنسائه قبل رجاله، ولنكتفي فقط بالإشارة لدراسة حديثة أكدت أن ارتفاع معدلات الطلاق فى السعودية والإمارات والكويت والأردن كان بسبب الفيديو كليب ونجمات الإغراء.

وبعد إثبات هذه الحقائق المعروفة سلفاً بطريقة علمية وإحصائية صار من أغرب ما أسمع به من مطالَبات هو مطالَبات عضوات الحركات النسائية للإناث تصريحاً أو تلميحاً بالتخفف من ملابسهن “رمز القهر“ مع شكواهن الدائمة من نظرة الرجال الدونية لهن. فما الجدوى وراء محاولة تحسين صورة المرأة “المتحررة“ سياسياً بحملات دعائية ووسائل غسيل مخ وغيرها حين يكون الحل لإجبار الرجل على احترام آدمية المرأة أبسط كثيراً ويتلخص في بعض القماش الساتر؟ وكلما زاد الستر “رمز القهر“ كلما زاد الاحترام وتحولت نظرة الرجل لنظرة آدمية متفهمة بدلاً منها نظرة شهوانية جائعة، وهو ما أشارت إليه الأديان والشرائع على مدى آلاف السنين بفرضها الاحتشام على المرأة صيانةً لكرامتها وإنسانيتها، وحثها على كبت رغبتها في لفت الأنظار وجذب التعليقات والمعاكسات.

ونتوقف هنا عند الطريقة التي صيغت بها أرقام دراسة التحرش المذكورة آنفاً لتشير إلى عدم جدوى الحجاب والتي تُعد مثالاً بسيطاً يكشف أهداف الحركات النسائية الحقيقية. فلو كانت تهدف لمنع التحرش حقاً لكانت نصحت الفتيات بالحشمة في ضوء تلك الإحصائيات وليس العكس.

فهل نستفد شيئاً من الاكتشافات العلمية التي جاءنا بها الخواجة نفسه والإحصائيات التي جاءتنا بها الحركات النسوية نفسها، أم نظل نلهث وراء النموذج الاجتماعي الغربي -الفاشل- باعتباره مثال الكمال والتحضر الذي لا تنهض الأمم إلا به؟
ــــــــــــــــــــــــ
حسام حربى

Post: #141
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-28-2015, 07:12 PM
Parent: #140

انحراف الأبناء ثمن الأمومة الغائبة
هناك صنف من الأمهات تخلين عن أبنائهنَّ وانصرفن عنهم وتركنهم لمؤثرات ضارة تحيط بهم ،فأضعنهم دون أن يشعرن ، وجنين بسبب ذلك ثمارًا مرة.
وفي القريب نشرت قصة صبي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره يتاجر في السلاح الذي يصنعه بنفسه " مسدسات " ، كان قد تم القبض عليه مرارًا ، ولكنه كان يهرب من مؤسسة الأحداث التي يسلم لها ، وكان يستخدم السلاح في تخويف المارة وسرقتهم بالإكراه .

وهذا مما يثير الفزع لدى الجميع ؛ لأن الضحايا أطفال كنا نتوقع منهم خيرًا كثيرًا ، ونعلق عليهم آمالاً كبيرة في أن يصبحوا دروعـًا واقية لأمن المجتمع ، فإذا بهم ينقلبون على رؤوسنا شرًا وإجرامـًا .
وحارت التساؤلات على الشفاه من الملوم ؟ ، وما السبيل الذي يمكن أن يساعد في مواجهة هذا الخطر ؟ وكيف نحفظ لأمتنا هذه الثروة قبل أن تهدر وتتبخر معها كل آمالنا في غدٍ مشرقٍ ، مستقبل آمن ومزدهر ؟!!

ومنذ زمن وأمثال هذه الأخبار تأتي من بعيد ، من شرق أو من غرب ، وكنا نخشى أن تنتقل إلينا العدوى ، ولكنها اليوم تخرج من بيننا ، فالخطر قد اقترب ، والنار في الثياب توشك أن تصيب الجسد ، ولازالت أمامنا فرصة للإنقاذ إذا هب القوم يدًا واحدة للنجدة بجهود صادقة وخطوات مدروسة ، فهل يعود الآباء لأداء دورهم الطبيعي والمهم في عملية التنشئة ؟ ، وهل يراعي التلفاز في مواده وبرامجه ذلك فيخلصنا من مشاهد العنف التي تشير إليها أصابع الاتهام لأنها ذات أثر خطير ومباشر في انحراف الأحداث ؟ ، وهل يرحم المجتمع كله أولئك الصغار فيساعدهم ويأخذ بأيديهم إلى شاطئ السلام ؟ ، وهل هؤلاء إلا إفراز ذلك المجتمع بما فيه من صراعات وأزمات وأطماع وتجاوزات ، حتى فهم كثيرون أنه بالقوة وحدها يحيا الإنسان ويتحقق له ما يريد ؟ وحتى لا يتشعب بنا الحديث سنكتفي بالخلل القائم في الأسرة .

الطفل يردد لغة أمه :
الأسرة هي بداية الطريق في حياة الطفل ، فهو يتصل بأمه وأبيه قبل غيرهما ، والأم هي التي تحمل وترضع وتحب وتسهر وتناغي وتهدهد ، ومع لبن الأم يتلقى الوليد الكثير من الدروس ، ويتعلم قواعد التنشئة الأولى ، حيث يرى بعض الباحثين أن تصرفات الأبناء ترجع في نسبة كبيرة منها تصل إلى " 85% " إلى تصرفات الآباء والأمهات معهم ، وبخاصة علاقة الأم بطفلها ، فإنها وحدها العامل المؤثر ذو القيمة الملحوظة في نشأة تصرفات معينة دون غيرها .

يقول " هبرت مونتاجنر " العالم الفرنسي المهتم بسلوكيات الأطفال : " لقد لاحظت أن الأطفال الذي يتمتعون بروح قيادية هم في معظم الأحوال أطفال من أسر متفاهمة تسودها روح الحب ، تقوم الأم دائمـًا بالتحدث مع طفلها بلطف وحنان ، ولا تقوم بأي عمل عدواني نحوه إن هو أخطأ ، بل تعرف كيف توجهه بحزم ، ولا تدلله إلى حد التسيب " ، ويوجه نصيحة للأم فيقول : " إن طفلك يردد اللغة التي تعلمها منك ، فأي لغة تلقنينه .. ؟ "
فمن الذي علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذه القاعدة منذ أربعة عشر قرنـًا ، حتى يحض كل مسلم أراد أن يقيم أسرة على تخير الزوجة الصالحة ، فيقول صلى الله عليه وسلم : " فاظفر بذات الدين تربت يداك " (رواه الشيخان) .

إنها الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، والوحي الذي علم المسلمين أن الصلاح شرط ضروري في ركني الأسرة ( الأب ، والأم ) ، فالدين هو الذي يضاعف من مسؤولياتهما نحو أولادهما ، وبه تزداد الأسرة حبـًا وارتباطـًا بأبنائها ، والسهر على تنشئتهم تنشئة صالحة حتى ينتفعوا بهم ، ويصبحوا خيرًا وأمنـًا لمجتمعاتهم ، والآباء هنا يشعرون بأن أبناءهم أمانة عندهم إن ضيعوها تعرضوا للحساب الإلهي ، والمرأة الصالحة دون غيرها هي التي تعرف حق بيتها ، يقول الله تعالى : ( فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله ) [النساء/34].

أما إذا تنازل الشاب عن هذه المزية ، وطلب ما عداها من صفات ، فلا يلومن إلا نفسه ، إن وجد هذه الزوجة تهتم بمطعمها وملبسها وزينتها أكثر من اهتمامها بأولادها ، وتحرص على عملها خارج المنزل وعلاقاتها ، أشد من حرصها عليهم وتنشغل بذلك كله عن الغاية التي من أجلها خلقت .

إننا رأينا المرأة في أحيان كثيرة تمسكت بحقها في العمل ، وخرجت تبحث عن نفسها وزاحمت فيه الرجال ، وبحثت عن أم بديلة لأولادها ، وأقنعت نفسها بأنهم في يد أمينة ، حتى لا يتكدر صفوها ولا يحول شيء دون خروجها ، وأجادت تحسين مظهرها وضيعت في ذلك كثيرًا من وقتها ومالها ، وتباهت بأنها عاملة ناجحة ، وأم ناجحة أيضـًا ، وانطلى ذلك الكلام عليها وعلى أمثالها ، وذلك لأنها اعتبرت عملها أسمى غاية وأعظم حق لها لا ينبغي التفريط فيه أوالرجوع عنه .

احتدم النقاش مرة بين أبوين ، طالب الرجل زوجته بأن تترك عملها حينـًا من الزمن لأجل الأبناء ، فهم في مرحلة حرجة ، وهم أشد حاجة إليها ، فأبت ، واشتد الزوج في موقفه ، وزادت في إبائها ، حتى خيرته بين أن تعمل أو تطلق ، فرضخ الأب المسكين حتى لا ينهار البناء كله ، ورضي الأبناء بنصف أم ، أو حتى ربع أم ، فذلك أفضل من لا شيء ، وسار الركب في طريق - الله وحده يعلم نهايته - ، وترعرع النبات كله بين غفلة الأبوين وانشغالهما ، قال الشاعر :
هي الأخلاق تنبت كالنبات إذا سقيت بماء المكرمــــــات
تقوم إذا تعهدها المربـي على ساق الفضيلة مثمــرات
ولم أر للمكارم من محـل يهـذبها كحضن الأمهــــــــات
وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات؟!

وكان الانحراف هو الثمن :
أجريت في أمريكا دراسة عن انحراف الأحداث ، اشترك فيها علماء في التعليم وبعض أعضاء الكونجرس ومسؤولون حكوميون ،وقد أشارت هذه الدراسة إلى أن أحد أسباب انحراف المراهقين هو أن الوالدين يقضيان أوقاتـًا طويلة في العمل ، كما أشارت أيضاً إلى أن عدد الأسر ذات العائل الواحد أصبح كبيرًا مما يعني قضاء وقت أقل مع الأطفال ، وقد أجريت الدراسة على عدد من المراهقين تتراوح أعمارهم بين الثامنة والرابعة عشرة ، وقال " 25% " منهم بأنهم تناولوا مشروبات كحولية ، كما أن أكثر من " 18% " منهم يدخنون السجائر ، و " 13% " يدخنون الحشيش ، وأثبتت الدراسة أن واحدًا من كل أربعة أشخاص اشترك في نوع ما من الأعمال المؤذية قبل بلوغه السابعة عشرة .
فالأسرة التي يعمل فيها الرجل والمرأة تحطمت لأنها فقدت رباطها العاطفي والوجداني الذي كان يمسك بالأطفال في ترابط ، ويبذر في قلوبهم الحب وينشئهم متوازنين .

ونحن نوقن بأن الله سائل كل راعٍ عما استرعى .. حفظ أم ضيع ؟ ، ونخشى الإثم العظيم المترتب على تضييع أبنائنا وفلذات أكبادنا ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثمـًا أن يضيع من يقوت " (رواه أحمد والحاكم) .
وأمامنا دائمـًا وفي قلوبنا وصية ربنا سبحانه : ( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودهـا الناس والحجارة ) [التحريم/6] .
وهذه المسؤولية لا يقدرها إلا الآباء المسلمون ، فهم العيون التي تراقب ، والقلوب التي تحنو ، والعقول التي ترشد ، والمثل التي يقتدي بها الصغار .

والوالد في هذه الأسرة قيم على الأسرة كلها ، وهو الذي يصنع زوجته ، ثم يصنع أولاده ، وقدوة الوالد أعظم من قدوة المدرس وإمام المسجد ، وعلى المسلمين أن يكوّنوا أنفسهم ولا ينتظروا أن يكوّنهم أحد ، وعلى الرجال أن يكوّنوا أزواجهم وأولادهم .
وينشأ ناشئ الفتـيان منَّـــــا على ما كان عـوَّدهُ أبــوهُ
وما دان الفتى بحجي ولكن يعــوِّده التديـن أقربــــوهُ

فمهما كانت درجة التأثيرات الخارجية ،ومهما بلغ مداها فالأسرة الصالحة تعمل جاهدة لتقوية البناء حتى يصمد في مواجهة الأعاصير العاتية ، لا شغل لها ولا هم يفوق تلك المهمة السامية ، والطفل الذي نشأ في أسرة تحترم التقاليد الحسنة ، وتجل الدين ، وتظلل أبناءها بالحب والرحمة والتسامح والمودة ومحبة الخير والبر ، وتهيئ لهم المناخ الذي ينمي فيهم الاستقامة والمسؤولية ، وتحبب إليهم الأهل والأوطان ، وتربيهم على الشدة في حماية الحقوق والذود عنها ، لا يمكن لمثل هذا الطفل أن يستوي مع آخر خلّفه أبواه يعاني الغربة واليتم ، ويقع فريسة سهلة لتأثير عوامل غريبة غير التي تحبها أو تريدها الأسرة ،وشيئـًا فشيئـًا ينمو السلوك المنحرف ، فإذا كبر الصغار وكبرت معهم ميولهم الجانحة شقوا عصا الطاعة وأصبحوا مصدر خطر على المجتمع كله ، اسودت الدنيا في عيون الآباء ، وعضوا أناملهم حسرةً على ما كان بعد أن انهدم ما بنوه أو ما ظنوا أنهم بنوه . وإنهم في الحقيقة بنوا قشورًا وصنعوا ثيابـًا زاهية تسر الناظرين ، وتخفي تحتها قسوة وغلظة على هذه الأسرة التي لم ترحمهم صغارًا ، وحرمتهم أدنى ما لهم من حقوق ، العطف ، والرحمة ، والسهر ، والتوجيه ، وحراسة النبت من العواصف التي يمكن أن تجتثه من الجذور .. لأنه عاش بلا جذور .

هل يرحم الآباء أبناءهم ؟
إن التحديات التي تواجهنا خطيرة ، ولن يتصدى لها إلا جيل قوي الجذور ، وثيق الارتباط بعقيدته ، يقدِّر مهمته في الحياة ، ويدرك غايته ، وهذا لن يتأتى من جيل مفرَّغ من المبادئ ، جاهل بعقيدته ، تربى في غيبة الأسرة التي تخلت عنه وتركته للرياح تعبث به فانحرف به القصد ، وهوى في دائرة الضياع ، وتلفت الأبناء حولهم فرأوا أنفسهم كاليتامى ، بل أشد ، فاليتيم قد اشتهر أمره وأحاطه المجتمع برفق ورعاية ، أما هم فالناس عنهم في غفلة وأشدهم غفلة آباؤهم ، وهنا جرى على لساني قول الشاعر الحكيم :
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحـياة وخلّـفـاه ذليــلاً
إن اليتـيم هو الذي تلْقــــى لـه أُمّـًا تخلّـت أو أبـًا مشغـولاً

وذكرت قول الله تعالى لعباده محذرًا من الإعراض عن أمره : ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون * ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون ) [الأنفال/ 20 ـ 21] .
حمى الله أبناءنا وهداهم إلى الخير والصواب .

مجلة الأسرة

Post: #142
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-29-2015, 00:50 AM
Parent: #141

تحرص كل أسرة على تماسك وتقارب أفرادها بعضهم بعضا، ولكن أحيانا تحول الظروف دون هذا التقارب فتتفكك الأسرة وتصبح عبارة عن مجموعة من الأشخاص كل منهم يعيش في واد على الرغم من اقامتهم في بيت واحد، في هذه الحالة تحتاج الأسرة إلى برنامج لإنعاش العلاقة بين أفرادها.
وفي ما يلي بعض النصائح لأفراد الأسرة كما يقررها خبراء الصحة النفسية وخاصة المرأة:

- اجعلي لكل دقيقة في حياتك معنى وهدفا، فحتى الفترة التي توصلين فيها أولادك إلى المدرسة يمكنك أن تجعليها مرحلة تواصل وتقارب بينك وبينهم بدلا من اعتبارها مجرد واجب تؤدينه، كما تقول د.لين التي اكتشفت أن ابنتها تعتبر رحلتها إلى المدرسة كل صباح من أهم الفترات في يومها، حيث تنطلق في الحديث مع أمها كما تشاء.

- انتبهي لألفاظك مع أفراد عائلتك وحاولي أن تكون رقيقة وتتسم بالود والحنان، فالصرامة في الحديث والانتقاد المستمر يوجد جوا من عدم الوفاق، كما يرى د.باري كاكوب استاذ الطب النفسي ومؤلف كتاب "دليلك للعطاء العاطفي" الذي ينصح بضرورة الود والاحترام حتى عندما تكونين منزعجة، فالدراسات تؤكد أن هذا يدعم المشاعر بين أفراد العائلة في حين أن الاحتكاك المستمر قد يؤدي إلى التراشق بالألفاظ الذي يصل إلى حد الندم بعد ذلك على القول أو الفعل.

- التلامس بين أفراد الأسرة الواحدة دليل على التقارب العاطفي والحب، فانتهزي كل فرصة لاحتضان أبنائك والتعبير عن الحب لهم واقتربي من زوجك أيضا ولا تنسي أن تمسكي بيد أولادك وزوجك في المتاجر والطرق فكل هذه الوسائل تعبر عن حبك لهم.

- تمهلي قليلا وألقي نظرة على الأنشطة الفردية التي ينشغل بها أفراد أسرتك، ثم خذي قرارا بتقليصها إلى نشاط واحد أو اثنين لكل شخص حتى تستطيعوا مقابلة بعضكم بعضا، وبناء علاقات قوية، فكيف تقتربون بعضكم من بعض وأنتم لا تلتقون.

- خصصي وقتا لقضاء الاجازات أو زيارة الأهل والأصدقاء معا، لأن هذا يساعد على تولد مشاعر مشتركة بين جميع أفراد الأسرة وهي الطريقة المثلى، كما يقول د.جاكوب فيراري أستاذ علم النفس بجامعة شيكاغو لتوطيد العلاقات لأن العلاقات المتقاربة هي التي تبني لنفسها تاريخا وتجعل لنفسها مخزونا تسحب منه خلال الأوقات الصعبة ليعينها على تخطيها.

- خصصي وقتا تقضينه مع زوجك، حتى ولو كان لمجرد ساعات في الأسبوع وحافظي على هذا الوقت ودافعي عنه بشراسة فبدون زوج متقارب من الصعب وجود عائلة متقاربة ولا تتركي نفسك لتكوني ضحية لإيقاع الحياة السريع وخصصي يوما في الأسبوع للخروج مع زوجك للمنتزهات وأماكن الراحة ليزداد تقاربكما.

- خصصي وقتا لكل طفل من أطفالك، فكل واحد منهم في حاجة إلى وقت خاص به، خاصة في حالة وجود أكثر من طفل فهذا الوقت يجعل من كل واحد منهم يشعر بمكانته المتميزة وبالتالي لا يكون مضطرا لبذل الجهد من أجل الحصول على اهتمامك، فانفردي بكل طفل من أطفالك لمعرفة رغباته ومشاكله كما فعل أحد خبراء التربية الذي كان يسمح لكل واحد من أبنائه بالسهر معه مرة في الأسبوع ليتبادلا الحديث أو يمارسا بعض الألعاب معا ليشعر الصغير بأهميته في قلب والديه ويأنس بوالده.

- تقديم المساعدة والمساندة عند الحاجة من صفات العائلات المتماسكة والمترابطة.

- وليتحقق هذا في أسرتك كوني القدوة التي تحرص على مشاعر الجميع وتسأل دائما: هل أنت في حاجة إلى مساعدة؟

- اضحكوا معا وتجاذبوا أطراف الحديث، لأن روح الدعابة تقوي العلاقات الشخصية وتهدئ المواقف الصعبة، فالنكتة أو الدعابة يمكن أن تخفف حدة التوتر حتى في أحلك المواقف لأن الضحك له طريقة في ترميم النفوس الحزينة والمتعبة، وهو من أفضل الوسائل للترويح عن النفس، خاصة وسط ضغوط الحياة العصرية.

- التفوا حول المائدة، فاحرصي على تدبير وقت يمكن لجميع أفراد الأسرة فيه تناول وجبة في الأسبوع على الأقل معا لأن تناول الغذاء في جو أسري يفيد في تقوية العلاقات بين الأفراد، وأثبتت الدراسات أن الأطفال الذين يتناولون الغذاء مع العائلة بانتظام يكون لديهم القدرة على تحمل الضغوط الحياتية فيما بعد.

- تسلوا معا، فالمجتمع الذي نعيش فيه اليوم يشجع على الانفصال وليس الترابط، فكل شخص له حياته الخاصة حتى الأطفال كما تقول د.ليسبي، والنتيجة أننا نتجه لأصدقائنا للعب والتسلية بعيدا عن أفراد الأسرة، فاحرصي على توفير ألعاب جماعية يمكن لأفراد الأسرة المشاركة فيها.

- عيشي من أجل مبادئك، نحن نعرف المبادئ التي تريدين توريثها لأبنائك، لكنهم لن يدركوا قيمتها أو يستوعبوها جيدا إلا إذا قدمنا القدوة لهم فإذا كان الإيمان والدين مهمان بالنسبة لك فاحرصي على اصطحاب طفلتك لتصلي معك وإذا كانت مساعدة الآخرين أو التطوع للأعمال الخيرية من أهم أنشطة حياتك فليكن لأبنائك نصيب في هذا النشاط، فمثل هذه الخطوات يقوي العلاقات الأسرية ويولد المشاعر الجميلة بين أفراد الأسرة، ولقد ثبت أن القدوة أقوى أثرا في السلوك.

بهذا يمكن أن نحقق تماسك الأسرة المنشودة والذي يأتي بثمار طيبة يتمتع بها أفراد الأسرة كافة، وخصوصا الأبناء أمل المستقبل ونواة المجتمع الفاضل.
أمال عبدالرحمن محمد

Post: #143
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-29-2015, 01:29 AM
Parent: #142

الطلاق النفسي وأثره على الأسرة
إن الأحداث التي تخلفها ضغوط الحياة اليومية على الأسرة لها نتائج كارثية في ظل اعتقاد سائد أن تلك الضغوط لها آثار عابرة يتكفل بها الزمن.

وإذا ناقشنا الموضوع من الناحية التراكمية فإن النتيجة المتوقعة والطبيعية هي حالة من الانفجار متمثلة بردات فعل متنوعة من الطرفين.. لا يمكن التكهن بها، ومن هذه الآثار ما يعرف بالطلاق النفسي.

لكن الزوجين لا يصلان إلى الطلاق المباشر، وذلك لعدة أسباب تحول دون ذلك.. منها مثلا مستقبل الأولاد وبعض الضوابط الاجتماعية ككلام الناس والخشية من واقع المطلق والمطلقة؛ الأمر الذي يجعلهم في حالة من الطلاق النفسي والذي تستمر في إطاره العلاقة الزوجية بصورته الشكلية أمام الناس فقط. لكنها منقطعة الخيوط بصورة شبة كاملة فيما يتعلق بالحياة الخاصة للزوجين.

الطلاق النفسي نوعان:
ويميز المحللون النفسيون بين نوعين من الطلاق النفسي:
النوع الأول: حينما يكون هذا الطلاق صادرا عن وعي وإرادة الطرفين في العلاقة الزوجية وبعلمهما الكامل.
والنوع الآخر: أن يكون الطلاق النفسي قائما من أحد الطرفين فقط دون علم أو وعي الشريك، والذي يتمثل بشعور الطرف الأول بعدم الرضا لاستمرار علاقته مع شريكه الأسري لكنه يقاوم هذا الشعور ويكبته خشية الوقوع في براثن الطلاق..
وهذا النوع غالبا ما تكون فيه المرأة هي الطرف الواعي لحالة الطلاق النفسي دون علم أو إدراك زوجها.

عواقب سلبية خطيرة:
والطلاق النفسي بنوعيه له نتائج سلبية خطيرة لكنها تكون أشد في النوع الأول، منها:
تفاقم الخلافات واستمرارها بصورة شبه روتينية؛ مما سينعكس بشكل أو بآخر على طرف ثالث في تلك المؤسسة الصغيرة وهم الأولاد من الناحيتين النفسية والتربوية.

أسباب الطلاق النفسي:
عادة ما يرجع المحللون أسباب هذا النوع من الطلاق إلى :
- فارق العمر الكبير بين الزوجين.
- اختلاف المستوى الثقافي أو الاجتماعي بينهما.
- بعض حالات عدم الإنجاب.
- العصبية والخلاقات المتكررة بين الزوجين.
- تدني المستوى الاقتصادي للعائلة.
- عدم القدرة على فتح بيت آخر فيضطر للبقاء مع الطرف الحالي.
- تدني مستوى الوعي للزوجين فلا يتمكنا من حل المشكلات.
- نظرة المجتمع السلبية للمطلق والمطلقة يجعلهما يعيشان حياة الطلاق السلبي
- عدم التوافق في الطباع والميول والرغبات والقناعات والطموح.
- برودة العلاقة العاطفية والمشاعر وتزايد المشاحنات بين الطرفين.

آثار الطلاق النفسي:
لهذه المعيشة آثارها على حياة كل من الزوجين والأطفال:
فأما الأطفال: فإنهم لا يمكن أن ينموا بشكل سليم وطبيعي إلا في ظل بيئة أسرية صحية أم تحتضنهم وأب يرعاهم، وهم بطبيعتهم لا يميزون بين الأبوين ولا يفضلون أحدهما على الآخر، فكلاهما مهم وأساسي للحصول على التوازن في حياة الأولاد.

كما أن الولد بحاجة ملحة لكل ظروف الحب والحنان والعطف كما يحتاج إلى عناصر الشجاعة والقوة والإقدام. وفي غياب البيت الطبيعي المترع بالحب والتفاهم ينشأ الأطفال نشأة غير سوية، ويصبحون أكثر عرضة للأمراض النفسية كانفصام الشخصية وفقدان الثقة بالذات والعجز عن اتخاذ القرارات المناسبة.

إن الأبناء وهم يقفون يوميا على أرض من الألغام المتفجرة ويحترقون بشظاياها يتشربون المشاعر السيئة ويتجرعون مرارة الحياة باستمرار.

الآثار على الزوجين:
وأما أثار هذا الطلاق النفسي على الزوجين فتتجلى في:
حالة الصمت التي تخيم على حياتهم، وضعف الرغبة في التواصل، وغياب لغة الحوار في الحياة الزوجية، وكذلك تبلد المشاعر وجمود العواطف، وغياب البهجة والمرح والمودة والتودد والرومانسية بالطبع.

كذلك غياب الاحترام واللين بين الزوجين، ويصبح العناد والنرفزة والتذمر والشجار والمنازعات لأتفه الأسباب والإهمال والأنانية واللامبالاة باحتياجات ومتطلبات وآلام كل طرف هي المسيطرة على الحياة الزوجية.

كما أن منها: الهروب المتكرر من المنزل، أو جلوس كل طرف منفصلا داخل البيت وهو ما يسمى بـ "الانعزال المكاني".

ومنها النفور الشديد بين الطرفين، والشعور بالندم على الارتباط به، ومداومة التفكير بالطلاق أو الزواج من امرأة أخرى.

ومنها أيضا شيوع السخرية والاستهزاء والاستهتار وكثرة التعليقات السلبية، والتقليل من شأن الآخر وجرح مشاعره بكلمات أو سلوكيات مؤذية، وإلقاء المسؤولية دائما على الطرف الآخر والتحلل من كل التزام تجاهه.

هل من علاج؟
هناك بعض النصائح التي قد تساعد ربما بشكل أو بآخر في علاج المشكلة أو محاصرتها في بداياتها قبل أن تمتد وتستفحل:
- العمل على تأكيد حالة المصارحة والوضوح والمرونة في الخلافات أو العلاقات الزوجية.
- إتاحة المجال لكل منهما لقول ما لديه مع ضمان استماع الطرف الآخر.
- فتح مجال أوسع لكل من الزوجين ليشعر بالاطمئنان داخل العلاقة الزوجية.
- زيادة انتباه وتقدير كل منهما للآخر.
- زيادة القدرة على التكيف لحل المشكلات .
- محاولة تفهم كل طرف لاحتياجات الطرف الآخر .
- إيجاد شيء من الدبلوماسية في التعامل من كلا الطرفين واللجوء إلى المديح والثناء.
- إشاعة جو من الألفة والمحبة في المنزل إما بكلمات الغزل أو إيجاد طرق للتواصل من خلال الأعمال المشتركة.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة لمسة القطرية "بتصرف يسير"

Post: #144
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-29-2015, 04:42 AM
Parent: #143

من الآن ينبغي على الأسرة أن تهتم بتنشئة أبنائها على حب البحث العلمي والابتكار؛ وذلك لأن التطورات التقنية المتلاحقة باتت لا تسع إلا كل ذي فكر وبحث وإبداع، إضافة إلى الفجوة المتزايدة بين مستوى خريجي الجامعات ومتطلبات سوق العمل.. فالخريج في واد وسوق العملِ في واد آخر، وتنشئة الأبناء على البحث العلمي والابتكار سيستفيدُ منها الطالب بشكل أو بآخر إذا أردناه أن يكون مواطنًا نافعًا لنفسه ودينه ووطنه. لكن الأسرة العربية لا تهتم بهذه التنشئة في واقع الأمر، وذلك لأسباب كثيرة أهمها:

1- غياب الثقافة التربوية والنفسية لدى الآباء والأمهات، وعدم وجود برامج كافية من الحكومات ومنظمات المجتمع المدني تستهدف تثقيف الأسر تربويًّا ونفسيًّا.

2- الظروف الاقتصادية المتردية للأسر في أغلب الدول العربية، والانشغال بالكَدْح، وجمع المال الذي يُشبع البطون بالكاد، الأمر الذي يجعل الأسرة في حياة كالموت الرتيب.

والمجتمع العربي عمومًا- مع الأسف الشديد- لا يهتم بنشر ثقافة البحث العلمي والابتكار، سواء على مستوى الحكومات أو الشعوب، لاسيما في وسائل الإعلام التي تبالغ في نشر المواد الترفيهية غير الهادفة، إضافة إلى الكم الهائل الذي تنشره من الترهات والفن الرخيص والسينما القائمة على نشر الرذيلة!

والمجتمعات العربية إذا اهتمت بشيء من البحث فإنها تُقدم العلوم الإنسانية على البحث التقني العملي، فالعلوم الإنسانية مادة خصبة للأفكار والمذاهب والفلسفات العتيقة التي لا ينبني عليها كثير عمل، بينما العلوم التقنية والتقدم الصناعي والزراعي أمرٌ يُزعج أعداء الأمة، ومطلوب من الأمة أن تركع في هذه الميادين، وأن تكون تابعة مقلدة مستهلكة.. وهذا- دون شكِّ- بسبب الفساد السياسي والإداري الذي تعاني منه الأنظمة العربية في مجملها، وغياب الرؤية الإصلاحية لدى صانعي القرار.

وإذا أردنا أن نقف على أهمية تنشئة الأبناء على البحث العلمي والابتكار.. فعلينا أن نراجع النماذج التاريخية من أكابر العلماء والأعلام الذين نهضوا بأممهم، وننظر كيف نشأوا، فالأئمةُ الأربعة مثلًا جميعهم نشأ في أسرة مشجعة على العلم، ومجتمع تسوده روح التنافسية في تحصيل المعارف، وقد رأينا كيف كان الإمام الشافعي في طفولته يروح ويغدو على الإمام مالك، وكيف كان يشجعه في طفولته، وقد تنبه الإمام مالك إلى نبوغ الشافعي منذ طفولته. وابن سينا- وهو طبيب مسلم من بخارى- مذ أن كان طفلًا وهو يحضر مجالس أبيه العلمية، وغير ذلك نماذج كثيرة تؤكد حقيقة النشأة العلمية التي تخرّج فيها العلماء الأفذاذ، مما لا يدع مجالًا للشك في أهمية دور الأسرة في هذا الصدد.

ويجب على الأسر والمدارس أن تُعنى بالطلاب الموهوبين، وأن تقدم لهم الدعم الكافي معنويًّا وماديًّا، بحيث ينشأ الطفل الموهوب في بيئة معززة لقدراته، داعمة لمهاراته، مشجّعة لمواهبه، ومن ثم يتم توجيه هذه المواهب منذ الطفولة التوجيه السليم السديد.

ومن ضمن العلامات التي تظهر على هؤلاء الطلاب، ونستطيع على أثرها التنبه لهم كمشاريع جيدة لعلماء ومبدعين:

1ـ حب الاستطلاع والاكتشاف.

2ـ عدم رضائه بالإجابة البسيطة.

3ـ قوة ملاحظاته وقدرته على التمييز بين الأشياء والقرائن.

4ـ إنتاج الأفكار المتدفقة.

5ـ طرح الحلول غير التقليدية.

6ـ خيال خصب واسع.

وحتى ينشأ أولادنا نشأة علمية، ينبغي أن نغرس في وجدانهم «الأمانة العلمية»، وأن يتعلموا منذ نعومة أظفارهم أمانة النقل، ودقة التوثيق، وعزو المقولة لقائلها، وأن يستكتب الوالدُ ولده في موضوع يسير، كموضوعات التعبير، فيّجرّبه ويدربه، ويناقشه.. من أين أتى بهذه العبارة؟ ومَن قائلُ هذه الجملةِ؟ وكيف تنقل من كتاب؟ وكيف توثّق في الهامش؟ وهكذا، وتلك المهارات العلمية البسيطة تسع جميع طلاب المراحل التعليمية.

وينبغي على الآباء والمعلمين أن يمارسوا أساليب تعليمية كافية في غرس قيم البحث العلمي والابتكار في نفوس الأبناء والطلاب، وذلك من خلال تفعيل الأنشطة المصاحبة للعملية التعليمية، وأقرب مثال نضربه على ذلك، حينما يخرج الوالد أو المعلم في رحلة خارجية مع الطلاب لزيارة بعض المعالم الأثرية، يستطيع أن يكتشف في هذه الزيارة الميدانية بعض الجوانب الإبداعية عند طلابه من خلال أسئلتهم، وحينما تنقضي الرحلةُ حبذا لو كُلف الطلاب بكتابة تقرير عما رأوه من معالم، وأن يسطّروا بأناملهم انطباعاتهم عن هذه الرحلة بكل حرية، ويسألوا عما عاينوه من سلبيات، وما لمسوه من إيجابيات، وما يرونه من مقترحات.

انظر كيف صارت الرحلةُ الميدانية بابًا من أبواب تنمية الابتكارية، وغرس قيم البحث العلمي عند الطلاب، إضافة إلى اكتشاف الطالب الموهوب.

وهكذا تكون سياسة الوالد والمعلم في التعامل مع الطلبة، فهو بين الفينة والأخرى يدفعهم نحو زيارة ميدانية، أو رحلة استكشافية، أو مباراة رياضية، أو نشاط من أنشطة الجوالة، أو عقد ورشة نقاشية، أو يشرف على مؤتمر يُقيمونه بأنفسهم، ويكتشف في ثنايا هذه الفعاليات الباحث والرسّام والأديب، ويعرف من يميل إلى الطب، ومن يميل إلى الهندسة، ومن يميل إلى الأدب.. كل هذا في جو من الشورى والنقاش الحُر الذي يعزز القدرات الذهنية لدى الأبناء.

ثم يأتي اليوم الذي يصطحب فيه الوالد ولده، والمعلم تلميذه إلى مركز من مراكز البحوث، ويتعلم الطالب عمليًّا كيف يبحث عن كتاب، وكيف يفحص عينة، وكيف يتّبع مرجعًا حتى يصل إلى منشأه، وكيف يُعد استطلاعا، وكيف يزور عالمًا أو متخصصًا زيارة علمية مفيدة
مجلة الوعي الإسلامي ( العدد 567 )

Post: #145
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-29-2015, 04:43 AM
Parent: #144

الوفاء هو نبض القلوب المحبة، هو ذاك العبير الذي ينبعث من جنبات الأسر السعيدة، فالحياة الزوجية التي تخلو من الوفاء كالجسد بلا روح، ولقد بات الوفاء عملة نادرة قلما تجده بين زيجات هذه الأيام ، وبطلة حكايتنا سطرت في قصة زواجها سطورًا من الوفاء النادر، حيث عاشت مع زوجها حياة لا تستطيع أن تصبر عليها زوجة في عصرنا الحالي، ولكنها صبرت واحتسبت وفاءً لزوجها وطمعًا فى ثواب ربها، إنها فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وزوج الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، والتي حينما خيرها زوجها بين أن تعيش معه على شظف من العيش، أو أن يسرحها سراحًا جميلاً آثرته وزهدت في نعيم الدنيا وزخارفها، ولم يقف وفاؤها لزوجها عند عتبة الحياة الدنيا بل ضربت أروع مثال في حبها لزوجها ووفائها له بعد مماته.

لا حاجة لي بها :
وعن ملامح شخصية الخليفة العادل والأب يحدثنا د. صبري عبد الرؤوف - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر - فيقول: من أهم الصفات التي تميز بها الخليفة عمر كزوج هي: حسن العشرة فيما بينه وبين زوجته، فكان يجلس معها ويستشيرها، ويغرس فى نفسها مراقبة الله (عز وجل) والزهد في الدنيا، فذات يوم قال لها: "يا فاطمة: قد علمت أن هذه الجواهر قد أخذها أبوك من أموال المسلمين وأهداها إليك، وإني أكره أن تكون معى فى بيتي، فاختاري : إما أن ترديها إلى بيت المال، أو تأذني لي فى فراقك، فقالت : بل أختارك والله عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، وردت الحلى إلى بيت المال، وبعد وفاة عمر تولى أخوها يزيد الخلافة فرد عليها حليها ، فقالت : لا والله ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا، لا حاجة لي بها ".

وهنا نتوقف قليلاً لنتأمل هذا الموقف الجليل، فسيدنا عمر الزوج التقي يخير زوجته، وفاطمة الزوجة تختار وتؤثر حب زوجها على كل ما هو غال ونفيس، بل إنها أيضًا تظل على وفائها وطاعتها له بعد مماته احترامًا منها لكلمته ، وهذا وفاء نادر لا نجده في كثير من الأزمان ، ولا يمكن أن تتخلق به زوجة على وجه الأرض إلا من امتلأ قلبها بالإيمان، وفهمت الجزاء العظيم الذي أعده الله (عز وجل) للزوجة الصالحة التي مات زوجها وهو راض عنها.

وكان ( رضي الله عنه ) يدرب أولاده وبناته على الزهد في الدنيا، وليس معنى هذا أنهم كانوا يعيشون عالة على غيرهم ، وإنما كان ( رضى الله عنه ) يغرس في نفوسهم الرضا بما قسم الله ( عز وجل )، ومن هنا أكرم الله أبناءه ووسع عليهم، وكانوا بعد ذلك من كبار الأغنياء؛ لأن أباهم رباهم على القناعة والرضى بما قسم الله، وهناك أكثر من موقف جلل يوضح أسلوب الخليفة عمر التربوي نحو أبنائه وزوجته، فذات يوم طلب أحد أبنائه أن يأكل عنبًا، وهنا بكت فاطمة لأنها لم تجد معها ثمن العنب، فلما علم عمر بذلك سألها: علام البكاء يا فاطمة ؟ فقالت: ولدي يريد أن يأكل عنبًا، وأنا وأنت لا نملك ثمن العنب، فقال لها: هذا خير لنا من أن يعذبنا الله في النار يوم القيامة، وهذا لون من ألوان الزهد والتقشف، مما يجعل الأبناء وهم وإن كانوا أبناء أمير المؤمنين لكنهم لا يجدون كل ما يطلبونه ، هذا الأسلوب التربوى تتبناه أغلب المدارس التربوية فى عصرنا الحالي ، لكى تقدم نشياً سويًا قادرًا على تحمل المسؤولية.

لؤلؤتان أم جمرتان ؟
ويستطرد د. صبري قائلاً: وهناك موقف آخر يعكس لنا الطريقة التي كان يتعامل بها الخليفة عمر مع بناته، فقد عاد الخليفة الورع يومًا إلى بيته بعد صلاة العشاء، ولمح بناته الصغار فسلم عليهن كعادته، وبدلاً من أن يسارعن إليه بالتحية كعادتهن رحن يغطين أفواههن بأكفهن ويتبادرن إلى الباب، فتساءل خامس الخلفاء الراشدين: ما شأنكن ؟ قالت بناته: لم يكن لدينا مانتعشى به سوى عدس وبصل فكرهنا أن تشم أفواهنا، نحرص على ألا يشم أمير المؤمنين رائحة البصل، فبكى الخليفة العادل ، ثم قال : يا بناتى .. ما ينفعكن أن تعشن الألوان والأطايب، ثم يذهب بأبيكن إلى النار، وهناك موقف آخر عندما رأت إحدى بناته صديقة لها تزين أذنيها بلؤلؤتين جميلتين فأرسلت إلى أبيها وقالت له ضارعة : اشتري لي مثلها، فدعا أمير المؤمنين مولاه مزاحم وأمره أن يأتي بجمرتين من نار، فلما أحضر مزاحم الجمرتين قال الخليفة العادل لابنته: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك جئتك بلؤلؤتين كهذه ، لقد كان عمر يرى نفسه قدوة، وأن هذه القدوة لا تنحصر فيه هو كخليفة وحاكم، ولكن هذه المسؤولية تشمل أهله جميعًا حتى بناته الصغار.

وعن الثمار التربوية التي جناها سيدنا عمر في أبنائه يقول د. صبري : دخل عبد الملك بن عمر على أبيه يومًا فقال له: يا أمير المؤمنين ماذا تقول لربك إذا أتيته، وقد تركت حقًا لم تُحيِهِ ، وباطلاً لم تمته ؟ فقال: اقعد يابني إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس عن الحق، فانتهت الأمور إليّ وقد أقبل شرها وأدبر خيرها، ولكن أليس حسبي جميلاً ألا تطلع الشمس علىّ فى يوم إلا أحييت فيه حقًا وأمت فيه باطلاً، حتى يأتينى الموت وأنا على ذلك ؟‍ !

والأمثلة على ذلك كثيرة، وإن دلت على شيء فإنما تدل على حرص الأبناء على الآباء، فسيدنا عمر كان يتناصح هو وأبناؤه، وكل واحد منهم يقبل نصح الآخر مادام بأسلوب مهذب يحفظ لكل طرف مكانته، ومادام القصد من ورائه طاعة الله (عز وجل) .

وذات يوم دخل الخليفة العادل عمر بيته فوجد جَلَبَةً أمام الدار فسأل ماهذا؟ فقالوا: ابنك الصغير ضربه غلام يتيم شجّ رأسه، ونزل منه الدم الكثير، وجاءت أم اليتيم تستعطف أم الغلام - زوجة أمير المؤمنين - فدخل سيدنا عمر على زوجته فاطمة فوجدها في حزن وكرب لما أصاب ولدها، فقال: هل أحضرتم طبيبًا ؟ قالوا: لا ، فقال : أحضروا له طبيبًا يداويه، ثم قال لأم اليتيم: هدئي من نفسك ، فهل هذا اليتيم يأخذ راتبًا من بيت المال؟ فقالت: لا، فنادى على كاتب بيت مال المسلمين ، وقال : اكتب هذا في سجل اليتامى ، وأعطه راتبًا شهريًا، ثم أعطاه شيئًا من جيبه هو، وقال لأم اليتيم: اذهبي بولدك فلا حرج عليك، فما كان من زوجة أمير المؤمنين إلا أن بكت، فسألها سيدنا عمر : علام البكاء ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين والله ماكان خوفي على أولادى أشد من خوفى عليهم اعتبارًا من هذا اليوم، فقال لها ولم ؟ قالت: لأن الذي صنعته مع اليتيم جعلنى أخشى على أولادى من أبناء اليتامى بعد هذا اليوم.

وهنا نتعلم درسًا مهمًا، كان في إمكان أمير المؤمنين أن ينتقم لولده، ولكنه نظر إلى قوته وضعف هذا اليتيم، فلم يعامله بالقسوة، وإنما عامله بالرأفة والشفقة، وهاهو موقف الزوجة التي كان بإمكانها أن تعترض على تصرف زوجها، ولكنها لم تعترض، ولم تغضب؛ لأنها تعلم أن زوجها يخاف الله (عز وجل)، ويعمل لمرضاته، فهو الذي كان يراقب الله فى بيته، فحينما قال له أحد أقاربه : لماذا لا توسع على زوجتك وعلى أبنائك وتنعم بهذه الحياة ، كما كنت تنعم بها سابقًا ؟ فأجاب أمير المؤمنين: أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، ولهذا أعطاه الله ( عز وجل ) من النعيم ما لا يعد ولا يحصى بسبب خشيته لله ( عز وجل ) ، وصدق رب العالمين إذ يقول : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هى المأوى ) ( النازعات: 40 - 41) .

ويؤكد هذا أنه حينما اشتد به المرض قال أحد جلسائه: يا أمير المؤمنين ألا توصي لأولادك بشيء ؟ فقال سيدنا عمر ( رضى الله عنه ) : "أولادي أحد رجلين إما رجل صالح فالله يتولى الصالحين ، وإما رجل غير ذلك فما كنت أعين أولادى بمالى على معصية ربى" ، ثم قال كلمته المشهورة بعد أن وزع الصدقات على المحتاجين : "ادخرت مالى عند الله ، وادخرت الله لأولادى" فيقول المؤرخون: فرأينا أبناء عمر بن عبد العزيز من كبار الأغنياء بعد ذلك، ورأينا أبناء الخلفاء الذين سبقوه يتكففون الناس، وهذا موقف عظيم يدل على أن التربية الصحيحة لها أثرها في حياة الأبناء حياة كريمةب، وصدق الله العظيم إذ يقولب: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا. ويرزقه من حيث لايحتسب )( الطلاق : 32 ) ، ويكفينا فى هذا قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ):[ ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ].
إيمان محمود

Post: #146
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 07-29-2015, 04:47 AM
Parent: #145

حديثي إليك أيها الأب الغيور عن نعمة قد تنقلب نقمة! وعن منحة قد تنقلب محنة، وعن عطاء قد يكون شقاء! إنهم الأبناء!! هذه البراعم الناعمة، والأكباد التي تمشي على الأرض، التي إن لم نحسن رعايتها فلربما تمنى الأب أنه لم يرزق بهم وأنه كان عقيماً -نسأل الله السلامة والعافية...
أكتب ذلك ليس من باب التشاؤم ولكنه من باب الواقع المشاهد، فكم من أبٍ لم يكن يعرف طريق الشرطة، لم يدخله مراكزها إلا فلذات كبده. وكم من أبٍ لم تخرج دمعته ذلاً وهواناً أمام الرجال قط، لم يخرجها إلاّ أبناؤه، بل كم من والد أدخله أبناؤه زنزانات السجون - نعوذ بالله من عقوقهم-...

أيها الأب الشفوق، إذا أردت أن تدرك بر الأبناء وتذوق حلاوة نفعهم فاربطهم بالحياة الباقية لا الفانية، ليكن همك أن تجتمع بهم في قصور الجنة وخيامها وعلى أرائكها، لا أن يكون همك تسمين أبدانهم وكسوتهم، وتذكر أن أسراً كثيرة ستتمزق غداً على الصراط إذا ضُرب على متن جهنم... تلك الأسر التي كان همّ راعيها الدنيا فحسب! همه حضور ابنه للمدرسة ولو غاب عن المسجد، همه ارتفاع معدله ودرجاته ولو انخفض مستوى إيمانه وأخلاقه، همه أن يتملك في الدنيا بيتاً ليجمع أبناءه فيه ولو كان أبناؤه يسيرون في حياتهم إلى أودية النار تركاً للفرائض وانتهاكاً للحرمات، همه أن يخلف لأبنائه ثروة ومالاً ولو كان يعلم أنهم لربما استعانوا بها على معصية الله.

إن هذه التربية المهترئة المنحلة لا تبلغك ـ أيها الأب ـ برهم ولا نفعهم لا في الحياة الدنيا، ولا في الآخرة... لذا أوصيك أيها الأب المشفق بعدة وصايا عسى إن عملت بها ألاّ تحرم السعادة بهم فوق الأرض، والفرح بهم يوم العرض، والاجتماع بهم على الأرائك متكئين في جنات النعيم.

الوصية الأولى:
أكثرْ من الدعاء لهم بالصلاح والهداية، واحذر من الدعاء عليهم، لا تعن شياطين الجن والإنس على أبنائك، ولا تيأس من هدايتهم. "فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء" فقلب ابنك لن يكون أقسى من قلب عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- الذي خرج يوم إسلامه يريد قتل محمد - صلوات الله وسلامه عليه- فما غربت شمس ذاك اليوم إلاّ ومحمد- عليه الصلاة والسلام -أحب الناس اليه ببركة دعائه- عليه الصلاة والسلام.

الوصية الثانية:
برّك أنت أيها الأب بأبيك وأمك، فإن البر دين، فإن أقرضته والديك استوفيته من أبنائك أضعافاً مضاعفة، وإلاّ فستشرب كؤوساً من العقوق مترعة "برّوا آبانكم تبركم أبناؤكم".
فاعمل مع والديك ما تحب أن يعمله أبناؤك معك غداً. وابذر تحت أقدامهما ما شئت أن تحصده من أبنائك غداً.

الوصية الثالثة:
احذر أن يشاركك في تربيتهم قناة فضائية أو جليس سوء، فإن ما زرعته وسقيته في أعوام قد تحرقه لقطة في مسلسل او مشهد من فيلم أو صورة فاجرة يعرضها زميل، فاحفظ جوارحهم وخاصة -العين والأذن- فإنهما نافذتان إلى القلب، إن أطلقتا في الحرام فلن تستقيم لك تربية، ولن تدرك براً، وسينهار كل بناء للفضيلة تريد أن تعليه في نفوسهم، وذلك أن العين أو الأذن إن هي زنت، فلا بد أن يبحث الفرج عما يطفئ لهيب تلك النظرات الفاجرة وتلك النغمات المحرمة.

الوصية الرابعة:
أطعمهم الحلال فـ "أيما جسد نبت من سُحت فالنار أولى به" فما نزعت بركة كثير من الأبناء إلا بسبب لقمة الحرام، فكم من أبٍ أعجبه قوام أبنائه وقد غذاهم الحرام، وما علم أن هؤلاء الأبناء قد يكونون غداً شوكة في خاصرته، وغصة في حلقه، وسبب شقائه في دنياه وأخراه، بسبب شؤم ذاك المال الحرام، فاتق الله أيها الأب في كسبك، واعلم أن أبواب الكسب الحرام قد تنوعت وكثرت، فالربا، والرشوة، والسرقة من وقت الدوام، وقبض قيمة الانتداب وأنت جالس في بيتك... كلها أبواب كسب محرم، فأطبْ مطعمك.

الوصية الخامسة:
كن قدوة صالحة لأبنائك فلا تنه عن خلق وتأتي مثله، افعل أمامهم ما تحب أن تراه منهم، وان ابتليت بمعصية فاستتر ولا تجاهر بها، فإن الابن قد جُبل على حب محاكاة والده. فاحذر أن تغرس فيه خلقاً يجني عليك الندامة غداً ، فكم من ابن كان سبب انحرافه معصية حاكى فيها والده فأوردته المهالك.

الوصية السادسة:
لا تنشغل عنهم فهم رأس مالك الحقيقي، ليكونوا معك أو كن معهم، أشغلهم بالخير وإلاّ شغلوك هم بالشر، ألحقهم برياض الجنة "حلقات تحفيظ القرآن"، اصحبهم إلى بيوت الله وإلى صلة أرحامك، أبعدهم عن حياة اللين والترف، عليك بالتربية الجادة التي تخرّج رجالاً ، لا شباباً هم للأنوثة أقرب منهم للرجولة.
فإذا بذلت أسباب الصلاح، ولم يكتب الله لهم الهداية فلا يضرك ضلالهم لأن عليك الدلالة والإرشاد وليس عليك التوفيق والهداية.
أسال المولى أن يصلح لنا ولك النية والذرية "ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماماً".
سعد بن عتيق العتيق

Post: #147
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 00:58 AM
Parent: #146

في سبيل هناءة الأسرة :
دعم الإسلام هناءة الأسرة ، فأحكم وثاقها بمن تربطها بهم قربى ، وشد أزرها بمـا أوجب من تراحم الأخوة والأخوات ، وبني العمومة والعمات ومن يليهم ، فليس أرضى لله تعالى من صلة الرحم التي أمر أن توصل ، وبر الأهل والعشيرة ، الذين يزكو عندهم إسداء المعروف، وليس أجلب لسخط الله من إهدار هذه الحقوق التي يوغر إهدارها الصدور ، ويثير العداوة ويؤرث الأحقـاد ، ويجعل الأسرة المتعاطفة متدابرة متخالفة .
ورعاية أولي الأرحام ، والتوسعة عليهم ، بما لا يشق إسداؤه إليهم ، هو عصام هذه الأسرة من التفكك ، وزمامها من الإنحلال والزوال ، وهو دواء أنفـسٍ إن غفلت عن مغزى قول طرفة بن العبد الجاهلي :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على القلب من وقع الحسام المهند
فيما ينـبغي أن تغفل عن صورة الرحم الفـذة في قول المعصوم صلوات الله عليه وسلامه : أن الله تعالى خلق الخلق ، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قل فذلك لك . رواه البخاري . قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأو إن شئتم ( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسـدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) سورة محمد:22-23.
لقد شق الله سبحانه للرحم اسما من اسميه الرحمن والرحيم ، ومن رحمته التي وسعت البر والفاجر في هذه الحياة ، وجعلها خالصة للمؤمنين يوم يلقونه ، ليعظم حقهـا على العقلاء الذين يفهمون أن الحياة لا يمكن أن تصفو بغير تراحم الأقرباء، وتعاون الأحياء وذلك وحي الحياة ، وحديث الواقع قبل أن يكون وحي السمـاء وحديث النبوة ووصايا الآباء للأبناء .
2. أقاربنا أعضاء في جسم المجتمع :
إن في أفراد كل أسرة من الجفوة ، والشطط عن صراط الله قدراً مما شكا منه أحد صحابة الرسول فيما روى أبو هريره : [ أن رجـلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلـم عليهم ويجهلون عليّ ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تُسفّهم المَلّ لا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
ومن معاني هذا التوجيه النبـوي ، أن لهـؤلاء الجاحدين حقوقاً على ذوي القلوب الكبيرة ، فالإحسان إلى المسيء من أدب الاسلام الذي يقول رسوله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر وقد سـأله : يا رسول الله: أخبرني بفواضل الأعمال ، فقال: [ يا عقبة : صل من قطعك وأعط من حرمك ، وأعف عمن ظلمك ] . ثم أليس هؤلاء أعضاء في جسم المجتمع الذي يمنى بتشويهٍ فادح إن نحن بترناهم من قبل أن نبلو عذراً بمحاولة إصلاحهم ، والعربي يقول :
وأمنحه مالي وودي ونصرتي وإن كان مطويّ الضلوع على بغضي
ويقول مسكين الدارمي :
أخاك أخاك إن من لا أخـا له كساعٍ إلى الهيجـا بغير سلاح
وإن ابن عم القوم فاعلم جناحُه وهل ينهض البازي بغير جناح ؟
ويقول المقنع الكندي :
وإن الـذي بيني وبين بنـي أبي وبين بني عمي لمختلف جـــدًا
فإن أكلوا لحمي، وَفَرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجـدًا
ولا أحمل الحقد القديـم عليهمُ وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
ومن قبل هؤلاء قال حاتم :
شربنا بكأس الفقر يوماً وبالغنى وما منهمـا إلا سقانا به الدهرُ
فما زادنـا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزري بأحسابنا الفقر
وأين من هؤلاء الأمجاد، ذلك الذي قيل فيه :
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعي الندى بسريــع
3. صلة الرحم في كتاب الله :
قال تعالى: ( إنما يتذكر أُولو الألباب . الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الرعد:19-21 .
وقال : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) سورة الرعد:26 .
فانظر في أي سياق وضع الله الذين يصـلون أرحامهم ؟ ومع من سلك الجفـاة القاطعين ؟ ولا أراك تود أن تُذكر بين الذين يفسـدون في الأرض ، فيستوجبون لأنفسهم لعنة الله الدنيا والآخرة . وإنما تسارع لتكون بين أولي العقول الراجحة والقلوب المبصرة .
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) محمد 22-23 .
وقال تعالى : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . الأحزاب:6 .
قال الإمام النسفي في تفسير هذه الآية : كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين ، وبالهجرة لا بالقرابة ، ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة.
4. الرسول هو المثل الأعلى في صلة رحمه :
إن القول في صلة الرحم ذو سعة ، لكني أجتزئ منه بعض أطراف من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك . فهي قبس يضيء جوانب البحث ، ويجمع القلوب والعقول على الأسـوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم في بره بأهله وحَدبه على مؤمنهم وكافرهم على السواء ، ولعل في ذلك ذكرى للذاكرين .
لقد كان إسلام حمزة براً منه بابن أخيه ( أي محمدصلى الله عليه وسلم ) ، يوم أن عاد من الصيد ، فقالت له امرأة ، إن أبا جهل آذى ابن أخيك وسب أباه، فذهب حمزة من فوره إلى أبي جهل فشجه وأنبّه وقال : أتسب محمداً وأنا على دينه وأقول ما يقول ؟ وبهت عدو الله وعدو رسوله عند ذلك ، وكان إسلام حمزة أوجع لقلبه وأنكى من هذا الأذى المادي الذي أصاب جسمه ، وبقي الرسول يذكر هذه المنة لعمه ، حتى وقف على جثمانه حين استشهد في أحد ، وقال يرحمك الله يا عم فلقد كنت وصولاً ، للرحم فعولاً للخيرات !
وكان فتح خيبر وكأنه عيد من أعياد الإسلام ، فقد عاد يومئذٍ جعفر من الحبشة ، فقال النبي: [ ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بفتح خيبر أم برجوع جعفر؟] وتوالت الأيام ، ونعم جعفر بالشهادة في غزوة مؤته ، وضجت المدينة ببكاء أهالي الشهداء، وسمع الناس إلى النبي هو يقول : [ لكن
جعفر لا بواكي له ] ، ثم يلتفت إلى أهـله ويقول: [ اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد نزل بهم ما يشغلهم ] . رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
يقول عبد الله بن جعفر : جاءنا النبي بعد ثلاث من موت جعفر ، فقال: [ لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، وادعوا إليّ بني أخي ، فجيء بنا ، كأننا
أفراخ ، فأمر الحالق فأصلح من شعرنا ثم داعبنا ] . رواه أبو داود والنسائي.
وكان النضر بن الحارث من أسرى بدر ، فلما بلغ الرسول ذلك أمر بقتله ، فطالما كذّب النبي ، وافترى عليه ، وهو يعرفه كنفسه ، أليس هو القائل: (لقد كان محمداً فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم قولاً ، وأصدقكم حديثاً ، فلما بـدا في صدغيه عارض الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم إنه كاذب ؟ والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، ثم لم يلبث أن بدا على طبيعته من الحقد والجهالة . يقول الإمام النسفي : كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن ، ويذكر أخبار القرون الماضية في قراءته ، فقال النضر بن الحارث لو شئت لقلت مثل هذا ، وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديثة من حديث رستم وأحاديث العجم . فنزل قول الله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ويلك هذا كلام الله ] ، فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال: ( إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم ) .
وعلمت قتيلة بمصرع أخيها بعد بدر ، فكتبت إلى رسول الله :
أمحمدٌ يا نسل خيـــر نجيبةٍ في قومها.. والفحلُ فحلٌ معرقُ
ما كان ضرَّك لو مننت ، وربما منّ الفتى ، وهـو المَغيظُ المحنق
والنضر أقرب من قتلتَ قرابةً وأحقهم إن كـان عتـق يعتق
فَرقّ الرسول لقولها : وقال: [ لو بلغني شعرها قبل قتله لعفوت عنه ] . الاستيعاب 4/195 والإصابة:8/80.
5. كيف أينع غراس النبوة :
لقد أينع غراس النبوة ، وآتى أُكله ، وجنت الحياة جناه ، فترابط الأفراد في الأسرة وتعاونت الأسرة على البر والتقوى ، وفي مجتمع لم تعرف الحياة - ولن تعرف مثل تواصله وتكافله ، وكان المسلمون - كمـا وصفهم نبيهـم صلى الله عليه وسلم تتـكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ولو كان بهم خصـاصة ، وهو نعت لمشاعرهم مع كل مسلم . وإنه لأجمع وأوفى إذا نظرنا إلى حالهم مع ذوي القُربى ، الذين ذكرهم الله بما لهم عندنا من حقوق في آية الحقوق العشرة ( النساء:37 )، وآية البر ( البقرة 177 ) وغيرها من الآيات الكثيرة .
لقد كان مسطح بن أثاثة ، ابن خالة أبي بكر ، فقيراً مملقاً يعود عليه الصدّيق بفضل ماله ، فلما شارك في حديث الإفك ، منع عنه أبو بكر خيره وبره ، وللرجل عذُرُه الناهضُ حتى بعد أن نزلت آيات النور التي برأت الصديقة ولكن الله عاتب أبا بكر وحبب إليه أن يدفع بالتي هي أحسن ، ابتغاء مرضاة ربه ، فقال تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) سورة النور:22 .
وعاد أبو بكر إلى بر من أساء إليه في أكرم أهله عليه !! ويا له من دين يدعو أهله إلى أن يجدوا على الزلات ذيل المكارم !
6. صلة الرحم مثمرة في الدنيا والآخرة :
الإيمان بالله أبر ما يُرجى يوم القيامة ، قال تعالى مؤيساً الكافرين من رحمتـه: ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم، يوم القيامة يفصل بينكم ) الممتحنة : 3 ، فليس عجيباً أن يكثر الرسول الوصاة بهذه الفضيلة .
يقول البلوي : صلوا أرحامكم بما أمكن ، فإن عدمتم ، فأقل شيء يكون السلام . وهو بأن تزور ذا رحم ، فتسلم عليه ، وتؤنسه بالقول ، وتلين له الحديث ، وبمثل هذا يستمال الغريب ، فكيف بالقريب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ ألا أدلكم على شيء أذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ] رواه مسلم وغيره.
فهل نرى الرحم أفراداً وجماعات وشعوباً ، فبرغم غمرات الحياة التي تحيق بأممـنا على التبدد والزوال ، ونشعر الذين يجالدون الاستعمار في بعض أقطارنا أنهم ليسوا وحدهم في معترك الأحداث ، وإنما يهتم بأمرهم المسلمون في كل مكان ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ،[ وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ] رواه أبو داود والنسائي . كما قال صلوات الله عليه وسلم. وهلا ارعوى من فتنتهم المذاهب الوافدة عن أن نتناجى بالإسلام ، ونتناجى بالأخوة الإنسانية وبوجود الدار وحق الجوار .
الشيخ معوض عوض إبراهيم

Post: #148
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 01:19 AM
Parent: #147

جياع ومرضي من ليس في بيتهم تمر !!
رغم رخص ثمنه، وتوفره الدائم في الأسواق، فإن كثيرا من العلماء يلقبونه بـ "منجم" غني بالمعادن ؛ إذ إن له فوائد عظيمة، تجعل منه غذاء كاملا بكل ما في الكلمة من معنى، وذكره عز وجل في القرآن في سورة مريم (وهزي إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا فكلي واشربي وقري عينا)، وبعدها بقرون أثبت العلم أن التمر يسهل المخاض، وييسر عملية الولادة.

يحتوي التمر على فيتامين "أ" وهو موجود بنسبة عالية تعادل نسبة وجوده في أعظم مصادره كزيت السمك، والزبدة، وهذا الفيتامين يساعد على نمو الأطفال، كما يحفظ للعين قوتها، ويجعل النظر ثاقبا في الليل، فضلا عن النهار، إذن فهو يقوي الأعصاب البصرية، ويكافح العشى الليلي، ولعل هذا هو السر في أن سكان الصحراء مشهورون بالرؤية من مسافات بعيدة.
كما يحتوي على فيتامين "ب1" وفيتامين "ب2" وفيتامين "ب" ومن شأن هذه الفيتامينات تقوية الأعصاب، وتليين الأوعية الدموية، وترطيب الأمعاء وحفظها من الالتهاب والضعف.

لبناء العظام والأسنان
والتمر غني بالفوسفور بنسبة عالية، فهو أغنى من المشمس والإجاص (الكمثرى) والفراولة والعنب، ففي كل مائة جرام من التمر نجد أربعين مليجراما من الفوسفور، بينما لا تزيد كمية الفوسفور الموجودة في أية فاكهة عن عشرين مليجراما من نفس الكمية، والفوسفور هو أهم المواد في تركيب وبناء العظام والأسنان على السواء.

أفضل من الحديد والكالسيوم
وعلاوة على ذلك فإن بضع حبات من التمر تزيد في مفعولها على فائدة زجاجة كاملة من شراب الحديد أو حقنة كالسيوم، لأن الحديد والكالسيوم ترفضهما المعدة، وتثقل على غشائها المخاطي، وقد لا يهضمها الجسم كاملة.

يكافح السرطان
ولو لم يكن في التمر من فائدة سوى احتوائه على الماغنسيوم لكفاه ذلك سببا يضعه في مقدمة الأغذية والفواكه المفيدة، حيث إن الماغنسيوم يقضي على السرطان، وقد لوحظ أن سكان الواحات وأكثرهم من الفقراء لا يعرفون مرض السرطان إطلاقا، ولعل السبب هو غنى التمر بالماغنسيوم.

مفيد للكلى والكبد
والتمر غني بعدد من أنواع السكاكر كالجليكوز (سكر الفواكه) والسكاروز، ونسبتها فيه تبلغ حوالي سبعين في المائة، ولذا فالتمر وقود من الدرجة الأولى، والسكاكر الموجودة فيه سريعة الامتصاص، وتستطيع المعدة هضم التمر، وامتصاص السكاكر الموجودة خلال ساعة، أو أقل فتسير في الدم بسرعة حاملة الوقود إلى الدماغ والعضلات، بينما الحلوى المليئة بالسمن والمعجنات المتنوعة تحتاج إلى عدة ساعات لهضمها، وفائدة السكاكر الموجودة في التمر لا تنحصر في منح الحرارة والقدرة والنشاط للجسم، بل إنها مدرة للبول، وتغسل الكلي، وتنظف الكبد.

ملين طبيعي
ويحتوي التمر على الألياف السلولوزية التي تساعد الأمعاء على حركاتها الاستدارية، وهذا يجعل التمر ملينا طبيعيا ممتازا، ويستطيع من اعتاد على تناوله يوميا أن ينجو من حالات القبض المزمن.

هل يضاف شيء له؟
وبعد فبإضافة الجوز واللوز إلى التمر، أو تناوله مع الحليب يزيد من قوته بالمواد البروتينية والدهنية، ولا يخفى على أحد أن طعام الأعراب قديما كان من التمر والحليب، فكانوا مضرب الأمثال في القوة والصحة والرشاقة، ولم تعرف عنهم إصابتهم بالأمراض المزمنة الخبيثة.

وأخيرا
فإن من الأمور الجديرة بالتقدير في هذه الفاكهة العظيمة، هي أنه بالإمكان حفظها في العلب، أو لفها بالورق، وضغطها بحيث تحتفظ بجميع خواصها وصفاتها مدة طويلة وبدون إضافة مواد حافظة لها.
فسبحان من أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أن يفطر على التمر، وسبحان من جعل من تلك الحبة الصغيرة غذاء ودواء.
إسلام ويب

Post: #149
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 01:22 AM
Parent: #148

رعاية ذوي الاحتياجات الخاصة
الإسلام وأصحاب الاحتياجات الخاصة
نادى الإسلام منذ أربعة عشر قرناً بالمحافظة على وأصحاب الاحتياجات الخاصة وأعطاهم حقوقهم كاملة في إنسانية أخاذة، ورفق جميل، مما أبعد عنهم شبح الخجل، وظلال المسكنة، بل إن الإسلام لم يقصر نداءه الإنساني عليهم فقط ، بل امتد النطاق فشمل المرضى عامة، واستطاع المريض - أياً كان مرضه - أن يستظل براية الإسلام التي تحمل في طياتها الرأفة والرحمة والخير، وأن يتنسم عبير الحياة، في عزة وكرامة، كما أن الإسلام لم يقصر هذا النداء على مناسبة خاصة بهم لأن القواعد التي أرساها الإسلام سارية المفعول منذ أن جاء بها المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

صاحب الاحتاجات الخاصة والمجتمع:
إن نفسية صاحب الاحتاجات الخاصة تختلف اختلافاً كلياً عن صنوه المعافى، ويرجع هذا الشعور الداخلي له نفسه. فهو يشعر بعجزه عن الاندماج في المجتمع نظراً لظروفه المرضية، مما يجعله يؤثر الحياة داخل قوقعة داكنة اللون، مغلفاً حياته بالحزن والأسى، وكلما تذكر إصابته، اتسعت الهوة بينه وبين مجتمعه، مما يجعله يزداد نفوراً وتقوقعاً.

هذه هي نظرة صاحب الاحتاجات الخاصة إلى المجتمع، ونلاحظ أنها نظرة يغلفها الخجل والحياء، من الانخراط في دائرة المجتمع المتسعة، كما أن المجتمع نفسه لا ينظر إليه نظرته إلى الشخص السليم المعافى بل على أساس أنه عالة عليه، وهذا يضاعف من عزلته وانكماشه، ففي المجتمعات البدائية ينظر الناس إلى العجزة نظرتهم إلى شر مستطير يجب تجنبه، ويشيح البعض بوجوههم إذا مرّوا بهم اتقاءاً للأذى.

ولاشك أن صاحب الاحتاجات الخاصة يتأثر من هذه النظرات التي يوجهها له المجتمع أنّى وجد.
فيزداد إحساساً بالعجز والقصور، بل نجد بعضهم يتمنون الموت لاعتقادهم أنه الخلاص الوحيد من واقعه الأليم، وبسبب الخجل الداخلي من مواجهة المجتمع، ونظرة المجتمع القاسية، مما يجعله ينظر إلى المجتمع والحياة نظرة الخوف والسخط والغضب.

ما قبل الإسلام:
كانت نظرة الناس في العصر الجاهلي إلى المرضى وصاحب الاحتاجات الخاصة نظرة احتقار وازدراء، فهم كمّ مهمل وليس لوجودهم فائدة تذكر، يضاف إلى هذا الخوف المنتشر من مخالطة المرضى خوف العدوى.
وذكر القرطبي في تفسيره أن العرب كانت قبل البعثة المحمدية تتجنب الأكل مع أهل الأعذار، فبعضهم كان يفعل ذلك تقذراً من الأعمى والأعرج، ولرائحة المريض وعلاته.

تلك إذن كانت النظرة ، ولكن هل كان العرب وحدهم أصحاب هذه النظرة القاسية، والقلوب المتحجرة نحو المرضى؟ من الواجب أن نعترف بأن العرب لم يكونوا وحدهم أصحاب هذه العادات، بل لعلهم أخف وطأة من غيرهم فقد كانت إسبرطة تقضي بإعدام الأولاد الضعاف والمشوهين عقب ولادتهم، أو تركهم في القفار طعاماً للوحوش والطيور.

العصر الإسلامي:
جاء الإسلام ليصحح المسار الخاطئ للبشرية كلها، وليوضح لها الطريق الذي ينبغي أن تتبعه، واستطاع الرسول صلى الله عليه وسلم أن يزرع القيم الطيبة في النفوس، وأن يقتلع كل ما هو فاسد وقبيح، وتمكن المرضى في ظل التعاليم الإسلامية السمحة أن ينعموا بهدوء البال وراحة النفس، خاصة بعد أن فتح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الباب على مصراعيه أمام المرضى ليطلوا من خلاله على الحياة وتطل الحياة عليهم من خلاله .

فعندما قرّر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا عدوى ولا صفر ولا هامة، هدم الركن الأول الذي كانت حياة صاحب الاحتاجات الخاصة تتشكل عليه، ليس هو وحده بل المرضى عموماً لأن هذا الحديث النبوي الشريف كان إيذاناً للمجتمع بمخالطة المرضى دون خوف من العدوى وتشرئب أعناق المرضى وتسعد نفوسهم

ويأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيعطيهم جرعات متتالية فيها الشفاء من كل وساوسهم، ويجعلهم يخلعون مختارين الشرنقة الكالحة التي ألبسوها لأنفسهم إلباساً، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخفف من وقع المرض على المصاب: [ما من مُسلم يصيبه أذى، شوكة فما فوقه، إلا كفّر الله بها سيئاته وحطت عنه ذنوبه كما تحط الشجرة ورقها] . أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود.

وتتعدد الأحاديث الطيبة التي يقولها الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تعطي للمريض عامة الثقة في نفسه، وتمحو عنه دوامات الحزن والأسى كي يستطيع أن ينخرط في المجتمع وينغمس فيه، فالضعيف أمير الركب، وما دام الأمر كذلك فما حاجة المريض وصاحب الاحتاجات الخاصة إذن إلى التقوقع وهو إن خرج سيكون أميراً للركب، وسيتصدر القافلة، وفي هذه الأحاديث هدم للركن الثاني، وأعني به خوف صاحب الاحتاجات الخاصة من المجتمع.

عبد الله السيد شرف ( بتصرف يسير )

Post: #150
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 01:34 AM
Parent: #149

كيف تكون صديقًا لأولادك؟
للعلماء تعريفات طريفة للصداقة تدل على مدى أهميتها، يقول أبوهلال العسكري: «الصداقة: اتفاق الضمائر على المودة، فإذا أضمر كل واحد من الرجلين مودة صاحبه فصار باطنه فيها كظاهره سميا صديقين».

وقال أيضًا: «الصداقة قوة المودة، مأخوذة من الشيء الصدق، وهو الصلب القوي، وقال أبو علي- رحمه الله-: الصداقة: اتفاق القلوب على المودة».

فمحور الصداقة وما يقوم عليه هو المودة المتبادلة، وهي أمر غير متكلّف، لأنه أمر قلبي، فإن اكتفيتَ باللسان عن التعبير عن الصداقة فهي صداقة واهية لا تصمد أمام الأحداث.

والصديق هو من صدق المودة والنصيحة للصديق، فالصداقة ليست مودة فحسب، ولكنها مودة ونصيحة، فبالنصيحة تقوم العيوب التي قد توجد في الصديق، ولكنها نصيحة مغلفة بغلاف من المودة والرفق، وليست نصيحة غليظة جافية تنفِّر القلوب وتباعد بين الأبدان.
تربية الأبناء بين الإفراط والتفريط

تقع تربية الأبناء على الوالدين أولا، ثم على المربين والمؤدبين، وليست التربية أن تطعِم ولدك وتكسوه فقط، فالتربية أعظم من ذلك وأجلّ، يقول الإمام الغزالي: «الصبي أمانةٌ عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرةٌ نفيسة ساذجة، خاليةٌ عن كل نقشٍ وصورة، وهو قابل لكل ما نُقِش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلمٍ له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له».

أما الأب الذي يكدح في الدنيا وكل همّه أن يوفر لولده المأكل والمشرب الحسن، والملبس الجميل لا غير، مهملًا تربية ولده على الأخلاق الحميدة، فإن ولده يعتبر يتيمًا، وصدق أحمد شوقي حين قال:

ليس اليتيمُ من انتهى أبواه من همِّ الحياةِ وخلَّفاه ذليلًا
إن اليتيم هو الذي تلقى له أمًّا تخلَّت أو أبًا مشغولًا

وقد يقع من الآباء والمربين أثناء تربية أولادهم إفراط أو تفريط، فمثلًا يربي أحدهم ولده على الجبن، وذلك بكثرة تخويفه من الغيلان أو أمثالها، أو يقوم الآخر بتربية ولده على التهور، بل والاعتداء على الآخرين بدعوى أن تلك هي الشجاعة، والأمر على عكس ذلك.

أو يربي أحدهم ولده على الترفه والتنعم فلا يرد له طلبًا، ويقتّر الآخر على ولده أشد التقتير، حتى يشعر ولده بالنقص عن الآخرين.. أو يربي أحدهم ولده بالقسوة والشدة والغلظة، والآخر بالتساهل الشديد، والأمثلة على ذلك كثيرة.

ولكن التوسط في الأمور هو الصواب، فلا إفراط أو تفريط، وكما قيل: «خير الأمور أوساطها».

أثر صداقة الأبناء في التربية السليمة
كل مرحلة سنية لها ما يناسبها من مراحل التربية، وقد فطن لهذا عبدالملك بن مروان فقال: «لاعب ولدك سبعًا، وأدبه سبعًا، واستصحبه سبعًا، فإن أفلح فألق حبله على غاربه».

فآخر مرحلة من مراحل التربية هي الصحبة أو الصداقة، وتكون بعد أن كبر الولد ونما عقله، وأصبحت له شخصيته المستقلة التي يحاول إبرازها وإظهارها بين الناس، وتلك هي مرحلة المراهقة، وهي مرحلة حرجة وحساسة في حياة الأولاد، لأنه يكون متقلب المزاج، حاد الطباع، ويكون التمرد والعناد سمة ملازمة له، ففي هذه المرحلة لا يكون النصح والتوجيه بطريقة الأمر والإلزام؛ لأن الولد قد لا يستجيب، ولكن الصداقة هاهنا هي التي تحل المشكلة، وتجعلك قريبًا من ولدك، يُسِر إليك بمشاكله، يرجو أن يكون عندك الحل لها، فإنك إن لم تقترب منه آنذاك فإنه يبحث عمن يفضفض معه، ويتجاذب معه أطراف الحديث، وقد يكون من يفضي إليه ليس هو الاختيار المناسب، فتقع المشاكل وتزداد.
كيف تصبح صديقًا لابنك؟

يقول أبو الفضل الوليد:

أراني ضعيفًا في الصداقةِ والهوى إذا ضنَّ أحبابي أجودُ وأسمَح
وإن بعدوا عنّي دَنوتُ مُصافحًا وإن أذنبوا عمدًا فأعفو وأصفَح

لقد عرف هذا الشاعر مفاتيح الصداقة، فإن لكل شيء مفتاحًا ينفتح به، فإذا أخطأت المفتاح ظل الباب مغلقًا عليك، وإذا قسوت انكسر المفتاح أو الباب، وعندئذٍ تكون الخسارة، لأنه من الصعوبة أن يعود الأمر كما كان.

وقلنا: إن مرحلة الصداقة تكون في طور مرحلة المراهقة، وهي مرحلة التمييز لدى الأولاد التي يشعرون فيها بذواتهم، ويريدون أن يظهروا بين زملائهم بأحسن لباس وأجوده، فهنا على الوالد الصديق ألا يبخل على ولده، أو يظنه طفلًا فيختار له ما لا يرغب ولده فيه.. وهذه بعض الأمور التي نرى أنها تجعل الآباء أصدقاء لأولادهم :

1- اترك له مساحة من الحرية، فالطفل في مراحله المتقدمة مثلًا يلبس ما يُلبسه إياه أبواه، وما يشتريانه له، ولكن هاهنا اترك لولدك حرية الاختيار، مع التوجيه غير المباشر، إن وجدتَ سوءًا في الاختيار.

2- اجعل الحوار سمة الحديث بينكما، فالولد في هذه المرحلة يحتاج إلى من يتجاذب معه أطراف الحديث، فكن أنت أيها الوالد وأيتها الوالدة هذا الطرف، وابدأ أنت مع ولدك فكلّمه عن أخبارك وأحوالك، ومشاكلك في العمل، ورؤيتك للتعامل مع المستقبل، وكيفية تدبيرك للبيت، فلا تكن كأنك محقق مع ولدك، وتريد أن يكتب لك تقريرًا عن حياته ومشاكله، ولكن ببدئك بالحكاية تجد ولدك تلقائيًّا يبدأ في الحديث عن نفسه وعن مشاغله واهتماماته ومشاكله.

3- لا تسفّه آراءه.. فإذا تكلم ولدك معك فلا تسفه رأيه دائمًا، وتظهره دائمًا بمظهر من لا يفهم الأمور ولا يدركها، ولكن وضّح له الأمور، وأظهر له ما كان غافلًا عنه.

4- لا تهوّن من إمكاناته، فولدك في هذه المرحلة يمكن الاعتماد عليه إلى حدٍّ ما، فوسّد إليه بعض الأعمال، وشجعه على أدائها، ولكن لا تظهره بمظهر العاجز الذي لا يستطيع فعل شيء بدونك.

5- شجّعه على تصرفاته الحسنة، فالكلمة لها مفعول السحر، والكلمة الطيبة والثناء الحسن يدفعان ولدك لبذل ما في وسعه لأداء ما طُلب منه، والكلمة المحبطة تقعده عن العمل، وتسبب له جرحًا في نفسه قد لا تداويه الأيام، لذا وسّد له بعض الأفعال التي يقدر على فعلها، ثم شجعه إن أحسن، ولا تعنفه إن أخطأ.

6- إياك والضرب، يخطئ كثير من الآباء الذين لا يزالون يضربون أبناءهم في هذه المرحلة، فالطفل قد تضربه في صغره للتأديب، ثم إن أحسنت إليه وأرضيته نسي ما قد ضرب عليه، ولكن الضرب في هذه المرحلة يترك جرحًا غائرًا قد يدفع الولد للرد على أبيه بغلظة، أو يترك له البيت، أو يزداد في عناده فلا ينتهي عما أمره أبوه بالانتهاء عنه. ثم هل يضرب الصديق صديقه؟ فهذا غير معقول.

7- أشركه في قرارات البيت.. في تلك المرحلة حمّل ولدك المسؤولية، فمثلًا أشركه في قرارات البيت المصيرية كزواج أخته، فتسأله عن رأيه في المتقدم لخطبة أخته، أو تشركه في ميزانية البيت، فيعرف مقدار الدخل فيحاول أن يصرف على قدر الطاقة.

8- لا تحرجه أمام زملائه، فكثيرًا ما يخطئ الآباء بتجريح أبنائهم بالسب والشتم أو الضرب أمام زملائهم، وهذا يجعل الولد ساخطًا على أبيه أو أمه، وعليه.. إذا أخطأ ولدك فعاتبه بنظرة أو بكلمة أو ما شاكل ذلك فإنه يعي الأمر.

9- عامله كما تعامل أصحابه، من المفارقات العجيبة أن الآباء يكونون قريبين من أصحاب أبنائهم، فيشكُون إليهم ويفيضون في الحديث معهم، ويترفقون في الكلام معهم، على العكس مما يفعلون مع أبنائهم، لذا فإن ابنك أولى برفق الحديث ولينه من صاحبه.

مجلة الوعي العدد 560 \\\" بتصرف يسير \\\"

Post: #151
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 01:37 AM
Parent: #150

المصروف وأثره في تربية الطفل
من حق الطفل أن يحصل من والديه، أو ممن يعوله على مصروف مناسب، لمن هم في مثل سنه، والطفل الذي لا يعطى مصروفا، أو يعطى مصروفا أقل بكثير من متطلباته، قد يلجأ إلى أساليب غير مشروعة لتلبية رغباته، أو للظهور أمام أقرانه بالمظهر اللائق؛ ذلك لأن شعور الحرمان الذي يشعر به الطفل، شعور قاس، يحاول جاهدا أن يدفعه عن نفسه، فقد يلجأ مثلا إلى الكذب على زملائه؛ بغرض أن ينفي عن نفسه ما يشعر به من عوز وحاجة.

كما قد يلجأ إلى السرقة؛ لامتلاك أشياء ضرورية بالنسبة له، لكنه لا يستطيع الحصول عليها بالطريق الشرعي الصحيح؛ فمثلا الطفل الذي يهمل والداه في تلبية متطلباته المدرسية، قد يلجأ لسرقة بعض الأدوات من زملائه، كذلك إن لم يعط مصروفا مناسبا قد يلجأ لسرقة بعض (البسكوتات) مثلا من أقرانه، أو قد يلجأ إلى القسوة والعنف؛ للاستيلاء على حاجة الغير، إن كان له القدرة على ذلك، ووجد العوامل والظروف المناسبة، هذه الظروف والتي قد تختلف من بيئة لأخرى، وقد تساعد عليها عوامل خارج نطاق الأسرة، بعيدة عن الوالدين.

ومما يولد لدى الطفل الشعور بالحرمان، وجود هذا الطفل وسط مجموعة من الأطفال يختلفون عنه في الوسط الاجتماعي والاقتصادي، وعلى سبيل المثال الأب الذي يلحق ابنه بإحدى المدارس الخاصة المرتفعة المصاريف، ثم هو يدفع مصاريف المدرسة بالكاد، ومستواه المادي لا يرقى لمستوى أولياء أمور من هم في مثل هذه المدرسة، هذا الأب بالتأكيد لن يعطي ابنه المصروف المناسب، والذي يحصل عليه أقرانه، ومن ثم سيشعر الطفل بالفرق الواضح، والتباين الكبير بينه وبين أقرانه، فلا هو يستطيع تقليدهم أو مجاراتهم في سلوكيات الإنفاق، ولا يستطيع أن ينقطع عن التعامل معهم، وسيشعر بمدى حاجته بالمقارنة بزملائه.

إن وجود الطفل في محيط طلابي قريب من مستواه يساعد على نشأته نشأة صحية سليمة، بعيدا عن المشاعر السلبية التي تؤثر على نفسيته بالسلب، وتصيبه ببعض المشكلات النفسية، والتي قد لا يدركها الوالدان، لكن قد تظهر آثار هذه المشكلات في أمور أخرى، كالتأخر الدراسي مثلا أو الميل إلى العدوان والتخريب، أو إكثار المشاغبة داخل الفصل المدرسي، أو غير ذلك من المشكلات، والتي قد يعجز المعلم والوالد عن علاجها، وهي في الأصل ليست إلا أعراضا لمشكلات نفسية بداخل الطفل، تحتاج إلى الغوص في أعماق الطفل للبحث عنها وعلاجها، وقد يكون سببها الوالد؛ لأنه دفع طفله للعيش في محيط مرتفع كثيرا من الناحية المادية عن محيط ومستوى طفله؛ فالتقارب في المستوى المادي بين الزملاء مطلوب خصوصا في المراحل الأولى للطفل، والتي لا يدرك فيها الطفل كثيرا من المعاني اللازمة؛ لكي يستوعب مثل هذه الأمور.

إن كثيرا من المدارس في المراحل الأولى تفرض على تلاميذها زيا واحدا؛ حتى يبدو المظهر الخارجي واحدا، وحتى لا يمثل التباين فيه نوعا من التميز بين التلاميذ وبعضهم البعض؛ إلا أن المظهر الخارجي ليس إلا أحد العوامل التي تشعر بالتميز، بيد أن هناك عوامل أخرى قد توحي بهذا الأمر، مثل الفارق الهائل في المصروف المعطى لأحد الطلاب في هذه المرحلة عن بقية زملائه، وهذا ما ننبه عليه، بأن يؤخذ في الحسبان، من قبل ولي الأمر؛ لأن هذا الأمر لن تستطيع المدرسة التحكم فيه، وليس من سلطاتها، وهو أمر نسبي، ولكن كل والد يعرف ما يحتاجه بالضبط ابنه، وما يحتاجه من هم في مثل سنه، وليحذر الأب من البخل والشح على ولده؛ فإن عاقبته وخيمة.

المصروف الزائد عن الحد:
وكما أن المصروف القليل الذي لا يكاد يفي بحاجات الطفل، يعد دافعا له نحو السلوك المنحرف؛ فإنه وبنفس الدرجة يمثل إعطاء الطفل مصروفا زائدا عن الحد أحد أهم عوامل الانحراف السلوكي للطفل.

إن إعطاء الطفل مصروفا زائدا بدرجة كبيرة يعوده الإسراف، واللامبالاة، وعدم تقدير أهمية المال، أو تقدير قيمته، كما يشعره بالتميز الكبير عن زملائه، ويولد لديه إحساسا بالتباين والفرق الواضح، مما يدفعه لسلوكيات سلبية، تجعله يشعر بالزهو والافتخار، وكل هذه الأمور ليست في مصلحته، وإن كبرت معه، فسوف نجد شخصيته غير سوية، شخصية إن عصمتها الظروف من الانحراف، فستكون شخصيته على الأقل غير محبوبة من المحيطين؛ لأن الناس غالبا لا تحب الشخص المتكبر، ولا المتعالي عليهم، هذا فضلا عن أن التكبر في حد ذاته عائق كبير للشخص في طريق حصوله على العلم وغيره من القيم العليا والمثل.

ويكفي أن الكبر أحد الذنوب التي يستحق صاحبها دخول النار والعياذ بالله، وإن سلم هذا الشخص من الكبر وغيره من هذه المشاعر السلبية الناتجة من إحساسه بالتميز؛ لحصوله على مصروف زائد جدا عن حاجته، وإن سلم من الإسراف، فلن يسلم من أصدقاء السوء الذين سيجدون طريقهم إلى الطفل سهلا؛ لإيجاد الطريق لإنفاق ما معه من المال، فيتعلم الطفل ومن سن مبكرة التدخين ـ خصوصا إذا كان أبوه من المدخنين- فمصروفه سوف يساعده على ذلك، وأصدقاء السوء سوف يرشدونه لما هو أسوأ، ومع كبر سن الطفل وتعرفه على الحياة أكثر، سيعرف طريق الانحراف ويدخله من أوسع أبوابه؛ لأن ما معه من مال، سيساعده وييسر له أدواته.

ولقد وجد أن أكثر المدخنين تعرفوا على التدخين في سن مبكرة، وأن مدمني المخدرات من الشباب كانت السمة المميزة لهم أنهم كانوا يحصلون على مصروف زائد عن حاجتهم بالمقارنة بمن هم في مثل سنهم من الطلاب.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب: "احتياطات حتى لا ينحرف الأبناء"

Post: #152
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 01:39 AM
Parent: #151

لتنشئة طفلك بمهارات قيادية فعالة
ينشأ القادة متأثرين على نحو كبير بكلمات وأفعال ذويهم، فكل ما نقوله و نفعله يؤثر في أطفالنا،فيحاكون تصرفاتنا لأننا مثلهم الأعلى في العلاقات والتفاعل الإنساني.

ونحن نرشد أطفالنا بأن نريهم كيف يعيشون في هذا العالم مع ما يواجهونه من تحديات ومايقع عليهم من مسؤوليات باعتدال واسترخاء أكثر، كما نبيِّن لهم طرق التعامل مع الغير والتفكير الإيجابي، والعدل، والتعاون، وإدارة الوقت وأعمال الحياة اليومية مثل الأمور الشخصية والمطالب المدرسية، ونساعدهم على التفاعل الإنساني والتقدم في الحياة.

ويمكننا أن نرى كيف يمكن بسهولة أن يكبر الأطفال دون أن يكونوا قادة أو منتجين نتيجة للأمثلة التي أوردتها سابقًا.
فهناك آباء يعظون أبناءهم بمشاجرتهم ويبثون الطاقة السلبية فيما بينهم يوميًا ، وهناك أشخاص يكرهون ويخلقون الكراهية في نفوس أطفالهم وينزعون منها العدل والمساواة.

وهناك آباء لا يملكون وقتًا لأبنائهم ، أويشعرونهم بغيابهم عاطفيًا أو جسديًا نتيجة لمشاكلهم الخاصة.

لا شك أن هؤلاء الأبناء يعانون من مشاكل عديدة مالم يجدوا في حياتهم قائدًا آخر أو قدوة أكثر إيجابية ومن الممكن حدوث ذلك، بل دائمًا ما يحدث؛ فكيف إذن تنشئ قائدًا؟ إليك هذه العشرة خطوات البسيطة:

1- القيادة بالقدوة تذكر أنك لست دائمًا المثل الأعلى لأنك بشر لكن اعترف بأخطائك ولا تغفل أبدًا عن مسؤوليتك.

2- تول المسؤولية تجاه أمور حياتك ودع طفلك يشاهدك تقوم بذلك ، اعمل بجد وحدد لنفسك أهدافًا ثم اتبعها وشجع طفلك على أن يعرف أهدافه ثم ساعده على الوصول إليها.|

3- ادعم النشاطات التي يحبها طفلك وأظهر له الفخر لمعرفته القيام بأي عمل. واطلب منه أن يعلمك أمورًا يعرفها ولا تعرفها أنت .....

4- شجعه على أن يدلي بدلوه واسأله عن رأيه في حدث جديد أو موضوع للنقاش ودعه يعبر عن وجهة نظره حتى لو كانت مخالفة لك.

5- كلفه بمشروع أو مهمة ليقوم بها فذلك يمنحه شعورًا بالرضا عن نفسه لما حققه من إنجاز ويمكنه على سبيل المثال أن يتعلم طهو حساء للغداء أو تنظيف ناحية من المنزل أو ترتيب إحدى الغرف كما يريد ، ولا تنس الثناء على مابذله من جهد.

6- دعه يتخذ قرارات حول ما يكون على وجبة الغداء و مايود القيام به في نهاية الأسبوع وأين يريد أن يقضي العطلة.

7- أظهر له كيف تتولى المسؤولية حيال ظروفك فإن شعرت بالملل فإنك تجد لنفسك عملاً تشغل به وقتك وإن ضاق عنك المال فإنك تتصرف لحل تلك المشكلة أي أنك لا تسمح للظروف أن تربكك أو تتركك عاجزًا.

8- علم طفلك كيف يفكر بإيجابية وعلمه أيضًا كيف يمكن أن يكون التفكير سلبيًا وكيف يقوم مباشرة بإدخال الأفكار الإيجابية إلى عقله وهذه مهارة سيتعلمها ويحتاجها على الدوام.

9- أظهر له الصبر و الجرأة والشجاعة في حياتك الخاصة.

10- شجع الحرية في نفسه ليكون كما هو ويعبر عن ذاته كما هي ويسمح للآخرين بالمثل مالم يعرض ذلك أحداً للأذى.

تذكر أنك بحاجة لتعليم طفلك ما تريده أن يكون عليه من خلال ضربك مثلاً حيًا له بأقوالك وأفعالك.

لذا يجب أن تكون على وعي دائم بتصرفاتك مادمت تريد صنع قائد ، ولتكن أنت القائد في عالم طفلك الخاص أو في العالم عمومًا. وعلى الرغم من أننا في أحايين كثيرة قد نصدر أقوالاً أو أفعالاً خاطئة أو نقوم بأمور لا معنى لها، إلا أننا مع الحفاظ على وعينا بالكلمات والأفعال الأكثر تأثيرًا سنمنح أطفالنا فرصة للنجاح في هذا العالم الصعب.

مجلة المعرفة ( العدد 202 )


Post: #153
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 11:59 AM
Parent: #152

أدت وسائط الاتصال والإعلام بالفرد العربي إلى أن يعيش في بيئة جديدة تزخر بمتغيراتجديدة تختلف عما عاشه أجدادنا وآباؤنا في الماضي، سواء في العادات والتقاليد وأنماطالمعيشة أو في طرق التربية والحوار وغيرها من السلوكيات الجديدة التي جاءت بها هذهالوسائط الحديثة.

والملاحظ لواقعنا يدرك أن هذه التكنولوجيا في تطور سريع جدا، لا تعبأ بانتقاداتنا وتفنيدنا لسلبياتها ومخاطرها، كما أنها لا تقيم وزنا لما هو موجود من قيم وعادات وأنماط وتقاليد وثقافات وطقوس سائدة في المجتمعات الإسلامية والعربية بالخصوص، كما أن الفرد العربي أصبح عبدا لها، خاضعا لكل ما جاءت به من عادات وأنماط جديدة تحت شعار "الانفتاح على الآخر" أو "العصرنة والتقدم"، حيث أصبح الفرد المسلم يعيش في عالم مفتوح بدون رقيب ولا حسيب لما يحدث فيه، معرّضا لكل ما هو صالح وطالح في الوقت نفسه، مما يبث عبر هذه الوسائط الاتصالية والإعلامية الحديثة، مما جعله يعيش حالة من الاغتراب والعزلة داخل مجتمعه وأسرته، حيث أصبح لا يـدرك ولا يفرق بين عالمه المعـيش والعالم الـذي تصوره له هـذه الوسائط الإعلامية، مما ولّد لدى الفرد المسلم حالة من الإحباط والقلق والقنوط من واقعه المعيش.
لقد غيرت تكنولوجيا الاتصال والإعلام الحديثة البيئة التي يعيش فيها أولادنا عن تلك التي عشنا نحن فيها، فإذا كانت هذه الوسائل غيرت من أسلوب حياتنا وانتقالنا ووقت فراغنا وعلاقاتنا مع الأسرة والأصدقاء، فكيف ستكون الأجيال الجديدة التي ستعيش في بيئة من الوسائط المعلوماتية الأكثر تطورا بما لا يقاس بحاضرنا، وماذا سيحدث للخصوصيات والهويات المميزة بالصيغة التي نفكر فيها اليوم؟
خطر وسائط الاتصال
ينطوي الخوف من عواقب ثورة المعلومات والاتصال الحديثة على تيار عاطفي خفي وقوي يتمسك بثقافة وقيم ومفاهيم أخذت قاعدتها الاجتماعية والمادية والتربوية تتزعزع، وغدا للعيان أنها اليوم مهددة تحت وطأة قوى التكنولوجيا والمعلوماتية التي تلح علينا بالانفتاح بالمعرفة والصورة والصوت، وإذا كنا قد تغيرنا عن آبائنا دون ضجة كالحاصلة اليوم، فهل يمكن أن نتوقع غير ذلك بصدد أولادنا؟ إن الاحتمال الأكبر هو أن التغيير سيحصل عاجلا أو آجلا، وقد دهشنا بالتليفزيون وتخوفنا من آثاره على حياتنا لأول مرة، وتغيرنا رغم النقد والتردد فليس هناك ما يدعونا لاعتقاد غير ذلك بصدد هذه الثورة الاتصالية والإعلامية الحديثة الحاصلة اليوم.
يعيش أولادنا في بيئة مختلفة تماما، تعج بالحواسيب والشاشات الذهبية والفضية والمعلومات والبث الفضائي المباشر، والشبكات العنكبوتية والهواتف المحمولة وغيرها من الوسائط المختلفة، وسيتغيرون وتتغير قيمهم دون شك .
إن الفضائيات الوافدة إلينا عبر الأقمار الصناعية المختلفة والتي تلج إلى بيوتنا دون طلب الإذن منا، سلبت قيم أطفالنا وشبابنا ونحن نتفرج عليها دون أن نحرك ساكنا، بدواعي التحضر والانفتاح على ثقافات الآخرين، ومن دون أن نقوم بتوجيه وإرشاد أطفالنا وشبابنا فيما يختارونه من أفلام ومسلسلات وأخبار وأفلام كارتونية تناسب مرحلة نموهم وأيضا مراعاة البيئة التي يعيشون فيها، كما أننا أصبحنا غير مهتمين كأولياء أمور بالحوار مع أبنائنا في العديد من القضايا التي أصبحت تشكل هاجسا داخل الأسرة العربية، والتي أصبح الحديث فيها مع الأبناء من الممنوعات، مثل العلاقات الجنسية والزواج، والصداقة والتعارف والحب وتبادل المعلومات، وهذا ما يدفع بالأطفال والشباب خلال مراحل نموهم لمعرفة هذه المسائل إلى اللجوء لوسائط الاتصال والإعلام المختلفة، وذلك من أجل إشباع رغباتهم وحاجاتهم، وخاصة في مرحلة المراهقة التي يميل فيها الشباب إلى محاولة اكتشاف ومعرفة العديد من القضايا المرتبطة بشخصيتهم ومراحل نموهم.
إن القنوات الفضائية وشبكة الانترنت وغيرهما من الوسائط الحديثة الوافدة إلينا قد أثرت على القيم التربوية بتغيير وتبديل مناهج التربية القديمة المحافظة إلى مذاهب ومناهج متحررة جدا تناسب عصر العولمة، وجعلت من الذاتية بديلا عن كل قيم الضمير، وصبغت القيم الاجتماعية بتغليب مبدأ التحرر والحرية والانفتاح غير المدروس.
تراجع دور المؤسسات الاجتماعية
ولو عدنا إلى عقود سابقة لرأينا أن الأسرة والمدرسة والمسجد، لعبت الدور الأكبر في تكوين مدارك الإنسان وثقافته وتشكيل منظومة القيم التي يتمسك بها وما يفرزه ذلك من عادات وتقاليد في السلوك، أما اليوم فإن هذا الدور انتقل بشكل كبير جدا إلى التلفاز والإنترنت وألعاب الفيديو والكمبيوتر والهواتف المحمولة والإذاعة والسينما، لقد انتقل دور الإسهام في بناء معارف الإنسان وثقافته من وسط بشري ملتزم بقيم محددة إلى وسط "تكنو-اتصالي" لا يقيم وزنا لهذه القيم، بعد الأسرة كان الخروج من المنزل والتفاعل مع المحيط المباشر أساسا للمعرفة والتعلم واكتساب الخبرات وبناء الذات وتنميتها وتطورها، أما اليوم فإن البقاء في المنزل أمام التلفاز وعلى الانترنت يتيح مدى أكبر للمعرفة والتعلم وسعة الإطلاع، لقد باتت خبرات المنزل أوسع من خبرات الشارع أو المدرسة أو المدينة في ضوء ما يتوافد إلينا من مضامين تحملها تكنولوجيا الاتصال الحديثة.
كيفية العلاج
ولأجل حماية قيمنا يجب اتباع الآتي:
- التعليم المكثف للأبناء لكيفية استخدام وسائط الاتصال والمعرفة الحديثة، وعدم ترك مجال الجهل بأي منها.
- إنشاء مؤسسات مجتمع مدني ضاغطة (أسرية، نسائية، شبابية،...إلخ) تحاكم أداء الإعلام المحلي والعربي وموزعي الكابل.
- تحديد نسبة المواد الأجنبية في وسائلنا الإعلامية، ولا يعني ذلك المقاطعة الكاملة لكل ما هو أجنبي، بل الواجب اختيار المواد المناسبة التي لا تتعارض مع قيمنا ومبادئنا.
- نشر ثقافة النقد والحوار لدى الأسرة من أجل القدرة على محاكمة الأمور وتمحيصها، ورفض التلقي السهل والتسليم السطحي بالأمور للحد من التأثير الضار لمضامين الرسائل الإعلامية السلبية.
- التأكيد على دور الأسرة التربوي، بحيث تعد الأسرة هي الحاضنة الأولى لقيم وثقافة الأفراد والمجتمع.
- التوعية الجنسية السليمة، فيقوم الآباء بتوجيه أبنائهم- خاصة المراهقين والشباب- بالتمسك بالقيم الدينية المستمدة من المبادئ الإسلامية.
- التوعية الاستهلاكية السليمة للأبناء، فالأسرة تساهم بدور فعال في توجيه أبنائها وتربيتهم على أنماط وعادات استهلاكية تتماشى مع الطبيعة العربية والإسلامية التي تدعو أبناءها إلى ترشيد الاستهلاك وعدم الإسراف أو التبذير .
- إعادة النظر في المناهج التعليمية وتحديثها بصورة مستمرة، بأن تكون قادرة على منح الطالب- خلال مراحل التعليم المتعددة- القدر المناسب من المعارف والقيم التي تؤهله لخوض معترك الحياة العملية بعد ذلك والقيام بدوره في الحياة على أكمل وجه، والاهتمام باللغة العربية.
محمد الفتاح حمدي

Post: #154
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 12:14 PM
Parent: #153

لقد رفع الإسلام مكانة المرأة، وأكرمها بما لم يكرمها به دين سواه؛ فالنساء في الإسلام شقائق الرجال،وخير الناس خيرهم لأهله؛ فالمسلمة في طفولتها قرة العين، وثمرة الفؤاد لوالديها وإخوانها. وإذا كبرت فهي المعززة المكرمة، التي يغار عليها وليها، ويحوطها برعايته، فلا يرضى أن تمتد إليها أيد بسوء، ولا ألسنة بأذى، ولا أعين بخيانة. وقال(صلى الله عليه واله وسلم): "لا يكون لأحد ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو بنتان، أو أختان، فيتقي الله فيهن، ويحسن إليهن إلا دخل الجنة"

وإذا تزوجت كان ذلك بكلمة الله، وميثاقه الغليظ؛ فتكون في بيت الزوج بأعز جوار، وأمنع ذمار، وواجب على زوجها إكرامها، والإحسان إليها، وكف الأذى عنها.

وإذا كانت أماً كان برُّها مقروناً بحق الله-تعالى-وعقوقها والإساءة إليها مقروناً بالشرك بالله، والفساد في الأرض. قال-عز وجل-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً (23) وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً (24)) الإسراء.
-جاء رجل إلى النبي-صلى الله عليه واله وسلم-فقال: "يا رسول الله من أولى الناس بحسن صحابتي؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال ثم من؟ قال: أبوك".
وإذا كانت أختاً فهي التي أُمر المسلم بصلتها، وإكرامها، والغيرة عليها.
وإذا كانت خالة كانت بمنزلة الأم في البر والصلة.

وإذا كانت جدة، أو كبيرة في السن زادت قيمتها لدى أولادها، وأحفادها، وجميع أقاربها؛ فلا يكاد يرد لها طلب، ولا يُسَفَّه لها رأي. وإذا كانت بعيدة عن الإنسان لا يدنيها قرابة أو جوار كان له حق الإسلام العام من كف الأذى، وغض البصر ونحو ذلك.
وما زالت مجتمعات المسلمين ترعى هذه الحقوق حق الرعاية، مما جعل للمرأة قيمة واعتباراً لا يوجد لها عند المجتمعات غير المسلمة.
بل إن لها ما للرجال إلا بما تختص به من دون الرجال، قال عز وجل: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (228)) البقرة.

ومن إكرام الإسلام للمرأة أن أمرها بما يصونها، ويحفظ كرامتها، ويحميها من الألسنة البذيئة، والأعين الغادرة، والأيدي الباطشة؛ فأمرها بالحجاب والستر، والبعد عن التبرج، وعن الاختلاط بالرجال الأجانب، وعن كل ما يؤدي إلى فتنتها.

ومن إكرام الإسلام لها: أن أمر الزوج بالإنفاق عليها، وإحسان معاشرتها، والحذر من ظلمها، والإساءة إليها.
وأباح للزوجة أن تفارق الزوج إذا كان ظالماً لها ؛ لأنها إنسان مكرم داخل في قوله-تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)) الإسراء.
وليس حسن المعاشرة أمراً اختيارياً متروكاً للزوج إن شاء فعله وإن شاء تركه، بل هو تكليف واجب.

......وما ندري من الذي أهان المرأة ؟ أهو ربّها الرحيم الكريم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير؟ قال عز وجل: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً(35)) الأحزاب.
أم هؤلاء الذين يريدونها سلعة تمتهن وتهان، فإذا انتهت مدة صلاحيتها ضربوا بها وجه الثرى؟

هذه هي منزلة المرأة في الإسلام؛ فأين النظم الأرضية من نظم الإسلام العادلة السماوية، فالنظم الأرضية لا ترعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق.
وأين إكرامُ الإسلام للمرأة، وجَعْلُها إنساناً مكرماً من الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً؟.
وأين إكرام الإسلام للمرأة ممن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات؟.

وأين إكرام الإسلام لها من الأنظمة التي تعد الزواج صفقة مبايعة تنتقل فيه الزوجة؛ لتكون إحدى ممتلكات الزوج؟ حتى إن بعض مجامعهم انعقدت؛ لتنظر في حقيقة المرأة وروحها أهي من البشر أو لا؟ !.
وهكذا نرى أن المرأة المسلمة تسعد في دنياها مع أسرتها وفي كنف والديها، ورعاية زوجها، وبر أبنائها سواء في حال طفولتها، أو شبابها، أو هرمها، وفي حال فقرها أو غناها، أو صحتها أو مرضها.
وإن كان هناك من تقصير في حق المرأة في بعض بلاد المسلمين أو من بعض المنتسبين إلى الإسلام-فإنما هو بسبب القصور والجهل، والبُعد عن تطبيق شرائع الدين، والوزر في ذلك على من أخطأ والدين براء من تبعة تلك النقائص ، وعلاج ذلك الخطأ إنما يكون بالرجوع إلى هداية الإسلام وتعاليمه؛ لعلاج الخطأ.

هذه هي منزلة المرأة في الإسلام على سبيل الإجمال: عفة، وصيانة، ومودة، ورحمة، ورعاية، إلى غير ذلك من المعاني الجميلة السامية.
أما الحضارة المعاصرة فلا تكاد تعرف شيئاً من تلك المعاني، وإنما تنظر للمرأة نظرة مادية بحتة، فترى أن حجابها وعفتها تخلف ورجعية، وأنها لابد أن تكون دمية يعبث بها كل ساقط؛ فذلك سر السعادة عندهم.
وما علموا أن تبرج المرأة وتهتكها هو سبب شقائها وعذابها. وإلا فما علاقة التطور والتعليم بالتبرج والاختلاط وإظهار المفاتن، وإبداء الزينة، وكشف الصدور، والأفخاذ، وما هو أشد؟ !.
وهل من وسائل التعليم والثقافة ارتداء الملابس الضيقة والشفافة والقصيرة؟ !.
ثم أي كرامة حين توضع صور الحسناوات في الإعلانات والدعايات؟ !
ولماذا لا تروج عندهم إلا الحسناء الجميلة، فإذا استنفذت السنوات جمالها وزينتها أهملت ورميت كأي آلة انتهت مدة صلاحيتها؟ !.
وما نصيب قليلة الجمال من هذه الحضارة؟ وما نصيب الأم المسنة، والجدة، والعجوز؟.
إن نصيبها في أحسن الأحوال يكون في الملاجىء، ودور العجزة والمسنين؛ حيث لا تُزار ولا يُسأل عنها.
وقد يكون لها نصيب من راتب تقاعد، أو نحوه، فتأكل منه حتى تموت؛ فلا رحم هناك، ولا صلة، ولا ولي حميم.
أما المرأة في الإسلام فكلما تقدم السن بها زاد احترامها، وعظم حقها، وتنافس أولادها وأقاربها على برها-كما سبق-لأنها أدَّت ما عليها، وبقي الذي لها عند أبنائها، وأحفادها، وأهلها، ومجتمعها.
الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد ( بتصرف )

Post: #155
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 12:16 PM
Parent: #154

أخطار تهدد كيان الأسرة
حين نتجول في أسر السلف الصالح تتلألأ هذه النماذج.

يقول القاسم بن راشد الشيباني: "كان رفعة بن صالح نازلا عندنا، وكان له أهل وبنات، وكان يقوم فيصلي ليلا طويلا، فإن كان السحر نادى بأعلى صوته..قال: فيتواثبون: من هنا باك، ومن هاهنا داع، ومن ها هنا قاري،ومن هاهنا متوضيء، فإذا طلع الفحر نادى بأعلى صوته: عند الصباح يحمد القوم السرى".

وانتبهت امرأة حبيب العجمي بن محمد ليلة وهو نائم، فنبهته في السحر وقالت له: "قم يا رجل، فقد ذهب الليل وجاء النهار، وبين يديك طريق بعيد وزاد قليل، وقوافل الصالحين قد سارت ونحن قد بقينا".

وكان للحسن بن صالح جارية فباعها من قومن فلما كان جوف الليل قامت الجارية فقالت: يا أهل الدار الصلاة، فقالوا: أصبحنا؟ أطلع الفجر؟ فقالت: وما تصلون إلا المكتوبة؟ قالوا: نعم، فرجعت إلى الحسن فقالت: يا مولاي، بعتني من قوم لا يصلون إلا المكتوبة، ردني، فردها.

وعن إبراهيم بن وكيع قال: "كان أبي يصلي فلا يبقى في دارنا أحد يصلي إلا صلى، حتى جارية لنا سوداء".

وعن ابن عثمان النهدي قال: "كان أبو هريرة- رضي الله عنه- وامرأته وخادمه يتعقبون الليل أثلاثا، يصلي هذا، ثم يوقظ هذا، ويصلي هذان ثم يوقظ هذا".

هذه الأسر بمنهجها هذا، تمثل قلعة من قلاع الدين، إنها أسر مؤمنة في سيرتها، متماسكة من داخلها، حصينة في ذاتها، مثلها الأعلى أسوة وقدوة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أسر قائمة على الاستمساك بشرع الله المطهر، الصدق والإخلاص، والحب والتعاون، والاستقامة والتسامح، والخلق الزكي.

والحديث عن الأسرة له أهميته، فهي حجر الزاوية في بناء المجتمع، والقاعدة التي يقوم عليها بناء الأمة، ألا ترى أولئك النابغين من التابعين كيف ملؤوا التاريخ بطولة ومثلا وقيما؟

لقد كانت الأسرة في حياتهم تمثل أهم عناصر النبوغ، وزرع الهمة العالية منذ نعومة أظفارهم، وهذا ما قد يفسر لنا سر اتصال سلسلة النابغين من أبناء أسر معينة كآل تيمية مثلا.

وهل كان يمكن لأمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أن يقوم بواجبه في تجديد الدين، ويتهيأ له، لولا البيئة الصالحة والأسرة الكريمة التي وجهته إلى المعالي، وبذرت الهمة العالية في قلبه منذ الطفولة.؟

لهذا عني الإسلام ببناء الأسرة وأحكامها من بدء الخطبة إلى عقد الزواج، وبين واجبات الزوجين، والأبناء، والأقربين، شرع النفقات، والطلاق، والميراث، أحاط الأسرة بالرعاية والحماية، وأمن لها الاستقرار والمودة، خطب المغيرة بن شعبة امرأة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما » [رواه الترمذي]. أي أجدر أن تتآلفها، وتجتمعا وتتفقا.

لحفظ الأسرة بين الإسلام أسباب الألفة، ووسائل حسن المعاشرة، شيد صرح المحبة بين أفرادها بتأسيس حقوق معلومة.

حذر الإسلام من هدم الأسرة، وحث على تماسكها، ونفر من زعزعة أركانها، وانفصام عراها.

وإذا اشتدت الأزمات، شرع الطلاق في أجواء هادئة، بمعزل عن أحوال الغضب الهوجاء.

واعتبر إيقاع الطلاق الثلاث دفعة واحدة سلوكا طائشا ولعبا بكتاب الله - عز وجل -.

إن الكيان الأسري ليس امرأة فقط ، وليس رجلا أيضا، إنما هو كيان متكامل، للمرأة وظيفة أنثوية، وللرجل وظيفته المكملة، ولو تعاضدا وتشاورا وأدى كل منهما رسالته في التربية والبناء لما أصيب السواد الأعظم من الأسر بالخور، والفشل، والضعف، والهلاك.

وإنك لتحزن لذلك الدفق الهائل من السموم عبر "الفضائيات" لمسخ الأسرة المسلمة، وهدم نظامها بالدعوة إلى تحرير المرأة والتمرد على قوامة الرجل، ورفض بل نزع الحجاب، والنكوص على الأعقاب بتزيين العري والاختلاط ، ومحاربة القيم، وتعدد الزوجات، ناهيك عن الدعوة إلى تأخير الزواج،، حيث يصورونه أغلالا، وقيودا تكبل الحرية، وتحجز عن الانطلاق، ثم لوثوا العقول، وأفسدوا القلوب بعلاقات مشينة سموها صداقة، وزمالة، ومخادنة!..

ومما يؤسف له أن هذه الأسر المغزوة من قبل أعدائها، مهددة من قبل أصحابها المسؤولين عنها.

حين تنشأ الأسرة على قاعدة هشة من الجهل بمقاصد الزواج السامية، والحقوق الشرعية المتبادلة، وفن التعامل، بحيث يكون الزوجان لم يهيآ ويتهيأ لتحمل مسؤولية الحياة وتبعاتها، وجد العيش وتكاليفه، فيكون السقوط السريع والمريع عند أول عقبة في دروب الحياة.

ذلك أنهم يظنون أنها حياة تمتع دائم لا ينقطع، وسرور لا ينغص، وبهجة لا تنطفىء، مع أحلام وردية، وأمان ساحرة.

لهذا ترى هذا السيل الجارف المحزن من حالات الطلاق بلا أسباب مقنعة أو خلافات جوهرية، بل تذهل لسماع قذائف من ألفاظ تحمل في طياتها طلاقا بائنا، لا تراعي فيه ضوابط الشرع، وهكذا يكسر هذا الكيان الصغير الجميل، والبيت الذي كانت تظلله سحائب المحبة والوئام، يكسر بمعاول الجهل والغرور، والمكابرة والعناد وهوج التفكير، وخطله.

وما أفظعها من خاتمة مروعة موجعة، هي قرة عين الشيطان، فعن جابر- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « إن إبليس يضع عرشه على الماء، ثم يبعث سراياه، فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة، يجي أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئا قال: ثم يجي أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه، ويقول: نعم أنت، فيلتزمه » [أخرجه مسلم].

والشيطان حين يفلح في فك روابط الأسرة، لا يهدم بيتا واحدا، ولا يضع شرا محدودا، إنما يوقع الأمة جمعاء في شر بعيد المدى، ذلك أن الأمة التي يقوم بناؤها على لبنات ضعيفة، من أسر مخلخلة وأفراد مشردين، وأبناء يتامى لن تحقق نصرا، ولن تبلغ عزا، بل تتداعى عليها الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعة الطعام.

أيها الأزواج:
إن شراب الحياة الهنيئة قد يتخلله رشفات مرة، والحياة الأسرية لا تخلو من مكدرات ومتاعب، ثم لا تلبث أن تنقشع غيومها، وتتذلل عقباتها ويذوب جليدها بالصبر والحكمة، وضبط النفس، والفطنة، فمن من البشر لا يخطىء؟ من من الناس بلا عيوب؟ ومن منهم لا يغضب أو يجهل؟

وما أعقل وأحكم أبا الدرداء- رضي الله عنه- وهو يخاطب زوجته: "إذا رأيتني غاضبا فرضيني، وإذا رأيتك غضبى رضيتك، وإلا لم نصطحب".

ومن الأخطار المحيطة بالأسرة تأرجح مفهوم القوامة بين الإفراط والتفريط ، فهي عند فريق من الناس قسوة من الزوج تنتشر في أرجاء الدار، وعواصف من الرهبة والفزع، وعبوس لا استعطاف معه ولا حوار، في جو قهري يتمثل في التنفيذ دون مناقشة ولا تردد، وهي عند فريق آخر تتمثل في ميوعة يفقد البيت فيها قوامة الرجل، وفي فوضى مروعة في إدارة شؤون الأسرة.

والأدهى أن يكون رب الأسرة حاضرا جسدا مفقودا تربية وقيادة، فتشق سفينة الأسرة طريقها في الحياة، فتتمايل بها الأهواء، وتتجاذبها العواصف دون أن يكون لها قائد يضبط حركتها، وقيم يوجه سيرها.

إن قيم الأسرة حاضر جسدا ومادة، لكنه غائب إصلاحا وتوجيها، إنه لا يتأخر في سبيل شهواته وملذاته، لكنه يغفل عن متطلبات التربية والبناء.

لقد سلم دفة قيادة الأسرة لجلساء وأصدقاء، قد تكون أحوالهم مجهولة، ولتلك الشاشة الفضية التي تغرس بفضائياتها مبادىء الرذيلة، والانحراف، وتهدم أخلاق الأسرة، وقيمها الإسلامية.

وقد تتشرب الأسرة مع الزمن تلك المبادىء الهزيلة، ثم لا تلبث أن تسير في ركابها فتحاكيها فكرا، وتسايرها خلقا، وتقلدها لباسا، فتكون العاقبة ندما، والثمرة مكروها.

قيم الأسرة
أين قيم الأسرة؟ أين قائدها؟ إنه في الصباح يكد في عمله، وفي الظهيرة مستلق على فراشه، ثم ينطلق مساء في لهو أو دنيا، ولا يعود إلا مكدود الجسم، مهدود الفكر، وبهذا يفقد القدرة على تربية الأولاد، ويزداد الخطب حين تخرج المرأة للعمل، فيصبح البيت حديقة مهجورة، على بعض أشجارها طيور يتيمة محرومة من الأب والأم، وأصبحت بعض البيوت محطة استراحة للزوجين، أما الأبناء فعلاقتهم بالآباء علاقة حسن الجواز.

القوامة الفعالة
إن القوامة تعني القدوة في الإيمان والاستقامة.

إن القوامة ليست مجرد توفير طعام وشراب، وملبس ومسكن، إنها مسؤولية الإضطلاع بشؤون أسرة كاملة، تبدأ من الإهتمام بشؤون شريكة الحياة: الزوجة أخلاقها وسلوكها، ثم لا تلبث أن تشمل الأبناء والبنات، إنها مسؤولية صنع أبناء الأمة وبناتها، وإعطاء الأمة انتماءها بالحفاظ على كيان الأسرة.

القوامة ليست لهوا وعبثا، ونوما متواصلا، إنما هي عمل، وتخطيط ، وجهد متواصل في مملكة البيت للمحافظة على أمنه واستقراره.

إن واجب قيم الأسرة، أن يغرس في نفوس أفراد أسرته الدين والمثل السامية، وأن ينمي فيهم حب الله، وحب رسوله صلى الله عليه وسلم، وحتى يكون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أحب إليهم مما سواهما، ينمي فيهم مخافة الله والرغبة فيما عنده من الثواب.

قال تعالى: { إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد } [ق: 37].

لو تأملنا بعض آيات القرآن الكريم وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لوجدنا أن أهم مقاصد تكوين الأسرة هي:
أولا: إقامة حدود الله وتحقيق شرعه ومرضاته، وإقامة البيت المسلم الذي يبني حياته على تحقيق عبادة الله.
ثانيا: تحقيق السكون النفسي والطمأنينة: قال تعالى: { هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها } [الأعراف: 189].
ثالثا: تحقيق أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإنجاب النسل المؤمن الصالح.
رابعا: إرواء الحاجة إلى المحبة عند الأطفال.
خامسا: صون فطرة الطفل عن الرذائل والانحراف.

ذلك أن الطفل يولد صافي السريرة، سليم القلب، فعلينا- معشر المسلمين - تعليم أسرنا عقيدتها، وأن نسلحها بسلاح التقوى، لتحقيق مجتمع أسمى وأمة أقوى.
اللهم ظلل على بيوت الموحدين الأمن، والإيمان، والمحبة، والإخلاص.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد البارئ بن عوض الثبيتي

Post: #156
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 02:46 PM
Parent: #155

إن شأن الأسرة في الإسلام شأن عظيم، فهي الأساس الذي بقدر ما يكون راسخاً متيناً، يكون صرح المجتمع وبناؤه شامخاً منيعاً، لما يختزنه من عوامل القوة والحيوية والنماء.
ومن ثم كانت عناية الإسلام بمؤسسة الأسرة عناية بالغة وفي غاية الدقة والشمول.

فالأسرة ليست مجرد إطار عادي، يتصرف فيه كل عضو بمحض حريته وإرادته، بل هي إطار تحكمه ضوابط وتسيجه أحكام الشرع الحكيم التي ترتب على الزوجين وظائف ومهام مقدسة، تتمحور حول غاية سامية كبرى، هي الحفاظ على استمرار وجود الأمة الإسلامية متماسكاً قوياً، قادراً على أداء رسالته الحضارية العظمى، التي هي نشر دين الله في أرض الله، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، والدفاع عنه ضد قوى البغي والكفر والعدوان التي تريد أن تطمس نوره وتعطل رسالته.
ولتؤدي الأسرة وظائفها وتضطلع برسالتها، لابد أن تقوم على دعائم وأسس، تظل في غيابها كياناً مهزوزاً قابلاً للنقض في أي وقت وحين.
لقد ظلت الأسرة المسلمة قلعة شامخة وحصناً منيعاً حينما كان قوامها الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقاً.

ظلت الأسرة المسلمة تمثل صمام أمان ضد الأخطار وجميع محاولات تذويب كيان الأمة وطمس هويتها وإلغاء تميزها وشهوديتها ، حينما كانت تعتصم بحبل الله المتين، ولكن هذه الأسرة هي نفسها التي أصبحت مدخلاً للهدم ونسف بنيان الأمة حينما وقعت فريسة بين أيدي الأعداء، فقد أيقن هؤلاء أن لا مطمع لهم في إضعاف الأمة والإجهاز عليها، إلا بالتسلل إلى حمى الأسرة لنقض عراها ونسف بنيانها. وكان ذلك مكراً كبارا من جانب قوى الشر والإفساد في العالم، والتي يتولى كِبْر قيادتها الأخطبوط الصهيوني اليهودي بأذرعه المتعددة التي تتحرك في كل اتجاه.

وإذا كانت الأسرة من المجتمع بمثابة القلب من الجسد، إذا صلح صلح الجسد كله، فإن موقع المرأة من الأسرة هو بمثابة القلب الذي إذا أدى وظائفه الحيوية في تغذية شرايين جسم الأسرة، وضخ دماء العافية والطهر والنقاء فيه، والتي إن هي إلا قيم الفضيلة والعفة والحياء، وبث روح التضامن والمسؤولية والإخاء، كانت الأسرة أسلم ما تكون.

بناء على هذه الحقيقة الناصعة،انطلقت القوى المعادية للإسلام بإصرار عنيد لتنفيذ خطتها الماكرة التي يتمثل أول بنودها في إخراج المرأة من مملكتها المنيفة وقلعتها الشامخة تحت شعار خادع وهو تحريرها من ربقة التخلف والتقليد، وفي تجريدها من لباس الحشمة والحياء الذي يمثل وسام فخار وعنوان وقار للمرأة المسلمة.

وكان ثاني بند في هذا السياق متمثلاً في هدم السدود بين الرجال والنساء، فأصبح بعضهم يموج في بعض، في تجليات مخزية ومظاهر تأباها الفطرة ويندى لها الجبين.
وهـكذا أصبح الاختلاط يتحول تدريجياً من حالات متفرقة معزولة، محصورة في بعض الأسر الميسورة المترفة ، ليصير ظاهرة متفشية في أوساط المجتمع بجميع شرائحه وطبقاته ، ومما زاد من تسريع فشو هذه الآفة واستحكامها في مفاصل المجتمع، الإعلام الفاجر الذي غزا البيوت بشكل رهيب ، وراح يزعزع يقين المسلمين في قيم ومفاهيم وعادات وعلاقات درجوا عليها وتناقلتها الأجيال جيلاً بعد جيل، وذلك من قبيل الحلال والحرام، والستر والحياء، والاحتشام، وبر الوالدين وقوامة الرجال على النساء، ووفاء الأزواج بعضهم لبعض، وما إلى ذلك من القيم الرفيعة التي سمت بالأمة وحافظت لها على مناعتها وتجذرها، وتميزها بين الأمم باعتبارها ممثلة لمنهج الهداية والفلاح، حاملة لرسالة الشهود على الناس مصداقاً لقوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا}، البقرة 143.

وهكذا بدأ بيض الاستعمار يفقس يوماً بعد يوم وقنابله الموقوتة المبرمجة تنفجر تباعاً لتمزق أشلاء الأسرة وتفكك أوصالها وأواصرها، فأصبحنا أمام نماذج للأسرة بعيدة كل البعد عما ألفه الآباء والأجداد.

القوامة ضرورة تفرضها سنن الله
لقد حل محل أسرة الوئام والود والاحترام، أسرة النزاع والانقسام، وما ذلك إلا بسبب فكرة الصراع التي زرعت في عقول النساء و تحولت بسببها الأسر إلى حلبة للحرب والشقاق، فلقد قيل للنساء بأن مبدأ القوامة مبدأ ظالم ومجحف غير منصف في حق المرأة، فبأي حق وبناء وعلى أي منطق تكون القوامة للرجال دون النساء؟.

وكان ذلك اعتراضاً شيطانياً ماكراً زج بالنساء في أتون معركة خاسرة كان ضحيتها الكبرى، شمل الأسرة الذي مزق شر ممزق وأمن المجتمع الذي زعزعت دعائمه وتصدعت أركانه. ولقد صور أصحاب المنطق الشيطاني قوامة الرجال على النساء على أنها مدخل للاستعباد، والحقيقة أن مبدأ القوامة لا يعدو أن يكون مبدأ تنظيمياً يؤطره الشرع الحكيم، وهو ضرورة تفرضها سنن الله في الاجتماع والعمران.

فما من مؤسسة إلا ولها قائد أو رئيس فهل يريد هؤلاء المفسدون أن تكون مؤسسة الأسرة استثناء من القاعدة وانحرافاً عن سنة ثابتة ؟ فتصبح هملاً بدون راع ؟

إننا لا نجانب الصواب إذا قلنا ـ بأن حركة المطالبة بحقوق المرأة إن هي إلا معول لهدم الأسرة وذريعة لنشر الفساد وزعزعة أمن المجتمع، فهي حركة ظاهرها فيه الرحمة والإنصاف وباطنها من قبله العذاب.
فباسم تلك الحقوق المفترى عليها، سلخت المرأة من فطرتها وجردت من آدميتها وحولت إلى أداة شيطانية للهدم والإفساد ، فهل تفيق المرأة من غفلتها وهل تعتبر بهذا المآل النكد.

لقد قيل للمرأة العاملة، لقد ملكت مصيرك بتحررك اقتصادياً فما عليك إلا أن تتمردي على الرجل وتجعلي نتيجة الصراع لصالحك، إياك والطاعة ولين الجانب، أشعليها ناراً لا تنطفئ وإلا وقعت فريسة سهلة بين مخالب الرجل.
هذا هو فحوى خطاب الإعلام في صيغه وأشكاله المباشرة وغير المباشرة.

إن الشروخ والتصدعات التي أصابت علاقة الرجل والمرأة ـ أي علاقة الأزواج، انعكست بشكل خطير وألقت بظلالها القاتمة على علاقة الأبناء بالآباء.
فبدلاً من خفض جناح الذل من الرحمة للوالدين، حل التمرد والعصيان، وبدلاً من قيم عرفان الجميل والبر والإحسان حل التنكر لجميل الأمهات والآباء.

وماذا يمكن أن نتوقع غير هذه المظاهر النكدة والتفلتات الشنيعة في ظل مدرسة تلقن السوء للأبناء وتشحن عقولهم بكل ما يجرئهم على القيم النبيلة والأخلاق السامية التي يدعو إليها الدين الحنيف.
وفي ظل إعلام بذيء يعرض نماذج لعلاقات رديئة بين الآباء والأبناء وإعلام مشحون بالأفكار والتصورات القاحلة التي تصيب المشاعر بالقسوة والجفاء.
كيف لا وهي تبعد الناس عن الله وتدفعهم إلى نسيانه، وقبل ذلك وبعده فإن الأسرة المفككة التي لا تسترشد بمنهج الإسلام، لا يمكنها أن تعد نشأ سوياً يعرف للأبوة والأمومة حقهما، لأن فاقد الشيء لا يعطيه بطبيعة الحال.
إن حياتنا مليئة بالألغام التي زرعها أعداء الإسلام، ولا يزالون، ويتعهدها أذنابهم من بني جلدتنا ممن باعوا أنفسهم للأعداء، وأبرموا حلفاً مع الشيطان تحت أسماء عدة وشعارات شتى ما أنزل الله بها من سلطان.

وإن جهاداً مريراً ليفرض نفسه وبإلحاح على شرفاء الأمة وطاقاتها الحية، لإزالة تلك الألغام ، وما أكثر الجراح وما أشد التبعات التي تنتظرهم في هذه السبيل يقول الله سبحانه وتعالى: {بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون} الأنبياء 18
عبدالمجيد بن مسعود

Post: #157
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 09:27 PM
Parent: #156

مواهب أطفالنا .. كيف نرعاها ؟
كثيراً من حضارات العالم القديم لم تهتم بالأطفال الاهتمام المنشود ، كفئة اجتماعية مستقلة!!
ويعود ذلك إلى الاختلافات الاجتماعية والثقافية بينها،وسيادة المفاهيم الشعبية المتخلفة لتحصينهم من الأرواح الشريرة !!
وبعد بزوغ فجر الإسلام كان له أكبر الأثر في اكتشاف المواهب الطفولية، ورعايتها مما أنتج عظماء في التاريخ، تركوا بصماتهم الجلية في ميادين العلم والسياسة!!
وأحسن مثال على تعاهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- للموهوبين، تعاهده لعبد الله بن عباس -رضي الله عنه- حتى كان يبيت معه في داره، والحديث « احفظ الله يحفظك » خير شاهد على ذلك!!
وقد استشفّ الصحابة هذا الأمر منه حتى أكمل مسيرته عمر بن الخطاب حين ضمّه لمجلس الأكابر من الصحابة، وقال له: لا تتكلم حتى يتكلموا! ثم يُقبل عليهم فيقول: ما يمنعكم أن تأتوني بمثل ما يأتيني به هذا الغلام الذي لم تستوِ شؤون رأسه!!
ولهذا لما رآه الشاعر الحطيئة أُعجب بمنطقه، وقال: من هذا الذي نزل عن الناس في سنّه، وعلاهم في قوله!!
وانظر إلى تعاهد والده العباس لهذه الموهبة الفذّة؛ إذ قال: يا بني! إني أرى هذا الرجل أكرمك، وأدناك فاحفظ عني ثلاث خصال: لا تفشينّ له سراً ، ولا تكذبنّه ، ولا تغتابنّ عنده أحداً!!
ولم يكن صلى الله عليه وسلم يختص فقط عبد الله بن عباس، بل أفسح المجال للصغار لحضور مجالسه؛ مما حدا البخاري أن يبوّب: باب إذا لم يتكلم الكبير فهل للصغير أن يتكلم!!


دور الأم في توجيه الموهوب
يقع العبء الأكبر في توجيه الابن على عاتق الأم، وذلك لكثرة مخالطتها لابنها، ولانشغال الأب بطلب الرزق، فإن هي وضعت هذا الأمر ديدنها وشغلها الشاغل، بلّغها الله ما أرادت!!
فهاهي أم الشافعي، عندما ولدته في اليمن، لأنها أزْديّة وهو قرشي خافت عليه الضيعة، فقالت له: الحقْ بأهلك فتكون مثلهم، فإني أخاف عليك أن تغلب على نسبك، فجهّزته إلى مكة، فقدمها وهو يومئذ ابن عشر سنين، وجعل يطلب العلم!!


دور الأب في توجيه الموهوب
كم من القدرات العلمية خبت في سِن مبكرة، بسبب الحاجة وسوء الحال، وإصرار الوالدين على ترك مقاعد الدراسة مبكراً لطلب الرزق، وهنا تكمن مسؤولية الوالد في تفريغ ابنه لهذا الشأن.

فعلى سبيل المثال كان والد هشيم بن بشير يصنع الكوامخ والمخلّلات، ويمنع ابنه من الطلب حتى ناظر أبا شيبة القاضي وجالسه! فمرض هشيم! فجاء القاضي يعوده، فمضى رجل إلى بشير فقال: الحق ابنك فقد جاء القاضي يعوده! فجاء، فقال: متى أملّت أنا هذا فقد كنت أمنعك يا بني، أما اليوم فلا أمنعك!
وهذا النووي شارح صحيح مسلم، وعمره عشر سنين يهرب من الصبيان، ويبكي لأنهم يُكرهونه على اللعب، ويقرأ القرآن في تلك الحال، وجعله أبوه في دكان فجعل يشتغل بالقرآن.
فرآه أحدهم، فقال لأبيه: هذا الصبي يُرجى أن يكون أعلم أهل زمانه، وينتفع الناس به، فحرص عليه أبوه إلى أن ختم القرآن!


ملاحظة أحوال الموهوب الشخصيّة
الطفل الذي تبدو عليه سمات الإبداع، يمكن تميّزه، شريطة عدم تجاهله أو إحباطه، إذا ما أراد إظهار شخصيته غير العاديّة.
فهذا ابن الجوزي يحكي عن نفسه قائلاً: إني أذكر نفسي ولى همّة عالية وأنا ابن ست سنين، فما أذكر أني لعبت في طريق مع الصبيان قط! ولا ضحكت ضحكاً خارجاً قط، وكنت - ولي سبع سنين - أحضر حلقة المسجد، فأحفظ جميع ما أسمعه، وأذهب إلى البيت فأكتبه، ولقد كان الصبيان ينزلون إلى دجلة، ويتفرجون وأنا آخذ جزءاً، وأقعد بعيداً عن الناس وأتشاغل بالعلم!

أمثلة على نبوغ القادة السياسيين منذ سنّ مبكرة
هم قادة عظماء تميّزوا بالهمة العالية، وقوة الشخصية، ونفاذ البصيرة، وهذا لم يكن وليد الساعة!! بل أثبت التاريخ موهبتهم الفذة منذ الصغر، فهذا يعقوب الصفار الذي ملك البلاد، وكان وهو غلام يتعلم عمل الصُّفْر "النحاس" قال معلمه: لم أزل أتأمّل بين عينيه، وهو صغير ما آل أمره إليه؟ قيل له: كيف ذلك؟ قال: ما تأمّلته قط من حيث لا يعلم بتأملي إيّاه إلا وجدته مطرقاً إطراق ذي همة وفكر ورويّة!! فكان من أمره ما كان.

وكذلك التفت معن بن زائدة إلى ابن أخيه يزيد الشيباني وما فيه من علامات الفطنة والذكاء، فقدّمه على أبنائه، مما حدا بزوجته أن تعاتبه على ذلك، فقال لها: سأريك في هذه الليلة؟ وفى ساعة متأخرة قال: يا غلام، ادعُ لي أبنائي. فأقبلوا عليه جميعهم عليهم الثياب المطيّبة، ثم قال: يا غلام ادعُ لي يزيد! فلم يلبث إلا قليلاً أن دخل عجلاً، وعليه سلاحه، فوضع رمحه بباب المجلس، ودخل عليه! فقال: ما هذه الهيئة؟ قال: إني قلت إنك لا تطلبني في هذه الساعة إلا لأمر مهم. فقالت زوجته: قد تبيّن لي عذرك.

كيف أكتشف موهبة طفلي
يجب أن تُكتشف الموهبة عند الطفل، ومن ثم يتم توجيهها التوجيه الصحيح، والذي يكون كالتالي:
(1) توجيهه إلى مجالس العلم
لم يكن إحضار الصبيان إلى مجالس العلم، أمراً مستنكراً، بل كان هذا الأمر متواتراً عند السلف!!
فلم تُثبط الأم أو الأب من همّة ابنهما بدعوى تعقيده! أو حرمانه من اللعب! بل جنَوْا مكاسب عظيمة، ونجنيها نحن بدورنا، وهي علماء ربانيّون بلغت مؤلفاتهم الآفاق!
قال الإمام الرازي: أحضرني أبي إلى مجلس أبي حاتم، وأنا إذ ذاك ابن خمس سنين، وكنت أنعس فقال لي والدي: انظر إلى الشيخ؛ فإنك تحكيه غداً!! فرأيته!

(2) توجيهه إلى المجالات الأخرى:
قد لا يقتصر نبوغ الموهوب على الناحية الدينية، بل يمتد إلى مجالات أخرى، كالأدبية مثلاً، ومنها على سبيل المثال: الشعر، فقد كان بشار بن برد يقول الشعر وهو صغير، أعمى ، وكان لا يزال يهجو قوما ، فيشكونه إلى أبيه، فيضربه! حتى رقّ له من كثرة الضرب، فلما طال عليه ذلك، قال له : يا أبت لِمَ تضربني، كلما شكوني إليك؟ قال: فما أعمل؟ قال : احتج عليهم بقول الله تعالى: { ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج } فجاؤوه يوماً يشكونه، فقال لهم هذا القول؟ فقالوا: فقه بُرد أضرّ علينا من شعر بشار!!
ومما يستظرف في هذا أن الكميت وقف على الفرزدق، وهو ينشد فقال: يا غلام، أيسرّك أني أبوك؟ فقال: أما أبي فلا أبغي به بديلاً، ولكن يسرني أن تكون أمي!! فحصر الفرزدق وقال: ما مرّ بي مثلها!!

(3) حاجته إلى الدعم المالي :
خوفاً على هذه المواهب أن تتوارى خلف ستار الفقر والحاجة، وتشجيعاً للموهوب بتعزيز ثقته بنفسه، وكسراً لحاجز الخجل من الإفصاح عما يعتمل في خاطره من إبداعات، كانت الحاجة إلى الدعم المالي:
وهذا القاضي أبو يوسف في صغره، وكان أهله فقراء، فقال له أبوه: يا بني لا تمدنّ رجلك مع أبي حنيفة، فأنت محتاج!!
فآثرت طاعة أبي، فأعطاني أبو حنيفة مئة درهم، وقال: الزم الحلقة! فإذا نفِدت هذه فأعلمني ثم بعد أيام أعطاني مئة!!
ثم تسير أم سفيان الثوري بالركب لتقول كلمتها الحاسمة في توجه ابنها إلى العلم: اذهب فاطلب العلم، وأنا أعولك بمغزلي!!

أين مواهبنا اليوم ؟
فمن لأبناء المسلمين الذين خبت مواهبهم، واندثرت، ما بين وطأة العمل وتطلّب الرزق، أو تحت وطأة معلمين جهله همّهم أن يحفظ الطالب ما بين دفتي الكتاب دون أن ينظر إلى ما تحويه عقلية الطالب من إبداعات، واجتهادات، حيث يتحمل المعلم كل شيء ولا يقوم فيها المتعلم بشيء!!
فهي تقدم للصغار من الطلاب مشكلات الكبار بدعوى أن هذه هي الطريقة المُثلى لإعدادهم للمستقبل والتمرس بحياة الكبار، فعطّلت نموهم وألحقت بهم الضرر، فكان مثلها كمثل الأُ م التي تتعجل في إطعام رضيعها مأكولات الكبار من لحم وخضار بدلا من الحليب!!
وقد قال ( نيوتن) بأنه غير صحيح أنه اكتشف الجاذبية بمجرد رؤيته تفاحة تسقط - كما يظن الكثيرون - بل لأنه كان يفكر فيها دائماً، وأن نتائج بحوثه ترجع إلى العمل والكدّ الدائب الصبور!!
ثم نحن نكُب ّ على التراث الغربي ونتلقفه بكل مساوئه، ونندب أحوال المسلمين ونراها بلا إبداعات!!
الإسلام اليوم

Post: #158
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-07-2015, 09:31 PM
Parent: #157

يعتبر الأطفال أكثر عرضة لحوادث الطرق، وكذلك الإصابات المنزلية العديدة، وقد تبين من إحصاءات لوزارة الصحة المصرية أن وفيات الأطفال أقل من 15 سنة وإصاباتهم عددها 1472 حالة، بزيادة أكثر من مائة طفل بالمقارنة بالعام الماضى، هذا بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الإصابات المنزلية ضحايا الإهمال.

ويؤكد الخبراء أن الطفل أقل من ثلاث سنوات لا يعى، ولا يستطيع أن يحمى نفسه من الأضرار، ويكون غير قادر على التمييز بين الأشياء التى قد تضره، ومن سن 4:6 سنوات يكون قادرًا على استيعاب توعية الأم له، وعندما يبلغ ثمانى سنوات سيتذكر هذه التعليمات وينفذها، ويصبح قادرًا - إلى حد ما - على تجنب الحوادث، ولذلك تعتبر الأم هى المسئولة الأولى عن سلامة أولادها.

ويمكن للأم الواعية حماية أطفالها من العديد من الأخطار والإصابات، مثل: إصابات الحروق، وشرب المواد الكاوية، والجروح الغائرة، والكسور، والكدمات والغرق، وغيرها من الأضرار البالغة الخطورة.

لتجنب حوادث الطرق
ويجب على الأم مراعاة بعض الإرشادات لحماية طفلها كما يلى:

- يجب ألا تترك الأم الطفل فى الشارع ليلعب مطلقًا، حتى لو كان يصحبه أحد إخوته، مع تعويد الطفل السير على الرصيف، وعدم العبور وحده، أو ملاحظة السيارات جيدًا إذا كان أكبر سنًا، وكذلك الحذر من الدراجات والدواب.

- وعند الذهاب للتسوق أو النزهة يجب مراقبة الطفل جيدًا، وتلقينه اسمه وعنوانه، ورقم تليفونه، وعدم السماح له بالتحدث مع الغرباء وحده، أو الذهاب مع أغراب.

- عند قيادة السيارة أو ركوب المواصلات العامة لابد من التأكد من غلق أبواب السيارة، وعدم ترك الطفل وحده عند نافذة السيارة، أو الأبواب سهلة الفتح، ولا يسمح له مطلقًا بالجلوس أمام عجلة القيادة، ويراعى السائق أن يسير ببطء عند وجود أطفال بالسيارة.

فى المنزل
ولحماية الطفل فى المنزل يراعى ما يلى:
- عدم ترك النوافذ وأبواب الشرفات مفتوحة عندما يكون الطفل وحده فى الحجرة، وكذلك عدم ترك الكرسى أو منضدة بالقرب من النافذة، ويراعى التأكد من إغلاق باب الشقة لتفادى سقوطه على السلالم، ومنع الطفل من اللعب على السلم.

- عدم ترك أى آلة حادة، مثل المقص والسكين والمفك، فى مكان قريب من الطفل، والتأكد من أن الأسلاك الكهربائية ومخارج الكهرباء مؤمَّنة، وعدم ترك مفرش مدلى عليه أشياء ثقيلة حتى لا يجذبه الصغير، وتسقط الأشياء على رأسه، والحرص من الأكياس البلاستيك التى قد يضعها الطفل على رأسه، وقد تسبب له إعاقة التنفس والاختناق.

- التأكد من سلامة أركان الحجرة التى يلعب أو ينام بها الطفل، فلا يكون الأثاث ذا حافة حادة، مع عدم ترك باب دولاب أو درج مفتوح يغلقه الطفل على نفسه أو أصبعه، ويراعى أن يلعب الصغير على أرض مغطاة بالبُسط ، أو فوق وسادة كبيرة.

- الحمام من الأماكن الخطيرة بالنسبة للطفل، فلابد من عدم ترك الطفل وحده، إذا كان حوض الاستحمام مملوءًا بالماء، أو هناك إناء كبير به ماء، وعدم غلى الملابس وتركها فى متناول الطفل.

ابتلاع جسم غريب
وإذا حدث وابتلع الطفل دبوسًا أو مسمارًا، أحضرى قطعة صغيرة من الخبز بها قطعة صغيرة من القطن والزبد على هيئة سندوتش، وأطعميها للطفل، إن القطن سيلتف حول الدبوس أو المسمار، ويقلل من خطره على الأمعاء، وأسرعى به بعد ذلك إلى المستشفى.

أما ماذا سيحدث فى المستشفى فهو ببساطة ملاحظة الطفل والدبوس داخل أمعائه بواسطة صورة متكررة بالأشعة لجهازه الهضمى، لمراقبة الدبوس حتى ينزل بسلام.

وكذلك بعض الأطفال يتعرض لابتلاع قطع النقود المعدنية حين نعطيها لهم، ونتركها فى أيديهم بلا رقابة فيبلعونها، وعندها لن يشعر الطفل إلا بصعوبة فى البلع، ويزيد لعابه.

وأما أن يدخل القطعة إلى حنجرته فهنا ستنتابه موجات من السعال الشديد، وفى الحالين كإسعاف أولى يجب دفع الطفل من قدميه ورأسه إلى أسفل، ثم الضرب بلطف على ظهره على أمل نزول القطعة، وهو فى هذا الموضع، مع الضرب المتوالى حتى يطردها من فمه.

ونود أن نكرر أنه فى حالة فشل هذه المحاولة يجب الإسراع إلى أقرب مستشفى، وهناك سيستطيع طبيب الجراحة - إن شاء الله - استخراجها بوسائله الخاصة.

وإذا أدخل الطفل أحجارًا صغيرة فى أذنه، فلا تحاولى نهائيًا إخراجها بملقاط أو غيره؛ لأن ذلك سيزيد الأمر سوءًا، بل اذهبى بالطفل إلى أخصائى الأذن، وبذلك ستحل المشكلة.

المواد الحارقة والسامة
ومن الأخطار المحدقة بالأطفال فى المنازل تناول الأدوية والكيماويات بطريق الخطأ أو الفضول؛ حيث تتركها الأمهات فى متناول أيدى الصغار، وإذا تناول الطفل دواءً ضارًا فيحسن دفعه للتقيؤ بسرعة قبل نقله إلى المستشفى، بأن نسقيه محلولاً دافئًا من الملح، وإذا كانت المادة التى شربها معدنية - كالرصاص مثلاً - فيحسن أن نعطيه كوبًا من الشاى الثقيل.

ولتجنب حوادث تناول المواد الحارقة يجب حفظ المواد الكيماوية أو المبيدات الحشرية المنزلية، أو أى إناء يحتوى على مادة كاوية فى مكان مرتفع فى المطبخ، أو أحد الدواليب، وحفظ الأدوية والعقاقير داخل صيدلية خشبية صغيرة تعلق فى مكان مرتفع فى الحمام، وأن ترفع الكريمات والشامبو بعيدًا عن متناول اليد، وترفع علب الكبريت؛ لأن العديد من الأطفال مولعون بإشعال الثقاب، ويجب عدم ترك الموقد مشتعلاً بالقرب من الأطفال دون مراقبتهم.

وأخيرًا، على كل أم لديها أطفال صغار التفكير فى وسائل لتأمين سلامتهم، ووضع نظام خاص بها يناسب ظروفها وطبيعة منزلها، والاحتفاظ بصيدلية صغيرة للإسعافات الأولية، والاحتفاظ بأرقام تليفونات أطباء لاستدعائهم أو استشارتهم فى حالات الطوارئ.
نهاد الكيلانى

Post: #159
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:19 PM
Parent: #158

لم يعد أمر تربية الأبناء ذو شأن في حياة الوالدين، على الرغم من أهميته .. بل إن الملاحظة - مع الأسف - أنه في أقصى قائمة اهتمامهم.

فالأب مشغول .. أرهقه الجري واللهث وراء حطام الدنيا، والأم تضرب أكباد الإبل للأسواق ومحلات الخياطة، ولا يجد أي منهما وقتاً للتفكير في أمر فلذات الأكباد .. سوى توفير الغذاء والكساء فيتساويان مع الأنعام في ذلك .

أما ذلك الطفل المسكين، فإنه أمانة مضيعة، ورعاية مهملة، تتقاذفه الريح وتعصف به الأهواء. عرضة للتأثيرات والأفكار والانحرافات . في حضن الخادمة حيناً وعلى جنبات الشارع حيناً آخر. وتلقى القدوة المسيئة ظلالاً كالحة على مسيرة حياته.

بعض أطفال المسلمين لم يرفع رأسه حين يسمع النداء للصلاة.. وما وطأت قدمه عتبة باب المسجد ولا رأى المصلين إلا يوم الجمعة أو ربما يوم العيد. وإن أحسن به الظن فمن رمضان إلى رمضان.
أما حفظ القرآن ومعرفة الحلال من الحرام فأمر غير ذي بال .

قد يخالفني الكثير في ذلك التشاؤم .. ولكن من رصد واستقرأ الواقع عرف ذلك ..

وهاك- أخي القارئ- مثالين أو ثلاثة لترى أين موضع الأمانة.، ومدى التفريط !!

- الأول : كم عدد أطفال المسلمين الذي يحضرون صلاة الجماعة في المسجد؟- والله- كأننا أمة بلا أطفال، وحاضر بلا مستقبل!!

أنحن أمة كذلك ؟! كلا .. هؤلاء تملأ أصواتهم جنبات الدور والمنازل والمدارس ويرتفع صراخهم في الشارع المجاور للمسجد. ولكن أين القدوة والتربية .

- الثاني : من اهتم بأمر التربية وشغلت ذهنه وأقلقت مضجعه - أو ادعى ذلك - إذا وجد كتابا فيه منهج إسلامي لتربية النشء ، أعرض عنه لأنه ثمين وغال..
وهو لا يتجاوز دراهم معدودة وأخذ أمر التربية اجتهاداً وحسب المزاج وردة الفعل.

وهذه اللامبالاة نجد عكسها تماماً في واقع الحياة .. فإن كان من أهل الاقتصاد فهو متابع للنشرات الاقتصادية ويدفع مبالغ طائلة لشراء المجلات المتخصصة..

ويحضر الندوات ويستمع المحاضرات ولا تفوته النشرة الاقتصادية في أكثر من محطة إذاعية وتلفاز و..؟! وإن كان من أصحاب العقار فهو متابع متلهف لا تفوته شاردة ولا واردة ..

ولنر الأم في أغلب الأسر.. كم أسرة لديها كتاب حول التربية الإسلامية للطفل ؟!

- الثالث : يعطي الأب من وقته لبناء دار أو منزل أوقاتا ثمينة فهو يقف في الشمس المحرقة، يدقق ويلاحظ ويراقب ويتابع .. ويزيد وينقص .. ونسي الحبيب .. من سيسكن في هذه الدار غداً؟!

أيها الأب الحبيب:
ستسأل في يوم عظيم عن الأمانة لماذا فرطت فيها؟! ولماذا ضيعتها؟!

إنهم رعيتك اليوم وخصماؤك يوم القيامة إن ضيعت، وتاج على رأسك إن حفظت
قال صلى الله عليه وسلم « كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها.. » الحديث

وقال أنس رضي الله عنه ( إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أم ضيعه )

وكما تقي فلذات كبدك من نار الدنيا وحرها وقرها عليك بقول الله جل وعلا { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة }

أصلح الله أبناء المسلمين وجعلهم قرة عين وأنبتهم نباتا حسنا.
عبد الملك القاسم

Post: #160
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:21 PM
Parent: #159

الولد الغضوب
نحن نعيش في عصور غاضبة، فالغضب ميل غريزي، لا يمكن استئصاله والتخلص منه، ولكن بالاستطاعة ضبطه والسيطرة عليه، أقصد السيطرة الداخلية التي يقوم بها الولد نفسه، لا السيطرة الخارجية كسيطرة الأب الذي يمنع ابنه من إظهار الغضب بالقوة.

إن كتمان الغضب على هذه الطريقة يؤدي إلى اضطراب وغليان وثورة تختفي في نفس الولد، وتسبب له الأمراض العصبية، لذلك كانت معالجته بحاجة إلى انتباه ودقة، وخير وسيلة للنجاة من الغضب، هي تقوية إرادة الطفل حتى يستطيع ضبط نفسه.

ولابد أن نعلم أن للغضب فوائد منها المحافظة على النفس، والمحافظة على الدين، والمحافظة على العرض، والمحافظة على الوطن الإسلامي من كيد المعتدين ومؤامرات المستعمرين، ولولا ظاهرة الغضب التي أودعها الله في الإنسان، لما ثار المسلم وغضب إذا انتهكت محارم الله، أو امتهن دينه، أو أراد عدو أن يغتصب أرضه ويستولي على بلاده، وهذا بلا شك ، من الغضب المحمود الذي كان مصاحبًا لفعله عليه الصلاة والسلام في بعض الحالات، فقد ثبت في الصحيح أنه عليه الصلاة والسلام قد جاءه من يشفع في حد من حدود الله فغضب، وظهرت على وجهه علامات الغضب، وقال قولته الخالدة «... إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها» صحيح البخاري

ويأمر القرآن الكريم المؤمنين والمؤمنات بكظم الغيظ، قال تعالى {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} (فصلت:34)، وقال تعالى {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} (الفرقان:63)، وقال جل شأنه {وإذا ما غضبوا هم يغفرون} (الشورى:37).
وصدق من قال: «درهم وقاية خير من قنطار علاج .


أسباب غضب الأبناء
وللغضب لدى الأبناء أسباب، إذا علمناها وصلنا للعلاج، ومنها مثلا:
التحقير والسخرية والإهانة، فعلى الوالدين أن ينزها لسانهما عن كلمات التحقير والإهانة، لأن الإهانة تؤثر على الطفل نفسيا، وترسخ فيها انفعالات الغضب، فيجب أن نعين الولد على الثقة بنفسه، فقد روى ابن ماجه عن ابن عباس - رضي الله عنهما- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: «أدبوا أولادكم وأحسنوا أدبهم»، ويقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «رحم الله والدًا أعان ولده على بره» (رواه ابن حبان).
الغيرة، وهي ناجمة عن عدم عدل الأبوين في معاملة أولادهما، فإذا وجد طفل أباه يحسن معاملة أخيه ويعطيه أكثر منه، اشتعلت نيران الغضب في نفسه، وكان السبب في ذلك هو الأب، فالعدل، حتى في الحب, واجب ديني وتربوي.
تكليف الولد ما لا يطيق، بكثير من الأوامر والمتطلبات، مما يؤثر في نفسية الولد ويثير الغضب عنده.

الجوع، فعلى الوالدين إطعام الولد في الوقت المخصص، لأن الإهمال يؤدي إلى أمراض جسمية وانفعالات نفسية، فعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «كفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يقوت» رواه أبو داود

المرض، فيجب على الوالدين متابعة الولد طبيًّا، ومحاولة علاجه، يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله عز وجل» رواه مسلم

العلاج الناجع
يجب على الوالدين تدريب الولد على المنهج النبوي في تسكين الغضب، وإليكم مراحل هذا المنهج:
1 - تغيير الوضع الذي يكون عليه الولد عند الغضب، روى الإمام أحمد وغيره، عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع


2 - اللجوء إلى الوضوء، أخرج أبو داود عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: «الغضب من الشيطان، وإن الشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليتوضأ.
3 - السكوت، يقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) «إذا غضب أحدكم فليسكت» رواه أحمد
4 - التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد جاء في صحيح البخاري أنه استب رجلان عند النبي (صلى الله عليه وسلم) ونحن عنده جلوس، وأحدهما يسب صاحبه، مغضبًا قد احمر وجهه، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم): «إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم»، فقالوا للرجل: ألا تسمع ما يقول النبي، (صلى الله عليه وسلم)؟ قال: إني لست بمجنون.

هذه هي أهم وصايا الرسول (صلى الله عليه وسلم) في التخفيف من الغضب، وأتمنى من الوالدين ألا يستهينا بهذه الحالة، ويجب التعامل معها معاملة تربوية، وكذلك ما أحوجنا إلى مربين يعرفون طريقة الإسلام في التربية النفسية، ومنهج الرسول، (صلى الله عليه وسلم)، في ذلك .

وفي الختام نقول: ينبغي أن ندرب الطفل على الغضب لدينه وشرفه ووطنه، وهذا خير من أن يوجه غضبه إلى أمور تافهة
سليمان الرومي

Post: #161
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:23 PM
Parent: #160

الانطواء مشكلة متشابكة معقدة، فهي نتيجة طبيعية لعدة مشكلات أخرى تتضافر وتتوحد لتنتج لنا طفلا منطويا ومنعزلا اجتماعيًا، وقد تظهر تلك المشكلة في فترات متفرقة من عمر الطفل وبشكل متدرج؛ فتبدأ من سن السنتين، وتتوهج في مرحلة المراهقة، وفي حالة تركها بلا علاج فعال قد تستمر مع الطفل مدى الحياة، وتصبح العزلة والانطواء سمة ملازمة للفرد طوال عمره، وهي مشكلة نسبتها أعلى بين الإناث قياسًا بانتشارها بين الذكور؛ نتيجة لاختلاف الطبيعة النفسية لكل منهم، وحساسية المرأة ورهافة نفسيتها.



ويظهر الانطواء على شكل نفور من الزملاء أو الأقارب، وامتناع أو تجنب الدخول في محاورات أو حديث، وهي مشكلة تسبب خلل في التفاعل الاجتماعي للفرد مع من حوله، مما يؤثر على سلوكه العام، بل ونموه العقلي أيضا.

ويمكن تعريف العزلة الاجتماعية ( الانسحاب المجتمعي ) : هي شكل متطرف من الاضطراب في العلاقة مع الآخرين، فالفرد يميل إلى تجنب التفاعل الاجتماعي، نتيجة لافتقاره لأساليب التواصل المجتمعي، وبذلك ينفصل عن رفاقه ويبقى منفرداً معظم الوقت ولا يشارك أقرانه بالنشاطات الاجتماعية المختلفة.



ويختلف هذا الاضطراب في السلوك من فرد لأخر، فقد يتراوح هذا السلوك بين عدم إقامة علاقات اجتماعية وبناء صداقة مع الأقران؛ إلى كراهية الاتصال بالآخرين والانعزال عن الناس والبيئة المحيطة وعدم الاكتراث بما يحدث فيها



أسباب الانطواء:

1- أسباب فسيولوجية أو جسمية:

قد يُظن أن السبب الأساسي للانطواء هو الأسباب الاجتماعية الخاصة بالمجتمع، أو التربوية التي قد تتمثل في طريقة تعامل الأسرة مع الطفل المنطوي فقط، ولكنها ترجع أيضًا لعوامل بيولوجية !! فهي مشكلة مرتبطة بعوامل وراثية.

فالتكوين البيولوجي للفرد، والوظائف الفسيولوجية للقشرة الدماغية؛ يسهم في ظهور مثل تلك المشكلة؛ فالفرد الذي يتمتع بدرجة استثارة سريعة وقوية نسبيًا .......... غالباً ما ينزع إلى ممارسة سلوكيات ذات صبغة انطوائية.

وقد ترجع أسباب الانطواء والعزلة إلى شعور الفرد بالنقص، نتيجة لوجود عاهة أو مرض مزمن لديه، مثل إصابته بمرض البهاق أو غيره من الأمراض التي تغير من شكل الطفل، وتؤثر على تفاعل الأطفال الآخرين معه نتيجة لشكله، أو قد ترجع العزلة لوجود عيب في النطق أو التحدث يمنع من تواصل الطفل الفعال مع من حوله من أقرانه.



2- أسباب مجتمعية:
فالمجتمع الذي يتيح للطفل فرص للتفاعل المجتمعي مع أقرانه، بل ومع من هم أكبر منه سناً ( لنقل الخبرات )، هو مجتمع يشعر من خلاله الطفل بمتنفس يستطيع من خلاله التفاعل بشكل سليم وفعال، وتحت رعاية مجتمعية تعمل على حمايته من أخطار قد يتعرض لها.


أما حين يشعر الطفل بأنه مهمش وسط المجتمع الذي يعيش فيه ولا رأي له، يفقده ذلك الثقة في نفسه، مما يفقده الشعور بالأمان، ويدفعه ذلك للعزلة والانطواء بعيدا عن أقرانه ، هربا من العقاب أو التجاهل. وقد يؤدي تغيير الموطن إلى مثل تلك العزلة، والتي يجب أن تعالج وفورا حتى لا تتفاقم.



3- أسباب أسرية تربوية:

وهي التي تستحوذ على النسبة الكبرى من الأسباب ..

فالأسرة هي البيئة المجتمعية الأولى التي يتفاعل فيها الطفل، وهو فيها يكتسب ثقافته وثقافة المجتمع الذي يعيش فيه، فهو يتعلم من خلالها طرق التعبير عن نفسه، وتبنى فيها اللبنات اللغوية الأولى والخبرات المجتمعية التي تتيح له دخول المجتمع الذي يعيش فيه والتفاعل معه، فالأسرة تصبغ طفلها بسمات المجتمع الذي يحيا فيه، فهي عامل الوصل بين الطفل والمجتمع، حيث يكتسب الطفل من خلالها أنماطاً اجتماعية مشتركة مع الأطفال الآخرين، مما يتيح وجود نوع من أنواع الثقافة المشتركة بين أفراد المجتمع ككل، تتيح لهم التفاعل مع بعضهما البعض وفقًا لتلك الثقافة والعوامل المشتركة، فينتج نوع من أنواع التوافق الفكري والعقلي – إلى حد ما – بين الأفراد، مما يسهل عملية التواصل والتفاعل.



ولكن هناك بعض الظواهر الأسرية التي تمنع وجود ذلك النوع من التوافق، فالبعد العاطفي والاجتماعي بين أفراد الأسرة، وأيضًا بين الأسرة ككل والمجتمع المحيط بها؛ ووجود خلل في العلاقات الأسرية، بحيث أن العلاقات السائدة داخل الأسرة لا يسودها الود والألفة، بل العراك والمشاحنات، يساهم بشكل مباشر في ظهور الانطواء عند الطفل.

فالطفل يحتاج إلى الحب والشعور بالأمان داخل أسرته منذ الأسابيع الأولى في حياته، فالحب والأمن هما عاملان أساسيان في نمو الطفل اجتماعيًا وفسيولوجيًا وعقليًا بشكل سليم وصحي. تقول المرشدة الاجتماعية " ثناء الرز ": ( إن علاقات الحب التي يكونها الطفل مع أمه وأبيه ومجتمعه الصغير في البيت، مسئولة إلى حد كبير عن تكيفه للمجتمع خارج نطاق الأسرة؛ حيث أن الطفل يخرج إلى الحياة ومعه ما تراكم في نفسه من آثار تلك الحاجة القوية إلى الحب ومدى نجاحه في إشباعها.. ). وقد تتطور تلك المشاعر السلبية بداخل الأسرة لتتحول إلى تعرض الطفل للعنف الجسدي، مما يسبب له عدة مشاكل نفسية وسلوكية تدفعه بشكل مباشر للعزلة.



والأسوأ من ذلك هو تعرض الطفل للعنف المعنوي، الذي يعد أخطر بكثير من العنف الجسدي توجيه كلمات قاسية وجارحة للطفل كعقاب له وهذه الكلمات يكون لها تأثير حد السيف في نفس الطفل فهي تفقده ثقته بنفسه وتجعله أكثر ضعفا وتدفعه ليس للعزلة وحسب بل تدفعه إلى الكبت النفسي والعاطفي وكبت المهارات.



وكذلك الحال مع الرقابة الصارمة من الأسرة على سلوكيات وأفعال أطفالهم، فالنقد والتعنيف الشديد لأخطائهم، تجعلهم يتجنبون التفاعل الاجتماعي مع من حولهم، تجنبًا للوقوع تحت طائلة العقاب كما ذكرنا من قبل ، وكذلك التفريق بين الأطفال داخل الأسرة يسبب لهم نوعا من الانطواء والعزلة.

وقد يكون أحد الوالدين – والمقرب للطفل بالتحديد – منطويا أصلا ، فهو يقلده حتى ينال استحسانه، كما أن دعم الوالدين لانطواء الطفل على أنه أدب وحياء من الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذه المشكلة.



خطوات للعلاج:

تبدأ خطوات العلاج بالتعرف على السبب الرئيسي لانطوائه ومحاولة علاجه وبشكل فعال



1- التربية الاستقلالية هي الحل الفعال، فكما قلنا كما أن لعامل الحب داخل الأسرة دور مهم في علاج الانطواء لدى الأطفال، وأنه بدون الحب والمودة في الأسرة تزيد نسبة تعرض الطفل للانطواء، إلا أن زيادة الحب والتدليل الزائد عن الحد يؤدي لجعل الطفل معتمد على والديه عاجزًا عن الاعتماد على الذات، فيقف ذلك العجز حاجزًا بينه وبين التفاعل مع أقرانه، لهذا على الوالدين حماية أبنائهم من التدليل وتربيتهم تربية استقلالية مما يفتح لهم أبواب المجتمع كافة ليدخلوا من أيهم شاءوا، مع مراعاة أن يكون ذلك بالتدريج.



2- يعمل الوالدين على إعادة الثقة للطفل المنطوي في نفسه، فالطفل المنطوي حساس لدرجة كبيرة، لذا يجب على الوالدين تهيئة الجو الأسري المناسب لنخرجه من حالة الانطواء وفقدان الثقة تلك، فيبدأ الوالدين بالتأكيد على حريته في التعبير عما يجيش في صدره بدون خوف أو تردد، مع إعادة تعريفه بنفسه وبنقاط القوة لديه والتأكيد عليها، ومحاولة الإعلاء من نقاط الضعف لديه أو تجاوزها. وكذلك ينبغي على الوالدين الاهتمام بميول واهتمامات طفلهم، ويعملوا على أن يمارسها وهو يشعر بالأمان بعدم خوفه من العقاب في حالة إن أخطأ أو فشل، والتهدئة من انفعالاتنا نحوه في حالة إن أخطا، وبهذا يتحول الوالدين إلى عامل دفع ايجابي لثقة طفلهم في نفسه وفيمن حوله، فيبدأ في التفاعل معهم.



3- فتح الباب له لتكوين صداقات جديدة ، فتواصل طفلك مع من حوله وفي سنه له فوائد نفسية وعقلية وجسمية وروحية، تنعكس على توازن نمو شخصياتهم وهم في طور النمو، لذا حاول أن تشجع أطفالك على عقد صداقات مع من حولكم من الأقارب والمعارف حتى تكون مطمئنا على نوعية وطبيعة تلك الصداقات، مع ترك الحرية للطفل لكي يختار صديقه، مع ضرورة الاطمئنان علي حسن اختيار الطفل للصديق.



4- تعليم الطفل لمهارات اجتماعية محددة مثل تعليمه مهارة الاتصال وخاصة كيفية الإصغاء والاستماع، وكيفية إقامة صداقات مع الزملاء، وكيفية توجيه التحية والسلام والسؤال عن المعلومات، ومن ثم تعليمه مهارة تقبل الرفاق والزملاء.



5- على الوالدين الاهتمام بميول طفلهم الرياضية بالتحديد؛ لأنه معروف أن الرياضي اجتماعي بطبعه، ومحاولة جعله ينتمي إلى إحدى فرق الألعاب الجماعية ( ككرة القدم، أو اليد .. )، لكي يتعلم روح الفريق والتعاون.



6- عدم تحميل الطفل فوق طاقته وقيامه بأعمال تفوق قدراته؛ وذلك حتى لا يشعر بالعجز مما يجعله يستكين ويزداد عزلة عن الناس، بل ننمي قدراته وقيامه بالأعمال التي تناسب قدراته وعمره الزمني.



7- إذا كان سبب شعور الطفل بالنقص اعتلال أحد أعضاء جسمه فينبغي تدريب العضو المعتل لأن التدريب يزيد من قوة العضو المعتل، وبذلك يتخلص من شعوره بالنقص وتتحقق سعادته.



8- الاعتماد على اللعب التعبيري ( التمثيلي ) لتوصيل كيفية أن العضو الفعال في المجتمع محبوب ومحترم لدى الآخرين، وكذلك الاهتمام بالألعاب الجماعية التي يشترك فيها مجموعة من الأطفال، حتى يحتك مع أطفال آخرين من ثقافات مختلفة.


9- في بعض الحالات يكون تربية الحيوانات الأليفة المنزلية لها عامل كبير على تحسن التفاعل والنمو الاجتماعي لدى الطفل، فقد نشرت أحدى الصحف البريطانية كيف أن ببغاء صغير نجح في كسر عزلة طفل بريطاني يعاني صعوبة في النطق؛ حيث لقنه أول كلمات يتفوه بها بعد بلوغه من العمر أربع سنوات! وحسب الصحيفة فإن الأطباء يتوقعون أن يبدأ الطفل ديلان في تعلم كلمات من مقطعين من الببغاء، وترجع هذه الظاهرة إلى شعور الطفل بالسعادة في وجود الببغاء فالببغاء نجح في لفت انتباه الطفل إليه والذي حاول بدوره تقليد أصوات الببغاء.
معتز شاهين

Post: #162
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:26 PM
Parent: #161

الأبناء هم النعمة التي وهبها الله لنا، وهم أملنا وأمل بلادنا وقوام مستقبلها، وهم أمانة في أعناقنا، وغرس أيدينا.. ما نزرعه فيهم نجنيه منهم، وما نربيهم عليه ونبثه فيهم من قيم ومبادئ، أو نعلمه لهم من معارف وقناعات ومفاهيم يساهم بشكل لا يمكن لأحد أن يجادل فيه في تكوين شخصياتهم وتشكيل ملامحهم النفسية والسلوكية، فالأبناء يولدون صفحة بيضاء ينقشها الآباء والأمهات، ثم يتعلمون مجموعة من الأشياء التي يكونون منها لغة يعرفون بها العالم الخارجي، ثم ما يلبث الأبناء أن يكتشفوا أن الآخرين يتكلمون بلغة مختلفة، ولا نعني باللغة اللكنة أو اللهجة ولكن نعني بها ما تعلموه من المفاهيم والقيم والأخلاق والعادات والطبائع والأساليب التي يتعاملون بها مع الآخرين، من هنا تأتي أهمية اختبارات مدى الثبات والثقة بالنفس .. إن 90% من قيم كل شخص فينا تتكون قبل سن 7 سنوات !

إن الثقة بالنفس تنمو مع الفرد ويتواكب نموها مع نموه العقلي والجسدي ويرتبط ذلك بالبيئة التي ينشأ فيها، فالطفل يكتسب الثقة بالنفس خلال الأعوام الأولى من حياته عن طريق التفاعل الاجتماعي الحاصل بينه وبين الأم، وبينه وبين أفراد الأسرة والآخرين.


ويتم تقوية الثقة بالنفس أو إضعافها عن طريق نوعية التنشئة الاجتماعية، فعندما ينشأ الطفل في بيئة مملوءة بالثقة بالنفس يكون واثقا من نفسه معتمدا عليها لا يتخوف من مجابهة المواقف الاجتماعية أيًّا كان نوعها، ويحاول أن يخلق مواقف جديدة، ويتعامل مع الآخرين من مختلف الأعمار والأجناس.


إن إتاحة الفرصة للأبناء للتعبير عن مشاعرهم وآرائهم، ومنحهم التشجيع والتحفيز في ممارسة نشاطهم الحركي والفكري المستقل، كثيرا ما يؤدي إلى تكوين الثقة بالنفس وتقويتها، بينما يحدث ضعف أو فقدان للثقة بالنفس منذ الطفولة بسبب النواهي المتعددة، والانتقادات المختلفة التي يتلقاها الطفل من أبويه أو ممن يكبره سنًّا، دون الالتفات إلى كيفية التعامل مع المرحلة السنية التي يمر بها أو القدرات والإمكانات التي يتمتع بها، مما يؤدي إلى فقدان احترام الذات، وضعف الثقة بالنفس، وبالتالي يشعر الأبناء بأنهم مترددون، وخائفون، وغير مؤهلين لمواجهة أبسط المواقف التي يمرون بها.

التربية و الثقة بالنفس
هناك ظاهرة تتجلى واضحة في معظم بيوتنا وهي حجر الآباء على رغبات وميول الأبناء، فالأم إن كانت طبيبة ترغب في أن يكون طفلها طبيبا في يوم من الأيام، حتى وإن كانت له ميول مختلفة يريد صقلها بالدراسة.

إن كثيرا من الأمهات والآباء يريدون رؤية أنفسهم في أطفالهم سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية السلوكية، كما أن كثيرا منهم يجدون صعوبة شديدة في تربية أطفالهم إذا كانت شخصياتهم مختلفة عنهم.
قد يحاول أحد الأبوين دفع طفله المختلف عنه لأن يتبع طريقته نفسها، لكن هذا ليس حلا، فمن الضروري أن نقبل أطفالنا بشخصياتهم هم لأننا لو لم نفعل ذلك سيعانون.

على سبيل المثال، إذا دفعت طفلا ميوله أدبية لكي يتميز في العلوم لأن هذا هو مجالك، فقد يصبح طفلك متفوقا في مادة العلوم، لكنه لن يبرع في هذا المجال لأنه ليس المجال الذي يرى فيه نفسه ويشبع مواهبه هو، وكنتيجة لهذا قد يضعف تقديره لذاته.

عندما نحاول فعل أشياء نحن مجبرون عليها أو مضطرون إليها بدلا من الأشياء التي تنبع من داخلنا، فإن ذلك لاشك يولد شعورا دائما بعدم الثقة بالنفس، كما أن جزءا كبيرا من ثقتنا بأنفسنا ينبع من إيماننا بقدرتنا وكفاءتنا على فعل الأشياء التي نحاول القيام بها.
الأبناء الذين يجبرون دائما على القيام بأشياء لا تلائم طبيعتهم يكون إيمانهم بقدرتهم وكفاءتهم على القيام بهذه الأشياء ضعيفا، وبالتالي لن يشعروا بالحماس لعمل أي شيء جديد لشكهم وعدم ثقتهم في قدرتهم على النجاح، أما الأبناء الذين لديهم إيمان قوي بقدرتهم وكفاءتهم فغالبا ما يتمتعون بحماس أكبر لأن توقعاتهم للنتائج التي يمكن أن يحققوها تكون إيجابية.
لذا فعلينا أن نكتشف بأنفسنا ميول ومواهب وإمكانات أبنائنا وهم في سن الطفولة، ومن ثم تعزيز وثقل هذه القدرات والميول ومراعاتها طوال عملية التوجيه والتربية والتعليم.

ويمكن اكتشاف تلك الميول والمواهب وتنميتها وثقلها لتعزيز الثقة بالنفس لدى الأبناء عن طريق:
- مراقبة الأبناء من حيث طريقة الكلام وأساليب التعبير والسلوك في البيت.

- محاولة الإجابة على جميع الأسئلة التي يطرحونها ببساطة وسهولة.

- عدم نهرهم على أسئلتهم.

- محاولة توفير الأدوات التي تساعدهم على إظهار ميولهم كتوفير أدوات الرسم إذا كانوا يحبون الرسم...الخ.

- إشراكهم في أي من الأندية والجمعيات المختصة منها بممارسة الأنشطة الثقافية أو الرياضية...الخ.

- محاولة استشارة أحد المختصين في علم التربية لكي يساعد بشكل أكبر في تنمية اتجاهاتهم.

إن أبناءنا ليسوا قوالب جامدة، بل كل ابن بداخله الكثير من الاختلافات، فقد تكون لديه نقاط قوة ونقاط ضعف، قد يجيد شيئا ولا يجيد آخر، مثله مثل كل البشر.

مقومات الثقة بالنفس
- احترام الذات بتقدير الآخرين.
- التعامل الجيد مع القريب والبعيد.
- التحكم في المزاج.
- التحلي بالهدوء.
- الثبات في القول مع عدم التردد.
- تحمل نتائج الأعمال مهما كان الثمن.
- حب الحق والحقيقة.
- الدفاع عن الحق بكل الوسائل.
- التوازن العاطفي.
- البحث عن الحلول باستمرار.
- التحقق والتبين عند كل غموض.
- تقديم العقلانية على السطحية.
- العزة من غير تكبر والتواضع من غير ذلّة.

تأثير الخوف على الثقة بالنفس
الخوف غريزة طبيعية وهو انفعال فُطرت عليه نفوس البشر والحيوانات على السواء، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بالمحافظة على البقاء، والخوف عند الأبناء يجعل الآباء قلقين على مستقبلهم، فالأب يود أن يكون ابنه شجاعا واثقا من نفسه لكنه يجد في ولده الصغير كثيرا من الخوف والرهبة من بعض الأمور أو المواقف.

الخوف ضروري أحيانا ليكون هناك نوع من الحذر والحيطة تجاه مواقف معينة كالخوف من الامتحان مثلا، لأن الخوف سيدفع الابن نحو المحاولة وبذل الجهد حتى يتمكن من النجاح، كذلك عندما يخطو خطوة جديدة عليه تنتابه بعض المخاوف من الفشل، وهنا يأتي دور المربي بضرورة تشجيع الابن ودفعه نحو الأمام ومد يد العون له وتوجيهه.

تثبت الدراسات أن الإناث أكثر خوفا من الذكور، ويبدأ من سن ثلاث سنوات، فقبل ذلك إذا وجد طفل حية فإنه سيداعبها ويحاول لمسها، وكلما تقدم الطفل في العمر تزداد مخاوفه إلى أن يصل إلى سن معينة تبدأ تقل فيه المخاوف نتيجة لحصوله على خبرات أكبر، ولنعلم أن معظم مخاوف الطفل غير موضوعية وإنما هي خيالية، وكلما اشتد الخيال عند الطفل كلما زاد خوفه، فعلى الآباء أن يحاولوا الحد من تلك التخيلات غير الواقعية عن طريق تهدئة الطفل وتعليمه أن هناك فرقاً بين الخيال والواقع.

بعض الآباء يرتكبون أخطاء كبيرة في حق أبنائهم، فيستخدمون الخوف كوسيلة مجدية لفرض الطاعة عليهم.

ومن الصعب الفصل بين الخوف والعقاب في تربية الأبناء، إن موقف الطفل تجاه العقاب يجب أن يتصف بالاتزان فلا يصل إلى درجة الرعب والهلع أو إلى درجة اللامبالاة، بل يكون في درجة وسط بينهما لنستطيع تقويم الطفل وتوجيهه نحو السلوك الاجتماعي الأفضل دون أن نفقده الثقة في نفسه نتيجة الخوف أو عدم الاهتمام نتيجة الاطمئنان الكامل والأمان من العقاب.
أخيرا، جميلة هي الثقة بالنفس، وجميل أن نرى أبناءنا، ثمرة كفاحنا وغرس أيدينا، وهم يمشون مطمئنين واثقين ومتميزين بين أقرانهم منتصبي الهامة لا يخشون إلا الله وهم يشقون طريقهم في الحياة من نجاح إلى نجاح بلا غرور ولا إعجاب خادع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الوعي العدد ( 532 )-عادل صديق

Post: #163
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:29 PM
Parent: #162

دع طفلك يلعب
هل يلعب طفلك ؟

أم تزعجك الفوضى التي يخلفها من جراء اللعب ؟

وما مدى معرفتك لدور اللعب في حياة طفلك ؟

كل هذه التساؤلات تدفعنا للقول: دع طفلك - عزيزي الأب - الأم- يلعب!

- إن جهل الكثيرين بأهمية اللعب في حياة أطفالهم آت من اعتقاد سائد لديهم مفاده أن اللعب غير ذي فائدة أو أنه مجرد مضيعة للوقت، ولكن الحقيقة الثابتة هي أن اللعب يعتبر المفتاح الذهبي لنمو الطفل الجسمي والوجداني والثقافي، فهو طريقة لاكتشاف عالمه واكتسابه لخبرات عديدة عن نفسه وعن محيطه.

والحقيقة أن الدراسات الحديثة لسيكولوجية الطفل أبطلت هذه المفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة لدى البعض، حيث كانت ترى في شراء الألعاب للأطفال هدراً للمال ومضيعة للوقت، في حين يرى البعض الآخر أنها عبارة عن مجسمات لا فائدة لها وإن كانت تفرح أطفالهم لأن مصيرها الكسر وسلة المهملات، جاهلين بأن اللعب- على اختلاف آليته ومهما كان مصيره- نافذة تطورية خلاقة لأطفالنا، تتكون من خلالها رؤيتهم عن العالم المحيط، وتعد فرصة ثمينة لبناء شخصية سوية.

لذلك نكرر قولنا بكل ثقة: دع طفلك يلعب!

ولكن عليك أن تعلم أن طفلك يحتاج مكاناً خاصاً يضع فيه أشياءه، ويمارس اللعب بحرية متاحة وإن اختلفت ماهية هذه الألعاب حسب ما تراه ثقافة المجتمع أو قدرات الطفل ورغباته.

وكثيرا ما يتبادر إلى أذهاننا تساؤل العديد من الآباء والأمهات عن آلية التعامل مع أطفالهم وقدراتهم.

ولكن الجدير بالذكر أنه في حال لاحظت أيها المربي أن هناك بعض الأطفال الذين يمتلكون قدرات عالية تمكنهم من التعامل مع ألعاب مجهزة بتقنية مرتفعة كحل الألغاز أو تركيب وتحليل ألعاب صعبة في حين يفتقر طفلك لكيفية التعامل مع هذه النوعية من الألعاب، فاعلم أن هذا لا يعني بالضرورة أن الطفل سيكون قادراً على فعل كل ذلك أو أنه يتوجب عليه القيام بذلك، فلا تدع عجزه عن ذلك يدفعك إلى الإحباط والتقليل من شأنه.
ولتعلم أن لكل طفل قدراته وميوله الفكرية وإمكانياته وخبراته المكتسبة من بيئته الحياتية وبالتالي يتطلب منا كآباء ومربين أن نقوم باختيار الألعاب التي من شأنها تنمية فكر طفلنا وذكائه وتفريغ انفعالاته بدلا من توجيه اللوم له، وإن كان مصيرها الكسر والتخريب أو الفوضى، ولاسيما أن اللعب بالإضافة إلى دوره الترويحي الهام في نمو قدرات الطفل فهو مرآة تعكس حالته النفسية أيضا، فعندما يضرب الطفل لعبته المتمثلة بطفل صغير «بي بي»، فإنما هو بذلك يسقط إحساسه بالغيرة من المولود الجديد الذي أخذ مكانه على ألعابه متمنيا ضربه وإبعاده ومظهراً بذلك إشارة مهمة لنا عما يعانيه طفلنا من ألم، وبالتالي يتطلب منا تغيير معاملتنا لهذا الطفل والاهتمام به أكثر.

وانطلاقا من كل ما سبق، نصل إلى حقيقة مفادها أن اللعب يعتبر منفذا طبيعيا لدى الطفل، حيث يفرغ الطفل انفعالاته ويستهلك طاقته الزائدة والتي تعطيه الفرصة للحركة، فضلا عن كونه وسيلة جيدة لفتح شهيته للطعام وتشجيعه على النوم الهادئ والطبيعي، وهذه أمور مهمة أيضا في حياة الطفل، غالبا ما تنصب شكاوى الأهالي حولها.

وأخيرا يمكننا القول إن الدور المهم للعب يتمثل في تحويل الطفل من مخلوق يركز في ذاته إلى إنسان اجتماعي يشارك الآخرين في لعبهم، وهذا بالضبط ما يدفعنا للطلب منك مجددا: دع طفلك يلعب
مجلة الوعي عدد رقم ( 523 )

Post: #164
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:31 PM
Parent: #163

العنف ليس له وطن ولا جنس ولا لون بل هو بضاعة مشاعة بين مرضى النفوس من الرجال والنساء، فقد وجد من ينتقم من أحب الناس إليه مثل زوجته وأولاده وقد تسئ الزوجة إلى زوجها وأولادها، والإسلام يوفر الحماية حتى للجنين في بطن أمه.
والإسلام كرم المرأة، وإذا وجد في مجتمعات المسلمين من يسيء للمرأة فلا علاقة لتلك الإساءات بالشرع الحنيف، بل فيها دليل على بُعد ذلك المسيء عن هدي رسولنا صلى الله عليه وسلم، ويؤسفنا أن نقول إن بعض الشعوب التي دخلت في الإسلام حملت معها ثقافات جاهلية في التعامل مع المرأة ثم ألبستها لباس الإسلام زوراً، كما أن العالم الغربي بآلته الإعلامية الضخمة ركز على بعض صور الإساءة في بلادنا — على قلتها — ليجعلها سبباً للتدخل في شؤون المجتمعات المسلمة، وقد يُعذَر الغرب الشارد عن الدين في وجود النماذج الشائعة عندهم، ولكن لا عذر لحملة الحق إذا حصل عندهم تقصير علماً أن المسلم الحق لا يجد مشكلة في تعامله مع المرأة، لأنها الأم العزيزة والبنت الغالية والزوجة الكريمة والخالة الحنونة ولكن ذلك الكمال في التعامل بات مهدداً في زمان أصبح فيه العالم شاشة واحدة، فتأثرت المجتمعات المسلمة بما عند القوم، فوجد فينا من يسئ إلى المرأة المسلمة ويستغل القوامة بعد أن أساء فهمها، فكان لابد من وجود مؤسسات للرعاية والحماية تسد تلك الثغرة بعد أن طال غياب القوانين الشرعية الكاملة التي تؤَمّن الإنسان وتضمن له العيش الكريم.

خطأ من تكلم عن قسوة نظام الإسلام
وقد أخطأ من تكلم عن قسوة نظام الإسلام في الردع وثبت فشل من استبدلوا تلك التشريعات الحكيمة بقوانين كان من نتاجها تمرد المرأة على زوجها، والطفل على مدرسته، والرجل على نظام دولته، حتى وجِدت مدارس تفقد الإدارات سيطرتها على الطلاب، ومدن تفقد الحكومات فيها سيطرتها على الأمن، وبات أمن الناس مهدداً في ساعات الليل وربما في وضح النهار، وإذا كان الإسلام قد أباح الضرب كلون من العقاب؛ فقد جعل ذلك في أضيق نطاق وكآخر علاج ودواء وفق شروط وضوابط عديدة متوسطاً في ذلك بين من جعلوا الضرب هو الأصل وبين من أرادوا منع الضرب بالكلية.


العنف الأسري.. ابتلاء
العنف الأسري الذي ابتليت به المجتمعات العربية والإسلامية بعد أن كانت مضرباً للأمثال في الرفق والرحمة ليدعو الفضلاء للتنادي لإيقاف دوامة العنف التي بدأت تطل برأسها، ولعل المخيف والمزعج حقاً هو وصول العنف إلى دائرة الأسرة، بل أسوأ من ذلك تمكن المسئ من المساس بالأعراض عبر الإساءة الجنسية، ثم يظل المجرم معززاً مكرماً ليعاني من يتعرضون للإساءة وحدهم الجراحات والمرارات، فكيف يعتدي قوي على إنسان ضعيف بدلاً من أن يمنحه الأمان والحنان، ولا شك أن من يفعل ذلك يعتبر مفرطاً في كل شيء.. في دينه ومسؤولياته المجتمعية وفي الأمانة التي ائتمنه الله عليها، وليس في ديننا ما يدعو إلى السكوت على الإجرام وأهله بل القوي فينا ضعيف حتى يؤخذ الحق منه، والضعيف فينا قوي حتى نأخذ الحق له.
والمؤسسة القطرية لحماية المرأة والطفل تدعو إلى الخروج من دائرة الصمت — الذي لا يستفيد منه إلا المجرمون — لنبحث معاً في سبل الوقاية والحماية ثم العلاج والتأهيل لمن تضرروا من الظاهرة، وأولى بهذه المهمة حملة الدعوة والهداية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. الفرجابي (الشرق 30/10/2010م).

Post: #165
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:33 PM
Parent: #164

جامعة الحياة الزوجية
نحن بحاجة لجامعة الحياة الزوجية، يُدَرَّس فيها فن تعامل الزوج مع الزوجة، والزوجة مع الزوج، وتُدَرَّس مواد عن الحياة الزوجية، وأساليب التعايش الأسري، يقوم بتدريس هذه المواد معلمون ومعلمات عندهم خبرة واسعة وتجربة طويلة في حسن العشرة، ولديهم التخصص في حل المشكلات الزوجية، وتكون هناك دورات للشباب والشابات قبل الزواج؛ حتى يتعلم الجميع الحياة الزوجية الراشدة على نور من هدى الإسلام، والتجارب الصحيحة الناضجة في هذا الباب، حينها لا يتزوج الفتى والفتاة إلا بعد معرفة تامة بكيفية التعامل، واحترام المشاعر، وأداء الحقوق، حينها تنتهي غالب مشكلاتنا الأسرية، ومآسينا الاجتماعية؛ كقضية الطلاق والهجر والشقاق والغضب وإهمال الأبناء وسوء التربية ونحوها من المعضلات. قرأت كتبا غربية في هذا الباب فإذا كثير من أفكارها موجود عندنا في ديننا الحنيف، لكنها لا تُفَعَّل لدينا في حياتنا، وبقيت رهينة الكتب، فحصل عندنا عنف اجتماعي وأسري، وقسوة وتنافر في الحياة الزوجية، تنتهي بالفراق والطلاق وتهديم الأسرة وضياع الأبناء، وإبطال مشروع الزواج وهدم مقاصد البيت في الإسلام، ووعظ الناس وعظاً شفوياً لا يكفي في تطبيقهم وامتثالهم للأفكار الراشدة والعلوم النافعة؛ بل ينبغي أن يكون هناك تدريب عملي وتطبيق ميداني، مثل من يأخذ دورات في الخطابة والإدارة والتجارة.

وفي كتاب (قوة الصبر) للكاتبة (أم جيه رايان) ذكرت أن مجموعة من الطلاب متوسطي الذكاء تدربوا على الصبر، ومجموعة أخرى عباقرة لم يتلقوا تدريباً على الصبر، ثم تزوج الجميع فوجد أن نسبة الطلاق عند من تَدرَّب على الصبر نسبة ضئيلة، أما عند العباقرة الذين لا يملكون صبراً فقد ارتفعت النسبة إلى خمسين في المائة، نحن نحتاج إلى تمارين في الحياة الزوجية قبل الزواج حتى نأتي إلى بيت الزوجية ونحن على أتم الاستعداد للتعامل مع الأحداث الطارئة فيه. ليس الزواج مشروع بناء منزل ولا شراء سيارة، ولا العمل في مزرعة، إنما الزواج قضية إنسانية، وعبادة ربانية، ومهمة كبرى؛ لأن فيه تكوين أسرة، وبناء جيل، وعمارة أرض، يوجد لدي رسائل جمعتها من الندوات والمحاضرات والقنوات الفضائية والإنترنت لشباب طلقوا زوجاتهم لأسباب تافهة سخيفة، ثم ندموا وتحسروا، ولو أنهم عرفوا الحياة وتعلموا فن التعامل مع الزوجة لما أقدموا على هذا القرار السيء، نريد من جامعة الحياة الزوجية أن تجمع لنا نصوص الوحي، وتجارب الأمم، ومعارف الإنسانية في هذا الباب، ويقوم الأساتذة بتدريسها للطلاب والطالبات وامتحانهم في هذا الباب. إن الدابة لا تعلف في أسفل العقبة، وإنما تعلف قبل أيام، وإن الحياة الزوجية لا تصلح للأوغاد الأغمار قليلي التجربة ناقصي العلم والعقل؛ لأن بعضهم يعيش في مثاليات وخيالات فيشترط شروطاً في زوجته لا توجد في ابنة سعيد بن المسبب، ولا في سكينة بنت الحسين، ولا في زبيدة زوجة هارون الرشيد! وتجده هو أحمق من هبنقه، وأبخل من مادر، وأجبن من أبي حية النميري، وأبشع منظراً من الجاحظ، لماذا لا نعيش بشريتنا وواقعنا ونعترف بأخطائنا ونبدأ بإصلاح أنفسنا، ونعلم أن زكاة الغنم الأجرب إنما هي بشاة جرباء منها.

وإذا فتحنا جامعة الحياة الزوجية فسوف ننهي 70% من حالات الطلاق، والمشكلات الأسرية، وسوف نقفل ملفات السب والشتم واللعن والضرب والصياح والنواح والضجيج في البيت، وسوف نأتي إلى الحياة الأسرية وعندنا علم نتعامل به، ودربة نواجه بها الأخطار، ومعرفة عميقة نتصرف بها أمام أحداث البيت، مشكلتنا أننا نتعلم فن الطبخ والنفخ، والتزلج على الثلج، وصيد الأرانب والحمام، وجمع الطوابع والمراسلة، ولكننا لا نتعلم قضية كبرى اسمها الحياة الزوجية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقع شبكة الإسلام، بإشراف د.عائض القرني، ركن الأسرة والمجتمع، النكاح، باختصار.

Post: #166
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:34 PM
Parent: #165

ممارسة عملية الاختيار للزواج (الخطوبة) من أقدم الممارسات في التاريخ، فقد وجدت مع بدء الخليقة على الأرض ولكنها تتشكل وتتغير، وفق ظروف كل مجتمع وثقافته وعصره فهي عملية اجتماعية بحتة، صاغها المجتمع على مر الزمن وفق ثقافته، وعقيدته الدينية.

أنواع مختلفة للخطوبة

عملية الاختيار للزواج (الخطوبة) في العقود الخمسة الماضية مرت بأطوار مختلفة، شأنها شأن كل العمليات الاجتماعية في أي مجتمع من المجتمعات، ومن ذلك الطريقة المتعارف عليها عن طريق الأسرة، وهي من أقدم الممارسات الاجتماعية لعملية الاختيار للزواج، وتتم في كل مناطق السعودية من دون استثناء، وتتم بمدى مناسبة المخطوبة للمواصفات التي حددها الشاب، أو وفق تطلعاتهن، والعامل الفاعل في هذه الوسيلة، هو العنصر النسائي لسهولة إطلاعهن على البنات لدى الأسر الأخرى، مشيراً إلى نوع آخر عن طريق الأصدقاء أو الزملاء في العمل، وهذا النوع من الاختيار له حضور ليس بالقليل بين الشباب في المجتمع، وبخاصة في المناطق الحضرية والمدن الكبرى، حيث يتوصل الشاب إلى شريكة حياته عبرهم، وهذا النوع محبب لدى كثير من الشباب؛ لأنّه يوفر للشاب مرونة أكبر في الحديث عمن يبحث عنها لتكون زوجة له، وقد بدأت هذه الطريقة بالتنامي بعد تزايد دخول الشباب إلى الوظائف وتعرف كثير منهم إلى كثير من الزملاء في محيط العمل.

الخطّابون والخطّابات

هناك طريقة أخرى لاختيار الشريك عن طريق الخطّابين والخطّابات في المجتمع تكيفاً مع ظروف المجتمع، فكان يقوم بها بعض المحتسبين من أئمة المساجد أو ممن هو معروف بالصلاح، وبخاصة كبيرات السن، ثم توسعت هذه العملية بشكل أكبر وازداد الحضور النسائي، وأصبحت تميل إلى العفوية والتلقائية والنصح، مضيفاً أنه مع مرور الزمن بدأت تنصبغ بالجانب المادي، وفق المواصفات التي يطلبونها، مشيراً إلى أنّ هناك مشاريع الزواج ومنها: مشروع بن باز الخيري لمساعدة الشباب على الزواج، الذي يعد أول مشروع على مستوى المملكة، لمساعدة غير القادرين على الزواج ودعمهم مادياً، إضافةً إلى كثير من المشاريع التي تماثل ذلك، وتتصف بالسرية التامة والخصوصية بدرجة عالية في تعاملاتها.

الإنترنت والقنوات

التقدم التكنولوجي والوسائل التقنية كان لها دور في ذلك، فقد انتشرت مواقع الإنترنت التي تدعي حسن النية وحل مشكلة العنوسة والوصول إلى الأسرة السعيدة، عبر التعارف، ذاكراً وجود مواقع إلكترونية تعلن بشكل لافت للنظر عن عدد من الفتيات الراغبات في الزواج، فمنها ما هو تجاري هدفه تحقيق الربح من خلال الإعلانات التجارية التي تتخلل الموقع، متخذة طابع الدعاية من أجل جذب المشتركين إلى الموقع، بالإضافة إلى وجود القنوات الفضائية التي أخذت في الانتشار بعد التوسع الكبير في البث الفضائي، وسهولته، وقلة تكاليفه المادية عن طريق خدمة الرسائل النصية المرسلة من خلال الجوالات أو مجموعة من اللوحات الإعلانية الثابتة، التي لا تحمل أي تقنية مكلفة، ويمكن أن تُدار من خلال شقة صغيرة في أي مكان من العالم.

انحسار دور الإنترنت في الزواج تدريجياً

عملية الاختيار للزواج عن طريق الانترنت، من المتوقع ألا يكون لها رواج حقيقي، وسوف ينحسر دورها تدريجياً؛ لضعف الصدقية في المعلومات المتحصلة من الانترنت، وإمكانية الخداع والتحايل فيها، أما عبر القنوات الفضائية فمن المؤكد أن دورها تحديداً سينتهي قريباً، من خلال العديد من الدراسات التي نفذت وأظهرت ذلك".

إضافة إلى أن أسباب الفشل في الحياة الزوجية بداية من سوء الاختيار، وبخاصة إذا كان ذلك الاختيار معتمداً في ركنه الأساس والوحيد على الأمور المادية البحتة مثل: الجمال والمال والنسب فقط، لتكون بديلاً عن القيم والأخلاق والدين، وكذلك عزل (التأثير الأسري) في مسألة الاختيار الذي جعله الإسلام من أساسيات الزواج، إضافة إلى العلاقات البينية بين أفراد الأسرة الكبيرة، والجيران وبخاصة في المدن الكبرى، ومن آثارها الملموسة تقطع العلاقات البينية المؤدية إلى معرفة التفاصيل عن أفراد الأسرة.

مكاتب شخصية

بعض الدول العربية سمحت بافتتاح مكاتب شخصية يتمّ الترخيص لها من الجهات المختصة لممارسة عملية الاختيار للزواج (الخطوبة)، فيوجد في مصر (125) مكتباً، وتدرس وزارة الشؤون الاجتماعية في الإمارات الآن الترخيص لمكاتب خاصة بالخطّابين، ويتوقع التوسع في هذه المهنة بعد أن أصبح الشباب يحرصون على ما يُسمى (الزواج الاغترابي)، أي من خارج نطاق الأقارب، حيث تشير بعض الدراسات إلى ذلك النوع من الزواج هو النمط المفضل لدى جيل الأبناء، مؤكداً أن مجتمعنا من أصعب المجتمعات تقبلا ً للشيء الاجتماعي الجديد، وكذلك بسبب ضعف انتشارها جغرافيا وقلة عددها، إلى جانب ضعف الانتشار الإعلامي، بل والغالبية العظمى من القائمين على هذه المشروعات من العنصر الرجالي، وهذا يُضعف عملية التواصل من قبل أمهات الفتيات.

التراخيص الرسمية

ودعا "د. السدحان" إلى التوسع الكبير في مشروعات الزواج التي تقوم ببرامج (التوفيق)، وذلك من خلال الترخيص الرسمي للمزيد منها، ووضع قيادات مجتمعية وشرعية لإكسابها ثقة الناس فيها، إلى جانب الترخيص الرسمي لبعض الخطّابين والخطّابات، الذين ثبتت جديتهم وأمانتهم، وحصولهم على تزكية من جهات موثوقة أو وجهاء معتبرين في البلد من العلماء أو غيرهم

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

د. عبدالله السدحان، وكيل وزارة الشؤون الاجتماعية المساعد (الرياض 11/11/2010م)، بتصرف.

Post: #167
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:36 PM
Parent: #166

تنبيهات تحفظك من آثام واتس أب
كتبها فضيلة الشيخ د/ عمربن سعود العيد حفظه الله ورعاه وجميع المسلمين .
👈 أولاً :
١- لا تعيد إرسال رسالة تحمل رقم جوال ، مثل : (فتى ضائع ، مُحسن مُتبّرع للفقراء ، مريض يطلب الدعاء ، دورات تدريبية ، وظائف ، حتى ولو كان الإعلان عن دورة تحفيظ للقرآن) إلا إذا كان هناك رابط لموقع إلكتروني .
فقد كثُر الاستغلال بهذه الطريقة والابتزاز ، وأحيانا يكون من باب النكتة وإزعاج صاحب الرقم بكثرة المتصلين .
👈 ثانياً :
٢- لا تعيد إرسال رسالة تحذر من شخص أو مركز أو مشغل أو محل .. فإن استطعت التّثبّت - بلا تجسسٍ ولا تحسس - ، وإلا فاصمُت .فنحن غير قادرين على تحمل وِزر هؤلاء إن كانت الرسالة كاذبة أو كيدية ..
👈 ثالثاً :
٣- لا تعيد إرسال رسالة تحمل حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
إلا إذا تأكدت من : صحته .
فالكذبُ هنا استكثارٌ من النار - نسأل الله السلامة والعافية - ، فيجب : التّثبّت والبحث والسؤال ، وقد تساعدك بعض المواقع الموثوقة ، كموقع اهل الحديث والدرر السنية
ومواقع العلماء الراسخين كابن باز وابن عثيمين والألباني رحمة الله عليهم اجمعين وغيرهم ..
👈 رابعاً :
٤- لا تعيد إرسال رسالة تسخر من (أهل بلدك) وهل يُعقَل أنْ نسخر من أنفسنا ،
مثل : شعب منتهي ،
وشعب ماله حل ..
فمكوّنات هذا الشعب .. هو : أنا وانت و والدينا وأزواجنا وإخواننا وأولادنا ...
فكيف نسخر من أنفُسِنا ،
ونريد العالم أن يحترمنا ..
👈 خامساً :
٥- لا تعيد إرسال رسالة تسخر من أي جنسية أو منطقة أو قبيلة أو إقليم أو أي فريق كروي..
فهل نحن قادرون على تحمل إثم غيبة هؤلاء جميعا ..
👈 سادساً :
٦- لا تعيد إرسال نكت المحشش والسكران ، وإظهارهم بمظهر الشخص المرح والفكاهي .
فهذا يعطيهم قبولا لدى الشباب والمراهقين
فضلا عن الأطفال ، فيعتادون على صورتهم وعلى ذكر أم الكبائر بكل أريحية وبدون استنكار ...
👈 سابعاً :
٧- لا تعيد إرسال أي خبر مهما كان صحيحاً وهو يثير الرعب والبلبلة .حتى لا تكون من المرجفين في الأرض .
👈 ثامنا :
٨- لا تعيد إرسال أي فيديو يحوي موسيقى أو صور نساء أو غيرها من صور محرمة.
قال تعالى : ( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ).
👈 وأخيراً ..
من فضلك ﻻ ترسل الكذب و التوافه من الرسائل فلو لم ترسل في الأسبوع إﻻ واحدة ولكنها تستاهل الإرسال ، خير ألف مرة من رسائل الحشو التي تضيع الأوقات وتهدر الأعمار .
والتراسل ليس للتسليه فحسب ، بل المفترض ان يكون وسيلة تواصل للسؤال
عن الاحوال او نشر العلم الشرعي الصحيح أو الفوائد والطرف والغرائب لكن بصدق إلخ ،
قال تعالى { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَىٰ وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُّبِينٍ} يس ١٢.
دع الخبر السيئ يقف عندك ويموت ولا ينشر من خلالك
اقرؤوها

Post: #168
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:37 PM
Parent: #167

ﻃﺮﺣﺖ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﺐ ﻣﻦ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﺍﻟﻨﻘﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺭﻧﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻔﺘﺤﺖ ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻮﺍﺗﺲ ﻣﻦ ﺯﻣﻴﻠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﺎﻓﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺭﺑﺎ ﺻﻮﺭﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺴﻮﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﻭﻣﻨﻈﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺨﻼﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﺪﻕ ﻭﺿﺤﻜﺎﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻨﻘﻠﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﺝ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ . ﺍﺧﺬ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻳﻌﺘﺼﺮ ﺃﻟﻤﺎً ﻭﻫﻲ ﺗﺮﺩﺩ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﻌﺪﻙ ﻭﻳﺤﻔﻈﻚ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﺯﻗﻨﻲ ﻣﻤﺎ ﺭﺯﻗﻚ. ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﺍﻻﻧﺴﺘﻐﺮﺍﻡ ﻭﻓﺘﺤﺖ ﺣﺴﺎﺏ ﺃﺧﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﺗﺠﺪ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺪﻳﺔ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﺮﻗﻴﺘﻪ . ﻗﺎﻟﺖ : ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﺨﺮ ﻟﻬﺎ ﻭﻳﺴﺨﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﻣﺎﺟﺎﺏ ﻟﻲ ﺯﻭﺟﻲ ﻫﺪﻳﺔ ﺇﻳﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪﻟﻠﻪ . ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﺣﺴﺎﺏ ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ ﻋﺒﻴﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻮﻥ ﻭﺟﺒﺔ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ . ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﺣﻢ ﺿﻌﻔﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻄﺒﺦ ﺗﻌﺒﺎﻧﻪ ﻋﻠﺸﺎﻥ ﺍﻟﻌﺸﺎ ﻭﻫﻢ ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﻄﻌﻢ ﻣﺘﻬﻨﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺪﻳﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﻌﻤﺘﻪ . ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﻭﻗﻠﺒﻬﺎ ﻛﻠﻪ ﺣﺴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﻣﺰﺩﺭﻳﺔ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﺎﻓﻠﺔ ﻋﻤﺎ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻫﺎ . ﺃﻏﻠﻘﺖ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﻭﻏﺎﺩﺭﺕ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﻟﺰﻭﺟﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻓﻼﻧﺔ ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ ﻭﻣﺜﻞ ﻓﻼﻥ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻓﺮ ﺑﺰﻭﺟﺘﻪ ﻭﻓﻼﻧﻪ ﻭﻓﻼﻧﻪ ﻭﺗﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺎﻥ ﺭﺩﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻴﺴﺮ ﻭﻳﺪﺑﺮ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ. ﻋﺎﺩﺕ ﻟﻐﺮﻓﺘﻬﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺨﻠﺪ ﻟﻠﻨﻮﻡ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻣﺼﺤﻔﻬﺎ ﻟﺘﻘﺮﺃ ﻭﺭﺩﻫﺎ ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺭﺓ ﻃﻪ ﻓﺎﺳﺘﻌﺎﺫﺕ ﻭﺑﺴﻤﻠﺖ ﻭﺗﻠﺖ ( ﻃﻪ * ﻣَﺎ ﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥَ ﻟِﺘَﺸْﻘَﻰٰ * ﺇِﻟَّﺎ ﺗَﺬْﻛِﺮَﺓً ﻟِّﻤَﻦ ﻳَﺨْﺸَﻰٰ ) ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻗﻠﻴﻼ ﻭﺗﺄﻣﻠﺖ ﺍﻵﻳﺎﺕ ( ﻣَﺎ ﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥَ ﻟِﺘَﺸْﻘَﻰٰ) ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ : ﺃﻧﺰﻟﻪ ﻟﺘﺴﻌﺪ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺇﺫﺍ ﺗﺪﺑﺮﻩ ﻭﻋﻤﻞ ﺑﻪ . ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﺗﻼﻭﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻲ ﺗﻘﺮﺃ ( ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﺗﺴﻤﺮﺕ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﺮﺩﺩﻫﺎ (ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻵﻳﺔ ﺗﺨﺎﻃﺒﻨﻲ (ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﺗﻨﻬﺪﺕ ﻭﻗﺎﻟﺖ : ﺭﺣﻤﺎﻙ ﺭﺑﻲ ﻛﻢ ﻣﺪﺩﻧﺎ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﺗﺤﺴﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻮﺍﺗﻪ ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﻓﻘﺪﻧﺎ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﻓﺘﺴﺨﻄﻨﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻤﻸ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻢ ﻻ ﺗﻌﺪ ﻳﺨﻄﺊ ﻣﻦ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺩﻕ ﻓﺎﻟﺴﺮﻭﺭ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﺯﻗﻨﺎ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻳﺎﺭﺏ..
تامل وتدبر ..
منقول

Post: #169
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:42 PM
Parent: #168

نسمع الشتائم في كل مكان وفي أحوال مختلفة بين الوالدين وأبنائهما، حيث تنتشر في البيئات البعيدة عن هدي القرآن، وتربية الإسلام، وإنني أرى كما يرى مختصون ومراقبون غيري أن من الأسباب التي تقود إلى ذلك:

ـ غياب القدوة الحسنة: فتربية الأولاد تربية إسلامية جيدة، لن يتم إلا بأن يكون الأب والأم قدوة حسنة لأبنائهما وبناتهما، وذلك بالتحلي بأخلاق القرآن والسنة، والسير على النهج النبوي القويم، قال تعالى {لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة...} (الأحزاب:21)، فالأبوان هما أساس التربية ووجهة القدوة عند الأبناء، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه... » (رواه البخاري)، لهذا كله وجب علينا- كآباء ومربين- أن نعطي الأولاد القدوة الصالحة في حسن الخطاب وتهذيب اللسان، وجمال اللفظ والتعبير.

-ومن حسن القدوة مثلا ألا يبتسم الوالدان إذا نطق الصغير بكلمة خارجة أو بعيدة عن الأدب، وتمرير مثل هذه الكلمة مرة يجعل الصغير يعيدها، بل وأشد منها، فيجب أن نحذره ونعاتبه، ونعلّمه أن الولد المحترم لا يقول مثل هذه الكلمات، ولا يعاقب الطفل أول مرة عقابا شديدا، لأنه كلام جديد في حياته، فإذا تكرر هذا الكلام فعلى الوالدين أن يتريثا ويتمهلا، فالعلاج يجب أن يكون بالرفق واللين بعد أن يعاد عليه الكلام من غير الثورة العارمة التي نراها من الوالدين، فنشعره بالألفة والحنان حتى وهو مخطئ، كما علمنا نبي الرحمة- صلى الله عليه وسلم- بقوله «إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه» رواه مسلم .

ـ رفقاء السوء : فالولد الذي يلقى للشارع ويترك لقرناء السوء، ورفقاء الفساد، من البديهي أن يتلقى منهم لغة اللعن والسباب والشتم، لذا وجب على الوالدين أن يحفظا أبنائهما، وأن يتابعا دائما من يصادقونهم ويتعاملون معهم، فالمرء على دين خليله.

ـ دور المعلم والمعلمة : فيجب عليهما أن يراقبا الصغار، فمن وجد منهم طفلا ينطق بكلمة سيئة أو غير حسنة قومه بطريقة لينة مهذبة، وعلّمه أن هذا لا يليق به كمسلم ولا بعائلته المحترمة، ويجب على الوالدين أن يتواصلا مع معلمي أبنائهما في المدرسة.

المعالجة الخاطئة للسلوكيات المنحرفة

كثيرا ما نجد الأبناء يخطئون بقصد أو بغير قصد، فيبادر الوالدان بكيل الشتائم والكلمات التي تريح نفسية الوالدين، لكنها تؤرق الأبناء وتزعج مزاجهم وتشعرهم بالحقارة، والصحيح أن نقابل التصرف الخاطئ بكلمات توجيهية ودعائية لتصحيح المسار مثل «جعلك الله من الصالحين»، «بارك الله فيك» وغير ذلك من العبارات المهذبة التي تُحرج الطفل وتجعله يعيد التفكير في أفعاله، لا العناد والاستمرار عليها.

و يجب على المربين أن يلقنوا أولادهم من القرآن والسنة ما يعلمهم حسن الخلق وجزاء السب والشتم، وأن يُبيّنوا لهم ما أعد الله للمتفحشين واللاعنين من إثم كبير وعذاب أليم عسى ان يكون ذلك زاجرا لهم.

ومن الأحاديث التي تنهى عن السباب وتحذر من الشتائم
- "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه، قيل يا رسول الله، كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: يسب الرجل أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه" رواه البخاري وأحمد.

- "سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

- "إن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوى بها في جهنم" رواه البخاري.

- "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه الترمذي.

ومن القرآن الكريم قوله تعالى {ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون} إبراهيم 24-25
ثم نشرح للأبناء أن الكلمة المؤذية شجرة خبيثة ينفثها الشيطان في أذن قائلها، فتؤذي من يسمعها، ولا يقدر بعد ذلك أن يعالج ما فعل، والشاعر العربي يقول:

جراحات السنان لها التئام ولا يلتئم ما جرح اللسان

وجراح السنان هي جراح السهام والرماح في الحروب، قد يشفى الإنسان منها، وقد يستمع إلى كلمة تؤذيه طيلة عمره فلا يستطيع أن ينساها، أو ينسى أثرها ما بقي.

وأخيرا فإنه تجب متابعة الأولاد ومعرفة رفاقهم، والاطلاع على ما يتلقونه من مبادئ، ومتابعة ما يفعلونه، فإن وجد خيرا فليحمد الله، وإن وجد غير ذلك فليتحمل المسؤولية، وليقم بدوره كولي أمر.
الوعي الإسلامي عدد ( 350 )

Post: #170
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:44 PM
Parent: #169

يعتبر موضوع السعادة الأسرة من الموضوعات التي لها أهمية قصوى في حياة أي فرد وأي مجتمع.. ويصح التعبير أن الأسرة هي رمانة الميزان لأي مجتمع وعنوان السعادة لأفراده، ولا ينبغي بحال إهمال هذا الأمر لأن مخاطره جمة وآثاره مدمرة..

السعادة الأسرية لماذا؟
إن الحديث عن السعادة الأسرية لهم مبرراته وأسبابه الكثيرة.. والتي منها:

أولا: كون الأسرة هي نواة المجتمع، وهي أصله وأس سعادته... وهي للمجتمع كالقلب للبدن. إذا صلحت صلح المجتمع كله، وإذا فسدت فسد المجتمع كله...

ثانيا: سعادة الأسرة لا تكون إلا بسعادة من فيها، وإذا لم تتوفر هذه السعادة عاش الإنسان منغصا... حياة هم، غم، نكد، ضرب، شتم، سب، و مثل هذه الحياة عدمها أولى...

قارنت بين جمالها وفعالها .. .. فإذا الملاحة بالقباحة لا تفي

ثالثا: الأسرة السعيدة تخرج للأمة أبناء أسوياء نافعين، أما الأسر المفككة فغالب نتاجها ـ إلا ما رحم الله ـ (أولاد الشوارع ـ النشالين ـ الحشاشين ـ البطالين). نتاج ناقم على المجتمع يريد أن ينتقم من كل من فيه.

رابعا: النسبة الكبيرة في الطلاق في مجتمعاتنا الإسلامية، والأعداد مهولة والتي تصل إلى 30% في بعض البلدان، ونسبة عالية منهم من المتزوجين حديثا، فلو وجد هؤلاء السعادة فلماذا ينفصلون؟! ولو عرف هؤلاء كيف تدار الأسرة فلربما تخطوا كثيرا من المشاكل.

خامسا: الجفاف الشديد في العلاقات الأسرية وخصوصا بين الزوجين.. فبعد انتهاء الفترة الأولى وبعد وجود الأولاد تصير الحياة روتينية مملة خالية تماما من عبارات الود وكلمات المدح والغزل.. فالمرأة لا تسمع من زوجها كلمة غزل إلا إذا أراد أن يقضي وطره، وهو لا يسمع منها كلمة ود وثناء إلا إذا أرادت منه طلبا... حتى قال بعضهم: إذا سمعت من زوجتي كلمتين طيبتين أقول ربنا يستر.. وأثر هذا الجفاء خطير جدا على البيت بدعامتيه الرجل والمرأة. سيذهب هو ليبحث عن السعادة في مكان آخر، وربما كان حراما، وربما هي تبحث أيضا عنها عند غيره وفي قصص الواقع والنت ما يهول المطالعين للواقع المرير.


سادسا: السعادة الأسرية تعين على الطاعة، وتفريغ القلب للعبادة، وحسن الإقبال على الله، وهذا مقصد أو هو أعظم مقاصد الزواج. فإذا كان الذهن مشغولا بالمشاكل لم يستطع أن يتعبد ولا يخلو بربه الخلوة المطلوبة ولا أن يعمل بالدعوة ولا أن يحصل علما كل هذا بسبب مشاكل الأسرة وهموم الحياة الزوجية.

سابعا: تفكير الأزواج في التعدد بعد فترة طويلة من الزواج وبعد يأس الزوج من إصلاح حال زوجته.. وهو ما يعرف بالمراهقة المتأخرة.. والسبب الحقيقي هو أنهم افتقدوا السعادة، فبدءوا يبحثون عنها في مكان آخر...

ثامنا: اهتمام الإسلام بالزوجين وبالأسرة وتوضيح الحقوق الزوجية، وسن التشريعات لحماية الأسر من التفكك والانهيار:
كالأمر بالزواج ـ والتحدث عن المشاكل (الظهار ـ الإيلاء ـ الطلاق ـ النشوز من الطرفين ـ وكيفية حل المشاكل أيضا بالشرع أو بتحكيم ذوي العقول الرشيدة: "فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن يريدا إصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا"

ومنها أيضا حديث الإسلام عن أخص ما يمكن في هذه العلاقات وهي علاقة الفراش ربما بتفصيل غير ملحوظ لأنه في غاية الأدب:

فبين النبي صلى الله عليه وسلم ما ينبغي أن يقال: "لو أن أحدكم إذا أراد أن يأتي أهله قال اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا فإن قضي بينهما بولد لم يضره شيطان"

وبين في الشرع أنه يقدم لنفسه ولا يقع على زوجته وقوع البهيمة قال تعالى: "وقدموا لأنفسكم" ..قالوا: القبلة....

حتى أخص شيء في هذه العلاقة تحدث عنه القرآن والنبي العدنان عليه الصلاة والسلام.. قال تعالى: "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم..." وقال صلى الله عليه وسلم: "مقبلة ومدبرة وعلى جنب، واتق الحيضة والدبر".
وربما يأسف المرء أن يقول هذا الكلام لكن الأسئلة والمشاكل تجعل الإنسان مضطرا للبيان.


تاسعا: كثرة المشاكل بين الأزواج والزوجات، وهي طافحة حتى إنها لم تتوقف ولا عندما كنت مع إحدى الحملات في الحج ويكفي أن الإنسان يقابل في الحج أكثر من أربع أو خمس حالات ضرب وإهانة ومشادات بل وربما اقترب عند أحدهم إلى الطلاق..


عاشرا: الهجمة الشرسة من أعداء الدين على الأسرة المسلمة والحياة الطاهرة، لكسر هذا السياج الذي يحمي الفضيلة والعفاف، ويدفع القذارة والرذيلة، فالمتربصون بك وبأسرتك يريدون القضاء على الأسرة دعوات تحرير المرأة، تيسير الخلع، تأخير سن الزواج، فكان لا بد أن ننتبه نحن إلى هذه الطائفة ونقاومها لتبقى لنا طهارتنا وعفتنا وشرفنا.

أعتقد بعد كل هذا أن الغفلة عن هذه القضية إنما هو تضييع للأفراد والمجتمعات وترك السوس ينخر في جسم الأمة مما يؤدي لا محالة في النهاية إلى الانهيار والضياع.
إسلام ويب

Post: #171
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:46 PM
Parent: #170

ظلمت المرأة عند الجهلة في مالها ثلاث مرات: مرة قبل زواجها، يوم كان أبوها الجافي، وأخوها القاطع يحاسبانها في آخر كل شهر على راتبها، ويقتران عليها بالنفقة.. وظلمت مرةً ثانية من زوج بخيل شحيح تسلط على مالها وحرمها حرية التصرف في ما تملكه، فصارت تنفق عليه، وهو يقابلها بالفظاظة والغلظة وصنوف الإيذاء.. وظلمت مرة ثالثة لما طلقت فمنعت من أبسط حقوقها المالية، فخسرت المال والزوج والأطفال والبيت والحياة الأسرية.

وبسبب مال المرأة مُنعت الكثيرات من الزواج؛ لأن الأب الشرس الكنود الجحود أراد أن يبقيها في بيته ليستفيد من دخلها الشهري، حتى ذهب شبابها وصارت عانسا.

والمرأة مظلومة عند الكثير من القساة الجفاة الجهلة بالشريعة، فإن تأخر زواجها لسبب من الأسباب الخارجة عن إرادتها قالوا: عانس حائرة بائرة ولو أن فيها خيرا لتزوجت، وإن طُلقت قالوا: لو أن عندها بعد نظر، وحسن تبعُّل، وجميل خُلق، لما فارقها زوجها، وإن رُزقت كثيراً من الأبناء والبنات قالوا: ملأت البيت بالعيال، وأشغلت الزوج بالأطفال، وإن لم ترزق ذرية بأقدار إلهية، قالوا: هذه امرأة عقيم لا يمسكها إلا لئيم، والبقاء معها رأي سقيم، وإن تركت مواصلة التعليم وجلست في بيتها تشرف على أولادها قالوا: ناقصة المعرفة، ضحلة الثقافة، رفيقة جهل، وإن واصلت التعليم وازدادت من المعرفة قالوا: أهملت البيت، وضيعت الأسرة، وتجاهلت حقوق زوجها، وإن لم يكن عندها مال قالوا: حسيرة كسيرة فقيرة أشغلت زوجها بالطلبات وكثرة النفقات، وإن كان عندها مال وأرادت التجارة والبيع والشراء قالوا: تاجرة سافرة مرتحلة مسافرة، لا يقر لها قرار ولا تمكث في الدار، عقت الأنوثة وتنكرت للأمومة، وإن طالبت بحقوقها عند زوجها وأهلها قالوا: لو أن عندها ذوقا وحسن تصرف لنجحت في حياتها الزوجية ولكنها حمقاء خرقاء، وإن سكتت فصبرت على الظلم ورضيت بالضيم قالوا: جبانة رعديدة، لا همة لديها، ولا حيلة في يديها، وإذا ذهبت إلى القاضي ورفعت أمرها للحاكم قالوا: هل يعقل أن امرأة شريفة عفيفة تنشر أسرارها عند القضاة وتشكو زوجها وذويها عند المحاكم؟ أين العقل الحصيف؟ وأين العرض الشريف؟


المجتمعات الجاهلة

وإنما يحصل هذا الظلم والإقصاء والتهميش للمرأة في المجتمعات الجاهلة الغبية، فهي عندهم من سقط المتاع، ومن أثاث البيت تُورث كما تورث الدابة ويُنظر إليها على أنها ناقصة الأهلية قليلة الحيلة ضعيفة التكوين تحتاج إلى تدبير وتقويم وتوجيه وتهذيب وتعزير.

وإنما المرأة مخلوق كريم، وجنس عظيم، فالنساء شقائق الرجال، وأمهات الأبطال، ومدارس المجد، وصانعات التاريخ، وشجرات العز، وحدائق النبل والكرم، ومعادن الفضل والشيم، وهن أمهات الأنبياء، ومرضعات العظماء، وحاضنات الأولياء، ومربيات الحكماء، فكل عظيم وراءه امرأة، وكل مقدام خلفه أم حازمة، وكل نازح معه زوجة مثابرة، فهنّ مهبط الطهر، وميلاد الحنان والرحمة، ومشرق البر والصلة، ومنبع الإلهام والعبقرية، وقصة الصبر والكفاح، فلا جمال للحياة إلا بالمرأة، ولا راحة في الدنيا إلا بالأنثى الحنون، فآدم لم يسكن في الجنة حتى خلق الله له حواء، ورسولنا صلى الله عليه وسلم هو أبو البنات العفيفات الشريفات ذرف من أجلهن الدموع، ووقف لأجل عيونهن في الجموع، وسجل أعظم قصة من البر والإكرام والاحترام والتقدير للمرأة أما وأختا وزوجة وبنتا.

فيا أيها المتنكرون لحقوق المرأة لقد ظلمتم القيم وعققتم الفضيلة، وجهلتم الشريعة، ونقضتم عقد الوفاء، ونكثتم ميثاق الشرف، فأنتم خاسرون لأنكم ناقصون، ناديتم على أنفسكم بالجهل والغباء، وحكمتم على عقولكم بالتخلف والحمق، فتبا لمن ظلم المرأة وسحقا لمن سلبها حقوقها.
د. عائض القرني

Post: #172
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:47 PM
Parent: #171

ما زال دعاة تحرير المرأة في بلادنا ينعقون بضرورة تخليص المرأة المسلمة من قيود العادات والتقاليد- على حد زعمهم- ولم يسلم الدين من هذه الدعاوى، ضاربين المثل بالمرأة الغربية وكيف أنها استطاعت تحقيق ذاتها وإثبات شخصيتها والحصول على حقوقها بخروجها من بيتها ومنافسة الرجل في كافة الميادين، وهم في كل هذا متغافلين عن ذكر الواقع المرير الذي تعيشه المرأة في البلاد الغربية، وسائر البلاد الإباحية التي لم تعرف من حقوق وكرامة المرأة سوى الشعارات البراقة، فلم تعد للمرأة الغربية قيمة سوى أنها مجرد متعة جسدية وسلعة جنسية، ولم تحصل على ما أرادت من حقوق، بل خسرت بيتها وكرامتها وعفافها وصار لسان حالها يصرخ في أوجه من غرروا بها قائلا «يا دعاة الحرية إن ثماركم مرة»،

أين تقع المرأة الغربية على المدرجة الإنسانية؟ ومن يمثل هذه المرأة ؟ نساء البهرج والزيف المصقول على شاشات هوليود أم أولئك المسحوقات تحت وطأة العمل المنهك، وسوط الرجل الذي لا يرحم..!

في حوار الحضارات، هل يمكن لدراسة حقيقية أن تقرن واقعًا بواقع، لنصير إلى الجواب العملي لا الإعلامي، أيهما أكرم وأرقى؟!

في إعلام يسيطر عليه المفسدون، اعتبر حجاب المرأة الدليل الأوضح على امتهانها وتخلفها وانحطاطها وجهلها و... ولكن المتاجرة بجسد المرأة لم تعتبر قط كذلك! وفي ظل شعار التحرير سُحقت إنسانية المرأة في الغرب، وعُطّل أو عرقل دورها الإنساني الطبيعي ورسالتها المقدسة في تشييد دعائم الأسرة متكاملة ومتضامنة مع الرجل، وحرمت من التمتع بحقها في كفالة الرجل لها وإنفاقه عليها حينما أجبرت - باسم التحرر والمساواة مع الرجل - على الخروج من المنزل، ودفع بها إلى المصانع والمكاتب لتكدح يومها كله من أجل الحصول على لقمة العيش، واستدرجت ــ باسم الفن والمدنية الحديثة ــ إلى مواطن الرذيلة والفساد الخلقي، واتخذت أسواق الرأسمالية الجديدة التي لا تعرف معنى للعفة والشرف من جسدها فتنة جنسية تروّج بها سلعها وبضائعها التجارية.


وفي سياق رؤيتنا الحضارية لواقع المرأة الغربية من الداخل، سنترك دائمًا أصحاب الشأن يتكلمون، وسنترك الأرقام تفصح عن الحقيقة، فربما ننشئ حوار حضارات حقيقياً، ليس فقط بين فكرين أو منهجين، وإنما أيضًا بين واقعين.


أصحاب الشأن يتكلمون
وإذا كان دعاة التحررية في بلادنا لا يغريهم أو يقنعهم إلا الاستماع إلى أحاديث أسيادهم الغربيين، فلندع المجال أولا لقول المنصفين من أهل الغرب، فأهل مكة أدرى بشعابها، يقول د. هنري ماكوو، وهو أستاذ جامعي ومؤلف وباحث أميركي متخصص في الشؤون النسائية والحركات التحررية: «تحرير المرأة خدعة من خدع النظام العالمي الجديد، خدعة قاسية أغوت النساء الأميركيات وخربت الحضارة الغربية».
وتقول المحامية الأميركية ماري آن ميزن المتخصصة في قوانين الأحوال الشخصية في كتابها مصيدة المساواة:

«إنَّ حملة الدعوة للمساواة تجاهلت الفروق الطبيعية بين الرجل والمرأة، ومتطلبات الأمومة، وإنَّ المرأة التي تكون أمًا وتعتني بالبيت والأطفال لا يمكن أن تنافس الرجل في أعماله التي وضعت ورسمت هياكلها أساسًا للرجل المتفرغ تمامًا للكد والعمل، وكان هذا على حساب البيت والأسرة، لذلك كانت هذه المساواة خسارة للمرأة لا كسبًا لها، لأنَّ هذه المساواة المزعومة التي طالبت بها الحركات النسائية في الستينيات من القرن الماضي، إنَّما تضع على كاهل المرأة أعباءً كثيرة، وتحملها مسؤوليات ضخمة، دون أن تحظى بأي مقابل، ودون أن تخفف من المسؤوليات الأسرية»

الأرقام تفصح عن الحقيقة
وترى المؤلفة أن تدفق النساء في سوق العمل كان كسبًا لأصحاب الأعمال الذين وجدوا عمالة نسائية كثيرة ورخيصة لا تكلفهم، بل يكلفهم الرجل حيث إنَّ التفاوت لا يزال كبيرًا في الأجور بين الرجال والنساء، فكل امرأة في أميركا تحصل على سبعين سنتًا مقابل دولار واحد يتقاضاه الرجل، إضافة إلى أنَّ هناك نساءً يتاجرن بأعراضهن وبأجسادهن، ومنهن من تعرضن إلى الابتزاز الجنسي من رؤسائهن، وهناك من الأزواج من يقامر على زوجته، إضافة إلى إقصائهن عن الأعمال القيادية، ونسبة المتقلدات هذه المناصب لا تعادل 1 في المائة بالنسبة للعاملات.


والنموذج الغربي في التحرر الجنسي لم يؤد بالنسبة لقضايا الأخلاق إلى استقلالية أكبر للمرأة فحسب، وإنما إلى طرق جديدة للاستغلال الجنسي أيضا، وهكذا تصبح التجارة بالخدمات الجنسية أكبر قطاعات صناعة وسائل التسلية في هذا المجتمع، وصار في الإمكان كسب أموال عن طريق التجارة بالنساء والسياحة الجنسية، أكثر من المتاجرة بالأسلحة والمخدرات معا، فكشفت إحصائية أميركية أن 80 في المائة من الأميركيات يعتقدن أن من أبرز النتائج التي نتجت عن التغير الذي حدث في دورهن في المجتمع وحصولهن على الحرية، انحدار القيم الأخلاقية لدى الشباب هذه الأيام

وقالت 75 في المائة من اللواتي شاركن في الاستفتاء: إنهن يشعرن بالقلق لانهيار القيم التقليدية والتفسخ العائلي، وقالت 66 في المائة منهن: إنهن يشعرن بالكآبة والوحدة. وبالنسبة للنساء العاملات، قالت 80 في المائة منهن: إنهن يجدن صعوبة بالغة في التوفيق بين مسؤولياتهن تجاه العمل ومسؤولياتهن تجاه المنزل والزوج والأولاد، وقالت 74 في المائة: إن التوتر الذي يعانين منه في العمل ينعكس على حياتهن داخل المنزل، ولذلك فإنهن يواجهن مشاكل الأولاد والزوج بعصبية، وأية مشكلة مهما كانت صغيرة تكون مرشحة للتضخم.


وفي أحدث التقارير الأميركية وجد أن هناك 350 ألف حالة حمل لفتيات دون السادسة عشرة، وذلك لأن جريمة الزنا أصبحت أمرا طبيعيا لكل فتاة، وبحماية من قانونهم ودستورهم المسمى بحرية التعبير، كما يؤكد تقرير صادر من مركز «ارنوت اوجدون» بأن هناك مليون حالة لمرضى السيلان وهذا نتاج الإباحية الجنسية، وهناك ما يربو على الأربعة ملايين حالة مرضية لأمراض تصنف أنها جنسية لها نتائج وخيمة، نتج عنها في أحد الأعوام ما يفوق 150 ألف حالة عقم، أما تقارير وزارة العدل فتؤكد بأن هناك 150 ألف حالة تم القبض فيها على نساء يعملن بما يسمى بالرقيق الأبيض، وهناك ما يفوق المليون امرأة يعملن بنفس المجال تحت مسمى عاملات جنس.


وعن فشل حالات الزواج وبتقرير من وزارة العدل يؤكد أنها بلغت ما نسبته 50 في المائة من حالات الزواج، وهذا يعود إلى الإباحية الجنسية، وأن 50 في المائة من عدد الأطفال يعيشون مع أزواج أمهاتهم أو زوجات آبائهم، مما يؤدي بالطبع إلى انهيار الأطفال نفسيا نتيجة التقصير في التربية، وهذا ما يؤكده تقرير مركز المخابرات الفيدرالي الأميركي الذي يوضح بأن من كل أربعة شباب تتراوح أعمارهم بين 12-17 قد قام واحد منهم بجريمة، كما أن القانون الوضعي الذي يكفل لمن دون الثامنة عشرة حمل السلاح قد تسبب في مقتل 25 طفل يوميا، هذا ويقتل بالسلاح ما عدده 4173 شاب سنويا.


هذا فيض من غيض مما جناه المجتمع الأميركي من جراء سوء فهم دور المرأة ومحاربة الأمومة، وإذا كان هؤلاء الأطفال هم مستقبل الشعب الأميركي، فهل يقبل عقل أو منطق أو علم أو أية ملة تنتمي إلى التحضر والتقدم أن يصبح المجرمون المشردون هم قادة العالم ؟
لقد كانت دعوة تحرير المرأة ومساواتها بالرجل في كل النواحي اعتداءً على أنوثة المرأة وذكورة الرجل معًا، فرعاية الفوارق بين الجنسين في الوظائف والنشاطات والنواحي السيكولوجية والبيولوجية- وليس في القيمة الإنسانية- واجبةٌ مواءمةً للفطرة السوية والسنن الإلهية، ولعل ذلك الخلط هو سبب الشذوذ الجنسي الذي أصبح شرعيا في كثير من الدول الغربية!.
منى الشريف ( الوعي الإسلامي )

Post: #173
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:48 PM
Parent: #172

لقد كتب المصلحون ونادوا، بأعلى صوت وأوضح بيان، داعين إلى تقويم الأخلاق، ومحو الفساد، وقهر الشهوات؛ حتى كلت منهم الأقلام، وملت الألسنة، ومع ذلك لم يصنعوا شيئاً، ولم يستأصلوا منكراً، بل إن المنكرات لتزداد، وإن الفساد لينتشر، والسفور والحسور والتكشف تقوى شوكته، وتتسع دائرته، ويمتد من بلد إلى بلد، حتى لم يبق بلد إسلامي في نجوة منه، حتى هذه البلاد التي كانت تبالغ في حفظ الأعراض، وستر العورات؛ انتشر فيها كثير من اللمم، وخرج البعض من النساء حاسرات سافرات كاشفات السواعد والنحور.


ما نجحنا، وما أظن أننا سننجح إذا لم نهتد إلى بوابة الإصلاح وطريقه، وباب الإصلاح أمامَنا، ومفتاحه بأيدينا، فإذا آمنا بوجوده، وعملنا على دخوله، صلحت حالنا، وتحسنت مسيرتنا.


إن بوابة الإصلاح هي في علاج مشكلة من أعقد المشاكل وأعمقها أثراً في حياة الأمة.


ولعلي أبادر فأقول: إن نتائج هذه المشكلة هي هذا الفساد الأخلاقي الذي يشتكي منه كل بلد من البلدان، وهذا التفسخ الخلقي الذي يعج منه هذا الزمان.


إن المشكلة تتلخص في جملة واحدة مفادها، أن فينا فئاماً من البنات يملأن البيوت وينتظرن الزواج، وفئاماً من الشباب يجوبون الطرقات ويطلبون الزواج.
ولكنَّ.. بين الفريقين سداً منيعاً يمنعهما من الاتصال، وهذا السد المنيع هو: عادات المجتمع وتقاليده، وشريحة من المجتمع لم تدرك إلى الآن، أن في المجتمع وباء فتاكاً، يدمر الأخلاق، ويبدد الأعراض، وأنه لا دواء له، ولا منجى منه، إلا بعلاج المشكلة وهو الزواج.


ولست أدري من سيتولى علاج المشكلة غيرَنا؟، هل ستحلها مراكز الدراسات الغربية؟ أو منظمات حقوق الإنسان؟ أو هواة الثرثرة والتشدق من المتاجرين بالكلمة والمسترزقين بالأقلام؟… فمن غيرنا يعنى بأمرنا؟ ومن للشباب غير آبائهم وإخوانهم؟
لا بد أن نسعى جميعاً في علاج المشكلة، ونعلم علم اليقين أن كل من يمنع الزواج، أو يضع في طريقه العراقيل، أو لا يسهله وهو قادر على تسهيله أنه يكون عاملاً على زيادة هذا الوباء ونشره.


وإن خطر عرقلة الزواج على الجنسين جميعاً ولكنه على البنات أشد، ذلك أن الشاب يجني جنايته ويمضي، والبنت هي التي تحمل العواقب.
ولأن المجتمع يغتفر للشاب ويقول: ولد آثم وتاب، ولكنه لا يغفر للمرأة أبداً، ولا يقبل لها توبة، وإن والد البنت لو عقل لسعى هو في زواجها.
ولقد شرع الزواج لمصالح عظيمة زيادة على كونه عصمة للمجتمع من الانحلال والتفسخ والمجون.


فالزواج: يصون النظر عن التطلع إلى ما لا يحل ويحصن الفرج ويحفظه كما قال: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” متفق عليه.
كما أن الزواج يبعث الطمأنينة في النفس ويحصل به الاستقرار والأنس.
وبالزواج تحصل الذرية الصالحة التي ينفع الله بها الزوجين وينفع بها مجتمع المسلمين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة” رواه أبو داود والنسائي والحاكم.


ولما كان الزواج بهذه الأهمية في الكتاب والسنة وفيه هذه الفوائد العظيمة وجب على المسلمين أن يهتموا بشأنه ويسهلوا طريقته ويتعاونوا على تحقيقه ويمنعوا من أراد تعويقه من العابثين والسفهاء والمخذلين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون.


وأنتم يا شباب الإسلام من استطاع منكم الزواج فليعجل به، فإنكم لا تطيعون الله بعد إتيان الفرائض وترك المحرمات بأفضل من الزواج تصونون به أخلاقكم وتحفظون به دينكم.


ولقد تحمل الشاب الراغب في النكاح آصاراً وأثقالاً بسبب إعراض المسلمين عن سنة سيد المرسلين، قيود فوق قيود، وآصار فوق آصار.


في مجتمعنا في هذه البلاد يحاط بستان الزواج بحيطان شاهقة ثم بأسلاك شائكة ووضعه الناس فوق جبل وعر ، وألقوا العثرات في طريق ارتقائه والتمتع بأفيائه، حتى ليظن الظان أن سبيل الحرام أسهل من سبيل الحلال لما يرى من هذه العراقيل التي ما أنزل الله بها من سلطان.


فهذه التكاليف الباهظة من ارتفاع المهور والمباهاة في إقامة الحفلات واستئجار القصور مما لا مبرر له إلا إرضاء السفهاء ومجاراة المبذرين والسخفاء: {إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً } [الإسراء: 27].


ولقد استنكر النبي صلى الله عليه وسلم المغالاة في المهور كما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لرجل: “على كم تزوجت” قال: على أربع أواق، فقال: “على أربع أواق؟! كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل”
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا تغلوا في صُدق النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي، ما أصدق عليه الصلاة والسلام امرأة من نسائه، ولا أُصْدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية” . رواه الخمسة وصححه الترمذي.
وعند الشباب اليوم رغبة في الزواج ولكن من يستطيع أن يتكلم قبل أن يتخرج ويتعين؟!
لقد وضع الله الغريزة في نفس الشاب والشابة، وقدر لظهورها سن الخامسة عشرة أو نحوها، فإذا بلغها الولد أو البنت تنبه في نفسه ما كان غافلاً وتيقظ ما كان نائماً.


ونظام التعليم يوجب على الشاب أن يبقى في الدراسة إلى سن الثالثة والعشرين وما بعدها… وهو مضطر بحكم هذا النظام أن يبقى بلا كسب ولا مورد، ويبقى عالة على والده حتى يبلغ هذه السن، ثم بطبيعة الحال يبقى بعد ذلك بضع سنين لكي يجمع تكاليف الزواج الباهظة؛ فيتأخر زواجه جداً.
ويا ليت شعري، ما هي حال الشباب فيما بين الخامسة عشرة والخامسة والعشرين؟
الشباب منهم الصالحون ومنهم دون ذلك… فمنهم من يعمل بالوصية النبوية من الصوم وغض البصر مع التقوى والعفة والصلاح.
ومنهم من لا يفعل شيئاً من ذلك… بل زيادة على العزوبة يقرأون الروايات ويشاهدون الفضائيات وليس لهم همٌ إلا أن يتطيبوا ويتعطروا ويتبختروا في عشيات الصيف، في الأسواق ونواصي الطرقات، يراقبون المارين والمارات.
منعهم المجتمع بعوائده المقيتة من الزواج، ثم لم يترك وسيلة لزيادة نار الشهوة فيهم إلا عمد إليها… يغريهم بالرذيلة بالصور العارية والعورات البادية والفضائيات والمقاهي المنتشرة.
ونحن نوجب عليهم أن يتحملوا ذلك العبء عشر سنواتٍ أو تزيد ونقول لهم بعد ذلك: انصرفوا إلى دروسكم وإلى مطالعاتكم، وإياكم أن تفكروا في الفاحشة أو تقربوا منها.
والحق أن هذا أمر مقارب للمستحيل، فلا شك أن كثيراً منهم سيقع في غائلة الرذائل، وسنكون جميعاً بتواطئنا المقيت على هذه العوائد سبباً في فساد المجتمع وإفساده…
وليست الملامة على الشباب وإنما اللوم علينا جميعاً إذا لم نتدارك الوضع ونبدأ في العلاج.


إلا أن العلاج يكمن في الاقتناع بتبكير الزواج في وقت الحاجة إليه، ثم التعاون على تسهيل تكاليفه التي جَعلتْ كثيراً من المقدمين عليه لا يستطيعه إلا بمساعدة أهل الخير ومال الزكاة، أو الدَّيْن وإثقال الكاهل، وانتشرت مشاريع مساعدة الشباب الراغب في الزواج، ومع ذلك لم يتفهم المجتمع قضيته، ولم يعرف مصلحته.


حق على أصحاب القدوة من الوجهاء والعلماء، والرموز والأغنياء، أن ينشروا في الناس خلق القناعة بما يسر الله ورزق، ويرسموا ذلك بفعالهم قبل أقوالهم فإن تأثيرهم عظيم، والناس لهم تبع، بدل أن يكونوا مصدر فتنة وكسراً لقلوب الفقراء الذين يتطاولون بدورهم حفظاً لماء وجوههم من هذا المجتمع الذي لا يرحم، والدين مقض لمضاجعهم هماً، وفي نهارهم مورثهم ذلاً.


وبعض الآباء حرم الكثير من الفتيات من الزواج؛ فإذا تقدم لها خاطب كفءٌ منعت منه، وسلك الأب شتّى الحيل لرده…
فهذا ضيق ذات اليد، وذاك جاهل، والآخر من أسرة مجهولة، وهذا مقطوع ليس له أحد، وهذا كثير الأهل له أم وأخت وامرأة أخ، فهو يخشى أن يظلم ابنته، وإذا جاء خاطب لم يجد له علة أغلى عليه المهر وأرهقه بالتكاليف حتى يهرب ويفر.
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” رواه الترمذي وقال: حسن غريب.
ولربما كان العضل بسبب دريهمات يتقاضاها الأب من مرتب ابنته غير مبال بمستقبل هذه الفتاة وما تتعرض له من الفتنة وما يفوت عليها من المصالح العظيمة.


يا أيها الأب: ليس من مؤهلات القبول للشاب الخاطب أن يكون (ابن حمولة)، أو أبوه رفيقاً لك، أو أمه إحدى محارمك فابنتك لن تتزوج الحمولة، أو الأب أو الأم، إنما ستعاشر الشاب، وإن غنى النفس مقدم على غنى المال، والعبرة كل العبرة في كريم الخصال، لا في زين الأجسام وكثرة الأموال.
واعلموا أنه لا يَصْلُح ما نشكو من الفساد إلا بتسهيل الزواج والتبكير به.
وإن من يسعى في زواج ويعمل على إتمامه يكون ساعياً في خير وبر وعاملاً لمكرمة وفضيلة، وقائماً بطاعة الله وخدمة مجتمعه.
فيا من عندهم بنات، لا تردوا الخاطب الصالح إذا جاءكم ولا ترهقوه بالمطالب.
ويا أيها الشباب، عجلوا بالزواج.
ويا أيها الآباء: أعينوا أبناءكم.
ويا عقلاء الحي ويا دعاة الإصلاح ويا أصحاب النفوذ، اجعلوا الزواج من أول ما تعملون له وتسعون لتيسيره، والله أسأل أن يوفقكم ويجزل ثوابكم.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } [الروم: 21].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ ماجد بن عبد الرحمن الفريان (مجلة الدعوة ، العدد : 2194).

Post: #174
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:50 PM
Parent: #173

القدوة أهم عنصر في تربية الأجيال
لا شك أن التربية الصحيحة على هدي الإسلام ونهجه والتزام قيمه ومبادئه تمثل الطريق السليم الذي يضمن المستقبل الزاهر للنشء ويحفظ عقولهم وأعرضهم ودينهم.. التحقيق التالي يتناول أثر التربية الإسلامية على الأجيال.

بداية يرى د. محمد حسن غانم أستاذ علم النفس أن دور الأسرة لا يقتصر فقط على رعاية الطفل وتوفير احتياجاته الجسمية فقط، بل إن الأسرة هى المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الطفل العلاقات الإنسانية وما تتطلبه من أدوات وقوانين لغرس القيم الدينية والحضارية في نفس الطفل إذ ما زالت الأسرة هى البوتقة التي تنشأ فيها القيم الأخلاقية والدينية لذا فإن الأسرة لها الدور الكبير في تدريب الطفل على تشكيل الوازع الديني من خلال ثلاث عمليات لنمو الشخصية.


الضبط
ويشير د. محمد حسن إلى أن القدرة على ضبط السلوك تكون كامنة لدى الفرد ويستخدم الآباء شتى الأساليب لتنمية عملية الضبط من خلال الأساليب السوية مثل النصح والتوجيه والثواب والعقاب والأهم مع كل ماسبق أن نكون قدوة لهم لأننا إذا كنا نخالف أسس وضوابط القدوة فإن الطفل قد يتقبل ذلك على مضض ولكن بعد أن يشب عن الطوق ويكبر يبدأ في مواجهتنا وحسابنا فلماذا نضع أنفسنا في هذا المأزق ونواجه باللوم والانتقاد من أبنائنا حين يكبرون؟


تنمية السمات
ويضيف الدكتور أن الآباء في تربيتهم للأبناء يحاولون عادة تنمية السمات المقبولة وفي نفس الوقت يحاولون منع تنمية السمات غير المقبولة حتى يبلغ الطفل مستوى القدرة على ضبط سلوكه فينمي العديد من السمات التي تشكل شخصيته.


نمو الذات
كما يؤكِّد د. غانم أن الأسرة تؤثِّر في الطريقة التي يضبط بها الطفل سلوكه وفي السمات التي ينميها ويستبعدها فإنها تمده أيضاً بالخبرات التي يكون منها فكرة عن ذاته وعن الآخرين.


فالأسرة إذا كانت سوية وتقبل ذاتها وكيانها فإنها تقبل الطفل، والطفل رغم حداثة سنه إلا أنه سيدرك ذلك ومن خلال التربية السوية للطفل فإن الأسرة سوف تراعي حقوقه من خلال حقه في الرضاعة، حقه في تسميته تسمية حسنة، وجوب الإنفاق عليه، رعايته من جميع الجوانب: الاجتماعية، النفسية، الدينية.

وأن تراعي الأسرة العدل بين أطفالها وعدم التفرقة بينهم في المعاملة ، مثل تعليم الأسرة لطفلها كيف يؤدي العبادات، وبالطبع الطفل لم يؤد الصلاة إذا لم يجد القدوة في المنزل ترشده وتهديه إلى ذلك وتقيس ذلك على الكثير من العبادات وخاصة الصيام، قول الصدق، الإحسان إلى الآخرين ولذا فإن التدريب على الصلاة يعد من أهم أدوار الأسرة.

ويضيف على الآباء أن يكونوا مرنين في التعامل مع أولادهم فيعاملونهم بأسلوب العصر حتى لا نترك أطفالنا في اغتراب نظن أننا نحميهم فنعلمهم الكثير من السلوكيات غير الحميدة مثل الكذب، مرافقة الكثير من الأشخاص الذين قد يفسدونهم بالفعل لاننا نكون قد فشلنا في ضم أولادنا بالموعظة الحسنة.


المدرسة والتنشئة الدينية
ويؤكِّد الدكتور على الدور الكبير الذي تلعبه المدرسة في تنشئة الطفل وخصوصاً في المرحلة الابتدائية من خلال توجيه الطفل إلى السير إلى الطريق المنشود والتمييز بين الخير والشر وربط الدين بواقع المجتمع.

ويضيف أنه لا يجب أن يختزل دور التربية الإسلامية في إطار تربية دينية، بل يجب أن تستخدم التربية الدينية في المدارس وسائل مناسبة تستهدف تكوين الشخصية الإسلامية، وعلى القائمين على مناهج التربية الدينية أن يراعوا احتواءها على الكثير من القضايا الحياتية والمعاصرة التي يواجهها الطالب أو من الممكن أن يتعرض لها؛ لأن هذه المعرفة ليست عملاً ترفيهياً، بل هي ضرورة حياتية تهدف ضمن ما تهدف إلى صقل عقلية الطالب في عصر تكثر فيه الشبهات والضلال والإلحاد.


الإعلام والتنشئة الدينية
ويؤكِّد د. محمد على دور الإعلام في عملية التنشئة بكافة ألوانها وأشكالها سواء كانت إذاعة أم تليفزيوناً أم صحافة ولا شك أن هذه الوسائل تحتوي على الأشياء الهادفة والأشياء السطحية فماذا نفعل إزاء ذلك.
نحن لا نستطيع في الغالب أن نمنع الأولاد من المشاهدة أو القراءة أو حتى دخول النت.
ما نستطيع فعله إزاء أولادنا أن نمارس حقنا كآباء في منع هذه الأشياء من التسلل إلى أولادنا ولعل نظام إغلاق بعض القنوات والتحكم يضىء الأمل في إمكانية أن نقدم لأولادنا ما نظن أنه مناسب وصحي ويرتقي بهم.
ولا تستطيع وزارة إعلام في أى دولة أن تغلق سماءها المفتوحة أمام هذا الغزو ولذا لا أمل لنا من هذا إلا بمزيد من الفهم لتراثنا، ديننا السمح، هويتنا الثقافية.

الإعلام والقيم
وفي الختام شدد الدكتور على قيام وسائل الإعلام بدورها من خلال التأكيد على قيم وعادات وتقاليد المجتمع العربي والإسلامي وليس شرطاً أساسياً أن تتحول هذه القيم إلى شعارات تفرض حتى تفقد مغزاها، ولكن من خلال إدماج القيم في العديد من المواد الإعلامية المقدمة .

إن وسائل الإعلام تلعب دوراً خطيراً في تشكيل الوجدان والقيم والفكر والعقيدة ويمكن زيادة البرامج الدينية التي تقدم مثل البرامج الجماهيرية التي تقدم مباشرة وتتلقى أى تساؤلات من المشاهدين والمشاهدات.
وهنا تقع على عاتق البرنامج أن يكون مفيداً إيجابياً، يفهم أصول الدين حتى يتم تشابك المواطن مع قضايا وطنه وأمته بصورة موضوعية.
( دعاء أحمد ) مجلة الدعوة السعودية

Post: #175
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 01:54 PM
Parent: #174

الأمن نعمة يمنها الله على من يشاء من عباده .. قال تعالى [ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف ] ( قريش – 4 ) ، فذكرها الله كمنة منه ونعمة سبحانه وتعالى على أهل مكة ، والخوف غريزة وضعها الله في نفس كل بشر لتحميه وتقيه ، مثلها مثل باقي الغرائز ، فالخوف سلاح ذو حدين ، لو ظل في معدله وصورته الطبيعية ؛ سيؤدي إلى حفظ الفرد وحمايته من العديد من المخاطر ، أما إذا زاد عن حده وتحول إلى ( خوف مرضي ) سيتحول إلى عقبة كئود ، ومانع يعوق حريته مما يؤدي لنقص قدراته على مواجهة الحياة.

وقد كان العلماء يعتقدون أن الطفل يولد مزوداً بغريزة الخوف، لكن الدراسات الحديثة تشير إلى أن الخوف عند الطفل لا يبدأ قبل الشهر السادس ، وترتفع وتيرته إلى تبدأ في الخفوت بعد سن السادسة وهي بداية مرحلة النضوج العقلي للطفل ، وقد أكدت الدراسات أن 90% من الأطفال قبل سن السادسة لديهم مخاوف من أشياء ومصادر متعددة.

أسباب الخوف


للخوف أسباب تختلف باختلاف الأفراد ، ومن الأهمية التعرف على سبب الخوف لعلاجه ، وهناك أسباب عامة يمكن أن نجملها في الآتي :


1- قد يكون ناتجا إما عن التدليل الزائد أو النقد الكثير أو القسوة المفرطة ، فالنقد الزائد للطفل يولد شعورا قوياً لديه بالخوف من الوقوع في الخطأ ، مما يؤدي في النهاية لفقد الطفل لثقته في نفسه. والتدليل يجعله واهن العزيمة غير قادر على تحمل مشاق الحياة ، مما يشعره بالخوف من كل تجربة أو خبرة جديدة يمر بها ، فالأمر يحتاج إلى توازن بين الإفراط والتفريط ( التدليل والقسوة ).


2 - الصراعات الأسرية ، فجو المشاحنات المستمرة تولد خوف لدي الأطفال من المستقبل.

3- التأثير على الأخرين ، فقد يستخدم الطفل ذلك الخوف للسيطرة على الوالدين وجذب الانتباه له ، وهذه الطريقة تعزز بشكل مباشر وجود المخاوف لدى الطفل ، فيصبح الخوف تجربة مريحة و مؤلمة في آن واحد.


4- الضعف الجسمي أو النفسي للطفل ، فالضعف الجسمي أو النفسي يقلل الدفاعات السيكولوجية للطفل ، مما يكون لديه مخاوف من الاحتكاك بالناس أو المواقف المختلفة.


5- تخويف الطفل : فالطفل في المراحل العمرية المبكرة يعتمد تفكيره على الخيال الخصب ، والبعد عن الواقع ، لذا فهو يخضع في تفكيره للعوامل الخارجية أكثر من اعتماده على المنطق والعقل والتدبر في الأمور.


6- رد فعل الوالدين المبالغ فيه ، فالارتباك والهلع التي تصيب الأمهات عند تعرض الطفل لأي معاناة ، تعزز ذلك السلوك لدى الطفل.

أنواع خاصة من الخوف وكيفية التغلب عليها


1- الخوف من الظلام :

وهو خوف طبيعي يعتري الصغار والكبار ، فالعقل البشري لا يستطيع التعامل مع المجهول ، والظلام يجعل ما حولنا مجهولا ، وخوف الطفل من الظلام هو إحدى علامات عدم الفهم الكامل لأي ظاهرة يتعرض لها الإنسان ، فالطفل بعقليته المحدودة لايستطيع أن يدرك أن الأشياء موجودة حتى وإن لم يرها لأن الأشياء ثابتة ولا تتحرك بمفردها ، فهو لا يعي أن الظلام يغطي الأشياء التي من حولنا وأنها مازالت موجودة ولكننا لا نراها. ونتيجة لتلك الحالة من عدم الإدراك ، والخيال الخصب الذي يتمتع به الطفل ، يرى خيالات وأشباحا تثير في نفسه المخاوف.

تقول الدكتورة " جين بيرمان " - المتخصصة في العلاج الأسري ببفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا - " عند الحديث عن الخوف من الأماكن المظلمة، فإن التلفزيون من أسوأ المتسببين بهذه المشكلة لدى الأطفال. والوالدان لا يدركان كم يتأثر الأطفال بما يُعرض على شاشات التلفزيون. وصورة ومناظر الأشياء المخيفة، والأصوات المصاحبة لها خلال العرض التلفزيوني للقصص الخرافية أو الواقعية المخيفة، كلاهما يعملان كعوامل إثارة وتنشيط الخوف والشعور به كحقيقة واقعية يعيشها دماغ الطفل وتفكيره".

ولكن مع كبر الطفل وزيادة نموه العقلي تقل تلك المخاوف حتى تختفي في السنوات المتقدمة من الطفولة ، وكذلك مع تفسيرنا وتواجدنا بجوار الطفل لتهدئته وطمأنته تقل المخاوف نحو الظلام.

2- الخوف من الحيوانات :

هو نوع من الخوف يعاني منه الكثير من الأطفال من سن 2-4 سنوات ، وليس من الضروري أن يكون الطفل قد تعرض لحادثة معينة مع الحيوانات التي يرهبها ، أو أنه قد رأى أحدا قد ناله أذى من تلك الحيوانات ، ولكن هي مرحلة يمر بها الطفل نتيجة لقلة خبراته وخوفه من كل جديد غير مألوف بالنسبة له ،وسرعان ما تتبدد تلك المخاوف مع نضج الطفل ، والتدرج معه لمخالطة الحيوانات التي يهابها. فمثلا الطفل الذي يخاف من القطة ، يمكن لنا تعريضه لها بالتدريج ، مع بيان كيف حض الرسول – صلى الله عليه وسلم – على الرفق والتعامل باللين مع تلك المخلوقات.

3- الخوف من الموت :

الخوف من الموت شيء طبيعي حتى لو وُجد لدى الكبار ، ففهم الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة لحقيقة الموت وتصوره في مثل تلك المرحلة قد لايكون صحيحا أو مكتملا بصورة كبيرة ، ويبدأ اكتمال مفهومه نحو الموت في سنوات عمره المتقدمة ، فطفل العاشرة غالبًا ما يستطيع فهم الموت كظاهرة.

و قد يكون ذلك الخوف ناتجا عن مروره بخبرات غير سارة حول طبيعة الموت ، وهي عادة المواقف التي تصاحب حالات الموت في أسرنا من البكاء والصراخ والنواح والحزن ، أو قد يكون قد فقد شخصا كان يحبه كثيرا .

علاج الخوف


أولا : يجب على الوالدين أن يكونا مثالا للهدوء والاستقرار في تصرفاتهما أمام طفلهما الخائف ، فيمارسا حياتهما بصورة طبيعية ، بحيث يكون الجو الأسري المحيط بالطفل باعثا على الطمأنينة والأمان ، وحتى في وقت شعوره بالخوف يهدئاه ويتكلما معه بهدوء وثقة ، ولا يعنفاه. فيسألاه .. لماذا أنت خائف ؟ أنا أريد مساعدتك .. أنا بجوارك

ثانيًا: تقليل الحساسية نحو مصدر الخوف، والقاعدة العامة هي أن الأطفال تقل حساسيتهم من الخوف عندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي شيء سار ، فمثلا لو وضعنا شيئا يحبه الطفل في حجرة شبه مظلمة ( كالشيكولاته ) ، ونقول له اذهب واحصل على تلك القطعة من الشيكولاته بداخل الحجرة ... وهكذا.

ثالثاً: محاولة مناقشة حقيقة الموت مع الطفل بصورة عقلانية وتوضيح ما يحدث بدقة .. أي أن يحاولا أن يفهما الطفل بصورة مبسطة يستوعبها عقله ( حقيقة الموت ) ، وكيف أن الله قد خلقه ليبتلي عباده ، وأن من يموت يذهب إلى الجنة ليتنعم فيها ، مع عدم ذكر النار وما فيها من أهوال فهذا وقت للترغيب لا للترهيب ، ، مع إقران كل ذلك باستخدام الطفل لخياله الخصب في تخيله العيش في الجنة وما فيها من نعيم .

رابعا : محاولة تقديم نماذج جيدة في التعامل مع المخاوف التي تثير شعور الخوف لدى الطفل. فالأب الذي يخاف من الفأر مثلا ، ليحاول أن يكتم تلك المخاوف أمام طفله ولا يظهرها أمامه.

خامسًا : فليحاول الوالدين تقليل نسبة الخوف لدى الطفل بإتباع ( استراتيجيات للتعايش ) ، ففي حالة خوف الطفل من الظلام .. يحاول الأب الجلوس مع الطفل ، ثم يخفض النور قليلاً ، ويشعره بأنه معه في أمان ، أو ينام الأب مع الطفل في حجرته والباب مفتوح ثم يغلق الباب كل يوم بشكل أكبر من اليوم الذي قبله .. وهكذا حتى يتعود على الظلام ولا يخافه

سادسًا : ليحاول الوالدين أن يكسبا طفلهما الثقة في نفسه ، ويمكن ذلك عن طريق أن يقرأ آيات قرآنية مثل الفاتحة والمعوذتين لكي يتخلص من خوفه ، أو إعداد شريط قرآن يحتوي مثلا على ( سورة الفاتحة ، وسورة البقرة ، والمعوذتين .. ) وتشغيله أثناء نوم الطفل ، لكي يشعر بالأمان وبأن الله معه ، وهذا يساعد في حفظ الطفل لتلك السور في المستقبل أيضا.

سابعًا : حاولا التحدث مع طفلكما ، وأن تفهماه بأن الخوف طبيعي ولكن يجب ألا يسيطر على الفرد فيجعله يلغي عقله.

ثامناً : ليحذر الوالدان من الاستهزاء أو التقليل من حالة الخوف التي يتعرض لها ابنهما ، فبذلك سنجعله يخفي مخاوفه مستقبلا ، مما قد يؤدي لتفاقم الأمر من الناحية النفسية.

تاسعًا : لا نحاول إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده كالجلوس بمفرده في الظلام ، فقد يصيبه هذا بنوبات ذعر تؤدي لزيادة الخوف لا تقليله

عاشرًا : لنرَبي أطفالنا على الشجاعة ولا نخجل من مخاوف أطفالنا.

ومن المهم تعليم الطفل ، عن طريق الكلام والأفعال، أن القلق والخوف مشاعر طبيعية. وتحفيز الطفل وتشجيعه على مواجهة مخاوفه ، وذلك بتخصيص جوائز وحوافز عينية ومادية له.

وختامًا يجب ألا يشعر الطفل بأن والديه قد يئسا من تكرار مظاهر الخوف لديه ، وأنهما غاضبان من تصرفاته تلك ، بل يجب أن يعملا على غرس مشاعر الأمن في نفسه ؛ بتعاطفهما معه وإظهار ذلك في تصرفاتهما .

و أذكر الوالدين بأن الأمان إن لم يجده الطفل داخل الأسرة ، فلن يجده في أي مكان أخر .
معتز شاهين

Post: #176
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 05:35 PM
Parent: #175

بعدما تناولنا الحديث في مقال سابق عن مرحلة ما قبل الزواج نرى أنه من الأهمية بمكان أن نواصل الحديث عن المرحلة اللاحقة ، والتي هي بعد الزواج ، وهي مرحلة ذات طبيعة جديدة في حياة الطرفين ، الرجل والمرأة ، وكلاهما يتذوق حلاوتها وأنسها وجمالها ، ومع مرور الوقت يزداد التقارب والتفاهم والود والمحبة مما يعود بالخير والبركة على هذه المؤسسة الجديدة ، الأمر الذي يؤدي إلى قوتها ونجاحها وجودة إنتاجها ، ومن الطبيعي أن يكون الأبناء أصحاب مشاريع ناجحة في مثل هذه الأسر المستقرة.

وكنا قد تناولنا في المقالة السابقة بعض القضايا التي تشغل الشباب والفتيات قبل الزواج :

من الميل العاطفي والفطري ، والبحث عن الشريك المناسب ، والمهر وتوابعه ، والحفلات المتعددة، والموائد الزائدة ، ولما استطاع الزوجان التغلب على كل تلك الصعاب ، ووصلا بأمن وسلام إلى الانجاز الرائع والبناء الشامخ ، وأنشئا مشروعهما الناجح ، لزم من أجل المحافظة عليه وصونه من التصدع فضلا عن الانهيار عدة أمور :

أولا- الحمد والشكر ، الذي ينصرف ابتداء إلى صاحب الفضل وواهب النعم ، وهو الله سبحانه وتعالى ، المستحق للحمد والشكر في كل الأحوال وفي الرخاء أكثر ؛ وذلك لأنه المعطي ( وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ...) (53) النحل ، ثم لأن الشكر لله سبيل الحفاظ والاستمرار( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) (7)ابراهيم.

ثم شكر الآخرين من الآباء والأمهات وغيرهم ممن ساهم وأعان في إقامة هذا المشروع المبارك.

ثانياً- تقوية الإيمان وزيادة الأعمال الصالحة ، والتي يأتي في مقدمتها العبادات المفروضة والمسنونة ، وذلك من أجل أن تبقى العلاقة مع الله قوية ، لنيل رضاه وكسب محبته سبحانه وتعالى، ثم من أجل التحصن من الشياطين والحاسدين الذين لا يعجبهم إلا الشر والفساد.

ثالثاً- التجديد في الحياة الزوجية وتغيير الرتابة التي قد تؤدي إلى الملل والضيق والسآمة ، والتجديد مجالاته متعددة وطرقه واسعة ، ولا حرج في أي نوع يرتضيه الطرفان مما يتلاءم مع أوضاعهما وظروفهما بشرط مراعاة الضابط الشرعي.

رابعا-الحوار وفن التعامل: وهي مهارات يمكن أن تكتسب وتؤدى بإتقان مما يجعل العلاقة أكثر متانة وأنساً ، وهي من الأمور المهمة التي لا ينبغي تجاهلها في كل التعاملات وخاصة بين الزوجين الحبيبين ، بل أن ذلك والجودة فيه يجعل الحياة الزوجية شيئاً آخر من السعادة .

خامساً-مراعاة الحقوق والواجبات ، والتي هي من الأمور الأساسية التي لا يسع أحد جهلها أو الغفلة عنها ، فقبل أن تكون هناك حقوق تنال ، هناك واجبات تؤدى ، وكم هو جميل أن يبادر الشخص في أداء ما عليه من واجبات ولا ينتظر حتى يطالب بها ، ففي ذلك إلى جانب إبراء الذمة رقي في التعامل يترك أثره الطيب في الآخر ، ويدفعه إلى المبادرة والإسراع في أداء حقوق الآخرين بل والزيادة عليها.

وأخيرا نسأل الله أن يجعل العلاقة بين الزوجين كلها أنس وسعادة وأمن وطمأنينة ، وهنيئا لهما ذلك في هذه الحياة وفي الآخرة الباقية.
اسلام ويب

Post: #177
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 09:54 PM
Parent: #176

فند الدكتور موسى الجويسر — المدرب والاستشاري في علم أنماط الشخصية من دولة الكويت — الحقيقة العلمية القائلة أن زواج الأقارب سبب للأمراض الوراثية!، متهماً من يقرن ارتفاع نسبة الأمراض الوراثية بزواج الأقارب بالمخطئ، مؤكداً أنَّ المرض الوراثي "لا يعرف زواج أقارب، أو زواج من غير الأقارب"، موضحاً أنَّ الأمراض الوراثية ترتفع لدى الجماعات التي تتزوج من بعضها البعض كما الحال عند اليهود الذين ترتفع لديهم نسبة الأمراض الوراثية دون غيرهم لهذا السبب.


وإنًّه قبل تحميل زواج الأقارب الذنب، يجب أن يكون المجتمع مدركا أنَّ لكل من الرجل والمرأة حقوقا قد كفلها الدين الإسلامي، وأنَّ الممارسات الشاذة من قبل أحد الأفراد للعادات وللموروثات الاجتماعية يجب أن لا يجعلنا نجرم عليه هذه العادات والقيم، بل علينا محاربة الممارسات الشاذة، لافتاً إلى أنَّه يجب تصحيح مفهوم أنَّ ليس كل من اقترن بابنة عمه قد ارتكب مصيبة!، وأنَّ زواج الأقارب أمر إيجابي لأنه نوع من أنواع الارتباط العائلي، مشدداً على ضرورة عدم اعتبار زواج الأقارب منبعا للمشاكل الأسرية التي تحدث، لأن الزواج يعتمد على الرجل والمرأة وليس على صلة قرابتهما بعضهما البعض..


واتهم الدكتور الجويسر تأثير الدراما العربية على مسار الأسرة العربية، معتبرا إياها بالمدمرة، سيما وأن من يقوم عليها من غير المتخصصين، كما أنه لا توجد خطة إستراتيجية لنوعية القضايا التي يتم تناولها، منتقدا في هذا الصدد المسلسلات التركية التي بالفعل قدمت صورة مغايرة عن الواقع لوضع الأسرة العربية.


وعلل الدكتور الجويسر سبب تفاهة الدراما العربية حيال تصويرها لحال الأسرة العربية، لاقتدائها بالثقافة الغربية التي اتخذتها كقائد ودليل، متناسية نقاط القوة بالثقافة العربية بحجة إننا شعوب نامية فاختلطت رغبتنا بالتطور بتدمير كل ثوابت مجتمعاتنا، وهذا ما حدث معنا كشعوب ومجتمعات عربية، قائلاً "نحن نريد الآن أن نعود للثوابت الحقيقية وثوابت المجتمع والدين، ونريد أن نعطيها صبغة الحداثة، وأنَّ الأخلاق بزمن العولمة تختلف عن زمن الصحراء، فالأخلاق لا تتغير ولكن ممارستها هي التي تختلف وتتطور، كما أننا نريد أن نقدم الدليل المادي إن هذه حقائق وممارسات حقيقية، وليس كلاما يدغدغ المشاعر أو كلاما في الهواء ونريد تقديم دليل علمي ملموس في أيسر صورة، كما في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يسروا ولا تعسروا، بشروا ولا تنفروا، مؤكدا أنَّ التجربة الإنسانية أثبتت صلاحيتها ونجاحها لكل المجتمعات لأنها معتمدة على ثوابت وقيم ملموسة، وإنما قلبت الطاولة عندما لجأنا للثقافة الغربية!"..


والتحديات التي تواجه الأسرة الآن تختلف تماما عما كان في الماضي، مؤكداً الحاجة لنشر ثقافة جديدة تعتمد على دليل علمي وممارسات واقعية، بعيدا عن المعلومات التي ليس لها أساس من العلم والتي شوهت تفكير الشباب والفتيات وهي للأسف موجودة كثيرا على مواقع الإنترنت، ووسائل الإعلام.


وحول شكوى النساء من خيانة الزوج.. أكدَّ الدكتور الجويسر أنَّ هذا ليس بالأمر الصحيح، لأنَّ قضية الخيانة مرتبطة بالرجل وليس بمجتمع، والكبت تفسير خاطئ لواقع، بل على العكس فهناك إثارة مع عدم التصريف وليس كبتا، فالإعلانات إثارة، ووسائل الإعلام إثارة ثم تطلب من الرجل أن يسير بملائكية؟، فالأساس أن نتعامل مع المشكلة.



وأنَّ فكرة المجتمعات العربية أصبحت تنظر لموروث الثقافة الغربية بالثقافة الملائكية، بالرغم من أنَّ العالم الغربي يحمل بذور فساد أضعافاً مضاعفة ولا تقارن بمجتمعات عربية، فالخيانة مثلا ، تعتبر سلوك طبيعي في الرجل والمرأة الغربية.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشرق 18/4/2010م

Post: #178
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-08-2015, 10:22 PM
Parent: #177

مما لاريب فيه أن مجال إعلام الطفل، وحاجته إلى الصور المتحركة مجال لا تخفى خطورته على المربين والمراقبين- التعليميين والإعلاميين - وأصحاب المسؤولية والرأي والتوجيه، لصلته المباشرة بتشكيل عقلية الطفل ووجدانه، ومن ثم التأثير في سلوكه وتصرفاته، في نطاق أسرته ومحيطه الاجتماعي والتربوي، ويتضاعف الخطر إذا وضعنا في الحسبان عامل "المستقبل" أي أن الطفل سيكون في المستقبل مسؤولا في الوطن، وصاحب قرار وشأن.

فإذا ما وقفنا على هذه الحقيقة الحساسة الساطعة، فلابد أن تنبثق من الأعماق فريضة التفكير بجد في وضع بديل "مضموني" في هذا المجال، يحل محل أفلام الرسوم المتحركة الغربية تأمينا لأطفالنا - عدّة المستقبل - من الغزو الثقافي الحضاري، والاستلاب الإعلامي والفكري الغربي.


وليس هناك من سبيل لتحقيق هذا الهدف إلاّ ربط الطفل برموز حضارته العربية والإسلامية، وبمضامين القيم في نطاق هذه المنظومة المعرفية والحضارية الإسلامية.. بل بنماذج معينة من هذه المنظومة، حتى يشبّ الطفل في مجتمعاتنا الإسلامية مرتبطا بأرومته الأولى وببني جلدته وأرضه، متمتعا بشخصيته القوية وهُويّته الحضارية.

وفي هذا الصدد يقول المفكر الإسلامي د.رشدي فكار ـ رحمه الله تعالى: "وأرى أن قضية الطفل حتى عمر الثانية عشرة، ينبغي أن تكون هي تحقيق انتمائه، وأتمنى أن يُمنع منعا باتا إعطاء أطفال هذه الأمة حتى تلك السن، أي انتماء أو نموذج أو قدوة، عدا انتمائه الحضاري كما تفعل ذلك الأمم الأخرى، والدول التي تواجهنا الآن في حلبة الصراع الحضاري".

ثم يضيف قائلاً: "كما أنه ليس من الحكمة أبدا أن نحدّث أطفالنا قبل هذه السن عن سقراط وجان جاك روسو وشكسبير وغوته وسارتر وغاريبالدي ونابليون وغيرهم من رجالات الفكر الغربي والسياسيين الغربيين...فهذا لا يكون إلاّ بعد أن تنضج كل مدارك الطفل، وتصبح المرجعية الإحالية، أو القيم المرجعية لديه واضحة وثابتة تماما، وبعد أن يفهم قيم رجالاتنا الذين رسّخوا دعائم الإسلام وصنعوا حضارته الباذخة".

وليس هناك من شك في أن مفكرينا، ورجالات التربية والتوجيه والقادة في العالم العربي والإسلامي يدركون أهمية هذه الرؤية كل الإدراك، بل إن أكثر هؤلاء يعمل جاهدا بإخلاص وتفان من أجل توفير الحصانة الفكرية والتربوية لأطفالنا، وإتاحة المناخ الملائم لبناء شخصياتهم الحضارية المتميزة، وسمتهم الفكري والسلوكي المتفرد.

بيد أن الأمر الذي نطمح له جميعا يتمثل في إعداد البدائل المتكاملة، ذات المستوى العلمي والمنهجي العالي والمدروس، في مجالات إعلام الأطفال، وتربية الأطفال، وأدب الأطفال وقراءات الأطفال...الخ.

ولعل نظرة فاحصة في أفلام الرسوم المتحركة المتوافرة لأطفالنا على الصعيد العربي تجعلنا ندرك للوهلة الأولى حقيقة ذلك التقصير في إطار تقديم ذلك الفن، فمن المؤسف أننا لا نزال نعتمد على استيراد الأفلام الكرتونية المقدمة لأطفالنا الواردة إلينا من الدول الغربية. ومن الطبيعي أن تكون هذه الأفلام غربية الهويّة مختلفة الطابع.. بمعنى أنها قد تجسد تلك الجوانب الاجتماعية والأخلاقية لمجتمعات دخيلة على حياتنا وأنساقنا. لذا وجب التعويل من جانبنا على تلك الأفلام النابعة من واقع البيئة العربية الأصيلة.

أما الكتاب والأدباء فينبغي أن يواصلوا أداء واجبهم الشرعي المتمثل في تنبيه المسؤولين وأصحاب القرار، إلى أهمية الميدان الإعلامي ومدى انعكاسات مضامينه على الطفل وسلوكه وفكره، كما ينبغي عليهم أيضا أن يفعّلوا إسهاماتهم في الكتابة للطفل المسلم في شتى المجالات، وتقديم البدائل المناسبة لمنازعه الفطرية، وتوجهاته الحضارية والمعرفية.

وبعد.. فهل ستكون هذه الصرخة ذات صدى مثمر طيّب؟ فقد تعلّمنا من توجيهات الإسلام وتعاليمه الراشدة، أن الكلمة الطيبة لابد أن تينع وتثمر ولو بعد حين، وهل ستكون هذه الكلمة الوجيزة حافزا يجعل المخلصين الواعين من هذه الأمة- وما أكثرهم- يسارعون لإقامة مؤسسات متخصصة في "حضانة" و"حصانة" الطفل المسلم، وإعداد البدائل المنهجية في كل المجالات والميادين، لبنائه بناءً علميا حضاريا، يؤهله لتحديد صورة المستقبل، المنسجم والمتناغم مع مطالب وطنه ومصالح أمته، وخصوصيات شخصيته القومية والحضارية ؟ نأمل ذلك، ونصر على الأمل دوما، والله الموفق إلى النفع والخير.
مجلة الوعي الإسلامي عدد 531

Post: #1129
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-15-2015, 08:17 AM
Parent: #153

في ظلال آية🌱
﴿وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا﴾
قبل خمس سنوات قرأت هذه الآية في منشور لأحد أصدقاء الفيس بوك .. كتبها بلا تعليق ، ولكنّه كتبها بطريقة جعلتني أفيق ..
كتبها هكذا :
﴿وجعلنا بعضكم..
لبعض فتنة..
أتصبرون ﴾
فهمت لحظتها كل شيء ..
نعم كل شيء ..
إنّه اختبار صبر ..
ذلك المعاق الذي مرّ بجواري .. إنّما هو اختبار صبر ! هل أدعو الله له ولي بالعافية ، أم أحوّله إلى مشروع نكتة ؟
تلك الشتيمة التي وُجهت لي دون استحقاق مني لها ، هي اختبار صبر ! هل أتغافل ، وأكون أنا الحليم الرشيد ، أم أحوّلها إلى قضيّة في المحكمة ؟
الموظّف الذي أخّرني -دون قصد منه - في تلك الدائرة الحكومية ، هو اختبار صبر ! هل أستثمر ذلك التأخير في ذكر الله والتسبيح .. أم أبدأ في نشر روح التذمّر ، والتهديد بالشكوى ؟
ذلك الذي سرق حذائي .. والآخر الذي وطئ قدمي .. والثالث الذي آذاني ببوق سيارته .. كلّهم فتنة لي .. أأصبر ؟
﴿أتصبرون ﴾
إذا عشت بنفسيّة شخص في اختبار يتعرّض لأسئلة اختباريّة .. ليست أسئلة مقاليّة ولا موضوعيّة وإنما أسئلة مواقف وتمحيص وافتتان .. عند ذلك ستحرص على دقة الإجابة ، وعلى استثمار وقت الاختبار ، وعلى ترتيب الإجابة وعدم تلويث ورقة الاختبار ، لأن كل شيء مرصود .. ومدرج في بنود التقييم ..
لأن الرقيب في هذا الامتحان هو الله :
﴿وكان ربك بصيرا﴾
إذن تحلّ بالصبر في جميع مواقف الحياة ..
لأن شهادة ونتيجة الاختبار هي : صابر ..
فإذا كُتب في شهادتك (صابر) .. فإن ذلك يعني الأجر اللامحدود ..
﴿إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب﴾
(علي جابر الفيفي)
يارب علّمنا :" 💕
👆🏻👆🏻👆🏻
أكثر من رائعة
أتصبرون ؟!!!

Post: #179
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 02:30 AM
Parent: #100

الحب .. في ظلال بيت النبوة
من الخطأ في حقِّ الحب الطاهر والعفيف أن نبحث عنه في غير مظانِّه، وأن نحرص على تعلُّمه عند غير أهله، فالحب أكبر من أن يبدأ من مكالمة هاتفيَّة عابرة، بل خاطئة، وأسمى من أن تكون المسلسلات والأفلام مدرسته، وميدانَ تعلُّمه، وهو أطهر وأنقى من أن نبحث عن معانيه الراقية في ثنايا قصيدة لشاعر ماجنٍ لا يتقيَّد بشيء، ولأنَّ ديننا الحنيف دين الجمال والروح والعقل والبدن، فلا بد أنه سيعطي موضوع الحب قدرًا من الاهتمام، فقد شغل البشر قديمًا وحديثًا، ومثَّل قضيةً عامةً في جميع المجتمعات، فكان الحب الذي يصون كرامة المرأة وعفافها، ويكرم الرجل ويحفظ مكانته، بعيدًا عن اللعب واللهو والعبث باسم الحب، والتشبه بالضائعين والضائعات.

فلسنا بحاجةٍ إلى الحب بالمعنى المستورد من المجتمعات المتفككة والعابثة والبعيدة عن قوانين السماء مهما كانت دعاواهم.

تعالوا نتعرف عن الحب في حياة أتقى وأنقى الخلق - صلى الله عليه وسلم - لنعرف أين نحن منه، وكم حرمنا أنفسنا من حقيقة الحب:

كان يُقبِّل أهله وإن كان صائمًا، وإذا شربت حبيبته من إناء تعمَّد أن يضع فمه على موضع فمها، وإذا كان في سفر مع من يحب، استغل الفرصة للمسابقة فسُبق وسَبق، وكان يغتسل معها من إناءٍ واحدٍ تختلف فيه أيديهما، وإذا زارته في متعبَّده عند اعتكافه، عاد معها مرافقًا مؤنسًا، وإذا أراد سفرًا لا يخرج بدون إحدى زوجاته وحبيباته، وإذا كان معهم في بيته، كان في مهنتهم يساعدهم، ويلاطفهم، ويؤنسهم، يذبح الشاة فيذكر حبيبته التي سبقته إلى الآخرة، فيرسل لصواحبها وفاءً وحبًّا، تأتي عروسه لتركب فيعد ركبته؛ لتعتمد عليها فتصعد مركبها، ولم يضرب بيده امرأةً قط، وقد جمع تسع نسوة، وكان يمازح، ويداعب، ويستمع الشكوى، وينصت إلى القصص، ويعطي أهله فرصة النظر إلى الألعاب، وهو الذي يسترهم، ولا يترك حتى يشبعوا، وإذا سُئل عمن يحب، صرَّح باسمها دون تحرج أو تردد، فالحب مما لا يمكن إخفاؤه.

عاش الحب في واقِعِه، وعاش ذكرياته، حتى قالت حبيبته: "ما غِرتُ على امرأة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كما غرت على خديجة؛ لكثرة ذكر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إياها وثنائه عليها، فقد ظل يعيش ذكريات أول حبيبة في حياته، ولو بعد وفاتها بسنين، ومع مجيء غيرها، ومنافساتهن لها.

عاش الحب ودعا غيره له، فقال: ((خيركم خيركم لأهله))، ((ولا يفرك مؤمن مؤمنةً))، ((واستوصوا بالنساء خيرًا))، ويشير إلى أن يضع الرجل اللقمة في فِي امرأته، ويحض على الملاعبة المتبادلة، ويراعي المشاعر، فيحث على الرفق بالقوارير تشبيهًا لطيفًا وحثًّا جميلاً.

هذا الحب الطاهر العفيف كان يجري في ميدانه الفسيح ومكانه الآمن في حديقة الزواج الوارفة، وبيت الزوجية التي تنعم بظلال الحب، فتأتي السعادة إليه راغبةً أو راغمةً.

ومن هذه المدرسة، ومن هذا الأستاذ ينبغي أن نتعلَّم الحبَّ بعيدًا عن التلاعب بالعواطف، والتقليد الأعمى لمن لا تحكمهم ضوابط، ولا تردعهم أخلاق، ولا يفرقون بين ما يصح وما لا يصح.

فصلى الله على خير الناس لأهله، وعلى من سار على نهجه، واقتفى أثره، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

ــــــــــــــ
المصدر: نبيل النشمي

Post: #180
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 02:32 AM
Parent: #179

بـ 10 أفكار.. يتعلم الصغار النظـام
بين الفوضى والنظام محطات كثيرة يمكن أن نقطعها مع الصغار، يمكننا الوصول إلى المحطة الأخيرة بسرعة، فنوفر الوقت والجهد، وممكن أن نطيل المدة، فنخسر بعض الوقت و الجهد.
يحرص الوالدان على تعليم الصغار كل ما هو طيب وحسن.. فيحرصان على تعليمهم القراءة والكتابة، وكيف يمكن أن يرتدوا ملابسهم، وكيف يمكن أن يستخدموا مهارات الحياة المختلفة؛ لينجحوا في الحياة، ومن تلك المهارات المهمة: كيف يكونون أكثر نظاماً؛ لينجحوا أيضاً في الحياة.
وأفضل طريق لتعليمهم أن تكون أنت مثلاً جيداً لهم، فإذا نشأ الطفل في بيئة منظمة، فالاحتمال الأكبر أن يكون إنساناً منظماً، وحتى تنشئ بيئة منظمة في منزلك إليك بعض الأفكار:

أفكار لأطفال أكثر نظاماً


1- أوجد مكاناً لكل شيء: واجعل كل شيء في مكانه، وعلم أبناءك في عمر مبكر قدر الإمكان أن يعيدوا ألعابهم إلى مكانها المناسب، وحتى يتمكنوا من هذا وفر لهم المساحة والمكان ليفعلوا ذلك، مع تعليمهم الكيفية، مع توضيح أن الهدف من ذلك هو أن يكون الترتيب من طبع الطفل؛ لأنه نواة النظام.

2- استخدام التقويم: من الأفضل أن ينشأ الأطفال وقد اعتادوا على استخدام التقويم، لهذا دربهم منذ الصغر على تسجيل أحداثهم الأسبوعية على لوحة التقويم، وذلك عن طريق تعليق هذه اللوحة في مكان بارز في المنزل أمام الصغار، بحيث يكون من السهل الوصول إليها؛ لكتابة الأحداث المهمة لهذا الأسبوع، أما إذا كان الأبناء أكبر سناً، فيمكنك التحدث معهم عن أهمية استخدام التقويم في ترتيب الأنشطة وتحديد أوقاتها.

3- اربط العمل بالمتعة: ليصبح وقعه على النفس أفضل، وهذا ينطبق على الترتيب والنظام، فإذا ما شعر الطفل بأهميته وبأنه عمل ممتع، فإنه يتبناه أيضاً، فاحرص دائماً على أن يراك الطفل وأنت مستمتع بترتيب أوراقك في غرفتك، لكن اعلم أن ما قد يبدو لك غير منظم، قد يعتبره الطفل منظماً ومرتباً، فلا تنتقده دائماً حتى لا تفقده ثقته بنفسه، بل شجعه وعلمه، وأشعره بالفخر بما يقوم به، فهو كلما تقدم في العمر تمكن من هذه المهارة.

4- أعط أطفالك تعليمات واضحة: فهم يحتاجون إلى معرفة ما يجب عليهم القيام به، فعندما تقول: «أريد الغرفة مرتبة» قد لا يعرف الطفل ماذا تعني، فتدرج معه خطوة خطوة، حتى يتمكن من القيام بما تريده منه.

5- حول عملية الترتيب إلى جدول زمني مكتوب بطريقة سهلة: فعندما تكون الأم هي المسؤولة الوحيدة عن ترتيب المنزل، فهي تحتاج إلى أطفال أكثر نظاماً، وهذا من الممكن أن تحصل عليه، إذا كتبت لأطفالها مثل:
- ترتيب السرير كل يوم.
- وضع الكتب على الأرفف.
- وضع الملابس المستخدمة في سلة الغسيل.
- وضع الملابس النظيفة في أماكنها.
كما يمكن استخدام الصور بدلاً من الكلام في عمل الجدول.

6 - ترتيب خزانة الطفل: يعتبر من الأمور التي إن تمت، فسوف توفر عليك وعلى الطفل الكثير من الوقت، ومن أجل هذا قم بترتيب دوري للخزانة بمصاحبة الطفل، اسأله أثناء الترتيب عن طريقة الترتيب التي يرغب في أن تكون عليها خزانته، ابدأ بنظرة فاحصة للخزانة، فإذا كانت مفتوحة فأخرج منها الأشياء التي تحجب رؤيتك لقاع الخزانة، تخلص من الأشياء أو الملابس أوالألعاب غير المستعملة، بالتبرع بها للجهات الخيرية، شجع ابنك على فعل هذا؛ لتعلمه حب العطاء إلى جانب الترتيب، ثم تأتي المرحلة التي تقرران فيها معاً ما هي الأ شياء التي يجب أن تعلق؟ وهل تعلق على الأرفف أم توضع في السلة داخل الخزانة؟

7- أفكار التخزين: ممكن أن يصممها الطفل بنفسه، فبعض الأطفال يفضل السلال التي تعلق على الجهة الأمامية من الخزانة؛ لتكون معلقة في الحائط، فيضع بها أغراضه، وتفضل بعض الفتيات استخدام السلال المعلقة لوضع متعلقاتهن.. كما يمكن استخدام العلاليق الصغيرة المعلقة خلف باب الخزانة؛ لتعليق إكسسورات البنات، (يمكن استخدام السلال الخاصة بالخضراوات المستخدمة في المطبخ بعد تلوينها)، وتعد الأكياس الملونة المعلقة خلف الباب مفيدة جداً في توفير المساحة المطلوبة، أما أدوات التعليق التي تحتل جزءاً من الحائط، فتشجع الطفل على تعليق أغراض الرياضة واللعب الخاصة به، وهذه واحدة من الأفكار المفيدة، التي استخدمتها إحدى الأمهات، كما أنه يمكن استخدام 7 أكياس من القماش الملون بعدد أيام الأسبوع، بحيث توضع في كل كيس الملابس الخاصة بهذا اليوم، ويتم تعليقه في الخزانة.

8- استخدام العلب والألوان: هناك علاقة بين الألوان والترتيب، فالعلب والسلال الملونة، تسهل عمليتي التصنيف والترتيب للأم والطفل، بل تعطي روحاً طفولية للغرفة، لذا يمكن الاستعانة بالسلال الملونة الجاهزة، هذا بالإضافة إلى إمكانية تلوينها في المنزل، وذلك عن طريق رشها بالصبغ، ولكن تأكد من خلوها من مادة الرصاص السامة.

9 - اكتساب تلك المهارة في كل الأعمال: النظام لا يعني فقط غرفة مرتبة، وخزانة نظيفة، ولكنه يعني أيضاً: التفكير بنظام، والاستفادة من الوقت بنظام، وكل هذا يكتسبه الطفل بالممارسة، والصبر من قبل الوالدين، فالطفل منذ ولادته في حاجة إلى أن نعلمه النظام، فهناك نظام غذائي يُتبع لإطعامه، وهناك نظام لنومه، ونظام لأداء واجبه .

10- تعليم الطفل طريقة ترتيب أفكاره: فلا بد أن نعلمه الخطوات منذ بداية صياغة تلك الفكرة في الدماغ، ومن ثم تدوينها أو رسمها، والبحث عما سيساعده على القيام بها، والانتهاء منها .
راقب الطفل عندما يريد شراء بعض قطع الحلوى، فالفكرة ولدت في عقله، ثم بدأ يفصح عنها، ومن ثم توجه إلى الوالدين أو الجدة، وقد يلجأ إلى البكاء كمرحلة أخيرة؛ لتحقيق هدفه.
تعلم أداء الأعمال ضمن تسلسل معين يعطي الطفل الثقة بالنفس، كما أنه يعلمه اتخاذ خطوات متعاقبة لحل المشاكل، وهو العمود الفقري لتعلم النظام والترتيب

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة المجتمع العدد " 1840

Post: #181
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 10:57 AM
Parent: #180

كثر وانتشر في الفترة الأخيرة بين المسلمين شيباً وشباناً إسرار النكاح وكتمانه، والحرص على ألا يعرف به أحد، من زوجة أو قريب، أو عن السلطات المختصة في حالة إذا ما تم العقد بين أطرافه ولم يوثقا العقد أمام الجهة المنوط بها، وقد ينظر في هذه الصورة على أنه لا شيء فيها شرعاً إذا استوفى العقد أركانه، أما مسألة إعلانه أو عدم إعلانه فتترك لتقدير طرفي العقد، وهذا في الحقيقة ليس صواباً، كما سنوضح، ونعرض في هذه المقالة للأسباب والدوافع الداعية إلى إسرار النكاح، ثم حكم استكتام النكاح شرعاً مع افتراض أن العقد استوفى الأركان والشروط ولكنه افتقد الإعلان أو حرص أطرافه على إخفائه·

وتكمن الأسباب الداعية إلى ذلك غالباً فيما يلي:

1 ـ الخشية من معرفة الغير بهذا الزواج، وقد يكون هذا الغير الزوجة الأولى للزوج إذا كان الزوج يتزوج بالثانية، حفاظاً منه على استمرار الزوجية بينه وبين الزوجة الأولى وكذا الثانية، ويكثر هذا خاصة في المجتمعات التي ترى من الزواج الثاني جريمة أو خيانة، وربما أدى معرفة الزوجة الأولى بهذا الزواج إلى مشاكل جسيمة، في الوقت الذي يرى الزوج أن زواجه بالثانية ضرورة من وجهة نظره·

وقد يكون هذا الغير أولاد الرجل الذين يريدون الحفاظ على التركة من زوجة ثانية تزاحم أمهم، أو من طفل يكون نتيجة للزواج الثاني، وربما كان هذا الغير عامة الناس خاصة إذا تزوج الرجل بمن لا تكافئه سناً أو نسباً أو ثقافة أو تديناً، فمن يتزوج بخادمة، أو سكرتيرة له أو نحو ذلك يحرص على إخفاء هذا الأمر وعدم إظهاره·

2 ـ التغلب على بعض القوانين والأنظمة التي تمنع الزواج من جنسيات معينة، أو لفترة محددة، أو تعلق دفع راتب أو معاش على عدم الزواج في حالة الأرملة، أو تمنع الزواج دون سن معينة، ففي مثل هذه الحالات المذكورة يلجأ طرفا العقد إلى إخفاء النكاح وإسراره منعاً من تعرضهم للمساءلة القانونية، أو حرمانهم من راتب أو معاش حكومي·

3 ـ عدم القدرة على نفقات النكاح ومصروفاته خاصة في ظل المغالاة في المهور وأجر الموثق الرسمي·

4 ـ تبرج المرأة ا لفاحش وسفورها واختلاطها بالرجال دون مراعاة الضوابط الشرعية مما يسعر الشهوة في كل من الرجل والمرأة في الوقت الذي يحول دون توثيق عقدهما وإشهاره موانع اجتماعية أو اقتصادية فيلجآن إلى الزواج السري الذي تعتريه كثير من المفاسد لإرواء الغريزة دون أن يتحملا نفقات الزواج·

هذه في الأغلب الدواعي والأسباب التي تدفع كلاً من الزوجين أو أسرتيهما لإخفاء النكاح، وقد تبدو بعض هذه الأسباب في الجملة مقنعة إلى حد ما لكن بالنظر إلى المفاسد المترتبة على إخفاء النكاح وكتمه، وإلى حكم الشرع فيه تتلاشى هذه الأسباب والدواعي وتنهار·

وهناك أدلة كثيرة منقولة ومعقولة تحث على إعلان النكاح وإظهاره والنهي عن استكتامه.

وقد ذكر أهل العلم أوجهاً لمنع كتمان النكاح، منها:

1- أن الاستسرار في النكاح ممنوع لمشابهته الزنى الذي يتواطأ عليه سراً، ولذلك شرع في الزواج ضرب من اللهو والوليمة لما في ذلك من الإعلان فيه.

2- نكاح السر من جنس اتخاذ الأخدان شبيه به، لا سيما إذا زوجت نفسها بلا ولي ولا شهود، وكتما ذلك، فهذا مثل الذي يتخذ صديقة .

3 ـ إعلان النكاح يتفق ومقاصد الشريعة الإسلامية التي تحافظ على الحقوق الزوجية وعلى النسل وبدون الإعلان قد تتعرض هذه الحقوق للهدر والضياع خاصة إذا تواطأ الشهود مع الزوج في إنكار الزوجية، وبالتالي ضياع نسب الأولاد وحقوق الزوجة وحرمانها من الميراث، كما أن مثل هذا المناخ لا يسمح بتربية الأولاد تربية صحيحة. 4ـ إعلان النكاح فيه حفظ لعرض الزوجين من أن تلوكه الألسنة فقد يرى الزوج والزوجة معاً أو يرى الزوج في بيت تلك المرأة فيقذفه هذا أو يسبه ذاك، فيمنع الإسرار بالنكاح سداً لهذه الذريعة·

5ـ النكاح السري غالباً ما يصاحبه اضطراب وقلق نفسي للزوجين خشية أن يشتهر ويعرف· وهو عكس ما يقصد من النكاح.

6ـ كتمان النكاح يصاحبه كثيراً من المفاسد الأخلاقية كالكذب، والتدليس، والتزوير وغيره، فيضطر الزوج إلى أن ينفي زواجه أمام زوجته الأولى أو أولاده أو أهل بلده، وقد يجر ذلك إلى جريمة الإجهاض وقطع النسل حتى لا يشتهر هذا النكاح بحمل المرأة، وفي ذلك ما فيه من مخالفة صريحة للكتاب والسنة وفيه مناقضة لمقصود الشارع من النكاح·

7ـ إن الأسباب التي تدعو الزوجين إلى إسرار النكاح تتهافت أمام المفاسد التي يجرها· ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ·

8 ـ لا يُراد في الغالب من كتمان النكاح غاية نبيلة فينظر إلى مآله فيمنع·

خطوة نحو العلاج

قد يبدي بعض الأزواج أسباباً معقولة في استكتامهم للنكاح وكذا المرأة ، وقد يكون لبعضهم العذر ، فثقافة بعض المجتمعات تصور الزواج الثاني على أنه خيانة ومهانة للزوجة الأولى، وذلك تأثراً بالثقافة الغربية المسيحية وتساعد قوانين الأسرة في كثير من الدول الإسلامية ـ للأسف الشديد على تزكية هذا المعنى وتقنينه ـ حتى أنه في بعض الأحوال لا تتأثر المرأة بالخليلة قدر تأثرها بالحليلة،·

ومن هنا يلزم درءاً للمفاسد المترتبة على كتمان النكاح وإسراره ما يلي:

1 ـ العمل على تغيير نظرة المجتمع المسلم للزواج الثاني، على أنه عمل مباح من قبل الزوج إذا ما التزم بالعدل بين زوجاته، وقام بحقوقهما على الوجه الأكمل بلا وكس ولا شطط، وذلك من خلال المؤسسات التربوية كالمسجد، والمدرسة، والمحاضرات، ووسائل الإعلام الإسلامية المختلفة·

2 ـ التعريف الكامل بفقه الأسرة لدى كل من الرجل والمرأة، فنادراً ما نجد زوجين قبل ارتباطهما قد تعلما هذا الفقه، ويحدث من الفساد والخلل والانهيار في الأسرة بسبب غياب هذا الفقه ما نراه ونسمعه في وسائل الإعلام المختلفة، فلا الزوج يعرف حقاً ولا واجباً وكذا المرأة، ويتركان التقاليد والثقافات والأعراف تغذيانهما تارة بالخرافات، وأخرى بالظلم، وثالثة بإحداث صراع بين الزوجين ويتناسى السكن والمودة والرحمة والألفة والمقاصد الشرعية للنكاح·

3 ـ تنقية قوانين الأسرة من الأحكام الجائرة المتأثرة بثقافة الغرب ورؤيته للأسرة·

4 ـ إشاعة العفة في المجتمع، وتنقية وسائل الإعلام المختلفة من مظاهر الفساد والانحلال، وكذا تنقية المؤسسات التعليمية من فساد التبرج والاختلاط الفاحش·

5 ـ تيسير الزواج للراغبين فيه، وعدم المغالاة في نفقاته، فخير النساء أيسرهن مهوراً، والتقليل من مظاهر البذخ والإسراف التي أصبحت ملازمة للزواج، وترهق الأثرياء فضلاً عن الفقراء حتى أننا نجد الدول الثرية في العالم الإسلامي هي الأكثر شكوى من نفقات الزواج الباهظة، وذلك مما يؤدي إلى تأخر سن الزواج لدى الشاب والفتاة، مما يؤدي إلى مفاسد وجرائم تمس العرض والشرف، أو يلجأ الطرفان إلى استكتام النكاح حتى لا يعرف به أحد،

وأخيراً نسأل الله تبارك وتعالى أن يحفظ أعراضنا وأن ييسر للمسلمين سبل العفة ، وأن يوفق القائمين على أمورنا لتنقية نظمنا من الشوائب التي تمنع الحلال أو تعقده

ــــــــــــــــــــــــــ

(الوعي الإسلامي 527)، باختصار.

Post: #182
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 11:03 AM
Parent: #181

ما قبل الزواج
هي مرحلة مهمة وحرجة بالنسبة للكثيرين ممن هم مقبلون على هذا المشروع الطيب المبارك، المشروع الذي سوف يغير في حياتهم وعلاقاتهم وتنظيم أوقاتهم وأفراحهم ؛ بسبب المرحلة الجديدة.

فقبل الزواج يعيش الشاب أو الفتاة دون أن تكون هناك تلك الالتزامات الزوجية، فكل واحد يعيش برنامجه الخاص سوى الالتزامات الأسرية الأخرى ، بينما بعد الزواج يصبح كل طرف مرتبطا بالآخر في كثير من البرامج اليومية ، مما يتطلب الترتيب والتنظيم بالتنسيق مع الطرف الآخر ، وهو شيء جديد بحياة الفرد ، فيه الكثير من المتعة والسعادة بخلاف نظرة البعض بأنه تقييد للحرية.

وكلا الطرفين سواء الشاب أو الفتاة يعيش هذه المرحلة بكثير من الاهتمام والتفكير ، وسوف يكون الحديث بهذه المقالة عن بعض القضايا التي تشغل الشباب والفتيات قبل الزواج :




الأول-الميل العاطفي والفطري: وهو أمر طبيعي من الطرفين لبعض ، ولا ينكر أحد وجوده وأحقيته ومتعته ، وما فيه من الأنس والراحة ، ولكن الإشكال في ممارسته وتحققه على أرض الواقع ، والناس فيه ثلاثة أصناف:

1-صنف أطلق للنفس العنان ، وهدم أمامه كل حاجز وبنيان ، ولم يراع قيماً أو ديناً ، فانطلق يعطي النفس رغباتها ، المهم لديه تحقيق شهواته.

2-صنف بحث عن الطريق الصحيح في تحقيق ميوله وإشباع رغباته من خلال الزواج الذي استطاعه دون مشقة أو عناء ؛ وذلك ليسر حاله ووضوح هدفه وغايته في طاعة ربه إلى جانب إسعاد نفسه.

3-صنف عانى المتاعب وبقي مترددا ومضطربا بين الصبر وإلجام النفس ومنعها وبين التفكير في الإقدام على المعصية في هذا الجانب ، إذا تذكر الصبر وفوائده مع مراقبته لله تجلد وعاش لحظات طاعة وسعادة ، وإذا رأى المغريات والفتن من حوله تحركت شهوته، وثارت عاطفته وأشعلت النار بداخله ؛ فأحس بألم ووجع.

ولعل هذا الصنف هو الغالب في واقع المجتمع الإسلامي اليوم نتيجة تعقيدات وعقبات الزواج وكثرة المغريات التي يعيشها الشباب .




الثاني- البحث عن الشريك المناسب ، وهنا يعيش كلا الطرفين مرحلة بحث وتنقيب وتحرى وسؤال ؛ وحق لهم ذلك فالعلاقة ليست مؤقتة لمدة ساعة أو شهر أو سنة ، ثم يتم الانفصال ، فالأصل في الزواج الديمومة والاستمرار ، أما الطلاق فحالة استثنائية ولا تكون إلا بشروط وضوابط ، وبعد محاولات من الإصلاح والعلاج ، فالهدم لأي بناء له آثاره النفسية والاجتماعية.

وفي مسألة البحث للوصول إلى الطرف والشريك المناسب الناس أصناف أيضا:

1-صنف لم يراع قيدا أو شرطاً ، ففي كل يوم يكون الشاب مع واحدة يمسك بذراعها ويسافر بها ويخلو معها ، وقد يقع في تجربة معها كما يقال ، وكل ذلك بحجة التعرف قبل الزواج ، ولا شك أن هذا باطل ومنكر لا يرضاه شاب غيور ولا فتاة عفيفة ، وكم من المصائب والويلات وقعت بسبب مثل هذه العلاقات.

2-صنف حجر واسعا وضيق مباحا ؛ وذلك نتيجة عادات وموروثات ما أنزل الله بها من سلطان ، فلا يسمح للباحث عن الزواج أن يرى الفتاة إلا ليلة عرسه، ولا يمكن أن يكلمها أو يسمع صوتها فضلا عن أن يناقشها مع وجود محارمها، فالفتاة لا رأي لها ولا مشورة، وهذا خطأ أيضا ؛ فكم من العوانس اللاتي يقبعن خلف الجدران ضحية ذلك التصرف الأرعن بحجة الحرص المغلوط والمقاييس البعيدة عن كتاب أو سنة.

3-صنف وسط بين الصنفين ، انضبط بالضوابط الشرعية ، فسمح للخاطب برؤية مخطوبته والحديث معها في وجود المحْرَم، بل ورحب أجمل ترحيب ، وساعد ويسر الأمور ، وسعى إلى زواج بناته وقريباته بكل ود وكرم، فأدخل السرور إلى نفس ابنته كما أدخله إلى نفس ذلك الباحث عن الزواج.

وهذا هو الفعل الصحيح والنهج القويم ، والذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.




الثالث-المهر وتوابعه: فمن الأشياء التي تشغل بال الكثيرين تلك الأموال الباهظة والنقود الكثيرة التي أثقلت كاهل الزوجين معاً ، وإن كان الرجل الأكثر معاناة، فبات هذا من أشد الأمور التي يواجهها الشباب المقبلون على طاعة الرحمن من خلال الزواج ، فظاهرة الغلاء التي سرت بين الناس توسعت دائرتها وزادت رقعتها حتى وصلت إلى هذا البناء الجميل والمشروع البراق فأفسدته وعكرته ، وجعلت التطلع إليه أمرا صعبا ليس من حق الجميع ، والإقدام عليه يحتاج إلى إعداد الحسابات ورصد الميزانيات ، وتناسى الكثيرون سلفهم الصالح ونهجهم الطيب.

ونتج عن ذلك من الأضرار والمفاهيم الخاطئة وصار البعض ينظر إلى المرأة ذات المهر اليسير نظرة دونية.




الرابع- الحفلات المتعددة ، والتي صار الناس يتفننون فيها ويتباهون بها ، ويتوسعون فيها ، فحفلة للخطوبة ، وحفلة لعقد الزواج ، وحفلة للعرس ، وحفلة في بيت المعرس ، وحفلة في بيت العروس ، ويشترط البعض أن تكون في فنادق معينة وبصحبة فرقة محددة ، دون الاعتبار لدين أو قيم ، فهنا يتم نسف الكثير من المبادئ العظيمة التي جاء بها سيد البشرية وإمام الإنسانية صلى الله عليه وسلم.



الخامس- الموائد الزائدة : نعم موائد لو اجتمعت لها جيوش لا تستطيع الإتيان عليها من كثرتها وضخامتها وتعددها ، تنفق عليها الآلاف وربما الملايين ، يتنافسون في كثرة لحوم الغنم والبقر والإبل التي تذبح وتنحر، ثم لا يتحرجون ولا يتوجعون من أن تكون نهايتها إلى أماكن القمامة والنفاية ، كيف يحصل هذا في أمة لها قوامة على الأمم .

هذه وتلك أحوال وأحداث يعيشها ويشاهدها ويشعر بها أولئك الشباب المقبلون على الزواج، فتبقى ذكريات لا تفارقهم ، يضيفونها إلى مفردات أخرى في قواميسهم المزدحمة ، فكان الله في عونهم ، ويسر الله أمورهم.
اسلام ويب

Post: #183
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 11:14 AM
Parent: #182

ما قبل الزواج
هي مرحلة مهمة وحرجة بالنسبة للكثيرين ممن هم مقبلون على هذا المشروع الطيب المبارك، المشروع الذي سوف يغير في حياتهم وعلاقاتهم وتنظيم أوقاتهم وأفراحهم ؛ بسبب المرحلة الجديدة.

فقبل الزواج يعيش الشاب أو الفتاة دون أن تكون هناك تلك الالتزامات الزوجية، فكل واحد يعيش برنامجه الخاص سوى الالتزامات الأسرية الأخرى ، بينما بعد الزواج يصبح كل طرف مرتبطا بالآخر في كثير من البرامج اليومية ، مما يتطلب الترتيب والتنظيم بالتنسيق مع الطرف الآخر ، وهو شيء جديد بحياة الفرد ، فيه الكثير من المتعة والسعادة بخلاف نظرة البعض بأنه تقييد للحرية.

وكلا الطرفين سواء الشاب أو الفتاة يعيش هذه المرحلة بكثير من الاهتمام والتفكير ، وسوف يكون الحديث بهذه المقالة عن بعض القضايا التي تشغل الشباب والفتيات قبل الزواج :

الأول-الميل العاطفي والفطري: وهو أمر طبيعي من الطرفين لبعض ، ولا ينكر أحد وجوده وأحقيته ومتعته ، وما فيه من الأنس والراحة ، ولكن الإشكال في ممارسته وتحققه على أرض الواقع ، والناس فيه ثلاثة أصناف:

1-صنف أطلق للنفس العنان ، وهدم أمامه كل حاجز وبنيان ، ولم يراع قيماً أو ديناً ، فانطلق يعطي النفس رغباتها ، المهم لديه تحقيق شهواته.

2-صنف بحث عن الطريق الصحيح في تحقيق ميوله وإشباع رغباته من خلال الزواج الذي استطاعه دون مشقة أو عناء ؛ وذلك ليسر حاله ووضوح هدفه وغايته في طاعة ربه إلى جانب إسعاد نفسه.

3-صنف عانى المتاعب وبقي مترددا ومضطربا بين الصبر وإلجام النفس ومنعها وبين التفكير في الإقدام على المعصية في هذا الجانب ، إذا تذكر الصبر وفوائده مع مراقبته لله تجلد وعاش لحظات طاعة وسعادة ، وإذا رأى المغريات والفتن من حوله تحركت شهوته، وثارت عاطفته وأشعلت النار بداخله ؛ فأحس بألم ووجع.

ولعل هذا الصنف هو الغالب في واقع المجتمع الإسلامي اليوم نتيجة تعقيدات وعقبات الزواج وكثرة المغريات التي يعيشها الشباب .

الثاني- البحث عن الشريك المناسب ، وهنا يعيش كلا الطرفين مرحلة بحث وتنقيب وتحرى وسؤال ؛ وحق لهم ذلك فالعلاقة ليست مؤقتة لمدة ساعة أو شهر أو سنة ، ثم يتم الانفصال ، فالأصل في الزواج الديمومة والاستمرار ، أما الطلاق فحالة استثنائية ولا تكون إلا بشروط وضوابط ، وبعد محاولات من الإصلاح والعلاج ، فالهدم لأي بناء له آثاره النفسية والاجتماعية.

وفي مسألة البحث للوصول إلى الطرف والشريك المناسب الناس أصناف أيضا:

1-صنف لم يراع قيدا أو شرطاً ، ففي كل يوم يكون الشاب مع واحدة يمسك بذراعها ويسافر بها ويخلو معها ، وقد يقع في تجربة معها كما يقال ، وكل ذلك بحجة التعرف قبل الزواج ، ولا شك أن هذا باطل ومنكر لا يرضاه شاب غيور ولا فتاة عفيفة ، وكم من المصائب والويلات وقعت بسبب مثل هذه العلاقات.

2-صنف حجر واسعا وضيق مباحا ؛ وذلك نتيجة عادات وموروثات ما أنزل الله بها من سلطان ، فلا يسمح للباحث عن الزواج أن يرى الفتاة إلا ليلة عرسه، ولا يمكن أن يكلمها أو يسمع صوتها فضلا عن أن يناقشها مع وجود محارمها، فالفتاة لا رأي لها ولا مشورة، وهذا خطأ أيضا ؛ فكم من العوانس اللاتي يقبعن خلف الجدران ضحية ذلك التصرف الأرعن بحجة الحرص المغلوط والمقاييس البعيدة عن كتاب أو سنة.

3-صنف وسط بين الصنفين ، انضبط بالضوابط الشرعية ، فسمح للخاطب برؤية مخطوبته والحديث معها في وجود المحْرَم، بل ورحب أجمل ترحيب ، وساعد ويسر الأمور ، وسعى إلى زواج بناته وقريباته بكل ود وكرم، فأدخل السرور إلى نفس ابنته كما أدخله إلى نفس ذلك الباحث عن الزواج.

وهذا هو الفعل الصحيح والنهج القويم ، والذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام.

الثالث-المهر وتوابعه: فمن الأشياء التي تشغل بال الكثيرين تلك الأموال الباهظة والنقود الكثيرة التي أثقلت كاهل الزوجين معاً ، وإن كان الرجل الأكثر معاناة، فبات هذا من أشد الأمور التي يواجهها الشباب المقبلون على طاعة الرحمن من خلال الزواج ، فظاهرة الغلاء التي سرت بين الناس توسعت دائرتها وزادت رقعتها حتى وصلت إلى هذا البناء الجميل والمشروع البراق فأفسدته وعكرته ، وجعلت التطلع إليه أمرا صعبا ليس من حق الجميع ، والإقدام عليه يحتاج إلى إعداد الحسابات ورصد الميزانيات ، وتناسى الكثيرون سلفهم الصالح ونهجهم الطيب.

ونتج عن ذلك من الأضرار والمفاهيم الخاطئة وصار البعض ينظر إلى المرأة ذات المهر اليسير نظرة دونية.

الرابع- الحفلات المتعددة ، والتي صار الناس يتفننون فيها ويتباهون بها ، ويتوسعون فيها ، فحفلة للخطوبة ، وحفلة لعقد الزواج ، وحفلة للعرس ، وحفلة في بيت المعرس ، وحفلة في بيت العروس ، ويشترط البعض أن تكون في فنادق معينة وبصحبة فرقة محددة ، دون الاعتبار لدين أو قيم ، فهنا يتم نسف الكثير من المبادئ العظيمة التي جاء بها سيد البشرية وإمام الإنسانية صلى الله عليه وسلم.

الخامس- الموائد الزائدة : نعم موائد لو اجتمعت لها جيوش لا تستطيع الإتيان عليها من كثرتها وضخامتها وتعددها ، تنفق عليها الآلاف وربما الملايين ، يتنافسون في كثرة لحوم الغنم والبقر والإبل التي تذبح وتنحر، ثم لا يتحرجون ولا يتوجعون من أن تكون نهايتها إلى أماكن القمامة والنفاية ، كيف يحصل هذا في أمة لها قوامة على الأمم .

هذه وتلك أحوال وأحداث يعيشها ويشاهدها ويشعر بها أولئك الشباب المقبلون على الزواج، فتبقى ذكريات لا تفارقهم ، يضيفونها إلى مفردات أخرى في قواميسهم المزدحمة ، فكان الله في عونهم ، ويسر الله أمورهم.
اسلام ويب

Post: #184
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:34 PM
Parent: #183

إن ما يتبادله الناس منذ سنوات عبر الانترنت من صور تلتقط في الأفراح والدعوات الخاصة، لهو أمر يثير الفزع بكل ما تحمل كلمة فزع من معنى ومضمون، فإذا تآكلت العقول صار البحث عن المظهر وسيلة لإخفاء ضآلة الجوهر والفكر العميق.

أي هزال في الفكر هذا الذي يسمح بقبول تلك الولائم المترفة البالغة السرف التي ترمى بها مئات شوالات الأرز فوق مئات الكيلو جرامات من لحوم الإبل والخراف أثناء عرس أو حفل عام؟!!

من المخجل والمثير للشعور بالرثاء من مثل هذا الحال، أن تظل هذه الصور في الأعراس أمرا متكررا في كل يوم وأسبوع وشهر وموسم، ولو جلسنا نحسب بالدرهم والدولار تلك المبالغ الهائلة التي تصرف دون سبب معقول في حفلاتنا وأعراسنا، لهالنا الرقم الضخم الذي سنقف عليه، والذي بالإمكان تحويله لصالح قضايانا ومشاريعنا في التنمية والبناء!!

إنها الأنانية تسفر عن وجهها القبيح والشرود عن الذات، انشغالا باللهاث خلف المظاهر أو الرغبة في المنافسة والزعامة في الوسط الاجتماعي هي التي تقف محرضة ومحفزة لمئات الملايين التي تهدر في شوالات الأرز وأطنان اللحوم الحمراء!!

قبل الاسترسال في هذا الحوار، قفزت لذهني ذكرى قصة واقعية حية، كنت شاهدة عليها قبل عشرين عاما، لأني ببساطة كنت الصديقة المقربة للعروس في ليلة زفافها. كانت صديقتي فلسطينية الجنسية وزوجها عراقي من أصل تركي، قبل به أبوها حين عرف أنه يحفظ كتاب الله، فلم يسأل عن مال، ولم يطلب من حطام الدنيا لابنته شيئا.

سألوا عن أخلاقه وقد كان معلما فأثنى الناس وحمدوا عليه وعلى أخلاقه ودينه، فعقد القران، وتم الإسراع في تنظيم حفلة الزواج، ودعيت مع سائر صديقات المدرسة، فقد كنا قريبي عهد بتخرج من الثانوية.

حينما حضرنا الفرح، أجلسونا في الطابق العلوي لبيتهم الصغير والمتواضع، وقد كانت هناك أهازيج وأناشيد إسلامية بالغة الروعة، تتردد بهدوء في جنبات ذلك البيت الصغير بمبناه، الكبير بمعناه ومضمونه وقيمته.

أذكر جيدا أنه تم توزيع سندوتشات لحم وفلافل ومشروبات غازية وعصائر معلبة على المدعوات، وقد كانت تلك المأكولات البسيطة هي كل وليمة الفرح!!

حينما طافت شقيقاتها بالطعام البسيط على المدعوات، أتذكر جيدا الحالة الغريبة التي انتابتني، فقد انكشفت لي حقائق كبرى في لحظة خاطفة من الزمن، تعلمت منها الكثير حتى لحظة كتابة هذه السطور.

أذكر جيدا أني تعلمت درسا عظيما في الحياة، وهو أن فقر الزوج لا يمنع أبدا من إتمام مراسم الفرح وإظهار السرور بدعوة المقريين، حتى ولو لم تكن مائدة الفرح تحتوي إلا على سندوتشات فلافل، ولربما معها بعض اللحم وعصائر معلبة، هي كل الوليمة و كل ما يستطيع العريس أن يقدمه لضيوف حفله في ليلة عرسه!!

أذكر أيضا أنني تيقنت أن الفقر ليس عيبا على الإطلاق، وأن اختيار الستر وإظهار السرور في مثل هذه المناسبات سلوك رفيع، يدل على الثقة بالنفس وعدم التردد في مواجهة الحياة مهما كانت اليد قصيرة والجيب شبه خاو، وأن ذلك الاختيار دليل الرضى عن الله وعن الرزق الذي وهبهم إياه!!

أذكر أيضا أنني تعلمت في تلك الليلة أن الزواج، أمر باركه الإسلام بغض النظر عن الرصيد البنكي وحساب الادخار لشخص الخاطب ولإمكاناته المادية.

كما أذكر أيضا أنني تعلمت في ذلك المساء السعيد أن قيمة الإنسان الحقيقية هي أكبر بكثير من حجم قدرته الشرائية على تلبية طلبات العروس الباذخة وتكاليف ليلة عرس مترفة وموغلة في المظاهر!!

أذكر أيضا أن صديقتي العزيزة التي دعتنا لمشاركتها الفرح، كانت في قمة سعادتها، ولم تكن أبدا تشعر بأي خجل من المستوى المادي والشكل الذي ظهر به عرسها الباسم.

كما أذكر أيضا أنني وصديقاتي المدعوات كنا نتبادل نظرات السرور ونتشارك الدعاء لصديقتنا بالسعادة، ولم يدر بخلدنا أن نلمز أو نهمز أو نظهر أي علامة استنكار لذلك الفرح البريء الذي خلا من أي مظاهر خادعة، أو صور مادية مزيفة وكاذبة!!

لله، ما أجمل الصدق مع الذات والحياة، وما أروع الإنسان وهو يحيا بسلام مع نفسه والحياة بعيدا كل البعد عن أن يكون عبدا لأحد غير خالقه ومولاه.

إن الدروس التي تعلمتها في تلك الليلة الباسمة لمعنى العيش وفق الميزانيات الحقيقية لا الميزانيات المحسوبة على البنوك والمصارف، تفوق ما قد أحصده في عشرات الكتب التي تحفز على القبول بالواقع والعيش في ظل الميزانيات والموارد المتاحة.

نعم وجدت في سلوك العروسين وأهل الفتاة نضجا وقدرا كبيرا من العقل وحسن التصرف، فلماذا يغرق العريس نفسه بالديون وهو مقبل على تكوين أسرة جديدة وفي ظل موارد مالية ضئيلة ومحدودة؟!!

قد يسأل القارئ وكيف كانت حياتهما معا؟

الجواب أن هذه الفتاة حظيت بواحد من أكرم الأزواج خلقا ونفسا وسلوكا، وتعيش معه في سعادة متصلة منذ عشرين عاما يكاد يحسدها عليها كثير من الناس!!

إن هذه القصة أسوقها، وقد كنت شاهدة على أغلب فصولها لأقول للمتدافعين على البنوك للاقتراض من أجل إتمام الزواج رويدكم، فليس هناك أي معنى للعيش اكبر من حجم الموارد الممكنة والمتاحة !!لماذا تغرقون أنفسكم في الديون ولإرضاء من تتنافسون؟

إن العيش وفق الظروف والميزانيات الحقيقية هو العيش الحقيقي، أما التعامل مع المظاهر على أنها قصة الفرح وعقدة السعادة الزوجية فتلك خيانة للذات، ومخالفة صريحة لمنطق الأشياء.

فمن سيتحمل الفاتورة هما العروسين لا المدعوين، ومن سيظل يدفع أغلب راتبه الشهري أقساطا تلو أقساط هو ذلك العريس الذي أسعد قلب زوجته ليلة وأحزنها أعواما قادمة!!

رويدكم أيها اللاهثون خلف المظاهر، فلا الخرفان التي ذبحت، ولا الهيل والزعفران، الذي أهدر فوق شوالات الأرز، سينقذان حياتكم الزوجية التي تدلفان إليها، وثمة فاتورة باهظة تجثم على صدر الزوج وتطارده في الليل والنهار!!

رويدكم يا من أرهقتم أنفسكم بالجري خلف المظاهر إن البركة لا تأتي من إغضاب الله ولا من الإسراف والتبذير .. رويدكم، ففي كل ثانيتين يوميا يموت طفلين جوعا، لأنه ما من ماء أو طعام حتى ولو في القمامة في مكانهم القفر وحياتهم النكدة!!

رويدكم، فالمسلم أخو المسلم، وهو يشعر به ويحس بألمه لأنه يشاطره الألم فما كل هذه القسوة، ومن أين أتيتم بها؟

إن ما نراه من صور تكون فيها صواني الطعام (الآنية التي توضع فيها ذبائح اللحم المطهوة بالأرز) ذات حجم يفوق حد الخيال، لهي عنوان تقزم في التفكير، مهما كان حجم التبريرات لذلك الإسراف وتلك الغيبوبة الفكرية.

ولعل السؤال البسيط: من أين أتى بعض الخليجيين بتلك الآنية الضخمة التي لها سعة تفوق حد الخيال، وتستوعب عشرات شوالات الأرز، بحجم خمسين فيلا مرة واحدة؟

إن بعض الأواني التي يتبادلها الإخوة والأخوات في المنتديات، لتذكرنا بالأساطير وبحياة القصور المترفة في الأزمنة السحيقة، حيث كان السلطان يستعرض قوته على الشعب بحجم مآدبه، والطعام الكثير الذي يرص فوقه.

الآن أصبح أكثرنا سلاطين، وما من أحد أحسن من الآخر، والفقير المعدم لا بأس أن يعيش يوما واحدا سلطانا ويجلب تلك الموائد ليقضي بقية العمر يدفع فاتورة الليلة السلطانية التي أعجب بها الناس ساعة، ونسوها ونسوا صاحبها بقية العمر!!

يا أيها المتدافعون نحو الديون من أجل الولائم الباذخة إن نظرة واحدة على صور الأطفال المحرومين في العالم، قد تساعدكم على إدراك حجم الخلل الكبير الذي تسببتم به قاصدين أو غافلين!!

ــــــــــــــــــــــ

مريم عبدالله النعيمي(مجلة العصر 25/7/2009م)، باختصار.

Post: #185
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:37 PM
Parent: #184

العلاج بالمشروبات الخضراء الطازجة
يعرف الناس في الوقت الراهن أن الخضروات والفواكه مصادر ممتازة لمجال واسع من الفيتامينات والمعادن والمواد المغذية الأخرى مثل الأحماض الأمينية الأساسية والأحماض الدهنية ومضادات الأكسدة والأنزيمات ومئات المواد الأخرى والتي تتضمن مركبات كيميائية نباتية التي تقي من الإصابة بالسرطان والأمراض الأخرى حيث ان كثيراً من المواد الصحية التي يحتاجها الإنسان موجودة في الخضر والفواكه ويوصي الأطباء والعلماء في الطب البديل مرضاهم بتناول كميات كبيرة من عصائر الفواكه والخضروات الطازجة والتي لم تمر بعمليات التصنيع.

يقترح الأطباء وعلماء الطب البديل أن تضاف عصائر الفواكه والخضروات إلى الطعام اليومي ويوصون باستهلاك ما لا يقل عن كوبين من العصائر الطازجة يومياً للحفاظ على الصحة، ويوصون بأربعة أكواب يومياً لالتئام الجروح والشفاء من الأمراض بإذن الله.

والعصائر تحتوي على كافة الفواكه والخضروات ما عدا الألياف وهي الجزء غير القابل للهضم في النباتات، فإنها تحتوي على كل ما في النباتات من مكونات محسنة للصحة. ولأن العصير الطازج المصنوع من الخضروات والفواكه النيئة، فإن كل المكونات تظل سليمة. وإذا نظرنا إلى فيتامين ج وهو من أهم الفيتامينات وبقية الفيتامينات التي تذوب في الماء فإنه يمكن تدميرها بالتصنيع أو الطهي. وإذا نظرنا إلى الإنزيمات والتي هي عبارة عن بروتين يحتاج إليه الهضم ، والوظائف الهامة الأخرى يمكن أن يتم تدميرها بالطهي. لذلك فإن العصير الطازج يمد جسم الإنسان بكل مكونات النبات الصحية في شكل يسهل هضمه وامتصاصه. والعصائر الموصى بها يجب أن يتم عملها طازجة وأن يتم استهلاكها حال عصرها. فالعصائر التي تباع تجارياً تمت معالجتها بالحرارة لتطيل من عمر وجودها على الرف وهذا العمل في الحقيقة يدمر المواد الغذائية الهامة في الخضر والفواكه بالإضافة لذلك فإن المواد الحافظة التي تضاف للعصائر يفقد بعضاً من المواد الغذائية الهامة.



أولاً: العصائر الخضراء أو ما يعرف بالمشروبات الخضراء:

من المعروف أن المشروبات الخضراء تنظف الجسم من الملوثات وذات تأثير مجدد للشباب. ولأن هذه العصائر صنعت من مختلف الخضر الخضراء ، فإنها غنية بالمادة الخضراء والكلورفيل التي من المعروف أنها تساعد على تنقية الدم من السموم وبناء الكريات الدموية الحمراء وتساعد على التئام الجسم وتمد الجسم بالطاقة بسرعة هائلة.

تصنع العصائر الخضراء عادة من براعم نبات البرسيم الحجازي ( Alfalfa ) والقرنبيط والكرنب، والهندباء الخضراء ، والسبانخ وأوراق القمح. وحيث ان طعم العصائر الخضراء غير مستساغ عند بعض الناس فإنه يضاف له عصير التفاح والجزر الطازجين وبعض من المياه المقطرة بالبخار. وقد وجد أن العصائر الخضراء ذات فائدة عظيمة فعشب القمح بالذات له أهمية كبيرة في علاج السرطان وخصوصاً إذا تضمن ذلك العلاج بالإشعاع. والكمية المطلوبة شربها من العصائر الخضراء هي ما بين 9-11 أونصة يومياً (الأونصة هي وحدة وزن تساوي 28.35 جراما).

من أفضل المشروبات الخضراء ما يسمى بخليط الشباب الدائم والذي يتكون من 5 حبات جزر متوسطة الحجم وأربعة أغصان بقدونس طازج، وملء اليد سبانخ وملء اليد كرنب السلطة، وحبة بنجر مشتملة على الأوراق، وفص ثوم مقشر. تغسل هذه المواد جيداً وتقشر الجزر والبنجر إذا كانت لم تزرع عضوياً. ضع هذه المواد في العصارة واشرب العصير في الحال دون تأخير.



ثانياً: عصائر الخضروات الطازجة:

تعتبر عصائر الخضروات الطازجة من أهم المواد المجددة والبانية لخلايا جسم الإنسان حيث ترفع من قدرة جهاز المناعة وتزيل البقايا الحمضية وتساعد على السيطرة على السمنة عن طريق تخليص الجسم من الدهون الزائدة.

من أهم عصائر الخضروات الصحية واللذيذة اللفت والقرنبيط والخيار والجزر والكرفس والكرنب والبنجر والبقدونس والرجلة والبطاطس والسبانخ وعصير أوراق القمح الخضراء الغضة. وعصير الجزر يعتبر من أهم وأكثر العصائر انتشاراً نظراً لغناه بمادة البيتاكاروتين التي تعتبر أصل فيتامين أ الذي يساعد في مهاجمة السرطان. وحيث ان الجزر أكثر الخضروات حلاوة ، فإن عصيره ليس فقط لذيذاً بنفسه ، ولكنه في الحقيقة عظيم في الخلط بغيره من الخضروات ليزيد من جاذبيتها. من جانب آخر فإن الخضروات ذات الرائحة النفاذة مثل البقدونس والبصل والثوم واللفت الأصفر واللفت العادي والكرفس والبروكلي يجب استخدامها بكميات قليلة فقط. يعتبر الثوم بالرغم من رائحته النفاذة من الإضافات الجيدة والهامة إلى شراب عصائر الخضروات الطازجة. قبل عملية العصر انقع الثوم في الخل لمدة دقيقة واحدة ويضاف فص واحد لكل كوبين من العصير. وللحصول على عصير مثالي استخدم في العصر خضروات مختلفة ومتعددة لتحصل على أكبر كمية من الفيتامينات والمعادن والمواد الأخرى وذلك من أجل إمداد جسمك بمختلف المواد المغذية الهامة.



ومن أهم عصائر الخضروات:



1 - عصير البطاطس النيئة حيث يؤخذ رطل من البطاطس وحبة جزر وحوالي ربع كوب من الماء المقطر بالبخار. قم بغسل البطاطس والجزر جيداً ثم أنزع أي ندبات أو عيون على الجدار الخارجي للبطاطس وقطع البطاطس والجزر وضعهما في العصارة ثم أضف الماء المقطر بالبخار واعصرهما ثم اشرب العصير في الحال. هذا النوع من العصير يمد الجسم بمعدن البوتاسيوم الهام للجسم.



2 - عصير القرنبيط: يؤخذ ربع قرنبيطة إذا كانت كبيرة أو نصف قرنبيطة إذا كانت القرنبيطة صغيرة ، وحبة تفاح أو حبتا جزر متوسطة الحجم وربع كوب ماء مقطر، اغسل القرنبيط والتفاح أو الجزر غسلاً جيداً ثم تقطع إلى قطع صغيرة وتوضع في العصارة ويضاف لها الماء وتعصر ثم يشرب العصير في الحال دون انتظار. هذا العصير يفيد في علاج قروح المعدة والإثنا عشر والقولون.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جابر سالم القحطاني (جريدة الرياض 22/6/2009م) ، باختصار.

Post: #186
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:38 PM
Parent: #185

بعض الأطفال يتميزون بالعناد الشديد، ويعتبر العناد من خصائص الطفولة، فليست هناك مدعاة للانزعاج من قبل الأب والأم أو اتهام الطفل بتعمد العناد، بل عليهما أن يشجعاه ويحفزاه على فعل النقيض بذكر القصص والحكايات التي تجعله ينفر من العناد، فمثلا: يشبه له الذي يعاند بالشيطان الذي عاند مع الله واستكبر عن السجود لسيدنا آدم عليه السلام ولم يطع أمر الله فغضب الله عليه وأدخله النار، الأمر الذي يجعل الطفل يبتعد عن هذه الصفة .

ومن المهم أن يتأكد الوالدان تمام التأكد أن الطفل العنيد غير مريض وغير عاق لوالديه، وأن هذا العناد راجع لطبيعة المرحلة العمرية، فمثلا إذا صعد على الفراش برجله المتسخة ورفض النزول ورفض النوم أو صمم على الرفض أو عاند في أي شيء، فعلى الوالدين تحفيزه وتشجيعه وعدم إهانته أو عقابه.

مظاهر العناد
من مظاهر العناد عند الطفل التصلب في الرأي، والجمود في التفكير، مما يثير دهشتنا ويصيبنا بالضيق والحرج لهذا العناد وصلابة الرأي، فالطفل مثلا لا يريد أن يستمع لتوجيهات الكبار، ولا يحب أن يفعل إلا ما يريده هو، حتى لو كان ذلك الفعل غير سليم، أو لا يتماشى مع المنطق والعقل،

ومن الأمور الأخرى رفض الطفل أموراً مهمة مثل النظافة، وغسل الوجه، والاستحمام، وتناول كوب الحليب، والنوم في الموعد المحدد، فيبدو مقاوما متشبثا برأيه رافضاً توجيهات الكبار، وقد يكون هذا الأمر مقبولا في مرحلة الحضانة، لكنه غير مقبول في مراحل العمر التالية للطفل، وقد يفسر بعض الآباء والأمهات هذا العناد على أنه دليل قوة شخصية الطفل، والحقيقة أن هذا السلوك لا يعبر عن هذا الفهم الخاطئ، لأن أسلوب العناد غير السوي يعبر عن ممارسات سلبية تبعد الطفل عن التفاعل الاجتماعي السليم، فليس العناد تعبيرا عن احترام الذات بقدر ما هو أسلوب يعبر عن المشاكسة.

ويرتبط العناد بالقسوة والعدوانية، فنلاحظ أن بعض الأطفال الذين يتصفون بالعناد تبدو عليهم ميول عدوانية وكذلك بعض القسوة، ويتجلى ذلك من خلال بعض تصرفاتهم، فنراهم يمزقون الملابس، ويحطمون التحف الغالية، أو يعتدون على الحيوانات، أو يستخدمون الأقلام استخداما سيئا فيشوهون بها الجدران في المنزل أو المدرسة، وهذه التصرفات الغريبة قد تجعل الطفل يشعر بالقوة ويفخر بنفسه، فما الذي يجعل الصغير يلجأ إلى مثل هذه التصرفات ؟ يحب أن يقلد الكبار في قسوتهم، أو يميل إلى السيطرة أو الإعلان العنيف عن ذاته.

ومن الأسباب التي تدفع الأطفال للعناد: العلاقات الأسرية المتوترة، والمعاملة الشديدة من قبل الوالدين مما يزيد من محاولات التعويض عند الطفل والانتقام فيقابل ذلك بالمثل.

علاج العناد

- ينبغي ألا نقابل مقاومة الطفل بمقاومة مضادة، لكن علينا أن نتفاهم معه ونحرص على إقناعه، ونشجعه حتى يتدبر الأمر ويفهم كيف يتصرف في كل أموره بصورة سليمة ومنطقية.

- الابتعاد عن أساليب الحماية الزائدة والتدليل المفرط، فهذه الأساليب تعود الطفل على أسلوب المخالفة.

- عدم إرغام الطفل على القيام بسلوكيات معينة في الأكل او الملبس، أو مراعاة أصول الذوق واللياقة (الإتيكيت)، فهذا الخضوع المتكلف قد يدفع الطفل للخروج عليه ويقوده للتمرد على أصوله وحيثياته.

- عدم تفضيل الأم أو الأب لأحد الأبناء أو البنات، فان ذلك التفضيل يكون في غالب الأحيان سببا في عناد الطفل.

- تنمية تبادل الآراء بين الأ طفال حتى يشعر الطفل بالقيادة حينا والتبعية حينا آخر .
الوعي الإسلامي ( 523 )

Post: #187
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:55 PM
Parent: #186

وصف أستاذ علم الاجتماع المساعد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور منصور بن عبدالرحمن بن عسكر الزواج الجماعي بأنه شكل من أشكال الزواج وهو كنظام اجتماعي عرفته مجتمعات عديدة مشيراً إلى أنه غالباً ما يحدث إما لعوامل اجتماعية أو ديموغرافية (سكانية) أو بيئية أو اقتصادية، وعَدَّ الزواج الجماعي صيغة يتم من خلالها تزويج أعداد من الشباب إلى عدد مماثل من الشابات وذلك بهدف تكوين أسر جديدة تسهم في نماء وتطور المجتمع.

وأن ظاهرة الزواج الجماعي من الأمور المستجدة في المجتمع السعودي ظهرت بناء على حاجة الشباب لمن يساعده ويقف معه في تيسير الزواج والذي يواجه بعض العقبات التي تقف عائقاً أمام زواجه، مثل غلاء المهور وتكاليف حفلة العرس ليلة الزواج وغلاء صالات الأفراح وما يترتب على ذلك من ولائم وحفلات تتواكب مع الزواج في المجتمع السعودي.


وبين الدكتور العسكر أن الزواج الجماعي يختلف من حيث القبول الاجتماعي من منطقة لأخرى في المجتمع السعودي, فبعض المناطق قبلته وأضحت تفخر به وتتنافس في إقامته, وبعض المناطق رفضته معتبرة أن الزواج للعريس في حد ذاته ليلة العمر، يريد أن يشعر بأنه سيد الموقف ليلة العرس، وكذلك الحال بالنسبة للزوجة فهي تعتبر نفسها في تلك الليلة هي نجمة الحفل، فمتى ما شاركها أحد في عرسها تضايقت وتنكد عرسها.


وأشار أستاذ علم الاجتماع أن مدينة الرياض شأنها شأن كل مدن المملكة رأت ما يقام في المدن الأخرى من المملكة الغالية من إقامة لحفلات العرس الجماعي، ورأت بعض فوائده، وتمشياً مع توجيهات الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس جمعية البر الذي يعد مشروع ابن باز أحد مشاريع الجمعية، فيما يتعلق بتيسير أمور الزواج والاحتفاء بالعرسان في مدينة الرياض فقد حرص على إقامة هذا الزواج الجماعي ولكن بشكل مميز يتناسب مع رغبة سموه في أن يشمل أكبر قدر ممكن من الشباب كما يتماشى مع طموح العاملين في مشروع ابن باز، فنجد أن شروط الانضمام للزواج الجماعي قد شمل جميع الشباب الذين يتزوجون لأول مرة في منطقة الرياض بشكل كبير، كما نجد من ضمن شروط الانضمام للزواج الجماعي حضور دورة تأهيلية في العلاقات الزوجية تحت عنوان (البداية الرشيدة)، كما أنه رفع سقف الحد الأعلى لرواتب الشباب المنضمين للزواج الجماعي إلى أن يكون ستة آلاف ريال، وهذا أعطى فرصة أكبر لشريحة من الشباب للانضمام لهذا الزواج الجماعي إضافة إلى المميزات التي رصدها المشروع لمن ينضم لهذا الزواج الجماعي من مبالغ نقدية، وتجهيزات عينية وأثاث منزلي للشباب المقبل على الزواج، وقد بلغ عدد الشباب المتقدمين لهذا الزواج الجماعي قرابة الألف شاب، وتابع العسكر قائلاً: للزواج الجماعي في بعض المناطق فوائد عديدة منها: تخفيف تكاليف ليلة الفرح بالإضافة إلى ما يحصل من احتفاء على مستوى كبير للعرسان خصوصاً لمن أقاربه من خارج البلد أو بالمقابل لمن أقاربه قليلون, ويكون حضوره للزواج الجماعي يشعره بالاعتراف المجتمعي له وزيادة في تقديره, هذا بالإضافة إلى أن الزواج الجماعي يبعد صبغة الملل والسأم التي تكون في بعض حفلات الزواج بين المدعوين, وهذا بدوره سيسهم في التفكير في أن تشمل الاحتفالات في الزواجات الاجتماعية القادمة جميع فئات المجتمع من الوجهاء والأثرياء وعليّة القوم حتى تكون الزواجات الجماعية في المستقبل مناسبة يحتفي بها أمير المنطقة, وتكون كبرنامج اجتماعي يتضمن الإعداد لبناء الأسرة على أسس سليمة تشمل إقامة دورات تثقيفية في العلاقات الزوجية, كما تشمل إقامة البرامج الاجتماعية لمتابعة تكوين هذه الأسر فيما يسمى ببرامج الرعاية اللاحقة, كما نطمح أن يشمل هذا البرنامج الإسهام في توفير فرص العمل لهم وأن تكون هذه الأسر إنتاجية بدلا من أن تعتمد على الغير.


وفي منطقة القصيم قدمت الجمعية الخيرية للزواج والرعاية الأسرية العديد من المزايا للعريس المشارك بحفل الزواج الجماعي تبلغ (45) ألف ريال مابين مبالغ مادية وهدايا عينية وذلك كالتالي:
1- بطاقة تهنئة خاصة من أمير منطقة القصيم.
2- مساعدة نقدية للعريس تبلغ (20000 ريال).
3- أثاث منزلي مكون من (غرفة نوم؛ مكيفين؛ ثلاجة؛ غسالة؛ فرن).
4- إقامة لمدة ليلة في فندق أو تذكرتين لأداء العمرة.
5- هدية خاصة بالعروس (طقم ذهب بقيمة 3500 ريال).
6- سيارة خاصة لمدة يوم.
إضافة إلى هدايا متنوعة مقدمة من شركة الاتصالات السعودية.


وذكر أمين الجمعية الأستاذ محمد بن عبدالعزيز الفوزان أن الزواج الجماعي فكرة رائدة تسهم في علاج ظواهر اجتماعية متعددة, يحتاج المجتمع لفهم غاياته وأهدافه ومقاصده ليتحول إلى مشروع للجميع. فمن أهدافه:
1- إظهار سنة الأنبياء والتأكيد على اتباعها.
2- إظهار البهجة والسرور وتحبيب الإحصان إلى نفوس الشباب.
3- توجيه الشباب إلى الزواج وتكوين أسر مستقرة.
4- مساعدة الشباب المحتاج للزواج وتذليل العقبات المادية التي تعترض زواجهم.
5- الدعوة إلى تيسير الزواج وبيان سبل التيسير.
6- توعية الشباب وغرس المفاهيم التربوية والخلقية التي تسهم في بناء أسرة صالحة.

ـــــــــــــ

صحيفة الجزيرة، العدد 13076 ، 13084، بتصرف واختصار.

Post: #188
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:56 PM
Parent: #187

لا يخفى على الكثيرين ما يقع من خلافات زوجية والتي قد يؤدي بعضها إلى هدم ذلك البناء الجميل الرائع، هدم الأسرة ، وما يترتب عليه من تشتت الأبناء وانتشار الكراهية والبغضاء، وتعكر العلاقات بين الأرحام ، بل قد ينتشر الداء إلى الانحراف والوقوع في الجرائم التي تقلق الجميع، وتكبد المجتمع الكثير من المتاعب والمسؤوليات.

كل ذلك من أبرز أسبابه فقد مهارات التعامل بين الزوجين وعدم تعلم فن القيادة لهذه السفينة حتى تسير بأمان وخاصة وسط بحار متلاطمة الأمواج في عالم اليوم.

هنا تبرز أهمية مثل هذه البرامج والدورات ونيل رخصة القيادة للزواج السعيد، فما أهداف هذه الرخصة؟ وما وسائلها؟ وماهي آلية تنفيذها؟:




الأهداف :-

1- إكساب المتزوجين حديثا مهارات العلاقات الزوجية.
2- التعريف بالحقوق والوجبات الزوجية.
3- التعرف على خصائص شريك الحياة.
4- التقليل من الخلافات الزوجية والطلاق الذي ينشأ بين الزوجين المتزوجين حديثا.




الوسائل:

أولا:- دراسة منهج الحياة الزوجية ويتكون من 5 مواد وهي .

1- منهج الثقافة الزوجية 2- الفرق بين الجنسين

3- فنون ومهارات زوجية 4- فنون في غرفة النوم

5- زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في واقعنا المعاصر



ثانيا : يقوم بالتدريب علي رخصة القيادة الزوجية خبراء في العلاقات الأسرية وهم .

1- أ/ جاسم المطوع 2- د/ صلاح الراشد

3- أ /راشد المنصوري 4-أ/ محمد السعيد

5-أ / محمد حسان 6-أ/ محمد مختار



ثالثا : نظام الدراسة يعتمد على أسلوبين وهما .

1- الحصول على مورد متجدد في العلاقات الزوجية من خلال اشتراك في مجلة الفرحة المتخصصة في العلاقات الزوجية
2- دعم في خدمة الاسشارات الزوجية عن طريق البريد الالكتروني لمدة سنة أخطر مرحلة من الزواج.




آلية الدراسة:

1- يحصل المتدرب على المنهج المكون من 5 مواد كما هي موضحة بأعلاه يقوم بدراسة المادة مع شريك الحياة وحل الاختبار المقرر لكل مادة وإرسال الاختبار نهاية كل أسبوع .
2- نظام الاختبار يعتمد على معرفة المعلومة بعد مناقشة شريك الحياة فيها واعتماد الإجابة من خلال 100 سؤال، الإجابة فيها ب ( صح أو خطأ)
3- للحصول على رخصة القيادة يجب الحصول على (350) درجة بنسبة 70%وإعادة الاختبار تكون في 3 مواد دراسية فقط

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جاسم المطوع، الأسرة السعيدة، بتصرف.

Post: #189
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:57 PM
Parent: #188

العديد من القضايا المتعلقة بملف العنف الأسري داخل مجتمعاتنا العربية وعوامل التفكك التي عرفت طريقها إلى الأسرة العربية، والعمالة المنزلية ودورها السلبي في التأثير على قيم الأسرة وهويتها، وما يلعبه الإعلام من دور مثير للجدل في هذا الشأن، كانت محور حوار زين بالصراحة مع د. عمر بن إبراهيم المديفر استشاري الطب النفسي المعروف، ورئيس قسم الصحة النفسية بمستشفي الحرس الوطني بالعاصمة السعودية الرياض، فإلى تفاصيل الحوار:

ـ تزايد حالات العنف الأسري في المجتمعات العربية .. في تقديرك ما أبرز أسباب هذا التزايد؟

هناك العديد من الأسباب التي تقف وراء حالات العنف الأسري فذلك يرتبط بعدة محاور أولها، أن هناك تغيرا اجتماعيا على مستوى كل المجتمعات يتمثل في انهيار أو تراجع مفهوم الأسرة ودرجة تماسكها، وهي ظاهرة عالمية ليست في مجتمعاتنا العربية فقط، لأن الحضارة الحديثة تضعف من دور الأسرة، وتقوي دور الفرد وتجعله أنانيا لا يهتم إلا بمتعته الشخصية.


أما المحور الثاني فيتعلق بحجم الضغوط التي يتعرض لها الأفراد خلال حياتهم اليومية، ما رفع من درجة التوتر النفسي في المجتمعات الحديثة والتي بات أفرادها أكثر قسوة على بعضهم البعض وأكثر ميلاً للعنف.
كما يعد أيضا ضعف الدوافع الدينية عاملاً أساسياً يقف وراء تراجع قدرة الإنسان على الاحتساب في علاقاته الأسرية، كأن يتقي الإنسان الله في زوجته وأبنائه وجيرانه، وبالتالي كان هذا التراجع سبباً في وقوع حالات عنف مجتمعي، هذا بالإضافة إلى انعزال الأسر عن بعضها البعض، مقارنة بما كان عليه الحال في الماضي من حالة التقارب والاندماج التي كانت قائمة بين الأسر ما كان يخفف من ضغوط الحياة على أفرادها.


ولا يمكن أيضا تجاهل العمالة المنزلية ودورها السلبي في التأثير على قيم الأسرة وهويتها، وإضعاف الروابط بين أفرادها، وتعزيز احتمالات استغناء الطفل عن أمه واللجوء دوما للخادمة، كما أن الكثير من الخادمات المستقدمات غير مؤهلات، ولا يملكن المهارات والقدرات التربوية اللازمة، ويصب ذلك في مجمله في اتجاه تعزيز مستوى العنف داخل المجتمع.


" للبيوت أسرار" .. كيف يمكن اكتشاف هذه الحالات في مجتمعاتنا، خاصة في ظل الثقافة السائدة التي تؤثر الصمت خشية الفضيحة؟

بالفعل كما تقول فمن الصعب اكتشاف حالات العنف من دون وجود آثار لذلك، لكن هناك بعض الأعراض التي قد تشير لوقوع حالات عنف مثل إصابة الطفل بالخوف أو الخجل الشديدين، انحدار مستواه الأكاديمي والتخلف عن الدراسة، وانحراف سلوكياته، وغير ذلك من الأعراض.

وهنا يجب التأكيد على أمر مهم، وهو أننا عندما نعزز الجانب الأمني في معالجة هذه القضايا فإن الضحية لن يؤثر الصمت، بل في حال تعزيز جانب المساعدة النفسية والتربوية وإشاعة ذلك سيتوجه الأب أو الأم لطلب المساعدة، لأنه في هذه الحالة يدرك أن التعامل معه لن يكون من منطلق أنه متهم، بل يحتاج للدعم والمساعدة، وأذكر حالة قام خلالها الأب بإيذاء الابن حتى وصل ذلك إلى تعرض قدمه للكسر، وندم الأب ندما شديدا على فعلته، وهو في هذه الحالة لا يحتاج لعقاب بقدر ما يحتاج بشكل ملح لدعم نفسي لتقويم سلوكه.

أما الحالات التي لديها اضطرابات نفسية وعصبية، ويرتكبون جرائم تصل إلى القتل والإيذاء الشديد والسادية فهؤلاء يحتاجون إلى العقاب الصحيح.

ـ في رأيك هل تكثيف نشر هذه القضايا في الصحافة ووسائل الإعلام يعزز من الاهتمام بهذه القضية ويساهم في معالجتها وتقليصها؟

لا أعتقد ذلك، ويجب ألا يركز الإعلام عليها، وفي تصوري أن تضخيم هذه القضايا يؤثر على مسارها القانوني والقضائي، كما أن النشر قد يزيد من تفاقم أزمة الضحية نفسيا،

ونشر الصور اختراق للخصوصية، كما أن المجتمع قد يتعامل معه بشكل مختلف جراء الانطباعات التي ترسخت لديه بعد النشر في وسائل الإعلام، مع الأخذ في الاعتبار أن التضخيم الإعلامي لبعض الحالات يُصعب مهمة التعامل معها وحلها، وأرى أن بعض الصحافيين، بحثا عن سبق صحفي ومن دون خبرة وإدراك لحساسية هذه القضايا، يتسرع في النشر وتضخيم الحدث.
ولذلك أدعو إلى معاقبة من يتجرأ على اقتحام خصوصية الناس، فالإنسان له حرمته وهو حي وكذلك وهو ميت، والحل مناقشة القضايا بحس ايجابي من دون تضخيم، وأيضا من دون أن ندس رأسنا في التراب.

ـ تقولون إن الإعلام قد يضخم من الظاهرة .. هل يعني ذلك أنه يلعب دوراً سلبياً؟

أنا أرى أن الإعلام لا يتعامل مع الظاهرة بواقعية، والإعلام العربي في الجملة يصب في اتجاه إشعار المجتمعات العربية بأنها مجتمعات مريضة وسيئة وأنها متخلفة ومصابة بالاضطرابات، هذا دور سيئ بالتأكيد لأنه لا يعالج المشاكل، وإنما يجعلنا نفقد اعتزازنا بالنواحي الايجابية التي تفتقدها الحضارة الغربية الحديثة مما يجعل شعوبنا غير فخورة بنفسها، بينما كل هذه الظواهر عالمية ولا تخص مجتمع بعينه، ويجب على الإعلام لعب دور إيجابي وإبراز نقاط القوة لكي يساعدنا على تغيير نقاط الضعف.

ـ الملاحظ أن أكثر ضحايا العنف الأسري من الأطفال والنساء .. في تقديرك ما أسباب ذلك؟ وهل لثقافة المجتمع دور في هذا الأمر؟

لأنهم الفئات الأضعف ورسولنا الكريم قال «اتقوا الله في الضعيفين المرأة و اليتيم»، وتعرضهما للعنف أمر شائع في مختلف المجتمعات، ولا يرتبط بمجتمع من دون آخر، وما يسرب من أرقام وإحصاءات من قبل بعض المؤسسات العالمية عن مستوى العنف في مجتمعاتنا وحقوق المرأة والإنسان غير دقيق، ولا يعبر عن الواقع الفعلي فضلا عن كونه محاولة لوصمنا بالتخلف والرجعية.

ـ ما أبرز عوامل تحقيق الاستقرار والترابط الأسري؟

نحن في حاجة لأن نعتني بالأسرة، فالمجتمعات الحديثة كلها تعاني من تزعزع مؤسسة الأسرة مما أدى إلى نشوء مشاكل كثيرة، ولذلك يجب الاهتمام بالأسرة من خلال حوار يجعلها مؤسسة مستقرة تثق في نفسها وتقدس قيمتها، فمثلا المرأة التي تربي أولادها يصورها الإعلام على أنها عاطلة من دون اعتبار لأهمية دورها الأسري وتربيتها لأبنائها، وهذه ثقافة روجها الحس الرأسمالي، فالإنسان الذي لا يأخذ مقابل نظير دوره في المجتمع هو عاطل .

وفي إحدى الدول الأوروبية انطلقت مظاهرة من الأمهات طالبن خلالها براتب نظير قيامهن بتربية الأبناء، وهذه استجابة للحس المادي الموجود وللأسف هناك من يروج له الآن، وأنا لست ضد عمل المرأة، لكن ضد أن تعتبر المرأة غير العاملة عاطلة.
ولذلك أطالب بإنشاء هيئات في مجتمعاتنا تهتم بالأسرة كمؤسسة، لأن الرهان في أي حركة تنموية مستقبلية في مجتمعاتنا يجب أن ينبثق من وجود أسرة جيدة ومتماسكة واعية تستطيع تربية أبنائها بشكل سليم، من دون أن تغرقهم في الترف أو تهملهم أو تُوكل تربيتهم لآخرين.

كما يجب عدم التوقف عند محاسبة ومعاقبة مرتكبي جرائم العنف الأسري، بينما الصحيح مساعدتهم وتقديم المساندة النفسية لهم بما يقنعهم بكف أذاهم عن الآخرين، ونحن هنا لا ننكر أن الجوانب الأمنية والقانونية يجب أن تأخذ حقها، لكن لا يكون التركيز عليها فقط، ويجب أن يتم ذلك ضمن منظومة متكاملة، على أن يكون ذلك في المراحل النهائية، أما المراحل الأولية فيجب أن تبدأ بتثقيف المجتمع نفسياً، وأن تحتوي مناهجنا التعليمية على مهارات نفسية وتربوية، وأن نتجه نحو تعزيز خدمات الصحة والاستشارات النفسية، وتطوير دور الإعلام العربي للقيام بدور ايجابي في إحداث تفاعل بين أفراد الأسرة، وأن يتوقف عن بث مشاهد وأفلام العنف التي وصلت إلى أفلام الكارتون، وهناك دراسات حديثة تؤكد أن الطفل يرى ما بين 40 إلى 50 مشهد عنف يوميا فكيف لا يتعلم سلوكيات العنف؟!

ـ صدى عالمي واسع النطاق أثارته حادثة النمسا الشهيرة التي شهدت اعتداء أب على ابنته بعد إخفائها في قبو داخل منزله طيلة 24عاما. كيف تنظرون لهذه القضية، وهل يعد ذلك مؤشراً على انهيار الحضارة الغربية؟

هذه شخصية سادية مصابة باضطراب شديد، فالأب لا يستطيع أن يفرط في ابنته ويرى أنه يملكها ويسيطر عليها، ولذلك تبنى الاتجاه المشار إليه، فضلا عن غياب الوازع الديني والأخلاقي، وكل ذلك من منتجات الحضارة الحديثة، وهو بالطبع مؤشر على التدني الأخلاقي وليس الانهيار كلية، فالحضارة الغربية قدمت نموذجا على مستوى عالٍ من التقدم والتكنولوجيا والاختراع والتعليم والحقوق المدنية، لكن قدمت نموذجا فاشلا على المستوى الأخلاقي، وتزايد نسب الانتحار والطلاق والتفكك الأسري والعنف والشذوذ والإباحية تؤكد ذلك.

لكن حتى الآن الحضارة الغربية متفوقة في تحويل الإنسان إلى آلة تنتج وتعمل وتسيطر، وأعتقد أن الموازين ستظل لصالحهم خلال الفترة المقبلة، وعلى المدى البعيد ينخر التدني الأخلاقي في سلم الحضارات مما يمهد لانهيارها.
مجلة الوعي الإسلامي العدد 520

Post: #190
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 05:59 PM
Parent: #189

زوج متسلط.. زائغ العينين.. حاد الطبع.. زوجة متطلعة.. متمردة.. صفات قد يجدها الزوج في زوجته، وقد تجدها الزوجة في زوجها بعد أن

يضمهما عش الزوجية، ونتساءل: هل يمكن أن تتغير هذه الصفات مع العشرة ؟ وهل يستطيع كل طرف أن يؤثر في الآخر؟

وإن لم يحدث هذا، فكيف يتكيفان مع بعضهما البعض؛ لتسير سفينة الحياة؟

هذه الأسئلة وغيرها طرحناها على الدكتورة صفية عفت - رئيسة قسم الطب النفسي بجامعة عين شمس - من خلال هذا الحوار.

شخصية الزوجة

- هل هناك صفات تستطيع الزوجة أن تتحملها في زوجها أو أن تتقبلها كما هي ؟

هذا الأمر يتوقف على شخصية الزوجة نفسها، وعلى مدى التوافق بينها وبين زوجها، كما يتوقف على صفات الزوج السلبية ونوعيتها، فهناك صفات قد تحتملها النساء، وأخرى لا تستطيع تحملها، وكل هذه الأمور مرتبطة بمدى قدرة المرأة على مواجهة العقبات واستعدادها للبحث عن أساليب للتعايش السلمي، واستمرار الحياة الزوجية، وتحقيق السعادة، فلو كانت العلاقة بين الزوجين ودية دافئة فسوف تنجح المرأة في التكيف مع هذه العيوب.

فمثلاً - فيما يخص الزوج البخيل - هناك بعض الزوجات قد يحتملن بخل الزوج، على الرغم من معاناتهن من التضييق عليهن في نفقات المعيشة الضرورية، وربما تعوض هذا التضييق بوسائل أخرى للإنفاق، وفي حالة ما إذا كان لديها مصدر دخل آخر، فإنها تستعين به لمواجهة متطلبات المعيشة، أو تحاول الاستغناء عن كل ما هو أقل أهمية، فتتصرف بذكاء في نطاق المتاح لها، وهذا أمر نسبي يختلف من سيدة لأخرى، وعلى الجانب الآخر نجد زوجة أخرى لا تقبل هذا العيب، ولا تستطيع أن تتواءم معه، في حين أنها إذا بحثت عن جوانب أخرى إيجابية لدى الزوج سوف تجد الكثير، ولكنها لا تريد بذل الجهد، وربما تكون النتيجة أن تسعى للانفصال.

التكيف والاندماج

- ماذا تفعل الزوجة إذا اكتشفت بعد الزواج أن زوجها كذاب، أو ذو شخصية متسلطة؟

من المتعارف عليه في بداية الحياة الزوجية أن كلا الزوجين يبدأ في محاولة التعرف على سمات شخصية شريكه، وهذا يستدعي أن يكون لدى كل منهما القدرة على تقبل عيوب الآخر، التي قد يكتشفها، ويجاهد نفسه للتكيف معها، ومن ناحية أخرى عليه أن ينظر ببصيرة إلى داخل نفسه؛ ليتعرف أيضًا على ما به من صفات سيئة، ويحاول الإصغاء الجيد لما يوجهه له شريكه من نقد أو اعتراض على سلوكٍ ما يأتي به، أو إبداء ملاحظة على طريقة تفكيره، وهكذا، فلابد من المصارحة بكل ما يعتري الأحاسيس بشكل دائم، الأمر الذي يمكنهما من التواصل، بل والاندماج العاطفي، وعلى كل منهما أيضًا أن يكون مستعدًا لتغيير ذاته وقبول الآخر كما هو.

- هل القبول الذي تتحدثين عنه يكون بشكل مطلق، أم لحين إحداث تغيير؟

بالطبع لابد من الصبر لفترة زمنية ليست قصيرة، حتى يحدث هذا التغيير، فقد أثبتت الدراسات أن الخمس سنوات الأولى من الزواج تكون عرضة للتقلبات والخلافات، وأيضًا الفشل، ولذلك نقول: إن المدى الزمني عامل مهم حتى يستطيع كلا الزوجين تغيير بعض طباعه غير المرغوب فيها، ومن ثم الحفاظ على الروابط الزوجية، وعلى كل زوج أيضًا أن يتواءم مع العيب الذي لم يستطع تغييره في شريكه، وهذا غالبًا ما يأتي بالممارسة والتعود، بالإضافة إلى إقناع النفس بالتنازل عن شيء من المثالية التي ينشدها في شريكه، والصبر على خطوات التغيير، وعمليًا فإن تغيير الصفات الشخصية يستلزم وقتًا، ولكن في بعض الأحيان يسيطر الغرور والدوافع النرجسية على الإنسان، فنراه يرفض التنازل أو استيعاب الآخر.

ومن خلال خبرتي ودراساتي، أؤكد أن ذلك يعد السبب الرئيس في ارتفاع نسب الطلاق في السنوات الأولى من الزواج.

- إذن، ما دور الطرف الآخر أثناء رحلة التغيير؟

إن دور الشريك الأساسي هو الإشادة بكل محاولة ناجحة، فمثلاً عندما يطلب زوج من زوجته شيئًا معينًا، مثل (تهيئة المنزل عند عودته من العمل)؛ ليشعر بالراحة والاطمئنان، فهنا يبدأ دورها في تحقيق طلبه؛ لكي ترضيه، وسوف تنجح مرات وتفشل مرات أخرى، وعليه أن يتغاضى عن بعض مرات الفشل، الأمر الذي يجعلها تصر على تحقيق النجاح.

زائغ العينين

- زوج زائغ العينين.. هل يمكن استمرار الحياة الزوجية معه؟

أقول: إنه لابد من مواجهة هذا الزوج بما يصيب زوجته من تلك التصرفات، فإذا علل ذلك بأنها هي السبب، وأنها مهملة في مظهرها أو أية أشياء أخرى! فواجبها في هذه الحالة محاولة سد الثغرات بأن تهتم أكثر وأكثر بنفسها؛ حتى تغلق أمامه باب المبررات التي يتذرع بها.


مسؤولية مشتركة



- هناك من لا تجيد فن المواجهة ولا تستطيعه، ومن ثم فهي تندفع باتخاذ القرار دون إظهار أسبابه للزوج؟

من الخطأ القيام برد فعل دون إعلام بأسبابه؛ لأنه من حق كل منهما معرفة التفاصيل عن الآخر؛ حتى تزيد الألفة والمودة والدفء بينهما؛ فإن نجاح الزواج هو مسؤولية اطرفين.

- تلام المرأة دائمًا عند فشل الزواج، ويصفها البعض بأنها مثل “إكصدام “السيارة، أي عليها أن تتحمل كافة المشكلات، فماذا رأيك في ذلك؟

أرى أن العبء يقع على الطرفين وليس على طرف دون الآخر، فكل منهما عليه أن يبذل الجهد المناسب لاستمرار هذا البناء الجميل، وغير صحيح القول بأنها هي الوحيدة المسؤولة عن الفشل؛ لأن ذلك فيه ظلم لها.

- كثير من الرجال قليلو الكلام، فما موقف الزوجة من زوجها الكتوم، الذي لا يفصح عما بداخله؟

عليها أن تتحدث معه عما تشعر به من قلة حواره معها ، وما يسببه لها من إحساسها بعدم ثقته بها أو شعورها بعدم حبه لها، وتحاول السير في هذا الاتجاه مرات متتالية بطرق مختلفة وبأساليب متنوعة، فإذا نجحت كان خيرًا، وإذا لم يحدث سوى تغيير طفيف، فعليها أن ترضى بقدرها، وأنصحها بعدم التفكير في الانفصال إلا إذا استحالت العشرة، فحينئذٍ يكون الطلاق هو الحل الوحيد.

ولكننا أصبحنا نستسهله، ومرجع ذلك هو ضعف الوازع الديني، والذي يُعد عاملاً مهمًا لنجاح أية زيجة؛ ذلك لأن التعاليم الدينية دائمًا ما تحث الإنسان على الرضا واحتواء الآخرين، والأهم الصبر على المكاره، فلو قوي هذا الوازع لاستطاع كلا الزوجين هضم عيوب الطرف الآخر والصبر عليها، أما إذا ضعف هذا الوازع سيصبح رد الفعل وسيسود التفكير بالمنطق الدنيوي، مما يُضعف قدرة الزوجين على التحمل، حتى مع أبسط المشكلات.

- ارتفاع نسبة العنوسة أدى بالفتاة إلى التنازل عن معايير أساسية في الاختيار، سواء كانت معايير ثقافية أو اجتماعية، فهل ترين أن ذلك أسهم في زيادة حالات الطلاق؟

لابد في البداية أن نبحث عن أسباب العنوسة، حيث نجد أن جل اهتمامات الفتاة عند الاختيار أو المفاضلة هي المادة، وما سوف تحيا فيه من رَفَاهٍ، وهذا ما دفعها لرفض كل متقدم ليس بمقدوره تحقيق أحلامها المادية، بل وأحلام أهلها أيضًا! فغالبًا ما يكون الشاب المقبل على الزواج في بداية مشواره العملي، فتكون إمكاناته محدودة، وبالتالي ترفضه من في ظروفه نفسها، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع سن الزواج، وهنا تجد الفتاة نفسها مطالبة بالتنازل عن مواصفات أساسية لنجاح العلاقة، كما أن قدرة الفتاة على التواؤم والتوافق مع شريك الحياة يقل كلما تقدمت في العمر، لذلك تفشل كثير من الزيجات.

وفي هذا الصدد، فأنا أشجع وأدعو إلى الزواج المبكر، ولا أرحب إطلاقًا بتلك الحملات التي تنادي بتجريم الزواج المبكر تحت أية مبررات؛ فهم يضعون لنا قوانين لا تتلاءم مع مجتمعاتنا، ولا مع الفطرة البشرية السوية، والأمر نفسه بالنسبة للشاب، فكلما تزوج مبكرًا تصبح قدرته على الكفاح في الحياة أعلى بكثير.


تطلعات زوجة

- في مجتمع تفاقمت فيه الثقافة الاستهلاكية، كيف يتعامل الزوج مع زوجته المتطلعة والمتمردة؟

هذا الأمر يبدأ منذ الخطوبة، حيث ينبغي أن يُطْلع الخاطب مخطوبته وأهلها على إمكاناته المادية، فلابد له أن يكون صريحًا معهم؛ لكي يتفادي أي مشاكل بعد الزواج، وعليه أن يطرح الخيارات أمامها، ولها أن تقبله على هذا الوضع أو ترفضه، أما إذا كان يخشى المصارحة، فليعلم أن ذلك قد يفاقم الأمور ويزيدها تعقيدًا.

الجو الرومانسي

- في بداية الزواج يهتم كلا الزوجين بتوفير الجو الرومانسي، حتى إذا مر وقت على الزواج وازدادت المسؤولية، تبدل الحال، فعلى من إذن تقع مسؤولية توفير الجو الرومانسي وتدعيمه دائمًا؟

المسؤولية مشتركة، فيجب أن يكون كل منهما حريصًا على إرضاء الطرف الآخر، وتبادل المشاعر الدافئة معه دائمًا، فلا يتمحور حول ذاته، بل يتعدى نفسه وينفذ للآخرين، وهذا دليل على الصحة النفسية، ولكن يجب أن يتم ذلك دون إفراط أو تفريط.

- يرى كثير من السيدات أن الزوج الشكاك يصعب التعايش معه، فما رأي الطب النفسي في ذلك؟

أغلب الأزواج الذين لديهم هذه الصفة يعانون أمراضًا نفسية تتطلب العلاج والمشورة.

- إذن ما دور الزوجة في هذا العلاج؟

عليها إقناعه بأهمية المشورة النفسية، والذهاب معه إلى الإخصائي النفسي، فهناك ما يسمى بالعلاج النفسي الزواجي، وهو قيام المتخصص بالتعرف على المشكلة التي يعاني منها الزوجان أو أحدهما، وأثناء ذلك يمكنه أن يضع يده على موطن الخلل، وهنا يستطيع أن يبرز لكل منهما عيوبه، دون جرح لشعور أي منهما.
مركز الإعلام العربي

Post: #191
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:01 PM
Parent: #190

الحج ... بحثًا عن اللقب أم طمعًا فى الجنة !!
الحج عند البعض مجرد لقب عادوا به، وصار الناس ينادونهم به أيضًا، ثم لا شيء بعد ذلك، حقيقة مفزعة، ولكن لابد أن نعترف بها ونناقشها، فالحج الحقيقى هو ما يلمس الآخرون آثاره فيمن حج: فى علاقته بالله والناس، فى تغيره إلى الأفضل.

أما من يظلون على معاصيهم حتى بعد أن يحجوا، ومن لا يغير الحج فيهم شيئًا، فقد سقطت عنهم الفريضة، وحصلوا مقابل ذلك على لقب، مجرد لقب لا يرفع درجة ولا يحط خطيئة، ولهؤلاء من باب النصيحة والإشفاق نهدى هذا التحقيق:


أسماء ناجى - مدرسة: فى رأيى أن الحج ليس عاصمًا للإنسان من المعاصى والذنوب، وإن كان الحاج فى أغلب الأحوال يرجع تائبًا من الكبائر ولا يرجع إليها بعد حجه، أما باقى الذنوب فلا يعصم منها أحد إلا من رحم الله، وهذه طبيعة الإنسان فى كل زمان ومكان.

زينب عبد الله - ربة منزل: لا الحج ولا غيره من الطاعات يمكن أن يغير فى الإنسان إذا كان يؤدى الشعائر بشكل روتينى مظهرى، فأخى بعد صيام معظم رجب وشعبان ورمضان، ثم حج بيت الله الحرام، ورجوعه بلقب حاج، ما زال يحرمنى وإخوتى من إرثنا، مع أننا فى أشد الحاجة لتزويج أبنائنا وقضاء ديوننا.

د.ب.س - ربة منزل: بعد رجوع أمى وأبى من الحج فرحت بعودتهما نقيين من الذنوب، ورجوت أن يظلا على ذلك، ولكن مع الوقت وجدتهما يعودان للغيبة والنميمة، ولا يقبلان نصيحتى، وكأن شيئًا لم يكن.



الحج نقطة تحول

نادية عبد الرحمن: كان الحج هو نقطة التحول فى حياتى، ففى أثناء أداء المناسك استشعرت يوم القيامة والحساب، واقتراب الشمس من رءوس الخلائق، وتذكرت ذنوبى، وشعرت بالندم، ومن وقتها وحتى بعد عودتى من رحلة الحج وأنا على توبة وطاعة، أعرف طريقى وهدفى، وأسعى لرضا الله والفوز بالآخرة.

ه.م - ربة منزل: حماتى والتى لا نناديها إلا بقلب «حاجة» لا تعتبر غيبة الناس ذنبًا، وخاصة فى حق زوجة ابنها المتوفى، والتى تربى الأيتام؛ إذ تتكلم عليها، بل وتقذفها بكلام لا يليق - دون أى دليل - حتى اضطرتها لترك بيت العائلة والعيش بمفردها بعيدًا، فماذا فعل الحج لأمثال حماتى؟!

مؤمنة سعيد: أتحرق شوقًا لزيارة بيت الله، وأعزم على أن أعود نقية مطهرة ولا أسوِّد صحيفتى بعد ذلك أبدًا، فهذه فرصة ذهبية ومن لا يستغلها فقد خاب وخسر.



عاصيات فى الحج

نوال محمد: تسأليننى عن الحج لقب أم سلوك، لقد قلبت عليّ المواجع؛ إذ التقيت فى حجى نماذج لا تتورع عن المعصية فى بيت الله الحرام، قابلت من تسرق، ومن تغتاب رفيقتها فى ذات الحجرة، ومن تجادل وتعتدى على حقوق غيرها، فسألت نفسى عن حال هؤلاء عندما يعدن وتأخذهن الدنيا ومغرياتها، وشعرت بحزن شديد، ودعوت لهن بصدق، فقد عصين فى المقام الذى ينفصل فيه العبد عن ذاته، ويتعلق بربه وبالجنة، فهل يمكن أن يكون الحج بالنسبة لهن تغييرًا إلى الأفضل؟!



ثمرات الحج

يرى الدكتور موسى شاهين لاشين - من علماء الأزهر الشريف - أن الحج عبادة قصد بها الاستسلام الكامل والخضوع لله، ومن أهم ثمرات الحج: توبة الحاج وعودته كيوم ولدته أمه، ومن علامات قبول الحج؛ استقامة الإنسان على الطاعة والطريق المستقيم، وهو فترة تدريب عملى على الكف عن الخطايا والآثام «من حج لله فلم يرفث ولم يفسق عادمن ذنوبه كيوم ولدته أمه».

والحج ليس لقبًا يُفتخر به، بل هو فرصة لإصلاح النفس والرجوع إلى الله، أما من ذهب ورجع كما هو، فقد سقط عنه الفرض، ولكنه لم يستفد من عبادته، وكان كمن يصوم عن الطعام والشراب، ولكنه يغتاب ويشهد الزور، فمن يجترئ على المعاصى بعد حجه ينطبق عليه معنى «ومن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له».

وهذا ينطبق على كل العبادات، وأولها الحج، خاصة وأنه مرة واحدة فى العمر، وفرصة تكراره قليلة، وحتى من يستطيع الحج كل عام فهل يضمن أن يعيش حتى يأتى ميعاد الحج ويستغفر ويتوب؟

ومن الضرورى أن ينوى الحاج الإقلاع عن الذنوب حتى تقبل توبته، ويتحقق الهدف من حجه ويعود حقًا كيوم ولدته أمه، ويبدأ صفحة جديدة مع ربه.



ترجمة عملية

أما د. سامية خضر - أستاذة الاجتماع بجامعة عين شمس - فتتهم المجتمع عمومًا، وتصفه بأنه مجتمع مظهرى، أى يهتم بالمظاهر فى كل شيء حتى فى الحج، فلا يرتبط الحج عند الكثيرين بالتغيير فى سلوكهم إلى الأفضل.

فما زال هناك حجاج لا يتقنون عملهم، ومع ذلك يقيمون موائد الرحمن، وآخرون يسرقون ويسيئون معاملة الناس، ولا تتفق سلوكياتهم مع حكمة الحج ومقصوده.

ومن الناس من يذهب إلى الحج مرات عديدة بنفقات باهظة، ويترك الفقراء فى فقرهم والشباب متعطلين عن العمل.

فحرى بهؤلاء، لو فهموا غاية الحج وحكمته فى تأكيد روح الجماعة والوحدة الإسلامية، أن يخصصوا نفقات الحج المتكرر لإعفاف بعض الشباب، أو سد حاجة الفقراء، أو إقامة مشروعات لتشغيل الشباب أو إعالة عدد من الأسر أو تأهيل أطفال الشوارع، وتحويلهم إلى طاقة منتجة، وبهذا يترجم الدين إلى سلوكيات نافعة.
مركز الإعلام العربي

Post: #192
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:04 PM
Parent: #191

عقبات تحول دون النكاح
لا بد أن تعرف تلك العقبات التي تحول دون النكاح؛ لنتلافى النتائج السيئة التي تترتب على تركه، وإن أهم هذه العقبات فيما أرى ثلاث:




الأولى - عزوف كثير من الشباب الذكور والإناث عن النكاح، أي: أن كثيراً من الشباب الذكور والإناث لا يرغبون في النكاح بحجة أن النكاح يحول بينهم وبين دراستهم، وهذه حجة واهية بل حجة داحضة، فإن النكاح لا يمنع من المضي في الدراسة أو النجاح فيها والتحصيل، بل ربما يكون النكاح عوناً على ذلك، فإن الإنسان إذا وفق لزوجة صالحة وسادت بينهما روح المودة صار كل واحد منهما عوناً للآخر على دراسته وعلى مشاكل حياته، وأكثر الناس تتكلل زواجاتهم بالتوفيق - ولله الحمد -، وكم من شباب ذكور وإناث رأوا من الراحة وتفرغ الفكر والنفس للدراسة ما كان عوناً لهم عليها، فعلى الشباب الذين اغتروا بهذه الحجة الباطلة أن يعيدوا النظر مرة بعد أخرى؛ حتى يصححوا من خطئهم، وليسألوا زملاءهم الذين تزوجوا ماذا رأوا من الخير والطمأنينة من وراء النكاح، وبهذا تتذلل هذه العقبة، ولتنظر المرأة ماذا يفيدها إذا أكملت دراسة ليست بحاجة إليها في كثير من موادها؟ وفاتتها سعادة النكاح، وعقمت من الأولاد، وأصبحت من الأرامل، ولم تسعد في حياتها ولا أولاد لها يذكرونها بعد وفاتها.




الثانية - احتكار بعض الأولياء الظلمة لبناتهم ومن لهم ولاية تزويجهن، أولئك الأولياء الذين لا يخافون الله، ولا يرعون أمانتهم، ولا يرحمون عباد الله، أولئك الأولياء الذين اتخذوا من ولايتهم على تلك المرأة الضعيفة مورداً للكسب المحرم، وأكل المال بالباطل، تجد الخاطب الكفء في دينه وخلقه يخطب منهم فيفكرون ويقدرون ثم يقولون الكلمة الأخيرة البنت فائتة، البنت صغيرة، شاورتها فأبت وهو كاذب في ذلك، لكنه يرتكب هذه الأقوال الكاذبة يفتريها، يرد ذلك الخاطب الكفء إما لعقد نفسية تثقل عليه الإجابة، وإما لطلب مال يحصله من وراء ولايته، وإما لعداوة شخصية بينه وبين الخاطب.

إن الولاية دين وأمانة يجب النظر فيها على مصلحة المولى عليه لا على أغراض الولي، إن دفع الخاطب للكفء في دينه وخلقه بمثل هذه الأقوال الكاذبة والعلل الباطلة إنما هو معصية لله ورسوله، وخيانة للأمانة، وإضاعة لعمر المرأة التي تحت ولايته، وسوف يحاسب على ذلك يوم القيامة، (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ ، إِلا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء: 88-89]، ولقد حدثني بعض من أثق به أن رجلا كان يمنع الخطاب من بناته، وأن إحداهن مرضت من أجل هذا، فلما كانت في سياق الموت قالت لمن حولها من النساء: أبلغن أبي السلام وقلن له: إن بيني وبينه الله والموقف يوم القيامة بيننا وليس ببعيد، فتأمل هذه المسكينة التي كانت في سياق الموت تحاسب والدها؛ لأنه - والعياذ بالله - يمنع الكفء فلا يقبل الخطبة، أفلا يكون عند هذا وأمثاله دين ورحمة؟ أفلا يفكر الواحد منهم لو أن أحداً منعهم النكاح مع رغبتهم فيه فماذا يكون رد الواحد منهم؟ أفلا يعتبر بذلك فيمن تحت يده من النساء الراغبات في النكاح وهو يمنعهن الأكفاء خلقاً وديناً؟ سبحان الله! ماذا جنى هؤلاء الأولياء على أنفسهم وماذا جنوا على من تحت ولايتهم؟ ولقد أوجد أهل العلم - رحمهم الله - تذليلاً لهذه العقبة حيث قالوا: إن الولي إذا امتنع من تزويج موليته كفئاً ترضاه فإن ولايته تسقط وتكون لمن بعده، فمثلاً لو امتنع أبو المرأة من تزويجها كفئاً في دينه وخلقه وقد رضيت به ورغبت فيه فإنه يزوجها أولى الناس بها بعده، فإن كان لها جد زوجها، وإن لم يكن لها جد زوجها أخوها أو عمها أو غيرهم ممن له ولاية، الأولى فالأولى، فإن أبوا كلهم خوفاً من أبيها فإن الولاية تنتقل عنهم إلى القاضي الشرعي فيزوجها رغماً عن أنوف أوليائها؛ وذلك لأن النكاح حق للمرأة وليس حقاً لأبيها ولا لأخيها ولا لابنها ولا لأحد من أقاربها، نعم، لو كان الخاطب غير كفء في دينه فرضيته المرأة وأبى وليها فله الحق في ذلك ولا إثم عليه، ولو بقيت لم تتزوج إلى الموت؛ لأن إباءه تزويجها لمصلحتها ومن مقتضى أمانته.




الثالثة- غلاء المهور ونفقات الزواج وتزايدها، حتى صار النكاح من الأمور المستحيلة أو الشاقة جداً لدى كثير من الراغبين في الزواج، إلا بديون تشغل ذمته وتذله فتجعله أسيراً لدائنه، وإن تذليل هذه العقبة أن يفكر ذووا الرأي من الأولياء ما هو المقصود بالنكاح؟ وما هي مكانة المرأة التي جعلك الله ولياً عليها؟ هل المقصود بالنكاح المال؟ هل المرأة سلعة تباع أو تمنع بحسب ما يبذل فيها من المال؟ كل هذا لم يكن، فليس المقصود بالنكاح المال، وإنما المال وسيلة إليه، وليست المرأة سلعة بل هي أمانة عظيمة وجزء من أهلها، هي بضعة من أبيها، وإذا فكرنا هذا التفكير وبلغنا هذه النتيجة عرفنا أن المال لا قيمة له، وأن المغالاة في المهور ونفقات الزواج لا مبرر لها، فلنرجع إلى ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - وما كان عليه أصحابه، فقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "أَلا لا تُغَالُوا فِي صَدَقَاتِ النِّسَاءِ ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَكْرُمَةً فِي الدُّنْيَا وَتَقْوَى عِنْدَ اللَّهِ لَكَانَ أَوْلاكُمْ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا أَصْدَقَ قَطُّ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَلا مِنْ بَنَاتِهِ فَوْقَ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً"، وإن الرجل ليغلو في صداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه، وحتى يقول كلفت إليك علق القربة، أي: تكلفت كل شيء عندي إليك حتى علق القربة وهو: الحبل الذي تعلق به، فإذا رجعنا إلى ما كان عليه السلف الصالح من تقليل المهور تيسرت أمور الزواج، وعظمت بركاته، وانتفع بذلك الرجال والنساء، إن هذه المغالاة في المهور تُوجب تعطل كثير من الرجال والنساء عن النكاح، أو محاولة الزواج من الخارج الذي قد يسبب له مصاعب ومتاعب كثيرة، وربما يحصل به تغيير المجتمع في عاداته وأحواله وربما في عباداته وعقائده؛ لأن للخلطة تأثيراً كثيراً في تغيير هذه الأمور.

إن المهر إذا كان كبيراً فإن الرجل مهما كان بالنسبة لزوجته سوف يضيق صدره إذا تذكر عظم هذا الصداق، ولا سيما إن كان ديناً، وإذا حصل بينهما مشكلة فإنه لا يمكن أن يفارقها؛ لأنه خسر عليها خسائر كبيرة إلا أن يعطوه مهره، وهم ربما قد يكونون فقراء وقد أخرجوا المهر في أمور أخرى.

إن كثيراً من الأولياء - الآباء أو غيرهم - يشترطون على الزوج الخاطب مالاً يدفعه إليهم، وسيكون هذا المال بالتأكيد على حساب مهر المرأة، وهذا أكل للمال بالباطل، فالمهر كله للزوجة ليس لأبيها ولا لأخيها ولا لعمها ولا لأحد من أوليائها ليس له فيه حق، المهر كله للزوجة، واسمعوا الله - تعالى - يقول:(وَآَتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا) [النساء: 4]، فأضاف الله الصداق إليهن، وجعل التصرف فيه إليهن، وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - أنه قال:"أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها، وما كان بعد عصمة النكاح - أي: بعد عقده - فإنه لمن أعطيه"(6)، فلا يشترط شيئاً من مهر المرأة ولا من غير مهر المرأة على الزوج، إنه ليس لكم حق في ذلك، إنكم إن فعلتم أكلتم المال بالباطل، دعوا مهور النساء لهن، إنكم إن اشترطتم لأنفسكم شيئاً منه فإنه اقتطاع بغير حق، وسبب للتلاعب بولاية النكاح؛ حيث يلاحظ الولي هذا الشرط فيزوج من يعطيه أكثر ويمنع من لا يعطيه، ضارباً بمصلحة وليته عرض الحائط، وهذا إهدار للأمانة وخيانة للولاية، و(لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) [الأنفال: 27-28].

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الشيخ محمد بن صالح العثيمين (الحث على النكاح وتذليل العقبات التي تحول دونه، موقع الشيخ)، باختصار.

Post: #193
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:07 PM
Parent: #192

الخدمات الإرشادية والتطبيقات التربوية في المعاملة الزوجية
أولا- في مجال التربية الزوجية والأسرية




(أ) بالنسبة للآباء:

1- تقديم نموذج طيب لأساليب المعاملة الزوجية يرغب الأبناء في الزواج، وفي اتباع هذه الأساليب السوية في قابل حياتهم الزوجية. فالبنت التي ترى أمها تحترم أباها لا شك أنها ستحترم زوجها في المستقبل والعكس صحيح . . وهذا بالنسبة للابن تماماً، فالابن الذي يجد أباه يحترم أمه ويقدس الحياة الزوجية، لا شك أنه سوف يقدسها ويتكون لديه اتجاه موجب نحوها.

2- اتباع أساليب معاملة والديه سوية مع الأبناء، فلا شك أن اتباع مثل هذه الأساليب سوف يساعد على تكوين شخصيات ناضجة عاطفياً ووجدانياً، لديها مفهوم موجب عن ذاتها، مما ينعكس على اتباعها لهذه الأساليب السوية في تعاملها الزواج، وعلى العكس فإن اتباع أساليب معاملة غير سوية مع الأبناء سوف يكوّن شخصيات قلقة مضطربة تفتقر للنضج العاطفي والانفعالي، لديها مفهوم سالب عن ذاتها، مما ينعكس على أساليب معاملتها الزوجية مستقبلاً.

3- تقديم المعارف والمعلومات الصحيحة والمبسطة عن الحياة الجنسية والزوجية للأبناء بشكل مبسط ومقبول.

4- عدم إرغام الأبناء على اختيار شريكة حياة لا يرغبون في الزواج منه، والاكتفاء بالنصح والمشورة.

5- عدم المغالاة في المهور عند زواج البنات، ومراعاة الكفاءة والتكافؤ ومستقبل شريك أو شريكة الحياة.

6- البعد عن التدخل السافر في حياة الأبناء بعد زواجهم، وتركهم يعيشون هذه الحياة كما يرغبون، مع التدخل بالنصح والإرشاد والصلح عندما تقتضي الظروف ذلك وبرغبة الأبناء.




(ب) بالنسبة للمؤسسات التعليمية والتربوية:

1- الاهتمام بالتربية الزوجية ووضعها ضمن مقررات الصفوف النهائية بالنسبة لطلاب المدارس الثانوية الفنية، ولطلاب النهائية بالجامعة.

2- الاهتمام بالتربية الجنسية والعاطفية، وتقديم المعلومات الصحيحة عنها من خلال مقررات الأحياء وعلم النفس وعلم الاجتماع.

3- التركيز في التربية الدينية في المرحلة الثانوية على النكاح وأحكامه وما يتعلق به من خطبة وصداق، وعقد، ونفقة . . إلخ.

4- التركيز في علم الاجتماع على الأسرة، وتكوينها، وأهميتها، والأسباب التي تساعد على تكوين أسرة ناجحة.



(ج) بالنسبة للعاملين بمراكز الأمومة والطفولة ووزارة الصحة:

1- الاهتمام بمكاتب فحص الراغبين في الزواج لتقوم بتقديم خدماتها الطبية والإرشادية للراغبين في الزواج من حيث الأمراض الوراثية والتناسلية والعقم وخلافة تجنباً لمشكلات تهدد مستقبل الحياة الزوجية مستقبلاً.

2- توسيع نطاق هذه الخدمات بإنشاء مكاتب للعلاقات الزوجية والإرشاد الزواج، وحل المشكلات بعيداً عن المحاكم.




(د) بالنسبة لعلماء الدين وعلماء الاجتماع ورجال القانون:

1- تقديم الإرشادات والتوجيهات والأحكام والفتاوى الدينية السليمة المتعلقة بجميع أمور الزواج.

2- تطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً تاماً يتمشى وروح العصر، فالإسلام صالح لكل زمان ومكان.

3- توضيح الغموض حول زواج المتعة، والزواج العرفي، والمساعدة على إصدار التشريعات اللازمة في هذا الخصوص.

4- توضيح الأساليب الاجتماعية الرشيدة لقيام حياة زوجية سعيدة.




ثانياً- خدمات إرشادية للراغبين في الزواج:

1- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بسيكولوجية المرأة والرجل.

2- المساعدة في اختيار شريك/ شريكة الحياة من حيث:

- النضج العاطفي والجنسي والجسمي والعقلي.

- التدقيق في الاختيار، وعدم التسرع جرياً وراء نزوة طارئة أو إعجاب عارض مؤقت.

- التكافؤ نسبياً من حيث: المستوى التعليمي والعقلي، الوسط الاجتماعي، المهنة، الدخل، المستوى الديني والخلقي.

- اعتبار الدين المقوم الأساس للاختيار في الزواج.

- البعد عن زواج المصلحة.

3- تقديم خدمات إرشادية تتعلق بأساليب المعاملة الزوجية وإدارة الأسرة، وتربية الأبناء.




ثالثاً- خدمات إرشادية للمتزوجين فعلاً:

1 - تقديم المعلومات المتعلقة بمقومات الزواج الناجح.

2- تقديم المعلومات المتعلقة بالتوافق في الزواج وأساليبه.

3- تقديم الخدمات الإرشادية المتعلقة بكيفية حل المشكلات الزوجية بأيسر الطرق.

4 - تقديم الخدمات المتعلقة بطرق التفاعل الاجتماعي مع الزوجة والأبناء.

5 - تقديم الخدمات المتعلقة بطرق تربية الأبناء ورعاية نموهم.




وفي النهاية، فمما لا شك فيه أن الزواج السعيد ينمو في جو عامر بالثقة والحرية والاحترام المتبادل، فليس أخطر على السعادة الزوجية من أن يعيش الزوجان في قائمة من الشكوك المستمرة، والريبة الدائمة، أو في محيط خانق من الضغط المتوالي والقسر المتواصل، وإذا كانت الثقة لا تولد إلا الثقة، فإن الريبة أيضاً لا يمكن أن تولد إلا الريبة والشك.

ولما كانت السعادة الزوجية ليست منحة أو هبة بل هي كسب، فإنه لا بد لضمان هذا الكسب من تعاون كل من الزوج والزوجة في سعي حثيث من أجل العمل على تحقيق أسباب التكيف، وتجنب دواعي الخلاف والنزاع والتشاحن، وزيادة عوامل وأسباب التوافق والانسجام الشاملة . . . واهتمام الدولة بتوفير جميع سبل الرفاهية والتقدم للمجتمع . . كما أرى أن التخطيط للمستقبل أمر حتمي تفرضه مسيرة التغير المستمر.

التفكك الأسري . . العلاج والحلول/الشيخة العنود بنت ثامر بن محمد آل ثاني(كتاب الأمة، العدد 83)، باختصار وتصرف يسير.
islamweb

Post: #194
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:09 PM
Parent: #193

التربية الإيمانية للأطفال.. لماذا؟
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.. وبعد:

فإن الحرب التي تواجهها الأمة اليوم صارت حربا شرسة على أصوليات الدين وثوابت الإسلام، وهي تضرب الدين في الصميم، ولا يمكن أن تواجه هذه الحروب الطاحنة إلا بعقيدة واضحة راسخة وإيمان قوي ثابت. ثم إن الناظر في التاريخ يجد ارتباطا بين سلامة العقيدة والدين وبين الانتصار والرفعة، ففي الوقت الذي تتمسك الأمة بعقيدتها وتهتم لها وتحتفي بها يعلو على العالمين كعبها وترجح على جميع الأمم كفتها، وفي كل وقت ظهرت فيه الخزعبلات والشطحات والبدع والضلالات انكسرت الأمة وذاقت الويلات.

ونحن في هذا المقال نتحدث عن أهمية تنشئة أبنائنا وأطفالنا تنشئة إيمانية لنحفظ عليهم دينهم من الشبهات المضلة ولنعدهم للدفاع عن حوزة الدين.. ومع أن أصل المقال لتربية الصغار إلا أننا لا نتوجه به فقط إلى أب يريد أن يربي أبناءه أو أم تريد أن تنشئ أولادها. ولكنا نسوقه إلى كل شيخ في مسجد يربي سامعيه، أو أستاذ في مدرسة يوجه تلاميذه، أو داعية بين الناس.. نقول لهم جميعا: العقيدة أولا، العقيدة أولا.

لماذا الصغار؟!
وإنما كان التركيز على الصغار في لزوم التربية العقدية والإيمانية لأمور مهمة.. منها:
أولا: أن أطفال اليوم هم أمل الغد، والجيل الذي سيحمل راية (لا إله إلا الله، محمد رسول الله)، فإن نحن أعددناهم لذلك رفعوها ونصروها، وإن أهملناهم ضيعوها وخذلوها. وكما قال بعض الدعاة: "إذا كنا بؤنا بعار عدم التمكين، فلا أقل من أن نعد أبناءنا له".

ثانيا: لأن الطفولة هي حجر الأساس في بناء التكوين العقدي الإيماني واستقبال القيم والمبادئ مع الاستعداد الفطري لاستقبال العقيدة الصحيحة كما قال صلى الله عليه وسلم:"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، ثم قرأ أبو هريرة: "فطرت الله التي فطر الناس عليها".

ثالثاً: أن ما يتعلمه الطفل في صغره من قيم ومبادئ وأصول وعقائد يبقى راسخا في ذهنه بقية عمره يصعب تغييره أو تحويله عنه.

رابعاً: العلاقة الوثيقة بين العقيدة الصحيحة والأخلاق الفاضلة، وبين العقيدة الباطلة والأخلاق الفاسدة، وأثر العقيدة العظيم في شخصية الإنسان.

اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال:
ومن أعظم أسباب الاهتمام بتربية الناشئة أنني وجدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بالطفل اهتماما بالغا كما كان يهتم بالكبار، وربما غاب هذا عن البعض لقلة التنبيه عليه أو التوجيه إليه والتأليف فيه.

ومن عجيب ما تقرأ في هذا الصدد ما رواه عبد الرزاق في مصنفه عن علي رضي الله عنه قال: "شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صالح نصارى بني تغلب على ألا ينصِّروا الأبناء، فإن فعلوا فلا عهد لهم". قال علي: لو فرغت لقاتلتهم.

وفي المصنف: "قدم رجال من تغلب على عمر فقال: إنه كان لكم في الجاهلية نصيبا فخذوا نصيبكم من الإسلام، (فكأنهم رفضوا الإسلام) فصالحهم على أن أضعف عليهم الجزية ولا ينصروا أبناءهم.

وكان لمجاهد غلام نصراني: فكان يقول له: يا جرير!! أسلم، ثم قال: هكذا كان يقال لهم. (يعني هكذا كان يفعل الصحابة بمواليهم النصارى).

وفي الحديث الصحيح في البخاري عن أنس قال: " كَانَ غُلامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ" رواه البخاري.

وفي رواية: فقال: اشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله! فنظر إلى أبيه، فسكت أبوه، وسكت الفتى، ثم الثانية، ثم الثالثة، فقال أبوه في الثالثة: قل ما قال لك، ففعل، فمات، فأرادت اليهود أن تليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن أولى به منكم، فغسله النبي صلى الله عليه وسلم، وكفنه، وحنطه، وصلى عليه.



لقد كان صلى الله عليه وسلم يهتم بإيمان الغلمان الصغار كما كان يهتم بإيمان الكبار ففي الوقت الذي دعا فيه أبا بكر للإسلام دعا فيه علياً وكان ابن سبع أو ابن عشر سنين، وكما اهتم بالطفيل بن عمرو الدوسي فكلمه ودعاه كذلك اهتم بأبي قرصافة الراعي الصغير.. يقول أبو قرصافة: كان بدء إسلامي أني كنت يتيما بين يدي أمي وخالتي وكان أكثير ميلي إلى خالتي وكنت أرعى شويهات لي، فكانت خالتي كثيرا ما ت قول لي: يا بني لا تمر إلى هذا الرجل فيغويك ويضلك... فأتيت أول يوم فسمعته ثم رحت وغنمي يابسات الضروع. فقالت خالتي: ما لغنمك يابسات الضروع فقلت لا أدري. ثم إني فعلت في اليوم الثاني كذلك...وفي اليوم الثالث لم أزل أسمع حتى أسلمت وبايعته وصافحته.... وشكوت إليه أمر خالتي وأمر غنمي... فقال لي صلى الله عليه وسلم: "جئني بالشياة" فجئته بهن فمسح ظهورهن وضروعهن ودعا فيهن بالبركة فامتلأت شحما ولبنا فلما دخلت بهن على خالتي قالت يا بني هكذا فارع... فقلت يا خالة ما رعيت إلا حيث أرعى كل يوم ولكن أخبرك بقصتي فأخبرتها بالقصة وإتياني النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرتها بسيرته وبكلامه فقالت أمي وخالتي: اذهب بنا إليه. فذهبت أنا وأمي وخالتي فأسلمن وبايعن رسول الله صلى الله عليه وسلم". (قال الهيثمي رواه الطبراني ورجاله ثقات).





وكلنا يعلم حديث ابن عباس الشهير والذي علمه فيه أمورا عقدية وأساسيات إيمانية، ومعلوم أن ابن عباس كان عمره ثلاث عشرة سنة حين مات رسول الله صلى الله عليه وسلم.. يقول ابن عباس: "كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَال:َ يَا غُلامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الأَقْلامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ". رواه أحمد والترمذي قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ.



وكذا حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه فاسمعه يقول: "كُنْتُ رِدْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ يُقَالُ لَهُ عُفَيْرٌ فَقَالَ يَا مُعَاذُ هَلْ تَدْرِي حَقَّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ قُلْتُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَإِنَّ حَقَّ اللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَحَقَّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ بِهِ النَّاسَ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا" متفق عليه.


وعندما أمره الله بتبليغ الرسالة إلى أهله وقومه وجمعهم وأخبرهم أنه رسول الله إليهم كان مما قال: "يافاطمة بنت محمد اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا".. وفاطمة في هذا الوقت كانت صبية صغيرة فقد ورد في كتب التراجم أنها ولدت والنبي صلى الله عليه وسلم ابن إحدى وأربعين سنة.


وكانت أم سليم تقول لأنس وهو صغير ما زال رضيعا: يا أنس!! قل لا إله إلا الله.

وكان أبو هريرة يمر على الصبيان فربما قال لبعضهم: يابني إذا لقيت عيسى ابن مريم فأقرئه من أبي هريرة السلام..

وما هذا منه إلا فتحا لباب المعرفة والسؤال أمام الأطفال ليتعلموا عقيدة المسلمين في عيسى وأنه سينزل آخر الزمان كعلامة من علامات الساعة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

والمقصود هو بيان اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم والسلف الكرام بزرع الإيمان في قلوب الصغار وهو ما ينبغي علينا الاهتمام به.

وأما كيفية ذلك وسبل الوصول إليه فسنبينه إن شاء الله في مقال لاحق.. نسأل الله لنا ولأبنائناالتوفيق والرشاد والهداية والسداد.
اسلام ويب

Post: #195
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:11 PM
Parent: #194

كيف ندرب أبناءنا على المسؤولية ؟
يبلغ ابني من العمر 10 سنوات، وقد لاحظت على سلوكه الأنانية وعدم الاهتمام باحتياجات أشقائه، ومهما حاولت أن أحدثه عن معنى الأخوة ومتطلباتها، وأهمية المشاركة، والتفكير في مصلحة الآخرين، فإنه لا يهتم؛ مما أفسد علاقته بإخوته.


أما ابنتي التي تبلغ من العمر 13 عامًا، لا تتحمل أية مسؤولية تجاه أخواتها الصغريات سنًا، ولا تهتم إلا بشؤونها الخاصة، وهوايتها المفضلة، كما أنها تتكاسل عن المذاكرة، أو أي عمل يتطلب جهدًا، فماذا أفعل؟



الإجابة عن السؤالين المذكورين تتلخص في تعلم المسؤولية الاجتماعية، فكل من الولد صاحب الأعوام العشرة، والبنت صاحبة الثلاثة عشر عامًا لم يتعلما تحمل المسؤولية، سواء كانت المسؤولية الذاتية باعتبار الطفل مسؤولاً عن نفسه، أو المسؤولية الاجتماعية التي تجعل الطفل يشعر بأنه مسؤول عن الآخرين.


ومن هنا، نستطيع تفسير سلوك الطفل الأناني الذي لا يهتم باحتياجات إخوته، ولا يستطيع أن يفهم معنى الأخوة، ولا متطلباتها، ولا يقدر أهمية مشاركة الآخرين فيما يهمهم، ولا يمكنه الاهتمام بمصلحة أحد من الناس إلا نفسه فقط.


ومن الجدير بالذكر أنه ليس معنى أننا نشرح له تلك المعاني الجميلة المجردة أنه سيستوعب الدرس، ثم يقوم من فوره لينفذ ما فهم، فقد كان الأمر يتطلب تربيته منذ الصغر على تلك المعاني، ولكن لا بد أن يتم التدريب بشكل عملي قبل الشرح النظري أو مصاحب له، فإذا حدثناه عن تلك المعاني بعد أن يكبر، ويبلغ عامه العاشر استطاع أن يدرك أن ما كان يمارسه مع إخوته من خدمة لهم واهتمام بهم، وما كان يمارسه معه إخوته هو تلك المعاني الرائعة التي يشرحها الكبار، وتتطلبها الحياة الاجتماعية للبشر.


أما بالنسبة للبنت، فهي تستشعر الأحاسيس نفسها، وتتعرض لنفس المشكلات، فهي لا تهتم إلا بما ترغب، ولا تستطيع أن تتحمل مسؤولية أحد من أخواتها الصغريات.


ولذلك لا بد من التأكيد على القواعد التربوية التالية:



تدريب الطفل على الاعتماد على النفس

وهذا النوع من الفكر التربوي غير متواجد بالشكل الذي ينبغي في تربية أبنائنا في عالمنا العربي، فلا يلقى الاهتمام الكافي بتدريب الأبناء عليه منذ الصغر، ونتيجة لذلك يشب أولادنا غير متحملين مسؤولية أنفسهم التحمل الكافي، وغير معتمدين على أنفسهم الاعتماد الواجب.



والآن، نريد أن يتعلم الطفل الاعتماد على النفس والاستقلال عن الآخرين في قضاء حاجياته، وهذه مبادئ تربوية رئيسة ومهمة في تربية الطفل.


والسؤال الآن: كيف أربي ابني على تحمل المسؤولية والاعتماد على النفس؟ وتأتي القاعدة التربوية المهمة، فتقول لك: إذا أردت أن يعتمد ابنك على نفسه، فجرب أنت أن تعتمد عليه حتى تعلمه الاعتماد على نفسه، فإذا كنت أنت أصلاً لا تعتمد عليه في شيء، فكيف إذن سيتسنى له تعلم الاعتماد على نفسه؛ إذا كنت أنت غير واثق في قدراته وإمكاناته، وبالتالي لا تعتمد عليه في إنجاز بعض الأمور، فكيف سيثق هو في نفسه، ويركن لقدراته؟

- طبعًا بعد التوكل على الله - فيكون المطلوب منك أن ترفع يدك عنه وعن مساعدته، وتفسح له المجال ليقضي مصلحته بنفسه، وتتركه لينجز بعض أعماله بنفسه، فيقدم أوراقه للمدرسة بنفسه، وتكون أنت معه بمثابة الصاحب، ويعمل واجباته المدرسية بنفسه، وتكون أنت بمثابة الموجه. ويأكل بنفسه، ويشرب بنفسه، ويلبس ملابسه بنفسه، ويكوي ملابسه، ويرتب حاجاته، وتكون أنت بمثابة المشرف، وبصفة عامة؛ فإن أي سلوك يستطيع الطفل أن يؤديه؛ فلا بد أن تساعده، وتفسح له المجال حتى يستطيع أن ينجزه معتمدًا على نفسه.



ولكن أنت تحتاج إلى فطام نفسي عن مساعدة ابنك، وأنتِ تحتاجين إلى ذلك ، فالمشكلة الأساسية التي تعترض طريق تعليم الأبناء الاعتماد على النفس هي أن الآباء أنفسهم - خصوصًا الأمهات - هم الذين لا يستطيعون أن يفطموا أنفسهم عن التدخل في شؤون الأطفال، ولا أن ينأوا بأنفسهم عن الاشتراك معهم في قضاء مصالحهم، ولا أن يتركوا لهم الفرصة ليمارسوا حياتهم بأنفسهم، وقد يكون هذا التدخل بسبب حبهم لأبنائهم، أو بقصد حمايتهم، ولكن الواقع هو أنك تعوقه عن أداء دوره، وتسلبه الفرصة التي تجعله يجرب الاعتماد على نفسه، فيكون حبك له حبًا ضارًا، وتكون حمايتك له حماية مؤذية،




ودعنا نناقش نقطة أخرى، وهي أنه إذا استطاع الأب أن ينفذ ما نطلب منه، فهل تستطيع الأم ذلك؟

سترد الأم قائلة: أتريد أن أترك الطفل يقوم بعمل الواجب المنزلي وحده؟ فماذا عن الدرجات التي ستضيع منه؟ وكيف أسمح أن يقال: إن ابن فلانة لا يحصل على الدرجات النهائية في المدرسة؟ أم أنك تريده أن يشتري ملابسه وحده؟ آه، فهمت قصدك، أنت تريده أن ينزل إلى الشارع وحده؟ وكأنك لا تسمع عن السيارات؟ والأطفال قليلو الأدب والزحام والتيه في الشارع، وقد يخطفه أحد، أو يضربه.




وتظل الأفكار السيئة جميعها تراود الأم، وتلح على ذهنها لا تفارقها، كأن الدنيا كلها ليس فيها إلا ابنها، فيا أمهات أطفال المستقبل، ليست الدرجات في المدرسة هي المشكلة، والدنيا بها أطفال كثيرون غير أطفالكن، ونحن لا نسكن غابة موحشة، فاتركن أبناءكن يتصرفون منفردين، وسترين منهم ما تقر به أعينكن، أما اهتمامك المركز على ابنك، فهو ما يسميه علماء النفس بالحماية الزائدة، وطبعًا الحماية الزائدة مضرة، ولا تأتي إلا بخلل جسيم في تربية الطفل.




الاهتمام بتعزيز السلوك الصحيح الذي ينفرد الطفل بالقيام به:

ويأتي دور التعزيز لسلوك الاعتماد على النفس، فبعد أن يقوم الطفل بما يريد بنفسه، لا بد أن تثني على الطفل، وتمدح قيامه بالسلوك الصواب منفردًا، وتحكي للضيوف، وتعرفهم - على مسمع منه طبعًا - كيف أنه عمل كذا وكذا، وقام بكذا وكذا، كأنك تتفاخر بابنك الطيب، أو تتباهي بابنتك اللطيفة.




تدريب الطفل على المسؤولية الاجتماعية

فمع تدريبه على الاعتماد على النفس أو المسؤولية الذاتية، نبدأ في التوسع في تحميل المسؤولية في دوائر يتسع اللاحق منها باستمرار بعد إتقان السابق بشأن تحمل مسؤولية الآخرين، فيبدأ الطفل بتحمل مسؤولية خدمة إخوته، ثم تلي ذلك مسؤولية دائرة الجيران، ثم دائرة الأقارب، ثم دائرة الشارع أو الحي، وتظل تلك الدوائر تتصاعد حتى تشمل مشكلات المسلمين في العالم، ثم مشكلات الناس بصفة عامة.




ويأتي سؤال: ولماذا كل هذا الهم؟ فتكون الإجابة: ليستشعر أنه عضو في جماعات مختلفة، بدءًا من إخوته حتى جماعة البشر بصفة عامة، ويعني ذلك أنه مسؤول دومًا أمام نفسه، ثم أمام الله سبحانه عن الآخرين.




مما سبق يستطيع الطفل أن يهتم بمصلحة إخوته، أو تتحمل البنت هموم أهلها، أو يفكر كلاهما في هموم المسلمين، أو مشاكل المظلومين في العالم كله، ويخرج الطفل شيئًا فشيئًا من أنانيته البغيضة إلى عالم المعاملات الإنسانية الراقية التي تجعل الإنسان إنسانًا، ويستطيع أن يتحرر من رغباته الضيقة المحدودة، ويرى العالم الرحب الجميل الذي يتجلى في خدمة الآخرين، ويستطيع أن يستشعر المتعة الموجودة في قضاء مصالح الناس، كما يدرك كيف يتعبد الله سبحانه بإدخال السرور على الآخرين، وتيسير الحياة على الناس، ولا يفوتنا في ذلك كله أن ندعم حواراتنا معه بأحاديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) التي تحض على فك كرب المكروب، والتيسير على المعسر، و أن الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.




فإذا كان الطفل أو البنت صاحبا السؤالين السابقين لم ينل كل منهما فرصة للتربية على المسؤولية الذاتية والمسؤولية الاجتماعية عنده منذ الصغر، فلا بأس من أن نبدأ الآن بنفس الترتيب، ولا بد أن يتعلم تلك المسؤوليات، ويتدرب على تحملها من جديد.
إسلام ويب

Post: #196
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:14 PM
Parent: #195

في ظل الثورة التكنولوجية الحديثة، والانفتاح العولمي تعاني كثير من الأسر معاناة شديدة في تربية الأبناء، حتى أصبحت بعض المفاهيم الوافدة تشكل فكرهم، وتدفع سلوكهم، فلا يستوعبون ما يقوله الآباء والأمهات، والعلاقة بين الجنسين أحد تلك المفاهيم، فمن الآباء من يرى أن وجود علاقة بين المراهق والمراهقة ضرورية ولابد منها، وبالتالي يجب أن تكون هذه العلاقات متاحة ومفتوحة ولا قيود عليها، ويرى أنه ينبغي أن يمارسها المراهقون بلا شعور بالذنب حتى يشب طبيعيًا، ومنهم من يرى أن هذه العلاقة سيئة بكل المقاييس، وتحمل جميع أنواع الضرر للجنسين معًا خصوصًا للبنت، وبالتالي فهي لا تصح بأية حال من الأحوال، وأن مجرد كلام البنت مع أحد الشباب -بصرف النظر عن السبب، أو الدافع، أو الظرف - ممنوع منعًا باتا.


وبين هذين القطبين - القطب المبيح لهذه العلاقة على إطلاقها، والقطب الرافض لها على إطلاقها - تقع عدة أنواع من وجهات النظر، وبناءً على كل وجهة نظر يكون الهامش المسموح به فى ممارسة هذه العلاقة، مع وجود قيود محددة لها.

أما المراهقين أنفسهم، فإن استعداد أحدهم لممارسة هذه العلاقة يختلف أيضًا من جيل إلى جيل، ومن بيئة إلى أخرى، ومن جنس إلى آخر، بل قد يختلف من فرد إلى آخر، ويكون مردّ هذا الاختلاف بين الأفراد إلى طريقة التربية فى المنزل، وطبيعة العلاقة مع الوالدين، وشكل العلاقة بين الوالدين أنفسهم، ومدى الالتزام الديني، ومدى فعالية الرقابة المنزلية الراقية، ومدى الثقة بالنفس، ومدى ثقة الأهل بالفرد، ومدى حياة الضمير وحيويته، ومدى الحرص على سمعة الفرد والأسرة في المجتمع، ومدى تقدير عواقب الأمور، ومدى مراقبة الله سبحانه.




ومعظم المراهقين يختلف مع الأبوين والكبار بصفة عامة فى نظرته لهذه العلاقة، فمنهم من يرى أنها طريقة لا بأس بها لتمضية الوقت والتغلب على الفراغ، ومنهم من يرى أنها أسلوب جيد للتسلية، ومنهم من يرى أنها مقدمة للحب والزواج، ومنهم من يرى أنها طريقة جيدة لتشجيع الأعمال الخيرية، بل منهم من يرى أن هذه العلاقة تدفعه لعبادة الله سبحانه بشكل منتظم، ولكل منهم الغطاء المناسب والمبرر المقنع لممارسة تلك العلاقة.




تطور وسائل العلاقة بين الجنسين:

ونظرًا لأن كل شيء له وسائل تستخدم في تنفيذه؛ فهذه العلاقة لها أيضًا وسائلها التي قد تكون كلها معروفة، إلا أن غير المعروف هو تطور مستوى التعامل بهذه الوسائل المعروفة، وقد تتمثل فيما يلي:

¨ النظر: فقد تتم ممارسة تلك العلاقة على مستوى تبادل النظرات فقط بين الجنسين.

¨ الابتسام: وقد تتطور تلك النظرات إلى استبشار وتهلل فى الوجه، وتبادل الابتسامات الخفيفة التى تدل على الراحة والسعادة حين يتواجد الطرف الآخر، أو حين يفتح الكلام عنه بين الموجودين.

¨ الكلام: وقد يتطور التعامل بينهما إلى تبادل الإشارات والكلمات التي تعبر عن الاهتمام بالطرف الآخر، وحب الوجود في الأماكن التي يوجد فيها.

¨ التليفون: ثم يحدث تطور آخر في التعامل بينهما على مستوى الحديث التليفوني، سواء كان التليفون الأرضي أو المحمول، وبداية من هذه المرحلة فإن الطرفين يعتادان تكرار الحديث بينهما، فقد يصل الحديث تليفونيًا إلى ما يشبه الإدمان بين الطرفين، وإذا لم يتصل أحدهما بالآخر في الأوقات التي اعتاد الحديث فيها؛ يشعر وكأنه غير سعيد، أو غير مستقر، أو ينقصه شيء مهم وضروري، أو أنه يحتاج إلى مكالمة الطرف الآخر، حتى تهدأ نفسه، ويستطيع التركيز فى عمله.

¨ الكمبيوتر: وقد تمارس هذه العلاقة عن طريق الكمبيوتر باستخدام الشات، وقد تتم اللقاءات بينهما باستخدام الكاميرا، وهذه العلاقة تعتبر من أخبث أنواع المقابلات، ومن أسوأ أنواع التعامل بين الجنسين، ويتضح خبثها وسوؤها فى الكلمات المستخدمة، والمصطلحات المتداولة، والموضوعات المطروحة، والممارسات التى تتم بينهما، والأسوأ من هذا كله عدم وجود الرقابة من الكبار، والأخطر منه أن الحياء يقل بينهما تدريجيًا حتى ينعدم وجوده بالكلية.

¨ اللقاءات: ثم يحدث التطور اللاحق، وهو أن يتقابل الطرفان معًا، وتحدث اللقاءات في أماكن آمنة بالنسبة لهما، وكلمة آمنة تعني الحرص على عدم إطلاع أحد على هذه العلاقة؛ حتى لا تكون مهددة بالنهاية، فبعض البيئات لايهمها عنصر الأمان على الإطلاق، لأنها ترى أن هذه العلاقة غير ممنوعة، وبالتالي فهي غير محاطة بأي نوع من أنواع السرية ولا التكتم.

¨ تعدي الحدود: وإذا كان قد سبق اللقاء بين الطرفين مكالمات تليفونية إباحية، أو غير محترمة؛ أو فتح موضوعات مخلة عن طريق الكمبيوتر؛ فإن احتمال الوقوع في الخطأ عند اللقاء وارد جدًا، بل قد يهدف اللقاء إلى تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في المكالمات أو الشات.

¨ الوقوع في المحظور: أما إذا كان الوالدان من النوعية المبيحة للعلاقة بين الجنسين، والتي ترى أن إباحة هذه العلاقة يجعلها لا تمارس في الخفاء؛ فإن الولد والبنت قد يتحرران من أية مخاوف تمنع تعاملهما جنسيًا، وبالتالي فإن الاحتمال الوارد جدًا أن يقعا في المحظور، وثمة نوع آخر من الشباب يقع في المحظور سريعًا، وهو الشباب الذي يعاني من الكبت أو المنع غير المبرر أو المقنع، أو حظر أي اتصال أو تعامل مع الجنس الآخر، والمراهق المعرض للقهر أو الكبت أو الإجبار في تربيته، حينما تسنح له فرصة التعامل مع الجنس الآخر بعيدًا عن الرقابة؛ فإنه ينتهزها بأسرع ما يمكن، حتى إنه قد يقع في المحظور نتيجة الحرص على انتهاز الفرصة للاستمتاع بها.

نقاط اتفاق

ثمة أمور لابد من الاتفاق عليها قبل أن نتناول العلاقة بين الجنسين بالدراسة والتحليل، فإذا لم تتفق معي في أحد هذه النقاط أو بعضها، فسوف تختلف معي أيضًا في بعض المعالجات، وهذه النقاط منها:

¨ أن العلاقة بين الجنسين ليست شرًا كلها، وبالتالي فهي ليست ممنوعة تمامًا بكل أنواعها.

¨ أن العلاقة بين الجنسين ليست خيرًا محضًا، وبالتالي فلا يصح أن يبيحها أحد على إطلاقها، أو يبيحها دون رقابة.

¨ أنه لا يمكن للآباء أن يوجدوا لأبنائهم بيئة نقية خالية من التعامل مع أفراد الجنس الآخر طوال حياتهم.

¨ أنه لابد أن يكون الآباء على قناعة بأن ظروف الحياة قد تجبر الجنسين على التعامل معًا أحيانًا، فلابد أن يكون أبناؤهم مهيئين لذلك التعامل.

¨ أن التعامل بين الجنسين أنواع لابد للأبناء معرفتها.

¨ أن العلاقة بين الجنسين لا تعني التجاوز، أو الخطأ، أو الإغواء، أو الإثارة، أو التلميح الجنسي، أو الإشباع الجنسي بأي طريقة كانت.

¨ أن الصداقة تكون بين أفراد الجنس الواحد، ولا يوجد ما يسمى بالصداقة بين الجنسين، إنما يوجد المصلحة المشتركة المؤقتة، أو الخطوبة، أو الزواج، وما الكلام عن مفهوم الصداقة بين الجنسين إلا أكذوبة كبيرة، وتبرير لعلاقات لا يصح أن تكون، وتقنين لأوضاع يجب ألا تستمر.

¨ أن ما يسمى بالعلاقة البريئة بين الجنسين وَهْمٌ، خصوصًا إذا كانت غير خاضعة لأي نوع من أنواع الرقابة، أو إذا تكررت اللقاءات، أو إذا زادت الألفة بينهما، أو إذا حدثت بعض المشكلات لأحدهما بما يستدعي شفقة الآخر، أو إذا كان أحدهما محرومًا من حنان الأب الذي ينتمي للجنس الآخر، أو إذا كان أحدهما معرضًا للمعاملة القاسية، سواء من الأب أو الزوج، أو إذا كان أحدهما خبيث الطوية ، فقد تكون هذه العلاقة البريئة بداية لعلاقات أخرى، وقد تتحول إلى ممارسات غير بريئة، وقد يكون هذا التحول تدريجيًا وعلى المدى الطويل ، بطريقة خطوات الشيطان المعروفة ببطئها وتدرجها، وقد قال النبى (صلى الله عليه وسلم): «ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء» (رواه البخاري ومسلم).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مركز الإعلام العربي

Post: #197
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:18 PM
Parent: #196

دور الحوار في تربية الأبناء
"تعتبر قضية التربية قضية عظيمة الأهمية في حياة الفرد والأمة.. وللدلالة على هذه الأهمية خلد القرآن الكريم وصية لقمان لابنه.. رغم أن لقمان لم يكن نبيا (على قول جماهير أهل العلم) إلا أن الله خلد ذكره فذكر وصيته لابنه وموعظته له لتكون قدوة للآباء والأمهات، وأسوة للأساتذة والمعلمين والمعلمات، ونبراسا للمربين والمربيات، ومنهجا لكل من أراد أن ينشئ رعيته على مرضاة رب الأرض والسموات؛ فقد حوت منهجا سليما وتوجيها قويما، وأسلوبا سديدا.





منهج رشيد وأسلوب سديد

وفي التربية لابد من هذين الأمرين:

الأول: منهج سليم قويم، محدد المعالم، واضح المقاصد، قائم على الإيمان، محروس بسياج الشريعة غايته رضا الله والتمكين لدينه في الأرض.





الثاني: طريقة قويمة، وأسلوب سديد لتحقيق هذا المنهج في الواقع الملموس والمنظور المحسوس؛ إذ لا قيمة لأي منهج مهما كان صوابه إذا كان مجرد تصور في عقول أصحابه، أو كلمات في أوراق بين أدراج المكاتب ولا وجود له في الحياة العملية الواقعية.


وإنما تعاني الأمة من الخلل في هاتين النقطتين:

فأعظم الأخطار التي تواجه المسلمين الآن في المناهج المنحرفة في تربيتها وتعليمها، وقد أدرك أعداء الأمة خطر تلك المناهج فعملوا على إيصالها إلى الناس إما مباشرة عن طريق الاستعمار ووضع مناهج تعليمية وتربوية تقود إلى التبعية التامة والانقياد الكامل لهم.. وإما عن طريق غير مباشر بتبني الكوادر القابلة للفكر الغربي واستقطاب مثقفين ومفكرين يتبنون نشر الثقافة الغربية نيابة عنهم في بلاد المسلمين.. وقد كثر هؤلاء وارتقوا إلى أعلى المناصب والأماكن المؤثرة حتى صار ضررهم كبيرا وخطرهم داهما وأثرهم بالغا.. فالمشتكى إلى الله.





وهذه المناهج المنحرفة لابد وأن تقاوم وتحارب بمناهج صحيحة تحفظ الأمة من الهلاك؛ ففي التربية الصحيحة النجاة ولو كانت لواحد فقط من عموم الأمة فربما كان هو مخلصها ومنقذها كما حدث في قصة أصحاب الأخدود .

فقد كان الغلام يتلقى من الساحر تعليما سحريا ومنهجا كفريا في كل أصوله وأهدافه ومع ذلك لم ييأس الراهب ومازال يلقنه منهج الحق حتى جاءت اللحظة التي نفعه الله فيها بهذه التنشئة فكان سببا في إيمان أمة .





فلابد إذا من منهج قويم سليم، ولابد لهذا المنهج أيضا وسيلة صحيحة وطريقة رشيدة سديدة لإيصاله إلى المربى وقد كان في لقمان الأسوة فقد اختار مما اختار في إيصال مقصوده طريقة الحوار مع من يريد تربيته وهي هنا الوسيلة الواضحة في وصيته لابنه .



والحوار هو من أنجع وسائل التربية وأكثرها أثرا وأفضلها عاقبة ونتيجة، ولذلك تجده كثيرا في القرآن في تربية الأنبياء لأبنائهم كما حدث في قصة يعقوب مع ولده يوسف في أمر الرؤيا ، وكما حدث في قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل في أمر ذبحه.. وهو منهج الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أيضا كما حدث مع معاذ بن جبل ومع ابن عباس رضي الله عنهم أجمعين".(مستفاد من محاضرة للشيخ ياسر برهامي).





أهمية الحوار

وترجع أهمية الحوار في المسألة التربوية لأمور:

أولا: إثراء المحبة بين الوالد وولده: خصوصا إذا اكتسى هذا الحوار بكلمات الود والرحمة، وغلف بعبارات الود والمحبة كما حصل هنا في ترداد قول لقمان "يابني"، وستجدها في قول يعقوب ليوسف وإبراهيم لإسماعيل.. وكذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ وابن عباس "ياغلام". وفي هذا ما يدلل على المحبة وتمام النصح فيفتح أذن السامع لنصيحة من بكلمه.





ثانيا: استخراج ما في نفس المربى: سواء كانت أحداثا في المدرسة أو مواقف تعرض لها قد يكون فيها ما يجتاج إلى توجيه أو نصح أو تقويم.. أو ربما كانت شبها دينية يلقيها في قلبه طالب أو مدرس أو مشهد تلفزيوني أو شيئا قرأه في مجلة أو جريدة.. فيوجهه المربي إلى الصواب، ويزيل عنه شبهته فيصونه عن الشرور من بداية الأمر.





ثالثا: أن تكون الأفعال عن قناعات: وليست مجرد أوامر يلقيها الأب على ابنه فيفعلها راغما لا راغبا.. فإن العاقبة في الغالب أن الصبي متى استطاع أن يخرج عن طوع أبيه أو غاب عنه ترك كل هذه الأوامر، وكم رأينا بسبب هذه التربية من العجائب.


إن مجرد أمر البنت بالحجاب وإرغامها عليه من دون بيان فضيلته والحديث معها عن أثره في النفس ودوره في الحفظ والصيانة وقبل ذلك كله أنه طاعة لله ولرسوله، والحديث عن أمهات المؤمنين ونساء السلف الصالحين ربما لا يكون كافيا لاستمرار البنت على الالتزام بهذا الزي أو صيانته والحفاظ على هيبته.. وأحيانا تحتاج بعض الفتيات إلى إخراج شبهات أو اعتراضات موجودة فعلا أو مثارة في نفوسهن خصوصا مما يثيره أعداء الله ومن يسمون بدعاة تحرير المرأة من أن الحجاب يعيق عن التعليم وعن العلم والعمل، أن الحجاب إنما هو لأمهات المؤمنين وفقط، أو أن بعض المحجبات أخلاقهن ليس على مستوى الزي الذي يرتدينه أو أن بعضهن متعجرفات لا يتكلمن مع غير المحجبات أو.. أو .. وهذه كلها أمور تحتاج فعلا إلى معالجة وتوجيه وتفنيد حتى يكون لبس الحجاب عن قناعة تامة واعتزاز كامل.





رابعا: غرس المفاهيم الصحيحة وحسن تقييم الأمور: وخير مثال على ذلك قصة يوسف مع أبيه يعقوب.. (قَالَ يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ، وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (يوسف:6)

فقد علمه أن إخوته لا يبغضونه ولكن الشيطان هو الذي سيوعز لهم بأذيته. وعلمه أن الله هو الذي يجتبي ويمن ويعلم ويفرج الكربات.


وقد بقيت هذه النصائح الغالية مع يوسف طوال فترة محنته وبعد أن نجاه الله تعالى واسمع إليه بعد أن نصره الله وجمع شمل الأسرة يقول ذاكرا فضل ربه عليه: "وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو"..

ثم اسمعه يقول: "من بعد أن نزغ الشيطان بيني وبين إخوتي"

وأعجب من ذلك كله بقاء صفات الله التي ذكرها يعقوب في مخيلة يوسف حتى يذكرها هو أيضا في آخر كلامه فيقول: (إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ)(يوسف: من الآية100)

إسلام ويب

Post: #198
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:23 PM
Parent: #197

الرشاقة والقوام الرشيق.. كلمات ترمز للخفة والنشاط والحركة، وللصحة أيضًا، وهى لم تعد حلمًا يصعب تحقيقه، خاصة بعدما تبارت فى هذا الأمر مؤسسات علاج طبيعى، وشركات أدوية ومراكز صحية للعلاج بالأعشاب، والطب التكميلى.

ويرجع الدور الأكبر فى تضخيم هذا الأمر فى عقل المرأة لوسائل الإعلام من خلال الضجة الكبيرة والهالة التى أحدثتها حول قوام المرأة، وتقديمها لنموذج عارضات الأزياء، وفتيات الإعلان على أنه النموذج الأمثل للقوام، فنتج عن ذلك ظاهرة أقرب إلى المرضية، ولم يعد الأمر قاصرًا على المرأة التى تخشى على جسدها من الترهل، بل امتد إلى البراعم الصغيرة، فتيات فى مرحلة التكوين الجسدى، ويا ليت من تقوم بعمل الريجيم بدينة وسمينة؛ لأن الحمية فى هذه الحالة مطلوبة، بل منهن من لا يتجاوز وزنها 48 كجم؛ فلماذا انتاب بناتنا هوس الريجيم؟

تقول «رقية محمد» أولى إعدادى: أنا لست سمينة، ولكنى وجدت أن هذا الأمر أصبح مثل الحديث عن الموضة، فالبنات فى المدرسة لا يكففن عن الحديث عن الريجيم وعن تداول برامج للحمية، فانجرفت معهن فى هذا خشية أن أصبح سمينة، وألزمت نفسى بأطعمة محددة وبكميات محددة، رغم تحذير والدتى الدائم لى، وتشاجرها معى أحيانًا خوفًا منها على صحتى، إلا أننى مستمرة فى برامج للحمية.

وتقول يمنى عوض «أولى ثانوى»: منذ ثلاثة أعوام كنت نحيفة، وكنت أتمنى أن يزيد وزنى، ولكن مع معالجة هذه النحافة ازداد وزنى بطريقة أصبحت بعدها أبغض نفسى، وبدأت أعمل ريجيم كى أعود رشيقة، خاصة وأن الموضة الآن هو الجسم النحيف.

وتذكر أروى سلامة «ثانية إعدادى» سبب لجوئها للريجيم، فتقول: أخواتى فى البيت نحيفات، وأنا خارج نطاق السمنة (وزنى 48 كجم)، ولكن لأنى لست بنحافة أخواتى؛ فإنهن ينظرن إليّ على أننى " دبة "، كما يروق لهن إغاظتى أحيانًا، فقررت أن أقوم بعمل ريجيم، خاصة وأن البنات فى المدرسة على نفس المنوال، فكنت لا أفطر رغم إلحاح أمى الشديد، وعند الغداء أتناول كمية من الطعام قليلة جدًا لا تكاد تكفى طفلا رضيعا، وبعد فترة بدأت أشعر بدوار شديد، ودوخة تصاحبنى فى المدرسة، وفى البيت، ولا أستطيع بذل أى مجهود، كما كنت سابقًا، ورغم ذلك لم أستطع التراجع عن الريجيم.

أما إسراء السيد «ثالثة ثانوى»: فتنتقد البنات اللواتى يلجأن للريجيم بدون ضرورة، ولكن فقط لركب الموجة فتقول: نحن الآن نهتم بسفاسف الأمور، وهذه موضة غربية، وبدلاً من أن نهتم بتغذية العقول وتحديد أهدافنا فى الحياة أصبح شغل البنات الشاغل هو الاهتمام بوزنهن ومظهرهن، والدليل على ذلك الكم الهائل من الكلام فى المنتديات عندما يتعلق الموضوع بالمظهر والتخسيس، وما إلى ذلك.

دور الأمهات

والسؤال الآن: هل للأمهات دور فى تدعيم هذه الظاهرة عند البنات؟

المكوث فى المنزل وعدم الحركة هما السبب، هكذا ترجع أم ياسين سبب سمنتها، وتقول: بدأت أتبع ريجيمًا وأفشل مرة وأعود، وأصبح هذا شغلى الشاغل، وبعد فترة لاحظت أن ابنتى بدأت تعمل ريجيمًا هى الأخرى، رغم أن وزنها طبيعى جدًا، وعندما أتحدث معها تقول لى: لماذا أنت تقومين بعمل الريجيم وتمنعينى منه ؟!.

وترى «أم مريم»: أنها هى المسئولة عن تسمين أبنائها منذ الصغر حتى صرن محل استهزاء زملائهم فى المدرسة، وبأنها كانت تظن أنه كلما كان الطفل سمينًا كلما كان ذلك مؤشرًا طيبًا ومطمئنًا لوضعهم الصحى، وتحاول هى بنفسها الآن إرغامهم على عمل الريجيم.

وتقول «أم عمرو»: زوجى هو من أصابنى بهوس الريجيم، فكلما رأى وزنى ازداد قليلاً يسمعنى محاضرة عن الرشاقة وجمال الجسم الرشيق، وطبعًا البنات يتأثرن بهذا عندما يسمعوننا.

أسباب انتشار هذه الظاهرة

ويرى د. محمد الشوبكى - استشارى الأمراض النفسية والعصبية - أن ظاهرة الهوس بالريجيم بدأت بعد بدايات الاتصال بالعالم الغربى، فهى برأيه لم تكن موجودة منذ عشرات السنوات، يقول: «بالرغم من أن هوس الريجيم لا يخص عمرًا أو جنسًا معينًا، إلا أن الفتيات والمراهقات منهن هن الفئة الأكثر تأثرًا به، فعروض الأزياء للإناث خصوصًا، والملابس العصرية للجنسين عمومًا تحتاج إلى جسم نحيل لتظهر جمالها».

ويضيف: «الرجل الغربى يفضل المرأة النحيلة، وهذه العدوى انتقلت لشعوب الشرق الأوسط من باب التقليد حالها حال العديد من الطبائع الغربية التى انتقلت لنا، وأرى أن المشكلة تكمن فى محاولة الفتيات المراهقات الحصول على الجسم النحيل، وفى الأساليب المتبعة من قبلهن، كتعمد التقيؤ وتناول الملينات والأعشاب، أو لعب الرياضة العنيفة، وهو قلق غير مبرر عند معظم الحالات إذا أخذنا بعين الاعتبار الجنس، والطول، والعمر».

ويؤكد د. الشوبكى أن هذا القلق غير المبرر للكثيرين يتطور حتى يمسى نوعًا من الرهاب (fat phobia) ليصبح فى النهاية ممارسة سلوكية مرضية وقلق متمحور حول الوزن.

ويشير الدكتور «أمير صالح» - استشارى الطب البديل، ورئيس الجمعية الأمريكية للعلوم التقليدية - إلى أن: هوس الريجيم مشكلة عصرية ظهرت مع:

- انتشار الفضائيات، حيث إن الفتاة تظن أنها لو قللت هذا الوزن يكون أفضل.

- عدم وجود وعى صحى عند الفتيات.

- عدم وجود أنماط غذائية سليمة واستيراد أنماط غذائية غربية.

- الوجبات السريعة ومكوناتها غير المعروفة، ورحم الله أجدادنا كان غذاؤهم يتكون من البيئة المحيطة على سبيل المثال خبز الحلبة، والذرة، وخبز الشعير، والقمح الذى استبدلناه الآن بالخبز الأبيض الذى لم نعرفه إلا حديثًا.

ويضيف الدكتور أمير صالح: إن لكل مرحلة عمرية وزنا مثاليا يختلف من شخص لآخر، ومن الأخطاء الشائعة أنه أصبح هناك من يدلى بدلوه ممن ليس له علم؛ فينصح بأخذ عقاقير ضد الشهية، وهذا أمر خطير، حيث إن هذه العقاقير تصيب بالاكتئاب ولا يجب تناولها بدون استشارة طبية متخصصة، وكذلك أدوية مدرات البول التى تنقص من حجم المياه المختزنة فى جسم الإنسان، وهذه المياه تحتوى على العناصر المهمة مثل البوتاسيوم الذى إذا انخفضت نسبته عن معدل معين سبب العديد من الأمراض.

ويمكن التغلب على ظاهرة هوس الريجيم بعدة طرق منها:

- زيادة الوعى الصحى الغذائى.

- التمسك بالأنماط الغذائية التقليدية لكل شعب فهى وجبات غذائية متكاملة، فمثلاً الرغيف فى مصر كان لا يخلو من الجبن " القريش "، ولا يوجد فيه مواد حافظة، ولا يوجد فيه مواد كيمائية.

- التمسك بالأنماط الغذائية الموجودة فى الكتاب والسنة كمًا وكيفًا.

- عدم تعويد الأطفال منذ الصغر على الوجبات السريعة، وغرس حب تناول الغذاء المنزلى، والجلوس على الطعام، فبالإضافة إلى الفوائد الصحية هناك فوائد اجتماعية.

- الانشغال عن تناول الطعام بالتفكير فى المسائل المهمة.

- ممارسة الرياضة بصورة مستمرة بدلاً من اتباع طرق ريجيم ضارة ومردودها سيئ.

- الإكثار من الخضروات والفاكهة.

- مضغ الطعام جيدًا.

- عدم تناول الطعام قبل النوم مباشرة، ولكن قبل النوم بثلاث ساعات على الأقل.

أما الدكتور خالد الطيب - استشارى الطب البديل - فيذكرنا بأنه إذا اتبعنا هذا الأثر «نحن قوم لا نأكل حتى نجوع، وإذا أكلنا لا نشبع»، سوف نتمتع برشاقة عالية، وأيضًا هى وسيلة آمنة لتقليل الوزن بدلاً من هوس الريجيم، والجرى وراء كل زاعق وناعق فى هذا الأمر، ولكنى أنبه على ضرورة:

· مراقبة السعرات الحرارية، بحيث لا تقل عن 700 سعر حرارى فى اليوم؛ لأن انخفاضه يجعل البروتينات تتكسر، وبالتالى يشعر الشخص بالإرهاق الشديد، حيث إن مع فقد جزئ بروتين يُفقد معه خمسة جزئ ماء، وهذا يدمر الصحة.

· البعض يتبع نظام تخسيس الوزن بدون طبيب، وأحذر من ذلك، فمن الممكن أن ينزل الجسم فى أول الريجيم بسرعة، ثم بعد ذلك يتوقف، ويعود للأكل بشراهة أكثر من ذى قبل.

ويتفق مع الرأى السابق الدكتور محمود يوسف - عضو هيئة الإعجاز العلمى فى القرآن والسنة، واستشارى علاج بالأعشاب - فيقول: أفضل طريقة، وآمن وسيلة للرشاقة هو اتباع المنهج النبوى؛ ففى الحديث الشريف: «ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه، فإن كان لابد فاعلا ؛ فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه»، ولا بد أن تكون معلوماتنا صحيحة إذا أردنا التثقيف الصحى السليم، فمعظم المعلومات الخاصة بالريجيم خاطئة، وللأسف متداولة بين الناس على أنها من المُسلَّمات.
أحلام علي -إسلام ويب

Post: #199
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:24 PM
Parent: #198

لى ولدان متقاربان فى السن (10 سنوات و12 سنة) دائما الشجار والعراك، والثورة على بعضهما، وقد يصل الأمر إلى الاشتباك بالأيدى، حتى إننى أحيانًا أفقد أعصابى وأعجز عن فض الاشتباكات الدائمة بينهما، وكأنهما خصمان وليسا أخوين شقيقين، وبرغم أننى لا أدخر وسعًا - أنا وأمهما - فى تربيتهما بالعدل والحب، إلا أنهما لا يستجيبان لنصائحنا بحب بعضهما والخوف على بعضهما، فماذا أفعل؟ وكيف أعلمهم محبة بعضهما البعض؟



هذه الشكوى تتكرر على ألسنة الآباء والأمهات فى الأسر التى يكون فارق السن بين الأبناء فيها ليس كبيرًا، ولكنها مشكلة لها حل إن شاء الله، وقد أشارت إليها د. ليلى الأحدب فى دراسة لها عن مشاكل الأولاد، وأول خطوة فى حلها هى: معرفة أسباب هذه المشاعر بين الأبناء

ومنها: عدم تأهيل الطفل الأكبر نفسيًا لقدوم الطفل الأصغر، وعدم العدل فى الاهتمام بالطفلين، والميل إلى أحدهما دون الآخر، مما يجعل الطفل الكبير يشعر بالحرمان من ممارسة طفولته مثل أخيه، وعدم إدراك الطفل الأكبر لقيمة الأخوة لصغر سنه، مما يدفعه لضرب أخيه أو إيذائه، إما بدافع الغيرة أو جذب الانتباه، والمقارنة الخاطئة بين الولدين، والتسامح مع أحدهما عند الخطأ بحجة أنه صغير وعقاب الآخر لأدنى إساءة، وفقدان القدوة وعدم الشعور بالحب من قبل الوالدين لأبنائهما، وعدم غرس الوازع الدينى لدى الأبناء حول الأخوة وصلة الرحم وفضلها منذ الصغر.


ولعل معرفة الأسباب وراء الشجار والعراك بين الأبناء تكون مقدمة للعلاج الناجع، إن شاء الله.



خطوات العلاج

فأولى خطوات العلاج: تجنب المقارنة الخاطئة بين الأبناء، وتوحيد طريقة الثواب والعقاب بينهما إذا تشابهت الأخطاء والتجاوزات فى نوعيتها، أو فى درجتها وحجمها حتى لا يشب أحد الأطفال كارهًا لأخيه؛ لأن أباه وأمه يفضلانه عليه، أو يفرقان بينهما، ومن المهم كذلك أن تشبعا حاجة الطفلين إلى المحبة والاهتمام بتخصيص وقت لكل منهما، تجلسان معه وتسألانه عن أحواله، وعما يغضبه من أخيه، وأشعراه بحبكما له ولأخيه بنفس القدر، وأنكم جميعًا أسرة واحدة يحتاج أفرادها إلى بعضهم البعض، ويعطفون على بعضهم، وهذا من صلة الرحم التى يحوزان بها رضا الله وحب الوالدين، والتفوق فى دراستهما والنجاح فى حياتهما.


ويا حبذا لو أسعدتهما بهدية رمزية بين الحين والآخر، يختارها كل واحد لأخيه ليتعمق بينهما الحب، وتترسخ الأخوة فى قلوبهما.

ولا مانع من تعويدهما على حل مشكلاتهما بنفسيهما دون تدخل من أحد، وهذا من شأنه أن يجعلهما يقللان مشاجراتهما ويكونان أكثر مرونة فى علاقتهما ببعضهما وفى تسوية خلافاتهما.


واعلم، عزيزى الأب وعزيزتى الأم، أن القدوة هى حجر الأساس فى زرع بذور الحب والود بين أبنائكما بأن تكونا قدوة لهما فى صلتكما بإخوانكما وأقاربكما فتصحباهما معكما فى زيارتكما العائلية وتحثاهما على الاتصال بذويهما للاطمئنان عليهم، وإدخال السرور عليهم بالهدايا والمشاركة فى المناسبات السعيدة والحزينة.


وتحدثا أمامهما بحب عن أقاربكما، وكيف تتصلان بهم دائمًا وتسألان عنهم وتساعدانهم عند الحاجة، فالتأثير يكون بالحال وليس بالمقال.
مركز الإعلام العربي

Post: #200
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 06:27 PM
Parent: #199

يتميز الأطفال بالحركة المستمرة والرغبة في اللعب والجري، وقد يصعب في أحيان كثيرة على الأم إطعام أطفالها، أو جعلهم ينامون في موعدهم بشكل هادئ، ولاشك أن الطفل قليل النشاط والحركة بشكل واضح هو طفل غير طبيعي، ولكن إذا زادت حركة الطفل عن المعقول، وأصبح يتلف مما تطاله يده، وصار تركيزه ضعيفًا، فانتبهي أيتها الأم لهذه الأعراض، فقد تكون مؤشرًا على حالة الطفل «الهيبرأكتف» أو الذي يعاني من فرط الحركة، ونقص الانتباه، فمن هو هذا الطفل؟ وكيف نتعامل معه ؟
سؤال إجاباته في هذا التحقيق:

مندفع ومتهور.. من هو الطفل الهيبرأكتف؟

يجيب الدكتور يسري عبد المحسن - أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة - على هذا السؤال فيقول: إنه الطفل المصاب بنقص الانتباه، وفرط الحركة، أو هو الطفل قليل الانتباه، وكثير الحركة، فهذا الطفل لا يستقر على حال، أو في مكانه، ولو لبعض الوقت، فهو كالفراشة ينتقل من مكان لمكان، وهو شديد الاندفاع والتهور، وقد يعرض نفسه للمخاطر دون أن يفكر بالنتائج.

وتضيف الأستاذة هداية الله أحمد - الخبيرة التربوية - في كتابها موسوعة التربية العلمية للطفل: إن هذا الطفل يجد صعوبة في التأقلم مع الأوضاع الجديدة مثل: النوم المبكر، والاستيقاظ في وقت محدد، وارتداء الملابس للخروج، وتناول الطعام في أوقات بعينها، فهو يتضور جوعًا بين الوجبات، ولا يكون جائعًا عند الطعام، ولا يكون مرهقًا عند النوم، بل متعبًا في الصباح، كما أنه يشعر بالملل السريع من الألعاب، ويبحث عن تعلم مهارات جديدة.

وترصد " ريتامرهمج " - أستاذة علم النفس في الجامعة الأمريكية ببيروت - خصائص أخرى للطفل مفرط الحركة منها:

- حب المغامرة والمخاطرة، فهو لا يخشى المجهول.

- سهولة الاتصال بالآخرين، حتى الأشخاص غير المألوفين.

- التقلب المزاجي نتيجة سرعة انفعاله بالظروف المحيطة به.

- تعمد التصرف بشكل يثير انتباه المحيطين به.

أما في المدرسة فنلاحظ الخصائص التالية:

- مستواه المدرسي غير مستقر «تأرجح بين العلامات الممتازة والضعيفة».

- إنجازه بطيء ولا ينهي واجباته ولا يهتم بنوعية عمله.

- طاولته دائمًا غير مرتبة.

- يفقد غالبًا أشياءه في المدرسة أو ينساها في البيت.

- خطه ردئ (يمزج الأحرف الكبيرة بالأحرف الصغيرة، ولا يتقيد بالهوامش والأسطر، ويكثر من استعمال الممحاة، كما أنه يطئ الكتابة وسريع التعب).

كيف نتعامل معه؟

ينبه د. يسري عبد المحسن كل أم إلى أن هناك أعراضًا يجب الانتباه إليها إذا استمرت ملازمة لسلوك الطفل ستة أشهر متوالية، وهي:

- الحركات الدائمة في اليدين والقدمين أثناء الجلوس.

- عدم الاستقرار في المكان مهما طلب منه ذلك.

- فقد الانتباه بمجرد وجود مثير خارجي.

- عدم انتظار الدور في الألعاب الجماعية وتعجل ذلك.

- عدم تتبع وتنفيذ التعليمات الخاصة بإنهاء عمل ما، وتشتت تركيزه وانتباهه أثناء اللعب أو العمل.

- الانتقال من عمل إلى آخر دون إنجاز العمل الأول وهكذا.

- اللعب بصخب وعصبية.

- الثرثرة وكثرة التدخل في شؤون الآخرين ومقاطعتهم أثناء الحديث واللعب، وعدم الإنصات.

- الثقة بالنفس وعدم تحمل المواقف الصعبة.

ويضيف إن أعراض المرض تبدأ في سن خمس سنوات، ثم تصبح أكثر وضوحًا في سن المدرسة (6-12)، وترجع إما إلى أسباب وراثية، أو لنقص المادة الموصلة لنشاط الأعصاب بالمخ، أو لسوء التغذية.

ويوضح د. يسري عبد المحسن طريقة التعامل مع الطفل مفرط الحركة، مشيرًا إلى أنها تتوزع على جانبين: علاجي بإعطاء الطفل منشطات الجهاز العصبي، ونفسي وسلوكي وأسري عبر الجلسات النفسية التي تدربه على التركيز وتعدل سلوكه، بحيث يمكنه الجلوس لفترة طويلة، أو الوقوف في طابور المدرسة، ومراعاة النظم المنزلية والمدرسين بشكل عام.

وتضيف الأستاذة هداية الله: إن مثل هذا الطفل يجب أن يُعطى مجالاً لإخراج طاقته الزائدة، وإشراكه في رحلات ونزهات ليجري ويلعب وينطلق دون تدمير أو إفساد، أو إضرار بنفسه أو غيره.

كما يحتاج هذا الطفل لوجبات صحية وخفيفة وصغيرة، دون إلزامه بمواعيد تناول الأسرة للوجبات.

كذلك تجب مراعاة قدرات الطفل الذهنية والاستيعابية في مرحلة الدراسة مع مساعدته في التنفيس عن طاقاته، واستغلال فترة هدوئه بالمطالعة والحكايات، والألعاب المبتكرة، والأنشطة الحركية.

كما يحذر د. يسري عبد المحسن من تناول هؤلاء الأطفال الشكولاته، والكاكاو، والكولا، والأغذية المحفوظة، لأنها تؤدي إلى فرط النشاط أيضًا، مشيرًا إلى أن تدريب الطفل ذي النشاط المفرط على أنشطة ترويحية يحسن مزاجه، ويشعره بالتميز والفخر والثقة بالنفس، ويعدل سلوكه غير المحبب.

داخل المدرسة


أما "ريتامرهمج " فتنصح الآباء والمربين بأخذ هذه النقاط في الاعتبار عند التعامل مع الطفل ذي النشاط المبالغ فيه، خاصة في المدرسة:

- الاعتماد على الوسائل الملموسة المادية والحسية لتوصيل المعلومات له.

- خلال عملية التعليم يجب توفير الحوافز الفورية وعدم تأجيل تنفيذ الوعود.

- اعتماد محيط واحد للتعليم، وغرفة معينة في المنزل، وطاولة واحدة للدرس، وذلك لخلق شعور بالأمان عنده، وربط هذا الشعور بعملية الدرس.

- التأكد من عدم يوجود مثيرات خارجية في هذا المحيط (عدم تشغيل التليفزيون أو الراديو خلال الدرس، وعدم السماح للإخوة أن يلعبوا في نفس الغرفة).

- عدم انتقاده عندما يقوم بأخطاء (فالخطأ بالنسبة له يعني الفشل)، بل تجاهل الأخطاء، وحثه بالتشجيع والمثابرة على النجاح، واستعمال وسيلة التصحيح الذاتي ليدرك أخطاءه.

- استخدام ساعة خلال الدرس ليدرك مفهوم الزمن بشكل ملموس، ولحثه على تنظيم وقته، ولا بد من إشراف الأم أو أي شخص مسؤول في المرحلة الأولى لمساعدة الولد على هذا التنظيم، ويمكن تقليص هذا الإشراف تدريجيًا عندما يعتاد الطفل على هذا النظام.

- تنظيم حياته اليومية باعتماد روتين مريح وواضح، يساعد على الحد من التصرفات العشوائية، ويوجه نشاطه المفرط ضمن قنوات سلوكية منضبطة.

- مساعدته على الوصول إلى استقلالية أكبر في حياته، فالاستقلالية تساعده على ضبط حركاته بتسلسل، بحيث يتعلم الطفل أن لكل حركة يقوم بها وظيفة معينة وهدف محدد.

- غالبًا ما يعاني الطفل من صعوبة في إدراك الاتجاهات (وراء - أمام - تحت - فوق- يمين - يسار)، لذلك فمن الضروري إخضاعه لبرنامج مكثف من التمارين النفسية الحركية على يد اختصاصيّ في المجال.

- تأمين التواصل المستمر بين المدرسة والبيت حول إنجازات الطفل الإيجابية داخل الصف وفي البيت.

- التأكد من استخدام أسلوب موحد للتعامل معه في المدرسة، أي أنه يجب على جميع المعلمات المشرفات على الولد أن يدركن حالته ويتعاملن معه بالطريقة ذاتها.

- مساعدة الطفل على بناء علاقات سليمة مع الرفاق في الصف.

- إعطاء بعض المسؤوليات للطفل داخل الصف، وكذلك في البيت.

- التأكد من أن مقعد الطفل في الصف موجود في موقع خال من المثيرات الخارجية التي قد تلهيه عن التركيز، ومن المفضّل إجلاسه قريبًا من المعلمة.
مركز الاعلام العربي

Post: #201
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 09:15 PM
Parent: #200

بين مطرقة البيت وسندان العمل يقع على عاتق زوجة اليوم مسؤوليات متعددة، ومهام كثيرة تنسيها زوجها وصحتها، وزينتها وأحيانًا كثيرة نفسها، ومع الوقت وازدياد الضغوط، وكثرة السحب من رصيدها النفسي والجسماني.


تبدأ شكوى الأزواج: زوجتي دائمًا متوترة، لا أراها إلا بملابس المطبخ، أين الصبية الجميلة التي تزوجتها، لا أجد راحة ولا ابتسامة في البيت.
وبعضهم قد يتعدى مرحلة الشكوى، ويبدأ بالبحث عن عروس جديدة بعيدًا عن أم العيال.



قبل أن تصلي لهذه الحالة اقرأي هذا الموضوع.

محمود عبد الله - متزوج منذ 9 سنوات: في بداية زواجي، كنت أرى البيت جنة، أما الآن وبعد سنوات من الزواج أصبح البيت ميدانًا للمعارك، فزوجتي دائمة الشكوى، وكلما عاتبتها على تقصيرها تكيل لي الاتهامات، زوجة الآن فقدت أنثوتها، ولم تعد مثل أمهاتنا تنبض حنانًا للزوج والابن.



ط.م: أعذر زوجتي؛ فهي أم وزوجة وعاملة، ولكني لا أخفي أنني أتمنى زوجة مشرقة مبتسمة، مهتمة بنفسها مثل أيام الزواج الأولى، وأحاول مساعدتها، ولكنها اعتادت على إهمال نفسها لحساب البيت والأولاد.



ويرد أحمد إمام على من تقول: إن السبب في إهمالها لنفسها وصحتها هو الزوج، فيقول: هذه حجة البليد، فالكثيرات يعملن وأولادهن في أحسن حال، وأيضًا يحافظن على صحتهن ورشاقتهن، ولا ينسين أنهن زوجات.



عصبية ومتوترة

تقول هدى سيد: يصفني الكثير بالبشوشة، وهكذا حقًا كنت حتى سنوات من زواجي، ولكن مع الوقت، وازدياد المسؤوليات أصبحت كثيرة الشكوى، وعصبية، وأثور لأتفه الأسباب، وأرى أن مشكلة توتر المرأة نابعة من تخلي الرجل عن دوره ، وإلقائه بكل المسؤوليات على كاهل زوجته، ثم بعد ذلك يعاتبها على تقصيرها في زينتها أو يتساءل أين هدوءها وبسمتها؟

وتتفق معها منى عبد الله: إن تعاظم دور المرأة داخل البيت في مواجهة تقلص دور الرجل - أدى إلى تزايد الضغوط عليها، وبالتالي تقصيرها، لعدم وجود وقت أو فرصة لالتقاط الأنفاس، والعناية بنفسها بالقدر الكافي، ليس هذا فقط، بل تعدى ذلك إلى عدم وجود الرغبة في الهدوء والتجمل.

وأرى أن هذا يحتاج من الرجل، إلى أن يكون مساعدًا لزوجته، وليس مشاهدًا فقط، أو على أقل تقدير يكون محايدًا، أو يثني بكلمة شكر، ويكف آذاه، ويتوقف عن نعتها بالتقصير.



ليس رفاهية:

برغم كل مشاغلك لابد من تخصيص وقت محدد لنفسك، وضعي ذلك في أولوياتك، بهذا تنصح كريستين كارلسون - صاحبة كتاب «لا تهتم بصغائر الأمور» - وهي تخاطب المرأة، وتضيف: «كلما زادت مشاغلنا، أصبحت أولوياتنا غير منظمة، وننسى أنفسنا، وبعد فترة من الزمن نفقد حالة الهدوء والرضا النفسي.

وتخصيص وقت لنفسك ليس رفاهية ولا أنانية، ولكنها منحة ستساعدك على مضاعفة البذل والعطاء لمن حولك، ولا يهم كونك أمًا أو زوجة أو أختًا أو موظفة، أو كل ما سبق، فإذا لم تعتن بنفسك؛ فلن تكون لك القدرة على الحفاظ على ما تقومين به حاليًا، وسوف تواجهين إرهاقًا وتعبًا شديدين وستكتشفين أنك لن تكوني سيدة أبدًا.

جميعنا في حاجة إلى أوقات راحة عاجلاً أم آجلاً، وقتًا للإجازة والمرح، حتى يتحقق لنا التوازن الصحي والنفسي.



وعندما تشعرين بالإرهاق وضغط الحياة، ولتفادي اتهام الرجال تنصحك كريستين ببعض الأمور، منها:



- قضاء عشر دقائق على الأقل في هدوء ليلاً أو في الصباح الباكر، اجلسي في وضع مريح، تناولي كوبًا من مشروب دافئ، وأغلقي عينيك، وانشغلي بالذكر أو التأمل، وتنفسي بعمق.



- خذي حمامًا دافئًا، ثم ضعي رأسك في ماء بارد، فهذه أبسط الطرق لاستعادة طاقتك مرة أخرى، فالتناقض بين الماء البارد الذي سكبته فوق رأسك والماء الدافئ الذي اغتسلت به - له عظيم الأثر في تنشيط دورتك الدموية، واستعدادك لاستقبال صعاب الحياة.



- مارسي أيَّ نوع من التمرين البدني كل يوم، وإذا لم تستطيعي؛ فعلى الأقل امشي لمدة نصف ساعة، ففائدة ذلك لا تتوقف عند الشعور بالانتعاش البدني فحسب، بل له تأثير على الصحة العقلية والصفاء الذهني بشكل كبير.



- أبحري مع نفسك في كتاب ممتع من وقت لآخر، حتى ولو كان ذلك لمجرد عشرين دقيقة قبل نومك، فالقراءة يمكن أن تكون متنفسًا للضغوط التي مررت بها طوال يومك.



- إذا كنت تجلسين أوقاتا طويلة أمام جهاز الكمبيوتر، أو على المكتب للقيام بأعمالك؛ فسوف تتأثر فقرات رقبتك، وعضلات ظهرك، وستصابين بالتعب والإجهاد، ولمقاومة تعب العضلات قفي كل ساعة، وانحني بظهرك إلى الأمام مع استقامة ساقيك، حتى تصلي إلى أصابع قدميك، ثم عودي إلى وضعك الأول بهدوء وبطء، وكرري ذلك عدة مرات.



- أكثري من تناول الفاكهة الطازجة والخضراوات والعصائر، ومن شرب اللبن والماء، وقللي من القهوة والشاي، والنشويات والدهون.



الصوت الهادئ حل

ومن أكثر الأشياء التي تُشْعِرُ من حولك بأنك عصبية ومتوترة: الصوت المرتفع، والصياح على أتفه الأسباب، وقد يكون هذا مبررًا، فأنت تحرصين على أداء مهام كثيرة، وتريدين أن يكون كل شيء في البيت على ما يرام، ولكن من حولك لا يستوعبون ذلك، فكل ما يصل إليهم الصوت المرتفع، والكلام السريع يشعرهم بأنك متوترة وعصبية؛ وهذا يشجعهم على أن يتصرفوا هم أيضًا بغضب وثورة فالشخص الذي يتكلم برقة وهدوء يشعرك بالراحة، وقد كنت أفترض أن الصوت الرقيق الهادئ طبيعة خلقية يولد بها الشخص.



وقد يكون هذا صحيحًا إلى حد ما، ولكنني اكتشفت في السنوات القليلة الماضية أن هدوء الصوت ميزة يمكن تنميتها، وأظنك تتفقين معي في أن فوائد شيء كهذا عظيمة النفع، وسيكون لها تأثير إيجابي على إشاعة الحب في البيت، وبين أفراد العائلة.

فحين تتكلمين بسرعة شديدة أو بصوت مرتفع، فإن الطاقة التي تصدرينها في العالم الخارجي، أو في البيت يمكن أن تكون عصبية أو ثائرة إلى حد ما، وبمعنى آخر فإن صوتك يغذي دائرة الطاقة العصبية، ويحمل قدرًا كبيرًا من القوة والسلطة، ويرسل رسالة إلى من حولك، فإذا كانت رسالتك تعبر عن نفاد الصبر والثورة؛ فإنها تنقص الشعور بالحب والهدوء والاحترام في البيت دون أن تدركي ذلك.

أما مع الصوت الهادئ، فستشعرين بأنك أهدأ، وأن ضغوطك أقل؛ حيث إن خفضك لصوتك سيريح بقية جسمك، وسيريح عقلك أيضًا، وستكتشف أيضًا أن هدوءك سيبعث السكينة في كل من حولك.



عدم التوازن

بعد يوم طويل من العمل خارج وداخل المنزل، تشعر غالبية النساء بالتعب والإرهاق، وهذا النوع من التعب يزول تلقائيًا صباح اليوم التالي بعد نوم مريح وعميق.



ولكن التعب الجسدي والفكري المزمن الذي يعاود المرأة من حين لآخر، يكتسب أهمية كبرى، ولا يجب تجاهله.

ويؤكد الدكتور «سبيرو فاخوري» أن القدرة اليومية على العمل والنشاط تتوقف على التوازن الدقيق بين الطاقة المدخرة والطاقة المستنزفة في الجسم، ومن العوامل التي تعزز الطاقة المدخرة في جسمك - الطعام الصحي، والنوم المريح، وممارسة الرياضة البدنية، والابتعاد عن الضغط والإرهاق، والتمتع بمباهج الحياة.

أما تلك التي تستنزف الطاقة البشرية، فهي العادات السيئة، مثل: التدخين، وإدمان الكحول، والمخدرات، والضغط الفكري، والأعمال المرهقة، والمرض، والخسارات المادية. والتعب بشكل عام هو إشارة لحدوث عدم توازن بين الطاقة المدخرة والطاقة المستنزفة في جسدك.


ومن أهم عوامل مقاومة التعب - النوم العميق والمريح، فساعة واحدة من النوم العميق والمريح كافية لتعوضك ما قد بذلتيه من طاقة ونشاط في اليوم الفائت، أما الأرق وعدم أخذ القسط الوافر من النوم، فيسببان لك في اليوم التالي شعورًا بالتعب، وبطأً في التركيز والحركة، بعض النساء يحتجن إلى مدة 6 ساعات من النوم ليستعدن نشاطهن في اليوم التالي، وبعضهن الآخر لا يكتفين بأقل من 8 أو 9 ساعات من النوم المتواصل، بعض النساء بسبب ظروف أعمالهن ونشاطاتهن الاجتماعية، يخلدن إلى النوم يوميًا في ساعة متأخرة، وينهضن من الفراش في ساعة مبكرة، فيشعرن دومًا بحاجة إلى الراحة وأخذ قسط من النوم.

وقد تبين أن أخذ قيلولة بعض الظهر يساعد كثيرًا على إراحة أعصابك، وزيادة نشاطك، ورفع معنوياتك، وهذا أمر ضروري، وخاصة بالنسبة للأمهات الحوامل اللواتي يحتجن أكثر من غيرهن إلى ساعات إضافية من النوم يوميًا.



التغذية الصحية السليمة

تعد التغذية الصحية السليمة عاملاً مؤثرًا جدًا في عملية توليد الطاقة، وبالتالي النشاط والحركة، ويرتبط بعمليات النمو، وتغذية الدماغ، وتعويض الخلايا التالفة، وتنشيط الخلايا السليمة في حالات المرض والتعب، وحتى يكون الغذاء مصدرًا للصحة الجيدة، وعاملاً للوقاية من الأمراض والوهن والتعب، عليك باختيار الأطعمة المفيدة والصحية، وبالكميات المناسبة، وتجنب الأطعمة التي تسبب الاضطرابات والمتاعب الصحية والأرق، وعسر الهضم، ولنتذكر دائمًا «إننا نأكل لنعيش، ولا نعيش لنأكل».



ويحذر من الأسباب الطبية للتعب، وأهمها: فقر الدم الناجم عن نقص عنصر الحديد، الذي يدخل في تكوين الهيموجلوبين، وهو المادة الملونة في كرات الدم الحمراء التي تساعد على إمداد الجسم بالأكسجين، حتى يستطيع أن يقوم بجميع وظائفه على أكمل وجه، وتشعر المرأة المصابة بالأنيميا بالتعب والإجهاد السريع، وسرعة في النفس، وزيادة في ضربات القلب عند بذل أي جهد، وتبدو شاحبة الوجه والشفاه والأظافر.



ونقص الحديد شائع عند النساء نتيجة الدورة الشهرية والحمل والإنجاب والإرضاع، وحيث إن الوقاية أفضل من العلاج، على كل امرأة تبدو شاحبة وتشعر بالتعب أن تستشير الطبيب لإجراء فحص دم عام، وأن يتضمن غذاؤها العسل الأسود، والسبانخ، والجرجير، والخس، والملوخية، والكبد، والكلاوي، واللحم، والحبوب مثل: اللوبيا، والفاصوليا، والفول، والفواكه المجففة، مثل: الخوخ، والمشمش، والقمح المدعم بالحديد، والفيتامينات من نوع (ب).



مشاركة الزوج

ذكرت دراسة علمية حديثة قامت بها «سكوت كولتران» - عالم الاجتماع، جامعة ريفرسايد في كاليفورنيا - أن مساهمة الرجال في أعمال المنزل تشكل عاملاً مهمًا في تحسين جو الألفة مع زوجاتهم وحياتهم الجنسية، وتعطي المرأة سعادة أكبر، وتزيد من اهتمامها بأنثوتها، وقال سكوت: بصورة عامة كلما شارك الرجال أكثر في الأعمال المنزلية، كلما زادوا سعادة نسائهم وجعلوهم أكثر مرحًا وأقل عصبية.



ويزداد أيضًا شعور النساء بالعدل والرضا، وتقل الخلافات العائلية؛ مما يساعد في زيادة الشعور بالدفء بين الزوجين، فالنساء يقلن إنهن يشعرن بجاذبية أكبر، وبعاطفة أكثر تجاه أزواجهن إن شاركوهن في الأعمال المنزلية.
مركز الإعلام العربي

Post: #202
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 09:43 PM
Parent: #201

قال تعالى: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}، هذه الآية الكريمة اشتملت على صفات النفس ذات الهمة العالية والتي لا ترضى بالدنية في الدين، بل لا تريد أن تكون تقية فقط ولكن تكون إمامًا للمتقين، وقد أكون قدوة حسنة لغيرى في ملبسي وتعاملاتي، وفي معاملتي لزوجي، ولكن هل سألت إحدانا نفسها ذات يوم: هل أنا قدوة في تربيتي لأبنائي؟


تقول الأستاذة إيمان صالح الحربى - الباحثة التربوية وإحدى المهتمات بشئون المرأة - إن هناك قائمة من السلوكيات والقيم التى يجب على كل من تريد أن تكون مثالاً وقدوة لأبنائها فى ذاتها وفى تربيتهم أن تتحراها وتتحلى بها

وهى:الإخلاص لله، فهي تربي أبناءها من أجل الله ولله، فهم أمانة أعطاها الله إياها.

فيجب عليها أن تكون قدوة للأبناء في تعاملاتها، في أخلاقها، في عباداتها، في نظامها، في مأكلها، في مشربها، فالابن مثل الإسفنجة يمتص كل ما حوله، وإذا أصلحت الأم نفسها فإن الله يحفظهم، قال عز و جل: {وكان أبوهما صالحًا}.



الصبر والحلم:

وهذه الصفة تكاد تكون منعدمة، فأبناؤك عندما يعودون من المدرسة يجدون منك الصراخ، والعراك، والعصبية، نعم التربية مجهود ومشقة، ولكن يكفيك قوله تعالى: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، وهناك نقطة هامة حقيقة أود أن ألفت النظر إليها وهي: أن نبعد عن مقارنتهم بما كنا عليه، ونحن في سنهم، فعلي بن أبي طالب (رضي الله عنه) يقول: «ربوا أبناءكم، واعلموا أنهم خلقوا لزمان غير زمانكم»


الرحمة والحب:

أنصح كل أم أن تستبدل الحب بالعقاب؛ لأنه للأسف الشديد في كثير من البيوت أصبح الأب والأم أدوات تعذيب للأبناء، فالأب يضرب، والأم تصرخ ، فمن الممكن أن تستخدم الأم أسلوب المكافأة، ولكن ابدئي بالحديث عن الأجر، وبدرجات الجنة، وبأن بين كل درجة وأخرى كما بين السماوات والأرض، فيجب على الأم أن تختار الأسلوب المناسب للعقاب، ولا يكن خيارك الدائم هو الضرب، وهناك قاعدة تربوية عظيمة وهي: لاعبوهم سبعًا، وأدبوهم سبعًا، وآخوهم سبعًا، ثم اتركوا لهم الحبل على الغارب، ففي السبع الأولى يكون اللعب، والحنان، والعطف (بشرط ألا يتميع الطفل)، وفي السبع الثانية يكون التعليم المباشر «مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر ..»الحديث، وفي السبع الثالثة تكون المصاحبة بالحوار والمناقشة، وهذا المنهج العظيم لو سارت عليه الأسرة المسلمة لحلت الكثير من المشكلات التي تواجهها الأسرة المسلمة اليوم.



المساواة والعدل:

فلابد أن يكون العدل في كل شيء، ما قامت السماوات والأرض إلا بالعدل، حتى في المدح والثناء، وإياك ومقارنة أخت بأختها، فهذا ينشئ الحسد أيضًا، يجب المساواة بينهم حتى في العطية، وهناك عادة خاطئة منتشرة في كثير من الأسر، وهي إعطاء البنين أموالاً كيفما شاءوا، بخلاف البنات، ظنًا منهم بأن للذكر مثل حظ الأنثيين، هذا يكون في الميراث فقط ، فالإسلام ساوى بين البنت والولد في الحقوق.



الحكمة

{ومن يؤتى الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}، فيجب أن تكون الأم حكيمة في تعاملاتها مع أبنائها، وذلك يتطلب منها أن تقرأ كثيرًا، وتكثر من الاستشارة، ومن أساليب الحكمة التربية بالموقف، فمثلاً عند الأذان ننصت وتردد الأذان، وتحث الأم الأبناء على ذلك، وكذا في جميع المواقف التربوية الأخرى.


الدعاء والتضرع إلى الله:

فلن تثمر التربية - بإذن الله تعالى - إلا بالدعاء، سئل علي (رضي الله عنه ): كم المسافة بين السماء والأرض؟ قال: «دعوة مستجابة»، فلتكثر الأم المسلمة من الدعاء لأبنائها بالهداية، ولا تيأس إذا رأت غير ذلك في أحد أبنائها، ولقد نهى الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن دعوة الوالد على ولده، وأذكر أن أمًا دعت على ابنتها بالمرض؛ لأنها دائمة الاستفزاز لها، أصيبت هذه الابنة بأمراض عديدة مزمنة، وحتى عندما تزوجت لم تنجب، وأيضًا ذات مرة دخلت امرأة المسجد وهي تبكي، وسألتها من بجوارها عن سبب بكائها، فقالت لها: لي ولد عاق، فقالت لها: كان لي ابن عاق مثلك، وكنت أغتنم أوقات الإجابة، وأدعو له بالهداية، أتعرفين من هو؟ إنه إمام هذا المسجد، فاغتنمي أوقات الإجابة.



التربية على حسن الخلق:

لابد أن تربي أبناءك على حسن الخلق ، وأن يكون ترسيخ العقيدة في نفوس الأولاد هو الأساس، و أن تعريفهم بنعم الله وتربيهم على الإخلاص، والبعد عن الرياء، ومراقبة الله، ولابد أن تكوني قدوة لهم في المحافظة على الصلاة، وتعظيم أمر الصلاة في نفوسهم، وكذلك حفظ القرآن الكريم، والأذكار الشرعية، حتى تكون هناك بركة في الرزق والصحة وكل شيء، والأم تجتهد، وأجرها عند الله، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #203
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-09-2015, 09:44 PM
Parent: #202

تؤكد كثير من الإحصائيات أن 20% فقط من الأزواج سعداء، أما الباقون فتمضي بهم الحياة بين التعاسة والشكوى والملل والنكد، أو البحث عن السعادة والمتعة خارج إطار الزواج، ومن أهم أسباب الخلافات والتعاسة - كما يشير الدكتور عبد المحسن- الخرس الزوجي أو الملل الذي هو آفة الحياة الزوجية، وهو من الصفات التي تنتاب الإنسان بدوافع نفسية أساسها رغبته في التعرف على الجديد والاستكشاف، ولذا قد يصاب الرجل نتيجة معاشرته للزوجة بالصمت، ومن ضمن أسبابه أيضا الحوار المتكرر بين الزوجين عن مشكلات البيت والأبناء وغلاء المعيشة، وهو ما يؤدي إلى ما يطلق عليه علماء النفس الطلاق الروحي حيث يعيش الزوجان تحت سقف واحد ولكنهما منفصلان نفسيا وعاطفياً، وعلاج هذه الحالة القاتلة يكمن في التجديد والتغيير بحيث يظهر كل منهما بشكل مختلف أمام الآخر كل فترة من الوقت، فيمكن للزوجة مثلا أن تجدد في طريقة ارتداء ملابسها أو تصفيف شعرها أو حتى الموضوعات التي تتحدث عنها، كما أن الزوج عليه ألا يبخل بمشاعره وكلماته الدافئة لأن تأثيرها على المرأة يفوق السحر .

وقد يتصور البعض خاصة النساء أن الالتصاق الشديد بين الزوجين يضمن استمرار الحياة الزوجية، وهذا خطأ لأن الالتصاق الشديد قد يؤدي إلى النفور والملل، فالارتباط الزوجي القائم على قدر كاف من الحرية المسؤولة القائمة على الثقة واحترام الخصوصية هو التأمين الحقيقي للزواج، والمرأة الناجحة هي التي تدرك أن احتياجات الزوج المادية والجسدية والعاطفية تتغير،فهي في سن 25 غيرها في سن 30 غيرها في عمر 40، ويعزو الدكتور يسري عبدالمحسن نسبة 70% إلى 80% من حالات الانحراف خارج مؤسسة الزواج إلى إهمال شريك الحياة أوتقصيره في احتواء الآخر .

النكد الزوجي
مع أن هناك من الزوجات من هي دائمة الشكوى والنواح للفت انتباه الزوج، وقد يصل الأمر بها إلى حد ادعاء أو توهم المرض، فإن هناك أيضاً طائفة من الرجال مصابة على الدوام بالتجهم والكآبة مهما فعلت الزوجة ومهما قدمت من جهد وتضحية، وهؤلاء في الغالب قد تكونت شخصياتهم في ظل أسر دائمة الشجار والمشكلات، وقد يكون هذا الرجل تزوج من امرأة غير راغب فيها، فينفر منها بطريقة لا شعورية، وفي هذه الحالة على الزوجة أن تضفي جوا من الانسجام داخل البيت لتصلح من هذا الوضع السيئ، وعليها أيضاً أن تمد يد العون للزوج في شتى مجالات الحياة، أما إذا كان الزوج من الشخصيات النكدية التي تميل دائماً إلى جو الكآبة والحزن حتى دون أسباب، فينبغي على المرأة أن تتحلى بالصبر وسعة الصدر لمساعدة زوجها في التغلب على أحزانه وهمومه .

وإذا كانت الزوجة هي النكدية فإنها تتصف بعدم المرونة وتتعامل بالعناد لمجرد إثبات الذات، وهي تؤثر بطريقة عميقة على أبنائها الذين يكتسبون هذه الصفات بالتقليد فتظهر عليهم منذ الصغر الميول العصبية وتقلب المزاج وتتأثر أحوالهم الدراسية.

اكتئاب النساء
أصبح من المعروف الآن أن المرأة معرضة للإصابة بمرض الاكتئاب بنسبة مرتفعة عن الرجل، فبعد سن الخمسين كل رجل يصاب بالاكتئاب أمامه ثماني نساء يصبن به أي نسبة 8/1، وتحت سن الخمسين تكون النسبة 3/2، أيضا تصاب المرأة بالاكتئاب لمدة أسبوع قبل الدورة الشهرية وأثناء الحمل، وتوجد نسبة 1% من النساء تعاني من الاكتئاب والاضطراب العقلي بعد الولادة، وهذا معناه أن الرجل في كثير من الأحيان مطالب هو الآخر بالصبر وسعة الصدر في تعامله مع الزوجة، وينصح الدكتور عبدالمحسن الرجل بأن يكون أكثر حذرا في التعامل مع الزوجة وأن يغمرها بالعطف والحنان عند وصولها إلى المرحلة الحرجة في حياتها حيث انقطاع الطمث، لأنها تصاب بكثير من التغيرات الهرمونية والنفسية، وعلى المرأة أن تدرك أنها ليست نهاية العالم ويجب أن تستقبل هذه المرحلة بكبرياء وتهتم بنفسها ومظهرها، فهي قد تتعطل عن الإنجاب ولكن أنوثتها لم تنته.

نساء ذكيات واختيارات حمقاء!
ويشير الدكتور يسري عبدالمحسن إلى أن المرأة الذكية الناجحة ذات حظ قليل من السعادة الزوجية، فهي من ناحية لا تحسن اختيار شريك حياتها على الرغم من نضجها العقلي ورؤيتها الصائبة، حيث يؤكد عالما النفس الأميركيان كونيل كووان وميلفين كندر في كتابهما «نساء ذكيات واختيارات حمقاء» أن المرأة الذكية المتفوقة الصلبة في مظهرها الرقيقة للغاية في داخلها تحلم بالرجل الكامل أو السوبر مان الخارق، وفي أكثر الأحيان يكون الرجل الذي يلفت انتباهها هو السبب في تعاستها ومأساتها، ومن ناحية أخرى فإن الرجل يهرب من المرأة الناجحة لأنه يظن أن تفوقها يكون على حساب اهتمامها بأسرتها، وقد يتصور أنها لابد أن تكون من النوع المتغطرس المسيطر، وهو قد يخترع الأعذار لعدم الاقتران بها، وإذا تزوجها فإنه لا شعوريا يحاول الحط من شأنها فتنشأ بينهما مشكلات لا حصر لها.

حتى تستمر الحياة
ويختتم الدكتور يسري عبد المحسن بحثه القيم بالقول إن خروج المرأة للعمل وتعدد مسؤولياتها وعدم استطاعتها في كثير من الأحيان التوفيق بين مطالب العمل وشؤون الأسرة أصاب الحياة الزوجية بالقلق وعدم الاستقرار، كما أن المرأة أصبحت تميل إلى الإكثار من المشكلات ومنافسة الزوج وخلق أسباب التوتر وهو ما يطلق عليه النكد الزوجي، حيث تتباعد المودة والرحمة ويظهر التمرد والمشاكسة التي تؤدي بالنهاية إلى الانفصال الروحي والعاطفي بين الزوجين .

أما ثاني الأسباب التي تقود إلى انهيار الحياة الزوجية فهو أن كلا من الزوجين يبالغ في تجسيم الآمال والأحلام قبل الزواج، بحيث يتصور أن شريك حياته كامل الأوصاف وليس به عيوب، وهذه الصورة المثالية تهتز بشدة بعد الزواج فيبدأ الإحساس بالفشل، وتحدث الفجوة بين الأحلام والواقع مما يؤدي إلى التباعد والغربة بين الزوجين.

وأخيراً، يجب علينا لبناء حياة ناجحة وموفقة وسعيدة أن نقبل بعض العيوب في شريك الحياة، فكما فرحنا بصفاته الجميلة علينا أن نتحمل ما لا نرضى عنه حتى تستمر الحياة.
مجلة الوعي الإسلامي العدد 514

Post: #204
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 00:16 AM
Parent: #203

هل أنهيت دراستك، وانتظر من حولك أن تبحث عن عمل، فلم تفعل؛ فحاولوا مد يد العون، وإيجاد عمل لك، ولكنك ترفض كسلاً وفتورًا أو احتقارًا للعمل، وربما حاولت، ولكن نفسك تشدك دائمًا للقعود، تستحي ممن حولك، وتستجدي منهم في نفس الوقت، ولكنك لا تعلم ماذا تفعل؟ إذا كنت هذا الشاب أو كان في محيطك أحد مثله، ربما ساعدتك سطور هذا التحقيق على الخروج من هذه الحالة.


قصص من الواقع
نشأ عادل نشأة مدللة، كل طلباته مجابة، ويخطئ ولا يعاقبه أحد، رغم أنه من أسرة فقيرة أو متوسطة الحال، ذلك أنه الابن الأخير في الأسرة، وأتم تعليمه الإعدادي بالكاد، ثم سعى أخوه الأكبر، وألحقه بمدرسة عمالية؛ حتى يستطيع الحصول على شهادة ولو متوسطة، وحصل عليها بالفعل وماذا بعد؛ ظل عادل بالبيت ينام النهار، ويسهر الليل، ولا يبحث عن عمل، ولكما وجد له أحد أخوته عملاً ينتظم فيه أيامًا معدودة، ثم يتركه، وكلما حدثه أحد في ذلك تعلل بأنه ينتظر حتى يتم الخدمة العسكرية، وبالفعل أتمها ومازال يغط في نوم عميق.

وتحكي ناهد عن أخيها محمد، الذي حصل على الدبلوم الثانوي الصناعي، وانتظر حتى وجد له الأب عملاً في أحد مصانع الدولة ، والذي تم بيعه للقطاع الخاص فيما بعد، مما اضطره للجلوس في البيت بلا عمل، وهو مقبل على الزواج، ويحاول أن يعمل، لكنه يحتاج دائمًا إلى من يقترح عليه العمل، عمل في فرن لمدة، ثم ترك العمل، فكر في أن يقف بعربة كبدة، واستمر لفترة، ثم ترك كل شيء وظل بلا عمل.


حلم الزواج من أجنبية

وتقول إحدي الأمهات: تخرج ابني من معهد السياحة والفنادق، وتفرغ للجلوس على المقاهي مع أصدقائه، وعندما ألححت عليه ليعمل، سافر إلى الغردقة للعمل في أحد الفنادق، واستمر فيه لفترة، وبعد تراجع السياحة نتيجة الأعمال الإرهابية هناك، عاد إلى القهوة، وقال إن الفندق استغنى عنه، وعن آخرين، وأخذت أقترح عليه العمل في مطاعم أو كافتيريات، وساعدني بعض المعارف في إيجاد عمل له في إحداها، ولكنه رفض، وقال: إنه يبحث عن فرصة عمل أفضل ولا يخجل من أن يعلن أنه يخطط لمستقبله بالزواج من ألمانية، والسفر معها، ويعيش على هذا الأمل، ويرفض أن يطور نفسه بدراسة لغة أو كمبيوتر، أو أن يعمل أي عمل حتى، مضى على تخرجه خمس سنوات، وهو على هذه الحال.

وتحكي أم مصطفى عن ابنها فتقول: يبلغ ابني من العمر الآن أربعين عامًا، ولا يعمل، فقد عمل لفترة في مكتبة لكتب التراث؛ لأنه يحبها، ثم أغلقت لظروف ما، وبعدها لم يحاول أن يطرق باب العمل مرة أخرى، ووالده ينفق عليه، فهو لحمنا ودمنا، ولكني أتأسف على حاله بين إخوته، فقد تزوج كل منهم، وأصبح له أسرة وأولاد، وهو ما زال منعزلاً عن الحياة والعالم.

وغير هؤلاء حولنا العديد من الأسر التي تعولها المرأة، رغم وجود الزوج وخلوه من الأمراض، وبالرغم من ذلك، يجلس في المنزل ينتظر الزوجة لتأتي له بالطعام والشراب، وربما تسيّد عليها بعد ذلك دون أدنى إحساس أو شعور بالمسؤولية؛ وليس ذلك إلا لأنهم كانوا عاطلين عن العمل منذ الشباب، وكانوا عالة على آبائهم، ثم استبدلوا بالآباء الزوجات، وربما الأبناء.


الحركة بركة

وعن مشكلة البطالة الاختيارية تبدأ الأستاذة نيفين عبد الله - مديرة مركز أجيال للتنمية الأسرية - كلامها فتقول: ليس من الطبيعي أبدًا أن يرفض الشاب أن يحقق أحد أهم الاحتياجات الإنسانية ألا وهي الاحتياج للإنجاز، فالاحتياج للإنجاز احتياج أساسي، ويسعى له الإنسان، وإن كان على غير وعي به.

وترجح أن الشباب لا يجدون فرص العمل التي يحلمون بها، ويتوقون إليها، ولهؤلاء الشباب نقول: «في كل ما تحب بعض مما لا تحب»؛ ولذا احرص على أن تجد أقرب ما يناسبك من المتاح؛ حيث إن الحركة بركة، كما يقولون، فالحركة في مجال ما مهما كان بسيطًا، أو متواضعًا لا بد أنه سيوصلك لغيره، ففرص العمل لا تأتي للبيوت، وإنما تلوح في الأفق في أماكن العمل، وجميع من يعملون يعرفون أنه يمكن أن تقبل بعمل لا يرضيك بالكلية؛ أملاً في أن يوصلك للعمل الذي تتمنى، وحسب لغة السوق «كل خبرة تضاف لرصيدك وسيرتك الذاتية»، ولذا احرص على ألا تفوت أية فرصة لتضيف لرصيد خبراتك، وإن لم يتوافق مع ميلك وحلمك.

الكلمة الثانية التي أقولها من قلبي: إن الشباب كله أمل وطموح ورغبة في التواجد، وإثبات الذات، النقطة الفاصلة أن هذه الرغبة بحاجة لتوجيه، وتزويد دائم بالمهارات المختلفة التي تؤهله فعلاً للعمل.

فعالم اليوم يفرض فكرة التميز فرضًا قويًا، فلم يعد يكفي أن نلتحق بالجامعات أو المعاهد العليا لنعمل؛ بل كل صاحب عمل يبحث كثيرًا عن أشخاص أكفاء ليعملون، ولكن للأسف الشديد الكفاءة نادرة فعلاً.

إذن المسألة ليست مسألة بطالة، كما نتشدق أحيانًا، وندعي، إنما كما ذكر أحد المسؤولين من قبل: المسألة نقص حقيقي في الكوادر والكفاءات، ولذا عليك أخي أن تنتهز كل فرصة للتعلم، وتنزل لعالم العمل حتى تراه وتحتك به، وتفهم متطلباته، فتسعى للتزود بها، وتذكر دومًا طريق النجاح يبدأ بخطوة، فلتكن أولى خطواتك أن تبحث وتبحث وتبحث عن «أي» عمل مشروع.


العمل فريضة

وعن قيمة العمل في الإسلام يحدثنا الشيخ جمال قطب (من علماء الأزهر الشريف) فيقول: العمل لاكتساب ضرورات الحياة فريضة، ولا بد من الاستعداد لها باختبار القدرات الخاصة لكل إنسان، والمفروض أن تكون سنوات الدراسة هي المجال لاختيار وتحديد هذه القدرات، فيختار الإنسان من التعليم ما يساعده على إتقان عمل ما، ويكون العمل سببًا في تغيير الحياة، وإعفاف النفس، وتحقيق الكفاية المادية.

ويضيف أن كثيرًا من التخصصات العلمية أصبحت لا تجد لها مكانًا في سوق العمل، وبالتالي على أصحاب هذه الشهادات ألا ينتظروا التوظيف، وأن يسعوا لتطوير مهاراتهم ليتمكنوا من العمل.

وقد كان لجميع الأنبياء عمل يمارسونه، حتى سيدنا داود، فرغم أنه كان ملكًا إلا أنه كان حدادًا، والقرآن يقول عنه {وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من بأسكم فهل أنتم شاكرون}، وكان سيدنا نوح نجارًا، وما من نبي إلا ورعى الغنم، كما قال النبي (صلى الله عليه وسلم)،

ويشير الشيخ جمال إلى أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) علمنا أن العمل يبلغ بصاحبه أرفع الدرجات، وأن الله يغفر لعبد بات كالاً من عمل يده، كما أمسك (صلى الله عليه وسلم) بيد أحد العمال وقد خشنت من العمل، وقبلها، وقال هذه يد يحبها الله ورسوله، وليعلم الشباب أن العمل مدار كرامة وإنسانية الإنسان قوة وبقاء الأوطان، فبدونه يصبح المجتمع عالة على غيره من المجتمعات، وإذا تأخر استيراد الغذاء والكساء بات الناس في عري وجوع، ويتعرض المجتمع للتهديد في ضروراته وقت الحرب، ولذلك على الجميع أن يعملوا ليس فقط من أجل إطعام أنفسهم وذويهم، ولكن أيضًا من أجل أوطانهم.


طفولة ممتدة

ويستغرب الشيخ من شخص يجد عملاً ويرفض أن يعمل، ويقول إذا وجد هذا الشخص، فهو إنسان يفتقد معنى الإنسانية؛ إذ كيف يحتاج إلى غيره ولا يسد حاجة نفسه، فلا بد أن يعيد الشباب النظر فيما وصلوا إليه ليس فقط من بطالة مقنعة، ولكن طفولة ممتدة معيلة، حتى سن العشرين وما بعدها، فبمجرد بلوغ السعي في سن الثالثة عشرة والخامسة عشرة يجب أن يبدأ التدريب والإعداد حتى يستطيع الشاب أن يتكسب، ويكفي نفسه منذ الثامنة عشرة، فالآباء ليسوا مسؤولين شرعًا ولا عقلاً عن إطعام هذه الأجسام الكبيرة والأعمار التي تخطت سن الرشد.

ويدعو الشباب إلى طرق باب العمل باكرًا، فليس من الضروري التفرغ للتعليم الجامعي، كما أن ساعات العمل لا تزيد عن سبع ساعات يوميًا، فيمكن للشاب أن يوازن بين الدراسة الجامعية، والعمل، كما أن الشبكة الدولية للمعلومات (الإنترنت) تتيح كثيرًا من المعارف والعلوم لراغبيها دون الحاجة إلى دراسة.
مركز الإعلام العربي

Post: #205
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 01:19 AM
Parent: #204

صارت السعادة بعيدة المنال، وكادت أن تنضم إلى قائمة المستحيلات، فملامح الاكتئاب تكسو الوجوه، والشباب الذين مازالوا فى مقتبل العمر، وأمامهم آمال عريضة ، شاخت نفوسهم ، وأصبحوا حين يُسألون عن السعادة يتنهدون بأسى ويسألون هم أيضًا: أية سعادة؟!

سألت بعض الشباب والفتيات: ما سر سعادتكم فاختلفت الإجابات لتبقى السعادة الحقيقية منحة إلهية لمن يستحق ويسعى ويرضى.




الحلم المستحيل


دينا فؤاد - كلية الآداب قسم لغات شرقية: أحقق حلمًا مستحيلاً أو صعبًا؛ لأن عبور المستحيل وتحدى الصعب يمنح الإنسان لذة الكفاح.


زينب عبد الحكيم - معهد التعاون الزراعى: أحس بالسعادة عندما أشعر أن الدنيا لازالت بخير وأن الناس من حولى قلوبهم على بعض ليس هناك حقد بين الناس أو كراهية.


كل ما أريد


ريهام عصام - ثانوية عامة - : السعادة بالنسبة لى هو أن أحصل على كل ما أريد.


أسماء أحمد إبراهيم - طالبة - دبلوم ثانوى تجارى: السعادة الحقيقية يجدها الإنسان عندما يجد الحب الحقيقى فى حياته، المهم أن يكون حبًا حقيقيًا.

وتتفق معها جهاد محمد - طالبة - دبلوم ثانوى تجارى - حيث تقول: أى سعادة أكبر من أن يجد الإنسان الشخص الذى يبادله الحب.



كيف أسعد والمسلمون يقتلون


يسأل عبد الله كمال الليثى - كلية التربية جامعة الأزهر: كيف أحس بالسعادة؟ وهناك من تغتصب أرضه، وتنتهك حرماته، ويهدم منزله فوقه فى فلسطين، كيف يحق لى أن أسعد، والعراق قد احتلها الأمريكان بعد حصار وحرب مريرة، أعتقد أن الشخص الذى حصل على السعادة الحقيقية هو الشخص الذى جاد بنفسه فى سبيل عقيدته ووطنه.


ويتفق معه هانى أحمد محمود - معهد فنى صناع - حيث يقول: أنا أعترض على كل إنسان مسلم يفتح قلبه للسعادة، فكيف نحس بالسعادة والإسلام والمسلمون يحاربون فى كل مكان فى فلسطين، والعراق وأفغانستان، ولذلك أشعر بالمرارة

هبة رأفت السيسى - طالبة بالثانوية العامة: أشعر بالسعادة عندما أنام وأنا متأكدة أن أبى وأمى راضيان عنى، وعندما أقوم بأداء فرائض ربى بانتظام.


الحزن هو الأصل


فاطمة فاروق - كلية الآداب قسم علم نفس: ترى أن ظروف حياتنا الآن لا تعطى لنا فرصة للإحساس بالسعادة، لذلك فإن السعادة أصبحت استثناء والحزن هو الأصل.


رانيا إبراهيم - ثانوية عامة: أشعر بالسعادة عندما أعتمد على نفسى، وعندما أشعر بحريتى دون وصاية من أحد.



لحظة صدق


دعاء محمد - كلية التجارة - إن لحظة سعادتى هى اللحظة التى أكون فيها صادقة مع نفسى؛ لأن هذه اللحظة تشعرنى بمدى قوتى.


نعمة سعيد يونس - ثانوية عامة: سعادتى مؤجلة حتى أحصل على شهادة الثانوية العامة، وأدخل الكلية التى أريدها.


الإيمان بالقدر


وعن الإحساس بالسعادة، وكيف رسم الإسلام للإنسان طريقه للعيش بسعادة؟

يقول د. محمد حسنى إبراهيم سليم - أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر - إن الإحساس بالسعادة يتطلب منا إدراك عدة أمور:

أولها: أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، ويؤمن بأن ما يحدث له من أحداث أيًا كانت هذه الأحداث مقدره من الأزل، ولكن المهم ألا نرتكن إلى أن أقدارنا مقدرة من الأزل، فعلينا أن نأخذ بالأسباب مع إدراك أن السعى فى أيدينا، ولكن النتيجة فى يد خالقنا.


فمثلاً: الطالب قد يذاكر ويجتهد، ولكن فى النهاية يرسب فى الامتحان، فالطالب هنا قد سعى واجتهد وأخذ بأسباب النجاح، ولكن النتيجة بيدى الله سبحانه وتعالى، فعليه الرضاء والتسليم، وعدم الحزن؛ لأن هذا مقدر له، كما أن ذلك حدث لحكمة يعلمها الله، وفى هذا يقول المولى (عز وجل) فى سورة الحديد {ما أصاب من مصيبة فى الأرض ولا فى أنفسكم إلا فى كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور}.


فلكى يحس الإنسان بالسعادة عليه أن يرضى بما قسمه الله له، وعليه التسليم بأمر الله؛ لأنه لا يقع فى ملك الله شيء لا يريده.

لذلك فى كثير من الأوقات يريد الإنسان شيئًا محددًا، ويسعى لتحقيقه بشتى السبل، ويعتقد أن الخير فيه، وأن سعادته لن تكتمل إلا به، ولكن الله لا يحققه له، فيحزن ثم بعد ذلك يكتشف أن ما كان يريده بشدة هو شر له، وما أراده الله وقضاه هو الخير وفيه السعادة.

والحياة الإنسانية تزخر بالعديد من التجارب التى من خلالها يتضح هذا الأمر، وفى هذا يقول المولى عز وجل {وعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.



ويرى الدكتور سيد صبحى - أستاذ الصحة النفسية بجامعة عين شمس:

أن الإنسان يفكر كثيرًا فى أمر سعادته، وهناك من يتصور أنها قد تأتيه من جمع المال، أو المنصب، أو الدرجة العلمية، أو الوجاهة الاجتماعية، ولكن مفهوم السعادة أكبر من ذلك بكثير؛ لأن السعادة الحقيقية تعتمد على عدة أمور:

أولها: نقاء الضمير والإرادة الخيرة التى تجعل صاحبها مطمئنًا واثقًا بنفسه متجهًا إلى الله سبحانه وتعالى فى أقواله وأفعاله.

ثانيًا: السعادة فى التعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان.

ثالثًا: السعادة تواضع وقيمة وعشرة طيبة بين الإنسان والآخر.


ويوجد الكثير من الأحداث العالمية واليومية التى تسبب الاكتئاب، لذلك على الإنسان لكى يتغلب على هذه الضغوط والمشاكل التى تحيط به أن يبحث عن السعادة داخله، وسيجدها فى إيمانه بالله، ثم الرضا عن الذات وصحوة الضمير الأخلاقى.




سر السعادة فى ثلاث:

قال (صلى الله عليه وسلم): «من بات آمنًا فى سربه معافى فى بدنه، عنده قوت يومه، فقد حيزت له الدنيا بحذافيرها».


إنه تلخيص بليغ لأسباب السعادة، أمن، عافية، قوت يوم، وتبقى الفجوة بين الامتلاك، والرضا، بين ما لدى الإنسان، وما يريده.


وقديمًا قالوا: الشيطان يمنيك بالمفقود، لتكره الموجود، ولكن الإنسان يظل باحثًا عن هذا المفقود حتى إذا ما امتلكه تحول إلى شقاء موجود، وإذا كانوا قد قالوا أيضًا: إذا لم تستطع أن تعمل ما تحب، فأحب ما تعمل، فإن السعادة أيضًا تتحقق حين يسعد الإنسان بما لديه حين يعجز عن الحصول على ما يتمنى.

ناهد شكشك

Post: #206
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 01:23 AM
Parent: #205

يرى الطفل ذو الخمس سنوات أبيه وهو قادم من بعيد.. الأب كان مشغولا كعادته يتحدث في المحمول.. لم ينتبه للصغير إلا وهو يرتطم به بعد أن تعثر على بعد خطوة من أبيه.. صفعه أبوه على خده ونظر له بغضب ثم قال: مش تفتح هل أنت أعمى؟
نظر الولد إلى أبيه مذهولا لا يفهم ثم انصرف مكسورا.
وعاد أبوه ليكمل صفقته المهمة في الهاتف.
***
أحمد طفل لا يتجاوز عمره العاشرة.. ينهي دراسته ثم يذهب إلى محل البقالة الذي يمتلكه أبوه ليساعده.. الولد كان يحب هذا ويستمتع به كثيرا.
أتى زبون في يوم ليشتري سلعة ما.. السعر المحدد للسلعة عشر جنيهات.. عرض الرجل على أحمد أن يشتري عشر قطع من السلعة، على أن يكون السعر هو تسعة جنيهات للقطعة.
وافق أحمد بعد أن هداه عقله الصغير إلى أن هذا سيسعد أباه.
جاء الأب فحكى له أحمد وهو سعيد.. لكن صرخة أبيه أخرسته، وليته اكتفى بالصراخ.. لقد قام إليه وسحبه إلى الشارع وانهال عليه ضربا بالحذاء وهو يقول: خربت بيتي يا ابن ال....
حاول الناس تهدئة الأب الثائر على الصغير الذي استطاع الهرب من بين يدي أبيه بصعوبة شديدة.
***
عبد الرحمن في الصف الخامس الابتدائي كثيرا ما يتشاجر مع أصحابه.. كل يوم تقريبا يأتي إلى البيت يبكي.
قال له أبوه مغضبا: من يضربك اضربه، خذ حقك بيدك، إياك أن تأتي للبيت بعد هذا وأنت تبكي.
بعد فترة ليست بالطويلة سمع الجميع صراخا من الشارع، عبد الرحمن ضرب صديقه بشفرة حلاقة كان يخبئها معه
العجيب أن والده لم يكن غاضبا ولا نادما.. بل هو يعتقد أن ابنه قد صار رجلا.
هذا الوالد لا يقبل نصح من أحد أبدا.. كثيرون قالوا له: إن عبد الرحمن بدأ يدخن!! كان يقول لهم: أنا الذي أعطيه المال ليشتري به ما يريد.
عبد الرحمن الآن يفعل كل شئ.. بدء من البانجو إلى ما لا يصح أن يقال.
***
طفل صغير في الخامسة من عمره.. أول يوم يدخل فيه المسجد عندما ذهب في صحبة أخيه ذي التسعة أعوام..
أخوه هذا مع أصحابه يقومون بدور الشياطين التي تلعب خلف المصلين حتى لا يصل أحدهم للخشوع أبدا.
المهم أن هذا يضايق الكثيرين ويصل بالبعض لحد الجنون.
قام أحد هؤلاء بعد انتهاء الصلاة وأمسك عصاه وجرى خلف الأطفال.. جرى الأطفال إلى خارج المسجد وهم يصرخون.. أصيب الصغير ذو الخمس سنوات بالفزع، ولم يحاول أن يكرر تجربة الذهاب للمسجد بعد هذا.. بل أصبح ذكر اسم المسجد يصيبه بالفزع.
***
في الحقيقة المواقف كثيرة، والأخطاء التربوية كثيرة:
هناك هذا الوالد الذي يتتبع ابنه في كل تحركاته حتى لم يعد هناك مجال للولد أن يتنفس.
وهناك هذه الهدية المستحيلة التي يحلم بها الفتى ولم يرها أبدا والتي كثيرا ما يعده بها أبواه.
وهناك من جعل بيته مكانا لتنفيس شحنة الغضب التي يكبتها طوال يومه.
وهناك وهناك.
***
في الحقيقة أن الأطباء النفسيين حاليا لا يعتقدون كثيرا في الحدث الواحد الذي يترك أثرا ممتدا أو يحدث تغيرا في تركيب الشخصية.. ومع أني لست طبيبا نفسيا إلا أني أجزم أن بعض هذه الأحداث تترك أثرا عميقا في النفس.

أستطيع بفضل الله أن أربط جيدا بين الفعل ورد الفعل!

فأنا أعلم جيدا أن شخصية أحمد الانطوائية التي لا تحب الجلوس مع الناس وتنفر منهم سريعا.. سببها هذه "العلقة" التي امتهنت فيها كرامته وهو صغير أمام الناس.

وأعلم جيدا أن هذه الشخصية القاسية التي أراها إنما رسمت معالم قسوتها على خده بعد الصفعة التي قابله بها أبوه العائد من العمل. أو بسبب هذا الوالد الذي جعل بيته مكانا لتنفيس شحنة الغضب التي يجمعها طوال اليوم.

وأعلم أن الصغير الذي رأى العصا في المسجد سيظل فترة غير معلومة الأمد يكره المسجد دون أن يعلم لهذا سببا.
***
أما قديما.. فعندما مر أحد متفرسي العرب ورأى معاوية بن أبي سفيان وهو يلعب مع أقرانه؛ قال: إني لأظن هذا الغلام سيسود قومه.

فقالت هند ـ أم معاوية ـ: ثَكِلتُهُ إن كان لا يسود إلا قومه.

محمد الفاتح كانت أمه دائما تحدثه عن هذا الأمير الذي بشر به النبي صلى الله عليه وسلم والذي سيفتح الله على يديه قسطنطينية.

الإمام الشافعي الذي قالت له أمه: قد نذرتك للعلم لعل الله يجمع بك الأمة.. فكان هو الشافعي الإمام.


حتى الأعداء يحسنون تربية أولادهم:

قبل قيام دولة إسرائيل كانت الأمهات يعلمن الأطفال اليهود ضرورة التبرع بجزء من المصروف من أجل قيام الدولة، وكان يوجد في كل بيت صندوق صغير اسمه الصندوق الأزرق يضع به الطفل جزءا من مصروفه يوميا.


السؤال:

هل يحسن الوالدان تربية أبنائهم اليوم؟! وهل لاحظتم أهمية الأم التي تستطيع التربية؟ وهل للمؤتمرات التي تحاول إفساد المرأة علاقة بهذا؟ هل شبابنا يستطيع حقا أن يختار الزوجة التي تصلح أما؟ هل يخطر أصلا على بال الشباب اليوم مثل هذه الأمور عن تربية الأبناء؟


استطراد

أعرف أبا لا زال يبدي حتى اليوم ندمه على زواجه ممن تزوج بها، وتراه يسدي النصائح لكل من يعرف: عليك أن تنتقي أما تصلح لتربية أولادك.. تمهل ولا تتسرع.. فالرجل لا يجلس في بيته ليتمكن من متابعة أبنائه وتربيتهم كما يريد.. عليك إذَا أن تحسن اختيار من تحسن التربية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: وليد الباز

Post: #207
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 08:22 AM
Parent: #206

تقول إحدى الأمهات:

يبلغ ابني من العمر (14) عامًا، وقد بدأ في الأشهر الأخيرة يحتد علينا أنا وأبيه، إن رفضنا له طلبًا، ويرفع صوته أمامنا، ولا يوقرنا مثلما كان يفعل من قبل - وأخشى إن قابلت حدته بحدة مماثلة أن يزيد سلوكه سوءًا، فكيف أتصرف؟

لهذه الأم أقول: إن ابنك يا سيدتي يمر بمرحلة المراهقة التي لا بد من احتوائه واستيعابه فيها، وألخص ردي عليك في نقطتين:

أولاهما: تخص صداقة الابن في هذه المرحلة.

والثانية: تتعلق بمعنى الرجولة ومفهومها في ذهن الشباب.

ويمكن معالجة ذلك من خلال النقاط التالية:



صداقة المراهق

فالطفل قبل أن يصل إلى سن البلوغ، ينبغي على الوالدين مصاحبته، بصرف النظر عن جنسه، أما في حالة مناقشة الأمور التي تتعلق بالجوانب الجنسية معه، فتكون مناقشتها بين المراهق والأب الذي يماثل جنسه جنس الطفل.


مدح المراهق

وتبدأ الصداقة بين الأب والمراهق بامتداح شخصه، فيمدح الأب أو الأم تفكير الطفل، وطريقته في التعليق على الموضوعات المثارة، وأسلوبه في فتح موضوعات معينة للمناقشة، وطريقته في إلقاء النكات، أو استخدام الفكاهة، كما يمدح سرعة بديهته، ويمدح شكله، وطريقته في الملبس، ومدى الأناقة والجمال في اختياراته كلها. وتوجد بعض الملاحظات التي لا بد منها فيما يتعلق بمدح المراهق:


- ليس ضروريًا أن يكون ما نمدحه في المراهق جميلاً جدًا، أو لافتًا للنظر، بل من الممكن أن نمدح أمورًا عادية حتى نشجعه على الاستمرار في ممارستها.


- لا يصح أن نمدح في المراهق أمرًا معيبًا، أو خطأ بيّنًا واضحًا، حتى لا يشعر بأننا نقصد أن نمدحه دون وجه حق، وبصرف النظر عن الصواب والخطأ؛ لأنه إذا وصله هذا الشعور سيفقد الثقة في جميع ما نقول.


- ليكن معلومًا لدينا أن الهدف الأول: من مدح المراهق هو دعم التقارب النفسي بينه وبين الكبار الذين يبغون صداقته، والهدف الثاني: هو إشعار

الطفل بالاهتمام بشخصه وأفعاله وكل ما يخصه، أما الهدف الثالث: فهو دفعه إلى الاستمرار فيما يفعل من سلوكيات صحيحة.



الهدية

ولها فعل السحر في نفس الطفل والمراهق، والهدية من الأب أو الأم تعني الكثير بالنسبة له، تعني الاهتمام الشخصي، وتعني الحب، وتعني أيضًا التقدير، وهي الطريق الأفضل لإيجاد الحب بين الناس بصفة عامة، وبين الأهل والمراهق بصفة خاصة.


المناقشات مع المراهق

وذلك لتوضيح خطأ بعض المفاهيم في ذهن المراهق، عن طريق أحد كبار العائلة أو أحد أساتذته ممن يحبهم ويثق بهم، أو بعض الزملاء في مثل سنه ممن عبروا هذه المشكلة، وتكون هذه المناقشات بين الزملاء تحت رعاية أحد كبار السن، أو أحد الخبراء، أو المشرفين على الطفل بشرط توافر الحب والثقة من المراهق لهم.


محتوى المناقشة

تحتوي المناقشات مع المراهق على مفاهيم تصحح العلاقة بين مفهوم الرجولة، والتعدي على الآخرين، فقد يفهم بعض المراهقين أن الرجولة تعني إحراج الآخرين أو التعنت معهم، بصرف النظر عمّن هم هؤلاء الآخرون حتى لو كانوا الآباء أو الأقارب، ولا يدركون أن مقومات الرجولة تتضمن التحكم في الذات، والسيطرة على النفس، والتفاهم مع الناس بالكلمة الطيبة، وليست الرجولة هي التعامل باليد أو باللسان السليط، فاللسان السليط من سمات من لم يتلق تربية سليمة، ومن الرجولة أيضًا التعامل مع الناس بالحسنى، خصوصًا الوالدين، ولا يصح أن يدَّعي أحد أنه يستطيع أن يتعامل مع الناس بالحسنى، وهو يتعامل مع الوالدين بجرأة قد تصل إلى حد الوقاحة، فإن فعل ذلك فإن هذا دليل على أنه لم يتعلم أبجديات التعامل مع الناس، ولم يشكر المقربين منه أصحاب الفضل الأول عليه، ولقد لفت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنظارنا إلى قضية شكر الناس قائلاً: «لا يشكر الله من لا يشكر الناس»، ومن المعروف أن أولى الناس بالشكر هما الوالدان، وقد قرن الله بين شكره وشكر الوالدين مباشرة، فقال: «أن اشكر لي ولوالديك، إليّ المصير».


إيجاد البيئة الطيبة

فينبغي مساعدة المراهق في التخلق بالخلق الحسن، من خلال تشجيعه على مصاحبة الطيبين والأخيار من الأقارب والزملاء والجيران ممن يأنفون من الإساءة إلى الوالدين ويقدرون الجهد الذي بذلاه معهم.


التعزيز الإيجابي

تعزيز أول بادرة إيجابية تصدر عنه ويُفهَم منها احترامه للآخرين من خلال المدح والثناء، وليكن ذلك التشجيع والمدح على سلوك احترام الآخرين عادة لكل من يتعامل معه.

تجنب التهديد والتوبيخ واللوم، حتى لا تدخل الأسرة في دائرة العناد والعنف.


تقديم المساعدة

وذلك بمعاونة الابن إنجاز ما يقوم به من عمل، وما يوكل إليه من مسؤوليات حتى نساعده في تجنب الصراع النفسي الناتج عن المقارنة بين مرحلة الطفولة المليئة باللعب، ومرحلة الشباب التي تكثر فيها المسؤوليات.


التعبير عن الذات

بالسماح له بالتعبير عن أفكاره الشخصية، والاستماع لآرائه الناقدة بأذن صاغية، ومناقشته فيها، وعدم لومه أو الغضب منه بسببها، ومحاولة تصحيح ما يمكن تصحيحه منها في حال اقتناع الوالدين بها.


تجنب رفع الصوت

أي عدم التفاهم في البيت بصفة عامة بصوت مرتفع، ونظر حاد للآخرين، حتى لا يشيع هذا السلوك في البيت، ويعتاده الأبناء.



العزلة والانطواء

يقول أحد الآباء: يبلغ ابني 16 عامًا، ويميل إلى العزلة وعدم مشاركة الأسرة في الترفيه خارج المنزل، أو الزيارات والمجاملات الاجتماعية، فهل أضغط عليه، أم أتركه يفعل ما يحلو له؟


أولاً: يميل المراهق في بداية مرحلة المراهقة إلى الانطواء والعزلة، فيحب أن يخلو بنفسه في مكان خاص، ويحب أن يغلق الباب عليه، حتى لا يقطع عليه عزلته أحد، والسبب في ذلك تلك التغيرات التي تنتاب المراهق، والتي لا يعرف لها سببًا، كما أنه لا يعرف كيف يتكيف معها، وهل هي خير أم شر، وكيف يتعامل مع الناس في وجود تلك التغيرات التي تشمل حياته كلها، فهي تشمل عاداته وسلوكه، وما يحب وما يكره، بل تشمل الأصدقاء، فتتغير صداقات الطفولة وقد تستبدل بها صداقات جديدة، وقد لا تستبدل، ولأجل ذلك يسمى بعض العلماء مرحلة المراهقة بمرحلة العواصف والتغيرات، أما إذا لم يستطع الوالدان الخروج بالمراهق من عزلته، أو ساعداه عليها بسلوكهما غير التربوي معه؛ فإن ذلك من شأنه استمرار المراهق في عزلته، وحبه لها، وقد يكون ذلك ما حدث مع المراهق صاحب المشكلة.

ولا يصح أن يترك الوالدان المراهق منفيًا في عزلته بإرادته، كما لا يصح أن يقتحم عليه عزلته أحد، كلما انفرد بنفسه، والصحيح أن يدخل عليه أحيانًا أحد الأبوين؛ بسبب يبدو وجيهًا أو معقولاً، لكي يطلب رأيه في موضوع مهم أحيانًا، ولكي يسأله سؤالاً معينًا أحيانًا، ولكي يشربا الشاي معًا، المهم ألا يتركاه مستمرًا في عزلته.


ثانيًا: إن كان ممكنًا أن يجبر الوالدان المراهق على الخروج مع الأسرة للترفيه فلا بأس، ولكن الشرط الأساسي لذلك هو ألا يؤدي إجباره على الخروج إلى مشكلة أكبر من عدم الخروج ذاته.


ثالثًا: بشأن الزيارات: الصواب أن يكون للمراهق دور فيها، بإخباره أن الأقارب أو الأصدقاء الذين نجاملهم يحبونه شخصيًا، ويسألون عنه كلما ذهبنا دونه، ويهتمون بوجوده، وإذا لم يذهب معنا لمجاملتهم، فقد يعني ذلك من وجهة نظرهم عدم اهتمامه بهم، أو كرهه لهم، وهذا لا يصح، كما نستطيع أن نقنع المراهق أنه رجل البيت بعد والده، فمن المفروض أن الرجال يهتمون بالمجاملات، حتى يلتقوا مع الرجال أمثالهم في هذه الزيارات.


رابعًا: مرحلة إنشاء الصداقة بين الوالدين والمراهق في بداية المراهقة ضرورية جدًا لمنع المراهق من الاستمرار في عزلته، أو الشعور بالراحة نتيجة هذه العزلة، فليرصد الآباء أبناءهم الذين يقتربون من مرحلة البلوغ، ثم يلازمونهم قدر الإمكان في وحدتهم.


خامسًا: لكي تكون العلاقة بين المراهق وأهله طيبة، ينبغي أن تكون مجالسة الآباء لأبنائهم ممتعة ومفيدة، وخالية من أية منغصات من قبيل التهكم والسخرية أو اللوم والعتاب، أو التوجيه والنقد، أو المحاضرات المحفوظة، فإذا تجنب الآباء ذلك، ولزموا الحوار الجاد المفيد، أو الكلمة الخفيفة المضحكة، أو الألغاز المسلية، أو الجلسات الحلوة، فإن ذلك كله من شأنه زيادة حرص الأبناء على مجالسة الآباء.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #208
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 08:28 AM
Parent: #207

نختلف أنا وزوجي كثيرًا أمام الأبناء، فهل لهذه الخلافات أثر سلبي على الأبناء أو شخصياتهم؟

- بداية نقول: إن العلاقة متبادلة بين المشكلات الزوجية ومشكلات تربية الأبناء بطريقة سيئة وخبيثة، وكأن الذي يغذيها وينفخ في دخانها هو الشيطان نفسه، فأحد أسباب المشكلات الزوجية هو الاختلاف على طريقة تربية الأبناء، والاختلاف على كيفية التعامل معهم بطريقة صحيحة، وفي الوقت نفسه فإن الخلافات بين الزوجين تصب في غير مصلحة الأبناء، وتؤدي إلى الاختلاف على تربيتهم، فيفسد الأبناء نتيجة عدم الاتفاق هذا؛ حيث إن الاختلافات الزوجية تجعل الأبوين يعمل كل منهما على أن يكون الأبناء في صفه هو، فتكون النتيجة أن يتسامح كل منهما مع الأبناء في بعض الأخطاء التي تبدو بسيطة من وجهة نظره، حتى يتجرأ الأبناء على الخطأ في وجود الأب أو الأم.


والتسامح هنا مع الطفل في الأخطاء الصغيرة، والتي ليس من حقه أن يمارسها، مختلف تمامًا عن هذه الحالة التي يعتبر فيها الطفل أن الأخطاء التي يتسامح فيها الوالدان حال اختلافهما هي حق مكتسب له، فيمارسه علنًا أمام الأبوين وهذه واحدة، ويمارسه باستمرار وليس مرة واحدة وهذه أخرى، ولا يكون ممنونًا للأبوين، ولا شاكرًا لهما وهذه ثالثة، فتزيد جرأته على اقتراف الخطأ، وعمومًا فإن المشكلات الزوجية قد تؤثر تأثيرًا سلبيًا على تربية الأبناء من الجوانب الآتية:


ـ محاولة استقطاب أحد الأبناء، أو فريق منهم ناحية أحد الزوجين ضد الطرف الآخر:

وهذا السلوك يفعله الجهال من الآباء والأمهات حينما يريد أن يكسب جولة في معركة أسرية، ويحب أن يكسبها بأية طريقة حتى لو كانت على حساب الأبناء مستقبلاً، فهو ليس في ذهنه أصلاً أن العلاقات المتأزمة بين الزوجين يمك أن تؤثر على تربية الأبناء بالسلب، فإذا استجاب الأبناء إلى محاولة الأب الذي يريد أن يضمهم إلى صفه، فقد يحاول الطرف الآخر نفس المحاولات، فيضطر أن يقدم نفس التنازلات، وفي هذه الحالة يفلت ميزان التربية في البيت.


وإذا كان أحد الطرفين حكيمًا أو مستوعبًا الخطر الذي قد يترتب على ذلك؛ فإنه سيحاول أن يسيطر على الوضع في البيت، ولكن الأبناء لن يحبوه أو على الأقل سيعارضونه بشدة فيما يريدون، وسوف يخالفونه أحيانًا دون أن يستطيع أن يتحكم فيهم، أما لو مارس معهم العقاب، فإن ذلك سيجر عليه كره الأبناء له، وتعاطفهم مع الطرف اللين معهم حتى لو كان ظالمًا، لأجل ذلك فإن بعض الآباء المختلفين مع زوجاتهم قد يدفع الزوجات أحيانًا إلى أن تعاقب الأبناء أثناء الخلاف بينهما بالذات ، وذلك حتى تتورط في مسألة التحكم في الأبناء بالقوة، ويبدو هو كطرف عادل أو محايد يحكم بينهما، وهذا السلوك أيضًا غير صحيح.


عدم العدل

ـ اختلال العدل في التعامل مع الأبناء ، أو عدم العدل في حب الأبناء، وملاحظة ذلك من الطرف الآخر، واعتراضيه عليه دون اكتراث من الطرف غير العادل، ففي هذه الحالة تجد الزوج الذي لا يفهم الخطورة التربوية المترتبة على أية تصرفات مع الأبناء أثناء الخلاف، تجده يعامل ذلك الابن بجفاء، وكأنه يحمّل ذلك الابن مسؤولية أخطاء الطرف الآخر.

ومن المعروف أن عدم العدل بين الأبناء هو نوع من الظلم، وعندما يمارس الأبوان أو أحدهما الظلم في البيت مع الأبناء؛ فإن ذلك يوجد عدم قناعة بين الأبناء بعدم ضرورة طاعة ذلك الأب الظالم، أو التنصل من تنفيذ تعليماته، أو حتى لو استطاعوا أن يأخذوا منه موقفًا غير محايد لفعلوا، أو على الأقل فإنهم لن يحبونه كما يحب الأبناء الآباء.


إهمال الأبناء

ـ إهمال الأطفال أو نبذهم من قبل أحد الزوجين، بصرف النظر عن أسباب الإهمال أو النبذ، واعتراض الطرف الآخر على ذلك: وقد يترتب على المشكلات بين الزوجين أمر آخر، وهو أن أحد الزوجين يهمل الأبناء، ويهمل واجباتهم، وذلك لأنه غير مستريح نفسيًا، فيضطرب المنزل، وتضطرب مصلحة الأبناء، وعندما يتدخل الزوج ليصلح، أو لينصح، أو يعالج الوضع غير المستقر في البيت بالنسبة للأبناء، يتهمه الطرف الآخر بأنه يهتم بالبيت أو بالأبناء أكثر منه، أو يتهمه بأنه لا يحترم وجوده في البيت، ففي هذه الحالة فإن الزوج المكتئب نتيجة المشكلات الزوجية لن يقوم بالإصلاح، ولن يعطي الفرصة لأحد ليقوم بالإصلاح، فيزيد الخلاف بين الزوجين، ويكون الأبناء هم ضحية الخلاف والإهمال، فتتأثر نفسية الأبناء جميعًا بذلك النبذ أو الإهمال.

ـ تدخل أحد الزوجين في تربية الأبناء بطريقة لا ترضي الطرف الآخر، أو المنافسة بين عائلتين الزوجين في تربية الأبناء، واعتراض الوالدين: ويكون ذلك التدخل من أهل أحد الزوجين في تربية الأبناء ناتجًا عن الخلاف بين الزوجين، وإلا لو كان الزوجان متفقين ومتعاونين لأمكنهما إيقاف أي تدخل في تربية أبنائهم من قبل الأهل بطريقة مهذبة مقبولة، أما خلافهما فهو الذي يفتح الباب على مصراعيه للتدخل.


استغلال الخلافات

- استغلال أحد الأبناء - أو بعضهم - الفجوة القائمة بين الأب والأم لمصلحتهم الخاصة لتحقيق مكاسب مادية أو نفسية: وهذه النتيجة أوردتها أخيرًا، إلا أنها هي الأولى في سير الخلاف بين الزوجين، فإن الأبناء بمجرد أن يكتشفوا أن الأبوين مختلفان، فإنهم سيستثمرون ذلك الخلاف لمصلحتهم الشخصية، فالذي يوافق لهم على الفسحة، أو الذي يعطي لهم مصروفًا أكبر، أو الذي يأتي بهدايا أفضل، سيكون هو المفضل لدى الأبناء، وهو المسموع كلامه، والمطاع أوامره، حتى يأتي الآخر بأفضل ما جاء به الأول، فتنقلب الدفة نحو الثاني، ويهمل الأبناء الأول، وهكذا.. فإذا نجح الأبناء في استثمار الفجوة بين الأبوين بشكل يصب في مصلحتهم، وإذا استجاب الآباء لذلك، ووقعوا في شرك إرضاء الأبناء على حساب أحد الأبوين، فإنهما بذلك يكونوا قد خسروا خسارة كبيرة، وفقدوا جزءًا كبيرًا من السيطرة على الأبناء، وستكون النتيجة السيئة الأخرى أن الأبناء سيحاولون زيادة الفجوة بين الأبوين، أو على الأقل الحرص على استمرارها موجودة بين الأبوين.
مركز الإعلام العربي

Post: #209
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 08:30 AM
Parent: #208

السهر و أضراره !!
بينما يغط الجميع في النوم، يبقى هو مستيقظًا داخل بيته أو خارجه، مع زملائه وأصحابه، أو أمام القنوات الفضائية والإنترنت ، وبينما تسكن الحركة ليلاً استعدادًا للسعي إلى العمل في النهار، يقلب هو ميزان الكون، فيسهر حين ينام الناس، وينام حين يستيقظون.
هذه حال كثير من الشباب الذين تحولوا إلى كائنات ليلية، مدمنة للسهر، تجد فيها متعتها وراحتها.

إذا كنت من هؤلاء، فاقرأ هذا التحقيق.
هروب من المنزل
تقول أروى صلاح - طالبة: لا أستطيع النوم قبل الساعة الثالثة صباحًا، مع أنني لست مضطرة للسهر، فقد أذاكر أو أتصفح النت، أو أفعل أي شيء، ولا أحاول النوم باكرًا إلا إذا كان يوم الغد يوم دراسة طويلاً ومرهقًا، وفي هذه الحالة أنام في الحادية عشرة أو الثانية عشرة، ولكن النوم لا يأتي بسهولة، وبالطبع أصحو متكدرة، وحالتي النفسية سيئة، ورغم علم أروى بأهمية وقت البكور، إلا أنها لا تستطيع استبداله بالليل لإنجاز أعمالها، فإذا كانت هناك مقابلات أو خروجات، فلن يكون هناك محال مفتوحة في هذا الوقت، كما أنها لم تعتد على ذلك.

أما رأفت عبد العظيم فيسهر خارج المنزل حتى الواحدة صباحًا، ويقول: لماذا أعود إلى البيت باكرًا، ولا يوجد فيه إلا أبي وأمي المسنان، ولا حوار بيننا، ولا أية موضوعات مشتركة، ولذلك أقضي الوقت مع أصحابي، فنتسلى ونتحدث، وبعد أن أتركهم أستكمل سهرتي حتى الثالثة صباحًا، أستمع إلى إذاعة أو أجلس أمام الشات

ورغم أن أحمد السنوسي - 21 سنة - يعمل عملاً مرهقًا طوال النهار كطاهٍ في أحد الفنادق، فهو يسهر لوقت متأخر، ويقول: حين أقابل أصحابي لا ننوي السهر والتأخير، ولكن الحديث يأخذنا ونفاجأ بأن الوقت قد مضى ولم نشعر به، فنسارع بالعودة إلى المنزل، فنجد أمهاتنا غاضبات من هذا التأخير، رغم أننا لسنا فتيات لتحرص أمهاتنا على عودتنا مبكرًا إلى بيوتنا أو لكي يخفن علينا.

ولا يختلف أحمد عبد المقصود - 18 سنة - كثيرًا عن السنوسي، فهو يسهر أيضًا مع أصحابه حتى الواحدة صباحًا، ويقول: أخرج غالبًا آخر الأسبوع مع الأصدقاء، فنجلس في أحد الكافيهات، وعندما سألته متى يذاكر قال: النهار طويل وممل، وليس لدي مشكلة مع السهر فقد تعودت عليه، وأذاكر بالنهار قدر الإمكان.

أما مصطفى محمود - 17 سنة - فيقول: أنا أنام باكرًا ولا أعتقد أن السهر الذي لا جدوى منه، إلا قضاء للأوقات فيما لا يفيد، وخاصة أن كثيرًا من الشباب الساهرين يقضون أوقاتهم في المحرمات، مثل مشاهدة ما لا يليق على الفضائيات أو الإنترنت.

وعن أسباب السهر تقول الأستاذة أميرة بدران - المستشارة الاجتماعية والنفسية بإسلام أون لاين: السهر ظاهرة صار عمرها الآن أكثر من ثلاثين عامًا في مجتمعنا المصري تقريبًا، أفرزت لنا كائنًا جديدًا اسمه «الكائن الليلي»، والسهر مثله مثل التدخين لم نعد في حاجة إلى الحديث عن مضاره؛ لأنها باتت معروفة، ولكن الحديث عن سببه وكيفية تغييره هو الأهم.

لماذا السهر ؟
تتعدد أسباب السهر، ولعل أهونها وأيسرها علاجًا هي الأسباب الفسيولوجية الناتجة عن خلل في إفراز هرمون الميلاتونين الذي يؤثر تأثيرًا مباشرًا في عملية النوم، والذي يزداد إفرازه ليلاً حسب الدراسات العلمية الحديثة التي أشارت إلى ذلك، ولكن هناك بعدًا نفسيًا وبعدًا اجتماعيًا في خلفية الصورة هو أجدر بالتناول.

فالسهر قد يكون هروبًا من مواجهة مشكلات حقيقية تتحدانا في حياتنا الاجتماعية، أو الدراسية، أو الزوجية، أو العملية، ونترجم الهروب منها في السهر أمام شاشات التليفزيون أو النت أو غيره؛ حتى لا نفكر في مواجهتها كثيرًا.

وقد يكون تعبيرًا عن اضطراب نفسي كالاكتئاب والقلق، أو التوتر، يحتاج لعلاج نفسي، وقد يكون تعبيرًا عن العدوان، خاصة في فئة المراهقين؛ حيث مرحلة التمرد على قوانين البيت، وقائمة (افعل ولا تفعل)؛ حيث يعيشون يجد المراهق نفسه غير قادر عن التعبير عن غضبه مما يُطلب منه أو الاعتراض عليه بشكل واضح وصريح، فيقوم بالسهر وإضاعة الوقت في غير فائدة «كـ تنفيس» غير مباشر لاعتراضه على الأهل؛ لأن في إضاعة الوقت إيذاء لوالديه وإثباتًا لشخصيته.

كما قد يكون سببه النشأة؛ حيث لم يُرب الطفل منذ صغره على إعلاء قيمة الوقت، أو الإحساس بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه المجتمع، أو نتاج التربية المدللة مثلاً التي تخرج لنا شخصًا مستهترًا لا يعي مفهوم الحرية بحق.

وقد يكون للإعلام دوره؛ حيث صدّر لنا مفهوم السهر بالقنوات التي تستمر في البيت 24 ساعة يوميًا.

وقد يكون السهر دلالة على ضعف الوازع الديني، حين نبتعد عن وصايا الرسول (صلوات الله وسلامه عليه) فيما يخص حق البدن وأهمية النوم، والتبكير للحفاظ على الصحة، وصلاة الفجر وغيره.

كيفية العلاج :
بقي أن نتحدث عن كيفية العلاج أو المواجهة، وهنا أقول لكل شباب: عليك أن تعي أن نجاحك في الحياة هو مسئوليتك الشخصية، ولن تنجح إلا إذا قاومت ما تحب، وتحملت ما تكره، فقد تهوى السهر، ولكنك في المقابل تأخذ من رصيد صحتك البدنية والعصبية والنفسية، ومن رصيد دورك الحقيقي في هذه الحياة التي خُلقت له، من العمل والدأب نهارًا، والاسترخاء والنوم ليلاً.

ولا تتصور أنك بذلك تُسلب حريتك، فالحرية التي تسبب المرض والتقصير، والوقوع فيما لا يجب - هي حرية مزيفة، والحرية التي تقوم على مجرد التمرد هي حرية أيضًا مزيفة، وحريتك الحقيقية هي ألا تظل عبدًا لعادة سيئة أثبتت معظم الدراسات أنها تسبب الكثير من الاضطرابات العصبية والعقلية والنفسية، وتسبب ضعفًا في التركيز والذاكرة قصيرة المدى، والقدرة على التحصيل والأداء مهما نام الإنسان نهارًا.

والسهر ليس علاجًا لمشكلة تواجهك، بل هو هروب من واقع قد يكون سببه الفراغ أو عدم وجود شيء حقيقى تعمل من أجله، والأجدر لك هو البحث عن هذا الدور وهذا العمل، بدلاً من قتل خلايا مخك وتدميرها يوميًا بهذا السهر، والوقوع في المزيد من عدم الرضا عن النفس والحياة، أو الاستهتار بهما.

أضرار السهر الصحية
خلق الله - سبحانه وتعالى - النهار للعمل، والليل للنوم، وفي النهار يصرِّف الجسم طاقاته، ليعوض في الليل ما صرفه منها، وعدم أخذ القسط الكافي من النوم يؤدي إلى ظهور أعراض وأمراض أخرى، منها: التعب - الصداع - الغثيان - احمرار العينين وانتفاخهما - التوتر العصبي - القلق - ضعف الذاكرة والتركيز - سرعة الغضب - الألم في العضلات، وبعض المشكلات الجلدية كالبثور وغيرها.

ووفقًا لموقع الجدار الحر الإليكتروني فإن أضرار السهر الصحية تتلخص فيما يلي:

1. السهر والكفاءة العضلية:
ثبت من خلال التجارب التي أجراها عدد من علماء التربية البدنية أن الوظائف الجسمية تزداد قوتها وتنقص بين وقت وآخر خلال اليوم؛ حيث تظهر الكفاءة العضلية، وتبدأ في الزيادة تدريجيًا عند الساعة الرابعة صباحًا، وتبلغ مداها الأقصى في الساعة السابعة صباحًا، وتستمر حتى الساعة الحادية عشر ظهرًا؛ حيث يبدأ المستوى في الانخفاض التدريجي حتى الساعة الثالثة عصرًا؛ حيث يزداد تدريجيًا حتى الساعة السادسة مساء، ثم يعود في الانخفاض التدريجي مجددًا، والانخفاض الكبير يبدأ في الساعة التاسعة ليلاً، ويبلغ مداه في الساعة الثالثة صباحًا.

2. السهر وجهاز المناعة:
إن قلة النوم تسبب خللاً في جهاز المناعة، وهو خط الدفاع الأول والأخير ضد الأمراض، وعندما يعتلّ هذا الجهاز، فهذا معناه - وبكل بساطة - الانهيار؛ ذلك أن هذا الجهاز مبرمج على ساعات اليقظة وساعات النوم التي يحتاجها الإنسان، وعند حدوث تغيير في هذه الدورة اليومية يصاب جهاز المناعة بالتشويش والفوضى.

3. السهر والأرق :
أي انعدام النوم، وإنما هو النوم المسهد الذي يكون المرء فيه بين إغفاءة وانتباه، والمؤرق حركته دائبة لا يستقر، فهو يستدير نحو كل اتجاه، ويحتال على النوم بشتى الوسائل دون فائدة، وأحيانًا يكون الفكر منشغلاً بموضوع السهر إن كان أمام فيلم تليفزيوني، أو أمام الإنترنت، أو مسلسل، أو مبارة، فإن امتد الأرق ليلة وليالي انحطت قوى الشخص، وتوقف العقل عن الإنتاج، وسيطر على المؤرق التشاؤم والميل إلى الوحدة، وكره المجتمعات؛ فيكره نفسه ثم يكره الحياة، فالجسم يحتاج إلى نوم هادئ وطويل، يكفي لطرح السموم العصبية التي تراكمت فيه نتيجة للأعمال الحيوية.

4. السهر والتشوّهات القوامية:
نتيجة الجلوس لفترات طويلة أمام التلفاز وغيره، خاصة إذا كان الجلوس بطريقة غير صحيحة يصاب الهيكل العظمي بأضرار وتشوهات في العظام وفقرات الظهر، مما يؤدي إلى الإصابة بالانحناء في العمود الفقري، وقال تعالى: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم}.

عرضة للموت
وتشير دراسة طبية بريطانية إلى أن الأشخاص الذين لا ينامون بالقدر الكافي تزيد لديهم احتمالات الوفاة بسبب أمراض القلب، بأكثر من ضعفين، وتؤكد الدراسة أن عدم كفاية النوم له علاقة بارتفاع ضغط الدم الذي يزيد من مخاطر الإصابة بأزمات قلبية وحدوث جلطات، وأوضح تحليل شمل 10 آلاف عامل بالحكومة على مدار 17 عامًا أن الذين يخفضون ساعات نومهم من سبع ساعات كل ليلة إلى خمس أو أقل يتعرضون لزيادة في الوفيات تصل إلى 7،1 ضعف.

وإليك هذه النصائح التي تمكنك من النوم مبكرًا:

- عدم القيام بأعمال شديدة الإجهاد، سواء من الناحية الذهنية أو البدنية قبل النوم.

- عدم تناول المنبهات من القهوة أو الشاي في الفترة المسائية، ويدخل ضمنها الإفراط في التدخين.

- تعويد الجسم على وقت معين وساعة معينة للخلود إلى النوم، وحتى وإن كانت البداية صعبة فلتظل في سريرك.

- القيام بممارسة رياضة خفيفة كالمشي في فترة ما بعد العصر وقبل الغروب.

- تهيئة المكان الهادئ المناسب للنوم، ويفضل أن يكون ثابتًا.

- تجنب الوجبات الثقيلة قبل النوم، ويفضل تناول كوب من اللبن الدافئ قبل النوم.

- أخذ حمام دافئ قبل الخلود للنوم.

- عند الذهاب للفراش حاول أن تصرف ذهنك عن الأفكار التي تساعد على القلق والتوتر، وذلك بقراءة بعض الكتب السهلة قبل النوم، ويفضل أن تكون من النوع الممتع المشوق بالنسبة لك، وأفضل ما يمكن قراءته قبل النوم القرآن الكريم.
مركز الإعلام العربي

Post: #210
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 08:33 AM
Parent: #209

كيف تحافظ على وزنك؟
ينجح الكثيرون في خفض أوزانهم، ولكن بعد فترة سرعان ما تعود الكيلوات المفقودة مرة أخرى بعد التوقف عن الحمية .

من نصائح الخبراء
ينصح الخبراء بضرورة مراعاة ما يلي للمحافظة على الوزن :

- معرفة مدى حاجة الجسم الحقيقية للطعام: حاول معرفة حاجة جسمك الحقيقية من الطعام، وذلك قبل وأثناء الأكل، فأحيانًا يكون الدافع للأكل هو الملل والاكتئاب، وأحيانًا كثيرة يصل الإنسان إلى مرحلة الشبع، ويستمر في الأكل.

- حاول الحصول على وجبتين يوميًا من الفواكه والخضر، وتناول المأكولات الصحية الأخرى مثل: الخبز ذو القمح الكامل.


- لا تحرم نفسك من الأغذية المفضلة لديك؛ لأن ذلك سيضعف من صمودك، وبالتالي تفشل الحمية، لكن الحل في أن تأكل القليل من الحلوى المفضلة لديك، مع التحكم في الرغبة الشخصية في الطعام.

- في المنزل ينبغي إزالة الطعام من على طاولة المطبخ، ووضعه في أوعية لا تذكرك بأن فيها طعامًا، كلما رأيتها، ويمكن أن تضع الطعام المحتوي على سعرات حرارية عالية في الأماكن التي يصعب الوصول إليها من أجل تقليل الدافع والرغبة في الأكل.

- فكر في الأشياء الصغيرة؛ حيث تناول كعكة صغيرة الحجم أفضل من تناول كعكة كبيرة تحتوي على كمية من الحبوب تكفي ليوم كامل؛ حيث يكثر فيها عدد السعرات الحرارية.

- تناول الأطعمة الغنية بالألياف، فهي تمكث في المعدة لمدة طويلة، وتؤخر الشعور بالجوع.

- عالج المشكلات العاطفية والعائلية والنفسية؛ حتى لا تكون هي السبب وراء الشعور بالجوع الدائم، والتهام كثير من الأطعمة هربًا منها.

- تناول من 3 - 5 وجبات صغيرة وبينها فترة قليلة.

- عند الشعور بالجوع الشديد، تناول الأطعمة المالئة للمعدة ذات السعرات الحرارية المنخفضة مثل: «الخيار - الخس - الطماطم - التفاح - عصير الجريب فروت».

- عند الشعور بالجوع، اشغل نفسك بأي نشاط آخر، كقراءة جريدة أو كتاب، أو التحدث مع الزملاء في أي موضوع .

أغذية تساعد على الرجيم
ومن الأغذية التي تساعد في أنظمة الريجيم وتحافظ عليه:

- اللوبيا الخضراء: يمكن تناولها دون خوف من السمنة، فيحتوي كل 100 جرام منها على 40 وحدة حرارية.


- الموز: موزة واحدة تقطع الشهية، وهي من أكثر الفواكه احتواء على وحدات حرارية، 100 جرام من الموز يحتوي على 100 وحدة حرارية.


- الجزر: يحتوى على الكثير من الفيتامينات، 100 جرام من الجزر يحتوي على 45 وحدة حرارية، لكنه غني بالسكر، وينصح بالإكثار منه في فترة الريجيم.


- البيض: المسلوق والمقلي، يحتوي على البروتين، لكن لا ينصح بالإكثار منه فيكفي بيضتان في اليوم.


- الكزبرة: هي من الخضر الغنية بالفيتامينات، نيئة أو مطبوخة، نستطيع تناولها بكثرة دون خوف من زيادة الوزن.


- التفاح: إذا شعرت بالجوع في أي وقت يمكن تناول التفاح، والأفضل أن تكون التفاحة خضراء، لأنها لا تحتوي كثيرًا على مواد سكرية، فـ 100 جرام تفاح تحتوي على 60 وحدة حرارية.
المركز الإعلامي العربي

Post: #211
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 08:35 AM
Parent: #210

تحنيك المولود سنة نبوية و فوائد طبية
الأولاد نعمة عظيمة، ومنّة جليلة من الله تعالى توجب الشكر عليها، وإظهار الفرح بها، وحسن تعهدها بالرعاية والتربية لتصبح نبتًا طيبًا فى روضة الإسلام.



وقد اهتم الإسلام أيما اهتمام بالطفولة منذ لحظة الولادة، بل وقبلها، أى منذ التفكير فى الزواج، فأوصى بحسن اختيار الزوج والزوجة الصالحين، لضمان سلامة النسل وكيان الأسرة القوى، ليس فقط من الجانب الأخلاقى، إنما ضم إليه أيضًا الجوانب الوراثية الجسدية والنفسية، وتستمر هذه الرعاية فى مرحلة الحمل، وعند الولادة والرضاع، ومراحل التربية والتنشئة كلها.



وقد شرع الإسلام للطفل حقوقًا فى جميع هذه المراحل، ورد بعضها فى كتاب الله، وأسهبت السنة فى تفصيلها، وجعلتها من السنن الثابتة فى بر الآباء بأبنائهم، ومن الأعمال التى شُرعت فى أول يوم فى حياة الطفل: البشارة به والتهنئة بقدومه، والدعاء له، والآذان والإقامة فى أذنيه، ثم تحنيكه.



التمر أو العسل
فالتحنيك سنة واردة عن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، وتعنى مضغ التمر، أو الشيء الحلو بفم شخص صحيح غير مريض، ووضعه فى فم المولود، ودلك حنكه به، وذلك بوضع جزء من التمر الممضوغ على الإصبع النظيف، وإدخال الإصبع فى فم المولود، ثم تحريكه يمينًا وشمالاً بلطف حتى يتبلغ الفم كله به، ويمكن إدخال جزء من التمر الطرى فى فم الطفل ليمضغه ويستفيد منه.



وإن لم يتيسر التمر، فليكن التحنيك بمادة حلوة، وعسل النحل أولى من غيره، ثم ما لم تمسه نار «أى غير المطبوخ».



التحنيك فى السنة
وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة فى التحنيك منها قول أسماء بنت أبى بكر حين حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: «فخرجت وأنا متم (أى أكملت الشهر التاسع من الحمل)، فأتيت المدينة، فنزلت بقباء فولدت بقباء، ثم أتيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فوضعته فى حجره، ثم دعا بتمرة، فمضغها، ثم تفل فى فيه، فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له، فبرك عليه، وكان أول مولود وُلد فى الإسلام، ففرحوا به فرحًا شديدًا، لأنهم قيل لهم: «إن اليهود قد سحرتكم فلا يولد لكم».



الفوائد الصحية للتحنيك
وقد أكد د. محمد على البار - عضو هيئة الإعجاز العلمى، فى موقع طريق الإسلام - أن العلم الحديث أثبت الفوائد الصحية للتحنيك على جسد الطفل الوليد ونموه، وقدَّم له تفسيرًا علميًا مقنعًا.



فقال: إن الأحاديث الواردة فى التحنيك تدل على أن يكون التمر أو الطعام الحلو أول ما يدخل جوف الطفل، وعلى استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل والصلاح من الرجال أو النساء لتحنيك المولود للتبرك بهم.



وقد اكتشف العلم الحديث الحكمة من هذا التحنيك بعد أربعة عشر قرنًا من الزمان، فقد تبين حديثًا أن كل الأطفال، وخاصة حديثى الولادة والرضع معرضون للموت إن حدث لهم أحد أمرين: نقص السكر فى الدم، أو انخفاض درجة حرارة الجسم عند التعرض للجو البارد المحيط به.



فمستوى السكر (الجلوكوز) فى الدم بالنسبة للمواليد يكون منخفضًا، وكلما كان وزن المولود أقل كانت نسبة السكر منخفضة، وبالتالى فإن المواليد الخداج (وزنهم أقل من 2.5 كجم) يكون مستوى السكر عندهم منخفضًا جدًا، بحيث يكون فى كثير من الأحيان أقل من 20 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم، أما المواليد أكثر من 2.5 كجم، فإن مستوى السكر يكون لديهم عادة فوق 30 ملليجرام.



ويعتبر هذا المستوى هبوطًا شديدًا فى مستوى سكر الدم، ويؤدى إلى أعراض خطيرة منها:

- أن يرفض المولود الرضاعة.

- ارتخاء العضلات.

- توقف متكرر فى عملية التنفس، وحصول ازرقاق فى الجسم.

- نوبات من التشنج.



كما قد يؤدى إلى مضاعفات خطيرة ومزمنة أهمها:

- تأخر النمو.

- تخلف عقلى.

- شلل دماغى.

- إصابة السمع أو البصر أو كليهما.

- نوبات صرع متكررة.



وإذا لم يتم علاج هذه الحالة فى حينها قد تنتهى بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور، وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذابًا فى الماء، إما بالفم أو بواسطة الوريد، وهذا هو ما يقوم به التحنيك.



فالتحنيك علاج وقائى من أمراض نقص السكر فى الدم، لأنه يحتوى على سكر الجلوكوز بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذى يحتوى على أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائى (السكروز) إلى سكر أحادى، أما الريق فإنه ييسر إذابة السكريات، ومن ثم ييسر للمولود الاستفادة منها، ولذلك فقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المواليد محلول الجلوكوز بعد ولادته مباشرة، وقبل أن ترضعه أمه، ومن هنا تتجلى حكمة التحنيك كسنة نبوية.



كما أكدت الدراسات العلمية أن فى التحنيك تقوية لعضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك والفكين حتى يتهيأ المولود للقم الثدى، وامتصاص اللبن بشكل قوى، ومساعدة للهضم، وتحريكًا للدم، وتهييجًا غريزيًا لآلية البلع والرضاع، وأيضًا فإن للضغط على سقف حلق الطفل لأعلى أثناء التحنيك أثرًا فى إعطاء الفم الشكل الطبيعى لتهيئة الطفل لإخراج الحروف سليمة من مخارجها الطبيعية عندما يبدأ الطفل فى الكلام.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #212
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 03:40 PM
Parent: #211

هل يسود أسرتكما جو من الشورى والحوار تنعمان من خلاله باتفاق الآراء حول القرارات المهمة التي تخص حياتكما، أم الذي يتخذ القرار في البيت ديكتاتور بعيد عن الآخرين يأمر وينهي وعليهم السمع والطاعة، نظرة على بيوتنا لنرى أي الصورتين أقرب: المشاركة، أم الاستبداد؟

تقول أمل حسان (زوجة، وأم منذ 12 عامًا): الحوار طبعًا شيء أساسي في الأسرة، فبيني وبين زوجي حوار متصل حول كل أمورنا وأمور أبنائنا، وما يخص مستقبلنا، حتى نصل لرأي سليم. وليس شرطًا أن يكون رأي الزوج هو الملزم، أو رأيي أنا، وإنما الرأي الذي فيه مصلحة الأسرة، وقد نختلف أحيانًا، ولكنها مجرد خلافات عابرة.

وتوافقها الرأي لبنى عبد العزيز (أم لثلاثة أبناء، ومتزوجة منذ عشر سنوات) حيث تقول: لا أتخيل أسرة يغيب فيها الحوار والشورى، ورغم أن عمل زوجي كطبيب يشغل تقريبًا كل وقته، إلا أنه لا بد أن أنتظر عودته، وحتى لو أثناء الطعام، نناقش ما يخصنا، وأحكي له عن يومي ويوم الأولاد والأحداث التي مررنا بها، وبهذا أشعر أننا نعيش كأسرة، وإذا انشغل عنا أشعر بأننا في واد، وهو في واد آخر، وأني أعيش وحدي، وهذا ما لا يعجبني، ولا أوافق عليه.

أما آمال عادل (زوجة منذ 14 عامًا)، فالأمر مختلف عندها بعض الشيء، فهي تقر أن زوجها يشاورها، ولكنه لا يأخذ برأيها في أغلب الأحيان، وتقول: أنا أيضًا حين أريد أن أفعل شيئًا أو أشتري شيئًا آخذ رأي الأولاد، ولكني أفعل في النهاية ما آراه صوابًا، وليس ما يراه الآخرون.

وتنعي وفاء سالم (زوجة منذ ثماني سنوات، وأم لثلاثة أطفال) حظها، وتقول: منذ صغري وأنا معروفة بالرأي والحكمة، وكنت ذات رأي في أسرة والدي، بل وأسر إخوتي وأخواتي المتزوجين أيضًا، حيث يشاورونني في الأمور المهمة، ولكن للأسف زوجي لا يشاورني في أي شيء، وإذا حدث وشاورني، فإنه لا يأخذ برأيي، ودائمًا يسفه رأيي، ويتهكم علي، ثم يتضح بعد ذلك خطأ رأيه وصواب رأيي، ولكني لا أستطيع التعليق حتى لا أتعرض للإساءة.

أما رأي الرجال فمختلف فها هو جمال نصير (زوج منذ 21 عامًا) يقول: «شاوروهم وخالفوهم»، هذا هو المثل الذي أؤمن به، ويستطرد: وهل للنساء رأي؟ صحيح زوجتي متعلمة، ولكني رجل البيت، والكلمة كلمتي، و " الشورى شورتي " ، هو يعترف أن هناك حوارًا داخل الأسرة، فزوجته تعرف تفاصيل يومه، من خلال ما يحكيه لها، وكذلك بناته الخمسة، ولكن في النهاية لا ينفذ إلا رأيه هو.

أما أحمد عبد العظيم (متزوج منذ عشر سنوات)، فيقول: ما معنى الأسرة إذا كان الرجل في واد، والمرأة في واد آخر، والأولاد في واد ثالث؟! فالأسرة في نظري تعني رابطة مشتركة ليست بين طرفين فقط هما: الزوج والزوجة، ولكن بين أطراف ثلاث هم: الزوجة والزوج والأبناء؛ فلا بد إذًا أن يكون هناك حوار دائم ومتبادل بين هذه الأطراف ومشاورة في كل صغيرة وكبيرة؛ لأن أي قرار يتم اتخاذه سيعود على جميع أفرادها، إما بالسلب أو بالإيجاب.

وتحكي زينب الديب عن أبيها فتقول: كان مثالاً رائعًا للأب (يرحمه الله)؛ فقد كان يشاورني دائمًا في كل شيء، وإذا ما رأى في رأيي صوابًا أخذ به، وغالبًا ما كان يحدث هذا؛ فأشعرني بقيمتي، ونمَّى شخصيتي، وزاد ثقتي بنفسي، وأثر في حياتي بشكل كبير، وأتمنى أن يكون زوجي مثل أبي؛ حتى ينعم أولادي بما نعمت به.

السبب و العلاج
ويرجع الأستاذ الدكتور علي ليلة - أستاذ الاجتماع بجامعة عين شمس - السبب في غياب الحوار الأسري، وتراجع قيمة الشورى إلى ثقافتنا التقليدية التي تؤكد «المجتمع الأبوي»، بمعنى أن الأب والأم دائمًا مصدر السلطة والقرار ( دون نقاش أو حوار ) ، هذا إلى جانب تيار العزلة الذي فرض نفسه حديثًا على المجتمع؛ بسبب انشغال الآباء في تحصيل الرزق لتدبير احتياجات الأسرة، إلى جانب وسائل الاتصال الحديثة التي تأخذ وقت الكثيرين بشكل منفرد، وليس جماعيًا، فحتى مشاهدة التلفاز يجلس الجميع أمامه في صمت تام، فهناك تقارب جسدي فقط، هذه الأسباب مجتمعة تجعل من الحوار أمرًا غير وارد، وبالتالي تغيب الشورى بين أناس يغيب بينهم الحوار أصلاً.

وينصح د. علي ليلة الآباء بضرورة الاهتمام بما يسميه الجلسة الأسرية لمدة ساعة يوميًا على الأقل يجتمع فيها جميع أفراد الأسرة، يتحدثون عن أنفسهم، وعن الأحداث التي قابلتهم طوال اليوم، وبهذا نقضي على العزلة. ولا بد من وجود مساحة للحوار، حتى وإن كان الأبناء في سن صغيرة؛ لأن هذا يعد تدريبًا لهم على المشاركة الأسرية، وحتى إن لم يجد الآباء ما يناقشونه، فليحكوا عن أي شيء، وليحرصوا على هذه الجلسة، وهي ستفرز قضاياها، ويشير إلى أْهمية هذا الاجتماع اليومي الذي يزيد التقارب والتواصل بين أفراد الأسرة الواحدة، ويعمق شبكة العلاقات، حتى تعود قوية متماسكة من الداخل، ولا يكون التماسك مجرد مظهر فقط، بينما كل فرد منعزل عن الآخر، وهو حال كثير من الأسر. كما أن هذا الاجتماع يقضي على المشكلات في بدايتها؛ وذلك لتنوع وتعدد الآراء، ويمنع كثير من الانحرافات التي قد تحدث نتيجة لغياب الجو الأسري الدافئ.
مركز الإعلام العربي

Post: #213
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 09:41 PM
Parent: #212

ﻃﺮﺣﺖ ﺟﺴﺪﻫﺎ ﺍﻟﻤﺘﻌﺐ ﻣﻦ ﺃﻋﺒﺎﺀ ﺍﻟﺒﻴﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﺍﻟﻨﻘﺎﻝ ﺍﻟﺬﻱ ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻋﻦ ﺭﻧﻴﻦ ﺍﻟﺮﺳﺎﺋﻞ ﻓﻔﺘﺤﺖ ﺍﻟﻬﺎﺗﻒ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﻣﻘﺎﻃﻊ ﻋﺒﺮ ﺍﻟﻮﺍﺗﺲ ﻣﻦ ﺯﻣﻴﻠﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻗﺪ ﺳﺎﻓﺮﺕ ﺇﻟﻰ ﺃﻭﺭﺑﺎ ﺻﻮﺭﺕ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻨﺎﻇﺮ ﺍﻟﺠﺒﺎﻝ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻜﺴﻮﻫﺎ ﺍﻟﺠﻠﻴﺪ ﻭﻣﻨﻈﺮ ﺍﻟﻄﺒﻴﻌﺔ ﺍﻟﺨﻼﺑﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻄﻞ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻧﺎﻓﺬﺓ ﻏﺮﻓﺘﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﻔﻨﺪﻕ ﻭﺿﺤﻜﺎﺗﻬﺎ ﻫﻲ ﻭﺯﻭﺟﻬﺎ ﻭﺃﺑﻨﺎﺋﻬﺎ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻨﻘﻠﻮﻥ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻤﺮﻭﺝ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ . ﺍﺧﺬ ﻗﻠﺒﻬﺎ ﻳﻌﺘﺼﺮ ﺃﻟﻤﺎً ﻭﻫﻲ ﺗﺮﺩﺩ ﺑﻴﻨﻬﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﻌﺪﻙ ﻭﻳﺤﻔﻈﻚ ﻳﺎ ﺻﺪﻳﻘﺘﻲ ﺍﻟﻐﺎﻟﻴﺔ ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﺯﻗﻨﻲ ﻣﻤﺎ ﺭﺯﻗﻚ. ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﺍﻻﻧﺴﺘﻐﺮﺍﻡ ﻭﻓﺘﺤﺖ ﺣﺴﺎﺏ ﺃﺧﺘﻬﺎ ﺍﻟﺼﻐﺮﻯ ﻓﺈﺫﺍ ﻫﻲ ﺗﺠﺪ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﺪﻳﺔ ﻗﺪﻣﻬﺎ ﻟﻬﺎ ﺯﻭﺟﻬﺎ ﺑﻤﻨﺎﺳﺒﺔ ﺗﺮﻗﻴﺘﻪ . ﻗﺎﻟﺖ : ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ، ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺴﺨﺮ ﻟﻬﺎ ﻭﻳﺴﺨﺮ ﻟﻲ ﻣﻦ ﺯﻣﺎﻥ ﻣﺎﺟﺎﺏ ﻟﻲ ﺯﻭﺟﻲ ﻫﺪﻳﺔ ﺇﻳﻪ ﺍﻟﺤﻤﺪﻟﻠﻪ . ﺛﻢ ﻓﺘﺤﺖ ﺣﺴﺎﺏ ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ ﻋﺒﻴﺮ ﻓﺈﺫﺍ ﺻﻮﺭﺓ ﻟﻬﻢ ﻭﻫﻢ ﻳﺘﻨﺎﻭﻟﻮﻥ ﻭﺟﺒﺔ ﺍﻟﻌﺸﺎﺀ ﻓﻲ ﺃﺣﺪ ﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﺍﻟﺮﺍﻗﻴﺔ . ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺮﺣﻢ ﺿﻌﻔﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ ﻭﺃﻧﺎ ﺑﺎﻟﻤﻄﺒﺦ ﺗﻌﺒﺎﻧﻪ ﻋﻠﺸﺎﻥ ﺍﻟﻌﺸﺎ ﻭﻫﻢ ﻣﺎ ﺷﺎﺀ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺎﻟﻤﻄﻌﻢ ﻣﺘﻬﻨﻴﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﺪﻳﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻧﻌﻤﺘﻪ . ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﻘﻠﺐ ﻣﻦ ﺣﺴﺎﺏ ﺇﻟﻰ ﺣﺴﺎﺏ ﻭﻗﻠﺒﻬﺎ ﻛﻠﻪ ﺣﺴﺮﺍﺕ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻨﻘﺼﻬﺎ ﻣﺰﺩﺭﻳﺔ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﺎﻓﻠﺔ ﻋﻤﺎ ﺗﺘﻤﺘﻊ ﺑﻪ ﻣﻤﺎ ﻫﻮ ﺧﻴﺮ ﻣﻤﺎ ﻋﻨﺪ ﻏﻴﺮﻫﺎ . ﺃﻏﻠﻘﺖ ﻫﺎﺗﻔﻬﺎ ﻭﻏﺎﺩﺭﺕ ﺳﺮﻳﺮﻫﺎ ﻣﺘﻮﺟﻪ ﻟﺰﻭﺟﻬﺎ ﺗﻄﻠﺐ ﻣﻨﻪ ﺃﻥ ﻳﺴﺎﻓﺮ ﺑﻬﺎ ﻣﺜﻞ ﻓﻼﻧﺔ ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ ﻭﻣﺜﻞ ﻓﻼﻥ ﺃﺧﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﺎﻓﺮ ﺑﺰﻭﺟﺘﻪ ﻭﻓﻼﻧﻪ ﻭﻓﻼﻧﻪ ﻭﺗﻠﺢ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻜﺎﻥ ﺭﺩﻩ ﺍﻟﻠﻪ ﻳﻴﺴﺮ ﻭﻳﺪﺑﺮ ﺍﻟﺼﺎﻟﺢ. ﻋﺎﺩﺕ ﻟﻐﺮﻓﺘﻬﺎ ﻭﺻﻠﺖ ﺭﻛﻌﺘﻴﻦ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﺗﺨﻠﺪ ﻟﻠﻨﻮﻡ ﻭﺗﻨﺎﻭﻟﺖ ﻣﺼﺤﻔﻬﺎ ﻟﺘﻘﺮﺃ ﻭﺭﺩﻫﺎ ﻓﻔﺘﺤﺖ ﻋﻠﻰ ﺳﻮﺭﺓ ﻃﻪ ﻓﺎﺳﺘﻌﺎﺫﺕ ﻭﺑﺴﻤﻠﺖ ﻭﺗﻠﺖ ( ﻃﻪ * ﻣَﺎ ﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥَ ﻟِﺘَﺸْﻘَﻰٰ * ﺇِﻟَّﺎ ﺗَﺬْﻛِﺮَﺓً ﻟِّﻤَﻦ ﻳَﺨْﺸَﻰٰ ) ﺗﻮﻗﻔﺖ ﻗﻠﻴﻼ ﻭﺗﺄﻣﻠﺖ ﺍﻵﻳﺎﺕ ( ﻣَﺎ ﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻋَﻠَﻴْﻚَ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥَ ﻟِﺘَﺸْﻘَﻰٰ) ﻗﺎﻟﺖ ﻓﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ : ﺃﻧﺰﻟﻪ ﻟﺘﺴﻌﺪ ﻓﺎﻟﻘﺮﺁﻥ ﻫﻮ ﻣﺼﺪﺭ ﺍﻟﺴﻌﺎﺩﺓ ﻟﻠﻌﺒﺪ ﺇﺫﺍ ﺗﺪﺑﺮﻩ ﻭﻋﻤﻞ ﺑﻪ . ﺛﻢ ﺗﺎﺑﻌﺖ ﺗﻼﻭﺗﻬﺎ ﺣﺘﻰ ﻭﺻﻠﺖ ﺇﻟﻰ ﻗﺮﻳﺐ ﻣﻦ ﺁﺧﺮ ﺍﻟﺴﻮﺭﺓ ﻭﺇﺫﺍ ﻫﻲ ﺗﻘﺮﺃ ( ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﺗﺴﻤﺮﺕ ﻋﻴﻨﺎﻫﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﻳﺔ ﻭﺃﺧﺬﺕ ﺗﺮﺩﺩﻫﺎ (ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﻗﺎﻟﺖ : ﺍﻵﻳﺔ ﺗﺨﺎﻃﺒﻨﻲ (ﻭَﻟَﺎ ﺗَﻤُﺪَّﻥَّ ﻋَﻴْﻨَﻴْﻚَ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣَﺎ ﻣَﺘَّﻌْﻨَﺎ ﺑِﻪِ ﺃَﺯْﻭَﺍﺟًﺎ ﻣِّﻨْﻬُﻢْ ﺯَﻫْﺮَﺓَ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ﻟِﻨَﻔْﺘِﻨَﻬُﻢْ ﻓِﻴﻪِ ﻭَﺭِﺯْﻕُ ﺭَﺑِّﻚَ ﺧَﻴْﺮٌ ﻭَﺃَﺑْﻘَﻰٰ) ﺗﻨﻬﺪﺕ ﻭﻗﺎﻟﺖ : ﺭﺣﻤﺎﻙ ﺭﺑﻲ ﻛﻢ ﻣﺪﺩﻧﺎ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﻣﺘﺎﻉ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ ﻓﺘﻌﻠﻘﺖ ﺑﻪ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﺗﺤﺴﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﻓﻮﺍﺗﻪ ﻓﺎﺿﻄﺮﺑﺖ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻭﻓﻘﺪﻧﺎ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ ﻭﺍﻟﺮﺿﺎ ﻓﺘﺴﺨﻄﻨﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻤﻸ ﺃﻋﻴﻨﻨﺎ ﺟﻤﻴﻊ ﻣﺎﻋﻨﺪﻧﺎ ﻣﻦ ﻧﻌﻢ ﻻ ﺗﻌﺪ ﻳﺨﻄﺊ ﻣﻦ ﻳﻈﻦ ﺃﻥ ﺃﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺴﺮﻭﺭ ﻛﻠﻬﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻔﺮﺍﺕ ﻭﺍﻟﻤﻄﺎﻋﻢ ﻭﺍﻟﻔﻨﺎﺩﻕ ﻓﺎﻟﺴﺮﻭﺭ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﻔﺲ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﺘﻤﺪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻈﺮﻭﻑ ﺍﻟﺨﺎﺭﺟﻴﺔ ﺍﻟﻠﻬﻢ ﺍﺭﺯﻗﻨﺎ ﺍﻟﻘﻨﺎﻋﺔ ﻳﺎﺭﺏ..
تامل وتدبر ..
منقول

Post: #214
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-10-2015, 09:44 PM
Parent: #213

طالب نشأ في عائلة غنية
وتعلّم في أفضل المدارس
كان كابتن لفريق السباحة في الجامعة ،
وبدأ الاستعداد ليمثل بلده في فريق السباحة للألعاب الأولمبية القادمة الكل كان يُثني عليه لكنه لم يكن يهتم بصلاته و أوراده اليوميه
كان له صديق في الجامعة ملتزم ومتدين لا يتحرك خطوه إلا ويقول :
" يا الله توكلت عليك "
وكان دائماً يطلب منه الذهاب للمسجد لكنه لم يهتم و يُفضل الذهاب إلى مسبح الجامعة ليتدرب أكثر على السباحة ..
حاول صديقه أن يُعلمه أهمية الصلاة و الأوراد لكنه لم يقتنع
في ليلة ،
ذهب حمد إلى مسبح الجامعة كالعادة ليُمضي بعض الوقت في التدريب على القفز
كان القمر ساطعاً بنوره من خلال الشبابيك الكبيرة للمسبح ، والسكون يخيم على المكان
احس بالراحه لعدم وجود أي شخص في المسبح ،
فلم يهتم في إشعال الأنوار
حيث نور القمر يتخلل مسبح الجامعه من خلال النوافذ
صعد على السلم الأعلى في المسبح ،
وتقدم إلى حافة منصة القفز ،
ورفع يديه استعداداً للقفز
مع شهيق !
ومن دون شعور !
قال : " يا الله "
إستغرب من نفسه و كأن الكلمه خرجت من دون إرادته
أخذ يتذكر ما كان يقول له صديقه عند كُل أمر
" توكلت عليك يا رب "
لم تأخذ كلماته إلا لحظات قليلة ،
شعر بفرح عجيب يملأ كيانه
ووقف مرة أخرى على حافة المنصة مستعداً للقفز ، وتذكر كلمات صديقه الذي يكررها عند بداية كل أمر
" بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم "
قبل القفز بثواني . . .
و إذ بباب المسبح يُفتح !
و مسئول الصيانة يدخل ،
ويُشعل الأنوار في المسبح
نظر حمد إلى أسفل
ماذا رأى ؟!
المسبح فارغ من الماء !!!!
إذ كان المسئول قد أفرغه لإصلاح شق في داخله
لم يقف بين حمد والموت إلا لحظات قليلة
نزل من المنصه ليسجد لربه وهو يبكي
ليس علي نجاته
إنما علي الوقت الذي مر به لم يذكر فيه اسم الله
كم من مرة
يحف بنا الخطر والموت ،
لكن رحمة الله تعطينا فرصة أخرى ؟
بادروا قبل أن تغادروا
راقت لي فأرسلتها:) سبحان الله
يا سلاااااام
لا يؤخر الله أمراً .. إلا لخير
ولايحرمك أمراً .. إلا لخير ،
ولا يبكيك اليوم .. إلا لخير ،
ولا ينزل عليك بلاء .. إلا لخير ،
لذا لا تتضجر .. فكل الأمور خير ..
فالحمدلله الذي بيده الخير وهو على كل شيء قدير ...
⚡ رسالة تستحق نشرها لجمالها

Post: #215
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 02:52 AM
Parent: #214

المحرم للمرأة تشريع عادل و تكريم فاضل
عن ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم)) متفق عليه ، وفي الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم))

في هذين الحديثين نهي ظاهر عن سفر المرأة بدون محرم . وفي قوله " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر " الخطاب فيه للمؤمنات ، فهي المقصودة بهذا النهي ، وهي التي تنتفع بخطاب الشارع وتنقاد له . وكما تقرر ... أن الشارع لا ينهى إلا عما مفسدته خالصة أو راجحة . ولو نظرنا إلى سفر المرأة بدون محرم ، لوجدنا أن المفاسد فيه إما خالصة أو راجحة ، ولا يخلو منها البتة . وحرصاً على عرض المؤمنة ، ودرءًا للمفاسد المتوقعة ، وحفاظاً على عفة وطهارة المسلمة ، وحماية لحماها .. جاء الشارع ليشرع لها السفر بمحرم ، وينهاها عن السفر بدونه ...

ومن منطلق كوني امرأة من جنس النساء ، ألقي الضوء على بعض المصالح والمفاسد المترتبة على هذه القضية ، ولن أناقش القضية فقهياً بل سأتكلم من الواقع العملي . وحتى تتضح الصورة أعرض ثلاث مواقف ، لأستخلص منها الفوائد
الموقف الأول :
امرأة تسافر مع محرمها في المطار . أول ما تدخل المرأة المطار ، تبحث عن مقعد لتجلس فيه ، حتى ينتهي محرمها من إجراءات السفر .
الفوائد :
1- استفادة المرأة من وقتها فترة انتظارها ، إما بقراءة القرآن أو الذكر أو قراءة كتاب نافع .
2- عدم تعرضها للرجال وابتعادها عن مواطن الفتن ومواقع الأنظار .
3- الراحة النفسية التي تشعر بها ، حين ترى محرمها يوفر لها أسباب الراحة ،ويخدمها ولا يرضى لها التعرض للرجال بدون حاجة .
4- اعتزازها وفخرها بوجود محرم معها ، يحافظ عليها ويدفع عنها ما يسوءها
5- احترام من حولها لها ، وعدم التجرؤ بالقرب منها أو الحديث معها ولا النظر إليها ، فالمحرم حصانة للمرأة .
6- الأمن النفسي والفكري عند جلوسها قرب محرمها في مقعد الطائرة ، وهذه خصوصية وميزة فائقة .
7- الحفاظ على حجابها وحياءها ، والبقاء على الفطرة والأنوثة .

هذا ما أحسست به وأنا أجلس في المطار ، وأرقب محرمي وهو يتحرك لإنهاء إجراءات السفر وقد كفاني مؤونة ذلك ، فحمدت الله على هذه النعمة التي منّ الله بها على المرأة المؤمنة ، حيث جعل الرجل قيّماً عليها ، يتولى جميع أمرها ، ويكفيها شأنها ، ويحفظ لها عرضها .

الموقف الثاني :
امرأة تسافر مع غير محرمها في المطار ، أول ما تدخل المطار تسرع لشحن أمتعتها ، ثم تبادر لقطع تذاكر صعود الطائرة ، وتسعى جاهدة من مكان لآخر لإنهاء إجراءات السفر .
المفاسد :
1- التعرض للرجال والكلام معهم لغير حاجة ، ولو كان معها محرم لكفاها المئونة .
2- التعرض لمواطن الفتن ومواقع النظر ، فمن حولها يسدد النظر إليها ، ومنهم من يعرض عليها خدمتها ، وآخر يتودد إليها في الحديث ويترقق في العبارات .
3- التوتر النفسي الذي تمر به منذ دخولها المطار ، فهي المسئولة عن حمل أمتعتها ، وإنهاء جميع الإجراءات اللازمة للسفر ، مع مزاحمة الرجال والوقوف في صفوفهم ، مما يسبب لها حرجاً وقلقاً .
4- ثلم الحياء والعفاف ، وسلب الأنوثة والفطرة ، بسبب كثرة مخالطة الرجال ومحادثتهم .
5- إحساسها بالنقص والذل والانكسار ، حين ترى النساء مع محارمهن مكرمات معززات مخدومات ، ومحرمها آثر السلامة والراحة والدعة .
6- الموقف الصعب والمحرج حين يجلس بجانب مقعدها في الطائرة رجل أجنبي ، لصيق لها ومجاور ، تكاد تلمس يده يدها من شدة القرب ، وربما سمع صوت أنفاسها ، وشم رائحة عطرها ... وهذا الحرج تشعر به من بقي فيها حياء وعفة ، فتتمنى أن تكون نسياً منسياً ، أما إذا استرجلت المرأة ، وفقدت حياءها وودعت أنوثتها ، فلا حرج ولا غضاضة ، وهذا ما رأيته بعيني .

الموقف الثالث :
ثلاث فتيات في العشرين من أعمارهن ، حاسرات عن وجوهن ، وربما ظهر جزء من شعرهن ، يصعدن الطائرة بدون محرم . جلسن في المقاعد التي أمامي ، وبقي مقعدان خاليان ، جلس فيهما شابان ثم تبين لهما أن مكانهما خطأ ، فانتقلا إلى مكان آخر ، ثم جاء رجل في الثلاثين من عمره ، فجلس في المقعد الأخير ، فبقي مقعداً خالياً يفصل بينه وبين الفتيات . بعد فترة مضت ، انتبهت لمن أمامي ، وقد شغلني أمر الفتيات وحجابهن وكنت أفكر في طريقة لنصحهن وتذكيرهن ، نظرت أمامي فإذا الرجل قد انخرط في حديث مع الفتاة القريبة منه . اندهشت وتفاجأت ، وظننت أن رجلاً جلس في المقعد الخالي ، فأخذ يتبادل معه الحديث ، وعندما دققت النظر تأكدت أن الشاب يتحدث مع الفتاة ، وقد استغرقا في حديثهما ، وكأنه قريب لها ، عزيز عندها .
سألت نفسي : لو كان محرم الفتاة معها هل يرضى لها بهذا الوضع ؟ وهل يرضى هذا الرجل لأخته أو ابنته أو زوجته أن تجلس بجانب رجل غريب فيحادثها وتحادثه كما يفعل هو ؟ هل يرضى بذلك من في قلبه ذرة إيمان ؟ أيها الرجال الغيورون على نساءهن هل يرضيكم أن يحصل هذا لنسائكم وبناتكم ؟ أيها الرجال المخلصون هل ترضون ذلك لنساء المسلمين ؟ أيها الأوفياء الصادقون إن كنتم لا ترضوه لنسائكم فكيف تسمحون لهن السفر بدون محرم ؟ يا أشباه الرجال لماذا تتعرضون لنساء المسلمين ولا ترضونه لنسائكم ؟ والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه . يا عقلاء إلى متى ونحن نتساهل في أعراضنا وعفافنا ؟ يا شرفاء لماذا هذا التقصير والإهمال لمحارمكم وأهلكم ؟

للأسف ذبحت الغيرة ، ووئدت العفة ، وقتلت الفضيلة بيد أهلها ...، بعد ما رأيت ما رأيت عزمت على الإنكار من باب الدين النصيحة ، خاصة ونحن بين السماء والأرض ، نتقلب بين أصبعين من أصابع الرحمن ، فإن سكتنا ورضينا ربما هلكنا و أهلكنا. بحثت في حقيبتي عن ورقة وقلم ، ثم بدأت أسطر لها هذه الكلمات : " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أختي في الله الدين النصيحة إن الإسلام يأمرك بالحجاب الكامل ، فلا يحل لك الكشف عن وجهك ، ولا يحل لك الحديث مع رجل أجنبي ، فأنت بين السماء والأرض ، استشعري أن الله يراك ويسمع قولك ، فتوبي إلى الله واستغفري لذنبك ،واذكري الله خير لك " هذا ما أذكره من الكلام ، ثم قمت فقدمت لها الورقة ، فقرأت الورقة ثم أعطتها للرجل فقرأها ، ثم سكتا عن الكلام تماماً حتى نهاية الرحلة .

فحمدت الله أن نصيحتي لهما أثمرت حينها ، وأني أنكرت منكراً ... فرب كلمة يلقيها الإنسان يريد بها خيرا ، تؤتي ثمارها بإذن الله . والدعوة واجب كل مسلم ، لو قمنا بها حق القيام لانحسر الشر ، ولم يتجرأ أهل الباطل بالجهر بمعاصيهم ، ولانتشرت الفضيلة واندرست الرذيلة .

وتذكرت قصة فتاتي مدين : (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء . قالت : إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا). " إنها تمشي مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال ، ( على استحياء ) في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء . جاءته لتنهي إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره وأدله، يحكيه القرآن بقوله: ( إن أبي يدعوك )، ومع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعثر والارتباك ،وذلك كذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة.فالفتاة القويمة تستحيي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها لثقتها بطهارتها واستقامتها لا تضطرب الاضطراب الذي يطمع ويغري ويهيج، إنما تتحدث في وضوح بالقدر المطلوب، ولا تزيد...


فإلى الذين يضيقون ذرعاً بهذه التكاليف ، ويرون أن المحرم للمرأة قيد ثقيل وغل غليظ ، إلى الذين يريدون التحرر من الفضيلة ، والتحلل من القيم النبيلة ...

إليكم دعوة تأمل وتدبر فيما أمر الله به من مصالح ومفاسد ، دعوة محبة ونصح للرجوع إلى حياض الدين ومنابع الخير .
إليكم أبعث همسات قلب امرأة تبكي حال أختها المسلمة المؤلم ، حين تخلى عنها وليها القريب ، وأعرض عنها قيّمها الحبيب ، وأوكلها لنفسها ، وتركها لهواها ، وأسند إليها أمرها ، فأصبحت تتخبط خبط عشواء ، وتتقلب بين الأهواء والآراء ، يطمع فيها المريض ، ويستغل ضعفها الحقير ، ويلعب بعواطفها اللئيم

المرأة بدون وليها كطير مقصوص جناحيه ، كلما ارتفع وقع . المرأة بلا محرمها فريسة سائغة ، وصيد فريد ، كلما انفرد وابتعد ، كثر صائدوه ، وزاد لاقطوه ، وقلّ مدافعوه ، وفقد حماه .

المرأة بدون وليها لقمة ساقطة ، وحلوى مكشوفة ، يسقط عليها الذباب ، ويتذوقها الذئاب .
المرأة بدون محرمها سلعة رخيصة ، وتجارة كاسدة ، يقلّ ثمنها ، ويعزّ طلبها . المرأة بدون وليها بيت بلا أركان ، ومركب بلا ربان ، تلاطمها الرياح ، وتلعب بها الأمواج .
لله ما أعظم هذا الدين وما أجمله ، حيث عنى بالمرأة وكرمها ، وصانها وحفظها ، ومن أعظم ما كرمها به هو أن جعل الرجل قيّماً عليها ، قال تعالى (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ )

ذكرت قريبة لي قصة حجها مع ابنها البار ، وأخذت تسرد لي الأحداث ، وكانت تفخر بابنها وما كان يفعله معها في الحج من تفاني وبذل ، وكانت تصف المواقف التي تمر بها، وكيف أنها كانت وابنتها كالأميرات – هكذا عبّرت – يجلسا جانباً وابنها وصديقه يرتبا لهما ويعدا لهما كل ما يحتجنه ، من مكان وطعام ، وينظما لهما الرحلة بتخطيط موفق وتنظيم دقيق ، ويسلكا بهما الطرق المختصرة ، فكانت رحلة ميسرة مباركة موفقة ، بفضل هذا المحرم الصالح ، والابن البار .

هذه لفتة مختصرة عن المحرم في حياة المرأة ، والمرأة في حياة المحرم ، تشريع عادل ،وتكريم فاضل ، وحياة هانئة مستقرة .
أخيراً أذكّر بقوله تعالى " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " . هذا حكم الله عز وجل وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا حكم لأحد بعد ذلك ، ولا معقب لأحدهما .
د . أميرة بنت علي الصاعدي (بتصرف )

Post: #216
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:04 AM
Parent: #215

Quote: الأمر بالأكل من جانب القصعة والنهي عن الأكل من وسطها:
فيه: قوله صلى الله عليه وسلم: ((وكل مما يليك)). متفق عليه كما سبق.
«744» وعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((البركة تنزل وسط الطعام؛ فكلوا من حافتيه، ولا تأكلوا من وسطه)). رواه أبو داود والترمذي، وقال: (حديث حسن صحيح).
قال الشافعي: فإن أكل مما يملي غيره أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله، إذا كان عالما بنهي النبي صلى الله عليه وسلم.
«745» وعن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء يحملها أربعة رجال؛ فلما أضحوا وسجدوا الضحى أتي بتلك القصعة؛ يعني وقد ثرد فيها، فالتفوا عليها، فلما كثروا جثا رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال أعرابي: ما هذه الجلسة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جعلني عبدا كريما، ولم يجعلني جبارا عنيدا))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلوا من حواليها، ودعوا ذروتها يبارك فيه)). رواه أبو داود بإسناد جيد.
((ذروتها)): أعلاها بكسر الذال وضمها.
قوله: (الغراء): قال المنذر: سميت غراء لبياضها بالألية والشحم، أو لبياض برها، أو لبياضها باللبن. وقال غيره: سميت بذلك لنفاسة ما فيها، أو لكثرة ما تسعه. وروى أحمد من حديث ابن بسر قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع حلق.
وقوله: (جثا) أي: قعد على ركبتيه جالسا على ظهور قدميه.
وفيه: استحباب هذه الجلسة عند ضيق المجلس وأن الأكل من الجوانب مع ذكر الله تعالى سبب لحصول البركة.

Post: #217
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:06 AM
Parent: #216

قد يكذب ابنك لتجنب العقوبة، إن كنت تعاقبه على كل صغيرة وكبيرة، وقد يكذب لتحسين صورته عند الآخرين، أو للحفاظ على مشاعرهم، أو للحصول على شيء يرغبه، أو للاستحواذ على إعجاب أقرانه، وعمومًا فبعض الأطفال يكذبون لأسباب بعضها مفهوم، وبعضها غير مفهوم.



فإذا تحول الكذب إلى عادة هنا تبدو المشكلة أكثر خطورة؛ لأنها تُفقد الطفل الذي يكذب الألفة، وتفقده ثقة الآخرين لما يتضمنه الكذب من عدم احترام للشخص المكذوب عليه، لذلك يصبح من الصعب العيش مع شخص دائم الكذب.



الكذب يهدي إلى الفجور

وقد أوضحت الدراسات الاجتماعية والنفسية أن الأطفال المصابين بداء الكذب المزمن يشاركون في سلوكيات أخرى غير اجتماعية وغير مقبولة مثل: الغش والسرقة والعدوانية، فالأطفال الذين تعوَّدوا الكذب يصادقون أطفالاً غير أمناء.



وبمرور الوقت تصبح حالة الكذب جزءًا من شخصية الطفل، فيتصرف الطفل ضد توقعاتنا وآمالنا.

وتفيد الأبحاث الآن أن الأطفال الذين يداومون على الكذب يحتمل أن يكونوا منحدرين من بيوت يتكرر فيها كذب الوالدين، وكذلك الأبناء الذين ينتسبون إلى بيوت تقل فيها درجة الإشراف عليهم، حيث يسود التنابذ بين الوالدين، فغالبًا ما يكونون غير أمناء.



وفي المقابل يُعد الصدق أصلاً من أصول الأخلاق الإسلامية التي اهتم بها الرسول، أخرج أبو داود عن عبد الله بن عامر قال: دعتني أمي يومًا ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) قاعد، فقالت: تعال أعطك. فقال لها (صلى الله عليه وسلم): «ما أردت أن تعطيه؟»، قلت: أردت أن أعطيه تمرًا، فقال لها (صلى الله عليه وسلم): «أما إنك لو لم تعطه شيئًا كتبت عليك كذبة»، وقال سليمان بن داود لابنه: «يا بني إذا وعدت فلا تخلف فتستبدل بالمودة بغضًا».



وعمومًا لا يوجد سبب يبرر أن يكذب الوالدان على أطفالهما، وليس معنى هذا أنه يتحتم إخطار الأطفال بكل شيء، حيث إن هناك أشياء لا يحتاج الأطفال إلى معرفتها، ولكن لا توجد ضرورة للتحايل وعدم الصدق تجاههم.



وكذلك عليهما ألا يعاقبا أولادهما عقابًا قاسيًا يلجئهم للكذب حتى ينجوا من العقاب، فعلى الوالدين أن يجعلا أهمية الصدق الموضوع الدائم للتناول داخل البيت، ولضمان أن يصبح الصدق جزءًا من التربية الأخلاقية للأطفال، عليك أن تقرأ قصصًا تركِّز على هذا الخلق، بالإضافة إلى برامج التليفزيون والشرائط المسموعة والفيديو التي تركز على الأمانة والصدق، ومساعدة الأبناء على مواجهة نتائج تصرفاتهم بوضوح ومباشرة، وتشجيعهم على ذلك.



وتعريفهم بأن الصدق خُلق أصيل اتصف به الرسول من عهد الطفولة إلى عهد الرسالة، حتى وصفه المشركون بأنه الصادق الأمين، وحتى يقتدي به الطفل المسلم في حياته وسلوكه.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #218
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:09 AM
Parent: #217

«إذا دخلت الأنانية من الباب.. خرجت السعادة من الشباك»، مقولة تصدق على كثير من بيوتنا التي يعيش ساكنوها تحت سقف واحد.. يتشاطرون ذات الهواء، وتجمعهم الجدران نفسها، ولكنهم مع ذلك لا يعيشون معًا.

يجمعهم المكان.. ولا تجمعهم المشاعر.. كل واحد منهم جزيرة منعزلة عن الآخر، وفي المنعطفات والمحطات، بل والمواقف اليومية العابرة تتأكد أنانيتهم وفرديتهم!!

إنها بيوت تغيب فيها «التضحية»، ويغادرها «الإيثار»، وتسكنها «الأثرة».

بيوت تعيسة، وإن بدت متماسكة، باردة وإن تصبب أصحابها عرقًا من فرط القيظ، موحشة رغم جلبة ساكنيها، مقفرة، وإن كانوا أثرياء!
غابت التضحية عن كثير من بيوتنا، فافتقدنا صورة جميلة، هذه بعض تفاصيلها.

يرتفع أذان الفجر فيتحول البيت كله إلى خلية نحل، الكل يضحي براحته لأجل الله، فتكون بداية اليوم صلاة جامعة يلفها الخشوع والأمل في أن يكون اليوم أفضل من الأمس.

بعد الصلاة.. لا يعود الجميع إلى دفء الفراش ولذة النوم، تاركين الأم وحدها تكابد مهام اليوم، وتضحي بمفردها بحقها في الراحة ليستريح الآخرون، بل يؤدي كل منهم عملاً، فتخف الأعباء عن الأم، ويغادرها الشعور القاتل الذي يسكن كثيرًا من الأمهات.. الشعور بالظلم والقهر، وبأن الزوج والأبناء «يستغلونها» ويبتزونها عاطفيًا، ولا أحد يضحي من أجلها، بل من أجل البيت ببعض الجهد والوقت.

تتوارى وقت الأخذ
في هذه الصورة الرائعة يفكر كل فرد من أفراد الأسرة في الآخرين قبل نفسه، ويقدم احتياجاتهم على احتياجاته يسعد لسعادتهم، ويشقى إن شقوا.. فالأب لا يشتري ما يريده ليلبي لكل فرد من أفراد أسرته احتياجاته.. والأم لا تطلب شيئًا من زوجها إشفاقًا عليه، وإن فعلت فهي تتأكد أولاً من أن أبناءها لا ينقصهم شيء، وهم بدورهم يتحرى كل منهم ما يريده أخوه، ولا يؤثر نفسه عليه.

في هذه الصورة أب لا يبخل بوقته على أسرته، ولا يلقى بكل الأعباء على عاتق زوجته، أب يعرف كيف يوازن بين عمله وواجباته الأسرية، فلا يقصر في متابعة أبنائه دراسيًا، وفي تفقد أحوال زوجته، يأخذ من القوامة جانبها الرائع، فيحمي ويعين وينفق ويعذر، ويؤدي واجباته قبل أن يسأل عن حقوقه.

وفيها أم كالشمعة تضيء لكل أفراد أسرتها وتذوب لأجلهم، تمرض فلا تشكو، تتألم فلا تغيب ابتسامتها، تعطي فإذا حان وقت الأخذ توارت ولم تطلب سوى سعادة أسرتها واستقرارها، شمعة يغذيها زوجها وأبناؤها بالتقدير والامتنان والحب فتظل مشتعلة تنير بيتها وتنشر الضوء في نفوس ساكنيه.

والأبناء في هذه الصورة - أيضًا - لا ينسون في غمرة طموحاتهم أنهم ينتمون إلى بيت وأسرة يستحقان منهم بعض الوقت والجهد، فلا يتقوقعون على أنفسهم ولا يتعاملون مع الأب كممول، أو الأم كخادمة.. يتنازلون عن مطالبهم إذا تعارضت مع مصلحة الأسرة، ويتخلون عنها بطيب خاطر، إن لم تكن في مقدور والديهم، فلا يتذمرون ولا يتهمون هذين الوالدين بأنهما خارج الزمن ومقصران في حقوقهم.

ما أروع تلك الصورة التي تحطمت في بيوت كثيرة لا يعرف معنى التضحية فيها سوى أم يتفاعل معها الزوج والأبناء كآلة، عليها ألا تكف عن الدوران، وإن فعلت إرهاقًا وطلبًا لبعض الراحة العزيزة اتهموها بالتقصير، ولم يفكر أحد منهم في أن يقترب منها، ويجفف عنها عرق العناء، ويقبل جبينها المكدود، ويتحمل عنها بعض ما تتحمل دون أن يشعرها بالذنب والتقصير.

أين لنا ببيوت.. تسكنها التضحية.. وتسري في دماء أربابها متدفقة قوية تجرف أمامها كل ما يفسد هذه الدماء من أنانية وأثرة وطمع.

أين لنا ببيوت لم يلوثها غبار المادية، ولم تحبس الطموحات الفردية ساكنيها في سجون الأخذ وحده، ولم يعرف العطاء والتضافر والتماسك لها طريقًا.

إن التضحية الغائبة عن كثير من بيوتنا ليست قيمة واحدة.. إنها نسيج رائع من القيم، تجمعت فيها معًا خيوط التعاون والانتماء والحب والتسامح واليقين والإخلاص، والوعي بالهدف الكبير للأسرة، فكانت نسيجًا متكاملاً تمزق للأسف في معظم البيوت!

التضحية و أسرة إبراهيم

بالتضحية لم تتردد هاجر (رضي الله عنها) في البقاء وحدها - وفي رقبتها رضيع ضعيف - في صحراء مقفرة لا تعرف ما يحمل لها الغد، ولكنها توقن بمن يملك اليوم والغد فتقولها صادقة لزوجها إبراهيم (عليه السلام) بعد أن قال: الله: إن الله هو الذي أمر بهذا؛ إذن لن يضيعنا.

وبالتضحية المجدولة مع البر سلَّم إسماعيل (عليه السلام) رقبته لأبيه، ولم يوجل لحظة وهو يقترب من الموت، وتدنو منه سكين أبيه الذي اعتصر هو أيضًا مشاعر أبوته، وضحى بها انصياعًا لأمر الله.

وحين تضافرت التضحية مع الحب وإيثار ما هو خير وأبقى، تنازلت سودة بنت زمعة (رضي الله عنها) لحقها في زوجها خير الخلق (صلى الله عليه وسلم) لعائشة (رضي الله عنها)، فلم تمسك بتلابيب الدنيا، ولم ترغب إلا في وجه الله، ثم إدخال السرور على زوجها الحبيب بمنحه ما يحب حتى وإن كان ذلك على حساب فطرتها وحقها.

ولولا التضحية ومعها اليقين لما ترك أبو سلمة (رضي الله عنه) زوجته وهاجر وحده، ولما تحملت هي فراق صغيرها، وعنت أهلها، استشرافًا لما هو أبقى، وثقة في أن الله الذي آمنت به قادر على أن يلم الشمل، ويضمد الجرح.

فهيا نراجع أنفسنا ونفسح في بيوتنا مكانًا أوسع للتضحية، ونسد السبل إلى هذه البيوت أمام الطمع والأنانية، وكل الأخلاقيات الرديئة التي فرت أمام زحفها إلى نفوسنا وبيوتنا البركة والمودة والسعادة، وأبى الحب والنجاح والاستقرار أن يسكنوا ديارًا ضلت التضحية إليها الطريق.

وليسأل كل من لم يذق لذة التضحية نفسه: هل هو سعيد حقًا؟ ولا شك أنه إن لم يجمع إلى عدم التضحية الكذب وخداع النفس، فلن يجيب إلا «بلا» مدوية صادقة، وأيضًا مشبعة بالندم!
مركز الإعلام العربي

Post: #219
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:11 AM
Parent: #218

كم من أسرة فقدت توازنها، واحترقت بنيران الغلاء! وكم من رجل ضاقت به الدنيا تحت وطأة العوز والعجز عن تلبية احتياجات أسرته، فقرر الفرار، وكم من فتى وفتاة عجزا أن يحصنا نفسيهما، ويفتحا بيتًا صالحًا آمنًا؛ بسبب غلاء المهور وتكاليف الزواج.

وكم من أم قهرها الغلاء، وأعجزها عن تلبية أبسط مطالب أبنائها، أو إدخال السرور على قلوبهم الغضة!

كم.. وكم.. وكم من أفراد وأسر بسيطة ومتوسطة وضعها الغلاء في دوامة لا تجد للخروج منها سبيلاً، فكيف أثر الغلاء على نسيج الأسرة واستقرارها؟ وهل من سبيل لتجاوز أزمة ارتفاع الأسعار بما يحفظ صورة الأسرة وتماسكها؟

اقرأ هذه السطور لتعرف الإجابة...

الغلاء أثر على حياتي
منال عمر.. ربة بيت: الغلاء أثر على حياتي كلها، فلم يعد المصروف الذي يعطيه لي زوجي يفي بأبسط احتياجات البيت و الأولاد من ملابس ومصروفات مدارس، وعندما أطلب منه المزيد يقول من أين؟

وهذا يسبب لي ضيقًا نفسيًا، ويخلق نوعًا من الفتور في علاقتي بزوجي نتيجة إحساسي الداخلي، بأنه لا يرى الواقع، ولا ينزل السوق، ولا يعرف الأسعار.

ولكن هذا الشعور يخف ويقل عندي عندما أرى أختي تفرض طلباتها على زوجها، وتلزمه بتوفير المال اللازم لتغطية هذه الطلبات، مما يضطره أحيانًا إلى تقديم طلب قرض أو يستدين؛ ليفي بما تحتاجه، لكنه في قرارة نفسه يرى أنها أنانية ومتسلطة، ولا تفكر إلا في نفسها، ولا تقدر ظروفه والضغوط المفروضة عليه، وهذا يفتح الباب للخلافات المتكررة والشكاوى الدائمة أمام الأهل.

زوجي لا يبالي

ماجدة عثمان.. أم لأربعة أبناء: زوجي حرفي لا يستقر في عمل، وعندنا أربعة أبناء، منهم بنتان في سن الزواج، وهذا يصيبني بالقلق والتوتر؛ لأنني أرى أن زوجي لا يبالي بالتزامات البيت، ولا يقدم أية تنازلات لصاحب العمل، ولذلك فأنا دائمًا مهمومة بتدبير نفقات البيت، وتجهيز البنتين، ومصروفات الولدين في المدرسة.

ودائمًا نتشاجر، ومشاكلنا تتسع، ويتدخل فيها الأهل و الجيران، وأحيانًا تتدخل أمي بالحل من خلال تغطية تقصير زوجي بما يفيض معها، فمتى يفيق، ويعيش ظروفنا.

أم أحمد - بكالوريوس تجارة:
برغم أن زوجي طبيب، إلا أن حمى الغلاء طالتنا نحن أيضًا، فبعد أن كنت أذهب لشراء احتياجات البيت كل شهر، فإنني في ظل هذا الغلاء الذي طال القوت الضروري والاحتياجات الضرورية للأسرة صرت أذهب إلى السوبر ماركت وأقف حائرة، ماذا أشتري، وبكم؟ وبعد هذه الحيرة أغير أولوياتي، وأستغني عن أشياء كثيرة كنت قد اعتدت على شرائها كل شهر، ومن ثم أطالب زوجي بزيادة المصروف، وأحيانًا يستجيب وأحيانًا يجيب بأنه لا فائض لديه، وعليك أن تدبري أمورك بنفسك في حدود المبلغ الموجود، فهذا يهيج أعصابي، ويصيبني بالثورة والانفعال لأبسط الأسباب، فيشحن جو البيت بالتوتر الذي يظهر في علاقتي بزوجي، وبأولادي كلما طلبوا أي شيء (أفتح لهم تحقيقًا) لماذا؟ وبكم؟ وهل هذا الشيء ضروري، أم يمكن الاستغناء عنه بفرض التوفير.

ميادة. ع - موظفة:
برغم أن الغلاء أصبح شبحًا يهدد كل بيت، ويلتهم أية ميزانية، فإنني أدير بيتي بحكمة أبي وأمي اللذين ربياني على القناعة والرضا بالقليل، والشكر لله على كل حال، فكلما ضاقت بي الظروف وكاد الشيطان يفسد علاقتي بزوجي، تحت وطأة الغلاء، تذكرت نصيحة أبي وأمي (على قد لحافك مد رجليك)، فأعود إلى حالة الرضا، والتدبير حسب المتاح من الدخل، فأتغلب على الشيطان حين يقول لسان حالي: لست وحدي في هذه الورطة، فأحمد الله على كل حال.

نجوى عبد الحميد - ربة بيت: (ماذا أفعل) في هذه الظروف، وأنا أم لثلاثة أبناء في مراحل التعليم المختلفة، وزوجي موظف بسيط، ليس له دخل سوى وظيفته.

ومصاريف المدارس والدروس تشتت تفكيري كل شهر، وتوقعني في (حيص بيص)، كيف أدبر نفسي وأضطر أحيانًا إلى التوسل إلى المدرسين؛ لتخفيض سعر الحصة، أو تقسيط المبلغ للأولاد حتى أتمكن من الوفاء به، وهذا يكسر قلبي، وكلما شكوت لزوجي ما أنا فيه، وأن المصروف لا يكفي - يخبط كفًا بكف، ويقول: «ما باليد حيلة»، فأكتم غيظي، وأسكت وأقول: ربنا يدبرها.

أمل عبده - مدرسة:

زوجي حصل على معاش مبكر بسبب ظروفه الصحية، وهذا أثر على قيمة المعاش، فكان يكفي بالكاد ضروريات البيت، لكنه لم يكن يعطيني مالا لشراء ملابس لي، أو تجديد أثاث البيت، أو صيانة التالف منه، فأحس أنني أقل من بقية أخواتي، وهذا يشعرني بالحرج، وفي نفس الوقت أحيانًا يدخل الشيطان في علاقتي بزوجي لأتمرد عليه؛ لأنه لا يغطي احتياجات البيت بسبب الغلاء وقلة المعاش، لكنني سرعان ما أعود إلى رشدي، وأقول لنفسي ماذا يفعل وهو مريض، وليس باليد حيلة.

معركة مع الغلاء
أم مروة - أم لثلاثة أبناء: زوجي حاصل على دبلوم تجارة قديم، لكنه لم يعمل به؛ لأن العائد منه كان بسيطًا، ففضل العمل الحر، وهذا العمل غير مضمون، وكان هذا التذبذب سببًا في غياب ميزانية للبيت ببنود ثابتة، وإسقاط كثير من أولويات الإنفاق، لكن استمرار هذا الوضع دفع زوجي للسفر إلى السعودية للبحث عن فرصة عمل أفضل، لكنه للأسف يعاني من نفس الظروف التي كان يعاني منها في مصر، وكلما طلبت منه العودة يقول: وكيف أعيش أنا وأنت والأولاد، وللأسف هو لا يدرك حجم المعاناة التي أعيشها، ومعركتي الدائمة هنا مع الغلاء، ومع الأولاد الذين ضعف ارتباطهم بوالدهم من ناحية؛ لأنه لا يرسل المبلغ الذي يعوضهم عن غيابه، ومن ناحية أخرى أنهم لا يجدونه بجانبهم في وقت حاجتهم إليه، وهذا يسبب لهم نوعًا من الاكتئاب والحزن.

موجة استهلاكية
أم بسنت - ربة بيت: أصبح التليفزيون والإعلانات عدوي اللدود، فهم يتآمرون عليَّ وعلى أولادي، ويزيدون من حدة معاناتي، فمن خلالهم تتصاعد طلبات الأولاد بغض النظر عن ظروفنا المادية، فهم يطلبون وعلينا التلبية، وإذا تأخرنا أو تعللنا بالغلاء، وضيق الميزانية، فإنهم يتهموننا بالتقصير في حقهم، ويقارنوننا بأصحابهم الذين عندهم كذا وكذا، ويأخذون مصروفًا كذا وكذا.

فأصاب بحالة من الحزن لموقف الأولاد، وعدم تقديرهم لظروفنا، لكنني أعود وألتمس لهم عذرًا في تأثرهم بالموجة الاستهلاكية السائدة حولهم.

أفقد معه الأمان
نرمين فتحي - محاسبة: ليس عندي شقة، وأقيم مع أبي، ولا أسهم بشيء في إيجار الشقة، ومع ذلك فإن مرتبي لا يكفي مصاريفي أنا وابني، خاصة أن زوجي لا ينفق مليمًا واحدًا على البيت، وكل مرتبه أو معظمه يدخل به جمعيات، ولا أري منها شيئًا؛ لأنه يضارب بها في البورصة، وغالبًا ما يخسر أو يشارك في غيرها من المشروعات الفاشلة.

ويطلب مني أن أصرف على البيت من مرتبي، وهذا يفقدني الأمن والأمان معه، ويملؤني غيظًا من (لا مبالاته) حتى تجاه ابنه، ولم أعد أطيق الحياة معه، وأفكر جديًا في الطلاق، لأنه لا يعتمد عليه.

مراجعة الضروريات
ويعلق د. منير عبد المجيد - الخبير الاجتماعي والتربوي - على هذا الواقع، فيقول: لقد طال الغلاء الجميع على مستوياتهم المختلفة كبارًا وصغارًا، أغنياء وفقراء؛ بسبب انخفاض قيمة العملة، وثبات الأجر، أو على الأقل عدم تناسب زيادته مع زيادة وارتفاع الأسعار، مما يعني أن الأسرة التي كانت تعيش في مستوى معين ستضطر إلى حذف كثير من بنود إنفاقها الكمالية، (سواء على التنزه أو المصاريف أو غيرها لتوفير الضروريات، وحتى هذه الضروريات في كثير من الأحيان تخضع للمراجعة، وإعادة ترتيبها من حيث الأهم فالمهم، وهذا معناه انخفاض معيشة الأسرة بما فيهم مصروفات الأبناء، وزيادة الأعباء المفروضة على الوالدين، والتي تضغط عليهم، وتضعف قدرتهم على التحمل، فتنعكس سلبًا على جميع أفراد الأسرة، فالأب قد يفقد أعصابه، وقد يفقد ضميره، ويضطره لتقاضي رشوة، أو يختلس؛ ليغطي نفقات الأسرة، وقد يسافر إلى أية بلد لزيادة دخله، وتعديل أوضاع أسرته المعيشية، والأم قد تنفجر وتلجأ إلى الهروب من جحيم البيت إلى بيت أهلها، بعد أن تكون قد أرهقتها مسألة تدبير الميزانية، وقد تضطر للخروج للعمل هي الأخرى، فترتبك الأسرة، أما الأبناء فقد يضطر بعضهم للسرقة، أو يلجأ إلى أصحاب السوء الذين يشاركونه معاناته المادية، وقد يلتحق بأي عمل ولو كان غير لائق؛ ليفي بمصروفات دراسته، ومصاريفه الشخصية، أو ليساعد والده، وقد يترك الدراسة بالكلية؛ لعجزه عن توفير المصروفات والانتقالات، وهذا يولد لديه شعورًا بالإحباط، وعدم الرضا والسخط على والده وعلى المجتمع كله، وللأسف فإن هذه الضغوط المتراكمة على كاهل الأسرة قد تولد الانفجار، إما ضد المجتمع بتكسير اللوائح، والضوابط الدينية والاجتماعية، وانتشار الفساد الاجتماعي والأخلاقي، وزيادة الرغبة في الانتقام من المجتمع، وإما ضد الذات بالوقوع فريسة للأمراض النفسية، أو اللجوء إلى وضع نهاية لحياته بالانتحار.

وعن تصوره للتعامل مع هذا الواقع الخانق أشار د. منير إلى ضرورة تكاتف جهود الدولة والأفراد في اجتياز أزمة الغلاء الراهنة، فبالنسبة للحكومة عليها أن تعيد النظر كل عدة سنوات في أجور العاملين والموظفين وفق تغيرات لأسعار بما يحقق المحافظة على مستوى معيشة الأسرة المعتاد، فلا تتأثر بارتفاع الأسعار، وهذا ما تقوم به الدول المتقدمة التي تطبق قاعدة العدل في معاملة رعاياها.

حل المعادلة الصعبة

أما على مستوى الأسرة، فإن حل معادلة الغلاء والمعيشة يعد أمرًا صعبًا ما لم تدعمه جهود إضافية لزيادة دخل الأسرة، من خلال تشجيع المشروعات الإنتاجية في الأسرة، والاشتراك في المشاريع الصغيرة التي تمولها الدولة بقروض ميسرة، أو يسهم فيها أصحاب الأموال من رجال الأعمال والخيرين لتوفير دخل إضافي للأسرة، إلى جانب ذكاء ربة البيت في إدارة ميزانيتها، وضع خطة صرف شهرية أو أسبوعية، تتناسب مع الدخل، وتقوم على تقسيم بنود الصرف حسب أولوياتها الأهم، فالمهم، فضلاً عن دور الأسرة في تربية أبنائها على الرضا والقناعة، وعدم تقليد الآخرين؛ لأن لكل أسرة ظروفها وإمكانياتها، فهل تنجح في ذلك ؟
إسلام ويب

Post: #220
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:12 AM
Parent: #219

البيت السعيد ليس هو الذي يخلو من الخلافات، وإنما الذي يضم زوجين يعرفان كيف يختلفان دون أن يخسر كل منهما ود الآخر، أو ينتقص من رصيد احترامه له، فالخلافات واردة في كل بيت، ولم يخل منها حتى بيت النبوة، المهم كيف يدار الخلاف بفن وحب ولباقة، نصائح نقدمها لكل زوجين حتى تمر لحظات الخلاف بأقل الخسائر أو بلا خسائر.

1 - فكرا قبل أن يرد أحدكما على هجوم أو استياء الآخر، فقد يكون متعبًا أو مريضًا هذا اليوم - بخاصة - مما يمثل ضغطًا على أعصابه، فقد يمكن تفادي مشادة أو خصام قبل أن يبدأ، ثم فكرا في إجابة أو رد لطيف يهدئ الجو، وينسي الآخر ما كان ينوي إضافته من عبارات قاسية، فالمبادرة لتلطيف الخلاف أمر محبوب ويشعر الطرف الآخر بمقدار الحب.

2 - لا تكررا ردودكما أو إجاباتكما كلما تناقشتما حتى لا تثيرا غضب بعضكما، وحتى لا يزداد الأمر سوءًا، وليحاول أحدكما أن يحتفظ بهدوئه طالما أنه يلاحظ أن الآخر بدأ يفقد هدوء أعصابه.

3 - تجنبا الردود القاطعة، أو التي تدل على أنه لا أمل في تحسين الموقف وحل الخلاف أو المشكلة، مثل: «لقد ولدت هكذا»، «لقد اعتدت هذا»، «لا فائدة»! «لن تتغير أبدًا»، «أنت دائمًا تسيء فهمي»، فكل هذه العبارات وغيرها تفقد الأمل لديكما في الوصول لحل يمكن أن ينهى - أو يحد - من إثارة المشكلات كثيرًا، بل وتوصل في الغالب إلى طريق مسدود، وتشعر الطرف الآخر بالإحباط وعدم الفائدة من الصلح أو تحسين العلاقة.

4 - تجنبا الشكوى لطرف ثالث ليتدخل بينكما، فكثرة ترديد عيوب أو نقاط ضعف الطرف الآخر، تجسمها وتضخمها، وتوحي باستحالة الوصول للصلح، وفي الغالب حين يتدخل طرف ثالث بينكما يزيد المشكلة تعقيدًا، كما أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد نهى عن إفشاء الأسرار الزوجية، كما أن الطرف الآخر يستاء كثيرًا حين يعرض أحدكما المشكلة المشتركة بينكما على طرف ثالث، وربما يؤدي لفقد الثقة بينكما.

5 - اشرح لزوجتك (لزوجك) ما يضايقك من أسلوبها، أو كلامها بطريقة مباشرة، بدلاً من تركها في حيرة، فهذا يختصر الكثير من الوقت، ويسهل تعامل الطرف الآخر معك مباشرة، ويشعره بالارتياح؛ لأنك كنت صريحًا معه من البداية.

6 - اتفقا على أن يأخذ كل واحد منكما دوره في المبادرة بالصلح في أي مرة تختلفان فيها، بصرف النظر عن « من الذي بدأ»؟! فإذا كانت قاعدة (خيركما من يبدأ بالسلام) التي أرسى قواعدها الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) قائمة بين الأشخاص في العموم، فمن الأولى والأحق أن تستخدم في العلاقة الزوجية.

7 - تجنبا إطالة فترة الخلاف، حتى لا يزيد التباعد بينكما من تضخيم المشكلة مهما كانت صغيرة، واحرصا دائمًا على حل مشكلاتكما والقضاء على ما يعكر صفوكما أولاً بأول، ولا تدعا اليوم يمر دون حل الخلاف، حرصًا على مشاعركما، وعلاقتكما، فالصلح والغفران هما ضمان نجاح حياتكما.

8 - «قبول النفس»، و«قبول شريك الحياة» يقي من الوقوع في دائرة الخلاف أو الخصام، فأنت من البداية تعرف عيوب الطرف الآخر، وتعرف كيف تتعامل معها.

9 - ضعي دائمًا - عزيزتي الزوجة - نصب عينيك حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم): «لو أني أمرت أحدًا أن يسجد لبشر، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها» - وضع يا عزيزى الزوج - نصب عينيك حديث الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم): «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله»، وليكن هذا دستور حياتكما دائمًا، وهذا كفيل بحل أي خلاف فورًا، ويا حبذا صلاة ركعتي حاجة حتى يفتح الله بينكما بالحق عند كل خلاف، فاتباع القرآن والسنة خير منقذ من عواصف الحياة.
مركز الإعلام العربي

Post: #221
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:14 AM
Parent: #220

9 خطوات لتتخلص من الكرش
رغم أن أكثر الدهون يتراكم على الأرداف والأفخاذ إلا أن الدراسات تشير إلى ان الدهون المتراكمة على البطن تعتبر الأخطر، حيث تؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم ، وارتفاع مستوى الكولسترول ، والسكري، ومتلازمة مقاومة الأنسولين ، وأمراض القلب، ولهذا يعتقد العلماء أن زيادة عرض الخصر يمكن أن يكون مؤشرا أساسيا لوجود مشاكل صحية دفينة.

تؤكد الدراسات أن التهاب حصوات المرارة يكثر في الأشخاص البدينين، ولا سيما السيدات ذوات الحمل المتكرر، وعند الأشخاص المصابين بـ" الكرش" نتيجة زيادة هرمون الاستروجين، ذلك الهرمون الذي يساعد على زيادة الكولسترول بالدم، مما يؤدي إلى ترسيبه على جدار الحويصلة المرارية ، ويسبب ذلك التهابا بها وتكوين حصوات المرارة.

وفي الأفراد المصابين بـ" الكرش" تتراكم الدهون على القفص الصدري وتحت الحجاب والحاجز، وذلك يعيق تمدد حركة الرئتين، كما يقلل من حركة الحجاب الحاجز فتقل كمية الهواء التي يحصلون عليها..
وبعض الأبحاث أثبتت أن هناك علاقة بين السمنة، ولا سيما سمنة البطن " الكرش" والإصابة بالعقم عند السيدات ، فقد وُجد أن هناك زيادة في تراكم الدهون حول المبيض وقناة فالوب، مما يؤثر على عملية التبويض والإنجاب.

تعّرف على السبب
تتدخل عوامل كثيرة في تكوين " الكرش" :
- منها :العمر، والجنس ، والتاريخ الوراثي

- ومن العوامل الأخرى المهمة: الإسراف في تناول الطعام الغني بالدهون والسعرات الحرارية.

- الإصابة بأمراض القولون وتجّمع السوائل في تجويف البطن.

- ابتلاع الهواء أثناء تناول الطعام نتيجة الأكل بسرعى .

- التدخين والذي يؤدي بدوره إلى كثرة دخول الهواء إلى المعدة .

- الكسل والخمول وقلة الحركة والنوم خاصة بعد تناول الوجبات وبصفة خاصة وجبة العشاء.

- الإسراف في تناول البقول التي تسبب الانتفاخ .

- الإكثار من شرب المشروبات الغازية بين الوجبات أو أثناء الأكل .

- الإجهاد والتوتر والقلق ، مما يسبب إفراز هرمون الكورتيزون الذي يحفز من تخزين الدهون في منطقة البطن.

- عدم اتباع حميات غذائية صحية أثناء الحمل.

- عدم ممارسة التمارين الرياضية بشكل منتظم.

تخلّص من " الكرش" نهائيا
نحن نأكل أكثر من حاجتنا ولا نعرف متى وكيف نأكل، لأننا نعتبر الأكل متعة أكثر منه ضرورة ، أما الرياضة فنتابعها على شاشات التلفاز دون أن نفكر أنها حاجة ضرورية لحيوية أجسامنا، ولذلك هناك بعض الارشادات التي تخلصك من " الكرش" وتمنحك الرشاقة:

1 - تناول ثلاثة أكواب من الماء قبل الوجبات الرئيسية ، فهو يملأ المعدة ويقلل تناول الطعام، و ليس له سعرات حرارية.

2 - تناول " جريب فروت" قبل تناول الطعام يقلل من إحساسك بالجوع.

3 - ابدأ طعامك بتناول السلطات الخضراء المضاف إليها ملعقتا خل ليعطيك ذلك إحساسا بالشبع لفترة طويلة.

4 - احرص على تناول الأغذية الغنية بالألياف فهي تأخذ وقتا أطول في المضغ مما يقلل الإحساس بالجوع وتخفف من حدوث الإمساك.

5 - قلل كمية الملح في الأكل لأن كثرته تمنع طرح السوائل الزائدة في الجسم مما يزيد من محيط خصرك، علما أن الجسم لا يحتاج من الملح أكثر من ملعقة شاي واحدة يوميا " 4 جرامات".

6 - أظهرت نتائج دراسة حديثة أن تناول الزبادي خالي الدسم يساعد على التخلص من " الكرش" الذي يعاني منه ما نسبته أكثر من 60% في الدول العربية عموما، و 95% من سكان منطقة الخليج العربي.
وأوضحت الدراسة أن تناول الزبادي 3 مرات في الأسبوع يحقق نتائج جيدة ويسهم في تخفيف " الكرش" لأنه يحتوي على بكتيريا " اللاكتوباسيلس اسيدوفيلس" التي تؤدي إلى تخمرّ اللبن ، كما يحتوي على إنزيم " اللاكتيز" الهاضم لسكر" اللاكتوز" الموجود في اللبن ، وهو الإنزيم الذي يفقده 85% من الناضجين خاصة في الشعوب العربية والإفريقية، ويتسبب نقصه في سوء الهضم واضطرابات الأمعاء والانتفاخ.
وأشارت الدراسة أيضا إلى أن الزبادي يزيد من قدرةالجسم على حرق الدهون الزائدة مما يجعله يفقد هذه الدهون ويحتفظ بالعضلات.

7 - تناول الطعام ببطء لأكثر من عشرين دقيقة، فستشعر بالشبع بسرعة دون أن تملأ معدتك بالكثير من الطعام لأن الأكل السريع يملأ المعدة بالكثير من الطعام قبل الإحساس بالشبع.

8 - من أشهر برامج الحمية لإزالة " الكرش":
الإفطار :
2 ثمرة فاكهة متنوعة ( ما عدا التين، العنب، البلح، الموز، والمانجو ) ويفضّل كوب عصير برتقال أو جريب فروت + سوائل : شاي، أو قهوة، أو صودا، أو ماء ليمون بدون سكر.
الغداء :
- طبق سلطة خصراء.
- 4 ملاعق خضار مسلوق.
- شريحة لحم مشوية أو ربع دجاجة مسلوقة أو 2 سمكة مشوية أو علبة تونة" بدون زيت".
العشاء:
- زبادي بالخيار، أو 3 ملاعق فول بالليمون ، أو بيضة مسلوقة، أو قطعة جبن بالطماطم.
- مع شريحة توست أو ربع رغيف.

9 - من أفضل التمارين الرياضية للقضاء على" الكرش" :
رقود على الأرض ظهرا مع وضع الذراعين جانبا.
تُرفَع الرجلان في عشر عدات ليكوّن الجذع مع الرجلين زاوية قائمة .
ويتم تثبيت الرجلين في هذا الوضع لمدة عشر ثوان.
ثم تُخفضان في عشر عدات...يُكرَر هذا التمرين عشرين مرة تدريجيا.

التمرين الثاني: رقود على الأرض ظهرا مع وضع الذراعين جانبا. يرفع الجذع عن الأرض مع الإمساك بالساقين ورفعهما إلى أعلى ارتفاع ممكن، ثم العودة إلى وضع البداية ويُكرَر هذا التمرين 15مرة.

· مجرد المشي يمكن أن يساعد على التخلص من "الكرش".
والمشي رياضة سهلة وغير مكلفة ، ويفقد الجسم ما يقارب 200 وحدة حرارية في ساعة مشي بطيء.
وتزداد الوحدات المحروقة كلما ازدادت سرعة المشي.
ويساعد المشي في تقوية عضلات البطن وعضلات الفخذين ، كما يفيد في تخفيض ضغط الدم والكولسترول.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

عن مجلة الأسرة العدد 175

Post: #222
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:18 AM
Parent: #221

8 أخطاء تربوية يجب تجنبها
مظاهر خاطئة كثيرة يمارسها الآباء في سياق الحياة اليومية وصور تتكرر ومشاهد تتعدد في منازلنا..القاسم المشترك بينها أنها تعرقل النمو النفسي والاجتماعي للطفل وتسبب مشكلات نفسية وسلوكية متعددة في حياته..

تؤكد الأخصائية النفسية عفاف الثبيتي أن الأسباب التربوية الخاطئة في تربية الطفل تسبب مشكلات نفسية واجتماعية لديه ، كمشكلات الانطواء و الخوف الاجتماعي والشعور بالنقص والدونية ، والعدوان والتخريب.

وتقول الثبيتي : إن الأساليب التربوية الخاطئة جناية على حقوق الطفل .. فالشعور بالمحبة والأمان والاستقرار حقوق طبيعية للطفل لا بد أن يحصل عليها في أجواء مستقرة تتسم بالاتزان والتوسط بعيدا عن الإفراط أو التفريط ..

وتستعرض عفاف الثبيتي بعض الأساليب التربوية الخاطئة التي ينتهجها بعض الآباء والمربين مع فلذات أكبادهم والتي عادة ما يكون لها انعكاسات سلبية قاتمة في حياة الطفل ....منها:

1- قتل روح الفضول في وجدان الطفل .. ووأد رغبته في التعلم ..و حرمانه من إشباع غريزة حب الاطلاع لديه، والرغبة في اكتشاف الجديد .. بنهره وزجره و توبيخه عند طرح الأسئلة والرغبة في المعرفة ..أو السخرية منه والاستهزاء به ومعايرته بسماته السلبية وجوانب النقص في مظهره وقدراته ..فالله عز وجل يقول " يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن " فلا بد من استخدام الكلمة الطيبة مع الابن فالله عز وجل يقول :" وقولوا للناس حسنا" ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " اتقوا النار ولو بشق تمرة ، فإن لم تجد فبكلمة طيبة "...


2- تجاهل السلوك الجيد للطفل ، فمن المؤسف أن بعض الآباء والأمهات يتفننون في محو السلوكيات الإيجابية لدى الطفل عبر تجاهل سلوكياته الحميدة أو زجرهم ونهرهم لدى القيام بالسلوك الحسن..
مثال : ابنة ترغب أن تسعد والدتها فتقوم بترتيب غرفتها..وهي تتوقع أن تجد التعزيز والثناء .. لكنها تحظى بالنهر والعقاب من والدتها كأن تقول لها : " ألم أقل لك نظفي الصحون بدلا من ترتيب غرفتك؟؟"..


3- عدم إيقاف السلوك الخاطئ الصادر من الطفل، الأمر الذي يؤدي إلى تمادي الطفل واستمراره في ممارسة السلوك الخاطئ. مثال: طفل يضرب شقيقة كفا على وجهه على مرأى من والديه في غرفة الجلوس ..فتلتفت الأم بلا مبالاة دون أن يكون لها ردة فعل تتعلق بإيقاف السلوك الخاطئ..
إن عدم الحرص على إيقاف السلوك غير المرغوب فيه في الموقف ذاته يسهم في تشجيع التصرف الخاطئ وتعزيزه وتثبيته في سلوك الطفل .
ويرتبط بذلك معاقبة الطفل على السلوك الخاطئ عبر صور انتقامية مجانبة للصواب..كأن يكون الضرب على الوجه أو الرأس ..وأن يعاقب الطفل بقوة على هفوات صغيرة ..أو أن يتخذ المربي الضرب وسيلة للتشهير به مثل ضربه أمام أقرانه لفضحه..أو معاقبته بأمور خارجة عن قدراته..أو أن يكون في العقاب ظلم للطفل ..أو الإفراط في استخدام أنواع معينة من العقاب البدني أو النفسي..فمن الضروري مراعاة ضوابط العقاب كما جاءت في الشريعة الإسلامية .. وعدم قيام الأب بعقاب الابن حال الانفعال والغضب ...


4- تقديم الإيحاءات السلبية الموجهة للطفل وإطلاق الصفات والسمات السلبية على ذات الطفل، كأن تقول الأم لابنها الصغير:" أنت طفل شقي"، أو " أنت طفل غير مطيع" .. فهنا يتقبل الطفل تلك الصفات السلبية .. وتستقر في ذهنه .. ويبدأ في ممارستها كسلوك في حياته..وكان من الأولى بالأم إطلاق صفات إيجابية وحسنة تؤدي إلى تعزيز السلوك الصحيح في حياة الطفل كأن تقول له " أنت ولد مطيع" ، " أنت ولد مهذب وهذا يجعلني أحبك بصورة أكبر"...


5- المقارنة غير العادلة بين الأبناء: إذ أن المقارنة غير العادلة بين الأبناء تشوّه صورة الابن تجاه نفسه ، إضافة إلى كونها تزرع في نفس الطفل بذور الكره والبغض إزاء من يقارن بهم .. وتمحو معالم التشجيع في حياة الابن...


6- غياب المصداقية لدى المربي.. وظهور الازدواجية في شخصيته..كأن يأمر الوالد ابنه بالصدق لكنه لا يتمثّل هذا السلوك الإيجابي في حياته اليومية.. وقد يقوم الأب على سبيل المثال بتحذير ابنه من مخاطر التدخين في الوقت الذي يرى الابن أباه يمارس هذا السلوك ذاته ..فلا بد إذاً من توافر المصداقية في حياة الطفل..


7- عدم إشباع حاجة الطفل للحب والحنان بالشكل الصحيح، إذ أن من الأخطاء الشائعة لدى كثير من الأسر الاعتقاد أن توفير الأطعمة والهدايا والملابس هي أدلة كافية على الحب..في الوقت الذي يهملون فيه التعبير عن عاطفة الحب لأبنائهم عبر الكلمة الحانية والتفهم الصادق .. وبالتالي ينشأ الأبناء محرومين من تلك المظاهر الحيوية للحب.. من الضروري أن يفهم الآباء أن الحب عاطفة قوية يمكن التعبير عنها بصور عدة كالضم ، والتقبيل ، والثناء والحسن.. فالحب ركن أساسي من أركان تربية الطفل ..فالقبلة والاحتضان على سبيل المثال لهما دور فعال في ترجمة وتجسيد مشاعر الحب للأبناء ..ويقول النبي صلى الله عليه وسلم " من لا يرحم لا يرحم " وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة في الرحمة بالأطفال والحنوّ عليهم...


8- فرض الانضباط الزائد على الطفل نتيجة لعدم فهم خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها .. وهنا يفرض الوالدان صورا من الشدة الزائدة على الأبناء فلا يمنحانهم الفرصة للتجربة وحب الاطلاع ..فعلى سبيل المثال تحرم كثير من الأمهات أبناءهن من أدنى صور الحركة الطبيعية في حال تواجد الآخرين..ولا بد هنا من الإشارة إلى ضرورة التفريق بين مفهومي الحزم والشدة ..فالحزم أمر محمود لكن الشدة أمر غير مرغوب فيه البتة.. و تدعو عفاف الثبيتي إلى ضرورة فهم الدوافع التي تقود الطفل إلى ممارسة السلوك الخاطئ ومعرفة أسبابها ، إذ أن جهل الآباء لتلك الدوافع يقوهم إلى التعامل مع تلك السلوكيات بصورة غير مناسبة .. مما قد يُسقط الطفل في بؤرة الإحباطات والصراعات النفسية .. كما تدعو المربين إلى التحلي بصفات الصبر والحلم والأناة والاتزان في ردود الفعل تجاه السلوكيات المختلفة مع الاهتمام بتنمية الوازع الديني لدى الطفل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( مجلة الأسرة العدد 175 )

Post: #223
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:20 AM
Parent: #222

الإعلام كيف يخدعنا ؟
هل أثر الإعلام فى تغيير بعض الأنماط الاجتماعية بين الشباب؟ وهل غَيَّر بعض المفاهيم لديهم، وكيف ينجو شبابنا من فخ الخداع الإعلامى تحت مسمى الانفتاح والحرية الشخصية فى إقامة علاقة عاطفية مع الجنس الآخر.

سياسة تجفيف المنابع
تشير الدكتورة ثريا أحمد البدوى - مدرسة الاتصال الدولى بكلية الإعلام بجامعة القاهرة - إلى أن الإعلام يقوم بدور ملموس فى الترويج لسياسة تجفيف المنابع، حين يعرض لأنماط من العلاقات الاجتماعية تتنافى مع قيم الدين، وللأسف فهذه السياسة ينتهجها كل من الإعلام الحكومى والخاص، ويكفى أننا شاهدنا مؤخرًا فيديو كليب تظهر به فتاة محجبة تتراقص مع شاب على الكورنيش، وكأنها رسالة تقول: إن الفتاة المحجبة أيضًا من حقها أن تحب وتراقص الشباب بلا حدود ولا ضوابط.

وتنبه د. ثريا إلى خطورة الترويج لمثل هذه النماذج بين الشباب؛ إذ جعلتهم لا يبالون بالحدود والضوابط الشرعية ولا الأسرية، بل ويتجرأون عليها، ويتجاوزونها بدعوى التفتح والتحرر والانطلاق.

كما أن أسلوب التنشئة والقيم التى يربى عليها الآباء أبناءهم تمثل فى المقام الأول دافعًا نحو السقوط فى فخ الابتذال الإعلامى، أو حصانة فى مواجهته من خلال تنمية المراقبة الذاتية لله تعالى، سواءً فى وجود الآباء أو فى غيابهم؛ لأننا كآباء لا يمكن أن نلازم أبناءنا فى كل خطواتهم، فنحن نربى ونعمق مراقبة الله، ثم نتركهم يتحركون فى ظل عصمة الضمير ومراقبة الله، وتظهر آثار هذه التربية فى كيفية استقبال الشباب للمضامين الإعلامية والإعلانية التى تعرض عليهم استقبالاً انتقائيًا أم سلبيًا.

وتطالب د. ثريا بعدم التفرقة بين الولد والبنت فى التربية على ضوابط العلاقة بالجنس الآخر، وكذلك بعدة ترتيبات نظامية عامة فى البيت منها: التحكم فى الكمبيوتر، وتشفير المواقع الإباحية، ووضع التليفزيون فى غرفة الاستقبال.

تأثير مرتد
وتضيف د. ثريا أنه إذا كان واقع ومضمون الإعلام العربى الحكومى والخاص يخيف الأسرة على حال أبنائها ومستقبلهم، فإنه يمكن فى الوقت نفسه أن يؤدى إلى ما نسميه (تأثيرًا مرتدًا لدى الشباب المستقبل لهذا المضمون)، بمعنى أن يدفعه إلى مزيد من التقرب، والفرار إلى الله والاطمئنان فى رحاب طاعته، فنجد بعض الشباب بعد أن جربوا هذا الزيف الإعلامى وكشفوا خداعه يتجهون إلى الانتظام فى الصلاة أو الحجاب بالنسبة للفتيات، أو اللجوء إلى صحبة طيبة تجهض أثر هذه المضامين.

أما الدكتور صفوت العالم - أستاذ العلاقات العامة والإعلام بجامعة القاهرة - فيرى أن الإعلام للأسف قد يتناول العلاقات بين الفتى والفتاة داخل الجامعة، وفى النوادى، ويقدم صورة هذه العلاقات بشكل يعمقها أو يجسدها فى صورة طبيعية حسية وجسدية، ويصحبها ملامسات وقبلات، وقد يحدث نوع من التبسط، بحيث تصل العلاقة إلى البيت وفى حضور الأب والأم، وكأن البيت يوافق على هذه العلاقة، مما قد يدفع إلى فتح البيوت بشكل منفلت تقليدًا لما يحدث فى هذا المسلسل أو ذاك من اجتماع شاب و شابة ليذاكرا معًا كزميلين، وبعد ذلك يشكو الأهل من الزواج العرفى لأبنائهم.

ويشير الدكتور صفوت إلى أن الفيلم يمكن أن يكون هدفه نقد ظاهرة الزواج العرفى أو الاختلاط، ولكن فى سياق الفيلم تأخذ المشاهد الحسية، والإيحاءات والتخيلات مساحة كبيرة، فيقوم المشاهد بتقليد هذا المشهد دون أن ينتظر الوصول إلى هدف الفيلم.

كما أنه فى بعض الأعمال، قد يعكس البطل جزءًا من حياته الشخصية الخاصة، ولا يعكس واقع المجتمع العام كشرب الخمر، أو السهر فى الملاهى، أو إقامة العلاقات العاطفية مع الأخريات، فى حالة الغضب أو الخلافات الزوجية، لكن قد يقلدها على أنها التصرف الأمثل فى مثل هذه المواقف، كما أن الأعمال الدرامية قد تجسد الخيانة من خلال استغلال جسد الأنثى، ولا تقدم النماذج الإيجابية للمرأة فى صورتها المهنية الملتزمة (الطبيبة - الطالبة الملتزمة - المهندسة الناجحة)، وإذا كان مظهر المرأة مدخلاً لأسلوب التعامل معها سلوكيًا، فإن الحشمة فى الملبس والانضباط فى السلوك، ووضع حدود فى العلاقة بالجنس الآخر يقلل من حجم العلاقات غير المشروعة.

خاصة أن الإعلام يقدم نماذج سلبية للفتاة فى الإعلان والكليب، تركز عليها كأنثى بغض النظر عن إمكاناتها الفنية، وكذلك يقوم الكليب بدور وسيط الغرام المعيب بين الجنسين من خلال رسائل SMS،

وعن إجراءات مواجهة هذا الخداع الإعلامى لشبابنا ، يشير د. العالم إلى ضرورة وجود ميثاق شرف إعلامى من اتحادات الإذاعات والتليفزيونات العربية؛ حتى لا يتركوا الإعلام بهذا الشكل الفاضح الذى يجسد المرأة كأنثى، ويتجاهل عقلها ودورها فى نهضة المجتمع.

مقاومة بكل الوسائل

فضلاً عن وجود وسائل بديلة للمقاومة ، منها: التربية، بمعنى أن تقوم الأسرة على الالتزام والحدود فى الزى، والعلاقات والتعامل مع الجنس الآخر، ويأتى النسق الدينى لتنظيم الجانب الدينى للتربية الدينية المتوازنة التى توازن بين التفتح والوعى والانضباط والحدود والواجبات، إلى جانب التعامل الانتقائى مع الإعلام، بمعنى أن أختار منه ما يناسب قيمى وأخلاقى ومعارفى، وأتعرف على ما يحدث من قبيل المعرفة والثقافة على ألا أحاكيه، ويبقى دور قادة الرأى من المدرسين والمفكرين والمثقفين، وكُتَّاب السيناريو، ودعاة الإسلام ، الذين ينبغى أن يعرفوا جمهورهم، ويُعايشوا مشكلاته، ويتحدثوا بلغته، ويعرفوا مطالبه، حتى يستطيعوا أن يمسوا مشاكله، ويقدموا لها حلولاً مقنعة قابلة للتطبيق.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #224
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:22 AM
Parent: #223

زواج على ورقة طلاق ... لماذا تنهار الأسر الجديدة ؟
تألقت السعادة بكل وضوح على شفتيها الباسمتين، وبرقت عيناها بالفرحة التى طالما انتظرتها سنوات عديدة، وهى ترتدى ثوب الزفاف الأبيض الحالم، ينعكس ضوء القاعة المبهر عليها، فتزداد لمعانًا، تتأبط ذراع زوجها الوسيم ذى الحلة السوداء الحالكة، ورباط العنق الصغير الأنيق، تطل السعادة من خلجات وجهه، فتزداد سعادتها، وقبل أن تكتمل الأسرة التى لم تلبث جذورها أن تستقر فى الأرض، فوجئ الجميع بالخبر الصعب ألا وهو الطلاق، انهارت الأسرة قبل أن تبدأ، وتساءل الجميع فى حيرة وذهول عن السبب.

قصة تتكرر كل يوم بعد أن تزايدت حالات الطلاق بشكل ملفت فى مجتمعنا، فما الأسباب؟ وكيف نحمى الأسرة من هذا الكابوس؟

حماتى السبب
تقول ليندا: أنهيت دراستى الإعدادية، وكنت أصغر بنات العائلة التى تتكون من عشرة أفراد، تقدم قريبى لخطبتى، ولم أكن أفهم معنى الزواج، كان عمرى خمسة عشر عامًا فقط، ومن داخلى لم أكن أرغب فى الزواج، إلا أن أهلى وافقوا وأقنعونى، وتزوجت، وكانت نهاية البداية من حماتى، فهى سيدة قوية وصعبة جدًا، وباتت حياتى مستحيلة، إلا أن طيبة زوجى جعلتنى أتمسك به، حتى أتانى من يخبرنى أن زوجى ينوى الزواج بيهودية تعرف عليها فى أثناء سفره للضفة الغربية، فأبلغت أهلى، ورأوا أنى لا يجب أن أبقى على ذمته.

سقط القناع
تُرجع مديحة السعيد سبب طلاقها من زوجها لكثرة المشاكل بينهما فتقول: لقد سقط القناع عنه بعد زواجنا مباشرة، لم يعد ذلك الرجل الرومانسى اللطيف الذى أحببته وتزوجته، وظهرت شخصيته الحقيقية، أصبح جافًا فى تصرفاته وعدوانيًا معى، يغضب لأتفه الأمور، ولا يرضيه شيء مهما فعلت، حتى لو أضأت له أصابعى شمعًا، حاولت مرارًا وتكرارًا تجنب الطلاق للحفاظ على أسرتى، ولكن بعد أن وصل الأمر إلى حد الضرب والإهانة لم أجد حلاً سوى الطلاق.

ليس بالجمال وحده يحيا الزواج
نشأت بينهما قصة حب عميقة، كانا يعملان فى نفس المدرسة، جمالها الملفت للأنظار أثار إعجاب العديد ممن حولها، وكان هو ضمن هؤلاء، حتى تزوجا، وبسبب ظروفها المادية الميسورة أخذت تتجاهل زوجها باستمرار، وتتعالى عليه، فتعرف على فتاة أخرى ليست جميلة كزوجته، ولكنه وجد فيها الحنان الذى افتقده فى زوجته، فقام بتطليقها؛ ولكن بعد أن أنجبت.

مفاجأة شهر العسل
فتاة فى السادسة والعشرين من عمرها، تعمل بالتدريس، خطبت لرجل أعمال خطبة تقليدية، وتزوجا بعد الخطبة بأسبوع، نظرًا لأنه ميسور الحال، وكانت المفاجأة فى يوم زفافها الذى تنتظره كل فتاة بشوق وترقب، وجدته يقوم بحساب ما ستقوم بإنفاقه على المنزل من راتبها، وفى اليوم التالى لزفافها، فوجئت بأصدقائه قد أتوا للمنزل، وأخذ زوجها يلعب معهم القمار حتى الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، واجهته ولكنه تشاجر معها، وأخذ يبيت خارج المنزل لثلاث أو أربع ليالٍ متصلة، وبعد أن نفد صبرها، تركت المنزل وعادت إلى منزل أهلها، وتم طلاقها بعد عام واحد من الزواج.

اختفاء زوج
تعمل حاسبة فى أحد البنوك، طُلقت منذ ثلاث سنوات بعد أن تزوجت من شقيق صديقتها، رجل أعمال، لم تتعد فترة الخطوبة شهرًا واحدًا بعدها تزوجا، وبينما يقضيان شهر العسل فى أحد الفنادق اختفى تمامًا ولم يترك أثرًا، وبعد أن فقدت الأمل فى عودته، اضطرت إلى بيع شبكتها كى تتمكن من تسديد فاتورة الفندق الباهظة، والعودة إلى مصر، وهناك فوجئت بأن ورقة الطلاق تنتظرها بعد ثلاثة أسابيع بالضبط من الزواج.

عفوًا والدى
يتيمة الأب، عمرها 25 عامًا، خطبت لشاب هادئ بالطريقة التقليدية، كان عش الزوجية الجديد مقابلاً لشقة أسرة الزوج، من ثم أخذ الأب والأم بالتدخل فى أدق شئون حياتهما، مما أحال عش الزوجية السعيد إلى جحيم، حتى انتهى الأمر بالطلاق بعد سنة واحدة من الزواج، الذى أسفر عن طفل عمره ثلاثة أشهر.

وهنا لا بد من طرح السؤال.. هل التربية الخاطئة هى المسئولة عن قصر عمر الزواج فى هذه الحالات، أم أنه الاختيار، أم التسرع وعدم دراسة كل طرف لشريكه المنتظر؟

السبب الرئيس.. سوء اختيار
عن أثر التربية المدللة، وعدم تحمل المسئولية، تتحدث الدكتورة آمنة أبو كيفه - الأخصائية النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس، ومدير البعثة التخصصية لإعداد معلمى التوجيه - فتقول:

للطلاق المبكر أسباب عديدة منها: سوء الاختيار، والتسرع فى اتخاذ القرارات، أو الزواج على عجل بعد فترة خطبة قصيرة جدًا، لا تكاد تكفى لمعرفة كل فرد للآخر معرفة جيدة، بالإضافة إلى الأهل الذين يضعون كل تركيزهم واهتمامهم على النواحى المادية فقط، ناسين أو متناسين السؤال عن ذلك المال، ومعرفة مصدره على الأقل، وإذا كان الطرفان يدركان جيدًا أهمية العلاقة الزوجية، وأن أساسها هو الرباط المبنى على المودة والرحمة والحب والود، يمكنهما حينئذ مواجهة أى عقبة تواجههما مهما كانت صعوبتها؛ إذ يتغاضى كل منهما عن بعض العيوب التى يمكن التغلب عليها، والتعايش معها من الطرف الآخر، أما إذا لم يكونا متفاهمين، ولا يوجد بينهما علاقة حب، فكيف ينجح الزواج إذن؟

وتضيف د. آمنة: من الملاحظ أن معدل الطلاق قد زاد فى تلك الآونة عما كان خلال الثلاثين عامًا الماضية مثلاً؛ لأن الشاب المدلل الآن يتعامل مع الزواج بعدم اهتمام، مع توقعه بأن الطرف الآخر سيطيع ويفعل ما يريده على الفور بلا مناقشة، كما اعتاد فى منزل أسرته، فما دام أحد الطرفين مدللاً، فإنه لا يدرك أهمية تحمل المسئولية، سواء مسئولية المنزل، أو الأسرة، أو الأطفال.

كذلك فإن فشل الزواج قد يكون نتيجة تدخل أحد الأبوين، وبالذات الأم، فكثير من الأمهات يتدخلن تدخلاً سافرًا ومباشرًا فى حياة أولادهن، نظرًا لوجود أزمة السكن، واضطرار العديد من الشباب المتزوج إلى المعيشة مع الأسرة، سواء فى حجرة مستقلة، أو شقة مستقلة فى نفس منزل الأسرة، ولا نريد أن نلقى باللوم على الأمهات وحدهن، فزوجة الابن قديمًا كانت مطيعة وهادئة يكاد لا يُسمع لها صوت بالرغم من معيشتها فى منزل أسرة زوجها، أما الآن فهناك العديد من زوجات الأبناء اللائى يردن كيانًا مستقلاً فى منزل مستقل.

وهذا لا يعنى أن الصورة الرومانسية للزواج التى نراها فى الأفلام غير موجودة، فالحياة ليست قائمة بهذه الدرجة، فمؤلفو تلك القصص غالبًا ما يقومون باقتباس هذه القصص والموضوعات من الواقع، سواء رأوها بأنفسهم، أو قصها على مسامعهم أحد الأصدقاء، أو قرءوها.

الخلاصة:
أن تلك القصص جميعها قصص واقعية، فهناك رومانسية، وهناك زواج ناجح، وهناك زوجان متحابان بعد فترة طويلة من الزواج؛ لأن المرأة إذا أحبت الرجل حبًا صادقًا حقيقيًا، فإنها تتحمله إلى أقصى حدّ، وكذلك الزوج، كلما كان قريبًا من الدين، سيتقى الله فى زوجته، ويخشى أن يهينها ولو بكلمة؛ اتباعًا للآية الكريمة: {ومن يتق الله يجعل له مخرجًا ويرزقه من حيث لا يحتسب}.

إلا أنه فى المقابل توجد حالات يكون فيها عقد الزواج مكتوبًا على ورقة الطلاق، حتى وإن كانت نسبة هذه الحالات ضعيفة ومحدودة، فإن ذلك لا ينفى وجودها الذى يسبب حالة من القلق والتوتر للأسرة.

الحل.. فى التكيف
وذكرنا دكتور حمدى المليجى - أستاذ علم النفس التربوى بكلية التربية بجامعة طنطا - بحقيقة مهمة جدًا، وهى: أن لكل حالة من حالات الطلاق المبكر أسبابها، وليس هناك أسباب عامة، أما الأسباب المحتملة، والتى يمكن أن تؤدى لحدوثه يمكن إجمالها فى الآتى:

1. عدم التوافق الزواجى بين الشريكين، والراجع إلى الفرق فى المستوى الثقافى والفكرى والتعليمى، فالزوج يشعر دائمًا بالنقص إذا كانت زوجته أعلى منه فى الدرجة العلمية، بينما إذا كانت الزوجة هى الأقل فى المستوى التعليمى، فإنها على العكس لا تشعر بالنقص، بل تشعر بالفخر بزوجها، وتحاول دفعه دائمًا إلى الأمام.

2. الغيرة الشديدة من أحد الزوجين على الطرف الآخر، والتى قد تصل إلى حد الشك المرضى.

3. الفرق فى المستوى الاقتصادى فى المعيشة، وخاصة الزوجة حين تكون أسرتها ذات مستوى مادى مرتفع، وتوفر لها كل ما تحتاجه، بينما الزوج لا يمكن تلبية متطلباتها التى كانت توفرها لها أسرتها السابقة.

4. عدم الرغبة فى إتمام الزواج أصلاً وبخاصة الزوجة التي قد تكون أرغمت على الزواج، أما الزوج فلا يمكن إرغامه على ذلك أبدًا.

5. المثل العامى القائل: إن الحب يأتى بعد الزواج، فهو ليس قاعدة، فهناك من الحالات ما يتحقق فيها ذلك، وهناك من يقضايان حياتهما الزوجية بأكملها بلا حب.

وهناك مؤشرات يمكن أن تؤخذ فى الاعتبار للدلالة على نجاح تلك الزيجة أو فشلها، واحتمال حدوث الطلاق المبكر، ومن هذه المؤشرات:

1. وجود فجوة فى التفكير بين الطرفين.

2. أن تكون طلبات المخطوبة فوق مستوى إمكانات الخاطب لعدم تقديرها أن خطيبها شاب فى بداية حياته، لا يمكن أن يحقق لها كل ما تحلم به على الأقل الآن.

3. بخل الزوج والذى قد يظهر أثناء فترة الخطوبة، ومهما حاول مداراة ذلك فلا بد من هفوة صغيرة تكشف للزوجة أن زوج المستقبل بخيل.

4. استعجال الاستفادة من الزواج اقتصاديًا كأن تطلب الفتاة من خطيبها سكنًا كبيرًا وواسعًا، أو حفل زفاف فى أحد فنادق الخمس نجوم.

وليس هناك حل سحرى لتفادى حدوث الطلاق المبكر، ولكن هناك عدة محاولات لذلك منها:

1. انتقاء الأسرة: سواء الزوج أو الزوجة التى سيختار منها شريك المستقبل، بحيث تتوفر فيه مجموعة من الخصائص التى تحقق الاستقرار والعمل بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه..»؛ لذا فإن نقطة البداية لنجاح أي زواج هى الاختيار الصحيح.

2. تفهم ظروف الطرفين سواء كانت مادية أو اقتصادية أو اجتماعية، ومحاولة التكيف معها، وتحذير كل من أسرتى الزوج والزوجة من التدخل فى حياة أبنائهما إلا بالنصح فقط، بما لا يصل إلى التدخل فى أمورهما الشخصية، كأن تقوم الأم مثلاً - الحماة - باصطياد المواقف الصغيرة فى حياة ابنها أو ابنتها لخلق مشكلة كبيرة قد تصل إلى حد الطلاق.

3. أن تقدم وسائل الإعلام برامج تحقق الإرشاد الزواجى، ويجب على تلك البرامج أن تركز على تقديم الإرشاد الزواجى بصورة علمية مبسطة باستخدام جميع الوسائل المتاحة؛ لأنها تخاطب شرائح متباينة من المجتمع.

وأخيــرًا ينصح د. المليجى الشباب المقبل على الزواج بأن يحاول كل من الشريكين أن يتنازل عن عيوب الطرف الآخر، فقد أتى كل منهما من أسرتين متباينتين، لكل واحدة منهما أسلوب تربية وتفكير مختلف حتمًا ينبغى احترامه كأمر طبيعى.
أميرة توفيق-اسلام ويب

Post: #225
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 03:28 AM
Parent: #224

قبل أن تصبح الأسرة فى خبر كان !!
مؤتمرات المرأة العالمية.. والإعلام العميل معاول تهدم أساس القلعة الأسرية
ولكن.. لماذا الأسرة بالذات؟ وهل نجحت هذه السهام المسمومة فى تفكيك الأسرة، وطمس هويتها كنواة للمجتمع المسلم المتماسك؟ وإذا كانت هذه المؤامرات قد حققت قدرًا من النجاح، وسارت خطوات على درب تحقيق أهدافها، فكيف تتحقق المقاومة؟ ومن الذى يجب أن يقوم بها؟ وما شروط نجاحها؟

الإجابة فى التحقيق التالى:


تقليص أدوار الأسرة
فى البداية تشير د. أمانى أبو الفضل - أستاذة الأدب الإنجليزى، والناشطة فى مجال المرأة - إلى أن الأسرة وفى قلبها الأم هى المحضن المثالى للنشء، ولذلك يتم التركيز على استهداف هذه الركيزة، والدعامة الأساسية للمجتمع، وتجرى عمليات تفريغها من عقيدتها، وسلخها من هويتها، وتغيير عاداتها لتصبح نسخة مكررة للأسرة التى يريدونها، مستعبدة لهواها، أنانية فى تصرفاتها، تجرى لاهثة لتطبيق الاتفاقات الدولية دون وعى، أو إدراك لما يحاك ضدها، ويدبر لها.

وتضيف د. أمانى أن الحركات النسوية المتطرفة تتبنى نظرية العقل الجمعى، والتى تُعد الأسرة بموجبها نظامًا من وضع المجتمع، وليس من طبائع البشر، فإن شاء المجتمع أبقاها، وإن شاء أزالها، واستبدل بها أشكالاً أخرى للعلاقات مثل: الشذوذ، والمثلية الجنسية.

وقد سعت المؤتمرات الدولية التى عُقدت فى أروقة الأمم المتحدة، أو تحت رعايتها بدءًا بمؤتمر السكان 1994م، مرورًا بمؤتمر بكين 1995م، وما لحقه من مؤتمرات، وصولاً إلى مؤتمر الطفل بنيويورك 2001م، إلى تقليص مساحة الأسرة، واختزال دورها، وإقامة حواجز بين الآباء والأبناء.

فضلاً عن استخدام لفظ التمكين للأطفال والمراهقين فى تحدٍّ سافر للسلطة الأبوية داخل الأسرة، تقليدًا لما هو سائد فى المجتمعات الغربية.


استهداف المنظومة
أما د. هبة رءوف - مدرسة العلوم السياسية بجامعة القاهرة - فترى أن جوهر المشكلة هو استهداف المنظومة كلها؛ لأن الحداثة تركز على الفرد والسوق، أى المستهلك فى التصور الرأسمالى القائم على ابتغاء الربح.

مما يجعل هناك تركيزًا أكبر على فكرة الحريات الفردية للأفراد كل على حدة، وتراجعًا لفكرة الكتل والوحدات، ومنها الأسرة، بل وشن الحرب عليها لتفكيكها، والسيطرة على مكوناتها وعناصرها فرادى.

تدمير القيم
وينبه د. عبد الحليم عويس - أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية - إلى أن هناك استهدافًا غربيًا وصهيونيًا، موجهًا للعالم كله بما فيه المجتمعات الإسلامية، وغير الإسلامية، كالهند، والصين، واليابان، رغبة فى تدمير كل القيم فى العالم.

ولكنَّ تركُّز الهجمة ضد العالم الإسلامى مرجعها إلى أن المجتمعات غير الإسلامية لم تُبِد مقاومة تذكر لهذه الهجمة، بينما أبدى المجتمع المسلم مقاومة شديدة دفاعًا عن هويته ودينه، ومبادئه، وتقاليده الرائعة - بمرجعيتها الإسلامية - فى العلاقة بين أفراد الأسرة، والتماسك العائلى، ومن ثم كانت الحرب على أشدها ضد الأسرة المسلمة، وقد تمكن هؤلاء من كثير من القطاعات ذات العلاقة المباشرة مع الأسرة، فعملوا على القضاء على علاقة الابن، أو البنت بالأب بإطلاق موجة الحرية المطلقة، وتبغيض معنى الأبوة، بوصفها بالقهر والتسلط، وتحريض المرأة للتمرد على قوامة زوجها، باعتبارها قيودًا تحد من حريتها، كل ذلك ضمن نطاق العولمة الكونى، الذى من شأنها الإجهاز على الأسرة، واختراقها من جميع الجوانب.


الطلاق الصامت
وتفسر د. فاطمة الزهراء محمد - مدرسة الصحافة المساعدة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة - هذه الهجمة بوضعها فى سياق التنافس الراهن بين قوة رأس المال، الذى يستهدف الربح، بغض النظر عن العاقب، وقوة الدين، والعقائد، والشرائع، التى تحكم كثيرًا من البشر، فالغرب يسعى للربح المادى، واستعمال الناس كأدوات لتحقيق هذا الربح.

وتقرر د. أمانى أبو الفضل أن مؤتمرات المرأة العالمية، أفرزت ثمارًا مُرة، ليس فقط فى مجتمعاتها الغربية، ولكن أيضًا فى مجتمعاتنا الشرقية المحافظة، وتمثل ذلك فى:

- ارتفاع نسبة العنوسة نتيجة للخوف من الزواج، والمشاكل المتوقعة التى يروج لها الإعلام الغربى أو المتغرب.

- ارتفاع نسبة الطلاق: حالة طلاق كل ست دقائق، نتيجة إعلاء الأنا والذات عند كل أفراد الأسرة، وبحث كل منهم عن سعادته هو ماديًا وجنسيًا وعاطفيًا.

- ظهور أنماط جديدة للعلاقات خارج إطار الأسرة.

- تراجع قيمة التضحية داخل الأسرة.

- سيادة حالة الصراع داخل الأسرة والرغبة فى التخلص من هذا الوضع، وهو ما فتح الأبواب للخلافات الزوجية، والجرائم الأسرية.

توظيف الإعلام
ومن جانبها تكشف د. منال أبو الحسن - عضو اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل - عن خطورة توظيف الإعلام فى نشر وتسويق مقررات وتوصيات المؤتمرات الدولية الخاصة بالمرأة، فتشير إلى أن استخدام الإعلام العربى والإسلامى للمصطلحات التى تنادى بها هذه المواثيق والمؤتمرات، لا يساعد على تطوير المجتمعات الإسلامية بقدر ما يلحق الضرر الذى يبدأ بالبنية الأساسية للمجتمع، وهى الأسرة ويمس العلاقات الزوجية مسًا مباشرًا، بما ينطوى عليه من تسوية للعلاقة الزوجية والأسرية والوالدية، وضياع الواجبات فى وسط الحقوق المزعومة، خاصة وأن وسائل الإعلام تدعو المرأة إلى التمرد، ورفع راية العصيان، ورفض قوامة الرجل، وفى المقابل يركز الإعلام على جسد المرأة (التجميل والأزياء)، التسوق، والاستهلاك، وليس على العقل، والدور الاجتماعى والتربوى، مما يهدف فى النهاية إلى جعل المرأة سلعة، للاستهلاك والتربح.

وإزاء هذه المؤامرة المدروسة ضد الأسرة عمومًا، والمسلمة بصفة خاصة يلح التساؤل: ما العمل؟ وكيف نواجه هذه المؤامرة بوعى وموضوعية؟


قلعة الجهاد
يقرر د. عبد الحليم عويس أن الأسرة من الداخل هى قلعة الجهاد الأولى، والحصن الذى ينبغى أن نحتمى به، ونبذل فيه النفس والنفيس، حتى وإن اقتضى الأمر بعض التنازل من قبل الآباء فى تعاملهم مع أبنائهم، بما يحفظ تماسك الأسرة، وعلاقة الحب بين الطرفين، ولا مانع أيضًا من تنازل المرأة قليلاً عن بعض مطالبها، دون تفريط فى حقوقها الإنسانية، وكرامتها التى كفلها لها دينها.

فضلاً عن ضرورة قيام الدعاة بمسئولياتهم فى توعية الجماهير بأهمية الأسرة، ومسئولية ودور كل عنصر فيها، وتبصيرهم بالمؤامرة التى تدبر ضدهم، ليعرفوا مسئوليتهم فى هذه المواجهة، انطلاقًا من القاعدة الشرعية «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته».


وتضع د. فاطمة الزهراء ثلاثة مستويات للمقاومة:
أولها: المستوى التنظيمى للهيئات الدولية، التى تعنى بشئون المسلمين مثل: منظمة المؤتمر الإسلامى، والمجامع العلمية، بحيث تخصص أعمالها لوضع وتمويل خطط توعوية للمسلمين بهذا الخطر الذى يهدد دينهم.

وضع خطط تنفيذية للمواجهة حسب إمكانات وظروف كل فئة، سواء بالمقاطعة، أو إنشاء قنوات إعلامية بديلة، أو التوعية داخل الأسرة باعتبارها خط الدفاع الأخير والأهم فى تنشئة الأطفال.

- المستوى السياسى، فعلى صانعى القرار تفعيل المشاركة السياسية لتصعيد العناصر القادرة على تمثيل رغبات الشعوب، وتحويلها إلى قوانين يتم تنفيذها، ومنها ما يتعلق بالأسرة.

- أما على المستوى الأسرى فينبغى: ترابط الأسرة من خلال فهم الوالدين لرسالتهما فى الأسرة، واهتمامهما بما هو أكبر من الأكل والشرب، وهو الارتقاء بمستوى الأبناء، ومشاعرهم نحو قضايا الأمة، وتفعيل دورهم، وتكوين اتجاهاتهم من خلال دمجهم فى العمل التطوعى والفعاليات لخدمة هذه القضايا.


ومن جانبها تلقى المهندسة كاميليا حلمى - رئيسة اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل - على الإعلام مسئولية كبيرة فى توعية الجماهير، لكى تفهم، فلا تصدق كل ما يقال لها عن حقوق المرأة، وعليه أن يتصدى لمحاولات القضاء على الأدوار النمطية للمرأة داخل الأسرة، بل والعمل على إعلاء هذه الأدوار (الزوجية/ الأمومة/ التربية/ الرعاية) إلى جانب عملها المهنى فى تكامل وتوازن.

كما تؤكد أن على الأسرة أن تربى أبناءها على القرآن والسنة منذ اختيار الوالدين لبعضهما على قاعدة الدين، وأن يكونا قدوة طيبة أمام الأبناء فى تعاملهما معًا، وفى تفاعلهما مع قضايا الأمة، وتعويدهم على الطاعة الواعية، وحل المشكلات داخل الأسرة، وتربيتهم على وجود سلطة فوقية للوالدين، لا يجوز لهم أن يتحرروا منها بلا ضوابط، لأنها هى الإطار الذى يعصمهم من الوقوع فى الحرام أو الخطأ.

وبرغم أهمية المقاومة الذاتية والتمسك بقيمنا الأصيلة بمفهومها الواسع، والتى تعلى قيمة الأسرة، وتحديد الأدوار داخلها، فإن د. أمانى تؤكد أنه لا بد من التنسيق والتكامل فى المسئولية بين اللجان والجمعيات الأهلية المعنية بقضايا المرأة والأسرة، إلا أن ذلك لن يجدى إلا فى إطار قانونى وتشريعى مواتٍ وملزم.

وبدون هذا الإطار الملزم من قبل الحكومات وقوتها التشريعية، فسيظل عمل هذه اللجان فى إطار التوعية والوعظ والتوجيه فقط، أمام طغيان القيم المضادة التى تبثها هذه المؤتمرات، ويروج لها الإعلام المضاد.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #226
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:09 PM
Parent: #225

التربية رسالة سامية ، لأنها تبني الإنسان وتزكيه، ويحتاج القيام بهذه الرسالة وحملها إلى جهد وصبر ، ومكابدة وحكمة، لا سيما إذا كانت تسير في طريق حل مشكلات الأطفال مثل" العدوانية" التي تعاني منها بعض الأسر ، وتحاول معالجة الأطفال العدوانيين وإعادتهم إلى الاتزان والاستقرار والابتعاد عن الأذى.

ما هو السلوك العدواني ؟
السلوك يعني سيرة الإنسان وتصرّفه، أما العدواني : فهو منسوب إلى العدوان، والعدوان : هجوم ظالم!!

لذا نستطيع أن نقول : إن السلوك العدواني تصرف ظالم يقوم به الصغير والكبير تجاه الآخرين من ضرب أو شتم أو ما شابه ذلك.

أنماط السلوك العدواني
تظهر النزعة العدوانية لدى الأطفال في سلوك يحمل طابع الاعتداء على الآخرين كالمشاجرة، والانتقام ، والمشاكسة، والمعاندة ، والتحدي، والتلذذ بنقد الآخرين وكشف أخطائهم، وإظهارهم بمظهر الضعف أو العجز، والاتجاه نحو التعذيب والتنغيص وتعكير الجو، والتشهير وإحداث الفتن، ونوبات الغضب..ورغم أن أنماط السلوك العدواني كثيرة جدا، لكن أهم هذه الأنماط وأكثرها انتشارا:

1- المعاندة : وتتجلى لدى الطفل في رفض الطلبات والأوامر والتوجيهات من قبل أبويه وذويه، وهي أبسط مظاهر النزعات العدوانية ، وتتلاشى المعاندة بصورة طبيعية بتأثير النمو الاجتماعي.

2- المشاجرة : وتظهر بضرب الطفل لإخوته وأقرانه، أو دفعهم، أو شدهم من شعرهم، أو اغتصاب حاجاتهم ، وكثيرا ما يكون هذا الاغتصاب اغتصابا ظاهرا علنا، وقد دلت البحوث على أن الاستعداد للمشاجرة بين الذكور أقوى منه بين الإناث، ودلت أيضا على أن الاستعداد للمشاجرة يضمحل بتقدم السن.

3- الكيد والإيذاء: ويبدو ذلك واضحا في إغاظة الأطفال الآخرين والكيد لهم، وإيذائهم وتعذيبهم، وتنغيص حياتهم ، والتدخل في ألعابهم.

والطفل العدواني يوجّه دائما كيده وإيذاءه نحو النقط الحساسة عند الأطفال الذين يكيد لهم، ولذا نجد أن الطفل الذي يدأب على إغاظة طفل آخر، لا ينتقي فريسته ارتجالا، بل يختار طفلا يستجيب في كل الأحوال لأساليب التنغيص والاستفزاز التي توجه إليه.

خطورة السلوك العدواني
وجود طفل عدواني أو أكثر في الأسرة يؤثر على راحتها واطمئنانها ، ويؤدي إلى سلبيات مادية ومعنوية منها : إيذاء إخوته ، وضربهم، وشتمهم والاستيلاء على حاجاتهم ولعبهم، مما يجعلهم يسخطون عليه ، فيعبّرون عن ذلك السخط بضربه ومشاجرته ، أو يلجؤون إلى البكاء تعبيرا عن غيظهم وانزعاجهم.

بالإضافة إلى ذلك فإن الطفل العدواني يسبب أضرارا في أثاث المنزل ، كما يثير الفوضى في البيت، فيقلب الأدوات ، ويغير ترتيبها بعد أن وضعت الأم كل شيء في مكانه، ويحاول أن يتحكم فيما يجري حوله، وكأنه سيد الموقف، ويثير الشغب والضوضاء التي تقلق راحة الأسرة، وعندما يعود الوالد من عمله منهوك القوى يريد أن يستريح يجد في بيته الضجة التي لا تهدأ والتي قد تصل إلى الجيران فتزعجهم أيضا ، يتأثر به الإخوة فينقلبون إلى عدوانيين، وقد يمتد هذا التأثير إلى أولاد الجيران والأصدقاء في الحي والمدرسة..

إن هذه الظاهرة لما لها من أضرار..تحتاج إلى علاج سريع، وذلك بتعاون الأسرة والمدرسة والمجتمع لأن الطفل إذا شبّ على هذا السلوك قد يصبح في المستقبل عدوانيا يؤذي كثيرا من الناس ويؤذي نفسه.

العلاج السلوكي
بعد أن يُشخّص الطفل العدواني، ويُعرف بالعدوانية ، وتُكشف صفاته وتُحدّد الأسباب التي أدّت إلى ظهور السلوك العدواني عنده، يجب أن تتجه الأسرة إلى الاستعاضة عن صفات الطفل السلبية بصفات أخرى إيجابية ، لأن العلاج السلوكي يهدف إلى تحقيق تغيّرات في سلوك الفرد تجعل حياته وحياة المحيطين به أكثر إيجابية وفاعلية، و إزالة الأسباب التي أدت إلى العدوانية لدى الطفل هي السبيل الأول لعلاجه بالإضافة إلى سبل أخرى.

وسنُجمل طرق العلاج في هذا الجدول:

أسباب العدوانية

علاجهــــــــا

1-الطاقة الجسمية الفائضة:

الإكثار من ملاعبته بألعاب رياضية محبَّبة إليه، حتى لا يصرف هذه القوة في الأذى والاعتداء

2-الرغبة في إثبات الذات:

تكلفه بأعمال أمام إخوته وأصدقائه، كإلقاء الأناشيد، أو التعبير عن نفسه، أو سرد حكاية أو نطالبه بالقيام بعمل ما ونثني عليه ونشجعه.

3-تقييد الحرية :

نُهيّئ له مكانا يتحرك فيه ويلعب بحرية، فإن لم يكن في المنزل مُتسّعٌ، نصحبه إلى الحدائق، وملاعب الأطفال ويُفضّل أن يتم ذلك مع الأصدقاء.

4-الإخفاق الاجتماعي والشعور بالظلم والغيرة:

أن نشعره بالحب، والعطف والحنان والأمان ونلبّي طلباته دون إسراف ، وهذا يؤدّي إلى جعله إنسان سوياَ.

5-التقليد والمحاكاة:

إبعاده عن مشاهدة مناظر الرعب والصراع التي تُعرض على الشاشات والقنوات الفضائية.

بالإضافة إلى ما سبق يجب أن نملأ أوقات الطفل العدواني فلا نجعله يشعر بالفراغ، ونؤّمن له الألعاب المناسبة، وننمّي هواياته، ونساعده على ممارستها.

إن معالجة السلوك العدواني تحتاج إلى ملاحظة حركاته، وتصرفاته وأقواله وموقفه من الناس والأشياء.

وعند معالجته نحتاج إلى متابعة ومعرفة تأثّره بالعلاج، وعلينا أن نشعره أننا قريبون منه، نحبه ونعتني به ونقدم له الهدايا كلما عمل عملا إيجابيا، أو تصرف تصرفا حسنا.

إن سيرنا في هذه الخطوات سيضمن لنا النتائج الطيبة، وخاصة إذا تعاون كل أفراد الأسرة في معالجة حبيبهم الصغير

وينبغي أيضا ألاّ ننسى الدعاء إلى الله تعالى في أن يوفقنا في مسعانا فمن صفات المؤمنين أنهم يدعون لأسرتهم ، يقول الله عز وجل " والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما".الفرقان74.
أحمد حسن الخميس

Post: #227
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:19 PM
Parent: #226

البطيخ من الخضروات لكنه فاكهة الصيف الأولى !
البطيخ أحد الخضروات وليس فاكهة كما يعتقد البعض، وله أسماء كثيرة في بلادنا العربية، مثل بطيخ أخضر، تمييزًا له عن الشمام الذي يسمى بالبطيخ الأصفر أحيانًا، وكذلك جبس وحبحبَ وجح ودلاع وتاج وشمزي ورقي.
ويعود الاسم الأوروبي للبطيخ إلى الكلمة اليونانية القديمة Melone التي تعني "التفاحة الكبيرة".

والبطيخ نبات عشبي حولي شبه بري من فصيلة القرعيات، عرف قديمًا في إفريقيا باسم مصدر السوائل، يحتاج في نموه إلى الجو الدافئ مع الماء. الجزء المأكول من النبات هو لب الثمار بالدرجة الأولى وتؤكل الأوراق والأزهار عند بعض الشعوب ولب البذور عند كثير من شعوب العالم.
والبطيخ أنواع عديدة، منه الأنواع الحلوة المعروفة ومنه المرة ذات اللون الأصفر المخضر وتكون بحجم ثمار الجريب فروت. وأشكاله تختلف بين المدور والطويل الذي قد يصل إلى 60سم.

ترجع نشأة البطيخ الأولى إلى أفريقيا وأمريكا في عام 1629م وحاليًا يزرع في معظم أجزاء إفريقيا وجنوب شرق آسيا والولايات الكاريبية والجنوبية الأمريكية، كما ينمو في معظم مناطق العالم العربي. وتعتبر تركيا والصين من أكثر الدول إنتاجًا له، ويزرع في السعودية بكميات كبيرة، إذ بلغ متوسط إنتاجه خلال السنوات الماضية حوالي 464400 طن، ومن أكثر أنواع البطيخ التي تزرع في السعودية النوع المستطيل الذي تكثر زراعته في المنطقة الوسطى.

أوراق البطيخ مفرودة وخضراء اللون، وهذه الأوراق ذات قيمة غذائية جيدة، إذ إنها غنية بفيتامين(أ) والعناصر المعدنية. وبذوره لها ألوان عديدة ما بين البني إلى البني المصفر إلى الأسود، وهي تستخدم للتسلية وتعرف بالفصفص في السعودية واللب في بقية أنحاء العالم العربي، ولبذور البطيخ استخدامات أخرى في إفريقيا، فسكان نيجيريا مثلاً يقومون بتجفيفها وتحميصها ثم طحنها وتوضع على الحساء كما أنهم يصنعون منها عجائن خاصة تسمى أوجيري. وفي بعض البلدان الإفريقية يستخرج الناس الزيت من بذور البطيخ ويستخدمونه للطبخ ويضاف أحيانًا للسلطات، وفي الهند تستخدم بذور البطيخ كملين ومجدد للقوى.

ويحتوي البطيخ على نسبة عالية من الماء تصل إلى 90 -93% من وزنه، أما المواد الأخرى فهي قليلة جدًّا وعلى رأسها السكر الذي تبلغ نسبته 6-9% من وزنه.
وهو غني بفيتامين (ج) وبه نسبة ضئيلة من فيتامين (أ)، مع نسبة ضئيلة جدًّا من حمض النيكوتنيك، وهو الفيتامين المضاد لمرض البلاغرا، وعلاوة على ذلك يحتوي البطيخ على الكبريت والفوسفور والكلور والصودا والبوتاس.

بتحليل البطيخ الأحمر وجد أن المائة غرام منه تحتوي على 90% من وزنه ماء و10 غرامات سكر وحوالي نصف غرام بروتين و7 مليغرام دهون وحوالي 9 مليغرام كالسيوم و5 مليغرام من فيتامين A و10 مليغرام من فيتامين C، وحوالي 30 مليغرام حديد و3 مليغرام صوديوم، و20 مليغرام مغنسيوم، و15 مليغرام فسفور وحوالي 15 مليغرام بوتاسيوم كما أن المائة غرام تعطي للجسم حوالي 50 سعرًا حراريًا.

تحتوي شريحتان من البطيخ على 80 سعرًا حراريًا و10% من البوتاسيوم الموصى به يوميًا وعلى 25% مما يحتاجه الجسم يوميًا من الفيتامينات الآتية:

· فيتامين A: مهم للعين ويحمي من العمى الليلي، وينشط مناعة الجسم.

· فيتامين b6: يستخدمه الجسم في إنتاج مواد كيميائية مفيدة للوصلات العصبية الدماغية التي تساعد الجسم في مواجهة التوتر والخوف.

· فيتامين C: يساعد جهاز المناعة على مواجهة التلوث والفيروسات، كما يحمي الجسم من المؤكسدات الشاردة الضارة، التي تسبب أمراضًا كالكتاركت.. إعتام عدسة العين

ولا يقتصر الأمر على لب ثمرة البطيخ فبذرته مفيدة أيضًا لقيمتها الغذائية العالية إذ تحتوي على 42% من وزنها بروتين وحوالي 15% سكر ونشا وحوالي 27% زلاليات. وتحتوي على نسبة عالية من الدهون غير المشبعة المفيدة غذائيًا وخصوصًا المسمى (أوميجا) فهي تساعد في تخفيض نسبة الكولسترول في الدم.

صديق القلب:
وقد شهدت السنوات الأخيرة اهتمامًا علميًّا كبيرًا بالبطيخ؛ ففي عام 2005م فقط أصدرت وزارة الزراعة الأمريكية خمس دراسات كلها تتحدث عن فوائد البطيخ، وفي سبتمبر من العام نفسه انعقد المؤتمر الدولي الثالث لثمار القرعيات في أستراليا، وكانت فوائد تناول البطيخ الطبية على رأس جدول أعماله.

قبل ذلك بعامين أي عام 2003م أثبتت الأبحاث أن البطيخ يحتوي على كمية من مضادات الأكسدة الحمراء اللون، أكثر مما هو في الطماطم، ودخلت رابطة القلب الأمريكية على خط الاهتمام العلمي بالبطيخ فقامت بتصنيفه ضمن قائمة المنتجات النباتية المفيدة للقلب، ليس فقط بسبب فائدته للشرايين، بل أيضًا لأنه مدر للبول ويحتوي على الفيتامينات المفيدة للقلب من مصادرها الطبيعية. إضافة إلى أنه على عكس المتوقع، مفيد لتخفيف الوزن، نظرًا لقلة كمية الطاقة في حصته الغذائية.

لقد أعاد العلم الحديث اكتشاف البطيخ والطماطم من خلال مادة تسمى ليكوبين ذات الفوائد الطبية الكثيرة أهمها على الإطلاق مقاومة ذرات الأكسجين الناتجة من العمليات الكيميائية داخل الخلايا والتي تقوم بتدمير الحامض النووي دي إن إيه، ويتحد جزء واحد من الليكوبين مع عدة ذرات من الأكسجين وهو ما يسمى مقاومة الشوارد الطليقة أو مضادات الأكسدة. هذه المادة تساهم في تقليل الإصابة بسرطان البروستاتا في حال تناولها الرجال من مصادرها الطبيعية في البطيخ والطماطم.
مجلة الأسرة العدد 173

Post: #228
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:22 PM
Parent: #227

قد لا نضيف جديدًا إذا قلنا إن نجاح الحياة الزوجية يتطلب قدرًا من التفاهم والتسامح والتجاوز عن الهفوات، والتغاضي عن الزلات والتعالي على الأنانية والعناد وتصيد الأخطاء.

فكل الأزواج والمقبلين على الزواج يعرفون ذلك لكنهم كثيرًا ما يعجزون عن تحقيقه، وهذا قريب من طرفة تروى عن خطيب مسجد ظل فترة طويلة يخصص خطبة الجمعة عن الكذب ويحذر الناس منه، فأرسلت جماعة المسجد من يطلب منه التوقف عن تناول هذا الموضوع فأجابهم بأنه سيفعل عندما يتوقفون عن الكذب.

خطورة عناد الزوجة أنه قد يبدأ بمشكلة صغيرة تتطور مع العلاج السلبي لها إلى مشكلات قد تنتهي بالطلاق، إذ تشير الأبحاث الاجتماعية إلى أن العناد بين الزوجين أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم المشكلات بينهما، وأنه يلقي بظلال نفسية وتربوية وانفعالية على الزوجين، وقد تمتد إلى أولادهم.

في دراسة أعدتها الدكتورة زينب عبد الجليل الأستاذ المشارك بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، والدكتورة هنية السباعي مشرفة قسم الإسكان وإدارة المنزل بالجامعة نفسها تبيِّن أن عناد الزوجة وتهور الزوج أحد أسباب ارتفاع معدلات الطلاق في السعودية.

تعددت الأسباب والنتيجة واحدة:
يعد عناد الزوجة أول مؤشرات عدم قدرتها على التوافق والتكيف مع الظروف المحيطة بها وهو قد يكون مؤشرًا لضعفها وقد يكون ستارًا زائفًا تدعي من خلاله القوة لتداري ضعفها، ويشير علماء النفس إلى أن العناد صفة موجودة في الرجل والمرأة لكنه أكثر وضوحًا عند المرأة، فهو سلاحها الوحيد الذي تدافع به عن نفسها أمام ما تعتبره قوة للرجل واستبدادًا لا قبل لها بمواجهته ، فتلجأ إلى الرفض السلبي لما تراه لا يتوافق مع أسلوبها ومشاعرها فيترجمه الزوج على أنه عناد وتبدأ المشكلات.

وقد يكون عناد الزوجة سمة أصيلة فيها – وهو أصعب أنواع العناد – استمدته من مراحل حياتها الأولى نتيجة تربية خاطئة، بتلبية كل مطالبها تحت سيف العناد فتشب معتقدة أن العناد أسلوب ناجح لتحقيق المطالب، أو أنها نشأت في بيت تتحكم فيه الأم وتسير دفته، فتحاول أن تحذو الحذو نفسه في بيتها ومع زوجها.

وهناك عناد اكتسبته الزوجة من أسلوب العقاب القاسي في الصغر فأكسبها صرامة وعنادًا وإصرارًا أو خضوعًا واستسلامًا في الكبر. وقد يكون عناد الزوجة بسبب التعزيز الأسري لهذه الصفة في مرحلة الطفولة عندما تكرر أسرتها أمامها أنها عنيدة، فترسخ هذه الصفة في داخلها، ثم تستغلها في تحقيق أغراضها.

وقد يكون الزوج مسئولاً عن عناد زوجته بتسلطه وعدم استشارته لها وتحقير رأيها والاستهزاء بها مما قد يدفعها في طريق العناد.
كما أن المعاملة القاسية للزوجة من قبل الزوج وعدم تقديرها واحترامها قد يلجئها للعناد للتغلب على هذا الإحساس.
وقد يأتي عناد الزوجة نتيجة لعدم التكيف مع الزوج والشعور باختلاف الطباع وتقلبها، فيكون العناد صورة من صور التعبير عن رفض الزوجة سلوك زوجها جملة وتفصيلاً، وكذا تعبيرًا عن عدم انسجامها معه في حياتهما الزوجية. كما أن هناك من الزوجات من تعتقد أن إصرارها على مواقفها يدل على قوة شخصيتها ويزيد من قيمتها ومكانتها عند زوجها فيحقق لها ما تريد.

حلول عدة :
أيًّا كان سبب عناد الزوجة فإنها تستطيع التخلص من الآثار السلبية لهذا العناد بل يمكنها توجيهه إلى ما يفيد.
أعرف زوجة موظفة معروفة بالعناد أصرت على عدم الاستعانة بخادمة رغم نصيحة زوجها وأهلها وبالفعل نجحت في تحديها وأصبحت مضرب الأمثال بين زميلاتها وقريباتها.

إذا لم يكن بمقدورك تحويل عنادك إلى طاقة إصرار لتحقيق أهداف إيجابية أو التخلص من صفات سلبية فيجب على الأقل أن تمنعي عنادك من أن يقوض حياتك الزوجية وذلك بعدة وسائل:

· التمسك بآداب الحوار البناء مع الزوج – ومع غيره أيضًا – وعدم التشبث المريض بالرأي والاستماع إلى حجة الطرف الآخر وتقديرها.

· ترك الجدال والخلاف حول الأمور الصغيرة والحرص على الاتفاق حول الأمور الكبيرة كأسلوب تربية الأولاد أو شراء بيت أو التوظف في عمل.

· إبعاد الأطفال من دائرة الخلاف بين الزوجين الناجم عن العناد وعدم الاستعانة بهم للانتصار لرأيك أو موقفك.

· التعود على أسلوب الحوار واحترام الرأي الآخر ونسيان المواقف السلبية السابقة والتعامل بروح التسامح ، والعفو بين الزوجين حتى تسير الحياة في أمان واستقرار.

· أنت وزوجك لستما شريكين في تجارة تختلفان حول أرباحها وخسائرها وما بينكما ميثاق غليظ تصغر أمامه كل أنواع العلاقات الاجتماعية الأخرى ، وهذا يتطلب منك شيئًا من التنازل والعفو وليس في ذلك ما يهينك أو يقلل من مقدارك. قالت أمامة بنت الحارث توصي ابنتها أم إياس عند زواجها: "كوني له أمة يكن لك عبدًا". وأخرى أوصت ابنتها فقالت: "كوني له أرضًا يكن لك سماءً". وفي وصية ثالثة: "كوني له مهادًا يكن لك نجادًا".

· استحضار نية حسن التبعل عند وقوع الخلاف مع الزوج؛ فعن حصين بن محصن أن عمة له أتت النبي صلى الله عليه وسلم في حاجة ففرغت من حاجتها، فقال لها: أذات زوج أنت؟ قالت: نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه إلا ما عجزت عنه. قال: فانظري أين أنت منه؛ فإنه جنتك ونارك.
وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت آمرًا بشرًا أن يسجد لبشر، لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها، والذي نفسي بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها).
وأخيرًا تذكري قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بنسائكم من أهل الجنة؟) قالوا: بلى يا رسول الله. قال: (الودود الولود التي إن ظُلمت أو ظَلمت قالت: هذه ناصيتي بيدك لا أذوق غمضًا حتى ترضى).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد 173

Post: #229
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:24 PM
Parent: #228

منذ القديم، وإلى الآن توجد بعض المشكلات التي تشكل قنابل موقوتة في حياة المتزوجين، قد يؤدي انفجارها إلى الطلاق في أي لحظة، ربما دون أن تعطي مؤشرات سابقة لها، فالعديد من الخلافات التي لا يتوصل الطرفان فيها إلى حل، تبقى في القلب، وتشكل ضغطاً متوالياً، وفجأة يحدث الانفجار وتنتهي الأمور إلى الطلاق.

وحسب آخر تقرير سعودي نشر في مارس الماضي، فإن المجتمع السعودي يشهد ارتفاعاً كبيراً في معدلات الطلاق وصلت إلى 60 في المائة خلال الـ 20 سنة الماضية، وكشف التقرير الذي أعدته إحدى المحاكم بمدينة جدة السعودية، أن معظم حالات الطلاق شكلت المرأة عاملاً أساسياً في حدوثها بنسبة 60 في المائة لعدم قدرتها على الوفاء بمتطلبات زوجها، فأي هذه المشاكل يجب الحذر منها، وما هي أخطر القنابل الموقوتة في منازلنا؟

السنة الأولى:
السنة الأولى من الزواج بالنسبة للزوجين أهم محطة في حياتهما، والزوجة الناجحة هي التي تحرص على أن تسيَر سفينة الزواج بنجاح في هذه الفترة .

الزوجة الجديدة تعودت على أمور كثيرة قبل الزواج كقيام غيرها بإعداد الطعام وترتيب البيت وغسل الثبات واختيار ما يحتاجه البيت من حاجات، وكذلك اقتصار احتكاكها على بنات جنسها، دون معرفة جيدة بطبائع الجنس الآخر، وربما تعودها على الصرف بلا مبالاة والاتصال المستمر بالأهل والصديقات، والخروج للحفلات والسوق وغيرها من الأمور التي تتغير فجأة بعد الزواج، وعليها أن تعيد ترتيب أوراق حياتها من جديد، فما يصلح لمرحلة العزوبية لا يصلح لمرحلة الزواج.

لهذا بلغت نسبة الطلاق في السنة الأولى من الزواج في السعودية 30 في المائة حسب دراسة نشرتها وزارة التخطيط مؤخرا.

الإهمال:
يقول الأستاذ عبد الله الجعيثن في كتابه "الإهمال" إن إهمال الرجل أكثر، ولكن إهمال المرأة أخطر، والسبب في خطورته فداحة النتائج المترتبة عليه، فالرجل قد أباح له الله عز وجل أن يتزوج أربع، وهو كثيراً ما يلجأ إلى الزواج الثاني حين يحظى بالإهمال من زوجته الأولى، لأنه يحس في قرارة نفسه أنها تهمله لأنها تحتكره، والاحتكار في كل مجال يدعو إلى الإهمال، لهذا فالرجل كثيراً ما يدخل على امرأته منافسة لها، حتى يكسر احتكارها، ويجعلها تتنافس مع الزوجة الثانية في الاهتمام به.

وإذا كان الأستاذ الجعيثن قد أشار إلى " الزواج بثانية" كحل للرجال الذين يعانون من الإهمال، فإنه يكفي معرفة أن تعدد الزوجات يشكل السبب الرئيس في 55 في المائة من حالات الطلاق في السعودية وفق الدراسة التي نشرتها وزارة التخطيط عام 2004م ولعل مشكلة الإهمال من أكبر المشاكل الزوجية، خاصة وأنه يندرج تحتها العديد من المشاكل الأخرى: كإهمال المنزل، وتربية الأولاد، وإهمال نفسها وقديما روى الزبير بن بكار قال: زوج أسماء بن خارجة الفزازي ابنته هنداً من الحجاج بن يوسف: فقال: لها ناصحاً: يا بنية إن الأمهات يؤدبن البنات، وإن أمك هلكت وأنت صغيرة فعليك بأطيب الطيب الماء وأحسن الحسن الكحل.

الثرثارة:
يقول الشيخ البلالي، في كتابه "زواج من غير متاعب" كل الصفات تهون أمام صفة طول اللسان" فلا أظن أن صفة تؤذي الزوج مثلها، وكل الصفات يستطيع تحملها إلا طول اللسان، إذ يشعر الزوج فيها بالإهانة لرجولته ومكانته في الأسرة، خاصة إذا كان من النوع المسالم الذي لم يسيء إليها بشيء.

ويضيف "في مجتمعنا الكثير من النساء لهن طبيعة "إسمنتية يتقن العناية بالأطفال والطبخ وتدبير المنزل، ولكنهن يفشلن في انتقاء الألفاظ الغزلية لأزواجهن التي تعمق هذه العلاقة وتزيدها متانة وقوة وجمالاً.

التواصل:
رغم أن التواصل يعتبر أهم المهارات التي تحافظ على علاقات الحب والترابط الفكري والنفسي بين الزوجين، إلا أنه في الحقيقة نادراً ما يتواصل الزوجان فيما بينهما، ليبدوا كما لو أنهما يتحدثان إلى نفسيهما طوال الوقت، خاصة وأن المستمعة الجيدة من النساء نادرة، فالمرأة تحب أن تتكلم أكثر مما تسمع، والرجل الذي لا يجد من زوجته جليساً مريحاً ومستمعاً جيداً قد يبحث عن هذا التواصل خارج المنزل، وقد يجد ذلك في أن يتزوج بامرأة أخرى، تكون له خير جليس، وتبادله الحديث.

وفي ذلك يقول يوسف أسعد، صاحب كتاب "الزوجة الناجحة" حين ينقطع التواصل ويحدث الجفاء يصبح التنافر حول أتفه الأمور دليلاً على المشاكل، وحين تغيب المودة والألفة يبدأ كل شخص باتهام الآخر بأنه لا يفهمه. بينما في المقابل نجد أزواجاً متحابين ومصممين على الحياة المشتركة وهم في غاية التفاهم والتواصل حتى في أصعب الظروف التي تواجههم.

تدخل الأمهات في حياة بناتهن:
تدخل الأمهات في الحياة الزوجية لبناتهن وأبنائهن يسبب كثيراً من الارتباك لهم، وربما أدى إلى الطلاق.. إن تعلق الكثير من الأمهات ببناتهن يجعل من الصعب عليهن مفارقتهن، وأمام هذا التعلق تظهر صفة سلبية في البنات، وهي عدم عزمهن على العيش المنفرد، بعيداً عن الأمهات، وتبدأ الزوجة من الليلة الأولى الاتصال بأمها "ماذا أفعل عند كذا وكذا؟ ثم بعد ذلك "لقد قال لي كذا، وأراد مني كذا، فماذا أرد عليه فتجيبها.. وتستمر العلاقة بين الأم وابنتها الزوجة على هذا المنوال، فتطلع الأم على كل صغيرة وكبيرة في المنزل، وتصبح هي المتحكمة في مصير الأسرة.

وحسب دراسة أعدت في الكويت ونشرتها وزارة العدل حول أكثر الأسباب التي تؤدي إلى الطلاق تبين أن من بين أكثر الأسباب في ذلك "تدخل أهل الزوجة" والذي شكل سببا ًلـ 29 في المائة من حالات الطلاق في الدراسة.

المقارنة:
كثيراً ما تتلفظ النساء بجملة "يا ليت عندي ما عندك "عندما تسمع من بعض النسوة حديثهن وهن يتكلمن عن أزواجهن، في الإنفاق والمعاشرة أو العلاقة بالأبناء أو حب السفر أو غير ذلك، ناسيات أن الزوج إذا سر زوجته بأمر ضرها بآخر، وأن الكمال لله وحده عز وجل، وهو ما أشار إليه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بالقول: لا يفرك مؤمن مؤمنة ـ أي لا يمقت ولا يسخط ـ إن ساءه منها خلق سره آخر.

وإن حدثت المقارنة، تبدأ الحسرة والسخط على الحظ الأعوج الذي أوقعها في أسر هذا الزوج حسبما تظن، ويدخل الشيطان لينسيها جميع محاسنه ولا يجعلها تتذكر سوى ذلك النقص أو العيب، ومن هنا تبدأ بإسماع زوجها "انظر إلى فلان ماذا يفعل لزوجته" وتنطلق بوادر الحرب التي ربما تنتهي بأبغض الحلال إلى الله.
مجلة الأسرة العدد 172

Post: #230
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:27 PM
Parent: #229

إذا كانت أفكار الأولاد تختلف عن أفكار آبائهم فكيف يلتقون معاً حتى تتم التربية حسب أصولها الصحيحة والتي لا بد لها من مساحة كبيرة للحوار ... ثم من سيتحمل مسؤولية إنشاء الحوار الهادئ البناء الأولاد أم الآباء؟
خاصة إذا وضعنا في الاعتبار الصعوبة التي يجدها الطفل ـ غالبا ـ في استيعاب وهضم أفكار الكبار، تماماً كما يجد صعوبة في حمل مقدار الوزن الذي يستطيع والده أن يحمله، ثم إن الأولاد غير مؤهلين لكي ينهلوا من أفكار آبائهم لأن قدرات الآباء غير متكافئة مع قدرات الأولاد، فالأب مثلاً يستطيع أن يحمل حمولة ابنه جسمياً وفكرياً بينما الابن لا يستطيع أن يحمل حمولة أبيه، كالطالب الصفوف الثانوية قادر على استيعاب المنهج الابتدائي بسهولة بينما العكس غير وارد.

ومن هنا نجد أن الواقع يفرض نزول كل أب إلى مستوى أبنائه حتى يلتقي معهم، وحتى تثمر جهود الآباء في تحقيق التقارب وسهولة الالتقاء بأبنائهم في حوار ناجح

خطوات مهمة على طريق الحوار

يتطلب ذلك إلقاء الضوء على بعض الخطوات المهمة التي يجب مراعاتها وصولاً إلى هذا الهدف، مثل:

1- النزول بالفهم والحوار إلى مستوى الأولاد، مع بذل جهود متواصلة لرفع كفاءة التفكير لديهم واستيعاب الحياة بصورة تدريجية.

2- احترام مشاعر وأفكار الأولاد مهما كانت متواضعة والانطلاق منها إلى تنميتها وتحسين اتجاهها.

3- تقدير رغبات الأولاد وهواياتهم والحرص على مشاركتهم في أنشطتهم وأحاديثهم وأفكارهم.

4- الاهتمام الشديد ببناء جسور الثقة المتبادلة بين الآباء والأبناء، والتي تعتمد على غرس انطباع ايجابي عندهم يفضي إلى تعريفهم بحجم المحبة والعواطف التي يكنها لهم آباؤهم، فلا بد أن يحس الأولاد بأننا نحبهم ونسعى لمساعدتهم ونضحي من أجلهم.

5- حسن الإصغاء للأبناء وحسن الاستماع لمشاكلهم لأن ذلك يتيح للآباء معرفة المعوقات التي تحول بينهم وبين تحقيق أهدافهم ومن ثم نستطيع مساعدتهم بطريقة سهلة وواضحة.

6- معالجة مشاكل الأبناء بطريقة سليمة تقتضي ألا يغفل الآباء أن كل إنسان معرض للخطأ، وذلك حتى لا يمتنع الأبناء عن نقل مشاكلهم إلى الأهل ثم يتعرضوا لمشاكل أكبر أو للضياع، بل يتم مناقشة المشكلة التي يتعرض لها الابن بشكل موضوعي هادئ يتيح له القبول والاعتراف بمواطن خطئه وبالتالي تجنب الوقوع فيها مرة أخرى.

7- يجب ألا نلوم الأبناء على أخطائهم في موقف المصارحة نفسه حتى لا نخسر صدقهم وصراحتهم في المستقبل، بل علينا الانتظار لوقت أخر ويكون ذلك بأسلوب غير مباشر.

8- تهيئة الأبناء ـ من خلال الأساليب السابقة ـ لحل مشاكلهم المتوقع تعرضهم لها مستقبلاً في ظل تعريفهم بأسس الحماية والوقاية.

9- عدم التقليل من قدرات الأبناء وشأنهم أو مقارنتهم بمن هم أفضل منهم في جانب معين لأن هذا الأسلوب يزرع في نفوسهم الكراهية والبعد ويولد النفور ويغلق الأبواب التي يسعى الآباء إلى فتحها معهم.

10- إشعار الأبناء بأهميتهم ومنحهم الثقة بأنفسهم من خلال إسناد بعض الأعمال والمسؤوليات لهم بما يتناسب مع أعمارهم وإمكانياتهم، مع استشارتهم في بعض التحسينات المنزلية أو المفاضلة بين عدة طلبات للمنزل، وعدم التقليل من جهود الأبناء لمجرد تواضع المردود عن المتوقع منهم لأن ذلك قد يخلق تراجعاً في عطائهم وينمي فيهم الخمول والإحباط مستقبلاً.

11- الاهتمام بالموضوعات والأحاديث التي يحبها الأبناء ويسعدون بها وتناولها بين الحين والآخر فإن ذلك يوصل إليهم شعوراً بمشاركة الأهل لهم في كل شيء وأنهم يريدون إسعادهم وإدخال السرور على نفوسهم.

12- يراعى أثناء الجلسات العائلية والمناقشات أن يقابل اقتراحات الأبناء وآراؤهم باحترام وقبول طالما أنها لا تخل بالأخلاق ولا تنافي تعاليم الإسلام...

وأخيرا

فلنعلم أن أعمال الأبناء وأفكارهم وقدراتهم مهما كانت متقدمة فلن تسير على نهج أفكار الكبار أو ربما لا تدخل في مجال اهتماماتهم ونظرتهم للحياة لوجود فارق زمني وثقافي ومكتسبات مختلفة وموروثات متنوعة تجعل الاتفاق على كل شيء أمراً صعباً.

وإذا كان الآباء يعرفون جيداً كيف يجاملون أصدقائهم وينصتون إليهم ويحترمون أحاديثهم التي تتناول أشياء وموضوعات قد لا يعرفونها أو لا يحبونها وقد يتظاهرون بالاهتمام والتفاعل إكراماً لمحدثهم ، أفلا نتفق على أن أبناءنا أولى بهذا النوع من الرعاية ؟ نعم إنهم أحق وأولى بالاهتمام والرعاية والاحترام لأحاديثهم وأفكارهم وهواياتهم التي غالباً ما تدور حول دراستهم وآرائهم الاجتماعية والرياضية وأمانيهم للأيام القادم..

إننا بذلك نستطيع أن ندخل إلى عقولهم ونسكن قلوبهم الخضراء الصغيرة بسهولة ويسر، ونكون قد بنينا جسور الالتقاء معهم لنقودهم إلى ما فيه خيرهم ورشادهم في الدنيا والآخرة.
اسلام ويب

Post: #231
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:28 PM
Parent: #230

حتى لا تقعي ضحية مرض التسوق ويصبيك الندم وتحاصرك الديون ينصحك الخبراء بعدد من الخطوات:
- جهزي مسبقاً قائمة لما تنوين شراءه ولا تذهبي إلى السوق إلا ومعك ورقة تتضمن المطلوب شراؤها، وبعد التسوق قارني بين ما اشتريتيه والقائمة المطلوبة.
- لا تقتلي وقت فراغك بالتسوق أو حضور حفلات الافتتاح التي تقام للمحلات الجديدة لأنها تقدم إغراءات للشراء قد لا تستطيعين مقاومتها، وهذا لا يمنع أن تذهبي إلى حفلات الافتتاح وعروض التسويق إذا كان لديك طلبات محددة تودين شراءها فهذه المناسبات فرص حقيقية للتخفيض شرط أن تكوني بحاجة إلى ما تودين شراءه وخططت له من قبل وأدرجته في ميزانية الأسرة.
- لا تجعلي من مشاكل الحياة والملل والاكتئاب والتوتر أسبابا تدفعك للتسوق، فمن يفعل ذلك كالمستجير من الرمضاء بالنار لأن التسوق بلا هدف سيصنع من المشكلات أكبر مما تعانيه منها.
- ثقي في نفسك وتأكدي أن دينك وعقلك وسلوكك وأخلاقك هي معايير شخصيتك وليس ما تريدين من ملابس أو زينة، وقديماً قال أحد الحكماء من الأغنياء لابنه: "لا تجعل ملابسك أغلى ما فيك" لذا احرصي على أن تكون لحياتك قيم حقيقية لا أن تستمدي قيمتك مما تملكين.
- حددي ميزانية شرائك بالتشاور مع زوجك في ضوء الموافقة بين الاحتياجات والإمكانات مع ترتيب أولويات الشراء حسب أهميتها.
- لا تبالغي في شراء الملابس أو الأحذية فهي تتغير بوتيرة متسارعة وفق خطوط "الموضة" كما أن جسمك معرض للتغيير، وقبل أن تذهبي لشراء الملابس أو الأحذية تفقدي خزانة ملابسك وأحذيتك حتى لا تشتري أشياء لا حاجة لك بها، وبعد شرائها جربيها في بيتك بعيداً عن تأثير الآخرين ولا تترددي في إرجاعها إذا اكتشفت أنك تسرعت في شرائها.
- لا تشتري من أول محل تدخلينه بل تجولي في السوق لتعرفي الأسعار وتقارني بينها قبل اتخاذ قرار الشراء.
- لا تحكمي على ما تودين شراءه بما تقرئينه من إعلانات حوله فالإعلان ليس وسيلة لتقديم المعلومات عن السلعة أو الخدمة أو توضيح سلبياتها وإيجابياتها بل هو وسيلة لترويجها؛ وكذلك لا تهتمي كثيرا برأي البائع في السلعة التي تودين شراءها فهو يهتم ببيعها ويوهمك بمناسبتها لك.
- احذري الشراء بالتقسيط أو الشراء ببطاقة الائتمان، فذلك يعني رهن مستقبلك إلا إذا كانت السلعة ضرورية أو كان ثمنها معقولاً.
- اختاري الوقت المناسب للتسوق وغالباً ما يكون أيام الإجازات والعطل وتسوقي في فترات راحتك النفسية وليس للتنفيس عن الضغوط.
- لا تربطي تسوقك بشيء مهم في حياتك كأن تجعليه مهرباً من الألم أو بحثاً عن السعادة فالتسوق في حقيقته محاولة للحصول على منتج وليس بحثاً عن معنى أفضل للحياة كما يوهمنا التجار وأصحاب السلع.
- ما تدفعينه في شراء السلع ليس الأوراق النقدية بل الزمن الذي بذلته في الحصول عليها أي أنك تدفعين جزءا من عمرك ـ أو عمر زوجك ـ مقابل ما تشترينه، فلا تشتري إلا ما يستحق هذه المبادلة وإلا أهدرت عمرك أو عمر من أعطاك النقود.
اسلام ويب

Post: #232
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:32 PM
Parent: #231

مظلومون فى مجتمعاتنا
وقفة إنصاف!
هذا هو الشعار الذى ترفعه نخبة من مفكرينا الذين ساءهم ما يتعرض له المبتلون فى مجتمعاتنا من ظلم وإساءة فهم، ومعاملة، فهم مهمشون اجتماعيًا، مشوهو الصورة إعلاميًا، يتم التعامل معهم بمرجعيات بعيدة عن الموقف الإسلامى الجميل من هذه الفئة التى لم يخل منها المجتمع الإسلامى الأول، الذى قدم أروع صور احترام وتقدير أصحاب الابتلاءات.

شهادة هؤلاء المفكرين نقدمها لتكون دعوة لإعادة النظر فى مواقفنا الأسرية، والاجتماعية، والإعلامية من ذوى الاحتياجات الخاصة.

د. عبد المقصود باشا - أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: إذا طالعنا التاريخ الإسلامى وجدنا أمثلة ونماذج كثيرة تحض على التعامل الخاص والسوى مع ذوى الاحتياجات الخاصة، بل إن الله جل فى علاه أمر بذلك، وحض عليه، بل ووجه إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) عتابًا حتى يلقى مثل هؤلاء الناس العناية كلها من المجتمع.

وكلنا يعرف سبب نزول سورة (عبس)، والتوجيه لنا جميعًا بقوله: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى}، فقد عوتب خير البشر لتوليه عن شخص «أعمى» لا يراه، ولكن الله (سبحانه وتعالى) يريد أن يربى خلقه على توقير هؤلاء وتقديرهم، والاهتمام بهم.

ويضيف د. عبد المقصود أن مفهوم ذوى الاحتياجات الخاصة فى الإسلام لا يقتصر على المبتلين أو المعاقين، فالمسنون وفاقدو العائل لهم احتياجات خاصة أيضًا، اعتنى بها الإسلام.

فهذا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقابل عجوزًا يهوديًا يتكئ على عصاه، يتسول فى الطرقات، فيسأله عمر: ما ألجأك إلى هذا؟ فيقول العجوز اليهودى: الحاجة، فيأخذه بيده، يكاد أن يحمله، ثم يذهب به إلى خازن بيت المال، فيقول له عمر (رضى الله عنه): أيها الخازن انظر إلى هذا وأقرانه، فليكن لهم نصيب شهرى من بيت مال المسلمين، فلا يضطرون بعدها إلى ذل المسألة.

فتأمل أيها القارئ الكريم قول الله (عز وجل) تجاه الأعمى، وتصرف عمر بن الخطاب تجاه اليهودى الطاعن فى السن، أبعد هذا يمكن أن تكون هناك حضارة اهتمت بهذه النوعيات من البشر قدر اهتمام الحضارة الإسلامية فى عصورها الزاهرة؟

فقد قال ابن بطوطة - صاحب الرحلات العظيمة - التى جاب فيها أقطار الدنيا فى عصره أنه رأى أثناء رحلته إلى الأندلس دارًا واسعة الأرجاء، فيها المتنزهات والمستشفيات والمطابخ، فلما سأل لمن هذه الدور الكثيرة ذات الأسوار الضخمة والمطابخ العديدة، والمشافى المتخصصة، فقيل له: إنها للمطلقات والعوانس الذين قعدت بهن ظروف الحياة.

وكانت هذه الدور تسع ألف مطلقة وعانس، تؤمن فيها حياتهن من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وعلاج.

ولم يكن مثل هذه الدور فى كل بلاد أوروبا فى ذلك الوقت، ولا شك أن المطلقات والعوانس أيضًا ذوات احتياجات خاصة.

الصورة الحسنة
د. شعيب الغباشى - أستاذ الصحافة الإسلامية بجامعة الأزهر: إذا قيمنا دور وسائل الإعلام فى خدمة المعوقين نجدها تركز على فئات مجتمعية معينة، وتغفل وتتغافل، وتهمش فئات أخرى، وهذا لون من الضعف وقلة التوازن فى تناول هذه الوسائل، ومن هذه الطوائف المهمشة فئات ذوى الاحتياجات الخاصة، فلا نكاد نراهم فى وسائل الإعلام.

وإن حدث فإنهم يظهرون بصورة مشوهة وسلبية تقزز المشاهد، وتدفعه إلى عدم الاكتراث بهم، ومثال ذلك ما تم عرضه فى فيلم يقدم قصة رجل كفيف غير مستقيم الأخلاق، وغير منضبط التصرفات، ويمارس الفاحشة، ويقترف ما يتناقض مع ما يتوهم البعض أنه عليه من دين أو علم شرعى.

ويقع على عاتق وسائل الإعلام إبراز الواقع الذى يعيشه هؤلاء المبتلون بصورته الحقيقية من غير تزييف، أو محاباة.

وعلى الجانب الآخر هؤلاء لهم احتياجات إعلامية وفنية وتربوية، على وسائل الإعلام أن تلبيها لهم، وأن تحققها، بمعنى أن تقدم أعمالاً خاصة بهم ولهم مترجمة بلغة الإشارة للصم والبكم، وتهتم بالمؤثرات الصوتية للمكفوفين، ويجب تعميم خدمة الترجمة هذه فى كل المسلسلات والبرامج، حتى تحقق هدف التواصل مع هذه الشريحة المهمة فى المجتمع والمهمشة فى الحياة.

عباقرة ومبدعون
د. محمود حماد - أستاذ الإذاعة والتليفزيون بقسم الصحافة والإعلام جامعة الأزهر: إذا اعتبرنا أن الأطفال المبتلين مشكلة، فينبغى أن تولى الدولة عنايتها بدراسة هذه المشكلة، وتقديم الحلول التى تساعد أسر هؤلاء الأطفال على التعامل معهم، فتقيم المراكز التأهيلية والترفيهية والتربوية التى تأمن فيها الأسر على أبنائها، وتقدم فيها خدمة حقيقية، بحيث لا يقتصر الأمر على الرعاية أو الاهتمام فقط من ناحية الأكل والشرب، وإنما ينبغى أن تمتد الرعاية إلى الناحية الطبية والنفسية والإعداد والتدريب، حتى تنمو القدرات الخاصة عند هؤلاء الأطفال، بحيث يتعلمون مهارات وخبرات تمكنهم من إعالة أنفسهم، أو الاعتماد على المجتمع فى أدنى الحدود، وبالتالى يجب على كل أجهزة الإعلام فى الدولة أن تقدم الصورة الإيجابية لهؤلاء، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، وليسوا مجرد تمائم أو شيوخًا طيبين فهؤلاء الناس يمكن أن يكونوا عباقرة ومبدعين، وقد حدث ذلك بالفعل؛ إذ قامت إحدى عالمات النفس الاجتماعى حول احتياجات المعاقون، وكيفية تنمية المهارات عندهم، وتمكنت بالفعل من إخراج مبدعين فى مجالات عديدة من خلال بعض النماذج التى انتقتها، وأعدت لها برامج تدريب ورعاية وتأهيل جيدة.

عدم الخجل
د. سعيدة أبو سوسوا - أستاذ الصحة النفسية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر: بدأت وسائل الإعلام تهتم فى هذه الأيام بذوى الاحتياجات الخاصة أكثر من السنوات الماضية، والدور الذى يقع على عاتقها من وجهة نظرى هو دور التوعية المستنيرة التى تعتمد على النظرية والتطبيق.

وتبدأ هذه التوعية داخل الأسرة بدءًا بالأم وتدريبها على كيفية التعامل السوى مع ابنها المعوق، وألا تحرج منه، فبعض الناس قد يخجلون من ابنهم المعوق لنقص فى أنفسهم، ولجهل فى دينهم، ولهؤلاء أقول: لا تخجلوا من أطفالكم المعوقين، وكونوا لهم سندًا فى هذه الحياة، فهم نعمة عظيمة لمن صبر عليها، وأحسن استخدامها، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه»، فهذا فضل تشاركون فيه الأنبياء، وأولى الصبر من الناس.

وأقول لأم المعوق: لا تفرقى فى المعاملة بين طفلك المعوق وبين إخوته العاديين بدعوى أنه لا يفهم، فمن الواجب عليك أن تحيطيه بمزيد من العطف والحنان والرعاية، خصوصًا إذا كان مبتلى ذهنيًا، وليس الرعاية حكرًا على الأم وحدها، بل واجبة على الأسرة كلها من الأب والأبناء والأهل والأقارب، فهؤلاء عليهم جميعًا مساعدة الأم فى ذلك؛ لأن الطفل المبتلى يحتاج إلى رعاية خاصة، وخدمات أكثر من الفرد العادى.

وتضيف د. سعيدة: إننى أعيب على بعض الآباء ضجرهم بأولادهم المعوقين مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال فى حديثه الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع فى بيته ومسؤول عن رعيته»، وهذا الضجر خطأ كبير، وقسوة غير مقبول، فهؤلاء يتسمون بقدرات عقلية محدودة لا تتفق مع أعمارهم.

ومع الأسف الشديد نحن نرى فى مجتمعاتنا أناسًا قد نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم، وربما يكونون من أهل هؤلاء الأطفال، ويستغلون المعوقين استغلالاً سيئًا بحثًا عن التربح المشبوه من خلال التسول.

وعلى الأسر المسلمة التى أصيبت بنوع من هذا البلاء أن توجه اهتماماتها نحو تنمية قدرات هؤلاء الأطفال، ودفعهم نحو التعلم، وحتى لا يقعوا فى براثن الجهل والأمية اللذين يزيدان الأمر سوءًا، وليبتغوا من وراء ذلك الأجر والثواب من الله الكريم .

سياسة الدمج
د. أمينة كاظم - أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس: على المجتمع أن يتقبل هؤلاء الأفراد بصدر رحب، وأن يتبنى سياسة الدمج بينهم وبين غيرهم من الأفراد العاديين، خصوصًا فى المدارس والنوادى والمحافل الترفيهية، مع العمل على رفع كفاءتهم المهارية عن طريق متخصصين مهرة، خاصة فى السن المبكرة فى الحضانة، وفى مراحل التعليم المختلفة ليكونوا فيما بعد أعضاء فعالين فى المجتمع ومتكيفين مع واقعهم المقدر والمحتوم، وقد رأينا الكثيرين منهم قد تحدوا الإعاقة، وهبوا يشاركون فى الأنشطة المختلفة خاصة الرياضية منها، والتى قد يعجز عنها إنسان عادى فنراهم فى مباريات السباحة وغيرها، وقد تفوقوا على غيرهم.

ونشاهد أيضًا الكثير من إنجازاتهم المحلية والعالمية فى كافة مجالات الحياة، وما ذلك كله إلا لأنهم تحدوا إعاقتهم، وتمكنوا من إرادتهم حتى قويت فيهم.

تنمية الجوانب الإيجابية
د. رفعت عبد الباسط - أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة حلوان: هم فئة من فئات المجتمع يجب الاهتمام بهم، والوقوف بجانبهم، وتقديم الرعاية الكاملة لهم من الدولة والمجتمع، بحيث يكون لهم دور إيجابى، ويجب توعية الناس بأصول التعامل معهم، وإنشاء مؤسسات تنظم دورات تدريبية لهم، وللتعرف على خصائصهم النفسية، والأخطاء التى قد يرتكبها الآخرون فى التعامل معهم، والحمد لله يوجد الآن الكثير من هذه المؤسسات.

ولابد أن نركز على الجوانب الإيجابية فيهم، حتى يصل إليهم أن كل إنسان فيه نقص وقصور، والكمال لله ولرسوله، فبعض الناس يميل إلى التعلم، والبعض الآخر يعرض عنه، وبعضهم يخاف، والبعض الآخر شجاع وهكذا.

فما من إنسان على وجه البسيطة إلا وفيه جوانب نقص تجبرها جوانب تميز أخرى.
عبده عرفات

Post: #233
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:40 PM
Parent: #232

بين القادرين والمحتاجين الإسلام يمد جسور التراحم
{ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض..} هكذا يقول الله تعالى فى كتابه الكريم، ومن حكمته أنه جعل من الناس الأغنياء والفقراء، ليتخذ بعضهم بعضًا سخريًا، وذلك كى تسير عجلة الحياة، ولكنه - سبحانه - لم يترك الفقير ليغرق فى فقره، ولا الغنى يستأثر بماله، بل أمر الأغنياء بالإنفاق على الفقراء تحقيقًا للعدالة والتراحم بين الخلائق، وكسرًا لحدة الفقر الذى ينجم عنه الكثير من المشكلات النفسية والاجتماعية والاقتصادية، التى وضع الإسلام لمعالجتها أطرًا نظرية لو طبقت لاختفت مشكلات البشرية، فما أهم المشكلات التى يمكن أن تنجم عن الفقر؟ وكيف عالجها الإسلام؟

يقول د. صلاح السرس - أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس: إن مسألة الفقر والغنى من أولى المسائل التى اهتم بها الدين الإسلامى، فقد كان الفقراء من السابقين إلى اتباع الرسول، والتاريخ الإسلامى شاهد على هذه المقولة فى الروايات المتواترة.

وقد كان الوضع الطبقى فى المجتمع الجاهلى جامدًا لا حراك فيه، فالعبد لا أمل له فى أن يتحرر، والفقير ليس لديه تطلعات، ومن يسيطر على اقتصاد المجتمع أشخاص معددون، إذن كانت الأوضاع ثابتة، ولم توجد وسائل للتعرف على أساليب حياة كل طبقة لأنها تدور فى فلك نفسها: طبقة السادة وطبقة العبيد.

أما الآن فمن خلال وسائل الإعلام المتاحة للجميع، ومشاهدات الحياة اليومية صار الفقير يعلم تمامًا كيف يعيش الغنى فى بذخ وإسراف فى الأفراح والولائم، مما يدعم إحساسه بالحرمان والظلم والغبن.

وهذا يجعله يكوِّن اتجاهات عدائية نحو المجتمع، ويسهم فى ذلك العداء زيادة استفزاز وسائل الإعلام للفقير، وكذلك رسائل عرض السلع من خلال واجهات المحلات، التى يراها بمجرد السير فى الشارع، وهو لا يستطيع شراءها، كل هذا يزيد من حجم ضغط هذه الحاجات وإلحاحها.

فهو يرى الفيلات، بينما هو بحاجة فقط لغرفة تأويه، فيزيد الإحباط، وتزيد الاتجاهات العدائية، ويحس أحيانًا بالدونية، ولقد عالج الإسلام هذه المشكلات حين دعا إلى الإنفاق، وحث الغنى على البذل، وهو يعرف أن المال مال الله، وليس ماله، وهو مستخلف فيه، وأنه لا يمنُّ على الفقير حين يعطيه، بل يعطيه حقه الذى شرعه الله له، وهو بهذا لا يكون فى موقف المتعالى، بل يفرح لأنه يعطى ويحس أن الفقير صاحب فضل عليه، ومن هنا لا يشعر الفقير بالدونية، أو أنه شخص لا قيمة لحياته، بل يشعر بأهميته.

وقد أكد الإسلام على هذا الشعور حين فرض زكاة الفطر على كل إنسان يجد قوت يومه، فيشعر الفقير أنه شخص ذو حيثية، وأنه يد عليا قادرة على العطاء أيضًا، وليست يدًا دنيا تأخذ ولا تعطى، فترتفع بذلك معنوياته، وتنعكس فى زيادة إنتاجيته ومناعته ضد الانحراف، وفى ذلك قضاء على كل مشكلات المجتمع، بما فيها الحقد من الفقير على الغنى، الذى يشعر باحتياجه، لأنه لو زاد ماله سيزيد عطاؤه، وسيفرح الغنى بالفقير؛ لأن عطاءه له سبيله للجنة ولرضوان الله، وبالتالى سنعيش فى مجتمع متراحم متحاب.

خطورة الفقر على العقيدة
حرص الإسلام على القضاء على الفقر بوصفه يمثل خطورة على العقيدة الدينية وعلى الأخلاق، وخطورة اجتماعية على المجتمع نفسه، هذا ما يشير إليه الأستاذ الدكتور نبيل السمالوطى - عميد كلية الدراسات الإنسانية - فذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) الذى يقرن فيه بين الاستعاذة من الكفر والفقر، فيقول: «اللهم إنى أعوذ بك من الكفر والفقر»، ويقول سيدنا على بن أبى طالب: «لو كان الفقر رجلاً لقتلته»، فلا يوجد فى السنة ما يثنى على الفقر، أو يحث عليه، فالفقر مرض فى الفكر الاجتماعى والإسلامى، وذلك لما للفقر من آثار سيئة على الفقراء وعلى المجتمع، أهمها:

- الحقد الاجتماعى الطبقى، وذلك لعدم إمكانية قطاع كبير من الناس إشباع حاجاتهم، فى حين توجد مجموعة أخرى فى رغدٍ من العيش، وهذا يولد صراع الطبقات، وإذا وجد الصراع انعدم الأمن.

- الرذيلة والانحراف بكل أشكاله فى سبيل الحصول على المال، فالأب يبيع أبناءه كما فى الهند، وقد يتاجر البعض بعرض أهله.

- الحيلولة دون بناء أسر جديدة، مما يهدم مؤسسة الأسرة، فتكاليف الزواج الباهظة تثنى الشباب عن الزواج، ولا يكن أمامهم من سبيل سوى المخدرات، أو الموت كمدًا أو الانتحار.

- كما يؤدى الفقر إلى تفكك الأسرة القائمة بسبب كثرة الخلافات لأجل المال لإشباع الاحتياجات الضرورية.

- كما أنه خطر على الأمن الاجتماعى بسبب ازدياد معدلات الجريمة.

وقد وضع الإسلام منهجًا كاملاً متكاملاً لعلاج تلك المشكلات الناجمة عن الفقر، فاقت أفكار الرأسمالية والاشتراكية القاصرة، والتى تصلح فى ناحية وتفسد فى أخرى، ومن هذه العلاجات: الزكاة، التى لو أخرجت بنسبة 5،2% لسدت احتياجات الفقراء والمساكين، كما فى آية الصدقات فى سورة البقرة، ومن آثار هذه الصدقات تدعيم الروابط الاجتماعية، كالأخوة الاجتماعية والإسلامية، وانعدام الحقد والحسد والغيرة.
وقد جعل الإسلام فى المال حقًا سوى الزكاة يفرض على الغنى من أجل صالح الفقراء
هناك فئات معينة تلزم المرء نفقتهم شرعًا، كالأب والجد والأبناء، وهو ما يدخل فى التكافل الاجتماعى، فلا يصح أن أكون غنيًا وأبى فقير.

وفى القرآن مائتا آية تحث على الإنفاق سرًا وعلانية باليل والنهار، والأحاديث تجمع على أن الصدقة تطفئ غضب الرب، وتقول الآيات {من ذا الذى يقرض الله قرضًا حسنًا فيضاعفه له أضعافًا كثيرة..}.
بل إن للفقير من غير المسلمين أن يأخذ من بيت المال فى المجتمع المسلم.
وجعل كذلك مؤسسة الوقف الخيرى، وهى صدقات طوعية يوقفها بعض الناس لخدمة المجتمع لوجه الله تعالى.
وهناك أشياء كثيرة جعل الله كفارتها بذل المال، كالحنث فى اليمين والقتل الخطأ.
فلو طبق المجتمع ما فرضه الله تعالى عليه من واجبات لما وجد من يقتات من سلات القمامة، ولن يوجد فى المجتمع حينئذ عاطل ولا فقير.

البديل الإسلامى
ويشير د. عبد الحليم عمر - مدير مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر - فى بحث مقدم لأحد المؤتمرات إلى أن خلاص العالم من الفقر يكمن فى نظام الإسلام الاقتصادى، فقد وضع الله تعالى أسسًا لتنظيم العلاقات بين الناس، ومنها العلاقات الاقتصادية، وقد جعل العوض مقابلاً لما يقدمه شخص لآخر، مثل السلعة والثمن، والأجر والعمل، ولا شك أن لدى الناس الدوافع الذاتية للقيام بالمعاملات التعويضية، ولكن التبرعات لا تقدم إلا بدافع من الدين، ولذا كان الإسلام مهتمًا بالحث على الإحسان للغير من الفقراء والمحتاجين، وشرع لذلك العديد من الآليات التنظيمية التى يحتاج إليها عالمنا الإسلامى اليوم لحل مشكلة الفقر، الذى يتزايد معدله فى العالم، وتتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء.

فبالرغم من زيادة الثروة، وحجم الإنتاج وتنوع ووفرة الموارد، فإن مشكلة الفقر والحرمان البشرى تتزايد، وقد وصل عدد الفقراء إلى 3 مليارات نسمة، و800 مليون إنسان يعانون من الجوع، كما أن النسبة بين متوسط دخل الفرد فى الدول المتخلفة إلى الدول المتقدمة هى 1:133، و20% من سكان الدول المتقدمة يستحوذون على 80% من الاقتصاد العالمى، وتزداد الحالة سوءًا بالنسبة للعالم الإسلامى، فإن 890 مليون نسمة فقراء بنسبة تصل لحوالى 5،68%، وقد أدى نظام السوق الرأسمالية الحرة إلى فشل تحقيق العدالة الاجتماعية، وزيادة معاناة الفقراء.

ولا شك أن البديل الإسلامى فيه خلاص البشرية من الفقر وويلاته، فإلى جانب الزكاة التى ثبت نجاحها إلى حد كبير (حين تطبق بشكل صحيح)، فإن الشريعة غنية بأساليب أخرى يمكن أن تفيد فى هذا المجال، ومنها أسلوب الإبضاع والمنيحة وبذل الفضل.

فأما الإبضاع:
فهو بعث المال مع من يتجر فيه تبرعًا، والربح كله لرب المال، وأهم مجالات تطبيقه هو التسويق لمنتجات المشروعات الصغيرة؛ لأن التسويق من أهم العقبات فى وجه هذه المشروعات؛ لأن أصحابها فى الغالب فقراء، ولا يستطيعون النفاذ إلى الأسواق لبيع إنتاجهم، وظروفهم المالية لا تمكنهم من تحمل تكاليف التسويق، وهم فى احتياج كامل إيراد مبيعاتهم، ويمكن استخدام أسلوب الإبضاع عن طريق الاتفاق مع الغرف التجارية فى كل مدينة لتنظيم العملية مع المتاجر الكبرى عن طريق تخصيص بعض منافذ العرض بمتاجرهم، وبيعها لحساب أصحابها تبرعًا منهم، وتسليم كامل إيراد المبيعات، وهذا العمل يعد من الإحسان، وفيه إعانة للصانع، ويدخل فيه استثمار أموال اليتامى، واستثمار أموال الخيرات من خلال البنوك والمشروعات.

أما المنيحة:
فهى ما يعطى ليتناول ما يتولد منه كالثمر واللبن، ثم يرد، أى الإعطاء للغير تبرعًا بدون مقابل، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من منع منيحة غدت بصدقة صبوحها وغبوقها»، ويمكن تطبيقها فى مجال الإسكان الذى هو أزمة حادة تواجه العديد من الناس الآن: كأن يعطى بعض من لديهم الشقق الخالية حق انتفاعها لطلاب الجامعات خلال فترة الدراسة على أن يتحملوا نفقات الصيانة والكهرباء والمياه، وتقوم الجامعة بالإشراف، بحيث تحفظ حقوق أصحابها.

وطريقة أخرى بأن يقوم من لديه مال باستئجار الشقق لصالح هؤلاء الطلاب، والطريقة الثالثة: يمكن استخدام الأسلوبين السابقين فى حل مشكلة الشباب المقبل على الزواج فى بداية حياتهم الزوجية حتى يتمكنوا من تحمل تكاليف السكن بموارده الخاصة.

أما بذل الفضل:
فيعنى إعطاء الغير ما فاض عن حاجة الإنسان ومن يعولهم، وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له»، وهذا الحديث يحث على الصدقة والجود والمواساة والإحسان إلى الرفقة، والأصحاب، وقيام الأغنياء بمواساة المحتاجين، ويمكن تطبيق أسلوب الفضل فى وسائل الانتقال التى أصبحت مشكلة كبرى، سواء من ناحية تكاليف الانتقال من محل إقامة الشخص إلى مكان عمله، أو من حيث الزحام الشديد، فلو أخذ كل مالك سيارة جيرانه ممن هم فى طريق عمله، لقل عدد السيارات، ومن ثم الزحام فى الشوارع، وكذلك لو قام الأغنياء باستئجار سيارة للنقل الجماعى لبعض المواطنين، خاصة من صغار العاملين الفقراء إلى أماكن عملهم.

وتطبيق : - بذل الفضل فى حل مشكلة الجوع، بتجميع الفائض من الطعام.

- بذل الفضل فى الملابس.

- بذل الفضل فى آلات الحرفيين.
مني امين-اسلام ويب

Post: #234
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:44 PM
Parent: #233

الغـذاء ثقافـة أولاً
ضيفتنا وجه نسائى بارز فى ساحة التعليم الجامعى، نالت درجة الأستاذية فى التغذية وعلوم الأطعمة، وأصبحت عميدة لكلية الاقتصاد المنزلى بجامعة المنوفية، والتى تعد ثانى كلية على مستوى مصر بعد كلية الاقتصاد المنزلى بجامعة حلوان، ولأنها تخصص تغذية وعلوم أطعمة، ولأن الثقافة الصحية العامة توجب على كل شخص أن يتعلم ماذا ينبغى له أن يأكل، وماذا يجب عليه أن يمتنع عن أكله لكى يقى نفسه من زيادة الوزن والسمنة التى هى بداية سلسلة عريضة من الأمراض، أهمها: أمراض القلب والأوعية الدموية، ومرض السكر، والتهاب المفاصل، كان لا بد من الاستفادة من تخصص ضيفتنا الأستاذة الدكتورة فاطمة الزهراء أمين محمود الشريف - عميدة كلية الاقتصاد المنزلى - جامعة المنوفية - التى التقيناها وكان هذا الحوار:

ـ كيف حققت التوازن بين عملك وأبحاثك، وبين أمور البيت ورعاية الزوج؟

بتنظيم الوقت وتفهُّم الزوج، فقد حبانى الله بزوج هو فى الأساس «أستاذى» الذى أخذ بيدى حتى أكملت الماجستير والدكتوراه، وهو الدكتور محمد سمير عبد الله - أستاذ بقسم التغذية وعلوم الأطعمة - ولعل حكمة الله (عز وجل) فى عدم رزقنا بالأولاد جعلتنا نتفرغ أكثر لأبحاثنا وطلابنا الذين كانوا فرصة جيدة لتبادل عاطفتيّ الأبوة والبنوة، الأمر الذى جعلنى أمًا لعشرات الطلاب والطالبات، وجعل زوجى أبًا لهم.

أما يومى فيبدأ عادة عقب صلاة الفجر وينتهى بعد صلاة العشاء بحوالى ساعة، وما بين ذلك أسافر يوميًا مع زوجى من القاهرة إلى شبين الكوم، ويستغرق السفر حوالى أربع ساعات، وبعد عودتى من العمل أجهز طعام الغداء، وأنام قليلاً، ثم أتابع دراساتى وأبحاثى، وأخصص يومى الأجازة للبيت وصلة الرحم والتسوق.

مواصفات الغذاء الصحى

ـ كأستاذة تغذية وعلوم أطعمة.. ما مواصفات الغذاء الصحى المتوازن؟

الثقافة الصحية العامة توجب على كل شخص أن يتعلم ما ينبغى له أن يأكل به؟ وماذا يجب عليه أن يمتنع عن أكله لكى يقى نفسه من الأمراض؟ حيث إن المعدة بيت الداء كما ورد في المأثور

أما عن ماذا نأكل فنقول: من المهم أن ننوع أصناف الطعام، بحيث تتضمن جميع العناصر الغذائية الأساسية بالنسب الآتية: مواد نشوية وسكرية 40%، ومن الأجدى الاهتمام بتناول المواد النشوية المركبة الموجودة فى الخبز الأسمر والبقول (الفول - اللوبيا - الفاصوليا)، والفواكه والعسل والتمر والبطاطس والشعير.

ومواد بروتينية بنسبة 30%، حيث إنها المسئولة عن بناء الجسم من أنسجة وعضلات، مثل: اللحوم والأسماك والطيور والبيض ومنتجات الألبان، وهناك البروتين النباتى مثل: البقول وعيش الغراب، ثم الدهون والزيوت الغير مشبعة (أى لا تتجمد فى درجة حرار الغرفة العادية) بنسبة 20%، ثم فيتامينات وأملاح معدنية وألياف بنسبة 10%، وهى موجودة فى الخضراوات والفاكهة والماء، ثم مضادات الأكسدة.

والملاحظ أن الإنفاق على الغذاء يستهلك نسبة كبيرة من ميزانية الأسرة، مع أن الأصل ألا تزيد هذه النسبة على 10%، وباقى الميزانية أو الدخل يتم توزيعه على العلاج والتعليم والملابس والمصروفات النثرية والطوارئ، وبالرغم من أن الفرد المصرى ينفق نصف دخله على السلع الغذائية، فإنه ما زال يعانى من سوء التغذية وعدم الاتزان فى عناصر الغذاء الأساسية التى أوضحناها، مما يوقعه ضحية لكثير من الأمراض المزمنة، والحل هو أن يلتزم بالغذاء الصحى المتوازن الذى لا يرهق ميزانيته، ولا يضر معدته.

قواعد وأصول لتجنب السمنة

ـ أصبحت السمنة مشكلة العصر، فلم يسلم منها صغار السن أيضًا، فما نصيحتك لهؤلاء الذين يعانون السمنة؟ وما القواعد التى يجب اتباعها؟

أحدث ما وصل إليه العلم لتجنب السمنة هو ما قرره القرآن الكريم الذى أنزل على النبى محمد خاتم الأنبياء والمرسلين منذ ما يزيد على 1400 سنة فى قوله تعالى: {يا بنى آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين} (الأعراف: 31)، فالمطلوب دينيًا ودنيويًا: الاعتدال فى تناول الطعام، وعدم الإسراف فيه؛ هذا أولاً.

وثانيًا: مزاولة الحركة والنشاط الرياضى المنتظم، فالرياضة تفرغ شحنات التوتر المكبوت، التى قد تدفعك للإفراط فى الطعام، وتزيد من معدل التمثيل الغذائى، وتعمل على حرق السعرات الحرارية.

وثالثًا: تناول وجبات غذائية على فترات قصيرة ومتقاربة، تزيد من سرعة التمثيل الغذائى فتحرق سعرات أكثر وتسهل عملية الامتصاص، وذلك أفضل من التهام كميات كبيرة من الطعام مرة واحدة أو مرتين فى اليوم.

ورابعًا: عدم إطالة فترة الجوع وعدم شراء الطعام أثناء فترة الإحساس بالجوع، وكذلك عدم اتباع أنظمة الريجيم الصارمة، وعدم إهمال وجبة الإفطار؛ لأن ذلك يؤثر بشكل كبير على تناول وجبة الغداء.

وخامسًا: اسأل نفسك دائمًا: هل تعيش لتأكل، أو تأكل لتعيش، ذلك أن الإنسان لم يخلق ليأكل، ويستمتع بالطعام فقط، ويجعله لذته الكبرى وأكبر همه فى الحياة.

وسادسًا: لو بدأت يومك بتناول الفواكه الطازجة مع تأجيل إفطارك إلى فترة الظهر، فقد يساعدك ذلك فى خفض وزنك.

وسابعًا: تجنب بعض العادات السيئة «الأكل» بين الوجبات، أو الأكل أمام التليفزيون، وتجنب البوفيهات المفتوحة، وامضغ الطعام ببطء.

وثامنًا: تخلَّ عن فكرة الشبع، فالتعود على تناول كميات مناسبة كفيل بالوصول بك إلى الشبع، إذا عودت نفسك على هذه الكميات.

وتاسعًا: الابتعاد عن الدهون؛ لأن السعرات الحرارية التى تنتج من أكل الدهون توجه إلى النسيج الدهنى فى الجسم، وتجنب القلى أو التحمير أثناء إعداد الطعام لاحتوائها على نسبة عالية من الدهون.

عاشرًا: لتقليل من السكر والملح ومن الأطعمة المصنعة التى تحتوى على نسبة كبيرة من الأملاح.

حادى عشر: إذا كنت فوق الثلاثين فحاول تفادى أكل البروتينيات مع النشويات فى نفس الوجبة، فكلنا اعتدنا أن نأكل اللحم مع البطاطس أو الأرز أو الخبز، وهذا يسبب إهدارًا للطاقة، ويؤخر عملية الهضم التى تستغرق وقتًا طويلاً، فيشعر الإنسان بعسر الهضم، وحرقان فى فم المعدة، وانتفاخ وغازات، لذا يفضل تناول اللحوم أو النشويات كل على حدة فى وجبات منفصلة، حيث يسهل عملية الهضم، ويجعله هضمًا تامًا لا يتبقى منه أى نفايات ضارة، ويستفيد الجسم من قيمته الغذائية، ولا تظهر بعده أعراض سوء الهضم، ولا يسبب زيادة فى الوزن، بل له تأثير عند الكبار فى خفض أوزانهم.

ـ كيف ترين مستقبل المرأة فى البحث العلمى؟

أراه مستقبلاً يبشر بالخير - إن شاء الله - فلك أن تعرف أن نسبة المقبلات على الدراسات العليا على مستوى الجامعات تكاد تزيد على نسبة البنين، وتفوق المرأة دراسيًا وفى مجال البحث العلمى لا ينكره أحد، وخاصة فى السنوات الأخيرة.

ـ كيف تنمى الأم مهارات الأعمال المنزلية لدى ابنتها؟

أن تكون الأم أولاً متقنة لهذه المهارات، ثم بعد ذلك تحبب ابنتها فى أعمال المنزل وتشجعها، ثم تكلفها بأعمال أكبر، وهذا الأمر يجعل البنت تثق فى نفسها، فتحاول الأم أن تشرك ابنتها منذ الصغر فى أعمال المطبخ ونظافة البيت، وتحرص على أن تصحبها أثناء التسوق، وتناقش معها ميزانية الأسرة، وخاصة الميزانية الخاصة بالطعام، وخطوة خطوة تتعلم البنت، وتكتسب منها خبرة سنوات طويلة، حتى إذا ما أصبحت زوجة أو ربة بيت تكون هى سيدته الأولى.

المقبلات على الزواج
ـ وما نصائحك للفتيات المقبلات على الزواج، وليس لديهن دراية بأعمال المطبخ والمنزل عمومًا؟

بعد أن تنتهى كل فتاة من دراستها، عليها أن تعوّض ما فاتها من تعلم أمور الطهو، وذلك بالمكوث فى المنزل وملازمة أمها؛ لتستكمل ما ينقصها من عمل الأكلات والأطعمة المختلفة، وإذا حدث وتزوجت مع عدم درايتها بتلك الأمور، فعليها أن تطور نفسها، وتتعلم ولو من الكتب لإنجاح حياتها الزوجية.
عبد الرحمن هاشم ـ مركز الإعلام العربي

Post: #235
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:46 PM
Parent: #234

بين المطبخ و قاعة المحاضرات !!
لا أفكر فى الزواج قبل إتمام دراستى الجامعية، فذلك أمر يحتاج إلى الوقت والجهد، فضلاً عن أن الزواج قد يشتت تفكيرى بين المنزل والأسرة، وبين الدراسة والجامعة.

هذا هو رأى بعض الطالبات الجامعيات فى الزواج أثناء الدراسة والجامعة، أما أخريات فيرين أنه لا مانع لديهن من الزواج أثناء الدراسة؛ لأن هذا - فى رأيهن - أمر يحتاج إلى إرادة وحسن إدارة للوقت، وذلك بالنسبة لهن أمر سهل، وبين التأييد والمعارضة.. كان هذا التحقيق.

داليا محمد سمير: تزوجت بعد الثانوية مباشرة، والحمد لله التحقت بكلية الصيدلة، وأتممت دراستى بنجاح، وكنت أحصل على امتياز كل عام، وأثناء دراستى رزقنى الله بطفلين، وواصلت دراستى بنجاح.

وتضيف: فى بداية زواجى تساءلت بينى وبين نفسى: كيف أواصل دراستى رغم انشغالى ببيتى وأسرتى، ولكن ثقتى بالله (عز وجل) كانت وما تزال خير معين لى، فظنى بالله أنه سيعيننى دائمًا، ويسهل لى الصعاب، وبالفعل كان فضل الله عليّ عظيمًا، وبقدر ما كنت أجتهد فى ألا أقصر فى حقوق بيتى وزوجى كان الله يبارك لى فى وقتى، ولله الحمد.

إيمان عبد الواحد - طالبة بكلية الطب: بعد زواجى توقفت عن جميع الأنشطة الاجتماعية والثقافية، وأصبح وقتى كله مقسمًا بين الدراسة والمنزل، فالزواج أثناء الدراسة - وخاصة فى الكليات العملية - أمر صعب، فقد كنت دائمًا أحصل على تقدير امتياز، وبسبب ظروف الحمل والولادة حصلت على تقدير جيد جدًا بعد الزواج.

صديقتى ساعدتنى
أما فاطمة - طالبة بإحدى الكليات النظرية - فتقول: تزوجت بعد أن بدأت دراستى بالفرقة الأولى فى الجامعة، وبعد زواجى سافر زوجى للعمل فى إحدى دول الخليج، وكنت أسافر معه أثناء الدراسة، وأعود إلى مصر للامتحانات فقط، فلا أحضر أى محاضرات، وبسبب ذلك اضطررت إلى إعادة سنتين فى الكلية، فتأخرت عن زميلاتى.. وكم أشعر بالفضل والامتنان لله، ثم لصديقتى فى الكلية، فهى تحضر كل المحاضرات وتسجلها لى وتجهز لى كتبى، بل إنها أيضًا تدفع لى مصروفات الكلية، وتستخرج لى الكارنيه، وعندما أحضر إلى مصر أذهب إليها لتحيطنى علمًا بكل ما يتعلق بدراستى، كما أنها تتصل بوالدتى دائمًا لتخبرها بأى شيء يجد فى الدراسة، فجزاها الله عنى خيرًا.

نهى - طالبة بكلية الدراسات الإسلامية: كنت أحلم أن أصبح مدرسة علوم، وأتخصص فى مادة الأحياء، فأنا أحبها كثيرًا، وبالفعل التحقت بكلية العلوم، وبعد زواجى وجدت صعوبة شديدة فى حضور المحاضرات، وخاصة أثناء فترة حملى، فقد كان بيتى الجديد بعيدًا عن كليتى جدًا، فاعتذرت عن دخول امتحان السنة الأولى، ثم قدمت اعتذارًا فى السنة الثانية، ثم قررت أن أحول إلى كلية نظرية لأذاكر فى بيتى، وأذهب إلى الكلية للامتحانات فقط.

فى الحقيقة كان هذا القرار صعبًا على نفسى، فقد أحببت دراسة العلوم كثيرًا، ولكن كان لابد من إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ولابد أن أتدارك نفسى سريعًا لأحصل على شهادة جامعية، وكما يقول المثل: ما لا يدرك كله لا يترك كله.

أما رانيا محمد - حاصلة على الثانوية - تقول: تزوجت بعد الثانوية، وبزواجى انتهى أمر الدراسة فى حياتى، فقد رأيت الجمع بين الزواج والدراسة أمرًا فى غاية الصعوبة، فزوجى لا يعيننى، وكل أمور المنزل فوق رأسى، ودائمًا ما يحملنى فوق طاقتى، لذلك قررت الانسحاب لأتفرغ للمنزل وتربية الأولاد، والحمد لله على هذه الحال.

زوجى نعمة
وعن دور الزوج فى مساعدة زوجته الطالبة تقول داليا: الحمد لله، زوجى نعمة من نعم الله عليّ، فهو متفاهم للغاية، متعاون لأقصى درجة، كان يشجعنى دائمًا على استكمال الدراسة، بل ويشجعنى على التفوق والتميز، وكم عاتبنى عندما كنت أتكاسل عن حضور المحاضرات، ولم يظهر يومًا ضجره إذا ما قصرت فى أمور المنزل، أو فى إعداد الطعام.

كذا؛ فإن والدة زوجى على خُلق رفيع، فدائمًا ما كانت تثنى على تفوقى، وتعرض عليّ المساعدة فى كل وقت، وخاصة فى أوقات الامتحانات، والحمد لله أن رزقنى هذا الزوج الطيب، فهو عامل أساس ومهم فى نجاحى وتفوقى.

كما ترى إيمان أن الزوج لابد أن يكون على استعداد للتحمل وللتفاهم مع زوجته الطالبة حتى تنتهى من الدراسة، وأن يعطيها ما تحتاجه من المصاريف لشراء الكتب وغيرها من مستلزمات الدراسة، طالما تزوجها وهى طالبة.

وماذا عن رأى الزوج ؟
المهندس معتز بسيونى - زوج داليا - يقول: الزوجة الطالبة عليها عبء ثقيل، فهى تذهب إلى الكلية وتحضر المحاضرات، ثم تعود وترعى البيت والأطفال، وتذاكر أيضًا دروسها، وقد تضطر للسهر مع الأطفال ليلاً، وكل هذا يحملها عبئًا نفسيًا وجسديًا كبيرًا، فلابد أن يصبر زوجها معها، وفى يوم الحصاد سيرى ثمرة نجاحه ونجاحها، فنجاح زوجتى هو نجاح لى ولأسرتى كلها.

وأقول لكل زوج: تعامل مع زوجتك بالفضل لا بالعدل، فليس من الرحمة أن تتركها تواجه مسئوليات المنزل وحدها، فما المانع أن تحمل عنها الطفل بعض الوقت، وخاصة فى وقت الامتحان، وما المانع أن تجهز العشاء بدلاً عنها، أو ترتب المنزل، وكله فى ميزان حسناتك - إن شاء الله.

دور أستاذ الجامعة
ترى الدكتورة مكارم الديرى - أستاذة الأدب والنقد المساعدة بجامعة الأزهر - أن زواج الطالبة، وخاصة إذا كانت فى كلية نظرية أمر لا بأس به، بل إن الزواج يعين الفتاة على العفة والالتزام، فضلاً عن أنه يمنح الفتاة قدرًا من الجدية وتحمل المسئولية.

وترى أيضًا أن المجتمع لابد أن يعين الطالبة على القيام برسالتها فى المنزل وفى الجامعة، فأستاذ الجامعة لابد أن يمد الطالبة بالكتب والمعلومات المطلوبة، وفى الوقت المناسب حتى تتمكن من الدراسة والمذاكرة، وعلى الأساتذة أن يلتمسوا لها العذر، ولا بأس من إعطائها وقتًا زائدًا - إلى جانب الوقت الرسمى للمحاضرة - لتعويضها عما قد يفوتها، إذا سمحت إمكانات أساتذتها بذلك.

أبعاد ثلاثة :
ويقول الدكتور حاتم آدم - استشارى الأمراض النفسية والعصبية: إن قضية زواج الفتاة أثناء الدراسة لها أبعاد ثلاثة:

البعد الأول هو: القدرة الجسمانية والصحية لدى الفتاة، والتى تجعلها تتحمل الولادة والحمل والمجهود المبذول للعناية بأسرتها، فإذا كانت صحتها تسمح بذلك، فلا مانع من هذه الناحية.

والبعد الثانى هو: النضج النفسى والقدرة على استيعاب الأدوار الاجتماعية المطلوبة منها كأم وزوجة وطالبة، وهذا النضج يعتمد على الاستعداد الخاص الداخلى لها، وعلى البيئة الخارجية التى تلقنها الأدوار وكيفية أدائها وحقوق الآخرين عليها ومدى مساعدتها فى مواجهة العقبات.

أما البعد الثالث فهو: قدرة الطالبة على تنظيم وقتها، فالمهام المطلوبة منها متداخلة وحساسة، ومهما كانت الفتاة ناضجة، فلن تستطيع أن تمضى فى أمرها دون ترتيب أولوياتها، والأمر يحتاج إلى إرادة وصبر، وكما يقول الشاعر:
وإذا كانت النفوس كبارًا تعبت فى مرادها الأجسام
دعاء حاتم-اسلام ويب

Post: #236
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:48 PM
Parent: #235

حتى لا يكون طفلك إمّعة !!!
يحتاج طفلك لمساعدتك لكنه في نفس الوقت يحتاج للنمو والتعلم بنفسه بعيدا عن وصايتك اللصيقة، لا تسارعي بحل كل مشاكله واتركيه يحاول حلها بنفسه، ولا تتدخلي إلا بعد أن يستنفذ جهده وحينها ساعديه بالنصح والإرشاد وبطريقة غير مباشرة.

لا تحاولي أن تجعليه نسخة من إخوانه أو أصدقائه، فلا تقولي له كن كفلان، وتجنبي تحقيق أحلامك من خلاله بل ساعديه لتحقيق حلمه الخاص به.

اتركي له الخيار
أفضل وسيلة لتعليم ابنك الاستقلالية واتخاذ القرار أن تمنحيه فرصة الاختيار منذ صغره، فمثلا يمكن أن تخيريه بين ارتداء اللون الأزرق أو الأخضر، بين أن يقطع الشارع ممسكا بيد أبيه أو بيدك، بين أن يراجع دروسه فور عودته من المدرسة أو بعد صلاة العصر، بين أن يبدأ بدراسة العلوم أو دراسة الرياضيات، وعليك أن تكوني صادقة في تخييره وتقبّل اختياراته والرضا بها، وإن كنت تفضلّين أن يبدأ بدراسة العلوم قبل الرياضيات فعليك أن تعرضي عليه ذلك لا أن تأمريه ووضحي له أسباب تفضيلك لذلك، وإذا أصر على اختياره المخالف لك فلا تعنفيه أو تنهريه، وإذا أثبت جدارته فأثني عليه وكافئيه، وإن أخفق فلا تؤنبيه وتقولي له " لقد قلت لك ، لكنك لم تستمع إلي" بل اشرحي له بعض الأسباب التي قد تكون سببا في إخفاقه وعلّميه كيف يمكن أن يتجنبها مستقبلا.

عندما يختار الطفل فإنه يتعلم تحمل المسؤولية لأن قراره نابع منه، وهذا يزيده ثقة بنفسه وحرضا على النجاح.

نمّي ثقته بنفسه
عندما يفقد الطفل ثقته بنفسه يشعر بالدونية والنقص والتردد وبأن الآخرين أفضل منه، ولذلك يميل إلى الانطواء والعزلة وعدم المشاركة والاعتماد على الوالدين أو الإخوة الأكبر سنا، ويتجنب تحمل المسؤولية مهما كانت بسيطة لخوفه من الفشل وسخرية الآخرين.

إن تنمية ثقة الطفل بنفسه تعني دعمه بشكل إيجابي مما يحقق له الأمان والطمأنينة والإحساس بالسعادة والقدرة على مواجهة الأزمات، ويتعلم ذلك من خلال العدل في معاملة الإخوة، وعدم التقليل من شأنه، واحترام حقوقه ومشاعره ومنحه الفسحة للتعبير عن نفسه، مع التركيز على تنمية الجوانب الإيجابية فيه ومدحها وعدم تجاهلها أو نسيانها في حال قيام الطفل بشيء سلبي أو أدنى من المطلوب.

فإذا حصل الطفل على امتياز في جميع مواده الدراسية ما عدا مادتين فلا يجب أن يتم التركيز على المادتين ونهره ومعاقبته لتقصيره، بل ينبغي أن يتم معالجة ذلك بطريقة إيجابية حوارية، فيتم سؤال الطفل عن السبب الذي يعتقد أنه أثّر على علامته وعلى تحصيله، وإشراكه في اقتراح الحلول التي يعتقد أنها ستفيده.

تعرّفي على مهاراته وقدراته
هيئّي له الجو المناسب لممارسة هوايته دون أن يؤثر ذلك على دراسته، ادعميه واسمحي له بمساعدتك أو مساعدة والده، ولا تقولي له " أنت صغير على هذا"، أوكلي إليه مهام بسيطة ضمن رغباته، فقد ترغب الطفلة في مساعدة والدتها في المطبخ أوقد يرغب الطفل في مساعدة والدة في شراء الحاجيات أو تصليح السيارة.
وأبسط طريقة أن تسأليه عما يريد أن يكون في المستقبل وما هي المواد الدراسية التي يحبها والمهام التي يجب القيام بها والدور التي يجب القيام بها والدور الذي يفضّل أن يلعبه حين يكون مع أقرانه وما الذي يحبه في فلان هل يثني عليه المعلم, ولماذا ، وهل يحب المدرسة أو هل يكرهها ولماذا...

ومن خلال هذه الأسئلة وغيرها يمكن أن تتعرفّي على رغبات طفلك وقدراته وبالتالي يمكنك العمل على تحسينها وتنميتها وتهيئة المناخ المناسب لممارستها.
ساعديه لإبرازها دون تفاخر أو غرور وكافئيه إن أجاد وأتقن العمل، ويمكن أن تكون المكافأة مادية أو معنوية.

علّميه كيف يقيّم اختياراته
يواجه الطفل مواقف كثيرة يحتاج فيها لاتخاذ القرار دون التمكن من الرجوع إلى الأهل لأخذ آرائهم أو نصائحهم، وبالتالي لا بد أن يكون الطفل قادرا على تقدير الإيجابيات والسلبيات لهذا القرار وبشكل منطقي بسيط، ولا بد أن تكون لديه مرجعيه ثابتة لا تتغير ولا يختلف عليها في اتخاذ القرار، وهذا لا يكون إلا إذا كانت مرجعية الطفل تعتمد على الكتاب والسنة، فإذا طلب منه أحد أقرانه أن يساعده ليغش في الامتحان، سيتذكر أن الغش حرام وسيتخذ قراره بأن لا يفعل.

وينبغي ألاّ تثقليه بالعديد من الأحكام الفقهية التي تتجاوز قدرته على الاستيعاب، ولكن علّميه تدريجيا بالشرح وتوضيح العلة، وشجّعيه ليستفسر عما يواجهه وعما يحتاجه.
دانة أبو حمدان " مجلة الأسرة العدد 170 "

Post: #237
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 04:50 PM
Parent: #236

كيف نجعل علاقتنا الزوجية متألقة دوما لنعيش حياة مريحة وهنيئة؟؟؟.... سؤال يهم كل فتاة متزوجة أو مقبلة على الزواج.

لا تخلو الحياة الزوجية من المشاكسات بل والمشاجرات...فكل ذلك جزء من الحياة اليومية المليئة بالمزاحمات والمنافسات والمعارك " العاطفية".

المهم أن نتعلم كيف نخرج منها سالمين مقتنعين بضرورة التفاوض للحفاظ على عشرة حلوة وحميمة ..
من خلال أحداث الدراسات الاجتماعية يؤكد خبراء علم الاجتماع أن المشاكل الزوجية لها فوائد، لأنها من وجهة نظرهم فرصة حقيقية ليتعرف من خلالها كل من الزوجين على ما يغضب الطرف الآخر ويزعجه . أو ما يفرح الطرف الآخر ويسعده، ويتلمس طباعه على أرض الواقع ، بل ويعرف أخطاء نفسه، فيحاول إصلاحها وتعديل مسارها وتصحيح المفاهيم والأفكار الخاطئة التي قد تكونت لديه ضد الطرف الآخر .
ومن ناحية أخرى يستطيع كلٌ من الزوجين أن يتعرف على أفكار وطموحات وتطلعات زوجه فيشارك في تلك التطلعات والآمال وبذلك تمتد جسور التواصل بين الطرفين.

خير علاج:
الكثير من الأزواج يعتقدون أن مسؤولياتهم تعتمد على الإنفاق على الأسرة، كذلك بعض الزوجات تعتقد أن مسؤولياتهن تنحصر في إعداد أصناف متميزة من الطعام ، ورغم ظن هذا النوع من الأزواج والزوجات أنهما يقومان بدورهما على أكمل وجه، إلا أنهما لا يشعران بالسعادة لغياب عنصر الاحتياج العاطفي، ورغبة الزوجة في الزوج تماما مثلما هو يرغب فيها....فالحياة العاطفية هي نقطة مهمة للقاء بين الزوجين، وتعدّ من أهم أسباب نجاح أو فشل الحياة الزوجية ، لذا لا بد أن تبنى العلاقة الزوجية من البداية على أسس سليمة من جانب الطرفين، وفهم كامل لمعاني الحب والزواج والمسؤولية،وعدم إغفال الاستيعاب العاطفي.


· يجب أن يعرف كل طرف خريطة نفسه أولا، ثم الخريطة النفسية للطرف الآخر..وأن يوازن ويوفق بين الخريطتين، وأولى الخطوات الوعي والإدراك لكيفية تفريغ التوتر والتعامل مع الضغوط حتى لا ننفجر في أقرب الناس إلينا..شريك الحياة، وثمرة الصحبة..أطفالنا.


· تختلف احتياجات الرجل عن المرأة، والطرف الذكي، هو الطرف الذي يعلم احتياجات الطرف الآخر، فيلبيها ويحققها....

فالرجل يحتاج إلى الثقة، بينما تحتاج المرأة إلى الاهتمام .

ويحتاج الرجل إلى القبول، والمرأة إلى التفهم.

يحتاج الرجل إلى التقدير ، بينما تحتاج المرأة إلى الاحترام.

يحتاج الرجل إلى الإعجاب ، بينما تحتاج المرأة إلى الإخلاص.

يحتاج الرجل إلى إبداء الاستحسان، بينما تحتاج المرأة إلى الموافقة.
يحتاج الرجل إلى التشجيع، بينما تحتاج المرأة إلى الطمأنينة.


· إحدى الدراسات التي أجريت على خمسة ألاف زوج، بينّت بوضوح أن الأزواج يرتاحون للصفات الجسمية السلبية المضادة لأحدهما في الآخر ، وأن سعادة الأزواج المتضادين في الصفات أكثر من غيرهم.

حيث وجد أن النساء النحيفات يرتحن للرجال البدينين، فيما ينسجم الرجال النحيفون مع النساء البدينات نسبيا....فإذا كانت هذه الحالة في الصفات الجسمية الظاهرة، فإنها تكون أكثر وضوحا في الصفات النفسية التي يبحث فيها الرجل الصاخب عن واحة هادئة يتفيأ ظلالها.


· مجرد عرض المساعدة من الزوج -المرهق- لزوجته يكون غالبا كافيا لإظهار الرحمة بالزوجة..و90% من الزوجات يشفقن على الزوج العائد من يوم عمل شاق ( حتى لو كانت الزوجة تعمل خارج المنزل)، فلا يجب أن يبخل الزوج بمجرد العرض بالمساعدة..وليتذكر أن الرسول r كان في بيته في " مهنة أهله"..يساعدهن ويشاركهن.


· حسب دراسة اجتماعية حديثة أقر الباحثون أن التعاون بين الزوجين في الأعمال المنزلية يعمل على تقوية الروابط الزوجية والمشاركة الوجدانية، لكن من المهم أن تعلّمي زوجك ما هو مطلوب منه بالتحديد، فغالبا لا يعرف الرجال ما ينبغي أن يصنعوه، بمعنى أنه لا يكفي أن تطلبي منه ترتيب مكتبته مثلا بل يجب أن تحددي له المهام المطلوبة منه بالضبط. ولا يغيب عنك مدحك لزوجك عندما يؤدي أي عمل من الأعمال المنزلية، و اشكريه بطريقة رومانسية، فالرجال -كما يقول خبراء العلاقات الزوجية- يستمتعون عادة برؤية زوجاتهم سعيدات.



· المجاملة مطلوبة دائما، فلا مانع من مساعدة الزوجة في حمل الأشياء الثقيلة، أو القيام بإعداد مشروب دافئ للزوجة المرهقة، والتعاطف القوي معها والمساندة النفسية أثناء مرضها.


· لا نبالغ إذا قلنا أن المدح إكسير الحياة الزوجية، لكن هناك بعض المواقف التي لا يكون للثناء والمدح بين الزوجين فيهما أثر على حياتهما الزوجية، منها ما إذا كانت علاقة أحد الزوجين بالآخر قائمة على عدم الاحترام والتقدير ، والتجريح الدائم، فإن المدح في هذه الحالة لا يكون له قيمة، لأن الحياة الزوجية أصبحت صبغتها الإعراض من كل طرف عن الآخر وعدم احترامه، وفي هذه الحال تفقد الحياة الزوجية رونقها وحيويتها، ومن الحالات التي لا يكون فيها أيضا للمدح أثر: عندما يفقد كل طرف الثقة بالطرف الآخر، وعندما يكون الزوجان كثيريْ المدح أحدهما للآخر، بحيث يصعب أن يفرّق الواحد منهما بين الجد والهزل فيه، وأن يميز بين المدح الصادق والكاذب.



· احرصي على أن تكوني يقظة ومنظمة في بيتك، خاصة في الأشياء الصغيرة البسيطة، ولا تعتبري تلك الأشياء تافهة..فهي وإن كانت صغيرة إلا أنها تعطي لزوجك انطباعا بأنك مهملة..ومن المهم معرفة أماكن تلك الأشياء مثل الخيط وإبر الخياطة والمقص والأوراق المهمة....وما إلى ذلك، وإذ فتحت بابا لا تنسي أن تغلقيه..وإن نبهك زوجك إلى خطأ ما فاحرصي على ألاّ تكرريه.


· صفات اللطف والصبر والاحتمال، كالشحم للآلات يلينها ويسهّل عملها، وهكذا لا تسير عجلة الحياة الزوجية إن لم تشحم بشحم هذه الصفات السامية.


· وكما أن الآلة تحدث أصواتا مزعجة، ويصعب إدارتها بدون تشحيم، هكذا يحدث " لماكينة" الحياة الزوجية....تُحدث صخبا وصياحا وإزعاجا بل تتعطل وتتوقف عن التقدم.



· من الطبيعي جدا أن يواجه الزوجان المشاكل من حين لآخر. لكن ليس من الطبيعي أن كل مشكلة تواجهكما تعتقدان أنها ستكون نهاية العلاقة، وفرق كبير ونحن نتحاور في وجود نية للتسامح والاستمرار وبين التحاور في جو يسيطر عليه الشعور بأنه اللقاء الأخير...إن الدخول في حوار بنّاء من منطلق " إن المشكلة تتلخص في أنا" سيجعل الطرف الآخر يصل إلى ذات النتيجة، وتذوب جبال المشاكل.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد " 170 "

Post: #238
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 07:43 PM
Parent: #237

رغم النشاط الدعوى الواضح للأئمة، وخطباء المساجد، والتطور الذى شهدته البرامج الدينية فى وسائل الإعلام، وكذلك التقدم العلمى المطرد، فمازال بيننا من يعلقون الخرزة الزرقاء، ويتطيرون من رقم 13، والقطط السوداء، ويستعينون بالبخور، وقراء الطالع لطرد الأرواح الشريرة - على حد اعتقادهم - ويقيمون الزار، ويثقبون العرائس الورقية، ويحرقونها، لرفع الحسد عن أطفالهم، وغير ذلك من الآفات الفكرية، وأيضًا الآثام الشرعية، فالاعتقاد فى مثل هذه الأمور يعكس ضعف العقيدة، بل إن بعضها من الكبائر مثل: السحر.

السيدات كريمة، ومنى، وعزة، وفوزية، وصدفة تؤمنّ بالأعمال السفلية، وتحكين تجاربهن الشخصية، أو تجارب معارفهن بشأن هذه الأعمال، ويفسرن ذلك بأنهن وجدن آباءهن، وأمهاتهن يؤمنون بهذه الأمور، بل ويمارسونها، بل إن السيدة فوزية تتحمس جدًا للعرافين، فقد سُرقت طيور لإحدى جاراتها، وتمكن العراف من تحديد السارق!

كما أن السيدة فوقية ظلت تعمل الزار لمدة ثلاثين عامًا، ولم تتوقف لكبر سنها!

ولكن السيدات فاطمة ومريم وعلا وسمية ونُهير يؤكدن أن النفوس الضعيفة غير المتصلة بالله هى التى تؤمن بهذه الخرافات، فترد عليهن إنجى مؤكدة إيمانها الشديد بالأبراج وقراءة الطالع، فكل مواصفات برجها تنطبق عليها.

ومن التناقض الصارخ أن يكون الإعلام مشاركًا فى نشر الخرافة والدجل، فمعظم الصحف والمجلات تخصص أبوابًا للأبراج، وملاحق لطوالع العام الجديد، كما أن هناك برامج فضائية حول هذه الأمور، بينما من المفترض أن يكون الإعلام وسيلة للتوعية، ونشر قيم التفكير العلمى، ونبذ الخرافة، وترسيخ اليقين، وحسن التوكل على الله.

أسلوب حياة
الدكتورة إجلال إبراهيم - أستاذة علم الاجتماع بكلية الآداب عين شمس - تعلق على ظاهرة الإيمان بالخرافات قائلة: هذه المعتقدات الشعبية هى عبارة عن موروثات ثقافية، أو أسلوب حياة بالنسبة للمصريين، وكل مجتمع له موروثاته الثقافية ومعتقداته الخاصة به.

وهذه المعتقدات تنقل من جيل إلى جيل، وعادة ما تكون هذه الأشياء موجودة فى محيط الأسرة من مكان إلى آخر.

مثلاً عند مرض الطفل يقول الأهل إنه محسود أو منظور، فيذهبون به لزيارة المشايخ والأولياء.

ولا ننكر أن هذه الأشياء بدأت تنقرض، لكنها تظهر عند وجود موقف معين كضائقة مالية، أو مشكلة زوجية، وللأسف فهى توجد بين المتعلمين حتى لو لم يكونوا يعتقدون فى صحتها، ولكنهم يفعلونها بروح المغامرة والتقليد.

وهذا يعنى أن الأمر - رغم خطورته الاجتماعية والدينية - له طابع الطرافة الذى يجذب إليه البعض فيمارسونه، وهم لا يقدرون هذه الخطورة، ولا الإثم الذى يرتكبون، بل قد يطلقون على ما يفعلونه دعابة، وهذا يجعل المواجهة صعبة؛ لأن الناس لا يشعرون بأنهم مخطئون، ومن هنا يجب على الأئمة والدعاة ومؤسسات الإعلام الالتفات إلى هذه المشكلة، وتوعية الناس بخطورتها حتى إذا رسخ فى وعيهم هذا كان من السهل اقتلاع هذه المعتقدات الخرافية من عقولهم.

إذا سألت فاسأل الله
ويرى الدكتور محمد الشحات الجندى - أستاذ الشريعة بكلية الحقوق جامعة حلوان - أن الاعتقاد بين العامة بأن السحر والشعوذة، وتعليق التمائم ينفع ويشفى، وهذا الاعتقاد قائم على خرافات وأوهام يأباها الإسلام، ويحذر منها، ومن الوقوع فى براثنها؛ لأن النافع والضار هو الله (سبحانه وتعالى) ولا يملك الإنسان من أمر نفسه شيئًا، كما لا يملك أن نفعه أو ضره البشر جميعًا؛ لأن كل شيء بقضاء، وقضاء الله هو النافذ فلا معقب لقضائه، ولا راد لحكمه، والحديث عن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يؤكد ذلك لقوله: «وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، ولو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، رفعت الأقلام وجفت الصحف».

كما ثبت أن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) نهى عن الطيرة وهى التشاوم، ونهى عن الحسد، والحقد، وغير ذلك من الأمراض الاجتماعية كالذهاب إلى السحرة، والدجالين، وعمل الزار، وتظهر هذه الأمراض فى المجتمعات التى لم تحسن فهم الإسلام، ولم تقدر الدين حق تقديره ، وإنما صارت بفعل عوامل التشويش والتخلف، وعدم الفهم الصحيح للإسلام كما أن هذه الآفات الاجتماعية لها أثر مدمر على حركة الحياة، وتؤدى إلى الإنصراف عن الأعمال النافعة، وعدم القيام بالعمل الخلاق الذى يبنى الأمة، ويتحرى سنن الله فى خلقه، فلا بد أن نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.
مركز الإعلام العربي

Post: #239
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 07:45 PM
Parent: #238

تبدأ الأسنان عندما يكون الطفل في رحم أمه في الأسبوع السابع عشر من الحمل وتبدأ في الظهور بصورة عادية بين الشهرين السابع والثامن بعد الولادة.
وأول الأسنان التي تظهر في فم الطفل الثنيات ( السنان الأماميتان السفليتان) فإذا تأخر التسنين شهرين أو ثلاثة أشهر فلا داعي للقلق ولكن يستحسن استشارة طبيب الأطفال بعد هذه الفترة لمعرفة ما إذا كان من اللازم إعطاء فيتامين "د" فضلا عن فيتامينات أخرى متعددة

والفصل الذي يولد فيه الطفل قد يؤثر في التسنين فالأطفال الذين يولدون في فصل الخريف عندما يتضاءل نور الشمس تنبت أسنانهم بصورة أبطأ من الأطفال الذين يولدون في فصل الربيع عندما تتوافر الفرص للخروج إلى العراء بغية التنزه لكن لا يمكن اعتبار ذلك قاعدة.

تظهر الأسنان اللبنية بصورة عامة بمعدل سن واحد كل شهر، وإذا كان ظهور السن الأولى كبير الأهمية بالنسبة إلى الأم، فهو من الناحية العلمية لا علاقة له بالنمو النفسي والجسمي للطفل، وعندما تأخذ الأسنان الأولى في الظهور، لا بأس من إضافة شيء من الطعام الصلب المطحون إلى وجبات الطفل اليومية ذلك لأن المضغ يشكل منبهاً فسيولوجيا حقيقياً لنمو الأسنان، فيحتاج الطفل لممارسة المضغ في هذه الفترة، لذلك يفضل أن يكون لديه حلقات أو أشياء أخرى ذات أشكال مختلفة مصنوعة من مادة مطاطية يمكن تعقيمها تعمل على تدليلك اللثة، وتهدئ من هيجان الطفل وتسهم في إظهار الأسنان بصورة تلقائية.

أعراض:
عندما تبدأ فترة التسنين، يكون الطفل منزعجاً وسريع الهياج، كثير البكاء مع عدم النوم أو القلق أثناء النوم وزيادة إفراز اللعاب وسيلانه.
ومن ردود الفعل الأخرى للتسنين نتيجة احتقان اللثة:
فقدان الطفل لشهيته ورفضه الطعام وبالذات الوجبات التي تعطى بالملعقة إذ أن آلام اللثة تزداد عندما تلامسها الملعقة، ولذلك يفضل الطفل الرضاعة على الأكل خلال هذه الفترة، وقد يظهر عند بعض الأطفال احمرارا أو بقع صغيرة حمراء حول الفم وفي الوجنتين أو في منطقة المقعدة، ولا تملك الأم في هذه الحالة إلا التذرع بالصبر لكي تتحمل مزاجه العصبي، ومن المستحسن أن تظهر مسايرة للطفل من دون الإخلال بنظامه الغذائي بصورة مفرطة

أما عن درجة حرارة الجسم أثناء التسنين فقد ترتفع ارتفاعا بسيطاً لا يتعدى أبدا ثماني وثلاثين درجة مئوية، ومن الخطأ اتهام عملية التسنين دائما برفع درجة حرارة الجسم عن هذا الحد، وإهمال السبب الحقيقي لهذا الارتفاع، ولأن ظهور الأسنان يستمر بصفة متواصلة بين ستة أشهر إلى سنتين من عمر الطفل، فقد تعزى إليه العديد من الأمراض التي ليس لها علاقة بالتسنين، وتكون الحمى أكثر حدوثاً خلال هذه الفترة؛ لأن الأطفال يفقدون الحماية الطبيعية المكتسبة من الأم عند ستة أشهر من العمر.

كما أن ظهور الأسنان لا يسبب التشنجات العصبية أو الإسهال أو النزلة الشعبية فيما عدا أعراض برد خفيفة، أي رشح من الأنف ودمع من العين يصاحبان ظهور الأسنان الأمامية العليا المجاورة للأنف.

وإذا رسمنا خطاً يمتد رأسياً في منتصف الفكين العلوي والسفلي سنجد أن الخط يقسم كل فك إلى قسمين متشابهين أحدهما إلى يمين الخط والآخر إلى يساره، وتتضح هنا حقيقة مهمة هي أن التسنين يتم في ازدواج بمعني ظهور سن واحدة دائما على أحد جانبي الخط والأخرى على الجانب الآخر، علماً بأن أسنان الفك السفلي تظهر أولاً ثم بعد ذلك أسنان الفك العلوي، والتسنين عموماً يبدأ بظهور الأسنان القاطعة الأمامية والسفلية وينتهي بالضروس الخلفية العلوية ( الضروس اللبنية ) في نهاية سن التسنين وتتعاقب الأسنان في الظهور في ثنائيات على جانبي الخط الرأسي.
وربما يولد بعض الأطفال بسن واحدة أو سنين، وربما يتأخر ظهور السن الأولى مدة طويلة من الزمن لعوامل وراثية غالباً.
ويمكن استعمال قطعة قماش مبللة بماء بارد بدلاً من الدمية، لكن ينبغي تفادي استعمال الثلج أو أصابع " الآيس كريم" لأنها قد تسبب لسعة ثلجية للثة، كما ينبغي أن لا تقدم للطفل الأطعمة الجامدة التي قد تسبب له اختناقاً ( الجزر النيئ مثلا ) ويجب أيضاً تجنب الأطعمة المالحة والحامضة، أما بسكويت التسنين فهو مناسب.

وإذا ازداد الألم على الطفل فيعطى شراباً مسكناً للآلام مثل الباراسيتامول بالفم لمدة يوم واحد، ولا داعي لاستخدام الهلام (الجل) الخاص بالتسنين؛ لأن معظمها يحتوي على مادة البنزوكين (مخدر موضعي) التي قد تسبب حساسية للطفل، لكن إذا اضطررت لذلك فلا تستعملينها أكثر من أربع مرات يومياً.

عناية مبكرة :
العناية بفم الرضيع أمر سهل للغاية ولا يأخذ وقتا طويلا ويتلخص في :

- استعملي قطعة قماش مبتلة وامسحي بها لثة الطفل و لسانه وشفتيه بعد كل رضعة لإزالة البكتريا و الفطريات

- لا تدعي الطفل ينام و في فمه زجاجة حليب أو عصير أو أي سائل يحتوي على السكر ، و إن كان يرفض النوم من دون زجاجة فعوديه على النوم و في فمه زجاجة مملؤة بالماء.
مجلة الأسرة العدد 169

Post: #240
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 07:48 PM
Parent: #239

الأم هي المدرسة الأولى التي يتلقى فيها الطفل لغته وخلقه .

والمرضعة إذا أرضعت غلاما، فإنه ينزع إلى أخلاقها فيشبهها ، ولذلك يختار للرضاع امرأة حسنة الأخلاق صحيحة الجسم ، عاقلة غير حمقاء .

وقال الإمام الديريني: العادة جارية أن من ارتضع من امرأة فالغالب عليه أخلاقها من خير أو شر ولذا جاء في الحديث " تخيروا لنطفكم" رواه ابن ماجه و البيهقي.

ولعل ذلك يجعلنا ندرك عظمة المصطفى صلى الله عليه وسلم حين يوصي بتزوج ذات الدين " فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه مسلم.

وفي المقابل يوصي أولياء الأمور بأن يختاروا لبناتهم ذا الدين" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"

إن الأم حين ترضع وليدها ، وإنما ترضعه مع اللبن الدين والخلق واللغة ، بل إن الجنين في بطن أمه ليتغذى على دمها الذي يجري في عروقها ، فإذا كان غذاؤها من حلال ، فإن جنينها ينمو طيبا مباركا فيه ، وإذا كان من حرام وسحت ، كان عرضه للغواية والضلال ، فتكون النار أولى به.

وعلى الأم دائما أن تربت على بطنها وتتحسس جنينها ، وتقرأ له القرآن الكريم ، وتدعو في صلاتها بأن يجعل هذا الجنين من الذرية الصالحة ، وتملأ قلبها بالإيمان ليتغذى الجنين من دمها ، وهو يفيض بتسبيح الله ، فإن دمه لا شك جزء من دمها ، فإذا ما استوى وخرج إلى الحياة فتفعل كما فعلت أم مريم لوليدها بأن دعت لها بأن يعيذها الله وذريتها من الشيطان الرجيم.

فما أعظمها من أم حمت ابنتها وحفظتها ودعت لها ولذريتها من عدو البشر .

بل إن حفظ الأبناء من الشيطان لا يبدأ من لحظة مغادرتهم للرحم وإنما يبدأ سياج الأمان من لحظة التقاء الزوجين

فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أما لو أن أحدهم يقول حين يأتي أهله : بسم الله اللهم جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتنا ثم قدر بينهم في ذلك أو قضي ولده لم يضره شيطان أبدا " صحيح البخاري .

كما يستحب أن يحرص المسلم على أن يكون أول ما يطرق سمع المولود كلمات الآذان التي هي نشيد الإسلام الذي يدوي في الآفاق كل يوم وليلة خمس مرات ويتجاوب معها كل شجر وحجر مد صوت المؤذن ، والتي لا يسمعها الشيطان إلا ويولي الأدبار فقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم : أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة

وعن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه كان يؤذن في اليمنى ويقيم في اليسرى إذا ولد الصبي ، هذا عن أثر الأم والبيئة في نمو الجوانب الإيمانية والأخلاقية للأبناء.

وأما النمو اللغوي للأبناء فإنه يرتبط بالبيئة التي ينمو فيها الطفل ، وقد أدرك العرب ذلك فكانوا يدفعون بأبنائهم إلى البادية لينشأ الطفل في الأعراب فيكون أفصح للسانه، وأجلد لجسمه .

وقد قال صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: حين قال له أبو بكر رضي الله عنه: ما رأيت أفصح منك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم وما يمنعني وأنا من قريش وأرضعت في بني سعد ؟

فهذا ونحوه كان يحملهم على دفع الرضع إلى المراضع العربيات.

وقد ذكر أن عبد الملك بن مراوان كان يقول : أضر بنا الوليد لأن الوليد كان لحانا وكان سليمان فصيحا لأن الوليد أقام مع أمه وسليمان وغيره من إخوته سكنوا البادية فتعربوا ثم أدبوا فتأدبوا.

وعن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

قال لصهيب رضي الله عنه لولا ثلاث خصال فيك لم يكن بك بأس ، قال وما هن فوالله ما نراك تعيب شيئا، قال : اكتناؤك بأبي يحي وليس لك ولد وادعاؤك إلى النمر بن قاسط وأنت رجل ألكن وأنك لا تمسك المال.

قال أما إكتنائي بأبي يحيى فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كناني بها فلا أدعها حتى ألقاه، وأما ادعائي إلى النمر بن قاسط فإني امرؤ منهم ولكن استرضع لي بالأيلة فهذه اللكنة من ذاك وأما المال فهل تراني أنفق إلا في حق.

واللغة العربية تخف على اللسان بالتمرين والممارسة والتدريب
فعن عمرو بن بحر الجاحظ عن محمد بن الجهم قال : أقبلت على الفكر في أيام محاربة الزط فاعترتني حبسة في لساني وهذا يكون لأن اللسان يحتاج إلى التمرين على القول حتى يخف له كما تحتاج اليد إلى التمرين على العمل والرجل إلى التمرين على المشي ، كما يعانيه موتر القوس ورافع الحجر ليصلب ويشتد.

محنة المربيات
أما عن محنة المربيات وما يسببنه من مشاكل تعترض النمو اللغوي للطفل وتؤثر سلبا على مهارته اللغوية فحدث عنها ولا حرج حيث إن الأم تترك أمور طفلها إلى المربية التي تتحدث مع الطفل بلغة ركيكة يبدأ الطفل في النمو معها ، فتسبب له صعوبة في النطق تتمثل في عدم وضوح الصوت والخطأ في النطق واللثغة وهذا راجع إلى أن الجهاز الحسي لدى الطفل يسمع لغة من حوله في البداية ثم يقلدهم فيها بعد حين ينضج جهاز النطق عنده وما لم يكن الطفل قادرا على الاستماع فإنه لن يكون قادرا على الكلام.

لذا نهيب بالأمهات ألا يتركن أمور أطفالهن والحديث معهم لمعرفة متطلباتهم وحاجاتهم إلى المربيات الأجنبيات حتى نحافظ على لغتنا العربية التي هي لغة القرآن الكريم وحتى يبدأ الطفل حياته ونموه اللغوي نموا سليما يساعده فيما بعد على المضي قدما نحو التحدث بلغة سليمة .

د.نادية الدمياطي ( مجلة الأسرة عدد 169 ) بتصرف يسير

Post: #241
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-11-2015, 08:30 PM
Parent: #240

لماذا هذه الثنائية فى حياتنا الأسرية ، ولماذا يسود خطاب «أنا » و«هو» داخل الأسرة الواحدة التى ينبغى أن تقوم على قاعدة «نحن».

ومن المسئول عن هذه الازدواجية فى خطاب الأسرة ؟ وكيف نعيد العلاقة الزوجية إلى مسارها الطبيعى ومقصدها الشرعى ضمن خطاب متوازن للأسرة يتجاوز فكرة حقوق وواجبات كل طرف ليحل محلها التكامل والتسامح والتعاون على سلامة الأسرة وسعادتها .
تساؤلات تبحث عن إجابات لها فى هذا التحقيق.

ثنائية الخطاب
د. أحمد عبد الرحمن - أستاذ الأخلاق - يقول: حياتنا تدور فى فلك ثنائية الخطاب، فهناك خطاب إسلامى يستند على القيم الإسلامية فى تحديد علاقة الزوجين ببعضهما فى إطار القوامة.

وهناك خطاب علمانى يتسم بالتحيز ضد الأخلاق والضوابط الإسلامية التى وضعها الشارع لحياة الناس وسعادتهم، فهو خطاب يريد إخراج المرأة من بيتها لتخريب أسرتها تحت دعاوى تحرير المرأة، وهذه الدعاوى تتبناها المؤتمرات التى تنظمها الأمم المتحدة، كما تروج لها أجهزة الإعلام والدراما السينمائية التى تُجرِّم فى الغالب القيم الإسلامية.

وهذا يعنى أننا بحاجة إلى العودة إلى ربنا - بتحكيم القرآن والسنة وحسن فهم النصوص الخاصة بالقوامة، والتعدد وضوابط الطاعة، وحقوق وواجبات الزوج والزوجة، وإلى حرية الإعلام فى تبصير الجميع بهذه الأحكام؛ لأن الدعوة مؤممة، والداعية مغلول فى المسجد، فإذا كان جهل شبابنا بفقه العلاقات الزوجية وراء فشل كثير من الزيجات، فإن توفير المعلومات الصحيحة لهم حول هذا الموضوع ضمن ثقافة أسرية اجتماعية من منطلق إسلامى يتم إدراجها فى مقررات المرحلة الجامعية «الزواج - قيم الأسرة - اقتصاد الأسرة»، هو السبيل إلى حياة أسرية مستقرة وسعيدة.

أمية ثقافية
ويؤكد د. حمدى ياسين - أستاذ علم النفس الاجتماعى بكلية البنات جامعة عين شمس - أن مشكلة العلاقات الزوجية مبعثها الأمية الثقافية الزوجية لدى الطرفين، فكلاهما يسعى لمعرفة حقوقه فقط، ويطالب بها دون أن يبحث عن واجباته مما يؤدى إلى قصور الفهم وإساءة استخدام هذه الحقوق.

o فلابد من تهيئة الأبناء للزواج بتقديم النماذج الصالحة للزوج والزوجة داخل الأسرة نفسها وقبل ذلك من خلال سيرة النبى (صلى الله عليه وسلم) وسير الصحابة والتابعين.

o عقد دورات تدريبية لتعليم الزوجين مهارات التعامل مع الطرف الآخر.

o وضع مقرر للتربية الأسرية منذ المرحلة الابتدائية متدرجة فى موضوعات حسب المرحلة العمرية.

o توظيف الإعلام فى توضيح فقه العلاقات الزوجية والأسرية عمومًا.

o تأسيس أقسام للرعاية الزوجية يكون من اختصاصاتها الكشف عن القواسم المشتركة بين المقبلين على الزواج، وإسداء النصائح الأمينة للزوجين.

وأقول للزوج:

o تذكر قبل أن تفتش عن نقص فى زوجتك أنك إنسان وبك أيضًا قصور.

o انظر إلى نصف الكوب الممتلئ فى علاقتك بزوجتك.

وللزوجة :

o تحلى بضبط النفس والصبر على طباع زوجك.

o ولا تختلفا أمام الأبناء وتعاونا على إسعادهم.

o واحرصا على كرم السلوك المتبادل بينكما، وليكن الإيثار والتسامح والبحث عن الواجبات قبل المطالبة بالحقوق شعاركما.

خطاب أعرج ناقص
لا أتصور حياة زوجية تقوم على عدم التوازن فى علاقة الزوجين، فهذا الاعتدال والتوازن هو السمة الغالبة للعلاقات الزوجية الطبيعية.

بهذه الكلمات يحدد د. عبد الصبور شاهين - الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - طبيعة العلاقات الزوجية، كما أرادها الشارع الحكيم.

أما عدم التوازن فهو شذوذ فى تلك العلاقة التى ينبغى أن تجرى مجرى التكامل بين الزوجين، أما الخطاب الذى يتوجه بالحقوق لطرف على حساب الطرف الآخر فهو خطاب أعرج ناقص لا يصح أن يكون معيارًا للحكم على العلاقات الزوجية.

ويرى د. عبد العظيم المطعنى - الأستاذ بجامعة الأزهر - أن الخطاب القرآنى الذى يحدد حقوق وواجبات الزوجين فيه الكفاية لإرضاء كل منهما، والمهم هو إطلاع كل من الزوجين على هذه النصوص والاحتكام إليها. {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} فكل حق للزوج يقابله حق للزوجة، وكل واجب عليه يقابله واجب عليها، ويقع جزء كبير من تعديل ميزان الخطاب الزوجى على عاتق الزوجة، فإذا كانت الزوجة صالحة مثقفة واعية، فإنها ستعرف كيف تدير الحوار والخلاف مع زوجها، وتخرج من أى معركة معه برأى سديد دون أن تغضبه.

وكذلك فالخطاب القرآنى للرجل يطالبه بحسن معاشرة الزوجة {وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}.

والرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو على فراش الموت يقول: «أوصيكم بالنساء خيرًا»، ويحبب إلى الرجل تدليل زوجته وإطعامها مؤكدًا أن له به أجرًا.

خلل
وتعترض د. زينب الأشوح - أستاذة الاقتصاد الإسلامى بجامعة الأزهر - على فكرة الخطاب المتحيز، وتفسر تفسخ العلاقات الزوجية بوجود خلل فى فهم حقوق كل من الطرفين، فكل منهما يتخيل أنه صاحب كل الحقوق دون الواجبات، أما حقوق الطرف الآخر فهى منّة منه وفضل.

وتقرر أن الإسلام دين العدل، ومن حكمة الله تعالى أن خلق الذكر والأنثى مختلفين فى التكوين الفطرى ليتحقق التوازن فى الكون بأداء كل منهما لدوره فى عمارة الأرض بعد إمداده بمقومات أداء هذا الدور.

ولكن بعض الرجال قد يتعسف فى تفسير حقوقه على الزوجة ويفهم الحديث «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها» على غير معناه، فكيف يجيز له الرسول (صلى الله عليه وسلم) التسلط على زوجته وهو نفسه الذى جعل له صدقة فى اللقمة يضعها فى فيّ امرأته والنطفة يضعها فى الحلال.

أين القدوة ؟
القدوة فى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذى كان فى خدمة أهله «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، فالمسألة لا علاقة لها بالدين، ولكن الرجل بطبعه قد يميل إلى العنف والتسلط على امرأته، وقد رأيت حالات لتسلط الرجل فى الغرب أيضًا، وللأسف فكثير من الناس - رجالاً ونساءً - يحملون الشرع عيوبهم، ويسيئون فهم وتطبيق الأحكام المتضمنة للحقوق والواجبات التى قررها الإسلام.
اسلام ويب

Post: #242
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 03:36 PM
Parent: #241

شرع الله الزواج لبقاء البشرية، وإعمار الأرض، وبقاء النسل، ولكنه فى أحد أهدافه إسعاد للبشر، فالرجل والمرأة لا يسعدان ولا يأنسان إلا بوجود شريك وحبيب فى ظل أسرة مترابطة، وقد سمى الله تعالى المتزوجين فى القرآن بالمحصنين والمحصنات.

إذن فالزواج والأسرة حصن وملاذ يلجأ إليه الزوجان هروبًا من إلحاح الغريزة والحرام إلى السكن والمودة والرحمة، ورغم أن الله تعالى وضع ضوابط تحمى هذا الحصن، وتدافع عن بقاء الأسرة، إلا أن البعض يقع فى الخيانة، ويهدم حصنه بيديه مندفعًا وراء وهم زائف، وبديل لو فتش عنه جيدًا فى بيته لوجده.

فما هى الدوافع النفسية والظروف المجتمعية التى توقع أياً من الزوجين فى الخيانة ؟

تعرّف على الإجابة فى التحقيق التالى:

الطبيب و الممرضة
أ.س: تزوجت زوجى بعد قصة حب دامت بيننا أربع سنوات، وهو طبيب تحاليل، وأنا خريجة آداب، وبعد عام واحد من زواجنا أخبرنى زوجى أنه يجب الممرضة التى تعمل معه، ويريد الزواج بها، وطلبت منه الطلاق، ولكن أهلى أقنعونى بضرورة الحفاظ على بيتى من أجل طفلى، ولكنى علمت بعد ذلك أن له سوابق، فأثناء خطبته لى كان قد خطب فتاة أخرى، وكان على وشك الزواج بها لولا حدوث بعض الخلافات بينه وبين تلك الخطيبة، فأتم زواجنا أنا وهو.

دعوة لحضور خطبة زوجها
د. ب: تزوجت زوجى عن حب، وبعد فترة اشترينا جهاز كمبيوتر، وبدأنا نتحدث سويًا على الشات مع مجموعة من الشباب والبنات، وعرفنى زوجى بهم على أننى صديقته من باب التسلية، وبعد فترة بدأت أحوال زوجى تتغير، ولم يعد ذلك المحب، وبعدها اتصلت بى إحدى بنات هذه المجموعة تدعونى لحفل خطوبتها، وكان داخلى إحساس أن خطيبها هو زوجى، وذهبت للحفل فإذا به زوجى فعلاً، وسلمت على العروس ولم أنطق بكلمة، ثم ذهبت بعدها للبيت، فعاد زوجى راجيًا السماح، وفتح صفحة جديدة، وطلب ألا أفضحه، ولكنى فقدت الثقة فيه للأبد.

أشك فى خيانته
أ. ع: أشك أنه يخوننى، زوجى رجل طيب مصلٍ وصائم، ولكن ذات مرة وجدت معه بعد عودته من السفر أشياء خاصة لا تكون إلا بين الرجل وزوجته، وارتبك حين سألته عن سر وجودها معه، فأخبرنى مرة أنها هدايا أهديت إليه، ومرة أخرى أنه كان ينوى أن يهديها لأحد أصحابه، ولكنى إلى الآن وبعد مرور سنوات أعيش بمرارة الزوجة المخدوعة، وأحس أنه سيأتى اليوم الذى أكتشف فيه خداعه وخيانته.

سفر الزوج
س.و: سافر صديق أبى للعمل بالخارج، وقبل سفره أوصى أبى علي أسرته (زوجته وأولاده)، وفى أحد الليالى صحوت من نومى فوجدت أبى يتحدث بالهاتف مع امرأة، واكتشفت بعد ذلك أنه يحدث زوجة صديقه التى استأمنه عليها، وأن هذه المرأة بتكرار تعاملاتها مع أبى فى غياب زوجها، وجدت فى أبى ما ينقصها، ولا أدرى ماذا أفعل تجاه أبى وهذه الزوجة لأنقذ أسرتين من التشرد؟

لماذا تخوننى؟
م.م: زوجتى امرأة فاضلة متدينة، ولا تحتاج لشيء فكل طلباتها مجابة، وبعد أن اشترينا الكمبيوتر خشيت على أولادنا من المواقع السيئة، فاستخدمت البرنامج الذى يمكِّن المستخدم من معرفة من استخدم الكمبيوتر، وماذا فعل به، وكانت المفاجأة حين اكتشفت أن زوجتى تدخل على الشات، وتكلم رجلاً وتخبره أنها تحبه، ولا تحب زوجها - أنا - الذى لا يحس بها وبمشاعرها، وكانت صدمة كبيرة لى، فأنا لم أبخل عليها أبدًا بمشاعرى، ولا أدرى لماذا تخوننى؟

الحمو الموت
هـ. ع: كنت من الشباب الذين يصلون، ويرتادون المساجد، وكان أخى الأكبر يفتح لى بيته، ولكن بعد فترة وقعت فى الحرام مع زوجته، وتكرر الأمر بيننا، وما زلت أجلس فى جلسات المساجد، وأشعر أننى منافق، ويعلم الله ما أسره وما أفعله، ولا أدرى كيف أتخلص من الذنب الذى لحق بى.

وردًا على هذه الحالات المزعجة التي تنذر بانهيار الأسرة والمجتمع...

يقول د. رشاد عبد اللطيف - عميد كلية الخدمة الاجتماعية بجامعة حلوان: إن الخيانة الزوجية ظاهرة سلبية موجودة فى مختلف المجتمعات الإنسانية، ولكنها تختلف من مجتمع لآخر.

ولقد مرت المجتمعات العربية بتغيرات اجتماعية سلبية نتيجة التحضر والغزو الثقافى الغربى، وكان من نتاجها الخيانة الزوجية، والتى قد ترجع إلى غياب الزوج، والانتقال من مجتمع إلى آخر، والهجرة من الريف إلى الحضر، وعدم التكافؤ الزوجى، وغياب التنشئة الاجتماعية التى تغرس الوازع الدينى فى الأبناء، فمن لا يستحى من الله يفعل ما يشاء.

ويضيف أن الوضع الاقتصادى وزيادة مستوى الفقر، يؤثر على العلاقة الزوجية، فغياب الرجل كثيرًا سعيًا وراء عمله، وعودته منهكًا لا يستطيع القيام بواجباته الزوجية، أو الحديث مع زوجته، أو الاهتمام بما تقول يعد سببًا رئيسيًا فى الخيانة الزوجية.

المتغيرات الاجتماعية
كما أن المتغيرات الاجتماعية الواضحة للعيان الآن من اختلاط واسع لا حدود له، وملابس فاضحة للنساء والبنات، وإتاحة ما يحدث فى غرف النوم بالوسائل الإلكترونية لكل راغب زاد من سعار الشهوة، ومن الفتور بين الزوج وزوجته، كل ذلك في ظل غياب الوازع الدينى، مما زاد المشكلة سوءًا.

وفى مجتمعاتنا الشرقية بعض الأفكار الخاطئة التى قد تسهم فى تسهيل وتبرير خيانة الرجل لزوجته، وهو أنه إذا أخطأ الرجل يلام، ولكنه لا يتهم بجلب العار، أما المرأة فهى الملومة والمسئولة عن كرامة وشرف الأسرة، ولذا لا يشعر بعض الخائنين بالذنب.

لذا نرى من الضرورى عودة احترام الرجل لزوجته، وعودة الحوار واللقاء الأسرى الدافئ الذى يدعم علاقة كل أفراد الأسرة ببعضهم، وبالتالى يشعر الجميع بالسعادة والحب والأمان فى ظلها، ويجاهد من أجل الحفاظ على بقائها.

ويشير إلى أن المناطق الشعبية التى تتسم بالانفتاح، وحوار الشبابيك والبلكونات تعد من الأمور التى قد تسهم فى حدوث الخيانة الزوجية بشكل أكبر.

الكلمة الطيبة صمام أمان للزوجة
أما د. صفاء إسماعيل - مدرسة الإرشاد النفسى بجامعة القاهرة: فتحدثنا عن الدوافع النفسية للخيانة الزوجية، فتقول: إن أهم سبب للخيانة الزوجية هو الفراغ العاطفى، وعدم إشباع حاجات الطرف الآخر النفسية والجسدية، فبالنسبة للمرأة، فإن ما يدفع الرجل إلى خيانتها هو عدم اهتمامها بنفسها وجمالها ورقتها معه فى ظل وجود التبرج في الشوارع، وفى الإعلام الذى يضع الزوجة فى مقاربة خاسرة مع أولئك الجميلات، خاصة إذا لم يحسب الزوج أى حساب للاعتبارات الواقعية والحياتية، ككون هذه المرأة شريكته وأم أولاده، وأن هذا الجمال الذى يراه زائف مصطنع، وعدم تدليل المرأة لزوجها وإغداقه بالحب، وتفاقم المشكلات مثل غيرتها المفرطة، وشكها فيه، ومحاصرته بالأسئلة يسبب هروبه الدائم، وسأمه من البيت والزوجة، وبحثه عن بديل آخر خارج البيت، فيكون من السهل جذبه لمستنقع الخيانة والرذيلة أو الزواج الثانى.

وبالنسبة للمرأة فإنها فى حاجة دائمة للكلمة الطيبة تسمعها من حبيبها وزوجها الذى قد يبخل عليها بها، بل قد يعنفها أو يهملها فى حين يوجد طرف آخر فى محيط هذه المرأة، وقد يكون هذا الآخر طبيب الأسرة، أو زميل العمل، أو محامى، أو صديق الزوج، أو أخيه هذا الشخص يتكرر وجوده فى حياة المرأة التى تشعر بفراغ عاطفى لا يملؤه إلا وجود بديل، تتحدث معه عن آمالها وآلامها، وطموحاتها، فيسمعها ويتعاطف معها، وتبدأ الزوجة فى الانشغال به، أو تمنيه، وإذا لم يكن لديه دين فإنه يستغل هذه الحالة، ويُسمعها معسول الكلام الذى يلمس حاجتها إليه، فتقع فى الخطيئة بعد ذلك.

فعلى الزوج والزوجة أن يتفهما احتياجات كل منهما للآخر، ولتكن المصارحة سبيلهما لإشباع هذه الاحتياجات.

ولقد أثبتت الأبحاث أن الرجل بصرى والمرأة سمعية، وأن الرجل له اهتمامات أولها عمله أو دراسته وبعدها زوجته، ولكن المرأة يأتى زوجها فى أولى اهتماماتها، فإذا ما تفهم الرجل ذلك لم يسأم من ارتباط زوجته به، بل قد يسعد بذلك.

وإذا أوجد الزوجان اهتمامات مشتركة تجمعهما أو هوايات محببة إليهما، فإن ذلك يدعم علاقتهما، ويحصنهما من الغواية.

ولكن كيف تحصن الأسرة نفسها من الوقوع فى الخيانة؟

- إن أبرز أسباب الوقاية فى الشريعة الإسلامية تنظيم اللقاءات العامة واللقاءات الخاصة، فمن ناحية اللقاءات الخاصة المنفردة منع الإسلام أن يخلو رجل بامرأة أجنبية عنه، أي ليست زوجًا له، ولا من محارمه، ويسمى الفقه هذه الحالة الخلوة الشرعية الممنوعة على جميع الناس درءًا للمعصية، حتى من كان يظن فى نفسه شدة الانضباط، وذلك لنهى صريح من رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا يخلون رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما» فإذا أتيحت الخلوة، فإن لغة الغرائز والشهوات يتاح لها مناخ يفرض نفسه على الطرفين.

منع اختلاط العائلات فى السكن الواحد
وكذلك لا يجيز الإسلام اختلاط العائلات فى السكن الواحد، حتى لا تتاح الفرصة لأحد الأفراد أن يخلو بامرأة أخيه، كما أن وجود السلايف فى سكن واحد قد يسقط الكلفة فيما بينهن فى ضوابط الزيارة، مما يعرض الأطراف للحرج، وقريب من هذا الكلام لا يعرف الشرع الإسلامى فكرة الزمالة الحميمية بين رجل وامرأة أجنبية، وهذا الذى ذكرناه يفرض تصحيح لغة التخاطب وتسمية الأوضاع بأسمائها الصحيحة فلا تقال كلمة أختى إلا للأخت الشرعية الشقيقة، فإن التزام الضوابط الشرعية تقى من الخيانة، وما يقود إليها كالنظرة والابتسامة.

غض البصر
وقد كثر فى القرآن الكريم الدعوة إلى غض البصر ، وإذا كان للمسلم أن يلقى السلام على المسلمين والمسلمات وكذلك المسلمة، فإنه لا يجوز لغير ذوى المحارم أن يصافح بعضهم بعضًا، فإلقاء السلام غير المصافحة، لذلك يبيح الإسلام لقاء الناس رجال ونساء، ولا يبيح اختلاطهم، أو تقارب الأجسام، ولا إطالة الحديث، وتعلق الأنظار الذى يتولد عنه حب أو رغبة، ولم يكن أمير الشعراء شوقى فقيهًا، بل قارئًا للواقع حين قال: نظرة، فابتسامة، فسلام، فكلام، فموعد، فلقاء.

مثل هذا الشعر الذى يعبر عن واقع الغرائز وأثرها على الناس يجعل العاقلين والعاقلات أكثر ابتعادًا عن هذا الاختلاط، وأنا لا أعتبر من يقع فى ذلك خائنًا للزوجة أو للزوج، وإنما هو خائن للشرع ولله ورسوله، فلينظر من يفعل ذلك مدى جرمه وبشاعته.
مركز الإعلام العربي

Post: #243
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 03:39 PM
Parent: #242

تزفّ الدنيا كل يوم بشرى لامرأة باحتواء أحشائها جنيناً لطالما انتظرته ليداعب روحها المتعطشة إليه، ويروي ظمأ حضنها المتلهف لابن تقرّ عيناها بطفولته المتوقدة وشبابه المنتظر.

ويبدأ شجن كلمة (أمي) يطرب مسامعها مع كل يوم ينمو فيه جنينها في بطنها الذي يحمل أثمن مشروع حلمتْ به لدخول الجنة؛ كيف لا والجنة تحت أقدام الأمهات؟!

يا لهذه المسؤولية العظيمة! ابنٌ ستشرفُ على تربيته على الأقل خمسة عشر عاماً بإذن الله، ليكمل حياته بعدها لا رقيب عليه إلا الله؛ فإما أن تفلح في غرس أساسيات القِيَم السامية في عقله وقلبه ليحملها معه طوال الحياة كألماسةٍ ثمينة لا يسمح لأحد بمسّها أو تشويه حقيقتها، وإما أن تفشل كأم صانعةٍ للمجتمعات الشريفة بإنتاجها للنسل الصالح.

ونظراً لكبر حجم المسؤولية وعظمة الوارد والحصيلة؛ يتوجب على كل أم أن تتزود بزاد المعرفة لتنير عقلها في مهمتها القادمة المتمثلة بتربية جيل المستقبل.

تربية؟! نعم! تربية، خمسة حروف من شأنها تقدم المجتمع أو تراجعه بإذن الله.

وتحتاج التربية لرؤية مرسومة وسياسة مضبوطة من قبل كلٍّ من الأب والأم على حدّ سواء، لتمشي بسلام وتسلك الطريق الصائب المؤدّي إلى كل المنافذ الخيّرة.

وعلى مشرِفَيْ هذه السياسة - الأب و الأم - أن يعملا لخطتهما التربوية قبل أن يرى ابنهما عالم النور، وعليهما أن يستفيدا من توجيهات الدين الحنيف ومن نصائح الأجداد، وكذا خبرات الآباء والأمهات من حولهم. وعليهما أن يعودا للكتب والمجلات التربوية، وأن يتمسكا بكل خيط يمكن أن يرشدهما إلى سياسة قويمة في تربية الأولاد.

ومن بعض المبادئ التي تحيك مع بعضها سياسةً تربوية سليمة، نذكر منها الآتي:

1- التشاور الدائم بين الأب والأم واتفاقهما على خطة موحدة:
على كلٍّ من الأب والأم أن يلملِما من هنا وهناك الأساليب التربوية التي حققتْ نجاحاً عظيماً في إنشاء جيلٍ بنّاء، وعليهما أن يلتزما الحوار الدائم حول كل مسلكٍ تربوي، ومناقشة مزاياه وسلبياته، ومدى مناسبته لبيئتهما، ومن ثم اعتماده أو استبعاده. فيقرّان ما حلا لهما من هذه المسالك، ويحدِّدان أولوياتها، ويخططان لكل الوسائل والإمكانيات التي يمكن أن تساعدهما في تعميق هذا المبدأ التربوي وتشرّبه في نفوس أولادهما على أحسن وجه.

فعلينا مثلاً أن نربي أولادنا على الاحترام، والطاعة، والتعاضد، والمحبة، والشعور بالمسؤولية... إلخ. وعلينا أن نلتزم بالطرق القويمة التي تناسب بيئتنا وديننا لترسيخ هذه الأمور في نفوس أولادنا، مستعينين بوحدة كلمة الأب والأم.

2- بثّ أجواء المحبة في أرجاء المنزل:
إنّ المحبة هي الغذاء الأساسي الذي يسهم في تنمية الأبناء تنميةً سليمةً وبنّاءةً نفسياً واجتماعياً.

وبنـاءً على ذلك يـتوجـب على كل من الأبوين العمل َ بجـدّ كي يصـل ذلك الشـعور بالحـب لأولادهما الصغار وذلك بكـافـة الطرق الممكنة؛ مثل: تقبيلهم، وحضنهم، والتبسّم لهـم، والتـربيـت على رؤوسهم... إلخ؛ بحيث يشعر الأولاد دائماً أن أبويهم يكنّان لهم كل الحب، ولا يمكن أن يكرهانهم أبداً.

وهذا لا يمنع معاقبتهم إن أخطؤوا، والغضب عند تصرّفهم بطرق غير لائقة، إلا أنّ العقاب والغضب يجب أن يترافقا مع إيضاح السبب الكامن وراء العقاب كي يؤتي ثماره؛ وما السبب إلا الوصول بالأولاد إلى أعلى المستويات وتخليـصهم مـن كل الأخطاء الممكنة؛ وما الدافع نحو ذلك إلاّ الحب الدائم.

والحب ليس تجاه الأولاد فحسب؛ بل بين الأبوين نفسيهما أيضاً؛ إذ لا يتشرب الأولاد الحب إلا إذا ذاقوا حلاوته من خلال الشعور بأَلَقِه وتوهّجه بين الأبوين.

وهنا ندعو الآباء إلى حصر مناقشاتهم الحادة وشجاراتهم بين جدران غرفة النوم؛ حيث لا يسمع غضبَهم سامع، ولا يشعر به أولادهم؛ حتى لا ينعكس سلباً على الأبناء والبنات.

الحبّ يولد الحب، والآباء الحريصون على توريث أولادهـم المحبة عليهم أن يتحلوا به قبل؛ إذ إنّ فاقد الشيء لا يعطيه.

3 - الاتفاق بين الأبوين على إيكال المسؤولية المباشرة المتعلقة بتربية الأولاد للأم:
كونُ الأم بكل مكوناتها الجسمانية والمعنوية قادرةً على الصبر ومنح الحب والحنان بلا حدود لأولادها، وكونها الجليس الذي يقضي الوقت الأطول مع الأولاد غالباً أكثر من الأب؛ لذا فالجدير أن نمنحها المسؤولية المباشرة تجاه تربية أولادها. وهنا نقول: منحها المسؤولية المباشرة، وليس المسـؤولية الوحـيدة؛ فالأم والأب شـريكان في المسـؤولية؛ إلا أنّ الأب الغائب في عمله غالباً طوال النهار لا يمكن تنصيبه لهذه المهمة.

إنه مسؤول عن تربية أولاده بلا ريب، لكن عليه أن يصـادق على كـون زوجته صاحبة المسؤولية المباشرة عليهم؛ فإن أراد أحد الأولاد أمراً مّا عليه التوجه لأمه الحاضرة أمام عينيه ـ غالباً ـ بهذا الأمر؛ فإن رأتْ أنها تستطيع البتّ به مباشرة فعلتْ؛ وإلا قالت للابن بأنها ستفكر، وتستغل ذلك الوقت في مناقشة الأمر مع زوجها والاتفاق على تلبية ذلك الطلب أو رفضه، والإجراءات المتوجبة حيال ذلك.

وعلى الأبوين أن يتفقا على هذه السياسة مع بعضهما؛ إذ قد يحاول بعض الأولاد التحايل عندما ترفض أمهاتهم الاستجابة لرغباتهم وتلبيتها، فيلجؤون إلى الأب ليحصلوا منه على الضوء الأخضر. وفي هذه الحالة، يجب أن يحبط الأب خطتهم بقوله: هل وافقتْ والدتكم على هذا الأمر؟

إلا أنه مع تقدم سنّ الأولاد ودخولهم مراحل عمرية حرجة، كالمراهقة مثلاً؛ قد تخرج الأمور من سيطرة الأم، خصوصاً مع الابنة المراهقة والابن العنيد، وهنا يتوجب إبراز الأب كقوة حاسمة لها هيبتها، وكصديق ذي صدر رحب وعقل راجح لا يتردد الأولاد باللجوء إليه أبداً، دون نسـيان دور الأم؛ الصديقة، والحازمة، وذات الصدر الحنون أيضاً.

4- تحفيز الحواس والإدراكات العقلية وتطويرها في السنين الأولى من عمر الأولاد:
الحواس هي النعمة التي منّ الله علينا بها لتلمّس هذا العالم وإدراكه وخوض غماره، إذاً هي مفتاح البشر لولوج الكون واستيضاح غوامضه.

وتنمو الحواس بشكل فعّال ومهم في الفترة الزمنية الأولى من عمر الطفل؛ هذه الفترة التي على الأبوين استغلالها لتطوير تلك الحواس وتنشيطها على أحسن وجه.

فعلى العين أن تميّز هذا العالم بألوانه وأشكاله المختلفة، وعلى الأذن أن تبدأ بالتفريق بين أصوات الأشخاص والتعرف على أصوات الحيوانات؛ وكذا أصوات الملامح الكونية من حولنا؛ كهدير الماء، ورعد السماء... إلخ.

وكذا حواس اللمس والذوق والشمّ التي يجب على الآباء تحفيزها وتقويتها عند أولادهم وجعلها قادرة على التفريق بين غير المتشابهات.

أما خيال الطفل فيجب مدّه بالعون والمساعدة ليصبح فسيحاً وخصباً يسع العالم بأسره.

ومن وسائل التحفيز والتنشيط لهذه الحواس اصطحابُ الأطفال إلى الحدائق الملأى ذات البهجة، التي بإمكانها تنشيط حاسة البصر بما تحويه شتى الألوان؛ كما من شأنها تحفيز قدرة الأطفال على التمييز بين الألوان والكائنات المتنوعة.

كما لا يمكن إنكار أهمية ألعاب الأطفال من مكعبات ومجسمات ودمى...، وغيرها مما يحفز حواس البصر واللمس والذاكرة والتحليل؛ خصوصاً بين عمر السنة والنصف والخمس سنوات.

ويتوجب على الآباء التخطيطُ لشراء لعبة تحمل بين طيّاتها هـدفـاً تـربوياً معيناً جنباً إلى جنب مع التسلية؛ إذ لا ضرورة لمزيد من المصاريف على ألعاب لا تجدي نفعاً مع الأولاد.

وعلى الآباء أن يشاركوا أولادهم في اللعب؛ خصوصاً عند اقتناء اللعبة للمرة الأولى؛ إذ يسهمون بذلك في تعليمهم الطريقة المثلى للعب قبل أن يبدؤوا اللعب بمفردهم بعدئذٍ.

وعلى الآباء أن يطلقوا العنان لخيال أولادهم لينمو على أوسع وجه، وذلك برواية القصص الشيّقة وفسح المجال لأولادهم لتخيّل أحداثها، أو منحهم المجال للعب مع من في أعمارهم ألعاباً تستلزم خيالاً خصباً؛ كأن يلعبوا لعبة الأم والأولاد، أو الضيف والمضيف، أو الطبيب والمريض... إلخ.

وتتوافر في بعض الدول أماكن خاصة للأطفال تدعى (مدن الخيال)؛ حيث الثياب المزركشة التي يتحول الأطفال بارتدائهم إياها إلى أمراء أو طلبة كبار... إلخ. ويبدؤون بنسج القصص الخيالية وتمثيلها والعيش معها، إلى جانب العديد من الوسائل والتقنيات الأخرى التي تسمح بتطوير حسّ الخيال عندهم.

إذاً؛ كل هذا من شأنه تنمية خيالهم الذي يدفعهم رويداً رويداً إلى الإبداع والتميّز.

5- على الأبوين الشروع في تعليم أولادهم الأمور الأساسية قبل دخولهم المدرسة:
البيت هو أساس تربية الطفل وتعليمه وتقويمه، ومنه تبدأ التربية وتترسخ الأخلاق الفاضلة والمعلومات الأساسية والسلوكيات الفاضلة؛ كما بين جدرانه ترتسم شخصية الطفل بكل أبعادها وتتوطد دعائم بنائها، بينما تأتي المدرسة كمكمّل لهذا البناء ومرَسِّخ له.

إذاً؛ على الأبوين تعليم أولادهم أساسيات الأمور قبل المدرسة، مثل: الألوان، والأشكال، وبعض الأسماء، وكذلك بعـض السـلوكيات: كاحترام الكبير، والعطف على الصغير، والحفاظ على النظافة برمي النفايات في سلة المهملات لا على الأرض... إلخ.

6- التدرج في تربية الأولاد ومعاملتهم:
على الأبوين الانتقال من مرحلة تربوية إلى أخرى بتـأنٍّ وتدرّج وصبر ونَفَس طويل. وعليهما ألاّ ييأسا إن فـشلا فـي تعـليـم أولادهـم سـلوكاً تربـويـاً معيـناً مـن أول مـرة؛ بل عليهما المثابرة والتكرار والتـدرج؛ إذ يأتي اللين أولاً في تربيـة الأولاد، ثم المثـابرة والصـبر؛ فإن لم يفلحا يمكن أن ينتقل الأبوان إلى العقوبات، لكن بعد إعطاء كل مرحلة حقها.

إذاً؛ لا يجب أن نعاقب الأولاد على سلوك خاطئ قبل أن نحاول معهم باللين والرفق ومدح السلوك الصحيح والترغيب به بالمكافآت المناسبة. بعدها إن لم يتمّ الأمر يمكن أن نلجأ إلى التنبيه بطريقة لطيفة؛ فإن لم نفلح أيضاً نلجأ بعد ذلك إلى العقاب المناسب غير الحادّ؛ مع مناقشة أسبابه وتبيان ضرورته. ويجب تَوخّي الحزم عند العقاب؛ فإن قررنا معاقبة الابن مثلاً بحرمانه من مشاهدة الرسوم المتحركة لمدة يوم علينا التقيّد بالعقوبة المفروضة؛ لأن فرض العقوبات مع عدم التقيّد بها يفقد العقاب هدفه، ويعود الابن لتكرار نفس الخطأ مستهيناً بقرارات أبويه اللاسارية، غير آبهٍ بها.

7- مراعاة الفروق الفردية بين الأولاد:
ينفرد كل ابن من أولادنا بشخصية مميزة لا تشبه شخصية أخيه، لذا يجب تنويع الأساليب التربوية مع الأولاد؛ فالأسلوب الناجع مع ذلك الابن يمكن أن يفشل مع أخيه. فهناك أولاد تكفيهم نظرة العتاب، في حين يحتاج آخرون لكلام حازم، وهناك أيضاً من يحتاح لعقاب قاسٍ.

لذا يتوجب على كل من الأبوين التعرف على خصائص نفسيات أولادهما والتعامل مع كل منهم بما يتلاءم وشخصيته وفكره.
8- المساواة بين الأولاد:
هذا الأمر لا يلغي أبداً أهمية مراعاة الفروق الفردية بين الأولاد؛ إذ إن المساواة تعني العدل مادياً ومعنوياً في المعاملة بين الأولاد في الأمور اليومية.

وهذا ما أمرنا به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين قال: «اعدلوا بين أبنائكم» وكررها ثلاثاً.

فالعاطفة يجب أن ُتمنح للأولاد بشكل متساوٍ؛ مثلها مثل الطعام، واللباس، والهدايا، والألعاب،... إلخ.

كما يجب عدم تفضيل الذكر على الأنثى في المعاملة؛ ممَّا قد يؤدي إلى زرع بذور الحسد والحقد بينهم.

9 - عدم تأنيب الأولاد أمام الآخرين وعدم إهانتهم بتاتاً:
يجب أن يؤنَّب الطفل على انفراد، وأن تتاح له أكثر من فرصة ليقوِّم خطأه ويعتذر عنه.

وفي حال كرر الطفل هذا الخطأ ولم يُحدث تغييراً في سلوكه؛ يمكن حينئذٍ اللجوء إلى تأنيبه علنياً؛ لكن بصورة لطيفة، دون أن يدفعه هذا التأنيب العلني إلى عيش عقدة نفسية مستقبلاً، ودون أن يدفعه إلى التمادي بالخطأ.

أما إهانة الأولاد فهو من الأساليب التربوية الخاطئة قطعاً ويتوجب عدم اللجوء إليها أبداً. ومن الإهانات التي يلجأ إليها الآباء والتي تؤثر سلباً على نفسيات أولادهم السخريةُ من العيوب الموجودة أو النقائص الجسدية والعقلية التي يعاني منها أولادهم، وتوجيهُ شتائم لهم، وتشبيههم ببعض الحيوانات. وهذه الإهانات يصعب على الطـفل أن ينـســاها؛ إذ إنـها تحفر في نفسه أثراً عميقاً وتؤلمـه بشـكل كبيـر؛ بل إن بعض الأولاد الذين لا يستطيعون المواجـهة يحـاولون أن يتـصفوا بهـذه النـعوت وأن يتـشـبهوا بالصفات التي أطلقت عليهم مثل: (غبي ـ أحمق)، أو (أنت حمار لا تفهم)، وغير ذلك من الأساليب الرديئة التي لا تحترم شخصية الابن ولا تحثه على تمثُّل السلوك الحسن مستقبلَ أيامه.

ويمكن أن تبدأ علامات الانطواء بالظـهور عند الأولاد عند استخدام آبائهم ألفاظاً رديئة معهم. ويمكن أن يساعد ذلك في فقدان ثقتهم بأنفسهم وشعورهم بالإحباط الذي يمكن أن يرافقهم في كل مراحلهم العُمُرية القادمة.

10- اللجوء إلى أسلوب الثواب قبل أسلوب العقاب:
الثواب هو الأسلوب التربوي الأجدى والأنفع مع الأولاد. لكن ذلك لا يمنع من أهمية اللجوء إلى العقاب مع الأولاد الذيـن لا ينتـفعون بالثـواب ولا يحـيـدون عـن خطئهم به؛ لكـن يجب أن يكون العقاب متدرجاً وملائماً للسلوك الخاطئ؛ كأن نحـرم الطـفل أولاً من اللعب باللعبة التي يفضلها، أو حرمانه من مشاهدة التلفاز؛ ولكن لفترات معقولة ومقبولة؛ فإن لم يُجدِ معه هذا العقاب ننتقل إلى عقـاب أقسـى نوعـاً ما. وآخـر ما نلجأ إليه الضرب؛ على ألاّ يكـون الضـرب مبـرحـاً ولا متكرراً ولا يطال الجزء العلوي من الجسد. ويجب عدم ضرب الأولاد أثناء انفعالنا حتى لا يتحول الضرب إلى ضرب وحشي غير محسوس به من قبلنا. ومن الأجدر بالآباء أن يمتنعوا عن الضرب بتاتاً وأن يلجؤوا إلى وسائل وأساليب أكثر نفعاً.

ويجب أن يكون الثواب والعقاب بالتساوي بين كل الأولاد. لا أن يحاسب الكبير أكثر من الصغير؛ فقط لأنه أكبر سناً! ولا أن تعاقب البنت لأخطاء ترتكبها لا يُعاقَب على مثلها أخوها؛ فقط كونه ذكراً وهي أنثى.

11- ألا يسخّـر الوالدان الوسائل التربوية لإيجاد نسخة ثانية عنهما من الأولاد:
هذا السلوك نابع عن أنانية وغرور عظيم؛ حيث يظن الأبوان نفسيهما الأفضل في هذا العالم؛ فيكَرِّسان وقتهما لتربية أولادهما على صورتيهما.

وما هذا إلا مهمة شبه مستحيلة لن تسمح إلا بإضاعة الوقت؛ إذ إن الله عندما خلق الإنسان خلق معه رغبة التحدي والاقتحام وإثبات جدارة الذات، ومنحه فرصة اختيار ما يريد أن يكون.

إذاً؛ على الآباء عدم محاولة استنساخ أنفسهم عبر أولادهم، وعليهم أن يتركوا لعوامل الوراثة أن تقوم بجزء من هذه المهمة، أما هم.. فلا.

ليكـن أولادنـا شخصـيات فـريـدة تضـيف للعـالم الجديد وتثـريـه، ولتخـتار هي نفسها أن تكون ذاتها أو أن تكون آباءها.

12- على الآباء تنمية أداة الحوار مع الأولاد منذ الصغر:
الحوار هو الوسيلة المثلى لتحقيق الغايات وتنمية الثقافة بشكل راقٍ ومهذب.

لا للصراع ولا للشجار، ونعم للحوار الهادئ المتزن المقرون بالموضوعية والصراحة والأدب والاحترام.

فليمتنع الآباء عن اللجوء إلى العقاب مباشرة عند خطأ أولادهم، وليستبدلوا الأمر بحوار ونقاش طويل حول الخطأ الذي ارتكبه صغيرهم، وليتزودوا بالجَلَد والصبر وطول البال أثناء الحوار، وليعيروا انتباهاً لأسئلة أولادهم، وليحاوروهم ليُكسِبوهم هذه المهارة عند الكبر.

ولا يترسخ أهمية الحوار عند الأطفال إلا عند معايشتهم لهذا الأسلوب بشكل واقعي بين أبويهم؛ فالأولاد الذين يرون أن أبويهم يتحاوران بشكل دائم ويعتمدان الحوار لحلّ كافة المشاكل التي تعترض طريقهما؛ يرث هؤلاء الأولاد بدورهم هذه المهارة ـ الحوار ـ ويحملونها معهم في حياتهم؛ متسلحين بوسيلة عظيمة للشورى، وتبادل الأفكار، والتزود بالمعلومات وحلّ المشاكل... إلخ.

13- على الآباء حماية أولادهم دون إفراط:
قد تظهر الحماية الزائدة للطفل من قبل الأم على سبيل المثال؛ خوفاً من أن يصيبه مكروه أو عدوان أو حتى عدوى ما؛ فتـقوم مثـلاً بحـجبه عن البشر ومنعه عنهم؛ فلا مجال لتقبيله من قبل الآخرين، ولا مداعبته وتقديم الحلوى له، أو عدم السماح له باللعب مع الأطفال إلا تحت رقابة شديدة وصارمة.

إن هذا الأسلوب من شأنه إيجاد طفل مدلل عنيد وغير اجتماعي، ولا بد أن يعاني عدم التوازن في المعاملة التي يتلقاها بين المنزل والمدرسة، ومن ثم بين المنزل والحياة بشكل عام عندما يكبر.

كما يصبح مع مرور الزمن اتّكالياً بوجود أمه التي تؤمّن له كل شيء ولا تسمح له بالقيام بأي أمر بذاته.

14- على الآباء الاستفادة من خبرات الآخرين في تربية أولادهم:
وفي هذا المجال نورد الآيات القرآنية التالية:

{وَإذْ قَالَ لُقْمَانُ لابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ * وَوَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إلَيَّ الْـمَصِيرُ * وَإن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إلَيَّ ثُمَّ إلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * يَا بُنَيَّ إنَّهَا إن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ * يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْـمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْـمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ * وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إنَّ أَنكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْـحَمِيرِ}[لقمان: 13 - 19].

إنها آيات كريمات تضع منهجاً لتربية النشء؛ ما أجدرنا بتطبيقها على الأولاد بالأساليب النبوية والتربية والتعليم!

وبعد؛ إذا كان الأولاد هم بناة المجتمع ومطوروه؛ فإن الآباء هم الأدوات الفعالة لتربية هؤلاء الأولاد ليقوموا بدورهم المرجوّ منهم على أحسن وجه.

فساهم في تربية أولادك التربية المثلى الملائمة لإنشاء مجتمع راقٍ كالذي تحلم وتطمح للعيش في أرجائه، وابدأ بهذه التربية القويمة منذ الصغر؛ فالتربية في الصغر كالنقش على الحجر.
( مجلة البيان العدد 236 ) عبير العقاد

Post: #244
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 03:44 PM
Parent: #243

دور المسجد في حياة الشباب
كان المسجد أول مؤسسة أنشأها النبى (صلى الله عليه وسلم) بعد الهجرة؛ لتكون هذه رسالة إلى عموم المسلمين حول محورية دور المسجد فى حياتهم، وكيف أنه ليس مكانًا للصلاة فحسب، بل مركزًا لإدارة كل شئون الناس وتسيير مصالحهم الدنيوية وحل مشكلاتهم اليومية، وفى حياة الشباب بوجه خاص يؤدى المسجد دورًا محوريًا، فهو يربى، ويدعم التواصل الاجتماعى، ويساعد على اصطفاء الأصدقاء، ويشغل وقت الفراغ، ويفرغ الطاقات، وغير ذلك من الأدوار التى غابت اليوم عن مساجدنا بعد أن صارت لأسباب لا مجال لذكرها أماكن للصلاة فقط دون امتداد دورها إلى الإطار المجتمعى العام.

وحول الدور الاجتماعى للمسجد فى حياة الشباب، أعدت نعيمة إبراهيم - خبيرة علم الاجتماع - دراسة أكدت فيها أن المسجد إحدى المؤسسات التربوية ذات الدور المباشر فى التأثير على حياة الفرد المسلم وسلوكياته، ويعد المسجد مصدرًا خصبًا للمعرفة الدينية وغرس القيم، حيث يتم فيه اللقاء المباشر بين الداعى والأفراد فى جو من الود والإخاء، بخلاف وسائل الاتصال الأخرى، وفى المسجد يشعر المسلم بالمساواة الحقيقية، فالكل سواسية بين يدى الله يحسون بقيمة الجماعة وقوتها ووحدتها.

كما أن المسجد ذو تأثير بالغ وشامل فى حياة الشباب، ويمكن أن يقدم لهم ما عجزت عن أن تقدمه لهم الأجهزة والمؤسسات الأخرى كالمنزل والمدرسة ووسائل الإعلام، ويؤكد علماء النفس والاجتماع أن مرحلة المراهقة والشباب هى الفترة التى يكون فيها الدين بالنسبة إلى الشباب هو المخرج والمتنفس الوحيد الذى يحقق الأمان من الضغوط النفسية والمشكلات الانفعالية، وبالرغم من أن المسجد منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحتى اليوم لجميع المسلمين من مختلف الأعمار؛ فإن له دورًا شديد الخصوصية فى حياة الشباب؛ ففى أجوائه الربانية تربى الصحابى الجليل أسامة بن زيد (رضي الله عنه) الذى قاد جيشًا فيه أبو بكر وعمر (رضى الله عنهما) وغيره من شباب المسبلمين وعمره وقتها 17 سنة.

وفى المسجد كان شباب الصحابة يقومون الليل ويتدارسون القرآن ويصلون، وفى النهار يصبحون فرسانًا وجنودًا فى خدمة الدين، وكان المسجد فى الماضى منبرًا لمناقشة بعض المشكلات والقضايا الخاصة بالشباب، وخاصة مشكلات الفراغ، وكيفية اغتنامه بكافة الوسائل المشروعة جدية وترويحًا، فلم ينكر النبى (صلى الله عليه وسلم) على من اتخذوا اللعب المباح داخل المسجد سلوكهم التلقائى.

تقلص.. وضعف
وتؤكد الدكتورة نعيمة فى دراستها عن دور المسجد أن دوره تقلص وضعف وكاد تأثيره أن يكون محصورًا فى مجال العبادات فحسب، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل منها:

- ضعف إمكانيات الدعاة من الناحية الفكرية والإعداد العلمى وتهميش دورهم، وعدم الأخذ برأيهم، وتراجع مكانتهم الاجتماعية، كما كانت عليه من قبل.

- تضاؤل الموارد المالية للمسجد، خاصة المساجد الأهلية التى تعتمد أساسًا على التبرعات.

- عدم فهم بعض الناس لدور المسجد وأهميته الاجتماعية والسياسية والثقافية، والنظر إليه على أنه مكان للعبادة وإقامة الشعائر الدينية فقط.

- قلة الكوادر المؤهلة لإدارة المساجد وتقديم خدمات متنوعة من خلالها، تجسيدًا للدور التنموى للمسجد.

- الغزو الثقافى ومحاولة طمس الهوية الإسلامية من ناحية، والإساءة إلى الشريعة الإسلامية وربط الإسلام بالإرهاب، ونشر العديد من المفاهيم الخاطئة ضد الإسلام ومبادئه من ناحية أخرى.

عودة مبشرة
وتبشرنا د. نعيمة فى بحثها الذى ألقته أمام المؤتمر الأخير للندوة العالمية للشباب الإسلامى بأنه على الرغم من ضعف وتضاؤل الأداء الوظيفى للمسجد فى المجتمع المعاصر مقارنة بدوره فى عهد النبوة، فقد ظهر فى هذه الأيام اتجاه نحو تحقيق رسالة المسجد الأولى بإنشاء المسجد والمدرسة وقاعة المحاضرات والمستشفى فى مبنى واحد حتى يمكن لأفراد المجتمع أن يمارسوا شعائرهم الدينية ويحققوا مصالحهم الدنيوية فى مكان واحد، وإن كان الأمر ما زال فى حاجة إلى تدعيم أعمق وأشد لدور المسجد الوظيفى، وإدخال بعض التعديلات عليه حتى يتمكن من أداء دور إيجابى وفعال يتناسب مع متطلبات المجتمع المعاصر، وحتى يتحقق ذلك ويعود المسجد إلى أداء دوره التربوى لا بد من العمل على تقوية دور المسجد، وتدعيمه فى المجتمع عن طريق: ربط الدين بالعلم، والالتحام بمشكلات المجتمع، وتفعيل دور المسجد فى المجال السياسى والثقافى، والاهتمام بالشباب وقضاياه، وذلك من خلال تزويد المسجد ببعض الملحقات كإنشاء فصول تقوية لطلاب المدارس، ومحو أمية، ورعاية طلاب العلم والمعرفة؛ لمسايرة التقدم العلمى والتكنولوجى السائد فى العالم المعاصر، وتركيز خطبة الجمعة على برامج التوعية والإرشاد، وبناء صالات وأماكن مخصصة بالمسجد للشباب لممارسة هواياتهم، وقضاء أوقات الفراغ فيها، ومن هنا يستطيع المسجد أن يحافظ على توازن الشباب ويصنع للمجتمع رقيه وتقدمه.

وتوضح الدكتورة نعيمة أن للمسجد دورًا فى حماية الشباب من الانحراف والتطرف،وذلك بعقد الندوات واللقاءات بهدف تصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم، ويجب فتح أبواب المساجد للشباب وغيرهم من أفراد المجتمع فى غير أوقات الصلاة، والاستعانة بالدعاة المؤهلين علميًا، ولديهم القدرة على الإقناع والتشاور مع الآخرين.

والتركيز فى خطب الجمعة على الشباب وقضاياه، وتنظيم نشاطات وبرامج متنوعة تتصل بهم وبقضاياهم، خصوصًا خلال الإجازات الصيفية لشغل أوقات الفراغ لديهم تجنبًا لاستغلالهم فى أعمال تضر بهم أيضًا، لا بد من تدعيم روح الأخوة، والتعاون، والمساواة وغيرها بين الشباب وأفراد المجتمع، عقب انتهاء كل صلاة، فهذا يساعد بشكل فعال فى دعم القيم الإسلامية، وتوجيه السلوك الاجتماعى نحو الطريق الصحيح.
خدمة مركز الإعلام العربي

Post: #245
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 03:47 PM
Parent: #244

ها أنت تسعدين ببداية حياتك الزوجية حيث يرفرف الحب فوق عشك الجميل وتتمنين أن تظل تلك اللحظات دائما.

هذه السطور قد تساعدك في ذلك..

ـ الحب هو تلك الحالة التي تصبح فيها سعادة شخص آخر ضرورية لك...فالزوج يحتاج دائما أن يشعر أن زوجته تثق به وبإمكانياته، وبقدرته على القيام بالأعمال المطلوبة منه.وهو يريد أن يشعر بهذا من خلال العمل والمواقف وليس أيضا من خلال الكلام.

وتتجلى هذه الثقة أيضا من خلال اعتقاد الزوجة أن زوجها يبذل جهده مخلصا في سبيل راحتها وسعادتها.

بينما تحتاج الزوجة أن تشعر أن زوجها يقوم برعايتها من خلال إظهار الاهتمام بمشاعرها وأحاسيسها ، وهي تحتاج أن تشعر أن لها مكانة خاصة عند زوجها..تلبية إحدى هاتين الحاجتين المختلفتين عند أحد الزوجين من شأنه أن يلبّي الحاجة الأخرى عند الطرف الأخر.فعندما تثق الزوجة في قدرة زوجها، فإنه يصبح أكثر رغبة في رعايتها وخدمتها.

وكذلك عندما يقوم الزوج برعاية زوجته فإنها تصبح أكثر قدرة على الثقة العميقة به وبإمكانياته.

ـ قوما بالتخطيط مسبقا بشأن مستقبل علاقتكما. حيث يذكر الدكتور "جريج جولدنر" ، مدير مركز الدراسات للعلاقات عن بعد: أن الفرق بين الأزواج الذين ينجحون والذين لا ينجحون يكمن في كلمتين" القواعد الأساسية" فوفقا للدراسات فإن 70% من الأزواج لم يتوقعوا النتائج ، أو يتحدثوا عن الخطط المستقبلية وكيفية التعامل معها، خلال الستة أشهر الأولى من العلاقة الزوجية وهذه نقطة مهمة جدا.

ـ من المهم على الدوام سلوك سبيل احترام الآخرين....دعي شريك حياتك يعلم بشكلٍ واضحٍ تماما أنك تحبّينه وتحترمينه فعلا، فهذا الحب وهذا الاحترام هما الضمان الأكيد لعلاقة سعيدة ومستقرة.

ـ يتمنّى الأزواج على الدوام التخلص من بضعة أشياء ، من جملتها النكد، والكبت الذي يسلبهم حرياتهم، ويقف على رأس كل تلك الأماني ، أمنية التخلص من عصبية الزوجة، التي يرتفع صراخها – خاصة على الأطفال – لأمور تافهة، وخاصة إذا كانت تلك الزوجة قد قالت لزوجها ذات مرة ،يا ليتني كنت تزوجت فلانا واستشعرت السعادة ،لأن الرجل يشعر بعد هذا الكلام بحالة من الانفصال والابتعاد الدائم عن زوجته.

ـ محاولة أحد الزوجين فرض السيطرة على الآخر تضر الحياة الزوجية، خاصة عندما تكون الزوجة صاحبة شخصية استقلالية ، ويؤكد علماء النفس أنه في استطاعة كلا الزوجين أن يجعلا حياتهما الزوجية الممتدة تجربة مشتركة يخوضانها معا، ببذلك كل منهما العطاء والحنان من أجل الشريك الآخر ، دون الدخول في مباريات لإثبات من يتمتع بالشخصية القوية ، ومن هو صاحب الكلمة المسموعة في البيت.

ـ فيما يتعلق بالمشكلات ، يجب التزام الوضوح التام مع النفس ، فعدم التزام الوضوح والشفافية يؤدي إلى تصاعد المشكلات ، مما يؤدي بدوره إلى تدمير العلاقات الحميمة بين الطرفين....إذا شعرتما أن العلاقة لا تسير على ما يرام، فاعلما أنها كذلك، أو عادة ما تكون كذلك، ولا تحاولا إقناع نفسيكما بعدم وجود المشكلات ، هذا يجعلكما أكثر قابلية لمواجهة المشكلات بشجاعة، وعدم المبالغة فيها، أو عدم إعطائها حق قدرها.

ـ هناك فرق بين الصمت المؤقت والمزمن..فالصمت المؤقت يكون في أوقات الخلافات وهذا شيء حميد..ويُفضَّل ألاّ يطول مثل هذا النوع من الصمت ..ولكن يجب المناقشة وتعرية المشكلة تماما حتى يمكن القضاء على جذورها.. وتستأنف الحياة الزوجية الطبيعية .

أما الصمت المستعصي ( المزمن) فيكون بمثابة المسمار الأول في نعش الحياة الزوجية..هنا يكون القلب قد فقد البوصلة ..فيحتار ويسير أحيانا بمسارات خاطئة قد تزيد من حالة البرود العاطفي بين الزوجين، فيصنع حائلا بينهما، ويحوّل الحب إلى نفور ، ويتحول الزواج من سكن ومودة إلى مباراة من مباريات الضربة القاضية..وتكون الصعوبة في إمكانية عودة الحب من جديد بينهما..فقد فقدت العلاقة بينهما صفة الامتنان والمودة..ولا بد من معرفة سبب هذا النفور الذي أدى إلى هذا الصمت الزوجي بينهما ..فلا بد من جلسة ودية وصافية في مكان مريح ووقت مناسب..حتى يتم تذويب ما علق بالنفوس من تراكمات..

ـ يقول خبراء علم الاجتماع إن الزوج والزوجة اللذين يشعران أنهما لا يقضيان وقتا كافيا في صحبة أحدهما الآخر يمكنهما إيجاد وسيلة للاندماج، بالقيام بالأعمال المشتركة لصالح أسرتهما، فإحساس الزوجة أن الزوج يشاركها في بعض الأعباء الأسرية يشعرها أنه يتعاطف معها.

ـ في بداية الزواج أكثر ما يشغل الزوج هو جمال زوجته، ولكن بعد مضيّ مدة قصيرة يركز جُلّ اهتمامه على كلامها.
وإذا أصبح على استعداد للقول أن زوجتي وإن لم تكن جميلة إلا أنها نديمة جيدة وكلامها جميل، فلتعلم الزوجة حينذاك أنها محبوبته ومعشوقته الدائمة

ـ إذا كان ديننا لا يجيز للزوجة أن تطلب من زوجها ما لا طاقة له على توفيره لها. إلا أن من أهم أسباب الود بين الزوجين أن تطلب الزوجة من زوجها بين الحين والآخر شيئا في حدود طاقاته وإمكانياته. لأن مثل هذا الأمر يعدّ أسلوبا فعالا لإيجاد الألفة والمحبة ويؤدي إلى توطيد أواصر الرحمة .

وفضلا عن ذلك فإن شعور الرجل بحاجة المرأة إليه يرضي طموحه ويرى فيه نوعا من الاعتبار لشخصه ولاهتمام المرأة به. فالمرأة الذكية تعرف كيف ومتى تطلب من زوجها بعض حاجاتها أو مالا لنفقاتها الخاصة.

ـ من أهم الأمور التي يتميّز بها الأزواج السعداء أنه عندما تتعقد الأمور بينهما لا يتصلان فورا بالأهل لحل المشكلة ، ذلك أنه في بداية العلاقة الزوجية لا يزال الزوجان متعلقين بحياتهما السابقة في منزل العائلة ويشعران بالحاجة إلى الذهاب للزيارة بكثرة، لكن مع الوقت وتوطّد العلاقة تبدأ هذه الزيارات بالتباعد ، ولكن يجب ألاّ يعرف الأهل بدواخل العلاقة الزوجية إلا إذا استعصت الأمور على الحل، وليس من الضروري أن تعرف الأم بكل ما يجري في منزل ابنها أو ابنتها لأن ذلك يزيد من الضغوط على العلاقة.
مجلة الأسرة العدد 166

Post: #246
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 03:49 PM
Parent: #245

أخلاق ربانية ثمارها صحية
غض البصر

العين هى الدرة الثمينة التى لا تقدر بثمن، وقد سماها الله تعالى الحبيبة والكريمة، كما جاء فى حديث رواه البخارى: أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله عز وجل قال: إذا أخذت كريمتى عبدى - وفى رواية حبيبتى عبدى - فصبر واحتسب لم أرض له ثوابًا دون الجنة».

وخلق العين من أعظم أسرار قدرة الخالق عز وجل ، فهى برغم صغرها بالنسبة إلى كل المخلوقات من حولها، فإنها تتسع لرؤية كل هذا الكون الضخم بما فيه من سماوات وأراضين وبحار وكل المخلوقات.

وحاسة البصر تأتى فى المرتبة الثانية من الأهمية بعد السمع، فيقول تعالى: {إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا} (الإنسان:2).

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هو: هل فى غض البصر عن المحرمات أثر على صحة الإنسان؟

يقول الدكتور محمد السقا عيد - أخصائى جراحة العيون - ثبت علميًا بالأبحاث والدراسات الطبية أن تكرار النظر بشهوة إلى الجنس الآخر، وما يصاحبه من تولد رغبات جامحة لإشباع الغرائز المكبوتة، كل ذلك يفضى بالشخص إلى مشاكل عديدة قد تصل إلى إصابة جهازه التناسلى بأمراض وخيمة مثل: احتقان البروستاتا، أو الضعف الجنسى، وأحيانًا العقم الكلى.

كما أثبتت بعض الدراسات الاجتماعية فى المجتمعات الغربية أن عدم غض البصر يورث الاكتئاب والأمراض النفسية، وأن التفسخ الأخلاقى والتحلل الجنسى فى تلك المجتمعات إنما هو بعض من نتائج عدم وجود دستور دينى أو قيود أدبية أخلاقية، ينظم عمل هذه الحاسة النبيلة، ويرشد استخدامها فى الحياة بما يتوافق مع صحة الإنسان البدنية والنفسية.

فحاسة النظر أقوى الحواس على الإطلاق من ناحية الاستجابة للإثارة الجنسية، ومعنى أن يستخدمها الإنسان بلا وعى ولا نظام فى النظر إلى كل مثير للشهوة، فإن هذا يعنى ببساطة أن صاحبها يبددها دون أن يدرى، ويتبعها فى هذا تبديد توازنه النفسى وبلا طائل يجنيه سوى توهم المتعة بما يرى.

ثمرات غض البصر عن المحرمات

ولغض البصر ثمرات كثيرة منها:

- أنه امتثال لأمر الله وأمر رسوله (صلى الله عليه وسلم).

- أنه يورث القلب أنسًا بالله.

- أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم إلى القلب.

- أنه يقوّى القلب ويفرحه.

- أنه يكسب القلب نورًا.

- أنه يورث القلب ثباتًا وشجاعة وقوة.

- أنه يورث القلب فراسة صادقة.

- أنه يسد على الشيطان مدخله إلى القلب.

- أنه يفرغ القلب للفكر فى مصالحه والاشتغال بها.

- أنه يقوى العقل وينميه.

- أنه يخلص القلب من آلام الحسرة.

- أنه يرضى الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم).

- أنه يخلص القلب من سكر الشهوة ورقدة الغفلة.

- أنه يسد على العبد بابًا من أبواب جهنم.

- أنه يفتح للعبد طريق العلم.

- أنه يورث محبة الله.

- أنه يورث الحكمة.

الغضب

يتعرض الإنسان فى حياته لعديد من المشكلات والصعوبات، فليست أمور الحياة كلها سهلة، فالإنسان فى معاناة فى حياته الدنيا يقول الله (عز وجل): {لقد خلقنا الإنسان فى كبد}، أى شدة ومعاناة وشقاء، كل هذه الصعوبات غالبًا ما تجعل الإنسان فى انفعال دائم وتوتر وغضب، وقد يؤدى هذا كله إلى اضطراب فى صحة الإنسان النفسية والبدنية، ويذكر الدكتور أحمد شوقى إبراهيم من هذه الاضطرابات:

- زيادة فى إفراز هرمونات التحفز من الغدة الكظرية (فوق الكلية).

- ارتفاع ضغط الدم أثناء فترات التوتر النفسى والانفعال النفسى.

- اصفرار بالوجه، وعسر بالهضم بسبب قلة توارد الدم إلى الجلد والأمعاء.

- هبوط إفراز الأنسولين، وزيادة إفراز الجلوكاجون الذى يدفع السكر بالدم، وبتكرار الانفعال قد يحدث مرض السكر فى نهاية الأمر.

- حدوث اضطرابات فى الغدة النخامية، وفى منطقة تحت المهاد البصرى؛ الأمر الذى يؤثر على الغدد الصماء الأخرى بالجسم تأثيرًا سلبيًا.

كل هذه الاضطرابات بالجسم، تسبب غالبًا ما يسمى بالأمراض النفسية العضوية، والتى منها مرض السكر، ارتفاع ضغط الدم، النوبات القلبية، قرحة الاثنى عشر، القولون العصبى.

ولم تكن الأثار النفسية والبدنية السيئة للغضب والانفعال معروفة للعلماء من قبل، ولكن العلم كشف لنا فى العصر الحالى بعضها، ومن هنا يبدو المغزى العلمى والحكم البالغة فى حديث النبى (صلى الله عليه وسلم) حينما أتاه رجل يقول له: يا رسول الله أوصني ؟ فقال له: «لا تغضب»، كلمة واحدة علمه إياها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعيش بها، تعتبر منهجًا صحيًا لو عاش به لتجنب الكثير من المتاعب الصحية - بدنية ونفسية - التى قد تحدث له فى حياته اليومية.

ونهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الغضب ليس نهيًا قطعيًا، ولكنه نهى عن التمادى والإمعان فيه.
اسلام ويب

Post: #247
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:13 PM
Parent: #246

يتعرض الأطفال مع فصول السنة المختلفة، وتقلبات الجو إلى العديد من المشاكل الصحية، وتزيد مقاومة الطفل لهذه الأمراض، وتقل حسب قوة جهاز المناعة لدى الطفل أو ضعفه، وعلى هذا فإنه يقع على كاهل الأمهات عبء كبير فى مواجهة الميكروبات أو الفيروسات التى يتعرض لها أطفالنا، ومحاولة الوقوف بالطفل على شاطيء السلامة حين تُعنى بالتغذية السليمة التى من شأنها تقوية جهاز المناعة لدى الطفل مثل: الخضروات، والفاكهة الطازجة، والتى تحوى على نسبة عالية من الفيتامينات والأملاح، وعن أمراض الربيع وكيفية وقاية الطفل منها يقول الدكتور محمود عباس عيسى - أخصائى الأطفال، ومدير المركز الطبى بحلوان:

إن أمراض الربيع تنشأ فى الأصل من تطاير حبوب اللقاح، وتعلقها مع شوائب أخرى فى الطبقات الجوية العربية من سطح الأرض، فيتأثر بها الإنسان بجميع أجهزته، مسببة بعض الأمراض العارضة، والتى تزول مع تعاطى الأدوية، ويكون الأطفال فى هذه السن المبكرة أكثر عرضة لهذه الأمراض، والتى قد تسبب حساسية لبعض الأجهزة لديهم، ومن هذه الأمراض:

أمراض العيون
العين من أكثر الأعضاء حساسية فى جسم الإنسان، ونحرص أشد الحرص لدى تعاملنا معها، فهى النافدة للعالم الخارجى، ونعمة من الله يجب المحافظة عليها والاهتمام بها.

ومن طرق الوقاية، والتى نناشد بها جميع الأمهات لنحفظ للطفل صحته دائمًا هى النظافة، وخاصة غسل الوجه بالماء، والصابون عدة مرات فى اليوم.

أما طرق العلاج:
فغالبًا ما يصيب العين من احمرار عارض لا تصحبه أى أعراض أخرى، ويمكن أن تعالجه الأم بكمادات من الماء البارد، ثم استخدام بعض القطرات من الأنواع البسيطة، والتى تحوى محلولاً فسيولوجيًا منظمًا مثل البروزولين.

أما الأنواع المرضية الأخرى المعقدة، والتى تكثر مع تكاثر الذباب فى هذا الفصل أمثال: الرمد الصديدى، والتراكوما، فإن على الأم أن تلجأ إلى الطبيب ليحدد لها العلاج المناسب مع مراعاة اتباع تعليمات النظافة الشخصية للطفل، وللمكان الذى يعيش فيه، وحرصها على غسل وجهه بالماء والصابون - كما ذكرنا من قبل - وحرصها أيضًا على عدم تعرضه للهواء المثار، والمحمل بالأتربة، والشوائب العالقة، والتى قد تضر عينيه.

وتعتبر كمادات الشاى الدافئ غسولا جيدا للعين، ولكن يجب أن ننتبه أن يكون الشاى خفيفًا، وبدون سكر، ونستخدمه بقطنه على عينى الطفل خارجيًا.

ونؤكد على أهمية الغذاء المليء بالفيتامينات، والمعادن مثل: الفاكهة والخضروات مثل: الجزر، والمشمش، والذى يفيد كثيرًا فى الحفاظ على العين، وكذلك الفلفل الأخضر، وكثير من الزيوت والمركبات الدهنية التى تفيد فى إعطاء الصحة، والحيوية للبشرة والشعر والعين أيضًا.

أمراض الجهاز التنفسي
أما ما يتصل بما يتعرض له الجهاز التنفسى من أمراض، فمنه ما يتصل بالأمراض العارضة مثل: نزلات البرد، والكحة، وهى سرعان ما تزول عندما يتم تشخيص الحالة من الطبيب المعالج، وهو عادة ما يصف مضادًا حيويًا مناسبًا مع مذيبات وطاردات البلغم.

أما الأنواع الأخرى المرضية، والتى تتكرر عند الطفل كثيرًا بسبب تغير فى الجو أو غيره، فهو ما يعرف عنه بالحساسية فى الجهاز التنفسى، ولكل حالة تشخيصها حسب ما يرى الطبيب أيضًا، وما يوافق عمر الطفل، ووزنه، ودرجة الحالة الصحية التى عليها الطفل.

غذاء .. وتدفئة
وبالنسبة للوقاية من أمراض الجهاز التنفسى ، فهناك ما يقع على كاهل الدولة، وهو محاولة خفض نسب الترسبات، والأبخرة، والأتربة التى تنشرها المصانع فى الجو، ويعانى منها كل مخلوقات الله فى الأرض إنسانًا، وحيوانًا، ونباتًا.

والتى كانت سببًا فى حدوث كثير من المشاكل الصحية، والتى تصل فى معظمها إلى حد الأزمات الحادة، وضيق التنفس، ويصعب حلها مباشرة، بل تأخذ وقتًا طويلاً فى معالجتها، وإذا وصل الأمر إلى حد أن أصبح ذلك المرض الذى يتعرض له الجهاز التنفسى يتكرر كثيرًا، وفى وقت قصير، من نوباتٍ شديدة فى الكحة مثلاً، وزيادة الإفرازات، وخاصة عندما يتعرض الطفل لتيارات من الهواء البارد، أو تعرض لرياح محملة بالأتربة والشوائب العالقة، فإنه يصح أن نصف هذا الطفل بأن لديه حساسية صدرية، وفى هذه الحالة يجب على الأم أن تعهد هذا الطفل بالعناية والرعاية الخاصة جدًا، وأن يكون تحت رعاية طبيب متخصص فى أمراض الصدر والحساسية باستمرار، وفى أى وقت يكون الطفل بحاجة إلى التدخل الطبى السريع.

طرق الوقاية :
أما عن طريق الوقاية التى يمكن للأم أن توفرها لأطفالها لتقيهم بقدر الإمكان من أمراض الصدر فى هذا الفصل، فيمكن تلخيصها فى الآتى:

أن فى هذا الوقت من السنة تتفاوت درجات الحرارة تفاوتًا كبيرًا فيما بين النهار والليل، فقد يكون الجو حارًا نهارًا، ثم يكون شديد البرودة ليلاً، فعلى الأم ألا تخفف ملابس الطفل كثيرًا نهارًا، وتراعى تدفئة صدره جيدًا بقدر الاستطاعة، وأن لا تعرضه مباشرة لتيارات الهواء البارد.

وأن تكثر الأم من إعطاء طفلها السوائل الدافئة، وخاصة الأعشاب الطبيعية والموجودة بشكل صحى ومعقم فى الصيدليات أمثال: التليو، واليانسون، وورق الجوافة، فإن هذه الأعشاب تساعد على إذابة الإفرازات، وبالتالى يسهل على الطفل إخراجها.

ومن الأشياء المهمة، والتى نراعى التنويه عنها إعطاء الطفل الذى يعانى من وجود البلغم، والإفرازات فى صدره، جرعات من الماء الدافيء، فهو فعال فى طرد البلغم وإذابته.

ولا ننس فى هذا المقام ذكر عسل النحل الطبيعى، والذى له فعالية كبيرة فى تقوية جهاز المناعة، وبالتالى قدرة أكبر لدى الطفل لمقاومة الكثير من الأمراض.

وتعد التغذية السليمة من أسباب تمام شفاء طفلك فى أقل وقت ممكن، وذلك بتقديم الغذاء المفيد، والذى يحتوى على فيتامينات وأملاح ليتماثل سريعًا للشفاء.

أما بالنسبة لنوبات الكحة، أو نزلات البرد، فالحرص على تقديم فيتامين (C) أو (ج) بصورة جاهزة للأكل مباشرة مفيد جدًا مثل: البرتقال، أو عصير البرتقال مع الجزر، أو عصير الليمون مع السوائل الدافئة بكثرة.

ومن العادات الغذائية الخاطئة والمنتشرة بين كثير من الأمهات هو ما يحدث من منع الطفل من أن يأكل - أيًا من السمك، أو اللبن، أو البيض، أو حتى الزبادى - إذا كان يعانى هذا الطفل من بردٍ أو كحة، وفى هذا يؤكد لنا الطبيب أن مثل هذه المأكولات تزيد من مناعة الجسم، وتغذيته، فى هذه الفترة بالذات، ولا يصح أن نمنع أى نوع من الغذاء عن الطفل حتى إذا كان يعانى من بردٍ أو كحة، إلا فى حالة واحدة، وهى وجود حساسية أصلاً لدى الطفل من أى نوع من هذه الأغذية، وبالتالى نقدمها بحرص أو نعوضها بأنواع أخرى أقل تأثيرًا عليه.

وعلينا تنبيه كل أم أن طرق العدوى لكل أمراض الجهاز التنفسى هى عن طريق التنفس، والتواجد بالطفل فى أماكن مزدحمة غير جيدة التهوية، والموجودة فيها ميكروب المرض - كأن تذهب الأم بالطفل المريض إلى الحضانة التى تأوى الكثير من الأطفال، وغالبًا ما تنقل العدوى بهذه الطريقة.

فالواجب إبعاد الطفل عن قرنائه، وتواجده فى مكان جيد التهوية حتى تقل نسبة العدوى بين الأطفال.

يجب أن نشير إلى أن هناك من الأنواع المرضية الأخرى التى تصيب الأطفال فى بداية فصل الربيع، وتوفر لها الحكومة الأمصال الواقية لها، ومنها: الحصبة، والتهاب الغدة النكافية، ومنها الإنفلونزا أيضًا، وهذا المصل الأخير يتغير كل عام يتغير نوع الميكروب الذى يعمل ضده.
خدمة مركز الإعلام العربي--

Post: #248
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:21 PM
Parent: #247

علمّي طفلك: السماء لا تمطر نقوداً
لا شك أنك عانيت بدرجة أو أخرى من عدم فهم صغيرك للنقود ، فهو ينفق منها ويطلب منها متى شاء وكأن السماء تمطرها ، بل كأن لدى والده أو والدته " ماكينة" تخرج لهما منها ما يشاءان ..

تربية الطفل على التعامل الواعي مع النقود مسألة في غاية الأهمية ليس فقط للطفل نفسه بل لأسرته ومجتمعة وأمته، فالطفل الذي يكبر وهو لا يعرف معنى النقود وأهميتها طفل مسرف وسيصبح شابا مسرفا كذلك ، وهو يشكل أثناء طفولته عبئا على أسرته وفي شبابه عبئاً على نفسه، ويمتد أثره السلبي إلي غيره من الأطفال ممن يحتك بهم إذ سيسعى بعضهم إلى تقليد ذلك الطفل ومجاراته مما يسبب ضائقات مالية لعائلات كثيرة بعضها تنجح في تلبية مطالب طفلها المسرف وبعضها تفشل في ذلك فينقسم أطفال المجتمع إلى قسمين : مسرفون مبذرون مغرورون ، ومحرومون يعانون الغيرة – وربما الحقد – من نظرائهم المسرفين.

إذا كان غياب فهم الطفل للنقود وتعامله الصحيح معها يمتد أثره السلبي إلي أكثر من طرف إلا أن السبب الأول في ذلك لا يعود إلي الطفل نفسه بل إلي الآباء والأمهات ، فالنقود فكرة تجريدية لا يفهمها الطفل ولا يعرف معناها، وهي عنده ليست أكثر من وسيلة لتلبية طلباته ، لكنه يجهل كيف تأتي ، وكيف ننفقها ، والعلاقة بين السلع والنقود وغيرها .. كل ذلك لا يفهمه الطفل ، فإذا كبر الطفل على هذا الفهم أصبح شابا مسرفا قد يصعب تعديل سلوكه الإسرافي حتى بعد أن يعي ويدرك حقيقة النقود ومعناها.

وما يزيد الطين بلة أن ينشأ الطفل في أسرة مسرفة لا تقيم للنقود وزنا ناهيك عن أن تعلّم صغيرها قيمتها ، واشتراء رضاه وحبه بالنقود وتبرهن على حنانها وعطفها عليه بالنقود أيضا.

الحل بيدك
تربية الطفل على التعامل الواعي مع النقود مسألة طويلة الأمد – كغيرها من الصفات الجيدة التي نرغب في غرسها في أطفالنا – تحتاج إلي أساليب متعددة وصبر طويل.. والقدوة تأتي في مقدمة هذه الوسائل ، فلو كان الطفل يرى والديه يبعثران النقود يمنة ويسرة ولا يقيمان لها وزنا فإن أي حديث لهما عن أهمية النقود لن يجد منه آذانا صاغية، ولا يكفي اقتصاد الوالدين ليصبح ابنهما كذلك ، بل يجب أن يشرحا له لماذا اشتريا هذه السلعة وليست تلك ، وكيف يمكن المفاضلة بين

السلع ، ومتى نشتري ، ومتى لا نشتري، أي أن يقف الطفل على أن قرار الشراء ليس اعتباطيا بل تسبقه خطوات أخرى في المفاضلة ، أي أننا لا نلقي أموالنا جزافا في عملية الشراء.

أما إذا كان الطفل صغير السن ولا يعرف كل هذا فنقطة البداية أن نفهمه من أين تأتى النقود وكيف نحصل عليها، وأنها لا تأتي بالسهولة التي يرانا نحصل عليها من خلال" ماكينة" الصراف.

التعامل العاقل مع النقود
ومن أفضل أساليب توعية الطفل اقتصاديا وتربيته على التعامل العاقل مع النقود وأن نجعله يخوض التجربة بنفسه بأن نخصص له مصروفا ونجعله صاحب القرار في إنفاقه وحتما سيتخذ بعض القرارات الخاطئة ويشتري أشياء غير ضرورية ثم يكتشف حاجته إلي أشياء أكثر أهمية فيعرف أنه كان من الأفضل ألا يشتري ما اشتراه .

المهم في الأمر ألا نعوضه عن قراراته الخاطئة في الشراء حتى يعرف أن النقود مهمة وبالتالي يجب علينا أن نشتري بها الأشياء التي نحتاجها فقط.

ولا بد أن يدرك الوالدان أن طفلهما لن يتخلى بين عشية وضحاها عن عفوية حب الامتلاك أو أن تصبح قرارات الشراء لديه مثل قراراتهما فذلك ضد طبيعة الأشياء وقفز على النتائج إذ الأمر يحتاج إلى استمرارية ، وصبر ، ومنح ، ومنع ، وقبول، ورفض أي تركيبة متعددة من الأساليب التربوية . فلا يكفي مثلا أن يسوغ الوالدان رفض بعض مطالب الابن بعدم القدرة المالية فقط فقد تكون بعض طلباته ضارة أو غير مفيدة أو مجرد استجابة لإعلانات التلفاز التي يجب أن يملك الوالدان أسلوبا للتعامل معها وتوعية طفلهما بحقيقتها.

عندما يكبر الطفل قليلا فلا ضير من إشراكه في مناقشة ميزانية الأسرة والاحتياجات المهمة لكل أفرادها وكيفية المواءمة بين هذه الاحتياجات والإمكانات المتوفرة ، فذلك أدعى أن ينمي لدية ملكة التخطيط والترشيد في الإنفاق.
مجلة الأسرة : العدد 167

Post: #249
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:29 PM
Parent: #248

لايملك المرء منا عندما يقرأ في حال السلف مع أبناءهم , الا أن يتملكه العجب , وترتسمه الدهشة , وتحتويه الفرحة... في شمولية التربية التي ساهموا في إعدادها لأبنائهم ,وهى بحق السبب الحقيقي الذى أنتج شخصيات عظيمة , وأجيالاً حكيمة ...لازالت مضرباً للأمثال , ومحطاً للآمال .

فالبداية كانت في تعلم الإيمان ، فعن جندب قال : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن فتيان حزاورة( الغلام اذا قارب البلوغ) فتعلمنا الإيمان قبل أن نتعلم القرآن , ثم تعلمنا القرآن فازددنا به إيمانا. (شعب الإيمان ج1/ص76)

فما هي أبواب الأيمان التي كانوا يعلمونها أبناءهم قبل القرآن، فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وستون أو سبعون باباً, أدناها إماطة الأذى عن الطريق, وأرفعها قول لا إله الا الله , والحياء شعبة من الإيمان " رواه البخاري

(1) تربيتهم على مراقبة الله :

فهذا الحديث العظيم والتوجيه التربوي من الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد الأطفال : ياغلام إنى أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك, احفظ الله تجده تجاهك , إذا سألت فاسأل الله, واذا استعنت فاستعن بالله , واعلم ن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك , ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك, جفت الأقلام , ورفعت الصحف . رواه الترمذي

* الإمام السلمي لما أراد الحج قال : استأذنت أمى في الحج , فقالت لى : توجهت إلى بيت الله فلا يكتبن عليك حافظاك شيئاً تستحي منه غدا . (سير أعلام النبلاء للذهبي 17/249)

والمراد بحفظ الله: قال ابن رجب : هو الوقوف عند أوامره بالامتثال ,وعند نواهيه بالاجتناب, وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه الى ما نهى عنه (جامع العلوم والحكم 1/492)

فما أجدرنا ونحن نعلن حالة الطوارئ في منازلنا عند الامتحانات المدرسية أن نعيد ونكرر على مسامع أبناءنا هذا الحديث الشريف.

(2) مجانبة أهل الكفر والانحراف :

* حكي محمد بن عمار قال : قدمت بغداد سنة 215هـ وقد مات المريسى بها ( والمريسى من رؤوس أهل المبتدعة آنذاك) وبقى في داره ثلاثة أيام لايجسر أحد أن يدنو منه حتى ذهبوا إلى السلطان فقالوا : يجيف فيؤذينا ؟!!!فبعث بالشرط و رأيت الصبيان يرمون المريسى بالحجارة ويقع على السرير!!

*ابن عيـاض رجل صالح حكم شرق الأندلس عندما حضرته الوفاة قالوا له : إلى من تسند أمرنا وكان له ولد , فأشاروا به عليه ؟ فقال : لا يصلح !! لأني سمعت أنه يشرب الخمر, ويغفل عن الصلاة ؟؟ (المعجب في تلخيص أخبار المغرب عبد الواحد المراكشي 279)

كما تربى الأجيال على محبة أهل الأيمان :

* فقد قال انس بن مالك : كانوا يعلمون أولادهم محبة الشيخين كما يعلمونهم السورة من القران .(السنة للخلال)

*قال صالح بن الأمام احمد بن حنبل: كان أبى يبعث خلفي اذا جاءه رجل زاهد أو متقشف لأنظر اليه يحب أن أكون مثله, (سير إعلام النبلاء للذهبي 12/ 529)

(3) تعظيم حرمات الله ونواهيه

* عن ابن عمر قال ان النبي صلى الله عليه وسلم قال " لا تمنعوا إماء الله ان يصلين في المسجد" فقال ابنه : والله لنمنعهن!فقال: فغضب غضباً شديداً وقال :أحدثك عن رسول الله وتقول إنا لنمنعهنّ .(رواه ابن ماجه )

*عن عبد الله بن مغفل انه كان جالسا إلى جنب ابن أخ له فخذف فنهاه وقال : ان رسول الله نهى عنه!" وقال إنها لا تصيد صيداً ولا تنكي عدواً وإنها تكسر السن وتفقأ العين" قال: فعاد ابن أخيه يخذف , فقال : أحدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها ثم عدت تخذف لا أكلمك أبدا (رواه ابن ماجه )

(4) تحفيظهم كتاب الله

أول ما يجب أن يعنى به الوالدان هو الحرص على أن يحفظ الأبناء كتاب الله منذ صغرهم فيشبوا وقد علقت قلوبهم بحب الله , وتعظيم كتابه , وتدبر آياته... فيأتمرون بأوامره وينتهون بنواهيه , فان كانت من مكارم الأخلاق أطّلع عليها و أقتدي بها, وان كانت عبرا وعظات, اعتبر بها وقرعت فؤاده.

وكان السلف الصالح أول ما يسألون عنه حفظ كتاب الله, وهذه قصة عمر بن أبى سلمة أصح دليل على سرعة حفظ الطفل والحث على المسارعة في تحفيظ الأبناء:

قال عمر بن سلمة كنا بماء ممر الناس , وكان يمر بنا الركبان فنسألهم عن النبي ؟ فيقولون يزعم أن الله أرسله أوحى إليه بكذا فكنت أحفظ ذلك الكلام وكأنما يقر في صدري فلما أسلم قومه وأمرهم النبي بالصلاة قال : فنظروا فلم يكن أحد أكثر قرآنا منى! لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم و أنا ابن ست أو سبع سنين ؟؟ رواه البخارى.

*ومما يدل على إن هذا دأب الصحابة قول ابن عباس : جمعت المحكم في عهد رسول الله ؟؟ فقلت له : ما المحكم؟ قال : المفصل! (أى من الحجرات إلى آخر القرآن) وقال أيضاً : سلوني عن التفسير فإنى حفظت القرآن وأنا صغير

*وعن ابن عباس قال : من قرأ القرآن قبل أن يحتلم فهو ممن أوتى الحكم صبيا (الآداب الشرعية لابن مفلح1/244)

*ومما يستطرف في هذا الشأن حكاية الفرزدق حيث دخل مع أبيه على على بن ابى طالب رضي الله عنه وقال له :

إن ابني يوشك أن يكون شاعراً فقال له : أقرئه القرآن فهو خير له! فقال : ما زالت كلمته في نفسي حتى قيّد نفسه بقيد وآلي أن لايفكه حتى يحفظ القرآن فما فكه حتى حفظه (خزانه الأدب 1/222)

(5) تأديبه على ترديد الأدعية :

حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الأدعية سواء أذكار الصباح والمساء أو المتفرقة , وجاء عنه الحرص الشديد في بعضها حتى قال في حقها الصحابة كان يعلمنا هذا الدعاء كما كان يعلمنا السورة من القرآن كما جاء عن ابن عباس:" أعوذ بك من عذاب جهنم , وأعوذ بك من عذاب القبر , ..." (الأدب المفرد للبخاري)

• دعاء الاستخارة: عن جابر قال كان النبي يعلمنا الاستخارة في الأمور كالسورة من القرآن .. (الأدب المفرد للبخاري)

• ترديد الأذكار وتعليمها لأبنائهم : كان عبد الله بن الزبير اذا سمع الرعد ترك الحديث وقال " سبحان الذى سبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته..."

(6) الصبر على الطاعات :

* كان مسروق لا يخالف ابنته في شيء قال: فنزلت إليه فقالت : يا أبتاه أفطر واشرب ! قال : ما أردت بى يابنيه ؟ قالت: الرفق! قال بابنيه :إنما طلبت الرفق لنفسي في يوم كان مقداره 50 ألف سنة ( سير أعلام النبلاء للذهبي 4/ 689
اسلام ويب

Post: #250
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:31 PM
Parent: #249

كثرت الأمراض وتعددت أشكالها، ولم يعد يُعرف سبب واضح لمثل هذه الأمراض التى أصابت الكبار، ولم ترحم الصغار، وعملاً بمبدأ الوقاية خير من العلاج ينبغى تجنب بعض العادات الغذائية غير السليمة، التى قد تكون سببًا فى انتشار الأمراض من خلال هذه النصائح التى تقدمها الأستاذة إيمان الروينى - الباحثة المساعدة بالمركز القومى المصري للبحوث :

- عدم شراء الخبز الذى يباع على أرصفة الشوارع ، مما يحمل من ذرات غبار وأتربة، وبما يعلق بها من بكتيريا وميكروبات ضارة.

- عدم شراء اللحوم المعلقة فى محلات الجزارة معرضة لعوادم السيارات والأتربة، ويتراكم عليها الذباب بما يحمل من بكتيريا وميكروبات، والتى تفرز موادها السامة قبل أن تموت بفعل حرارة الطهى، والأصل فى بيع اللحوم أنها تأتى من السلخانة لتحفظ فى فترينات مبرِّدة.

- عدم شراء لحوم من حيوانات ذبحت خارج السلخانات، ولم يتم الكشف البيطرى عليها، والتى ربما تكون مريضة بمرض من الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان، فيصاب الإنسان به عند تناول هذه اللحوم.

- عدم شراء الخبز والفاكهة والخضراوات واللحوم فى أكياس بلاستيك من النوع الأسود الردئ ، والمخصص فى الأصل لجمع القمامة، والذى تنفصل منه جزئيات صغيرة غير مرئية تؤكل مع هذه المأكولات، والتى تقول بعض الأبحاث أنها تسبب أمراضًا خطيرة مثل: السرطان.

- تجنب استخدام ورق الجرائد والمجلات فى لف الأطعمة، والتى يكون لها تأثير خطير بما يلتصق فى الطعام منها من حبر الطباعة، والذى يحتوى على نسبة عالية من عنصر الزنك، والذى يعتبر مادة سامة إذا زاد تركيزه فى الدم.

- تجنب استخدام الزيوت النباتية لأكثر من مرة فى قلى وتحمير بعض المأكولات التى تؤكل مقلية أو محمرة مثل: البطاطس، أو الطعمية، أو الدواجن، أو اللحوم مما يترتب عليه تكون مادة سامة تؤكل مع هذه المأكولات.

- تجنب استخدام علب من الصفيح أو البلاستيك لفترات طويلة فى حفظ المأكولات داخل الثلاجة، يؤدى إلى حدوث صدأ لجدران علب الصفيح، كما يحدث تشقق لجدران علب البلاستيك، وتنفصل منها مواد ضارة تلتصق بالغذاء.

- الإقلال من استخدام الأوانى المصنوعة من الألمنيوم فى الطهى، أو فى تقديم المأكولات بها، والذى ثبت أن تركيزاته العالية فى المأكولات (أى عنصر الألومنيوم) تسبب كثيرًا من المشكلات الصحية.

- عدم شى أو تدخين اللحوم على هيئة قطع كبيرة أو تدخين السمك؛ لأن فى هذه الحالة لا تصل حرارة النار إلى قلبها، فتبقى بعض البكتيريا المرضية أو سمومها، والتى ربما تكون موجودة بالأنسجة ليأكلها الإنسان، ويصاب بما تسببه من أمراض.

- الحد من الاعتماد على المأكولات المحفوظة بالطريقة الكيماوية، والتى تضاف لها مواد حافظة مثل: بنزوات الصوديوم، والتى ثبت ضررها عند استخدام الأكلات المحفوظة بهذه الطريقة بكثرة.

- استخدام الهرمونات النباتية بتركيزات عالية فى تبكير نضج بعض الخضراوات، أو الفواكه، وكذلك استخدام بعض الهرمونات لزيادة أوزان الدواجن، والتى تبقى مخزنة بأنسجتها، تسبب أضرارًا بالغة لصحة الإنسان.

- استخدام المبيدات بكثافة عالية، وخصوصًا على الخضراوات والفواكه المخزنة لحفظها من التلف مثل: درنات البطاطس والتفاح، وغيرها، أو الخضراوات الطازجة مثل: الطماطم والخيار، والفلفل، خصوصًا تلك التى تنتج تحت نظام الزراعات المحمية فى فصل الشتاء، وكل هم منتجيها هو البيع، والمكسب بغض النظر عما يصيب الناس من أضرار فى صحتهم، والخطير فى الأمر أن النباتات تمتص تلك المواد السامة، والتى تصل إلى الثمار، وتخزن فى أنسجتها، فيكون المبيد بذلك داخل أنسجة الثمار، وليس من الخارج فإنه يمكن التخلص منه بالغسيل.

- عدم الغسيل الجيد للخضراوات والفاكهة، وخصوصًا التى تؤكل طازجة لإزالة ما على القشرة من أثر متبقٍ للمبيدات، والتى ربما قد تكون ملتصقة بشدة على أسطح الأوراق.

- عدم غسل الأيدى بعد لمس البيض غير الناضج أو الطيور المذبوحة حديثًا، أو اللحوم والكبدة غير المطهية قبل لمس أى شيء آخر.
مركز الإعلام العربي

Post: #251
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:34 PM
Parent: #250

إن الناظر إلى سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم يجد أن رسول الإنسانية صلى الله عليه وسلم كان يقدر المرأة (الزوجة) ويوليها عناية فائقة...ومحبة لائقة. ولقد ضرب أمثلة رائعة من خلال حياته اليومية .. فتجده أول من يواسيها..يكفكف دموعها ...يقدر مشاعرها...لايهزأ بكلماتها...يسمع شكواها... ويخفف أحزانها ... ولعل الكثير يتفقون معي ان كثيراً من الكتب الأجنبية الحديثة التي تعنى بالحياة الزوجية , تخلو من الأمثلة الحقيقية , ولا تعدو ان تكون شعارات على الورق!! وتعجز أكثر الكتب مبيعاً في هذا الشأن أن تبلغ ما بلغه نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم ، فهاك شيئاً من هذه الدرارى:

• الشرب والأكل في موضع واحد:
لحديث عائشة : كنت أشرب فأناوله النبي صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فيّ, وأتعرق العرق فيضع فاه على موضع فيّ . رواه مسلم

• الاتكاء على الزوجة:
لقول عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكئ في حجري وأنا حائض. رواه مسلم

• التنزه مع الزوجة ليلاً:
كان النبي صلى الله عليه وسلم اذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث . رواه البخارى

• مساعدتها في أعباء المنزل:
سئلت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قالت: كان في مهنة أهله . رواه البخارى

• يهدي لأحبتها:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا ذبح شاة يقول : أرسلوا بـها الى أصدقاء خديجة . رواه مسلم.

• يمتدحها :
لقوله : ان فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام . رواه مسلم • يسرّ اذا اجتمعت بصو يحباتها:قالت عائشة :كانت تأتيني صواحبي فكن ينقمعن (يتغيبن) من رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يُسربـهن إلى(يرسلهن الى ) . رواه مسلم

• يعلن حبها :
قوله صلى الله عليه وسلم عن خديجة "أنى رزقت حُبها ". رواه مسلم • ينظر الى محاسنها: لقوله صلى الله عليه وسلم "لايفرك مؤمن مؤمنة ان كره منها خلقا رضي منها آخر . رواه مسلم

• اذا رأى امرأة يأت أهله ليرد ما في نفسه:
لقوله " اذا أبصر أحدكم امرأة فليأت أهله فان ذلك يرد ما في نفسه" رواه مسلم

• لا ينشر خصوصياتها:
قال صلى الله عليه وسلم: ان من أشر الناس عند الله منزله يوم القيامة الرجل يفضى الى امرأته وتفضي اليه ثم ينشر سرها . رواه مسلم

• التطيب في كل حال :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كأني انظر الى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم . رواه مسلم

• يعرف مشاعرها:
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعائشة : أنى لأعلم اذا كنت عنى راضية واذا كنت عنى غضبى ..أما اذا كنت عنى راضية فانك تقولين لا ورب محمد ., واذا كنت عنى غضبى قلت : لا ورب ابراهيم؟؟ رواه مسلم

• يحتمل صدودها :
عن عمر بن الخطاب قال : صخبت علىّ امرأتي فراجعتني , فأنكرت ان تراجعني! قالت : ولم تنكر ان أراجعك؟ فوا لله ان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه, وان أحداهن لتهجره اليوم حتى الليل. رواه البخارى

• لايضربها:
قالت عائشة رضي الله عنها : ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة له قط" رواه النسائي

• يواسيها عند بكائها:
كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , وكان ذلك يومها, فأبطت في المسير , فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهى تبكى, وتقول حملتني على بعير بطيء, فجعل رسول الله يمسح بيديه عينيها , ويسكتها,.."رواه النسائي

• يرفع اللقمة الى فمها:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انك لن تنفق نفقة الا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها الى في امرأتك" رواه البخارى

• إحضار متطلباتها :
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : أطعم اذا طعمت وأكس اذا اكتسيت" رواه الحاكم وصححه الألباني

• الثقة بها:
نـهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يطرق الرجل أهله ليلاً , ان يخونـهم , أو يلتمس عثراتـهم. رواه مسلم

• المبالغة في حديث المشاعر:
للحديث ان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرخص في شيء من الكذب الا في ثلاث منها:الرجل يحدث امرأته, والمرأة تحدث زوجها. رواه النسائي

• العدل مع نساءه :
من كان له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى , جاء يوم القيامة أحد شقيه مائل" رواه الترمذي وصححه الألباني

• يتفقد الزوجة في كل حين:
عن أنس رضي الله عنه قال " كان صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار. رواه البخارى

• لايهجر زوجته أثناء الحيض:
عن ميمونة رضي الله عنها قالت: يباشر نساءه فوق الإزار وهن حُيّضٌ. رواه البخارى

• يصطحب زوجته في السفر:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا أراد سفراً أقرع بين نسائه, فآيتهن خرج سهمها خرج بـها. متفق عليه

• مسابقته لزوجه:
عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لى : تعالى أسابقك, فسابقته, فسبقته على رجلي " وسابقني بعد ان حملت اللحم وبدنت فسبقني وجعل يضحك وقال هذه بتلك! رواه ابو داود

• تكنيته لها:
عن عائشة قالت يارسول الله صلى الله عليه وسلم كل نسائك لها كنية غيري فكناها "أم عبد الله" رواه احمد •

• يشاركها المناسبات السعيدة :
قالت عائشة - رضي الله عنها " مررت ورسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم من الحبشة يلعبون بالحراب، فوقف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينظر إليهم، ووقفت خلفه فكنت إذا أعييت جلست، . أخرجه البخاري
• لايستخدم الألفاظ الجارحة:
وقال أنس رضي الله عنه خدمت رسول الله عشر سنوات ، فما قال لي لشئ فعلته ، لمَ فعلته .رواه الدارمى

• احترام هواياتها وعدم التقليل من شأنها:
عن عائشة رضي الله عنها -" كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بـهن فيلعبن معي " الأدب المفرد

• إضفاء روح المرح في جو الأسرة:
عن عائشة رضي الله عنها قالت: زارتنا سودة يومًا فجلس رسول الله بيني وبينها , إحدى رجليه في حجري , والأخرى في حجرها , فعملت لها حريرة فقلت : كلى ! فأبت فقلت : لتأكلي , أو لألطخن وجهك, فأبت فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهها , فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله من حجرها لتستقيد منى , فأخذت من القصعة شيئاً فلطخت به وجهي , ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك. رواه النسائي

• لا ينتقصها أثناء المشكلة:
عن عائشة رضي الله عنها تحكى عن حادثة الأفك قالت: إلا أني قد أنكرت من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض لطفه بي ، كنت إذا اشتكيت رحمني ، ولطف بي ، فلم يفعل ذلك بي في شكواي تلك فأنكرت ذلك منه كان إذا دخل علي وعندي أمي تمرضني قال: كيف تيكم ! لا يزيد على ذلك .رواه البخارى ي

• يرقيها في حال مرضها :
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان صلى الله عليه وسلم اذا مرض أحدٌ من أهل بيته نفث عليه بالمعوذات . رواه مسلم

• يمتدح من يحسن لأهله:
قال الرسول صلى الله عليه وسلم :خياركم خيارُكم لنسائهم. رواه الترمذي وصححه الألباني

• يمهلها حتى تتزين له:
عن جابر قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر , فلما رجعنا ذهبنا لندخل, فقال : " أمهلوا حتى ندخل ليلا اى : عشاء" حتى تمتشط الشعثة , وتستحد المغيبة" رواه النسائي.
فوزيه الخليوى عضو الجمعية العلمية السعودية للسنة النبوية

Post: #252
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:44 PM
Parent: #251

مليئة هى الحياة بما يعكر صفوها، ويفسد بهجتها، وكما يقولون: «دوام الحال من المحال».

هكذا الدنيا، فرح وحزن، سعة وضيق، يسر وعسر، وفى لحظات الشدة والضيق يلجأ الإنسان كهلاً كان أم شابًا، صغيرًا كان أم كبيرًا إلى خليله وصاحبه يبث إليه همه، ويستعين به بعد الله على صعاب الحياة ، أو كما يقولون: «يفضفض إليه»،

وقديمًا قال الشاعر العربى:

إن أخاك الصدق من كان معك ومن يضر نفسه لينفعك
ومن إذا ريب الزمان صدعك شتت فيك شمله ليجمعك

فمن هو ذلك الصديق الذى تفضفض إليه؟ وأين ومتى تلجأ إليه؟ ولماذا ائتمنته على سرك دون غيره من الأهل والأصحاب؟

هذه التساؤلات وغيرها تحاول السطور التالية أن تجيب عليها:

أمى تحمل همى

يقول عبد الرحمن محمد - مدرس: أنا متزوج، والمفروض أننى أبوح لزوجتى بكل شيء، لكننى بصراحة لا أفعل ذلك؛ فأنا أفضل الفضفضة مع أمى، ليس لأننى لا أثق بزوجتى، لكن لأننى تعودت أن أحكى ما يضايقنى لأمى لأستفيد من خبرتها وحكمتها، فقد عودتنى أن تعطينى دائمًا حلولاً جذرية وفعالة.

أما فرح محمد - طالبة جامعية - فتؤكد أن كل إنسان فى حاجة إلى أن يحكى عما يضايقه، فذلك يخفف عنه وطأة الضيق والحزن، وتقول: تراكم الهموم يؤدى إلى اضطرابات نفسية وعصبية، أنا شخصيًا ألجأ إلى أختى الكبرى فهى أقرب الناس إلى قلبى، وبذلك أضمن أن تكون مشكلتى فى يد أمينة، ومع أناس موثوق بهم.

وغابت صديقتى

وتكشف علياء حسنى عما تشعر به من أسى قائلة: فى الماضى كنت أفضفض إلى صديقتى، ولكن بعد سفرها لإكمال الدراسات العليا فى الخارج لم يبق هناك من أفضفض إليه وأشركه فى أمرى، فكم تركت صديقتى فراغًا كبيرًا فى حياتى، فأنا أعد الثوان والدقائق أنتظر عودتها.

تعودت الكتمان

بينما يختلف عمرو كامل - مهندس - مع سابقيه قائلاً: لم أتحدث يومًا عن مشكلات مع أحد، لقد تعودت الكتمان، ويعجبنى قول القائل:

إذا المرء أفشى ســره بلسانــه ولام عليه غيره فهـو أحمــق
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذى يستودع السر أضيق

وإذا كان هذا هو رأى عمرو، فإن نهى تصدق عليه، إذ لم تعد تأمن أحدًا على سرها، فقد اعتادت أن تحكى كل أسرارها لصديقتها، ثم صدمتها صديقتها وأباحت بأسرارها، وتصف صمتها قائلة: وقع الخبر عليّ كصفعة قوية على وجهى، فقد اكتشفت مؤخرًا أننى أسأت الاختيار، وأن عليّ أن أبحث من جديد عن قلب مخلص يكتم سرى.

فضفضة فريدة

ويحب محمد أن يفضفض إلى ربه - فيصف لنا هذا النوع من الفضفضة قائلاً: كلما أهمنى أمر أتذكر أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة، وهكذا كلما اشتدت بى الملمات توضأت، وصليت ركعتين، وأناجى ربى، فهو سبحانه القائل: {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء..}، وألهج بأذكار الكرب والشدة، أو أصلى الاستخارة بعدها أشعر براحة شديدة، وهذه الصلة الوثيقة بالله أتمنى لو تتمكن من قلبى، وتملأ وجدانى ونفسى، فتغنينى عن الناس، وتريح قلبى.

ولرب ضائقة يضيق بها الفتى ذرعًا وعند الله منها المخرج

وظيفة اجتماعية

إذا كان هذا هو حال الناس مع الشدائد والهموم، فما هى جدوى هذه الفضفضة؟ وما أثرها على الأفراد والمجتمع؟

يجيبنا د. أحمد المجدوب - مستشار المركز القومى للبحوث الجنائية والاجتماعية - قائلاً: تحتاج النفس البشرية من حين لآخر إلى نوع من التفريغ تنفس فيه عن آلامها وغضبها، وما زالت الفضفضة من مزايا المجتمع الشرقى، عكس ما يبدو فى المجتمعات الغربية التى يتميز أفرادها بالعزلة، والانكفاء على الذات.

فنلحظ فى الغرب أن هذه الفضفضة مكلفة للغاية؛ إذ لا تكون غالبًا إلا مع الطبيب النفسى، فقلما نجد هناك صداقات أو علاقات اجتماعية بين الأفراد، تجعلهم عونًا لبعضهم على الشدائد، بل يطغى الجانب المادى دائمًا على جانب الروح، فلا يسمح أحد للآخر أن يحدثه عن همومه ومشاكله، فلا يجد من يسمعه سوى الطبيب النفسى الذى ارتفع مستواه المادى والاجتماعى كثيرًا فى الغرب.

أما فى الشرق، فما زالت العلاقات الاجتماعية بخير والحمد لله، الأمر الذى يشجع المرء على الاستعانة بمن حوله، وهذه الفضفضة إلى جانب أنها تخفف الضغط النفسى عن المهمومين أو المحزونين، فلها أيضًا وظيفة اجتماعية بالغة الأهلية؛ إذ توثق الروابط بين الناس، وتجعل المرء يشعر أنه مقبول اجتماعيًا، أن هناك من يقف بجانبه، ويحمل معه العبء، بينما يشعر أمين سره أنه موضع ثقة الآخرين واحترامهم.

حافظ السر
وإذا كانت الفضفضة تمثل عملاً إنسانيًا بالغ الأهمية، فمن هو الذى تأمنه على سرك ؟

تجيب د. آمنة نصير - أستاذة العقيدة والفلسفة بجامعة الأزهر - قائلة: يجب علي المرأة أن تختار الصديقة الوفية الصدوقة التى تشركها فى أمرها، وكذلك الرجل لا بد أن يحسن اختيار من يسر إليه؛ إذ لا بد أن يكون هذا الصديق كتومًا أمينًا لا يجعل من أسرار صاحبه مادة للتسلية فى المجالس، والنبى (صلى الله عليه وسلم) نصحنا قائلاً: «إذا حدث أحدكم صاحبه بحديث ثم التفت فهى أمانة».

ولا يكفى أن يكون هذا الصاحب أمينًا فقط، بل لا بد أن يكون ناضجًا مجربًا لأمور الحياة، ولديه خبرة اجتماعية مالية، حتى يوجه صاحبه إلى الحل السليم، ولا يسكب الزيت على النار فيزيد آلام صاحبه بدلاً من أن يخفف عنه.

الجئوا لأهل العلم
وتتفق معها د. ناهد الملا - مدرس الشريعة بكلية دار العلوم - فى الرأى وتضيف: لم تكن هذه الثرثرة أو «الفضفضة» معروفة فى عهد النبى (صلى الله عليه وسلم) وصحابته و التابعين، فقد كان هؤلاء القوم الكرام منشغلون عن الكلام بالعمل، وكان الرضا يملأ قلوبهم فيرون الصعاب والابتلاءات ضئيلة بجوار نعم الله التى لا حصر لها.

وقد ورد أن الصحابيات ذهبن إلى عائشة (رضى الله عنها) يسألنها عن أمور الحياة، وكذلك سألن النبى (صلى الله عليه وسلم)، فيا حبذا لو اقتدينا بهن، واكتفينا باستشارة أهل العلم والورع، بدلاً من إضاعة الأوقات فى مكالمات التليفونات أو الثرثرة هنا وهناك.

ومع ذلك لا تجد د. ناهد حرجًا فى أن يشكو المرء من ظلم وقع عليه لمن بيده أن يساعده على استرداد حقوقه، فتقول: لو وقع الظلم على الإنسان فعليه أن يستعين بكل من يمكنه من أخذ حقه، ودفع الظلم عنه ، والله (عز وجل) يقول: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم}، أما أن يحكى لكل من هب ودب، كما تفعل بعض النساء اليوم، فتصبح مشكلتها حديث العائلة كلها، فهذا أمر مرفوض شرعًا وعقلاً .

فلا تتحدث إلا لمن هو أهل لحمل الأمانة، وقد ورد أن هند بنت عتبة شكت للنبى (صلى الله عليه وسلم) فقالت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح، فأرشدها النبى (صلى الله عليه وسلم) قائلاً: خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف». وهكذا تلجأ المرأة إلى من يحل ويربط دون ضجيح أو صخب ، وكذلك الأمر بالنسبة للرجل.

فضفضة محرمة
وتحذر د. آمنة نصير كل زوج من كشف أسرار علاقتهما الخاصة أمام الناس، فقد نهى النبى (صلى الله عليه وسلم) أن يفضى أحد الزوجين إلى الآخر فى المساء، وفى الصباح يقص ما كان بينهما إلى الناس.

مصالح الآخرين
ويدعو د. المجدوب إلى اختيار المكان المناسب الذى يتحدث فيه المرء عن مشكلاته؛ إذ لا يجوز له أن يضحى بمصالح الآخرين فى سبيل أن يشكو همه لهم، فقد أصبحت ظاهرة الفضفضة وباءًا فى كثير من المصالح الحكومية، ومكاتب الموظفين.

فقد ذكرت إحدى الإحصائيات أن متوسط عمل الموظف المصرى فى اليوم 26 دقيقة فقط، وباقى وقت العمل يقضيه فى الحديث والفضفضة.

الاصطياد فى الماء العكر
وتشاركه د. آمنة الرأى، وتحذر السيدات من كشف أسرار بيوتهن مع زملاء وزميلات العمل، فهذا السلوك فيه إهدار لكرامة المرأة، وكرامة أسرتها، وهو إغراء لكثير من ذوى النفوس الضعيفة التى تسعى للاصطياد فى الماء العكر، وكثيرًا ما قرأنا عن مصائب حدثت من وراء هذا الخطأ الجسيم، فعندما تتحدث المرأة لزميلها الرجل عن مشاكلها قد يتعاطف معها، ثم يحدث ميل قلبى بينهما، وربما استمرت العلاقة وتطورت حتى يقعا فى الإثم لا قدر الله.

كن عاقلاً

إذا كانت هذه ضرورة الفضفضة، فليكن كل منا عاقلاً، ويمسك بزمام لسانه فلا ينطلق بالشكوى إلا لله تعالى ثم لمن يظنه سببًا لانفراج أزمته، وإلا كان حديثه ثرثرة فارغة قد يندم عليها وقت لا ينفع الندم، والمثل العربى يقول: «لسان العاقل وراء قلبه».
دعاء حاتم-اسلام ويب

Post: #253
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:47 PM
Parent: #252

( زيت الزيتون .. التمر هندى )علاجات طبيعية للحموضة
تفرز المعدة طبيعيًا كمية محددة من سائل يتكون من مزيج من المواد الكاوية أهمها: حمض يسمى الهيدروكلوريك، ومجموعة من الأنزيمات ومواد كيميائية أخرى تساعد فى عملية هضم الطعام. ويبقى هذا السائل الحمضى فى المعدة، حيث يمنعه غلاف مخاطى واق من إتلاف بطانتها، ولكن فى بعض الأحيان يتسلل هذا الحمض إلى المريء، وهو الأنبوب الذى يصل الفم بالمعدة، وإذا بقى الحمض طويلاً فى المريء، حيث - لا ينبغى أن يتواجد - فإنه يحدث حرقًا فى بطانته يؤدى إلى شعور بحرقة الجوف وعدم الارتياح لذلك تعرف زيادة حموضة المعدة بحرقة فم المعدة، أو «حرقة الفؤاد»، ويقول البعض بالتعبير الدارج «حرقان الصدر».

ويمكن تجنب الحموضة أو الارتجاع باتباع النصائح التالية:

1 - أخذ الوقت الكافى فى تناول الطعام ومضغه جيدًا، ويفضل تناول 5 وجبات خفيفة وصغيرة ، وموزعة على النهار بطوله، بدلاً من تناول 3 وجبات كبيرة.

2 - فى المساء لا تذهب للفراش مباشرة بعد تناول الطعام، ولكن يجب تناول الطعام قبل ساعتين على الأقل من الخلود إلى الفراش، وليس قبل النوم مباشرة.

3 - تجنب الأطباق الساخنة جدًا، والباردة جدًا، وتلك المشبعة بالتوابل، والدهون، والأغذية المقلية، والأطباق المسبكة.

4 - شرب الماء بعد كل وجبة، فالماء يشطف الحمض من المريء ويخفف من تركيز الحمض داخل المعدة.

5 - الجلوس بعد تناول الطعام، وعدم الاستلقاء على الأريكة بعد الأكل مباشرة، فوضعية النوم الأفقية تجعل الحمض يخرج من المعدة إلى المريء، ويفضل المشى بعد تناول الطعام، حيث يساعد المشى على إبقاء الحمض فى المعدة.

6 - عند النوم محاولة تعلية الرأس فوق الوسادة بضعة سنتيمترات إضافية، أو وضع عدد زائد من الوسائد حتى تعمل الجاذبية على الدفع بالطعام لأسفل، فتقل فرصة ارتجاعه.

7 - عدم الضغط على المعدة، خاصة بعد تناول وجبة كبيرة ، حيث يمكن لأى شيء يضغط معدتك، وهى ممتلئة أن يدفع بالحمض المعدى نحو المريء، فإذا تناولت وجبة كبيرة يجب ألا ترتدى ثيابًا ضيقة، أو تمارس التمارين الرياضية، أو تحمل أوزانًا ثقيلة إلا بعد ساعتين أو ثلاث على الأقل.

8 - مضغ العلكة (اللبان)، فمضغ العلكة من أفضل الطرق لتفادى الحموضة، حيث يعمل على تغليف المريء باللعاب وحمايته من الحمض المعدى ، ولكن ينصح بعدم الإكثار من مضغ العلكة؛ لأنها قد تسبب الغازات والإسهال، وبخاصة العلكة بنكهة النعناع.

9 - التوقف عن التدخين الذى يعيق إفراز اللعاب، ويحث المعدة على إفراز الحمض، كما أنه يرخى العضلة الواقية (الصمام) التى تصل المريء بالمعدة.

10 - التخلص من الضغوط العصبية، وتجنب التوتر ما استطعت.

وفى حالة الشعور بالحموضة يمكن عمل علاج طبيعى، ومن المطبخ، ومن هذه العلاجات:

1 - استخدام زيت الزيتون فى تحضير الأطباق، فهو غذاء سهل الهضم، ولا يغير حموضة المعدة.

2 - يمكن تناول ملعقة صغيرة من زيت الزيتون قبل الأكل.

3 - خلط ملعقتين من زيت الزيتون النقى ومزجه مع بياض بيضة ، وشرب المزيج بسرعة دون تذوق للطعم ؛ لأنه غير مستساغ غالبًا.

4 - يحضر مركَّب من نقيع التمر هندى فى الحليب بنسبة 1 - 4 يسمى «مصل التمر الهندى»، وهو يفيد فى إزالة الحموضة الزائدة فى الجسم.

5 - ينصح بأكل من 5 إلى 10 حبات من اللوز فى اليوم، للتخلص من الحرقة أو حموضة المعدة، حيث يشكل زيت اللوز غشاء رقيقًا يحمى جدار المعدة، كما تشكل البروتينات التى يحتوى عليها اللوز غشاء طبيعيًا يغطى المعدة من إفراز الحمض بكمية كبيرة ويسرِّع عملية الهضم، كما تمكن العلماء من إثبات أهمية اللوز فى معالجة أوجاع المعدة مدعمين ذلك بدراسات معمقة.

6 - تناول كوبين من عصير الكرنب أو عصير البطاطا النيئة يوميًا.

7 - تقشير ثمرة بطاطس، ثم خرطها لأجزاء صغيرة وعصرها بقطعة شاش، ثم إضافة مقدار مساوٍ من الماء لعصير البطاطس الناتج، وشربه على مهل.

8 - غلى 50 جم من «عرق السوس فى لتر من الماء، لمدة 10 دقائق، ثم تركها منقوعة مدة 5 أو 6 ساعات.
تناول 3 أكواب من هذا المغلى فى كل يوم على مدى 3 أسابيع، ويجدد هذا العلاج بعد مرور 10 أيام ، ولكن احذر أن تتناول عرق السوس إن كنت تعانى من ارتفاع فى ضغط الدم.

9 - خلط ورقتين من خس أيسبرج (كابوشى) بالخلاط الكهربائى مع مقدار من الماء المثلج، وشرب هذا العصير الأخضر الكثيف على مهل.

10 - طحن 3 ملاعق صغيرة من بذور الشبت ونقعها فى الماء المغلى لمدة نصف ساعة، ثم يصفى هذا المنقوع، ويضاف إليه العسل للتحلية، ويتم تناوله لوقف الارتجاع والتخلص من الحموضة، فالشبت يتميز بتأثير ملطف للمعدة المضطربة، والتى تميل لإرجاع بعض الطعام، لذا فإن تناول الشبت يساعد على استقرار وتهدئة المعدة، وبالتالى مقاومة الارتجاع والحموضة.

11 - إضافة كمية من الكركم للطعام، فالكركم يزيد من إفراز العصارات الهاضمة، وينشط تفريغ المعدة لمحتوياتها، مما يقلل من فرص الارتجاع والحموضة. وإذا لم يحدث تأثر ملحوظ، فيتم تناول كوب من اللبن الممزوج بمقدار ملعقة من الكركم مع كل وجبة طعام.. أو تناول كبسولات الكركم بمعدل كبسولة كل وجبة طعام.

12 - الإكثار من تناول الأعشاب البحرية، حيث تعمل على تشكيل مادة هلامية تمنع الحمض من النفاذ إلى المريء، يمكن تناول هذه الأعشاب مقطعة فى الحساء والسلطات واليخنات.
وهذه بعض الأغذية المقترحة لتلطيف الحموضة: الحبوب الكاملة - الكرفس - الجزر - التفاح - الحمص - السبانخ - البازلاء - الكرنب.

وإذا كنت معرضًا للحموضة امتنع عن الأغذية التى تقوم بإرخاء الصمام الموجود أسفل المريء، وبالتالى تفسح المجال أمام الحمض ليرتفع باتجاه المريء، وأيضًا تجنب الأغذية التى تحث على إفراز فائض من حمض المعدة، وكذلك الأغذية الغنية بالحوامض،

فهذه قائمة بالأطعمة والمشروبات التى عليك تفاديها:

- المشروبات الغازية.

- الشكولا والكافيين، وأى نوع من الأغذية أو المشروبات المشبعة بهما.

- الفواكه الحمضية.

- القهوة والشاى (مع أو بدون كافيين).

- الأغذية الدهنية.

- الثوم والبصل.

- أى نوع من النعناع (الشاى، والعلكة، والسكاكر، والأقراص المنعشة للنفس بنكهة النعناع).

- الفلفل، والشطة، والأغذية الغنية بالتوابل.

- الطماطم.

- الحليب الكامل الدسم، ومشتقاته الكاملة الدسم.
د. صهباء محمد بندق

Post: #254
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 05:50 PM
Parent: #253

وسائل الإعلام.. وخراب البيوت
(سى السيد) ذلك الرجل الزائغ العينين الذى يغازل جميع النساء، ما عدا زوجته.. ، وتلك الزوجة المستسلمة الصابرة على قدرها فى تربية أبنائها، وحرصها على استقرار أسرتها

وهذه الزوجة الخائنة التى تركت زوجها وابنها، وانساقت وراء عاطفة مجنونة تجاه شاب آخر فى سياق بدت معه هذه الزوجة بمثابة ضحية ظروف اجتماعية قاسية، وزوج ظالم طاغ فحازت تعاطف المشاهدين.

وهذا الزوج التعيس فى حياته الزوجية الذى ينتظر صدرًا حنونًا يعوضه تعاسته ويغدق عليه الحنان والاهتمام المفقود

عشرات الإعلانات والكليبات التى تقتحم البيوت الآمنة بسيل من المثيرات والإيحاءات التى تخدش الحياء، وغرف الدردشة، والـ SMS وغيرها من تقنيات الإعلام والاتصال التى غزت واقعنا، وبعضها يهدد مستقبل بيوتنا؛ فإلى أى مدى تعكس وسائل الإعلام والاتصال الواقع المصرى والعربى، وتعبر عنه، أو تسعى لتنميطه وتعميم سلبياته، وكيف نتغلب على سوءات هذه التقنيات الحديثة ونوظف إيجابياتها فى حماية سياج الأسرة لا تدميرها، هذا هو السؤال الذى يسعى تحقيقنا للإجابة عنه..

ترى الدكتورة ليلى عبد المجيد - وكيلة كلية الإعلام جامعة القاهرة - أن بعض ما يقدَّم فى وسائل الإعلام يقوم بعمل تنميط للنماذج البشرية، أو لبعض السلوكيات الاجتماعية، أو لدور المرأة، فتأخذ الدراما مثلاً جزءًا من الواقع وتقدمه على أنه كل الواقع، وهذا خطأ إعلامى كبير؛ لأن الدراما بصفة خاصة تحظى بمشاهدة عالية فيأخذ المُشاهد ما يُقدم فيها، ويختزنه، ويستدعيه فى المواقف المشابهة، ويحاول تقليده أو الاقتداء به.

وهذا يفرض على الإعلام نوعًا من التوازن فيما يعرضه، ويتطلب من النقاد والمفكرين تقديم مناقشة نقدية واعية لما يقدم فى وسائل الإعلام.

وعمومًا؛ فإننا نقول: إن أى وسيلة إعلامية ليست خيرًا أو شرًا فى ذاتها، فالذي يحدد اتجاهها هو استخدامنا لها، وبالنسبة لوسائل الاتصال الحديثة كالنت والموبايل، ولا ننكر أن لهما إيجابيات كثيرة تربطنا بالعالم، وتوفر لنا قاعدة معلومات ضخمة فى كل المجالات، وهذا جيد، إلا أن البعض قد يسيء استخدامها، ويوجهها لإشباع نزواته المجنونة بعيدًا عن الإطار المشروع أو المقبول، كأن يستخدم الدردشة فى التعرف على امرأة أخرى - أو رجل آخر - بحجة التواصل، وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية، ولا يدرى أن هذه الدائرة قد تتسع إلى أكثر مما يستطيع أن يسيطر عليها، فتكون سببًا فى ضياعه أو تشريد أسرته، والكلام ذاته يقال بالنسبة للمرأة.

خلل فى التربية
وهذا يعكس فى جوهره خللاً فى التربية، وعدم تعويد الطفل منذ الصغر على كيفية التعامل مع هذه الأجهزة برؤية انتقائية واعية لما ينبغى أن يرى، وما لا ينبغى أن يراه أو يتابعه.

وألقت د. ليلى على وسائل الإعلام ذاتها مسئولية زيادة وعى وخبرة الجماهير بخطورة الانحراف بهذه الوسائل عن هدفها ومقصدها فى تدمير الأسرة، ومن ثم فى زعزعة تماسك واستقرار المجتمع.

بلا مرجعية حضارية
أما أ. فاطمة الزهراء محمد - المدرسة المساعدة بكلية الإعلام، جامعة القاهرة - فتقف عند مرجعية الإعلام المصرى والدراما التى يقدمها هذا الإعلام، وتقول: إنه يفتقد المرجعية الحضارية التى تتيح له معالجة القضايا الاجتماعية ضمن المنظومة القيمية للمجتمع، فتبدو الأعمال المقدمة وكأنها مقدسة؛ لأنها صادرة عن أديب تم تقديس أعماله، بغض النظر عن قيمة العمل الذى يقدمه ومدى ارتباطه بواقعنا وقيمنا.

وتؤكد أ. فاطمة الزهراء أن الأعمال الأدبية حين تتحول إلى دراما تصير أداة للتغيير الاجتماعى حينما تؤثر فى اللاوعى الجماعى عند الرجل والمرأة من المشاهدين، ومن ثم تصبح هذه الأعمال بمثابة مرجعية بديلة فى لاوعى الجمهور يستحضرها فى المواقف المشابهة، فحين تكتشف المرأة مثلاً أن زوجها يعرف امرأة أخرى، أو له علاقة بأخرى قد تتصرف بطريقة معينة؛ لأنها شاهدت بطلة هذا الفيلم أو ذاك تتصرف كذلك حين اكتشفت خيانة زوجها.

وهكذا يغذى الواقع هذه المشاهد المشوهة، ثم تحدث التغذية الاسترجاعية فى الواقع نتيجة تعرض الجمهور لهذه المشاهد، وغالبًا ما ينساق المراهقون لتمثل هذه الشخصيات السينمائية التى تزيل لديهم أى محرمات أو تحفظات دينية أو أخلاقية أو اجتماعية، فيتم تقمص هذا النموذج السينمائى باعتباره مرجعية لهؤلاء الشباب والمراهقين.

نتيجة لا سبب
وحول استخدام وسائل الاتصال الحديثة فى تسهيل الخيانة الزوجية، تقول أ. فاطمة الزهراء: إن سوء استخدام وسائل الاتصال الحديثة نتيجة وليس سببًا، بمعنى أن عدم وعى كل من المرأة والرجل بدوره، وعدم وجود منظومة قيمية متفق عليها للحفاظ على الأسرة يجعلهما عديمى القدرة على مقاومة أى وافد غريب يريد تدمير الأسرة، والتكنولوجيا فى ذاتها وسيلة للارتقاء بالحياة، وليست سببًا للتدمير والإيذاء.

ولكن حينما تتغلب الأنانية على أى من الزوجين أو كليهما، ويسعى كل منهما إلى تحقيق أهدافه ورغباته الذاتية مضحيًا بمصلحة الأسرة أو الجماعة يصبح الوضع وكأنه اتفاق ضمنى بينهما على إفساد الأسرة وتدميرها.

فالمشكلة إذن ليست فى هذه التقنيات فى ذاتها، وإنما فى فساد من يستخدمونها فى غير أغراضها، فهناك بعض الزوجات يستخدمن الإنترنت فى الاتصال بأزواجهن فى الغربة وإشراكهم فى قرارات الأسرة، وكأنهم يعيشون معًا، وكذلك رسائل SMS أيضًا تعد وسيلة جيدة للتعارف والتواصل الاجتماعى بين الأصدقاء والأقارب إلى جانب التواصل بين الزوجين أثناء غياب أى منهما عن الآخر.

بينما يستخدمها آخرون فى إفساد ذات البين، وفى هز أركان الأسرة فى علاقات طائشة قد تدمر حصن الأسرة على أصحابه بسبب فساد العقول التى فكرت فى استخدام هذه الوسائل بشكل خاطئ .

طوق النجاة
وتقرر أ. فاطمة أننا إذا كنا فى عصر لم نعد نستطيع فيه أن نعزل أنفسنا عما حولنا؛ فإننا نملك طوق النجاة للأجيال القادمة، وهو تربية أبنائنا تربية إسلامية متينة وأخلاقية، والسير على درب رسول الله صلى الله عليه وسلم فى إعلاء قيمة ممارسة الرياضة فى استيعاب طاقات الأبناء وتوجيهها توجيهًا سليمًا، مع ضرورة متابعة العملية التعليمية للأبناء بشكل يرتقى بمهاراتهم، ويشعرهم باهتمامنا بهم، وحرصنا على تفوقهم مما يخلق لديهم حافزًا للتفوق والجدية فى الأداء، ولا ننسى أن حفظ القرآن، ومشاركة الأبناء فى اللعب والمرح، وإشاعة جو من الألفة والمحبة داخل الأسرة فى إطار منظومة القيم التى يعيش الجميع فى ظلها ستتيح للوالدين مراجعة أى تفكير منحرف عن هذه المنظومة، وتقويمه من خلال الحوار الحر المنضبط بين أفراد الأسرة.

أما د. راوية بنت أحمد الظهار - أستاذة الفقه بجامعة طيبة بالمدينة المنورة - فتنبه إلى خطورة الدعاية والإعلان والكليبات الهابطة، وما تقوم به من أدوار فى زعزعة الثوابت فى نفوس الشباب والرجال والنساء، وفى الترويج لصور مرفوضة للعلاقات؛ ففى الإعلانات ترى المرأة المتبرجة السافرة التى تسير أمام الرجال فتدير رءوسهم برائحتها ومشيتها فيلحقوا بها، وكذلك الإعلانات التى يقدمها شباب ورجال يتسمون بالوسامة والأناقة؛ فهؤلاء الرجال يخلقون لدى النساء مجالاً للمقارنة بينهم وبين أزواجهن فيكون هذا مدخلاً؛ إما للنكد الزوجى أو الخيانة الزوجية.

وكذلك الأغانى والكليبات الهابطة التى تعرض صورة المرأة بشكل غير لائق قد تؤدى إلى كثير من الخيانة الزوجية، وهذا ما تؤكده الإحصاءات والبيانات الصادرة عن المنظمات الدولية التى تعنى بشأن المرأة، فالزوج قد يطلب من زوجته أن تؤدى نفس ما تؤديه العشيقة فى الفيلم أو الكليب الذى شاهده وعلق فى ذهنه، وكذلك الزوجة قد ترى فى زوجها نموذجًا مغايرًا لما رأته فى وسائل الإعلام، مما يؤدى إلى الكثير من الخلافات الزوجية وأسباب الشقاق.

وهذا يفرض علينا استنكار مثل هذه الأمور قولاً وفعلاً، وبيان سلبياتها وتوعية المجتمع بمقاطعة الإعلانات والكليبات التى تستخدم هذه الأساليب المثيرة فى ترويج سلعها، أو فى الدعاية لفكرتها، وبالنسبة لوسائل الإعلام فعليها أن تعرض وجهة نظر الإسلام حول قضايا المرأة لوقف أثر الإعلام المضاد.
اسلام ويب

Post: #255
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 11:25 PM
Parent: #254

يخطئ من يبحث عن السعادة بعيدًا عن دفء الأسرة والأولاد، لعارض طرأ على علاقته بشريك حياته، أو لمجرد أنه عومل بلطف ورقة من امرأة أخرى (أو رجل آخر) فى وقت افتقد فيه هذه المشاعر من أقرب الناس إليه.

وحتى إذا شعر الزوج (أو الزوجة) بميل تجاه هذا الشخص الجديد - رجلاً كان أم امرأة - فهل يعتبر هذا الميل حبًا حقيقيًا يستحق التضحية بحياة زوجية قائمة، أم أنها مجرد مشاعر زائفة لا تلبث أن تتلاشى وتختفى؟ وإلى أى مدى تؤثر هذه المشاعر على نفسية الأبناء ومستقبلهم؟ وكيف يحاصر الزوجان هذه المشاعر، ولا يسمحان لها بأن تخرب البيت الآمن؟


هذا ما يجيب عنه د. عمرو رفعت - أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة بور سعيد - فى السطور التالية:


قد يميل قلب الزوج أو الزوجة لشخص آخر، فمتى يحدث هذا التحول؟ وهل له علاقة بعدم التوافق بين الزوجين؟

إن الزواج ينبغى أن يقوم على رضا اجتماعى، وتوافق بين الأسرتين، ومباركة لهذا الزواج، فإن لم تتحقق هذه الأمور فإن الزواج يفتقد للحماية الاجتماعية التى تصونه وتحفظ تماسكه.

فإذا ما أضيف إلى ذلك عدم التوافق النفسى بين الزوجين، يصبح الزواج شركة ضعيفة البنيان والأركان، فإذا جاء الأولاد أصبح الارتباط بين الزوجين قائمًا من أجل هؤلاء الأبناء، حرصًا من الزوجين على أن يشب أبناؤهما فى ظل أسرة متماسكة ولو ظاهريًا، إلا أنه فى لحظة ما قد يظهر فى حياة الأسرة شخص جديد يحدث تحولاً فى حياة الزوج أو الزوجة بعد أن يزيل الغطاء الهش الذى يغلف زواجهما، فإذا لم يكن هناك إطار دينى، وإيمان داخلى يحمى الزوجين؛ يصبح المناخ مهيأً للنظر إلى غير الزوجة، والبحث عن سعادته مع هذا الشخص الجديد أو غيره.

وفى البداية قد يخيل إليه أن هذا هو الحب، وفى الواقع هى مشاعر زائفة لا أساس لها، خاصة وأن هذا التحول قد يكون بعد فترة قصيرة أو حتى طويلة من الزواج، مثلما يحدث مع بعض الرجال بعد سن الأربعين الذين يمرون بمرحلة مراهقة متأخرة؛ حيث لا يشعرون أن لديهم أدوارًا اجتماعية يؤدونها.


كما ذكرت آنفًا؛ فإن الإطار الدينى المتين هو الذى يحمى الزوج، وكذلك الزوجة من مثل هذه الأفكار أو المشاعر الزائفة خارج البيت ، وأن يفكر كلا الزوجين فيما يريده من الطرف الآخر، ومن حياته معه، ويتصارحان من أجل تحقيق حياة أفضل وأسعد، ويشغلان حياتهما باهتمامات مشتركة تحقق التقارب والتواصل بينهما، وعلاقات اجتماعية واسعة، بحيث لا تدع لهما مجالاً للتفكير فى هذه المشاعر أو غيرها؛ لأنها توفرت فى نطاق الأسرة .

لكن ماذا يفعل الزوج أو الزوجة إذا انزلقا فى هذه المشاعر بالفعل ؟

- إذا تمادى الشخص فى هذه المشاعر، ولم يدرك مدى خطورتها فى تهديد أسرته، بل وحدث الانفصال بين الزوجين، وتزوج بمن شعر نحوه بهذه المشاعر الزائفة ، فلن يشعر بالسعادة؛ لأنه لم يسلك الطريق الصحيح فى إصلاح أسرته، واستسهل الزواج بآخر، وقد يتكرر نفس السيناريو، ويشعر بالندم بعد ذلك.

وهذا المصير يفرض على الزوجة وكذلك الزوج التحلى بالعقل والحكمة فى معالجة الموقف، وتجنب المواجهة التى قد تحدث فى حالة ثورة أى من الطرفين، فتكون سببًا فى خراب البيت، بل لا بد من توفير مناخ جديد يعيد الطرف النافر إلى بيته وأولاده.

ـ فى رأيك.. هل يحتاج هؤلاء الأشخاص إلى علاج نفسى؟

- هذه المشاعر لا تعد مرضًا نفسيًا، وبالتالى فهذا الشخص لا يحتاج إلى علاج نفسى، ولكن كل ما يحتاجه هو زيارة متخصص فى الإرشاد الأسرى، وهم موجودون فى مراكز الإرشاد الأسرى، فهؤلاء المتخصصون يساعدونه فى اتخاذ قرار صائب بشأن ما يشعر به تجاه شريك الحياة، أو تجاه الشخص الآخر.



ـ إلى أى مدى تؤثر هذه التحولات النفسية لأحد الزوجين على أولادهما؟

- قد لا يبدو تأثر الأبناء واضحًا فى سن 12 - 15 سنة، فقد تتولد لديهم حالة من اللامبالاة والسلبية مبعثها أنهم يشعرون بالاكتفاء والاستقلالية فى غرفتهم، ومصروفاتهم، وجميع متطلباتهم، فلا يشعرون أصلاً بوجود المشكلة، أما فى سن 20 سنة، فقد يتعرض الأبناء لمشكلات نفسية كثيرة، وخاصة فى حال الانفصال بين الزوجين؛ حيث يضع الابن فى حيرة، هل ينضم نفسيًا للأم أم للأب، وتزداد المشكلة إذا كانت بنتًا، فقد تتعاطف مع الأب، وقد تتزوج سرًا، إذا كانت أمها هى التى تركته، أما إذا كانت أمها متفانية فى خدمة والدها، وترى أن والدها لا يقدرها ولا يشعر بجهودها فقد يسبب لها الوضع أزمة نفسية، فقد تقرر ألا تتزوج بعد أن تأثرت بمشكلة أمها مع والدها.
مركز الإعلام العربي

Post: #256
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 11:50 PM
Parent: #255

جاءنى ابنى ذو الـ 11 عامًا يشكو لى من اضطهاد مدرسه له، وتعمده إرساله فى قضاء حاجات له أو لزملائه أثناء الحصص، مما يضيع عليه جزءًا من الدرس، ومن ثم يفقد التركيز والمتابعة، فضلاً عن أنه دائمًا يكلفه بحراسة الفصل وحفظ النظام كلما خرج، وبرغم ضيقه بهذا الأمر إلا أنه يستحى أن يعبر عن رأيه خوفًا من المدرس، وعندما يتعرض أحد من زملائه للعقاب بسببه يخاصمه أو يضطهده.

والسكوت على هذا الأمر قد يعرض الولد لعقدة أو مشكلة نفسية محتملة، وقد يساعد فى تدهور مستواه الدراسى، وبرغم أننا كأمهات وآباء نفكر بهذه الحساسية الزائدة خوفًا على أبنائنا والتماسًا لصحتهم النفسية وتفوقهم الدراسى، فإن د. ليلى الأحدب تقول لكل أم ولكل أب: إذا فكرت جيدًا فى هذا الموقف فقد تلتمس العذر لهذا المدرس.

فقد يكون ذكاء ابنك ولباقته فى عرض الأمور، أو طلب الأشياء هو الدافع الذى يجعل المدرس يكلفه بهذه الأشياء، وهو يعتقد أنه بذلك يميزه عن باقى زملائه، كذلك فإن مسألة تكليفه بحراسة الفصل والحفاظ على النظام والهدوء أثناء خروجه أو عدم وجوده فى الفصل ثقة جميلة بقدرات ابنك، وفى سماته القيادية الحازمة وأخلاقه الرفيعة التى تمكنه من ضبط إيقاع الفصل والتلاميذ، وهذا شيء ينبغى أن يسعدنا، ويبشرنا خيرًا، ويكون عونًا لنا على تكليف أبنائنا بمهام تزيد فى صقل شخصياتهم، وتساعدهم مبكرًا على تحمل المسئولية فى حدود قدراتهم التى تفوق غالبًا تصوراتنا وتقديراتنا نحن كآباء.

ولكن هذا لا يمنع أن نعبر عن استيائنا من استمرار هذا الحال الذى قد يُفوِّت على الولد بعض الدروس، ويشتت تركيزه، ولكن المهم هو اختيار الأسلوب اللائق لنقل وجهات نظرنا وغرس هذا الأسلوب فى أبنائنا حتى يتعلموا جرأة الحق، وأدب الحوار والخلاف، فيمكن أن يبدأ ابنك بالاعتذار بلباقة للمدرس فى إحدى المرات التى يكلفه فيها بشيء رغبة فى الاستفادة من الشرح، أو فهم الدرس، أو الشعور بالتعب إذا كان ذلك حقًا، ويعتذر له عن مراقبة زملائه حتى لا يفقد حبهم أو صداقتهم له.

فإذا لم يستجب المدرس لمبادرة ابنك، يأتى دورك - عزيزى الأب - فى مناقشة الأمر مع المدرس والاستماع إليه لمعرفة مبرراته ومنطقه فى التعامل مع الابن هكذا، فإن لم تقتنع بوجهة نظره فلتصر على موقفك فى أن ينال ابنك حقه فى متابعة دروسه والاحتفاظ بحب وصداقة زملائه دون تطاول أو إهانة لأحد.

وأما ابنك فاجلس معه جلسة حب وأخوة وصداقة، وأخبره أنه صار على أعتاب الرجولة، وأن له شخصيته المستقلة، وله حق مناقشة أو رفض الأوامر والأمور التى لا يقتنع بها، ولكن بشرط التحلى بالأدب والثقة بالنفس، وأن يقدم دائمًا تفسيرًا واضحًا ومقنعًا لرفضه، سواء فى تعامله مع مدرسيه أو زملائه أو فى البيت مع والديه وإخوته، أو فى أى تعاملات عامة .

ومن الآداب التى ينبغى أن يتحلى بها الابن فى أثناء مناقشة أمر ما، أو الاعتراض عليه أن ينظر إلى من يحدثه ويحترم حقه فى تبرير هذا الموقف أو ذاك، فكما نشجعه على إبداء رأيه والتمسك بحقه والدفاع عنه بجرأة وثقة، نعلمه أيضًا كيف يحترم رغبات الآخرين ويحسن مخاطبتهم والاستماع إليهم، ولنا فى رسول الله الأسوة الحسنة، فقد أُتى بشراب فشرب منه، وعن يمينه ابن عباس ما زال غلامًا وعن يساره شيوخ كبار، فقال للغلام أتأذن لى أن أعطى هؤلاء؟ فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبى منك أحدًا، فلم يعترض عليه الرسول، ولم ينكر عليه حقه .
مركز الإعلام العربي

Post: #257
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 11:51 PM
Parent: #256

لا ليس هذا ابنى، إنه شخص آخر غير التى ربيته فى حضنى، إنه فتى هائج مائج، رافض، متمرد على أبيه وأمه وأسرته، ووضعه المادى والاجتماعى، رأيه فقط الصواب، وكل ما سواه خطأ وتخلف ورجعية و«خنقة».

شكوى تتردد على ألسنة العديد من الأمهات والآباء بعدما كبر الصغير، وأصبح فتى يافعًا، وبدأ ينسلخ من طفولته، ويحاول أن يثبت أنه رجل.

إنها رحلة المراهقة، تلك الرحل الفاصلة بين حياة الطفولة وحياة النضج، بين مرحلة الاعتماد على الغير، والاستقلال بالنفس، بين الحياة فى كنف الأسرة، والتطلع إلى حياة يصوغها المرء بنفسه لنفسه، وكل مرحلة انتقال مرحلة حرجة، وفى أكثر الأحيان يتضافر الجهل، وسوء الفهم على جعل مرحلة المراهقة أزمة تهدد المراهق والمسئولين عنه بخطر جسيم.

فكيف نتعامل مع المراهق حتى يعبر ونعبر هذه المرحلة بسلام؟

طبيعة المرحلة
يقول د. سبوك - الخبير التربوى الشهير - إن عيبنا جميعًا هو أننا ننظر إلى المراهقة على أنها فترة مرضية، ولا ننظر إليها كمرحلة طبيعية مر بها كل واحد منا.

إن المراهق إنسان يبحث عن النضج، ومهمتنا هى توضيح الطريق والإرشاد، فالمراهق يحتاج إلى إرشادنا ويتمناه، بشرط أن نقدمه له بصداقة.

فبينما يرى الوالدان أن الأبناء ينقصهم الخبرة، ويحتاجون إلى الإرشاد والتوجيه، يرى الأبناء أن إرشاد الوالدين هو نوع من السيطرة مهما كان هذا الإرشاد ضروريًا، ويقع بعض الآباء فى الخطأ عندما يتشددون فى بعض الأمور، ويتساهلون فى بعض الأمور دون منطق ما، وهكذا يجد الشاب ما يبرر له اتهام الآباء بعدم المعقولية فى النصح.

فما أن يبدأ الطفل ولوج سن المراهقة حتى نفاجأ - نحن الآباء والأمهات - بأنه يقدم لنا أكثر من طلب يومى باعتباره كائنًا مستقلاً له كرامة، وأنه جدير بذلك، وأن الاستقلال حق له، وأن احترامه وتوفير ما يريده مسألة مقدسة.

إنه يقدم لنا هذه «المفاجأة» يوميًا وكل لحظة، ولا يمكن أن يتنازل عنها، إن إنسانًا تحت العشرين يصر على الحرية والاستقلال، لا بد أن يناقش ويفاوض ويحارب على جبهتين فى وقت واحد: الجبهة الأولى هى جبهة عدم استقراره وتخلخل ثقته بنفسه وتردده، والمخاوف التى تملأ أعماقه، والجبهة الثانية هى الكبار الذين يتصدون لرغبته فى إثبات ذاته واستقلاليته.

تطور ذهنى وجسدى
وتوضح الدكتورة ويتا مرهج - أستاذة علم النفس فى الجامعة الأمريكية ببيروت - فى كتابها «أولادنا من الولادة حتى المراهقة» أن تطورًا فكريًا جوهريًا يطرأ على المراهق، كما يطرأ عليه تغيرات جسدية عديدة، مما يؤثر على تصرفاته، ويجب على الأهل ألا يسيئوا فهم هذه التصرفات التى قد تبدو فى معظمها سلبية ومزعجة، بل أن يفهموها فى إطار افتقار المراهق للخبرة الكافية فى التعامل مع التغيرات الجديدة التى تطرأ عليه، ومن أهم التصرفات التى تلاحظ على المراهق:

1 - الجدل والمناقشة:
بعدما كان صغيرًا يسمع «الكلام»، ويقتنع بكل ما يقال له أصبح الآن مناقشًا، ينظم الأفكار وكأنه محام يدافع عن قضية، فلا يكتفى بجواب بسيط ومباشر لأسئلته، بل يريد ألف حجة، وغالبًا لا يقتنع بها، بل يناقضها جميعًا، بل أحيانًا يناقش فقط للمناقشة، وعلى الأهل أن يدركوا أنه طالما بقيت هذه المناقشات مركزه على موضوع الحوار مع الوالدين أو أحدهما ولا تنتهى بشجار أو عراك، يؤذى كلا الطرفين، فإنها تسهم فى الإسراع بعملية التطور عند الشاب أو الفتاة، فمن خلال هذه المناقشات للقوانين والقيم العائلية، يصبح المراهق أكثر إدراكًا لهذه القيم ولأسباب وجودها، ويتبنى الكثير منها لاحقًا فى حياته.

2 - التمحور حول الذات:
يهتم المراهق بشكل مبالغ فيه بأفكاره، ومظهره، وتصرفاته، وكأنه دومًا على خشبة المسرح، مقتنعًا بأنه محط أنظار واهتمام الجميع، ومن هنا يمضى الوقت الطويل فى استكشاف نفسه فى الحمام، وأمام المرآة، متخيلاً أن كل شخص فى محيطه يرقبه بحذر، وهذا يفسر سر تأثره بانتقادات الآخرين، وظهور الخجل الشديد فى بعض الظروف الاجتماعية، ولذلك فإن أية ملاحظة سلبية من قبل والديه أو معلميه، أو حتى الأصدقاء تؤلمه بشدة، لذلك ننصح الأهل بأخذ ذلك بعين الاعتبار، وعدم توجيه اللوم أو الانتقاد اللاذع للابن المراهق أمام الآخرين، بل التحدث معه على انفراد بتروٍ وصراحة.

ويشعر المراهق أيضًا بأهميته المتزايدة، فهو مميز وفريد، ويستطيع أنت يرى نفسه فى أعلى قمم المجد، كما فى أدنى مستويات اليأس، وهذا يفسر طموحات المراهقين التى تتناقض مع الحياة العائلية الاعتيادية الروتينية والمملة بنظرهم، والتى لا يوجد بها من يحس بهم أو يفهمهم.

المثالية والنقد
مثالية المراهق تجعله يبنى تطلعات سامية إلى عالم كامل من دون ظلم ولا بؤس، ثم يصر على أن يطابق الواقع مع هذا العالم المثالى، لذلك لا يتحمل تفاعلات الحياة اليومية، وهذا ما نسميه الفجوة بين الأجيال: جيل الوالدين وجيل المراهق، وهذه الفجوة تخلق الكثير من التوتر فى العائلة، فيصبح الفتى دائم النقد لأهله وإخوته الذين لا يطابقون العائلة المثالية التى يحلم بها.

إن كل الملاحظات المؤلمة التى يوجهها المراهق لأهله قد تبدو بغيضة وغير مناسبة، ولكنها لها محاسن على المدى البعيد؛ حيث يتعلم المراهق أن للناس حوله نقاط ضعف ومواطن قوة.

فعلى الأهل مساعدة أولادهم فى صياغة توازن أكبر بين المثالى والواقعى، ويتم ذلك من خلال تحملهم الصبور لهذه الانتقادات مهما كانت لاذعة، وتذكيرهم بأن كل الناس ومنهم هؤلاء الأولاد هم مزيج من الفضائل والنواقض.

الحيرة أمام البدائل
يصبح المراهق أكثر قدرة على تنظيم وقته، وتحديد أولوياته عما قبل، ولكن هذه القدرة تظل فقط قاصرة على المجال الفكرى، ولا تمتد إلى أمور الحياة اليومية؛ إذ إن المراهق يبدو ضائعًا حائرًا مترددًا أمام كل الخيارات المتوفرة أمامه، فمثلاً فتاة فى الثانية عشرة من عمرها نراها كل صباح قبل أن تخرج تجرب خمسة أو ستة ملابس، وبالطبع لا ترجع أى منها إلى الخزانة، وقد تستشير والدتها، ولكن لا تأخذ برأيها أبدًا، وفى النهاية تعود وتختار اللباس الذى ارتدته بالأمس وقبل الأمس.. وهكذا.

وترتبط نسبة نجاح المراهقين فى دراستهم بمجموعة من العوامل الشخصية والاجتماعية، فالبيئة العائلية السليمة، ونوعية المدرسة التى يرتادها الولد تساعد على حفز الخصائص الإيجابية مثل الرغبة فى النجاح والطموح.

فقد أكدت الدراسات أن التفوق الدراسى مرتبط بنمط تربوى متفتح يفرض السلطة فى المنزل دون تشنج أو تصلب بالمواقف، ويوفر العطف والحنان، والتفهم للأولاد مع منحهم الفرص الملائمة للنضوج والتعبير.

وبالمقابل يؤدى الأسلوب التربوى المتسلط جدًا، وكذلك المتسامح جدًا إلى تأخر المراهق دراسيًا، أما الأسلوب المتقلب بين التسامح والتسلط، فيؤدى إلى أدنى مستويات الإنجاز المدرسى.

حماية بدون تسلط
ويتفق الخبيران التربويان د. سبوك، ود. ريتاوهج على أنه برغم حاجة المراهق إلى الحرية ليختبر الحياة، فإنه بحاجة دائمة إلى الإرشاد والحماية، فالتربية الفعالة فى البيت تؤمن للمراهق الانتقال السلس من الارتباط الوطيد الآمن بالأهل إلى الانفصال عنهم، وكل الدراسات تشير إلى أن الجو الدافئ والمتقبل داخل الأسرة، مع الإرشاد الحكيم غير المتسلط يؤديان إلى مراهقة متوازنة ومتكيفة.

ومن الطبيعى جدًا أن يمر الفتى بمرحلة ينظر فيها إلى والديه باعتبارهما مثاله الأعلى، بل يصبحان مجرد أناس مثل بقية الناس، وعندما يحدث ذلك نلاحظ أن الخضوع لسلطة الوالدين يخف بشكل ملحوظ، وهكذا تنشأ الاحتكاكات السلبية والتشنجات بين الأهل والولد، وهى ناتجة عن اختلاف جذرى فى وجهات النظر، فالوالدان يتطلعان إلى أمور عديدة (مثل: ترتيب الغرفة أو تحديد موعود العودة، أو تأدية الواجبات المدرسية) كأمور ذات أهمية مشتركة لكل الأسر، بينما ينظر إليها المراهق كأمور شخصية بحتة لا يحق لأحد أن يتدخل فيها.

وينصحان كل أبوين بما يضمن لهما تعاملاً ناجحًا مع الابن المراهق وهذه النصائح هى:

- أن يحرص الوالدان على احترام مبدأ القرار المشترك مع أبنائهما ويعملا بشكل تدريجى يتلاءم مع عمر الولد على السماح له بالمزيد من الاستقلالية.

- المناقشة المفتوحة مع الأبناء، والتى تمزج بين التفهم من جهة وصلابة الموقف من جهة أخرى، مما يجعل المراهق يشعر بأن آراءه مهمة ومقدرة، ويشجع التفكير البناء وضبط النفس.

- إشراف الوالدين بشكل دقيق على إنجازات أولادهم المدرسين وبناء علاقات مع المدرسين والمدرسة.

إن المراهق عندما يوشك على تخطى سنى المراهقة يحاول أن يؤكد الاستقلال، إنه يريد أن ينعزل عن عالم الجيل القديم، وأن يؤكد قيم الجيل الجديد من تسريحة الشعر، ومن أزياء الملابس، ويغرق فى الهوايات، ويمارس الطريق إلى النضج.

والمهم هو فهم حقيقة أساسية هى أن المراهق يحتاج إلى التوجيه والصداقة، وأن نرسم معه الحدود، وأن نحاول دائمًا تشجيعه على النجاح والانطلاق، فلا داعى للارتباك أو الخوف أو اليأس، ولكن المطلوب هو الكثير من الفهم، والكثير من الصبر لنقتل اليأس، ونستقبل بالثقة مستقبل الأبناء.
نهاد الكيلاني

Post: #258
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 11:52 PM
Parent: #257

معظم الآباء والأمهات يشكون من تصرفات أولادهم التي قد تدفعهم إلى فقد أعصابهم وبالرغم من أنهم يرددون في شكواهم بأن أولادهم سيدفعونهم إلى الجنون إلا أنهم لا يفكرون في الأسلوب الذي يمكن أن يتعاملوا به مع هؤلاء الأولاد.

فالتعامل مع ـ الأطفال ـ من بداية تكوين الشخصية حتى سن البلوغ ـ يحتاج إلى فن ومهارة.

إن الهدف الأساسي للأم والأب أن يجعلا ابنهما يتصرف دائماً بأفضل السلوك وأن يفكر بعقله. وأن يكون شجاعاً في مواجهة الحياة، ولكن هذا الهدف يحتاج إلى شجاعة لا يقدر عليها كثير من الناس، إن الولد أو البنت في سن البلوغ يصبح كثير النقد لأعمال والديه ويصر على رأيه ولا يؤمن إلا بوجهة نظره هو حتى لو كانت خاطئة ويصبح الأولاد في مثل هذه الحالة مثيرين لأعصاب الوالدين بحيث يصلان إلى درجة فقد أعصابهما، وفي هذه اللحظة يأخذ الأولاد دور التحدي ولا ينصتون ولا يستجيبون لكلام آبائهم.

ومن الشكاوى الشائعة أيضاً أن الأولاد يردون على الأب أو الأم بصوت عالٍ، وأن تصرفاتهم التي يصرون عليها فيها شيء كثير من تصرفاتهم أيام الطفولة، هؤلاء الأبناء يستطيعون بتصرفاتهم هذه أن يقلبوا حال المنزل وتصبح الحياة فيه صعبة وتفسر على أن معظم المتاعب التي يتسبب فيها الأبناء تأتي نتيجة لأسلوب التربية الذي يتبع الآن ويختلف عن أسلوب تربية الأب والأم أيام طفولتهما، بينما هما نشآ على طاعة الوالدين نجد أن الجيل الجديد نشأ على عدم الطاعة، وبينما هما نشآ على احترام المائدة وتحديد وقت النوم ودخول السرير والاستيقاظ مبكراً وشرب الحليب، نشأ الأولاد على الفوضى وعدم احترام مواعيد الأكل أو النوم.

هناك بعض الأمثلة تدل على أسلوب العناء الذي يتبعه الأولاد ويتفننون فيه لمضايفة الوالدين، فنقول مثلاً: لا يحلو للأولاد دخول الحمام إلا في اللحظة التي يريد فيها الأب أو الأم ويطيلون الغياب داخله حتى يفقدا أعصابهما

أيضاً عدم احترام الأولاد في الإجابة على الأب أو الأم لدرجة أن الأمهات يقلن: إنهم لم يسبق أن تحدثن بهذا الأسلوب مع آبائهن أو أمهاتهن، ومن المضايقات التي يسببها الابن العنيد لوالدين رفضه لما يطلب منه كأن تطلب من الأم أن يرتدي ملابس النوم أو يغسل يديه قبل الأكل أو ينظف أسنانه قبل النوم أو أن تطلب منه أن يتناول الخضروات رغم أنها توضح له أنها مفيدة، كل هذه الطلبات التي تصدر عن الأم أو الأب مرفوضة، فمن التصرفات الغريبة التي نحاول أن نحلها بالعقل ولا نجد لها معنى، هذه التصرفات التي تحرج الأب أو الأم خاصة أمام الضيوف.

إن هذه التصرفات والمضايقات التي تصدر عن الأولاد هي في الحقيقة محاولة منهم بأن يذكرونا وهم يشعرون أو لا يشعرون بأن لهم شخصية مستقلة لا بد أن نحترمها فمثلاً عندما يضرب أخ أخاه الصغير ويتلذذ ويقف أمام الأب ويضحك فهذا معناه محاولة لتأكيد شخصيته، إن هذه الحالات لا يجدي معها المعالجة بالعنف ولا الإجابة بالعصبية التي يستخدمها معظم الآباء والأمهات، ولكن لا بد أن تجعل الطفل يشعر من نفسه أنه قد أخطأ وبهذه المعاملة ستجدينه يعتذر وأحياناً يبكي لأنه لم يفعل ذلك رغبة في الإيذاء، لكنه فعل ذلك بشعور أو بلا شعور لتأكيد شخصيته، والذي يساعد الطفل على الاعتراف بخطئه والامتناع عن عمليات المضايقة هو أن يشعره الأب أو الأم بأنه لو كان في سنه لم يكن يفعل ذلك، ذلك أن شعور الطفل بأنه يستطيع أن يثير من هو أكبر منه يعطيه إحساساً بالأهمية، والأطفال عادة لا يملكون العقل والفكر في هذه السن الذي يجعلهم يدركون أنهم تصرفوا تصرفات سخيفة، ولذلك يجب على الوالدين أن يعرفوا أولادهم بأنهم لا يمكن أن يعيشوا في هذه السن بأفكار صبيانية، ولا يأتي هذا إلا بامتداح أي عمل حسن يفعلونه، فمثلاً تذكر الأم والأب أمام الضيف والأصدقاء الأعمال الحسنة التي يقوم بها أولادهم ولا تذكر الأعمال السيئة.

إياك وإثارة حفيظته!
أيضاً لا تحاول الأم أن تنال من شخصية الطفل أمام أصدقائه أو أمام من هم أكبر منه سناً لأن هذا يدفعه إلى عناد أكثر، وعليها أن تغمض عينيها عن الأعمال السيئة وتمتدح وتبالغ في الأعمال الحسنة فهذا الأسلوب يرضي غرور الابن أو الابنة ويجعله يمتنع عن مضايقة والديه إثباتاً لشخصيته.

وكذلك إذا أردت أن يفعل ابنك شيئاً في هذه السن فلا بد أن تجعليه يعتقد أنه هو صاحب الفكرة ولست أنت، وأن واحداً لا يريد أن يفرضها عليه، فإذا أردت منه مثلاً أن ينزل البحر فقولي له إنه كان ينزل البحر كل يوم في الصيف الماضي وأنه كان يقضي وقتاً ممتعاً في الماء ثم اسأليه عن السبب الذي جعله يغير فكره، في هذه الحالة ستجدينه قد لان ويقول لك عن الأسباب الحقيقية ويناقشك بهدوء.

أقلي اللوم
وإن حدث مثلاً أن جاءت الشهادة من المدرسة خلال العام الدراسي وبها درجات سيئة فإياك أن تحاولي مواجهته بإلقاء اللوم أو بالحديث معه بعصبية لأن هذا الأسلوب سيجعله يعتقد أنه غبي وأنه لا يستطيع أن يواجه الدراسة. وربما تسبب ذلك في فشل أكبر، ولكن عليك أن تختلقي الأعذار التي تبين له إنه أذكى من هذه الدرجات وأنك متأكدة من أنه سيحصل على درجات أعلى في الامتحان القادم، وأنك متأكدة أن هناك أسباباً خارجة عن إرادته أدت إلى ذلك ثم حاولي أن تفهمي منه أسباب تقصيره، هذا الأسلوب سيأتي بنتيجة ويحصل ابنك على درجة أعلى.

وباختصار عيشي في مشاكل طفلك من وجهة نظره هو حتى لو كانت الفكرة هي فكرتك فاجعليها تبدو كأنها فكرته حتى يتحمس لها ولا يقاومها لأنه في هذه الحالة سيجد في فكرته تأييداً لشخصيته.
مجلة الرابطة العدد 485

Post: #259
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-12-2015, 11:54 PM
Parent: #258

تعد الواجبات المنزلية واحدة من أهم مصادر الصراع بين الأطفال والآباء، حيث يتهرب الأطفال من أداء واجباتهم المنزلية ، فهم يماطلون ويؤجلون أداءها حتى اللحظة الأخيرة، ويختلقون الأعذار ويؤدون منها أقل ما يمكن، ويستغرقون وقتًا أطول لأدائها، أو يقومون بأدائها بسرعة شديدة، ولا يبذلون قصارى جهدهم، لذا يشعر الوالدان بالإحباط والغضب من جراء مثل هذا السلوك، فكيف نتفادى هذه المشاجرات؟ وما دور الآباء والأمهات فى مساعدة أبنائهم لإنجاز هذه الواجبات ؟


يقول د. سال سيفير - الخبير التربوى: يعلم الآباء أن الواجبات المنزلية تقوى وتدعم مهارات أبنائهم، فالممارسة تصنع التفوق، بينما يراها الأطفال كعمل متكرر ومضجر.
يعلم الآباء أن الأبناء الذين يقومون بأداء واجبات منزلية باهتمام دائمًا ما يتعلمون أكثر، ويحصلون على أعلى الدرجات، بينما يرى بعض الأطفال الواجب المنزلى كعقاب لأنهم لا يقومون بأداء كل واجباتهم فى المدرسة.

لذا يحتاج كل من المعلمين والآباء أن يكونوا شركاء فى تنمية العادات الصحية لأداء الواجبات المنزلية، ويقع على عاتق المعلم مسئولية التأكيد على أن الواجب المنزلى ليس عملاً شاقًا، فضلاً عن أنه ينمى مستوى قدرات الطفل.
لذا فلا بد أن تتسم هذه الواجبات بالاعتدال، فإذا قام طفلك بأداء واجبه فى ساعة كاملة، ولم يكن يستحق هذا العمل أن يستغرق سوى عشر دقائق؛ فعليك الاتصال بمعلمه فى الحال؛ لأن هذا الواجب فى حاجة إلى تعديل، حيث يفترض أن يؤديه طفلك بإتقان وليس بتوان.


وعلى المعلم أن يتبع برنامجًا محفزًا يدفع الطفل لاستكمال واجباته المنزلية فى وقتها، وبأفضل جهوده، وذلك بمنح النجوم للذين يؤدون واجباتهم المنزلية على أكمل وجه، مقابل مزاولة الأنشطة داخل الفصل. يعتقد هؤلاء المعلمون أن الأطفال يجب أن يقوموا بالواجبات المنزلية؛ لأنها البرهان على شعورهم بالمسئولية، وهذا صحيح فالأطفال فى حاجة إلى أن يعلموا قيمة الاستذكار بالمنزل.

ورغم ذلك، إذا لم يكن لدى الطفل الدافع الداخلى لإتمام واجبه المنزلى، فإن المعلم غالبًا ما يولد الدافع الخارجى لجعل الأمور تسير فى الاتجاه الصحيح، فإذا لم يكن لدى طفلك الحافز، ولم يكن لدى معلمه برنامج تحفيزى، فيمكنك أن تطور برنامجًا خاصًا بك فى البيت.

ويقدم د. سيفير للوالد عدة عوامل لتحديد الوقت لتطوير أساليب ناجحة لأداء الواجبات المنزلية، ويقول له: عليك أن تزور أو تتصل بالمعلم المسئول عن طفلك وتسأله عن سياسته فى الواجبات المنزلية التى يعطيها لطفلك، واطلب منه أن يخطرك بأى تطورات أو عند ظهور مشروعات خاصة، مثل: سؤاله عن الوقت الذى يجرى فيه الاختبارات لطفلك، هل سيكون هناك متابعون لمذاكرة الطفل؟ فهذه المعلومات ستمكنك من تطوير خطة للواجبات المنزلية.

لا تقم بهذا الخطأ !!
ويخاطب د. سيفير كل أب قائلاً: يحتاج الأطفال إلى معرفة أن أداء الواجبات المنزلية هو مهمتهم، وليست مهمتك أنت، حيث يتوجب على الكثير من الآباء مساعدة أبنائهم فى أداء واجباتهم كل يوم، فكل واجب يعد بمثابة صراع بين طفلك ومدرسه، وأنك فقط مجرد معاون له، فوظيفتك تنحصر فى المساعدة، وليس فى أن تقوم أنت بأدائه بدلاً منه. لا تقم بهذا الخطأ، فإذا كنت قد وقعت فى هذا فعليك أن تتوقف من ليلتها؛ أخبر طفلك أن مهمتك تجاهه هى أن تساعده وأن مهمته هى أن يتم هذا الواجب.
وهذا هو ما يمكنك فعله لمساعدة طفلك ، تأكد من أن طفلك لديه وقت كافٍ لأداء واجباته المنزلية، فالأطفال عادة ما يمارسون العديد من الأنشطة مثل ألعاب القوى والكشافة، هذه أنشطة ممتازة، ولكن لا بد أن ينال الواجب المنزلى الأولوية.


ويحدد د. سيفير بعض الخطوات التى تساعد فى إنجاز الواجب المنزلى:

- تحديد وقت ثابت يوميًا لأداء الواجبات المنزلية؛ عليك بالتفاوض حول هذا الوقت مع أطفالك إذا كان ذلك ممكنًا.


- إعادة تنظيم الأوقات لممارسة بعض الأنشطة إذا كانت تمثل ضرورة بالنسبة لهم.


- مناقشة معلم طفلك فى تحديد الوقت المطلوب، فإذا لم يكن لدى طفلك أى واجبات منزلية فيمكنه القراءة من كتبه المفضلة لمدة 30 دقيقة.


- تحديد مكان ثابت لأداء الواجبات المنزلية، فلا بد أن يكون هذا المكان خاليًا وعليك بإغلاق التلفاز أثناء أدائها.


- التأكد أن لدى طفلك منضدة وكرسيًا يخصانه ، و يمكن أن تفى منضدة المطبخ بالغرض، طالما أن المطبخ مكان هادئ.


- تأكد من وجود إضاءة كافية، وعليك بإحضار كل ما هو ضرورى ليكون فى متناول يد طفلك، حتى لا يضيع الوقت المخصص لأداء الواجبات فى الحصول عليها.


- وعليك بتقسيم هذه الواجبات إلى أجزاء أسهل؛ فهذا أمر يؤدى إلى نتيجة جيدة. راجع الواجبات مع طفلك من خلال قراءة التوجيهات والتأكد من استيعاب طفلك لها.


- مناقشة السؤال أو المشكلة الأولى التى تصادف طفلك معه ، فهذا سيجعله يدرك أن الأمر لا يمثل صعوبة كبيرة.


- تشجيع طفلك فى كل خطوة: «إنك ستقوم بالثلاث خطوات القادمة بنفسك وسأعود لأراجعها معك».

- أخبر طفلك أنك لا تشك فى قدراته على أداء واجباته وبذل قصارى جهده «لقد قمت بأداء الخطوة الأولى بشكل صحيح و أعرف أنك ستستطيع أداء الثلاث التالية بنفس الطريقة»، لكن كن مستعدًا للإجابة عن الأسئلة التى يطرحها طفلك.


- يقاوم بعض الأطفال أداء واجباتهم؛ لأنهم يتساءلون عن أهمية هذه الواجبات، ولكن لا بد أن تُفهمه أن عليه أن يؤدى هذه الواجبات، وأنه ليس ملزمًا بأن يحبها، ولكنه ملزم بأدائها.
وهذا ما يحدث فى العالم الواقعى ، فكل منا لديه جوانب فى وظائفه ليس لها معنى وتتسم بالملل، ولكن نعتاد على أدائها رغم ذلك.

- عليك بتعليم طفلك أن يقوم بأداء الأسوأ أولاً، فإذا واجه طفلك صعوبة فى واجبات مادة الرياضيات فاجعله يؤديها أولاً، وينتهى منها، فسيشعر بالارتياح. أما باقى الواجبات فستكون أقل مضايقة له. إن أداء الواجبات الأصعب أولاً يمثل معنى مهمًا؛ لأن طفلك يكون عقله أكثر نشاطًا.


- اجعل طفلك يأخذ رقم هاتف أحد أصدقائه فى كل فصل ، فإذا ما واجه طفلك صعوبة أو نسى واجباته، أو كان مريضًا يومًا ما فيمكنه الاتصال بأحد زملائه لينال المعلومات والمساعدة.


- وليدرك الوالدان أن بعض الأطفال يتعجلون فى أداء واجباتهم، وهذه تمثل مشكلة فى حالة كون العمل غير متقن أو دقيق، أما إذا كان العمل متقنًا وصحيحًا، فهذا يعنى انتهاء الواجبات فى هذا اليوم.


- عدم معاقبة طفلك على أدائه السريع لواجباته، طالما أنه دقيق فى أدائه، فإذا كان العمل غير دقيق أو محكم، فعليك بجعل طفلك يعيد أداءه مرة ثانية، فإذا شعرت أن طفلك سريع، فاجعله يعرف قواعدك عن الوقت.
اسلام ويب

Post: #260
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:00 AM
Parent: #259

أشعر بالقلق.. أشعر بالاكتئاب.. أشعر بأنني أقل قيمة من الآخرين.. أشعر بالضيق والملل.. أشعر بأن الآخرين يحتقرونني ويكرهونني.. أشعر أنني فاشل في كسب اهتمام الآخرين.. أشعر .. أشعر.. أشعر..

مهلاً!! لا تياس .. ولا تبتئس .. ولا تحزن .. إليك الدواء .. هاك وصفة سهلة مجانية لتشعر بالسعادة .. خذ نفسًا عميقًا من أنفك وفرّغه في الهواء من فمك!! أغمض عينيك .. أطلق زفرة قوية .. هل أنت مستعد لتقرأ ؟.. افتح عينيك .. واقرأ ثم طبق:

ابتسم مجرد أن تمط شفتيك من اليمين إلى اليسار.. هل هذا صعب؟ .. بهذه الابتسامة تأسر القلوب وتكسب المحبة وتقتل خصومك، فارسم ابتسامة على شفتيك وسترى النتيجة المدهشة لك ولغيرك .

اعتزَّ بهذا الدين .. لا تتهاون بأحكامه وفرائضه؛ وسترى السعادة تطرق باب قلبك قائلة لك {فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى * فسنيسره لليسرى}[الليل: 5-7].
نعم كل الأمور بلا استثناء ستيسر لك في الدراسة، والعمل، ومع الأهل والأصدقاء، فقط "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".

خمس مرات فقط تلتقي فيها مع الله في المسجد هل هذا صعب عليك؟.. تقرأ بضع آيات ترطِّب بها فمك.. هل هذا كثير عليك؟ .. تسبح الله وتحمده أو تشكره وتذكره .. هل هذا ثقيل على لسانك؟ .. آه لو تعلم كمية الحسنات الكثيرة التي في انتظارك لو صنعت ذلك لما توقفت لحظة واحدة عن ذكر الله ، كلما اقتربت من رب الناس أرضى عنك الناس وأرضاك وأسعدك في دنياك وأخراك.. فقط اقترب منه خطوة وسيهرع نحوك خطوات وامش نحوه شبرًا فسيهرول إليك ذراعًا.. فقط اقترب ولا تصدق من يسد عليك باب الرحمة ويقطع عليك الطريق إلى الجنة، فقط اقترب {كلا لا تُطعه واسجد واقترب}[العلق:19]. والله يرعاك.

ثق بنفسك بشدة: نعم ! اقبل هدية الله كما هي ولا تعترض على نفسك، على شكلك، على صورتك، على صوتك، على حالتك المادية، على أبويك. اقبل نفسك كما أنت وقل لكل مشكّك ومرجف ومثبط ومزعزع لك في نفسك "رأيك فيَّ لا يدل عليَّ" لا تجعل الآخرين يحكمون عليك حكمًا أبديًّا بلا استئناف، اعترف بالأخطاء، واعتذر بكل صدق عنها، وأتقن فن "أنا آسف".

أصدق في مشاعرك تجاه الآخرين: عاملهم كما تحب أن يعاملوك، انظر إليهم كبشر، لا تحتقر أحدًا ولا تصغّر من شأن أحد، بل عش ليكن شعارك "عندما نعيش لأنفسنا تصبح الحياة قصيرة جدًّا، وعندما نعيش لأنفسنا وللآخرين تمتد حياتنا لما بعد أعمارنا".. لا تنتظر أن يحبك الناس وأنت لم تصنع شيئًا يترجم حبك، بل قم بخطوات إيجابية – بدون تمثيل – وترجم حبك للناس وبلا شروط.
ابتسم في وجوههم بلا استثناء، حاورهم بلطف، أدخل السرور على قلوبهم، زر مريضهم، ساعد فقيرهم، امسح على رأس يتيمهم، اسأل عن أحوالهم فردًا فردًا، وزِّع الهدايا لهم ولأطفالهم: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا منم حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}[آل عمران:159].
بالرحمة والعطف تأسر الآخرين ، أحسن إلى الناس تأسر قلوبهم، فطالما استأسر الناس إحسانٌ، وخذ هذه الهدية القيمة "التواضع" ألاَّ تلقي مسلمًا إلا وتظن أنه خيرٌ منك. يا سلام لو حفظتها ثم طبقتها.

كن متعدد المواهب.. لتشغل نفسك بمهارات متعددة حتى لا يستعمرك القلق والفراغ والضياع، تعلَّم وتعلَّم وتعلَّم وتدرب، فإنما "العلم بالتعلم .. ومن يتصبر يصبره الله".. الخط، الرسم، التمثيل، الإنشاد، برمجة الحاسوب، اللغات الحية، الشعر، الكتابة، الصحافة، السباحة، التنس، التايكوندو، الكونغ فو، المراسلة، الدعوة، الإلقاء والخطاب... {قد علم كُلُّ أُناسٍ مشربَهم}[البقرة:60].
وكلما كنت متعدد المواهب كنت شخصية مغناطيسية جذابة ناجحة.. فتعلم وتدرب فإن الشخص المتعدد المواهب والقدرات محبوبٌ ومقبول من الناس جميعًا وهو مهيأ لخدمة الآخرين ومساعدتهم وكسب رضاهم.. صدقني لن تشعر بالفراغ والملل طيلة حياتك قط.

ـــــــــ
مجلة الأسرة عدد 163-عبد القادر دهمان

Post: #261
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:04 AM
Parent: #260

ذهبت هند مع والدتها لزيارة خالتها ولقاء ابنتها حصة فهي أعز صديقة لها، ما إن وصلتا إلى البيت حتى انزوت هند مع حصة في غرفتها وراحتا تتجاذبان أطراف الحديث الذي بدأ كالعادة عن خطيبها راشد المبتعث في الخارج للدراسة.

كانت هند تعرف أن بينهما سوء تفاهم وخلافات بسبب طول مدة الخطبة (عامان) وتمسك راشد بإنهاء دراسته تمامًا قبل التفكير في الزواج ، أخبرتها حصة أنه وعدها في آخر مكالمة بأن يخبر والدها بقراره الأخير في هذا الموضوع ، انتقلتا إلى موضوع آخر ثم جاء أخوها الصغير يطلبها لملاقاة والده.

طال غياب حصة عند والدها وفجأة سمعت هند استغاثة خالتها، هرولت إليها لتجد حصة مغمى عليها، وكل من حولها يتمتم بكلمات من نوع "ما يستاهلك، ليس من نصيبك، الله يرزقك بأحسن منه .. كل شيء قسمة ونصيب". لم تكن هند بحاجة لتسألهم عما جرى، فقد أخبر خطيبها والده بأنه قرر فسخ الخطبة.

ستة أشهر كاملة قضتها حصة في معاناة وألم، فقد استدعى الأمر مراجعتها لطبيبة نفسية، وهاهي الآن تتماثل للشفاء تدريجيًّا جرَّاء تلك التجربة الأليمة.

أما نوف فقد كانت على النقيض تمامًا من حصة؛ فبعد خطبتها وعقد قرانها تأكدت أن الاختلافات الشخصية بينها وبين خطيبها لن تجعل منهما نواة لمشروع زواج سعيد، وتأكدت أن هذه الاختلافات ليست من النوع الذي يُعوَّل على الزمن لإصلاحه أو تغييره، فما كان منها إلا أن أخبرت والدها أنها تريد فسخ الخطبة، ورغم أن الوالد احتار في تدبير مبلغ المهر الذي دفعه الخطيب قبل عقد القرآن إلا أنه في النهاية اقتنع بوجهة نظر ابنته وتم فسخ الخطبة دون أي مشكلات.

نموذجان متناقضان !
حكاية حصة ونوف نموذجان لفسخ الخطبة على النقيض من بعضهما البعض.. لكن المحزن أن فسخ الخطبة غالبًا ما يترك آثاره السلبية على الفتاة، لاسيما أن بعض المجتمعات تنظر إلى من فسخت خطبتها كأنها طلقت، إذ تلوكها الألسن، وتزداد الأسئلة عن أسباب هذا الفسخ وتتعدد الاجتهادات والشائعات التي تكون في معظمها ضد الفتاة لدرجة أن كثيرًا من الشباب يترددون في خطبة من سبق فسخ خطبتها.

لهذه الأسباب تتردد الفتيات المخطوبات في طلب فسخ الخطوبة الذي يتم في الغالب بقرار من الشاب.. بل إن كثيرًا من الفتيات قد يكتشفن في الخاطب من العيوب ما يحتم فسخ الخطبة لكنهنَّ يترددن ويمضين في مشروع الزواج على أمل الإصلاح بعد الزواج، وهذا من أخطر الأخطاء التي تقع فيها الفتيات، فرغم كل ما يقال عن فسخ الخطبة إلا أنه يظل أخف وطأة من الطلاق.

الجزء الأكبر من معاناة الفتاة التي تفسخ خطبتها يأتي من المجتمع، لكن تجاوز آثار هذه التجربة يتوقف عليها.. أول خطوات هذا التجاوز ألا تعتبر ما حدث مصيبة أو كارثة وتطرد أي إحساس سلبي يراودها حول نفسها وتنظر للأمر على أنه أقدار وأرزاق وتدع لنفسها الخيال وتتصور أن الزواج تم بينهما، وأصبحت حياتهما الزوجية جحيمًا لا يطاق لم تجد له مخرجًا إلا بالطلاق بعد إنجاب الأبناء، عندئذ تتمنى أن لو كانت قد فسخت خطبتها..

ومن المهم أن تضع هذه التجربة في موضعها الحقيقي فلا ترفض كل من يتقدم لخطبتها خشية أن يكون مثل خطيبها السابق، ولا تسارع بقبول أي خاطب لها لتثبت أنها مطلوبة وأن العيب في خطيبها السابق وليس فيها. وإذا وُفقت في خاطب جديد فلا تخفي عنه فسخ الخطبة السابقة وإلا ظنَّ بها السوء.

أعرف فتاة تركها خطيبها بعد أن عرف من أقاربها أنها كانت مخطوبة فعندما سألها عن سبب إخفاء هذا الأمر عنه لم تجد مبررًا، فدفعته الظنون إلى أنها السبب وتأكد أنها مادامت قد أخفت عنه موضوعًا كهذا في بداية مشوارهما فلن تصلح زوجةً.

التقليل من شأن فسخ الخطبة لا ينبغي أن يدفع الفتيات المخطوبات إلى التفكير في الفسخ كلما واجهت إحداهن مشكلة أو اكتشفت عيبًا في خاطبها، إذ يجب النظر إليه على أنه بشر يصيب ويخطئ ولا يخلو من العيوب لاسيما إذا كانت عيوبًا لا تطعن في خلقه أو دينه.

ــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد 163

Post: #262
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:07 AM
Parent: #261

تخرَّج الشاب وعقد العزم على إتمام نصف دينه، وذهب لخطبة العروس.. لكنه فوجئ بالرفض.. لماذا؟؛ لأنه سيعيش مع أمه المسنة فى بيتها.. كانت صدمة أعقبها تساؤل: إلى من أترك أمى وأنا وحيدها أو آخر أبنائها؟ وهل من البر أن أترك أمى فى آخر عمرها وحيدة، بينما أسعد أنا فى حياتى مع عروس؟ وهل كل من لديه أم فى مثل ظروف أمى يعزف عن الزواج، ويُعرض نفسه للفساد والانحراف؟

هذه التساؤلات تدور فى عقول كثير من الشباب الذين يسعون للزواج فى حضن العائلة وحنان الأم برًا بأمهاتهم، وتكيفًا مع الظروف الاقتصادية الصعبة، وارتفاع تكاليف الزواج، وهذا التحقيق دعوة للبر، وإجلاء لمخاوف الفتيات من العيش مع الحماة، وتصحيح للصورة المشوهة للحماة التى أسهمت وسائل الإعلام فى تعميقها لديهن.

تزين المنزل لاستقبالى
تقول أم أسماء (حماة لأربع أزواج وزوجات): حينما أجلس مع صديقاتى وأتحدث عن زوجات أبنائى يقلن: إننى أعيش فى عالم غير عالمهن، فزوجات أبنائى طيبات، وأحس أنهن مثل بناتى، ولأن لى ابنتين متزوجتين؛ فإنى أعلم ما يضايقهن من تصرفات الحموات، فلا أفعله معهن، ولذلك فنحن نعيش فى انسجام بفضل الله تعالى، وبفضل المعاملة الطيبة؛ فإحدى زوجات أبنائى تسكن معى، والأخرى مع زوجها خارج مصر، وأذكر أننى حين سافرت مرة لزيارة ابنى فى أمريكا فوجدت زوجته قد زينت المنزل لاستقبالى، كما لو كانت تستقبل العيد.

كلهن بناتى
تقول أم مدحت (حماة لستة أزواج وزوجات): تزوجت مع حماتى التى أذاقتنى المر، ورغم ذلك عاهدت نفسى ألا أكون كما كانت، وأنا لى ثلاثة أبناء متزوجون، وثلاث بنات متزوجات أيضًا، وأعتبر أن الله رزقنى بثلاث بنات أخريات هن زوجات أولادى، وكذلك أزواج بناتى فكلهم طيبون، وأحبهم جميعًا كما أحب أولادى، ولا أفرق بينهم، وهم أيضًا يتمنون راحتى، ويحاولون إسعادى قدر استطاعتهم.

الحاجة سناء محمد (أم لأربعة أولاد متزوجين): أحب زوجات أولادى كثيرًا ومكانتهن فى قلبى مثل ابنتيَّ، ونحن نعيش كأسرة واحدة، فما ينفعهن ينفعنى، وما يضرهن يضرنى، نحن نعيش فى منزل واحد، ولكن كل أسرة فى شقة منفصلة، مما يتيح الاستقلالية لكل طرف بشكل يريحه فى التعامل مع الآخر، ويحافظ على الود بشكل دائم، وأكثر ما يحافظ على حب الحماة لزوجة ابنها مراعاتها لها، وخاصة فى حالة مرضها أو حاجتها للحنان والحب، ومساعدتها فى شئونها، وعلى الطرفين - زوجة الابن والحماة - أن يراعيا الله فى تصرفاتهما، وأن تتخذ زوجة الابن حماتها أمًا لها، سواء كانت بعيدة عنها أو تسكن معها.

داليا بدوى (زوجة منذ 10 سنوات): تزوجت فى شقة منفصلة عن حماتى، وهى أم فاضلة، زوجى ولدها الوحيد، ولكننا منذ أن تزوجنا كنا نأتى بشكل شبه يومى لزيارة حماتى والجلوس معها من أول النهار، ونعود إلى بيتنا ليلاً، وبعد أن أنجبت شَقَّ الأمر عليَّ؛ لأننا نسكن بعيدًا عنها، فقررت أن أستقر مع حماتى بعد زواج آخر بناتها وأنتقل للإقامة الكاملة معها، وأذكر أن حماتى ساعدتنى فى تربية أبنائى الثلاثة، وتعتبرنى ابنتها الرابعة، وتحبنى وتدافع عنى، فحماى وحماتى كأبى وأمى، وأحس أنى فى بيتى ولست فى بيت حماتى.

أم ثانية
سحر عثمان (زوجة منذ 7 سنوات): حينما خطبنى زوجى أخبرنى أنه سيعيش مع أمه فى شقتها، وقبلت بذلك؛ لأنه إنسان طيب وعشنا 5 سنوات مع حماتى، وكنت أعاملها كأمى وتعاملنى كابنتها، واعتبرت أنى فى بيتى، ولأنى موظفة كنت أذهب إلى عملى وأترك أبنائى فى رعايتها بدلاً من الذهاب بهم إلى الحضانة فى سن مبكرة، وسارت الأمور على ما يرام، ولم نترك حماتى إلا بعد أن جاءت إحدى بناتها للعيش معها، نظرًا لظروف طرأت عليها، فبحثنا عن شقة أخرى وانتقلنا.

عايدة محمد (زوجة منذ 17 سنة): تزوجت فى نفس المنزل الذى تعيش فيه حماتى، وكان لأخى زوجى الأكبر شقة فى الدور الأول، وتعيش والدته معه، ولكن بعد زواجنا انتقلت حماتى للعيش معنا، نظرًا لارتباطها الشديد بابنها (زوجى)، ورحبت بها كأمى، وارتاحت هى للعيش معى، وفى بداية زواجنا كانت حماتى تتضايق من كثرة خروجى، ولكن باتفاقى مع زوجى أفهمتها أننى أخرج للضرورات، ومع ذلك كنت أراعى كل طلباتها واحتياجاتها، وبعد فترة تعودت على الوضع، ولم تعد تتضرر.

ميزات عديدة
الدكتور إلهام فرج - أستاذة علم الاجتماع بجامعة بنى سويف - تحدثنا عن الحماة والعيش فى دفء العائلة فتقول: منذ فترة لا تزيد عن 50 سنة كان نظام الأسر فى الريف المصري هونظام الأسرة الممتدة، والتى تعنى معيشة الجد والجدة وأبنائهما وأحفادهما فى بيت واحد، ومعيشة واحدة، أما الآن فقد اتجه المجتمع إلى نظام الأسرة النووية الصغيرة، ولكل نظام عيوبه ومميزاته، ولكن نظرًا لظروف المجتمع الاقتصادية قد لا يجد الشاب مسكنًا غير بيت أمه، وقد لا يكون للأم أبناء غيره، فهل يتركها ويتخلى عنها، أم يظل بلا زواج؟

وأقول لكل فتاة ترفض المعيشة مع الحماة أو تبالغ فى الأمر، فترفض مجرد العيش فى منزل واحد ولو بشكل مستقل، أقول لها: إن المعيشة فى أحضان العائلة لها ميزاتها، فهى توفر - إلى حد كبير - الأمان المعنوى والسند الاجتماعى القريب، وقد يكون هناك حل وسط إذا كان هناك مجموعة من الإخوة يعيشون فى عمارة واحدة، وللأم والأب أو كلاهما شقة فيها، فيكون هذا شكل وسط بين النظامين المعروفين للأسرة سابقى الذكر، أما إذا لم يكن هناك سوى العيش مع والدته؛ فإن لذلك أيضًا ميزاته، فالأم تمثل خبرة سنوات وعطاء عمر بالنسبة لولدها وزوجته، كما أنها فى بعض الأحيان هى التى تستضيف الابن وزوجته فى شقتها، إذ لولاها ما استطاع الابن الزواج؛ لأنه ليس لديه شقة، كما أنها فى أحيان أخرى يكون لها معاش خاص، وتساعد فى نفقات المنزل، بل والأجمل والأهم من ذلك أنها تساعد كثيرًا فى تربية ورعاية الأبناء، ويعرف قيمة هذه النعمة من حرم منها.

حلول ممكنة
كما تؤكد د. إلهام على أهمية وعى الفتاة والعروس ومرونتها فى التعامل مع الحماة، سواء كانتا فى مسكن واحد أو فى مساكن مستقلة، وأن يكون لديها قدرة على التكيف مع الواقع وتحمل المسئولية، وأن تساير أمورها مع حماتها، وتحاول إرضاءها، وكذلك الزوج عليه إرضاء الطرفين دون ظلم لإحداهما، وكلمة مهمة أقولها للحماة: إذا كنت ستعيشين مع ابنك فاعلمى أن دورك الآن ليس قياديًا، ولكنه استشارى، فقد تخطيت هذه المرحلة فاتركيها لزوجة ابنك.

وتشير د. إلهام إلى نقطة مهمة، وهى أن وجود الحماة فى نفس المكان ليس هو المشكلة، ولكن المشكلة إذا كانت الشخصية صعبة، فهناك الكثير من الحموات اللاتى يدرن حياة أبنائهن من بعيد، رغم بُعد المسافة وأخريات فى داخل البيوت، ولا يتدخلن فى حياة الأبناء، والمهم أن يتفاهم الزوجان منذ البداية على خصوصيتهما ولا يسمحان بتدخل أحد من عائلتهما فى خلافاتهما إلا عند الضرورة للإصلاح.

وتضيف أن السبب الرئيسى للخوف من الحماة يرجع إلى تصوير وسائل الإعلام للحماة على أنها عدو لدود، وشخص يريد الاستبداد بالسلطة منذ أيام «مارى منيب»، كما أن هناك مثلاً فى تراثنا الشعبى يقول «الحمى عمى»، ولكن على كلا الطرفين الحماة وزوجة الابن أن يقدمان الحب والمودة، وأن يعتبران نفسيهما أسرة واحدة، وأم وابنتها، ولا تبالغان فى توقعاتهما عن بعضهما حتى لا يخالف الواقع هذه التوقعات، فتبدأ المشكلات.
مركز الإعلام العربي

Post: #263
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:10 AM
Parent: #262

مصطلح جديد ظهر، وانتشر هذه الأيام، وهو «نيولوك» ويعنى المظهر الجديد، فهو يركز أول ما يركز على الشكل الخارجى وتغييره.

لكن نادرًا ما يتطرق مصطلح الـ «نيولوك» إلى الأفعال والأعمال؛ حيث تستطيع المرأة، وكذلك الرجل عمل «نيولوك» لحياتهما ونظرتهما للحياة، وذلك بالنظر إلى الحياة من منظار جديد.

إن تجديد الشكل أمر مرغوب ومهم على أن يكون بطريقة إيجابية، ونحن نحتاج إلى «نيولوك» للروح أولاً حتى تضفى بهاءً وإشراقًا ونورًا على المظهر الخارجى.

ابتداع الممثلين
- مروة أحمد محمد - مترجمة بإحدى الهيئات تقول: إن التغيير سمة أساسية فى حياة الإنسان؛ حيث إن الدوام لله وحده، والإنسان يسعى بطبعه للتغيير فى حياته، ومن بينه ذلك مظهره، ودائمًا ما كان يعرف تغيير المظهر «بالموضة» التى تختلف من عام لآخر، لكن هذه الأيام ظهر اسم وأسلوب جديد للتغيير وهو ما يسمى «النيولوك»، وهو فى الأساس من ابتداع الممثلين والفنانين، ويبدو أن هذا رغبة منهم فى كسر الملل، وتجديد الشباب، كما يقولون، النيولوك لديهم يتمثل فى تغيير يطرأ عليهم فى الشعر، لونه، وتسريحته، ولون البشرة، ونمط الملابس، وشباب هذه الأيام يقلد تقليدًا أعمى، ويبحث عن شخصية جديدة له عن طريق «النيولوك» بالتغيير الظاهرى فقط ، ولا أدرى كيف يمكن أن يكون للتغيير الظاهرى أثر كبير فى الحياة؟

إن التغيير الداخلى هو الذى يدوم ويكون أكثر نفعًا، وعلى هذا ينبغى النظر لمفهوم «النيولوك» بشكل مختلف بأن يكون التغيير مثلاً فى نمط الحياة، وأسلوب معاملة الناس.

سامية سيد - موظفة بإحدى الهيئات - تقول: انتشر النيولوك بشكل كبير بين الفنانين والفنانات فى الفترة الأخيرة، فهذا فنان تعدى الستين من عمره، وكأنه ابن العشرين فى الشكل فقط بالطبع؛ لأن أعضاء الجسم لم يحدث لها تجديد، ذلك لأن الله (سبحانه وتعالى) قد أراد أن يمر بها الإنسان، وهذه هى سنة الحياة، وعلى الإنسان أن يتمتع بكل مرحلة من مراحل حياته، وبما قدره الله له من طفولة وشباب وكهولة.

الحاجة إلى التجديد
سوسن بهاء - ليسانس ترجمة فورية تقول: تعنى كلمة «نيولوك» باللغة الإنجليزية الظهور بمظهر جديد، وفى هذا الإطار يعد تجديد المظهر أمرًا محببًا إلى النفس، ومحبذًا من وقت لآخر.

وكما يحرص الإنسان على اقتناء الجديد فإنه يسعد بتجدد وتغيير المشاعر لديه من حزن إلى فرح، وباختلاف المشاعر والأحاسيس لديه عند انتقاله من مرحلة عمرية إلى مرحلة عمرية مختلفة، وكإحساسه كلما مر بتجربة جديدة، وكلما قابل أشخاصًا جددًا أو زار أماكن لم يزرها من قبل، وبهذا الشكل يعد التجديد حاجة دائمة وضرورية لكل شخص منا لدفعه للأمام.

إلا أن البعض قد يبالغ فى الطريقة التى ينتهجها للحصول على «نيولوك» أو مظهر جديد، وقد تصل الرغبة فى التجديد للسعى للظهور بمظهر لافت للنظر بأى طريقة كانت حتى لو كان هذا المظهر يتنافى مع الذوق العام، أو مع تقاليد مجتمعاتهم ، أو حتى مع تعاليم الدين.

وهنا تبرز أهمية الحذر والحكمة عند اختيار الجديد لتجنب ما قد يخلفه الانسياق الجامح وراء الجديد من تضاؤل الرصيد الذى نتمتع به الشخص من تقدير وإعجاب فى نظر المحيطين به، كذلك عدم فقدانه للملامح المميزة لشخصيته، وهنا لابد من عمل توازن بين ما يرغب فيه الإنسان، وبين ما يجب أن يحققه من غايات سامية يسعد ببلوغها.

هبة صلاح - معيدة بالجامعة تؤكد على أن النيولوك ظاهرة منتشرة فى هذه الأيام، وتهتم بالمظاهر الخارجية الشكلية للإنسان، ولهذا ينبغى سؤال علماء الدين أولاً: هل هو حرام، أم حلال قبل قيام أى إنسان بتغيير شكله ومظهره.

علا عبد الغنى على - موظفة بإحدى الهيئات الحكومية تقول: هناك معنى قريب للنيولوك، وهو تغيير ملامح الشخص عن طريق عمليات التجميل التى تضفى على الشخص شكلاً جديدًا من حيث الملامح كتغيير حجم الأنف والفم، أما المعنى الآخر البعيد للنيولوك فيكون فى اتجاه الشخص لفكر جديد ينبع من الشخص نفسه فى إرادته لتغيير شخصيته من حيث آرائه فى الحياة ومبادئه، وفى بعض الأحيان تتغير آراء الإنسان عن طريق مغادرته لمكان إقامته، والتقائه بأشخاص جدد لم يتعامل معهم من قبل، وربما يتعرض الإنسان لبعض الأزمات التى تصقل شخصيته، وتجعلها أكثر صلابة وقوة.

إلا أن هناك الكثيرين من الأشخاص لا يفضلون إحداث تغيير خارجى شكلى لهم مفضلين الشكل الذى أوجدهم عليه الخالق سبحانه وتعالى، بالإضافة إلى أن البعض من الصعب تغيير شخصياتهم مهما تعرضوا لمؤثرات خارجية.

لهؤلاء فقط
د. هدى محمد - طبيبة تقول: إن الإنسان الطبيعى يرضى بما قسمه الله له من شكل وصورة خارجية، ويحمد الله على ذلك، خاصة إذا لم يكن معوّقًا بأى شكل من الأشكال، وكان صحيح البنية ذا صحة جيدة، أما رغبة البعض الجامحة فى تغيير شكلهم الخارجى كل فترة فيعد أمرًا غير طبيعى، أما من تعرضوا لحروق شديدة أدت إلى تشويه جلدهم، سواء فى الوجه، أو الجسم، هنا يكون التجميل والتغيير مطلوبًا للحفاظ على السلامة النفسية لهم، ولكى يستطيعوا مواجهة المجتمع، والتعامل مع من حولهم بيسر دون حرج.

عماد الدين زغلول - كيميائى - يؤكد على أنه إذا كان النيولوك يعنى تجديد وتغيير شكل الإنسان الخارجى، وتقليد الغرب فى ذلك فيما لا يتناسب مع عاداتنا وتقاليدنا، فهذا مرفوض، ولكن إذا كان محاولة لتغيير وتطوير الإنسان للأفضل، سواء فى شكله أو فى شخصيته، وتنمية مهاراته، فهذا مقبول ومطلوب.

وإذا حدث النيولوك بطريقة تناسب مجتمعنا فسيكون له فائدة فى كسر الملل فى حياة الإنسان، وسيؤدى إلى تطوير شخصيته ومهاراته، ومن المهم والضرورى أن يحاول الإنسان تجديد فكره بما يجعله قادرًا على خدمة دينه وبلده.

سارة رمضان - طالبة فى الصف الثانى الثانوى تقول: يجب أن يكون التغيير فى شخصية الإنسان، وفى تصرفاته، وسلوكه بأن يغير سلوكه للأفضل فى معاملته مع الآخرين، وأن يغير نفسه من الأنانية، والأثرة إلى الإيثار، وحب الآخرين، وتمنى الخير لهم.

على محمود - أحمد عادل يؤكدان أنه لابد أن يكون هناك «نيولوك» فى الحياة الزوجية، فلا تسير على وتيرة واحدة، خاصة بعد استمرار الزواج عدة سنوات حيث تحتاج الزوجة بعدها لعمل تغيير ولو بسيط لشكلها داخل المنزل، وأن تهتم بأناقتها وشعرها، كذلك فى أسلوب معاملتها لزوجها؛ حيث إن الأعباء والمسئوليات تتزايد على المرأة، وكذلك على الرجل بمرور سنوات الزواج، وإنجاب الأطفال، وتزايد مسئولياتهم، الأمر الذى يتطلب ضرورة وجود تغيير وتجديد سواء فى الشكل، أو بزيارة بعض الأماكن الجديدة، كذلك على الرجل أن يحسن معاملة زوجته؛ ومساعدتها، وتغيير نمط حياته معها لكى تستمر الحياة بلا ملل، وتسير فى هدوء وتجديد.
اسلام ويب

Post: #264
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:12 AM
Parent: #263

تعد علاقة الزوجة مع أهل زوجها تحديًا كبيرًا لمعظم الزوجات الجديدات – وكثير من القديمات أيضًا – فهذه العلاقة غالبًا ما تخضع لشد وجذب وتوتر وهدوء قبل أن يفهم كل منهما الطرف الآخر ويتوصل إلى الأسلوب الأمثل للتعامل معه.

تبدأ نقطة التوتر مع شعور الزوجة – صدقًا أو توهمًا – أن سلوكها وتصرفاتها وحركاتها وأسلوبها موضع مراقبة أو نقد من أهل زوجها، وشعور أهل الزوج أن هذه العروس جاءت لتخطف ابنهم منهم وتقطع صلته بأهله.

فكثير من الأمهات يشعرن مع زوجات أبنائهنَّ بأنهن قد فقدنهم، وكثيرًا ما يتحول هذا الشعور إلى سلوك مرضي، وقصص الأمهات في ذلك كثير، فبعضهنَّ تدعي المرض للإبقاء على الابن قريبًا، وبعضهن تحرص على عدم تزويج الابن من فرط شعورها بالفقد لو تزوج.

أيا كانت مخاوف الأهل – لاسيما الأمهات – من فقد ابنهن بعد الزواج واستئثار الزوجة به ، حقيقية كانت أم متوهمة، فلابد أن تتعاملي معها بجدية، وأن تشعريهم أن زواج ابنهم أضاف للأسرة ابنة جديدة ولم يخطف منها شابًا.

الاختلاف من سنن الحياة
أما شعورك بأنك تحت المراقبة من قبل أهل زوجك فلا يجب أن يدفعك إلى الارتباك، بل إلى الحذر لا أكثر بأن تفكري في فهمهم لهذا السلوك أو ذاك، أو حتى تبادري بشرحه لهم، وليس ذلك تقليلاً من شخصيتك أو انتقاصًا من استقلالك بقدر ماهو محاولة منك ليفهموك على حقيقتك ولا يسيئوا تفسير بعض ما يرونه منك من تصرفات، وفي كل الأحوال لا تتوقعي منهم أن ينظروا للأمور كما ترينها أنت، واقبلي الاختلاف بينكم في ذلك، فهذا من سنن الحياة.

إذا كنت تسكنين مع أهل زوجك فاحرصي على الإحسان إلى أمه وصداقة أخواته والتقرب منهنَّ وإشعارهنَّ بأنك قد أصبحت واحدة من العائلة، أما إذا كنت تعيشين في سكن مستقل فاحرصي على مداومة الزيارة بصفة منتظمة وليس في المناسبات فقط، حتى لا يشعر أهل زوجك أنك خطفت ابنهم، وفي مناسبات العائلة احرصي أنت وزوجك على أن تكونا أول الحاضرين والمشاركين في السراء والضراء.

حتمية الخلاف
مهما كانت علاقتك بأهل زوجك من حيث المودة والمتانة فلابد أن يقع بينكم خلاف، إذا عرفت ذلك واستعددت له أمكنك معالجة الأمر بهدوء وعقلانية، أما إذا كنت ممن يعتقدن أن علاقتها بأهل زوجها أصبحت سمنًا على عسل ولن تعرف المشكلات لها طريقًا، فإن ذلك قد يربكك مع أصغر مشكلة تظهر لك على الطريق.

إن معاناتنا في الحياة لا تتوقف على المشكلات التي تواجهنا، بل على طريقتنا في معالجة تلك المشكلات وأول ما يجب عمله في مواجهة أية مشكلة تظهر مع أهل زوجك أن تستبعدي مبدأ الاستقواء بزوجك على أهله أو تحريضه عليهم، حتى ولو كانت حجتك قوية، وخطؤهم ظاهر، إذ يجب أن يكون منهجك في التعامل مع المشاكل هو حلها لا إدانة الطرف الآخر فيها، فتلك الإدانة أو السعي إليها غالبًا ما تزيد الطين بلة وتزيد المشكلة تعقيدًا.

إما أنا أو أهلك !!!
وإذا كان عليك ألا تسعي إلى إدانة أهل زوجك وتخطئتهم في أي مشكلة تظهر بينكم فمن باب أولى ألا تلومي زوجك لتصرف صدر من أهله، أو تضعيه أمام الاختيار المر الذي تلجأ إليه كثير من الزوجات الحمقاوات (إما أنا أو أهلك)، وفي المقابل إذا حدث خلاف بين زوجك وأهله فاحرصي على أن تكوني رسول سلام بينهم، ولا تستغلي الفرصة لتوغري صدره تجاه أهله أو تؤكدي صدق شكواك منهم، فخلاف زوجك مع أهله سيزول آجلاً أم عاجلاً، ويبقى في ذهنه سلوكك أنت أثناء ذلك الخلاف.

وأخيرًا ضعي نفسك مكان أم زوجك وعامليها كما تودين أن تعاملك زوجة ابنك في المستقبل.

إن كثيرًا من الزوجات لا يعترفن بخطأهنَّ تجاه أم الزوج إلا بعد أن يتزوج أبناؤهنَّ ويعشن التجربة بأنفسهنَّ فيدركن أنهنَّ قسون على أم الزوج التي تكون غالبًا في عداد الأموات وتنقطع الفرصة في التكفير عن الأخطاء.
مجلة الأسرة عدد 161

Post: #265
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:16 AM
Parent: #264

اللحوم المصنعة أسرار وأخطار
يفضل الكثير من الناس استخدام اللحوم المصنعة في غذائهم كالبسطرمة واللانشون والسجق والهامبورجر وغيرها لمذاقها الخاص وطعمها المميز

هذه اللحوم عبارة عن أغذية يعاب عليها ارتفاع معدلات السعرات الحرارية وارتفاع معدلات الدهون المشبعة الغنية بالكولسترول، وأيضًا الأملاح المتعددة التي تضاف لها لكي تعمل – كمضادات للميكروبات – على تجفيفها أو حفظها.

الخطورة تأتي للحوم المصنعة من هذه الإضافات، ومن بينها مواد مثل أحادي جلوتيوميت الصوديوم أم أملاح الفوسفات أو النترييت، فالمادة الأولى تستخدم لإعطاء النكهة لهذه اللحوم وتستخدم بكثرة من مطاعم جنوب شرق آسيا مع الحساء لتعطي نكهة اللحوم، ولكن ثبت أن هناك أعراضًا مرضية ظهرت على المستهلكين مثل الاضطرابات العصبية.

كما تضاف أملاح الفوسفات إلى محاليل معالجة اللحم بهدف حبس الماء ويستفاد من حبس الماء قدرة الحمولة المائية في تصنيع بعض المنتجات مثل الهوت دوج والبلوني وغيرهما.

أما أملاح النتريت فهي تستخدم لأكثر من غرض أولها إعطاء اللحوم اللون اللوردي الزاهي الذي يميز العديد من اللحوم المصنعة، وثانيها استخدامها كمادة حافظة من بكتريا التسمم الغذائي، وثالثهما كمادة مضادة لأكسدة الدهون في اللحم، وأخيرًا للحفاظ على طعم اللحم، وخطورة أملاح النتريت أنها تتحد مع أجزاء من البروتين الأمينات وتكوّن النيتروزأمين الذي قد يؤدي إلى الإصابة بالسرطان فقد أظهر هذا المركب خطورته على حيوانات التجارب.

وعلى الرغم من ذلك يؤيد البعض استخدام النتريت في حفظ اللحوم المصنعة وحجتهم أن خطورته تكون في زيادة الكمية المضافة منه (الجرعة المضافة) ويستشهدون على حصول الإنسان على أملاح النتريت من التربة ومن الخضروات، كما أنها موجودة أيضًا في لعاب الإنسان، وأن البروتين يبقى في الجهاز الهضمي مدة طويلة نسبيًا وتكوّن النيتروزأمين بنسب بسيطة لا خطورة منها، وتحدد التشريعات الدولية بدقة صارمة هذه الكميات والحدود الآمنة منها.

وخطورة أخرى للحوم المصنعة تأتي من إضافة مضادات الأكسدة التي تستخدم لحفظ المواد الدهنية من التزنخ إلا أن إضافتها تتم بنسب تتعدى المسموح به والبديل الآمن هو إضافة مواد طبيعية بدلاً منها.

تصيب بالسكري:

واكتشف باحثون في جامعة هارفارد الأمريكية أن المرتديلا والسجق وغيرهما من اللحوم المعالجة تزيد خطر إصابة الرجال بداء السكري.

ووجد العلماء أن الرجال الذين يستهلكون اللحوم المصنعة مثل السجق والبيكن والسلامي والمرتديلا وغيرها لخمس مرات أو أكثر أسبوعيًا يكونون أكثر عرضة للإصابة بسكري النوع الثاني بنسبة 46% مقارنة مع من يتناولون مثل هذه اللحوم بكميات أقل.

ولاحظ الباحثون بعد تحليل المعلومات الغذائية عن 12 سنة ماضية لأكثر من 42 ألف رجل تراوحت أعمارهم بين 40 و75 عامًا، أنه كلما تناول الرجال كميات أكبر من اللحوم المصنعة زاد خطر إصابتهم بالسكري.

ويرى الخبراء أن مواد النتريت الموجودة في اللحوم المعلبة والمصنعة تؤذي خلايا البنكرياس المنتجة لهرمون الأنسولين الذي يساعد في تحويل السكر إلى طاقة في الجسم، وشدد هؤلاء في الدراسة التي نشرتها مجلة العناية بمرضى السكري الصادرة عن الجمعية الأمريكية لمرض السكري، على ضرورة الاعتدال في تناول اللحوم المصنعة وليس التخلي عنها تمامًا، مؤكدين أهمية إجراء المزيد من الدراسات للكشف عن تأثيراتها، لاسيما أن تناولها يتم مع أطعمة دسمة أخرى مثل البطاطس المقلية.
مجلة الأسرة عدد 161

Post: #266
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:19 AM
Parent: #265

تتراقص الفرحة فى عينى كل أم حينما تعرف أن فى أحشائها جنينًا.. وتكبر الفرحة مع أول ابتسامة وأول صرخة لفلذة الكبد.. تتفانى الأم وتبذل عمرها وراحتها لأجله أو لأجلها، وتمر السنون ليحين وقت حصاد الغرس.. ترى ماذا تحصد أمهاتنا؟.. وماذا يجنى آباؤنا من سعى العمر الطويل ومعاناة السنين؟.. تجولت فى بعض المستشفيات، وصدمتنى الإجابة!

رأسها الأشيب محاط بالضمادات.. آهاتها تكسر القلب، والحزن يسكن عينيها.. هى أم سقطت فى حمام منزلها، وهى تعيش وحدها بعد زواج أبنائها، وظلت يومًا كاملاً تئن وتنزف إلى أن تذكرها ابنها وذهب لزيارتها، ونقلها إلى المستشفى وانصرف مرتاح الضمير، لتكمل هى مأساة وحدتها!

كل واحد فى بيته
على السرير المجاور لمحتها.. ساقاها مفرودتان والجبس يخفى ضعفهما، سألتها عن حالها فابتسمت بحزن وقالت: كما ترين.. ساقاى اللتان كانتا لا تتعبان انكسرتا.. ولولا أن الجيران سمعوا آهاتى بعد أن انزلقت قدماى ونقلونى بفضل الله إلى المستشفى لظللت وحدى حتى الموت قرأت فى عينى السؤال، فقالت بأسى: أولادى.. كل واحد فى بيته مشغول بحاله، يا بنتى الحافظ هو الله.. وربنا يكفيك شر المرض!

أما تلك العجوز؛ فقد جعلنى منظرها أكاد أجرى فى الشوارع وأصرخ منادية أبناءها ليغيثوا أمهم بعد عمر العطاء الطويل، كانت نائمة بلا حول ولا قوة - لا تدرى بشيء حولها بعد أن أصابتها الغيبوبة، بينما يتسلل إليها محلول التغذية قطرة قطرة، ولكنه لا يبلل شفتيها الجافتين.

أشارت إليها الممرضة بحزن وقالت: القلوب صارت مثل الحجارة، فقد أحضرت لنا إحدى دور المسنين هذه السيدة بعد أن تركها أبناؤها فيها وتوقفوا عن زيارتها، وحتى بعد مرضها لا أحد يسأل عنها، مسكينة، والجحود أصعب من المرض.

أما هذا الشيخ.. فقد حزم أمره واتخذ قراره وذهب على قدميه إلى المستشفى بعد أن أصابه السرطان وانفض من حوله أبناؤه، فقرر أن يغادر منزله لكيلا يموت وحيدًا، حكايته قالتها لى الممرضة وهى تشير إلى مكانه، وتقول: وتحققت أمنيته ومات هنا، وشيعناه بدموعنا.

وعلى سرير آخر كانت ترقد مكومة.. دقيقة الحجم ، بينما يمر عليها الأطباء ويداعبونها دون أن يعطوها أى دواء..

سألت أحدهم، فقال: إن عندها حزمة أمراض والعلاج غير مفيد، ولا يفيدها إلا الوجود وسط أسرتها وأبنائها، ولكن للأسف.. تركها ابنها هنا منذ أسابيع، ولم يعد يسأل عنها، وليس أمامنا إلا أن نلحقها بدار مسنين بعد أن تتحسن حالتها.

نقطة ضوء
ووسط قتامة تلك الصورة.. كانت هناك بعض نقاط الضوء، فقد أحاط مجموعة من الرجال والسيدات بامرأة عجوز.. يطعمونها ويجففون عرقها، ويعدلون وسادتها، وعرفت أنهم أبناؤها الذين لا يفارقونها ويتناوبون عليها ليل نهار.

وفى الوقت نفسه - حكى لى طبيب قصة مؤثرة عن زميله الذى رفض أن يتزوج ليرعى أمه الأرملة دون أن تشاركه فيها زوجة - فقد تزوج كل إخوته وأخواته، وتفرغ هو لأمه، وفى فترة غيابه عنها كان يوفر لها من يقم على خدمتها من الممرضات اللاتى يعملن فى المستشفى، ويبذل فى سبيل ذلك أموالاً طائلة.. ومن شدة حبه لأمه كان يجلس أمامها على ركبتيه يضاحكها، وكان يمشط شعرها بنفسه برفق حتى لا تتألم، وظل هكذا حتى توفيت أمه، وخلت حياته منها، فلم يتحمل فراقها ولحق بها بعد شهرين، وكان عمره وقتها (60) عامًا!

خلل تربوى
يفسر لنا الدكتور على السيد - أستاذ أصول التربية بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة - ظاهرة جحود الأبناء بالفجوة التى أحدثتها التطورات المعاصرة فى شتى مجالات الحياة بين جيل وجيل، بالإضافة إلى خلل التربية فى نطاق الأسرة، وتدليل الأبناء مما ينشئهم غير متحملين للمسئولية، فضلاً عن نقص الوعى الدينى لدى الأبناء، وضيق ذات اليد .

ديموقراطية التربية
ويفسر د. على دور التربية أكثر فى جحود الأبناء، مؤكدًا أن هناك ثلاثة أنماط من التربية الأسرية هى: النمط التشاوري ، وهو الذى يشرك فيه الآباء الأبناء فى معظم الأمور الخاصة بالأسرة، وبالتالى يقلل من حدوث المشكلات وسوء التفاهم بينهم.

والنمط الثانى هو: النمط الديكتاتورى، وفى هذا النمط يكون ولى الأمر، سواءً كان الأب أو الأم متسلطًا وحاكمًا بأمره، ومن الممكن أن يُحدث ذلك شرخًا قويًا فى شخصيات الأبناء، ويتولد عنه الكبت والإحباط وعدم الانتماء إلى الأبوين.

أما النمط الثالث فهو نمط اللامبالاة، وهو الذى لا يعرف متى يخرج الأبناء ومتى يعودون، ليس لديه القدرة على حل المشكلات أو تحمل المسئولية، وبالتالى لا يشعر أبناؤه بالدفء العاطفى داخل الأسرة، مما قد ينتج عنه إهمال الأبناء فى معاملة آبائهم ردًا لكيل بكيل.
اسلام ويب

Post: #267
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:49 AM
Parent: #266

ذوو الاحتياجات الخاصة طاقات متى نستغلها ؟
وقفة إنصاف!
هذا هو الشعار الذى ترفعه نخبة من مفكرينا الذين ساءهم ما يتعرض له المبتلون فى مجتمعاتنا من ظلم وإساءة فهم، ومعاملة، فهم مهمشون اجتماعيًا، مشوهو الصورة إعلاميًا، يتم التعامل معهم بمرجعيات بعيدة عن الموقف الإسلامى الجميل من هذه الفئة التى لم يخل منها المجتمع الإسلامى الأول، الذى قدم أروع صور احترام وتقدير أصحاب الابتلاءات.

شهادة هؤلاء المفكرين نقدمها لتكون دعوة لإعادة النظر فى مواقفنا الأسرية، والاجتماعية، والإعلامية من ذوى الاحتياجات الخاصة.

عتاب الله لرسوله (صلى الله عليه وسلم) فيهم
د. عبد المقصود باشا - أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: إذا طالعنا التاريخ الإسلامى وجدنا أمثلة ونماذج كثيرة تحض على التعامل الخاص والسوى مع ذوى الاحتياجات الخاصة، بل إن الله جل فى علاه أمر بذلك، وحض عليه، بل ووجه إلى رسوله (صلى الله عليه وسلم) عتابًا حتى يلقى مثل هؤلاء الناس العناية كلها من المجتمع.

وكلنا يعرف سبب نزول سورة (عبس)، والتوجيه لنا جميعًا بقوله: {عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى}، فقد عوتب خير البشر لتوليه عن شخص «أعمى» لا يراه، ولكن الله (سبحانه وتعالى) يريد أن يربى خلقه على توقير هؤلاء وتقديرهم، والاهتمام بهم.

ويضيف د. عبد المقصود أن مفهوم ذوى الاحتياجات الخاصة فى الإسلام لا يقتصر على المبتلين أو المعاقين، فالمسنون وفاقدو العائل لهم احتياجات خاصة أيضًا، اعتنى بها الإسلام.

فهذا عمر بن الخطاب (رضى الله عنه) يقابل عجوزًا يهوديًا يتكئ على عصاه، يتسول فى الطرقات، فيسأله عمر: ما ألجأك إلى هذا؟ فيقول العجوز اليهودى: الحاجة، فيأخذه بيده، يكاد أن يحمله، ثم يذهب به إلى خازن بيت المال، فيقول له عمر (رضى الله عنه): أيها الخازن انظر إلى هذا وأقرانه، فليكن لهم نصيب شهرى من بيت مال المسلمين، فلا يضطرون بعدها إلى ذل المسألة.

فتأمل أيها القارئ الكريم قول الله (عز وجل) تجاه الأعمى، وتصرف عمر بن الخطاب تجاه اليهودى الطاعن فى السن، أبعد هذا يمكن أن تكون هناك حضارة اهتمت بهذه النوعيات من البشر قدر اهتمام الحضارة الإسلامية فى عصورها الزاهرة؟

فقد قال ابن بطوطة - صاحب الرحلات العظيمة - التى جاب فيها أقطار الدنيا فى عصره أنه رأى أثناء رحلته إلى الأندلس دارًا واسعة الأرجاء، فيها المتنزهات والمستشفيات والمطابخ، فلما سأل لمن هذه الدور الكثيرة ذات الأسوار الضخمة والمطابخ العديدة، والمشافى المتخصصة، فقيل له: إنها للمطلقات والعوانس الذين قعدت بهن ظروف الحياة.

وكانت هذه الدور تسع ألف مطلقة وعانس، تؤمن فيها حياتهن من مطعم، ومشرب، وملبس، ومسكن، وعلاج.

ولم يكن مثل هذه الدور فى كل بلاد أوروبا فى ذلك الوقت، ولا شك أن المطلقات والعوانس أيضًا ذوات احتياجات خاصة.

الصورة الحسنة
د. شعيب الغباشى - أستاذ الصحافة الإسلامية بجامعة الأزهر: إذا قيمنا دور وسائل الإعلام فى خدمة المعوقين نجدها تركز على فئات مجتمعية معينة، وتغفل وتتغافل، وتهمش فئات أخرى، وهذا لون من الضعف وقلة التوازن فى تناول هذه الوسائل، ومن هذه الطوائف المهمشة فئات ذوى الاحتياجات الخاصة، فلا نكاد نراهم فى وسائل الإعلام.

وإن حدث فإنهم يظهرون بصورة مشوهة وسلبية تقزز المشاهد، وتدفعه إلى عدم الاكتراث بهم، ومثال ذلك ما تم عرضه فى فيلم يقدم قصة رجل كفيف غير مستقيم الأخلاق، وغير منضبط التصرفات، ويمارس الفاحشة، ويقترف ما يتناقض مع ما يتوهم البعض أنه عليه من دين أو علم شرعى.

ويقع على عاتق وسائل الإعلام إبراز الواقع الذى يعيشه هؤلاء المبتلون بصورته الحقيقية من غير تزييف، أو محاباة.

وعلى الجانب الآخر هؤلاء لهم احتياجات إعلامية وفنية وتربوية، على وسائل الإعلام أن تلبيها لهم، وأن تحققها، بمعنى أن تقدم أعمالاً خاصة بهم ولهم مترجمة بلغة الإشارة للصم والبكم، وتهتم بالمؤثرات الصوتية للمكفوفين، ويجب تعميم خدمة الترجمة هذه فى كل المسلسلات والبرامج، حتى تحقق هدف التواصل مع هذه الشريحة المهمة فى المجتمع والمهمشة فى الحياة.

عباقرة ومبدعون
د. محمود حماد - أستاذ الإذاعة والتليفزيون بقسم الصحافة والإعلام جامعة الأزهر: إذا اعتبرنا أن الأطفال المبتلين مشكلة، فينبغى أن تولى الدولة عنايتها بدراسة هذه المشكلة، وتقديم الحلول التى تساعد أسر هؤلاء الأطفال على التعامل معهم، فتقيم المراكز التأهيلية والترفيهية والتربوية التى تأمن فيها الأسر على أبنائها، وتقدم فيها خدمة حقيقية، بحيث لا يقتصر الأمر على الرعاية أو الاهتمام فقط من ناحية الأكل والشرب، وإنما ينبغى أن تمتد الرعاية إلى الناحية الطبية والنفسية والإعداد والتدريب، حتى تنمو القدرات الخاصة عند هؤلاء الأطفال، بحيث يتعلمون مهارات وخبرات تمكنهم من إعالة أنفسهم، أو الاعتماد على المجتمع فى أدنى الحدود، وبالتالى يجب على كل أجهزة الإعلام فى الدولة أن تقدم الصورة الإيجابية لهؤلاء، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من كيان المجتمع، وليسوا مجرد تمائم أو شيوخًا طيبين نلتمس منهم البركة، فهؤلاء الناس يمكن أن يكونوا عباقرة ومبدعين، وقد حدث ذلك بالفعل؛ إذ قامت إحدى عالمات النفس الاجتماعى حول احتياجات المعاقون، وكيفية تنمية المهارات عندهم، وتمكنت بالفعل من إخراج مبدعين فى مجالات عديدة من خلال بعض النماذج التى انتقتها، وأعدت لها برامج تدريب ورعاية وتأهيل جيدة.

عدم الخجل
د. سعيدة أبو سوسوا - أستاذ الصحة النفسية بكلية الدراسات الإنسانية جامعة الأزهر: بدأت وسائل الإعلام تهتم فى هذه الأيام بذوى الاحتياجات الخاصة أكثر من السنوات الماضية، والدور الذى يقع على عاتقها من وجهة نظرى هو دور التوعية المستنيرة التى تعتمد على النظرية والتطبيق.

وتبدأ هذه التوعية داخل الأسرة بدءًا بالأم وتدريبها على كيفية التعامل السوى مع ابنها المعوق، وألا تحرج منه، فبعض الناس قد يخجلون من ابنهم المعوق لنقص فى أنفسهم، ولجهل فى دينهم، ولهؤلاء أقول: لا تخجلوا من أطفالكم المعوقين، وكونوا لهم سندًا فى هذه الحياة، فهم نعمة عظيمة لمن صبر عليها، وأحسن استخدامها، والرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول: «أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يبتلى الرجل على قدر دينه»، فهذا فضل تشاركون فيه الأنبياء، وأولى الصبر من الناس.

وأقول لأم المعوق: لا تفرقى فى المعاملة بين طفلك المعوق وبين إخوته العاديين بدعوى أنه لا يفهم، فمن الواجب عليك أن تحيطيه بمزيد من العطف والحنان والرعاية، خصوصًا إذا كان مبتلى ذهنيًا، وليس الرعاية حكرًا على الأم وحدها، بل واجبة على الأسرة كلها من الأب والأبناء والأهل والأقارب، فهؤلاء عليهم جميعًا مساعدة الأم فى ذلك؛ لأن الطفل المبتلى يحتاج إلى رعاية خاصة، وخدمات أكثر من الفرد العادى.

وتضيف د. سعيدة: إننى أعيب على بعض الآباء ضجرهم بأولادهم المعوقين مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال فى حديثه الشريف: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الرجل راع فى بيته ومسؤول عن رعيته»، وهذا الضجر خطأ كبير، وقسوة غير مقبول، فهؤلاء يتسمون بقدرات عقلية محدودة لا تتفق مع أعمارهم.

ومع الأسف الشديد نحن نرى فى مجتمعاتنا أناسًا قد نزعت الرحمة والشفقة من قلوبهم، وربما يكونون من أهل هؤلاء الأطفال، ويستغلون المعوقين استغلالاً سيئًا بحثًا عن التربح المشبوه من خلال التسول.

وعلى الأسر المسلمة التى أصيبت بنوع من هذا البلاء أن توجه اهتماماتها نحو تنمية قدرات هؤلاء الأطفال، ودفعهم نحو التعلم، وحتى لا يقعوا فى براثن الجهل والأمية اللذين يزيدان الأمر سوءًا، وليبتغوا من وراء ذلك الأجر والثواب من الله الكريم، وأذكرهم بقول الله (عز وجل) فى حديثه القدسى الجليل على لسان حبيبه محمد (صلى الله عليه وسلم):« إذا ابتليت عبدى ببلاء فى جسمه أو ماله أو أهله، واستقبل ذلك بصبر جميل، استحييت منه يوم القيامة من أن أنصب له ميزانًا أو أرفع له ديوانًا وأدخله الجنة بغير حساب».

سياسة الدمج
د. أمينة كاظم - أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس: على المجتمع أن يتقبل هؤلاء الأفراد بصدر رحب، وأن يتبنى سياسة الدمج بينهم وبين غيرهم من الأفراد العاديين، خصوصًا فى المدارس والنوادى والمحافل الترفيهية، مع العمل على رفع كفاءتهم المهارية عن طريق متخصصين مهرة، خاصة فى السن المبكرة فى الحضانة، وفى مراحل التعليم المختلفة ليكونوا فيما بعد أعضاء فعالين فى المجتمع ومتكيفين مع واقعهم المقدر والمحتوم، وقد رأينا الكثيرين منهم قد تحدوا الإعاقة، وهبوا يشاركون فى الأنشطة المختلفة خاصة الرياضية منها، والتى قد يعجز عنها إنسان عادى فنراهم فى مباريات السباحة وغيرها، وقد تفوقوا على غيرهم.

ونشاهد أيضًا الكثير من إنجازاتهم المحلية والعالمية فى كافة مجالات الحياة، وما ذلك كله إلا لأنهم تحدوا إعاقتهم، وتمكنوا من إرادتهم حتى قويت فيهم.

تنمية الجوانب الإيجابية
د. رفعت عبد الباسط - أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية جامعة حلوان: هم فئة من فئات المجتمع يجب الاهتمام بهم، والوقوف بجانبهم، وتقديم الرعاية الكاملة لهم من الدولة والمجتمع، بحيث يكون لهم دور إيجابى، ويجب توعية الناس بأصول التعامل معهم، وإنشاء مؤسسات تنظم دورات تدريبية لهم، وللتعرف على خصائصهم النفسية، والأخطاء التى قد يرتكبها الآخرون فى التعامل معهم، والحمد لله يوجد الآن الكثير من هذه المؤسسات.

ولابد أن نركز على الجوانب الإيجابية فيهم، حتى يصل إليهم أن كل إنسان فيه نقص وقصور، والكمال لله وحده ، فبعض الناس يميل إلى التعلم، والبعض الآخر يعرض عنه، وبعضهم يخاف، والبعض الآخر شجاع وهكذا.

فما من إنسان على وجه البسيطة إلا وفيه جوانب نقص تجبرها جوانب تميز أخرى.
اسلام ويب

Post: #268
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 00:53 AM
Parent: #267

والزوجة تكره الزوج البخيل، وتتمنى الانفصال عنه، ولكن خوفها على أولادها، وحرصها على بيتها يحملانها على الصبر.

فماذا تقول الزوجات وهن يجأرن بالشكوى من بخل أزواجهن:

صابونة فى كيس
تقول السيدة/ زينب أحمد: تزوجت من رجل بخيل لدرجة الشح، كان يستولى على راتبى أول الشهر، وبرغم ذلك كان يطالبنى بالاقتصاد الشديد فى النفقات فى الأكل والشرب، ومن شدة بخله كان يأمرنى بوضع الصابونة فى كيس حتى لا تبلى بسرعة.

لم أستطع الحياة معه، وفى أقل من سنة تم الانفصال.

علقة ساخنة
آمال حنفى - ربة بيت - تقول: لى صديقة ضربها زوجها ضربًا مبرحًا من شدة بخله؛ لأنها عادت إليه من عملها، ومرتبها ينقص جنيه اشترت به إفطارًا، وعاشت معه سنوات صابرة ومحتسبة أجرها عند الله، ولكن صبرها نفذ نتيجة بخله الشديد، وانفصلت عنه.

غياب العاطفة
وتحكى أخرى أن زوجها يأخذ راتبها كله، ويحرمها من أبسط الأشياء، ويعد عليها قطع اللحم، وثمرات الفاكهة، ويحرم طفله الصغير من شرب اللبن، وهى أحيانًا تشترى طعامًا بدون علمه، ثم ترمى الورق، وأى أثر للطعام حتى لا يراه الزوج، كما تشترى الخضر والفاكهة آخر النهار حتى تكون بسعر أرخص، وتأخذ فرق السعر لشراء ما يلزمها.

الكريم حبيب الرحمن
تقول سامية كمال : بخل الزوج يمكن تعديله بالالتزام بالدين فعلى الزوجة أن تذكر زوجها بأن الكريم حبيب الرحمن عكس البخيل الذى يبغضه الله، ويبغضه الناس، وبالإقناع ممكن أن يتغير الزوج ولو قليلاً، ولا داعى للانفصال؛ لأن ذلك له آثار سيئة على الأطفال.

تقول أمانى عبد الله: إن أصعب شيء فى الحياة هو البخل، والزوجة تستطيع أن تتحمل الفقر ولا تتحمل بخل الزوج، ونصيحتى للزوجة أن تلجأ للتقشف، وتقلل من نفقاتها، وتعيش على الأشياء الضرورية، وعليها أن تنسى أنها زوجة وتتذكر فقط أمومتها، وتعطى كل مشاعرها لأولادها تعويضًا عن بخل الأب.

- أين يقف الشرع الحنيف من بخل الزوج؟
تقول الداعية الإسلامية منى صلاح - رئيسة جمعية منابر النور - البخل لا يجتمع مع الإيمان، وأكثر ما يهدد الأسرة البخل؛ لأنه يترتب عليه بخل فى المشاعر، والبخيل لا يتغير؛ لأن هذا طبع فطره الله عليه، ولكن لابد أن يستعيذ البخيل بالله من البخل، قال تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «البخيل بعيد عن الله، بعيد عن الناس، بعيد عن الجنة، والكريم قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة»

فالزوج البخيل يدفع زوجته للكذب، فهى تشترى الأشياء بثمن وتخبر زوجها بغير الحقيقة، كذلك تحاول عدم طلب أى طلبات منه حتى لا يغضب، ولكى تحافظ على بيتها، والزوجة الصالحة تعلم جيدًا أن الصبر على الزوج السيئ أجره الجنة.

ولما جاءت امرأة أبى سفيان إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) تشكى له بخل زوجها فقال لها: «خذى ما يكفيك أنت وولدك بالمعروف»

ويقول الله عز وجل فى حديثه القدسى: «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك».

تربية خاطئة
ويقول د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - الرجل البخيل نتاج لتربية أبوية خاطئة فهو لم يولد بخيلاً، ولكنه اكتسب هذا السلوك أثناء فترة الطفولة، فهذه الصفة الذميمة وليدة تربية طويلة، وليست وليدة لحظة فيبقى حبه الأول وانتماؤه للمال.

ويضيف: أن البخيل ليس فى المال فقط، ولكنه فى المشاعر أيضًا، فهو يحسبها بالقلم والمسطرة، وربما فى فترة الخطوبة يكون كريمًا فى إنفاقه، وفى مشاعره، ولكن يظهر مشاعره الحقيقية بعد الزواج.

وبدون شك فإن الزوجة ترفض فى البداية وتشعر بالصدمة، وإذا كانت أسرتها ترفض هذا الوضع فهى تقف بجانبها حتى يتم الطلاق ويوافق الزوج البخيل على الطلاق، ولكنه يشترط أن يكون بدون أى خسارة أى لا يغرم نفقة أو مؤخرًا.

وأحيانًا ونظرًا لظروف الزوجة واقتناعها وأهلها بأن الطلاق شيء بغيض فإنها تعيش معه، وتصبر وتشعر أنها فى سجن، ويشعر أطفالها بالاضطراب النفسى.
ماجدة عمر-اسلام ويب

Post: #1106
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-26-2015, 00:55 AM
Parent: #234

"الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر،{سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ * وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ} "اللهم إنا نسألُكَ في سفرنا هذا البرَّ والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هون علينا سفرنا هذا واطو عنا بعده، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعْثاءِ السفر، وكآبة المنظر وسوء المنقلب في المال والأهل" وإذا رجع قالهن وزاد فيهن "آيبون، تائبون، عابدون، لربنا حامدون"[1].

Post: #283
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 04:06 PM
Parent: #209

الجرجير ينقي الدم ويمنع تساقط الشعر
أصبح الجرجير نباتًا شعبيًا يزرع بكثرة الآن لاستخدامه في المطاعم والسلطة وغير ذلك، إلا أن له فوائد عظيمة؛ فهو يساعد على الهضم، وينقي الدم، وينشط، ويقوي، ويفتح الشهية، ويدر البول، ويحرك الرغبة الجنسية، ويزيد المني، ويستخدم عصير الجرجير للتخلص من النمش والآثار السود بالوجه، ولتقوية الشعر.

كما أنه مفيد في إفراز الصفراء، وفي حالات نقص فيتامين C وفي آلام الروماتيزم

و الجرجير عشب حولي بقلي أوراقه مستطيلة مفصصة بعمق، حرّيفة لذاعة.

ساقه طويلة تعلو ما بين 15 – 30 سم تقريبًا، متفرعة، تحمل أوراقًا متتابعة، ملساء، لونها أخضر غامق، غزيرة العصارة، ملمسها غير رقيق، وهي أقرب إلى نبات السبانخ.

أما الأزهار فتكون في رأس النبات، بيضاء صغيرة تتخللها عروق بنفسجية دقيقة، أو صفراء تنعقد بذورًا في غلف طولية شبيهة ببذور الخردل.

يكثر الجرجير في أماكن الجداول والمناقع المائية، وهو بري وبستاني، ويسميه أهل الشام بـ"قرة العين"، كما يسمى بالتركية "روكا" ومن أسمائه الأخرى بقلة عائشة، أيهقان.

ومن مواده الفعالة الأملاح المعدنية مثل الفوسفور، اليود، الكبريت، الحديد، الكالسيوم، ومادة خردلية لاذعة، ومواد مرة، وفيتامينات مثل (أ، ج، ث، سي).

من فوائد واستخدامات الجرجير:

(1) لعلاج تساقط الشعر: يمزج مقدار خمسين جرامًا من عصير الجرجير مع خمسين جرامًا من الكحول النقي، ويضاف إلى هذا المزيج شيء من أوراق زهر الورد لتحسين رائحته، ويدلك جلد الرأس يوميًا بهذا المزيج.

(2) لتقوية فروة الرأس وإنعاش بصيلاتها ونمو الشعر وتنظيف الرأس من المواد الدهنية، والتخلص من قشرة الرأس: يؤخذ مقدار خمسين جرامًا من كل من أوراق الجرجير، جذور الأرقطيون، عشبة القريص، ويتم نقع المواد بنصف لتر من الكحول عيار 90 درجة لمدة أسبوعين، ثم يصفى ويغسل به الشعر مرة كل يوم.

(3) لإدرار البول: يغلى مقدار ثلاث حفنات من الجرجير مع بصلة كبيرة بيضاء في لتر ونصف لتر من الماء، ويستمر في الغلي حتى يبقى ثلثه، وبعد تصفيته يشرب وهو فاتر بمقدار نصف فنجان قهوة صباحًا ونصفه مساء قبل النوم.

(4) لوقف نزيف اللثة: يعالج نزيف اللثة بمضغ أوراق الجرجير المنقوعة بالخل.

(5) أكل الجرجير مع السلطة يساعد على تخفيض نسبة السكر لدى المصابين بالسكري؛ حيث يعمل على إبطاء امتصاص السكر في الأمعاء.

(6) مرهم الجرجير لمداواة الحروق:

ـ تدق كمية من الجرجير مع بصلة متوسطة الحجم وكمية من ورق توت الأرض (فريز – فراولة) وتطبخ بزيت كتان، ويصفى بعد ذلك الزيت وتدهن به الحروق

ـ تدق كمية من أوراق الجرجير وتصنع بشكل لبخة وتوضع على الدمامل والكلوم والسحجات فتطهرها وتسرع في إدمالها وشفائها

(7) الجرجير يساعد على تنظيف الصدر من البلغم، لذا يوصى بأكله.

(8) يوصى باستعمال عصير الجرجير لمن يصاب بأعراض التسمم بالنيكوتين، الناتج عن الإفراط في التدخين.

(9) عصير الجرجير علاج ناجع لتنقية الدم، مما يساعد على التخلص من البثور في الجسم.

(10) الجرجير يؤكل بكميات معتدلة فيساعد على إدرار الصفراء والتخلص من الانصبابات أو التجمعات المائية المرضية في الجسم "أوزيما – انصباب".

(11) الجرجير يساعد على إدرار الحيض – الطمث – ولذا تتجنبه الحامل.

(12) الجرجير يساعد على تنشيط الجسم وتقويته في حالات الوهن وهبوط القوى، ولإثارة الرغبة الجنسية لدى الجنسين، ولذلك تسحق البذور وتخلط بعسل النحل وتؤخذ ملعقة كبيرة يوميًا لمدة لا تقل عن أسبوع.

(13) الإفراط في تناول الجرجير غير صحي، ويسبب اضطراب الهضم وحرقة في المثانة والبول، ويوصى بعدم تناوله من قبل المصابين بتضخم الغدة الدرقية والحوامل.
مجلة الصحة و الطب العدد381

Post: #269
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:34 PM
Parent: #201

الأسرة هي النواة التي ينشأ فيها الأفراد وتعتبر الجماعة الأولى، فهي مجتمع مصغر ومنها تتكون مبادئ العلاقات الاجتماعية والطباع، وفيها تنشأ أسس العلاقات بين الأفراد.

وللأسرة وظائف أساسية ومهمة في المجتمع تتمثل في إنتاج الأطفال وإمدادهم بالبيئة الصالحة لتحقيق حاجاتهم الجسمانية والاجتماعية، كما أنها تعدُّهم للمشاركة في حياة المجتمع وفي التعرف على قيمه وعاداته.

فالأسرة هي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها الأطفال العلاقات الإنسانية وما تتطلبه من قوانين وقواعد وأدوات مثل اللغة والعادات والطقوس.

ولا يتأتى قيام الأسرة بهذه الوظائف الهامة إلا بتهيئة الوسائل السليمة المتعلقة بالحضانة والكفالة للأطفال وخاصة في مراحل نموهم الأولى.

والأسرة التي يجد فيها الأطفال إشباعًا ورعاية لشؤونهم سوف تعطيهم إحساسًا بالطمأنينة المريحة في العالم الذي يحيط بهم، بحيث يرونه مكانًا آمنًا يعيشون فيه، وليس مكانًا باردًا لا يهتم بهم، أو مكانًا معتديًا لابد أن يحموا أنفسهم منه.

ومن منا يشك ولو للحظة في حقيقة مشاعره تجاه والديه، فالفرد إذا بحث في قلبه عن الحب فلن يجد إلا حبه لأبيه ومحبته لأمه، ومن منا يشك ولو للحظة في أن الآباء لا يريدون بأطفالهم إلا كل خير، ويتمنون لهم كل خير في حياتهم ومستقبلهم، ولكنهم في سبيل ذلك يضغطون عليهم ويفرضون عليهم أسلوبًا للحياة قد لا يتوافق مع ميولهم وشخصياتهم.

من أهم الأساليب الخاطئة

ومن أهم الأساليب الخاطئة التي يمارسها الوالدان في تربية أطفالهما ما يلي:

(1) القسوة:
وهي تتمثل في استخدام أساليب التهديد والحرمان، أو استخدام العقاب البدني كأساس في عملية التنشئة الاجتماعية، مما يترتب عليه خلق شخصية عدوانية متمردة تنزع إلى الخروج على قواعد السلوك المتعارف عليه كوسيلة للتنفيس والتعويض عما تعرضت له من ضروب القسوة.

إن القسوة الشديدة من جانب الآباء تُنمِّي لدى الأطفال صفة الكذب تجنبًا لأي عقاب، وكذلك التردد في اتخاذ قرارات في المواقف التي يتعرض لها الطفل.

(2) التسلط :
ويقصد به فرض الأب أو الأم لرأيه على الطفل، وعندما يمارس هذا الأسلوب من قبل أحد الوالدين أو من كليهما فإن ذلك يؤدي إلى أن يشعر الأطفال بالضيق وبعدم الثقة في نفوسهم، كذلك نجد أن الأطفال تنشأ عندهم سلبيات كثيرة مثل الخوف والكذب وعدم الشعور بالحرية والحرمان من ممارسة بعض الأنشطة، كما أن عدم وجود جو تسوده الشورى والحوار داخل الأسرة يجعل الطفل غير قادر على إبداء رأيه بصورة حرة، ومن ثم فلابد من تربية الأطفال على حرية الرأي والمناقشة والتعاون والصداقة، بالإضافة إلى النشأة الدينية السليمة.

(3) الحماية المفرطة:
ويعني بها القيام بالواجبات والمسؤوليات التي يمكن أن يقوم هو بها نيابة عن الطفل؛ حيث أن حرمان الطفل من التصرف في أموره الخاصة يؤدي إلى عجزه وعدم تحمله لمسؤوليته كفرد في المستقبل، وكذلك مواجهة الصعاب والمواقف الاجتماعية.

إن الحماية المفرطة لها نتائجها الخطيرة على سلوك الطفل حيث إنها تؤدي بجانب العجز إلى عدم الثقة بالنفس والفشل في المواقف الاجتماعية لدى الطفل، كما تؤدي إلى انعزاله حتى داخل الأسرة.

(4) الإهمال:
ويتمثل في ترك الطفل دون تشجيع على السلوك المرغوب فيه ودون محاسبته على السلوك غير المرغوب فيه، وقد يأخذ الإهمال مظهر عدم العناية بالطفل من حيث المأكل والمشرب والملبس أو عدم الاهتمام أو عدم الحماية أو عدم التقدير.

(5) التذبذب والتفرقة:
يتعلق التذبذب بعدم استقرار الأم والأب من حيث استخدام أساليب الثواب والعقاب، وهذا يؤدي إلى حدوث صراع داخل الفرد، وقد يؤدي إلى اضطراب في تكوينه الشخصي والنفسي، مما يجعله شخصًا متقلبًا مزدوج الشخصية منقسمًا على نفسه، وكذلك التفرقة بمعنى عدم المساواة بين البنين والبنات في المعاملة وفي الثواب والعقاب، وقدي يؤدي إلى تنشئة شخصية أنانية حاقدة متمردة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

مجلة الأسرة العدد 158

Post: #270
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:37 PM
Parent: #201

14 نصيحة غذائية للحامل !!
ينظر أغلبنا إلى مرحلة الحمل على أنها مرحلة عادية جدًّا، إلا أن علماء التغذية لم يتوقفوا حتى الآن عن دراستها، ومحاولة رسم الخطط الغذائية للحامل في هذه المرحلة الدقيقة من حياتها.

والهدف من تلك الخطط تأمين صحة جيدة للأم وبنية قوية للجنين. ولذا فإنهم يعتبرون أشهر الحمل التسعة فترة طوارئ تستوجب الاستنفار والمراقبة الجدية،كما تتطلب منهم كل عناية ورعاية ممكنة؛ لأن مرحلة الحمل لها أبعاد كثيرة، وهي ليست قضية سيدة حملت ومن ثم وضعت مولودًا ذكرًا أو أنثى، فهي بالدرجة الأولى مسألة جسد، تتولد فيه روح جديدة، وينفصل منه جسد جديد، وهذه المسألة تتطلب الحرص على أن يسلم الجسدان من كل أنواع الأذى.

(1) انتباه الأم لصحتها من العوامل المهمة للحمل الصحيح، فمثلاً إذا كان هناك خلل ما أو نقص في العناصر الغذائية فإن ذلك النقص أو الخلل سيتضاعف حتمًا أثناء مرحلة الحمل والرضاعة، لذلك عند التفكير في الحمل وإنجاب الأطفال، يجب أن تعتني الزوجة بصحتها وكذلك الزوج، ويُنصح كل من يرغب في إنجاب الأطفال أن يعمد إلى البدء بحياة صحية وعادات غذائية جيدة، وأن يقلع عن التدخين.

(2) تنوع الطعام الكامل ضروري جدًّا لزيادة السعرات الحرارية التي تأتي عبر السكريات، كما أن الطعام الكامل والمتنوع يمنح الجسم الفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية الضرورية للتغذية، والزيادة في منتجات الحليب واللحوم والحبوب الكاملة والخضار الطازجة تساعد الحامل في الحصول على متطلبات الحمل من الغذاء.

(3) من أهم مصادر البروتين: اللحم الأحمر، السمك، والدجاج، والبيض، والأجبان والألبان، وتنصح النساء اللواتي يتبعن النظام الغذائي النباتي أن يتناولن الحبوب المتنوعة: المكسرات الفستق والبيض يوميًا نسبة لفائدتها وأهميتها. وبما أن الفيتامين (ب 12) قلمًا يوجد في الخضار، وهو غالبًا موجود في اللحوم، لذا تتعرض الحامل التي تتبع النظام الغذائي النباتي إلى نقص في هذا الفيتامين.

(4) توجد الأملاح المعدنية غالبًا في الفستق، بذور دوار الشمس، براعم النباتات، طحالب البحر والمأكولات البحرية، وهي تحتوي أيضًا على كمية وافرة من فيتامين (ب 12).

(5) اللحوم تحتوي على بعض الكالسيوم ولكنها تحتوي على نسبة عالية من الفسفور الذي يعيق امتصاص الكالسيوم.

(6) لسنوات طويلة كان الأطباء ينصحون بتجنب الملح، لكنهم الآن ينصحون بتناوله بكميات عادية، وميول الحامل إلى الزيتون والمأكولات الحامضة من الممكن أن يكون ناتجًا عن حاجة الجسم إلى الملح؛ وبالرغم من حاجة الجسم إلى الملح لزيادة الدورة الدموية، إلا أن زيادته تؤدي إلى احتباس السوائل في الجسم، وارتفاع الضغط الشرياني، وتعريض الأم والطفل إلى مشاكل صحية أخرى، ولذلك فتناول اللحوم، والأجبان، والبيض، والأسكالوب، واللفت يعطي الجسم حاجته من الملح، ولا يجب تناول المأكولات المملحة مثل: الشيبس وغيره.

(7) يفضل اختيار الأطعمة الطازجة بدلاً من المحفوظة والمعلبة، كذلك ينبغي الإكثار من تناول الفواكه والخضروات الطازجة التي تكون غنية بالألياف التي تمنع حدوث الإمساك الذي يصيب الحامل عادة أثناء فترة الحمل.

(8) يجب شرب ماء من (6 – 8) أكواب يوميًا إلى جانب الحليب وشاي الأعشاب وليس الشاي الأسود، ومن أفضل أنواع الشاي المفيد خلال فترة الحمل الشاي المحضر من أوراق توت العليق الذي يزيد من قوة الرحم.

(9) يجب التقليل من تناول المنبهات كالشاي والقهوة وبعض المشروبات الغازية، فقد وجد أن الكافيين الموجود في هذه المشروبات قد ينتقل إلى الجنين عبر المشيمة أو ينتقل إلى الرضيع عبر حليب الأم، ويؤثر على وزنه ونموه حيث يؤدي إلى صغر حجم الطفل بالنسبة لعمره.

(10) المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من الأسيد مثل الحمضيات أو العصير تزيد من الإحساس بالتقيؤ والاستفراغ، وتناول كميات صغيرة من النشويات أو البروتينات يمكن أن تجعل الجسم يتقبلها بشكل أفضل.

كما أن أكل الخبز المحمص أو شرائح الخبز الإفرنجي المحمص صباحًا يمكن أن يخفف من الشعور بالغثيان، كما يساعد التنفس والاسترخاء على ذلك أيضًا.

(11) عندما تبدأ مرحلة الولادة في أواخر مراحل الحمل، يمكن تناول كمية جيدة من الكالسيوم أو المغنسيوم بحوالي 1.5 جرام من كل واحد منهما، وذلك لكي يخفف من وجع الطلق وتشنج العضلات.

وإذا كان هناك ولادة قيصرية فالأفضل تناول فيتامينات (أ) و(ج)، إضافة للزنك قبل العملية بعدة أيام أو أسابيع، فهي تساعد على عملية الشفاء بطريقة أفضل وأسرع

(12) هناك بدائل فيتامينات كثيرة لفترة الحمل، ويمكن اختيار النوع المناسب بعد استشارة الطبيبة، ولكن إذا حدث شعور بالغثيان خلال تناولها، عندئذ يجب تناولها في وقت متأخر من النهار مع وجبة طعام لتفادي حصول هذه المشكلة.

(13) تجنّبي الإسراف في أخذ فيتامين (أ) أثناء الحمل لأنه قد يسبب تلفًا للجنين. والأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من فيتامين (أ) هي الكبدة ، وعلى الأم الحامل أن تتناول الكبدة على فترات متباعدة.

(14) يجب الإقلال بقدر الإمكان من المواد الدهنية، فمن المستحب أن تلجأ الحامل إلى الطهو بزيت الذرة، والامتناع عن السَّمن والزبد؛ لأن المواد الدهنية المشبعة تعطي سعرات حرارية كثيرة فتسبب زيادة وزن الحامل وتراكم الدهون لديها، مما يصعب عليها إنقاص وزنها بعد الولادة (يعطي جرام من النشويات أو البروتينيات للجسم 4 سعرات حرارية، في حين أن جرامًا من الدهون يعطي الجسم 9 سعرات حرارية).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد ( 158 )

Post: #271
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:39 PM
Parent: #201

14 نصيحة غذائية للحامل !!
ينظر أغلبنا إلى مرحلة الحمل على أنها مرحلة عادية جدًّا، إلا أن علماء التغذية لم يتوقفوا حتى الآن عن دراستها، ومحاولة رسم الخطط الغذائية للحامل في هذه المرحلة الدقيقة من حياتها.

والهدف من تلك الخطط تأمين صحة جيدة للأم وبنية قوية للجنين. ولذا فإنهم يعتبرون أشهر الحمل التسعة فترة طوارئ تستوجب الاستنفار والمراقبة الجدية،كما تتطلب منهم كل عناية ورعاية ممكنة؛ لأن مرحلة الحمل لها أبعاد كثيرة، وهي ليست قضية سيدة حملت ومن ثم وضعت مولودًا ذكرًا أو أنثى، فهي بالدرجة الأولى مسألة جسد، تتولد فيه روح جديدة، وينفصل منه جسد جديد، وهذه المسألة تتطلب الحرص على أن يسلم الجسدان من كل أنواع الأذى.

(1) انتباه الأم لصحتها من العوامل المهمة للحمل الصحيح، فمثلاً إذا كان هناك خلل ما أو نقص في العناصر الغذائية فإن ذلك النقص أو الخلل سيتضاعف حتمًا أثناء مرحلة الحمل والرضاعة، لذلك عند التفكير في الحمل وإنجاب الأطفال، يجب أن تعتني الزوجة بصحتها وكذلك الزوج، ويُنصح كل من يرغب في إنجاب الأطفال أن يعمد إلى البدء بحياة صحية وعادات غذائية جيدة، وأن يقلع عن التدخين.

(2) تنوع الطعام الكامل ضروري جدًّا لزيادة السعرات الحرارية التي تأتي عبر السكريات، كما أن الطعام الكامل والمتنوع يمنح الجسم الفيتامينات والبروتينات والأملاح المعدنية الضرورية للتغذية، والزيادة في منتجات الحليب واللحوم والحبوب الكاملة والخضار الطازجة تساعد الحامل في الحصول على متطلبات الحمل من الغذاء.

(3) من أهم مصادر البروتين: اللحم الأحمر، السمك، والدجاج، والبيض، والأجبان والألبان، وتنصح النساء اللواتي يتبعن النظام الغذائي النباتي أن يتناولن الحبوب المتنوعة: المكسرات الفستق والبيض يوميًا نسبة لفائدتها وأهميتها. وبما أن الفيتامين (ب 12) قلمًا يوجد في الخضار، وهو غالبًا موجود في اللحوم، لذا تتعرض الحامل التي تتبع النظام الغذائي النباتي إلى نقص في هذا الفيتامين.

(4) توجد الأملاح المعدنية غالبًا في الفستق، بذور دوار الشمس، براعم النباتات، طحالب البحر والمأكولات البحرية، وهي تحتوي أيضًا على كمية وافرة من فيتامين (ب 12).

(5) اللحوم تحتوي على بعض الكالسيوم ولكنها تحتوي على نسبة عالية من الفسفور الذي يعيق امتصاص الكالسيوم.

(6) لسنوات طويلة كان الأطباء ينصحون بتجنب الملح، لكنهم الآن ينصحون بتناوله بكميات عادية، وميول الحامل إلى الزيتون والمأكولات الحامضة من الممكن أن يكون ناتجًا عن حاجة الجسم إلى الملح؛ وبالرغم من حاجة الجسم إلى الملح لزيادة الدورة الدموية، إلا أن زيادته تؤدي إلى احتباس السوائل في الجسم، وارتفاع الضغط الشرياني، وتعريض الأم والطفل إلى مشاكل صحية أخرى، ولذلك فتناول اللحوم، والأجبان، والبيض، والأسكالوب، واللفت يعطي الجسم حاجته من الملح، ولا يجب تناول المأكولات المملحة مثل: الشيبس وغيره.

(7) يفضل اختيار الأطعمة الطازجة بدلاً من المحفوظة والمعلبة، كذلك ينبغي الإكثار من تناول الفواكه والخضروات الطازجة التي تكون غنية بالألياف التي تمنع حدوث الإمساك الذي يصيب الحامل عادة أثناء فترة الحمل.

(8) يجب شرب ماء من (6 – 8) أكواب يوميًا إلى جانب الحليب وشاي الأعشاب وليس الشاي الأسود، ومن أفضل أنواع الشاي المفيد خلال فترة الحمل الشاي المحضر من أوراق توت العليق الذي يزيد من قوة الرحم.

(9) يجب التقليل من تناول المنبهات كالشاي والقهوة وبعض المشروبات الغازية، فقد وجد أن الكافيين الموجود في هذه المشروبات قد ينتقل إلى الجنين عبر المشيمة أو ينتقل إلى الرضيع عبر حليب الأم، ويؤثر على وزنه ونموه حيث يؤدي إلى صغر حجم الطفل بالنسبة لعمره.

(10) المأكولات التي تحتوي على نسبة عالية من الأسيد مثل الحمضيات أو العصير تزيد من الإحساس بالتقيؤ والاستفراغ، وتناول كميات صغيرة من النشويات أو البروتينات يمكن أن تجعل الجسم يتقبلها بشكل أفضل.

كما أن أكل الخبز المحمص أو شرائح الخبز الإفرنجي المحمص صباحًا يمكن أن يخفف من الشعور بالغثيان، كما يساعد التنفس والاسترخاء على ذلك أيضًا.

(11) عندما تبدأ مرحلة الولادة في أواخر مراحل الحمل، يمكن تناول كمية جيدة من الكالسيوم أو المغنسيوم بحوالي 1.5 جرام من كل واحد منهما، وذلك لكي يخفف من وجع الطلق وتشنج العضلات.

وإذا كان هناك ولادة قيصرية فالأفضل تناول فيتامينات (أ) و(ج)، إضافة للزنك قبل العملية بعدة أيام أو أسابيع، فهي تساعد على عملية الشفاء بطريقة أفضل وأسرع

(12) هناك بدائل فيتامينات كثيرة لفترة الحمل، ويمكن اختيار النوع المناسب بعد استشارة الطبيبة، ولكن إذا حدث شعور بالغثيان خلال تناولها، عندئذ يجب تناولها في وقت متأخر من النهار مع وجبة طعام لتفادي حصول هذه المشكلة.

(13) تجنّبي الإسراف في أخذ فيتامين (أ) أثناء الحمل لأنه قد يسبب تلفًا للجنين. والأطعمة التي تحتوي على كميات كبيرة من فيتامين (أ) هي الكبدة ، وعلى الأم الحامل أن تتناول الكبدة على فترات متباعدة.

(14) يجب الإقلال بقدر الإمكان من المواد الدهنية، فمن المستحب أن تلجأ الحامل إلى الطهو بزيت الذرة، والامتناع عن السَّمن والزبد؛ لأن المواد الدهنية المشبعة تعطي سعرات حرارية كثيرة فتسبب زيادة وزن الحامل وتراكم الدهون لديها، مما يصعب عليها إنقاص وزنها بعد الولادة (يعطي جرام من النشويات أو البروتينيات للجسم 4 سعرات حرارية، في حين أن جرامًا من الدهون يعطي الجسم 9 سعرات حرارية).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد ( 158 )

Post: #272
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:40 PM
Parent: #201

مهما عانيت فى الدنيا.. لا تيأس !!
ضغوط الحياة ومشكلاتها لا تنتهى، فالدنيا ليست دار قرار، بل هى دار ابتلاء واختبار، وحين نواجه هذه المشكلات بثقة فى الله تمر بسلام، إلا أن هناك من آثر الهروب من مشكلاته بعد أن سقط فى هوة اليأس والقنوط فكان الانتحار قي نظره هو الحل الوحيد.

وهذا التحقيق محاولة للوقوف على أسباب الانتحار ودوافع المنتحرين، وكيف نقى أبناءنا وشبابنا من الوقوع فى اليأس والقنوط.

أنقذنى الله
بداية تقول (فوزية) 36 سنة: سافرت منذ خمس سنوات للعمل كمدرسة بإحدى الدول العربية، وكنت أرسل الأموال إلى زوجى أولاً بأول ليقوم بتجديد المنزل، والإنفاق على الأولاد.

وبعد أن قررت الرجوع إلى القاهرة والاستقرار مع أسرتى، فوجئت بأن كالون الشقة تم تغييره، وفتحت لى سيدة أخبرتنى بأنها الزوجة الجديدة، شعرت بعدها أن الحياة لم يعد لها قيمة، فقررت الخلاص منها لولا أن أنقذى الله من هذا التفكير فى الوقت المناسب.

أما منى 20 سنة فتقول: رفضت أسرتى الارتباط بالشاب الذى أحبه؛ حيث وقفت الظروف المادية حائلاً دون إتمام الزواج، فاسودت الدنيا فى وجهى، وقررت الانتحار، ولكن الأزمة مرت بسلام، وشعرت برحمة الله بعد أن نجانى من مصير أسود.

أما س. أ تقول: أنا فتاة أبلغ العشرين من عمرى حاولت الانتحار مرتين، فأنا لا أشعر بالرضى عن نفسى، وأعانى من الكبت وقلة الثقة بالنفس والآخرين، والخجل المفرط الذى يجعلنى أخشى أن أرفع سماعة الهاتف للرد على أى شخص، وأية مشكلة تحدث لى تجعلنى أفكر فى الانتحار، وأن الحياة قد انتهت، ولكنى أعلم أن الانتحار حرام، وأخشى عقاب الله، ولا أعرف ماذا أفعل.

تقول إحسان - طالبة بالصف الأول الثانوى - طلب منى والدى أن أقطع صلتى ببعض زميلاتى بعد أن لاحظ سلوكهن السيئ، ولكنى لم أقطع علاقتى بهن، وعندما علم والدى ثار وضربنى، فشعرت بالإهانة، وفكرت فى إنهاء حياتى، وبالفعل حاولت الانتحار، ولكنى أشعر بالندم فلم يكن الأمر يستدعى كل هذا، فأبى يخاف عليّ ولذلك ضربنى.

تقول هبة - طالبة جامعية - تعرفت على شاب فى أحد الأندية الرياضة، وأخبرنى أنه يعمل فى ألمانيا، وسيسافر لإنهاء بعض الأعمال ويعود ليتزوجنى، لكنى فوجئت به فى أحد الأيام بصالة بلياردو بصحبة فتاة، واكتشفت كذبه وخداعه لى، ولذلك أن لا أريد أن أعيش.

وتكشف د. نشوى مهدى - المدرسة بالمركز القومى للسموم - رقمًا مفزعًا فتقول: استقبل المركز خلال الأربعة أشهر الأول من افتتاحه 134 سيدة حاولن الانتحار بنسبة 35% من إجمالى ما يستقبله المركز من حالات تسمم عامة، وبالنسبة للرجال فقد تم استقبال 81 حالة، وحتى الآن فإن حالات السيدات التى تدخل المركز بسبب محاولات الانتحار أكثر بكثير من الرجال.

وتضيف د. نشوى: أكثر هذه الحالات نستقبلها أكثر من مرة؛ لأنها تكرر المحاولة مرات عديدة، فسبب المشكلة الأساسى لم يحل، والمركز وظيفته العلاج الطبى، وليس النفسى، فتخرج الحالة، وهى تعانى ذات الإحباطات، ورغم أننا ننصح الأهل بأن يتوجهوا بالمريض إلى طبيب نفسى، فإن البعض لا يستجيب وتكون النتيجة دخول هذا الشخص المركز مرة أخرى بمحاولة جديدة إلى أن تنجح إحدى هذه المحاولات.

الموت مثل الحياة
ويفسر الدكتور محمود عبد الرحمن حمودة - أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر، والحائز على جائزة الدولة فى الطب النفسى - ارتفاع نسبة محاولات الانتحار لدى السيدات قائلاً: إذا كانت السيدات أكثر فى محاولات الانتحار، إلا أن الرجال أكثر انتحارًا مقارنة بالسيدات بنسبة 3:1؛ لأن الوسائل التى ينفذ الرجال بها الانتحار عنيفة مقارنة بالوسائل التى يحاول بها السيدات الانتحار.

ويضيف: إذا كان الاضطراب النفسى الذى يوصل المريض لليأس وفقد الحيلة سببًا رئيسًا للانتحار، فإن هناك عوامل مصاحبة ومؤثرة فى حالات المنتحرين، فقد يكون سوء الحالة الصحية الجسمانية، ومعاناة الشخص من العديد من الأمراض الميئوس من شفائها، وكذلك الشعور بالوحدة من عوامل الانتحار، واعتقاد الشخص بأن الموت لا يختلف عن الحياة، فكلاهما وحدة وعزلة، وقد يكون ما يعانيه كبار السن من أمراض صحية ووحدة واكتئاب عاملاً مؤثرًا فى انتحار بعضهم.

كبت وتدليل
ويُحمِّل الدكتور حمدى ياسين - أستاذ الصحة النفسية، ورئيس قسم علم النفس بجامعة عين شمس - الآباء مسئولية انتحار الشباب قائلاً: يخطئ الآباء كثيرًا حين يغرسون فى أذهان أبنائهم قناعات ذهنية بأن الحياة خالية من المشاكل، وأنها مشرقة دائمًا، ولا معنى للبكاء ولا للفشل فيها، فكل ما يطلبونه مجاب، ولا يوجد مستحيل، هذا التدليل الزائد لهم يخلق جيلاً من الشباب غير قادر على مواجهة الصدمات والمشكلات، ومع أصغر مشكلة تواجههم تتحطم الصورة الذهنية التى رسمها الآباء لأبنائهم، فيفقدون معنى الحياة، ويكون الموت فى ظنهم هو الخيار الوحيد.

كما أن الكبت الزائد، ومحاولة التحكم فى مصائر الأبناء يؤدى إلى ذات النتيجة؛ حيث يصير الشاب بلا هدف، وكل المطلوب منه تحقيق أهداف والديه، مهما كانت لا تتفق مع قدراته، فتطمس شخصية الابن وتضطرب حالته الوجدانية، ومن هنا تظهر الاضطرابات النفسية.

ويضيف د. حمدى أن على الآباء أن يوفروا الدعم الأسرى لأبنائهم من خلال توجيههم إلى أن الحياة كما أن فيها نجاحًا، هناك أيضًا فشل، وأنهم لابد وأن يصعدوا السلم درجة بدرجة، وعليهم أن يبثوا الأمل فى أولادهم، وأن يتركوهم يعبرون عن أنفسهم، ولكن بعد تحميلهم المسئولية وإشعارهم بأنهم لابد أن تكون طموحاتهم مكافئة لمستوى قدراتهم حتى يتسنى لهم تحقيقها.

كما يؤكد أهمية المثل الأعلى، ويرى أن الإعلام بما يقدمه من نماذج حققت نجاحات مادية وشهرة تجعل الشباب أمام طموحهم الجارف، وعدم تقديرهم الحقيقى لإمكاناتهم يتصورون أن هذه النماذج هى المثل الأعلى الذى يجب تقليده، والسير على نهجه، وحين يفشل الشاب لا يرى سوى الموت حلاً لمشكلاته.

يأس من روح الله
يقول الدكتور عبد الصبور شاهين - الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة: الانتحار يأس من روح الله ورحمته، والحق تبارك وتعالى يقول على لسان نبيه يعقوب (عليه السلام): {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}، فمهما كانت المشكلات التى تواجهنى عليّ أن أفزع إلى رحمة الله، وأعالج المشكلة بدلاً من الهروب منها، فالهروب جبن وضعف، والرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) يقول: «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف».

ومن ثَمَّ لابد أن نجعل حياتنا فى يد الله لا فى يد الشيطان، ونتخلق بالصبر والرضا بقضاء الله، فهما يحميان الفرد من الوقوع فى حفرة اليأس.

{إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب}، فالدنيا دار ابتلاء، وليست دار قرار، فعلينا أن نتزود منها بما يُصلح أمر أخرانا، لا أن نجعلها سببًا فى عذابنا بنار جهنم.

ويوصى كل مسلم بالإكثار من قول: «لا حول ولا قوة إلا بالله» ، و الاستغفار فالنبى (صلى الله عليه وسلم) يقول: «من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل هم فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب»، فالله سبحانه قادر على تفريج الكربات مهما اشتدت.

وأختم كلامى بقوله (صلى الله عليه وسلم): «ما أصاب مسلمًا قط هم أو حزن فقال: اللهم إنى عبدك، وابن عبدك، وابن أمتك، ناصيتى بيدك، ماضٍ فيّ حكمك، عدلٌ فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته فى كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به فى علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى، ونور صدرى، وجلاء حزنى، وذهاب همى، إلا أذهب الله همه، وأبدله مكان حزنه فرحًا».
صفا شاكر-اسلام ويب

Post: #273
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:43 PM
Parent: #272

الزوجة الذكية هي التي تبقي شعلة الحب مشتعلة في بيتها، وأواصر العاطفة متأججة دائمًا مع زوجها، ورغم أن هذا مطلب لكل الزوجات، لكن الساعيات لتحقيق هذا المطلب قليلات، إذ ربما يرونه جاهزًا يتسلمنه كما يتسلمن وجبة غداء من مطعم!

هذا المطلب صناعة مشتركة بين الزوجين، لا يقل دور الزوجة في تحقيقه عن دور الزوج، هذه السطور قد تساعدك في ذلك:

(1) إذا كنت تشتكين من غياب زوجك كثيرًا عن المنزل بسبب أعماله ومشاغله فخير لك أن تتعلمي هواية تقضين بها وقت فراغك بدلاً من أن تشتكي لزوجك كلما عاد إلى المنزل خصوصًا إذا كان غيابه لأسباب حقيقية وضرورية ليس من بينها طبعًا السهر الزائد مع الأصدقاء.

(2) أكثر ما ينفر الأزواج من بيت الزوجية كثرة المشاكل وشعورهم بالعجز عن حلها، فلا تشعري زوجك بذلك ولا تكثري من الشكوى إليه في كل صغيرة وكبيرة، وتجنبي إثارة المشاكل معه قدر الإمكان.

(3) احذري أن تقدمي قائمة بطلباتك في لحظات الود والصفاء بينك وبين زوجك، ولا تكوني متسلطة في طلباتك وتفهمي قدراته المالية وأولوياته، فما ترينه أنت أولوية أولى قد لا يكون كذلك إذا عرفت بقية الالتزامات التي ينبغي عليه أن يؤديها.. هذه اللحظات أولى بأن تملئيها بكلمات الحب والملاطفة والتدليل لزوجك.

(4) احذري أن يساورك شعور بالوحدة والافتقاد لمن يساندك ويستمع إليك، وإذا حدث ذلك فأخبري زوجك.

(5) احرصي على التجديد في البيت وفي ملابسك وعطرك وزينتك بما يضفي على البيت مناخًا من البهجة والسعادة ويجعله مرفأ لزوجك يرسو إليه ويأنس إليه ويستريح فيه.

(6) في بداية الزواج وفي فترة الملكة ( بعد العقد وقبل الدخول ) كان زوجك هو الذي يبادر بالاتصال بك والسؤال عنك والتودد إليك، أي أنه كان يقوم بدور الطالب وأنت المطلوبة، الآن وبعد مدة من زواجكما إذا شعرت بأنك لم تعودي مطلوبة لديه كما كنت فلا ضير أن تغيري الأدوار وتقومي أنت بدور الطالب الذي يسعى ليتقرب من المطلوب.

(7) في النقاش بينكما تجنبي الصوت المرتفع، وأسلوب السخرية، وتجنبي أن تكوني سلبية أي يقتصر دورك على مجرد الاستماع بلا تعليق أو إضافة.

(8) احذري من التذمر المستمر من كل نقص ترينه في البيت والشكوى من كثرة الأعمال التي تؤدينها، فرعايتك لزوجك وأطفالك وواجباتك المنزلية حق عليك وليس تفضلاً منك، وتذمرك المستمر يجعل زوجك ييأس من رضاك فلا يحرص عليه.

تجملوا وتهادوا وتجنبوا الجدال

هناك عدة أسباب تمثل عوامل رئيسية في فتور الحب بين الزوجين بعد مرور بضع سنوات على زواجهما وإنجاب الأطفال وانشغال الزوجة بأولادها تنظيفًا وتربية ورعاية مما يبعدها على ملازمة زوجها ورعايته ويحدَّ من وقتها المخصص له، بل ربما تسبب الأطفال باضطرار الزوج للنوم في غرفة أخرى خصوصًا إذا كان موظفًا تتطلب وظيفته النهوض مبكرًا كما هو شأن غالب الموظفين، وقد تكون رعاية الأطفال وتربيتهم سببًا في اختلاف وجهات النظر بين الزوجين، وبالتالي وجود المشادة الكلامية بينهما مما ينعكس سلبًا على الدفء العاطفي بينهما.

كما لا يخفى أن إنجاب الأطفال يؤثر على قوام المرأة ورشاقتها، وهي عوامل ذات تأثير كبير على جذب الزوج لزوجته..

ومن المؤسف أن الكثير من النساء تغفل هذا الجانب المهم فيترهّل جسمها وتفقد جمال قوامها ورشاقتها بعد الإنجاب وكان من الممكن تفادي هذه المشكلة المؤرقة بالحفاظ على التمارين الرياضية عبر الوسائل المختلفة.

ومن الأهمية المصارحة بين الزوجين فيما يتأذى منه الآخر كرائحة الفم أو العرق أو رائحة أثار الطبخ في الملابس أو الجسم خصوصًا مع وجود أسباب التغلب على هذه المؤثرات كالأدوية الطبية وأدوات التجميل والعطور المفيدة في القضاء على هذه المنغصات.

ومن العوامل أن إهمال الزوجة لنفسها في مظهرها وزينتها ورائحتها معول هدم للحب والألفة والتقارب بين الزوجين .. فالمرأة الفطنة هي من تحرص على أن لا يشم منها زوجها إلا ما يحب وأن يراها بشكل يسرّه ويبهجه وتخطئ بعض الزوجات بتخصيص ملابس مشابهة لملابس الخادمة تستخدمها في البيت بينما تلبس الملابس الجميلة في الذهاب للمناسبات والزيارات بما يثير حفيظة الزوج ويعكس عدم اهتمامها به في حياتهما العادية.
مجلة الأسرة العدد 158

Post: #274
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:46 PM
Parent: #201

وجبة الإفطار مهمة للصغار والكبار
يعتقد بعض الأشخاص أن إهمال وجبة الإفطار يساعد في إنقاص الوزن، ولكن الدراسات تشير إلى أن من لا يتناولون الإفطار يعوضون ذلك بأكل كمية أكبر من الطعام على وجبة الغداء، لذلك فإنه من غير المجدي الاستغناء عن هذه الوجبة بدعوى إنقاص الوزن.

وقد حذرت الدراسات العلمية الغذائية الأخيرة من إهمال وجبة الإفطار؛ فهي أول وجبة تستقبلها المعدة في اليوم حيث تنتقل المواد الغذائية المهضومة إلى الكبد وتتحول إلى دم يسري في العروق، ومنه إلى جميع خلايا الجسم، ومن هنا يجب الاهتمام بوجبة الإفطار لإمداد الجسم باحتياجاته لتجنيبه ما قد يصيبه من متاعب.

وأكدت دراسة أن أهمية تناول وجبة الإفطار تكمن في قدرتها على تهيئة الجسم للنشاط اليومي في العمل أو التعلم، حيث تمنح الجسم القدرة على الحركة والإنتاج، كما أنها تنبه الذهن وتساعده على التركيز خلال فترة الدوام وذلك من خلال إمداد الفرد بالطاقة والسعرات الحرارية اللازمة لذلك.

للكبار والصغار
أثبتت الدراسات أن وجبة الإفطار الصباحية لا تفيد الأطفال والشباب فحسب، بل مفيدة لكبار السن أيضًا، هذا ما أثبتته دراسة طبية جديدة بالجمعية الأمريكية للعلوم الغذائية، والجمعية الأمريكية للتغذية السريرية، وأفادت هذه الدراسة بأن تناول طعام الإفطار يحسن الذاكرة والقدرات الإدراكية عند المسنين وذلك بعد مراقبة عدد من الأشخاص تراوحت أعمارهم من 61-79 عامًا، تناول عدد منهم طعام الإفطار (بروتين نقي أو نشويات أو دهون نقية)، فكان أداؤهم في فحوصات الذاكرة عاليًا وذلك بعد تناوله بربع ساعة، مهما كانت نوعية الأطعمة، في حين سجل المشاركون الذين لم يتناولوا الإفطار درجات أقل في اختبارات الذاكرة والقوى الإدراكية.

وأكد البحث أن تناول أي نوع من الطعام في وجبة الإفطار يعزز القدرات الذهنية ويقوي الذاكرة.

كما أن ممارسة الرياضة بانتظام والمحافظة على الوزن السليم وتناول أغذية قليلة الدهون المشبعة والغنية بالألياف والفواكه والخضراوات يساعد في المحافظة على قوة الذاكرة والمهارات الإدراكية والقدرات الذهنية على المدى الطويل.

مساوئ إهمال وجبة الإفطار للصغار
إهمال وجبة الإفطار المتوازنة بالمنزل يزيد من فرص تناول الأطفال للمأكولات المصنعة والمعلبة مثل المشروبات الغازية والحلويات أثناء تواجدهم في المدرسة لاحتوائها على كميات عالية جدًّا من الدهون والسعرات الحرارية العالية؛ مما يؤدي إلى الإصابة بالسمنة وكذلك زيادة فرص التعرض لأمراض القلب نتيجة استهلاك كميات عالية جدًّا من الدهون وارتفاع كولسترول الدم.

ويفضل شرب الماء بمجرد الاستيقاظ من النوم بحيث لا يكون ذلك على حساب تناول المواد الغذائية المهمة للجسم مثل الحليب، على أن يكون الماء فاترًا؛ لأن الماء البارد يمكن أن يسبب تقلصًا في جدار المعدة مما يؤدي إلى الشعور بالألم.

وجبة متوازنة:
تمثل وجبة الإفطار ثلث الاحتياجات اليومية من الطاقة والعناصر الغذائية، ولذلك لابد أن تكون وجبة متوازنة صحية ومحتوية على جميع العناصر الغذائية من بروتين ونشويات وقليل من الدهون وخاصة الدهون المشبعة بالإضافة إلى الفيتامينات الموجودة في الخضروات والفاكهة والمعادن وأهمها معدن الكالسيوم الموجود في الحليب ومشتقاته من الأجبان التي تساعد على نمو وتقوية العظام.

وللحصول على وجبة غذائية كاملة في بداية النوم ينصح بأن يشتمل الإفطار على:

كوب من الحليب مع قليل من السكر + شريحة من الخبز + قطعة من الجبن أو بيضة، ويفضل ثمرة فاكهة من الفواكه المتوفرة مع عدم الثبات على نظام غذائي موحد، بل يستبدل بالجبن مثلاً قطعة من المربى.. وهكذا.

إلا أن الحليب يجب أن يرافق وجبة الإفطار في جميع مراحل حياة الإنسان من الطفولة المبكرة وحتى الشيخوخة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الاسرة

Post: #275
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:48 PM
Parent: #201

الشيخوخة طور صحى يمر به الإنسان فى حياته؛ حيث يشيب الشعر، ويهن العظم، ويضعف السمع والبصر، وهذه الأعراض قد تفرض على المسن حصارًا فيعتزله المجتمع، وبالتالى تسوء حالته النفسية والجسدية.

وهنا يقع العبء الأكبر على من يتعامل مع أحبائنا الكبار، سواء كانوا أقارب أو أصدقاء أو جيران فى معرفة الطريقة الصحيحة للتواصل مع المسن.

يقول الدكتور محمد قناوى - أخصائى العلاج الطبيعى - إن هناك مجموعة من الإرشادات يجب أن نلتزم بها عند تعاملنا مع أحبائنا ضعاف السمع والبصر منها:

1 - الاقتراب قدر الإمكان من المسن لضمان سهولة سماعه ورؤيته لك

2 - تنبيه المسن باليد برفق أو بإشارة منك قبل توجيه الحديث إليه لينتبه إلى حديثك.

4 - خفض أى ضوضاء تمنع المسن من سماعك قبل بدء حديثك إليه.

5 - اجعل حركات الفم واضحة أثناء الكلام؛ حيث إن قراءته للشفاه أثناء الحديث تساعده على فهم الحوار.

6 - التحدث بصوت أعلى قليلاً من الصوت العادى، ولكن بدون صياح أو صراخ حتى لا تضايقه.

7 - التحدث ببطء مع توضيح أكبر لمخارج الألفاظ.

8 - من الأفضل أن تكون الجمل مختصرة ومفيدة وواضحة.

9 - مراقبة تعبيرات وحركة رأس المسن أثناء الحديث معه، فهى توضح إذا ما كان الحديث إليه مسموعًا وواضحًا أم لا.

10 - تجنب التغيير المفاجئ لموضوع الحديث حتى لا يخطئ المسن الفهم.

11 - الضغط على الكلمات المفتاحية فى الحديث (أى الكلمات المهمة التى توضح موضوع الحديث) مع التوقف بعد كل كلمة من الكلمات المفتاحية.

إرشادات إضافية :

- أعط المسن الوقت الكافي ليرد.

- يمكن سؤال المسن أن يعيد ما قلته له، خاصة إذا كان الموضوع مهمًا؛ حيث إنه فى بعض الأحيان يتظاهر المسن أنه قد سمعك تفاديًا للإحراج.

- التحدث معه بشكل ودى مع تجنب الحديث إليه بلغة الأطفال؛ حيث إن الحديث إليه كطفل قد يشعره بالاستخفاف به.

- استخدام التعبيرات الوجهية والإشارات والإيماءات اليدوية أثناء حديثك معه لتكون أكثر وضوحًا.

- يمكن استخدام نوتة صغيرة لتكتب ما تريد توصيله للمسن عند تكرار صعوبة وتعذر سماعه لك.

ضعف البصر:

يشير الدكتور قناوى إلى أن كل تركيبات العين تعانى من التغيرات المتعلقة بتقدم السن، مما يعوق التواصل، وعدم الرؤية فى الضوء الضعيف، وبالتالى عدم الحكم الصحيح على المسافات والرؤية الصحيحة للأشياء أثناء الحركة، كما يعانى المسن أيضًا من ضعف فى مجال الرؤية الجانبية، بمعنى أنه يرى أمامه، ولكنه لا يرى ما بجانبه بوضوح إلا عند الالتفات؛

لذا يجب مراعاة الآتى عند التعامل مع المسن ضعيف النظر:

1 - الاقتراب منه ببطء وتحيته شفويًا مع اللمس الرقيق الحنون.

2 - محاولة زيادة مستوى الإضاءة بالمكان؛ حيث يحتاج المسن لمستوى إضاءة ثلاثة أضعاف المستوى العادى، مع تجنب الأضواء المبهرة المنعكسة عليه، فتؤدى إلى الزغللة ومضايقته.

3 - يمكن أن يستخدم نظارته أثناء حديثه معك.

4 - وضع الأشياء المطلوبة من المسن الانتباه إليها فى مجال نظره.

5 - عند إعطاء المسن شيئًا مقروءًا، أو صورة يجب أن يكون هذا الشيء ذا حجم كبير واضح، ويفضل استخدام الألوان المتناقضة؛ حيث إنها أكثر وضوحًا مثل الأسود على خلفية بيضاء، أو أصفر.

6 - عدم تغيير مكان الأشياء الخاصة أو الحيوية للمسن من مكانها إلا بعلمه وإذنه، وإعلامه دائمًا عند أى تغيير فى ترتيب أثاث المنزل.

ويضيف الدكتور قناوى: لزيادة التواصل مع المسن ينصح باللمس:

لأن اللمس يحتل مكانة عالية فى تفاعلنا مع المسنين؛ حيث يزيد من ثقتهم فينا، ويعطيهم الإحساس بالاهتمام بهم، فلابد من استخدام هذه الحاسة فى التعامل معهم.

المرح والضحك:

المرح له تأثيرات فسيولوجية ونفسية عديدة مفيدة للجسم؛ حيث يساعد الضحك على إفراز الكاتيكولامين والهرمونات التى تعطينا الإحساس بأننا فى حالة جيدة، وتساعدنا على تحمل الألم، وهو يساعد على تقليل القلق، وإفراز المسكنات الطبيعية للألم، وتحسين التمثيل الغذائى؛ لذا يجب أن يكون تعاملنا مع المسن يبعث على المرح والفكاهة والضحك؛ لأن الضحك نوع من أنواع الاتصال؛ حيث يزيد من ثقتهم فينا ويعطيه الإحساس بالاهتمام به.
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #276
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:49 PM
Parent: #201

في بداية الحياة الزوجية تحرص الزوجة على التزين لزوجها، لكن مع مرور الوقت قد تعتقد أن الكلفة بينهما زالت فتهمل زينتها، ومن المؤلم أن هذا الإهمال يقتصر على الزوج، إذ أنها تحرص على الزينة عند زيارة صديقاتها أو قريباتها.

ليس مطلوبًا منك أن تقضي جل يومك أمام المرآة لتتزيني لزوجك، فأساس الزينة المحافظة على النظافة مع لمسات بسيطة تعرفها كل امرأة.. تزيّنك لزوجك حق له وواجب عليك؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته".

وقديمًا قالت اُمامة بنت الحارث في وصيتها المشهورة لابنتها قبل زفافها: "...التفقد لموضع أنفه، والتعهد لموضع عينه، فلا تقع عيناه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح، وإن الكحل أحسن الموجود، والماء أطيب الطيب المفقود". ولا يعني التزين للزوج إرهاقه ماديًا بشراء المزيد من وسائل الزينة الحديثة.

حب التزين فطرة
ورغم أن حب الزينة من فطرة النساء، أقرها الله تعالى بقوله: {أوَ مَن يُنشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين}[الزخرف:18] ، فإن اهتمام المرأة بالزينة كثيرًا ما يتأثر بمرحلتها العمرية، ففي مرحلة (الملكة أي بعد العقد ) تحرص الفتاة على أن تكون الأجمل والأحلى في عين خاطبها، لكن أهمية هذا الحرص تتراجع بعد الزواج وتعدد المسئوليات.

يقول أحد الشباب بعد 3 سنوات من زواجه: "هذه ليست الفتاة الجميلة التي تزوجتها". وترد الزوجة بأنها تدون كل يوم الأعمال التي يجب عليها أن تنفذها، فتجد نفسها في نهاية اليوم في غاية الإرهاق والتعب، ولا وقت لديها للزينة.

لكن إحدى النساء تلقي باللائمة على هذه الزوجة وتعتبرها مقصرة في حق زوجها وحق نفسها، فأدوات الزينة الحالية تجعل المرأة لا تحتاج لأكثر من نصف ساعة لتبدو في أبهى صورة، وحب التجمل غريزة في المرأة لا يجب أن تلغيه أي مشاغل.

دور الزوج
ويمكن للزوج أن يلعب دورًا مهمًا في حرص زوجته على الزينة أو إهمالها لها، فقد يتجاهل زينتها أو يكثر من انتقاده لها فيحبطها، وقد يتجاهل زينة نفسه بينما تحرص هي على زينتها، ومثل هذا الزوج ينسى هدي النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال: "حبب إليَّ من الدنيا النساء والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة" [رواه النسائي].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "كنت أُرَجّل رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا حائض". والترجيل تسريح الشعر واللحية ودهنه.

وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من كان له شعر فليكرمه".

لا نستطيع أن نلقي بالمسؤولية التامة على الزوج في إهمال زوجته للزينة، فأكثر ما تتحجج به الزوجات في إهمال زينتهن هو كثرة المشاغل، ولذلك تدعو الاختصاصية الاجتماعية نورة سليمان إلى تدريب الفتيات قبل الزواج على تعدد المسئوليات لتكون كل واحدة منهن مسئولة عن أبناء وزوج وبيت وزينة نفسها، لا تطغى مسئولية على أخرى، وتقول: للأسف نحن لا نربي أبناءنا على حسن استغلال الوقت وتقسيمه بين المسئوليات ولذلك كثيرًا ما تفشل الزوجة في تقسيم وقتها بين بيتها وزوجها وأولادها.

كبرنا على ذلك !!!
وبعض النساء يهملن زينتهن بعد الزواج انطلاقًا من فهم خاطئ لوظيفة هذه الزينة، فبعض الفتيات يعتقدن أن الخطوبة والأيام أو السنوات الأولى من الزواج هي فترة التجمل والتزين، وإذا حدثتهن عن ان الزينة من حسن التبعل للزوج أجبن: "كبرنا على ذلك".

هؤلاء ينسين أن تزين المرأة لزوجها يجب ألا يصرفها عنه صارف إلا ما أقره الشرع (كالحداد على قريب) فهذه أم سليم رضي الله عنها تتزين لزوجها في يوم عصيب، عن أنس رضي الله عنه قال: مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها: "لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه". قال: فجاء فقربت إليه عشاء فأكل وشرب ثم تصنعت له أحسن ما كانت تصنع قبل ذلك، فوقع بها. فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحة أرأيت لو أن قومًا أعاروا عاريتهم أهل بيت فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال: لا. قال: فاحتسب ابنك. فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بما كان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بارك الله لكما في غابر ليلتكما".
ـــــــــــــــ
مجلة الأسرة العدد 156

Post: #277
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:53 PM
Parent: #276

ما إن تطل العطلة الصيفية برأسها حتى تلقي بظلالها على جدول أعمال العائلات، فالأبناء وقد انتهوا من عام دراسي طويل ينتظرون المكافأة من أبيهم الذي يتمنى أن يجد بدوره في الأجازة ما يجدد نشاطه ويزيح عنه عناء عام طويل من العمل المتواصل ، أما الأم فهي الجندي المجهول وصاحبة العطاء الأكبر ومن ثم لا تقل توقعاتها عن توقعات الأبناء والزوج.



وبين الأماني والأمنيات تأتي الرحلات العائلية كبيت القصيد، إذ يكاد يكون هناك إجماع على أن تلك الرحلات هي الجائزة التي ينتظرها الجميع، قد تختلف وجهات تلك الرحلات وأهدافها ولكن كل يبحث فيها عن مبتغاه.



الرحلة العائلية الناجحة هي تلك التي تبدأ قبل أن تبدأ، أي تلك التي تخطط لها العائلة وتتفق على جدولها ووجهتها وتستهدف منها تحقيق أهداف تربوية وترفيهية وثقافية.

أما الرحلات العائلية العشوائية فهي تربك الأسرة اجتماعيًا وماليًا دون أن تحقق فائدة، ولذلك من الأهمية بمكان أن يجتمع أفراد الأسرة ويحددوا مدة الرحلة ووجهتها وبرنامجها وتوزيع الأدوار خلالها، وبذلك تتحول الرحلة إلى نوع من التدريب على تحمّل المسئولية والشورى العملية في الأسرة دون أن تفقد طابعها الترويحي.

غياب التخطيط للرحلة العائلية يحولها إلى موضوع خلاف بين أفراد الأسرة ابتداء من مدتها ومرورًا بوجهتها وانتهاء ببرنامجها، كثير من الأسر تشهد خلافًا بين الزوج وزوجته أو بينهما أو أحدهما وبين الأولاد حول هذا الموضوع فتتحول الرحلة العائلية من موضوع للتآلف والتواصل بين أفراد الأسرة إلى سبب للخلافات، وربما يقلل من الخلاف حول هذا الموضوع الاتفاق على مبادئ عامة حول الرحلة العائلية كتحديد بلدان لا ينبغي أن تكون مقصدًا للرحلة لأسباب شرعية، وتحديد سقف زمني لها لا تتجاوزه، وكذلك سقف مادي للإنفاق حتى لا تتحول الرحلة إلى أحد أسباب استنزاف ميزانية الأسرة، وتحديد بلد أو مكان جديد للرحلة كل عام.

أكثر من مجرد ترفيه:
أضحت الرحلات العائلية جزءًا من الحياة الاجتماعية لملايين الأسر، ولذلك ينبغي توظيفها فيما يتجاوز الترفيه إلى أهداف تربوية وتثقيفية، فالرحلة يمكن أن تكون نوعًا من التعليم الذاتي بزيارة الأماكن التاريخية ومعرفة ثقافات الشعوب وأساليب عيشها، بل إن اشتراك أفراد الأسرة في رحلة واحدة من شأنه أن يقوي العلاقات بينهم، فالوالد الذي يراه أبناؤه طوال العام مشغولاً في عمله سيقضي طوال أيام الرحلة مع أبنائه .

وفي الرحلة يمكن أن يتواصل أبناء العائلات الممتدة فيجتمع الأبناء وزوجاتهم وأبناؤهم مع والديهم، بل إن الرحلات العائلية فرصة لا تعوض لتحرير الأبناء من الإنترنت والتلفاز، فيتقارب الآباء والأبناء أكثر، ويمكن أن تكون الرحلة مناسبة جيدة لتعويد الأبناء الصغار على تحمل المسئولية، وذلك بتكليفهم ببعض الأعمال وتنمية مداركهم وتوسيع خبراتهم، ولفت انتباههم إلى عظمة الله وقدرته عند زيارة الأماكن الغريبة، وعند زيارة المنتزهات والحدائق العامة يجب إلزامهم بتحري النظام والنظافة والسلوك المهذب، وعند زيارة بعض البلدان الفقيرة يمكن اصطحاب الأبناء إلى المناطق الفقيرة ولفت انتباههم إلى المقارنة بين حالهم وحال سكان هذه المناطق ليستحضروا نعمة الله عليهم ويتعلموا القناعة والرضا.



ضرورة أم إسراف:
(أم غيداء) تعتبر الرحلة العائلية في بعض الأحيان ضرورة لأفراد الأسرة، وفي أحيان أخرى تعد إسرافًا وهدرًا للوقت والمال والغفلة عن فرائض الله؛ فالرحلة يمكن أن تبرز روح التعاون بين أفراد الأسرة بتبادل الأدوار والمهام فيما بينهم، ويمكن أن تكون مصدر تثقيف بزيارة الأماكن الجميلة والمناظر الخلابة والمتاحف.

ولا تخلو الرحلة من الفائدة كمعرفة معلومات جديدة وانشراح صدر وتقارب بين الأفراد.

ولصداقة الآباء مع أبنائهم أثر في إبهاج الرحلة، إذ تقوى فيما بينهم أواصر المتعة مما يبدد روح الأنانية وحب الذات، فالسفر مع العائلة فرصة ليتواصل الآباء المشغولين مع أبنائهم ويكشفوا دواخلهم ليتحسسوا همومهم وأوجاعهم.



(خالد الخليوي) ينتقد بعض الآباء خلال الرحلات العائلية؛ فالواحد منهم لا يعرف أهله إلا في الذهاب والإياب ويعطيهم الحرية التامة لقضاء الوقت ليهرب إلى مآربه الخاصة، والرحلات العائلية ليست أمرًا ضروريًا ولا هي مجرد ترف، ولكنها من البرامج المهمة في إنجاح الحياة العائلية وإدخال السرور والفرح على القلوب والأرواح، ومن ثم تجديد الحياة والنشاط لتلك الأسرة، لذا ينبغي للجميع المشاركة في اقتراح الرحلة وتحديد وجهتها وبرنامجها.

التخطيط الجيد

ويبدأ تخطيط الرحلة بأن يعلن أحد أعمدة البيت (الأب أو الأم مثلاً) فكرة هذا المشروع الاجتماعي الترويحي، وكذلك يعلن للجميع من صغار وكبار ذكور وإناث استقبال اقتراحاتهم من حيث جهة السفر وموعدها ومدتها ومعرفة الخطوط العريضة لبرنامج الرحلة.

وبعد جمع هذه الاقتراحات تأتي المناقشة الخاصة بين الأم والأب لتحديد ما وقع عليه الاختيار مراعين في ذلك ظروف العائلة (الدراسية، المادية، الاجتماعية...).

وتكون الرحلة مصدر تثقيف وتوعية من خلال مجموعة نقاط:

- إجراء المسابقات المتنوعة التي يفترض أن تكون قد أعدت من قبل.

- تحضير بعض الخواطر العلمية المتنوعة والمختصرة التي يمكن أن تقرأ بين الحين والآخر وخاصة بعد الصلوات.

- أن يُظهر الأبوان بعض الآداب والقيم التي يكون عليها المسلم أثناء سفره (كترك المكان نظيفًا والحفاظ على ممتلكات الآخرين).



أما من ناحية إبراز روح التعاون بين أفراد الأسرة فهذا يختلف باختلاف أفراد العائلة، فالسفر امتحان لما تعلموه في الحضر، فمن كانوا كسالى في بيوتهم اتكاليين في قضاء حوائجهم يرمون بكل شيء على الأب أو على أحد الأولاد، فهؤلاء لا شك في إخفاق رحلتهم وفشلهم في تحقيق أهدافها؛ لأن من أعظم أسس النجاح سيادة روح التعاون والتنافس.



وحتى لا تتحول الرحلة العائلية إلى مجرد تسلية وترفيه يمكن للآباء والأمهات مراعاة الجوانب التالية:

· - مشاركة الأبناء في وضع برنامج للرحلة لتعويدهم على التخطيط المسبق .

- الحرص على الصلاة في أوقاتها مع الجماعة أثناء الرحلة لكي يتعلم الأبناء أن المتعة الحلال لا تعني إهمال الفروض الدينية.

- بعد إتمام الرحلة يجب إشراك الأبناء في تقييمها وتحديد الإيجابيات والسلبيات، فمن شأن ذلك أن يعلم الأبناء مفهوم تصحيح الأخطاء.



الرحلات العائلية ضرورة للترابط الأسري:

تذهب الدكتورة مريم راشد التميمي – الأستاذة المساعدة في قسم الدراسات الإسلامية بكلية الآداب للبنات بالدمام – إلى أن الرحلات العائلية تزيد من حجم الترابط العائلي وتقوي أواصره.. لاسيما مع هيمنة الطابع العملي على حياة الأسرة والانشغال بأعباء الدراسة والعمل..

وتقول: إن طبيعة الحياة العصرية وإيقاعاتها المشحونة بجو العمل باتت تحتم الاهتمام بتنظيم تلك الرحلات العائلية التي تزيد من تمتين الأواصر الأسرية وتغلفها بروح اجتماعية محببة إلى النفس.



وتنصح الدكتورة مريم التميمي بضرورة استثمار تلك الرحلات فيما يعين على التقرب من الله عز وجل واستغلال الفرصة المتاحة عبر تلك الرحلات في أداء عبادة عظمية هي عبادة التأمل، داعية الآباء والأمهات أن يعوا أهمية ربط الطفل بما يشاهده في الكون الفسيح وفضاءاته الواسعة بالإيمان بالله عز وجل عبر التأمل في ملكوت الله والشعور بعظمة الخالق، كما تحذر من اقتراف المحظورات والآثام عبر تلك الرحلات، وكذلك ارتياد المناطق والدول التي تشيع فيها المنكرات والمعاصي؛ لأن ذلك يضعف حصانة الفرد الداخلية ويسهل وقوعه في منزلقات الشرور والمعاصي.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد 157

Post: #278
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:56 PM
Parent: #201

الوجبات السريعة مخاطر أسرية وصحية
يشهد عصرنا ظاهرة انتشار المطاعم بشكل واسع، وعلى الأخص مطاعم الوجبات السريعة، نظرًا لطول ساعات العمل خارج المنزل، فبينما كان الناس يعودون إلى بيوتهم قبل العشاء وتجتمع الأسرة كلها على وجبة واحدة يسمرون بعدها قليلاً ثم يذهب كل منهم إلى فراشه، أصبح الناس الآن يتأخرون كثيرًا في النوم ويبدؤون سهراتهم بعد صلاة العشاء، وانشغل الوالدان، وخرجت النساء للعمل، وضعفت العلاقات الأسرية، وأعطي الشباب – وخاصة صغارهم – مزيدًا من الحرية في التنقل والتجوال، وتوفرت القوة الشرائية لهم بشكل لم يسبق له مثيل، إضافة إلى الدعايات والحملات الترويجية في وسائل الإعلان المختلفة .

كل هذه العوامل أدت إلى انتشار عادة الأكل في المطاعم، وخاصة تلك التي تقدم الوجبات السريعة، فكان في ذلك عامل جذب كبير للأطفال والعائلات للمداومة على تناول الوجبات السريعة دون النظر للآثار السلبية من كثرة تناولها.

عوامل جذب:
هناك العديد من عوامل الجذب التي أدت إلى إدمان أفراد الأسرة لمثل هذه النوعية من الوجبات وهي:

تشكل مطاعم الوجبات السريعة فرصة للطفل للتخلص من الروتين اليومي وتكرار الأغذية نفسها في المنزل.
الخروج إلى المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة يساعد على فتح شهية الطفل وزيادة تقبله للطعام، وهذا راجع إلى أن العديد من الأطفال يفرض عليهم طعام المنزل ويكون الجو النفسي عند تناول الوجبات اليومية خصوصًا وجبة الغداء غير مريح.
فالأطفال والمراهقون يرفضون تناول الحليب وبعض الأغذية مثل البيض عند وصولهم سن البلوغ، وذلك كنوع من إثبات الوجود ورفض أوامر الأسرة لإجبارهم على تناول هذه الأغذية.

كما أن المشاحنات التي تحدث أثناء تناول الغداء في المنزل مثل توبيخ الطفل لتصرفات معينة تجعل الطفل لا يرتاح كثيرًا للجلوس على مائدة الطعام ويحاول إنهاء طعامه بسرعة.

بعض الأغذية السريعة تحتوي على نسبة عالية من الدهون، والمعروف أن الغذاء الذي يحتوي على الدهون يكون مقبولاً ومستساغًا بشكل أفضل من الأغذية قليلة أو عديمة الدهون، وأقرب مثال على ذلك الحليب كامل الدسم والحليب منزوع الدسم، حيث نجد أن أغلب الناس يرفضون ولا يستسيغون الحليب منزوع الدسم، فمن وظائف الدهون تحسين طعم الطعام.
عند الخروج إلى المطاعم التي تقدم الوجبات السريعة نجد الطفل هو الذي يحدد نوع الطعام الذي يريده مما يعطيه نوعًا من الاستقلالية في اتخاذ القرار، وهذا الجانب غير متوفر في المنزل حيث يفرض الطعام على الطفل ويجب عليه أن يأكل ما تم إعداده لجميع أفراد العائلة.
ومن هنا نلاحظ في مطاعم الوجبات السريعة أن كل فرد في الأسرة يتناول أطعمة قد تختلف عن الأفراد الآخرين.
نتائج سلبية:
لا شك أن مطاعم الوجبات السريعة أوجدت ملاذًا لأولئك المشغولين حقًّا وخصوصًا الأفراد غير المتزوجين، لكنها أفرزت نتائج سلبية تتضمن مشاهد متعددة من الأضرار، منها على سبيل المثال:

أسريًا : ساهمت في تفكيك الأسرة؛ حيث نجد الأم مع صاحباتها في مطعم، والأب مع الشلة في آخر، والأبناء وأقرانهم في ثالث، ولا تجتمع الأسرة إلا عند المنام، وقد يرون بعضهم بعضًا في الأحلام وقد لا يحصل.

أدخلت تلك المطاعم على ميزانيات الأسرة بنودًا جديدة، وحملتها أعباء إضافية، الأسرة في غنى عنها، فأصبح رب الأسرة يحسب حساب تلك المطاعم قبل حساب فواتير الخدمات والعلاج والدراسة وغيرها، وكأن الحياة لا تقوم بدونها، والمشكلة الأدهى أن الرغبة تحولت إلى عادة وأصبحت العادة طبعًا، ولم يعد الشخص يستطيع أن يتخيل حياته دون الأكل بسرعة.
صحيًا: تعرف الوجبة السريعة بأنها الوجبة التي تحتوي على أطعمة سريعة التحضير، مثل "شطائر الشاورما والبرجر والفلافل والفطائر والبيتزا، وقطع الدجاج المقلية، مع مشروب غازي أو كاس من العصير، وشرائح البطاطس المقلية.
وأهم ما يعيب الوجبات السريعة أنها لا تحتوي على الفاكهة والسلطات، وأنها تؤكل على عجل.

والملاحظ أن أكثر الناس إقبالاً على هذه الوجبات هم الأطفال والمراهقون، الذين صارت الوجبات السريعة جزءًا من عاداتهم اليومية.

ويدفع مرتادو تلك المطاعم ضريبة باهظة غير مرئية، فالسرعة لها ضريبة؛ لأن تحضير الطعام بشكل سريع يستدعي استخدام مواد مضافة وكيماويات لا يعلم كنهها إلا الله تعالى، ومع السرعة فليس هناك وقت كافٍ لمراقبة الجودة ومتابعة السلامة في المواد المستخدمة وطريقة الطهو.

كما أن أطعمة الوجبات السريعة غنية بالدهون غير المشبعة؛ وبالتالي فهي تسبب ارتفاعًا بشحوم الدم، والكوليسترول، فالوجبة الواحدة من الوجبات السريعة تحتوي على أكثر من 800 ملجم من الكوليسترول، أي حوالي أكثر من ثلاث مرات مما قد يحتاج إليه الجسم خلال اليوم، وهذا في وجبة واحدة، ولا يخفى على أحد ما ينتج عن الكولسترول من تصلب للأوعية القلبية.

والوجبات السريعة أيضًا ذات سعرات حرارية عالية وغنية بالنشويات بسبب استعمال الخبز الأبيض و المعجنات.

لذلك فهي تسبب بعد استعمالها للمدى الطويل، ارتفاع ضغط الدم، والتهاب مفاصل تنكّسي بالركبتين، والعمود القطني، إضافة للعبء الكبير الذي تسببه على القلب والرئتين ، بل هذه الأطعمة قوامها جاف وقليلة الخضار والألياف فتسبب إمساكًا وإرباكات بالجهاز الهضمي، إضافة إلى أنه في معظم الأحيان يضاف إليها كثير من الملح والمخللات، وهذه تسبب ارتفاعًا في ضغط الدم وخاصة عند الذين تجاوزوا الأربعين من العمر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مجلة الأسرة العدد ( 148 )

Post: #279
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:57 PM
Parent: #201

السعادة الزوجية حلم كل فتاة مخطوبة وهدف كل زوجة، وهي حلم وهدف يستحق أن نبذل فيه قصارى جهدنا، وحتى يؤتى هذا الجهد ثماره علينا أن نعي ما يحيط به من أخطاء وما يتهدده من أعداء، والكيس من اتعظ بغيره، فكم من بيوت غابت عنها السعادة رغم أن الزوجين بذلا وسعهما لتحقيقها لكنهما وقعا في أخطاء أذهبت جهودهما سدى.. لكي تحمي سعادتك احذري الأخطاء وتجنبي الأعداء.



و أحد أخطر هذه الأخطاء هو "إفشاء الأسرار"، فأسرار البيت أمانة يجب عليك المحافظة عليها وتفريطك بها يذهب ثقة زوجك بك، فاحذري أن تكون أسرار بيتك موضوعًا لثرثرتك أو فضفضتك؛ كما قد يخيل إليك، ولا تظني أن صديقتك ستحفظ سرك الذي ضاق به صدرك، صدق الشاعر حين قال:

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه فصدر الذي يستودع السر أضيق



وفوق هذا وقبله فإن حفظك لسر بيتك مطلب شرعي تتعبدين لله به، خصوصًا علاقتك الخاصة بزوجك.. عن أسماء بنت يزيد أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والرجال والنساء قعود عنده فقال: لعل رجلاً يقول ما يفعله بأهله ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها" فأرم القوم – أي سكتوا ولم يجيبوا – فقالت: إي والله يا رسول الله إنهن ليفعلن وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما مثل ذلك مثل شيطان لقى شيطانة فغشيها والناس ينظرون".

ضرره أكثر من نفعه:

ويؤكد علماء النفس أن ترويح الزوجة عن نفسها بالفضفضة إلى صديقاتها ونشر أسرار بيتها غالبًا ما يصنع من القلق أكثر مما يجلب من الراحة، صحيح أن الراحة قد تكون آنية وعاجلة لكن القلق حتمًا سيظهر بعد أن تنتشر هذه الأسرار وتجني الزوجة الندم والخسران، فلا أحد من الرجال يستريح لإفشاء أسرار حياته الزوجية، وقديمًا حذرت أمامة بنت الحارث ابنتها في وصيتها المشهورة قبل زواجها فقالت: "... فإن أفشيت سره فلن تأمني غدره...".

الأسرار أنواع ودرجات:

أسرار البيت ليست على درجة واحدة من الأهمية، فهناك أسرار العلاقة الخاصة بين الزوجين وهذه يجب أن تحتفظ بها الزوجة في بئر عميق داخل نفسها – وكذلك الزوج – وقد مر علينا تحذير النبي صلى الله عليه وسلم من إفشاء هذه الأسرار.



وهناك الأسرار المتعلقة بالخلافات بين الزوجين، وهذه تقدر بقدرها، والزوجة العاقلة هي التي تحفظ هذه الأسرار ولا تنقل منها إلا ما يعالج المشكلة، ولكن ليس إلى صديقاتها أو قريباتها، بل إلى من تتوسم فيهم الحكمة ليحققوا النصيحة الإلهية: {فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا}[النساء:35].



ويجب ألا تبادر الزوجة إلى ذلك بمجرد حدوث المشكلة وألا تفعل ذلك مع كل صغيرة وكبيرة، فما أكثر المشكلات التي لا تحتاج إلى تدخل من أحد بل مجرد حنكة وصبر في الزوجة.

تقول إحدى الأمهات: تزوجت ابنتي منذ عشر سنوات، ما اشتكت إلي ولا إلى والدها من زوجها قط.. لم تخبرني أبدًا عن مشكلة إلا بعد حلها، غاية ما كانت تطلبه مني الدعاء حتى أنني كنت أعرف أنها تواجه مشكلة عندما تلح علي في طلب الدعاء.



وهناك الأسرار المتعلقة بخصوصيات البيت وهذه أيضًا لا يجوز نشرها حتى لا تصبح الأسرة كتابًا مكشوفًا أمام الآخرين.. قال تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}[التحريم:10] قال بعض المفسرين عن هذه الخيانة: إن امرأة نوح كانت تكشف سره فإذا آمن مع نوح أحد أخبرت الجبابرة من قوم نوح به، أما امرأة لوط فكانت إذا استضاف لوط أحدًا أخبرت أهل المدينة ممن يعملون السوء حتى يأتوا ويفعلوا بهم الفاحشة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مجلة الأسرة العدد رقم 156

Post: #280
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 03:59 PM
Parent: #279

حول دور الأسرة وأثر استقرارها على نمو الطفل، وأهمية الدور الإيجابى للإرشاد الأسرى تحدثنا الدكتورة نادية رجب السيد - مدرسة الإرشاد والتوجيه الأسرى - فتقول:

يجمع علماء النفس على أن لمرحلة الطفولة أهمية بالغة فى تشكيل شخصية الفرد فيما بعد، فخبرات الطفولة وتجاربها تترك بصماتها قوية فى مرحلة الرشد، ذلك لأن حياة الإنسان سلسلة متصلة الحلقات، يؤثر فيها السابق فى اللاحق، والحاضر فى المستقبل، وعلى ذلك إذا وفرنا طفولة سعيدة موفقة لأبنائنا كانوا - إن شاء الله - راشدين أسوياء خالين من العقد والاضطرابات، ولأن الطفل فيها يتسم بالمرونة وقلة الخبرة، فإن للأب والأم أهمية كبيرة وتأثيرًا بالغًا على شخصية الطفل.

الأسرة أولا

وتقوم الأسرة بالدور الأول والأساس فى تنشئة ورعاية الطفل، ولكن الأسرة تعانى فى الوقت الراهن من بعض التصدعات والمشكلات التى أنبتت تغيرات بنائية ووظيفية فى الأسرة العربية فالتحضر والتصنيع والتغير التكنولوجى وانتشار التعليم وخروج المرأة للعمل، كل هذا انعكس على وظائف وعلاقات الأسرة، وظهرت نتيجة لهذه التغيرات مشكلات متعددة أثرت على دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية السليمة، مما يؤثر على النمو النفسى السليم للطفل، وقد يؤدى لإصابته بإعاقة.

والتنشئة الاجتماعية يجب أن تسير فى اتجاهين:

الأول: رعاية الطفل المولود كجسم عضوى يحتاج إلى عناية واهتمام وتلبية حاجاته الأولية التى تتركز حول الطعام والإخراج.

والثانى: الحاجات النفسية التى يمكن إشباعها عن طريق العاطفة واتجاهات الرفض أو القبول والاستجابات العاطفية للطفل وهذا ما يكوِّن فيما بعد سلوك الطفل واتجاهاته تجاه الآخرين.

لا للخلاف

وعن أهم المشكلات الأسرية التى تعوق عملية التنشئة السوية، وتؤدى للاضطرابات النفسية، وظهور إعاقات فى مرحلة الطفولة تقول الدكتورة نادية: تتخلل الحياة الأسرية مشكلات تؤدى إلى إصابة الطفل باضطرابات نفسية وإعاقات منها:

1- اضطراب العلاقة بين الوالدين، وكثرة الخلافات والتعاسة الزوجية والمشكلات النفسية، وهذا يهدد استقرار الجو الأسرى والصحة النفسية لكل أفراد الأسرة.

2- الإدمان، ويعتبر إدمان المخدرات أو الكحول كارثة تصيب الأسرة بكاملها وليس المدمن فقط، وتدل الإحصائيات على أن التصدع فى أسر المدمنين تزيد على سبعة أضعافها فى الأسر الأخرى.

3- الوالدان العصبيان : يؤثر ذلك تأثيرًا سيئًا على علاقتهما ببعضهما وعلاقتهما بالأولاد.

4- القدوة السيئة: وقد يكون الوالد أو الوالدة قدوة سلوكية سيئة للأولاد، وهذا بدوره له تأثير سيئ على التنشئة الاجتماعية للأولاد، حيث يتعلمون السلوك السيئ.

5- التنشئة الاجتماعية الخاطئة: ربما تكون عملية التنشئة الاجتماعية للأسرة خاطئة ينقصها تعلم المعايير والأدوار الاجتماعية السليمة، أو تقوم على اتجاهات والدية سالبة مثل التسلط والقسوة والإهمال والرفض والتفرقة فى المعاملة بين الذكور والإناث والكبار والصغار والتذبذب فى المعاملة.

6- اضطراب العلاقات بين الوالدين والأولاد: فى أغلب الأحيان نجد مشكلات الوالدين ترتبط بمشكلات الأولاد، ومشكلات الأولاد ترتبط بمشكلات الوالدين، ويرجع ذلك إلى اضطراب العلاقات بين الطرفين، ويتخذ ذلك صورًا عديدة منها: فقد الحب، ونقص الاتصال التفاعلي ، وعدم وضوح الحدود فى سلوك كل من الطرفين، وهذا يؤدى إلى صور عديدة من الاضطراب.

وتمثل مشكلة تناقض آراء الوالدين بالنسبة للأمور التى تخص الطفل أهم مسببات اضطرابه، وفقد الثقة فى نفسه، فإذا عاقب الأب الطفل كافأته الأم ، ويؤدى ذلك بدوره إلى حدوث بلبلة، ويشعر الطفل أن أباه غير عادل فى عقابه.

وقد تكون الأسرة متصدعة نفسيًا؛ لأن العلاقات بين أعضائها غير مرضية، ويرجع ذلك لأسباب عديدة منها:

انعدام الرعاية والعاطفة أو القسوة في المعاملة، وقد تؤدى القيم غير المتماثلة بين الزوجين إلى ظهور الصراع أو التوتر، وليس المقصود هنا مجرد الخلافات اليومية، ولكن المقصود انعدام التوافق أو الوئام بين الزوجين.

وتقول الدكتورة نادية: إن الظروف الأسرية السيئة والعلاقات غير السليمة داخل الأسرة تنعكس على الطفل، وتؤدى إلى إصابته بإعاقات واضطرابات تتمثل فى اللجلجة وزيادة إفراز العرق والعدوانية والتأخر الدراسى وكراهية المدرسة وكراهية المحيطين به.

علاقة طردية بين التفكك الأسرى وإصابة الطفل بإعاقة

وتضيف: أكدت دراسة ميدانية قمت بها وجود علاقة طردية بين التفكك الأسرى وإصابة الطفل بإعاقة،

ففى البحث قابلت العديد من الحالات التى كان السبب فى حدوث الإعاقة لديها هو التصدع الأسرى منها طفلة عمرها 9 سنوات تعانى من تأخر الكلام والسلوك غير السوى، وببحث الحالة وجدت خلافات أسرية وعلاقات أسرية غير سليمة، وحالة أخرى لطفل يعانى من ضعف الانتباه وعدم الكلام والحركة الزائدة، ويتسم سلوكه بالعنف، وقد وجد أنه يتعرض للتدليل الشديد والحماية الزائدة وتناقض آراء كل من الأم والأب والجد حول الأمور التى تخصه، وغيرها العديد من الحالات التى قمت فيها بإرشاد الأسرة إلى ضرورة علاج المشاكل الأسرية، وما ينجم عنها من ضغوط نفسية، والبعد عن الخلافات والتناقض فى الآراء حول الأمور التى تخص الطفل، وقد استجابت الأسر للعمل بالإرشاد النفسي الموجه إليها، وبدأت النتائج الإيجابية تظهر على الأطفال.

إذ يقوم هذا الإرشاد بتوعية الأسرة بأهم المسببات وأعراض الإعاقة، وذلك يساعدها على الاكتشاف المبكر الذى يقتضى التدخل الطبى والعلاج التربوى.
مركز الإعلام العربي

Post: #281
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 04:01 PM
Parent: #280

خادمة تضع الطفل الصغير في الثلاجة عندما يبكي فتصيبه البرودة الشديدة ويتوقف عن البكاء، وأخرى تضع الدبابيس في رأس الطفل إذا صرخ فيسكت وينام لمدة طويلة، وعندما علمت أن مخدومها لا يريدها وسيعيدها إلى بلادها، وفي اللحظات الأخيرة وضعت طفله في الغسالة فمات وهربت، أما الثالثة فإنها تضع القاذورات في الأطعمة حتى تكف الأسرة عن مطالبتها بالطبخ، والكارثة في التي تضع الزجاج المطحون في الطعام انتقاما من مخدومتها.

و سيدة تكتشف أن خادمتها جلبت معها كتب السحر التي تحوي أدعية شركية لإلحاق الضرر بالأسرة.

ولم ينته الأمر عند هذا الحد بل إن واحدة تحمل سفاحا من شاب في الأسرة وتهدد بالفضيحة إن لم يدفعوا لها في الحال ما تريد، وزاد الطين بلة أن الطفل يقلد الخادمة في عباداتها الشركية، والمصيبة أنها تجلب الأفلام الجنسية وتشاهدها مع الأطفال الصغار.

وهكذا تتحول “الخادمة” في المنزل إلى قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي وقت والضحية الأولى هم الأطفال الصغار، وإن كانت الأخطار لا تقف عند هذا الحد بل تمتد إلى جميع أفراد الأسرة من شباب وشابات وأزواج وزوجات.





بداية تدق دراسة سعودية ناقوس الخطر وتشير إلى أن 59 في المائة من المربيات والخادمات يفضلن إقامة العلاقة العاطفية والجنسية قبل الزواج، و69 في المائة من الخادمات لا تزيد أعمارهن على العشرين، وجميعهن من أوساط يسودها الفقر والجهل والتخلف، وأن 75 في المائة منهن غير مسلمات ومعظمهن ينتمين إلى ديانات غير سماوية وان 5.97 في المائة من المربيات غير المسلمات يمارسن الطقوس العقائدية لهن أمام الأطفال.

وأرجعت الدراسة وجود الخدم في المجتمعات الخليجية إلى عدة أسباب منها، دخول المجتمع عصر الترف، واتساع وتعدد مجالات عمل رب الأسرة وخروج المرأة للعمل وتقصير بعض الأمهات في واجباتهن المنزلية، واتجاه الأزواج إلى إراحة الزوجات وكثرة أفراد الأسرة، وأخيرا التقليد وحب الظهور والتفاخر بكثرة الخدم.

وأكدت الدراسة أيضا أن هؤلاء الخدم يؤثرون سلبا في الأسرة والطفل لأن الصغير يبقى مع الخادمة مدة أطول من بقائه مع أمه، فيتكلم بأسلوبها الركيك ويستعمل الرموز بدلا من النطق ما يؤثر في حصيلته اللغوية، ومما يزيد الأمر خطورة أن الخدم ينقلون عاداتهم وتقاليدهم وثقافة مجتمعاتهم التي تغاير القيم والثقافة الإسلامية، فيؤثرون على الصغار في لغتهم ومعرفتهم ونفسياتهم ما أدى إلى تفشي المنكرات وضياع كثير من الأبناء والبنات بسبب سوء التربية وعدم المراقبة، فتنتشر العقائد الفاسدة والأفكار المنحرفة وتشيع الرذيلة والمفاهيم الخاطئة.



ثقافة وعادات مختلفة
ويؤكد الدكتور محمد النكلاوي أستاذ علم الاجتماع في جامعة القاهرة أن المربية الأجنبية تنقل الى الطفل العربي ثقافة معينة وتربية مختلفة، فهي تنتمي إلى قوم لا يعرفون “العيب” ولا يتمسكون بالعادات، كما أنها لا تعلم شيئا عن عاداتنا العربية والإسلامية التي يتربى الطفل فيها على أخلاق القرآن الذي يحمل كل مقومات تهذيب الأخلاق، فضلا عن أن هؤلاء المربيات والخادمات يضعفن اللغة ويؤثرن في ثقافة النشء، إضافة إلى إحداث عزلة بين الآباء والأمهات، وبذلك ينفصل الطفل عن الأسرة وينسلخ البيت العربي عن أصوله.



ويحذر الدكتور النكلاوي من هذه الأخطار ويقول: يجب أن تكون لنا وقفة أمام هذا الخطأ الجسيم لأنه إذا تركنا لهذه المأساة أن تتفشى في مجتمعاتنا الإسلامية والعربية، فإننا بذلك نربي أجيالا يغترب لسانها وتفتقد معالم دينها وتتشبع في أحضان مربيات أجنبيات بالغريب من الطباع والتقاليد والبعد عن الدين، فإذا توافرت كل هذه السلبيات فماذا بقي لنا أن نحتفظ به لتربية أبنائنا اللهم إلا ضياع هذه الأجيال القادمة التي يجب أن تحمل رسالة الأمة من مسؤوليات دينية وسياسية وثقافية واجتماعية.



سلبيات بالجملة
وفي السياق نفسه يقول الدكتور محمد يوسف الشيخ الأستاذ في كلية التربية بجامعة الأزهر إن وجود المربية في البيت ليس له إيجابيات على وجه الإطلاق بل العكس تماما هو الصحيح، فسلبياتها كثيرة جدا من شتى النواحي، وأكثرها خطرا الخلل الكبير الذي تحدثه في تربية الطفل، فهي تنقل ثقافة البيئة التي نشأت فيها وتغرس ثقافة مجتمعها من عادات وتقاليد وأسلوب تفكير، والكارثة الكبرى إذا كانت من دين مختلف، فيتربى الطفل تلقائيا على مبادئ دين آخر، فالخادمة تجلس مع الطفل وتلاعبه وتتحدث معه أكثر مما تفعل أمه، وبالتالي يتأثر بها بسهولة لأن الطفل بطبيعته يقلد الكبار خاصة من يكونون ملاصقين له باستمرار فيقلدهم بطريقة عشوائية، لأنه لا يدرك الصواب من الخطأ، ومهما حاولت الأم أن تجعل المربية أو الخادمة تحت المراقبة فإنها ستفشل لأنه من غير المعقول أن تراقبها على مدار الساعة، ومن هنا فالأولى بالأم بدلا من تضييع الوقت في مراقبة الخادمة أن تستثمره في تربية ولدها بنفسها والاستغناء تماما عن المربية.

ويؤكد الدكتور الشيخ أن غياب دور الأم في التربية يضعف العلاقة الطبيعية التي تنشأ بينها وبين طفلها فيحرم من العطف والحنان اللذين ينتظرهما منها والتي من المفترض أن تشعر بما يدور في رأسه وتفهمه من دون أن يتكلم، ولا ينبغي أن يشاركها احد في هذه المهمة سوى الأب صاحب الحق في هذا وإلى جانب أن المربية مرفوضة في تربية الطفل فهي أيضا مرفوضة لأنها تفشي أسرار البيت.



مشاعر الأمومة
ويمسك الدكتور العارف بالله محمد حسن أستاذ علم النفس في جامعة عين شمس بطرف الحديث فيقول: إن الأصل في تربية الأبناء أنها تعتمد على الأم باعتبار أن دورها بالنسبة للطفل يتعدى الرعاية المادية المتمثلة في تقديم الطعام وتغيير الملابس وتلبية المتطلبات الأساسية، إلى توصيل مشاعر الأمومة الحقيقية من خلال ابتسامتها وأحضانها الدافئة وإرضاعها له بشكل طبيعي ورعايتها بعد ذلك من خلال العلاقة المباشرة وجها لوجه، والتي تسمح بتعليمه اللغة الصحيحة وبناء القيم الايجابية لديه، بالإضافة إلى تعديل وتقويم السلوكيات الخاطئة حتى تكون لبنات الشخصية الأولى لدى الطفل في إطار اجتماعي صحيح وهذا هو الوضع الأمثل.



ويضيف الدكتور العارف بالله: ان الاعتماد على المربية الأجنبية التي تحمل لغة مختلفة وعادات وتقاليد مغايرة وقيما لا تتفق مع مجتمعاتنا العربية والإسلامية، كل ذلك يسهم في إكساب الطفل أنماطا سلوكية شاذة وغير طبيعية لأنه ينشأ على قيم وتقاليد غير صحيحة، بالإضافة إلى أن المربية الأجنبية مهما كانت مدربة على أساليب التربية العلمية فهي لن تستطيع توصيل المشاعر العاطفية التي تشعر الصغير بالحب والأمان، وإذا كانت هناك ضرورة ملحة لوجود الخادمة فلتكن مسلمة ملتزمة بسلوكيات وآداب وتعاليم الإسلام مع إشراف الأم على تربية أبنائها إشرافا كاملا، فغياب هذا الدور يؤدي إلى شخصيات منحرفة غير متكاملة وغير سوية، وقد يحدث أيضا انعدام في التوازن النفسي الذي لا يحققه إلا الأب والأم للطفل.



الطفولة مرحلة خطرة
ويضع الدكتور منيع عبد الحليم محمود عميد كلية أصول الدين بجامعة الأزهر النقاط على الحروف بقوله: إن مرحلة الطفولة من أكثر وأدق مراحل العمر أهمية في حياة الإنسان عامة والمسلم خاصة، حيث يكون الطفل بطبيعته وفطرته مستعدا لتلقي المبادئ الأساسية للدين الإسلامي والتي تظل معه ويتمسك بها طوال حياته، ولذلك يجب أن يحاط الطفل بجميع أنواع الرعاية النفسية والصحية، وفي الدول المتقدمة يدركون مدى خطورة هذه المرحلة السنية ومن ثم يركزون معظم اهتمامهم على المرحلة الابتدائية، فوجود المربية الأجنبية، خاصة من تدين بغير الإسلام، قنبلة موقوتة وغزو ثقافي لعقول الأطفال يبعدهم عن مبادئهم وأخلاقهم، فإذا كانت الأم قادرة ماديا وفي حاجة إلى من يساعدها على أعمال المنزل، فيجب ألا يكون للخادمة علاقة بالطفل لا من قريب ولا من بعيد، بل يقتصر نشاطها وعملها على الأعمال المنزلية فقط، كما يجب أن تكون مسلمة ملتزمة بأخلاق وقيم ومبادئ الإسلام، وان يكون وجودها في المنزل تحت إشراف كامل، ويقظة من الزوجة طوال الوقت، وألا تكون لابنها مجرد جليسة، بل تكون أما قلبا وقالبا تحتويه بين ذراعيها وفي أحضانها حبا وحنانا وتربيه على الفضائل والأخلاق الكريمة.



نزرع الشوك بأيدينا
ويعود بنا الدكتور أحمد طه ريان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إلى الوراء ليذكرنا بأن العرب كانوا دائما يختارون لأبنائهم مرضعات من طبقات معينة ممن يتميزن بالخلق الكريم والحلم وسعة الصدر، لأن الطفل يتربى ويكتسب خلال تربيته من صفات المربية، فالمربية غير المسلمة لا تتحرز عن النجاسات، وربما تشرب الخمر، وتمارس طقوسا شركية طبقا لمعتقدها، ومن ثم يشب الطفل على تقاليدها في البداية، ثم ما يلبث أن يكتسب عاداتها وتقاليدها وسلوكياتها خلال فترة معايشتها له والإشراف على تربيته، ومعنى هذا أننا نزرع الشوك، فنحن بأيدينا نزرع في أولادنا منذ الصغر البعد عن الإسلام والبعد عن الأخلاق السوية باختيار من يقوم على تربيته بشكل غير صحيح.



ويضيف الدكتور ريان: إن اختيار مربية إسلامية ليس كافيا وحده، فليست كل مربية مسلمة تربي أبناء صالحين لذلك يشترط في المربية أن تكون ملتزمة بتعاليم الإسلام في سلوكياتها وملابسها وتعاملاتها، لأن الطفل في الصغر مثل “العجينة” التي تتشكل كيفما يريد القائم على أمر تربيته، يتأثر بأي حركة أو صوت أو كلمة، ولذلك يقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه” فالأب والأم مسؤولان عن اختيار المربية الصالحة الملتزمة بتعاليم الإسلام لضمان تخريج أجيال قادرة على تحمل أعباء الريادة في المستقبل، خاصة في هذا العصر الذي أصبح فيه الإسلام والمسلمون هدفا دائما لكل المخططات والمؤامرات التي تدبر وتحاك للنيل من الإسلام والإساءة إليه والإنقاص من شأن المسلمين.



أخيراً فإنه من المؤسف أن نرى الأسر المسلمة تستأجر المربيات وخادمات المنازل من دون انتقاء ومن دون البحث عن الشخصيات الصالحة المؤتمنة، فالأسرة المسلمة مطالبة شرعا بمراقبة سلوك أبنائها وتصرفاتهم مع الخادمات مهما كانت جنسياتهن ودياناتهن والحرص على عدم الخلوة من أي نوع لا مع الكبار ولا مع الصغار، فأعظم الخطر يكون على الأطفال الذين يجهلون أمور الدين فيسهل التأثير فيهم وتتزعزع عندهم العقيدة، وتغرس فيهم قيم ومبادئ تخالف الإسلام ويتعلمون قيما وطقوسا باطلة.



الخطر محدق.. فماذا ننتظر؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن جريدة الخليج الإماراتية

Post: #282
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 04:02 PM
Parent: #281

تضخيم الصغائر يقوض الحياة الزوجية
تضخيم صغائر الأمور في الحياة الزوجية يشكل مسمارًا ينخر في كيان الحياة الزوجية ومطرقة قد تحيل الحياة الأسرية إلى رماد تتناثر ذرَّاته في لحظات معدودة.

الأستاذة جميلة المرزوق – إحدى المشاركات في إلقاء المحاضرات في الدورات التثقيفية للمقبلات على الزواج – تقول: إن تضخيم صغائر الأمور في الحياة الزوجية وتوسيع رقعة المشكلات القائمة بين الزوجين بسبب هفوات صغيرة قد يزل بها أحد طرفي الحياة الزوجية أو كلاهما مما يساهم في توسيع الفجوة القائمة بين الزوجين، كما أن المبالغة في معاتبة الطرف الآخر على الزلات الصغيرة وتكرار الحديث عنها بشكل يتخذ منحى اللوم والتقريع ينذر بفتح أبواب الشقاق على مصراعيها، وما يستتبعه من مشكلات جمة يمكن أن تؤثر على سير الحياة الزوجية.

وتنادي الأستاذة بالتحلي بروح المرونة في التعامل مع أمور الحياة وتجنب مغبة المكابرة والعناد، لاسيما في تلك الأمور التي لا تقع في قائمة أولويات الحياة الزوجية.

وتواصل حديثها قائلة: إن تعظيم الاهتمام بصغائر الأمور في الحياة الزوجية وإيلاءها اهتمامًا مضاعفًا عادة ما يؤدي إلى إحداث روح الشقاق بين الزوجين وتجذير هوة الخلافات وتضييق فرص الاستقرار الأسري وحرمان الأسرة من الشعور بطعم الصفاء والاستقرار العائلي.

إن الزوجة التي تؤجج روح المشاكل من (لاشيء) إنما تفتح النوافذ لتعميق روح الخلاف في حياتها الزوجية وإثارة زوابع الاضطراب وبراكين المشاحنات اليومية، وربما يؤدي هذا الأمر إلى خفوت لغة الحوار في الحياة الزوجية وتلاشيها، فالزوج الذي يبوح لزوجته بأمر ما فإذا به يفاجأ بأنها قد تحولت إلى ثور هائج يثير الزوابع والبراكين ، حتمًا سيتفادى بسط الحديث والنقاش معها في المستقبل تفاديًا لما قد يحدث من مشكلات وزوابع، وبذلك تضمحل لغة الحوار بين الطرفين وتتفكك عرى التواصل.

طريقة وضع الدجاج على الطبق

وتروي جميلة المرزوق في هذا السياق قصة زوجة ظلت في بيت أسرتها بعد زواجها لمدة تربو على الشهرين بعد نزاع على وضعية الدجاج المطبوخ في طبق التقديم قائلة: النماذج الواقعية التي يجدر ذكرها في هذا السياق أن إحدى الزوجات قامت بإعداد طعام الغداء في الأسبوع الثاني من زواجها فقامت بوضع الدجاج على صحن الأرز بطريقة لم تعجب الزوج الذي سارع على الفور بافتعال المشاكل وإثارة حمم الخلاف والنزاع بسبب أمر تافه لا يكاد يشكل أي أهمية في سياق الحياة الزوجية.

معجون أسنان كاد يتسبب بالطلاق

كما تشير إلى قصة أخرى كادت أن تنتهي بالطلاق بين الزوجين والسبب في الخلاف (معجون أسنان)!! فقد نسيت الزوجة في يوم ما أن تغلق معجون الأسنان بعد استخدامه في الوقت الذي أثار هذا الأمر أعصاب الزوج؛ حيث فوجئ بأن المعجون أصبح جافًا نتيجة عدم إغلاقه، فوجه سيلاً من الإهانات والانتقادات الجارحة للزوجة ونعتها بأبشع النعوت واتهمها بأنها مهملة وغير مؤدبة ولم تتربَّ بطريقة جيدة.

زوجة أخرى نسيت تغيير الصابونة بعد أن قاربت على الذوبان، فإذا بزوجها يصنع من الحبة قبة ويكيل لها قائمة من الاتهامات والشتائم.

وتحذر جميلة المرزوق من استنزاف الأعصاب وإرهاق النفس في أمور تافهة وتدعو إلى الترفع عن سفاسف الأمور وتركها جانبًا في الوقت الذي يجدر بكلا الزوجين إيلاء الاهتمام والنقاش لأمور هي من صميم الحياة الزوجية وجوهرها كبسط النقاش حول حياة الأبناء ومستقبل الحياة الزوجية وكيفية تأمين المستقبل العائلي للأسرة، وكيفية تحقيق طموحات الزوجين وتطلعاتهما بشكل أفضل..

إن التأني قبل إصدار الأحكام والتروي قبل إشعال فتيل الخلاف من أجل أمور سخيفة لا تسمن ولا تغني من جوع، أمر ينبغي وضعه في قائمة أولويات الزوجين، ومسألة مهمة يجدر بكلا الطرفين، ومشادات قد تنتهي بتدمير الحياة الزوجية وتفكك عراها..

الكلام الطيب والحوار الهادئ هما أفضل بلسم

وترى جميلة المرزوق أن الكلام الطيب والحوار الهادئ هما أفضل بلسم لمداواة المشكلات قبل استفحالها، والدواء الناجع للجروح قبل تفاقمها، غذ أن استخدام الكلمة الطيبة يمثل مفتاحًا ناجعًا لإطفاء نيران الغضب، وإخماد براكينه قبل أن تتحول إلى بركان ثائر يمكن أن ينتهي بتقويض الحياة الزوجية، وتلبيد أجوائها بالضبابية والخلافات الدائمة.

وتحذر في ختام حديثها من المغالاة في الخوض في المشكلات الصغيرة حتى لا تتحول إلى قنابل نارية مؤججة تقتل استقرار الزوجين والعمل على محاولة تهدئة الطرف الآخر في حال الغضب كبديل عن الانسياق معه في سورة الغضب أو الابتعاد عنه في حال غضبه حتى يهدأ.
مجلة الأسرة عدد 154

Post: #284
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-13-2015, 04:09 PM
Parent: #201

ليس فى العالم كله مكان يضاهى البيت السعيد جمالاً وراحة. فأينما سافرنا، وأنى حللنا، لا نجد أفضل من البيت الذى تخيم عليه ظلال السعادة.

فكيف تستطيع المرأة بذكائها وحكمتها وحسن معاملتها أن تصنع هذا البيت فتسعد زوجها، ومن ثم تسعد بيتها ؟

يجيبنا من خلال نصائحه د. حسان شمسى باشا - استشارى أمراض القلب، و أحد أبرز المهتمين بالعلاقات الأسرية وصحة الأسرة النفسية، وله العديد من المؤلفات فى هذا المجال - فيقول:

- تذكرى أنك أنت المسئولة عن إسعاد زوجك وأولادك، وتذكرى أن رضا زوجك عنك يدخلك الجنة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة ماتت وزوجها عنها راض دخلت الجنة ".

- لا تُحمِّلى زوجك ما يفوق طاقته. ولا تحشدى رغباتك ولا تكدسى طلباتك مرة واحدة، حتى لا يُرهق زوجك فيهرب منك. وإذا أصررت على مطالبك الكثيرة، فقد يرفضها جميعًا ويرفضك أنت رفضًا تامًا، غير آسف ولا نادم.

- لا تكلفيه أن يتحلى مرة واحدة بكل الصفات والفضائل والمكارم التى تشتهين أن تجتمع فيه ، فمن النادر جدًا أن تجتمع كل تلك الصفات فى شخص واحد!

- حين يتزوج رجل امرأة، يتعلق بصورتها الحلوة كما رآها فى الواقع، فلا تشوهى صورتك التى فى ذهنه. وحافظى على جمالك وأناقتك، ونضرة صحتك، ورشاقة حركاتك، وحلاوة حديثك .

جاء فى وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة أنه قال: "وإذا نظر إليها - أى زوجته - سرَّته".

- حافظى على تدينك. التزمى بالحجاب الإسلامى، ولا تتساهلى فى أن يرى أحدٌ شيئًا من جسدك ولو للمحة عابرة، فإن زوجك يغار عليك، ويحرص على ألا يراك إلا من تحل له رؤيتك.

- لا تنشغلى بأعمال البيت عن زوجك، قومى بهذه الأعمال وانتهى منها قبل عودته

- رتبى بيتك على أحسن حال ، غيرى من ترتيب غرفة الجلوس من حين لآخر ، ضعى لمساتك الفنية فى انتقاء مواضع اللوحات أو قطع التزيين وغيرها.

- لا تتحسرى على العاطفة الملتهبة، ومشاعر الحب الفياضة وأحلام اليقظة التى كنت تعيشين فيها قبل الزواج، فهى تهدأ بعد الزواج وتتحول إلى عاطفة هادئة متزنة.

- إذا كان الرجل هو صاحب الكلمة الأولى فى العلاقة الزوجية، فأنت المسئولة عن النجاح والتوافق والانسجام فى الزواج. ومهما بلغتِ من علم وثقافة، ومنصب وسلطان، ارضخى لزوجك والجئى إليه، ولا تصطدمى معه فى الرأى.

واهتمى فى مناقشاتك معه بأن تتبادلى الأفكار مع زوجك تبادلاً فعليًا، فتفاعل الآراء المثمر خير من استقطابها استقطابًا مدمرًا.

- أشعرى زوجك دائمًا بمشاركتك له فى مشاعره وأفراحه، وهمومه وأحاسيسه ، أشعريه بأنه يحيا فى جنة هادئة وادعة، حتى يتفرغ للعمل والإبداع والإنتاج.

- جربى الكلام الحلو المفيد، والابتسامة المشرقة المضيئة، والفكاهة المنعشة، والبشاشة الممتعة، وابتعدى عن الحزن والغم، والهذر واللغو، والعبوس والتجهم، والكآبة والاكتئاب.

- لا تضيعى وقتك فى ثرثرات هاتفية مع صاحباتك، أو فى قراءة مجلات تافهة.

واختارى من المجلات والكتب ما يفيد ذهنك وعقلك وقلبك، وما يزيدك ثقافة ويعينك على حل مشاكل البيت والأولاد ، ومن برامج التلفاز ما يفيدك.

- شجعى زوجك على النشاط الرياضى والبدنى خارج البيت ، امش معه إن أمكن واستمتعا بالهواء الطلق فى عطلة نهاية الأسبوع، وكلما سنحت الفرصة لذلك.

- تخيرى الأوقات المناسبة لعرض مشاكل الأسرة ومناقشة حلها، إذ يصعب حل المشاكل قبل خروج زوجك للعمل فى الصباح بسبب قلة الوقت، ولا تناقشى أى مشكلة عند عودته من عمله مرهقًا متعبًا.

ولعل المساء هو أفضل فترة لمناقشة المشاكل ومحاولة حلها، ولا تناقشى مشاكل الأبناء فى حضورهم، حتى لا يشعروا أنهم أعباء ثقيلة عليك وعلى زوجك، وأنهم سبب الخلاف بين الوالدين.

- لا تطلبى من زوجك أن يلعب دور الشرطى للأولاد، يقبض على المتهم ويحاكمه أو يضربه.

- لا تنتقدى سلوك زوجك أمام أطفاله، ولا تستعملى ألفاظًا غير لائقة يرددها الأبناء من بعدك مثل "جاء البعبع" أو "وصل الهم".

- حذار حذار من الإفراط فى الغيرة والعتاب، وتجنبى التصرفات التى تؤجج غيرة زوجك، وتبلبل أفكاره. أوصى عبد الله بن جعفر بن أبى طالب ابنته فقال: "إياك والغيرة فإنها مفتاح الطلاق، وإياك وكثرة العتب فإنه يورد البغضاء".

- إياك أن تغارى من حب زوجك لأمه وأبيه ، فهو حب فطرى أوجبه الله على المسلمين لا يمس حب زوجها لها من قريب أو بعيد؟

- لا تنقلى مشاكل بيتك إلى أهلك، فتوغرى صدور أهلك ضد زوجك ، بل حلى تلك المشاكل بالتعاون مع زوجك.

- لا تستعلِ على زوجك إذا ما كنت أغنى منه أو أعلى حسبًا ونسبًا، أو أكثر ثقافة وعلمًا، فلا يجوز استصغار الزوج وانتقاص قدره والتعالى عليه..

- لا تمتنعى على زوجك فى المعاشرة الزوجية. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها، لعنتها الملائكة حتى تصبح".

- وتذكرى أن أول حقوق الزوج على زوجه طاعتها له.

فلا تصومى نفلاً إلا بإذن زوجك. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه - أى فى غير رمضان - ولا تأذن فى بيته إلا بإذنه".

- لا تنسِ فضل زوجك عليكِ، فقد جعل النبى صلى الله عليه وسلم تناسى فضل الزوج سببًا لدخول المرأة النار، وسمَّاه كفرًا. فعن ابن عباس (رضى الله عنهما) قال: قال النبى صلى الله عليه وسلم: "أُريتُ النار، فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن". قيل: أيكفرن بالله؟ قال: يكفرن العشير - أى الزوج - ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهرَ، ثم رأتْ منك شيئًا قالت: ما رأيت منك خيرا قط".

- حافظى على أموال زوجك، ولا تنفقى شيئًا من ماله إلا بإذنه، وبعد أن تستوثقى من رضاه.

وإذا أعسر زوجك فتصدقى عليه من مالك، وإن لم يكن لك مال، فاصبرى على شظف العيش معه، لعل الله تعالى يفرج عليكما.

- إذا كنت من الأمهات العاملات، فلا تتصورى أن ما يحتاج إليه زوجك وأولادك هو المال وحده، فهيهات هيهات أن يتساوى اللبن الصناعى مع لبن الأم الربانى الطبيعى ، أو يتساوى حنان الخادمة مع حنان الأم.. وطعام الخادمة مع طعام الزوجة النظيفة، وتربية المربية الجاهلة مع تربية الأم الواعية.

- لا تضجرى من عمل زوجك، فإن أسوأ ما تصنع بعض النساء هو إعلان الضجر من عمل الزوج. والإعلان يكون عادة فى خلق النكد، والدأب على الشكوى، واتهام الزوج الإهمال.. واللجوء إلى بيت أمها غضبى.

- تذكرى أن الزوج الذى اعتاد أن يرى أمه هى أول من تستيقظ من نومها، ثم توقظ كل من فى البيت بعد ذلك، وتجهز لهم الفطور، وتعاون الصغار فى ارتداء ملابسهم، لن يرضى بامرأة اعتادت أن تنام حتى انتصاف الشمس فى كبد السماء.

- تذكرى أن البيت المملوء بالحب والسلام، والتقدير المتبادل والاحترام، مع طعام مكون من كسرة خبز وماء، خير من بيت مليء بالذبائح واللحوم وأشهى الطعام، وأيضًا بالنكد والخصام!
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #286
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 09:51 AM
Parent: #201

الرضاعة الطبيعية مفيدة أيضاً للأمهات
وجد الباحثون في مركز البحوث العلمية بمستشفى دوغلاس التابع لجامعة ماكجيل الكندية، بعد دراسة استجابات التوتر عند 25 أماً مرضعة و25 أخريات لا يرضعن أطفالهن طبيعيا، أنجبن طفلا واحدا أو أكثر، تم تعريضهن لأنواع مختلفة من المواقف الموترة، سواء عاطفية، مثل مشاهدة أحداث محزنة، أو حضور في حلقات علمية ومحاضرات، وقياس مستويات هرمون التوتر “كورتيزول” في عينات اللعاب التي جمعت منهن،أن الأمهات المرضعات لم يصبن بالتوتر مثلما أصيب غيرهن في جميع المواقف، التي تعرضن لها.



ولاحظ الباحثون وجود مستويات أقل من هرمون الكورتيزول لدى المرضعات في جميع المواقف، مما يعني أن المرضعات أكثر قدرة على التمييز بين المؤثرات المهمة والأقل أهمية، وهي قدرة فريدة تعجز عنها الأمهات، اللاتي لا يرضعن أطفالهن طبيعيا، وهذا التأثير يظهر أيضا استجابة للحدث الموتر، ولكنه كان أوضح عند المرضعات المجربات، أي من أنجبن العديد من الأطفال، وهو ما يضيف فائدة أخرى للرضاعة الطبيعية بعد الولادات المتكررة.



وأظهرت نتائج الدراسة أن الأمهات اللاتي يتغذى أطفالهن على حليب الزجاجات أكثر حساسية وتفاعلا مع التوتر، الأمر الذي يؤدي إلى تشتت انتباههن، وعدم حصول الصغار على الرعاية المناسبة.



ويرى الخبراء أن هذه الدراسة قد تتيح التوصل إلى فهم أفضل لحالات الكآبة، التي تصيب النساء بعد الولادة، فإذا ما تم فهم تأثير الرضاعة الطبيعية في إكساب الأمهات قدرة على فلترة الأحداث والمواقف الحياتية الموترة، فسيصبح بالإمكان معالجة كآبة ما بعد الولادة بسهولة، أو منع الإصابة بها.



فوائد الرضاعة للأمهات

يؤكد الخبراء أن النتائج الإيجابية للرضاعة لا تقتصر على الأطفال وإنما تطال الأمهات أيضاً، علماً أن بعض منافعها يظهر بصورة فورية في حين يبرز البعض الآخر في المدى البعيد.

من الفوائد الآنية للرضاعة، ارتفاع نسبة هرمون ال “Oxytocin” الذي يساهم في إنتاج الحليب، مخلّفاً لدى الأم، في الوقت نفسه، إحساساً عميقاً بالراحة والهدوء. كذلك، تساعد الرضاعة في تقليص الرحم وإعادته الى ما كان عليه في مرحلة ما قبل الحمل، وتشير الدراسات الحديثة الى أهمية الرضاعة في تخفيض خطر الإصابة بالإكتئاب الذي غالباً ما يلي عملية الوضع أو بالنزف الغزير في الرحم الذي يصيب بعض النساء في مرحلة ما بعد الولادة.

أما أبرز الفوائد التي تظهر على المدى البعيد فهي، ضبط مستوى السكر في الدم ورفع مستوى الكولسترول الجيد وهما عاملان يحدان من خطر الإصابة بأمراض القلب. إضافة الى ذلك، فإن عملية الإرضاع، ولو لأشهر قليلة فقط، تساهم في تقليص خطر الإصابة بسرطان الثدي وسرطان الرحم، كما أنها تقوّي العظام وتحميها من الترقق.



فوائد الرضاعة للأطفال

أما بالنسبة الى الأطفال، فإن الرضاعة تعود عليهم بفوائد جمّة، نذكر منها ما يلي:



* ارتفاع معدّل الذكاء، ففي دراسة طبية نشرت في العام 2002 أكد باحثون أميركيون ممن واكبوا عملية التطوّر الذهني لمجموعة من الأطفال منذ مرحلة الطفولة الأولى مروراً بالمراهقة وحتى عمر العشرينات، أن الأطفال الذين تغذوا من حليب الأم كانوا أكثر ذكاءً من غيرهم ممن اعتمد غذاؤهم على الحليب المجفف.



* بناء عظام أفضل وهيكل عظمي أقوى، وذلك بحسب دراسة نشرت في مجلة طبية في العام 2000 تناولت مجموعة من الأطفال حيث تبيّن أن أولئك الذين تغذوا من رضاعة الثدي لمدة ثلاثة أشهر على الأقل تميزوا في سن الثامنة بكثافة في عظام الرقبة والعمود الفقري فاقت المعدل الموجود لدى سواهم ممن لم ترضعهم أمهاتهم على الإطلاق، أو أرضعوا لمدة أقل من ثلاثة أشهر.



* الحماية من السمنة، إذ يؤكد الاختصاصيون أن الرضاعة تساعد الأطفال على ضبط وزنهم وتحميهم من السمنة في مرحلة لاحقة من حياتهم. كذلك تشير دراسات حديثة الى انخفاض معدل الإنسولين لدى الأطفال الذين يرضعون مما يساعد أيضاً في ضبط السمنة.



* الوقاية من أخطار الربو وسواه من مشاكل الجهاز التنفسي، وذلك بحسب دراسة نشرها باحثون أوستراليون في العام ،2002 أكدوا فيها أن الرضاعة يمكن أن تحمي الطفل من داء الربو حتى لو كانت الأم نفسها تعاني من هذا الخلل في التنفس.



* المناعة ضد عدد كبير من الأمراض، وهو أمر أكده الأطباء دوماً.



الجديد من فوائد الرضاعة الطبيعية

أما الجديد في الموضوع فهو اكتشاف الباحثين أن المناعة المكتسبة لا تقتصر على فترة الرضاعة وإنما ترافق الطفل في مختلف المراحل اللاحقة ، إضافة الى ذلك تؤكد الدراسات الطبية أن حليب الأم يمنح الأطفال قدرة على الشفاء بصورة أسرع، كما يقيهم من الحساسية بمختلف أنواعها ويخفف من حدة القلق والتوتر لديهم.



كما أكدت دراسة طبية جديدة عرضت في الاجتماع السنوي لجمعية العلوم العصبية الأمريكية، أن الرضاعة الطبيعية تسرّع التئام الجروح التي تصاب بها الأم بعد الولادة وتساعد في شفاء الندب التي قد تظهر عنها. فقد وجد الباحثون في دراساتهم على الفئران، أن رضاعة الصغير من ثدي أمه تعجل في شفاء جروحها وتخفيف توترها وآلامها وترميم تلف الأنسجة الناتج عن عملية الولادة، حيث تبين أن الفئران التي أرضعت أطفالها شهدت تحسنا أسرع من الأمهات التي وضع أطفالها على حليب العلب والزجاجات.



وتدعم هذه النتائج ما أظهرته الدراسات بأن حليب الأم هو أفضل غذاء للصغار، فهو يحميهم من الحساسية والإنتانات واضطرابات المعدة والأمعاء، فضلا عن فوائد الرضاعة نفسها على الأم.



ولاحظ الباحثون في جامعة ولاية أوهايو، بعد تعريض مجموعة من الفئران لجروح صغيرة بعد يوم من إنجابها للصغار، أن جروحها التأمت أسرع وتقلصت بنحو 30 في المائة على الأقل بعد خمسة أيام من إرضاعها لولدها، مقارنة مع الحيوانات التي مُنعت من تغذية أطفالها.



وأوضح الباحثون في مجلة “نيتشر” أن لهذه الظاهرة علاقة بالهرمونات، فبعد أن تضع الأم طفلها تزداد لديها مستويات هرمون “برولاكتين” المعروف بهرمون الحليب الذي يزيد بدوره عدد الخلايا المناعية الجارية في الدورة الدموية فيسرّع عملية الترميم والالتئام، وهرمون “أوكسيتوسين” الذي يشجع إفراز الحليب ويقلل مستويات هرمونات التوتر وينشط المناعة أيضا، كما يساعد على تقوية الرابطة العاطفية بين الأم وصغيرها .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن جريدة الخليج الإماراتية

Post: #290
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:09 AM
Parent: #201

الزواج ليس بيتًا صغيرًا ينعزل فيه العروسان عن العالم، إنه ارتباط أسرتين، كما هو رباط بين فردين، وحتى ينجح هذا الارتباط؛ هناك عدة مفاتيح ومهارات إذا أتقنها كل عروسين.. ظللتهما الدعوات الصالحة من أهليهما، وأغلقا بابًا واسعًا؛ تتسلل منه الخلافات والمنغصات.

خبراء فنون التعامل وكسب الآخر يرشدون الأزواج والزوجات إلى هذه المهارات:

نسيان الإساءة:

نسيان الإساءة من فضل الله على عباده، وهى نعمة رزقهم الله إياها، فعلى العروسين أن ينسيا أى إساءة، فينسى الإنسان إساءة المسيئين، وجفوة الجافين، ويسمو ليصل إلى أمر أعظم من النسيان، وهو الصفح والغفران.

ومن أراد راحة البال وحُسن العاقبة والمآل، فليحاول نسيان ما يلقاه من الآخرين، وليبدأ صفحة جديدة مع من قصروا فى حقه.

المرونة والحكمة:

أجواء الأسرة الجديدة غريبة عليكما، لذا يجب أن يكون التعامل مع أفراد الأسرة فيه ذكاء وفطنة؛ حتى لا تتوتر العلاقات وتنقطع، ولتحافظا دائمًا على شعرة معاوية ، كما تقول الحكمة «لو كان بينى وبين خصومى مقدار شعرة؛ ما انقطعت أبدًا، فإن هم شدوا أرخيت، وإن هم أرخوا شددت».

فن « لا»

إن قضاء حاجات الآخرين وتلبية مطالبهم، ومجاملتهم فى المواقف والمناسبات، وحُسن ضيافتهم، كلها أمور مطلوبة، ولكن لكل شيء حدودًا لا ينبغى تجاوزها، وحتى لا تكلفى نفسك ما لا تطيقين؛ تعلَّمى فن الاعتذار وقول كلمة (لا)، ولكن بتأدب فى قولها، فلا تقوليها وأنت غاضبة، أو بصوت مرتفع، أو منفر، بل قوليها وأنت مبتسمة، وبأسلوب رقيق مؤدب، وأشعرى من قلت له: (لا) بأنك متألمة؛ لأنك لم تستطيعى تلبية المطلوب.

الهدية

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تهادوا؛ فإن الهدية تذهب وحر الصدور» (رواه الترمذى)، فالهدية تؤلف القلوب، وتعمق أواصر المحبة والمودة بين الناس، وكلما كانت الهدية بلا مناسبة، ومما يرغب فيه المهدى إليه ويحبه كانت أوقع، فاجعلا الهدية رسول حب بينكما وبين أسرة كل منكما، جربا ولن تندما.

الآباء جسر إلى الأبناء

حماتك وحموك أقصر طريق إلى قلب زوجك والعكس، فالإنسان يعتبر إكرام والديه إكرامًا له، وإهانتهما إهانة له، فإذا أراد كل زوج وفاقًا مع شريكه، فليحب أبويه ويحترمهما، ولا يتحدث عنهما بسوء مهما كانت الأسباب حتى لا يدق مسامير فى نعش الزواج.

نحلة لا ذبابة

تقف النحلة على الزهور لتمتص الرحيق وتخرج العسل، ولا تقف الذبابة إلا على القاذورات، وكأنها تتتبع زلات الناس وعوراتهم وتتصيد أخطاءهم، ولو أراد الإنسان إحصاء عيوب أى شخص لوجد العديد من الأخطاء، ولكن هذا ليس شيم الكرام - والانشغال بعيوب النفس أولى لإصلاحها وإعفائها من عقوبة الغيبة وتتبع العورات.

حفظ الأسرار

حفظ السر أهم ما يحقق الثقة بين الناس، وإفشاؤه يهدم جسور هذه الثقة، فليكن كل من الزوجين مستودع سر أسرة الآخر، خاصة الأب والأم، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا حدث الرجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة»، وجملة «السر فى بئر» التى نرددها جميعًا من مفاتيح القلوب.

القناعة

ولماذا أنا ؟ تساؤل يجب ألا يردده الزوجان أبدًا، وهما يقارنان نفسيهما بالآخرين، فلماذا شقتى غرفتان، وشقة فلان ثلاثة ؟

ولماذا أركب «الميكروباص» وسيارة فلان أحدث طرازًا ؟ وغير ذلك أسئلة تتردد فى النفس، ولكن آثارها تبدو فى التعامل مع الآخرين، وفى نظرات الحسد وعباراته التى تنطلق رغمًا عن قائلها.

القناعة مع الأخذ بأسباب الارتقاء بعيدًا عما لدى الآخرين سر من أسرار السعادة والوفاق.. جرباه.

ابتسامة النقد

بعض الناس يعتبرون أنفسهم آلهة لا يراجعون ولا ينقدون - هؤلاء يخسرون الكثير فى علاقاتهم الاجتماعية، وينفرون الناس منهم، والفطن هو من يعتبر النقد دفعة والمعارضة - مكسبًا حتى لو صدرت عن نفس حاقدة.. المهم موضوع النقد والمعارضة، فقد يكون صاحبه محقًا، فابتسما فى مواجهة النقد، ووسعا صدريكما له، فلا معصوم سوى النبى صلى الله عليه وسلم ، وملاطفة الحماة أو معارضة أخت الزوج - أو والد الزوجة ليست جرائم إلا إذا أراد الزوجان اعتبارها كذلك - وهما فى هذه الحالة خاسران.

نقد السلوك لا نقد الشخص

شتان بين «أنت أخطأت» و«ما فعلته ليس مقبولاً»، فنقد السلوك لا الشخص فن ورسالة موجزة توصل معانى إيجابية للمنقود، أهمها: «إننى أحبك وأحترمك، ولا أرفضك، بل لى تحفظ على سلوك صدر منك»،

فالآخرون يصبحون أفضل إن لم يشعروا برفض غيرهم لهم، ويجدون فى إرشادهم إلى السلوك الصائب، بدلاً من صب نيران النقد الهدام على رءوسهم، أفضل حافز للتغيير.

اسلام ويب

Post: #291
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:14 AM
Parent: #201

الرسوم المتحركة الوافدة تقدم للأطفال قيمًا غريبة عن مبادئ الإسلام، وتعظم فيهم العنف والذاتية، وتقتل فيهم القدوة .

لا تراعى أفلام الكرتون المستوردة نفسية الطفل العربى، فتكسبه شخصية مهتزة ممزقة بين الخيال والواقع.

الأسرة الذكية تخلق طفلاً ناقدًا يتحلى برؤية منضبطة للسلوك والحكم على الإعلام الوافد، والتعامل معه بصورة انتقائية واعية.

الرعاية والتوافق الأسرى، وتنويع مصادر المعلومات والأنشطة، وصحبة الأبناء أهم مفاتيح التصدى لخطر الرسوم المتحركة الوافدة.

أظهر أحد الاستطلاعات فى الكويت، وشمل ثلاث مدارس للأطفال (ذكورًا وإناثًا)، أن 61% من الأطفال يعتمدون على القنوات الفضائية فى مشاهدة أفلام الكرتون، مثل قنوات سبيس تون، ووالت ديزنى، وغيرها.

كما أثبتت دراسة استطلاعية أخرى أن نسبة 30% من أطفال أحد أكبر المدن الإسلامية من حيث عدد السكان (مدينة كراتشى الباكستانية)، يقضون أمام شاشات التليفزيون وقتًا ضعف الوقت الذى يقضونه فى مدارسهم، فعندما يكمل الطفل دراسته الثانوية يكون قد قضى 22 ألف ساعة من وقته أمام شاشة التليفزيون، و11 ألف ساعة فقط فى غرف الدراسة، كما بينت الدراسة أن الرسوم المتحركة تمثل نسبة 88% مما يشاهده الأطفال.

وبالتالى توجد حاجة لدراسة أثر فضائيات الرسوم المتحركة على الأطفال، نظرًا لأن قطاعًا كبيرًا - من الآباء والأمهات - لا ينتبه لخطورة أثرها على الأطفال، ويلجأ إلى شغل أوقات الصغار بها هربًا من عُرى الفضائيات الأخرى، فضلاً عن أن الأطفال يتفاعلون مع مادتها، ويحرصون على متابعتها، لدرجة أنها تعد من أهم وسائل التثقيف للطفل، مقارنة بالوسائل الأخرى، فثلاثون دقيقة من الرسوم المتحركة تساوى فى أثرها قراءة آلاف الكتب؛ لأن هذه البرامج والأفلام تلعب دورًا ملحوظًا فى صياغة شخصية ونفسية الطفل المولعة بالمحاكاة التى يعتمد عليها كثيرًا فى تعلمه.

ضياع القدوة

وإذا كانت أفلام الكرتون تعطى الطفل فرصة الاستمتاع بطفولته، وتفتح مواهبه، وتنسج علاقاته بالعالم حوله، فإن هناك الكثير من الرسوم المتحركة لا يتفق والعقيدة الإسلامية؛ حيث فكرة القوة الخارقة والقدرات المستحيلة لدى سوبرمان، أو ميكى ماوس القادم من السماء لخدمة المظلومين، أو الأخطاء الواضحة مثل السجود لغير الله، مثلما حدث فى الفيلم الكرتونى «الأسد الملك»، عندما قامت كل الحيوانات بالسجود لـ «سمبا» عند ولادته، وقام بعدها القرد بعرض «سمبا» على ضوء الشمس، وكأنه يستمد قوته منها، كما ظهر «الخنزير» فى هذا الفيلم كحيوان طيب رقيق القلب قام بتربية سمبا واحتوائه بعد قتل أبيه.

كما تعمل هذه الأفلام على تحريف القدوة، وذلك بإحلال الأبطال الأسطوريين محل القدوة، بدلاً من الأئمة المصلحين والقادة الفاتحين، فتجد الأطفال يقلدون الرجل الخارق Super man، والرجل الوطواط Bat man، والرجل العنكبوت Spider man، ونحو ذلك من الشخصيات الوهمية التى لا وجود لها، فتضيع القدوة فى خضم القوة الخيالية المجردة من أى بعد إيمانى.

إن هذه الأفلام تكتفى من حواس الطفل بالسمع والرؤية، ولا يعمل على شحذ هذه الحواس، وترقيتها عند الطفل، وتؤدى أيضًا إلى الإضرار بالصحة، وتقليص درجة التفاعل بين أفراد الأسرة، فمن المعلوم أن الجلوس لفترات طويلة، ومواصلة النظر لشاشة التلفاز لهما أضرارهما على صحة الطفل، وأن أفراد الأسرة كثيرًا ما ينغمسون فى برامج التليفزيون المخصصة للتسلية لدرجة أنهم يتوقفون عن التخاطب معًا.

الدور التربوى المطلوب

وفى هذا الإطار أكدت دراسة أصدرها المجلس العربى للطفولة والتنمية فى ديسمبر الماضى، أن برامج الرسوم المتحركة المستوردة فى معظمها تؤثر سلبًا على الأطفال، لكونها لا تعكس الواقع ولا القيم العربية، ولا حتى تعاليم الدين الإسلامى، على اعتبار أن هذه البرامج تأتى حاملة لقيم البلاد التى أنتجتها، وتعكس ثقافتها.

وأشارت فى ذلك إلى ترديد الأطفال للألفاظ والعبارات التى يسمعونها، وكذلك تقليد الحركات والأصوات التى تصور شخصيات أو حيوانات، إضافة إلى تقليد بعض اللهجات والشخصيات فى سلوكها وفى أزيائها.

وتعمل بعض الأفلام والمسلسلات المستوردة على بعث المخاوف فى نفوس الأطفال، وتكسبهم القيم غير الملائمة للطفل العربى، ولا تساعد على تعديل سلوكه، كما أنها لا تراعى الخصائص النفسية للأطفال.

وبناء عليه، يبرز الدور التربوى للأسرة من خلال تثقيف الأطفال وتعليمهم القيم الإسلامية بما يجعلهم يكتسبون موقفًا مبنيًا على تقييم ناقد لوسائل الإعلام من وجهة نظر إسلامية، فإذا قدم الآباء قواعد السلوك الإسلامى المنضبط، وأوضحوا للأطفال أن الجرائم والعنف والحياة الخيالية أمور غير مرغوب فيها، فإن الأطفال يكبرون وهم يحملون مواقف إيجابية، ويتحلون بنفسية تحميهم من الآثار السالبة لوسائل الإعلام، وبذلك فإن أفضل السبل لإبطال تأثير التليفزيون هو قيام الآباء والمعلمين بتثقيف الأطفال وتهذيبهم، وأيضًا إنتاج بديل عربى مبنى على الخصوصية الثقافية، ويتميز بكفاءة إبداعية عالية مثل الإنتاج غير العربى.

ومن الأبعاد المطلوبة فى الدور التربوى للأسرة تقليل مدة مشاهدة الأطفال للرسوم المتحركة، إلى معدل متوسطه ثلاث ساعات أسبوعيًا، وهذه الفترة المتوسطة تعلم الطفل كيف يختار بين البدائل الموجودة، وتعلمه الاتزان والتخطيط، وكيفية الاستفادة من الأوقات. كما أنها - إذا أحسن الاختيار - تدفع عنه سلبيات التلفاز والرسوم المتحركة المذكورة آنفًا.

البحث عن البديل الملائم

وترى الدراسات المتخصصة أن مواجهة التأثيرات السلبية لمضامين أفلام الرسوم المتحركة من المفترض ألا يتوقف عند استعادة الدور التربوى للأسرة ، وإنما تتمثل فى إيجاد البدائل التى تعمق الثقافة الإسلامية أيضًا، وذلك بإنشاء ودعم شركات إنتاج الرسوم المتحركة التى تخدم الثقافة الإسلامية، وتراعى مقوماتها، ولا تصادم غرائز الطفل، بل توجهها وجهتها الصحيحة.

وتطالب دراسة المجلس العربى للطفولة والتنمية فى هذا السياق بتفعيل دور مؤسسة الإنتاج البرامجى المشترك لدول الخليج العربية، عبر تزويدها بالدعم المالى والبرامج المقترحة، وتبادل الخبراء والفنيين بين التليفزيونات العربية فى مجال الإنتاج للطفل، وطرح مسابقات فى مجال الإبداع البرامجى للطفل العربى.

كما توصى المسؤولين فى أجهزة الإعلام العربى بتوخى الحذر فى انتقاء البرامج الأجنبية، بحيث لا تقدم للأطفال نماذج يحتذونها تتعارض مع تنشئتهم وفق الأهداف التى يرتضيها المجتمع، مع استبعاد تلك البرامج التى تعمد إلى إثارة نوازع الجنس، أو العدوان، أو تسبب الفزع، أو تبرز العنف بما يتنافى مع القيم الإنسانية.

وتدعو الدراسة إلى ضرورة إيلاء عناية خاصة لبرامج الأطفال فى الأقطار العربية، خاصة فى ظل إعلام متنوع يبث عبر الأقمار الصناعية فى كل بقاع العالم إنتاجًا إعلاميًا من إفراز ثقافات متعددة الغلبة فيها للأقوى فى الإبداع والنشر والتوزيع.

إدمان التليفزيون

وقد علق د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - على خطورة الرسوم المتحركة فى الإعلام المرئى على تكوين شخصيات أبنائنا بقوله: أكدت الدراسات والأبحاث التى أجريت حول تأثير التليفزيون عمومًا على عقلية الطفل، على عدد من النتائج:

- أن هذه المواد التى تقدم للأطفال تمنعه من ممارسة الأنشطة الحركية والثقافية الأخرى.

- أنها تحرم الطفل من التفاعل والتواصل الاجتماعى.

- تزداد احتمالات إصابته بالبدانة من جهة، وبالانطواء النفسى من جهة أخرى.

- كما أنه يتأثر بالشخصيات التى تعرض أمامه، خاصة أن التليفزيون يعرض هذه الشخصيات بصورة مؤثرة جذابة قد تصل بهم إلى مرحلة الإدمان والتعلق الشديد به، وقضاء أطول فترة أمامه، ومن ثم احتمال التمرد على أوامر الوالدين التى قد تحرمهم من متابعتها.

- الانفصال عن الواقع والقيم والتقاليد نتيجة العيش فى عالم مبهر بعيد عن الواقع.

قتل الانتماء

ثم يطرح سؤالاً: ما الشروط التى ينبغى الالتزام بها فى تحديد نوع المادة وكيفية عرضها على الطفل؟

فيقول: للأسف ليس لدينا فى العالم العربى ما نقدمه للأطفال، وحتى المحاولات التى نقدمها للأطفال ماهى إلا تقليد لما يعرض فى الغرب، أو استيراد لهذه المواد من الغرب دون الأخذ فى الاعتبار اختلاف القيم التى ينشأ عليها الطفل هنا وهناك.

وهذا ينطبق على الرسوم المتحركة التى تقدم للأطفال عالمًا يحتذون به مخالفًا لنا، فمعظم هذه الرسوم تؤكد قيم العنف والذاتية، وعدم مراعاة الآخر، وهى قيم سائدة فى الغرب، وتخالف قيم الإسلام التى تدعو إلى التعاون، وإماطة الأذى والبشاشة فى المعاملات، والأخطر من ذلك أنها تقتل انتماء الشخص وولائه تجاه أسرته ومدرسته ومجتمعه الأكبر، بل سيتوق شوقًا إلى الهجرة إلى الغرب الذى امتص منه قيمه إبان فترة طفولته، وتوحد بنماذجه، وشعر أنها قريبة منه.

التصدى الأسرى

وفى مواجهة هذا الخطر القاتل ينبه د. غانم إلى أهمية دور الأسرة فى التصدى والتوعية الذكية للأبناء من خلال:

- الرعاية والتنشئة على نماذج القدوة فى الواقع، والتوافق بين الوالدين فى أسلوب التربية يخلق شخصية سوية.

- أن يكون الآباء فى سلوكهم قدوة للطفل.

- توعية الأبناء بأن التليفزيون أحد وسائل اكتساب المعرفة والقيم، وليس كل الوسائل وتوجيههم إلى تنويع الأنشطة وتنويع مصادر اكتساب المعلومات والقيم الصحيحة من المسجد و الرحلات و القراءة فى الكتب والقصص النافعة.

- مصاحبة الأم لأبنائها وجلوسها معهم أثناء المشاهدة لتنبيههم إلى السلوكيات الخاطئة، فيما يشاهدون من ( كذب/ تحايل/ عنف/ سرقة/ انحراف/ تدخين) ، وتصحيح مفاهيمهم عن الشخصيات التى تعرض لهم بصورة جذابة تحول المدخنين أو تجار المخدرات والبلطجية إلى نماذج قدوة لدى الأطفال.

- تنبيه الأبناء أن الخيال جزء من الواقع وليس كل الواقع، فلابد من الاحتكاك بالواقع والتواصل مع الآخرين، ومراجعة سلوكياتهم أولاً بأول لتصحيح أى اعوجاج أو تقويم أى خطأ يمكن أن يكتسبه الأبناء من أصدقائهم ، ومساعدتهم على اختيار الأصدقاء الصالحين بأنفسهم دون خضوع لاختيارات الآخرين.

- على الآباء الجلوس مع أبنائهم، فهذا يحقق لهم الإشباع النفسى، ويوفر لهم البديل الحى عن الاستغراق أمام التليفزيون بما يقدمه من غث وسمين.

نسأل الله أن يحفظ أبنائنا و يجعلهم قرة عين لنا و للمسلمين و الحمد لله رب العالمين
تحقيق: حمدى عبد العزيز-اسلام ويب

Post: #292
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:15 AM
Parent: #201

قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «خيركم خيركم لأهله» فهل أنت من خيار الناس؟ وهل تعرف ما لزوجتك عليك من حقوق وتسعى لأدائها فتكون بذلك زوجًا مثاليًا؟

وهل تحل خلافاتك الزوجية بالرجوع للقرآن والسنة أم تفكر بالزواج من أخرى كلما ضقت بزوجتك؟

للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها اقرأ معنا نصائح غالية للدكتور محمد رشيد العويد ، يقدمها لكل زوج يسعى لحياة سعيدة فى الدنيا والآخرة.

الزوج المثالى

ـ من هو الزوج المثالى؟

- لقد شرحت صفات الزوج المثالى مفصلة فى كتابى (الزوج المثالى )، وأوجزها فى هذه الإجابة، فأقول: إنه الزوج الذى يكرم زوجته ولا يهينها، ويكثر من إسماعها كلمات طيبات، ويستر أخطاءها، ويغار عليها، ويتغافل عن كثير مما يصدر منها، ويصبر عليها، ويزيد صبره فى أيام حيضها، ويطيّب خاطرها، ويدعو لها، ويكتم سرها، ويوفر لها سكنًا مستقلاً، ويعينها فى بيتها ما استطاع، ولا يبخل عليها ولا على أولادها، ويتنظف لها ويتزين، ويسامرها ويمازحها، ولا يأخذ حقًا من حقوقها إلا بإذنها .

ـ هل تأثر دور الزوج ومسؤولياته فى المجتمع العربى بالتغيرات الاجتماعية فى العقود الأخيرة؟ وكيف كان شكل هذا التأثر؟

- لا شك فى أنه تأثر، وتأثر كثيرًا، ذلك أن تعدد الحاجات مع قلة الدخل، وزيادة الأعباء مع ضيق الأوقات، أثقلت كاهل الزوج، وكانت سببًا فى إحداث ضغط نفسى كبير عليه، سلبه كثيرًا من صبره وحلمه. وانعكس هذا بدوره على صلته بزوجته وحسن معاملته لها.

يضاف إلى هذا خروج المرأة من بيتها بعد أن كانت قارة فيه، سواءً أكان هذا الخروج للعمل إعانة للزوج أم لغيره.

هذا الخروج الكثير أطلع المرأة على ما لم تكن تطلع عليه جدتها، وجعلها تقارن نفسها بغيرها، وزاد من طموحها المادى، وهذا جميعه دفعها لمواجهة زوجها فصارت ندًا له، ومن ثَمَّ لم تعد مطواعة له لينة كما كانت جدتها.

القوامة

ـ ما تقييمكم لرؤية الزوج العربى للقوامة، وهل تلمسون من واقع قربكم من واقع الأسرة العربية فهمًا سليمًا، ومن ثَمَّ ممارسات رشيدة فى التعامل مع القوامة؟

- أكثر الأزواج يرى فى القوامة ما له، ولا يرى ما عليه، يرى ما تمنحه القوامة من قيادة ولا يرى ما تلزمه به من نفقة ورعاية. وعليه فإننا نحتاج إلى تبصير الزوج بما توجبه القوامة عليه من حقوق للزوجة، ينبغى أن يؤديها قبل حصوله على ما تعطيه إياه من قيادة.

يقول القرطبى (رحمه الله) فى قوله تعالى {الرجال قوامون على النساء} أى قوامون بالنفقة عليهن، والذب عنهن (حمايتهن).

وإذا لم يقم الرجل بالإنفاق على المرأة لم يكن قوامًا عليها، ولزوجته حق طلب الطلاق عند ذلك.

يقول القرطبى: فهم العلماء من قوله تعالى {وبما أنفقوا من أموالهم} أنه متى عجز (الزوج) عن نفقتها لم يكن قوامًا عليها، وإذا لم يكن قوامًا عليها كان لها فسخ العقد؛ لزوال المقصود الذى شُرع لأجله النكاح، وفيه دلالة واضحة على ثبوت فسخ النكاح عند الإعسار بالنفقة والكسوة.

ويعرف الرازى القوامة بقوله: القوامة اسم لمن يكون مبالغًا فى القيام بالأمر، يقال هذا قيم المرأة وقوامها للذى يقوم بأمرها ويهتم بحفظها.

إذن فإنه ينبغى أن يتعلم الزوج أن من أهم ما تعنيه القوامة أن عليه أداء ما لزوجته من حقوق: ينفق عليها، ولا يمنّ عليها بهذا الإنفاق، ويوفر لها الأمن النفسى والروحى والمادى.

التخصص

ـ هل أنتم مع المنطق السائد بأن على الزوجة قسطًا أكبر مما على الزوج من مسؤوليات، أم ترون الأمر شركة وشورى، ولا يستقيم بتحميل طرف من الأعباء والمسؤوليات أكثر، مما يتحمل الآخر؟

ـ أرى الأمر من منظور التخصص، فكثير مما يعمله الرجل خارج بيته لا تقدر المرأة عليه، أو لا تجد فطرتها فيه، وكثير مما تعمله المرأة فى بيتها من تربية لأولادها ورعاية لهم لا يقدر عليه الرجل أو لا يجد فطرته فيه.

مثل المهندس والطبيب ؛ فليس من المنطق أن ينتقص الطبيب من عمل المهندس ولا المهندس من عمل الطبيب ، فكل منهما يعمل فى تخصص يحتاجه المجتمع ولا يستغنى عنه ، ولا يستطيع كل منهما أن يقوم بما يقوم به الآخر ، فلا الطبيب قادر على بناء جسر أو عمارة ، ولا المهندس يستطيع علاج مريض .

وتخلى المرأة عن مهامها الجليلة فى بيتها، وحسبانها أنها أقل شأنًا من عمل الرجل خارج بيته، أسهما فى اختلال الأسرة، ثم اختلال المجتمع.

آثار خروج المرأة للعمل

ـ كيف انعكس خروج المرأة للعمل على قيام الرجل بدوره الأسرى: هل إيجابيًا فى صورة مزيد من المشاركة إعذارًا للزوجة وتعاونًا معها أم سلبًا فى صورة التخلى عن مسؤولية الإنفاق، أو بعضها اعتمادًا على دخل الزوجة؟

ـ للإجابة عن هذا السؤال أحب أن أذكر ما يلى:

1 - تعبير (عمل المرأة ) أو (المرأة العاملة)، حين يطلق فإن الأذهان تنصرف إلى المرأة التى تعمل خارج البيت، وكأن المرأة التى ترعى زوجها، وتلبى حاجاته وترعى أولادها وتربيهم وتلبى حاجاتهم امرأة عاطلة لا تعمل، وهذا خطأ بليغ ينبغى تصحيحه بقولنا ((المرأة العاملة خارج بيتها))، مؤكدين بهذا أن هناك ((امرأة عاملة داخل بيتها ))، ولعل الثانية تقوم بأعمال أجل، وأخطر وأهم من أعمال الأولى.

2 - حين عملت المرأة خارج بيتها، وحملت أعباء غير قليلة عن الرجل، فإن هذا الأخير لم يقابل مشاركتها له خارج البيت بمشاركته لها داخل البيت؛ فقليل من الرجال يعينون زوجاتهم فى أعمال البيت، وحتى أولئك الذين يشاركونهن ويعينونهن لا يقومون إلا بأعمال هينة يسيرة ليس فيها تخفيف حقيقى من أعبائها.

3 - قدر غير قليل مما تكسبه المرأة من عملها خارج بيتها تنفقه على مظهرها فى عملها، وعلى مواصلات تنقلها إليه، وعلى خادمة لم تحضرها إلا لترعى أولادها وتعينها فى بيتها بسبب عملها خارجه.

4 - مطالبات الرجل لزوجته بالإنفاق على البيت ومشاركته فى هذا الإنفاق كانت وراء خلافات زوجية كثيرة.

5 - لو وضع ما تكسبه المرأة من عملها خارج بيتها فى كفة، وما تخسره مع زوجها وأولادها بسبب خروجها من بيتها وغيابها عنه فى كفة أخرى، لوجدنا أن ما تخسره أكثر مما تربحه.

6 - كثير مما تدخره الزوجة من عملها خارج بيتها يأخذه زوجها منها ليستثمره لها، فيضيع فى تجارة خاسرة أو غيرها.

على هذا كله فإنى أقول: إن عمل المرأة خارج بيتها خسارة كبيرة لها ولأسرتها ولمجتمعها.

ـ هناك مقولات وأمثال سائرة ومتوارثة تعكس نظرة تشاؤمية للخلافات الزوجية مثل: (ما انكسر لا يمكن إصلاحه)، أو (النسب كاللبن إذا تعكر لا يصفو أبدًا)، فما تقييمكم لها؟

- إذا صدقت هذه الأمثال فى بعض الحالات فإنها تخيب فى كثير منها. لقد وجدت أزواجًا وصل بينهم الخلاف إلى حدود الضرب والشتم، وفصلت فى بعض نزاعاتهم المحاكم، ورغم هذا عادوا للعيش معًا، وواصلوا حياتهم بنجاح طيب.

ولقد وفقنى الله فى الإصلاح بين أزواج وزوجات وصل بهم الخلاف إلى مستويات يكاد من يطلع عليها أن يرى عودتهم للعيش معًا تحت سقف واحد مستحيلة، لكن توفيق الله كان قريبًا حين توفرت إرادة الإصلاح لدى كل من الزوجين، كما قال تعالى: {إن يريدا إصلاحًا يوفق الله بينهما}.

لكن هذا لا ينفى أن هناك حالات أرى أن استمرار الزوجين فيها معًا صعب، ويكون الحل عندها هو انفصالهما بالطلاق.

اذكرها بخير

ـ فى حالة مرور الحياة الزوجية بمنعطف خطير بم تنصحون الزوج ؟ وماذا تقولون لمن يتجه تفكيرهم إلى التعدد دون بذل جهد حقيقى فى عبور هذا المنعطف ؟

ـ أنصحه بما يلى:

1 - احرص أولاً على إبعاد الإحساس بالصدمة، وقل لنفسك: هذا ما كنت أتوقع حدوثه.

2 - لا تشاور إلا من تكون واثقًا من حكمته ومحبته وإخلاصه لك؛ ولا توسع دائرة من تستشيرهم.

3 - استحضر ما يأتيك من أجر فى صبرك على ما تلقاه فى ذلك المنعطف من عنت ومعاناة وهم وضيق.

4 - اذكر زوجتك بخير أمام من يسعى للإصلاح بينكما، وقل له أنا أعذرها، وأقدر أن ما تحمله من أعباء جعلها تفعل ما فعلت، أو تقول ما قالت.

5 - لا تدع الدعاء وأنت فى ذاك المنعطف: اللهم أصلحنى لزوجتى، وأصلحها لى، وأصلح ما بيننا.


مشكلات زوجية مصدرها الزوج
ـ من خلال خبرتكم وقربكم من واقع الأسرة العربية ما أهم المشكلات الزوجية التى يكون الزوج مصدرًا لها؟

ـ المشكلات الناتجة عن بخل الزوج، وهى كثيرة؛ إذ يتنازع الزوجان حين تطالبه الزوجة بشراء ما تحتاجه هى وأولادها، فيمسك يده عنها ويبخل فى الإنفاق عليها.

ـ المشكلات التى تحدث بسبب جهل الزوج طبيعة المرأة المختلفة عن طبيعة الرجل. فالمرأة أكثر عاطفة وأشد رهافة وأرق إحساسًا من الرجل.

ـ المشكلات التى تنشأ نتيجة كثرة غياب الزوج عن البيت، وعدم حمله لمسؤولياته كلها، فترهق الزوجة من تحملها مسؤوليات زوجها مع مسؤولياتها، فتضيق به وتثور عليه.

كيف تدمر حياتك الزوجية ؟!!

ـ كما وصفتم الزوج الأقرب إلى المثالى ماذا تقولون لزوج ما تحت عنوان: كيف تدمر حياتك الزوجية ؟

- أقول لكل زوج: أنت تدمر حياتك الزوجية حين تؤثر أصدقاءك على زوجتك وأولادك، وحين تنفق بسخاء على نفسك ومتعك وهواياتك، وتبخل على بيتك وأهلك، وحين تبش فى وجوه من هم خارج بيتك، وتعبس فى وجوه من هم داخله.

أنت تدمر حياتك الزوجية حين تصرخ فى وجه زوجتك، وتقذفها بشتائم مقذعة تحفظها ولا تنساها أبدًا، وأنت تدمر حياتك الزوجية حين تمد يدك على زوجتك ضاربًا لها دون أن تبدأ بالموعظة والهجر، وأنت تدمر حياتك الزوجية حين تتعامل مع زوجتك محاولاً تغيير طبيعتها التى خلقها الله تعالى عليها.

ــــــــــــــــ
مركز الإعلام العربي

Post: #293
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:17 AM
Parent: #201

عندما يبدأ الوالدان مهمة التربية الدينية لطفلهما في سن مبكرة، فإن ذلك يهيئ الطفل لتنمو في نفسه عقيدة الإيمان بالله تعالى.

وهناك وسائل كثيرة لتنمية هذه العقيدة لدى الطفل منها:

تشجيع الطفل على التأمل والتفكر فيما حوله:

فالصغير يميل إلى البحث والسؤال والتأمل فيما حوله من عجائب الكون التي تدل على عظمة الله، ولكن هذا الميل يخبو ويزول مع الوقت إذا لم يتوفر له التشجيع من قبل المربي.

فعلى المربي أن يثير انتباه الطفل وحسه للتأمل فيما حوله ويبدأ في سن مبكرة، فيلفت انتباه الصغير إلى السماء والنجوم والسحاب والمطر والرمال والبحر، وإلى تلك الزهرة وإلى هذه الصخرة. ولابد أن يُظهر ذلك للطفل باندهاشه بما حوله وبنبرة صوته وبانبهاره بما يرى.

ويمكن استخدام الوسائط المختلفة في ذلك كمشاهدة البرامج أو اقتناء أفلام عن الطبيعة والكائنات المختلفة، وتوفير الكتب المزودة بالصور.

كما يمكن تربية دواجن وحيوانات أليفة لملاحظة تكاثرها ونموها وموتها وإرجاع ذلك كله إلى قدرة الله. وكذلك زيارة حدائق الحيوان والمزارع، وزراعة الطفل للنباتات ورعايتها وملاحظة تدرج نموها.

كما يمكن إتاحة الفرصة للطفل لتذوق الفنون المختلفة والتعرف على الاكتشافات والتقدم الذي أحرزه الإنسان وإثارة إحساس الطفل للتعرف إلى الله الخالق ملهم البشر الذي منح الإنسان عقلاً يفكر به ويخترع. ولتحقيق ذلك يمكن زيارة المتاحف والمعارض والرجوع إلى الكتب والمجلات.

الاقتداء بمن حوله يقوي إيمان الطفل بربه بالسماع والمشاهدة:

فعندما يرى الطفل من حوله ويسمعهم يذكرون الله في صلواتهم وفي كل حين وعلى أي حال فإنه يقلدهم. كما أنه يقلد من يحبه ويألفه من معلمين وأقارب.

تعويد الطفل على اللجوء إلى الله في كل وقت خاصة عند الصعوبات:

والمشاكل التي يواجهها الطفل قد تكون بسيطة جدًّا ولكنها تبدو غير ذلك بالنسبة له، وعند حدوثها يوجَّه الطفل إلى دعاء الله وطلب العون منه، وللقدوة دور كبير في ذلك، فلو أن الوالدين ذكرا الله عند حلول أي مصيبة عند كسر كأس مثلاً فقالا "لا حول ولا قوة إلا بالله"، لتابعهما الطفل وعلم أن كل شيء بقدر الله، وعند حدوث ما يسر الوالدين رآهما يفرحان ويستبشران ويحمدان الله الذي أنعم عليهما ويرجعان ما بهما من خير وسعادة إلى الله ، فعندما يشعر الطفل بالضيق لحدث معين كفقدان لعبة أو صديق أو قريب ، يحسن بالوالدين بدلاً من حماية الطفل من المرور بالتجربة وإعطائه الحلول الجاهزة، أن يساعدا الطفل على تحمل الخوض في التجربة عن طريق احتضانه ومشاركته مشاعره وإفهامه أن الله معه وسوف يساعده ويمكن اختيار دعاء بسيط يردده الطفل كلما شعر بالضيق.

كما أن الطفل في سنواته الأولى يمر بمرحلة خوف طبيعية، فيخاف من الظلام ويخاف من بعض الحيوانات.. وهذه فرصة للمربي كي يعالج مشكلة الخوف ويُشعر الطفل بالأمان وذلك بربطه بخالقه، فالله معه ويحفظه من كل شر خاصة إذا ردد أذكارًا معينة "المعوذات و آية الكرسي...".

تعويد الطفل على الإحساس برقابة الله الدائمة له:

فالله مع الإنسان أينما كان، وهو يعلم بما يخفي وما يعلن. والطفل يكتسب ذلك عندما نتحدث معه عن علم الله الشامل ونحث الطفل على استشعار ذلك في المواقف المختلفة دون تخويف أو تهديد.

تعويد الطفل على ذكر الله:

يردد المربي مع الطفل الأدعية والأذكار في المناسبات المختلفة كدعاء الاستيقاظ ودعاء النوم وعند نزول المطر والتسمية عند الأكل .. بكل استشعار وحب فيتعود الطفل على ذكر الله في كل وقت وعلى أي حال مما يجعله يتعلق بالله ويحبه.

وعلى المربي الحرص على الاستمرارية والمتابعة فلا يكفي مرة واحدة أو مرتين وإنما دائمًا مهما كانت الظروف.

وعندما يربَّى الطفل على الحياة الدائمة مع الله والتطلع الدائم إليه والإحساس الدائم به والمراقبة الدائمة له في كل ما يفعله، عندها يتدفق حب الله في قلب الطفل، حب كفيل بطاعته طاعة منبعثة من الرضا لا من القهر والخوف والعقاب.

تعويد الطفل على التسليم المطلق لله:

فالله هو الذي خلقنا ويعلم ما يناسبنا وما فيه مصلحة لنا. والطفل يكتسب ذلك من خلال الخطوات السابقة ومن السهل عليه الآن الامتثال لأوامر الله حتى لو لم يعرف السبب (الحكمة).

وفي الدين أمور كثيرة لا نعرف الحكمة منها ولا تتضح لنا، فإذا ثبت في القرآن والحديث أمر شرعي وجب علينا الامتثال له وإن لم تتضح لنا الأسباب.
مجلة الأسرة (عدد 150)

Post: #294
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:22 AM
Parent: #201

بشَّرنا رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) أن من رزق بأنثى فأحسن تربيتها دخل الجنة، والتربية الحسنة هى تربية دينية ودنيوية و أخلاقية، تطلعنا على أهم ملامحها الدكتورة زينب حسن - أستاذة أصول التربية بكلية البنات، جامعة عين شمس - عَبر هذا الحوار:

ـ ما رأيكم فى الأسلوب الذى نربى به بناتنا فى مجتمعاتنا العربية؟

- ليس هناك أسلوب محدد لتربية البنات فى مجتمعاتنا العربية، فهناك أساليب متباينة، فنرى أسرًا تطلق لبناتها الحبل على الغارب دون ضابط أو حتى توجيه، وأسرًا تُضيِّق الخناق على بناتها وتحرمها حتى من حقوقها التى شرعها الله (مثل حقها فى الإرث)، وبينهما أسر معتدلة (لا إفراط ولا تفريط) توجه بناتها وترعاهن حق الرعاية، وتتقى الله فيهن، وترى البنت فى أمها قدوةً حسنةً تتمثل سلوكها وتصرفاتها فتنشأ نشأة دينية متزنة، وتلقى من أسرتها الحب والمودة والرحمة والتوجيه والإرشاد والمتابعة والإشراف غير المتسلط، عند اختيار القرينات، وتوفر لها هامشًا من الحرية يعطيها الثقةَ بالنفس، واحترام الآخر، ومن ثمَّ احترام نفسها، وهذا هو الأسلوب الذى نراه مناسبًا لتربية بناتنا فى مجتمعاتنا العربية.

مساحة مشتركة

ـ من الناحية النظرية هل تختلف تربية البنت عن تربية الولد، وكيف يكون هذا الاختلاف؟

- فى تربية كل من البنت والولد توجد مساحة مشتركة، فكلاهما يكتسب من الكبار فى العائلة القيم الإيجابية، وأنماط السلوك المتعارف عليه، ويتعلم أمور الدين من عبادات ومعاملات، ويُوجه نحو التعليم المناسب لإمكاناته، كذلك نحو النشاط الرياضى أو الفنى أو ممارسة هواية محببه إلى نفسه.

وينفرد كل من الولد والبنت بجوانب تربوية خاصة بكل منهما، فمثلاً الولد يُعطى قسطًا أكبر من الحرية حتى يكتسب القدرة على التعامل مع الآخرين، وتنمو شخصيته بشكل سوى، ويكتسب القدرة على تحمل المسئولية، ولابد أن يكون خروجه تحت إشراف الأسرة.

أما بالنسبة للبنت فهى هادئة بطبعها ومحدودة الحركة، ولها اهتمامات أسرية (بيتية) وأنصح الأم ألا تنسى تشجيع ابنتها على الاندماج فى مجموعة من القرينات فى صحبة آمنة، بعيدًا عن أصدقاء السوء، وتحت رعايتها.

ـ ما الأخطاء التربوية الشائعة فى تربية البنات، وكيف نواجهها؟

- تقع بعض الأسر فى أخطاء نتيجة تربية بناتها بطريقة تعسفية، فيها تفرقة بين البنت والولد، لصالح الولد، وتُميز الولد فى أشياء أساسية تحرم منها البنت كليًا أو جزئيًا مثل: الملبس، مكان النوم، الترفيه، وأحيانًا الأكل.

ويقع على إعلامنا مسئولية التوعية الدينية للآباء والأمهات، وتوضيح موقف القرآن الكريم والسنة المطهرة من قضية التفرقة بين الأبناء، والدعوة إلى المساواة بينهم ، حتى لا يشعر أحدهم بالظلم أو النقص أو الدونية.

ـ كيف تشبع الأم رغبة ابنتها فى التجمل مع عدم التفريط فى الحياء؟

- البنت بفطرتها تسعى إلى التجمل والتزين، فى ضوء ظروف بيئتها، واهتمامات أمها، فنرى الطفلة ذات الثلاث أو الأربع سنوات تسعد إذا تلونت شفتاها بعد أْكل أنواع الحلوى ذات الألوان، ويجب أن تكون الأم قدوة لها، فالاعتدال مطلوب فى كل شيء، والتجمل مرتبط بالنظافة، وهى عادة وسلوك محمود تستطيع الأم أن تبثه فى ابنتها، ولى خبرة شخصية فى هذا الموضوع؛ حيث كانت أمى (رحمها الله) تتركنا نحن الثلاث أخوات فى حجرتنا، وتوفر لنا بعض أدوات التجميل، ونظل نلون ونزيل إلى أن نشعر بالرضا، فنغسل وجوهنا ونحن مسرورات وينتهى الموقف بلا تعنت ولا رفض من الأم، ورغبة وبكاء من البنات.

العطاء النبيل

ـ كيف نربى البنت على أن تكون أنثى؟ بمعنى أن نعلمها التضحية، وفى ذات الوقت لا يضيع حقها.

- البنت بطبيعتها معطاءة دون سؤالها، نراها تلعب بدميتها، تنظفها وتكسوها وتغطيها، وتحنو عليها، وتتظاهر بأنها تطعمها وتسقيها، وتنمو معها هذه القدرة على العطاء، فتساعد أمها - وهى سعيدة - فى بعض أعمال المنزل، وفى تربية سائر الأخوة.

على الأم فى هذه الحالة أن تنمى هذه القدرة، وتشبع هذه الرغبة فى الوقت نفسه، لا تضغط، ولا تسفه، بل تسهم فى جعل هذا العمل ممتعًا لابنتها، فتبث فيها الثقة وتشجعها، وتظهر لها مشاعر الامتنان والفخر، حتى تتأكد لدى البنت القدرة على العطاء النبيل، وليس العطاء الذليل، من هنا تضمن الأم أن تنشأ ابنتها قوية الشخصية تتحمل المسئولية بجدارة.

ـ بعض البنات يرفضن مساعدة الأم فى المنزل.. فهل الحل فى إجبارهن، أم تركهن يركزن فى أشياء أخرى؟

- البنت تحب وترحب بمساعدة أمها، فنراها تمد يدها عند تنظيف الخضار، وتسهم فى ترتيب المكان، من هنا وفى سن صغيرة تستطيع الأم أن تجعل ابنتها مستمرة فى المساعدة، مرحبة سعيدة بها، وذلك بتشجيعها، أو تتخلى عن المساعدة، وذلك إذا بادرتها أمها بالتوبيخ والصريخ والأوامر والنواهى، وربما الضرب أيضًا، وهذا ما نراه كثيرًا، فالأم هى المسئولة الوحيدة عن إقبال ابنتها على مساعدتها أو إحجامها.

وفى رأيى أن البنت فى حاجة إلى التفرغ لمدرستها ومذاكرتها أثناء العام الدراسى، أما فى الإجازة الصيفية فتوجهها أمها بالحسنى وباللين إلى ضرورة التعاون فى بعض أعمال المنزل، وإذا أحجمت البنت تمامًا يمكن شغل فراغها بالأعمال الفنية مثل: الرسم، التطريز، التريكو، أو تعلم فن التفصيل، أو ممارسة الرياضة أو غير ذلك .

ـ هل تحتاج البنت إلى كلام الإطراء والإعجاب؟ وهل حرمانها منه يؤثر عليها؟

- أى كائن حى يحتاج إلى المعاملة الحنونة الودودة حتى النبات، فما بالنا بالإنسان، الإنسان عمومًا يسعد بكلمة مجاملة فيها إطراء أو إعجاب أو مديح أو شكر، ففى الحديث القدسى يقول رب العزة: «عبدى أنت لم تشكرنى إذا لم تشكر من أجريت لك النعمة على يديه»، فكلمة الشكر أو الإطراء واجبة، وحرمان البنت منها يجعلها تشعر بأنها غير محبوبة، وأن ما تقدمه من عمل لا يُرضى الآخرين، ومن ثمَّ يؤثر فيها جحود الآخرين ونكرانهم تأثيرًا سيئًا.

ـ هل للأب دور فى تربية البنت، وما أثر هذا الدور؟ وهل عدم وجود دور للأب يؤثر عليها؟

- الأسرة شركة بين طرفين: زوج وزوجة، يُقسمان العمل فيما بينهما، ويرتضيان هذه القسمة، إلا تربية الأبناء فهى مهمة كل من الأب والأم، وفى بعض الأحيان تكون المهمة قاصرة على أحد الأبوين، نظرًا لظروف عملهما، عمومًا كلاهما شريك فى التربية، دون أن يتعارض دورهما.

لكن فى بعض الحالات لا تكون الأم على مستوى المسئولية والوعى والقدوة الحسنة، مما يجعل الأب يستأثر بتربية ابنته، وفى حالات أخرى يكون انحسار دور الأب فى تربية الابنة أفضل، وهى حالات كلنا يعلمها، فيمكن أن يكون الأب قاسيًا، بذيء اللسان...إلخ، وفى هذه الحالة مطلوب من الأم أن تقوم بالدورين معًا، فهى (أم وأب) حانية وحازمة فى الوقت نفسه.

آمنة محمد-اسلام ويب

Post: #295
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:24 AM
Parent: #201

اندهشت عندما دخلت الصغيرة ذات السنوات الخمسة، وهى ترتدى «الهاف ستومك»، وتضع «المانيكير»، و«الروج»، وترتدى حذاءً ذا كعب عالٍ، وقصة شعرها مثل الراقصة ( فلانة).

تعجبت لأنى لم أجد قريبتى الجميلة كما كنت أتخيل، فلا شريطة بشعرها، ولا فستان مزركش جميل، ولا حذاء بفيونكة؛ نظرت إليها ولم أستطع أن آخذها فى حضنى وأقبلها وألاعبها، فأمامى آنسة لا أستطيع إلا أن أسلم عليها بشياكة، وأقول الكلمة التى قرأت فى عينيها أنها تريدها: «إيه الجمال والإغراء دا كله».

وعندما جلست سألتها: ماذا تحفظ من الحضانة، فبدأت بنعومة تغنى لى أغانى الفيديو كليب، ولم تتحرج من أن تتبع ذلك برقصات وإشارات ، وعندما قلت لها: إن هذه الأغانى عيب. قالت لى: أحفظ غيرها؛ فغنت «آه يا قلبى»، «نارى نارين».....

فقلت لها سلامة قلبك الصغير، آه يا قلبى أنا مما أراه.. ما الذى حدث لهذه الصغيرة ولجيلها كله ؟

لماذا هجرت الطفولة البريئة، وسعت لتكون أنثى تلبس العارى، وتغنى وترقص بأغانى «الحب والهيام».

الإعلام واغتيال براءة الطفولة

تتهم الدكتورة عالية الكردى - المتخصصة فى شئون المرأة والطفل - الإعلام بأنه السبب فى القضاء على براءة الطفولة عند الطفلة، فنجد أن برامج الأطفال أقل مساحة؛ مقارنة بالمساحة المخصصة للأعمال الأخرى، حتى القنوات المتخصصة للأطفال لا تعكس مرحلة الطفولة، وبعيدة جدًا عن حياة الطفل، فهى عبارة عن أوهام خيالية لا يمكن أن يحققها الطفل، أما برامج الشباب فسهل تقليدها والتعايش معها.

وأرجعت أيضًا هذه الظاهرة إلى عامل آخر، وهو تراجع الوقت الذى تحتك فيه الأم بأطفالها؛ فالطفل لا يعيش الطفولة جيدًا؛ لأن معظم الأمهات عاملات، فالطفل لا يأخذ حقه فى التربية والرعاية، إضافة إلى أن كل المؤثرات داخل الأسرة وخارجها لا تسير بشكل طبيعى.

كذلك المجتمع أخفق فى تقديم القدوة للأطفال؛ لأن التقليد والمحاكاة جزء طبيعى من حياة الطفل، وهناك تراجع لدور المسجد كمؤسسة تربوية فعالة، وقصور فى تقديم الثقافة الإسلامية الصحيحة.

ليس الإعلام وحده

أما الدكتورة فؤادة البكرى - الأستاذة بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان - فتقدم رأيًا مختلفًا، إذ ترى أن هذه الظاهرة ليست مسئولية الإعلام وحده، إنما هى مسئولية كل المحيطين بالطفل مثل الأسرة والمدرسة ومؤسسات التنشئة المختلفة.

فيجب على مؤسسات التربية أن تقوم بدورها، وخاصة الأسرة عليها أن تحتضن أطفالها، وتحرص عليهم ولا تتركهم فريسة للإعلام، وتختار لهم المفيد، وتحفظهم من السيئ، وتساعد أطفالها على أن يعيشوا سنهم وطفولتهم؛ لأنهم إن لم يعيشوا طفولتهم بصورة طبيعية، فلن يعيشوا أى مرحلة أخرى بصورة سوية، وعلى الأم أن تتحكم فى نوعية ما يراه أطفالها، وأن تُرشِّد ساعات الإرسال التليفزيونى.

وتؤكد على أنه بجانب دور الأسرة؛ هناك مسئولية كبيرة تقع على عاتق المدرسة والمعلمين؛ فالمعلم يجب أن يكون قدوة يقتدي بها الطفل، ويجب أن يعي دوره جيدًا، ويوجه الأطفال فى مرحلة الطفولة؛ لأن هناك مرحلة من المراحل التى يمر بها الطفل يقتدى تلقائيًا بمعلمه، فالطفل يكتسب القيم من الأسرة والمعلمين، فيجب أن لا نهمل دور المؤسسات الاجتماعية المحيطة بالطفل (التى تؤثر فيه ويتأثر بها)، ونلقى اللوم على الإعلام وحده.

القدوة والتربية

ويؤكد الدكتور نبيل السمالوطى - أستاذ علم الاجتماع - أن هناك اتجاهًا ودافعًا غريزيًا عند الأطفال للمحاكاة ومحاولة تقليد الكبار فى أقوالهم وسلوكياتهم المختلفة، وهذا أمر طبيعى.

ولذلك؛ فإن عملية التربية لا تعتمد على المنطق والحوار بقدر ما تعتمد على القدوة، فإذا كانت القدوة صالحة كانت التنشئة صالحة، وإذا كانت القدوة فاسدة كانت التنشئة فاسدة.

فيجب أن لا نلوم الطفل ونلوم المخالطين له، فعلى الآباء والأمهات إذا وجدوا ابنتهم تقلد النساء اللائى يرتدين ملابس خليعة، ويضعن الماكياج الصارخ وعندهن انفلات وإباحية، فلا يلومون إلا أنفسهم؛ لأنهم لم يشرفوا إشرافًا جيدًا على نوعية ما يشاهده أبناؤهم وبناتهم، ولم يمارسوا التوجيه والنقد الواجب عند مشاهدة هذه المناظر.

يجب على الأم أن تكوّن وتنمى الوازع الدينى والأخلاقى داخل أبنائها وبناتها، فيكون المعيار أن نرضى الله (عز وجل)، وأن نعيش بقيمنا وأخلاقنا وثقافتنا نحن.

فإذا تربى هذا الوازع الدينى والأخلاقى داخلهم فلا نخاف عليهم بعد أن يتخطوا مرحلة الطفولة، ويصبحوا كبارًا؛ لأنهم قد أخذوا الحصانة والمناعة الأخلاقية والثقافية والدينية الكافية.

ولهذا يجب الحذر من كل المخالطين للطفل الذين يجب عليهم أن يراعوا السلوك القويم والصدق فى القول والفعل والقيم المتعامل بها يوميًا.

كان قديمًا يوجه هذا الكلام للمقربين للطفل والمحيطين به، أما الآن فقد اتسعت دائرة التأثير، وأصبحت هناك دائرة التليفزيون والسينما والشارع والحى والمدرسة، وكل هذه الدوائر أصبحت مؤثرة، ولا يمكن لنا أن نضبطها، فهناك دوائر منفلتة، وهناك دوائر ملتزمة، وهناك قنوات صالحة وأخرى فاسدة، ومن الجيران من هو صالح، ومنهم من هو فاسد، والأطفال يقلدون سلوكيات الكبار.

ثقافة الصورة

يرى الدكتور محسن خضر - أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس - أن تقليد الأطفال للكبار ظاهرة طبيعية لا تدعو للقلق، فهى سمة من سمات النمو فى المراحل المختلفة، لكن ما يدعو للقلق هو هذا الطغيان لثقافة الصورة على شخصية أطفالنا ومراهقينا، فلم يعد المثل الأعلى للطفلة الأم التى معها فى المنزل، والتى كانت سابقًا تحاول تقليد دورها فى المطبخ، وفى رعاية الأطفال، فتقوم بنفس الدور مع عروستها، ولم يعد المثل المعلمة أو الأخوات الكبار، بل أصبحت القدوة والمثل الأعلى نماذج غير سوية تفرضها ثقافة الصورة، وتروج لها ليل نهار.

فالتليفزيون المحلى والفضائيات تقدم أسوأ نماذج القدوة لأطفالنا ، وهي نماذج ممسوخة ومصنوعة يعدها الإعلام التجارى، ويقدمها ليربح ويكتسح، وهى نماذج تستثير الإعجاب من قبل الجنسين بالمعنى الجنسى عند الذكور، والمعنى الأنثوى عند الإناث.

ويستغل هذا الإعلام عدم وجود القدوة والمثل الأعلى؛ فيقدم الابتذال والبطون المكشوفة والأجسام المهتزةوالميوعة، والسباق المثير بين الفريسة والصياد.

هذا يحدث فى ظل غياب نماذج القدوة فى المنزل والمدرسة والإعلام والانحطاط الأخلاقى والقيمى، وعدم وجود الهدف المشترك الذى يجمع المجتمع بكل فئاته، وبالتالى تتولد مساحة كبيرة من الفراغ تملؤها نانسى وشيرين وأبطال البلاى ستيشن والسينما الأمريكية وأرجوزات السينما الشبابية.

متى يستعيد المجتمع رشده !!

وينصح الدكتور محسن خضر بضرورة وجود المشروع الاجتماعى الكبير؛ لأن القضية هى غياب هذا المشروع، وغياب الأبطال الحقيقيين، فلابد من تقديم نماذج قدوة حقيقية بعيدًا عن المهللين والمهرجين والباحثين عن المادة فقط؛ بصرف النظر عن القيم أو الانتماء، فلابد أن يستعيد المجتمع رشده وعقله وأهدافه الكبرى، فالأسرة وحدها لن تستطيع أن تقوم بدورها بمعزل من المجتمع.

أما الدكتورة عالية فترجع لتؤكد على دور الأسرة، وتطالب الأم بأن تجلس وقتًا أكبر مع أطفالها، وأن يعود دور المسجد فى التربية، كما كان قبل نصف قرن.

وتضيف: لابد من زيادة مساحة الإعلام الموجه للطفل، مع انتقاء الجيد وإنتاج كارتون عربى للأطفال، ويمثل واقعنا ومجتمعنا العربى المسلم.

ــــــــــــــــ
مركز الإعلام العربي

Post: #296
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:26 AM
Parent: #201

السعادة الزوجية مطلب عزيز لكل أسرة وهدف قريب المنال لكل من حرص عليه وسعى إليه .
الأسرة السعيدة مرتع العطاء والأمان وراحة البال وطريق النجاح ، ونقدم لكم وصفة نافعة بإذن الله للحياة الزوجية السعيدة فنقول:-

أولاً:- عادةً الرجل هو الذي يغار على المرأة وإذ بنا نسمع عن غيرة المرأة الجنونية من أمه وأخواته ومن أمور كثيرة لا يحق لها الغيرة فيها، يا أختاه الحكمة تقول: إذا أردت أن تطاع فمر (فأمر) بما يستطاع .

ثانياً:- أشعريه دائما بالأمان والثقة وبأنك تتمنين أن تطول الحياة بكما معا ومع أطفالكما، وابتعدي عن الأحقاد، لا تحقري أعماله ولا مشترواته، ولا تقللي من شأنه أو من شأن وظيفته أو شهادته، فهذه الأعمال إن وقعت فيها سوف تنسفين كل عوامل المحبة والاحترام بينكما.

ثالثاً:- لماذا نجيد التحدث برقة وإيثار مع الناس ولا نتحدث بذلك مع أزواجنا وأولادنا؟
ليتك ياأختاه من اليوم تبدلين طريقة التحدث العدائية مع زوجك وأبنائك وخادمتك، بل تحدثي بكل هدوء ومنطقية وبما يفيد، ولاتكرري الكلام بدون فائدة، وابتعدي عن الدعاء عليه بالسوء ومن التهديد فكلا الطريقتين لا فائدة منها إلا زيادة الحقد والمشاكل.. بل أبدلي الجدل بالتفاهم وأبدلي الدعاء السيء بالنصح والإرشاد جربي ذلك وسوف تكسبين بإذن الله.

رابعاً:- مهما طالت العشرة بينكما فلا تهملي أناقتك ولا نظافة المنزل، بالأخص غرفة النوم، فهي أحب الغرف إلى قلب الزوج فعلى المرأة أن توليها عناية خاصة.. فمن خلالها يمكن أن ينسى الزوجان الهموم وترتفع غيوم الخلافات ونكد المعايش وصعوبات الحياة.. وبالتالي عليك أن لا تجعلي شكلها يبدو قديما أو مهترئا، بل احرصي على تجديدها ودوام تنظيفها وتغيير ترتيبها بين الحين والآخر.. واحرصي على دوام تعطيرها وتزيينها في حدود طاقة البيت المالية وإياك وإهمالها فهي مدخل الشقاق وعدم الوفاق.
واحرصي على نظافة البيت ولا تندمي على الجهد والوقت الذي سوف تبذلينه في العناية بزوجك وأبنائه، وعليك مع هذا ألا تغضبي من أخطائهم المتتالية والتي أنت تظنينها جحودا ، قال الشاعر:-
كن كالنخيل عن الأحقاد مرتفعا ترمى بصخر فتعطي أطيب الثمر

خامسا:- عليك أن تكتمي جميع أسراركما وإياك ونشر مشاكلكما بين الصديقات ولو بدعوى البحث عن حل، صدقيني يا أخيتي إن شكواك للناس لن تفيدك شيء بل إنها تقلل من شأنك ومن احترامك في نظر الغير، مع تعريض بيتك للفضائح ونشر ما ينبغي ستره.. وإياك والجدل معه وأمام الأطفال، اتركي الغضب فجميعنا يمكنه أن يعود نفسه على قوة الاحتمال كما أرجو أن لا تحرجيه ولا أن تشكيه لأهله.

سادسًاً:- أرجو أن تمحي كلمة طلقني من قاموس حياتك فالطلاق لن يريحك ولا سيما بعد أن تنجبي الأطفال، والزوج كثيراً ما يكون متعقلا ولا يستجيب لمهاترة الزوجة، لكن الحصيلة لتلك المهاترات هو قلق الأبناء وزرع الخوف الدائم في حياتهم بالطلاق.. الطلاق يا أختاه هو سبب تعاسة الأبناء وانحراف البنات وتعاسة الأم وتدهور الحياة الاجتماعية .

سابعًا :- لا تكذبي على زوجك أبداً، ولا تعصيه في أمر من الأمور إلا فيما كان فيه معصية لله تبارك وتعالى؛ إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وإن كنت تخافين جبروته لا تقولي له الذي حدث وهو غاضب، أخبريه عندما يكون هادئا متعقلا متقبلا، وسوف يكون الموقف في صالحك بإذن الله تعالى وقتها سيصبح جميع أبنائك صادقين صرحاء لا يخافون من كلمة الحق وتذكري بأن الاعتراف بالحق فضيلة.

ثامناً :- احرصي على عمل اجتماع أسري كل أسبوعين مرة يكون الحديث لوالدهم ومرة يكون فيها الحديث لك وقدمي التوجيهات لأبنائكما على شكل طلب رقيق وحث الأبناء على النجاح بصورة أمنيات لأن نراكم بإذن الله تعالى كذا وكذا وليس بالأسلوب القديم وهو أسلوب التقريع والتهديد و المقارنة بالآخرين مما يجعلهم يشعرون بالنقص في نفوسهم فتكون النتائج عكسية.

دائما وأبدا أسمعي زوجك وأسمعي أبنائك كلمة الحمد، الحمد لله الذي جعلكم أسرة وعائلة واحدة وأعطاكم من نعمه العظيمة وعددي نعم الله عليكم حتى يشعر الجميع بالنعم التي تحيط بكم و يشعر الجميع بالرضى والسعادة، وذكريهم بالله تعالى وبعظيم هذه المنن التي أنعمها عليكم. مع أصدق دعواتي للجميع بالتوفيق .
سعاد عثمان علي-اسلام ويب

Post: #297
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:27 AM
Parent: #201

التربية هي بناءٌ ورعايةٌ وإصلاحٌ، وحرص على تنمية مدارك الأولاد والتدرج في تعليمهم الخير، وإبعادهم عن السوء منذ الطفولة حتى البلوغ؛ ولذلك اعتنى الإسلام برعايتهم، وحسن تربيتهم؛ لأنهم أمل المستقبل.
ويرجع حرص الآباء والأمهات على توجيه الأبناء التوجيه السليم لينجحوا في حياتهم، حيث حمل الإسلام مسؤولية تربية الأولاد على عاتق الوالدين والأقارب؛ لأنهم المؤثر الأول في التربية..

ولكن قد يشتكي كثير من الآباء والأمهات من انحراف أبنائهم وميلهم إلى الفساد، وفعل المعاصي، وعدم الاستماع للنصائح والإشارات والتوجيه، ويعود انحرافهم إلى الأسباب التالية:


1- سوء معاملة الأبوين للأولاد:
إن إساءة معاملة الأطفال ليست ظاهرة خاصة بزماننا هذا؛ بل هي موجودة بشكل أو بآخر خلال معظم حقب التاريخ، والأطفال الأكثر عرضة للإساءة هم :
- الأطفال الصغار سناً، الذين تتراوح أعمارهم بين الولادة إلى السنة الخامسة.
- الطفل الذي هو نتيجة حمل غير مرغوب فيه لأسباب اقتصادية أو حياتية أو قانونية.
- الطفل الصعب - الأكثر صياحاً، وشديد الانفعال، وقليل النوم - وكذلك الطفل المشاكس والبطيء والمعوق، والطفل الذي يكون في جنسه مخالفاً للمأمول من الأبوين كأن تكون بنتاً ووالداها يريدان ابناً...إلخ.


وبغض النظر عن خصائص الطفل، إلا أن ثمة عوامل بيئية وعائلية وتصورات حضارية، وأخرى سلوكية تساهم في إساءة معاملة الأطفال، ولذا حث الإسلام الوالدين على أن يحسنوا معاملة الأولاد حتى ينشأوا على الاستقامة، ويتربوا على حسن الأخلاق،

فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء" رواه الترمذي.
وكذلك قال عليه الصلاة والسلام: "من لا يرحم لا يُرحم" رواه مسلم .


2- الفراغ الذي يعيشه الأطفال والمراهقون:
من جملة الأسباب التي تقف وراء وقوع الأولاد في الانحراف والفساد هي:
- عدم توجيه الأولاد بشكل سليم في أمور حياتهم.

- عدم استغلال أوقات فراغهم بشكل سليم ودقيق؛ مما يؤدي إلى مصاحبة رفقاء السوء، ومصاحبتهم تلحق أضراراً بالغة الأثر، كما قال رسول الله : "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" رواه الترمذي.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك أو تبتاع منه أو تجد منه ريحاً طيبة ونافخ الكير إما أن يحترق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً منتنة" رواه البخاري.
وقد حث الإسلام على حسن اختيار الصديق، وحذر من صحبة الأشرار، ومما ورد عن رسول الله في ذلك : قوله: "لا تصحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" رواه أحمد .


وأخبر الله تعالى أن صحبة الأشرار تكون سبباً للعداوة بينهم يوم القيامة كما قال الله سبحانه: الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين {الزخرف: 67}.


3- حالات الطلاق بين الزوجين:
إن أهم عوامل انحراف الأولاد وتشردهم، هي حالات الطلاق بين الزوجين، مما يدفع بالأولاد في أوحال الرذيلة والجريمة، أو الانحراف، أو تحول الأولاد إلى أدوات استخدام لإيصال رسائل الكره بين الزوجين المطلقين، وقد دعا الإسلام إلى حسن المعاملة بين الزوجين، ودرء الخلافات جانباً، فقد ورد عن رسول الله أنه قال: "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" رواه ابن ماجه.


4- إهمال النفقة على الأولاد:
إن ظاهرة إهمال النفقة على الأولاد، وعدم الاهتمام بمطالبهم أصبحت متفشية في زماننا هذا؛ مما يدفع الأولاد إلى سلوك غير سوية لتلبية احتياجاتهم من السرقة، أو العدوان على غيره، ولقد حذر الإسلام الآباء والأمهات من تضييع الأولاد أو إهمالهم، قال رسول الله : "كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول" رواه أبو داود.
ولقد نهى الله تعالى عن الإسراف بشتى أنواعه؛ لأنه يسبب الفساد والدمار والانحراف. قال الله تعالى: ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا {الإسراء: 29}.


5- النزاع والشقاق بين الوالدين:
إن ظاهرة النزاع والشقاق بين الوالدين خصوصاً أمام أولادهما، تؤدي إلى انحراف الأولاد، فينبغي على الوالدين ألا يثيرا الخلاف والشقاق أمام أولادهما، وعلى كل منهما أن يلتمس العذر للآخر، ولا يبادر في إظهار الأخطاء وإشاعتها؛ لئلا يتصدع بنيان الأسرة، وننصح الأمهات بعدم الإفراط في تأنيب الطفل، أو فرض مراقبة شديدة على تحركاته العفوية قبل بلوغه عامه الثالث؛ لأن ملازمة جميع تحركاته، والتدخل في جميع مراحل نموه في المنزل أو خارجه، والعمل على إجباره على استيعاب بعض المعلومات الجديدة، لا يساعد على تربية الطفل تربية حسنة كما تريد الأم، بل هو سبب في تقويض شخصيته وزعزعة أركان مستقبله، وبالتالي يتعرض الطفل إلى انحرافات نفسية.


مسؤولية الأبوين:
يظهر من خلال الاتهامات المتبادلة في كثير من الخلافات الزوجية، أن كل واحد من الأبوين قد أخطأ، وأن الولد هو الذي يدفع ثمن الأخطاء، وأن التربية السليمة لها قواعد معينة، لابد من اتباعها وتوافرها حتى يتحقق الجو التربوي السليم الذي يعيش فيه الأولاد، على أسس إسلامية متينة صلبة لا تتعرض للانحرافات، وعلى الأبوين إدراك مسؤوليتهما في تكوين الأسرة، نظراً للدور الهام للأم في تربية الأولاد، فلو صلحت صلح الأولاد، ولو فسدت فسد الأولاد، ولذلك اعتنى الإسلام باختيار الزوجة، قال الله تعالى يصف الزوجات الصالحات: فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله {النساء: 34}.
ويقول ابن الجوزي رحمه الله تعالى: "... وينبغي أن يكون النظر إلى باب الدين قبل النظر إلى الحسن، فإنه إذا قل الدين لم ينتفع ذو مروءة بتلك المرأة"(8).


والإسلام اهتم بالأم، كونها المدرسة الأولى للأولاد، والمعلم الأول لهم منذ المهد، فبصلاحها يصلح المجتمع كونها تهدف إلى غرس القيم والأخلاق الحميدة، كالصدق والأمانة والعفة، والشجاعة في نفوس أولادها وهم صغار.


وكذلك الأب مسؤول عن أسرته، وقد ورد عن رسول الله { أنه قال: "الرجل من أهله راع وهو مسؤول عن رعيته" رواه البخاري في الأدب المفرد.
ويجب أن تكون التربية وفق كتاب الله وسنة رسوله ، وهؤلاء الأولاد عقولهم صفحة بيضاء تستوعب ما ينقش عليها، قال الله تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون {النحل: 78}.
وإن رُبي الولد على الخير نشأ صالحاً نافعاً، وهذه التربية أمانة لا يجوز التفريط فيها وقد قال الله تعالى: والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون {المؤمنون: 8}.
وقال تعالى: يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون {التحريم: 6}.


ويجب على الوالدين الاستعانة بالله في تربية الأولاد، والمداومة على الدعاء لهم بالصلاح والخير قال الله تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {البقرة: 186}.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الجندي المسلم العدد ( 118 )

Post: #298
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:28 AM
Parent: #201

القلوب التي دخلها الإيمان مهما بلغت قسوتها إلا أن فيها حنينًا إلى الله تعالى، وشوقًا إلى الاتصال به والسير إليه، إلا أن أصحابها لا يستطيعون تجريدها من حب الدنيا وربطها بالآخرة، والحل هو إيقاظ الإيمان في هذه القلوب.

هذا ما يؤكد عليه دومًا الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته ومؤلفاته.

ولكن كيف نكون ربانيين ونحن بين أزواجنا وأولادنا وفي أعمالنا، ودون أن نعتزل الناس وننقطع للعبادة؟ هذا ما يجيب عنه حوارنا التالي:

ـ لماذا يركز الدكتور مجدي الهلالي في كتاباته علي الجانب الإيماني؟

- الحياة بلا إيمان حياة نكدة مظلمة أصحابها في هم وغم وسعار، لتحصيل المتع والشهوات، ولقد سيطرت مصطلحات الحياة المادية على تفكيرنا واهتماماتنا، مما انعكس على أفعالنا فأصبح الحرص على تحصيل المصالح الشخصية - ولوعلى حساب الآخرين - هو السائد بيننا، حتى بين الابن وأبيه، وبين الأخ وإخوانه.

من هنا اشتدت الحاجة إلى التركيز على إيقاظ الإيمان في القلوب، فبالإيمان تنصلح أشياء كثيرة تحدث بيننا، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهى القلب»، فكلما زاد منسوب الإيمان في القلب تحسن السلوك تبعًا لذلك.

وفي المقابل عندما تنكشف العورات ويظهر الجانب القبيح للنفس، فعندما تجد شخصًا لا يصلي، ويتلفظ بألفاظ غير مهذبة، ويتعامل مع الآخرين بغلظة واستعلاء وحسد، هذه الأشياء تعكس ضعف الإيمان في قلبه، والحل هو إيقاظ إيمانه لتختفي بذلك كل هذه السلوكيات الخاطئة، فالحل الأكيد لتغيير المنكرات التي تحدث في بيوتنا ومجتمعاتنا هو التركيز على التربية الإيمانية التي تحرك القلب وتهز المشاعر،

وهذا ما حدث مع الجيل الأول - جيل الصحابة رضوان الله عليهم - فقد تم التركيز معهم في البداية على الإيمان، وحين جاء التشريع كانت مسارعتهم إلى التنفيذ دون تلكؤ أو معارضة، معنى ذلك أن الإيمان هو الدواء الناجع لأمراضنا التي نعاني منها، فصاحب الإيمان هو خير أب لأبنائه وخير جار لجيرانه، ولم لا وهو دومًا يبحث عما يرضي مولاه ليفعله، ولا يحتاج متابعة من أحد من الناس؟ فإيمانه هو الذي يدفعه لفعل الصالحات وترك المنكرات.

ـ هل يستطيع الوالدان والمربون أن يربوا كما ربى النبي (صلى الله عليه وسلم)؟ وكيف؟

- لقد كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يحرص في تربيته لأصحابه على أن يربطهم بالله (عز وجل) بمعنى أنه كان يربيهم على أن يعظموا قدر الله (سبحانه وتعالى) في أنفسهم، ليتحقق تبعًا لذلك حسن تعاملهم معه سبحانه، وبالفعل حين يحسن تعامل العبد مع ربه فسوف يحبه، ويخافه، ويرجوه، ويأنس به، ويسارع إلى طاعته.

أيضًا كان (صلى الله عليه وسلم) يعمل على ترغيب أصحابه في الآخرة، وتزهيدهم في الدنيا مما يثمر سعيًا ولهفة لكل ما يزيد الرصيد الأخروي، ويثمر كذلك عدم الاكتراث بالدنيا والتعامل معها على أنها مزرعة للآخرة.

وكان منهجه (صلى الله عليه وسلم) في ذلك هو القرآن، فمن أهم أدوار القرآن أنه كتاب تغيير وتقويم وإصلاح، من خلاله يتعرف العبد على ربه وعلى نفسه وعلى الدنيا وعلى الآخرة.

وكلما ازدادت المعرفة تغيرت المعاملة، وكان (صلى الله عليه وسلم) دائمًا يربط أحداث الحياة بالله (عز وجل)، أي أنه كان يريد ممن معه أن يروا الله وراء كل حدث، فعندما كانت تأتي الريح كان يظهر عليه الخوف من غضب الله سبحانه، أو أنه قد يكون أرسلها مقدمة للعقاب، فيدعو ويتضرع، وكذلك عندما يرى الكسوف كان يربطه لأصحابه بالله (عز وجل)، وأنه آية يخوف الله بها عباده، وهكذا؛ لذا فنحن يمكننا أن نسير على نفس المنهج باعتبار أن القرآن الموجود بين أيدينا هو نفسه القرآن الذي كان مع الجيل الأول، ولكن المطلوب هو التعامل معه بنفس الطريقة التي تعاملوا بها معه باعتباره كتابًا يربط الأرض بالسماء، ويغير صاحبه، ويعظم قدر الله في نفسه، ويعرفه كيف يقرأ ويفهم ويحلل أحداث الحياة، ويربطها بالله (عز وجل) لتتحقق من وراء ذلك معاني العبودية التي يريدها الله منا.

ـ على من يقع العبء الأكبر في تربية الأبناء.. الأب أم الأم ؟

- مما لاشك فيه أن مسئولية تربية الأبناء بين الأب والأم ، ولكل منهما دوره الخاص به، فالأب هو قائد البيت وربان السفينة، يرصد الأخطاء، ويرسم الخطط، ويوجه، ويتابع، أما الأم فهي بمثابة المدير التنفيذي الذي يقوم بتنفيذ التوجيهات والسياسات التي اتفق عليها مع الأب.

فمن الناحية الشكلية نجد أن العبء الأكبر يقع على الأم، وفي نفس الوقت لا يمكن للأم أن تستغني عن دور الأب، وعلى كل أم ألا تتعلل بانشغال الأب لتقوم هي بالدورين معًا، بل عليها أن تطلع زوجها، وتقدم له تقريرًا يوميًا عن أحداث البيت ولو لبضع دقائق، ليقوم معها بتقييم الوضع، وإسداء النصح، والتدخل إن تطلب الأمر للتدخل، والاتفاق على السياسات الجديدة التي ينبغي انتهاجها مع الأبناء.

ـ هل أساليب تربية البنات تختلف عن تربية الذكور؟ خاصة وأن جلّ الاختلاف هو أن يذهب الولد إلى السوبر ماركت والبنت تؤمر بترتيب البيت؟

- من المعلوم أن الأساليب توضع لتحقيق الأهداف.. إذن لابد من تحديد أهدافنا مع أبنائنا.. ماذا نريد منهم ؟ وهل ما نريده من الذكور مثل ما نريد من الإناث ؟

نعم هناك أهداف مشتركة بين الاثنين ، وأهمها: أن يكون كل منهما ولدًا صالحًا يدعو لأبويه، ويصبح امتدادًا لهما بعد وفاتهما، هذا الهدف العظيم يحتاج إلى وسائل لتحقيقه، يحتاج إلى بيئة صالحة يتربى فيها، يحتاج إلى أن يكون اهتمام الأبوين باستقامته على أمر الله أشد من اهتمامهما بمذاكرته وتعليمه، فإذا ما حدثت الأولى كانت الثانية أسهل وأوقع.

بعد هذا الهدف العظيم نأتي لأهداف كل جنس على حدة :

- الهدف المطلوب تحقيقه مع الذكور هوأن يكونوا رجالاً يتحملون المسئولية، ويقدرون على الكسب، وينفعون أمتهم ودينهم.

- أما الإناث فأسمى هدف ينبغي تحقيقه معهن بعد الهدف العام المذكور آنفًا هو أن تكون زوجة صالحة تحسن التبعل لزوجها، وأن تكون أمًا مربية تجيد فن التعامل مع أولادها، والمتأمل لهذه الأهداف يجد أن وسائل تحقيقها ليست صعبة، فتربية الذكور على الرجولة تحتاج من الأبوين أن يوفرا صحبة صالحة للابن، وأن يتم تعويده على تحمل المسئولية بالتدريج، وأن يشجعانه على تعلم رياضة من الرياضات «علموا أولادكم السباحة والرماية وركوب الخيل»، ولكل عصر ما يناسبه من الرياضات بمختلف وسائلها، إذن لابد من وضوح الرؤية لأهداف تربيتنا لأبنائنا ليتسنى لنا وضع الوسائل المناسبة لتحقيق تلك الأهداف، أما أن نتعامل مع الجنسين دون تفرقة بينهما، أو نقدم أى هدف آخر قبل الهدف الأساسي وهو« ولد صالح يدعو له»، فإن هذا من شأنه أن يجعل النتاج مشوهًا كما نرى الآن، فالمرأة تريد أن تكون مثل الرجل في كل شيء، وإن أدى ذلك إلى إهمال دورها الحقيقي مع زوجها وأولادها، والولد يريد التملص من المسئولية.. وهكذا.

التحصين الإيمانى

ـ كيف يمكن للوالدين تحصين الأبناء فكريًا في عصر زاحمتهما في تربية أبنائهما الفضائيات؟

- تأثير الفضائيات على الأبناء خطير، فالصورة المعروضة تمر بسهولة إلى العقل الباطن، مما يرسخ فيه الكثير من التصورات الخاطئة، لينعكس ذلك بدوره على أفكاره واهتماماته وسلوكه، من هنا كان من الضروري الانتباه لخطورة هذه الفضائيات التي أفسدت أكثر مما أصلحت في شخصيات أبنائنا.


نعم، المنع ليس هو الحل الواقعي ، ولكن لابد من تقنين مشاهدتها، وعدم السماح برؤية الفاضح منها و«يفضل تشفيره »، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التحصين الواجب إعطاؤه للأبناء ليس في المقام الأول هو التحصين الفكري، بل التحصين الإيماني، وتكوين الوازع الديني والانضباط الداخلي؛ فالحل هنا هو أن نجعل الولد يخاف ربه، وبالتالي يتحقق لديه الحياء، واستشعار رقابة الله عليه، فلابد من تعظيم قدر الله في نفس الابن لينعكس ذلك على سلوكه وتعاملاته، ومع التحصين الإيماني يأتي بعد ذلك التحصين الفكري من خلال الجلوس مع الأبناء، وهم يشاهدون الفضائيات، والتعليق على الأفكار الخاطئة، وبيان ما فيها، وأيضًا يتم التحصين من خلال انفتاح الأب والأم على أبنائهما، والتصابي لهما، ليكون من السهل على الأولاد عرض ما يتعرضون له في حياتهم على أبويهم، ومعرفة الصواب والخطأ فيه.

ومن وسائل التحصين كذلك توفير البدائل الإعلامية الهادفة التي تبث الفكر الصحيح، وهذه البدائل بفضل الله متوفرة هذه الأيام أكثر من ذي قبل من مجلات، وقنوات، ومواد سمعية ومرئية وألعاب كمبيوتر.

ـ برأيكم.. ما هي أسباب فشل الحوار الأسري داخل البيت؟

- الحوار له أهمية قصوى في التربية، سواء كان بين الزوج وزوجته، أو بين الأبوين وأبنائهما، وعندما يهمل الحوار فإن العلاقات بين أفراد الأسرة تكون علاقات جافة ومتوترة مبهمة؛ لذلك لابد أن نعمل جميعًا على استخدام لغة الحوار في مناقشتنا الأسرية ليتم من خلاله استيعاب جميع الأفراد وانصهارهم في بوتقة واحدة، وشعورهم بالمسئولية المشتركة عن أي قرار يتخذ في البيت.

أما لماذا يفشل الحوار الأسري؟ فلعدة أسباب منها:

- عدم إدراك كل من الزوجين أهمية الحوار وآدابه وضوابطه.

- عدم وجود أرضية مشتركة للتفاهم بين الزوجين، فعندما تصبح اهتمامات كل منهما مختلفة عن الآخر، فإن هذا من شأنه أن يجعل الواحد منهما ينصرف بذهنه عندما يبدأ الآخر في الحديث، ومن ثم لا يجتمعان على رأي واحد مهما طال وقت الحوار.

- التربية الأولى التي ترباها الزوجان في بيوتهما، والتي لم يكن فيها أي مساحة للحوار.

- ضعف الإيمان، وكثرة ارتكاب المعاصي، فهذا من شأنه أن يؤدي إلى تضخم الذات، وهذا يؤدي بدوره إلى الاعتداد بالرأي، وعدم تحمل النقد، وعدم القدرة على الظهور بمظهر الجاهل المحتاج إلى المعرفة.

- انشغال الأب بأعمال كثيرة تنهك قواه وتستنفذ طاقاته، مما يجعله لا يستطيع تحمل الحوار والمناقشات، فيؤدي ذلك إلى استخدام سلطته بإنهائه، واتخاذ قرارات منفردة ديكتاتورية.

ـ هل من نصيحة أخيرة لكل أسرة مسلمة ؟

- أنصح نفسي، وأنصح كل أب وأم بأن يكون اهتمامنا بصلاح أبنائنا واستقامتهم قبل الاهتمام بالتعليم، فالمطلوب مراعاة الأولويات التي سيحاسبنا الله عليها، لذلك علينا أن يكون شعارنا في بيوتنا «احفظ الله يحفظك» بمعنى أن يكون الله (عز وجل) هو محور تفكيرنا واهتمامنا، وأن يكون رضاه هو مطلبنا ومقصدنا، وأن يتحول هذا الشعار إلى واقع عملي في جميع أفعالنا، فنربط كل توفيق ونعمة تحدث لأي فرد في الأسرة بما قام به من طاعة وعمل صالح، ونربط كذلك كل نقص يحدث لأحد الأفراد بما فعله من خطأ قد لا يعلمه إلا الله.

فينبغي أن يتعلم الابن أن الله قبل الوالدين، وأنه قد يستطيع أن يكذب عليهما فيصدقاه، إلا أن الله لا يخفى عليه شيء، ويملك عقابه وحرمانه مما يحب.

إن نحن فعلنا ذلك وربطنا آيات القرآن وأحداث الحياة بهذه المعاني، فسيكون له أعظم الأثر في بناء الشخصية الإسلامية المنضبطة، والتي يمكنها أن تعيش في جو من الفتن الذي نحيا فيه دون أن تتبدل أو تتغير، بل تؤثر فيه تأثيرًا إيجابيًا .

أجرت الحوار أحلام على

Post: #299
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:32 AM
Parent: #201

تاءات السعادة الخمسة
هل الزواج يقتل الحب ؟ يتردد هذا السؤال على ألسنة بعض الأزواج والزوجات بعد مرور سنوات من الزواج، وبعد أن تحولت حياتهم الزوجية إلى علاقة روتينية رتيبة يظللها الملل والكآبة.

هذا الاستطلاع يؤكد أن الزواج يحيى الحب ويروى شجرته، ويطمئن كل عروسين على سعادتهما وحبهما اللذين بوسعهما الحفاظ عليهما مهما مر من سنوات زواجهما كما حافظ عليهما هؤلاء الأزواج والزوجات.

تاءات السعادة

تعلن الحاجة قوت القلوب - 50 سنة زواجًا - فتعلن أن سر سعادتها الزوجية يكمن فى خمس تاءات حافظت عليها منذ زواجها فى علاقتها بزوجها هى: ( التفاهم/ التسامح/ التفاؤل/ التزين/ التجديد ) فتقول: أنا بطبعى متسامحة مع الآخرين وزوجى أولى بالتسامح وأولى بالابتسامة والزينة، خاصة عندما يكون هذا الزوج رجلاً كريمًا محبًا وبحكم عمله كتاجر ترك لى مسئولية تربية الأولاد، فلم أشغله بمشاكلهم بل كنت أظهر لهم حبى لوالدهم، وهو كذلك حتى يعتادوا على هذه المشاعر الحميمة فى أسرتهم وبعد زواجهم، وكذلك فإنى حرصت أن أبدو أمام زوجى عروسة دائمًا حتى إن زوجى مازال يدعو لى بالعمر الطويل، وبأن يسبقنى هو إلى الموت.

ومن جميل طباع زوجى التى جعلتنى أقدره إلى جانب حبى له، أنه لم يقف بينى وبين أهله، رغم أنى أقمت معهم ست سنوات صعبة، تحملت فيها كثيرًا، فإنه كان يطيب خاطرى ويخفف عنى ويهون عليَّ.

وكان يطعمنى أحلى طعام، ولم يكن يأكل طعامًا خارج البيت، إلا ويأتى لى بمثله؛ لذلك فأنا الآن أرد له الجميل فى مرضه ولا آكل إلا معه، وأخدمه بحب فى كبره كما عاملنى بحب وأنا شابة.

الصدق والصراحة

ـ الحاجة أم ياسر أكثر من ثلاثين سنة زواجًا تقول: الصدق والصراحة أهم أسس بناء الأسرة السعيدة من أول يوم فى الزواج، والتوفيق أولاً وأخيرًا من الله تعالى، فأنا أم لولدين وثلاث بنات، أعيش أحلى أيام العمر مع زوجى الحبيب، فهو واسع الأفق، يتفهم، يستوعبنى فى كل حالاتى، مما يسهل عليَّ مصارحته بكل مشكلة فى بدايتها فيساعدنى فى حلها قبل أن تتفاقم، كما أن وجود الأولاد يخلق فرصًا أكبر للاستقرار الأسرى والتضحية، والتنازل من أجل سعادتهم ولو على حساب احتياجات الأب والأم، فالشعور بالمسئولية يولد حرصًا لدى الطرفين على نجاح الزواج، واستمرار العشرة.
وأتصور أن نجاح زواجى من بدايته كان بفضل الله، ثم بنصائح والدتى وتوجيهاتها لى بطاعة زوجى والحرص على بيتى لأنه أصبح مملكتى، وأننى أصبحت ضيفة على أهلى ووالديَّ، وكذلك بحسن صلتى بأهل زوجى، وبرى بهم فهما مفتاح قلب زوجى، وهذه النصائح أوجهها أنا بدورى لأبنائى وبناتى حتى تستمر المودة والرحمة والسكن والعشرة الطيبة بين الزوجين.

النجاح هدف

أما السيدة راوية متولى محمود متزوجة منذ 24 عامًا فتقول: منذ بداية زواجى وضعت نصب عينيّ هدفًا ساميًا، وهو إنجاح هذه الأسرة التى أصبحت مسئولة عنها؛ لذا فإنى لا أطيق المبيت بعيدًا عن زوجى أو بيتى، ثم جاء الأولاد برباط متين عمق علاقتى بزوجى وزاد حبى له؛ لأنه كان سببًا بعد الله تعالى فى إشباع غريزة الأمومة عندى، فضلاً عن أن عقل زوجى الكبير وسعة أفقه جعلاه مرجعًا لى فى كل أمورى، مما يشعرنى بالأمان والطمأنينة حينما ألجأ إليه وألوذ بعقله فى كل صغيرة وكبيرة.

ست البيت

مفرح عباس - مدرس - 39 سنة زواجًا: زوجتى هى سيدة البيت، فهى مازالت أنيستى وحبيبتى، إنها أم أولادى، وسكنى بعد زواج الأولاد، ففيها كل سمات الزوجة الصالحة والحبيبة الرقيقة، لا أذكر يومًا أنها أغضبتنى، أو طلبت منى ماهو فوق طاقتى، كما أنها تعمل ولها دخل خاص تضعه كله فى البيت، وفى تلبية طلبات الأولاد دون أن تجرحنى أو تشعرنى أنها تساعدنى.

والأهم من ذلك كله أنها دائمًا جسر التواصل بينى وبين أهلى، فهى دائمًا تحثنى على بر إخوتى وزيارتهم برغم أنهم فى محافظة أخرى، ولذلك أنا أقدر لها هذا الصنيع، وأرده إليها بالترحيب بأهلها فى كل وقت، ومساعدتها فى رعاية والدها المريض بسماحة ورضا.

وهى كذلك امرأة فاضلة، دائمة الذكر لله وقراءة القرآن، وتحسن معاملة الجيران، إنها كلمة السر فى سعادتى فى هذه الدنيا.

ليس تنازلاً مهينًا

أم عبد الرحمن 12 سنة زواجًا: عندما اخترت زوجى توسمت فيه حسن الخلق، وطيبة القلب، والالتزام الدينى، وكان بالفعل كذلك طوال فترة زواجنا، فهو يتقى الله فيَّ، ويسارع باسترضائى إذا أغضبنى، ويكفى أنه آوانى وأصبح لى سكنًا وملجأ بعد الله تعالى.

لذا فأنا أسعى الآن إلى إرضائه، حتى وإن كان هو المخطئ بعكس بداية الزواج؛ إذ تغيرت المفاهيم، وبالعشرة واستمرار الحياة اقتنعت أن مبادرة الزوجة بإرضاء زوجها ليس تنازلاً يقلل قدرها أو يهين كرامتها، بل يزيدها قربًا من الله ويبارك لها فى كل شئون حياتها.

أما محمد عبد الحميد - موظف فيقول: تعرفت على زوجتى عندما كانت تعمل قريبًا من محل عملى، وكنت أراقبها عن بعد لأتأكد من أخلاقها قبل الارتباط، وهى بعد سنوات من زواجنا والحمد لله عند ظنى بها، فهى إنسانة فطرية وربة بيت منظمة ونظيفة ومهتمة بنفسها وبزينتها داخل البيت، رغم أن تعليمها محدود، لكن التعليم ليس كل شيء، فصفات الإنسان الطيبة تجعله محبوبًا ومتفوقًا على المتعلمين، ومما زاد حبى لها مع مرور الوقت جودها وكرمها، وحسن صلتها بأهلى جميعًا، حتى إن أمى كانت تعاتبنى من أجلها، وتوصينى بها دائمًا؛ لذلك فأنا أنفذ وصية أمى حتى بعد موتها، وما زلت أحب زوجتى وأم أولادى لحب أمى لها.

عامليه بمثل ما تحبين أن يعاملك

د. ج. محرم - طبيبة - 15 سنة زواجًا - تقول: إنها لم تفكر من قبل فى الوقوف أمام هذا السؤال، كيف يستمر الحب بعد الزواج؟ وإذا كان القول بأن وجود القبول قبل الزواج عامل مهم فى استمرار الحب بعد الزواج قد يحبط بعض الزوجات اللاتى لم يمررن بتجربة الزواج بعد حب، فإن هناك عدة ملامح يمكن أن تولد الحب، وتعمق بين الزوجين حتى مع مرور سنوات وسنوات على الزواج أهمها:

- أن يحب المرء لأخيه ما يحب لنفسه، فأنا أعامل زوجى بمثل ما أحب أن يعاملنى، وهذه القاعدة تجعلنى أعدِّل كثيرًا من مواقفى معه، وعندما أستحضر الإخلاص والدفع بالتى هى أحسن، تمر المشاكل بسهولة ولا يهم من المخطئ، ومن يبدأ بالصلح.

- أن أعتبر أن نجاحى فى حياتى الزوجية، وخاصة مع صعوبة طباع زوجى، واختلافه عنى، نوعًا من التحدى ومعيارًا لنجاحى فى المعاملات الاجتماعية مع الآخرين، والقدرة على ضبط نفسى، والتحكم فى مشاعرى وانفعالاتى، وأنا أتصور أن التنازل عن الرأى أحيانًا قد يكون عنصر نجاح فى إدارة الخلافات وتجاوزها، المهم أن أعرف متى أتنازل؟ وإلى أى درجة يكون هذا التنازل، وأن تكون عندى القدرة على توصيل مشاعرى لزوجى، واحترامه ومكانته عندى وإلا فهناك خلل فى شخصيتى أنا وليس فى زوجى.

- من المهم مراعاة الاستمرارية والنفس الطويل فى العطاء حتى وإن كان زوجى لا يبادلنى نفس العطاء، وهنا نعود لقاعدة الإخلاص والتجارة مع الله، وهذه مجاهدة تجيدها المرأة التى لديها إصرار على نجاح أسرتها وعلاقتها بزوجها.

- النظر إلى سلبيات الزوج فى إطارها وحجمها الطبيعى، فأكره فيه هذه الصفة فقط، ولا أكره شخصه نفسه، وأحاول التكيف والتعامل الذكى مع هذه السلبيات إن لم أستطع دفعه إلى الإقلاع عنها؛ لأن الطباع لها بعد تربوى متجذر فى شخصية المرء من الصعب التخلى عنها.

شهر عسل دائم

وتتحدث د. ماجدة هزاع بعد عشرين سنة من الزواج عن علاقتها بزوجها د. عبد الفتاح إدريس وكأنهما مازالا فى شهر العسل، فتقول: مازال الحب ينبض بيننا كأننا عاشقان، وبرغم أن الحياة ليست كلها حبًا، وكلامًا حلوًا، فإن هناك مواقف صعبة يتم التغلب عليها بالمودة والرحمة، وحسن التفاهم.

ولقد تزوجت د. عبد ا لفتاح إديس خلال (40) أربعين يومًا بما فيها الخطبة والعقد والبناء، ومن يومها لم أغضب عند أهلى يومًا؛ لأننى أشعر أن قلب د. عبد الفتاح فى يدى وقلبى، وقلبى معه فلا أستغنى عنه أبدًا، وعندما يسافر أودعه بدموع عينى وقلبى، وبرغم مشاغلى الجامعية فأنا أقوم بكل واجباتى الزوجية بحب وحسن تبعل، وجاء الأولاد فزاد الحب وتوثقت رابطتنا خاصة أننا نعمل فى مجال واحد «أستاذ فقه فى جامعة الأزهر».

وأنا أتعامل مع زوجى بسماحة وبلا تعصب للرأى، أو تمسك بالموقف، وعندما تحدث مشكلة لا نسمح لها أن تتمكن منا بل نناقشها بالحب والتراحم والمعاملة بالحسنى، انطلاقًا من القاعدة النبوية «تبسمك فى وجه أخيك صدقة»، «وخيرهما من يبدأ بالسلام»، هذا فى عموم علاقة المسلمين فما بال الزوج إذا عفا وغفر لزوجته وكذلك الزوجة.

ومن تجربتى أنصح كل فتاة مقبلة على الزواج أن تعالج مشاكلها مع زوجها داخل بيتها، فإذا تفاقمت المشكلة واستعصت على الحل فلا مانع من استشارة العقلاء، وذوى الخبرة والتجربة «فلا خاب من استشار»، فالميثاق الغليظ الذى يربط بين الزوجين يستأهل الحفاظ عليه، بما يرتبه من حقوق للزوجين والأبناء وعشرة بالمعروف تولد الحب وتوثق عراه.

بدأنا اثنين وسنعود اثنين

وتعطى الأستاذة فتحية على - 23 سنة زواجًا - معنى جديدًا للحب بعد الزواج فتقول: لقد تحول حب المشاعر والعواطف الجياشة فى السنوات الأولى من الزواج إلى ذوبان كلينا فى الآخر، فأنا الآن أبحث عما يرضيه ويسعده، وأوثر أولوياته على أولوياتى، فبالإيثار يحلو طعم الحياة، وتصبح أكثر يسرًا، وعندما جاء الأولاد أصبحت العلاقة أكثر توطيدًا وقوة، فتعددت أهدافنا وتشعبت اهتماماتنا وقربتنا دوامة الحياة، ومتاعبها وتبعاتها، وزادت مساحة التفاهم، ووحدة الهدف بيننا حتى إننى أستشعر لذة وطعمًا جميلاً للمشكلات فى ظل وجود الحب؛ لأن الحب يقدم حلولاً سريعة لهذه المشكلات.

ويكفى أننى لا أتخيل وجودى بعيدًا عن بيتى وزوجى وأولادى، بل أشعر بالغربة والوحدة بعيدًا عنهم، والحمد لله فأنا وزوجى متفقان على أننا بدأنا اثنين وسنعود اثنين بعد زواج أبنائنا لنبدأ رحلة حب وحياة جديدة.

حب وعبادة

أما الداعية الإسلامى الشيخ مسعد أنور فيرى أن الحب بعد الزواج يستمر ويزداد إذا قامت الحياة الزوجية من البداية على الدين، وعامل الزوجان بعضهما على قاعدة الدين، وإذا كانت الزوجات وكذلك الأزواج يشتكون من تغير معاملة أزواجهم أو زوجاتهم بعد أعوام من الزواج، وأن الحب لم يعد موجودًا بعد أن حل محله الجفاء والروتين الممل، فهل فتش كل منا فى نفسه؟ وهل فتشت كل منكن فى نفسها لتعرف كيف تكسب قلب وحب زوجها بعد الزواج؟ ويهمس فى أذن كل زوجة بأنها هى مفتاح سعادة بيتها، وحب زوجها، إذا راعت فى علاقتها بزوجها:

- الإخلاص بحيث تتحول كل معاملاتها مع زوجها حتى زينتها له إلى عبادة تؤجر عليها.

- الاستعانة بالله تعالى بأن يثبت قلبيهما ويؤلف بينهما.

- وحسن الاستقبال وطلاقة الوجه والكلمة الطيبة والاعتدال فى مطالب الحياة، وحفظ سره، ونشر حسناته، وستر سيئاته، واحترام مشاعره وتقدير غيرته.
مركز الإعلام العربي

Post: #300
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 03:05 PM
Parent: #201

هذا هو الوقت الذى أقسم به الله (عز وجل) لأهميته، ومكانته فى حياة الأفراد والمجتمعات، ينبغى استغلاله فيما يفيد ويصلح ويعود بالنفع فى العاجل والآجل، وتجنب الأمور المضيعة له، وما أكثرها، والتى يحددها الخبير ويليام بوتر - مؤلف كتاب (199 حالة من حالات تضييع الوقت وكيفية تفاديها) نذكر منها أهم خمس حالات فقط :

1 - النوم: فالشخص الذى يستغرق ثمانى ساعات فى النوم فى كل ليلة إنما يمضى ثلث عمره نائمًا، ويشير الخبير بوتر إلى إمكانية أن يستغرق المرء فى النوم لفترة أقل مع ذلك محتفظًا بنشاط وحيوية، وذلك بممارسة التمارين الرياضية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيًا، فمن شأنها أن تزوده بقدر كبير من الطاقة.

2 - المهام الشخصية: الملاحظ أن معظم الناس يقومون بأداء مهامهم الشخصية فى وقت واحد مثل: شراء احتياجات المنزل، أو التوجه إلى البنوك فى أوقات معينة؛ لذا يوصى بوتر هؤلاء الأفراد باتباع برنامج عملى مختلف حتى لا يضيعون أوقاتهم سدى.

وذلك بشراء الاحتياجات فى وسط النهار بدلاً من المساء أو فى منتصف الشهر بدلاً من أوله، والذهاب للبنوك مبكرًا، أو فى وقت متأخر.

3 - التسوق: يستهلك الذهاب إلى محلات المواد الغذائية يوميًا أو عدة مرات فى الأسبوع قدرًا كبيرًا من الوقت؛ لذا على الأفراد أن يجمعوا كل احتياجاتهم من تلك المواد وشراؤها مرة كل أسبوع أو أسبوعين.

4 - عدم الاستعداد: بعض الأشخاص يتذكر وهو فى طريقه إلى العمل أنه نسى بعض المتعلقات الخاصة به، والتى ربما تجعله يعود إلى المنزل مرة أخرى؛ لذا يوصى بوتر بأهمية أن يحتفظ الشخص بقائمة تحوى الأشياء التى ينبغى تذكرها ووضعها فى مكان بارز حتى يسهل عليه رؤيتها قبل خروجه من المنزل.

5 - مشاهدة التليفزيون: الكثير يضيع وقته فى مشاهدة برامج لا يرغب فيها، ولكنه نوع من تضييع الوقت أو الملل.

لذا يجب أن يسجل الشخص البرامج التى يريد رؤيتها وتوقيتها حتى لا يضطر إلى مشاهدته إلا فى الأوقات التى حددها لنفسه سلفًا.

بهذه الطريقة وقياسًا عليها يستطيع أى إنسان أن يحدد متطلباته وكيفية إنجازها على نحو أمثل، وهذا يتطلب أن يدرك صاحب المهام فن إدارة الوقت، وكيفية استغلاله بحكمة وذكاء ..

مهارات التخلص من لصوص الوقت

والتى يحددها الدكتور كوتى بلادينو - أستاذ الإدارة والمتخصص فى إدارة الذات - منها:

1 - التخطيط: يجب أن ينظر الإنسان إلى قائمة أهدافه الأسبوعية - التى خطط لها مسبقًا - كل يوم، ويراجع أهدافه البعيدة كل أسبوع، بالإضافة لتحديد الأهداف التى يرغب فى تحقيقها اليوم، والتى من شأنها مساعدته فى الوصول إلى الأهداف البعيدة.

2 - التركيز: قد يكون من الصعب فعل أشياء كثيرة فى وقت واحد؛ لذا يجب أن يتخذ الفرد قرارًا حول المشروع الذى يجب أن ينصب عليه اهتمامه الآن، وفى كل مرة يتم إنجاز شيء واحد فقط.

3 - الاسترخاء: قضاء الوقت كله فى العمل دونما فرصة للهو واللعب يؤدى إلى التعاسة، والملل، والضجر، والإجهاد، لذا على الفرد أن يتعلم كيفية الاهتمام بمجرى حياته العملية، والعائلية مع ترك وقت للنفس، إن التوازن هو المفتاح الرئيس للنجاح فى الحياة العملية والتمتع بتقدير الذات.

وخلال أوقات الراحة على المرء ألا يفعل شيئًا سوى الاسترخاء، مع ممارسة بعض التمارين الرياضية من مختلف الأنواع.

4 - تجنب التشوش والارتباك: وذلك بتصنيف الفرد لأعماله أو حاجاته الشخصية، فى ملفات خاصة به مثل:

- ملف للأمور الملحة والتى تحتاج لاهتمام فورى.

- ملف للأمور التى يجرى العمل على إنجازها.

- ملف لأعمال مكتملة.

- ملف للقراءة والمراجعة.

ويقول د. كونى بأن المكتب الفوضوى يشوش الذهن والتفكير؛ لذا يجب عدم ترك المكتب أو المنزل بحالة فوضى.

5 - لا تخف من قول (لا): للفرد الحق فى أن يقول لا دون شعور بالذنب، فالمهام غير المنتجة أو المفيدة هى مضيعة للوقت.

6 - التغلب على التأجيل والمماطلة: فالقضاء على التسويف والمماطلة، سيولد لدى الفرد عادات جديدة؛ لذا يجب أن يبدأ الفرد يومه بأداء الأمور والمهام التى لا يحب فعلها، فهذا يوفر باقى الوقت للأشياء التى يسره فعلها.

نور الهدي-اسلام ويب

Post: #1178
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 03:45 PM
Parent: #100

دلائل النبوة هي ما أكرم الله ـ عز وجل ـ به نبينا محمدا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من خوارق العادات التي يعجز عن فعلها سائر البشر، مما يدل على صدقه ونبوته، قال ابن تيمية: " والآيات والبراهين الدالة على نبوة محمد ـ صلى الله عليه وسلم كثيرة متنوعة، وهي أكثر وأعظم من آيات غيره من الأنبياء، ويسميها من يسميها من النظار ( معجزات )، وتسمى ( دلائل النبوة ) و( أعلام النبوة )، وهذه الألفاظ إذا سميت بها آيات الأنبياء، كانت أدل على المقصود من لفظ المعجزات، ولهذا لم يكن لفظ ( المعجزات) موجودا في الكتاب والسنة، وإنما فيه لفظ ( الآية ) و ( البينة ) و ( البرهان ) " .
وقد نبه ابن حجر على الفرق بين الدلائل والمعجزات في شرحه لباب " علامات النبوة في الإسلام " من صحيح البخاري فقال: " العلامات جمع علامة، وعبَّر بها المصنف لكون ما يورده من ذلك أعم من المعجزة والكرامة، والفرق بينهما أن المعجزة أخص، لأنه يشترط فيها أن يتحدى النبي من يكذبه بأن يقول: إن فعلتُ كذلك أتُصَّدِّق بأني صادق، أو يقول من يتحداه لا أصدقك حتى تفعل كذا، ويشترط أن يكون المُتَحدَّى به مما يعجز عنه البشر في العادة المستمرة، وقد وقع النوعان للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، في عدة مواطن، وسميت المعجزة لعجز من يقع عندهم ذلك عن معارضتها " .
وبهذا يتبين أن دلائل النبوة أعم من المعجزات، والمعجزة أخص، لأنه لا يشترط في الدلائل التحدي .

ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من الدلائل والمعجزات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، وهي كثيرة جدا حتى قال البيهقي: " إنها بلغت ألفا "، وقال ابن تيمية: " وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة ، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات " .
وقال ابن حجر: " وذكر النووي في مقدمة شرح مسلم أنها تزيد على ألف ومائتين " .

ودلائل النبوة تنقسم إلى معنوية وحِسِّية، فالمعنوية كأخلاقه العظيمة، وسيرته الشريفة، وأقواله وأفعاله وشريعته، إلى غير ذلك، قال ابن تيمية: " وسيرة الرسول وأخلاقه وأقواله وأفعاله وشريعته من آياته ".
أما الدلائل الحِسِّية فهي كثيرة أيضا، وأعظمها القرآن الكريم، ومنها: انشقاق القمر، ونبع الماء بين أصابعه، وتكثير الطعام، وخطابه الشجر والحجر والحيوان، وحنين الجذع وشوقه إليه، ورميه بكف من حصى في وجوه الكفار، وإخباره عن الكثير من المغيبات، سواء ما حدث منها قبل بعثته أم بعدها ووقعت كما أخبر بها ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

وكتب دلائل النبوة ـ أو أعلام النبوة، وآيات النبوة، وأمارات النبوة ـ، هي تلك الكتب التي موضوعها الحديث عن المعجزات والدلائل التي تدل على صدق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهذه الدلائل قد أفردها كثير من العلماء بالتأليف، وهي بذلك تعتبر مصدرا هاما لدارس السيرة النبوية .

مصادر الدلائل النبوية :

لكل علم مصادره التي يستقي منها مادته، والسيرة النبوية بما فيها الدلائل والمعجزات لها مصادرها في الأخذ منها والاعتماد عليها، وتتفاوت بحسب قيمتها وصحتها، ويأتي في مقدمتها القرآن الكريم، فهو أوثق هذه المصادر وأصحها .
ثم تأتي كتب الحديث التي اشتملت على عدد وافر من دلائل النبوة، ففي كتاب المناقب من صحيح البخاري باب " علامات النبوة في الإسلام "، وفي كتاب الفضائل من صحيح مسلم باب فضل " نسب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ"، " وتسليم الحجر عليه قبل البعثة " .
كما تضمنت كتب تراجم الصحابة عددا وافرا من دلائل النبوة، كما هو الحال عند ابن سعد في " الطبقات الكبرى "، والبغوي في " معجم الصحابة "، وابن عبد البر في " الاستيعاب "، وابن الأثير في " أُسْد الغابة "، وابن حجر في " الإصابة في تمييز الصحابة ".
ثم كتب السيرة النبوية، خاصة تلك التي أفردها أصحابها للتأليف في دلائل النبوة، والتي اشتملت على جملة وافرة من هذه الدلائل، كما هو الحال عند ابن حزم الظاهري حيث أفرد في كتابه " جوامع السيرة " فصلا خاصا لأعلام النبوة، وكذا القاضي عياض في كتابه " الشفا بتعريف حقوق المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وبالنظر في مؤلفات هذا الصنف من العلم ـ دلائل النبوة ـ يتبين أنه لا يوجد قرن في التاريخ الإسلامي لم يؤلَف ويُكْتَبْ فيه عن الدلائل النبوية، وفي هذا دليل على مدى العناية الكبرى التي أولاها العلماء للسيرة النبوية عامة، ولهذا الجانب خاصة .

ويجب التنبيه على أن الكتب التي اختصت بدلائل النبوة شأنها شأن الكتب الأخرى قد اشتملت على الصحيح والضعيف والموضوع، فكان لزاماً على من أراد الاستفادة منها أن يكون على علم بذلك، فلا يعتمد إلا الصحيح منه، لأن الضعيف والموضوع فيه كذب على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد قال ابن تيمية: " الاستدلال بما لا تُعْلم صحته لا يجوز بالاتفاق، فإنه قول بلا علم، وهو حرام بالكتاب والسنة " .
وفي المقابل على المسلمين أن لا يتنصلوا من ذكر الدلائل والمعجزات التي أكرم الله بها نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما دامت ثابتة بالقرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة، فلا يمكن لِمُنصف تجاهلها وقد شهدها الصحابة بأعينهم، ورووها لمن بعدهم، والتي كان لها الأثر البالغ في نفوسهم ونفوسنا، مِنْ معرفة عِظم وعلو قدر ومنزلة نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، مما يزيد من إيماننا به، وحبنا وطاعتنا له ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
اسلام ويب

Post: #285
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 01:49 AM
Parent: #1

يعتبر صلاح البيوت صلاحًا للأمة، وصلاح الأمة هو السبب الأعظم لعزتها وكرامتها، ولا تصلح أمة إلا بصلاح البيوت، ولا تصلح البيوت إلا بصلاح الزوجين واستقامتهما على أمر الله تعالى.

وفي البيت الإسلامي يتخرج رجالات الأمة ونساؤها وعظماؤها، ذلك أن رابطة الزوجية من أعظم الروابط، فمتى سارت هذه الرابطة على أساس من البر والتقوى والمحبة والرحمة عظم شأن الأمة، وهيب جنابها، ومتى أهملت هذه الحقوق تفصمت تلك الرابطة، فشقيت البيوت وحل بالأمة التفكك والدمار، والذي يتأمل في حياة الناس يرى خللاً كبيرًا وتفريطًا كثيرًا في شأن تلك الرابطة ، مما يفقد الحياة الزوجية سعادتها وأنسها والخلل الحاصل من الأزواج في الجانب كبير نذكر بعضًا من هذه الأخطاء راجين أن يكون في ذكرها تنبيه لبعضنا عن تكرار الخطأ في حياته المستقبلية.

أولاً: الشك في الزوجة وسوء الظن بها:

فمن الأزواج من هو ذو طبيعة قلقة، ونفس متوترة، فتراه يغلب جانب الشك، ويجنح كثيرًا إلى سوء الظن، ويفسر الأمور على أسوأ الاحتمالات، فقد يسيء الظن بالزوجة في أمانتها المالية، فربما اتهمها بأنها تسرق من ماله وقد يتمادى سوء الظن ببعضهما إلى عرض زوجته فيتهمها في حشمتها من خلال تصرفات يراها عليها ، وتجد بعض الأزواج يكثر الاتصال بالمنزل كلما خرج منه، وإذا كان الهاتف مشغولاً وقع في الشك والريبة، وبعضهم يخرج من عمله بين الفينة والأخرى، وفي أوقات غير متوقعة ليراقب منزله.

وكل هذا من غير برهان وبينة، وإنما هو تسويل لبعض النفوس الجاهلة، فكم وقع من قتل وطلاق وأذى بسبب سوء ظن لا يثبت له قدم بعد التثبت والتحقيق.

ولا يعني حسن الظن بالزوجة قلة الغيرة، وإلقاء الحبل على الغارب، وإنما المطلوب الاعتدال في الغيرة، فلا يتغافل عما تخشى عواقبه، ولا يبالغ في إساءة الظن، وبالجملة فالتحسس والمبالغة في الغيرة أمر لا يقره دين ولا عقل.

ولهذا عقد الإمام البخاري في صحيحه بابًا قال فيه: لا يطرق أهله ليلاً إذا أطال الغيبة مخافة أن يخونهم أو يلتمس عثراتهم، ثم ساق حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلاً".

ثانيًا: الاستهانة بالزوجة:

فمن الأزواج من يستهين كثيرًا بزوجته فلا يراها إلا هملاً مضاعًا، فلا يعتد بكلامها ولا يستشيرها في أي شيء من أمره، ولا يأخذ برأيها، وربما احتج على هذه الأفعال بأن القوامة للرجل، وبأن المرأة ناقصة عقل ودين!

ومن صور الاستهانة بالزوجة أن يحقرها أمام أبنائها ويصفها بسوء التدبير، وأن يذم أهلها أمامها، وهذا المسلك خطأ كبير، فالمرأة إنسان مكرّم لها عقل ورأي.

ثالثًا: التخلي عن القوامة:

كما أن هناك من لا يعتد بالمرأة، فيهضم حقها ولا ينظر إليها إلا بازدراء، فهناك من تخلى عن قوامته، وأسلم قيادته لزوجته، فقولها هو القول ورأيها هو الفصل والذي يدفعها لذلك دافع الغرور بالمال أو الجمال أو المستوى التعليمي.

وإذا اجتمع إلى ذلك ضعف الزوج واهتزاز شخصيته، فقد وافق شن طبقة، لذلك تخرج متى شاءت، وتلبس ما شاءت، ولو كان لباس شهرة أو تبرج أو تشبُّه بالكافرات.

وما عجب أن النساء ترجّلت ولكن تأنيث الرجال عجيب

رابعًا: قلة الحرص على تعليم الزوجة أمر دينها:

فهذا من مظاهر التقصير في حق الزوجة، وقد يكون الرجل ذا صلاح وتقى وعلم ودعوة، ومع ذلك لا يحرص على إيصال ذلك الخير لزوجته وأهل بيته، ولذلك من الواجب للزوجة على زوجها أن يعلمها أمور دينها، ويرسخ في قلبها حب الله، وخوفه ورجاءه، ومراقبته، والتوكل عليه.
الشيخ محمد إبراهيم الحمد

Post: #287
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:03 AM
Parent: #285

التلفاز والحاسب والإنترنت والألعاب الإلكترونية (بلاي ستيشن، جيم بوي، بي إس بي .. وغيرها) من أكبر التحديات التي تواجه الأسرة المسلمة في تربية أبنائها في وقتنا الحاضر.. وكثير من الأسر تحتار في الموقف الذي تتخذه تجاه هذه المستجدات، فإما أن تمنعها وتحارب وجودها في البيت، أو أنها تنساق وراء كل جديد وتترك الطفل يتعامل معها دون قيد أو شرط، وكلا الموقفين مجانب للصواب؛ لأننا في الحالة الأولى لا يمكن أن نحرم أبناءنا أن يعيشوا زمانهم، وأن يكونوا أبناء عصرهم، لأننا سنواجه ضغوطًا كثيرة منهم وممن حولنا، وفي النهاية سنرضخ للواقع. وهذا ما يحدث لكثير من الأسر التي منعت في البداية لكنها عادت ورضخت للضغوط.. أما الحالة الثانية فخطرها أعظم؛ لأنها تركت الباب مفتوحًا لخطر جسيم يمكن أن يداهمها، ويؤثر على قيمها ومبادئها.

وكما يقال: خير الأمور الوسط، والتجربة أثبتت أن سياسة المنع لا تنجح أبدًا؛ لأنها لا تنتج أبناء أقوياء يثقون بأنفسهم ويتشبثون بقيمهم؛ لأنه متى مازال المنع فإنهم ينساقون وراءها، بل يكون أثرها عليهم أشد وأبلغ، وبالمقابل فإن خطر تركها دون رقيب وحسيب يؤدي إلى آثار سلبية كثيرة يطول الحديث عنها، من أهمها: الآثار الصحية (السمنة، العصبية، عدم التركيز، ضعف النظر ...إلخ)، والآثار النفسية (الانسحاب والعزلة، وعدم التفاعل مع الأسرة والمجتمع، والكسل، والعنف...)، والآثار الأخلاقية (تبنّي قيم سلبية، الانسياق وراء العلاقات المحرمة من حب وصداقة..)

ضوابط الاستخدام

ومن المهم أن نتذكر – قبل أن نتخذ أي سياسة أسرية حيال هذا الموضوع – أن التلفاز والحاسب والإنترنت والألعاب الإلكترونية وغيرها ما هي إلا أدوات وكيفية استخدامها هو الذي يحدد حكمنا عليها بالفائدة أو الضرر، وبالمنع أو السماح.

ومن المهم أيضًا أن تتعامل الأسرة مع هذا التحدي كما تتعامل مع أي مشكلة تربوية أخرى، وذلك بأن تقدر حاجة الطفل إلى الضبط، فالطفل يحتاج أن يضبط سلوكه في التعامل مع هذه المستجدات، وعملية الضبط تحتاج إلى عدة شروط لكي تكون فعالة وهي:

(1) ضرورة وضوح الضوابط التي تحكم استخدام هذه المستجدات، أي أن نتحدث مع أطفالنا قبل شراء الجهاز عن الضوابط التي يجب أن يسيروا عليها ليُسمح لهم باستخدامه.

(2) نشترك مع أطفالنا في وضع هذه الضوابط، ونحاور، ونقنع، ونعلل، والطفل يستجيب أكثر إذا فهم وشعر بمشاركته في القرار.

(3) ضوابط الاستخدام يجب أن تشمل الوقت (عدد ساعات الاستخدام، متى يمكن استخدام الجهاز، هل يسمح باستخدامه أثناء الأسبوع أو في نهاية الأسبوع، قبل أداء الواجبات أو بعد ...)، وتشمل أيضًا المحتوى، أي المضمون في اللعبة أو البرنامج أو الموقع.. ويجب ألا نتهاون في صرف أطفالنا عن ألعاب العنف، أو تلك التي تحتوي على ما يخالف قيمنا ومعتقداتنا، وإقناعهم بذلك.

(4) ضرورة الثبات والاستمرارية في تطبيق الضوابط التي تم الاتفاق عليها مع الأطفال.. والتذبذب يؤدي إلى عدم إحساس الطفل بالأمن، وانعدام ثقته بوالده؛ لأنه لا يعرف ما الذي يريده.

(5) لابد من الحزم عند عدم الالتزام بتطبيق الضوابط، واتخاذ إجراء يمنع تكراره مستقبلاً، كالمنع من اللعب مدة يوم، وغير ذلك، وبالمقابل التشجيع عند الانضباط.

(6) لابد من التدرج والمرونة، خاصة إذا كان الأمر في السابق متروكًا دون ضوابط.

(7) لابد من استخدام المراقبة والمتابعة عن بعد، ودون أن يشعر الطفل بذلك؛ خاصة استخدام الإنترنت.



يتفق كثير من الآباء والأمهات على ضرورة التقليل من جلوس أطفالهم أمام التلفاز أو الفيديو، أو استخدام الأجهزة الإلكترونية المختلفة، ولكنهم يتساءلون عن كيفية تحقيق ذلك. وقد أشرنا إلى أهم الضوابط التي ينبغي للأسرة أن تراعيها عند السماح بدخول مثل هذه المستجدات إلى البيت، ولكن لابد من التنبيه إلى أننا لا يمكن أن نقلل ساعات مشاهدة التلفاز إذا كان مفتوحًا طوال الوقت، أو إذا كان موجودًا في غرف النوم! ولا يمكننا التحكم باستخدام جهاز الحاسب أو الإنترنت وهو موجود في غرفة النوم! لابد أن نضع هذه الأجهزة في مكان عام في البيت (صالة البيت، المكتبة، غرفة اللعب..) أي في مكان تصعب فيه خلوة الطفل مع الجهاز.

بدائل تقلل التعلق بالإلكترونيات :



ثم لابد أن نفكر ببدائل مغرية نقدمها لأطفالنا عوضًا عن الوقت الذي يقضى مع تلك الأجهزة، ويجب أن نشاركهم في قضاء أوقات أكثر معهم مهما كانت مشاغلنا، وفيما يأتي بعض الأفكار التي يمكن أن تساعد الوالدين لتقديم بدائل ممتعة ومفيدة لأطفالهم.

1- اكتشف هوايات طفلك وطورها: ابحث عن ميول طفلك وشجعها، وكل طفل لديه اهتمام في جانب معين، طور هذه الاهتمام ليصبح هواية، وابحث عن دورات أو كتب أو معلمين، ولا تبخل بشراء الأدوات التي تعزز هذه الهواية.

2- قراءة في سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم: اشتر كتابًا في السيرة النبوية، واقرأ فيه مع أطفالك، وخصص لذلك وقتًا حسب قدرتك، وبعد الانتهاء من سيرة الرسول يمكن القراءة في سير الصحابة والملوك وعظماء التاريخ.

3- في المطبخ: عوّدي طفلتك على دخول المطبخ والاستمتاع بإعداد الوجبات الخفيفة.. ويمكنك شراء كتاب طبخ خاص بالأطفال.

4- جهز منطقة للعمل: حدد مكانًا في أي ركن في المنزل ليكون منطقة عمل لأطفالك.. ضع فيه طاولة صغيرة وكراسي، وسلة للمهملات، وألوان، ومقص، وصمغ، وأوراقًا ملونة.. جدد في الخامات التي يمكن أن يبتكر منها طفلك.. علب الكرتون الفارغة، لفات مناديل ورق الحمام، علب البلاستيك، كرتون البيض، مجلات قديمة، سيقضي طفلك فيها أطول الأوقات وأمتعها.

5- مجلة أو صحيفة أسرية: يعد الطفل مجلة شهرية أو أسبوعية للأسرة تحتوي على أخبار الأسرة وقصص ومنوعات، ويمكن توزيعها على نطاق الأسرة الكبيرة (الجد والأعمام والأخوال)، وإذاعة متنقلة، وفر لطفلك جهاز تسجيل مع سماعة، ليجري مقابلات مع أفراد الأسرة أو يسجل أناشيد أو يتلو القرآن.

6- معرض للرسوم: لتشجيع طفلك على الرسم، يمكن أن تحدد موعدًا لإقامة معرض لرسوم أطفال العائلة أو الجيران.. خصص جوائز واعرض أعمال المشتركين واجعله حدثًا أسريًا.

7- حوض رمل للصغار: املأ حوضًا كبيرًا بالرمل في فناء المنزل، وضع فيه ألعابًا بلاستيكية واترك الأطفال يقضون وقتًا ممتعًا.

8- الرياضة: شجع أطفالك على ممارسة الرياضة، ويمكنك ممارستها معهم.. امش، العب كرة السلة أو الطائرة.

9- تعرف على معالم المدينة: خصص يومًا في الشهر أو الأسبوع لزيارة مَعْلم من معالم المدينة التي تسكنها: متحف، سوق قديم، حديقة، مكتبة.. وخطط للرحلة.

10- يوم للصدقة: خصص يومًا لأطفالك في الشهر أو الفصل للتخلص من الزائد من الملابس والألعاب.. واجمعها للصدقة، واجعل طفلك يشارك في الجمع والترتيب.

11- عَوّد طفلك استخدام الموسوعات والمعاجم: إذا مرت على الطفل أي لفظة غريبة أو سألك عن معلومة.. لا تقدم له كل شيء، شجعه على البحث عنها وشاركه ذلك.

12- عوّد طفلك على كتابة مذكراته: يكتب الطفل في دفتر صغير أهم ما حدث له في يومه، ويدون التاريخ والشهر والسنة، ويمكن أن يزينه برسوم، ويساعد هذا على أن يتعود الطفل التفكير في يومه، وتحديد مشاعره، والتنفيس عنها بطريقة إيجابية.

ستجد أفكارًا كثيرة يمكن تنفيذها مع أطفالك، وتقضي أجمل الأوقات معهم، أوقات تحفر في ذاكرتكم جميعا

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مجلة الأسرة ( العدد 152 ـ 153 )

Post: #288
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:06 AM
Parent: #287

تلقيت ذات يوم اتصالاً من إحدى الفتيات تسأل: هل هذا الرجل مناسب لأن يكون زوجًا لي؟ هذا بعد أن ذكرت معلومات قليلة عن شاب تقدم لخطبتها، وعلى الرغم من أني لا أعرف الفتاة ولا الشاب لكني لمست القلق العميق الذي تعيشه هذه الفتاة!

والحقيقة أنه في لحطة من اللحظات يصبح هذا السؤال مصيريًا يشغل بال أي فتاة تقدم لخطبتها شاب.

وعلى الرغم من أن اندفاعنا الفوري لتقييم الوضع المادي لزوج المستقبل وما تعد به وظيفته من رفاهية ومكانة اجتماعية، وبالتالي يأتي القرار بالقبول أو الرفض، لكنه لا شك مؤشر خادع وكثيرًا ما جلب لفتياتنا التعاسة والشقاء.

أثارت هذه الفتاة تفكيري فبدأت أبحث عن مؤشرات قد تساعد الفتيات على اتخاذ هذا القرار الخطير.. سأحاول أن أذكر بعضها هنا، ولابد أن أذكر أن هذه مؤشرات عامة ويبقى لكل حالة خصوصيتها.

أولاً: اسألي عنه في المسجد القريب من بيته: الشاب المحافظ على الصلاة أقدر على الحفاظ على بيته ولن يخذله الله.

لقد أثبت المتدينون – وبكل فخر – أنهم أكثر إخلاصًا وتفانيًا في إنجاح حياتهم الزوجية والحفاظ عليها وحمايتها لأنهم ينظرون إلى الزواج على أنه تعبير آخر عن التزامهم وتدينهم.

ثانيًا: اسألي عن عدد أصدقائه ومدة علاقته بهم: عدد الأصدقاء يعطي دلالة على طبيعة الشخصية، فالشاب الذي يمتلك علاقة وثيقة بشخص أو اثنين فقط يوصف بأنه ذو شخصية انطوائية.

وهذا له تأثيره السلبي على العلاقة مستقبلاً بالزوجة، والشاب قليل الارتباطات سوف يلقي بعبء عاطفي ونفسي كبير على زوجته في المستقبل، وكثيرًا ما تعتقد الفتيات خطأ أن بقاء الرجل في البيت بشكل متواصل من حسناته أو أنه حسنة في الزواج، وهذا غير صحيح.

كما أن الشاب الذي لديه ارتباطات كثيرة غالبًا ما يكون على حساب حياته الزوجية. الشاب الذي يحافظ على صداقاته لفترة طويلة أدعى لأن يحافظ على بيت الزوجية، بينما الشاب الذي يُعرف عنه أنه يتنقل في علاقاته من شخص إلى آخر كل بضعة أشهر يوحي بعلامة سلبية وقد تكون خطيرة.

ثالثًا: كيف يعامل أخواته البنات؟: هذا مؤشر مهم ، فاحترام الشاب لرغبات وحاجيات أخواته ومساعدتهنَّ وخدمتهنَّ بشكل أو بآخر مؤشر قوي على موقفه المستقبلي من زوجته.

رابعًا: الخادم أو العامل الذي يعمل لديه أو من يجلب له الشاي في العمل ويقضي له أغراضه الصغيرة سيعطيك معلومات مهمة، فالكريم من الناس يقدر صغير الشأن كما يقدر كبيره، فيبتسم في وجهه ويحيّيه كل صباح ويكرمه في الأجر الذي يعطيه ، ومثل هؤلاء أدعى لأن يكرموا زوجاتهم ويحسنوا معاملتهنَّ.

أما سيّئ الطباع فلا يقدر إلا من يرجو منه مصلحة معينة، بل ويحتقر غيره وهذه علامة خطيرة.

خامسًا: الغضب: فالشاب الذي لا يملك السيطرة على غضبه شاب ضعيف مهما عظم جسده وعلا صوته، وللغضب عواقب وخيمة على الحياة الزوجية، فكم هدم من بيوت وحوَّل حياة أقوام إلى حطام وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حين قال: "ليس الشديد بالصرعة ولكن الشديد من يملك نفسه عن الغضب".

سادسًا: الاهتمام بعمله وإتقانه: فهذا مؤشر على جدية الرجل والتزامه، وهذا يشمل كل أشكال الأعمال، فالبائع المهتم والمتقن أكثر التزامًا في حياته الزوجية – في معظم الأحيان – من أستاذ الجامعة المستهتر الفاشل.

صحيح أن السؤال عن الشاب بشكل مباشر من أكثر من مصدر أمر مهم؛ لكنه قد يعطي معلومات مضللة أحيانًا، خاصة لو سُئل عنه أصدقاؤه والمقربون منه، ولذا أحببت أن أذكر هذه المؤشرات العملية.

وأختم بأن أذكِّر بالالتجاء إلى الله عز وجل والطلب منه أن ييسر الزوج الصالح قبل أن يأتي، واستخارته سبحانه فيمن تقدم.

ألبسكم الله ثوب السعادة ودامت حياتكم كلها أفراحًا.
مجلة الأسرة عدد 153

Post: #289
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-14-2015, 10:08 AM
Parent: #288

حبيبة أمها المعززة المكرمة التى لا تقوم من الشمس إلى الظل.. هل يمكن أن تكون زوجة ناجحة تتحمل مسئولية زوج وأسرة؟

سؤال لكل أم لم تهتم بتعليم ابنتها أساسيات المهارات المنزلية بشكل تدريجى ومنهجى، فكان زواج البنت صدمة ونقلة لها من الدار إلى النار، حيث وجدت نفسها مسئولة عن زوج وبيت، وهى لم تتدرب فى بيت أسرتها على المهام المنزلية، ولم تدخل المطبخ، ولم ترتب فراشها أو دولاب ملابسها يومًا ما.

لا تضعى ابنتك فى هذا الموقف.. وأعديها لتكون «ربة بيت» ماهرة، خاصة فى الطهى الذى يصعب إتقانه بعد الزواج، وإذا أتقنته العروس، فلن يحدث ذلك إلا بعد مرات عديدة من الخلاف بينها وبين زوجها.. بسبب هذه المشكلة، وانتقادات لطهيها وصورة سلبية عنها لدى زوجها.. صورة من الصعب تغييرها، والأولى ألا يكون هناك فرصة لتكوينها لدى الزوج بإعداد الفتاة لمسئوليات الزواج بشكل مخطط فى بيت أسرتها.

أساسيات هذا الإعداد تقترحها عليك د. سهام عبد العال من خلال خبرتها كزوجة وأم، فتقول:

إن المرأة مُعدة بالفطرة النفسية وبالتكوين الفسيولوجى لجسدها لرسالة الزوجية والأمومة، ويبدأ الإعداد للمرأة من سن مبكرة بتدريج غير محسوس حتى يتسنى استيعاب منهج الأعمال المنزلية خطوة خطوة، من خلال عدة مراحل هى:

1 - مرحلة التدريب فى بيت الأهل قبل الزواج:

وأنصح الأمهات أن يبدأن هذا المنهج منهج «التدبير المنزلى» مع بناتهن من سن الثانية عشرة؛ لأنه سن الاكتساب، وكلما تأخرن فى البدء، كلما كان الاكتساب أبطأ، وربما فى السن الأكبر لن يلقى هذا النوع من المناهج اهتمامًا منها، خاصة مع كبر حجم هذه الاهتمامات، فلقد انصرفت بأنوثتها وجمالها وملابسها عن أى شيء آخر، ويبدأ منهج التدريب فى إجازة الصيف التى تمتد إلى ثلاثة أشهر، وتبدأ فى المرحلة الإعدادية، ففى إجازة الصف الأول يكفى أن تخرج بخبرة فى إعداد السلطة وتحضير الإفطار والعشاء، ومساعدة الأم فى تجهيز السفرة.

وفى صيف الصف الثانى الإعدادى يمكن تعليم الابنة تجهيز المواد الأولية للطهى، مثل: فرم البصل، وتقشير الثوم، وعصر الطماطم، وطهى الأرز الأبيض وسلق اللحوم والفراخ.

أما فى صيف الصف الثالث فيكفى تعليمها طهى الخضار السوتيه، أو الخضار المسبك، مع ممارسة ما تعلمته فى السنوات الماضية، وهكذا تخرج من هذه المرحلة قادرة على أن تحضر غذاء كاملاً من أرز، خضار، ولحم، وسلطة.

وفي الصف الأول الثانوى نجد أن الفتاة أصبحت أكثر استعدادًا للتقبل، فنضيف إلى المنهج الأعمال التى كنا نخشى قيامها بها، نظرًا لصغر سنها مثل: المكرونة، وتحمير الشعرية؛ لأن بعض الأمهات يرين أنه من الحكمة عدم اشتغالها فى بقية مرحلة الثانوى لتتفرغ لشهادة الثانوية العامة، ويكفيها ما اكتسبت فى السنوات الماضية.

ثم تستأنف تزويدها بالمزيد فى الإجازة الصيفية أثناء التعليم الجامعى، وفى هذه المرحلة نكمل معها كل ما ينقصها من أصول الطهى بجانب إدارتها للمنزل يومًا واحد كل أسبوع من الصباح حتى المساء من الألف للياء، وتزيد الأيام تدريجيًا فى الأسبوع حتى تتمرس الفتاة على إدارة المنزل.

للفتاة التى لم تحظ بهذا المنهج المتدرج فى بيت أهلها، لابد لها من منهج تدريبى مكثف متواصل حتى تتواصل فى الخبرة مع قريباتها من الفتيات؛ لأن الزوجة لو دخلت بيت زوجها بلا خبرة وعاجزة عن إدارة منزلها تركت انطباعًا بالفشل فى نفسه لا يذهب عنه مهما اكتسبت من خبرات، فالانطباعات الأولى تدوم.

2 - مرحلة التمرس فى سنة أولى زواج: من تدربت فى بيت الأهل لا تجد مشقة فى إدارة منزلها وتحمل مسئوليتها الشخصية، ولا يزيد عليها فى هذه المرحلة إلا التمرس على مسئولية الزوج.

3 - مرحلة التمرس على مسئوليتها وبيتها وزوجها والوليد، وهنا نرى التدرج الرحيم بالفتاة وطول الممارسة أكسباها يسرًا فى الأداء، وكفاءة عالية أثمرتا عن سعادة الأسرة بأسرها.

عن مركز الإعلام العربي


Post: #301
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:17 PM
Parent: #289

أشد العقارب خطورة..عقارب الساعة
هذا هو الوقت الذى أقسم به الله (عز وجل) لأهميته، ومكانته فى حياة الأفراد والمجتمعات، ينبغى استغلاله فيما يفيد ويصلح ويعود بالنفع فى العاجل والآجل، وتجنب الأمور المضيعة له، وما أكثرها، والتى يحددها الخبير ويليام بوتر - مؤلف كتاب (199 حالة من حالات تضييع الوقت وكيفية تفاديها) نذكر منها أهم خمس حالات فقط :

1 - النوم: فالشخص الذى يستغرق ثمانى ساعات فى النوم فى كل ليلة إنما يمضى ثلث عمره نائمًا، ويشير الخبير بوتر إلى إمكانية أن يستغرق المرء فى النوم لفترة أقل مع ذلك محتفظًا بنشاط وحيوية، وذلك بممارسة التمارين الرياضية بمعدل ثلاث مرات أسبوعيًا، فمن شأنها أن تزوده بقدر كبير من الطاقة.

2 - المهام الشخصية: الملاحظ أن معظم الناس يقومون بأداء مهامهم الشخصية فى وقت واحد مثل: شراء احتياجات المنزل، أو التوجه إلى البنوك فى أوقات معينة؛ لذا يوصى بوتر هؤلاء الأفراد باتباع برنامج عملى مختلف حتى لا يضيعون أوقاتهم سدى.

وذلك بشراء الاحتياجات فى وسط النهار بدلاً من المساء أو فى منتصف الشهر بدلاً من أوله، والذهاب للبنوك مبكرًا، أو فى وقت متأخر.

3 - التسوق: يستهلك الذهاب إلى محلات المواد الغذائية يوميًا أو عدة مرات فى الأسبوع قدرًا كبيرًا من الوقت؛ لذا على الأفراد أن يجمعوا كل احتياجاتهم من تلك المواد وشراؤها مرة كل أسبوع أو أسبوعين.

4 - عدم الاستعداد: بعض الأشخاص يتذكر وهو فى طريقه إلى العمل أنه نسى بعض المتعلقات الخاصة به، والتى ربما تجعله يعود إلى المنزل مرة أخرى؛ لذا يوصى بوتر بأهمية أن يحتفظ الشخص بقائمة تحوى الأشياء التى ينبغى تذكرها ووضعها فى مكان بارز حتى يسهل عليه رؤيتها قبل خروجه من المنزل.

5 - مشاهدة التليفزيون: الكثير يضيع وقته فى مشاهدة برامج لا يرغب فيها، ولكنه نوع من تضييع الوقت أو الملل.

لذا يجب أن يسجل الشخص البرامج التى يريد رؤيتها وتوقيتها حتى لا يضطر إلى مشاهدته إلا فى الأوقات التى حددها لنفسه سلفًا.

بهذه الطريقة وقياسًا عليها يستطيع أى إنسان أن يحدد متطلباته وكيفية إنجازها على نحو أمثل، وهذا يتطلب أن يدرك صاحب المهام فن إدارة الوقت، وكيفية استغلاله بحكمة وذكاء ..

مهارات التخلص من لصوص الوقت

والتى يحددها الدكتور كوتى بلادينو - أستاذ الإدارة والمتخصص فى إدارة الذات - منها:

1 - التخطيط: يجب أن ينظر الإنسان إلى قائمة أهدافه الأسبوعية - التى خطط لها مسبقًا - كل يوم، ويراجع أهدافه البعيدة كل أسبوع، بالإضافة لتحديد الأهداف التى يرغب فى تحقيقها اليوم، والتى من شأنها مساعدته فى الوصول إلى الأهداف البعيدة.

2 - التركيز: قد يكون من الصعب فعل أشياء كثيرة فى وقت واحد؛ لذا يجب أن يتخذ الفرد قرارًا حول المشروع الذى يجب أن ينصب عليه اهتمامه الآن، وفى كل مرة يتم إنجاز شيء واحد فقط.

3 - الاسترخاء: قضاء الوقت كله فى العمل دونما فرصة للهو واللعب يؤدى إلى التعاسة، والملل، والضجر، والإجهاد، لذا على الفرد أن يتعلم كيفية الاهتمام بمجرى حياته العملية، والعائلية مع ترك وقت للنفس، إن التوازن هو المفتاح الرئيس للنجاح فى الحياة العملية والتمتع بتقدير الذات.

وخلال أوقات الراحة على المرء ألا يفعل شيئًا سوى الاسترخاء، مع ممارسة بعض التمارين الرياضية من مختلف الأنواع.

4 - تجنب التشوش والارتباك: وذلك بتصنيف الفرد لأعماله أو حاجاته الشخصية، فى ملفات خاصة به مثل:

- ملف للأمور الملحة والتى تحتاج لاهتمام فورى.

- ملف للأمور التى يجرى العمل على إنجازها.

- ملف لأعمال مكتملة.

- ملف للقراءة والمراجعة.

ويقول د. كونى بأن المكتب الفوضوى يشوش الذهن والتفكير؛ لذا يجب عدم ترك المكتب أو المنزل بحالة فوضى.

5 - لا تخف من قول (لا): للفرد الحق فى أن يقول لا دون شعور بالذنب، فالمهام غير المنتجة أو المفيدة هى مضيعة للوقت.

6 - التغلب على التأجيل والمماطلة: فالقضاء على التسويف والمماطلة، سيولد لدى الفرد عادات جديدة؛ لذا يجب أن يبدأ الفرد يومه بأداء الأمور والمهام التى لا يحب فعلها، فهذا يوفر باقى الوقت للأشياء التى يسره فعلها.

نور الهدى سعد-إسلام ويب

Post: #302
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:18 PM
Parent: #301

الشعور بالخوف أمر طبيعي يرافق مراحل النمو المختلفة والتطور الحركي عند الأطفال، فكل مرحلة من مراحل النمو يواكبها خبرات واكتشافات جديدة للطفل، وغالبًا ما يظهر الخوف عندما يخطو الطفل خطوات كبيرة في مرحلة النمو، ويتساءل العديد من الأهل عن كيفية التعامل مع خوف الأطفال، وللإجابة سنحاول إلقاء الضوء على بعض أنواع الخوف التي تنتاب الأطفال في مراحل العمر المختلفة وسبل التعامل معها.

أولاً:الطفل من الولادة وحتى 15 شهرًا يخاف غالبًا من الأصوات العالية.

ثانيًا: الطفل من عمر 10 شهور إلى 3 سنوات يختلف خوفه في هذا العمر، فهو أكثر وعيًا من الطفل الأصغر سنًا ، و من الأمور التي يخاف منها الأطفال الظلام

وينصح الأهل بعمل الآتي:

(1) عدم الاستهتار والتهكم من خوف الطفل فما يشعر به الطفل هو خوف حقيقي، فعلى سبيل المثال قد يتخيل الطفل أن هناك وحشًا كبيرًا مختبئًا تحت سرير غرفة النوم المظلمة، وهنا يجب على الأهل طمأنة الطفل بعناقه وتهدئته ثم أخذه إلى الغرفة وإضاءة النور، ومن ثم بالتدريج حتى يرى أنه لا وجود لأي وحش تحت السرير.

(2) محاولة تخفيف خوف الطفل من الحيوانات، باختيار وقت ملائم وأخذه لرؤية قطة مثلاً وبالتدريج جعل الطفل يلمس القطة مع الانتباه إلى عدم الإصرار على ذلك في حال رفض الطفل.

ثالثًا: الطفل في سن ما قبل المدرسة من 3 إلى 5 سنوات:

في هذه المرحلة يشتكي بعض الأطفال من الاستيقاظ ليلاً خائفين، أو الخوف من الذهاب للنوم بمفردهم ومن الظلام، وغالبًا ما يكون هناك سبب حقيقي مهم وراء شعور الطفل بالخوف، فقد يكون الطفل حزينًا لموت قريب أو خائفًا من الذهاب إلى المدرسة فينبغي أن يعطى الفرصة للتعبير والكلام عما يشعر به، وإذا كان السبب رؤيته لحلم مزعج فيستيقظ الطفل ليلاً ؛ فمن المفيد التحدث إليه عن أشياء يحبها مع توفير إضاءة خفيفة في غرفة نومه ..

وهنا أحب أن أذكِّر الأهل بمراقبة ما يشاهده أطفالهم من أفلام الرسوم المتحركة والتي قد تحتوي على مشاهد مخيفة أو مرعبة.

و غالبًا ما يزول الخوف عند الأطفال بمرور الوقت، وعلى الأهل توفير الحب، وترسيخ ثقة الأطفال في أنفسهم؛ فهي أكثر العوامل المساعدة للتغلب على الخوف.

وغالبًا أيضاً ما تنمو الكثير من الصفات في الصغار بسبب الأهل، ومن هذه الصفات الخوف؛ فالأهل يخوفون أولادهم منذ صغرهم من الكلب، الإبرة، الفلفل الحار...ألخ

أقسام الخوف

ينقسم الخوف نوعين هما:

1- الخوف الافتراضي: وهو لا ينشأ بشكل طبيعي مع الإنسان، وإنما سبب نشوئه افتراض المحيطين بالصغير.

2- الخوف الغريزي: ينشأ عندما يبدأ الطفل بالمشي؛ حيث يصبح أكثر تعرضًا لخطر الوقوع والاصطدام، وهذا يخلق عند الولد خوفًا حقيقيًا يقف حاجزًا أمام تنمية شخصيته وقدراته الذاتية.

ومن الضروري على الأهل بشكل عام والأمهات بشكل خاص؛ الانتباه إلى تصرفاتهم والتعديل من سلوكهم مع أولادهم، بحيث لا يشيرون إليهم أن هناك ما يدعو إلى الخوف إن لم يكن هناك فعلاً ما يخيف؛ فالأولاد أمانة في رقاب أهليهم.

أما إذا رأى الأهل أن هناك ما يدعوهم لتحذير أولادهم من شيء يؤذيهم، فعليهم أن يفسروا لهم الأمر بشكل علمي ومنطقي بطريقة خالية من الترهيب والتهويل والتخويف، بعيدة عن رائحة الكذب .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن مطوية للجنة الوطنية السعودية للطفولة

Post: #303
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:23 PM
Parent: #302

كيف نختار الكتاب المناسب لأطفالنا؟
يقع كثير من المربين في حيرة من أمرهم عند اختيار كتب لأطفالهم، فهم لا يعرفون ما المناسب، وما الذي يجب أن يبحثوا عنه، كما أنهم لا يجدون من يعينهم في هذه المهمة الصعبة.

وفي هذه المقالة سأتناول بإيجاز بعض القواعد العامة التي تسهّل على المربي اختيار الكتاب المناسب لطفله.

أولاً: لكل عمر ما يناسبه:

لابد أن يبحث المربي عن الكتاب الذي يتناسب مع المرحلة العمرية لطفله، فلكل مرحلة عمرية احتياج خاص، سواء من حيث المضمون أو الشكل.

فسلوك طفل الثالثة يختلف عن طفل التاسعة، وما يخيف طفل الرابعة قد يثير سرور وسعادة طفل العاشرة.

وقد تحدثت الكتب المتخصصة في أدب ا لأطفال عن هذه المراحل العمرية وفصلت القول فيها، وهي تعتمد في تقسيمها على الدراسات التربوية والنفسية.

ومن المهم أن نشير إلى أن هذه المراحل تتداخل زمنيًا، ويختلف فيها الذكور عن الإناث، وتختلف باختلاف الشعوب والأفراد، ولكن الأطفال يمرون بها بتتابع.

كما أن هذه التقسيمات لمراحل النمو ما هي إلا بحوث علماء في بيئات غير بيئاتنا، وعلى أطفال غير أطفالنا؛ فهي تنفعنا بشكل عام على أن نراعي الفروق البيئية والخلفية الثقافية والدينية لأطفالنا.

وهي كالتالي:

مرحلة الطفولة الأولى ( 1 – 3 ) :

ينمو فيها قاموس الطفل اللغوي ويتعرف على الأشياء من حوله، لذلك تأتي أهمية الكتب التي تعتمد على الصور في مواضيع مختلفة، الحياة اليومية، الحيوانات، الأشياء ... عالمه المحيط دون تكثيف للصور في الصفحة الواحدة.

ثم الكتب التي تتضمن مادة قصصية بسيطة وقصيرة، ويجب أن تتحمل أوراق الكتاب عبث الأطفال فتكون سميكة.

والطفل في هذه المرحلة يفهم أكثر بكثير مما ينطق.

مرحلة الواقعية والخيال المحدود وتمتد ما بين ( 4 – 5 ) سنوات :

وهي أيضًا مرحلة القصص والكتب المصورة، والرسوم مهمة بنسبة 60% من الكتاب. أما خيال الطفل فهو حاد ولكنه محدود في إطار البيئة؛ لذلك تكون القصص المناسبة واقعية ممزوجة بالخيال كأن تكون شخصياتها من الحيوان أو الجماد وتعالج أمورًا تهم الطفل مثل الصداقة، مخاوف الطفل: الظلام، أو الأحلام المزعجة.

ويجب أن تكون الفكرة في الكتاب واحدة سهلة شائقة مع حبكة ممتعة وواضحة.

ويفضل الأطفال في هذا العمر الشخصيات ذات الصفات الحسية (الدجاجة الحمراء ذات الرداء الأحمر...) كما يعجبون بالشخصيات الفكاهية ذات الأسماء الغريبة المضحكة. ونؤكد على أهمية الابتعاد عن الأحداث المخيفة أو النهايات الحزينة التي تبعث القلق والخوف، أو قصص الإجرام والسحر والجن.

كما نؤكد على أهمية أن تكون لغة الكتاب اللغة الفصحى السهلة.

مرحلة الخيال المنطلق من ( 6 – 8 ) سنوات :

تنمو قدرة الطفل على التركيز، ويطول مدى انتباهه، كما أنه يكتسب مهارة القراءة، ويتحرر خياله من البيئة لينطلق في الآفاق، ويستوعب النكت والألغاز .

وتنقسم الكتب المناسبة لهذا العمر إلى قسمين:

1 - كتب يقرأها الطفل نفسه، وتكون مفرداتها سهلة وجملها قصيرة والخط كبير ومشكولاً.

2 - وكتب تقرأ عليه: ويراعى فيها المضمون الذي يشبع الخيال؛ كقصص الأنبياء لما فيها من أمور خارقة كالمعجزات، والقصص الخيالية الشعبية والأساطير، والقصص العائلية والقصص المثيرة للدهشة، والنوادر، والقصص الفكاهية.

وهنا يستطيع الطفل أن يستنبط القيمة الأخلاقية للعمل الأدبي.

والرسوم مهمة ولكنها ليست كالمرحلة السابقة، ويقبل الأطفال على الرسوم الملونة بالأبيض والأسود والصغيرة والكبيرة على حد سواء.

مرحلة البطولة والمغامرة من ( 9 – 12 ) سنة :

وهي تمثل المرحلة المبكرة من المراهقة وفيها نمو سريع للقدرات العقلية، كما أن الطفل يستطيع التفكير في الأمور المعنوية ويستوعبها (كالكرامة والحرية).. ويظهر الاختلاف في الميول بين البنات والأولاد، فالأولاد تستهويهم قصص الشجاعة والمخاطر والقصص البوليسية والمغامرات، وتميل البنات أكثر إلى القصص التي تثير الانفعالات المختلفة (الحب، الصداقة).. كما يظهر الطفل الاهتمام بالقصص التاريخي، ويقل عدد الرسوم في الكتاب في هذه المرحلة مع حرية أكثر في استعمال أساليب الرسم المختلفة.

ويمكن تقديم الرواية وهي القصة الطويلة التي تنقسم إلى فصول وتكثر فيها الأحداث والشخصيات.

ثانيًا: المضمون أولاً:

لابد أن يحرص المربِّ على محتوى القصة بحيث تخلو مما يبعث على الخوف والشك واليأس والتردد.

كما يجب أن لا تسبب للطفل الشعور بالذنب أو احتقار الذات بطريق مباشر أو غير مباشر.

ويستخلص منها الطفل – شعوريًا أو لا شعوريًا – قيمة أو فكرة أو معتقدًا ينفعه في حياته، كما يجب الابتعاد عن الكتب التجارية التي لا تحمل فكرًا ولا أدبًا.

ثالثًا: الكتب المترجمة:

لا مانع من الاستفادة مما كتب بلغات أخرى (فالحكمة ضالة المؤمن)، مترجمًا إلى العربية أو بلغته الأصلية، على أن يتنبه المربي لبعض الأمور:

1- اختيار الجيد الذي يحمل قيمًا إنسانية عامة: التعاون، المحبة، العمل.. فهذه القيم ليست خاصة بالمسلمين وحدهم.

2- الابتعاد عما يتعارض مع قيمنا ومبادئنا وهويتنا العربية والإسلامية.

3- إذا كان الكتاب رائعًا ولكنه يحتوي على بعض المخالفات، فلا بأس أن يعرض على الطفل بشرط نقده وتوضيح المخالف فيه، وهذا ينمي فيه القارئ الناقد الذي لا يتقبل أي شيء دون تفكير.

رابعًا: التنوع يثري التجربة ويغنيها:

من المهم التنوع في الكتب المقدمة للأطفال، سواء في مواضيعها أو في طريقة إخراجها؛ لأن هذا يجعل تجربة الطفل مع الكتاب غنية وشائقة. وتجعله أكثر تعلقًا بالكتاب ومحبة له.
مجلة الأسرة العدد 145

Post: #304
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:27 PM
Parent: #303

كيف تصبح الإجازة فرصة للتواصل الأسرى ؟
تتطلع الأسرة إلى اليوم الذى تنتهى فيه امتحانات آخر العام لتستريح من عناء عام دراسى كامل، وتستمتع بإجازة الصيف، وتعوض ما حُرمت منه خلال الموسم الدراسى، وإذا كان النجاح هو غاية الطالب والأسرة التى تقف معه ووراءه، فإن على الأسرة كما تضافرت لإنجاح أبنائها الطلاب أن تتعاون أيضًا لصنع إجازة ناجحة تضاف إلى رصيد سعادة الأسرة.. وتقوى روابطها، وتسهم فى تعميق التواصل والدفء بين أفرادها.

إشباع

يؤكد د. محمد حسن غانم - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان - أن غاية الإجازة أن تحقق الإشباع النفسى لدى أفراد الأسرة بعد فترة من الحرمان والمحظورات واللاءات المرتبطة بالعام الدراسى وظروف المذاكرة.

وهناك مثل غربى يقول: (الشيطان يوظف العاطل)، وقد حفظنا الحكمة المأثورة (نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل)، وهذا يعنى أن الإجازة يجب ألا تكون مناسبة للفراغ القاتل، أو الأنشطة التافهة غير المثمرة.

وبما أن الأسرة تعلن حالة الطوارئ أثناء الدراسة لتكريس كل جهدها ووقتها لتحقيق غاية النجاح والتفوق، فلابد إذن من تعويض ذلك فى الإجازة، بما يحقق درجةً من التوازن والرضا والإشباع النفسى لجميع أفراد الأسرة.

وعناصر هذا التعويض كثيرة منها :

1 - صلة الأرحام وزيارات الأهل والأقارب.

2 - القراءة الحرة لتنمية ثقافة الفرد، وصقل قدرته على التعبير والحوار.

3 - ممارسة الرياضة.. فـ «المؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف»، ولكن ليس فى الشارع، منعًا لإزعاج الناس أو التعرض للحوادث والأذى، بل فى أماكنها المعتادة: النوادى، الساحات، ومراكز الشباب المنتشرة فى كل مكان.

4 - المصيف، سواء كان مصيف اليوم الواحد أو أكثر، بحيث يراعى فى اختيار المصيف: المستوى المادى للأسرة ورغبات الأبناء ، وحدود الوقت المتاح لذلك ، وليتخذ الجميع من النظر فى البحر وتأمل الطبيعة فرصة للتفكر فى ملكوت الله والإقرار بقدرته تعالى.

5 - التقارب بين أفراد الأسرة لمن لم تسمح ظروفهم بالمصيف أو السفر، من خلال جلسات مفتوحة يسمح فيها للأبناء بإخراج ما يجول فى صدورهم من أفكار، حتى وإن تضمنت انتقادات لأسلوب الوالدين فى التعامل معهم، فهذا التنفيس من قبل الأبناء يريحهم نفسيًا، ويبنى جسور الثقة مع الوالدين فيصبحان صديقين لهم، وهذا ييسر على الوالدين متابعة أبنائهما وتوجيههم وتقديم النصيحة والمعلومة الصحيحة فيما يعرض لهم من أمور.

تصحيح صورة القدوة

ومن المهم أن يحرص الآباء فى جلسات الحوار مع الأبناء على تقديم نماذج القدوة الناجحة لأبنائهم من خلال أشخاص نجحوا فى تحقيق أهدافهم بعد عناء وكفاح وصبر، لتصحيح الصورة المغلوطة التى تقدمها وسائل الإعلام لنماذج القدوة من الراقصات والفنانين واللاعبين الذين يعرضون تجاربهم وخبراتهم التى تعمل فى بعض الأحيان دلالات سلبية، ولكن محصلتها فى النهاية الثراء والشهرة، مما يجعل الأبناء يربطون بين هذه الدلالات وما حققه هؤلاء من نجاحات، مما يصيب بعض الشباب بالإحباط والشعور بأن نجاحهم الدراسى أو المهنى لن يحقق لهم شيئًا، وإذا لم تتوافر لهم نماذج القدوة الصحيحة سيسعون إلى تقليد النماذج السلبية، وسلوك طريقها للحصول على المال والشهرة بسهولة.

- تقوية الوازع الدينى عند الأولاد باصطحابهم لصلاة الجماعة فى المسجد وإشراكهم فى مسابقات لحفظ القرآن وتعلُّم أحكامه وزيادة جرعة القراءات الدينية وتنويعها حسب سن الأبناء وقدراتهم.

إجازة منضبطة

ويؤكد د. غانم أن الإجازة ليست تحررًا من كل الضوابط، بل هى فترة نشاط جديدة مقيدة بشروط منها:

ألا تخرج الإنسان عن غاية خلقه بمراعاة الوقت والتوازن فى الأعمال «إن لربك عليك حقًا، وإن لبدنك عليك حقًا...»، فعلينا ألا ننساق بلا هدى خلف مقولة (ساعة لقلبك، وساعة لربك)، بل لابد من مراعاة أن تكون ساعة القلب لا تغضب الرب، وفى الوقت ذاته ينبغى على الأسرة مراعاة التوازن وترتيب الأولويات، بحيث لا تطغى العبادة على العلاقة بالآخرين، ولا تتخذ مطية لتعطيل تطوير الذات واكتساب المهارات الجديدة.

أما د. حنان السيد - مدرسة إدارة المنزل كلية الاقتصاد المنزلى جامعة حلوان - فترى أن رسم صورة الإجازة لابد أن يشارك فيه الأبناء فى اجتماع أسرى لتحديد ما تهدف إليه الأسرة فى الإجازة، فبعض الأسر تسعى لتعليم أبنائها إحدى اللغات الأجنبية، أو صقل مواهبهم فى الرسم ، أو زيادة رصيدهم الثقافى والعلمى، أو توسيع مداركهم ومعرفتهم بالمعالم والأماكن السياحية داخل بلدهم، أو تدريبهم على ممارسة الألعاب الرياضية المحببة لديهم، فيعرض كل فرد فى الأسرة رغباته، ثم تجمع هذه الرغبات، وتتم دراستها وترتيبها فى ضوء إمكانات الأسرة وظروف الوقت المتاح، ولكى تؤتى الأجازة ثمارها بلا إجهاد أو فوضى.

و تنبه د. حنان إلى ضرورة تنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ ومشاهدة التلفاز، واستعمال الكمبيوتر حتى لا تصبح الإجازة فترة إجهاد (بالسهر)، وفوضى وقلبًا للأوضاع، وتضيف أن منافذ الاستمتاع بالإجازة مفتوحة ومتاحة لجميع المستويات والأعمار، بدءًا بزيارة المكتبات للاطلاع وممارسة الهوايات إلى الاشتراك فى الأندية الصيفية، التى تنظمها المدارس لتعلم الرسم أو ممارسة الألعاب الرياضية الجماعية أو القراءة.

وإذا كانت الدراسة - عند بعض الطالبات - مبررًا للتفرغ وعدم الانشغال بأمور البيت؛ فإن الإجازة هى فرصة الأم لتطوير المهارات المنزلية عند ابنتها وتدريبها على الطهى وترتيب المنزل، وتعويدها على تحمل مسئولية البيت، ولا مانع من إتاحة الفرصة لها لإدارة ميزانية الأسرة خلال أسبوع، مما يكسبها مهارة الإدارة الناجحة لأعباء البيت، ويهيئها لتحمل مسئولية الزواج وتكوين الأسرة، وكذلك ينبغى مشاركة الأولاد فى تحمل جزء من أعباء البيت بتكليفهم بشراء بعض مستلزمات البيت من الخارج، ومن ثم معرفة الأسعار، وتقدير الظروف الاقتصادية للأسرة، مما يخفف من مطالب الأولاد، ويغرس فيهم حتمية القناعة والرضا.

وتنصح د . حنان باستغلال فرصة المصيف، سواء كانت يومًا واحدًا أو عدة أيام فى تجديد النشاط وقراءة بعض الكتب الخفيفة والمجالات والشرائط النافعة، والصلاة فى مساجد جديدة، والتعرف على الأماكن والمعالم الموجودة فى مكان المصيف وزيارتها، وتدريب الأبناء على ممارسة السباحة، وعلى تطبيق الحركات التى تعلموها فى تدريبات النادى، وإذا كانوا مشتركين فى مدرسة السباحة به، ويمكن لبعض الأطفال جمع الصدف من البحر واستخدامه فى عمل أشغال فنية رائعة، بحيث تصبح فترة المصيف فرصة للترفيه والتعلم معًا.
مركز الإعلام العربي

Post: #305
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:30 PM
Parent: #304

بدانة الأطفال السبب والعلاج
إذا كانت البدانة عند الكبار مشكلة فإن البدانة عند الأطفال تعتبر مشكلة معقدة لأن الشخص البالغ يمكنه أن يلتزم بنظام غذائي معين أو برنامج لممارسة التمارين الرياضية، بينما الطفل الصغير لا يستطيع بسهولة الالتزام بما يفعله الكبير.

والبدانة عند الأطفال من المشاكل الصحية الشائعة التي تساهم بتصديرها لنا الدول الغربية التي غزت مطاعمها عقول أطفالنا لأن الوجبات التي تقدمها مطاعم الوجبات السريعة غنية بالسعرات الحرارية، وتساعد على تراكم الدهون .

وللأسف فإن الأم تعتقد أن اكتناز جسم الطفل بالدهون هو دليل صحة ، فالطفل البدين هو مثال الطفل الجميل الذي تحلم به كل أم عربية·

وللأسف لا تعلم تلك الأمهات أنهن يضعن أولادهن على أول درجة من سلم السمنة التي يزداد بشكل مطرد ليصبح مرضاً ينبغي علاجه.

ولهذا فإن من واجب الأم مساعدة الطفل على التخلص من الوزن الزائد من أجل تجنب المخاطر الناجمة عنها، والمتمثلة بأمراض عديدة وخطيرة

وقد أصبحت البدانة مشكلة حقيقية بين أطفال العالم، ففي ألمانيا بلغت هذه النسبة 21% عند الأطفال، أما في بلجيكا فتصل هذه النسبة إلى 11%، وفي إيطاليا 15%·
وتشير الإحصاءات في أميركا إلى أن 71% من الأطفال الأميركيين بدينيين منهم 5% شديدو البدانة، ومن المتوقع أن تتضاعف هذه النسبة خلال السنوات الخمس المقبلة·

سوء العادات الغذائية

السبب الرئيس والأساسي للسمنة هو سوء العادات الغذائية التي تبدأ من الطفولة الأولى ففي وطننا العربي يكون سلوك الأمهات الخاطئ في إطعام الطفل من دون قيد أو شرط هو السبب في بدانة الطفل،

فالأم تجهل الأمراض التي تسببها السمنة ـ والتي تشكل خطراً على الطفل، إذ إن الخلايا الدهنية المتضخمة هي خلايا مريضة تفرز مواد شبه هرمونية في الجسم تؤدي للإصابة بمرض السكري بنوعيه: الشبابي والكهلي، وكذلك ارتفاع الضغط وما يرافقه من أمراض قلبية، بالإضافة لإصابات المفاصل بأنواعها ·
إن تلك الأمراض خطرة جداً وتهدد الحياة، وإنها تؤدي على الأقل لمضاعفات لا تحمد عقباها.

السبيل لتفادي تلك الأخطار

تجدر الإشارة إلى أن حمية الطفل الغذائية لا تعني بحال من الأحوال حرمان الطفل من تناول الطعام أو تجويعه إنما تعني بشكل أساسي تعديل نمط تغذيته تدريجياً، فقد يكون صعباً منع الطفل من تناول الحلويات أو المعجنات أو الأطعمة الجاهزة كالشيبس والمشروبات الغازية وغيرها ولكنه لن يكون صعباً التخفيف من كمية هذه الأطعمة والمشروبات واستبدالها بالأغذية المفيدة التي تحافظ على صحة الطفل وتقيه من الأمراض.

إن الحل يكمن في العادات الغذائية السليمة والصحيحة وليس الحمية، فالعادات السليمة تكمن فيما يلي:

ـ تناول الطعام بكميات قليلة ومتعددة فنحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع

ـ الابتعاد عن الوجبات السريعة الغنية بالدهون والسكريات·

-الابتعاد عن المشروبات الغازية، حيث إنها مضرة 100% وتؤدي إلى عسر الهضم·

ـ الابتعاد عن السكريات والحلوى أو منح الطفل كميات قليلة ومحسوبة منها·

ـ الإكثار من الخضراوات والفواكه وتعويد الطفل عليها·

ـ ممارسة الرياضة بمختلف أشكالها·

ـ فسح المجال واسعاً للطفل لكي يلعب إذ يرى الخبراء أن اللعب أحد الحلول المهمة لمشكلة البدانة لأنه يجدد نشاط الطفل ويستهلك الشحوم الزائدة ويساعد على النمو ويكسبه الثقة والقدرة على تحقيق النجاح والتفوق·

ـ متابعة وزن الطفل الصحيح عن طريق طبيب مختص بالكشف الدوري·

مجلة الوعي بتصرف

Post: #306
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:34 PM
Parent: #305

هل المال ويسر الحال شرطان للسعادة والرضا، أم أنه استعداد فطرى يدفع صاحبه لخلق الفرص وتهيئة الأجواء لحياة سعيدة مرحة، حتى وإن تداعت الهموم وتكالبت الضغوط ؟

إنها معضلة صعبة، تواجهها بعض الأسر فتقف عاجزة أمامها، وتفقد معها مفاتيح التوافق والسكينة والاستقرار، فكيف تفك الأسرة رموز هذه المعضلة، وكيف تحصل على مفاتيح السعادة بالابتسام والرضا والتنظيم، والتخطيط الجيد والتعاون الطوعى بين أفرادها؟

أ.د. أمانى عامر - أستاذة الإدارة بجامعة القاهرة - تعيش معنا هذه المشكلة تقدم لكل أسرة مفاتيح الدخول إلى عالم المرح والسعادة.

تزاحم الأعباء

ـ بداية ما أهمية المرح والترفيه وضرورته لسعادة الأسرة واستقرارها ؟

- تكمن ضرورة الترفيه وأهميته فى تحقيق التوازن الانفعالى للشخص، وتنمية وتنشيط علاقاته الاجتماعية، وتوسيع دائرة اتصالاته الإنسانية، ومن ثم تخفيف الضغوط الواقعة عليه، أو على الأقل امتلاك القدرة على إدارة هذه الضغوط بتوازن، بحيث لا يطغى هم على آخر، فتزداد المساحة والطاقة الممكن توجيهها إلى الأسرة وإشباعها.

- ومع ذلك فقد المرح وجوده داخل جدران بيوتنا، وخيمت على كثير منها ظلال الصمت والكآبة.. فلماذا؟

تنهدت ثم قالت : أعتقد أن تزاحم أعباء الحياة جعل جانب الترفيه يتقلص، وجعلت الأسرة بكل أفرادها مهمومة ومحمَّلة بأعباء وضغوط كثيرة ما بين تأمين لقمة العيش، وملاحقة الارتفاع الدائم للأسعار وأعباء الدراسة والمدرسين كل ذلك أوجد خللاً فى أركان الأسرة، فأصبح الهم الشاغل للوالدين هو تحسين مستوى الأسرة وزيادة دخلها، وقلت الساعات المتاحة للاهتمام بالذات، والسعى لتحقيق التوازن بين الجهد البدنى والجهد الذهنى.

خاصة وأن التكنولوجيا جعلت حركة الجسم أقل، فقل الجهد البدنى، وزاد الجهد الذهنى فحدث الخلل، ومن ثم أصبحت العودة إلى جو المرح ضرورة لإعادة هذا التوازن المفقود.

ـ كيف تتعامل الأسرة مع هذه الضغوط المتراكمة لتعالج مناخ الكآبة والملل؟

- الأمر ليس عسيرًا إنما يحتاج إلى تنظيم وقت الأسرة وحسن إدارته، والتعاون مع المدرسة بحيث يتم التركيز على الفهم والاستيعاب للمناهج أكثر من تكديس الواجبات على الطالب حتى تتاح له وللوالدين مساحة من الوقت للترويح وتجديد النشاط.

و على جميع أفراد الأسرة التكيف مع الأعباء والضغوط الملقاة على عاتق كل منهم، والنظر إليها على أنها جزء من أدوارهم فى الحياة، مع العمل على تخفيف هذه الضغوط أو حسن توزيعها، وهذا يتحقق بتحليل وحصر أسباب هذه الضغوط وتقسيمها إلى نوعين:

1 - ضغوط يمكن التحكم فيها: مثل أداء عدة واجبات فى يوم واحد بتأجيل بعضها، أو الاعتذار عنها، أو التخلى عن بعض الالتزامات التى يقوم بها المرء طواعية، فالمرأة قد تكون موظفة وزوجة وربة أسرة ودارسة وأم وابنة لسيدة مسنة بحاجة إلى رعاية، فيمكن موازنة هذه الأدوار، والتحكم فى أدائها أو تأجيل بعضها حسب ما تسمح به ظروف المرأة ووقتها وقدراتها أو تفويض جزء من المسئوليات لباقى أفراد الأسرة.

2 - أما النوع الثانى فيشمل الضغوط التى لا يمكن التحكم فيها، فتبدأ الأسرة بترتيب هذه الضغوط حسب الأهمية، وتقوم بإنجاز الأهم فالمهم فالأقل أهمية، بحيث إذا لم يتسع الوقت لإنجاز جميع المهام المفروضة يكون التقصير فى المهام الأقل أهمية والتى يمكن إرجاؤها.

- من ناحية أخرى ينبغى على جميع أفراد الأسرة عمل فاصل بين هموم العمل، وهموم البيت، وهذا يتحقق بالتدريب على ترك هموم العمل على باب العمل حتى لا تتداخل الهموم، وتزداد الضغوط والأعباء فيعجز المرء عن إنجازها بكفاءة.

- كذلك يحسن عدم التفكير فى أكثر من موضوع فى وقت واحد، فهذا يدخل فى تنظيم التفكير مما يقلل الإحساس بالضغوط والاكتئاب.

- تنويع الاهتمامات وتوسيع دائرة العلاقات الاجتماعية من شأنه أن يخفف أثر أى ضغط يقع نتيجة الدوران فى فلك موضوع أو عمل واحد.

- ممارسة الرياضة الجماعية ولو بالمشى أو تخصيص نصف ساعة يوميًا للاسترخاء العضلى والفكرى، الذى يجدد النشاط، ويشعر المرء بالراحة والقدرة على العطاء والإنجاز بكفاءة.

- والأهم مما سبق تعميق الإيمان والصلة بالله تعالى، واستحضار آيات التوكل، والرضا بقضاء الله تعالى {ألا بذكر الله تطمئن القلوب} {إن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا}، {ومن يتق الله يجعل له مخرجا}، {إن مع العسر يسرا}، {لئن شكرتم لأزيدنكم}، {قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا}، فهذا يولد الرضا والثقة فى قضاء الله، ويدفع المرء للعمل براحة نفسية مستشعرًا العون والمدد من الله تعالى.

- ومن المهم أيضًا الاجتهاد فى حسن معاملة الناس «وخالق الناس بخلق حسن»؛ لأن محبة الناس عامل دعم نفسى قوى.

بأقل الإمكانيات

ـ هل يرتبط الترفيه بارتفاع المستوى المادى للأسرة ؟

- ليس شرطًا، فكل أسرة يمكن أن تبتكر وسائل الترفيه والإمتاع التى تناسب مستواها وقدراتها المادية فتخلق بذلك فرصًا جميلة لحياة سعيدة، بأقل الإمكانيات، وأرخص الأسعار، فالتنزه على الكورنيش ترفيه مجانى، وكذلك زيارات الأهل والأقارب.

كما أن تنمية هوايات أفراد الأسرة داخل البيت قد لا تكلف الأسرة كثيرًا لكن مردودها الإيجابى أغلى بكثير، فالأمر يرتبط باستعداد الفرد ليكون سعيدًا حتى وإن كان لا يملك شيئًا.

ـ بعض الناس يعتبرون أن المرح وروح الدعابة يتعارضان مع الجديد وكفاءة الإنجاز، فما ردكم على ذلك؟

- العكس هو الصحيح، فالمرح ينبغى أن يكون عنوانًا لحياة الأسرة، يتخلل أوقاتها ويجمع بين أفرادها، فى جلسة عائلية على مائدة الطعام أو أمام برنامج هادف يثير حوارًا أسريًا دافئًا،أو زيارة للجد أو الجدة أو الأقارب، بحيث تتخلص الأسرة من حالة الانفصال الراهنة بين أفرادها، والتى تجعل لكل واحد عالمه وعلاقاته.

أهمية الإجازة

ـ كيف نجح الغرب فى توظيف الترفيه فى التقدم والنهوض؟

- من الغريب أن يدرك الغرب فقه الأولويات، ويعط كل عمل ما يستحق من الوقت والاهتمام، ونحن أولى بذلك منه، خاصة أن ديننا يحث على استثمار الوقت إدراكًا منه لقيمته فى حركة الحياة والعبادات، ففى الغرب تعد أجازة آخر الأسبوع (weekend) من الأمور المهمة لدى الجميع من أصغر عامل أو موظف إلى رئيس الدولة والمسئولين فى أعلى المناصب، فنجد بوش مثلاً يسافر إلى منتجع خاص يمارس فيه الرياضة المفضلة، ويعيش على طبيعته الإنسانية مع أفراد أسرته بعيدًا عن السياسة وجمودها.

والحال كذلك فى جميع الدول المتقدمة التى لا تسمح بأن يطغى حق العمل على حق النفس والجسد، فهذا تطبيق عملى لقاعدة إسلامية ثابتة «أعط كل ذى حق حقه».

ومعروف أن الماكينة التى تعمل باستمرار دون توقف تتعرض للتعطل أكثر من الماكينات التى تأخذ راحة بين وقت وآخر للصيانة والتجديد، فتزيد قدرتها على الإنتاج.

وكذلك الإنسان فهو عبارة عن مجموعة من الأجهزة والخلايا العصبية والمشاعر النفسية، فلابد لكل منها أن يأخذ قسطًا من الراحة لتجديد الطاقة وإعادة شحن القدرات، ومواصلة العطاء، وإطالة عمره الافتراضى.

بعد أن أثبتت الدراسات العلمية أن كثرة الضغوط تضعف الجهاز المناعى للجسم، فتوقع المرء فريسة لأمراض العصر العضوية والنفسية.

- كما ينبغى أن تكون هناك قناعة بأن قضاء الله فى كل الأحوال هو الخير، والله يقول فى الحديث القدسى: «أنا عند ظن عبدى بى»، فإذا حمد ربه على قضائه ازداد إحساسه بالرضا، وبنعم الله ، وحين يعمل مقارنات رابحة مع من هو دونه صحة وأولادًا وأموالاً وقدرات، فيزداد اطمئنانًا وسعادة، ويمكن القول إن تنمية الأدوار داخل الأسرة وأداء كل فرد داخل الأسرة لواجباته، وما عليه يجعل الأولاد يشبون أسوياء مستقلين معتمدين على أنفسهم فيسعدوا وتسعد الأسرة، وهذا هو مفتاح الأسرة إلى عالم السعادة والرضا.
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #307
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:38 PM
Parent: #306

تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان، وعليها سيكون الإنسان سويًا أو مريضًا، فجميع الأمراض النفسية تقريبًا تنشأ نتيجة لسوء فهم طبيعة هذه المرحلة ومتطلباتها.

ومسألة عقاب الأبناء وضربهم من المسائل التي تثير الكثير من التساؤلات عند الآباء والأمهات، أعاقب أم لا ؟ أضرب أم لا أضرب ؟
وهذا الموضوع يساعد على الإجابة عن هذا التساؤل:
هل التأديب يعني الضرب !
يقول الأستاذ محمد حسين - الداعية الإسلامي المهتم بشئون الأسرة - إن الله سبحانه يحب من عباده أن يتخلقوا بالأخلاق الحميدة، فلا يغضبون وينزلون العقوبة بلا تأن وتعقل وتريث؛ لأن العجلة حينئذ تكون من الشيطان العدو لهم، وهى دعوة غالية إلى التحكم في النفس عند وقوع خطأ من الصغار، والنظر أولاً، والتحقق من دوافع الخطأ، وقبول العذر يقول أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز «لا تقضى وأنت غضبان، ولا تقضى بين اثنين حتى تسمع منهما، حتى لو جاءك أحدهما وعينه على يده، فربما جاء الآخر وعيناه على يده».

فكثيرًا ما تعاقب الأم الطفل لمجرد إسراع الآخر بالشكوى منه، فيتعلم الطفل فعل الخطأ، ثم يسارع بالشكوى وإلصاق التهم بالآخرين.

والعجيب أن يرتبط معنى الأدب عند البعض بضرب الولد ، ومعاقبته ، فكأن التأديب هو الضرب وإنزال العقوبة ، إن التأديب بالتعلم والمسامحة، وتقديم القدوة للولد، وهذا هو حقه.

علاقة حب حميمة
ويرى د. سبوك - الخبير النفسي الشهير - أن علينا أن نؤدب أبناءنا دون حاجة إلى العقاب، فالعقاب ليس الوسيلة الوحيدة لمنع الطفل من أن يتصرف تصرفًا مزعجًا، أو خارجًا عن حدود الآداب العامة، تمامًا كما أن العقاب لا يمنع السارق من السرقة، ولا القاتل من ارتكاب الجريمة.

إن العقاب هو أسلوب قد نلجأ إليه عندما نستنفذ كل الأساليب الأخرى، وحين نفشل تماما في توجيه الطفل ناحية السلوك السليم.

وحتى هنا أيضًا في هذا الموقف، قد يكون من الصعب أن يفيد العقاب إن لم يستند الأب أو الأم إلى علاقة حب عميقة بينهما، وبين الابن، وكانت شخصية الابن سليمة بلا اعوجاج، وقد ظهر ذلك مع المجرمين المحترفين الذين لم يجد معهم عقاب أهلهم لهم.

ويضيف أنه لا عقاب إلا على ذنب، ولا عقاب بدون مناقشة سابقة مع الابن لكل نواحي الموضوع الذي يعاقب عليه، وغالبًا ما نجد الابن يقتنع دون عقاب، ولذا فمن الأفضل البعد قدر الإمكان عن العقاب، خاصة إذا كان هذا العقاب مهينا لإنسانية الطفل.

الموعظة والتوجيه
ويضع الأستاذ محمد سعيد مرسى - الخبير التربوي - شروطًا للعقاب بالضرب في كتابه «فن تربية الأولاد في الإسلام» فيقول: العقاب يجب أن يكون آخر وسيلة للتربية إن لم ينفع مع الطفل الموعظة والتوجيه، والإرشاد، والملاطفة، والاقتداء، فيكون العقاب بعد ذلك، ولكن للعقاب درجات وليس الضرب وحده هو وسيلة العقاب، بل إنه قد لا يجدي في بعض الأحيان، أو يأتي بنتيجة عكسية، ومن وسائل العقاب :
1 - النظرة الحادة : وهى ما تسمى " البحلقة " وهى تردع بعض الأطفال، بل ويبكون منها أحيانًا.

2 – الهمهمة : وهى صوت يخرج من الحنجرة يدل على الإنكار وينبه الطفل إلى ما وقع منه.

3 - مدح غيره أمامه: بشرط أن يكون للعقاب فقط ، وليس في كل الأحوال، كما ينبغي عدم الإكثار من هذا الأسلوب في العقاب لما في تكراره من أثر سيئ على نفس الطفل.

4 – الإهمال : فتدخل وتسلم ، ولا تخصه بالتحية ، ولا تسأل عما فعل اليوم ، كما كنت تسأل ، وإن حدثك فأدر وجهك للجانب الآخر، وهكذا حتى يشعر بخطئه وحينئذ أسرع ببيان خطئه، ولا تتماد في إهماله؛ لأن دورك التعليم وليس التعنيف.

5 – الحرمان : من مصروف أو نزهة، أو أي شيء يحبه الطفل كالدراجة، أو الأتاري ، أو التليفزيون.

6 - الهجر والخصام : على ألا يزيد على ثلاثة أيام ، وأن يرجع عنه مباشرة عندما يعترف الطفل بخطئه.

7 – التهديد : شرط أن ينفذ إذا تهاون الطفل.

8 - شد الأذن: وقد فعله النبى (صلى الله عليه وسلم) ) كما أخرجه ابن السني ، فعن عبد الله بن بسر المازنى الصحابى (رضى الله عنه) قال: «بعثتنى أمى إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بقطف من عنب، فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه، فلما جئت أخذ بأذنى وقال: «يا غدر».

9 - الضرب وآخر الدواء الكى، فلا يكون الضرب إلا عند استنفاد أساليب التربية جميعها، ووسائل العقاب كلها، فإن لم ينفع كل ذلك، وكان الطفل مميزًا؛ لأن غير المميز بين الصواب والخطأ لا يضرب؛ لأنه لا يدرك خطأه، وبالتالى لا يجدى معه الضرب، بل سيأتى معه غالبًا بنتيجة عكسية، كأن يتعود عليه، ويألفه، أو يصاب بالكبت، والإحباط، أو الخوف، وكذلك لا يضرب الطفل قبل سن العاشرة .

وهناك شروط للضرب لابد أن تراعى:
- الضرب للتأديب كالملح للطعام (أى القليل يكفى والكثير يفسد).

- لا تضرب بعد وعدك بعدم الضرب لئلا يفقد الثقة فيك.

- مراعاة حالة الطفل المخطئ وسبب الخطأ.

- لا يضرب الطفل على أمر صعب التحقيق.

- يعطى الفرصة إذا كان الخطأ للمرة الأولى.

- لا يضرب أمام من يحب.

- الامتناع عن الضرب فورًا إن أصر الطفل على خطئه ولم ينفع الضرب.

- عدم الضرب أثناء الغضب الشديد وعدم الانفعال أثناء الضرب.

- نسيان الذنب بعد الضرب وعدم تذكير الطفل به.

- لا تأمر الطفل بعدم البكاء أثناء الضرب.

- لا ترغم الطفل على الاعتذار بعد الضرب وقبل أن يهدأ ؛ لأن ذلك فيه إذلال ومهانة، وأشعره أنك عاقبته لمصلحته، وابتسم في وجهه، وحاول أن تنسيه الضرب.
مركز الإعلام العربي بتصرف

Post: #308
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:41 PM
Parent: #307

التغذية المتوازنة = النجاح والتفوق
و نحن على أبواب الامتحانات يحتاج أبناؤنا الطلاب إلى الغذاء الصحي المتوازن، والذي بدوره يساعدهم على الاستذكار لفترات طويلة دون الشعور بالإرهاق أو التعب، كما يساعدهم على التركيز والاستيعاب الجيدين، وقد أثبتت الدراسات الحديثة أن هناك علاقة بين الغذاء الجيد والتحصيل العلمي.

النشويات والأسماك أغذية تساعد على التحصيل العلمى الجيد

يقول الدكتور فوزى الشوبكى - رئيس قسم التغذية بالمركز القومى للبحوث - : أهم هذه الاحتياجات المطلوبة للمساعدة على التحصيل الدراسى هى مولدات الطاقة مثل النشويات التى يمكن الحصول عليها من دقيق القمح والأرز والمكرونة والبطاطس، ويحتاج التلميذ أيضًا للسكريات البسيطة التى توجد فى العسل الأبيض والأسود، وترجع أهمية هذه السكريات إلى مساعدتها فى أداء وظائف المخ الذى يحتاج إلى هذه السكريات الممتصة حديثًا من الأمعاء.

كما يحتاج التلميذ أيضًا إلى فيتامين ب المركب الذى يمكن الحصول عليه من الحبوب مثل حبوب القمح والذرة، وأيضًا الخميرة بيرة؛ حيث تساعد هذه الفيتامينات على حرق السكريات فى الجسم، وإمداده بالطاقة.

ويحتاج التلاميذ إلى مواد غذائية مهمة للجسم، وهى مواد البناء مثل البروتينيات الحيوانية مثل اللحوم الحمراء والدواجن، والأسماك، والبيض واللبن، وأيضًا البروتينات النباتية مثل: الفول، والعدس، واللوبيا، والفاصوليا، وتتمثل أهمية هذه البروتينات فى بناء عضلات الجسم، وتكوين الإنزيمات المسئولة عن هضم الطعام، والمساعدة على القيام بعملية التمثيل الغذائى بصورة عامة.

ويضيف الدكتور الشوبكى أن عناصر الكالسيوم الموجودة فى اللبن والبيض، وعنصر الزنك المتوافر فى الخضروات والحبوب الكاملة تفيد فى نمو الهيكل العظمى بصورة طبيعية، وتوجد عناصر أخرى لها أهمية كبيرة فى القيام بالعمليات الحيوية، وتقوية جهاز المناعة حتى يستطيع أن يقاوم الميكروبات والأمراض المعدية، وهذه العناصر مثل الفيتامينات والمعادن مثل فيتامين (أ) المسئول عن حماية الأغشية المبطنة للجهاز العضمى والتنفسى، ويوجد هذا الفيتامين إما من مصادر حيوانية مثل الكبدة والبيض واللبن، أو فى مصادر نباتية مثل: الجزر والبطاطا؛ حيث توجد بهذه المحاصيل مادة البيتاكاروتين التى تحافظ على قوة الإبصار.

أما فيامين (ج) فهو يمنع تأثير العوامل المؤكسدة فى الجسم، ويقى من الأنيميا ومرض الإكسابوت الذى يؤدى إلى ظهور تقرحات فى الجلد، ويوجد فيتامين (ج) فى الجوافة والموالح والليمون والفلفل الأخضر.

أما فيتامين (هـ) فيوجد فى زيوت الأسماك، وهو مهم جدًا؛ حيث يعمل مع فيتامين (ج) على مقاومة الآثار الضارة للعوامل المؤكسدة، التى تؤدى إلى تدمير خلايا الجسم، لذلك فإن فيتامين جـ مع هـ يساهمان فى سلامة جميع أنسجة الجسم بما فيها خلايا المخ، مما يزيد من تقوية خلايا المخ، وبالتالى تزيد قدرته الوظيفية مثل التحصيل والتركيز والاستيعاب ما يساعد التلاميذ، خاصة فى المرحلة الابتدائية على تحصيل دروسهم بصورة جيدة.

ويوضح الدكتور فوزى أن للمعادن أهمية كبيرة، وهذه المعادن كثيرة مثل: عنصر الحديد الذى يقى الإنسان من الإصابة بالأنيميا، والتى تعد من الأمراض التى تؤثر بصورة مباشرة على وظائف المخ، فالشخص الذى يعانى من الأنيميا عادة يعانى نقصًا فى الأكسجين الذى ينبغى توافره حتى يصل لخلايا المخ، لذلك فإن عدم وصول هذا الأكسجين إلى هذه الخلايا يجعل الفرد غيير قادر على التركيز والاستيعاب، لذلك يجب تجنب الإصابة بهذا المرض من خلال إعطاء التلاميذ وجبات تحتوى على عنصر الحديد، الذى يوجد فى الجرجير والسبانخ والعسل النحل، والأسود، والكبدة، كما ينبغى ابتعاد التلاميذ عن المشروبات التى تحتوى على الكافيين والتنين بكثرة مثل الشاى والقهوة ومشروبات الكولا.

وتوجد عناصر أخرى من المعادن مثل الزنك وهى مادة مهمة لنمو الجسم وتقوية جهازه المناعى، ويمكن الحصول عليه من جميع الخضروات الورقية مثل: السبانخ والملوخية.

لزيادة التركيز والاستيعاب .. أكثر من شرب الماء

أكدت الدراسات العلمية أن الأطفال الذين لا يشربون كميات كافية من الماء يصابون بالجفاف، وتكون قدرتهم على التحصيل العلمى أضعف من أقرانهم الذين يتناولون الكمية الموصى بها وهى ثمانية أكواب يوميًا.

ويوضح الأطباء أن النشاطات الدمائية مثل: التفكير والانتباه هى وظائف عصبية وكيميائية، لا يمكن أن تعمل بصورة جيدة دون الماء، لذلك فإن الأطفال المصابين بالجفاف لا يملكون قدرة مناسبة للتعلم، كما أن الجفاف فى مرحلة الطفولة قد يسبب مشكلات صحية خطيرة فى مراحل البلوغ والشباب، فعدم شرب الماء يسبب ضعف أنظمة الأنزيمات الحساسة التى تعتمد عليها أجسامهم، وتبدأ بالخروج من نظامها الطبيعى، كما أن المشكلات الصحية المزمنة مثل: أمراض الكلى، وارتفاع ضغط الدم هى الثمن الذى يدفعه الأشخاص لشربهم القليل من الماء.
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #309
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 12:48 PM
Parent: #308

من أجل ابتسامة أجمل لأطفالنا
إذا استطعنا المحافظة على أسنان سليمة لأطفالنا فبذلك نستطيع الوصول لحالة صحية سليمة للطفل من حيث مقدرته على مضغ الأكل بصورة سليمة، وبالتالي سهولة الهضم وأيضًا الحصول على حالة نفسية سليمة للأطفال من حيث عدم الشعور بالخجل من منظر أسنان بها تسوس وعدم تعرضه لألم الأسنان نتيجة التسوس، ولذلك سوف نعرض في عدة نقاط سريعة كيفية رعاية أسنان أطفالنا.

أولاً: الاهتمام بصحة الأم الحامل:

- من حيث التغذية السلمية والصحيحة في فترة الحمل.

- عدم أخذ أي أدوية فترة الحمل إلا باستشارة الطبيب حيث أن بعض الأدوية قد تؤثر على صحة الجنين وأيضًا على شكل وتكوين الأسنان.

- عدم التعرض للأشعة أثناء فترة الحمل.

ثانيًا: الاهتمام بالأسنان:

- إن من أهم العوامل تسوس الأسنان بصورة سريعة في أغلب الأسنان وفي سن صغيرة هو ترك الطفل ينام وهو يرضع مما يؤدي إلى تسوس وتآكل الأسنان عند سن 3-4 سنوات، ولذلك عند بداية ظهور الأسنان بفم الطفل غالبًا عند سن 6 شهور يجب غسل أسنانه بعد كل رضعة أو أكل ، بقطعة نظيفة مبللة من القماش أو الشاش النظيف وعدم تركه ينام وبفمه بواقي أكل.

ترغيب وتحبيب الطفل في استخدام فرشاة الأسنان في سن صغيرة ويكون بغسل الأسنان بالفرشاة تحت إشراف الأم حتى سن 7 سنوات.
يجب غسل الأسنان 3 مرات يوميًا بعد كل أكل وخصوصًا قبل النوم.
تغيير فرشاة الأسنان كل 3 أشهر.
إعطاء الحلويات بعد وجبة الغذاء الأساسية سواء إفطار أو غداء أو عشاء، وبعد ذلك غسل الأسنان، وبذلك نقلل من أكل الحلويات بين الوجبات التي بدورها تقلل من شهية الطفل للوجبة الأساسية وتساعد على قابلية الأسنان للتسوس.
ثالثًا: المتابعة:

- يجب المتابعة كل 6 أشهر عند طبيب الأسنان، وذلك لاكتشاف أي بداية تسوس وعلاجها.

- وضع مادة fissure sealant وهي مادة توضع في النتوءات الموجودة بالضروس وهي دائمًا أول مكان يهاجم بالتسوس حيث إن هذه المادة تعمل على سد هذه النتوءات وتمنع مهاجمة التسوس للأسنان.

- وضع مادة الفلورايد كل 6 أشهر؛ حيث أن الفلورايد يدخل في تركيبة الطبقة الخارجية للأسنان ويساعد على تقويتها ومنع مهاجمة التسوس لها ومن أحس الفترات التي يستخدم بها عند ظهور الأسنان بالفم.

- عدم نقل خوف الآباء أو الأمهات من طبيب الأسنان أو إعطاء صورة سيئة من تجربتهم الشخصية للأطفال، حيث هذا يعطي انطباع سيء للطفل ويتصرف دائمًا بصروة سلبية في عيادة الأسنان مما يعرقل سير العلاج.
مجلة الأمل

Post: #310
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 01:00 PM
Parent: #309

هل فكرت يومًا في أن تجبري زوجك على ممارسة أبوته، وأداء واجبه تجاه أولاده؟ هل عانيت من إهماله لهم؟ هل جربت أيضًا أن تشركيه معك في تحمل المسئولية وجعلتيه أول من يعلم؟

الأستاذة حنان زين - مديرة مركز السعادة للاستشارات الزوجية - تساعدك لكي تجعلي من زوجك ربًا لأسرته وأبًا مثاليًا.

وإليك بعض الأساليب البسيطة التي يمكنك بها أن تحببي زوجك في القيام بدوره الأبوي، وتشجيعه على الاستمرار فيه، ومنها:

- الزوج أول من يعلم، التزمي بهذه المقولة ليكن على علم بكل ما يخص الطفل، وما يجرى في المنزل.

- كوني صبورة مع زوجك، فمسئولية الأبناء ليست بالأمر الهين، فلا تسخري منه إذا أخطأ، بل اجعلي الأمر يبدو كمزحة.

- اسألي نفسك وأجيبي بصراحة: هل تشعرين أن الطفل ابنكما معًا، أم أنك أكثر امتلاكًا له؟

- ربما يمارس الأب دوره بشكل مختلف حسبما يراه هو، فتقبلي طريقته الخاصة دون تذمر، ولا تنتقديه، ولا تظهري اهتمامك الشديد بالأبناء، فاهتمامك الشديد لا يعطى فرصة للزوج للتدخل.

- احرصي على تنمية حبك لزوجك، وأعطيه الفرصة للشعور بذلك، فلهذين الأمرين الأثر الكبير في تنمية دوره الأبوي.

- احرصي أيضًا على تنمية علاقة الأبناء بوالدهم، وهو كذلك عن طريق:

1 - استخدام الكلمات والتعبيرات التي تربى فيهم الاعتزاز والحب له، وتشعره هو بذلك مثل تقبيل يديه عند قدومه، وعند ذهابهم للنوم، استخدام كلمات مثل حضرتك، يا والدي الحبيب، وغيرهما.

2 - ممارسة بعض الألعاب مع زوجك وأولادك، واللهو سويًا يضفي جوًا من الألفة والمتعة المتبادلة.

3 - الخروج من المنزل لفترة بسيطة، وترك الطفل مع الأب وحدهما يكسب الأب الثقة في قدرته على تحمل مسؤولية تربية ولده.

- حاولي إشعاره دائمًا بأن ابنك هو ابنكما معًا، وذلك بإشراكه معك في بعض المسئوليات المتعلقة به مثل اختيار المدرسة المناسبة، أو دفع المصروفات الدراسية، أو المشاركة في بعض المواد الدراسية، أو الذهاب للطبيب، وإن لم تستطيعي لظروفه أو لرفضه الذهاب، فعلى الأقل تخبريه بكل ما حدث، وتسأليه عن رأيه.

- عند شعورك بالإرهاق والتعب من كثرة أعبائك كأم، فلا تعبري عن ذلك بأسلوب انفعالي عصبي حتى لا تستثيري عناد زوجك، ولكن اطلبي منه العون بكلمات رقيقة تشعره باحتياجك إليه.

- الحديث بين الأب والأم عن تربية الطفل، ورسم خريطة تربوية يشارك فيها الطرفان يكون محيطًا عائليًا سعيدًا، وآمنًا للطفل، فاحرصي على هذا الأسلوب مع زوجك (أكثري من ذكر المواقف أو الأشياء الجميلة عن الأولاد وما فعلوه وما قالوه و...).

- عند دخوله المنزل لا تبادريه بمشاكل الطفل.

أولاً: حتى يكون على استعداد لمشاركتك الحديث والمناقشة.

ثانيًا: حتى لا تثيري عداوته لطفله، ولكن أمهليه حتى يستطيع مناقشة المشكلة، والبحث معك عن حل تربوي لها، ولا تبادري بذكرك للحل حتى يشعر بقيمة رأيه.

- حذار أن ينسيك اهتمامك بطفلك اهتمامك بوالده حتى لا تتحول علاقتهما إلى نوع من الغيرة.

- أظهري لزوجك دائمًا تقديرك لدوره العظيم، وامتنانك وشكرك له على كل ما يبذله لك ولأسرتك، وأعلني ذلك، وكرريه على أولادك ليفعلوا هم أيضًا ذلك.

- اتركي لزوجك فرصة ليقضى وقتًا خارج المنزل (خاصًا به) مع أصدقائه أو في ممارسة بعض هواياته، حتى يستطيع الاستمرار في أداء دوره بكفاءة.

وفى وسط ذلك كله:

لا تنسى أن تعيشي مع زوجك بعض الوقت بعيدًا عن شخصية الأب والأم، بل بشخصية الزوج والزوجة والحبيب والحبيبة، فهذه الأوقات تعين بالتأكيد على القيام بدوركما على أكمل وجه.
إسلام ويب

Post: #311
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 01:02 PM
Parent: #310

التربية الإسلامية منهج شامل متكامل ، التكامل الذي يتميز به الإسلام في جميع مجالاته ، ولأجل نجاح التربية هناك عدد من العوامل المهمة المؤثرة في هذا الجانب نذكر منها ما يلي :

أولاً: تطهير المجتمع من المظاهر الفاسدة:

يقول الله تعالى: (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً)[النساء:148]. لأن إعلان الفساد يولد نوعًا من تعوده، وعدم الخجل منه، ولذلك لعن الله من يشيعون الفاحشة: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[النور:19]. وأضاف إلى إخفاء الفساد: التعاون على إزالته إذا ظهر، فكانت فريضة النهي عن المنكر.

عن أبي بكر قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان".[رواه مسلم].

ولقد جعل الله حدودًا شرعية على أشكال من الفساد معينة مثل الزنا والسرقة.. بل وعلى من يسعى في الفساد؛ قال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[المائدة:33].

ثانيًا: قيام جميع مؤسسات المجتمع بدورها التربوي:

وعلى رأسها مؤسسة الإعلام والسينما والمسرح والتليفزيون والإذاعة، ومؤسسة الصحافة من مجلة وصحيفة دورية، ومؤسسة الثقافة من كتاب وديوان شعر وقصة وغيرها.

(إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)[الإسراء:36].

ومن الغريب أننا نُعَلِّم التلاميذ أشياء لو حُذِفت من المنهج الدراسي لما ترتب عليها أي شرٍّ في المستقبل، ولا نُعلِّمهم التربية الأخلاقية التي يترتب على حذفها معظم الشرور في الحاضر والمستقبل.

وكذلك الأسرة أو البيت من أهم المؤسسات الاجتماعية للتربية الأخلاقية، لكن لا يمكن أن يقوم البيت بوظيفته ولا يكون مدرسةً للتربية الأخلاقية؛ إذا جهل الآباء والأمهات طرق تربية أولادهم، ولهذا يجب تعليم الآباء والأمهات التربية الأخلاقية أولاً؛ لأنها من أهم وظائف الآباء.

ولكن هل نستطيع أن نجعل كل الآباء والأمهات خبراء في التربية الأخلاقية؛ لتكون الأسرة المدرسة الأولى لهذه التربية، كما تكون المدرسة مدرسة ثانية فيها؟ إن ذلك لا يمكن إلا بعد تربية الآباء والمعلمين على حد سواء، وتعليمهم – أيضًا – كيف يربون بهذه التربية.

وهذا ما يقرره الدكتور الكسيس كاريل – أيضًا – الذي يرى أنه يجب أن تبدأ التربية من تربية الآباء والمعلمين، لأنهم لا يستطيعون أن يربوا إذا هم لم يَتَربوا قبل ذلك.

ثالثًا: التشجيع على اللعب كوسيلة تربوية وليس للترفيه فقط:

حيث أنه وسيلة طبيعية لاستنفاد الطاقة الزائدة عن الحاجة، وخاصة الطاقات الشهوية. يقول السير بوسيه: "إن الشهوات كالنهر المتدفق من علوٍ، عسيرٌ إيقاف تياره بسد مجراه؛ ولكن من الميسور تحويل مجراه".

واللعب وسيلة لإظهار المواهب والقدرات؛ ليتعرف عليها المربي لينميها عند الطفل. واللعب وسيلة للترفيه الذي هو شكل من أشكال الترويح عن النفس كنوع من التنفيس والخروج عن ضغط الجدية.

يقول الإمام الغزالي: "وينبغي أن يؤذن للطفل بعد الانصراف من المكتب "المدرسة" أن يلعب لعبًا جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب، بحيث لا يتعب من العلم، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه في التعليم دائمًا يميت قلبه ويبطل ذكاءه، وينغص عليه العيش حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه".

واللعب وسيلة تدريبية على كثير من القيم التربوية مثل: الشجاعة والنظام وقوة الاحتمال وروح الإنصاف.

ونهى الإسلام عن الألعاب الضارة وبيَّن أثرها: (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90]. وقال صلى الله عليه وسلم عن سليمان بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه".[رواه مسلم].

والنردشير هو: لعبة تسمى الطاولة في مصر.. والنرد هو: الزهر، وتتأكد حرمته إذا كان فيه قمار.

الصحبة الصالحة ذات تأثير في التربية:

يقول أبو حامد الغزالي: "وأصل تأديب الصبيان الحفظ من قرناء السوء".

والأساس في ذلك أن طبيعة الطفل مرنة تقبل التشكيل والتطبع بسرعة عن طريق تفاعلها مع البيئة المحيطة به، وهذا من أهم العوامل المساعدة للتربية الأخلاقية في نظر التربية الحديثة، ولهذا فإن وُضع الطفل في بيئة صالحة يتطبع بالصلاح بسرعة، وإذا وُضع في بيئة فاسدة يتطبع بالفساد – أيضًا – بسرعة فائقة.

قال صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء كمثل صاحب المسكِ وكير الحدَّاد ، لا يعدمُك من صاحب المسك إما تشتريه أو تجدُ ريحهُ وكيرُ الحدَّاد يُحرِقُ بدنك أو ثوبك أو تجدُ منه ريحًا خبيثة".[رواه البخاري].

وقال تعالى: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإنْسَانِ خَذُولاً)[الفرقان:27-29]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".[رواه أبو داود].

وفي أثر البيئة يقول الله تعالى: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف:58]. ولهذا الموضوع جانبان:

1- جانب سلبي وهو إبعاد الطفل عن قرناء السوء.

2- جانب إيجابي وهو إيجاد صحبة صالحة.

والجانب الإيجابي مهم جداً وهو عبارة عن إيجاد صحبة صالحة؛ لأن الطفل لمرونة طبعه ولوجود قوة المحاكاة عنده يتطبع بسرعة بالأخلاق الحسنة التي يجدها مع معاشرته، وخاصة إذا كانوا أطفالاً مثله، لهذا نجد ابن سينا يركز على هذه الناحية بقوله: "وينبغي أن يكون مع الصبي صبية .. حسنة آدابهم مرضية عاداتهم، فإن الصبي عن الصبي ألقن، وهو عنه آخذ، وبه آنس، وانفراد الصبي الواحد بالمؤدب أجلب الأشياء لضجره، فإذا راوح المؤدب بين الصبي والصبي كان ذلك أدنى للسآمة وأبقى للنشاط، وأحرص للصبي على التعلم".

والسر في أن الطفل يتأثر كثيرًا بسلوك المحيطين، هو ما يقرره علماء التربية والنفس من أنه من حاجات الطفل النفسية الحاجة إلى التقدير، ثم هو يظن في السنوات الأولى من حياته أن كل ما يفعله الناس المحيطون به حسن وعليه أن يقلدهم لينال تقديرهم، وليجد القبول والترحيب منهم؛ لهذا فهو يحاول أن يحاكيهم بالضبط كالمثل تمامًا، ويساعده على ذلك أن ما أوتي الطفل من قوة المحاكاة لا يقل عن قوة المحاكاة الموجودة لدى الممثل الماهر، لذا يجب استغلال هذا الاستعداد الموجود لدى الأطفال بالاستحسان الذي يتناسب مع ما يبذلون من جهد لأعمال حميدة.

ولهذا تكون التربية في هذه المرحلة ميسورة بالتلقين والإيحاء والقدوة الحسنة ممن حوله، ولهذا نجد في الإسلام مبدأ القدوة الحسنة، وبناء على ذلك فعلى المربي أن يمثل في حياته ما يدعو إليه كما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم في تعاليمه، فلو لم يكن الرسول خير قدوة لغيره فيما يدعو إليه لما كان استطاع أن يربي أصحابه على النحو الذي نعرفه، ولهذا السبب نفسه تفسد أخلاق الطفل بسرعة إذا كان المحيطون به سيئي الأخلاق.

والإسلام يجعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء الأفراد، والمحضن الذي فيه تتلقى رصيدها من الحب والتعاون والتكافل والبناء ، فالطفل الذي يحرم من محضن الأسرة ينشأ غير طبيعي في كثير من جوانب حياته ، مهما توافرت له وسائل الراحة والتربية في غير محيط الأسرة، وأول ما يفقده في أي محضن آخر غير الأسرة هو شعور الحب .

فقد ثبت أن الطفل بفطرته يحب أن يستأثر وحده بأمه فترة العامين الأولَين من حياته، ولا يطيق أن يشاركه فيها أحد، وفي المحاضن الصناعية لا يمكن أن يتوفر هذا، إذ تقوم الحاضنة بحضانة عدة أطفال يتحاقدون فيما بينهم على الأم الصناعية المشتركة، وتبذر في قلوبهم بذرة الحقد، فلا تنمو بذرة الحب أبدًا، كذلك يحتاج الطفل إلى سُلطة واحدة ثابتة تشرف عليه فترة من حياته كي يتحقق له ثبات الشخصية، وهذا ما لا يتيسر إلا في محضن الأسرة الطبيعي، فأما في المحاضن الصناعية فلا تتوفر السلطة الثابتة لتغير الحاضنات بالمناوبة على الأطفال، فتنشأ شخصياتهم مُخَلْخَلة، ويُحرَمُون ثبات الشخصية.

والتجارب في المحاضن تكشف في كل يوم عن حكمة أصيلة في جعل الأسرة هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع السليم الذي يستهدف الإسلام إنشاءه على أساس الفطرة السليمة.

المصدر :" كتاب قواعد تكوين البيت المسلم لأكرم رضا " " بتصرف "

Post: #312
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 01:06 PM
Parent: #311

محجبات بلا حجاب !!
ليس حجاب المرأة المسلمة شيئًا هينًا أو أمرًا عارضًا تعبث به أنامل مصممي الموضة والأزياء حتى تخرجه عن جوهره، وتحوله إلى مجرد زى ليس له من مواصفات الزى الشرعي نصيب، فالحجاب دين وهوية به تعبد المرأة ربها، وتتقرب إليه، وتُعرف به وتتميز.

فهل حجاب اليوم يعكس هذه المقاصد وما يرتبط بها من التزام أخلاقي وسلوكي، وإن لم يكن فما أسباب هذا التناقض؟ وكيف نزيلها؟

خاصة أن بعض الناس يعتبرون المحجبات غير الملتزمات بضوابط السلوك الإسلامي حجة على الإسلام، ويحاسبون الإسلام بهن.

هذه التساؤلات وغيرها يجيب عليها الشيخ جمال قطب - وكيل لجنة الفتوى بالأزهر الشريف - في هذا الحوار:

الحجاب والالتزام

ـ بادئ ذى بدء ما الضوابط والالتزامات التى يفرضها الحجاب على أخلاق الفتاة وسلوكها ؟

- الحجاب فريضة على المرأة المسلمة، ويمثل في الوقت ذاته نوعين من أنواع الفرائض والالتزامات، فهو يمثل في أصله أولاً التزامًا خلقيًا بجميع تكاليف الدين من عقائد وتشريعات وأخلاق، ويمثل ثانيًا شعيرة ظاهرة تبدو المرأة من ورائها، فيعرف انتماؤها العقدي والتشريعي والخلقي، وهكذا لا يغنى ارتداء الحجاب عن الالتزام وإقامة الفرائض، كذلك لا تغنى الفرائض عن ارتداء الحجاب.

ـ إذًا فما تفسيركم للتناقضات والتجاوزات التى تصدر من بعض المحجبات والتى تتخذ حجة على الإسلام ذاته من اختلاط أو زينة وصداقة ؟.

- إذا ارتدت المرأة الحجاب فلابد أن ينعكس لباسها على سلوكها وأخلاقها، باعتباره جزءًا من هويتها كمسلمة، فمن ارتدت الحجاب دون التزام تشريعي وأخلاقي فلا اعتبار لحجابها، ومن التزمت بالفرائض وتركت الحجاب فلا اعتبار لها؛ لأن الحجاب والعمل بتكاليف الإسلام كالوضوء والصلاة، فلا يغنى وضوء عن صلاة، ولا تقبل صلاة بغير وضوء.

من ناحية أخرى فإن ارتداء الحجاب بالنسبة للغير هو جزء من ثياب المرأة يمثلها ويمثل عفافها والتزامها، فإذا تردت المرأة المحجبة إلى خطأ من الأخطاء فما هي إلا واحدة من البشر قد أخطأت، وعلى الناس أن تنسب الخطأ لصاحبه وليس للمجتمع جميعه أو للإسلام نفسه كدين ومنهج شامل.

فكم من وزير سرق أو أخطأ، فهل تم توجيه الاتهام لجميع الوزراء؟ وكم من ملك فسد فهل اعتبرت السقطة في حق جميع الملوك؟

فلماذا يضغط أصحاب الأفكار الهدامة على أعصاب المرأة المسلمة، ويخيرونها بين عدم الخطأ الذى هو من طبيعة البشر، وبين ارتداء الحجاب الذي هو من صميم الدين.

تعتقد بعض الفتيات أن الحجاب يعنى التجهم والعبوس والعزلة.. بما ترد عليهن؟

- لا يعتبر الحجاب اعتزالاً للمجتمع، بل هو احترام للنفس، واحترام للآخرين؛ لأن ستر الأنثى لجسدها فيه تقدير لمشاعر الآخرين، فهي لا تريد أن تستثيرهم بغير حِل أو بغير مبرر شرعي، وليس الحجاب معناه اعتزال المجتمع، وترك حركة الحياة، ورسم الكآبة على الوجوه والغلظة في الكلام ، بل هو فضيلة تعلن عفاف المرأة لا سلبيتها، وتعكس آداب دينها في سلوكها ومعاملاتها بغير تبرج أو سفور أو إسفاف.

في إطار التربية

ـ بعض الفتيات يرتدين الحجاب ثم يخلعنه ويعلنَّ أن المهم هو الجوهر وليس مجرد المظهر أو الملبس، فما تعليقكم؟

- إجابة هذا السؤال ترتبط بالسؤال الأول، فمتى التزمت المرأة المسلمة بالحجاب أو الزى الإسلامي عن عقيدة واقتناع، فليس من المعقول ولا المتوقع أن تتزعزع عقيدتها أو تتغير قناعتها بأن الحجاب فريضة كالصلاة والصوم وغيرهما من العبادات.

ـ أيهما يأتي أولاً التربية أم الحجاب، وكيف تنمى الأم في ابنتها حب الحجاب وتعدها للالتزام به بحيث يصبح عبادة وليس مجرد عادة؟

- أتصور أنه لا مقارنة في الأولوية بين التربية والحجاب، فالحجاب جزء والتربية كل، تبدأ التربية عند التمييز من خلال التلقين والتقليد والمعايشة والمتابعة والتوجيه قبل أن يكون بالأمر والضغط والتشديد، فإذا ما وصلت الفتاة إلى مرحلة البلوغ أو قرابة الخامسة عشرة يجيء التزامها بالحجاب في نسقه وتطوره الطبيعي بناء على ما سبقه من خطوات تربوية، فتكون الفتاة قد أحست بقيمتها وضرورة تميزها وصيانة نفسها بالحجاب حتى يطلبها الزوج الكفء صاحب الدين والخلق.

ـ تتنافس بيوت الأزياء في عرض ملابس المحجبات وفق أحدث صيحات الموضة بما قد لا يفى بمواصفات الزى الشرعى، فكيف توازن الفتاة بين الأناقة والالتزام ؟

- لا تعارض بين الأناقة والالتزام بالزى الشرعي ، فالأولى إضافة للقادرات ماديًا والراغبات نفسيًا ، ولا حرج شرعيًا عليها ما دامت لم تستعمله في ما حرمه الله ، ولم تغير أوصاف الزى الشرعي للمرأة الذي لابد أن يستوفى شرطين اثنين، ألا يشف عما تحته، ولا يصف حدود وأبعاد وتضاريس الجسم، فضلاً عن أن يستر بدن المرأة الواجب ستره.

وأخيرًا أقول لكل فتاة تؤمن بالله ، وتحرص على إرضائه ما قال الله تعالى في محكم آياته : {عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم}.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #383
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-22-2015, 09:17 PM
Parent: #308

كل إنسان بحاجة لأن يحس بالتقدير، ولدى كل إنسان حاجة إلى الحب والتعبير عنه بكافة الأشكال، وفى كافة المواقف، وليس أجمل ولا أعذب من كلمة حب بين زوجين جمع الله قلبيهما على الحلال، فيغنى الله كلاً منهما بالآخر ويملأ فراغه، ولكن أن يهمل الزوج زوجته ولا يشبع عاطفتها، فهذه مشكلة، والكارثة أن يكون هناك من يرصد هذا الفراغ، ويحاول أن يسده بشكل غير مشروع.

وإن كنا نعذر الزوج حين يتزوج بأخرى، ونقول: لابد أنه لم يجد ضالته فى الأولى، فكيف تتصرف الزوجة حين تفتقد تقدير زوجها وحبه؟ إنها رسالة إلى كل زوج يرى الحب ضعفًا.. وتقدير الزوجة رعونة، والكلام الحلو تضييع وقت!
**شكاوى الزوجات***
خديجة عبد الله (موظفة) زوجى يخاصمنى بالأيام ونحن نعيش مع الأسرة الكبيرة فى بيت العائلة، والجميع يلاحظ ذلك فيكلم الجميع إلا أنا، ودائمًا يتهمنى بعدم النظافة والإهمال فى بيتى، رغم أنى أعمل أكثر من نصف اليوم وأرجع مرهقة ولا يساعدنى وراتبى يذهب إلى العائلة.

أميمة عابد (مدرسة) تزوجته وهو طالب، وعملت وكنت أنفق عليه وعلى أخواته البنات، وأول ما توفرت له فرصة عمل تركنى وسافر وتزوج من ممرضة، ويعطينى فتات وقته وماله، والعلاقة بيننا شبه مقطوعة، فأين التقدير وأين العرفان بالجميل.. ناهيك عن الحب؟
بسمة أحمد (موظفة) أسهمت مع زوجى حين كان موظفًا صغيرًا لا يملك شيئًا، وأعطيته مالاً بدأ به مشروعًا صغيرًا، وبارك الله فيه، وكان قبل ذلك يأخذ برأيى ونعيش حياة سعيدة، وحينما اغتنى بخل علينا، ويعطينا بالكفاف ويفضل أهله ويعطيهم، ثم تزوج من أخرى، مما جعلنى أكره الحياة، وأرى أنه لا وجود للإخلاص فيها فما بالك بالتقدير.

أما نسيبة عبد الرحمن (ربة منزل) فتقول: زوجى يحرص على مشاعرى، وخاصة أمام أهله ويساعدنى فى المنزل، ودائمًا ما يدافع عن حقى، وذلك يجعلنى ازداد حبًا له وتقديرًا ففاقد الشيء لا يعطيه، وأنا أستمد حبى لزوجى من حبه لى.

**خطأ التربية***
وعن أثر التربية على إهمال الرجل لتقدير زوجته يحدثنا د. أحمد العمرى - أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة - فيقول الخطأ الذى نقع فيه، ونحن نربى أولادنا أننا نعلى من قيمة الذكر، ونفرق فى التربية بين الولد والبنت، فالبنت تقوم بخدمة الولد، الولد يأكل والبنت تجمع الأطباق، ويوم الإجازة الولد ينام وتساعد البنت أمها فى أعمال البيت، هو يلقى ملابسه وأخته تجمعها وتنظمها، تعود الولد على أن يأمر البنت (المرأة)، ورُبِّى على أنه الأفضل وأنها الأدنى، ثم إن الابن الذى يرى أمه مهانة، وهى النموذج والمثل، يتعود على هذا، ويكبر وتتحول البنت الأخت الصغيرة إلى الزوجة، فتصبح أيضًا محل الإهانة والتحقير، ونحن نخطئ فى حق أبنائنا وأنفسنا وفى حق آخرين حينما نربى أولادنا بهذه الطريقة، ولذا نجد الولد حينما يصبح رجلاً يعتمد الشدة والقوة أسلوبه فى التعامل مع الآخر (الزوجة)؛ لأنه لم يرب على أن روح الود والأمان تسود الأسرة، وأن التعبير عن الحب والامتنان ليس نقيصة فى حق الرجل، أو تهمة يتهم بها، فإذا ما نشأ على هذا نجده حريصًا على التعبير لزوجته عن امتنانه وشكره لشيء طيب قدمته، أو إعجابه بثوب جميل ترتديه، أو ثنائه على جهد قدمته، مما يشعرها بالتقدير ويجعل حياتهما أفضل وأجمل.
ويحدثنا د. يوسف قاسم - أستاذ الشريعة بجامعة القاهرة - عن النبى (صلى الله عليه وسلم)، وكيف كان خُلقه مع زوجاته رضى الله عنهن وتقديره لهن فالزوجة أقرب شخص إلى الإنسان، فيجب أن تعامل معاملة كريمة، وقد ورد عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "خيركم خيركم لأهله"، والأهل تعنى الزوجة، فالقرآن الكريم يقول: { قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(يوسف: من الآية25)
وفى كلام أنس بن مالك: "قال خدمت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عشر سنين، فما قال لى عن شيء فعلته لم فعلته، وما قال لى عن شيء لم أفعله لِمَ لم تفعله"، فإذا كان هذا خلقه (صلى الله عليه وسلم) مع الخادم، فكيف به مع الزوجة، وللنبى (صلى الله عليه وسلم) مواقف مع زوجاته توضح مراعاته لشعورهن، فحينما عايرت زوجاته السيدة صفية بنت حيى بأنها ابنة يهودى - نتيجة لغيرتهن - من جمالها، طيب النبى خاطرها وقال لها: ردى عليهم بأنى زوجة نبى ، وأبى نبى ، وعمى نبى (إشارة لسيدنا موسى وهارون).
وكان إذا غضبت إحداهن من الأخرى أخذ الحق لصاحبته فى لين، وحينما كسرت السيدة عائشة إناء للسيدة حفصة أمرها برد مثله، حتى فى مرض الوفاة فقد استأذن بقية زوجاته فى أن تمرضه السيدة عائشة فى حجرتها، وكان هذا خلقه (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته وحرى بكل مسلم أن يقتدى به، فهو المثل الأعلى لكل مؤمن، وفى ديننا الكلمة الطيبة صدقة، والزوجة أولى بصدقة زوجها.
**برواز
- أرجوك. لا تفعل***
· تتعب الزوجة فى إعداد طعام شهى للزوج متمنية أن تسمع كلمة شكر فتكون الإجابة: أمى تطبخ أفضل منك.
· تنتظر زوجها فى أبهى زينة فيدخل وكأنه لم ير شيئًا ولا تعليق.
· وآخر يهين زوجته ولا يجبر كسرها أمام عائلته، ويتحدث عنها باشمئزاز.
· وآخر يبخل على زوجته بكلمة حب، أومدح .
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #317
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:04 PM
Parent: #301

في الشتاء حيث البرد القارس يحلو تناول المشروبات التي تمد الجسم بالدفء حين تناولها، وقائمة المشروعات الدافئة طويلة، نختار منها اليوم الحلبة والشاى ؛ حيث أثبتت الدراسات العلمية فوائدهما الصحية.

تعد الحلبة من أشهر الأدوية الطبيعية المعروفة منذ القدم، والتي لا يزيدها تقدم العلم، ومرور الأيام إلا رسوخًا بين النافع من النباتات العلاجية والغذائية أيضًا.

المكونات الفعالة فى الحلبة

الحلبة غنية بالمواد البروتينية والفسفور والمواد النشوية والحديد، وهى تماثل فى ذلك زيت كبد الحوت، كما تحوى أيضًا مادتى الكولين والتريكو نيلين وهما يقاربان فى تركيبهما أحد فيتامينات «ب» ، كما تحتوى بذورها على مادة صمغية وزيوت ثابتة، وزيت طيار يشبه زيت الينسون.

ويرصد فوائد الحلبة الدكتور عبد الباسط السيد - أستاذ مادة الجراثيم والميكروبات فى الجامعات المصرية - فيقول:

1 - إن الحلبة تعالج الإمساك المزمن، وأمراض الصدر، والحلق ، والسعال، والربو، والبلغم، والبواسير، والضعف الجنسى.

2 - تعطى للفتيات فى زمن البلوغ لتنشيط الطمث، وكذلك للتغلب على فقر الدم، كما أنها تساعد فى حالات تأخر الدورة الشهرية.

3 - تستخدم لتغذية ضعاف البنية والشهية، وللنحفاء لزيادة الوزن، كما يشرب مغليها لعلاج بعض الاضطرابات المعدية والصدرية.

4 - منقوعها يقوى المعدة، ويسهل الهضم ويحسنه.

5 - يفيد زيتها ومغليها فى إدرار حليب المرضع ، وفتح شهيتها للطعام ، وهو ما يعزز الشائع لدى السيدات، وما تتناقله وصايا الأمهات.

6 - مغلى بذور الحلبة مدفئ للكلى والأعضاء التناسلية.

7 - تستعمل بذورها لعمل " لبخة " فى علاج الدمامل والإسراع بشفائها، ويساعد مرضى البول السكرى بشفاء الجروح لديهم.

8 - يفيد مغليها إذا استعمل كغرغرة لعلاج التهاب اللوزتين، ولتحضير الغرغرة يغلى المسحوق بمقدار فنجان واحد من الماء ، يغرغر به بضع مرات، يؤخذ كل مرة جرعة واحدة، ويحتفظ بها داخل الفم لمدة دقيقة ونصف، ويفيد مغلى الحلبة مع التين، والتمر، والسكر فى علاج بعض أمراض الصدر المزمنة والسعال، والربو، وضيق التنفس، ويستعمل المغلى بشرب ملعقة كبيرة (3-4) مرات يوميًا لتسكين حدة السعال عند المصابين بالدرن الرئوى.

9 - تحتوى الحلبة على مادة (الصابونين) وهى مقوية وملينة للأمعاء ومضادة للالتهابات.

10 - كما يستعمل مغلى بذور الحلبة فى غسيل الجلد المتشقق، فيصير ناعمًا طريًا، كما تفيد فى إزالة الكلف من الوجه.

كما كشفت دراسة للدكتور أحمد الكوفحى - أستاذ علم العقاقير والنباتات الطبية ونائب عميد كلية الصيدلة جامعة العلوم والتكنولوجيا الأردنية - وفريقه أن مستخلص بذور الحلبة أبدى نتائج إيجابية فى كبح الخلايا السرطانية فى الإنسان مثل: سرطان الرئة والقولون والثدى.

وذكر أن الدراسات العلمية على حيوانات التجربة أثبتت أن مستخلص الحلبة خافض لنسبة الكوليسترول فى الدم نتيجة للألياف والمواد الصابونينية الموجودة فى بذور الحلبة، كما أنه خافض لنسبة السكر فى الدم، إضافة إلى أنه مضاد لبعض أنواع الفيروسات.

كما أثبتت دراسة هندية أن 3 جرامات من الحلبة المطحونة تعادل وحدة أنسولين، لذلك تستخدمها الهند حاليًا فى علاج مرضى السكر من النوع الأول، أى المعتمدين على الأنسولين من خارج الجسم، وكذلك النوع الثانى، أى غير المعتمدين على الأنسولين من الخارج.

وترجع فعالية الحلبة إلى احتوائها على سلاسل البيتيدات المرتبطة بالزنك، والتى يعزى إليها التأثير على سكر الدم، هذا علاوة على زيادة ما بها من الأحماض الأمينية، والكبريتية، وهى التى تساعد على تحويل السلاسل البيتيدية لمصنعات البنكرياس إلى أنسولين فعال.

فوائد الشاي

المشروب الآخر الذى نتناوله بكثرة لدرجة أننا لا يمكننا أن نتذكر عدد مرات تناوله فى اليوم، وهو مشروب محبب للأطفال أيضًا، أنه الشاى بنوعيه الأسود والأخضر.

وقد كشفت الأبحاث والدراسات فوائد عظيمة للشاى بنوعيه اللذين يختلفان تبعًا لدرجة التخمير التى تتعرض لها أوراقها أثناء الصناعة، فالأخضر ذو تخمير أقل من الشاى الأسود.

ومن فوائد الشاى التى أكدها العلم أنه:

1 - يساعد على خفض الكوليسترول، والوقاية من الأزمات القلبية، وهذا ما يقره أساتذة القلب على مستوى العالم؛ حيث يعتبر الكوليسترول السبب الرئيس فى حدوث جلطات الشريان التاجى، وبالتالى الأزمات القلبية.

2 - يخفض من ضغط الدم، ويرجع السبب فى ارتفاع ضغط الدم إلى إنزيم تفرزه الكلى، ويعمل الشاى على تعطيل عمل هذا الإنزيم، مما يسهم بشكل كبير فى خفض ضغط الدم.

3 - يساعد فى الوقاية من السكرى؛ إذ يقدم المؤكسدات الطبيعية فى الشاى - خاصة الأخضر - بمنع الإنزيم الخاص بتحويل النشا إلى سكريات بسيطة يمكن امتصاصها فى مجرى الدم، فينخفض بذلك مستوى السكر.

4 - يسهم الشاى الأخضر بشكل كبير فى وقاية الأسنان من التسوس، ويحمى اللثة من الالتهابات؛ حيث يعمل كمضاد للبكتريا المصاحبة للطعام، والتى تترسب على الأسنان، فيمنع تكونها، ويزيل الرائحة الكريهة من الفم.

5 - لا يساعد الشاى فقط على الاسترخاء، بل يمكنه أيضًا المساعدة فى التخلص من الكيلو جرامات الزائدة فى أوزاننا، فالشاى بجميع ألوانه يخدم النحافة؛ حيث يحفز ويقوى عملية حرق السعرات فى الجسم.

ويمتاز الشاى الأخضر بقدرته على تخليص الجسم من مواد سامة، ويحارب احتباس الماء، وينشط عمل الجهاز الهضمى، والكليتين، كما أنه يقلل من حدة الشهية.

6 - يحتوى الشاى على مواد تسمى «الفلافو نولات» تقاوم المواد المؤكسدة التى تدمر أنسجة الجسم وتفسدها، وبالتالى يعمل الشاى على وقاية الجسم من التحولات السرطانية.

7 - قام فريق من الباحثين بعمل كريم من الشاى الأخضر يسهم فى الوقاية من سرطان الجلد، بمنعه تكون الخلايا السرطانية عليه، وإيقاف نموها.

إن المأخذ الوحيد الذى يؤخد على الشاى هو الظن بإعاقته لامتصاص الحديد، والعلاج لذلك سهل، ويكمن فى تأخير تناول الشاى إلى ساعتين بعد الوجبة الغذائية، وتناول أطعمة تحوى فيتامين «ج» مع الحديد خاصة نباتى المصدر لرفع درجة امتصاصه فى الجسم ، مع عدم غلى الشاى مع الماء ، بل إعداده بطريقة الشاى «الكشرى» المعروفة، وهى إضافة الماء المغلى إلى الشاى فى الكوب أو الفنجان.
هبة الله سمير-اسلام ويب

Post: #318
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:07 PM
Parent: #301

التجمل بالأطعمة
إن الله جل شأنه قد خلق الإنسان في أحسن هيئة وأجمل صورة كما بيَّنه بقوله: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[التغابن:3]، وقوله: (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:7]، وهو سبحانه جعل كل ما في هذا الكون ملائمًا لطبيعة الإنسان موافقًا لتركيبته التي ركّب عليها، قادرًا على تلبية حاجته التي تتنوع وتتشكل بحسب الزمان والمكان.

إذاً هو يعيش في بيئة ومناخ ملائمين له، كما أخبر عن ذلك رب العزة في آيات متفرقة فقال: (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)[لقمان: من الآية20].



ومن أهم مقومات هذه الحياة: الغذاء الذي يحيا به الإنسان وينتفع منه بأوجه متعددة، فهو مصدر لطاقة الجسم ونموه، وهو أيضًا مكافح لما يعتري الجسد من أمراض توهن الجسم وتضعفه، كما ثبت بطريق الطب ومن خلال التجارب على مر الزمن لبعض هذه الأطعمة خصائص تزيد في الزينة والجمال، وتساعد على إزالة ما يعرض للجسم من عيوب تُذهب من هذه الزينة أو تخفيها.



وهذه الأغذية تدخل في صناعة الجمال من بابين:



الأول: أن تكون متخذة في الأساس للعلاج والاستشفاء، لكن صاحبه ونشأ عنه استعمالات حسنة في إزالة بعض العيوب.



ومن أمثلة هذا الباب:

· استخدام العسل لإزالة الكلف والنمش الذي يعلو الوجه.

· استعمال الحبة السوداء للعلاج من مرض الثعلبة والبرص.

· استعمال الليمون في إزالة البقع المحيطة بالعيينين وأجزاء من الوجه



وهذا الباب لا مرية في حِلِّه مادام في الحدود التي أباحتها الشريعة، إذ أن استخدامها في الحقيقة لا يَعْدُو أن يكون علاجًا واستشفاء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا، ولا تتداووا بحرام".[رواه أبو داود].



الثاني: أن يكون استعمالها بهدف التجمل فقط دون أن يتعلق هذا الاستعمال بشيء آخر. ومن أمثلة ذلك:

· استخدام الخيار لإزالة خشونة الجلد وتجاعيده.

· استعمال البقدونس المساعد على صفاء البشرة وبهاء الوجه.

· تنشيط الجلد وفتح مساماته عن طريق فاكهة الفراولة.



وهذا الباب داخل في عموم المنافع التي أباحها الله عز وجل، كما أفتت بذلك اللجنة الدائمة للإفتاء، ومما يبيِّن ذلك:



أولاً: أن الله تعالى شأنه قد خلق لنا كل ما في هذه الأرض، وجعله مسخرًا لنا بكافة أشكال التسخير، إما منفعة ضرورية أو حاجية، أو تكميلية، وإما متعة يستجم بها الإنسان ويجدد بها نشاطه وقوَّته على خيري الدنيا والآخرة.



ولا ريب في أن استعمال هذه الأطعمة المباحة في التجمل وطلب الزينة منفعة من جملة هذه المنافع التي خلقها الله لنا؛ كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[البقرة:29]، وقال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ)[الحج:65].



والمتأمل في هذه الآيات يرى أن هذا الخلق أو التسخير لم ينحصر في وجه أو خلق من المخلوقات، بل هو عام وشامل لكل ما ينتفع به كما دل على هذا المعنى كلمة (لكم).



ثانيًا: أن الزينة والتجميل غريزة من غرائز التكوين الإنساني وفطرة فُطر عليها بنو آدم، فهي حاجة من حاجاته التي ينشدها، ولهذا لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة من كبر". فقال رجل: يا رسول الله! إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنة فقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله جميل يحب الجمال". [رواه مسلم].



وكان صلى الله عليه وسلم يكثر من التطيب ويحبه، ولا يرده، بل كانت له مثل القارورة يتطيب منها ويقول: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم الطيب والنساء و جعلت قرة عيني في الصلاة "[رواه أحمد].

وكانت له مكحلة يكتحل منها، وكان يُرَجِّلُ رأسه ولحيته (أي يمشطهما)، ويدهنهما بالزيت ، وله ثياب قد رصدها لمقابلة من يفد عليه من الوجهاء ورؤساء القبائل، وهي أيضًا مطلب شرعي أراده الشارع وارتضاه بالحدود التي رسمها، كما قال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيّاً وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا)[النحل:14].



بل أنكر سبحانه على من حرَّم شيئًا منها بلا حجة ولا برهان ؛ كما قال تعالى: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)[الأعراف:32].

ولكن لابد من التنبيه إلى عدة أمور:



· أن استعمالها لابد أن يكون بقدر الحاجة التي تحقق المراد، فلا يسرف في استخدامها إسرافًا نهى الله عنه.

· الاستغناء عنها إلى ما سواها من أدوات الزينة، إذ إنها أحرى وأبعد عن حال المترفين و هي في الأصل لم توضع أداة للتجمُّل.



التزين والتجمل:



للشريعة في تقرير هذا المطلب أدلة كثيرة متنوعة منها:



· الإرشاد إلى العناية بالجسم ونظافته التي تعد مظهرًا من مظاهر الزينة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خمس من الفطرة: الاختتان، والاستحداد، وقص الشارب، وتقليم الأظافر، ونتف الإبط".[رواه مسلم].

· أنه نهى الرجل إذا قدم مسافرًا أن يفاجئ أهل بيته ليلاً دون علمهم، وذلك لئلا يراهم على هيئة غير حسنة، وقال: "حتى تستحد المغيبة وتمتشط الشعثة"[رواه مسلم].

· أنه حث عليها وجعلها سببًا في نيل المغفرة في مواطن معينة، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا يغتسل رجل يوم الجمعة، ويتطهَّر ما استطاع من طهر، ويدَّهن من دهنه أو يمس من طيب بيته، ثم يخرج فلا يفرق بين اثنين، ثم يصلي ما كتب له، ثم ينصت إذا تكلم الإمام؛ إلا غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى"[رواه البخاري].

ثالثًا: أن الأصل في الزينة والتجمل الْحِلّ والإباحة، إلا ما قام الدليل الشرعي على المنع من استعماله، كالنجاسات والكحول التي تدخل في صناعة العطور بنسب عالية، أو لبس الحرير والذهب للرجل، أو استخدام المرأة للطيب في وقت تمر فيه بالرجال.

وائل الهوريني
( مجلة الأسرة عدد 142 )

Post: #319
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:09 PM
Parent: #301

كيف نغرس شجرة الصدق في أطفالنا ؟
غرس شجرة الصدق يقتلع الكثير من الأخلاق السيئة من نفوس أولادنا ، بل ويساعدنا على غرس الكثير من الأخلاق الطيبة فيهم ، فالصدق بداية سلسلة الأخلاق الحسنة ، والكذب هو بداية سلسلة الأخلاق السيئة ، وليس هذا مبالغة ، ولكنها وصية نبوية خالدة «إن الصدق يهدى إلى البر، وإن البر يهدى إلى الجنة، وإن الكذب يهدى إلى الفجور، وإن الفجور يهدى إلى النار...».

وحتى تغرسى هذه الشجرة المباركة فى نفوس أبنائك.. إليك بعض النصائح والأفكار:

1 - خصصى يومًا أو جزءًا من يوم تجتمعين فيه مع أولادك ، تسمينه اليوم السعيد وحاولى تخصيص حوالى ساعة من هذه الفترة لجلسة ربانية تجمعكم تعقبها نزهة أو فترة ترفيهية، إن هذه الساعة الربانية التى تجمعكم كأسرة سيكون لها من الأثر المبارك على أخلاق أولادك الكثير، أما إن استطعت أن تجعلى هذه الساعة يومية فقد أنجزت إنجازًا كبيرًا.

2 - لا تتركى فرصة مائدة الطعام تفوتك ، إذ يمكنك استغلالها فى الحوار حول موضوع تطرحينه أو إجراء المسابقات الترفيهية على أن يكون فيها سؤال عن الخلق الذى تريدينه.

3 - استغلى فترات الانتظار لتحكى لأولادك قصة أو لتوصلى لهم معلومة ولو بسيطة.

4 - عند زيارتك لبيت الجد والجدة اتفقى معهما على أن يحكيا شيئًا من السيرة يخدم الخلق، فالأولاد يتأثرون بهما كثيرًا، وكلما تعددت مصادر دعم الخلق كان أثبت فى نفوس أولادنا ، وأتذكر أن الداعية الأستاذ عمرو خالد قال: إن جده كان يحكى له الكثير من قصص السيرة فيفرح لإسلام عمر ويحزن لاستشهاد حمزة.

ولنتذكر أن العملية التربوية لا تقتصر على وقت معين ، بل هى وظيفة العمر يمكن أن تؤدى فى أى وقت من أوقات اليوم، فلنحاول أن نستغل أوقات أولادنا، وألا نضيع عليهم أيامهم، وذلك بمحاولة استغلال كل الفرص والأوقات التى تسنح لنا خلال اليوم لتعليمهم أى معلومة ولو بسيطة، وليس معنى ذلك أن نظل نصدر لهم الأوامر ليل نهار، فالتربية والتعليم ليسا فقط بالموعظة المباشرة، بل قد يكونان بلقطة تلفاز تعلقين عليها أو بدعوات تتلفظين بها وأنت تطهين طعامك فيلتقطها منك أولادك.

ما المنهج وكيف نطبقه ؟

علمنا الأستاذ/ عبد الله ناصح علوان فى كتابه «تربية الأولاد فى الإسلام» أن وسائل تربية الأولاد خمسة:

1 - التربية بالموعظة.

2 - التربية بالقدوة.

3 - التربية بالعادة.

4 - التربية بالملاحظة.

5 - التربية بالعقوبة.

التربية بالموعظة

1 - لا مانع من الاتفاق مع أولادك على شعار للشهر، وفى خلق الصدق يمكن أن يكون الشعار (الصدق طمأنينة، والكذب ريبة)، ويمكنك كتابته وتعليقه فى مكان بارز فى المنزل.

2 - عمل مسابقة بين الأولاد فى حفظ بعض الآيات التى تحض على الصدق مع شرح الآيات المختارة فى الجلسة التربوية، وقد تكون المسابقة فى الحفظ والشرح مع تخصيص هدية بسيطة للفائزين ، والآيات التى يمكن حفظها لخلق الصدق (المائدة: 119 - البقرة: 177، وفيها معنى عملى لصفة الصدق).

3 - إجراء مسابقة كذلك فى حفظ بعض الأحاديث التى تحض على الخلق، ويمكنك إدخال الابتكار على المسابقة بأن تكتبى كلمة الحديث على أوراق منفصلة وتخلطى الورق، وتعملى منه عدة نسخ بحسب عدد أولادك ، وأيهم يرتبها أولاً يفوز، وقد يتم الخلط بين أكثر من حديث، ويمكنك كتابة الأحاديث بخط جميل، أو بواسطة الكمبيوتر وتعليقها فى مكان بارز فى المنزل بجوار الشعار، بحيث تكون أمامهم لمدة شهر مثلاً فيسهل حفظها وتستطيعين أخذ الأحاديث من كتاب رياض الصالحين، أو خلق المسلم للغزالى ، ويمكنك استغلال المناسبات كنجاح الأولاد وغيرها لعمل حفل وتوزعين فيه جوائز الحفظ، ويتلون ما يحفظون من أناشيد وأحاديث كفقرات فى الحفل.

4 - استغلال حكاية قبل النوم فى سرد الحكايات عن الخلق مع استخدام أسلوب الإثارة والتشويق كأن تتركيهم يتوقعون نهايتها، وإذا كانوا يعرفون معظم القصص التى تعرفينها عن الخلق، فخصصى جائزة لمن يأتيك بقصة لا تعرفينها، فهذا يشجعهم على البحث والقراءة، وبالنسبة للصدق يمكنك حكى قصة الصحابى أنس بن النضر الذى نزلت فيه آية {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه...}، أو قصة الصحابى كعب بن مالك فى قصة الثلاثة الذين خُلّفوا فى سورة التوبة، وكذلك قصة العالم عبد القادر الكيلانى عندما عاهد أمه على عدم الكذب فتابت على يديه عصابة من اللصوص.

5 - عمل برنامج لتطبيق هذا الخلق وحتى تشجعى أولادك على الالتزام به أخبريهم أنك ستلتزمين به معهم، وبالفعل تعمدى أن يروك، وأنت تجيبين عن أسئلة البرنامج :

- هل تحريت الصدق فى كل أقوالك وأفعالك اليوم ؟

- هل تحريت الصدق فى المزاح ؟

- هل ضبطت نفسك تكذب فسارعت بقول الصدق ؟

- هل قلت الصدق ولو على نفسك ؟

- هل دعوت الله أن يرزقك الصدق ؟

التربية بالقدوة

احرصى على ربط أولادك بالصحابة وجعلهم قدوة لهم بكثرة حكاياتك وتوفير الكتب التى تتحدث عنهم.

احرصى أن تكونى قدوة لهم فى الخلق الذى تربينهم عليه.

يمكنك تعويد نفسك وأولادك على صيام يوم من أيام النافلة وقبل المغرب اجمعيهم للدعاء وتضرعوا إلى الله أن يرزقكم خلق الصدق، ويا ليت زوجك يشارككم الدعاء ، ويمكنك أن تدربى أولادك على الدعاء وتؤمنين وراءهم أنت ووالدهم.

وهناك بعض السلوكيات التى قد تصدر منا دون أن ندرى وهى منافية لخلق الصدق:

- كأن تعدينهم بشيء معين أو هدية ، ثم لا تفين بوعدك، وإذا اضطرتك الظروف لعدم الوفاء فتحاورى معهم واشرحى لهم الأسباب.

- اعتذارك للمدرسة عن سبب غياب ابنتك بمرضها ، وتكون هى قد قامت متأخرة من النوم.

- تمثلين أنك تضربين أحدهم لترضية آخر اشتكى منه.

- اعتذارك عن تناول شيء من الطعام عند من تزورينها بصحبة أطفالك بدعوى أنك لا تشتهيه أو أنك تناولت وجبتك وتكون الحقيقة خلاف ذلك.

- إنكار الأب أو إنكار نفسك عندما يسأل أحد عنكما.

التربية بالملاحظة

يمكنك الاتفاق مع إحدى صديقاتك اللاتى تثقين بهن ممن يكون لها أولاد فى مثل سن أولادك أن يقضى أولادك عندها يومًا من أيام إجازتهم، وكذلك يفعل أولادها، فصديقتك تستطيع أن تنقل لك صورة عن سلوكيات أولادك ومدى ما وصل إليه منهجك التربوى معهم، وكذلك تفعلين مع أولادها.

قد تسنح لك الفرصة لأن تعرفى الأحداث الحقيقية لموقف حدث مع أولادك ، استفسرى عنه منهم لتقيسى مدى صدقهم معك.

التربية بالعقوبة

عودى أولادك دائمًا أن الصدق منجاة أى أنهم إذا قالوا الصدق، فإنك لن تعاقبيهم، أو إذا كان الأمر يستدعى العقوبة فإن قولهم الصدق سيجعلك تخففينها، أما إن كذبوا فستكون العقوبة مضاعفة ؛ لأنهم جمعوا عصيانًا وكذبًا ، واحرصى على أن تفى بوعدك لهم.

التربية بالعادة

عوّدى أولادك على أن يكون بينكم وقت معين يوميًا ولو 10 دقائق يحكون لك ما مر بهم فى يومهم ، فإن الحوار بينك وبينهم له فوائد كثيرة منها أنه يساعدهم على الانفتاح عليك وفتح قلبهم لك فتأتيهم الشجاعة لقول الصدق وإن أخطأوا.

وأخيرًا لا تنسى الدعاء، ثم الدعاء، ثم الدعاء والتضرع إى الله أن يهدى أولادك ويصلحهم ويبعد عنهم رفقة السوء ويرزقهم الصحبة الصالحة التى تدلهم على الخير وتعينهم عليه.
لبنى شمس-اسلام ويب

Post: #320
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:11 PM
Parent: #301

فى دنيا الزواج يصارع الواقع الأحلام الوردية، وتزاحم المسئوليات مشاعر البداية الرومانسية، وتدريجيًا، تتقلص مساحات الدفء، وتتسلل البرودة إلى البيت المشترك الذى كان سعيدًا، ويتربع عدم الانسجام على عرش الحياة الزوجية.

لماذا يحدث هذا التحول وكيف يسود التفاهم والانسجام أقدس العلاقات ؟

اقتربت من أطراف القضية مباشرة ، وسألتهم وأجابوا .

فاتن منير عطية - ربة بيت - ولديها طفلان: في فترة ما قبل الزواج يرى المرء أجمل الأشياء والصفات في الطرف الآخر، وفجأة يهرب الانسجام تدريجيًا بين الزوجين لأسباب عديدة منها أن الإثنين أصبحا جسدًا واحدًا وروحًا واحدة، فلا يحتاج كل طرف لإظهار مشاعره تجاه الطرف الآخر، مع أن الكلمات الرقيقة اليى تخاطب الوجدان لها تأثير السحر على المرأة ، خاصة إذا كانت حياتها خاوية من الهواية أو الاهتمامات، وأهم عنصر يعمل على هروب الانسجام الروتين اليومي؛ يصبح الزوج كالآلة يقضى معظم ساعات يومه في العمل من أجل الأسرة، فينسى الهدف الأساسي الذي يعمل ويكد من أجله وهو الأسرة وواجباته المعنوية نحوها، والزوجة أيضًا تنسى الاهتمام بمظهرها من أجل شريكها فيضيع الانسجام ويحل محله الروتين الممل بسبب عدم اهتمامها بمظهرها، كما كانت تهتم من قبل الزواج.

غياب الصدق

ويدعو المحاسب مصطفى إبراهيم صوفي إلى أن يكون الإنسان على طبيعته لا يتجمل ولا يكذب قبل الزواج وبعد الزواج تسقط الأقنعة، ويظهر كل واحد للآخر بالصورة الحقيقية، ويكون هذا سببًا من أسباب هروب الانسجام بينهما.

نجاح مصطفى حسنين - سائق: يهرب الانسجام بين الزوجين بسبب غياب الصدق بين الطرفين، وغياب الكلمة الحلوة التي تضفي جواً من السعادة، بالإضافة إلى الروتين القاتل للحب والسعادة الزوجية، ولكي نحافظ على الانسجام لابد من اهتمام الزوجة بمظهرها وبطريقة حديثها، واختيار الكلام المناسب في الوقت المناسب حتى لا يمل الزوج من حياته معها، ولابد أن يكون الزوج هو الصديق والحبيب ؛ لأن الزوجة في حاجة إلى من ترمى بهمومها وأعبائها ومشاكلها بين يديه، ولابد من معالجة كل المشاكل الزوجية بالعقل، وبمنتهى الهدوء وعدم إشراك أي طرف آخر في حلها، ويجب أن يشعر كل طرف أنه في أمس الحاجة لشريك حياته وأن الحياة لن تستقيم بدونه، وأن قيمته تكتمل معه وبه، وأن يُشعر كل طرف الآخر أن سعادته في وجوده وليس في غيابه؛ لأن كل منهما من الآخر وله.

محمد محيى الدين لولى - مدرس اللغة العربية - : يهرب الانسجام بين الزوجين بعد الزواج بسبب عدم تفهم الحياة الزوجية من قبل الطرفين، ولكي نحافظ على هذا الانسجام يجب عدم إلقاء أحدهما بالمسئولية كلها على الطرف الآخر، فكل طرف مسئول بذات القدر عن تأمين الحياة الزوجية والحفاظ عليها، ويجب ألا يتعالى أحدهما على الآخر، فبعض الأزواج يفخر و يتعالى على زوجته؛ لأنه يوفر كل الاحتياجات المادية، في حين نجد الزوجة تمن بأنه بفضلها ويفضل تعبها وكدها يستقر البيت دون ذكر لأي دور يقوم به الزوج فلا يجب أن تعقد المقارنات بين الزوجين، ويجب أن يعترف كل طرف بفضل الآخر عليه وعلى بيته وعلى حياته.

أشرف عبد القادر على - مدرس إنجليزي : المسؤول عن هروب الانسجام بين الزوجين بعد الزواج الزوجة والزوج فكل طرف منهما مسؤول تجاه الآخر؛ لأنه لابد من تلاشى الروتين في حياتهما ومحاولة التجديد دائمًا ، فمثلاً لابد من احترام يوم الإجازة الأسبوعية واستغلالها استغلالاً جيدًا ، وأيضًا محاولة الحفاظ على أسلوب الحوار بين الطرفين وسماع كل طرف باهتمام وصراحة تامة مع مناقشة جميع المشاكل الزوجية بمنتهى الحكمة ومحاولة معالجتها بهدوء ، أما المسؤولية الكبرى للحفاظ على الانسجام فهي على الزوجة ؛ لأنها التي تقوم باستقبال الزوج بعد رجوعه من العمل المفروض أن يجد في بيته كل راحة وبشاشة.

هموم المعيشة

ويقول المتخصصون فى شئون الحياة الزوجية : إن الزوجين كثيرًا ما ينسيان أو تأخذهما هموم المعيشة فيهملان التعامل، والتحدث مع بعضهما وقد علق أحد أساتذة علم النفس بأن الخطيبين يحلمان بتكوين البيت وشكل ترتيبات الفرح وملابس العروسين ورحلة شهر العسل ، وما يتبع هذه الفترة من نزهات ومباركة الأهل والأصدقاء، ثم تقف الأحلام عند هذا الحد ، وحينئذ يجد الزوجان الشابان أنهما لا يعرفان كيف يتعاملان مع بعضهما في حياتهما اليومية الروتينية، ثم يصفان بعد ذلك الحياة الزوجية بأنها مملة وروتينية وكل واحد منهما في واد مكتفٍ بدوره الذي حدده لنفسه.

ويرى الداعية إبراهيم المرسى السيد : أن على الزوجين أن يتأملا قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1)

وأن يبتعدا عن التشاؤم ويتقبلا الواقع بنفس راضية بالالتزام بأوامر الله تعالى الذي أمر بالحرص على حقوق العشرة وأن يخلعا رداء الكبر والتعنت ، ويرجعا إلى الله لحل الخلاف ويتفنن كل منهما في خلق جو من التراحم والتواد والألفة، والأهم من ذلك أن يتشاركا في تلاوة القرآن والأذكار لتطمئن القلوب.. ( أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )(الرعد: من الآية28)
اسلام ويب

Post: #321
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:12 PM
Parent: #301

هل أعددت ابنتك كي تكون زوجة ناجحة ؟
كثير من الأمهات لا يعرفن أن عليهن واجبًا مهمًا تجاه بناتهن المقدمات على الزواج، هذا الواجب لا يتمثل في توفير ما ينبغي من الجهاز المتفق عليه مع الزوج ونحوه فحسب، وأيضًا لا يقتصر على مصارحتها بما يجب عليها اتباعه ليلة الزفاف، وما يجب أن تكون عليه، لكن هذا الواجب يتعدى ذلك إلى أمور أكثر أهمية، وأشد خطرًا في حال نسيانها، وعدم تعليمها للبنت.

وتلك الأمور تتمثل في توصية البنت بحسن التعامل مع الزوج، وكيفية تجنب المشكلات الزوجية، وواجبات الزوج على زوجته، وحقوق الزوجة على زوجها، ونحو ذلك.

هذه الأمور أكثر أهمية، وذلك لأن الفتاة سوف تنتقل من حياة إلى حياة أخرى، تختلف عنها اختلافًا بينًا.

لقد أصبحت زوجة مسؤولة عن بيت، وعن خدمة رجل آخر وهو الزوج، وهو إلى حد كبير غريب عنها، وإن كانت قد تعرفت عليه في فترة الخطوبة، لكن هذا لا يعني أنها تعرفت عليه تعرفًا كاملاً، بمعنى أنها لازالت لم تتعامل معه تعاملاً مباشرًا من موقع المسؤولية باعتبارها زوجة، وعلى الأقل لم تتعامل مع طباعه وخصائصه تعاملاً مباشرًا، إنها تحتاج لمن يشرح لها الكثير من الأمور حول الزواج والحياة الزوجية.

وقد كان العرب يعرفون ذلك قبل الإسلام، فكانت الأم تجلس مع ابنتها توصيها قبل الزواج بطريقة معاملة الزوج، وكيفية استيعابه.

واعتنى الإسلام بموضوع الزواج أيما اعتناء ، وبين للزوجين كيف يحفظ كل منهما للآخر حقوقه، وكيف يتعامل معه تعاملاً لائقًا، وهذا ما يجب أن تعلمه الأم بصفة خاصة حتى تعظ ابنتها به، وتبينه لها، حتى تكون على بينة من أمرها.

وقد كانت المرأة تذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله: ما حق الزوج على زوجته، وذلك من أجل أن تتزوج على بينة من أمرها، وتعرف تكاليف الزواج منذ البداية.

ومما ينبغي للأم أن تُعلمه لابنتها، وهي مُقْدِمَة على الزواج مايلي :

1- طاعة الزوج وتقديره:

ينبغي أن تتعلم الفتاة المقبلة على الزواج أن طاعة الزوج – في غير معصية الله – واجبة، وأن عليها أن تكون مع زوجها هينة لينة، لا تجادله في كل كبيرة وصغيرة، ولا تعانده ولا تعصي أمره، فإن الرجل هو الرئيس أو القائد في الحياة الزوجية، وقد اقتضت حكمة الله هذا الأمر، والقائد الذي لا يُطاع أمره يهتز ملكه وينهار، والحياة الزوجية لا يمكن أن تسير بصورة طبيعية والزوجة تعاند زوجها في كل كبيرة وصغيرة، ولا تطيعه في كل أمر.

ولا تعني طاعة الزوج تسلطه على زوجته، أو تعنّته، وإنما تعني تنظيم الحياة الزوجية، وسيرها سيرًا طبيعيًا، بحيث يكون هناك ربان واحد للسفينة، حتى لا تهددها الأمواج، وتعصف بها في بحر الحياة المليء بالعواصف، ولقد دلت الأحاديث الشريفة على أن طاعة المرأة زوجها من أفضل القربات إلى الله تعالى، وأنها طريق إلى الجنة.

فقد جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو بين أصحابه فقالت: بأبي أنت وأمي! إني وافدة النساء إليك، وأعلم نفسي لك الفداء، أما إنه ما من امرأة كائنة في شرق ولا غرب سمعت بمخرجي هذا أو لم تسمع، إلا وهي على مثل رأيي، إن الله بعثك بالحق إلى الرجال والنساء، فآمنا بك، وبإلهك الذي أرسلك، وإنا معشر النساء محصورات مقصورات، قواعد بيوتكم، ومقضى شهواتكم، وحاملات أولادكم، وإنكم معاشر الرجال فضلتم علينا بالجمعة والجماعات، وعيادة المرضى، وشهود الجنائز، والحج بعد الحج، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله، وإن الرجل منكم إذا خرج حاجًّا أو معتمرًا، أو مرابطًا، حفظنا لكم أموالكم وغزلنا لكم أثوابكم، وربينا لكم أولادكم، فما نشارككم في الأجر يا رسول الله؟!

فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه بوجهه كله، ثم قال: "هل سمعتم مقالة امرأة قط أحسن من مسألتها في أمر دينها من هذه". فقالوا: يا رسول الله! ما ظننا أن المرأة تهتدي إلى مثل هذا، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها ثم قال: "انصرفي أيتها المرأة، وأعْلمي مَن خلفك من النساء أن حسن تبعل إحداكنَّ لزوجها، وطلبها مرضاته، واتباعها موافقته، تعدل ذلك كله". فأدبرت المراة وهي تهلل وتكبر استبشارًا.[رواه البزار].

ولتنظر الزوجة إلى حرص النساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على الخير، وعلى منافسة الرجال في السباق نحو الجنة!! وإلى فرحة المرأة بأن طاعة الزوج، وحسن التبعل له، لها ثواب عظيم وأجر كبير!!

وعنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت بعلها – زوجها – دخلت من أي أبواب الجنة شاءت".[رواه أحمد وابن حبان].

2- حفظ أسرار الزوج :

من الأمور التي يجب أن تنبه الأم عليها ابنتها المقدمة على الزواج ضرورة حفظ أسرار زوجها وأسرار بيتها، وعدم إفشاء سر زوجها لأي شخص، فضلاً عن حفظ أسرار الفراش، فإن هذا ألزم وأوجب؛ لأن إفشاء أسرار الفراش يتضمن إفشاء السر بالإضافة إلى الفضيحة، وهو أمر لا يقره عاقل، ولا يفعله إلا بعض الجاهلين أو الفاسقين.

ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة رضوان الله عليهم، ونحن من بعدهم من خطورة إفشاء أسرار الفراش بالذات فقال: "لعل رجلاً يقول ما يفعل بأهله، ولعل امرأة تخبر بما فعلت مع زوجها". فأرم القوم (يعني سكتوا)، فقامت امرأة فقالت: إي والله يا رسول الله، إنهنَّ لقلنَ، وإنهم ليفعلون. قال: "فلا تفعلوا، فإنما ذلك مثل شيطان لقي شيطانة في طريق فغشيها والناس ينظرون".[رواه أحمد والطبراني ].

كما إن إفشاء سر الزوج، أيًّا كان هذا السر، يسبب الكثير من المشاكل، وقد يتسبب في خراب البيوت، فيجب على المرأة حين تعلم شيئًا من أمور الزوج لا يريد أن يعرفه أحد غيرها ألا تخبر به أحدًا مهما يكن قريبًا منها، وكذا لا تفشي أي سر من أسرار بيتها لأحد مهما يكن، ولتتعلم ضبط اللسان؛ لأن فلتة لسان قد تورد المهالك.

3- حسن تدبير المنزل :

ولا شك أن مهمة الزوجة تشمل حسن تدبير المنزل، والقيام بأعبائه حق القيام، ورعاية الأولاد، وينبغي أن تتعلم الفتاة قبل الزواج مهام تدبير البيت، من إعداد للطعام، ونحو ذلك من الأمور اللازمة والضرورية، وخدمة الزوج والقيام بشؤونه.

يقول أنس رضي الله عنه: "كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا زفُّوا امراةً إلى زوجها يأمورنها بخدمة الزوج، ورعاية حق، وتربية أولاده....".

وهذا لا يمنع من مساعدة الزوج زوجته في شؤون المنزل، إن سمحت بذلك ظروفه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج كأنه لا يعرفهم ولا يعرفونه، وهو كناية عن إسراعه إلى تلبية نداء الحق.

4- حفظ الزوج في غيابه :

فالمرأة الصالحة هي من تحفظ زوجها في غيابه عن البيت، فتحفظ نفسها من أن يتعرض لها أحد بكلمة، ولا بنظرة، وذلك بأن تلتزم الأدب الإسلامي الرفيع، ولا تُدخل البيت أحدًا لا يرضى الزوج دخوله، ولا تذهب إلى مكان من غير إذنه، وتحفظ ماله من الضياع، ولا تسرف فيه.

5- عدم الامتناع عن فراش الزوج:

وكذا ينبغي أن تتعلم الفتاة المقبلة على الزواج، أنه إذا طلبها زوجها للفراش ينبغي أن تلبي طلبه، ولا تمتنع عنه، إلا لعذر مقبول شرعًا، أو لمرض ونحوه، أما في الأحوال العادية، فيجب أن تلبي رغبته، ولا تمتنع عن فراشه، ولتعلم أن في امتناعها عنه ذنبًا كبيرًا، وإثمًا عظيمًا. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه، فلم تأته، فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح".[رواه البخاري ومسلم].

وعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا الرجل دعا زوجته لحاجته، فلتأته، وإن كانت على التنور".[رواه الترمذي وقال حسن غريب، ورواه ابن حبان].

والأحاديث تدل على وجوب تلبية المرأة رغبة زوجها في الجماع، حتى وإن كانت منشغلة بأمور منزلية مهمة، مثل الخبز على الفرن مثلاً، ونحو ذلك، وعدم ترك الزوج أو تجاهل طلبه.

ولتعلم الزوجة أن الرجل يمكن أن يرى شيئًا يستثير شهوته، فيريد أن يطفأ هذه الشهوة بأن يأتي زوجته، وهذا هو الطريق الصحيح، كما وصفه الحبيب صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن المرأة إذا أقبلت، أقبلت في صورة شيطان، فإذا رأى أحدكم امرأة فأعجبته، فليأتِ أهله، فإن معها مثل الذي معها".[رواه مسلم ].

والمسلم مأمور بغض البصر، لكن قد تقع عيناه على ما يحرك شهوته من امرأة غير زوجته بدون قصد منه، فليأتِ زوجته لتسكن شهوته.

كتاب " أخطاء شائعة في تربية البنات "

Post: #322
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:14 PM
Parent: #301

وظيفة الأب ضبط إيقاع الأسرة «من الصعب أن يحل أحد محله، وإذا كانت الزوجة عماد البيت، فإن الأب سقفه، وكما لا يقوم بيت بلا أعمدة، فإنه إذا كان بلا سقف كان عرضة للعواصف والأنواء تعصف به وقد تهلكه، وقد تتحمل الزوجة وحدها أعباء الأسرة المادية والنفسية، رغم ما يعرضها ذلك من آثار خطيرة لسفر الزوج مثلاً.

ولكن أن تتحمل ذلك وحدها فى حال وجوده، فهذا ما يجب أن نتوقف عنده لنقول : لا للزوج الحاضر الغائب، مهما كانت حججه ومبرراته.

فى السطور القادمة صرخات زوجات يحكين عن أزواجهن الحاضرين اسمًا فقط.

وجوده كعدمه

زوجى متزوج من أخرى، ويعيش معنا فى البيت نفسه، ولكن وجوده كعدمه، فلا وجود له فى حياة الأبناء، يعطينا المصروف بالكاد، والأبناء لا يجدون من يوجههم ويربيهم، ولديّ أبناء فى سن الشباب، ولا أستطيع كأم توجيههم والسيطرة عليهم، ولذلك أحس أنى وحدى فى مواجهة العاصفة، فإذا مرض أحد الأبناء لا يهتم، وإذا حدثت مشكلة لابنتى فى عملها لا يسأل عنها، وزوجت إحدى بناتى ولم يقم بالدور المطلوب منه كأى أب.

الهواية القاتلة

زوجى يعمل استروجى يذهب لعمله فى الحادية عشرة صباحًا، ويعود فى الثانية مساءً، وبالطبع هو لا يقابل الأبناء إلا يوم الإجازة ؛ لأنه يعود وهم نائمون، ويصحو وهم فى مدارسهم، وفى أحيان كثيرة لا يقضى الإجازة معنا، ويذهب لرحلات صيد الأسماك فهو يهوى الصيد، وقد يغيب من عمله، ويقصر فى واجبات بيته ماديًا ومعنويًا بسبب هذه الهواية.

صدمة الانتخابات

تزوجت مدرسًا ذا عقلية راجحة، وذلك فى بداية زواجنا إلى أن رشح نفسه فى انتخابات مجلس الشعب، ولم ينجح، فأصابه ذلك بصدمة نفسية، واعتزلنا وهو يعيش الآن فى غرفة وحده بالمنزل، لا يعى شيئًا من أمور حياتنا، وترك العمل، ويرفض العلاج حتى يئسنا من حالته، وقد كبر أبنائى، وتعلموا وتزوجوا وهو منعزل عنّا وكأنه فى عالم آخر.

ممول فقط

أبنائى يحترمون أباهم فى وجوده فقط، وما عدا ذلك فهم لا يشعرون به، فهو طوال اليوم فى عمله، وإذا جاء من عمله صعد إلى شقتنا، ونحن نعيش فى أسرة ممتدة، ويقضى طوال وقته أمام شاشات التليفزيون، أو مع نفسه فوق السطوح، ولا نكاد نحس به فى حياتنا سوى بالإنفاق المادى، والمشكلة أكبر فى حالة ابنى المراهق الذى يحتاج لأب يوجه ويراقب، وهو لا يفعل شيئًا من ذلك كله.

غير مسئول

زوجى نشأ اتكالياً لم يعتد تحمل المسئولية، ولذلك حين تزوج لم يستطع أن يحمل أعباء أسرة، فهو يمكث فى المنزل كثيرًا، ولا يستقر فى عمل مما اضطرنى للعمل، وحمل عبء الأسرة المادى معه، ولو كان يقوم بواجبه ما شكوت، ولكنه متكاسل، وهذا يؤثر فى مشاعرى نحوه ، وتقديرى له، كما أنه قاس على ولده، ولا يستطيع تربيته، وحتى حين تم خصخصة الشركة التى يعمل فيها لم يبحث عن عمل بديل، فبحث له أشقاؤه وأقرباؤه عن عمل، وأدعو الله أن يستمر فيه.

يعلق على هذه الظاهرة الدكتور صلاح المرسي - أستاذ علم النفس بمركز دراسات الطفولة - فيقول: إن وظيفة الأب هى ضبط إيقاع الأسرة، وتسهيل العلاقات بينها وبين المؤسسات المجتمعية الأخرى، كما أن الأب فى الأسرة هو النموذج الذى يمثل القدوة للولد والبنت داخل الأسرة، والشكل الطبيعى للأسرة هو أب وأم وأبناء.

وعندما يغيب الأب لا يمكن لأى شخص أن يحل محله، وقد يكون هذا الغياب لرحلات طويلة كالحج والتجارة قديمًا، أو رجال الأعمال هذه الأيام ، وهنا تظهر مشكلة الغياب لفترة مؤقتة ثم يعود الأب.

لا المستبد ولا الضعيف

وهناك نوعان من الآباء:

- نمط الأب المستبد الذى يأخذ كل أمور الأسرة بيده لدرجة أنه يعطى المصروف لزوجته يومًا بيوم، وهذا الأب لو غاب تنهار الأسرة.

- نمط الأب الموجود ماديًا، ولكنه نفسيًا غائب فى التوجيه والإرشاد، وهذا الأب مجرد ممول، وإذا كان فى يوم إجازة فإنه دائمًا متعب ومجهد، ويحجر على أنشطة البيت حتى يأخذ قسطًا من الراحة، وهنا نقع فى مشكلة تأنيث الأسرة؛ إذ تقوم الزوجة بشغل الفراغ الذى يتركه الزوج الذى لا يقوم بدوره التربوى نتيجة انشغاله بكسب المادة.

وهناك نموذج آخر لا يقوم بدوره لا تربويًا ولا فى الإنفاق، وهذا تكون مشاعر زوجته وأبنائه أكثر سلبية تجاهه، بل فى بعض الأحيان يتمنى البعض لو لم يكن موجودًا، وربما حينها كانوا سيجدون من يساعدهم.

ويضيف د. المرسى أنه فى الأسرة التى يغيب عنها الأب تتولى الأم التربية، ونتيجة لإحساسها بالخطر، فإنها تحرص فى المجال الأول على تفوق الأبناء فى الدراسة، بحيث تعتبر ذلك مقياس نجاحها أو فشلها، وبالتالى تضييق حركة الأبناء تدريجيًا، ولا تسعى لتوسيع اهتماماتهم.

وبالنسبة للأولاد يصبح غياب الأب من حياتهم أمرًا اعتادوا عليه، ومسلم به، وتسير حياتهم بدونه، فإذا ظهر مثلاً فى يوم إجازة، وبدأ ممارسة سلطاته التى لم يعتادوها ترتبك حياتهم، ويحسون بغربته عنهم، وهنا تظهر المشاعر السلبية تجاه الأب، والتى لم يكن معبرًا عنها، كما تحس الزوجة أنها تسير فى الحياة بلا سند.

الإجازة للتفاعل الأسرى

ويؤكد د. المرسى أن نمط الحياة الاستهلاكية تم تصديره إلينا من الغرب، ولكنهم استطاعوا التخطيط لإجازة نهاية الأسبوع، وجعلوها خالصة للأسرة والحياة الأسرية، ولا مجال فيها للعمل إطلاقًا، ومن هنا نوجه الدعوة إلى كل أب، وكل أم أيضًا، فهى شريكة فى المسئولية أن يحرصا على الوجود بشكل فاعل فى حياة أسرهم وأبنائهم من خلال قضاء جزء من اليوم مع الأبناء، ومناقشة أمورهم، والتقرب إليهم، ومن خلال حرص الأم على ربط الأبناء بالأب وتقديرهم لدوره، وأهميته فى حياة الأسرة.

وفى النهاية نوجه كلمة إلى الأب: إن المال مهم للأسرة، ولكن الحب والمتابعة والتربية لهم ذات الأهمية إن لم يكن أكثر.
اسلام ويب

Post: #323
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:15 PM
Parent: #301

نصحت دراسة أجرتها جامعة «هارفارد» الأمريكية النساء في الولايات المتحدة، بالاقتداء بالمرأة المسلمة في احتشامها وأخلاقها، وذلك كسبيل للقضاء على الانحلال الخلقي والأمراض الخطيرة، السائدة في ا لولايات المتحدة والمجتمعات الغربية.

وجاء في الدراسة التي أجرتها جامعة «هارفارد» (إحدى أعرق الجامعات الأمريكية) بتوكيل من إحدى الجمعيات المتخصصة في الأمراض المرتبطة بالأخلاق، من أجل إعداد دراسة مقارنة عن مدى انتشار الامراض الجنسية بين النساء المسلمات والنساء الغربيات، أن مرض الإيدز لا يشكل أكثر من هاجس يطارد المجتمعات الإسلامية عندما يسافر أحد أبناء الأسرة للخارج ، الذي إذا تمسك بتعاليم الدين الإسلامي فإنه يعود دون الإصابة بالمرض.

أما داخل المجتمع الإسلامي نفسه فإن الجميع يعيش في اطمئنان تام من عدم تسرب هذه الأمراض الخطيرة لأن المجتمع من الداخل يتمتع باستقرار اجتماعي وبعد تام عن الانحلال الأخلاقي كما تلتزم كل امرأة مسلمة بتعاليم دينها وأخلاقياته ومن ثم لا مجال للممارسة الجنسية خارج إطار الزواج.

وأضافت الدراسة ، إن نسبة تفشي مرض مثل الإيدز في المجتمعات الإسلامية لا يتعدى النصف في الألف وليست هناك أية خطورة على تلك المجتمعات من تسرب تلك الأمراض إليها بسبب التزام المسلمات أخلاقيا ودينيا ، ونفس الأمر بالنسبة لجميع الأمراض الجنسية الأخرى، التي أثبتت كل الأبحاث العلمية أنها لا تغزو إلا المجتمعات التي لا تعرف حدودا للأخلاق.

وأظهرت الدراسة الأمريكية أن الأبحاث التي أجريت على انتشار الأمراض الجنسية على الجاليات المسلمة في الغرب، كشفت عن أن الأسر المسلمة التي تعيش وفق تعاليم الدين الحنيف لا تعاني من أية أمراض كما تتمتع بحالة من الاستقرار الاجتماعي الذي يساعدها على التقدم ماديا واجتماعيا ، في حين وجدت الدراسة أن الأسرة المسلمة التي لا تلتزم بهذه الأخلاقيات قد تعاني من العديد من المشاكل التي يعاني منها المجتمع الغربي كله.

وقالت الدراسة إن احتشام المرأة المسلمة، يعد أحد أهم الاسباب في الاستقرار الاجتماعي الذي تتمتع به المجتمعات الإسلامية، داعية جميع النساء الأمريكيات إلى محاولة تقليد المسلمات في سلوكياتهن وفي طريقة الحفاظ على حشمتهن ووقارهن، كسبيل وحيد لإنقاذ المجتمع الأمريكي من الانحدار في طريق اللاعودة بسبب التدهور الأخلاقي وانتشار الأمراض التي أفرزتها العلاقات غير الشرعية بين الرجال والنساء فيه.

الجدير بالذكر أن هذه ليست الدراسة الأولى التي تعدها جامعة هارفارد وتعترف فيها بأن الإسلام العظيم جاء بمفاهيم وأسس جديدة لصالح الجنس البشري، فمنذ فترة قصيرة أعدت كلية الطب بها بحثا ، أكد أن مرض الجذام لا يصيب المسلم المحافظ على أداء صلواته في مواعيدها، حيث بينت الدراسة أن الماء الفاتر هو العلاج الوحيد لمرض الجذام ولأن المسلم الذي يصلي يتوضأ خمس مرات يوميا فإن مرض الجذام لا يعرف له طريقا.

ولم تكن جامعة «هارفارد» هي الجامعة الوحيدة التي تشهد بعظمة الإسلام وشعائره فقد قام المعهد الوطني لبحوث العناية الصحية في ولاية ميرلاند، بإجراء دراسة خاصة عن الإسلام وشعائره، أثبتت أن شعائر الإسلام العظيم إذا حرص المسلم على أدائها تؤدي به إلى أن يصبح شخصا سليما نفسيا وطبيا ويمارس حياته بصفاء نفسي رائع، ولا يتعرض لأية أزمات نفسية، وذلك على عكس المسلم الذي لا يحرص على أداء الشعائر الإسلامية أو غير المسلم.

كما أن بعض علماء ولاية ميريلاند قاموا بالكشف على (126) ألف شخص من المسلمين المتدينين وغير المتدينين ومن غير المسلمين أيضا ، و أثبتت الدراسة بالفعل مدى ما يتمتع به المسلم المتدين من حياة اجتماعية سليمة بل إن الكشف العملي أثبت أن المسلم المتدين تزيد مناعته بنسبة ما بين 10 ـ 15% عن سواه من البشر كما أن المسلم الذي يؤدي فروض دينه كان أقل عرضة للإصابة بالأزمات القلبية المفاجئة.
اسلام ويب

Post: #324
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:19 PM
Parent: #301

الرسول (صلي الله عليه وسلم) حدد معيارًا واضحًا للخيرية ، ومقياسًا عمليًا يعرض عليه الزوج نفسه ويقيمها .

كلمات الحب والمشاركة فى الأعباء ووضع الزوجة على رأس قائمة الأولويات مظاهر للخيرية فى رأى الزوجات ، كان النبى (صلى الله عليه وسلم) متعاونًا مع زوجاته المتفرغات فما بال رجالنا لا يتعاونون مع نسائهم العاملات ؟

هل تريد أن تكون الأفضل ؟ هل تريد أن تكون الأخْْيرَ ؟ لن تجيب إلا بنعم ، لكن كيف ستكون كذلك ؟ وأى الطرق ستسلك فى مسعاك للأفضلية والخيرية ؟ كى لا نختلف فى تقديرنا للأمر ، أو نختلف فى تحديد المعايير وجه رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام أنظار المؤمنين إلى ميزان التفاضل الذى يرضاه الله ورسوله فقال عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، وكان عليه الصلاة والسلام فى هذا المضمار، كما كان فى كل وجوه الخير، القدوة السامية والنموذج الراقى.

تقف الزوجات مواقف متباينة فى خيرية أزواجهن، لكن المطلب الذى يجتمعن عليه هو الكرم العاطفى، والمشاركة فى أمور الحياة، استطلعنا آراء زوجات كثيرات، وكانت محصلة آرائهن.

خيرية المشاركة

أم خالد: زوجى يرى أن الحب ليس كلمة تقال، لكنه الترجمة العملية لكل معانى الحب، والاهتمام والمسارعة فى تلبية احتياجاتى أنا والأبناء، والتخفيف عنى باعتبارى امرأة عاملة، كما أنه يقوم ببعض الأعمال المنزلية عندما أكون متعبة أو فى حالة وضع، وكلما شكرته أو أثنيت عليه قال لى: إن الإسلام ليس دين شعارات لكنه دين عملى.

فى الدنيا والآخرة

أم مريم : فى رأيى أن الخيِّر لأهله هو الذى يسعى لإسعاد أهله فى الدنيا والآخرة، ففى الدنيا يسعدهم بحبه ورعايته وطموحه لدفعهم إلى الأمام ماديًا ، واجتماعيًا، وعلميًا، وفى الآخرة بمتابعتهم فى الأخلاق والعبادات والمعاملات والسعى لتعليمهم الدين وتحفيظهم القرآن الكريم.

أفضلية وإنفاق

هدى على : يرتبط مفهوم خيرية الزوج بالقوامة، فكلما كان قوامًا بحق زاد اقترابه من دائرة الخيرية التى يقصدها عليه الصلاة والسلام فى حديثه.

فالزوج الخير هو الذى يوظف ما منحه الله من طاقات فى إسعاد أسرته، وتحمل المسؤوليات التى يثقل على الزوجة وحدها تحملها مثل: التعاون فى التسوق، متابعة الأبناء دراسيًا، القيام بالواجبات الاجتماعية تجاه أسرتى الزوجين، وبإيجاز شديد فإن الزوج الذى تشعر زوجته بأنها عاجزة عن الاستعانة به فى المهمات الثقيلة ؛ لأنه خذلها أكثر من مرة أو لأنه يستسهل إلقاء العبء عليها هو رجل يغامر برصيده عندها الذى يقل ويتراجع.

إسعاد الأهل

آمال عبد السلام: أرى أن الزوج الخيِّر هو الذي لا يدخر وسعًا فى سبيل إسعاد أهله، ولا يبخل بأى شيء يستطيع تقديمه سواء ماديًا أو معنويًا وحتى وقته لتتوازن الحياة وتتحقق السعادة فى الدنيا والآخرة.

أهم أولوياته

أمينة عثمان : أعتقد أن اختصاص الخيرية للأهل لأن الإنسان لا ينتظر من الأهل شكرهم، ومن يقوم بالأعمال الخيرة للآخرين وينسى أهله فهو منافق، زوجى إنسان خير يهتم ببيته وأمه وإخوته، ويهتم بى لكنه أحيانًا يشعرنى أنى فى آخر القائمة ، لذا أتمنى أن يشعرنى بأننى أهم أولوياته، ولو لم تكن هذه هى الحقيقة، وأن يكون هناك مبرر عند رفضه طلباتى على أن يكون الرفض بمنطقية ولطف.

محمد عليه الصلاة والسلام أفضل الأزواج

هذه كانت صورًا مختصرة لنظرة الزوجات لملامح الزوج الخير، فكيف كان محمد (عليه الصلاة والسلام) أفضل الأزواج، كما كان خير البشر، يقول الشيخ منصور الرفاعى عبيد - وكيل وزارة الأوقاف للمساجد وشؤون القرآن سابقًا - الإسلام دين رحمة وحب وتسامح ومعاملة باللطف والإحسان، وكان الرسول (عليه الصلاة والسلام ) هو النموذج البشرى الذى طبق هذه الأخلاقيات، وحوّلها إلى الواقع العملى، كان عليه الصلاة والسلام رحيمًا محسنًا رؤوفًا، وكانت فيه كل المعانى التى تؤصل العلاقة الطيبة بينه وبين جميع الناس ابتداءً بأهله عليه الصلاة والسلام، فالإنسان بلا أسرة لا يشعر بالانتماء إلى مجتمعه، لأنه يستمد القيم من قيم أسرته، وعندما يكبر الإنسان، ويبدأ فى بناء أسرة يقول له الإسلام قف واسمع لزوجتك شريكة حياتك، واعلم أنكما معًا تبنيان المستقبل، وتحلقان في المجد، إذا ركبتما موجة الحب والتفاهم، ومن هنا وضع الرسول عليه الصلاة والسلام المبدأ الكريم «خيركم خيركم لأهله» ذلك لأن الأسرة السليمة المتماسكة التى يغلفها الحب يعمّ ذلك كله على الوجود من حولها؛ لأن الرحمة تبدأ صغيرة فى قلب الإنسان، ثم تكبر لتسع الدنيا .

وقد عقب رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) على جملته «خيركم خيركم لأهله» بقوله: « وأنا خيركم لأهلى» ليعلم كل من يبحث عن الخيرية أن ما عليه إلا أن يتبع خطى نبيه عليه الصلاة والسلام، وقد سئلت السيدة عائشة (رضى الله عنها): ماذا يصنع الرسول عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته؟ قالت: كان إذا دخل بيته بسّامًا ضحاكًا، يرفع هذا، ويحط ذاك، يقم بيته «يكنس»، ويخصف نعله، ويرقع ثوبه ويخدم أهله ، وما قال لشيء «أف» قط. فلننظر إلى ما يفعله رسولنا الكريم فى بيته، وهو الإمام والقائد والمصلح، وحامل أعباء الأمة لكنه إذا ما دخل بيته ترك كل ذلك وراء ظهره، ودخل على أهله بسامًا ضحاكًا، فمن منا عنده من الأعباء ما يوازى أو يقارب ما كان عند رسولنا الكريم.

لذا أيها الزوج المسلم «إذا كان بيتك فى حاجة إلى عطف ورعاية وحنان، فابدأ به أولاً ولا تصنع الخير للناس وبيتك أحوج إليك، ولتلاحظ أن رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام، كان على ذلك المستوى الراقى من التعامل الطيب مع أهله، والتعاون المطلق، وقد كانت زوجاته ملازمات للمنزل، فما بالك تهمل التعاون مع زوجتك، و قد تكون امرأة عاملة تشقى خارج المنزل لتقود معك سفينة الحياة فى هذه الظروف الصعبة، فكن لها نعم السند والمعين فى كل صغيرة وكبيرة، ولتتذكر دائمًا قوله عليه الصلاة والسلام: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى» .
اسلام ويب

Post: #325
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:21 PM
Parent: #301

ظل الحفيد يتفحص وجه جدته، ويقلبه يمينًا ويسارًا وهى غارقة فى الدهشة، وحين سألته: لماذا يفعل ذلك ؟ قال بمنتهى البراءة: أبحث عن وجهك الثانى يا ستو ، فقد قالت أمى عنك: إنك بوجهين، ولنا أن نتخيل ماذا حدث بعد ذلك بين زوجة الابن والحماة.

موقف سمعناه فى برنامج إذاعى شهير، وضحكنا عليه، وشعرنا بمأزق الأم، وحرج الحماة، وهو موقف قد يتكرر فى بيوت كثيرة بصورة أو بأخرى، فتصبح المحصلة أبناء يرضعون كراهية الحموات منذ الصغر، ويبدأون حياتهم الزوجية متحفزين ومتحفزات للحماة بعد أن حفر الآباء والأمهات فى نفوسهم الصغيرة أخاديد الكره، والتوجس منذ نعومة أظفارهم.

الحقيقة المؤكدة أن غرس حب الحماة فى نفس البنت يبدأ منذ الصغر.. كيف ؟ الإجابة عند الدكتور عبد العزيز الشخص - أستاذ أصول التربية بجامعة عين شمس :



التنشئة الاجتماعية



ـ ما دور التربية فى تشكيل الصورة الذهنية للحماة ؟



- بالتأكيد المربى حين يقدم الصورة الجيدة للحماة ويكرسها، فإنه يقدم صورة ذهنية حسنة للعلاقة بين الزوج والزوجة والحماة، وتنطبع هذه الصورة فى ذهن الأبناء طوال حياتهم، وتكون نمطًا لحياتهم مستقبلاً.



ـ كيف نربى الأبناء منذ الصغر على قيمة احترام الكبير ؟



- دور الكبير فى هذه المسألة أهم بكثير من الصغير، فحين يعطف الكبير على الصغير، فإنه بدوره يحترمه ويطيعه، ولكن كيف يحترم الصغير إنسانًا كلما يراه ينهره أو يسبه ؟! واحترام الكبير قيمة تحتاج إلى سلوك أكثر من الكلام.

كما أن الطفل حين يرى أبويه يحترم كل منهما حماته ، فإنه ينشأ على هذا الاحترام وتقدير الجدة وحبها، وإذا نشأ فى أسرة يسيء فيها الأب لجدته لأمه ، أو أمه تعامل جدته لأبيه معاملة سيئة، فإن هذا التصرف ينطبع فى ذاكرته، فيمارسه هو فى المستقبل، إلا إذا رزقه الله بمن يصحح له مفاهيمه عبر سنوات نشأته.



انطباع سيئ



ـ هل ذكر الحماة أمام الأبناء فى غيابها بشكل سيئ له تأثير عليهم ؟



- الأشخاص حينما يختلفون فإن كل طرف يخطئ الطرف الآخر، والأم بحكم بقائها مع الأبناء فترة أطول، وفى غياب الحماة، أو الزوج فإنها تتحدث بلا رقيب عن حماتها، وإذا ساء هذا الحديث فإن الطفل يأخذ انطباعًا سلبيًا عن جدته، ينعكس على تصرفاته معها هو الآخر، فيسيء إليها، ولا يحترمها.

- وهناك نقطة هامة فى علاقة زوجة الابن أو زوج الابنة بالحماة، وهى حب أمه لأم زوجته والعكس، فكلما كانت العلاقة بين الحموات نفسها طيبة انعكس ذلك على علاقة الزوجين ببعضهما، وكذلك علاقة زوجة الابن بحماتها، ونقطة أخرى تسهم فى الحب بين الطرفين، وهى طريقة المعاملة نفسها، وهناك نماذج لزوجات يحملن حبًا حقيقيًا لحمواتهن، ويعاملهن بطريقة أفضل من أمهاتهن.



احترام متبادل



ـ هل لاحترام أهل الزوجين تأثيره على الأبناء إيجابًا وسلبًا؟



- حين ينشأ الطفل فى أسرة يحب فيها أبوه جدته لأمه ، وتحب أمه جدته لأبيه، فإن هذا الجو يكون مثاليًا لنمو شخص سوى يقوم بالدور ذاته حينما يكون زوجًا والعكس، صحيح إذا رأى الطفل أن أمه تميل لأمها وتفضلها على حساب جدته لأبيه، فإنه ينشأ متنازع العاطفة نحو أخواله وأعمامه، وجدتيه كذلك، وغالبًا ما يحدث ميل الطفل لأخواله نتيجة لسلوك أمه، وهناك زوجة تعامل أمها معاملة حسنة فلو أصابتها شوكة تجرى وتقيم عندها بالأيام، أما لو كانت حماتها تموت فلا تزورها.



ـ هل نموذج الحماة المتسلطة ذو أسباب تربوية؟



- هناك من تعانى من صور مرت بها فى حياتها من الحموات المتسلطات، وهؤلاء ينقسمن إلى قسمين، فإما تحاول أن تحاكى هذا النموذج فى حال أن تقوم بهذا الدور، وهذا ما يسمى فى علم النفس الإزاحة، وهناك من تحاول أن تعاكس هذا النموذج الذى رأته كريهًا فى حياتها حتى لا تكون مكروهة كالنموذج الذى كرهته فى صغرها.

كما قد ينشأ هذا الصراع بين زوجة الابن والأم نتيجة لإحساس كل منهما بالامتلاك للابن، ويكون هو بين شقى رحى اجتذاب أمه له، واجتذاب زوجته له.

وحتى تحل هذه الأزمة يجب أن تدرك كل منهما دورها ومكانتها فى نفس الابن، وتتزايد المشكلات لو كانتا تعيشان فى المكان نفسه، وهناك سبب آخر، وهو خبرات الآخرين، فالشخص حين يسمع الآخرين يشكون من حمواتهم، فإنه يفسر ما تقوم به حماته تفسيرًا قد يحتمل الخطأ نتيجة لخبرات الآخرين.
اسلام ويب

Post: #326
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:23 PM
Parent: #301

كيف يستفيد المسن من وقته ؟
قطار العمر يمر بمحطات ومراحل يقف الفرد في كل منها ليؤدي دوره حسب خصائص هذه المرحلة ومتطلباتها، فمن مرحلة الطفولة إلى البلوغ والشباب إلى الرجولة إلى الشيخوخة والمعاش، تتعدد الأدوار الإنسانية والوظيفية، ولكل منها خصائصه ومشاكله، فعندما يصل قطار العمر إلى مرحلة المعاش يشعر الفرد أنه أدي رسالته في الحياة، وأنه قد آن له أن يستريح بعد رحلة العطاء الطويلة، لكنه ما يلبث أن يشعر ببعض الأعراض المرضية سواء الجسدية أو النفسية، كما يطارده شبح الفراغ وانتفاء القيمة والشعور بأنه أصبح طاقة معطلة أو عالة على ذويه.

فكيف نمحو هذه الصورة القاتمة عن المسن؟ وكيف نعيد له الأمل في الحياة والعطاء ونساعده على الاستفادة بوقته في خدمة المجتمع؟ هذا التحقيق يجيب عن هذه التساؤلات ويبعث في أحبائنا الكبار أملاً جديدًا في الحياة.

المناقشة أولاً

تقول سماح على - معهد عالي إدارة وسكرتارية جامعة القاهرة -: الإنسان يستفيد من الأكبر سنًا لأن لديهم قدرة أكبر على المعرفة، وخبراتهم في العمل أكثر، وهذا يهييء الشباب للحياة وللعمل.

هبة محمود - تجارة القاهرة -: نستفيد من كبار السن في نصائحهم، حيث إن زمانهم أفضل من زماننا، فنحن نريد أن نستفيد من خبراتهم في التربية للأبناء ومن خبرات العمل المختلفة.

مني أسامة - تجارة -: نحن نستفيد منهم بما يتلاءم مع ظروفنا، كيفية التعامل مع الآخرين، يمكن أن نناقشهم في آرائهم وخبراتهم، وفي النهاية نستجيب لهم، فوالدي يفرض على بعض الأشياء ولكن يكون هناك مناقشة بيننا، وفي النهاية أستجيب له.

شيماء عمر - معهد عالي إدارة وسكرتارية القاهرة -: أتقبل منهم ولكن لابد من مناقشتهم، أري أنه لابد من الاستفادة من خبراتهم حتى يتطور المجتمع وينمو ويزدهر، فهم طاقة لابد من استغلالها وخبرات لابد من الاستفادة منها.

عادل محمد - آداب -: نريد معرفة المشاكل التي قابلتهم وكيفية حلها، وما هي والوسيلة التي ساعدتهم على حل مشاكلهم وجعلتهم يتطوروا، وأيضًا يكون هناك مناقشة بيننا وبينهم.

أحمد حسن - حقوق -: كبار السن هؤلاء إما أجدادنا أو آباؤنا في كلا الحالتين نستفيد منهم، فالأب أو الجد أحيانًا يجلس مع أبنائه أو أحفاده ويحكي لهم عن ذكرياته، وعن أيام زمان، وكيف كانت الحياة ؟ وكيف كان يعمل ويكافح حتى يصل إلى منصب معين ؟ فهذه خبرات ولكن يستفيد منها من لديه عقل واعٍ، فليس كل الشباب يتقبل هذه الخبرات، لذلك لابد من وضعها في إطار معين كي يستفيد المجتمع كله منها.

الحياة أدوار ومراحل

في البداية توضح د. إلهام فرج - مدرس اجتماع بآداب القاهرة - أن المجتمع عبارة عن مجموعة علاقات وأدوار، وهذه العلاقات قد تأخذ شكل زوج وزوجة لكل واحد منهما دوره، فالزوج مثلاً يمارس دوره كزوج ثم كأب وجد.

ومع تدرج مراحل العمر تختلف الأدوار أو تتطور طبيعة الدور حسب متطلبات المرحلة.

فدور الأب مع أبنائه قد يختلف عن تعامل الجد مع أحفاده، كذلك يختلف الدور الوظيفي للفرد بتدرجه في المناصب في السلك الوظيفي فيبدأ موظفًا بسيطًا، ثم يرتقي في العمل حتى يصبح مديرًا ثم يحال إلى المعاش.

وبعد هذه الرحلة من العطاء والتضحية تجاه الأبناء وتجاه الوظيفة يجد المسن نفسه بلا عمل، فيشعر بالفراغ والوحدة، وهو ما قد ينعكس سلبًا على حالته النفسية والجسمانية، لذلك لابد من ملء هذا الفراغ والاستفادة بخبراتهم القيمة وتجاربهم الطويلة مما يعيد إليهم الأمل في الحياة، ويخلق لديهم الرغبة في الاستمرار في العطاء.

وأكدت د. إلهام أيضًا أن هذه الفكرة تجدد شباب المجتمع وتجدد الأدوار فيه.

لا مستقبل دون ماضي

وتستنكر الدكتورة إلهام فرج إعراض الشباب عن الاستماع إلى نصائح المسنين والاستفادة بخبراتهم فتقول: لاشيء في الحياة يقوم على المصادفة فالخبرات متراكمة، والحياة كلها عبارة عن خبرات، فمثلاً الاختراعات التي ظهرت لم تقم إلا على اختراعات سابقة مثل: الكمبيوتر لم يقم إلا على الترانزستور، فكيف تدور الحياة بلا خبرات سابقة في مجال من المجالات العملية.

ثانيًا: لا مستقبل دون ماضي، فكيف يكون رجل دون شباب، وكيف يكون شاب بلا طفولة، فالله سبحانه وتعالى يقول: {سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق}، هذا دليل من الله لنا أن الإنسان لا يعيش بلا خبرات.

أيضًا كيانه كشاب لا يقوم إلا على الخبرات، فلابد من دمج الحديث مع القديم، فالحديث مع الحديث لا يخلق جديدًا، ومن الممكن أن يقول الناس عن هذا الشاب - بعد عشر سنوات أن آراءه وخبراته لا تناسب هذا العصر.

وتتمني الدكتور إلهام فرج أن تُرد الحقوق لآبائنا وأجدادنا حيث إن لهم حقوقًا علينا تعوضهم عن الحرمان، تفتح لهم أبوابًا جديدة لحياة سعيدة متفائلة.

ليست كل خبرة تصلح للاستفادة منها

ويعرِّف الدكتورة فكري عبد العزيز - استشاري الطب النفسي - المسن بأنه: «الشخص الذي تخطي عمره الستين عامًا»، وهذه الفترة يصاحبها ظروف التقاعد من آلام نفسية شديدة وإحباط وملل، ونري أن المسن تصاحبه كثير من التغيرات الجسمية من ضعف الجسم، وترهل الجلد والمفاصل، وضعف السمع والإبصار، وتصاحبه أمراض القلب والشرايين مما يشعره بالضعف، ويبعده عن المجتمع، ويحس أن هذا هو نهاية الجهد والمطاف، ويؤدي بعد الأسرة عنه إلى آلام نفسية.

من هنا نري أن زيادة الدافع لدي المسن يعطيه القوة والأمان، فإذا استدعي كمستشار مثلاً أعطاه هذا دفعة، وأشعره أن لديه من القدرات المهنية ما يعطيه، ويمنحه الثقة بنفسه والرغبة في الحياة، ويمكن أن يعطي المشورة للعاملين في مصلحة حكومية معينة، أو من كان يعمل معهم في يوم من الأيام، وذلك من خلال تواجده معهم.

ويمكن أن يشارك في وضع الخطط حيث تحتاج إلى خبرات كثيرة، وتنسيق العمل وإبداء الرأي حتى وإن لم يؤخذ به فهذا يشعره بأن له وجودًا في الحياة.

فهذه الاستعانة به تزيد من الشعور بالأمان والاستقرار لديه.

والمسن إذا فارقه من يشاركه حياته مثل زوجته أو زوجها يصبح ضحية «الحزن الشديد».

ومن هنا تكون مشاركته في المجتمع إعادة له إلى الحياة مرة أخرى، وتجعله يعيش بأمان، والكلمة الطيبة ممن حوله تشعره بالطمأنينة وتشعره بحبهم له.

ويمكن أن يستعيد الحياة مرة أخرى بأن تتزوج أو يتزوج فهذا قد يجدد حياته ويبعد عنه كثيرًا من الأمراض التي تصاحب هذه المرحلة.

وعن كيفية الاستفادة من خبرات كبار السن يقول د. أسامة عُلما - عميد أكاديمية السادات بأسيوط - أنه جرت العادة أن الاستفادة منهم كمستشارين وتقديم الخبرة للشباب كي ينتفع بها.

ويتساءل د. أسامة كيف نستفيد من هذه الخبرات القديمة مع دخولنا على الألفية الثالثة والتطور الهائل الذي سيحدث في القرن الجديد؟ وهذا السؤال يحتاج إلى ملاحظة دقيقة وإجابة واضحة.

ويؤكد د. أسامة أن رأيهم كمستشارين يلعب دورًا مهمًا في نجاح الشباب، ولكن بشرط أن تكون هذه الخبرة معدلة مع الظروف المتغيرة في الوقت الذي نعيشه.

وعن الإطار الذي يمكن أن توضع فيه الخبرة هل تكون فردية أم جماعية رد قائلاً: من الناحيتين يمكن، وهناك دول مختلفة - ومنها مصر مثلاً - مجمع الخالدين بها مكان مؤسس للأشخاص المتميزين من كبار السن والقادرين على العطاء، وهم يعملون في هذه المؤسسة التي تأخذ شكلاً علميًا.

أما الأقل تميزا يعمل كمستشار في صناعة الغزل والنسيج فهذه خبرة فنية يستفاد منها في هذا المجال.

وفي نهاية حديثه أكد د. أسامة على أن هذه الخبرات لابد أن تكون متوافقة مع العصر الذي نعيشه فليست كل خبرة تصلح للاستفادة منها.
اسلام ويب

Post: #327
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:24 PM
Parent: #301

فى الوقت الذى يتعرض فيه الإسلام لهجمة شرسة داخل أرضه وخارجها تلصق به تهم الإرهاب والتخلف والهمجية، وتتوجه فيها سهام الأعداء - فى المقام الأول - إلى المرأة المسلمة، وحجابها الذى هو عنوان شخصيتها ومعيار التزامها بأوامر الله تعالى.

تأتى نماذج وشهادات المهتديات إلى الإسلام من شرق العالم وغربه، والتى تقدمها الكاتبة الصحفية الأستاذة وفاء سعداوى في كتابها ( وهكذا أسلمن .. مهتديات من الشرق و الغرب )، لتؤكد أن الإسلام هو دين الفطرة السوية، القادرة على تخطى كل أسوار الحصار، وأنه الدين الذى يزداد أتباعه طواعية، وباستمرار؛ لأنه يستجيب لنوازع العقل والوجدان والجسم معًا.

كما تكشف هذه الشهادات زيف المستشرقين وسموم الإعلام، ومؤسسات التثقيف الغربية، فقد تمسكت صاحباتها بالحجاب الذى ترفضه بعض نسائنا، وهربن من الاختلاط الذى تنادى به بعض فتياتنا مجاراة للموضة بعد أن عانين ويلاته فى مجتمعاتهم.

لكنها لا تعفى المسلمين من تحمل التبعة، والتقصير فى تقديم الإسلام الصحيح فى صورته الحضارية إلى الغرب، ومن ثم تقديم المبررات للمستشرقين فى محاولات تزييف الحقائق، وتشويه صورة الإسلام والمسلمين.

الإسلام وكرامة المرأة

مونيكا اليابانية نشأت فى جو علمى عقلانى، ونعمت بدفء الأسرة والنجاح فى الدراسة والعمل، كما توفرت لها كل وسائل الحياة الناعمة، وكانت تدين بالبوذية، لكنها برغم ذلك كانت تعيش اضطرابًا نفسيًا، وفراغًا قاتلاً حتى شاء الله أن تنتدب للعمل كمترجمة للوفود اليابانية فى إحدى شركات السياحة العربية، فكانت فرصتها للتعرف على الإسلام، ثم التعمق فى دراسته لتزيل الصورة الغامضة عن الإسلام فى ذهنها، وبمرور الوقت توثقت صلتها بالقرآن والإسلام، ووجدت فيه الأجوبة الشافية عن تساؤلاتها الفلسفية عن الكون والحياة، وأعجبتها مكانة المرأة وكرامتها المصونة، وتحرير عقلها ووجدانها فى ظله، فقررت أن تكون مسلمة، وجاءت إلى مصر، فأشهرت إسلامها فى الأزهر الشريف، وتزوجت مسلمًا مصريًا.

مسلمة منذ الطفولة

أما سمر فهى مسيحية مصرية أحبت الإسلام منذ الطفولة، وتعلقت بالصلاة والقرآن، وبدأت تقرؤه فى الصف الثانى الإعدادى، وتبكى لتأثرها به، وظلت تقاوم ضغوط أهلها عليها، ورغبتهم فى إدخالها الدير مدى الحياة، ونجحت فى الصمود وأشهرت إسلامها، فتغير كل شيء فى حياتها، وأصبحت تلتزم بالإسلام فى كل شيء، وأعجبها نظام الزواج فى الإسلام الذى يحقق مصلحة الطرفين، ويمنع الخيانة الزوجية بإباحة الطلاق والتعدد، ويحفظ للزوجة حقوقها وكرامتها بالحجاب، وكان زادها فى رحلتها على طريق الإسلام طلب العلم والصحبة الطيبة والتزود من القرآن.

الحرية الزائفة فى الغرب

أما إيزابيل (إيمان رمضان) السويسرية المسيحية: فقد هبت عليها نسائم الإيمان فى شهر رمضان، بعد أن تشبعت بمعرفة الله ورسوله، وبعض مبادئ الإسلام، فصححت الصورة الذهنية المشوهة لديها عن الإسلام والمسلمين، ووجدت فى الإسلام حياة أخرى تقوم على عقيدة التوحيد، التى أورثتها راحة نفسية هائلة فى الصلة المباشرة بين العبد وربه بعيدًا عن النظم الكهنوتية.

وتعمق لديها الإحساس بالإيمان فى شهر رمضان عندما جربت الصيام، والصلاة، وارتدت الحجاب لأول مرة، واستعانت بالعلم والصحبة الصالحة على تغيير الصورة المشوهة التى تبثها وسائل الإعلام الغربى عن الإسلام والمسلمين، وبرغم ما يدعيه الغرب من الحرية، فإن موقفهم من إسلامها، وحجابها أكد زيف هذه الحرية التى تقول إنك حر فيما تفكر فقط، لكن لا تفعل إلا ما يرضى به الجميع أو المجتمع ككل.

الكسندرا براون (كريمة) المسيحية الألمانية، أسلمت وعمرها (12 عامًا)؛ لأنها كانت فى فترة طفولتها دائمة البحث عن الدين الصحيح، وكانت قراءاتها الكثيرة هى بوابتها لمعرفة العالم الإسلامى، والتأثر بالعبادات والمعتقدات الإسلامية.

وبالفعل قررت الدخول فى الإسلام فى ليلة الكريسماس، ونجحت فى هداية جدتها للإسلام بعد أن أشرق به قلبها قبل أن تشهره فى المركز الإسلامى فى لندن، وقد استقر بها المقام فى مصر مع زوجها وأسرتها الصغيرة، حرصًا منها على تنشئة أولادها فى بيئة إسلامية صالحة.

سلاحها الصبر

أما مونتسدات وفيرا (زينب) فقد شبت فى عائلة مسيحية أسبانية بنظرة مشوهة عن الإسلام والمسلمين، لكن اطلاعها على العهد القديم والعهد الجديد، وحجم التناقض بينهما جعلها تقع فى حيرة كبيرة ساعدتها قراءتها عن الإسلام، وفى القرآن الكريم على التغلب عليها؛ إذ وجدت فى الإسلام حلولاً كثيرة للمسائل العقيدية والتشريعية المعقدة، فقررت أن تصبح مسلمة لكنها واجهت مشاكل كثيرة مع الأهل تتعلق بالطهارة والأكل والمحرمات، وبمرور الوقت بدأوا يعتادون العادات الإسلامية الجديدة، وكان سلاحها فى دنيا الإسلام هو الصبر، أملاً فى سعادة الدنيا والآخرة، والتحول إلى دعوة غير المسلمات إلى الإسلام لتحصينهن من فساد المجتمع الغربى وانحلاله.

وهذه ليلى عز الدين الهولندية المسيحية أحبت الإسلام عن طريق علاقتها بالمسلمين والمسلمات فى هولندا، والذين قدموا لها نموذجًا طيبًا عن الإسلام، وفقه العلاقات الزوجية، واحترام الإسلام للمرأة وكيانها الأسرى.

فتزوجت شابًا مسلمًا قبل أن تشهر إسلامها فى مصر، وساعتها استعادت طمأنينتها المفقودة، وبدأت تواظب على أداء العبادات الإسلامية، وبعد عودتها وأسرتها الصغيرة إلى هولندا انخرطت فى العمل الإسلامى فى المركز الإسلامى، وما لبثت أن استقرت فى مصر لتنشئة أبنائها تنشئة إسلامية بعيدًا عن فتن المجتمع الأوروبى، لكنها تطرح تساؤلات حول وضع الحجاب والعبادات، والمعاملات غير الإسلامية فى المجتمع المسلم .

وماريان بول المسيحية الأمريكية نشأت فى أسرة مسيحية كاثوليكية متمسكة جدًا بالمسيحية، لكنها احتكت بالطلاب العرب فى الجامعة، ووجدت ارتياحًا لشخصياتهم وعلاقاتهم ومعاملاتهم، بعكس ما تبثه وسائل الإعلام، فبدأت تقرأ عن الإسلام، وترجمة القرآن، فعرفت حقيقة الإسلام وتاريخه، وبهرتها مكانة المرأة فى الإسلام، وتمتعها بحقوقها فى رحاب الإسلام منذ أكثر من 1400 سنة، بينما المرأة الغربية لم تحظ بجزء من مكانتها إلا منذ مئات السنين.

كما أعجبها نظام العلاقة الزوجية، وتكامل أدوار أفراد الأسرة، وهو ما لم يحدث مع كثير من الأزواج والزوجات الأمريكيين.

سكن وطمأنينة

كنت أعيش فى ضلال، لا أعرف لماذا أحيا؟ وماذا بعد الموت؟ أعيش فى اكتئاب دائم وقلق مستمر، لكن الآن سكن وطمأنينة، وحب لهذا الدين الذى جاء به نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للعالمين.

هذه بعض كلمات الفرنسية المهتدية سيلفى فوزى التى تعى القضية الإسلامية، وتهتم كثيرًا بأمور المسلمين وهمومهم، ورغم المكانة العلمية التى حققتها (إعداد الدكتوراه فى الهندسة الكيميائية ) والرفاهية المادية التى تعيشها، فقد كانت دائمة قلقة حزينة غير منسجمة مع ما حولها، وغير متقبلة لما يدور من مناقشات فى اليهودية والمسيحية عن تشويه الإسلام والمسلمين.

وعن طريق زوج شقيقتها العربى المسلم بدأت تقرأ عن الإسلام، وتقبل عليه، فانشرح صدرها، ووجدت فيه إجابات شافية لكل الأسئلة التى كانت تساورها عن الحياة والموت.

ووجدت كيانها وكرامتها فى الإطار الإسلامى، بينما هى خارج هذا الإطار سلعة رخيصة تباع وتشترى بلا أى حقوق.
اسلام ويب

Post: #328
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:26 PM
Parent: #301

الصلاة ليست كنزًا روحيًا فقط بل وصحياً أيضاً
الصلاة تنظم الدورة الدماغية وتحفز تدفق الدم إلى المخ

تؤكد الدراسات الغربية حول تأثير الرياضة البدنية على الدورة الدموية الدماغية، أن معظم الرياضات ضار بهذه الدورة؛ إذ يؤدي إلى توجيه الدم بشكل مباشر إلى تغذية العضلات على حساب المخ، كما أن انخفاض معدلات ثاني أكسيد الكربون في الدم لتسارع عملية التنفس أثناء ممارسة الرياضة يؤدي إلى تباطؤ سريان الدم إلى المخ؛ إذ تعد نسبة هذا الغاز أحد أهم العوامل التي تتحكم في تدفق الدم إلى الدماغ.

وعلى عكس هذه النتائج فإن صدي حركات الصلاة على الدورة الدموية الدماغية بالغ الفائدة، هذا ما توصل إليه د. عبد الله محمد نصرت - أخصائي الجراحة العامة - في دراسته التي أثبتت أن سريان الدم إلى المخ أثناء السجود يزداد بفعل ميل الرأس إلى أسفل، كما أن انطواء الجسم على نفسه أثناء السجود، يساعد على توجيه الدم من الأطراف إلى الأعضاء الداخلية والمخ، إضافة إلى ذلك فإن معدلات ثاني أكسيد الكربون تزداد في الدم بشكل وظيفي أثناء ميل الرأس إلى أسفل أثناء السجود، وذلك نتيجة ضغط الأحشاء على الرئتين، هذا الارتفاع في نسبة ثاني أكسيد الكربون بالدم يساعد على إضافة المزيد من تدفق الدم إلى المخ.

كما أن تكرار ميل الرأس إلى أسفل أثناء الركوع والسجود، ثم ارتفاعه أثناء القيام والجلوس يساعد على المحافظة على نظام التوازن التلقائي للدورة الدموية بالمخ؛ حيث إنه من المعروف أن وظيفة هذا النظام التلقائي تبلى مع تقدم العمر.

وتشير الدراسة أيضًا إلى أن النظام التلقائي لتوازن الدورة الدموية بالمخ ذو رد فعل مزدوج أثناء السجود؛ حيث يعاند في البداية التدفق الزائد للدم في أول السجود حتى يتأهب المخ لاستقبال التدفق الزائد للدم، تلك المعاندة لسريان الدم للمخ تحفز وتعطي الفرصة للدورة الدموية المخية الاحتياطية للتأهب والعمل، ثم يلي ذلك مرحلة أخرى يسمح فيها للدم الزائد المتدفق بالسريان إلى المخ، وتوزيعه بالتالي على الأوعية الدموية الاحتياطية، وبذلك تتم المحافظة على تلك الوظيفة الاحتياطية المهمة، والتي من المعروف عنها كذلك أنها تبلى وتشيخ مع تقدم العمر.

هذا الرد الفعلي المزدوج لنظام الدورة الدموية المخية التلقائي أثناء السجود يدعو إلى مزيد من الفهم للفائدة التي تتحقق مع الأمر الإسلامي بالتأني في حركات الصلاة، حتى الاطمئنان مع كل حركة ، فإن ذلك يتيح تحقيق الفائدة المرجوة من كل حركة من حركات الصلاة تجاه الدورة الدموية المخية.

ويشير د. نصرت إلى أن هذه الدراسة لا ترمي إلى عدم تشجيع الرياضة، ولكنها فقط وفي وقت يتنامى فيه الشغف تجاه الطب البديل وبدائل العلاج الطبيعية تدعو إلى التفاتة جادة نحو رسالة عظمي من السماء، ألا وهي الإسلام ، الذي تؤكد كل أوامره أنه في مصلحة الإنسان.
إسلام ويب

Post: #329
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:29 PM
Parent: #301

يؤدى نشاطنا خلال النهار إلى الإرهاق، ويسمم أجسادنا.. والنوم خلال الليل يساعدنا على إزالة آثار تلك السموم، فهو ينعش أعصابنا، وينزع السموم المتراكمة فى أجسادنا وأذهاننا، ويساعدنا على إعادة بناء التوازن الذى اختل نتيجة الإرهاق طوال النهار، وبهذا المفهوم يعد النوم آلية للدفاع عن الجسم، وصورة من صور "غريزة المحافظة على النفس" ، ولهذا حثت السنة النبوية المطهرة على النوم المبكر، ورد فى مسند الإمام أحمد قول رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «لا سمر بعد الصلاة - يعنى صلاة العشاء - إلا لأحد رجلين: مصل أو مسافر».

فالنوم الذى وصفه أجدادنا بقولهم (النوم سلطان) .. أى أن له سلطانًا لا يقهر، لم يعد فى عصرنا سلطانًا، بل ضيفًا عزيزًا يمر مرور الكرام فى عصر القلق والأرق الراهن؛ إذ يبدو أنه قد فقد سلطانه، وتجرد من كامل سطوته بظهور الكهرباء، والتلفاز، والهاتف النقال، وكافة وسائل الإزعاج الأخرى، وبضياع سلطان النوم هذا بتنا نحن سكان المدن العمرانية الحديثة فى حاجة ماسة وحقيقية لأن نتعلم عادات النوم من جديد، فالنوم ضرورة، لكنه أيضًا "مهارة"، وفن، ورد فعل مكتسب، ولهذا يمكنك أن تبدأ معنا من جديد فى إعادة تعلم فن النوم وضبط الساعة البيولوجية، لنشترى راحتنا النفسية والبدنية على حد قول الشاعر العربى القديم:

ألا من يشترى سهرًا بنوم سعيد من ينام قرير عين

سنة القيلولة

وقد أجمعت الدراسات الأكاديمية على أن دورة الطاقة الحيوية للجسم تصل إلى ذروتها مرتين خلال 24 ساعة، تفصل بينهما 12 ساعة، وأن درجة الحيوية فى الجسم تصل إلى أعلى معدلاتها متدرجة فى الإيقاع بدءًا من الساعة الرابعة صباحًا - متوافقة مع صلاة الفجر - لتعادل ذات الدرجة من الحيوية فى الساعة الرابعة بعد الظهر - متوافقة تقريبًا مع صلاة العصر - وإن ذروة الطاقة تكون فى الجسم فى الفترة الزمنية بين الرابعة صباحًا إلى الحادية عشرة ظهرًا، وهى تماثل إلى حدٍ ما درجة الحيوية البيولوجية للفترة ما بين الرابعة بعد الظهر وحتى الثامنة مساءً - وإن كانت هنا أدنى نسبيًا.

والتبادل فى الارتفاع والهبوط لا يحدث فجأة، ولكن بشكل تدريجى تكون بدايته فى الرابعة صباحًا ليتدرج صعودًا ليصل إلى أعلى درجات الحيوية فى الساعة 10 أو 11 على أكبر تقدير "فترة تفريغ الطاقة"، والتى يستمر فيها بذل أعلى المجهودات على مدى 6 - 7 ساعات، ثم تهبط درجة الحيوية تدريجيًا لتصل أدنى درجاتها فى الساعة 2 بعد الظهر "فترة التعبئة والتجديد" بحيث يكون الجسم بحاجة إلى الغذاء، والحصول على الراحة، وهنا نفهم سنة الإعجاز النبوى بالقيلولة فى فترة الظهيرة.

بعد ذلك يبدأ خط الطاقة الحيوية بالارتفاع التدريجى لعمل دورة جديدة تستمر من 3 - 4 ساعات، لكن درجة الحيوية هذه المرة لا تعادل تمامًا ما كانت عليه ذروة الطاقة خلال الدورة الصباحية، ثم يعود خط الطاقة الحيوية للهبوط مرة أخرى حوالى الساعة 8 أو 9 مساءً عقب صلاة العشاء لتظهر بوضوح فى الساعة 11 - 12 مساءً؛ بحيث يكون الجسم فى أشد الحاجة إلى النوم والراحة؛ حيث يصل خط الطاقة الحيوية إلى أدنى معدلاته فى الساعة الثانية ليلاً "فترة تعبئة الطاقة والتجديد"؛ حيث تبدأ دورة جديدة للطاقة وهكذا.

والحقيقة أننا لسنا وحدنا أصحاب ذلك الإيقاع اليومى، فمن المعروف أن كثيرًا من فصائل الحيوانات تهاجر وتتزاوج طبقًا لمواعيد زمنية ثابتة فى فصول من السنة، وكذلك هجرة الطيور شمالاً وجنوبًا تتحدد بأوقات زمنية معينة من السنة.

بل والنباتات أيضًا، فمعظم النباتات تتفتح أزهارها لتستقبل النحل والفراشات فى مواقيت نهارية محددة، ولعل سلوك نبات دوار الشمس يقترب من الترجمة الحرفية للإيقاع اليومى فى عامل النبات، وحتى الفطريات، والحيوانات الأولية يبدو من رصد نشاطها أنها تميز بين الليل والنهار.

اختلال الساعة أرق.. اكتئاب.. تعب

وعندما تختل الساعة البيولوجية تظهر بعض الأعراض منها:

1- اضطراب دورات النوم واليقظة:

بارتباك شديد؛ حيث يصاب البعض بالحاجة إلى النوم فى وقت مبكر جدًا من الليل، ثم يستيقظون بعد منتصف الليل لتبدأ معاناة انتظار الصباح، بينما يحدث العكس عند فريق من الناس؛ حيث يجدون صعوبة شديدة فى النوم، ويعتبرون أنفسهم من ضحايا الأرق، فلا يصل النوم إلى عيونهم إلا بعد منتصف الليل أو قرب الفجر، ويترتب على ذلك صعوبة شديدة فى الاستيقاظ صباحًا للذهاب إلى العمل أو الدراسة.

2 - الأرق والتوتر العصبى:

يولد اضطراب هذه الساعة الأرق الذى يؤدى بدوره إلى الشعور بالتعب، وتقلب المزاج، والانهيار العصبى، والتوتر، وردود الأفعال العصبية، وما يؤدى إلى انخفاض مستوى الإنتاج العمليّ والفكريّ.

3 - الاكتئاب:

يعكس الاكتئاب النظام الشاذ فى إيقاع الساعة البيولوجية، فشذوذ نمط النوم يؤدى إلى الاكتئاب، وقد أشارت بعض التجارب على الحيوانات إلى أن مضادات الاكتئاب المعتادة لها فعالية فى تغيير إيقاع الساعة البيولوجية.

4 - الشعور بالتعب لأقل جهد وأدنى حركة:

من الواجب أن ينجح نومنا فى إبطال تأثير جميع السموم التى ينتجها الإرهاق اليومى فى أجسامنا، فالنوم يجب أن يكون رد الفعل الطبيعى للجسم المسمم بالإرهاق الطبيعى، فإذا لم يتم ذلك بالفعل، يختل التناسق الوظيفى للجسم، وتضطرب عملية الاحتراق الغذائى، وهو ما يشعر الإنسان بالتعب لأقل مجهود.

لهذا ينصح الأطباء الطلاب والدارسين - بصفة خاصة - بضرورة احترام ساعة أجسامهم البيولوجيّة للحصول على أفضل عمل مليء بالإنتاجية، فالقدرات الفكرية والذهنية تتبع نمطًا محددًا على مدار اليوم، وبالتالى فمعرفة الوقت المناسب للنشاط الفكريّ الذهنيّ المثاليّ يساعد الطلاب بشكل خاص على استيعاب المعلومات وحفظها بسهولة أكبر.

اضبط الساعة البيولوجية

حتى نتخلص من مشكلة اضطراب النوم يتوجب إعادة ضبط الساعة البيولوجية المنظمة للنوم، وينصح الأطباء المعالجون باتباع برنامج دقيق وقاس نسبيًا لكنه ضرورى لاستعادة الحيوية، وأيضًا ضرورى لئلا نقع فريسة الأرق مجدّدًا.

1- قدم ساعة نومك ساعة واحدة، أو ساعتَين، أو ثلاث ساعات كلّ يومَين أو ثلاثة أيّام، وبعد مرور أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ستتمكن من النوم فى الساعة 11.

2 - انهض من فراشك فى الساعة السابعة، وإن كنت قد غفوت عند الرابعة صباحًا.

3 - استحم بماء يميل إلى البرودة.

4 - اخرج من المنزل لممارسة رياضة المشى فى الهواء الطلق لمدة ساعة تعود بعدها إلى المنزل.

5 - استحم مرة ثانية بعد عودتك للبيت مباشرة.

6 - تناول كمية محددة من الحلويات وكوبًا من الحليب البارد والمحلى.

7- تحاش الإحساس بالدفء داخل المنزل.

8 - حاول أن تمارس أيّ نشاط يتطلّب جهدًا عضليًّا، يمكنك البدء ببعض الأعمال التى تحتاج إلى حركة، ثم الانتقال لعمل يدوى مثل الزخرفة، أو التريكو، أو أى هواية على أن تنتظم فى ممارستها.

9 - لا تسمح لنفسك بالتمدّد ولو دقيقة واحدة بالرغم من التعب والنعاس، بل واصل عملك إلى أن يحين موعد الغداء.

10 - تناول الغداء على مهل.

11 - استلق لمدّة 30 دقيقة فقط.

12 - عد بعدها لمزاولة العمل حتى الساعة الخامسة.

13 - اخرج من المنزل من جديد للتجول والمشى بالرغم من التعب الشديد والنعاس.

14- عد إلى المنزل فى الساعة السابعة.

15 - واصل العمل من جديد حتى الثامنة.

16- استحم بالماء الفاتر بعدها يتم تناول العشاء.

17 - لا تتمدد قبل الساعة العاشرة إلا حين عدم القدرة على المقاومة.

18 - توجه للنوم فى غرفة لا تتعدى حرارتها 19 درجة مئويّة.

19 - ثبت عمليّة هذه الساعة البيولوجيّة التى تحتاج إلى شهر كامل.

20 - تأكّد من انتظام دورة النوم واليقظة لديك، وهى مرحلة تدوم أسابيع.

هذه العمليّة التى تبدو سهلة التطبيق، هى فى الحقيقة شاقة جدًّا فى الأسبوع الأول، وستشعر بالإرهاق الشديد فى ساعات الصباح الأولى، وفى فترة بعد الظهر، وكثيرًا ما سينتابك الغثيان، وفقد القدرة على الإمساك بالسكّين أو الشوكة أثناء تناول طعام الغداء؛ لأنّ يديك ترتجفان.

وقد تحتاج إلى أسبوعين كاملين لاستعادة نشاطك، وثلاثة أسابيع لاستعادة نومك الطبيعيّ. لكن، مع نهاية الشهر الثانى من العلاج ستنتظم ساعتك البيولوجيّة بشكل دقيق.

كما أن المواظبة على تأدية الصلاة فى أوقاتها المحددة تدربك على الالتزام، وتنظيم مواعيد النوم والاستيقاظ، وبذلك تكسب شيئًا من الحسنات والأجر، وتجمع إلى راحة الجسم والعقل سكينة الروح وبهاء العبادة.

وعندما نستعرض آيات تعاقب الليل والنهار فى كتاب الله نجد أنها قد ذكرت فى اثنين وعشرين موضعًا، وغالبًا ما قرنت هذه الآيات بطلب من الله تعالى للتفكر فيها، وبخصوص الآيات التى ذكر فيها تعاقب الليل والنهار فى سورة آل عمران {إن فى خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولى الألباب} (آل عمران: 190)، قال (صلى الله عليه وسلم): «ويل لمن قرأها ولم يتفكر بها».

والقرآن الكريم يحدثنا عن نعمتى الليل والنهار، ويخصص الليل للسكن والراحة، والنهار للعمل والنشاط، فيقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاء أَفَلا تَسْمَعُونَ (71) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ} (القصص: 71-72).

ويبدو جليًا أن هذه اللفتات الإعجازية تتناول تنظيم الإيقاع البيولوجى للجسم، وتضمن تناسق النشاط البدنى والذهنى للمسلم، مع إيقاع هذه الساعة البيولوجية العجيبة!!
اسلام ويب

Post: #330
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:30 PM
Parent: #301

لا تجادل، ناقش الأسباب، اختر الحلول الوسط، اعرض مساعدتك، لا تتسمع إلى خلافاتهما، احترم نظام البيت.. مفاتيح مؤكدة لعلاقة مثالية مع والديك

- هل تشعر بأن والديك لا يفهمانك؟

- هل يسكنك إحساس بأنهما يظلمانك ويقيدان حريتك؟

- هل تعتقد أنك دائمًا على حق وأنهما مخطئان فى حقك على طول الخط؟

إذا أجبت بنعم، واتخذت بينك وبين نفسك قرارًا بتجميد علاقتك مع والديك، ووضعها فى أضيق الحدود تجنبًا لما تعتقده أنت تعسفًا منهما ضدك، فتمهل، وخذ الخطوة الأولى، وحاول أنت تفهمهما، وتعامل معهما بحب يحميك من هذه المشاعر السلبية، والأهم من ذلك يجنبك عقوقهما، وما يترتب عليه من عذاب فى الدنيا والآخرة.

ابدأ ونحن معك، نشد على يديك، وتأكد أنك ستكسب أرضية رائعة وممهدة لعلاقة نادرة من الألفة والفهم مع أبويك.

- والداك من النوع غير المحب للجدال، فلا تجادلهما، بل ابتسم ووافقهما، فسيجعلهما هذا يفكران، وقد يتبنيان رأيك وموقفك.

- عندما يكون الوالدان عقلانيين؛ فإنهما - حينئذ - يوضحان كل أسباب القرار الذى يتخذانه، فاستمع إليهما حتى ينتهيا من حديثهما وابق هادئًا ، ثم تناول كل سبب بمفرده، وأخبرهما بسبب عدم اتفاقك معهما.

- إذا كان أحد والديك يرفض طلباتك، أو لا يسمح لك بالحصول على مزيد من الحرية، فلا تسأل «لماذا ؟»، فهذا لن يضيف لك إلا سببًا جديدًا لمقولة «لا»، والأفضل من أن تسأل «لماذا ؟» أن تقول: «ما الذى يمكننى أن أفعله لكى أحصل على هذا الامتياز، أو المطلب، أو الحرية ؟»، فإن سؤال: «ما الذى يمكننى فعله ؟» سيعطيك بعض الأفكار عن طريقة الحصول على إجابة «نعم»، بشرط أن يكون مطلبك عادلاً.

- عندما يغضب أحد الوالدين، فليس هذا الوقت المناسب لأن تغضبه أنت أيضًا، فكثيرًا من الأحيان لا يكون قد غضب منك، ولكن من رئيسه فى العمل، أو الجيران، أو تكاليف العيش، وما يحدث أنك تكون أمامه فى الوقت الخطأ، فاظهر بمظهر المتأثر المتعاطف معه.

- لا تناقش شكواك، عندما يكون أحدكما غاضبًا، واهدأ، وانتظر حتى يصبح مزاجهما حسنًا، وناقش مشاعرك فى وقت لاحق فى ذلك اليوم، أو بعد بضعة أيام.

- عندما تناقش شكواك، أو آراءك، أو مطالبك، لا تتصرف بطريقة وقحة، ولا ترفع صوتك، بل ناقش المسألة بصوت عادى ، أما إذا صحت، أو كنت غير مهذب، فستزيد الطين بلة.

- لا تصنع مواقف يوجد فيها خاسر وفائز، فأنت الأصغر، وربما تخسر فى معظم الأحيان، ولكن حاول أن تصل إلى حلول وسطية، و صنع موقف يفوز فيه كلاكما.

- إذا كنت تعانى من مشاكل فى التحدث مع والديك، أو إذا كانا يغضبان فى كل مرة تناقش أنت فيها شيئًا، فاكتب ملحوظة، وضعها على وسادتهما، فإن الآباء لا يستطيعون مقاومة مثل هذه الملحوظات، وربما يحتفظون بها إلى الأبد.

- اخرج أنت ووالدك فى بعض الأحيان، وقل له إنك تريد أن تكون معه بمفردكما لكى تمشيا، أو تتناولا الطعام، وأنك تريد فقط أن تحظى به لنفسك من وقت لآخر.

- أمض بعض الوقت فى ذات الغرفة مع والديك أثناء مشاهدتهما للتلفاز أو القراءة ، وتحدث معهما عن المدرسة، وعن أصدقائك، أو عن شيء آخر يهمك، سيدهشان فى البداية بسبب تغير سلوكك، ثم سيجتازان هذا الشعور، وسيحبان شخصك الجديد.

- أنت لا تؤدى خدمات للأشخاص الذين يتجادلون معك، أو لا يتعاونون معك، فإذا تصرفت بهذه الطريقة مع والديك، فمن المحتمل ألا يتعاونا معك عندما تطلب منهما شيئًا؛ لذا حاول أن تتعاون، وتحجم الصراعات؛ لأن هذا سيكون بالتأكيد فى صالحك.

- اسأل والديك مرة واحدة فى اليوم: «هل يوجد شيء أؤديه لكما ؟»، فى معظم الأحيان سيقولان «لا»، أو ربما يعطيانك شيئًا يحتاج إلى دقائق لتنفيذه، سيحب والداك هذا، وسيريان فيك شخصًا متعاونًا جدًا، وعندما يحدث هذا ربما يكونان أكثر تعاونًا معك، ويمكنك أيضًا أن تفاجئهما بفعل شيء لا يطلبانه منك.

- عندما يتشاجر والداك، ابتعد، حتى لو كنت تريد الاستماع لهما، فعاجلاً أم آجلاً سيغضبان منك بسبب هذا التصنت إن لم يكن بسبب شيء آخر.

- أحيانًا ما يكون اتباع نظام البيت مثل: إطفاء الأنوار، أو تنظيف غرفتك، أو تعليق المنشفة بعد الاستحمام، وسيلة للسماح لك بالحصول على تفهم والديك لمطالبك.

- كن صبورًا مع والديك، وتذكر أنهما يمران بوقت عصيب فى حياتهما.

- تذكر دائمًا أن من عقوق الوالدين ومن أكبر الكبائر، وضع نفسك مكانهما، وتخيل أن ابنك يعاملك بندية وتحد.
اسلام ويب

Post: #331
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:32 PM
Parent: #301

هل تسقى زوجتك أيها الرجل؟
تتحمل المرأة فى زمننا المعاصر كثيرًا من المسئوليات والأعباء التى تشكل عليها ضغوطًا نفسية وبدنية، من عمل خارج المنزل يبدأ بشقاء المواصلات، وتحكم الرؤساء، وينتهى بتحمل مسئولية العمل نفسه، وما يتطلبه من جهد ذهنى وبدنى، ثم يأتى دورها وعملها الأساسى الذى خلقت من أجله، والتى لا يمكنها الفكاك منه أو الإخلال به، ولو قيد أنملة، وهو تحمل مسئولية وأعباء الزوج والمنزل والأولاد، وما يتطلبه ذلك من جهد وصبر وقوة تحمل لترعى أولادها دراسيًا، وبدنيًا، ونفسيًا، وترعى بيتها، وزوجها نفسيًا، وبدنيًا أيضًا، وتحت كل هذا الضغط تنظر الزوجة إلى زوجها، وتأمل فيه أن يشعر بآلامها، وتطلب منه أن يسهم معها فى بعض أعبائها، ويتحمل معها بعض مسئولياتها.

ويأبى كثير من الرجال أن يساعد زوجته فى الأعمال المنزلية، فتتساءل المرأة المسكينة المضغوطة: وهل يمكنها أن تطلب تلك المشاركة كحق من حقوقها ؟، يجب على الزوج أن يقوم به أم لا ؟

وتشرد بعض النساء، فتظن أن الغرب أعطى للمرأة تلك الحقوق، وسلبها عنها الإسلام، وتنظر إلى الرجل الغربى الذى يشارك زوجته فى كل الأعمال المنزلية على أنه رمز للتحضر، وتنظر للرجل المسلم نظرة سيئة على أنه رمز للتخلف، وهذه النظرة تسيء كثيراً للرجل المسلم.

ولو نظرت هى ونظر هو إلى رسولنا الكريم وصحابته الكرام، لوجدا لديهم الأسوة الحسنة التى يمكن للمرأة أن تطلب من زوجها أن يتمثل ويتشبه بها، ويتأسى بهؤلاء فى بيوتهم ومع زوجاتهم، وهذا من وجهة نظرى أوقع وأقرب إلى نفس الرجل المسلم، من التشبه بالرجل الغربى، فقد ضرب الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحابته (رضوان الله عليهم) أمثلة عملية فى إعانة الزوجة، وتحمل الأعباء معها.

وها هو رسولنا الكريم (عليه الصلاة والسلام) يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلى»، ولكن كيف كان الرسول خير الرجال فى بيته وبين أهله ؟

تحكى لنا السيدة عائشة (رضى الله عنها)، أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان فى مهنة (خدمة) أهله، فإذا سمع الأذان خرج.

وما خدمة أهل بيته تلك التى تحدثنا عنها السيدة عائشة؟

لقد كان رسولنا الكريم يخصف النعل (أى يصلح ما فسد من أحذية)، ويقمُّ البيت، أى يكنس البيت، ويخيط الثوب، ويحلب الشاة، أى أنه يعاون زوجاته فى كل أعمالهن المنزلية.

يا لروعة هذا النبى العظيم، لقد كان متزوجًا من تسع نساء، ولو أنه أمر سيطاع، ولن يكلف زوجاته عبئًا، فخياطة ثوبه، أو خصف نعله، أو حلب شاته، لو أن كل واحدة من زوجاته قامت بواحد منها لما تكلف شيئًا، لكنه أعفاهن من هذه الأعباء رحمة وتحببًا.

لكم أوصى النبى بالنساء فقال (صلى الله عليه وسلم): «استوصوا بالنساء خيرًا، فإنهن عندكم لا يملكن لأنفسهن شيئًا، وإنما أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله تعالى».

فالرسول لى الله عليه وسلم يشجع الرجال على معاونة النساء، و يذكر لهم أن ذلك العمل يؤجر الرجل عليه، إذا قام به من أجل زوجته، ويسمع منه الصحابة فيستجيبون .

فهل يسقى الرجل العصرى زوجته، كما كان يفعل الصحابة اقتداءً بنبيهم (صلى الله عليه وسلم)؟

إسلام ويب

Post: #332
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:34 PM
Parent: #301

أحد تعريفات اللعب : أنه ذلك النشاط الحر الذي يمارس لذاته··· ، واللعب: ميل من أقوى الميول وأكثرها قيمة في التربية الاجتماعية ··· والرياضية والخلقية· فهو سلوك طبيعي وتلقائي صادر عن رغبة الشخص أو الجماعة··· ففي الصغر يميل الطفل إلى اللعب الانفرادي··· وكلما تقدمت به السن زاد ميله إلى اللعب الجماعي··· والعلاقة بين الطفل واللعب علاقة وثيقة جداً··· فاللعب هو حب الطفل وملاذه وعالمه وحياته··· وأسعد لحظات حياته تلك التي يقضيها مع لعبته··· يحادثها ويحكي لها حكاية··· يشكو لها··· ويعرض عليها مشكلته··· يضربها··· يبعثرها··· يفكها ويعيد تركيبها··· يتخيلها أشخاصاً أمامه ومعه··· والأطفال يلعبون عندما لا يكون هناك شيء آخر ينشغلون به··· أي عندما يكونون مرتاحين جسمياً ونفسياً··· واللعب ولا شك هو أكثر من مجرد ترويح··· بل هو عملية مهمة في سبيل النمو··· والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة في ساحة التربية وعلى علماء النفس والمهتمين بالطفولة في العصر الحديث: هل اللعب لدى أطفالنا··· عبث أم أنه إبداع واستكشاف؟!!

وظائف اللعب

مما لا شك فيه أن التربية الحديثة··· تجعل من اللعب وسيلة لتنمية قدرات الطفل وتنمية الذكاء والتفكير الابتكاري منذ السنوات الأولى··· إذ تعمل على توفير اللعب المختلفة في دور الحضانة··· وللعب وظائف مهمة منها:

1 ـ اللعب يهيئ للطفل فرصة فريدة للتحرر من الواقع المليء بالالتزامات والقيود والإحباط والقواعد والأوامر والنواهي··· لكي يعيش أحداثاً كان يرغب في أن تحدث ولكنها لم تحدث··· أو يعدل من أحداث وقعت له بشكل معين وكان يرغب في أن تحدث له بشكل آخر··· إنه انطلاقة يحل بها الطفل ولو وقتياً··· التناقض القائم بينه وبين الكبار والمحيطين به··· ليس هذا فحسب··· بل إنه انطلاقة أيضاً للتحرر من قيود القوانين الطبيعية التي قد تحول بينه وبين التجريب واستخدام الوسائل دون ضرورة للربط بينها وبين الغايات أو النتائج إنه فرصة للطفل كي يتصرف بحرية دون التقيد بقوانين الواقع المادي والاجتماعي·

2 ـ اللعب كنشاط حر يكسب الطفل المهارات الحركية المتعددة ويظهر مواهبه وقدراته الكامنة··· فالنشاط الحر لا يحدث فقط على سبيل الترفيه··· وإنما هو الفرصة المثلى التي يجد فيها الطفل مجالاً لا يعوض لتحقيق أهداف النمو ذاتها··· واكتساب ما يعز اكتسابه في مجال الجد··· وهذا الكلام ليس بمستغرب··· فالأطفال وهم منشغلون في وضع الخوابير في الثقوب··· أو في وضع الصناديق الكبيرة وبداخلها الصناديق الصغيرة··· أو في إضاءة الضوء ثم إطفائه··· أو في تشغيل المكنسة الكهربائية ثم إبطالها··· أو الراديو والتلفاز··· يكتسبون مهارات حركية مهمة جداً··· فتصبح حركتهم أكثر دقة وأكثر تحديداً ـ الأمر الذي يعتبر إضافة مهمة لنمو الشخصية الطفولية·

3 ـ اللعب يمكن الطفل من اكتشاف القوانين الأساسية للمادة والطبيعة·

4 ـ اللعب يهيئ الفرصة للطفل لكي يتخلص ولو مؤقتاً من الصراعات التي يعانيها وأن يتخفف من حدة التوتر والإحباط اللذين ينوء بهما·

5 ـ اللعب يساعد على خبرة الطفل ونموه الاجتماعي··· ففي سياق اللعب يكون لدى الطفل الفرصة للعب الأدوار··· وفي اللعب الإيهامي يقوم الطفل بأدوار التسلط وأدوار الخضوع كدور الوالد ودور الرضيع مثلاً··· وغير ذلك كدور الأسد ودور الفريسة··· وهم في ذلك كله يجربون ويختبرون ويتعلمون أنواع السلوك الاجتماعي التي تلائم كل موقف·

الآباء واختيار لِعب الأبناء

وبعد هذا العرض الموجز لوظائف اللعب تبين بما لا يدع مجالاً للشك تأثير اللعب على النمو في جميع النواحي··· فالطفل يتعلم النظام عن طريق اللعب الذي تحكمه قواعد··· وهو أيضاً وسيلة للنمو الاجتماعي··· إذ يتعلم الطفل التعاون وفن إقامة علاقات اجتماعية مع العالم الخارجي لغير محيط الأسرة·

كما أن في اللعب فرصة للتخلص من القلق والتوتر وبعض المتاعب··· وتختلف ألعاب الأطفال عن تلك التي يقوم بها الكبار··· لذا ينبغي أن نختار اللعبة التي تناسب كل سن حتى تحقق الهدف التربوي منها وتترك الأثر النافع وعلى الكبار إذن تقع المسؤولية كاملة في اختيار اللعبة المناسبة··· حتى لا يصبح اللعب مضيعة للوقت··· وخاصة أننا لا نستطيع أن نحرم صغارنا من اللعب لأننا لن ننجح في ذلك··· فسواء رغبنا أم كرهنا فلابد للأطفال من اللعب ولو في غفلة منَّا··· عندما تتاح لهم الفرصة لمخالفة أوامرنا··· لأنه من غير الممكن أن نتحكم في حياتهم وخيالهم وأحلام يقظتهم··· ولذا يجب أن نفهم جيداً أن الطفل الذي لا يوجد عنده ميل للعب يكون طفلاً غير طبيعي وينبغي دراسة حالته·

عبث أم إبداع

ولا شك أن لعب الأطفال ليس عبثاً كما يتصوره بعض الآباء والمربين اللذين يرفضون اللعب ولا يؤمنون به··· وإنما اللعب مهم وضروري لنمو الشخصية الاجتماعية السوية والخيِّرة··· فنحن نجد أن التربية الإسلامية قد أباحت الألعاب الهادفة··· إذ يمكن إعداد الجانب الجسمي والنفسي والخلقي للفرد عن طريق ممارسة بعض الألعاب الرياضية··· فلقد روى الشيخان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: >أذن للحبشة أن يلعبوا بحرابهم في مسجده الشريف وأذن لزوجته عائشة رضي الله عنها أن تنظر إليهم وبينما هم يلعبون دخل عمر بن الخطاب رضي الله عنه فحاول منعهم فقال صلى الله عليه وسلم: >دعهم يا عمر<، ومن ثم فالإسلام وجد في اللعب: الفرصة للإبداع في استخدام الحراب وغيرها مما يقوى الفرد نفسياً وبدنياً··· أوَليس المؤمن القوي خيراً وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف؟!··· ولا شك أن هذا المنهج الإسلامي··· هو الذي حدا بأمير المؤمنين عمر أن يدعو المسلمين كافة أن يعلموا أولادهم: الرماية والسباحة وركوب الخيل·

بل ما يجب أن نؤكد عليه هو أن الشعب الياباني لم يتقدم إلا بإتاحة الفرصة أمام أطفاله للعب··· فخرجت أطفال مبدعة لدرجة أن الصناعات اليابانية اليوم لتغزو أميركا في عقر دارها·

فالشعب الياباني لم يتقدم تكنولوجياً ولم تقم له قائمة بعد >ناجازاكي< و>هيروشيما<··· إلا باستكشاف المواهب منذ نعومة الأظفار وتكريسها كدرع بشري للتقدم والنمو السريعين·

اللعب والإبداع··· وعلى من نلقي بالمسؤولية

ومن هذا المنطلق ينبغي أن نولي الأطفال العناية والرعاية ونتيح لهم فرصة اللعب الهادف ونعمل على إعدادهم الإعداد الجسمي عن طريق التربية الرياضية··· وليس معنى ذلك أن نطلق لهم الحبل على الغارب بلا قيود ولا حدود··· فلا يجوز أن يكون الاهتمام بالألعاب الرياضية على حساب واجبات أخرى أو على حساب حق الله في العبادة أو على حساب تحصيل العلم وطاعة الوالدين، بل يجب أن يكون الارتباط في حدود الوسط والاعتدال·

ولا شك أن الحصول على الإنسان العربي المبدع يكون بالتعاون بين وزارات التربية والتعليم في الدول العربية···· ووزارات الثقافة والرياضة والأسرة لنولي اللعب الأهمية ونوفر للطفل اللعب المختلفة في الحضانة والمدرسة على أن تكون هناك حصة أو حصتان للنشاط الحر أسبوعياً تتيح للطفل ممارسة هوايته والإبداع والابتكار فيها··· إضافة إلى توفير الكتب والمجلات للكثير من هذه الهوايات التي تساعد على التفكير السليم وتوجيه الإبداع والابتكار··· إن ذلك سيكلفنا ـ ولا شك ـ الكثير من المال ولكن العائد في المستقبل القريب سيكون أكثر إبهاراً·
مجلة الوعي الإسلامي

Post: #335
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:42 PM
Parent: #301

أجمع المؤرخون أن للنبي –صلى الله عليه وسلم- أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وهاجرن هن: فاطمة عليها السلام: ولدت قبل النبوة بخمس سنين، وزينب تزوجها العاص بن الربيع -رضي الله عنه-، ورقية وأم كلثوم تزوجهما عثمان بن عفان –رضي الله عنه- تزوج أم كلثوم بعد وفاة رقية .

و الحكمة من أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أباً للبنات – الله أعلم بها- ويرجعها البعض لأسباب:

منها: أن البنت في عُرف العرب قبل الإسلام عار يستحق الدفن حياً قال الله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ}].

جاء في تفسير هذه الآية: بأن الكظيم هو الكئيب من الهم، ويمسكه على هون: أي يبقى البنت مهانة لا يورثها ولا يعتني بها ويفضل أولاده الذكور عليها .

فشاء الله أن يكون النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أباً لبنات ليكون القدوة للمؤمنين فيما ينبغي للبنت من حقوق ومكانة لائقة أقرها لها الدين الإسلامي الحنيف.

فأبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- لبناته حدثاً جديداً في حياة المرأة، وفي هذا قال عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –: "والله إن كنا في الجاهلية ما نعد للنساء أمراً حتى أنزل الله فيهن ما أنزل وقسم لهن ما قسم .

ومنها : أيضاً - والله أعلم - (حتى يكون النبي –صلى الله عليه وسلم- بعيداً عن تهمة الاستنصار بالولد، والاعتماد عليه ) كما هي عادة العرب في ذلك الوقت.بل أن ما جاء به من دين نُشر في الأرض لأنه هو الحق ولا حق سواه، والحق دائماً أظهر وأقوى.

وقد كان العربي في الجاهلية يترقب الأولاد للوقوف إلى جانبه ومساندته، والدفاع عن الحوزة وحماية البيضة، أما البنت فكان التخوف من عارها يحملهم على كراهتهاحتى بعث الله نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- بالدين الإسلامي خاتم الأديان الذي ارتضاه الله عزَّ وجل لعباده قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِيناً}

فحفظ الإسلام للبنت حقوقها وأنزلها المنزلة اللائقة بها ووعد من يرعاها ويحسن إليها بالأجر الجزيل وجعل حسن تربيتها ورعايتها والنفقة عليها سبب من الأسباب الموصلة إلى رضوان الله وجنته، جاء في الحديث عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: "من عال جارتين حتى تبلغا جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين وضم أصابعه"أخرجه مسلم.

يلاحظ في هذا الحديث أن النبي –صلى الله عليه وسلم- ضم أصابعه، ولم يفرق بينهما كناية عن شدة قرب من عال جارتين من الرسول –صلى الله عليه وسلم- في الجنة. وفي الحديث الآخر عن عائشة –رضي الله عنها– قالت: "دخلت علىّ امرأة ومعها ابنتان لها تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة واحدة، فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي –صلى الله عليه وسلم- علينا، فأخبرته فقال: "من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار" أي حجاباً ووقاية من النار ، متفق عليه .

أيُّ فضل أعظم من هذا الفضل ! وأيُّ أجر أعظم من هذا الأجر !.

وعلى الرغم من هذا الأجر العظيم الوارد في فضل تربية البنات والإحسان إليهن إلاَّ أن هناك من الناس من لا يُسر لمولد البنت –والعياذ بالله- فيظهر الهمَّ والحزن! وما هذا إلا جهل واعتراض على قدر الله، والبعض يفرط ويقصر في تربية وتوجيه بناته ولا يرعاهن الرعاية المطلوبة منه.

ولو أن الإنسان تفقه في دين الله ووقف عند حدوده واقتفى أثر الرسول –صلى الله عليه وسلم- في كل أمر من أمور حياته لعاش مطمئناً مرتاح البال قرير العين، ولعرف كيف يعبد ربه، وكيف يتعامل مع إخوانه، وأهله، وزوجته، وكيف يربي أولاده فالحمد لله أنه ما من خير إلاَّ ودلنا ديننا الإسلامي الحنيف عليه وما من شر إلاَّ وحذرنا منه.

تربية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الطفولة:من هديه –صلى الله عليه وسلم- في تربية بناته في مرحلة الطفولة أنه كان يُسَّر ويفرح لمولد بناته رضي الله عنهن فقد سُرَّ واستبشر –صلى الله عليه وسلم - لمولد ابنته فاطمة رضي الله عنها وتوسم فيها البركة واليمن، فسماها فاطمة، ولقبها بـِ (الزهراء) وكانت تكنى أم أبيها .

وفي هذا درس عظيم من دروس السيرة النبوية بأن من رزق البنات وإن كثر عددهن عليه أن يظهر الفرح والسرور ويشكر الله سبحانه وتعالى على ما وهبه من الذرية، وأن يعزم على حسن تربيتها، وتأديبها، و على تزويجها بالكفء "التقي" صاحب الدين حتى يظفر بالأجر الجزيل من الله.ففاطمة –رضي الله عنها– كانت البنت الرابعة للنبي–صلى الله عليه وسلم-، و هي أصغر ذريتة –صلى الله عليه وسلم- .

وفي مرحلة الطفولة يلزم الأبوين الاهتمام بالطفل وتوفير كافة الاحتياجات الخاصة بهذه المرحلة، الحاجات الجسمية والنفسية؛ وبالذات الأم فعليها تقع المسؤولية الكبرى في رعاية أولادها في مرحلة الطفولة فهم أكثر ما يكونون التصاقاً بها وقد حرصت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– على تربية ورعاية أولادها منذ ولادتهم (وكانت إذا ولدت ولداً دفعته إلى من يرضعه في البادية حتى ينشئوا على الفصاحة والشجاعة كما كانت عادة قريش.لا كما يفعله بعض الأمهات في زماننا من دفع أولادهم إلى الخادمات والمربيات الأمر الذي قد يحصل معه خلل في عقيدة الطفل وسلوكه.

وفي هذه المرحلة –مرحلة الطفولة- يجب على الأبوين أن يلقنا البنت مبادئ الإسلام، والعقيدة الصحيحة، وتلاوة القرآن الكريم، والصلاة، والتعوّد على لبس الحجاب حتى تنشأ البنت على ذلك منذ نعومة أظفارها.

رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته في مرحلة الصبا:وإذا كبرت البنت قليلاً وجب على والديها أن يعلماها حقوق الله سبحانه وتعالى، وحقوق الوالدين، وحقوق الآخرين وحسن الخلق وحسن التصرف في شتى الأمور، وعلى المحافظة على لبس الحجاب والتستر والبعد عن أعين الرجال حتى تنشأ البنت على التربية الإسلامية الصحيحة تعرف ما يجب لها وما يجب عليها.

مع الأخذ في عين الاعتبار إعدادها لما هو منتظر منها من دور هام في الحياة بأن تكون زوجةً صالحة، وأماً حانية تربي أولادها وتعدهم لأن يكونوا صالحين مصلحين؛ "لأن للمرأة المسلمة أثراً كبيراً في حياة كل مسلم، فهي المدرسة الأولى في بناء المجتمع الصالح، وخاصة إذا كانت هذه المرأة تسير على هدى من كتاب الله في كل شيء ].

وإذا قربت البنت من سن البلوغ (التكليف) يجب أن تدرب على أن تكون زوجة، وأماً وهذه هي سنة الله في خلقه وعلى الأم تقع مسؤولية ذلك، فقد بادرت أم المؤمنين خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها– بتمرين ابنتها الكبرى زينب –رضي الله عنها– عندما كبرت على المشاركة في أعمال البيت والتدريب على الأمومة فكانت (زينب) لشقيقتها الصغرى فاطمة أماً صغيرة ترعى شؤونها وتمضى فراغها في ملاعبتها .

ولقد صدق القائل: "إن الفتاة المتعلمة المهذبة فخر لأهلها وعون لبعلها، وكمال لبنيها، أهلها بها يفتخرون، وأولادها بها يسعدون، ومن ذا الذي لا يسرّ فؤاده بابنته الأديبة التي تدبر الأمور المعاشية بالمعرفة، وتدير الحركة المنزلية بالحكمة، ويجد في مجالستها أنيساً عاقلاً وسميراً كاملاً".

تزويج النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته:

الزواج سنة من سنن الله في خلقه، وأمر مرغوب فيه حثَّ إليه ديننا الحنيف ودعى إليه قال الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}[34] وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ}.

وامتثالاً لأمر الله عز وجل وأمر رسوله –صلى الله عليه وسلم- يجب على الأب أن يزوج بناته و لا يعضلهن ويمنعهن من الزواج لأي سبب من الأسباب فواجب الأب أن يزوج ابنته وأن يختار لها الكفء من الرجال والكفء معروف هو صاحب الدين والخلق قال النبي –صلى الله عليه وسلم– "إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض" أخرجه الترمذي

وقد زوج النبي –صلى الله عليه وسلم- جميع بناته من خيرة الرجال: فزوج زينب –رضي الله عنها- من أبي العاص بن الربيع القرشي -رضي الله عنه- وهو ابن خالتها هالة بنت خويلد وأبو العاص كان من رجال مكة المعدودين مالاً، وأمانة، وتجارة .

وقد أثنى النبي –صلى الله عليه وسلم- على أبي العاص بن الربيع في مصاهرته خيراً وقال: "حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي" وكان قد وعد النبي أن يرجع إلى مكة، بعد وقعة بدر، فيبعث إليه بزينب ابنته، فوفى بوعده، وفارقها مع شدة حبه لها .

ومما يدل على شهامته وصدقه قصة إسلامه -رضي الله عنه- فقد كان في تجارة لقريش إلى الشام وفي طريق عودته إلى مكة المكرمة لقيته سرية فأخذوا ما معه، وجاء تحت الليل إلى زوجته زينب – وقد كانت في المدينة وفرق بينهما الإسلام فهو لم يدخل في الإسلام بعد – فاستجار بها فأجارته وخرجت والنبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالناس الفجر فقالت: "أيها الناس إني قد أجرت أبا العاص بن الربيع" فلما سلم الرسول –صلى الله عليه وسلم- أقبل على الناس فقال: "أيها الناس هل سمعتم الذي سمعت ؟" قالوا :"نعم" قال: "أما والذي نفسي بيده ما علمت بشيىء حتى سمعت ما سمعتم وأنه يجير على المسلمين أدناهم" ثم انصرف رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فدخل على ابنته زينب فقال: "أي بنية أكرمي مثواه ولا يخلصن إليك فإنك لا تحلين له" قال: وبعث –صلى الله عليه وسلم- فحثهم على رد ما كان معه فردوه بأسره لا يفقد منه شيئاً فأخذه أبو العاص فرجع به إلى مكة فأعطى كل إنسان ما كان له ثم قال: "يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟" قالوا: "لا فقد وجدناك وفياً". قال: "فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، والله ما منعني عن الإسلام عنده إلاَّ تخوف أن يظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم فلما أداها الله إليكم وفرغت منها أسلمت .

وقد زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- من ابنته زينب عندما طلبت منه أمها خديجة بنت خويلد –رضي الله عنها- أن يزوجها له فوافق النبي –صلى الله عليه وسلم- على طلبها ، لما يعرف من رجاحة عقلها وثقتها بابن أختها فكانت تعده بمنزلة ولدها.

وهنا درس نبوي كريم في تزويج البنات هو أنه لا مانع من أخذ رأي والدة البنت والتشاور معها ففي ذلك إكراماً لها واعترافاً بحقها.

وزوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- رقية من عثمان بن عفان -رضي الله عنه- الخليفة الراشد الزاهد الجواد السخي الحيي، وكان من أبرز أخلاقه وأشدها تمكناً من نفسه خلق الحياء، الذي تأصل في كيانه؛ لذا فقد أشاد الرسول –صلى الله عليه وسلم- بهذا الحياء الواسع العميم فقال: "إن عثمان رجلٌ حييّ" ، وقال – صلى الله عليه وسلم : "ألاَّ أستحي من رجل تستحي منه الملائكة " أخرجه مسلم .

وكان النبي – صلى الله عليه وسلم - يحبه كثيراً فلما توفيت رقية –رضي الله عنها– زوجه النبي –صلى الله عليه وسلم- بأختها أم كلثوم ولما ماتت أم كلثوم قال النبي –صلى الله عليه وسلم- "لو كان عندي ثالثة لزوجتها عثمان"

وزوَّج فاطمة –رضي الله عنها– من علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ابن عمه –صلى الله عليه وسلم- وكان أول من آمن برسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الصبيان ، وكان قد تربى في حجر الرسول –صلى الله عليه وسلم- قبل الإسلام ولم يزل علي مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-حتى بعثه الله نبياً

يقول ابن كثير رحمه الله: "كان أبو طالب ذا عيال كثيرة، فقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم- لعمه العباس، وكان من أيسر بني هاشم: "يا عباس إن أخاك أبا طالب كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة فانطلق حتى نخفف عنه من عياله"، فأخذ رسول الله– صلى الله عليه وسلم - علياً فضمه إليه، فلم يزل مع رسول الله حتى بعثه الله نبياً فاتبعه علي وآمن به وصدقه"

و البنت أمانة في بيت والديها ولابد أن تنتقل إلى بيت زوجها يوماً ما، وقد أوجب لها ديننا الإسلامي الحنيف حق الاستئذان في الزواج فلا يحل لوليها أن يعقد لها على رجل تكرهه قال النبي –صلى الله عليه وسلم-: "لا تنكح الأيم حتى تستأمر، ولاتنكح البكر حتى تستأذن".قالوا: "يا رسول الله، وكيف إذنها؟" قال: "أن تسكت" أخرجه البخاري

فكلمة تستأمر في حق الثيب تفيد طلب الأمر فلا يعقد عليها إلاَّ بعد طلب أمرها وإذنها بذلك، وكلمة تستأذن في حق البكر تعنى طلب إذنها وموافقتها على النكاح ، وإذا عقد الأب لابنته وهي كارهة فالعقد مردود "عن خنساء بنت خدام الأنصارية:أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك، فأتت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فرد نكاحها ، أخرجه البخاري في صحيحه .

و كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يستشير بناته قبل تزويجهن فعندما خطب علي -رضي الله عنه- فاطمة –رضي الله عنها– قال لها الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "إن علياً يذكرك" فسكتت فزوجها " أخرجه ابن سعد في الطبقات .

وهنا يجب على الآباء أن يتأكدوا من موافقة البنت قبل إجراء العقد لها.

ويخطئ بعض الآباء من ترديد كلمة نحن أعلم بمصلحتها – لا شك– أن الأب يفوق ابنته في الخبرة، وطول التجربة في الحياة، ومعرفة الرجال ولكن على الرغم من ذلك يجب عليه أن لا يحيد عن تعاليم الإسلام، ولا يجبر ابنته على رجل تكرهه بل عليه أن يستأذنها ويعرف رأيها قبل إجراء عقد النكاح، وفي ذلك خير كبير حيث تشعر البنت بكيانها وأهميتها وتبدى رأيها في الرجل الذي ستنتقل إلى بيته وهو أدعى لدوام السعادة والوفاق لاقتناع كل من الطرفين بصاحبه فالزوج أباح له الإسلام النظر إلى من ينوى نكاحها، وهي كذلك تراه وتستشار في الموافقة على إجراء العقد وهذه من عظمة ديننا الإسلامي الحنيف.

صداق بنات النبي صلى الله عليه وسلم

والصداق في الزواج حق من حقوق الزوجة يدفعه لها الزوج قال الله تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وسنة النبي –صلى الله عليه وسلم– وهديه عدم التغالي في الصداق، بل إن خير الصداق أيسره قال الإمام ابن القيم –يرحمه الله-: "إن المغالاة في المهر مكروهة في النكاح، وأنها من قلة بركته وعسره " فقد زوَّج النبي –صلى الله عليه وسلم- بناته على اليسير من الصداق فبعد أن تمت الموافقة على زواج علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من فاطمة حُب رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وأصغر بناته جاء إلى النبي –صلى الله عليه وسلم- فسأله النبي "ما تصدقها؟" فقال علي: "ما عندي ما أصدقها" فقال الرسول –صلى الله عليه وسلم- "فأين درعك الحطمية التي كنت قد منحتك؟" قال علي: "عندي". قال النبي–صلى الله عليه وسلم- "أصدقها إياها" فأصدقها و تزوجها وكان ثمنها أربعمائة درهماً ، أخرجه ابن سعد في الطبقات

هذا هو صداق بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وحبه وأصغر بناته سيدة نساء أهل الجنة.

وما يفعله بعض الناس في زماننا من التغالي في المهور هو أبعد ما يكون عن هدي رسول الله –صلى الله عليه- و هو أمر خطير له أضراره على الفرد وعلى المجتمع والدين الإسلامي دين اليسر والسهولة

وفي أمر الزواج لا يقتصر اليسر على الصداق بل يمتد إلى الوليمة التي يُشهر بها الزواج وهي أمر دعى إليه الإسلام وحثَّ عليه فكان النبي –صلى الله عليه وسلم- يولم في زواجه باليسير من النفقة، فعن صفية بنت شيبة قالت: "أولم النبي –صلى الله عليه وسلم- على بعض نسائه بمدين من شعير"

وكذلك في زواج أصحابه رضي الله عنهم فعن أنس -رضي الله عنه -: "أن النبي –صلى الله عليه وسلم- رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة، قال: "ما هذا؟" قال: "إني تزوجت امرأة على وزن نواة من ذهب"، قال: "بارك الله لك، أولم ولو بشاة" رواه البخاري.

وفي زواج بناته رضي الله عنهن كذلك مظهر من مظاهر اليسر في الوليمة ففي ليلة زواج فاطمة رضي الله عنها قال الرسول –صلى الله عليه وسلم-: "يا علي لا بد للعروس من وليمة". فقال سعد بن معاذ -رضي الله عنه-: "عندي كبش". وجمع رهط من الأنصار أصواعاً من ذرة وأولم الرسول –صلى الله عليه وسلم - أخرجه ابن سعد في الطبقات.

رعاية النبي –صلى الله عليه وسلم- لبناته بعد الزواج:يختلف الناس في النظر إلى علاقة البنت بوالديها بعد الزواج: فمنهم من يرى أنه يجب على الأبوين أن يتركوا البنت وشأنها بعد الزواج لدرجة أن علاقتهم بها شبه مقطوعة فلا تزاور من طرف الأهل، بزعمهم أن هذا أدعى لسعادتها الزوجية واستمرار العلاقة بينها وبين زوجها وأهله.

وفي المقابل نجد أن هناك من الأسر من يتدخل في حياة ابنتهم بشكل مباشر فيتطلعون إلى معرفة كل صغيرة وكبيرة في حياة ابنتهم، ولهذا التدخل سلبياته التي تؤدي إلى إفساد الحياة الزوجية، لدرجة قد تصل إلى الطلاق! فما هو الهدي النبوي في هذا الجانب من حياة البنات؟.

كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يزور بناته بعد الزواج ويدخل عليهن الفرح والسرور، فقد زار النبي –صلى الله عليه وسلم- فاطمة –رضي الله عنها– بعد زواجها ودعا لها ولزوجها بأن يعيذهما الله وذريتهما من الشيطان الرجيم .

ولم يكن يشغله –صلى الله عليه وسلم- عن بناته –رضي الله عنهن– شاغل بل كان يفكر فيهن وهو في أصعب الظروف وأحلكها فعندما أراد النبي –صلى الله عليه وسلم- الخروج لبدر لملاقاة قريش وصناديدها كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أن يبقى في المدينة؛ ليمرضها وضرب له بسهمه في مغانم بدر وأجره عند الله يوم القيامة .

ويجب على الأب أن يحافظ على بيت ابنته وسعادتها مع زوجها وأن يتدخل إذا لزم الأمر ويحرص على الإصلاح بينها وبين زوجها بشكل يضمن إعادة الصفاء إلى جو الأسرة.

فقد حدث أنه كان بين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وزوجته فاطمة الزهراء –رضي الله عنها– كلام فدخل عليهما النبي –صلى الله عليه وسلم- حتى أصلح ما بينهما .

وأحياناً يقع الطلاق على الزوجة ظلماً وعدواناً، عندها تحزن البنت كثيراً ويحزن أهلها لحزنها، والعزاء في ذلك أن ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم-: رقية وأم كلثوم طلقتا من عتبة وعتيبة ابنا أبي لهب ظلماً بدون سبب إلاَّ أنهما صدقتا ما قاله النبي –صلى الله عليه وسلم-: من أنه أوحي إليه وأنه نبي هذه الأمة، الكلام الذي أغضب قريش فقد تزوج عتبة بن أبي لهب من رقية بنت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فلما نزلت {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} قال أبو لهب: "رأسي من رأسك حرام إن لم تطلق بنت محمد ففارقها قبل الدخول" .

ولم يكتف أبو لهب بذلك بل أمر ابنه عتيبة أن يطلق أم كلثوم بنت النبي –صلى الله عليه وسلم- ظناً منه أنه بذلك يستطيع أن يشغل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن دعوته .

هنا درس للبنات وللآباء بأن يصبروا ويحتسبوا الأجر من الله جلَّ وعلا، وأن ما وقع من الطلاق ظلماً ما هو إلاَّ ابتلاء سوف يعوضهم الله خيراً فقد عوض الله ابنتي الرسول –صلى الله عليه وسلم- خيراً من عتبة وعتيبة، عوضهما زوجاً صالحاً كريماً هو عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أحد العشرة المبشرين بالجنة وثالث الخلفاء الراشدين، فقد تزوج عثمان -رضي الله عنه- برقية وبعد وفاتها تزوج بأختها أم كلثوم قال الله تعالى: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً}

وقد يحدث أن يفقد الأب بعض بناته بموتهن فالموت نهاية كل حي وهو المصير المحتوم الذي لا مفر منه قال الله تعالى:

{وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ}

وليعلم من ابتلى بفقد إحدى بناته أن الرسول –صلى الله عليه وسلم- فقد جميع ذريته من الذكور والإناث ولم يبق بعد وفاته إلاَّ فاطمة الزهراء –رضي الله عنها- وهديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته رضي الله عنهن، أنه كان يحزن لوفاتهن وتذرف عيناه الدمع على فراقهن، يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- في نبأ وفاة أم كلثوم –رضي الله عنها–"شهدنا بنتاً لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- جالسٌ على القبر، قال فرأيت عينيه تدمعان، وقال: "هل منكم رجل لم يقارف الليل؟" قال أبو طلحة: "أنا" قال: "فانزِل" قال: "فنزل في قبرها " رواه البخاري.

والدموع هذه ليست دموع جزع وسخط من قضاء الله وقدره -والعياذ بالله- إنما هي دموع رحمة وشفقة تذرف من عيون الرحماء روى أسامة بن زيد –رضي الله عنه- قال: "أرسلت ابنة النبي –صلى الله عليه وسلم- إليه: أن ابناً لي قبض، فأتنا، فأرسل يقرئ السلام ويقول: "إن لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل عنده بأجل مسمى، فلتصبر ولتحتسب" فأرسلت إليه تقسم ليأتينها فقام ومعه سعد بن عبادة، ومعاذ ابن جبل، وأبي بن كعب، وزيد بن ثابت، ورجال فرُفع إلى رسول

الله –صلى الله عليه وسلم- الصبي ونفسه تتقعقع – قال: حسبته قال:كأنها شن- ففاضت عيناه، فقال سعد: "يا رسول الله ما هذا؟" فقال: "هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء" رواه البخاري

ومن هديه –صلى الله عليه وسلم- في وفاة بناته –رضي الله عنهن– أنه كان يشرف على غسلهن وتكفينهن، ويصلى عليهن ويدفنهن، ويقف على قبورهن ويدعو الله لهن. فعن أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "دخل علينا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ونحن نغسل ابنته فقال: "اغسلنها ثلاثاً، أو خمساً، أو أكثر من ذلك بماء وسدر واجعلن في الآخرة كافوراً. فإذا فرغتن فآذنني". فلما فرغنا آذناه فألقى إلينا حقوة فقال: "أشعرنها إياه".

وفي كيفية الغسل قالت أم عطية –رضي الله عنها- قالت: "لما غسلنا بنت النبي –صلى الله عليه وسلم-، قال لنا ونحن نغسلها: "ابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها" أخرجه البخاري .

وكان –صلى الله عليه وسلم- يقف على قبر من توفي من بناته ويدعو لها فقد كانت رقية –رضي الله عنها– مريضة أثناء غزوة بدر فأمر النبي –صلى الله عليه وسلم- زوجها عثمان بن عفان –رضي الله عنه- بالبقاء إلى جانبها لتمريضها. ولما عاد –صلى الله عليه وسلم- من الغزوة وقد ماتت ابنته رقية، خرج إلى بقيع الغرقد ووقف على قبرها يدعو لها بالغفران

فنسأل الله تعالى أن يصلح بناتنا و يرزقهن العفاف والستر والاقتداء بأمهات المؤمنين وبنات الصادق الأمين صلى الله عليه وسلم .

مجلة الجامعة الإسلامية بتصرف كثير

Post: #336
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:44 PM
Parent: #301

لا ينكر عاقل مدى الدور الذي تقوم به الأم – خاصة نحو أبنائها – من رعاية ومحبة وشفقة، وما يصاحب ذلك من مشقة ونصب، ومن هنا كانت وصية الله جل وعلا بالوالدين خيرًا، من اللطف في القول وخفض الجناح لهما بالفعل سيما الجانب الضعيف وهو الأم، نظرًا لعطائها وبرها وفضلها، وأحزانها.

ولكن رغم ما ذكر من فضل وعطاء ومحبة ورغبة عن أريحية ورضاء فلا تزال الشكوى من الأمهات من قبل الأبناء أو الحموات من قبل الزوجات، فصارت أم الزوج تمثل في بعض الأحيان جانبًا لا يستهان به في ضعف العلاقة الزوجية وفتورها أو نهايتها في أحيان أخرى ، فما هي إذًا الأسباب الرئيسة التي تجعل من الحماة آمرة متسلطة ؟ وما هي مظاهر ذلك التسلط ؟ وهل من أمل سريع في علاجها ؟

أسباب المشكلة

الأسباب التي من شأنها إيجاد الهوة في العلاقات الزوجية والأسرية بسبب تدخل أم الزوج وتسلطها كثرة منها :

أولاً: تدليل الأمهات للأبناء منذ نعومة أظفارهم فينشأ الابن اتكاليًا وعندما يكبر يصبح هيكلاً قد فرغ من مضمونه ومحتواه، وتبقى إرادته تبعًا لمراد أمه ويصير بسببها دمية من الدمى ينتظر حركة من خارج حسه وإدراكه ، فيحيله ذلك كله إلى سلبية مريرة باردة فلا تجعل منه رجلاً جديرًا باتخاذ أبسط القرارات فضلاً عن أشدها وأخطرها.

ثانيًا: موت الزوج مبكرًا ؛ وقد يُحدث موت الزوج في فترة مبكرة قلقًا وارتباكًا في حياة الأسرة وخاصة الزوجة الشابة ، التي ترفض من يتقدم للزواج منها لأنها نذرت أن تربي أبناءها، فتقوم بدور الأب والأم معًا، فتستخدم تبعًا لذلك سلطة الأمر والنهي في آن يدفعها إلى ذلك دوافع كثيرة من الحرص والخوف على الأبناء. حتى إذا كبر أبناؤها وتزوجوا شعرت أنهم ضاعوا منها فراحت تتدخل في حياتهم لتشعر أنهم مازالوا قريبين منها طائعين لها.

ثالثًا: الرواسب البيئية المعقدة ؛ ومما يساعد على تسلط الأم وتدخلها في حياة الأبناء سلبًا وإيجابًا أن تكون الأم صبغت مع الأيام بجملة من الرواسب البيئية المعقدة، والأمراض النفسية المقيتة، وعدم فهم العلاقة المثلى بين الآباء والأبناء. فتظل تلك الرواسب تظهر بين حين وآخر فتفسد على المرء أنسه بالحياة والأحياء. ..

رابعًا: غياب الفهم الواعي، فكثير من الناس – والنساء منهم – في حاجة ماسة إلى الفهم المدرك والبصر بالأمور، والتأمل في عواقبها وتأصيلها وردها إلى الحقيقة؛ لأن الفهم الواعي يحجز عن الزلل قولاً وفعلاً، فإذا أضيفت إلى كل ما ذكرناه وفرة ميراث الأم، ومساعدتها للابن في ظل ظروف تثقل الكاهلين، كان ذلك مدعاة لأن تضن بما في يدها على ولدها بين حين وآخر، مظهرة أنها ولية نعمته التي لها حق التوجيه والتأثير بالحق وبالباطل، وهنا مكمن الخطر، وربما تكون الأم مصابة بأمراض حادة، تحدث اضطرابات مفاجئة لديها وتؤثر بالتالي على تصرفاتها بطريقة شعورية أو غير شعورية.

أما عن مظاهر المشكلة:

فما نراه من الغلظة في الأقوال والزجر في الأفعال لزوجة الابن، والنظر إليها شزرًا لأنها باعدت بينها وبين ولدها، فإذا ما أرادت زوجة الابن أن تبين وجهة نظر ما – من باب النصح لكل مسلم – قامت الدنيا ولم تقعد، من جهة الأم التي يبح صوتها، وتنتفخ أوداجها وتحمر عينيها، وقد تفقد السيطرة على نفسها فينفلت اللسان بعبارات موجعة، وقد تمتد الأيدي فتنال من وجه متبتل مشرق، فإذا ما أقبل الناس على أثر الصياح ظهرت شكايتها من زوجة ابنها، وأنها قد أساءت في أدبها، وبأن زوجات اليوم لا يردن أمهات الأبناء أن يشاركنهنَّ اللقمة والكسرة.

آثار المشكلة:

أما عن الآثار التي تترتب على تلك المعضلة من بين ما رأيناه من مظاهر الشقاق وعدم الانسجام الأمثل، بين الزوجة والأم من ناحية وضياع الابن بينهما من ناحية أخرى فهي:

آلام نفسية مبرحة بسبب اضطرابات الجهاز العصبي والاضطرابات في وظائف الأعضاء إذا ثبت أن القلق والحزن واليأس الذاتي يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة فقد يؤدي إلى خلل بين وظائف الأعضاء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف:84].
تعطيل الملكات البنَّاءة بسبب كبت الإرادة، فتقل الفرصة الحقيقية للاستفادة من عطاء الزوجة وبذلها.
إصابة الزوجة بداء التردد في غالب أمرها، لأنها طالما أحجمت عن اتخاذ قرارها، أو أن تبوح بما في طيات نفسها.
فقدها القدرة على التصور الصحيح للحياة، بسبب فرض المفاهيم الموروثة بالضغط والقوة الأدبية.
العلاج:

أن تعلم الأم أن الزواج من سنن الكون الحياتية والفطرية، وأن ارتباط الأب بزوجته وأبنائه أمر غريزي محض، وذلك كي يتحقق السكن المنشود والموّدة الموجودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )[الروم:21]. فإذا علمت الأم ذلك استراحت وأراحت ولو رجعت بها دواعي الذكريات إلى الوراء قليلاً لعلمت أنها في يوم ما قد استأثرت بزوجها وهو يرعاها بمودته، ويغذوها بحنانه ويتدفق عليها بعطفه. عندها لن تنكر على فلذة الكبد أن يشمل أهله بالرعاية والعناية والود والرأفة.
أن تعلم الأم أن سعادتها الحقيقية إنما تنبثق من سعادة الأبناء والأحفاد؛ لأنها بمثابة الشجرة التي تلتف حولها جميع الأغصان فيفيء الناس في ظلالها ويأنسون بنسيمها.
أن يقرأ الابن لأمه وزوجه – في جلسة عائلية كريمة – فصولاً من الترغيب والترهيب بشأن ما تمر به الحياة الزوجية من منعطفات، فلعل دوام التذكير يحوّل القلوب القاسية إلى العطف واللين والشفقة ويهذب غبشها.
أن تصبر الزوجة صبر الرضا بالقضاء لا صبر القهر والاضطرار حتى تؤجر في كل ما تفعل وما تدع ، وأن تدعو لأم زوجها بظهر الغيب أن يشرح الله صدرها، ويهذب طبعها ويلين قلبها نحوها ، فهي أم لزوجها وجدة لأبنائها ، ومرضاتها جزء من الإيمان بالله ورسوله.
أن تبذل الزوجة جهدها قدر الطاقة في أن لا ترد على أم زوجها سبابها أو إهانتها حال الرضا أو الغضب راجية من الله وحده المثوبة ، تاركةً حظ نفسها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
على الزوج أن يناصح أمه بعيدًا عن زوجته ، وأن يكلم زوجته في غيبة أمه ، وأن يمسح بقلبه الشفيق جراحات زوجته، وأن يجبر كسرها بين حين وآخر فيأخذ بيدها إلى طريق العفو والصفح، ويخبرها أن الله قادر على تغيير الحياة النكدة والأيام الرتيبة إلى حياة سعيدة سهلة منظمة ممتعة في معناها ومبناها.
عندها ستنقشع العاصفة، ويندحر الشيطان، وتسير القافلة في هدوء إلى مقصدها وغايتها، فلعل الله أن يمن بعناية ترفع البناية إنه على ما يشاء قدير.
علي رضوان الخطيب

Post: #337
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:46 PM
Parent: #301

عادة ما تنشأ معظم المشكلات العائلية ، نتيجة لاحتكاك الأفراد فيما بينهم ، وهي غالبا ما تكسر حدة الملل والروتين وتنشط العلاقات الإنسانية، إذا ما تعاملنا معها بايجابية.
ويصنف العلماء هذه المشكلات من ثلاث زوايا :
الزاوية الأولى: وهي تعبر عن وجهة نظر الرجل: الذي يعتقد بعدم تقدير الزوجة لأعباء زوجها وواجباته الاجتماعية، وعدم مراعاتها لأوضاعه المالية، واختلاف ميول الزوجة ورغباتها عن ميول ورغبات الزوج، وإهمال المرأة لشؤون الأسرة. ولعل من أظهر أسباب الطلاق وبخاصة في المجتمعات الشرقية، ظهور الزوجة بمظهر المرأة "المسترجلة"، حيث كشفت بعض الدراسات أن أكثر من 45% من حالات الطلاق التي تتم حاليا، يرجع إلى محاولة المرأة تمثل شخصية الرجل لتتحكم بشئون البيت وتستولي على صلاحيات الرجل التقليدية في إدارته

كما أوضحت هذه الدراسة التي شملت عددا كبيرا من حالات الطلاق أن الزوجة المسترجلة والمحبة للجدل ، والتي تستعذب البحث عن المشاكل وإثارتها، وتحول بيتها لساحة معارك، رغبة منها في لفت أنظار الزوج إليها ولشخصها.. إنما تحدث بهذا السلوك المقيت، ودون أن تدري، صدعا لا يمكن رأبه إلا بالانفصال والطلاق، وهو عادة ما يلجأ إليه الزوج كملاذ أخير للخلاص من الجو الكئيب الذي خلقته تلك الزوجة.
وفي هذا السياق، يؤكد الدكتور احمد المجدوب أن بعض الزوجات مصابات بما يسمى "عقدة الأنوثة"، وأن صاحبة هذه العقدة لا تعتني بأنوثتها من أجل زوجها.. كما لا تعترف بقوامة الزوج وحقه الطبيعي في قيادة الأسرة، بل وتشعر دائما أنه يستضعفها ويمارس رجولته عليها، فتنفر منه وتحاول إثبات وجودها وكيانها ونديتها له، فتجلب بذلك على نفسها مشاكل عادة ما تحسم في النهاية لصالح الزوج.

ويضيف الدكتور المجدوب إلى أن وجود مشاكل في كل منزل هو أمر طبيعي، لكن عددا كبيرا من الزوجات ينظرن إلى وقوع أي خلاف مهما كان صغيرا على أنه كارثة، وهي بذلك تضخم المشكلة دون أن تدري، لتثبت لنفسها ولزوجها أن موقفها "صحيح" وأن موقفه "خطأ".

وبهذا المعنى يقول الدكتور عبداand السيد استاذ علم الاجتماع في الجامعة اللبنانية: إن عددا لا بأس به من الزوجات، ينكدن عيشتهن وعيشة أزواجهن بقصد تحسين وضعهن العاطفي ومكانتهن في بيت الزوجية، من دون أن يعلمن أن الأمور قد تنقلب ضدهن فيما بعد.

وفي الاتجاه ذاته تعلق الدكتورة شاهيناز عبدالفتاح، استاذ علم النفس بجامعة القاهرة، قائلة: تخطئ الزوجة التي تعتقد أنها يمكن أن تشتري سعادتها الزوجية وهناءها من خلال لجوئها إلى السيطرة وتحكيم الرأي في مسار الأمور في بيت الزوجية.

فالرضا والهناء ليسا في السيطرة على الآخرين، واجبارهم على التقيد بأشياء لا يرونها صحيحة، إنما بالإقناع والمناقشة الهادئة. وتستطرد الدكتورة شاهيناز قائلة بأنه: وللأسف هناك نوع من الزوجات، ممن يشعرن بالرغبة القوية والإشباع الداخلي في إرغام الأزواج على التقيد بما يردن إرضاء لغرورهن، من دون أن يدركن أن تماديهن في هذا الأمر قد يدفع الأزواج إلى العناد والإصرار والتحكم أكثر من ذي قبل، مما يعمق هوة الخلافات والمشكلات بينهم.

أما الزاوية الثانية : فتعبر عن وجهة نظر المرأة التي ترى بأن تدخل الزوج في شئون البيت هو أكثر مما ينبغي، وأن بقاءه فترة طويلة خارج المنزل أمر غير مقبول، وأن رغبة الزوج في الانعزال عن الآخرين أو الاختلاط في المجتمع المحيط به، أمر لا يقرره هو بمفرده.
ويرد العلماء العديد من المشكلات التي تواجه الأسرة ـ من وجهة نظر المرأة ـ إلى النظرة الدونية التي تعتقد المرأة بأن الرجل ينظر لها للزوجة، وإلى تلفظ الرجل أمام الأطفال بكلمات غير لائقة، وانخفاض المستوى الثقافي والاجتماعي للزوج مقارنة بالزوجة، وعدم إعطاء الزوجة الحرية أو الثقة في تصرفاتها الشخصية، وعدم تعاون الزوج في محاولة الزوجة التوفيق بين عملها والوفاء بواجباتها نحو الأسرة.

أما الزاوية الثالثة : والتي هي بمثابة أسباب يشترك فيها الطرفان، فتتلخص في تحكيم العاطفة أو المصلحة المادية عند اختيار الزوج أو الزوجة، وسوء فهم كل من الزوجين لطباع الآخر، والمشكلات الجنسية والعاطفية، وتباين أسلوب كل منهما في تربية الأبناء، والخلافات بينهما حول المسائل المادية، وكذب كل منهما على الاخر، وتدخل أهل الزوج أو الزوجة في كل صغيرة وكبيرة تتعلق بالأسرة، هذا فضلا عن مواقف العناد والأنانية التي يتخذانها، وفارق العمر وانعدام الحوار بينهما، والخلاف على عدد الأطفال الذي يرغب كل منهما في إنجابه، وعدم تحمل المسؤولية، وانعدام فهم كل طرف لشخصية الآخر. كما تتضمن إفشاء أسرار البيت، وانفاق المال في غير محله، والعمل المرهق خارج المنزل .
اسلام ويب

Post: #339
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 07:09 PM
Parent: #301

شاع عند الكثيرين أن الرجل عندما يكثر السفر ويترك أبناءً مراهقين - لا أحد يرعاهم أو يهتم بهم - أن ذلك يعد مراهقة.
أيضًا عند البعض عندما يلحظ تغيرًا في ملبس الأربعيني أو في شكله العام بما يوحي له أنه تخلَّى عن الوقار المعهود فيحكم عليه بأنه مراهق مثلاً. ومنهم من كان يحب الرياضة ثم لا يلبث أن يتركها إلى الحرص على الاستراحات. منهم كذلك من يحكم بمراهقة أربعيني من خلال حرصه على قوام جسمه إلى درجة أنه يهتم بمقاييس جسده ويتبع حمية خاصة.
ومنهم من يحكم على الرجل الأربعيني بمراهقة متأخرة حينما ينتهي من مشاكل الأبناء أو حين خروج الأبناء من المنزل إما لزواجهم أو لعملهم خارج المدينة ويبدأ في التفكير "بالزواج"؛ حيث يستنكر البعض زواجه..
أيضًا البعض منهم يحكم على مراهقة متأخرة عن الرجل الأربعيني أو الخمسيني عندما تختلف مواعيد العودة للمنزل بعد أن كانت عودته محددة ومعروفة لدى أفراد أسرته.
كثيرة هي المشاهدات والصور التي يحكم الناس عليها بأنها مراهقة متأخرة لدى رجل في سن الأربعين أو الخمسين أو الستين.. وأنا أخالفهم في بعضها وأوافقهم في البعض الآخر.. إذ إننا لا يمكن أن نُعمم مثل هذه الصور كظاهرة متفشية.
إلا أننا نقف أمام بعض الصور الشاذة.. بأن نهيب إلى قضية القدوة الحسنة والتي يجب أن يقوم بأمانتها ابن الأربعين أو الخمسين.. نعم فهو القدوة لأبنائه.. وحري به أن يتوقى التصرفات الحسنة والبعد عن كل ما فيه مساس لسنٍّ وقورة كسنه.
حقيقة أذكر لكم صورة نقلها لي أحد الأخوة تبين لنا تجاهل البعض في مواقفهم لمبدأ القدوة الحسنة من ذلك حيث كان هذا الأخ يستقل سيارة فارهة عند إحدى الإشارات وصوت التسجيل يرنُّ بذلك الصوت والضجيج الصاخب، وإذا بسيارة أخرى تقف بجواره يستقلها رجل مسن يبدو أنه في سن الأربعين.. فما إن رآه ذلك الشاب حتى قام بخفض صوت التسجيل احترامًا لهذا الرجل.. التفت الرجل إلى الشاب وقد رفع السيجارة بيده، فما كان من هذا الشاب إلا أن رفع صوت التسجيل كردة فعل بعد تلك الصورة المخجلة.

إن المراهقة المتأخرة حينما تكون في سن الأربعين تجدها مكشوفة لدى المرأة بشكل واضح خصوصًا الزوجة فهي ترقب هذا التغير وتظل في حيرة من أمرها حيال زوجها والذي يعيش مرحلة مراهقة.. ليس لها حد معين فقد تكون في سن الأربعين أو الخمسين أو الستين.. وقد تسأل كل زوجة كيف هو الدور الواجب علنيا القيام به؟
إن المرأة قد تخسر زوجها وعليها أن تسرع بانتشاله من هذا المأزق قبل أن يقع في فخ هذه المراهقة ووحلها ويكون ذلك حسب الآتي:
1- الارتباط القوي بزوجها منذ السنين الأولى من الزواج. وفي ذلك لا تغفل الزوجة قضية جدُّ مهمة ألا وهي عدم نسيان الزوج في زحمة تربية الأولاد، إذ ينبغي مشاركة الزوج في هواياته.. فما الذي يمنع المرأة من الاقتراب لزوجها وتقريب وجهات النظر بينهما.. وحتى لا تتسع الفجوة بينهما مع مرور الأيام والسنين ويحدث ما لا تحبذه المرأة!! ولتعلم أن الزوج كالزرع إذا لم تعتنِ به يجف ويموت.
2- ثقتها في نفسها وبزوجها.. فإذا شعرت بالرضا والثقة بالنفس فإن ذلك ينعكس على بيتها وحياتها.. أما إذا لم تثق بنفسها فإن كل شيء في بيتها سيتحول إلى نار!! إذن لتعلم أن جمالها ليس في حفاظها على وجهها ورشاقتها، بل في ثقتها بنفسها، فكم من امرأة محت التجاعيد من وجهها ومحت بذلك ثقتها بنفسها باحثة عن الجمال مهملة الثقة بالنفس ولا تقرأ المرأة نظرات زوجها.
3- حاجة الرجل إلى مشاعر العطف والحنان ومشاعر الحب العميق حتى لو كان في هذه السن المتأخرة. إذن لا تهملي تلك الاتصالات العاطفية والمعرفية فيما بينكما فهي حتمًا ستضيف إلى حياتكما نوعًا من التعاون. أدرك أن ظروف السن أجهزت على مثل هذه المشاعر أن يلفظها اللسان، ولكن قد تنجب جفاف العاطفة.. وقد ينتج عنها طلاق عاطفي!!
نعم قد يخجل أحد الطرفين عن إظهار تلك المشاعر لأسباب - كوجود الأولاد.. أو كبر السن - لكن لتكون الحياة سعيدة لابد من البوح بها ولو بكلمة طيبة عابرة.. أو الثناء على عمل أنجز من الطرفين أو الإعجاب بأسلوب أحد الطرفين، فمثل ذلك أجزم أنه سيكون له مردود إيجابي في إشاعة الحب وإشباع الجوانب العاطفية والنفسية المطلوبة، وبدونها تصبح الحياة جافة سطحية. قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

وفي نظري لو تنوَّعت الاهتمامات وتمايزت بين الزوجين لما بحث الرجل عمَّن تكون منه أقرب لذاته! فالاقتصار على مطالب الجسد في الحياة يدفع الرجل إلى هذه المراهقة السنية المتأخرة، وذلك عندما يجد فراغًا في الوقت أو لنقُل الفراغ المعنوي، الأمر الذي يجعله ينكص على عقبيه مرتدًا إلى مرحلة لا تتناسب مع عمره.. وهنا يصبح محطًا لأنظار وحديث المجالس.. وقد يتندر البعض منه ومن تصرفاته وسلوكياته..
إذن عليك أيتها الزوجة قتل الروتين الممل بينكِ وبين زوجك عن طريق إهداء الهدايا بينكما مثلاً، واجلسي مع زوجك، وأزيلا ما بينكما إن كان هناك من ترسبات ولدها سوء الفهم بينكما. وعالجا اضطرابات حياتكما بالمصارحة.
أيضًا لا ننسى الرجل.. حينما ينسى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله". أما أن يعيش الأب في جو من اللامبالاة وعدم استشعار المسؤولية.. والركون إلى الأصدقاء والاستراحات وقلة الوعي في ظل عدم اهتمامه بأبنائه وأسرته ؛ فهذا يعني ضياع أسرته. وهذه اللامبالاة يكون علاجها التربية - فردية أو اجتماعية -.
وختامًا أؤكد أن الحل في هذه القضية الاجتماعية يكمن في زوجة هذا المراهق من حيث ثقتها بنفسها وبمقدرتها الشخصية والفعلية ، ومتابعة ردود أفعاله الحقيقية، وبتحقيق ذلك ستتربعين على قلب زوجك.
مجلة الأسرة رقم 137

Post: #340
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 01:22 AM
Parent: #301

ليس هناك من يولد لصًا، فقد فطر الله (سبحانه وتعالى) خلقه على الخير، ليثبّت المربون هذه الفطرة أو يشوهونها.
لذلك فإن الحلم بمجتمع إسلامى خال من اللصوص ليس بمستحيل إذا عرفنا كيف نربى أطفالاً أمناء ، وكيف نجعل فطرة "الأمانة" سلوكًا متأصلاً فى النفس .
وإذا كانت "الطهارة قيمة إسلامية شاملة تتجاوز المفهوم الجسدى إلى الأخلاقى، فإن المجتمع "الملوث" بالسرقة، والنهب، واستحلال ممتلكات الغير هو مجتمع افتقر إلى مربين يغرسون قيمة الأمانة فيمن يربونهم.
وفى حوارنا مع الدكتور عبد الغنى عبود - أستاذ التربية بجامعة عين شمس - نحاول رسم خطة للتربية على الأمانة.

** كيف نربى أطفالاً أمناء ؟***
نستطيع ذلك حين يكون المربى أمينًا؛ لأن فاقد الشيء لا يعطيه، والتربية تتم أولاً عن طريق السلوك، والممارسة، والتعامل الحى، فالعلاقة بين الطفل وأمه علاقة ربانية تفوق التواصل بالكلمة والنظرة، إذ بينهما خط ساخن، والأمانة التى نريد أن نبثها فى الطفل يجب أن تكون بيئته الصغيرة "أسرته" مشبعة بها أولاً.

** فى أى سن يتعلم الطفل ملكية الغير وكيف؟***
يبدأ الطفل فى التعلم عمومًا فى سن الرابعة أو الخامسة ؛ لأنها مرحلة النمو العقلى والإدراكى، والتعليم عملية غير التربية، فالطفل ينشأ على التملك قبل أن يتعلم التملك، وحين يأخذ ما ليس له علينا أن نكلمه بالحسنى؛ لأن الطفل عنيد ، وإذا كانت الأم عنيفة معه فإنها ستخسره ، والطفل فى البداية يعتبر أن العالم كله ملكه، والأم والأب أيضًا ملك له، ولذا هو يغار من إخوته ، وبعد ذلك يدرك الآخر ، ويعرف أن له حقًا فى التملك فيبدأ فى التنازل عن الفكرة شيئًا فشيئًا.

** ما الخطأ التربوى الشائع الذى يحوِّل الطفل إلى لص ؟***
للتدليل الزائد، أو الحرمان الزائد أثره فى دفع الطفل للسرقة ، فكلاهما يدمر الطفل، ولكل آفاته، فالإفراط فى التدليل لا يجعل لدى الطفل معايير أخلاقية، فهو يرى أن كل شيء مباح، وملك يمينه، ومن حقه أن يفعل ما يشاء، وكيف يشاء، وبهذا يدمر نفسه، ومن حوله، والحرمان يؤدى لذات النتيجة، فهو يسرق، ويدمر الأشياء من أجل إيلام الوالدين اللذين حرماه.

** بعض الأمهات يفاجأن بأن أطفالهن يحملون معهم من المدرسة أشياء لا تخصهم فكيف يتصرفن؟***
يجب ألا تتهم الأم الطفل بالسرقة ، ولا تغضب بل تعامله بالحسنى والإقناع الهادئ، وتسأله هل ترضى أن يأخذ أحد أشياءك، أما إذا غضبت فهى رسالة منها تعلمه أنها سلطة ضابطة ، وهى فى نظره نبع حنان، فيرفض ما تقول، أما أن تكون ضابطة من خلال الحب والحنان، فهذا الأسلوب يؤتى ثماره ؛ لأن الطفل فى مرحلة الطفولة المبكرة لا يعرف معنى السرقة ولا يتعمدها.

** وإذا اشترى الطفل للأم شيئًا واحتفظ بالباقى لنفسه هل لهذا مدلول سيئ ؟ ***
ترك باقى الثمن للطفل سلوك خاطئ ، أما أن تعطيه له الأم بعد أن تتسلمه منه ، أو تعطيه جزءًا منه كمكافأة لأنه قام بعمل إيجابى، فهذا سلوك جيد، ولكن يجب ألا يتكرر كل مرة حتى لا يربط الطفل كل إنجاز بحافز مادى.

** وهل تعريف الطفل بمكان الاحتفاظ بالنقود فى المنزل سلوك حكيم يحمى الطفل من السرقة ؟***
يخطئ المربى حينما يجعل حول كل شيء مفاتيح، فتنمو لدى الطفل رغبة حب الاستطلاع ، ويحاول فتح هذه المغاليق، أما أن يترك المال، حيث يضعه الأب، فإن الطفل ينمو لديه إحساس بأنه ملكه، والإنسان دائمًا يحافظ على ما يملك، ولا يتلفه، ولكن يجب أن يتعلم ألا يأخذ شيئًا دون الرجوع والاستئذان من الأب الذى يقوم بالإرشاد والتوجيه وبدور الشرطى الحارس للمال.

** استخدام أسلوب المكافأة المادية مع الطفل هل له أثر سلبى فى المستقبل ؟***
لو لم تكن المكافأة أو الثواب والعقاب، لما كان للحياة معنى ، وهذا الكلام يشمل الصغير والكبير، واستخدام المكافأة على إنجاز الطفل شيء إيجابى، والعقاب الخفيف حين الخطأ أمر مهم يضبط سلوك الطفل، ولكن دون إسراف.

**هل هناك أساليب مناسبة لكل مرحلة عمرية ليتعلم الطفل الأمانة ؟***
نبدأ مع الطفل بالحنو واللطف، فإذا ما بلغ الخامسة نعامله بالإقناع الهادئ، ونعلمه أن لغيره ملكية يجب أن يحافظ عليها ، فإذا ما تقدم العمر أكثر نعلمه عاقبة التعدى على حقوق الغير، وأن هذا اعتداء يرفضه الشرع والعقل والعرف أيضًا.
مركز الاعلام العربي

Post: #341
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 02:10 PM
Parent: #301

إن أردت أن تكوني أمرأة صالحة وألا تتعرضي للقهر والذل من رجال القبيلة فاحرقي نفسك بعد موت زوجك وإلا فالويل كل الويل لك من المجتمع الذي لا يرحم.
قد يتبادر إلى الذهن أن في الأمر خدعة أو تجنيا على الدين أو الأخلاق إلا أن نظام "ساتي" في الهند يحتم على المرأة التي يتوفى عنها زوجها أن تلحق به من خلال حرق نفسها لتكون قريبة منه في حياته وبعد مماته.
وكما يتميز المجتمع الهندي بتعدد عاداته وتقاليده ولغاته وأديانه (الوضعية في مجملها) وثقافاته وحضاراته فإنه يتميز كذلك بغرائب وعجائب العادات التي قلما توجد لدى غيره من المجتمعات.

وقال أستاذ التاريخ في جامعة دلهي "فينود راجا" إن كلمة ساتي تعني المرأة الطاهرة أو المقدسة التي تحرق نفسها لأجل زوجها أو وفقا لفلسفة طبقة "الراجبوت" فإن ساتي تعني المرأة الصالحة التي أصبحت قادرة على تقديم نفسها كهبة حيث كان يعتقد أنها بفعلها هذا ستخلص نفسها وأفراد أسرتها وذويها من هم البعث من جديد أو التجسيد وهو "تحول روح الميت إلى حيوان أو طائر" حسب المعتقد الهندوسي.
وأضاف أن نساء تلك الحقبة التاريخية كن يؤدين هذه العادة تعبيرًا عن الإخلاص والتودد لأزواجهن وللحفاظ على شرفهن من أن يدنسه غزاة الملك كاران جوهر بعد موت أزواجهن في ساحة الحرب خلال المعارك التي خاضوها ضد جنود الملك جوهر الذي غزا الهند وأقام دولته في ولاية راجستان.

وذكر راجا أنه لا يعرف لنظام الساتي أي أصل محدد، إلا أنه نسب لزوجة إلههم شيفا التي أحرقت نفسها أمام جموع الحاضرين تعبيرًا عن عدم رضاها عن أبيها داكشا الذي أقام وليمة دعا إليها كبار الآلهة واستثنى منهم الإله شيفا الأمر الذي جعلها تشتعل غضبا من تصرف أبيها تجاه زوجها الذي لحق به ذل تجاهل والدها مما جعلها تضرم النار بنفسها فداء لزوجها.!!

وقال راجا: إن نظام الساتي الذي خرج في القرن الأول والثاني للميلاد رفض بعد ذلك من قبل طوائف كثيرة من المجتمع الهندي كما أن كل الكتب الدينية لديهم لم توافق على هذه العادة حيث أكدت أن الإنسان لا ينبغي له أن يودي بحياته حرقا بالنار فداء لآخر مهما كان؛ إذ إن حياة الإنسان مقدسة ولها قيمة عظمى سواء كان ذكرا أو أنثى.

وتذكر كتب الفيشنو الهندوسية المقدسة أن عادة الساتي كانت تمارس ما بين القرن الأول والثاني للميلاد وكانت تعتبر بديلا تتخذه المرأة التي لم يكن بإمكانها توفير الحياة الكريمة الشريفة لنفسها بعد إن يتوفى زوجها.
وعلى الرغم من استنكار جميع الأوساط لهذا النظام غير الإنساني فإن قصص المهابراتا تروي أن امراة تدعى المادري أحرقت نفسها في موكب إحراق زوجها وذلك في القرن السادس للميلاد.

وقال الدكتور راجا إن نظام الساتي كان يمارس في ولايات الهند الشمالية والجنوبية إضافة إلى أنه كان يمارس حتى في عهد المغول وإبان حكم الاسكندر الأكبر الذي بذل جهودًا كبيرة للقضاء على هذه العادات إلا أن جميع الجهود ذهبت أدراج الرياح أمام التعصب القبلي الأعمى لهذا النظام الذي كان مترسخًا لاسيما في أذهان النساء.

وبين أن طريقة ممارسة هذا النظام كانت تتم عند موت الزوج حيث تؤخذ جثته إلى المحرقة وتؤمر زوجته فتتزين بأحسن ما عندها من ثياب وتتعطر بأحسن عطر ثم تتبع الجنازة برفقة ذويها وأهلها إلى أن تصل إلى المحرقة.
وأضاف راجا أن المحرقة تشعل عند قدومهم ثم تؤمر الزوجة فتجلس عند جنازة الزوج المتوفى ثم تبدأ بالنواح على رحيله عنها حتى تصل إلى درجة تفقد صوابها وبعدها يقوم عدد من الرجال بربطها فوق جثة زوجها ويصبون فوقهما سائلا سريع الاشتعال ثم تضرم فيهما النار حتى تصبح جثتاهما رمادا.

وذكر أن الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن في سن مبكرة جدا وأغلبهن في العاشرة من أعمارهن غير مستثنيات من "الساتي" وعليهن إحراق أنفسهن بحجة المحافظة على شرفهن من أن يدنسه أحد بعد أزواجهن.

وحسب التقاليد والأعراف الهندوسية فإن الأرامل لا يحق لهن الزواج مرة أخرى إذا توفي عنهن أزواجهن. أما اللائي كن يمتنعن عن القيام بهذا العرف فكان جزاؤهن أن يقذفن بالقوة داخل النار وإن حاولن الهرب كن يحضرن مرة أخرى ويرمين في النار لأنهن ـ حسب زعمهم ـ يردن تدنيس شرفهن وشرف القبيلة، ثم يصب فوقهن حديد مصهور ليمتن طاهرات غير مدنسات.

وإن كان في هذا عبرة ، فإنها في معرفة فضل الإسلام على المرأة ومدى رفعه لقدرها، وتعظيمه لحقها، وحفظه لمكانتها، وتحريره لها من ربقة كل تقليد بال أو فكر بائر ... وصلى الله وسلم على صاحب الشريعة المحكمة والسبيل القويم {وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين}.
اسلام ويب

Post: #342
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 02:15 PM
Parent: #301

ظاهرة جديدة وخطيرة تتشكل حاليـًا في بعض مجتمعات المسلمين وخطورتها أنها تتشكل في الخفاء ، فلم يعلم بها أكثر الناس الذين من الممكن أن تأخذهم على غرة ، وتنالهم من حيث لا يحتسبون في أعز ما يملكون ، فهي تختص بالأعراض المصونة والحرمات المكنونة ، والأشد خطورة أنها تتم بالمكر والخداع والتحايل على الشرع وتحاول إضفاء صفة الشرعية على ما ليس كذلك ، وسبب ذلك الجهل بأحكام الدين الحنيف أو الجرأة على حدوده ، ومع الجري وراء قناع زائل وشهوة مؤقتة ، والفرار من مسؤوليات اجتماعية مقدمة يتم إلباس الباطل ثوب الحق للتوصل إلى المحرمات باسم ما شرع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم .
زواج شرعي أم بغاء
هذه الظاهرة الخطيرة يقوم بها العديد من الشباب جهلاً بالدين أو تجرؤأ عليه ، وإقناع الشابات بالزواج سراً سببه الاختلاط الذي يعيش فيه كثير من الناس في أماكن التعليم والعمل والتثقيف والترفيه ، يسعى كثير من شياطين الإنس إلى التغرير بالبنات ، فيترصد الشاب للشابة كما يترصد السبع لفريسته ، ويوهم الشاب الفتاة أنه يحبها ويريد أن يتزوجها ، وأن ما يمنع من ذلك هو ضيق ذات اليد عن أن يتقدم في الحال لأهلها طالبـًا إياها .
ومع اللقاءات المتكررة يؤثر الشاب على عواطف من يوقعها سوء حظها فريسة في طريقه ، ويتفنن في إثارتها وما اجتمع رجل وامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما ، ويدعي لها أنه يمكن أن يتزوجها في السر زواجـًا عرفيـًا - كما يسمى في بعض الأقطار العربية - أي بلا وثيقة رسمية مسجلة ، وعلى هذا يتم العقد دون علم من أهل الفتاة أو من أهل الفتى ، ولا يجري أي إعلان أو إشهار ، وقد لا يحدد مهر ، ولا يقام حفل زفاف ولا وليمة ، أو مسكن للزوجين ولا أثاث !
وسبب ذلك خديعة البنات في هذا الأمر هو أن الشاب يقنعها بأنه زواج شرعي لا شبهة فيه ، وأنهما سيظلان على هذه الحال حتى تيسر له مؤونة النكاح ، فيتقدم لأهلها رسميـًا ، ويتم الزواج رسميـًا دون أن يدري الأهل بما سبق وجرى من عقد .
ويتوصل الشاب بهذا إلى معاشرة الفتاة وكأنها زوجة ، حيث يلتقيان في أماكن مخصوصة وأوقات معلومة ، ويحرصان مع ذلك على الاحتياط حتى لا يتم حمل يكشف للأهلين الخديعة التي تجري من وراء ظهورهم ، وهم عنها غافلون .
ولم يقف الأمر عند هذا ، فمع اعتقاد بعض الشباب أن زواجه هذا شرعي ، يبقى يغرر بمزيد من الفتيات ، فيتزوج في السر مثنى وثلاث ورباع ، وكل واحدة منهن لا تدري من الأخرى شيئـًا ، فإذا ما عرف هذا المجترىء على دين الله فتاة جديدة ، سرح إحداهن بغير إحسان ليعقد على الجديدة ، وربما تجرأ بعضهم فعقد بهذه الطريقة على ما هو أكثر من أربع ، ما دام الأمر لا يكلفه إلا دراهم معدودات .
وماذا يحدث بعد ذلك ؟ إن غالب هؤلاء الشباب لا يصدق في وعده ، ولا يأتي اليوم الذي يتقدم فيه لأهل الفتاة ، وهنا تصير هي رهينة لهذه العلاقة الآثمة ، وإذا رأت أن الشاب قد خدعها ،وحطم حياتها ، فإنها ستجد نفسها مدفوعة إلى درك أكثر سوءاً وربما تنتقل العدوى إلى أخرى بالطريقة نفسها ، ويستمر منحدر السقوط حتى يعتاد هذا الفريق من الناس أن يعقد كل سنة ، بل كل شهر أو أسبوع زواجـًا سريـًا جديداً ، ويحسبونه هينـًا ، وهو عند الله عظيم .
وقد فتح هذا الزواج السري الباب واسعـًا أمام بعض البنات الصغيرات اللواتي هنّ في سن لا يكاد يصدق ، سن ما قبل السادسة عشرة أو ما بعدها ، يستمرىء هؤلاء الزواج السري مرات ومرات جريـًا وراء الشهوات والأموال ، فإذا تركها واحد من أخدانها بحثت هي عن آخر ، دون أن تسمع عن شيء اسمه عدة المطلقة ، وكيف تسمع والزواج بالأصل باطل ، والأهل عنها لاهون ، على حين أنها تمتهن كرامتها وكرامتهم ، وتصير مضغة في الأفواه ، وتعتاد هذا النوع من الزواج البغائي ، مما يستوجب من أولي الأمر سن قانون يعاقب على هذه الجريمة التي لم تعرفها مجتمعاتنا من قبل .
وأن بعضهم قد وقع في براثن هذا الزواج السري بحسن نية ، وبعضهم يمكن أن يقع فيه بحسن نية كذلك ، لذا يجب أن نتفرغ وسعنا لكي نبين لماذا لا يعد هذا الزواج السري زواجـًا شرعيـًا ؟ .
الزواج نظام اجتماعي
إن الزواج في روحه نظام اجتماعي يرقى بالإنسان من الدائرة الحيوانية والشهوات المادية إلى العلاقة الروحية ، ويرتفع به من عزلة الوحدة والانفراد إلى أحضان السعادة وأنس الاجتماع ، وهو عقد ارتباط مقدس بين رجل وامرأة يمضيه الشرع ويباركه الله تعالى ، ولا ينبغي أن يصير مادة للعبث أو المخاطرة والمغامرة ، واللعب بالدين والشرع ، بل الواجب أن يؤدي إلى حياة استقرار ومعاشرة بالمعروف ، وبناء أسرة بالمودة والرحمة ، وتأسيس بيت مسلم يقوم على تربية ذرية مسلمة تعبد الله سبحانه وتحفظ حدوده ، وتنصر دينه .
ولكنا لا نجد شيئـًا من ذلك في الزواج السري ، فلا ألفة بين أسرتين ، ولا إذن لولي ، ولا مهر ولا نفقة ، ولا مسكن ولا متاع ، ولا أسرة ولا أولاد ، ولا حياة مشتركة ولا قوامة للرجل ، ولا طاعة من المرأة ، ولا علم بين الناس ، ولا يجري التوارث بين الخليلين ... مما يجعلنا نجزم بأن هذا لا يعد زواجـًا عرفيـًا كما يدعون ، ولا شرعيـًا كما يريد الله تعالى .
لقد أمر الله سبحانه في النكاح بأن يميز عن السفاح والبغاء ، فقال تعالى : (فانكحوهن بإذن أهلهن وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان) [النساء:25] ، وقال جل شأنه : (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان) [المائدة:5] ، فأمر بالولي والشهود والمهر والعقد ، والإعلان ، وشرع فيه الضرب بالدف والوليمة الموجبة لشهرته .
لا نكاح إلا بولي
ليس للمرأة أن تنفرد بتزويج نفسها من دون رأي أهلها ، وليس لولي المرأة أن يتولى إتمام العقد وإنجازه دون استشارتها ، فالإسلام يتوسط في ذلك ، فيحرص على المشاركة بين المرأة ووليها وأهلها ، فللمرأة أن تعرب عن رغبتها ولا تكره على الزواج أبداً ، وولي المرأة يتولى إبرام العقد وإتمامه بعد إذنها ، وبذلك لا يستقل أي منهما بالعقد ، فالمرأة لا تنفرد بتزويج نفسها دون أهلها ، ولا وليها ينفرد بتزويجها دون رأيها ، وليس في هذا حجر على حرية المرأة في الاختيار ، ولكنه حرص على تحقيق الاطمئنان الكامل في الحياة الزوجية وضمان المشاركة والمصاهرة بين أسرتين بعلائق قوية ودية يشهدها ويباركها .
والزواج ليس علاقة بين الرجل والمرأة تنشأ في فراغ اجتماعي ، ولكنه علاقة بين أسرتين وعائلتين قائمة بالمودة والرحمة والتناصر ، فيكون منع المرأة من الاستقلال بالعقد رعاية لحق أسرتها في أن تكون العلاقة الزوجية سببـًا في توطيد أواصر المودة بين أسرة الرجل وأسرة المرأة ، ويضاف إلى هذا أن النصوص عن الكتاب والسنة لا تدل قطعـًا على حق المرأة في الاستقلال بالعقد ، إن من تكريم الإسلام للمرأة منحها حقها في اختيار زوجها ، ولكن ليس ذلك في السر أو من وراء أسرتها ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم تبين كيف تكون المشاركة في الاختيار ، ومن ذلك مارواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن] قالوا : يا رسول الله ! وكيف إذنها ؟ قال : [أن تسكت] .
وإذا رفضت المرأة رجلاً فليس لوليها أن يكرهها على الزواج منه لقوله صلى الله عليه وسلم فيما
رواه مسلم : [الأيم أحق بنفسها من وليها ، والبكر تستأمر ، وإذنها سكوتها] وليس معنى أنها أحق بنفسها أن وليها لا حق له ، بل له حق ، ولكنها أحق عند المفاضلة إذا تعارضا بالقبول والرفض .
وروى أحمد وأبو داود وابن ماجه عن ابن عباس أن جارية بكراً أتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فذكرت أن أباها زوّجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم .
والسنة تبيّن أن النكاح بلا ولي باطل قطعـًا ، ومن ذلك ما رواه ابن حبان والحاكم وصححاه عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [لا نكاح إلا بولي] وروى ابن حبان والحاكم أيضـًا وغيرهما عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال [أيما امراة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ، فنكاحها باطل ، بنكاحها باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له] .
ومنه أيضـًا ما روه ابن ماجه والدارقطني بإسناد رجاله ثقات عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : [لا تزوج المرأة المرأة ، ولا تزوج المرأة نفسها] وروى مالك في الموطأ عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أنه قال : "لا تنكح المرأة إلا بإذن وليها ، أو ذي الرأي من أهلها ، أو السلطان" .
الإشهاد والإعلان
الغرض من الإشهاد في الزواج هو الإشهار ، فإذا اتفق من يريدان الزواج مع الشهود على كتمان أمر زواجهما يقضي ذلك على العقد بعدم الصحة ، لأن كتمان الزواج قام مقام عدة الشهادة ، أو ألغى الهدف منها .
وأوجب الإسلام إعلان النكاح ، وندب إلى إشهاره بالضرب على الدفوف وإظهار الفرح والسرور ، والإحتفال به ومشاركة كل من أسرتي الزوج والزوجة ، فقد روى الترمذي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [أعلنوا النكاح ، واجعلوه في المساجد ، واضربوا عليه بالدفوف] .
ومن الأحاديث التي تنص على وجوب الإعلان كذلك ما رواه الإمام أحمد وصححه الحاكم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [أعلنوا النكاح] ، وما رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه عن محمد بن حاطب الجمحي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف في النكاح] .
ويفرّق الإمام ابن القيم بين الزواج الشرعي والزوج الباطل بقوله "وشَرَط في النكاح شروطـًا زائدة على مجرد العقد ، فقطع عنه شبه بعض أنواع السفاح بها ، كاشتراط إعلانه ، إما بالشهادة ، أو بترك الكتمان ، أو بهما معـًا ، واشترط الولي ، ومنع المرأة أن تليه ، وندب إلى إظهاره ، حتى استحب فيه الدف والصوت والوليمة ، وأوجب فيه المهر ، ومنع هبة المرأة نفسها لغير النبي صلى الله عليه وسلم وسر ذلك : أن في ضد ذلك والإخلال به ذريعة إلى وقوع السفاح بصورة النكاح ، كما في الأثر : "المرأة لا تزوج نفسها ، فإن الزانية هي التي تزوج نفسها" ، فإنه لا تساء زانية تقول : زوجتك نفسي بكذا سراً من وليها ، بغير شهود ولا إعلان ، ولا وليمة ، ولا دف ، ولا صوت ، إلا فعلت ، ومعلوم قطعـًا أن مفسدة الزنى لا تنتفي بقولها : أنكحتك نفسي ، أو زوجتك نفسي ، أو أبحتك مني كذا وكذا ، فلو انتفت مفسدة الزنى بذلك لكان هذا من أيسر الأمور عليها وعلى الرجل ، فعظم الشارع أمر هذا العقد ، وسد الذريعة إلى مشابهة الزنى بكل طريق" أ . هـ .
عقد مؤقت وزنى مقنع
يتفق الطرفان في هذا النكاح وقت إبرامه على أنه مؤقت إلى حين أن يتيسر للرجل التقدم لأهل المرأة ، وليتم الزواج رسميـًا بمعرفتهم ، وبهذا تعد نية الزواج الأول مؤقتة ، وكثيراً ما يعرض للطرفين عارض يحول دون نية الإعلان الرسمي للزواج مستقبلاً ، فلا يتقدم الرجل للمرأة .
وكثير من الشباب المخادع استغل جهل البنات وهو لا يقصد زواجـًا ، ولا هو في نيته بل يريد أن يعقد عقداً لا يقصده ليتمكن من الإستمتاع بالفتيات دون أن يتحمل مسؤوليات الزواج الشرعي ، وهذا نكاح لا يقع لأنه ليس مقصوداً ولا معقوداً في النية مثل نكاح المحلل حيث المحلل عقد عقداً لا يقصده ولا ينتويه حقيقة لذا حكم الشرع ببطلانه .
بل إن هذا الزواج طريقة خفية يتوصل بها إلى ما هو محرم في نفسه ، وهو الزنى ، ولأن المقصود بها محرم باتفاق المسلمين ، فهي حرام كذلك ، وسالكها فاجر ظالم آثم ، وكونه يسعى إلى ذلك متخفيـًا مخاتلاً أشد ظلمـًا وإثمـًا ، فشره يصل إلى الأسر الآمنة ، ويضر الأعراض المصونة من حيث لا تشعر ، ولا يمكن الاحتراز عنه ، ولهذا أمر الشرع بقطع يد السارق لأنه يستخفي بجرمه ، على حين لم يأمر بقطع يد المنتهب والمختلس ، ولذلك أيضـًا من قتل غيلة يقتل ، وإن قتل من لا يكافئه ، وكذلك من جحد شيئـًا استعاره وأنكره ، تقطع يده لعدم إمكان التحرز منه ، ولأنه يعد سارقـًا .
وهذا النكاح الغريب لم يعرفه العرب في الجاهلية لأنهم كانوا أهل نخوة ورجولة ، ولم يشرع في الإسلام ولا وجود له في حياة المسلمين ، ولم نر قبل اليوم أناسـًا يسعون للزواج سراً وخفية ، بل يطلب الناس الزواج إعلانـًا وإشهاراً ، واجتماعـًا ومصاهرة ، ولا نظن أحداً يرضى هذا النكاح لا أخته ، أو لإبنته ولا حتى لإبنه ، لأنه خروج على الفطرة السليمة ، ومقاصد الاجتماع الإنساني ، ومحادة للدين والأخلاق القويمة ، بل هو مكر وخداع واستهزاء بآيات الله ، ولعب بالشريعة ، وتحليل للمحرمات ، وانتهاك للمحرمات يأباه العقلاء ، ويتخذه غير المسلمين موجبـًا للطعن في الدين الحنيف والنيل منه ، ومن البيّن أن الإسلام بريء من كل هذه المحدثات التي تشبه حيل اليهود في تحليل الحرام ، ولأننا نرى كثيراً من الشباب والشابات يقعون في هذه الشراك المنصوبة ، لذا كان واجبـًا أن يبذل الدعاة والمربون والعلماء جهودهم لبيان وجه الحق ، وللإنكار على المجترئين والمخادعين والضالين ، ولمعالجة الأسباب التي أوجدت هذه الظاهرة ، ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيا من حيّ عن بينة .
محمود البحيري

Post: #343
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 02:17 PM
Parent: #301

كيف ننقش القرآن على صدور صغارنا؟
لأن التعليم في الصغر كالنقش على الحجر، فإن أفضل مراحل تعلم القرآن، الطفولة المبكرة من (3 - 6) سنوات؛ حيث يكون عقل الطفل يقظًا، وملكات الحفظ لديه نقية، ورغبته في المحاكاة والتقليد قوية، والذي تولوا مسئوليات تحفيظ الصغار في الكتاتيب أو المنازل يلخصون خبراتهم في هذا المجال فيقولون:
إن الطاقة الحركية لدى الطفل كبيرة، وقد لا يستطيع الجلوس صامتًا منتبهًا طوال فترة التحفيظ، ولذلك لا مانع من تركه يتحرك وهو يسمع أو يردد.
- المكافأة مدخل طيب لتحبيب الطفل في القرآن، وذلك بإهدائه شيئًا يحبه حتى ولو قطعة حلوى، كلما حفظ قدرًا من الآيات، وعندما يصل الطفل إلى سن التاسعة أو العاشرة يمكن أن تأخذ المكافأة طابعًا معنويًا، مثل كتابة الاسم في لوحة شرف، أو تكليفه بمهمة تحفيظ الأصغر سنًا مما حفظه وهكذا.
- الطفل الخجول يحتاج إلى معاملة خاصة، فهو يشعر بالحرج الشديد من ترديد ما يحفظه أمام زملائه، ولهذا يمكن الاستعاضة عن التسميع الشفوي بالكتابة إن كان يستطيعها، وإذا كان الطفل أصغر من سن الكتابة يجب عدم تعجل اندماجه مع أقرانه، بل تشجيعه على الحوار تدريجيًا حتى يتخلص من خجله.
- شرح معاني الكلمات بأسلوب شيق، وبه دعابات وأساليب تشبيه، ييسر للطفل الحفظ، فالفهم يجعل الحفظ أسهل، وعلى الوالدين والمحفظين ألا يستهينوا بعقل الطفل، فلديه قدرة كبيرة على تخزين المعلومات.
- غرس روح المنافسة بين الأطفال مهم جدًا، فأفضل ما يمكن أن يتنافس عليه الصغار هو حفظ كتاب الله، على أن يكون المحفظ ذكيًا لا يقطع الخيط الرفيع بين التنافس والصراع، ولا يزرع في نفوس الصغار الحقد على زملائهم المتميزين.
- ومن الضروري عدم الإسراف في عقاب الطفل غير المستجيب، فيكفي إظهار الغضب منه، وإذا استطاع المحفظ أن يحبب تلاميذه فيه، فإن مجرد شعور أحدهم بأنه غاضب منه؛ لأنه لم يحفظ سيشجعه على الحفظ حتى لا يغضب.
- على المحفظ محاولة معرفة سبب تعثر بعض الأطفال في الحفظ "هل هو نقص في القدرات العقلية أم وجود عوامل تشتيت في المنزل" وغير ذلك بحيث يحدد طريقة التعامل مع كل متعثر على حدة.
- من أنسب السور للطفل وأيسرها حفظًا قصار السور؛ لأنها تقدم موضوعًا متكاملاً في أسطر قليلة، فيسهل حفظها، ولا تضيق بها نفسه.
- وللقرآن الكريم فوائد نفسية جمة، فهو يُقوِّم سلوكه ولسانه، ويحميه من آفات الفراغ، وقد فقه السلف الصالح ذلك فكانوا يحفظون أطفالهم القرآن من سن الثالثة.
اسلام ويب

Post: #344
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 07:43 PM
Parent: #301

أختي الأم المسلمة .... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تربية الأبناء مسؤولية جسيمة وفن راق لا يتقنه ولا يحسنه كل الآباء مع أنه هام جدا وضروري جدا وهو كذلك مؤثر جدا على توجه الطفل وتكوين شخصيته وبالتالي على مستقبله ودوره في الأسرة والمجتمع. وهذه بعض نصائح أضعها ـ أخيتي ـ بين يديك من باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة".

**التفرقة مهلكة***
ترتكب بعض الأمهات خطأ جسيما في تربية بناتهن، ألا وهو تفضيل الذكور عليهن، وربما تكون البداية في هذا الأمر غير محسوسة ولكنها تأتي هكذا عفويا في بعض الأحيان فلا الأم تنتبه إليها ولا البنات يجرؤن على أن يتحدثن فيها، ولكنها بمرور الوقت تصبح قضية متجذرة ومؤثرة وربما يزيد الأمر حتى تصير قضية اجتماعية لها نتائجها السلبية على البنات وربما على الأسرة ككل.

قد يكون مقبولا أحيانا ـ على الأقل في الطباع ـ بالنسبة للأم التي أنجبت ذكرا على عدد من البنات الإناث أن يطير قلبها فرحا به وطربا لمجيئه بعد طول انتظار، وأن تتفنن في تدليله.. لكن غير المقبول أبدا ـ على رغم وقوعه كثيرا للأسف ـ هو أن تمنحه السلطة المطلقة في ضرب وإهانة أخواته البنات حتى اللائي يكبرنه في العمر!! وهذه بلية تبتلى بها بعض البيوت، فبالإضافة إلى الفوضى الحسية التي يفتعلها الإمبراطور المدلل في البيت تأتي الفوضى المعنوية التي يثيرها ويشعلها في حياة أخواته، فالأم تجبرهن على خدمته وتدليله وعدم المساس به وعدم جرح مشاعره!! حتى وإن أخطأ في حقهن وأساء إليهن.

إن هذا النوع من التعامل لا يتوقف أثره السيئ على حياة البنات فحسب، ولكنه أيضا مادة خام ومشروع إنتاج طاغية صغير، أو رجلا متعجرفا سيئ الخلق، وإن تخطاه في مستقبله قطارُ الإجرام فلا أقل من أن يكون إنسانا عنيفا قاسيا، خاصة على الضعفاء والمساكين.. ولا عجب فهو قد تربى على ذلك، والسبب الحقيقي هو استهتار الأم بنفوس بناتها وحبها الجنوني للولد، ولكنه للأسف حب يقود إلى الهلاك.. والله تعالى قد منع من ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم حين أنصف البنت بقوله: "من كانت له أُنثى فلم يئدها، ولم يهنها، ولم يؤثر ولده عليها؛ أدخله الله الجنة" رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد.

**إياك والعنف***
كثيرات هن الأمهات اللواتي يمارسن العنف على بناتهن وربما أبنائهن وهن يحسبن أن هذا هو أسلوب التربية الصحيح والسليم.. وكم كان ذهولي عندما رأيت بعض الأمهات يعضضن بناتهن، وبعضهن يضربنهن ضربا متوحشا، وتكلف الأم ابنتها من أعملا المنزل المضنية ما لا تطيق؛ والحجة في ذلك أنها تعلمها شيئا لها وللزمن.

أختى الأم: إن التربية في مفهومها الصحيح تعني الحنان المغدق والعناية والتوجيه السليم.. بل والشعور بالحب الدائم، حسن التوجيه لغرس القيم والمبادئ، والتفريق بين الحلال والحرام والمسموح والممنوع بأسلوب هادئ ورصين ومؤثر.

إن العنف في تربية الصغار هو في الحقيقة وأد خفي، وذبح للطفل أو الطفلة مرتين: فهو وأد لطفولتها وهي صغيرة، ثم وأد لسعادتها وهي شابة كبيرة.. فهي تستشعر كلمات الإهانة وأسلوب الإذلال وتستصحب معها ذلك في كل مراحل حياتها... مع العلم أن خوف العقوبة دائما يحمل على كثرة الخطأ أو خوف المبادرة وبالتالي السلبية التامة أو غير التامة في الحاضر والمستقبل .
وأعظم من ذلك وأكبر ـ وهو مالا تدركه كثير من الأمهات ـ أن إدخال الخوف في قلب الفتاة وهدم شخصيتها وقهرها من شأنه أن يجعل الفتاة ضعيفة الشخصية والعزيمة، بل ويجعلها متعطشة للحب والإحسان إليها فهي تتسوله من أي إنسان مهما كان.. وكم كانت التربية القاسية سببا في أن فتيات عشقن السائق والخادم، وكم حمل الخوف فتاة على أن تفرط في أعز ما تملك لأنها مقهورة الذات ولم يجعل لها أهلها كيانا ولم تعرف لنفسها كرامة.

**نحن والغربيات***
بكل أسف الكثير من النساء العربيات يحرصن على تقليد الغربيات بكل دقة في أسلوب حياتهن وفي موديلاتهن ومكياجهن وقصات شعورهن ومشيتهن العوجاء.. ومع ذلك يتغافلن تماماً عن تقليدهن في أسلوب تربية الطفل والخوف على نفسيته وبناء رصيد عاطفي منذ ولادة الطفل... لماذا؟

إننا ـ بداية ـ لا نرضى بتقليدك لغير المسلمات ولكننا نقول: إذا كان ولابد فلماذا تقلدينها فقط فيما لا ينفع، ولماذا لا تقلدينها أيضا في ما تحسن فيه من أمور التربية؟
وعلام التقليد أصلا ياأختاه وأنت أفضل منها وأعلم منها.. فقد تعلمت القرآن وسنة النبي العدنان وديننا دين رحمة فتأملي وتعلمي.. وهناك الكثيرات والكثيرات جداُ من الأمهات المسلمات واللاتي يربين بناتهن وأولادهن أفضل وأعظم تربية.. تعلمي منهن وتقربي إليهن وانقلي نمط حياتهن في التربية، وتعلمي حرصهن على تعليم الفتاة تعليما يحميها ويحمي عفافها.

وأخيرا أخيتي كل ابن آدم خطاء.. فسارعي وأصلحي خطأك واستعيني بربك ثم بأخواتك الرحيمات.. واحتضني بناتك واغرسي فيهن الفضائل من جديد.. وابتعدي عن الظلم فالظلم ظلمات يوم القيامة.
سعاد عثمان علي ـ السعودية

Post: #345
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-17-2015, 07:49 PM
Parent: #301

يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين أن الإسلام لا يشجع على تعليم المرأة، وأنه يفضل أنه تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل.
وهذا محض افتراء ظاهر على الإسلام، فما من دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام، إنه دفع الإنسان كلِّ الإنسان بشطريه الذكر و الأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل قوة، إعلانًا منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم.
أليس في الآيات التي بدأ الله بها الوحي لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم إعلان قوي لهذه الحقيقة؟
إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله تعالى لرسوله محمد في سورة العلق: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ)[العلق:1-5].
إنه لأمر بالقراءة باسم الرب الخالق، الذي خلق الإنسان كل الإنسان بشطريه الذكر والأنثى من علق ، وفي هذا إشارة إلى أن المخلوقات هي مجالات المعرفة التي تأخذ بيد الإنسان إلى معرفة الله، والبحث فيما خلق الله هو السبيل الأقرب والأقوم لطلاب المعرفة ومتتبعي الحقائق، أين كانوا وفي أي منهج علمي سلكوا.
ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنها أهم وسائل تثبيت المعارف، ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أظهر الله منَّته على عباده إذ علّم بالقلم، أداة الكتابة الكبرى، فعلَّم الإنسان كلَّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى ما لم يعلم.
وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم، منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام، أكبر برهان يدل على التسوية التامة بين شطري الإنسان الذكر والأنثى، في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة، والتأمل فيما خلق الله، والدعوة إلى استخدام الوسيلتين المترابطتين ببعضهما، وهما القراءة والكتابة.
ولما كان العلم هو الطريق إلى معرفة الله والإيمان به، والطريق إلى معرفة الأحكام الدينية التي يكلفها الإنسان ذكرًا كان أو أنثى، كان من المتحتم على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ما يهديه إلى هذه الأمور المسؤول عنها مسؤولية شخصية أمام الله.
فالإنسان كل الإنسان ذكره وأنثاه مبتلىً في هذه الحياة الدنيا، ومسؤول عن تصرفاته الإدارية كلها مسؤولية تامة، مادام متمتعًا بأهلية التكليف، وهي العقل والإرادة والاستطاعة.
ومسؤولية الإنسان عن تصرفاته تستلزم تكليفه ما يعرف به الحق والباطل، والخير والشر، والنفع والضر، والقبح والجمال، وحدود مسؤوليته أمام الله.

وقد حرص الإسلام كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصر صلاح وإصلاح، في مجتمع إسلامي متطور إلى الكمال، متقدم إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد.
ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فرغب بأن تحضر صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، وأن تشهد صلاة العيد وخطبتها وإن كانت في حالة العذر المانع لها من أداة الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجال العلم، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهنَّ مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال، حرصًا على تعليمهن وتثقيفهنَّ وتعريفهنَّ أمور دينهنَّ، ومشاركتهنَّ في القضايا العامة للمسلمين.
ونظرة إلى واقع الحياة تبدي لنا أهمية صلاح المرأة علمًا وخلقًا وسلوكًا داخل أسرتها، ثم في المجتمع الكبير، فبمقدار صلاح المرأة في الأسرة سيكون غالبًا صلاح النشء، والذرية فيها، وبمقدار فسادها يكون غالبًا فسادهم.
يضاف إلى ذلك ما لها من تأثير بالغ على الرجل، زوجًا كان أو أبًا أو أخًا، وأهمية صلاح المرأة لصلاح الأسرة أكثر من أهمية صلاح الرجل لصلاحها؛ لأن المرأة تستطيع أن تكون ذات أثر فعال مرشد أو مفسد، في تكوين أخلاق الأطفال الصغار وطبائعهم وعاداتهم أكثر من الرجل بكثير، وذلك لعدة أسباب:
1- منها ما وهبها الله تعالى غالبًا من عاطفة متدفقة، ولين في الطبع، وقابلية للاندماج والمشاركة في أمور الصغار على مقدار طبائعهم ونفوسهم، مما له أثر كبير في اكتساب حبهم وإحراز ثقتهم، حتى يتخذوها قدوة لهم في أقوالها وأعمالها وأخلاقها وسائر تصرفاتها.
2- ومنها واقع حال ملازمتها لأطفالها في أكثر أوقات نشأتهم، وهم ما يزالون بعد فطرة نقية، وعجينة لينة، قابلة للتكيف بالتقليد، أو بالعادة
ولما كان للمرأة كل هذا الأثر في تربية الطفولة داخل أسرتها أو خارجها، كان لابد من العناية بتكوينها تكوينًا راقيًا، والعمل على جعلها قدوة صالحة وأسوة حسنة، وذلك لا يتم إلا بتعليمها ما تكون به المربية الفاضلة، وتربيتها تربية إسلامية حسنة، والاستفادة مما وهبها الله من عاطفة رقيقة، لملء قلبها ونفسها بالإيمان والخير، حتى تغذي بهما الجيل الذي تتولى تنشئته وتربيته.
ولذلك كثيرًا ما نلاحظ أولادًا فاضلين مهذبين ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمًّا مربية فاضلة، تقية مهذبة، وإن لم يكن أبوهم على مثل ذلك، ونلاحظ أيضًا أولادًا فاسدين منحرفين، ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمًّا فاسدة، وقد يكون أبوهم صالحًا فاضلاً.
فلا عجب بعد هذه الموجبات لإصلاح المرأة علمًا وعملاً وخلقًا، حتى تكون مربية فاضلة، أن نجد الإسلام يحرص على تعليم المرأة، وأن يخصص الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء أيامًا يجتمعن فيها، ويعلمهنَّ مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودون من العلم ما يخصهنَّ، ويتعلق بشؤونهنَّ، مما ينفردن به عن الرجال، بمقتضى تكوينهنَّ الجسدي والنفسي، إذ بلغت عندهنَّ الجرأة الأدبية الطيبة أن يطلبن ذلك من الرسول صلى الله عليه وسلم، فاستجاب لهنَّ صلوات الله عليه.
يروي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: "جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله. قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم، فعلمهنَّ مما علمه الله. ثم قال: "ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابًا من النار، قالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: واثنين".
فهذه امرأة من الصحابيات تأتي الرسول صلوات الله عليه بجرأة أدبية مشكورة وتخاطبه برباطة جأشٍ فتقول له: يا رسول الله! ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يومًا نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.
وذلك لأن الرجال كانوا يحتلون مكان المقدمة من مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم، فتوجه إليهم أكثر كلماته وعظاته وبياناته، ولئن كان الإسلام في دعوته وأحكامه وتكاليفه ومواعظه يتناول الرجال والنساء على السواء، فإن بعض مسائله وأحكامه خاص بالرجال، وبعضها خاص بالنساء.
أما الرجال فينالون حظهم من التعرف على ما يخصهم، إذ ليس بينهم وبين الرسول حجاب، ولديهم من الجرأة ما يسألون عن كل أمر من أمور دينهم، فهم يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك أينما حلوا وأينما ارتحلوا، لكن النساء لا يستطعن دائمًا أن يسألن عمَّا يخصهنَّ من أمور الدين، ويحللن به مشكلاتهنَّ، ولئن كنَّ يحضرن مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم مع الرجال من دون اختلاط فإنهن ربما يستحيين أمام الرجال أن يسألن عنها.
لذلك كان تعليمهنَّ ما يخصهنَّ وحل مشكلاتهنَّ، لابد فيه من تخصيص مجالس لهنَّ تعالج فيها أمورهنَّ، وتوجه لهنَّ فيها الأحكام والمواعظ بحسب خصائصهنَّ النفسية والفكرية والخلقية والاجتماعية، وبحسب مسؤوليتهنَّ في الحياة، داخل أسرتهنَّ وخارجها، ولكل هذه الأمور طالبت هذه المرأة بتخصيص أيام للنساء يتلقين فيها ما يخصهنَّ من معارف دينية، ومن أجل ذلك استجاب لها الرسول صلوات الله عليه.
وهذا هو الحل الذي يتم فيه تعليم النساء، وإخراجهنَّ من ظلمات الجهل إلى النور المعرفة، حتى يؤدين رسالتهنَّ في الحياة على أحسن وجه وأفضله، وحتى يحملن مسؤوليتهنَّ كما يجب أن يحملنها، مع المحافظة على عفافهنَّ وأخلاقهنَّ، وعدم قذفهنَّ إلى مجتمع مختلط تسرع إليه مفاسد المجتمعات المختلطة، وتشب فيه نيران الشهوات العارمة، التي تنتشر معها المعاصي والآثام ومفاسد كثيرة أخرى.
لأن العلم الصحيح هو الوسيلة الأولى التي لا بد منها لإصلاح كل مجتمع، رجاله ونسائه، كباره وصغاره.
ولما كانت النساء المسلمات في الصدر الإسلامي الأول متلهفات لمعرفة أمور دينهنَّ، وتبين مشكلاتهنَّ الخاصة، فقد تبادرن إلى مجالس الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة بهنَّ، فاجتمعن، وأتاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في المواعيد المحددة، فعلمهنَّ مما علمه الله، وبيَّن لهنَّ ما بيَّن، وسألنه عن مسائل وأجابهنَّ صلوات الله عليه.
ولما كان في صحابيات الأنصار جريئات في السؤال عمَّا يتعلق بأحوال النساء وخصائصهنَّ، أثنت عائشة أم المؤمنين عليهن بقولها : "رحم الله نساء الأنصار، لا يمنعهنَّ حياؤهنَّ أن يسألن عن أمور دينهن".
وعلى هذا المستوى الرفيع كانت سياسة الإسلام التعليمية للنساء، فهل بعد تبيان هذه الحقائق كلام يضلل به أعداء الإسلام الناس في موضوع تعليم المرأة، إذ يحاولون أن يصوروا الإسلام بغير صورته الحقيقة؟ وهل بعد هذه التسوية التامة بين الرجال والنساء في طريقي العلم والعمل يظل رغاء المشوهين لصورة الإسلام الرائعة يؤذي الأسماع بما تنفر منه الطباع؟
من كتاب " أجنحة المكر الثلاثة "
اسلام ويب

Post: #346
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-18-2015, 01:18 AM
Parent: #301

عندما أردت أن أكتب في هذا الموضوع كنت أعتقد أني سأتحدث عن مشكلة من المشكلات، ولم أكن أعتقد أني سأتحدث عن ظاهرة عمت كثيرا من البلاد والمجتمعات.
لقد شعرت وأنا أحضر في هذا الموضوع وأقرأ فيه ـ بل تيقنت ـ أننا مخترقون إلى العمق وأن حصوننا بالفعل مهددة من داخلها، وأن أعداءنا قد فعلوا بنا ما أرادوا ووفق ما خططوا، وأن الخنجر المسموم قد اخترق صدورنا حتى النصل .
إننا حين نتحدث عن العنوسة فإننا نتحدث عن وعلى لسان أخوات لنا مسلمات، قابعات في دور آبائهن، محصورات في بيوت أوليائهنَّ، محرومات من أعظم حقوقهن.. لسان حالهنَّ ومقالهنَّ:
@فهم منعونا ما نحب وأوقدوا .. .. ..علينا وشبوا نار ضرم تأجج.@@

**الباعث على الحديث:***
لقد كثرت البواعث للحديث عن هذا الأمر .. ومنها :
أولاً: الإحساس بأن العنوسة لم تعد مجرد مشكلة، وإنما أضحت ظاهرة في مجتمعات المسلمين تدل عليها الأرقام والإحصاءات التي ستسمعون نذرًا يسيرًا منها بعد قليل.
ثانيًا: المعاناة الشديدة التي يعانيها أبناؤنا وإخواننا العزاب جراء هذه المصيبة، والذي يوجب حق الأخوة الإيمانية بيننا وبينهم أن نشاركهم مصابهم، ونحاول إيجاد الحلول المناسبة لمشكلاتهم.
ثالثًا: التعبير عن أحوال الأخوات العفيفات الشريفات القابعات من وراء الأبواب وخلف الستور، والتكلم على لسانهنَّ، وإيصال أصوات أناتهن إلى السامعين لأن الحياء يمنعهن أن يتحدثن عن آلامهنَّ وآمالهن في هذه المسألة.
رابعًا: بيان أسباب تلك الظاهرة ومحاولة إيجاد الحلول لها.
خامسًا: بيان جمال الإسلام وعظمته وقبح ما تأتي به العصبيات القبلية والنظريات الغربية وعاقبة اتباع الكافرين.
سادسًا: تسليط الضوء على العواقب الوخيمة لهذه الظاهرة على أصحابها وعلى المجتمع ككل.
سابعًا: كيف عالج الإسلام مثل هذا البلاء.

**أولا: معنى العنوسة:***
بادئ ذي بدء دعونا نتعرف على معنى العنوسة. قال الفيروزابادي في القاموس المحيط ما معناه: العانس هي البنت البالغة التي لم تتزوج، والرجل الذي لم يتزوج، جمعها عوانس وعُنْس وعُنَّس.
ويقال: عنست الجارية، أي طال مكثها عند أهلها بعد بلوغها حتى خرجت من عداد الأبكار ولم تتزوج.
فالعانس إذن هي البنت التي أتى عليها سن الزواج ولم تتزوج، وكذلك الرجل، ولكنها تستعمل في البنت أكثر، لأن معاناتها معه أكبر ومشكلتها معها أعظم وأخطر.

**ثانيًا: ظاهرة أم مشكلة:***
لن أجيب أنا على هذا التساؤل، ولكن سأترك الإحصائيات تخبر عن الحقيقة.
**من مصر:*** أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر أن عدد المصريين الذين بلغوا سن الخامسة والثلاثين ولم يتزوجوا بعد، قد بلغ 8 ملايين و962 ألف، منهم نحو 4 ملايين امرأة. وأما عدد الذين بلغوا سن الزواج ولم يتزوجوا فقد تخطى الـ13 مليونًا.

**في الكويت:*** قد تندهش عندما تعلم أن نسبة العنوسة هناك تقترب من 30% حسب بعض الإحصاءات الرسمية، وأن الشباب الكويتي بدأ يتأخر في الإقدام على الزواج، نظرًا للأعباء الاقتصادية الباهظة التي تترتب عليه.

**وفي السعودية:*** أكدت إحصائيات صادرة عن وزارة التخطيط هناك، أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللاتي في سن الزواج. وأن عدد اللاتي تجاوزن سن سنة30 قد بلغ في أواخر 1999 مليون و 529 ألف فتاة تقريبًا.
وقد ناقش مجلس الشورى في جلسته بتاريخ الأحد 12/10/2003م سبل حل مشكلة العنوسة وعزوف الشباب عنها.
وقد قال بعض من شاركوا في عملية التعداد السكاني: "وجدنا في بعض البيوت أشياء غريبة، امرأة في الثلاثين وأخرى في الأربعين وثالثة في الستين، كلهنَّ من غير زواج".
وقال آخر: "ذهبنا إلى بيت فوجدنا فيه خمس عوانس أعمارهنَّ بين الثلاثين والخامسة والأربعين".

**وأما في الإمارات:*** فقد ذكرت جريدة المدينة المنورة، أن نسبة العنوسة في الإمارات قد بلغت نسبتهم 30% ... وتقول الإحصاءات أن النسبة في قطر مثل ذلك أو تزيد عليها .

وفي أكثر **بلاد المغرب وسوريا والشام ***ارتفع متوسط عمر الزواج عند الرجال إلى 33 سنة، وعند النساء إلى 29 أو ثلاثين سنة، نتيجة لكثرة تكاليف الزواج وقلة ذات اليد، هذا إذا وجدت المرأة من يتقدم لها، وإلا ركنت على رف الخارجات عن الخدمة، وانضمت إلى صفوف العنس لتزيد الأرقام رقمًا.

**ثالثا: أسباب الظاهرة المرعبة:***
لقد تحولت القضية إلى ظاهرة مرعبة تجتاح الوطن العربي وبلاد الإسلام، وبعد أن كانت صفرًا لا وجود لها صارت مرضًا مستوطنًا مستعصيًّا.
ولقد كان لهذا المرض أسباب بعضها يتعلق بأولياء الأمور، من الأباء والأمهات، وبعضها بسبب الأبناء أنفسهم، وبعضها خارج عن الاثنين، ونعرض لبعض هذه الأسباب والتي أخطرها وأكبرها بلا شك:
1. **غلاء المهور، والمبالغة في الصداق*** : حتى صار الزواج عند البعض حدًّا لا يطاق إلا بجبال من الديون التي تثقل كاهل الزوج.
لقد وصل الجشع ببعض الأولياء أن يطلب مهرًا لو جلس الإنسان المتوسط الحال شطر حياته في جمعه لما استطاع، وكأن المرأة العفيفة الطاهرة الشريفة سلعة تشترى، وبضاعة للمزايدة والمكاثرة ومن دفع أكثر فليحمل. حتى غدت الكثيرات مخدرات في البيوت، حبيسات في المنازل بسبب هذا التعنت.
إن المهر في الزواج - رعاكم الله - وسيلة لا غاية، وكرامة من الله للمرأة، وإعزاز لها، وتعظيم لحقها، ورفعة لشأنها وقدرها. فلماذا جعلتم التقدير قيدًا؟ والتكريم حاجزًا منيعًا وسدًّا؟

كم من صالح نصوح طرق بابك يلتمس الحلال، فلما أثقلته الطلبات وأعجزته الرغبات فرَّ إلى غير رجعة. وبقيت البنت معك بحسرتها، تأكل نفسها، ويأكلها جسدها، فماذا يصنع المال والغنى.. والتباهي والفخر أمام الناس.
قال عمر بن الخطاب لا تغالوا صداق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم وأحقكم بها محمد صلى الله عليه وسلم ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية وإن الرجل ليثقل صداق امرأته حتى يكون لها عداوة في نفسه ويقول قد كلفت إليك علق القربة أو عرق.(صحيح ابن ماجه)

وعن أبي سلمة قَالَ: سألت ?عائشة - رضي الله عنها - "كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت: كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشا. قالت: أتدري ما النش ؟ قال: قلت: نصف أوقية. قتلك خمسمائة درهم فهذا صداق رسول الله صلى الله عليه وسلم لأزواجه. رواه مسلم

يا أيها الأب الحبيب: لقد زوج النبي رجلاً بما معه من قرآن، وقال لرجل: التمس ولو خاتمًا من حديد. وتزوج عبد الرحمن بن عوف على وزن نواة من ذهب
2. **إتمام التعليم: ***وهو سبب مشترك، فقد يكون مطلبًا للوالد من غير رغبة البنت، وأحيانًا يكون مطلبًا للبنت رغبة منها في تأمين مستقبلها كما يزعمون، أو حبًّا في الوظيفة والمكانة الاجتماعية، ويوافقها الأبوان على ذلك، والنتيجة في الحالتين واحدة، وهي انقضاء الأعمار، وانقطاع الخطاب والزوار، والقبوع عانسًا بين جدران الدار.
إن الإسلام حث المرأة على العلم والتعليم، كما أمر الرجل بذلك، فالعلم نور تنجلي به دياجير الظلم، وتنقشع به جهالات الأمم. وقد قالت نساء الصحابة للنبي r: "غلبنا عليك الرجال، فاجعل لنا من نفسك يومًا. فوعدهنَّ يومًا فلقبهنَّ وعظهنَّ وأمرهنَّ".

على أن العلم الذي يأمر به الإسلام هو الذي ينفعها في بيتها ودينها، ولا يتعارض مع مصلحتها ومطالب شرعها. إن الإسلام إنما يقف أمام تلك المظاهر الكاذبة والطريقة المتخلفة في التحصيل، فما معنى أن تبقى المرأة في التعليم إلى قرابة الثلاثين لتتخرج بعد ذلك مدرسة تربية رياضية، أو فلسفة، أو موسيقى، أو حتى مهندسة ميكانيكية. بل ولو حتى طبيبة وهي من أشرف أعمال المرأة..
إننا نقولها بصراحة..!!
ماذا ينفع المرأة شهاداتها العليا ووظيفتها وأموالها إذا بقيت عانسًا قد فاتها ركب الزواج، ولم تسعد في حياتها بزوج ولا أولاد. بل كم من امرأة فاتها القطار، حتى ذبلت زهرتها، وذهبت نضارتها، وتمنت بعد ذلك تمزيق شهاداتها من أجل سماع كلمة أمي.

هذه طبيبة تحكي لك قصتها تقول: منذ كنت في الخامسة عشرة من عمري والخطاب يتقاطرون على بيتي، وكنت أرفضهم؛ لأنني كنت أريد أن أصبح طبيبة، وفعلاً أنهيت دراستي، وتخرجت طبيبة ، ولكن كنت قد بلغت الثلاثين، ولم يعد يتقدم إليَّ إلا المتزوجون وأنا أرفض، وأقول: بعد السهر والتعب والمركز المرموق والمال أتزوج بمتزوج، وكنت أرفض وليتني لم أفعل، فالشباب لا يرغبون إلا في الصغيرات، وأنا في 45 الآن أصرخ بأعلى صوتي: خذوا شهاداتي وأعطوني ولو نصف زوج.

وفي مجلة "اليمامة" كتبت إحداهنَّ: لقد صار معطفي الأبيض في عيني لباس حداد عليَّ، وأصبحت سماعتي كأنها حبل مشنقة يلتف حول عنقي، كاد العقد الثالث من عمري يكتمل، والتشاؤم ينتابني على المستقبل. ثم تصرخ وتقول: خذوا شهاداتي ومعاطفي ومراجعي وكل مالي، وأسمعوني كلمة ماما.. ثم كتبت هذه الأبيات:

لقد كنت أرجو أن يقال طبيبة.. ... ..فقد قيل فمـــــــا نالني من مقالها
فقل للتي كانت ترى في قدوة.. ... ..هي اليوم بين الناس يرثى لحالها
وكل مناها بعض طفل تضمه.. ... ..فهل ممكـــــن أن تشتريه بمالهــا

إننا لا نمنع المرأة أن تتعلم أو أن تتم تعليمها، ولكن نحذرها أن يحملها حب إتمام الدراسة على ترك الزواج، فلا مانع أبدا أن تتزوج وتتعلم وهي متزوجة، فما كان الزواج يومًا عائقًا عن تحصيل العلم لمن أراد. ولكن متى تعارض الزواج مع الدراسة، فالزواج أولى، والسعيد من اتعظ بغيره.
3. **الطمع في راتب البنت: ***
بعض الآباء أو الأولياء يعضل بناته ويمنعهنَّ الزواج لكونهن موظفات (ممرضة أو مدرسة أو حتى طبيبة) لها راتب شهري لا يريد أن يفقده، فالمرأة غدت في نظره ككنز يخاف فقده، ومنبع ثراء يخشى نضوبه وبعده، أو قل إن شئت كبقرة حلوب يستدر ما فيها، حتى إذا مضى عمرها ورق جسمها ودق عظمها ذبحت بغير سكين، ودخلت في زمرة العنس المساكين، بعد أن قطف غيرها ثمرة حياتها.
وقد يُهلِك الإنسانَ كثرةُ ماله.. ... ..كما يذبح الطاووس من أجل ريشه

إن هذا الأب - ومثله كثير - نموذج سيئ وقميئ وصورة وقحة قبيحة للآباء الذين يمارسون سلطاتهم بمنتهى الظلم والاعتساف، والقسوة والإجحاف ضاربين بكل القيم والمبادئ عرض الحائط من أجل إشباع أطماعهم المادية، ونوازعهم العدوانية، متناسين أن هذه أمانة في أعناقهم والله سائلهم عنها يوم الدين.
لقد ضجت النساء بالشكوى بعدما طفح بهنَّ الكيل، حالهنَّ كما قال القائل:
شكوت وما الشكوى لمثلي عادة.. ... ..ولكن تفيض النفس عند امتلائها

اسمع إلى هذه القصة التي تشيب لها النواصي، وترتعد من حولها الفرائص، وينفطر لها الجنان، وتقشعر من عظمها الجلود والأبدان، نشرتها جريدة المدينة المنورة، الثلاثاء 22/11/1414هـ على لسان صاحبتها تقول:
"أنا فتاة في الـ35 من عمري، ولي أربع شقيقات لم تتزوج فينا واحدة، حتى الآن؛ لأن والدي - سامحه الله - كان يرفض كل من يتقدم إلينا من أجل الاستحواذ على مرتباتنا.
قبل فترة وجيرة توفيت إحدى شقيقاتي، وفي أثناء خروج الروح نظرت إلى أبي نظرة مازالت محفورة في ذاكرتي وقالت: يا أبي قل أمين. فقال: آمين. فقالت: حرمك الله من رائحة الجنة في الآخرة، كما حرمتني من الزواج في الدنيا.
فأيكم يحب أن يكون هذا الأب، وأن يكون هذا دعاء أبنائه له في حياته أو بعد وفاته.
4. **المواصفات الخيالية عند الشباب، والأحلام الوردية عند البنات:***
وهذا مما وسعته علينا وسائل الإعلام، والشبكات العنكبوتية، حتى اتسع الخرق على الراقع، فأصبح الشباب على خبرة كبيرة بأنواع النساء ومواصفاتهن والمفاضلة بينهن في أدق التفاصيل، خصوصًا هؤلاء الذين في المواقع والمجلات الإباحية.
فإذا بالشاب يضع لزوجته المنتظرة مواصفات ومقاييس تشابه المقاييس التي تضعها لجنة اختيار ملكات الجمال.. فهو يريدها شقراء، هيفاء خصراء ، زرقاء العينين، مزججة الأنف، صغيرة الفم ، مليحة الوجه، ، أسيلة الخد، رشيقة القد، ممتلئة القوام.. وربما حدد لك بعض مقاييس الجسد، تدقيق عجيب وغريب.. وهؤلاء في الغالب لا يتزوجون، وإذا تزوجوا لا يوفقون إلا من رحم الله.
كان لي صديق ونحن صغار، يذكر لي مثل هذه الشروط في من يتزوجها.بلغ اليوم الأربعين وربما تخطاها ولم يتزوج للآن.
صديق آخر يقول لي دخلت 36 بيتًا، للآن ولم أتزوج، لماذا؟ لأن مواصفات الصدر لم تكن كما يريد ؟!! تكسر قلب 36 امرأة؛ لأن صدورهنَّ لسن على مقاسك.
إن المواصفات الغريبة التي تطلبها، والمقاييس العجيبة التي ترغبها، لا يوجد مثلها إلا في الجنة أما الدنيا، فلا يبحث فيها عمن لا عيب فيها، ولا نقص يعتريها، ولا شائبة تشوبها، ولا سوءة تعيبها.
وكذلك المرأة تعيش أحيانًا أحلامًا وردية، من كثرة ما ترى في الأفلام وغيرها، فتتخيل فارس الأحلام، بماله وجماله، وحسبه ونسبه، ومنصبه وعمله، وسنه ورسمه، فالمهر أنت التي تعدده، ومكان العرس هي التي تحدده، ومكان المعيشة أنت التي تختاره وترتبه... فمتى أتى من لا يحقق لها ذلك رفضت وأبت.
فمتى يأتيك مثل هذا.. لا أظن أن يأتي حتى نعلن وفاتك، وتأكل الأرض عظامك ورفاتك.
5. ** التقاليد،*** وهي تزويج البنت الكبرى قبل الصغرى، حفاظًا على شعور الكبرى، ومنعًا لألسنة الناس عنها أحيانًا، وهذا في حد ذاته شعور طيب، لكن ما هو ذنب الصغيرات إذا لم توفق الكبرى، وماذا لو كانت لا تريد الزواج الآن أو أبدًا أو فيها ما يمنع الناس عنها؟ ستمر الأيام وبدلاً من أن يكون في بيتك عانس واحدة، سيكونون أربعة أو خمسة.
الزواج رزق يسوقه الله لصاحبه، فإذا جاء من يطلب ابنتك وهو كفء لها فلا ترده (إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد عريض.
6. **الدعوات الهدامة : ***
ذات الأفكار النشاز الدخيلة على أمة الإسلام والتي كان من أهم مانشرته بين أبناء الأمة:
- التنفير من الزواج
- تشويه صورة الزوجة ربة البيت .
- الدعوة لتحرير المرأة من كل قيد حتى الأسرة .
- محاربة التعدد والهجوم على الدين بكل الصور
7 - **الخدمة ***
بعض الأباء إنما يعضل ابنته ويماطل في تزويجها لتخدمه، وربما أحيانا يكون ذلك بإيعاز من زوجة الأب ، فيرد الخطاب لأتفه الأسباب ، وتوضع العراقيل لتبقى البنت في البيت حتى لا يفتقدون الخادم .
فيا أيها الأب الكريم!! هل جزاء الإحسان إلا الإحسان. هل حملك عنايتها بك ورعايتها لك وسهرها الليالي في خدمتك والقيام على حاجتك طيلة عمرها أن تمنعها أعظم حقوقها، ولذات وجدانها بزوج صالح. إنها ترغب فيما كنت ترغب فيه أنت وأنت في شبابك وتشتاق إلى ما كنت تشتاق أنت إليه فاتق الله في نفسك وارض لابنتك الآن ما كنت قديما تطلبه لنفسك:
@ارض للناس جميعًا.. ... ..مثل ما ترضى لنفسك
إنمـــا الناس جميعًا.. ... ..كلهم أبنـــــــاء جنسك
ولهم نفــس كنفسك.. ... ..ولهم حـــسٌ كحسك@@
إن ظاهرة العنوسة في المجتمع وعزوف كثير من الشباب والفتيات عن الزواج له مضاره الخطيرة وعواقبه الوخيمة على الأمة بأسرها، سواء أكانت هذه الأخطار والآثار نفسية أم اقتصادية أم اجتماعية أم أخلاقية وسلوكية، لا سيما في هذا الزمان الذي كثرت فيه أسباب الفتن، وتوفرت فيه السبل المنحرفة لقضاء الشهوة، فلا عاصم من الانزلاق في مهاوي الرذيلة والردى، والفساد الأخلاقي إلا بالتحصُّن بالزواج الشرعي، فالقضية أيها الغيورون قضية أعراض وقضية فضيلة ورذيلة.

لقد جمعت هذه البلية - أعني تعسير الزواج وتضييق سبله ووضع العراقيل أمام طالبيه ـ أضرارًا ومخالفاتٍ دينيةً ودنيوية:

**آثارها الدينية ***
@(1) تعطيل مقصود الله في الخليقة:@@ وهو استخلاف الناس في الأرض كما قال تعالى : " وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة " ، وقال : " هو الذي جعلكم خلائف في الأرض " أي يخلف بعضكم بعضا جيلا من بعد جيل.. وهذا الاستخلاف وتلك الوراثة لا تكون إلا بوجود النسل والذرية والتي بابها الحلال هو الزواج .. فتعطيل الزواج مخالفة لمقصود الله ولمراده.

@(2) مخالفة أمر الشارع الحكيم:@@ الذي أمر بتزويج الأبكار، وحث الشباب على المسارعة في الاعتصام بهذا الأمر المحبب إلى الشارع.
فالوصول بالمرأة أو الرجل إلى هذا الحال فيه مخالفة لصريح القرآن وصحيح سنة المصطفى العدنان صَلى عليه وسلم، حيث قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]، وقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[النحل:72]، وقال (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]. والأيم من الرجال: من لا زوجة له، و من النساء من لا زوج لها.

وروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود t قال: قال r: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وَجَاءٌ".
يقول ابن مسعود: "لو لم يبق من أجلي إلا عشرة أيام، وأعلم أني أموت في آخرها يوما ، ولي طول على النكاح لتزوجت مخافة الفتنة".
ويقول الإمام أحمد: "ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ومن دعاك إلى غير الزواج دعاك إلى غير الإسلام". ولذلك قال عمر لرجل لم يتزوج: "ما يمنع الرجل عن الزواج إلا عجز أو فجور".

@(3) تقليل عدد المسلمين، ومخالفة أمر الرسول الأمين:@@ فقد قال عليه أفضل صلاة وأزكى تسليم: "تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم". [رواه أبو داود وغيره] (جامع الأصول 11/428).

@( 4 ) غلق أبواب الخير والأجر على العبد: أعني الرجل والمرأة التي لم تتزوج@@
- فيحرمان أجر التربية الحسنة للأولاد.
- ويحرمان أجر حسن المعاشرة (من الرجل والمرأة) وحسن التبعل من المرأة لزوجها.
- ويحرمان الولد الصالح الذي يبرهما في حياتهما، ويدعو لهما بعد موتهما، : "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاَّ من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له".
- إغلاق أبواب الرزق: "ثلاثة حق على الله أن يعينهم: المجاهد في سبيل الله، والناكح يريد أن يستعف، والمكاتب يريد الأداء".

**الأثار على المرأة***
- أما أثرها على المرأة فهو أثر خطير.. لأن العنوسة تجعل المرأة تعيش بين خيارات أحلاها مر:

* فبين امرأة تعاني الوحدة والاكتئاب وتهاجمها الأمراض والهواجس النفسية فالنهار في هم وقلق، والليل في حزن وأرق، وحياتها كلها انتظار لمن ينتشلها من هذا العذاب.
تقول إحدى طبيبات علم النفس (أستاذة منال زكريا/جامعة القاهرة):"إن العانسَ إنسانة قلقة نفسيا وعاطفيا خاصة إذا عوملت ممن حولها معاملة فيها نوع من الإحساس بالنقص أو الشفقة، وأحست أن وضعها معيب في المجتمع، والمؤكد أن الزواج وما يتبعه من الأنس والعاطفة وإشباع الحاجات الغريزية والنفسية من أهم أسباب السلامة النفسية والعصبية، فنحن النساء صعب علينا أن نعيش بلا رجال".
وصدق الله العظيم، إذ يقول: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21]،

* وبين امرأة تعاني من الحقد على الناس والمسؤولين وكل المجتمع:
تقول إحداهنَّ: كلما دعيت إلى عرس إحدى رفيقاتي أو زواج إحدى صديقاتي، تجرعت غصص الحسرة وحرقة العبرة، وأوقد في القلب لهيب جراحي. تزف الواحدة منهم تلو الأخرى إلى جنتها المنتظرة، وحياتها المستقرة مع أن فيهن من هي أصغر مني سنا وأقل مني جمالاً، وأدنى كمالا وأسوأ حالاً.. وأعود بعد ذلك لسجني الكبير حسيرة البال، كسيرة الخاطر، أدعو ربي من كل قلبي "ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيًا".
كفى بك داء أن ترى الموت شافيا.. ... .. وحسب المنايا أن يكن أمانيا

وتقول أخرى: "لقد سببت كل المسؤولين، وتمنيت ألو نشبت فيهم أظفاري وأنيابي، ولو كان الأمر بيدي لسننت القوانين التي تجبر الرجال على الزواج من العوانس، وتمنع أن تمكث المرأة بدون زواج".
تحدثنا معكم فيما سبق حول موضوع العنوسة ، أسبابها ثم عن آثارها وأضرارها، فكان لابد وأن نتعرض للعلاج، وكيفية البحث عن المخرج العملي من هذه الظاهرة التي فشت في كثير من مجتمعات المسلمين.
وبداية أقول: إن هذه الظاهرة وتلك المشكلة لم تأتِ بين عشية وضحاها، ولا وجدت صدفة في البيوت، بل نحن الذين أوجدناها ونفخنا كير نارها بتقاليدنا وعاداتنا وتحكماتنا المخالفة للدين.
ولئن كانت المشكلة قد تطورت وتعقدت بتعدد أسبابها القديمة والحديثة، إلا إن الحلول مازالت بأيدينا إذا صدقنا مع أنفسنا في الخروج من هذا البلاء، ولست أعني أيضًا أن العلاج أمر هين، ولكنه طريق شاق وطويل يحتاج إلى تضافر الجهود، وتشابك الأيدي، ومشاركة الجميع من آباء وأمهات، ودعاة وقضاة، ومدرسين وأئمة، ووسائل إعلام، بل ومسؤولين أيضًا.
ولابد عند وضع الحلول وعلاج الداء من معرفة أسبابه لتخير الدواء النافع والعلاج الناجع؛ "فما أنزل الله من داء، إلا أنزل له دواء؛ فإذا أصيب دواء الداء برأ بإذن الله".
وقد استعرضنا أسباب هذا الداء، منها ما ذكرناه ، ومنها ما لم يذكر لضيق المقام ، فوجدنا لها جميعها علاجًا واحدًا يذهبها كلها، ألا وهو "العودة إلى الدين"، "العودة إلى الإسلام"، "الرجوع إلى الشريعة الغراء والشرع المطهر". ليس فقط لنحل المشكلة ثم ننساه، لا، بل العودة إليه بصدق والتزام به على الدوام.
وهذا كلام عام، وسأفصله، ولكن قبل ذلك أقول:
إن الله تعالى أنزل هذا الدين وهذه الشريعة ليطهر بها قلوب العباد، ويزكي بها نفوسهم، ويسعد بها حياتهم، وييسر بها أمور معاشهم ومعادهم، ويهبهم بها السعادة الروحية والبدنية، فمن التزم بها وتمسك بها سعد سعادة الأبد في دنياه وأخراه، ومن طرحها ظهريًّا واستبدلها بغيرها - أيًّا كان هذا الغير - أفسد الله عليه دنياه، وأعماه، وأضله عن أخراه: ( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى* وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى)[طـه:123 - 127].
لقد عاشت الأمة زمانًا التزمت فيه الشريعة، فلم يكن يسمع فيها عن مثل هذه الآفات والمشكلات والأوبئة "إلا في حالات شاذة والشاذ لا حكم له". فلما تركت الأمة دينها، وغزيت في أفكارها، ظهرت فيها الطواعين والأمراض، والبلايا والزرايا؛ فإذا عدنا إلى الله عاد الله إلينا، (وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا)[الإسراء:8]، (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ)[الرعد:11].

**إن علاج هذه المشكلة في أمور:***
**أولها: إعادة البناء الديني العقدي للأمة:*** فإن الأمة قد ابتليت في عقيدتها، فتشوش على الكثير إيمانه وتصديقه لربه ولرسول ربه، فضعف اليقين عند الكثيرين في أن الله يعين المتزوج للعفاف ويوسع عليه ويرزقه من حيث يحتسب ومن حيث لا يحتسب، ولم يعد الزواج عبادة عند البعض وإنما مجرد شهوة وليس قربة يبتغى بها وجه الله تعالى أولا ثم متعة النفس وعفتها ثانيا، وشكك الناس في بعض التشريعات كالتعدد مثلا وبدلا من أن يكون حلا جعلوه بابا يهاجمون به الدين وأهله ، ناهيك عن انصراف القلوب عن اليقين بأن حلول المشاكل في الطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.

**ثانيًا: إعادة البناء الأخلاقي:*** وذلك بإعادة غرس المفاهيم الصحيحة في قلوب العباد، وخاصة الناشئة والطلائع، فنغرس فيهم محبة الطهر والعفاف، ونعظم في قلوبهم معاني الشرف والمروءة، وحفظ الأعراض، والنخوة والرجولة والفحولة، والحياء والستر، وغض البصر؛ خصوصًا بعد الغزو الفضائي والإعلامي الهادف لهدم كل معاني القيم ، والداعي لكل رذيلة وتحلل، فكل ما يعرض على أبنائنا - إلا ما رحم الله - هو دعوة للتحرر أو التحلل، ونداء يصم الآذان لإظهار المفاتن وإبراز العورات، وهدم كل حصن للفضيلة.
فمجلات النساء : لا تعرض إلا الزينة والعري، وآخر الموديلات، وقصص حب الممثلات.
ومجلات الرجال: بين الرياضة، والحب، والجنس.
والأفلام : حالها ما تعلمون ماخور في بيوت المسلمين.
ومجلات الحوادث: لا تعرض إلا للخيانات الزوجية، والمخدرات، حتى يعتقد الإنسان أن الدنيا كلها هكذا.
وليس لتكوين الأسر عندهم مقام، ولا للزواج وفضائله مكان، بل شهوات تسفح في أي بالوعة. فلا عاصم للشباب بعد ذلك إلا في سرعة الزواج؛ فإن الزواج عصمة من كل ذلك؛ لمن قدر، أو التمسك بمكارم الأخلاق قدر الطاقة، ولذلك قال النبي r: "يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فَإنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ فَإنّهُ لَهُ وِجَاءٌ".

**علاج غلاء المهور:*** إذ كان واحدًا من أكبر عقبات الزواج، وقد عالج الشرع هذا الأمر علاجًا عمليًّا في كتاب الله وفي سنة رسوله القولية والعملية.
فأما القرآن؛ فقد قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]، وأما السنة القولية فقد قال عليه الصلاة والسلام: "إن من يمن المرأة تيسير خطبتها وتيسير صداقها وتيسير رحمها" [رواه أحمد].

وأما السنة العملية، فما أصدق رسول الله أحدًا من نسائه ولا زوج بنتًا من بناته على أكثر من 500 درهم؛ ففي مسلم عن أبي سلمة أنه سأل عائشة رضي الله عنها: "كَمْ كَانَ صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: كَانَ صَدَاقُهُ لأَزْوَاجِهِ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشَّاً، قَالَتْ: أَتَدْرِي مَا النِّشُّ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَتْ: نِصْفُ أُوقِيَّةٍ، فَتِلْكَ خَمْسُمِائَةِ دِرْهَمٍ، فَهَذَا صَدَاقُ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- لأَزْوَاجِهِ".
وعن ?ابن عباس -رضي الله عنهما- "لما تزوج علي فاطمة رَضي الله عنهما - قال صَلى الله عليه وسلم لعليٍّ: أعطها شيئًا. فقال: ما عندي شيء. قال: أين درعك الحطمية؟ فأعطاها إياها".

وجاءت امرأة إلى النبي صَلى الله عليه وسلم فقالت: يَا رَسُولَ اللّهِ جِئْتُ لأَهِبَ نَفْسِي لَكَ فَنَظَرَ إلَيْهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَصَعّدَ النّظَرَ إلَيْهَا وَصَوّبَهُ ثُمّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ فَلَمّا رَأَتِ الْمَرْأَةُ أَنّهُ لَمْ يَقْضِ فِيهَا شَيْئا جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللّهِ إنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوّجْنِيهَا قَالَ: "هَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟" فَقَالَ: لاَ وَاللّهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئا فَقَالَ: "انْظُرْ وَلَوْ خَاتَما مِنْ حَدِيدٍ" فَذَهَبَ ثُمّ رَجَعَ فَقَالَ: لاَ وَاللّهِ يَا رَسُولَ اللّهِ ولاَ خَاتَما مِنْ حَدِيدٍ وَلَكِنْ هَذَا إزَارِي قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ فَلَهَا نِصْفُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا تَصْنَعُ بِإزَارِكَ إنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شَيْءٌ وَإنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ شَيْءٌ" فَجَلَسَ الرّجُلُ حَتّى طَالَ مَجْلَسُهُ ثُمّ قَامَ فَرَآهُ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم مُوَلّيا فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِيَ فَلَمّا جَاءَ قَالَ: "مَاذَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ؟"
وقال عمر: "ألا لا تغالوا في مهور النساء".

إن الشرع جعل الصداق مكرمة للمرأة، فلا ينبغي أن تحول به المرأة إلى سلعة تباع وتشترى، فليس هناك أعظم من فاطمة ولا أشرف ولا أطهر، ومع ذلك زوجها النبي صَلى الله عليه وسلم على درع. ونحن لا نقول بتحريم المغالاة لكن القصد القصد.

**محاربة المغالاة في تكاليف العرس:***
وأنا لن أكثر عليك في هذا الباب، ولكن سأذكر لك حادثتين:
الأولى: زواج أفضل رجل في الدنيا:
لما تزوج الرسول من صفية َكَانَتْ وليمة الزواج: السَّمْنَ، وَالأَقِطَ، وَالتَّمْرَ .
والثاني: زواج سيدة نساء أهل الجنة فاطمة الزهراء:
قال عليِّ رَضي الله عنه قال: "جَهّزَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةٍ حَشْوُهَا إذْخِرٌ".
قال جابر: حضرنا عرس فاطمة فما رأينا عرساً كان أحسن منه. حشونا الفراش ليفًا، أتينا بتمر وزبيب فأكلنا. وكان فراشها ليلة عرسها إهاب كبش. (جلد كبش)".
ولما تزوج عبد الرحمن بن عوف قال له النبي صَلى الله عليه وسلم: "أَوْلِم ولو بشاةٍ".
**عرض الرجل موليته على الصالحين:***
فإذا وجد ولي المرأة رجلا صالحا دينا ذا كفاءة فلا مانع أن يعرض عله موليته بنتا أو قريبة وهذا لا غضاضة فيه بل هو فعل أهل العقل كما فعل عمر رضي الله عنه ففي صحيح البخاري: أن عمر بن الخطاب، حين تأيمت حفصة بنت عمر من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد بدرا، توفي بالمدينة، قال عمر : فلقيت عثمان بن عفان، فعرضت عليه حفصة، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، قال : سأنظر في أمري، فلبث ليالي، فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا. قال عمر : فلقيت أبا بكر، فقلت : إن شئت أنكحتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إلي شيئا، فكنت عليه أوجد مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت علي حين عرضت علي حفصة فلم أرجع إليك؟ قلت : نعم، قال : فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت، إلا أني قد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها لقبلتها... فهذا فهم عمر ومن منا أفضل من عمر.
نسأل الله أن يوفق الأمة لما فيه خيرها ، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #347
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-18-2015, 01:23 AM
Parent: #301

كثرت الأمراض والعلل والآفات التي تعتري المجتمعات في هذا العصر، علل تتراكم وتتخذ شكل أخطبوط متعدد الأذرع، يلتف حول الإنسان حتى ليكاد يخنقه، وفي أحسن أحواله، فهو يتنفس في جو موبوء وفضاء ملوث تسبح فيه الجراثيم التي تهاجم جسمه وروحه وتكاد تجهز عليه وتذره قاعا صفصفا، أو كالأعجاز الخاوية.
من تلك الآفات القاتلة، آفة الاختلاط التي عم بها البلاء وأصبحت سمة وعلامة، أو هي بمثابة السم الناقع الذي يسري في أوصال المجتمع ويتغلغل في شرايينه وعروقه، فيعطل قدرا كبيرا من طاقته وكماً هائلا من عزمه.
كان المجتمع المسلم في منأى عن هذه الآفة حينما كان يعيش في ظل إسلامه، مستلهماً قيم العفة والطهر والنقاء، مسترشدا بأخلاق الفطرة التي تضع الأمور في نصابها وتأنف من التمرد على سنن الله عز وجل في النفس وفي الاجتماع والعمران البشري.
ولكن أتى عليه حين من الدهر بدأ ينسلخ فيه عن طبيعته ويخرج عن صبغته، وذلك بفعل احتكاكه بالغرب إبان مرحلة ما يسمى بالاستعمار، وقد كان الغرب يحمل في جعبته مخططات جهنمية تستهدف تغريب المجتمعات المسلمة وإخراجها من أصالتها وطمس معالم هويتها. وإذا كانت مداخل الشر ومعاوله قد تعددت وتنوعت، فإن تزيين فكرة ومسلك الاختلاط بين الرجال والنساء على كل المستويات، مثَّل المدخل الأشد خطورة وفتكا بأخلاق المجتمعات الإسلامية وعقيدتها. وقد قدمه الأوربيون إلينا على أنه وجه من وجوه المدنية والتقدم والعصرنة، فصدق المسلمون في غفلة من العقل وانفلات من نور الوحي ومنهجه القويم، هذه الفرية وهذا البهتان العظيم، وخاضوا تجربة العري والاختلاط، وبلغوا فيها آمادا سحيقة، وسجلوا صورا مذهلة من التحلل والارتكاس تفوقوا فيها- أحيانا- حتى على من أدخلوهم إلى هذا المستنقع البغيض.
إنه على الرغم من العواقب الوخيمة التي حاقت بالمجتمعات الغربية، وبمن ساروا في ركابها واقتفوا آثارها، بل وبالرغم من استنكاف عقلاء الغربيين من المخازي والويلات التي قاد إليها الاختلاط، يصر بعض أبناء بلدتنا على المضي قدما في هذا الطريق الخاطئ والإمعان في إغراق مجتمعاتنا في حمأة الاختلاط، وما يسببه من فساد وامتصاص لمكارم الأخلاق، وشعب الإيمان التي من أعظمها الحياء.
> إنه لا أحد يجادل في أن الواقع الذي أفرزه مجتمع الاختلاط، واقع فاسد موبوء غابت من جرائه صورة المجتمع المسلم الطاهر المشرق الذي تينع فيه خصال الفطرة التي عاش عليها أجدادنا كالعفة والغيرة، وغيرها، وحلت محلها صورة كالحة منتنة تتمثل في الصفاقة والدياثة، التي هي موت لمفهوم العرض، واندثار لمفهوم الكرامة الإنسانية.
إن المؤسسات التعليمية التي هي بهذه المثابة، لا يمكن أن تحقق أهدافها ومقاصدها التربوية والاجتماعية والحضارية، إلا في ظل شروط معينة ومواصفات محددة تجعل منها فضاء خلاقا للأخذ والعطاء، تتفتق فيه المواهب وتجد فسحتها ومجالها الرحيب، ولا ريب أن على رأس تلك الشروط، جعل المحيط المدرسي محيطا يتسم بالنقاء والبعد عن المثيرات والمشوشات التي تطمس الفكر وتعوق عملية الإبداع عن أن تسير في مجالها الصحيح.
وأسوق إليكم هنا نتائج دراسة غربية نشرت في 8 يوليو 2002 قامت بها هيئة حكومية بريطانية تدعى المؤسسة الوطنية للبحث التعليمي والتي أجريت على 2954 مدرسة ثانوية في انجلترا لدراسة مدى تأثير حجم المدرسة ونوعها (مختلطة أو غير مختلطة) على أدائها التعليمي.
أوضحت هذه الدراسة نتائج مدهشة أبرزها أن أداء الطلبة الذكور والإناث كان أفضل دراسيا في المدارس غير المختلطة، الفتيات كن أكثر استفادة من الفصل بين الجنسين في تنمية أدائهن .
كذلك وجد من تحليل نتائج الامتحانات البريطانية العامة أن المدارس غير المختلطة تحقق أفضل النتائج وأعلاها بشكل روتيني. ففي سنة 2001 كان العشرون الأوائل في امتحانات البريطانية من طلاب المدارس غير المختلطة، وأغلب الخمسين الأوائل من الدارسين في تلك المدارس.
يضاف إلى ذلك أن تجارب علمية تم القيام بها في بعض المدارس أكدت أن التعليم غير المختلط أفضل بكثير من التعليم المختلط. فقد تم تحويل مدارس مختلطة إلى مدارس غير مختلطة يفصل فيها بين الجنسين، لكن مع بقاء نفس الطلاب ونفس المدرسين ونفس المنهج ونفس الإمكانيات.
لقد كانت مجتمعاتنا الإسلامية في منأى عن كثير من الفواجع والويلات لو أنها اتبعت كتاب ربها سبحانه وتعالى وسنة نبيه الكريم عليه الصلاة والسلام ولكنها أبت إلا أن تدخل جحر الضب، وأن تنغمس بوعي أو بغير وعي في تجارب نكدة وأنظمة ومناهج شاردة، فكان ما كان من هذا التيه والشرود، يقول الله سبحانه وتعالى: {أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها} (الأنعام:122).
ومن غير الدخول في جدال عقيم نقول للمعجبين بالغرب المنبهرين ببهارجه، لماذا تلتقطون أوساخه وتتركون حكمته، وهي كامنة في أصول دينكم في صيغة أبهى وأجمل؟
إن المنطق العقلي البسيط في حد ذاته يأنف من هذا التناقض الشائه.. فهل أنتم منتهون.
عبد المجيد بن مسعود-اسلام ويب

Post: #348
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-18-2015, 01:27 AM
Parent: #301

ازدادت فى الفترة الأخيرة حالات الطلاق بين الأزواج من الشباب قبل الزفاف وذلك لأسباب كثيرة، منها المغالاة فى المهور وتأثيث مسكن الزوجية .وأزمة الإسكان، وأيضا غياب الدين والاختلاط الزائد عن الحد مما يؤدى إلى فتور العاطفة وتفكير الشاب فى الإرتباط بأخرى .وفى هذا التحقيق نناقش هذه الظاهرة .
يؤكد د .أحمد المجدوب أستاذ علم الاجتماع : إن الزواج فى عصرنا الحالى قائم على أسس خاطئة ، فلا يتحرى أهل الفتاة عن العريس ، ولا يبحثون عن أصله ونسبه أو عن خلقه ودينه ، وإنما أصبح التركيز على المادة هو الأساس ، فبقدر ما يحقق الرجل مطالب أهل العروس من مسكن مؤثث بأحدث الكماليات وسيارة فارهة ،ومهر مغالى فيه إلى حد كبير ، بقدر ما يلاقى من القبول والاستحسان.

ويضيف د.المجدوب :كما أن البعد عن الدين هو أهم أسباب ازدياد الطلاق قبل الزفاف ، فالرسول صلى الله عليه وسلم وضع المبادئ الأساسية للزواج وجعل الدين والخلق هما الأساس لبناء الأسرة المسلمة ، فقال عليه الصلاة والسلام : " إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير" ، وكان المجتمع المصرى فى الماضى شأنه شأن المجتمعات الإسلامية فيه تضامن أسرى ، والزواج كان مشروعا عائليا وليس فرديا ، ولذلك كان الزواج مستقرا ، ولم نكن نسمع عن أية حالات طلاق بكثرة لأن الأسر كانت تختار صاحب الدين والخلق ، كما أن الأم كانت تربى ابنتها تربية إسلامية وتعرفها بحقوقها وواجباتها تجاه زوج المستقبل ، ولا شك أن البعد عن الدين وراء كل الكوارث التى نعانى منها الآن ولابد أن نعود إلى الدين مرة أخرى لنضمن السعادة الزوجية .
وأنصح البنات والشباب بأن يتقوا الله ويختاروا طبقا للمبادئ والقواعد التى وضعها الإسلام ، وأن يلتزموا بما أمر الله عز وجل به وبما أمر رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم ،لضمان حياة زوجية مستقرة قائمة على المودة والرحمة .

**البعد عن المظهرية ***
أما الدكتورة آمنة نصير عميدة كلية الدراسات الإسلامية والعربية للبنات بالإسكندرية : فترى أن المظهرية والمباهاة أصبحتا من مقتضيات الأسرة المعاصرة رغم علم هذه الأسر بضيق حال الشباب .
وتقول :انتشار الطلاق المبكر قبل الزفاف يأتى نتيجة للعسر المالى أو عدم توفر المسكن وما يتبعه من أثاث حسب ما تهوى العروس والأسرة ،وهى مسألة نعتبرها رغبة إنسانية لا حرج فيها إذا لم تزد عن الحد المعقول ، وأقول لهذه الأسر لابد من بساطة البداية فلا تتشبثوا بالشقة الواسعة أو بالأثاث المغالى فيه ، وإنما نعود إلى بساطة الإسلام ، فعندما يتقدم من نرضى دينه وسمعته فعلى الأسرة أن تستوعب هذا الدرس الحكيم فى تبسيط المطالب والبعد عن المغالاة ، سواء فى المظهر أو فى إعداد الأفراح أو فى تكوين البيت ، فالأهم من كل هذه الأمور هو صيانة بناتنا و شبابنا وإعادة السكينة والاستقرار لهذه الأسر بشئ من الرضا ، والقناعة وعدم المغالاة ، حتى لا يهتز المجتمع بأكمله .
ونحن فى حاجة ملحة لإعادة الثقافة الإسلامية الحقيقية فى بساطة تكوين البيت ، ونترك لشبابنا الصعود فى تكوينه درجة درجة ، والمسألة تحتاج كما قلت إلى إعادة الوعى والمسئولية والثقافة الإسلامية الحقيقية ،.. مع بث الوعى لدى المجتمع بأن المغالاة فى المظهرية فى تكوين بيوت أولادنا مرض عضال علينا أن نتفاداه قبل فوات الأوان وضياع أولادنا ومستقبلهم المستقر .
فيسروا ولا تعسروا لبناء مستقبل سعيد لأولادكم .


**أزمة السكان***
ويوضح د .محمد رأفت عثمان أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أن أزمة الإسكان الحادة التى يعانى منها مجتمع المدن الآن ،من أهم أسباب الطلاق قبل الدخول .ويقول : كثيرمن الشباب يحتاج للحصول على مسكن الزوجية إلى سنوات طويلة ،وفى هذه الفترة يحدث الملل بين الزوجين مما يؤدى إلى التفكير فى عدم إتمام مشروع الزواج .كما أن الاختلاط الزائد بين الرجل والمرأة يؤدى إلى فتور العاطفة بين الطرفين خصوصا من ناحية الرجل ،وقد يدفعه إلى التفكير فى الانفصال والارتباط بفتاة أخرى .
وعلاج هذه المشكلة هى عدم إطالة فترة الخطبة ، وأن تعمل الدولة على تيسير حصول الشباب على المسكن الملائم لدخولهم ، وذلك بتشجيع الاستثمار فى مجال الإسكان المتوسط لمحدودى الدخل .
ويجب ألا يبالغ الأهل فى مطالبهم بالنسبة لتأثيث بيت الزوجية ،ويجب أن يدرك ولى أمر المرأة أن مصلحة الفتاة فى أن يدخل الزوج فى مشروع الزواج وهو مستريح ماديا وليس مثقلا بالديون .

**حقوق المطلقة ***
وعن حقوق المطلقة قبل الدخول يقول د . عثمان:لها نصف المهر فقط ،فإذا كان الزوج قد دفع المهر كاملا ، فله الحق فى استرجاع نصف ما قدمه وإذا كانت الزوجة لم تحصل على المهر فلها أن تطالبه بنصف المهر الذى اتفق عليه ، ويجب أن يلاحظ أن المهر يشمل المقدم والمؤخر لقول الله تبارك وتعالى وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهنا وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم إلا أن يعفون أو يعفوا الذى بيده عقدة النكاح وأن تعفوا أقرب للتقوى ، أما عن حكم الطلاق فى هذه الحالة ، فالطلاق قبل الزفاف يعتبر طلاقا بائنا بينونه صغرى ، بمعنى أنه ليس طلاقا رجعيا يحق للزوج أن يرجعها إلى عصمته فى أثناء العدة ،وإنما الطلاق قبل الدخول لا يوجب عدة على المرأة ، لقول الله عز وجل : (يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا).
جريدة اللواء الإسلامي

Post: #349
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-18-2015, 01:29 AM
Parent: #301

الفقر، الحرمان من عطف الأبناء ، المرض، فشل زيجات البنات.. هذه بعض ثمار العقوق الدنيوية وما فى الآخرة أدهى وأمر
هل يتوقع أحد أن يجد نفسه بعد أن كان موسرًا، ويعيش فى رغد من العيش، وقد بدأ يتسول لقمة عيشه؛ لأنه لا يمتلك ثمن حتى رغيف الخبز ؟ هل تتخيل نفسك وقد شلّت قدمك، أو بترت يداك ؟ هل تستطيع أن تعيش دون مأوى وأبناؤك يعيشون حولك وقد بلغت من الكبر عتيا وفى حاجة إلى من يرعاك ؟ هذا وغيره كثير من أثر دعوة من دعوات الوالدين اللذين غضبا على ابن عاق، أو ابنة غير بارة ، فاحذروا وادعو الله ألا تكونوا من هؤلاء ، وأن تكونوا ممن يطيعوا الأمر الإلهى "ولا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما".
**من قصص العقوق***
ـ كان ابنها يحرمها من كل شيء ، حيث كانت تسكن فى بيت مجاور له، وكان يدعوها للغداء، وعندما تأتى يقدم لها طعامًا غير الذى سيأكله هو وأولاده، فقد حكى لى جار لهم أنه كان يزورهم مرة، وكانت رائحة قلى السمك منتشرة فى المكان كله ، فتوقع أن تأكل أم هذا الجار من هذا الطعام، ولكنه وجدها تأكل خبزًا وطعمية ( فلافل ) أرسل ابنها فى شرائها لها ، وليس هذا فقط ، بل عندما كان ابنها يعلم أن أمه ذهبت لأحد، وأكلت يضربها ضربًا شديدًا بعد عودتها، ويمنعها زيارة جاراتها، وتمر الأيام والسنين وتموت أمه، وتكبر بناته، وتتزوج جميعهن، ولكنهن يرجعن إليه كلهن مطلقات، ويصبح الرجل فقيراً جدًا، ويموت معدمًا .

ـ شخص كان يضرب والديه، ويجرى وراءهما فى الشارع بالعصا ، وكان الناس يحاولون أن يبعدوه عنهما، ولكن دون جدوى، وبمرور الأيام أصبح يمشى فى الشوارع يتسول، وظل هكذا حتى مات، بعيداً عن مساعدة أى من أبنائه له، وكأن الله قد ختم على قلبه ليحرمه مما حرم منه أبويه.

ـ ومن الدعوات التى تستجاب دعوة الأم، فقد حكت لى سيدة أن أمًا كانت تقيم مع ابنتها فى منزلها مع زوجها وأولادها، وفى يوم كانت الأم تفعل شيئًا لا ترغب فيه الابنة فدفعتها الابنة بيدها، فدعت عليها الأم أن تصاب فى يدها، وفعلاً استجاب الله دعوة الأم، وأصيبت الابنة فى يدها نتيجة انزلاقها، وحدث بها جرح لا يندمل، مما اضطر الأطباء إلى بترها، وفقدت يدها التى ضربت بها أمها ، وتذكرت دعوة أمها ، ولكن بعد فوات الأوان.

ـ وتحكى أخرى أن ابنها كان ينفق كل ماله على نفسه ، يصرف كثيرًا جدًا ، ويعاملها بطريقة فظة، وكان دائم السهر، وعندما كانت تنصحه كان يقذفها بأبشع الألفاظ، فدعت عليه أن يقلل ما فى يده، ويجعل الكثير فى يده قليلاً، فكان يكسب الكثير، ولكن ماله كان منزوع البركة لا يفى باحتياجاته رغم أنه غير متزوج.

ـ وآخر كانت أمه تتمنى رؤيته، وهو يسكن معها فى عمارة واحدة، فكانت تنظر من الشرفة كل صباح حتى تراه ، وهو ذاهب إلى عمله ، وكانت زوجته تثير المشكلات معها ، فمثلاً بعد إعدادها العصير وإعطائه لحماتها تشربه الحماة، وبعد ذلك تقول لها الزوجة : إن فيه سمًا ، وتزوج الابن، وفعلت زوجته مثلما فعلت أمه بحماته، فمنعت زوجها من زيارة أهله ، أو زيارتهم له ، وكانت الأم إذا ذهبت لزيارة أبنائها وأحفادها ترجع فى حزن شديد من جراء سوء المعاملة ، أما الزوج، فكان يريد أن يرى ابنه، ولكنه لا يستطيع من سوء معاملة زوجة ابنه له.

- كانت زوجته تأمره أن يضرب أمه ، فيفعل ويعاملها معاملة سيئة حتى مات الابن تحت عجلة قطار، استجابة لدعوة أمه عليه.
**لا تغتر ***
يمكن أن يعيش الإنسان العاق لوالديه فى الدنيا سليم الجسم ، والصحة ، رزقه واسع ، وأولاده صالحون، فلا يشعر بأنه قصَّر فى شيء، بل على العكس، فإنه يحدث نفسه بأن الله لن يعاقبه، وأنه لا يفعل شيئًا خطأ، طالما أن الله يعطيه كل شيء يريده، ويغتر بذلك، وعندما تحين لحظة الاحتضار وقبل خروج الروح تأتى العقوبة، فتأبى روح العاق أن تخرج بسهولة، و قد لا يستطيع نطق الشهادتين ، فالعقوق هو السبب الأول الذى يمكن أن يُعزى إليه كل ما يصيب المرء من مصائب طوال حياته، وحتى قبيل موته بلحظات ، فهذه بعض ثمرات العقوق المرة ، جعلنا الله وإياكم ممن يبرون آباءهم، فتهون عليهم سكرات الموت.
مركز الاعلام العربي

Post: #350
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-18-2015, 11:37 AM
Parent: #301

زواج موسى عليه السلام وما فيه من دروس وعبر
بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد :
**آداب خروج المرأة ***
خرج نبي الله موسى - عليه السلام - من مصر خائفاً يترقب، خوفاً تمهدت أسبابه ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ )[القصص: 23]. فالمرأتان ذكرتا السبب الذي لأجله خرجتا، فلابد من السقيا، والأب كبير السن لا يقوي على ذلك، وعلى الرغم من ذلك، فقد تباعدتا عن مكان السقاة، وذلك لأن المرأة لا ينبغي أن تكون خراجة ولاجة، وإذا احتاجت للخروج لا بد من التأدب بالآداب الشرعية، والتباعد عن مواطن التهم والرب والشكوك، والنصوص في حقها تأمرها بالصبانة والتحفظ والتحجب والتستر، قال تعالى: ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى )[الأحزاب: 33]. وقال: (وَإذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ )[الأحزاب: 53]. وقال: ( يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً )[الأحزاب: 32]. وقال: (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ )[النور:31].
وقالي تعالي مخاطباً نبيه الكريم والأمة في شخصه الكريم: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً )[الأحزاب: 59].
وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها " فحدد بذلك مكانها , فإذا احتاجت للخروج فعليها أن تأخذ حواف الطريق , وتغض بصرها , وترتدى زيها الشرعي بحيث يضرب من الرأس حتى القدم , ويكون فضفاضا غير ضيق لا يصف حجم العظام ولا يشف ما تحته من البدن ولا يكون ثوب شهرة ولا زينة ولا يشابه مثل الرجال ولا مثل الكافرات, والمرأة لا تختلط بالرجال حتى في أماكن العبادة , فهي تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال , وخير صفوف الرجال أولها وشرها أخرها , وخير صفوف النساء أخرها وشرها أولها وذلك في الصلاة، فالمباعدة بين الرجال والنساء من جملة المطالب الشرعية التي ينبغي أن نحافظ عليها في دور العلم ووسائل المواصلات .... وهي لمصلحة الرجال والنساء , إذ أن النبي صلى الله عليه وسلم ما ترك فتنة أضر على الرجال من النساء , وثبت الخبر أن أول فتنة بنى إسرائيل كانت في النساء ولا شك أن بليه هذه الأمة بالمرأة المتهتكة المتبرجة غاية في الخطر , لذا يحرص أعداء الإسلام على استدراجها إلى حتفها لتكون فتنة لنفسها وفتنة لغيرها وبزعم المطالبة بحريتها وبحقها في أن تكون رئيسة وقاضية.
ورفعت من أجل ذلك الشعارات مثل مشاركة المرأة للرجل في جميع ميادين الحياة , والمرأة نصف المجتمع , وإنصاف المرأة ....
وتنادى بعض هؤلاء بأنه لابد وأن نجعل المرأة رسولا لمبادئنا التحررية ونخلصها من قيود الدين , لقد أراد هؤلاء للمرأة أن تكون سلعة رخيصة معروضة على الملأ وأن تكون أداة لتحلل الأمة وانسلاخها من دينها بمثل هذه الشعارات البراقة المعسولة وإلا فهل ضاعت المرأة مع شرعة ربها , حتى يحفظ حقها الملاحدة الخبثاء !! وما كان ربك نسيا , فهو سبحانه البر الرحيم بالمرأة وبخلقه وبعباده , وليس الذكر كالأنثى , فالمرأة تحمل وترضع وتحيض وتنفس , وهي نصف المجتمع وتلد النصف الأخر , فلها دورها ومكانها ومكانتها المناسبة في الحياة , والحرية الحقيقية للرجل والمرأة في إقامة واجب العبودية والاستقامة على كتاب الله وعلي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم، فلا حاجه لنا في استيراد الحريات العفنة المدمرة من الشرق أو الغرب ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)[المائدة: ] إن جمال المرأة في حيائها لا في إبتذالها، والحياة خير كله ولا يأتي إلا بخير، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، وإن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولي إذا لم تستحي فافعل ما شئت "
وكانت المرأة لربما خرجت تسال عن صغيرها وهي منقبة، فّا روجعت في ذلك قالت ولأن أرزأ في ولدي خير من أرزأ في حياتي، فلذلك تباعدت المرأتان في مكان الرجال مع الحاجة لسقيا الماء .
**أهمية التضرع والدعاء***
ويحكي لنا القرآن ما كان من نبي الله موسي - عليه السلام: (فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إلى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)[القصص: 24 : 25]، مروءة وشهامة ورجولة من نبي الله موسي، وما ضاع العبد ولا خاب بطاعة الله، فقد تمت المصلحة، وقضي الأمر، دون مخالفة، سقي لهما نبي الله موسي، ثم أرجع حاجته لله ( تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير)[القصص: ] استشعر فقره، واشنكي حاله لخالقه ومولاه وهو الغني الحميد، الذي يجبر الكسير ويرحم الكبير ويقيل العثرات ويكشف الكربات ويقضي الحاجات، والإنسان لا يحتاج فقط لمطعم وملبس ومشرب ومسكن، فقد ابتلي بشهوة وغريزة يحتاج إلى تصريفها في الحلال، الرجل بحاجة لزوجه يسكن إليها لتعينه على نوائب الحق، والمرأة بحاجة لزوج تأنس به ليكون عوناً لها على طاعة الله، وحوائجنا جميعاً عنده سبحانه ففي الحديث القدسي: "يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك من ملكي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر" .
وسواء امتلك العبد معونة الزواج أو افتقدها فعليه أن يصنع صنيع نبي الله موسي، ويظهر فقره وضعفه إلى الله فمن الثلاثة الذين يعينهم الله، الناكح يبتغي العفاف، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه . يقول " عجباً لمن لم يلتمس الغني في النكاح والله يقول ( إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور : 32].
وانظروا لقيمة الدعاء في جلب الخيرات وتحقيق المطلوبات فما كاد نبي الله موسي يفرغ من قوله : (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِير فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)[القصص: ]
**عرض شعيب على موسى الزواج بابنته ***
قص نبي الله موسي على شعيب والد الفتاتين، ما كان منه بمصر فقال: (قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)، فقالت إحدى الفتاتين: ( يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )، وقال:( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ)[القصص: ]. عرض الرجل موليته أو ابنته على من يتوسم فيه الصلاح . وهو سنة الصالحين، وقد عرض عمر ابنته على أبي بكر وعثمان - رضي الله عنهم أجمعين - ولا بد من التدقيق في من يقع عليه اختيارنا، ولما سئل الحسن : من أزوج ابنتي ؟ قال : زوجها التقي النقي، فانه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها " والكفاءة في الرجل معتبرة للصلاح والحرص على طاعة الله، وقد أدخل جمهور العلماء النسب والحرفة والغني والسلامة من العيوب ..
إن قوامة الرجل على المرأة ليس معناها التسلط والقهر، بقدر ما هي قوامة شفقة ورحمة وقيام على مصلحة المرأة .
لقد وقع اختيار الفتاة على القوي الأمين، وهو أحد أولي العزم من الرسل، واستن شعيب بسنة الصالحين، فمثل نبي الله موسي لا يفرط فيه حتى وإن كان فقيراً، فكان العرض، الذي لاقي قبولاً وارتياحاً من نبي الله موسي، فلا كبر ولا عجب ولا غرور، كما يفعل بعض من لا تقوي عنده، إذا تم عرض الابن عليه، وشأن المرأة أن تكون مطلوبة، فلا بد من المحافظة على هذا الأمر أثناء العرض أو التوفيق في الزواج، والمرأة لا تستكره على الزواج ممن لا تحب، وفي ذات الوقت لا تستقل هي في النظر، إذ لا بد من موافقة الولي، ففي الحديث " لا نكاح إلا بولي "، وأيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، وهذا هو قول جماهير العلماء سلفاً وخلفاً، وبل لو زوج الأبعد في وجود الأقرب لم يصح تزويجه، إلا إذا عضلها ومنعها الأقرب من زواج الكفؤ، والمرأة لا تزوج نفسها، فالزانية هي التي تزوج نفسها، بل المرأة لا تزوج المرأة وإنما يزوجها الولي، وفي ذلك محافظة على حقوقها وماء وجهها، ومن هنا تدرك خطأ وخطر الزواج العرفي، التي تزوج المرأة فيه نفسها دون الرجوع للأولياء، وفي قصة نبي الله موسي رد بليغ على دعاة الحب والعشق والغرام قبل الزواج واعتبار ذلك مسألة لا يتم الزواج بدونها، وقد يترتب على ذلك معاشرة كمعاشرة الأزواج، وفضائح تزكم الأنوف قيل الخطوبة وبعدها !!! والكثرة من هؤلاء لم تتزوج وفق الهدي النبوي، وإنما جرياناً مع الأفلام وقصص العشق ووفق الحياة الغربية التعيسة .
أجري عميد أحد المعاهد الاجتماعية إحصائية على 1500 حالة زواج مبنية على الحب فوجدها فاشلة، ولا يتعجب من ذلك، ففساد الانتهاء من فساد الابتداء، والعبد إذا فسدت بدايته فسدت نهايته، وإذا فسدت نهايته فربما هلك إلا أن يتوب إلى الله والعلاقات الغرامية التي تحدث تقوم في الغالب على الغش والتكلف والتجمل والتزين بالباطل بل والكذب، ثم مع الوقوف على أرضية الواقع بعد الزواج تنتهي خياليات العشاق، حيث تنهمك الزوجة في الطبخ والكنس والاعتناء بالأولاد وقد تهمل نفسها وزينتها لزوجها، ويصبح المنزل بالنسبة للرجل عبارة عن فندق للأكل والنوم !!!! نعم لم ير للمتحابين مثل النكاح، ولكن لا بد من إعمال الضوابط الشرعية، فإن لم يتم الزواج فلا يصح التجني على الأطلال والهيام على الوجه والإنشاد في كلب الحارة التي تسكنها المحبوبة فهذا ضيع أصحاب القلوب الفارغة من محبة الله وذكره .
ولكي يكون الزواج مباركاً فلا بد من بدايات صحيحة فالمرأة تنكح لأربع لمالها وجمالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك، " وإذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه، إن لم تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " فما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق وينظر الرجل للمرأة إذا أراد خطبتها، وهي تنظر إليه لأنه أحرى أن يؤدم بينهما - أي يتم الوفاق - وتطلب من وليها، والخطوبة علاقة أجنبي بأجنبية، أي أنها مجرد وعد بالزواج، فإذا تم القبول عادت الحرمة كما كانت فلا يحق له النظر -إلا إذا كان لم يتحقق منها أول مرة - ولا يخلو بها ولا تخضع معه بالقول ولا تظهر زينتها له ...... ثم العقد بعد ذلك زواج إلا انه يفترق على البناء ( الدخول ) فالمعقود عليها لها طلقة واحدة - إذا وقعت تحتاج لمهر جديد وعقد جديد - أما المدخول بها فلها ثلاث تطليقات .
والمعقود عليها لها نصف المهر أما المدخول بها فلها المهر كاملاً، والمعقود عليها لا عدة عليها - أما المدخول بها فعليها العدة .
والدخول بالمرأة كحق في مقابله النفقة والسكنة، وهاأنت تري كيف تم زواج نبي الله موسي من ابنة شعيب، حيث آجر نفسه لإعفاف نفسه، وحسن الاختيار من الطرفين، وحدث التراضي بينهما وتم تحديد المهر، وانتفت المشقة والمغالاة والحرج، ووثقا الأمر والله على ما نقول وكيل ونحن نحتاج في زواجنا لشهادة وإعلان، إذ قد يخون الأمين، أو قد يموت ويأتي من بعده من لا يعرفون للأمانة طعماً، وتوثيق العقود اليوم - عند المأذون - هو لضمان وإثبات الحقوق ليس أكثر وإلا فالعقد يصح بدونه شرعاً- وقد ورد في الخبر إن أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج .
وأحياناً يطلب الإنسان حقاً في الوقت الذي لا يؤدي الواجب عليه كمن يطلب الدخول بالمرأة بعد العقد في الوقت الذي لا ينفق عليها ولا يسكنها ويخل بالميعاد الذي اتفق عليه مع وليها في الدخول والبناء، ثم قد يموت عنها أو يطلقها ويتكتم أمر البناء، وقد تحمل منه ولا يجد مسكناً لها، ويتم إعلان البناء بعد أربعة أشهر مثلاً من الحمل ويفاجأ الناس بالوضع والولادة بعد خمسة أشهر مما يترتب عليه أذى ومضرة وعدم قدرة على رفع الرأس في وجوه المدعوين والخلق ويصيرون فتنة لكل مفتون فلا بد من مراعاة للضوابط والآداب الشرعية ومراعاة العرف الذي لا يصطدم بالشرع
**الوفاء بشروط الزواج***
طوي عنا القرآن ما حدث بعد الاتفاق بين موسي عليه السلام وشعيب وانتقلت بنا الآيات إلى هذا المشهد ( فَلَمَّا قَضَى مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَاراً قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُون ) القصص :29 فقد وفي عليه السلام لأبيها بما قطعه على نفسه والمسلمون عند شروطهم وبني بامرأته وتلمس من خلال العرض مدي شفقته وحرصه على أهله وفي الحديث : " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله " إن الزواج من أعظم الآيات ومن ثماره حصول المودة والرحمة ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ) الروم : 21 وهذا هو الزواج المبارك المبني على السنن وعلى تعظيم شعائر الله حتى وإن افتقد العلاقة والمحبة قبل الزواج فبإذن الله تتحقق الخيرات والبركات ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً ) مريم : 96 أي مودة يقذفها لهم سبحانه في القلوب ويبقي النظر في عواقب الأمور وتقدير المصالح التي تنجم من وراء الزواج وحتى إن لم تكن المحبة كهذه التي تحصل في القصص الغرامية
أتي رجل لعمر بن الخطاب يقول له إني أريد أن أطلق امرأتي قال له عمر ولما ؟ قال له لأني لا أحبها فقال عمر : وهل كل البيوت بني على الحب ؟ فأين الرعاية والتذمم.
ليس من المعاشرة بالمعروف كثرة التلويح بالطلاق، فالطلاق أحياناً يجب وأحياناً يستحب وقد يحرم أو يكره ولا يكون مباحاً مستوي الطرفين وورد في خبر ضعيف أبغض الحلال إلى الله الطلاق وقد يستنفذ الرجل الطلقات الثلاث فتبين منه زوجته بينونته الكبرى ولا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره فلابد من تقوي الله في هذا الميثاق الغليظ والبعض لا يجد وسيلة لتأديب امرأته إلا تهديدها بالزواج عليها بأخرى حتى أصبح التعدد أمراً مخيفاً من جراء سوء السلوك والتصرف إن لنا في رسول لله أسوة حسنة فهو خير الأزواج لنسائه صلي الله عليه وسلم ورضي الله عنهن ما مست يده امرأةً ولا خادماً ولا دابة إلا أن تنتهك محارم الله، كان في خدمة أهله يسابق أم المؤمنين عائشة ويعدل بين نسائه في النفقة والسكني والمبيت- .... نحتاج لبيوت تؤسس على تقوي الله وعلى معاني الإيمان في الغضب والرضا والعسر واليسر، فهنا ينشأ ويترعرع الأبناء فتتواصل معاني الهداية ويظهر أشباه أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وخالد والمقداد والقعقاع وصلاح، يجدد بهم سبحانه دينه ويعلي بهم كلمته ويملئون الأرض عدلاً بعد أن ملأت ظلما ًوجوراً ويتم على أيديهم فتح بيت المقدس والانتصار على اليهود وما ذلك على الله بعزيز، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
د . سعيد عبد العظيم-اسلام ويب

Post: #351
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 00:30 AM
Parent: #301

ماذا لو التقت أمَّان فى مكان واحد.. وكان لكل منهما طفل رضيع، وإحداهما ترضع صغيرها طبيعيًا، بينما تستخدم الثانية زجاجة الرضاعة؟ ماذا لو تحاورتا، وشرحت كل منهما مبررات اختيارها، وكانت لدى كليهما ذات الدرجة من الحماس لاختيارها، وكثير من الإصرار عليه، ترى لمن ستستدير دفة الحوار؟ ومن ستكون أكثر إقناعًا؟!
الأولى أمسكت "الببرونة" ودستها فى فم صغيرها الذى أمسكها بكفيه الصغيرين، وظل يمتص لبنها بنهم، بينما وضعت هى ساقًا على ساق وأصلحت وضع ملابسها
وقالت للثانية: ما رأيك فى هذا الفستان، كم هى مبتكرة فتحة صدره، ولكنك للأسف لا تستطيعين ارتداء مثلها؛ لأنها ضيقة ولا يمكن إخراج الثدى منها للإرضاع، قالتها وهى تنظر بإشفاق إليها، وقد احتضنت صغيرها الذى كانت ترضعه، وهو يحرك كفيه وساقيه بسرور ويصدر مناغاة لطيفة سعيدة.

ردت الثانية: وهل أحرم صغيرى من حقه الطبيعى حتى أرتدى ما أشاء ـ فقط ـ من ملابس؟
فقالت الأولى بثقة: لا طبعًا ـ فللرضاعة الصناعية ميزات أخرى، أتعرفينها؟ قبل أن ترد عليها.. استطردت: إننى أرضع طفلى مرات قليلة يوميًا وبانتظام؛ لأن اللبن الصناعى بطيء الهضم ويشعره بالامتلاء لفترة طويلة، كما أعرف تمامًا قدر ما تناوله من طعام بالنظر إلى مقياس زجاجة الرضاعة، بينما يصعب عليك ذلك فليس للثدى مقياس، قالتها بلهجة ساخرة واستمرت.
ثم ما رأيك فى الحرية؟ إنك لا تستطيعين الخروج إلا إذا تركت لطفلك بعض اللبن ليرضعه فى غيابك، وقد لا تستطيعين الخروج ـ أساسًا ـ إذا كان طفلك لا يأخذ "الببرونة"، أما أنا فأخرج فى أى وقت وأترك طفلى مع زوجى أو أمى ومعها زجاجة الرضاعة ـ فقط ـ وبصراحة هذا يجعل الأب يشعر بالمسئولية ويتعب مثل الأم كما يحس بالرابطة العاطفية مع طفله مثل الأم تمامًا.
**بدون إحراج!***
كانت الأم الثانية تواصل إرضاع صغيرها وتنصت للأولى، مما شجعها على أن تواصل: عندما وضعت طفلى كتب لى الطبيب قائمة بالأطعمة التى عليَّ تجنبها؛ لأنها تؤثر على اللبن، وهذا معناه أن أحرم نفسى من كثير مما أحب من طعام، أما مع الرضاعة الصناعية فأنا آكل ما أشاء، وحين أذهب إلى مكان عام ومعى طفلى لا أبحث عن ركن منعزل لإرضاعه، فزجاجة الرضاعة شيء غير محرج أن يراه الآخرون، ومالت على جارتها وهى تقول بلهجة باسمة وصوت رقيق: كلام فى سرك ـ مع الرضاعة الصناعية تكون نفسية الأم مستريحة جدًا، فلا هرمونات تعكر المزاج، ولا "ربطة" مستمرة بجوار الطفل لإرضاعه متى يشاء.. ولا تعطيل للمصالح، وأيضًا لا إحساس مستمر بالإجهاد يؤثر على علاقتك بزوجك نفسيًا وجسديًا.
**مائة عنصر مناعى***
وأنهت حديثها وهى تقول بفخر: أرأيت كم هى رائعة الرضاعة الصناعية؟ وقتها كانت زجاجة الرضاعة قد فرغت فسحبتها من فم الصغير، وحملته حتى تجشأ، ثم ألقته على الأريكة بإهمال، وحينئذ تكلمت الثانية فقالت: من واقع التجارب والأبحاث العلمية سأقول لك "بعض" مميزات الرضاعة الطبيعية، فلبن الأم ـ بفضل الله ـ يحتوى على حوالى مائة عنصر لا توجد فى سواه من الألبان المصنعة ثابتة التركيب، كما يتغير تركيبه لمواكبة احتياجات الطفل الغذائية فى العامين الأولين من عمره، وهو سهل الهضم ولا توجد به نسبة كبيرة من الصوديوم الذى يؤثر على كلية الطفل ـ كما فى اللبن الصناعى ـ الذى يحتوى على نسبة كبيرة من عنصر الفوسفور مما يعوق امتصاص الكالسيوم الموجود فيه، عكس اللبن الصناعى، إذ ليس به نسبة كبيرة من الفوسفور..
ولبن الأم ـ أيضًا ـ يا عزيزتى لا يسبب أية حساسية للطفل، بينما أظهرت الأبحاث العلمية أن 10% من الرضع يعانون من حساسية خاصة للبن الأبقار أو اللبن الصناعى فى العامين الأولين، ولو أنك حصرت نسبة الإصابة بالإمساك والإسهال لدى الرضع لوجدتها أقل بكثير عند من يرضعون من أمهاتهم.. يرضعون لبنًا إلهيًا مليئًا بالأجسام المناعية التى تجعلهم أقل تعرضًا لأمراض الأطفال الشائعة وأكثر مقاومة لها.
**رضاعة الهواء***
راقبت ملامح وجه الأولى فوجدتها مزيجًا من الدهشة والرفض، ولكنها كانت تستمع باهتمام، فاستطردت الثانية قائلة: أتعرفين؟ كثيرًا ما أشعر بأن صدرى فارغ أو به لبن قليل، ومع ذلك يستمر طفلى فى مص الحلمة دون ضرر، ولكن تخيلى لو أن صغيرك امتص حلمة الزجاجة وهى فارغة. عندها سيدخل الهواء بطنه ويصيبه بأضرار كثيرة منها: المغص والغازات واضطرابات النوم، والمص ـ كما تعرفين ـ غريزة يودعها الله فى الرضيع ويشبعها له بالرضاعة... سبحان الله.

أظهرت الدراسات أيضًا أن فم الطفل وفكه ينموان بشكل طبيعى وسليم إذا رضع من ثدى أمه، حيث تناسب الحلمة الربانية شكل الفم، أما حلمة الزجاجة فتشوه الفك وتجعل الأسنان تنمو بشكل غير سليم.

**بدون مقابل***
ثم دعينى أسألك.. ماذا تفعلين حين يجوع طفلك؟ ردت الأولى بصوت أضعف كثيرًا من صوتها الذى كانت تتحدث به عن الرضاعة الصناعية: أغلى الحلمة والزجاجة وأضع فيها بعض الماء المغلى ومعه اللبن وأرجها ثم أبردها تحت الصنبور إذا كان جائعًا جدًا، أو أتركها لتبرد فى جو الغرفة إذا كان يستطيع الانتظار وبعد الرضاعة أغسل الزجاجة وأغليها مرة أخرى حفاظًا عليها من التلوث.

عقبت الثانية: أما أنا فحين يجوع طفلى لا أفعل أكثر من إخراج ثديى من ملابسى، ولا أدفع مليمًا واحدًا لشراء اللبن أو زجاجات الرضاعة، ولا أغلى ماء أو أنتظر حتى يبرد اللبن، فهو ـ بقدرة الله ـ دافئ شتاءً، بارد صيفًا، نظيف ومعقم دائمًا.
ويساعد ـ أيضًا ـ على عودة رحم الأم إلى حجمه الطبيعى بعد الولادة، وينظم انقباضاته، وأردفت بسعادة وهى تنظر إلى صغيرها النائم كالملائكة: ثم إن احتضان الصغير وهو يرضع يقوى الصلة العاطفية بينه وبين الأم يتابعها بعينيه وتقبله وتمسح رأسه، وقد تستطيعين ذلك مع الرضاعة الصناعية ولكن تظل الزجاجة حاجزًا بينك وبين طفلك.
وكانت جملتها الأخيرة: الرضاعة هدية إلهية للأم والطفل، فلماذا ترفضين هدية الله يا أختى الحبيبة؟
**حرمان اختيارى***
لم ترد الأولى.. واستأذنت فى التدخل فقلت موجهة حديثى لها: يبدو أنك متحمسة جدًا للزجاجة.. ولكن ألا تلاحظين أن كل ما ذكرته من مميزات للرضاعة الصناعية يرتبط بك أنت وحدك؟ وكأنك تريدين الراحة لنفسك على حساب مصلحة الصغير، وهذا لا يتناسب مع الحنان الفطرى عند الأم، لقد التقيت كثيرات كن يرضعن صناعيًا مضطرات لسبب أو لآخر، وكنت ألمح فى عيونهن وأسمع فى أصواتهن حزنًا خفيًا وشعورًا بالحرمان من ميزة رائعة اضطرتهن إليها الظروف، فكيف "تختارين" أنت هذا الحرمان طواعية وتقنعين نفسك به قسرًا وتحرمين طفلك من كنز من الميزات الإلهية وتحرمين نفسك من زاد عاطفى وصحى لا مثيل له.. طفلك لا زال صغيرًا جدًا فراجعى نفسك.. صمتت.. ورأيتها تنظر بالتبادل إلى صدرها وزجاجة الرضاعة، ولمحت ظل ابتسامة على شفتيها وهى تحتضن صغيرها فتمنيت أن تذيقه لبنها للمرة الأولى بعد قليل من التفكير!
مركز الإعلام العربي

Post: #352
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 00:40 AM
Parent: #301

إن النفوس البشرية عالم غامض لا يعرف كنهه إلا الله تعالى، وتختلف كثيرًا فيما بينها، وتتغير هي نفسها من وقت لآخر، ولا تثبت على حال.. تدخل عليها أشياء جديدة، مشاعر جديدة، آراء جديدة.. كل ذلك مرهون بتعاملات البشر المحيطين، وظروف الزمان والمكان.
إن الحياة حول الناس تتغير فتتغير تبعًا لذلك ردود أفعالهم، وتختلف استجاباتهم، إنها الحياة الدائمة التغير المستمرة الحركة، ولا يدري بأمر هذا التغير الداخلي في النفوس إلاَّ خالقها وحده سبحانه وتعالى.
هذه النفوس البشرية التي يتأبى على غير الله تعالى فهمها. (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ)[البقرة:235]، (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)[الملك:13، 14].
هذا الخالق العظيم العالم بدقائق الخفايا وصغائركل النفوس وأدق الهواجس هو أيضًا الرحيم بخلقه، الكريم بفضله، المتفضل دائمًا بسابغ نعمته. (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً)[النساء:28]، (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)[البقرة:286].
وهو سبحانه لا يكبت النفوس المسلمة كبتًا، ولا يضيق عليها الخناق، وهو لرحمته الإلهية لا يجعلها تحيا حياتها أسيرة اختيار قد يخطئ وقد يصيب وقد يجد عليه من ظروف الحياة ما يجعله خيارًا يستلزم التعديل كله أو بعضه .
وخيار الزواج خيار خاضع في أغلبه لهذه النفس البشرية التي تختلف من شخص لآخر وأيضًا من وقت لآخر، ومن ظرف لآخر.
وقد يختار الزوج ويفرح بخياره أول الأمر ثم تبدو في حياته ظروف لا يعلمها إلاَّ الله وحده، فإذا هو في صراع نفسي وصدام داخلي بين اختيار هو واقعه المعاش، وبين أمر آخر تميل إليه نفسه أو يفضله في داخله الشعوري، فإذا هو يريد أن يقبل على الزواج مرة أخرى، والزواج الثاني في الإسلام خيار لم يحرم ، ولم يشجبه الإسلام أو يعتبره نقيصة أو ذريعة للازدراء.
إن الزواج الثاني هو أحد مظاهر الرحمة الإلهية الكبيرة بهذه النفوس المسلمة، من مظاهر رحمته تعالى بالزوجين الرجل والمرأة، وبالمرأتين الأولى والثانية.
والخيارات المتسعة للمسلم في الحياة هي منافذ الرحمة تتدارك المسلم وقت الضيق لتنتشله من الأزمة، وتغدق عليه من الرقة والهناء ما يضمن له الهدوء والهناء النفسي.
ولننظر إلى هذا البيت المسلم الذي خلا من بسمة الصغير ولهو فلذة الكبد! هل يبقى هكذا مظلمًا كئيبًا مدى الحياة؟! هل يقضي الزوج حياته حتى تذوى دون أن تحمل يداه طفلاً أو تداعب أنامل الصغير الرقيقة شفتيه ووجهه؟
كثيرون وكثيرات يسارعون إلى الصياح والاستنكار، ليتزوج إذن، ولكن ليطلق الزوجة الأولى حتى لا يجرح شعورها أو يحطم نفسيتها، أو يعاقبها بذنب لا يد لها فيه.
ونعود إلى كرم الرحمن وفضله، فنسأل: وهل من العدل في نظر العقل أو العاطفة أن يلفظ الرجل زوجته الأولى والتي هي في أغلب الأحيان صاحبة الحيز الأكبر من عواطفه ومشاعره وشريكته في أطول فترات حياته لمجرد تحقيق أمله الفطري في أن يصبح أبًا ؟!
هل من الرحمة أن يدعها وحيدة تعاني حرمانًا من نعمة الإنجاب يختبرها الله تعالى به. ثم يزيد هو معاناتها بالوحدة والانفصال النهائي، فيقطعها عن البيت الذي عاشت فيه أحلى وأجمل سنوات عمرها، وينزعها من جوار زوجها الذي تحبه ويعزلها عن البيئة التي غدت جزءًا من كيانها النفسي والاجتماعي؟!
إن الزوجة المسلمة المؤمنة بقضاء الله وقدره، حلوه ومره؛ لتدرك أن زوجها الذي صبر معها سنين طويلة وشاركها السعي عند الأطباء، وقاسمها ألم الانتظار والشوق، تدرك أنه زوج كريم الأصل، يحفظها في قلبه ووجدانه، وتدرك كذلك أن فطرة الله تعالى لها ضغط ولها تأثير كبير وإن أخفاه حرصًا عليها، فلماذا حين يفتح الله تعالى لزوجها بابًا لتحقيق حلمه والتفضل عليه بفرحة الوليد، تقوم هذه الزوجة بطلب الطلاق؟!
إن من رحمة الله تعالى أنه لم يحرم هذه الخطوة، خطوة الزواج الثاني، لكنه أيضًا لم يشترط لها طلاق الزوجة الأولى حتى لا يُهْدَم بيت دعائمه الحب والإخلاص والتواد والتماسك ليقوم بيت ثانٍ على أنقاضه فلا يستفيد المجتمع بقدر ما يتألم بعض أفراده.
إن الكثير الذين يتصايحون اليوم حرصًا على ما يزعمون من مشاعر الزوجة الأولى.. وكرامتها هم أعدى أعدائها، فالله سبحانه وتعالى أرحم بها منهم.. وأرحم بها من نفسها التي بين جنبيها. وإن الواقع من حولنا ليشهد وجود زوجات مؤمنات أقدمن على اختيار زوجة ثانية لأزواجهنَّ حتى لا يعنتوا عليهم ويحملوهم فوق ما يطيقون، وليسعدن كذلك بتربية وليد صغير يعطي لحياتهنَّ امتدادًا جديدًا ، وقوة دافعة....
إن وزن الأمور كلها بمقياس الحلال والحرام يجعل المؤمن يعيش حياة هانئة تخلو من كل مشاعر الغيظ والحنق أو الثورة والهم. يقول تعالى للمؤمنين: (وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ)[البقرة:216]، (فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء:19].
وكأن الله سبحانه وتعالى يريد من المؤمن أن لا تكون مشاعره وأهواؤه هي دافعه الأول، أو مرجعه عند الخيار، فالله يصرف له ما في صالحه الوقتي والمستقبلي معا ،حتى لو بدا له في وقتها أن الأمر ليس كذلك، فقد تكره الزوجة الأولى فكرة الزواج الثاني، لكن قد تكون هذه الخطوة هي الخير العميم الذي يخبئه الله لها، وحين تتلو المؤمنة تلك الآيات ترمي بهواجس الشيطان بعيدًا، وهمسات من لا يعلمون خلف ظهرها، وتكتفي بالله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)[البقرة:216]؛ فإذا النفس تهدأ، والقلب يطمئن إلى قدر الله، وإذا باب عريض لأمل كبير يفتح على مصراعيه ويغمر هذا الأمل النفس المطمئنة الراضية فتقول: "قد يكون هذا الزواج هو الابن الذي لم يحمله رحمي أو يتغذى من دمائي. قد يكون هذا الصغير هو اليد التي تعينني إذا تعبت، وترفعني إذا تعثرت قدماي، ربما هو اليد الحانية التي ستمسح الأحزان، وتفرح القلب، وتعوض النقص، وتسد العوزاء. ربما هو الرحمة المهداة التي يسوقها الله إليَّ.. ولكن تعميمها على الآن حجب الشيطان!
ويعلو صوت يستنكر ذلك متظاهرًا بالرقة، والرحمة والحنان : أي ألم رهيب يسببه الزواج الثاني للزوجة الأولى ، أي ضغط عصبي وقسوة لا متناهية تتعرض لها، أي معاناة!!

ونتلفت جميعًا حولنا، هل تخلو الحياة من أي صورة من صور المعاناة؟! هل تمضي حياة أي إنسان كائنًا من كان دون صعوبة أو مشاق؟!
قد لا يتزوج الزوج، لكنه يكون من سوء الخلق وسوء العشرة حتى ليتنقل من عشيقة لأخرى تحت سمع الجميع ووسط همس الأقارب، ورغم نيران الاستنكار والكره التي تنهش زوجته.
وكم هنَّ كثيرات من يعشن هذه الحياة ويتحملنها لمختلف الأسباب، بل إن بعضهنَّ قد يكافئها زوجها (بالإيدز) في نهاية المطاف، فتقضي دون أن يهتم بها أحد؟!
قد تسير الحياة كما هي ويتزوج الرجل دون أن يخبر زوجته وينجب ويخفي عنها أنه أب، ويتركها تعطيه ما اعتادت من حنان وعطف وموالاة، بينما هو قد انفصل عنها بعالم مختلف جديد يمتلأ بصراخ الطفل أو الأطفال، بينما قد يكون إشراكها معه في البداية باختيار الزوجة الثانية، مانعًا للكثير من المشاكل التي تبرز في مستقبل الأيام.
قد يكون الزوج متزوجًا قبلها ولم يخبرها ولا هي عرفت ذلك، فماذا لو كانت هي الثانية وتظن نفسها الأولى؟!
أليس ما سبق صور بسيطة لمعاناة نفسية حقيقية يحياها الكثير من النساء، وتمضي حياتهنَّ دون أن يتباكى عليهنَّ أحد؟!
لعل بكاء وعويل هؤلاء المتباكين يتجه إلى الزوجة التي تحترق كل ليلة، وزوجها مع العشيقات، فهذه الزوجة أولى بالبكاء وأولى بالعويل!
سلوى عبد المعبود-اسلام ويب

Post: #353
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 00:41 AM
Parent: #301

الاستئذان يحمي الخصوصية
جاء الإسلام بالإحسان والخلق الحسن ونظم علاقة الفرد بأخيه وبالمجتمع، وأدّب أتباعه بآداب عظيمة حتى يعيش المجتمع آمنًا مطمئنًا راضيًا سعيدًا، الحقوق فيه محترمة، والواجبات مؤداة، والروابط محكمة قوية.
ومن آداب الإسلام العظام التي شرعها الله ورسوله وجاء ذكرها في القرآن وفي السنة: أدب الاستئذان الذي يظنه بعض الناس هينًا وليس هو كذلك، إن من حق الناس أن يطمئنوا في بيوتهم، وأن يأمنوا حرمتهم، وأن يستتروا عن أعين الناظرين، ولكل فرد منا خصوصياته بحدود الشرع في ملبسه ومأكله وفي جلوسه ونومه، وقد يتخفف من الأعباء في داخل بيته، ولا يحب أن يراه أحد وهو في هذه الحال، ومن هنا أدب الله جل شأنه عباده فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * َإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَداً فَلا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) [النور:27، 28].
ومعنى تستأنسوا: أي تستأذنوا، وسمي استئناسًا لأنه إذا استأذن وسلم أنس أهل البيت بذلك، ولو دخل عليهم بغير إذن لاستوحشوا وشق ذلك عليهم، وهاهنا للمستأذن عدد من الآداب:
**الأول:*** ألاَّ يقف أمام الباب، بل يكون عن يمينه أو شماله، وإن كان الباب مفتوحًا يكشف من في داخل البيت فعليه أن يرده ويغض بصره لئلا يقع نظره على أمر يكره أهل البيت أن يراه ، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الاستئذان من أجل البصر".
**الثاني:*** أن يستأذن ثلاثًا؛ فإن أذن له وإلاَّ فليرجع، إلاَّ إذا غلب على ظنه أن أهل البيت لم يسمعوا ،قال صلى الله عليه وسلم: "الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلاَّ فارجع". متفق عليه.
ويقول المستأذن: السلام عليك أأدخل؟ فقد استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيته فقال: ألج؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان فقل له: قل السلام عليكم أأدخل؟". فسمعه الرجل: فقال السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم فدخل. رواه أحمد وأبو داود.
**الثالث: ***إذا سئل هذا الطارق عن اسمه فليوضح وليبين، فعن جابر بن عبد الله قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فدققت الباب فقال: من ذا ؟ فقلت: أنا. فقال: أنا أنا؛ كأنه كرهها. متفق عليه..لأن قوله: "أنا" لا يحصل بها التعريف.
وإذا دق الباب فليكن برفق ولين من غير إزعاج ولا إيذاء ولا ازدياد في الإصرار، وعليه ألاَّ يفتح الباب بنفسه، وإذا أذن له في الدخول فلينتظر قليلاً ولا يستعجل في الدخول حتى يتمكن صاحب البيت من فسح الطريق وتمام التهيؤ، ولا يرم ببصره هنا وهناك، فما جعل الاستئذان إلاَّ من أجل البصر. اطلع رجل من جحر في حُجَر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري (أي مشط) يحك به رأسه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من البصر". متفق عليه.
- إن من حق صاحب البيت أن يقول بلا غضاضة للزائر والطارق: ارجع. فللناس أسرارهم وأعذارهم، وهم أدرى بظروفهم، فما كان الاستكنان في البيوت إلاَّ من أجل هذا.
قال بعض المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما نلتها؛ يعني قوله: (وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ) [النور:28]. لقد طلبت أن أستأذن على بعض إخواني ليقول لي ارجع ؛ فأرجع وأنا مغتبط لقوله: (هُوَ أَزْكَى لَكُمْ)، هكذا يكون الحرص على نيل تزكية الله والتدبر لآيات الله.
- إن الاستئذان حق على كل داخل من قريب أو بعيد، الرجل والمرأة في طلب الإذن سواء، والأعمى والبصير كذلك. سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أستأذن على أمي؟ فقال: نعم. فقال الرجل: إني معها في البيت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استأذن عليها، أتحب أن تراها عارية؟ فقال: لا. قال: "فاستأذن عليها". رواه مالك.
- وربما أدرك الأعمى بسمعه ما لا يدركه البصير ببصره، فعليه أن يستأذن، وهكذا يجعل الإسلام الحرمة للبيوت. قال صلى الله عليه وسلم: "من استمع إلى حديث قوم وهم له كارهون أو يفرون منه صب في أذنيه الآنك يوم القيامة". وهو الرصاص المذاب. رواه البخاري.
- و إذا دخلت على أهلك وبيتك فأشعرهم بدخولك ولا تتبع العورات ولا تلتقط الزلات، كان ابن مسعود رضي الله عنه إذا دخل تنحنح وصوَّت.
ويقول الإمام أحمد: "يستحب أن يحرك نعله في استئذانه عند دخوله حتى إلى بيته لئلا يدخل بغتة، وقال مرة: إذا دخل يتنحنح وليسلم على أهل البيت ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنس بن مالك: "يا بني! إذا دخلت على أهلك فسلم يكن بركة عليك وعلى أهل بيتك".
- ولقد وضحت آية من كتاب الله استئذان الأقارب والأولاد والخدم والعبيد. قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاءِ ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ) [النور:58]. ففي هذه الآية الكريمة أمر بأن يستأذن المماليك والأطفال الذين لم يبلغوا إلاَّ أنهم يدركون ما يشاهدون بأن يستأذنوا على أهلهم في أوقات ثلاثة غالبًا ما يكون الإنسان فيها عرضة للانكشاف، فهي أوقات راحة ونوم، فينبغي أن يعلموا ويؤمروا بالاستئذان في الأوقات التالية:
الأول: من قبل صلاة الفجر، لأنه وقت القيام من النوم، فربما تكون على المرء ثياب غير ساترة.
الثاني: وقت الظهيرة والقيلولة، فربما وضع المرء ثيابه مع أهله.
الثالث: من بعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت النوم ونزع الثياب الساترة.
أما في غير هذه الأوقات الثلاثة فمسموح لهم الدخول بغير إذن؛ لأن العورات في غيرها تكون مستورة، أما إذا بلغ الأطفال الحلم فيجب عليهم الاستئذان على كل حال وإن لم يكن في الأحوال الثلاثة؛ لقوله تعالى: (وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) [النور:59]، فيجب تربية الأولاد على الاستئذان والبدء بالسلام، ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون.
ــــــــــــــ
مجلة الأسرة عدد 131

Post: #354
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 00:45 AM
Parent: #301

توقير الكبير خلق الإسلام العظيم
لكبير السن مكانته المتميزة في المجتمع المسلم فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام، يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال: "ليس منا من لا يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا" رواه أبو داود والترمذي.
ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم، مع المسنين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنين وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة منها على سبيل المثال لا الحصر:
1 ـ البدء بالكبير بالأمور كلها: كأن يتقدم الكبير على الصغير في صلاة الجماعة، وفي التحدث إلى الناس، وفي الأخذ والعطاء عند التعامل.. لما روي مسلم عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم ليليني منكم أولو الأحلام والنهي (هم الرجال البالغون) ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم وإياكم وهيشات الأسواق " أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللفظ والفتن فيها.
2 ـ الترهيب من استخفاف الصغير بالكبير: روى الطبراني في الكبير عن أبي أمامة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ثلاث لا يستخف بهم إلا منافق: ذو الشيبة في الإسلام، وذو العلم وإمام مقسط." والاستخفاف كأن يهزأ به ويسخر منه ويوجه كلاماً سيئاً إليه، ويسيء الأدب في حضرته، وينهر ه في وجهه وكم من مناظر يندي لها الجبين نشاهدها في الطرق ووسائل السفر المختلفة ونجبر على سماعها من داخل البيوت على ما يقال فيها تدمي لها القلوب.
3 ـ الحياء من الكبير: لأن الحياء خلق يبحث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق الكبير ويدفع إلى إعطاء ذي الحق حقه.
روى ابن ماجة والترمذي عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه" وروى الشيخان عن أبي سعيد رضي الله عنه قال "لقد كنت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاماً فكنت أحفظ عنه فما يمنعني من القول إلا أن ها هنا رجالاً هم أسن مني".
4 ـ القيام للقادم: روى البخاري وأبو داود والترمذي عن عائشة رضي الله عنها قال: "ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلاً وهدياً برسول الله صلى الله عليه وسلم ـ في قيامها وقعودها ـ من فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وكانت إذا دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم قام إليها فقبلها وأجلسها في مجلسه، وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل عليها قامت من مجلسها وقبلته وأجلسته في مجلسها".
5 ـ تقبيل يد الكبير: أخرج أحمد والبخاري وأبو داود وابن الإعرابي عن زارع وكان في وفد "عبد القيس قال: لما قدمنا المدينة جعلنا نتبادر من رواحلنا، فنقبل يد النبي صلى الله عليه وسلم ورجله.
وروى البخاري عن الوازع بن عامر قال: قدمنا فقيل ذلك رسول الله فأخذنا بيده ورجليه نقبلها.
لأن هذا له أثر كبير في نفوس الكبار وإنزالهم المنزلة التي تليق بهم مع مراعاة:
1 ـ ألا يغالوا في ذلك لما للمغالاة من تغاضي عن المساويء، ومجافاة للحق، وانتكاس لحقيقة الاحترام.
2 ـ ألا يزيدوا عن الحد الذي أمر به الشرع الإسلامي كالانحناء أثناء القيام، أو الركوع أثناء التقبيل.
6 ـ إنزال الكبير منزلته اللائقة به: روى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن شهاب بن عباد أنه سمع بعض وفد عبدالقيس وهم يقولون: قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاشتد فرحهم، فلما انتهينا إلى القوم أوسعوا لنا فقعدنا، فرحب بنا النبي صلى الله عليه وسلم ودعانا، ثم نظر إلينا، فقال: من سيدكم وزعيمكم؟ فأشرنا جميعاً إلى المنذر بن عائذ.. فلما دنا منه المنذر أوسع القوم له حتى انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.. فقعد عن يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرحب به وألطفه وسأله عن بلادهم..".
وهذا غيض من فيض وبعد، فإن توقير الكبير ذو الشيبة المسلم سمة من سمات المجتمع المسلم.
**رعاية كبار السن من غير المسلمين:***
لم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة ، موقف عمر رضي الله عنه ـ مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير فيذكر أبو يوسف في كتابة (الخراج) "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ـ مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ـ شيخ كبير ضرير البصر فضرب عضده من خلفه فقال: من أي أهل الكتب أنت؟ قال يهودي. قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسأل الجزية، والحاجة، والسن. قال: فأخذ عمر ـ رضي الله عنه ـ بيده فذهب به إلى منزله فرضخ له ـ أي أعطاه ـ من المنزل بشيء ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه، والله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثم نخذله عند الهرم {إنما الصدقات للفقراء والمساكين..} سورة التوبة 60. .... وهذا من المساكين من أهل الكتاب، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه".
وبعد هل يمكن أن نؤثر الكبير في الجلوس في المكان المحدد له في وسيلة السفر والذي حددته الدولة أو المملكة أو الإمارة؟
هل يمكن أن نأخذ بأيديهم عند عبور الطريق؟ هل يمكن أن نقوم لهم عند حضورهم ونقبل أيديهم؟
هل يمكن إنهاء مصالحهم في أسرع وأيسر وقت مع البشاشة في وجوههم؟
هل يمكن أن نقوم على خدمتهم ونراعي فيهم تعاليم الإسلام ولاسيما إذا كانوا آباء أو أمهات؟ لأن دور المسنين تجأر إلى الله من عقوق الأبناء فما بال الذين لا يملكون دفع ثمن الإقامة فينامون في العراء ومن أنفقوا عليهم وقاموا على تربيتهم حتى وصلوا إلى المكانة المرموقة يتنعمون في المأكل والملبس والمشرب والفرش وظلم المعصية.
هل يمكن أن نصغي لحديثهم ففيه عبر السنين؟
نسأل الله أن يرزقنا حب القيام على خدمة ورعاية الكبار.
الخضري عبدالمنعم-اسلام ويب

Post: #355
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 00:47 AM
Parent: #301

كيف نحافظ على صحة أبنائنا النفسية ؟
كنت دائمًا أصفعه على وجهه، أضربه، كنت أشعر بالغضب كثيرًا، ولم أكن أستطيع أن أتحكم في أعصابي، وكان زواجي يوشك أن ينتهي أيضًا، وكانت لدي مشكلات كثيرة.
هذه كلمات امرأة بريطانية اسمها "بات ستيفنز" تتحدث عمَّا كانت تفعله مع طفلها "بن" ابن الرابعة لعدم استقرارها في زواجها الذي كاد أن ينتهي بالطلاق.
وإدراكًا من هذه المرأة لأهمية استقرار الحياة الزوجية ودورها في حماية الأطفال من الآثار السلبية المختلفة عليهم فقد قامت بإنشاء رابطة تدعى (أسر مجهولة)، واستطاعت أن تساعد كثيرًا من الأمهات وتوجيه النصح لهنَّ.
ولقد قام "جون بولين" ببحث أثبت فيه أن اضطراب كثير من الجانحين يرجع في أساسه إلى العلاقات الأسرية المضطربة التي نشأوا فيها.
كذلك قام العالِم الدانمراكي "كمب" ببحث في كوبنهاجن على 350 فتاة ممن احترفن الدعارة فاتضح أن ثلثهنَّ نشأن في أجواء يسودها الاضطراب.
وفي دراسة شملت 110 أسرة أمريكية تضم أطفالاً تتفاوت أعمارهم ما بين ثلاثة وخمسة أعوام أجراها معهد العلوم النفسية في أتلانتا تبين أن هناك دلائل قطعية على وجود علاقة بين شخصية الطفل المشاغب، كثير الحركة، العنيد والمتمرد والعدواني، وبين الأم كثيرة الغضب، التي تصرخ دائمًا وتهدد بأعلى صوتها حين تغضب.
هكذا تلتقي الدراسات التربوية والأسرية على أهمية استقرار الأسر في صحة الأبناء النفسية، وعلى دور الخلافات الشديدة والشجارات الدائمة بين الزوجين في فقدان الأبناء لهذه الصحة النفسية أو قدر منها.
فكيف ينجح الزوجان في حفظ الأبناء بعيدًا عن خلافاتهما، والعمل على تحقيق الوفاق بينهما؟ هذه مقترحات نقدمها للآباء والأمهات:
أولاً: احرصوا على محاورة أبنائكم في هدوء، دون هياج أو غضب. اشرحوا لهم أخطاءهم وآثارها السلبية، وحاولوا أن تضربوا لهم الأمثلة المقنعة.
ثانيًا: لا تختلفوا أمام أبنائكم، وتعاهدوا على ذلك،
وهذا يحقق فائدتين: أولاهما : تقليل الأوقات التي يختلف فيها الأزواج والزوجات. وثانيهما حماية الأبناء من الآثار الضارة لهذه الخلافات.
ثالثًا: لا ينتقد أحد الزوجين الآخر على أسلوبه في تربية ابنه أو ابنته في حضورهما. وليؤجل هذا النقد - إذا كان لابد منه - إلى وقت يكون فيه الأبناء بعيدين عن الأبوين.
رابعًا: اجتنبوا ضرب الأبناء ما استطعتم، فكثيرًا ما تكون النظرة الحازمة، أو الكلمة الحاسمة، أشد على الأبناء وأجدى من الضرب، وبخاصة ذلك الضرب الذي يدفع إليه غضب الأب أو الأم فيكون تشفيًّا أكثر منه تأديبًا, وعلينا أن نتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي لم يضرب أحدًا. تقول أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها: "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا، إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه ؛ إلاَّ أن يُنتهك شيء من محارم الله تعالى فينتقم لله تعالى"[صحيح مسلم].
خامسًا: ليضاعف الزوج حلمه على زوجته في أيام حيضها إذ تكون خلالها سريعة الاهتياج، قليلة الاحتمال، متقلبة المزاج، شديدة الإحساس بالكآبة والضيق. إنها في زمن دورتها شبه مريضة وتحتاج من زوجها إلى صبر وسعة صدر. وننصح كل زوج أن يحفظ تاريخ دورة زوجته الشهرية ويعد نفسه مع اقتراب موعدها لضبط أعصابه تجاه ما يصدر من زوجته.
سادسًا: ليحرص كل من الزوجين على ألا يستقصي كل شيء، ولا يتابع كل صغيرة وكبيرة.
ليتغافل الزوج عن كثير مما يبدر من زوجته من هنات، وما تنطق به من كلمات، وما يصدر عنها من تصرفات.
لتتغافل الزوجة عن بعض إهمال زوجها وبعض تقصيره نحوها وبعض انشغاله عنها. قال سفيان الثوري: ما زال التغافل من فعل الكرام.
سابعًا: من أسباب الجفاء الذي يباعد بين الزوجين: إهمالهما الثناء، ثناء كل منهما على صاحبه؛ لهذا نقول للزوج: اثن على زوجتك، امدح عملها، حديثها، طبخها، تربيتها أبناءها وبناتها، رعايتها لك، صبرها واحتمالها. إن كلمات الزوج الطيبة تترك في نفس الزوجة آثارًا طيبة لا تنساها على مدى الأيام. وأنتِ كذلك أيتها الزوجة لا تبخلي بكلماتك الطيبة فهو يحتاج إليها أيضًا.
ثامنًا: يهمل كثير من الزوجات والأزواج الدعاء وهو سلاح المؤمن يتغلب به على كثير مما يشكو منه ويحذره.
فالزوجة التي تشكو من زوجها شيئًا تغفل عن الدعاء بأن يصلحه الله لها، وكذلك يهمل الزوج أن يدعوه سبحانه أن يصلح زوجته له ويصلح ما بينهما.
تاسعًا: ليتجنب كل من الزوجين السخرية ؛ فهي خلق غير إسلامي. يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ)[الحجرات:11].
ولقد أكدت دراسة استفتائية أجريت في ألمانيا أن أبرز أسباب الخلافات الزوجية سخرية أحد الزوجين من الآخر وتهكمه به.
عاشرًا: تبادلا الهدايا؛ فالهدية تحمل قدرًا كبيرًا من الود مهما كان ثمنها قليلاً، قال صلى الله عليه وسلم: "تهادوا تحابوا"[صحيح الجامع الصغير].
اللهم وفق بين الأزواج والزوجات، واملأ بيوتهم سلامًا وأمنًا وودًا ومحبة.
مجلة الأسرة

Post: #356
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:28 AM
Parent: #301

عند دخول أي جسم غريب إلى جسم الإنسان - سواء أكان خلايا بكتيرية أم مكونات أو إفرازات ميكروبية أو حتى شريحة من الخشب - فإن قوات الدفاع الداخلية المتمثلة في خلايا الدم البيضاء الملتهمة يتم توجيهها إلى مكان الجسم الغريب، حيث تتجمع وتحاول أن تلتهم هذا الميكروب أو الجسم الغريب وتخلص الإنسان منه.
فإذا كان هذا الجسم الغريب بروتيني التكوين؛ فإنه يعمل كمولد ومحفز للجهاز المناعي لإنتاج أجسام مضادة عن طريق تنشيط الخلايا الليمفاوية المناعية في الجسم لإنتاج هذه الأجسام المضادة بتحوير خاص لأجزاء من بروتين بلازما الدم لمهاجمة الجسم البروتيني الغريب ، وتخليص جسم الإنسان منه، وذلك بمعادلته وإلغاء فعاليته بالاتحاد به وبأذرعه الجانبية الفعالة، أو بالامتصاص على سطحه وتجميعه، ليكون فريسة سهلة لخلايا الدم البيضاء الملتهمة.
وإذا دخل البروتين الغريب نفسه - أو الميكروب - في الجسم مرة أخرى فإن الذاكرة المناعية تتعرف على هذا البروتين أو الميكروب الغريب، وتعمل الأجسام المضادة الخاصة به على الاتحاد معه وإزالته.
**المناعة والغذاء:***
المناعة أمر مهم جدًا ليس للوقاية من المرض فحسب، بل أيضًا لنجاح العلاج والشفاء من المرض بوقت أسرع، وباختيار الغذاء الصحيح المناسب يكون بالإمكان تقوية أجهزة الدفاع الطبيعية في الجسم وتسهيل انسيابية العلاج وتأمين نتائج إيجابية له.
ففي المعهد الوطني للسرطان بأمريكا وجد أن 35% من أمراض السرطان ترتبط بالتغذية، وفي النساء ترتفع هذه النسبة إلى 50% (سرطان الثدي له علاقة كبيرة بتناول الدهون والغذاء فقير الألياف)، وعندما نضيف أنماطًا حياتية أخرى مثل التدخين وعدم ممارسة الرياضة تصبح الخطورة أكثر، وربما ترتفع 85% .
ويقدم خبراء التغذية عدة نصائح من أجل التمتع بجهاز مناعي قوي، وبالتالي صحة جيدة وعافية مديدة:
1) **تناول كمية وافرة من الفاكهة والخضراوات يوميًّا: ***
بينت عدة دراسات انخفاض احتمال الإصابة بسرطان الرئة، والبروستاتا، والمثانة، والمرئ، والمعدة؛ بتناول غذاء يحتوي على كمية كبيرة من الفاكهة والخضراوات مثل: سلطة الطماطم، والبطاطا، والخضراوات الورقية الداكنة الخضرة والصفراء، فهي أغنى المصادر بالعوامل النباتية الواقية من المرض والتي تسمى الأغذية المقاومة، لذا اختر أكبر كمية من غذائك من مصادر نباتية تتضمن الحبوب والخضروات في كل وجبة، وبالأخص الحبوب الكاملة، واختر البازليا والبقوليات كبديل للحوم.
2) **احذر الأغذية الغنية بالدهون:***
الغذاء الغني بالشحوم - خصوصًا اللحوم - يرتبط بزيادة احتمال الإصابة بالسرطان؛ خصوصًا سرطان القولون والمستقيم والبروستاتا والرحم، لذا اختر أغذية قليلة الدهون مع الإكثار من الفاكهة والخضروات والحبوب والبقوليات، واختر مشتقات الألبان الخالية من الدسم أو قليلة الدهن.
وعندما تختار اللحوم اختر شرائح بدون دهن أو مسلوقة أو مشوية أو أسماك أو دواجن بدلاً من اللحوم المقلية.
3) **تناول الثوم:***
فهو منشط فاعل لجهاز المناعة، وعلى كل ربة منزل أن تضيفه إلى طعامها سواء في السلطات أو أثناء طهيها للطعام، كما أنه متوافر أيضًا في صورة حبوب أو كبسولات بنسب متباينة ومختلفة وبعضها نزعت منه الرائحة دون أن تتأثر خواصه الطبيعية، فضلاً عن أن الثوم يفرز أبخرة تساعد على تسهيل التنفس ومواد تقاوم الفيروسات والفطريات.
4) **تناول المواد المغذية لجهاز المناعة وأهمها:***
· فيتامين " C " الذي يؤدي إلى أكثر من اثني عشر دورًا أساسيًّا في تعزيز جهاز المناعة، منها القدرة على زيادة إنتاج مضادات الأجسام وتسريع معدل نضوج خلايا المناعة. يوجد فيتامين " C " بتركيز كبير في الموز والفاكهة الحمضية والكيوي والخضروات الخضراء.
· بيتا - كاروتين: الذي يتحول إلى فيتامين "A" في الجسم، فإنه يساعد في حماية جهاز المناعة من الأثر المخرب للشوارد الحرة ويساعد في تعزيز جهاز المناعة.
ومن الأطعمة الغنية بالبيتا-كاروتين الفواكه والخضار الصفراء والخضراء.
· الزنك: فهو أساسي لإنتاج خلايا المناعة، وقد أثبتت الدراسات أن مستويات الزنك المنخفضة في الجسم تؤدي إلى إضعاف جهاز المناعة.
هذا بالإضافة إلى حامض الفوليك (يوجد في الخضروات ذات الأوراق الخضراء)، وفيتامين "E" (يوجد في الخضروات ذات الألياف الخضراء - صفار البيض - الكبد - الحنطة)، والسلينيوم (يوجد في الثوم - البقوليات - السمك - الأسبرجس)
5) **كن نشيطًا وحافظ على وزن معتدل:***
الرياضة البدنية إحدى وسائل الوقاية بين بعض الأمراض السرطانية.. على الأقل نصف ساعة من نشاط معتدل معظم أيام الأسبوع، أمر ينصح به للحفاظ على الصحة.. فالرياضة تنشط صحة الأمعاء وتقلل من احتمالات الإصابة بسرطان البروستاتا للرجال والثدي للنساء.. كما يجب تجنب القلق والإرهاق في العمل ،والحصول على قسط وافر من النوم .
د . خالد النجار-اسلام ويب

Post: #357
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:30 AM
Parent: #301

**الجدة الحكيمة نعمة في البيت، وخبراتها الحياتية كنز للأزواج***
تعتبر نعمة الوالدين نعمة كبيرة ، فإن وجود الأبوين أو أحدهما يكون سببا في دخول الجنة لمن كان باراً بهما ، وخاصة الأم التي وصانا بها رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) ثلاث مرات في حديثه الشريف.
وبعد أن تصبح جدة تزيد منزلتها ويصير رضاها عن الابن والأحفاد والزوجة فرحة كبيرة يتمناها أحفادها، ويتمنوا أن تبقى معهم دائمًا، حيث يكون وجودها بينهم رحمة، وتتنزل البركة على البيت الذي به الجدة أو الجد.
تقول هدى حسين :
جدتي كانت تعيش وحيدة في منزل عند أخوالي، وكنت أحزن لأنها تعيش بمفردها، وكم تمنيت أن أعيش معها كي أرعاها، وأستفيد من خبراتها في الحياة، فقد كانت تحبني كثيرًا، كانت تعطيني نقودًا وأنا صغيرة كلما فعلت شيئًا ترضى عنه، أو حتى يضحكها، وقد حزنت كثيرًا يوم فراقها؛ لأني كنت متعلقة بها، وأحبها كثيرًا.
وتقول دينا محمود
تعيش جدتي وجدي في منزل قريب منا، ونتجمع نحن الأحفاد والأسرة عندها يوم الجمعة، فهو يوم جميل وسعيد بالنسبة لنا جميعًا، حيث يرى كل الأبناء والأحفاد بعضهم، ويجلسون سويًا، ويعرفون أخبار بعضهم، وتصنع لنا جدتنا ما نحبه من الطعام، وتصر على ذلك رغم وجود زوجات أبنائها وبناتها، وتجلس معنا نحن الحفيدات، وتعطينا ثمار خبراتها وتجاربها.
وقد نصحتني كثيرًا عند زواجي، واستفدت من نصائحها، فجدتي حكيمة، وواعية في فض أي اشتباك بين أبنائها أو زوجاتهم.
ويقول أيمن حسن
جدتي كانت فيضًا من الحنان، وكم دافعت عنى وأنا صغير، حينما كانت أمي تضربني، فهي راجحة العقل، وتتميز بالفهم والذكاء والصبر، وكانت سيدة المنزل وتديره بوعي وحكمة، وكان والدي يحترمها كثيرًا، ويحبها، ويشعر بأن وجودها معنا نعمة كبيرة.

**أسترجع ذكرياتي***
تقول هدى عبد الله وهي جدة :
لا أستطيع أن أبعد عن أحفادي، فهم حياتي كلها، فرغم ما يفعلونه معي من مواقف كثيرة، فإنني أضحك من داخلي على أفعالهم؛ لأنهم أطفال، ويريدون أن يلهوا ويلعبوا، هم يعتبرونني صديقة لهم، فهذه المواقف والاحتكاكات نتيجة اختلاف الأجيال.
لقد عاد شبابي مع أحفادي، وشعرت بأن لي دورًا وقيمة بعد زواج أبنائي.
**جدتي قدوتي***
سامية عبد العظيم - صحفية
جدتي كان لها فضل كبير عليّ بعد الله تعالى، فقد ضمتني إليها منذ السنوات الأولى من عمري، وعشت معها سنوات طويلة كانت لي فيها المربية والموجهة والحانية والراعية.

منها تعلمت المواظبة على صلاة الفجر، والتزام الدعاء، والكرم، فبرغم أنها بسيطة وغير متعلمة فقد كانت تتعامل بفطرة سليمة تلتقي مع مبادئ الإسلام وتوجيهاته الحكيمة.

ولم تكن يومًا عالة على أحد، فقد كانت تساعد في أعمال البيت - برغم كبر سنها - وتغضب إذا منعها أحد من ذلك؛ لأن لديها طاقة لا تريد تعطيلها.

وحتى عندما وصلت إلى مرحلة الجامعة ظلت ترعاني حتى أنها كانت تقدم لي وصاياها كل صباح، وكأني طفلة ذاهبة إلى الحضانة.
وعندما توفاها الله فقدنا نبعًا للخير والبركة، وعقدًا لصلة الرحم انفرط.
**الجدة في الريف***
تقول الدكتورة إكرام العدوى - الأستاذة بمركز الدراسات النفسية والاجتماعية بمعهد دراسات الطفولة - إن وجود الجدة في المنزل مع الوالدين ظاهرة مازالت موجودة في المجتمعات الريفية أكثر منها في المجتمعات الحضرية، فما زال الترابط الأسرى هناك موجودًا وبشكل كبير.

حيث مازالت الجدة الحماة أم الزوج هي المهيمنة على المنزل وعلى أولادها وأحفادها عكس ما هو موجود في المجتمعات الحضرية التي تكون فيها الجدة موجودة مع أبنائها وأحفادها بشكل غير مستمر.
**الجدة ..و الحنان***
وتشير الدكتورة إكرام إلى أن وجود الجدة في المنزل مع أحفادها له إيجابياته وسلبياته، فمن الإيجابيات أنها امرأة ذات خبرة في الحياة تقدم المشورة والنصيحة إذا كانت أمًا واعية، وأحيانًا كثيرة يمكن أن تقدم الجدة حلولاً لكثير من المشكلات التي تواجه الأزواج في حياتهم نظرًا لخبرتها في الحياة، ويمكن أن تكون قد مرت بهذه المشكلة في حياتها من قبل، وبالتالي فوجودها يمكن أن يكون ذا قيمة إذا تخلصت من السيطرة والغيرة التي تكون رغبة في عدم فقد المكانة والسلطة التي كانت لها قبل زواج الأبناء.

وتوضح الدكتورة إكرام أن الجدة تلعب دورًا كبيرًا مع الأحفاد، فالمربى دائمًا يأمر وينهى، ويعاقب، لكن الجدة يحبها الطفل؛ لأنها تعطى، وتوجه، وتنصح بحب أكثر مما تعاقب، وتلبى رغباته، فالجدة هنا تستعيد مشاعر الأمومة مع الأحفاد، وكثيرًا ما يفرح الأبناء بوجودها معهم؛ لأنها تعطيهم الحنان الذي قد يكون مفتقدًا من الوالدين، فهي تغدق عليهم بحنانها، ولهذا يكون للحفيد استعداد لأن يتقبل منها أي شيء، ويقبل منها النصيحة ويسمع كلامها.
وألاحظ أن بعض الآباء والأمهات عندما يريدون توصيل شيء معين للطفل، فإنهم يلجأون للجدة، وهى بدورها توصله للطفل دون نهى أو أمر، ولكن بالحب والحنان.

**تدليل زائد***
وتشير الدكتورة إكرام إلى بعض سلبيات وجود الجدة مثل التدليل الزائد الذي يؤدى في بعض الأحيان إلى إفساد الطفل.

ولذلك على الجدة أن تكون ذات وعى تربوي كي تشارك في تربية الأحفاد، وتسهم بخبرتها التربوية معهم.

وعن أهمية الحكاية (الحدوتة) التي ترويها الجدة للأحفاد تقول الدكتورة إكرام: إنها تعد معلمة للطفل، ولها مذاقها الخاص الحميم رغم حواديت التليفزيون وغيره.

فالجدة تقدم لأحفادها القيم والسلوكيات بالحكاية وغيرها بشكل تلقائي، فعندما يرى الحفيد الجدة تصلى، فهو يصلى مثلها، وتختزن في ذاكرته صورتها وهى تسبح وتدعو فيفعل مثلما تفعل.
د. إكرام العدوى-اسلام ويب

Post: #358
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:33 AM
Parent: #301

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه , أما بعد:
فالخوف من المستقبل ومحاولة تأمينه قاسم مشترك بين المسلم والكافر والبروالفاجر والمرأة والرجل والكبير والصغير.
ولما كان كل إناء بما فيه ينضح فقد افترق المسلم عن غيره، فللمسلم شأن وللناس شأن. وقد كان للغربة والجهالة التى نعيشها أثرها الكبير فى انحراف التصورات والتصرفات تبعاً لذلك حتى صار البعض كالمستجير من الرمضاء بالنار أو كالعير بالبيداء يقتلها الظمأ والماء فوق ظهورها محمول، نداوى الداء بداء آخر ونطلب الأمن من مكمن الخطر وننشد نتائج لم نأخذ بمقدماتها وإليك بعض هذه النماذج والصور.

**التأمين على الحياة وتعاملات ربوية تأميناً للمستقبل !!!***

انتشرت شركات التأمين هنا وهناك لما آنست من الخلق الخوف على المستقبل وقد ذهب أكثرية علماء مجلس المجمع الفقهى المنعقد بمكة المكرمة إلى أن التأمين حرام بجميع أنواعه سواء كان على النفس أو البضائع التجارية أو العقارات أو على جزء من الإنسان كالحنجرة أو الساقين أو العينين وسواء كان ضد الحريق أو الحوادث .... وذلك لما ينطوي عليه من رباً وقمار وغرر،وهذا هو الذي ورد في فتاوى دار الإفتاء المصرية وأجاز التأمين التعاونى لأنه من عقود التبرع ولخلوه من الربا ولكونه من صور التعاون التي لا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة فيها.
ورغم حرمة التأمين التجارى فقد عمت به البلوى وأصبح من لوازم الحياة عند الكثيرين !!!! وقريب من ذلك ما يفعله الآباء عندما يضعون الأموال فى البنوك الربوية على جهة التربح لضمان مستقبل الصغار ولا ندرى كيف يبارك فى الحرام , والربا من شأنه أن يستمطر اللعنات والنقم على البلاد والعباد , قال تعالى (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:276)
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِين. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِه..ِ).
وفى الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم " لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ".

**حصون المستقبل دمرها الكفر والانحراف***

كان قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وأصحاب مدين والفراعنة و غيرهم من أصحاب الحضارات الزائفة التى أقيمت على أساس العبودية لغير الله , وآثارهم تدل على حرصهم على تأمين المستقبل وكانوا ينحتون الجبال بيوتاً فارهين ويبنون المصانع لعلهم يخلدون أقاموا الأهرامات والمسلات والقصور , فما الذى آل إليه أمرهم ؟ يقول الله تعالى :(وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص:58)
وما سبب الدمار الذى نزل بساحتهم ؟ إنه الكفر والضلال ، يقول تعالى:(وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَاباً شَدِيداً وَعَذَّبْنَاهَا عَذَاباً نُكْراً) (الطلاق:8)
, وإذا كنا نجد على مستوى الأفراد من يرتشي ويسرق ويغش لتأمين مستقبله ومستقبل عياله , فعلى مستوى الدولة نجد استيراد النظم والدساتير والمناهج المخالفة بزعم مواكبة تطور الحياة والأخذ بأسباب التقدم والتحضر !! وإيجاد المستقبل الآمن للأجيال القادمة , وما هى إلا مزاعم؛ فالمعصية سبب كل شر ودماروما نزل بلاء إلا بذنب , وكيف نأمن على أنفسنا وقد ضيعنا ديننا وهل نستطيع أن نحصن أنفسنا أمام زلزال مدمر ؟؟ وما الذي فعلته أمريكا أمام إعصار اندرو وفيضان الميسيسبي ؟؟.

**إضاعة النساء بزعم تأمين المستقبل لهن***

نزعم الشفقة والحب لبناتنا والقيام على مصلحتهن وقد يتقدم الرجل للزواج فيتم السؤال عن عمله وراتبه ومسكنه...إلخ، وقد نقبله زوجاً ونحن لا ندري شيئاً عن عقيدته، وهل يصلي أم لا، وقد يكون مخموراً مقامراً وتثور بعد ذلك المشاكل والخلافات وإذا قيل للولي: لماذا لم تسال عن ديانة زوج ابنتك يقول: خجلت !!وهو لم يخجل عندما سأل عن الماديات !! ومن المعلوم أن من زوج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها ، وكانت أم المؤمنين عائشة رضى الله عنها تقول: النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يسترق كريمته. فالكفاءة ينظر فيها أول ما ينظر إلى الديانة والصلاح والحرص على طاعة الله وتعظيم حرمات الله ، وكيف نأتمن تارك الصلاة على زوجة وأولاد ؟.
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يبعث لولاته ويقول لهم : ألا إن أهم أموركم عندى الصلاة , ألا لا حظ فى الإسلام لمن ضيع الصلاة , ويقول : من ضيعها فهو لما سواها أضيع , وسئل الحسن: ممن أزوج ابنتي ؟ فقال : زوجها التقي النقي فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يهنها . ومن صور الإضاعة السماح للبنات بالخروج متبرجات يختلطن بالشباب فى المدارس والجامعات وأماكن العمل ، وقد تستحث الأم ابنتها على إقامة علاقات مع الرجال طلباً للزواج !!! وقد تصل العلاقات المحرمة والتى يسميها البعض صداقة وزمالة إلى حد المعاشرة الزوجية أثناء الخطوبة وقبلها , ويتم ذلك بمباركة أهل المرأة أحياناً , بزعم جريان العرف بذلك !!!! أو حتى تنشأ المعرفة والحب قبل الزواج ...
لقد أمر الشرع بالمباعدة بين الرجال والنساء حتى فى أماكن العبادة فالمرأة تطوف بالكعبة من خلف صفوف الرجال وخير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها , وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها , وما ترك النبى صلى الله عليه وسلم فتنة أضر على الرجال من النساء , والمرأة مأمورة بالصيانة والتحفظ والتحجب والتستر والتباعد عن مواطن التهم والريب والشكوك , قال تعالى: ( وقرن فى بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) قيل : كانت المرأة تسير متكشفة وسط الرجال ,أو أنها كانت تظهر خصلة من خصلات شعرها , وقال تعالى: ( وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) الآية وقال جل وعلا frown emoticon وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن ) ومن هنا تدرك خطورة دعوات تحرير المرأة ومحاولات جر المرأة المسلمة للتشبه بالمرأة الغربية , وما تنطوى عليه هذه المحاولات من إشاعة الفسق والفجور والتحلل فى جسد هذه الأمة بزعم المحافظة على حقوق المرأة !! والسعى فى إيجاد مستقبل مشرق وغدٍ آمن لها !!!.
إن فشل الكثير من حالات الزواج سببه هذه المقدمات الفاسدة ؛ فلكل مقدمة نتيجة ومعظم النار من مستصغر الشرر , والخطبة مجرد وعد بالزواج والعلاقة فيها علاقة أجنبي بأجنبية , وطالما رآها وأعجبته , ورأته وأعجبها , عادت الحرمة كما كانت. والمرأة تطلب من وليها ولا يصح أن يتاجر بها وأن تصبح سلعة معروضة، ولا يجوز أن يستخف بعقلها بحيث تصبح فتنة لنفسها وفتنة لغيرها والله يعلم وأنتم لا تعلمون .

**الأمان الحقيقي في العمل بطاعة الله***

كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه يقول لسعد بن وهيب ـ خال النبي صلى الله عليه وسلم ـ: يا سعد: ليس بينكم وبين الله نسب أنتم عباده وهو ربكم تنالون ما عنده بطاعته . فما عند الله من خير وبركة وسعة رزق وأمن وأمان لا نناله إلا باستقامتنا على شرع الله ، وكان عمر بن عبد العزيز يقول : إن الأمان غداً لمن باع قليلاً بكثير ونافداً بباق، ألا ترون أنكم في أسلاب الهالكين وسيخلفها من بعدكم الباقون وكذلك حتى تردوا إلى خير الوارثين.
إن الخوف على مستقبل ذريتك يدفعك دفعاً لتقوى الله قال تعالى ( وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً ) , فتوكل على الله حق توكله؛ فلا سبيل لتحقيق الأمن والأمان هنا وهناك إلا بالعمل بطاعة الله: ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) فهيا بنا نعمر الدنيا بطاعة الله ونقيم حضارة على منهاج النبوة ونؤمن المستقبل باستقامة لا عوج فيها.
د/سعيد عبد العظيم-اسلام ويب

Post: #359
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:36 AM
Parent: #301

على الرغم من أن الولادة عملية فسيولوجية طبيعية تحدث في كل الكائنات في كل لحظة، ألا أنها تغيير هائل في التوازن البيولوجي والنفسي والاجتماعي، وأحيانًا يكون هذا التغيير أشبه بالزلزال في حياة المرأة إذا لم يسبقه ويواكبه ويتبعه رعاية صحية، ونفسية، واجتماعية كافية، وتختلف درجات تأثير الولادة على توازن المرأة من حالة لأخرى، فعلى حين نرى بعض النساء يجتزن هذا الأمر بشكل هادئ وبسيط بما يعطى الانطباع أن الولادة هي فعلاً حدث فسيولوجي طبيعي، نجد في حالات أخرى مظاهر أزمة حقيقية تسبق، أو تصاحب أو تتبع الولادة.
وهناك أهمية قصوى لمعرفة حدود ونوعية اضطرابات ما بعد الولادة بواسطة الأطباء، وحتى الناس العاديين، حيث إن بعض هذه الاضطرابات لا تحتاج سوى طمأنة المريضة في حين تحتاج اضطرابات أخرى إلى دخول المريضة المستشفى .
مظاهر تلك الاضطرابات يستعرضها د. محمد مهدى - استشاري الطب النفسي:
**كآبة ما بعد الولادة: ***
وهى تعتبر حالة مرضية، حيث إنها تحدث في حوالي 50% من النساء بعد الولادة ، وتبدأ بعد الولادة بأيام قلائل، وتستمر لعدة أيام، وتتميز بحالة من الكآبة واعتلال المزاج، وسرعة البكاء، والشعور بالتعب، والقلق، وسرعة الاستثارة والرغبة في الاعتماد على الآخرين، ومع مرور الوقت تقل حدة الأعراض، وتعود الأم إلى حالتها الطبيعية، وتعزى هذه الحالة إلى التغيرات الهرمونية السريعة، وضغوط الولادة، ووعى المرأة بزيادة المسئوليات التي تتطلبها أمومتها الجديدة، ولا تتطلب هذه الحالة سوى طمأنة الأم، ودعمها نفسيا، واجتماعيا حتى تجتاز هذه المشاعر.
**ذهان ما بعد الولادة:***
كانت طالبة في كلية الحقوق، وعرفت مهندسا، وأصرت على الزواج منه رغم معارضة أهلها لهذا الزواج نظرا لوجود بعض الفوارق الاجتماعية، ونظرا لسمعة هذا الشخص غير الطيبة، فقد أصيبت هذه الفتاة بنوبة من الاكتئاب خلال فترة الخطوبة أرجعها أهلها إلى المشاكل التي صاحبت تلك الخطوبة المتنازع عليها، واستمرت هذه الحالة حوالي شهرين، وانتهت مع استخدام مع بعض العلاجيات الشعبية.
وحين تزوجت تلك الفتاة وجدت معاملة سيئة جدا من زوجها الذي فضلته على أهلها، فكان يتركها طول الوقت، تجلس وحدها تبكى سوء حظها، وحين يحضر لا يفعل أي شيء سوى إهمالها أو إهانتها، وفى ذات الوقت لم يكن أحد من أهلها يزورها نظرا لاضطراب العلاقة بينهم وبين زوجها، وحين حدث الحمل كانت تعانى من قيء مستمر، وعدم القدرة على القيام بواجباتها المنزلية، وفقدت شهيتها، وأصابها أرق مستمر، وتدهورت صحتها تدهورا شديدا، وحين طلبت من زوجها أن يسمح لأمها أن تأتى لتقيم معها بعض الوقت حتى تتحسن حالتها رفض ذلك بشدة، فتحملت تلك الأوضاع كارهة، حتى أتمت الحمل، ووضعت الطفل.

ولاحظت حماتها أنها بعد الولادة بحوالي أسبوعين أصبحت في حالة غريبة فهي كثيرة الشرود والسرحان، تجلس لفترات طويلة دون حركة، ثم تصبح بعد ذلك شديدة القلق وعصبية دون مبرر واضح، وانقطعت عن تناول الطعام، وصارت لا تنام ليلا، أو نهارا، وأحيانا تبكى، وأحيانا تصرخ، لم يكن بجوارها في تلك الظروف غير حماتها، حيث إن زوجها كان مصرا على منع أهلها من زيارتها، وقد حاول زوجها مساعدتها بإحضار بعض المعالجين الشعبيين ولكن حالتها كانت تزداد سوءا حتى لقد لاحظوا أنها تنظر إلى طفلها بغضب وتلقيه عن يدها بعنف، وعندئذ أخذت حماتها الطفل منها لتحميه من هذه الأم المضطربة، وفى يوم من الأيام كانت حماتها تريد أن تذهب إلى السوق لتشترى بعض حاجات البيت، فتركت الطفل في حجرة مجاورة للأم، وحين عادت من السوق وجدت الأم قد أخذت الطفل إلى المطبخ وذبحته بالسكين.
أعتذر للقارئ إن كان هذا الحدث قد روعه، فهذه حالة حقيقية عايشتها بنفسي واستقبلتها في المستشفى، وهى بين الحياة والموت، فقد قبضوا عليها بعد الحادث، وأودعوها السجن عدة أيام للتحقيق معها، وفى هذه الأيام كان الجميع يشمئز منها لبشاعة فعلتها، فما من أحد يحتمل أن يرى أحدا قتل طفلا بريئا لذلك كانت تشعر بالنبذ والاشمئزاز من زميلاتها في السجن، ومن كثير من المشرفات على العنبر.
كذلك انقطعت عن الطعام والشراب (أو ربما قطعوه عنها ظنًا منهم أنها مجرمة فعلت ذلك بقصد)، وظلت على ذلك حتى أصبحت في حالة سيئة فنقلوها إلى المستشفى، واستدعت الكثير من العلاجات العضوية والنفسية حتى تحسنت حالتها.

هذه الحالة نموذج لذهان ما بعد الولادة، ذلك الاضطراب الذي يستوجب الانتباه له من أطباء النساء والتوليد، وأطباء الأسرة، والأطباء النفسيين، بل والمحيطين بالمريضة نظرًا لخطورة هذه الحالة.

ويتوقف حدوث هذا الاضطراب في السنة الأولى بعد حوالي أسبوعين لثلاثة بعد الولادة، والوقت الأكثر توقعا هو ثمانية أسابيع بعد الولادة، ويعتقد أن هذا الاضطراب يحدث نتيجة للعوامل التالية منفردة أو مجتمعة :
**ضغط عملية الولادة***
فلا شك أن الولادة ضغط نفسي ليس فقط نتيجة آلام الولادة وصعوبتها، بل إن الأم تقضى شهور الحمل في معاناة، ثم تصل إلى لحظة الولادة، حيث تعانى بشدة حتى تلد، وهى تكون قد قضت عدة ليال لا نوم ولا راحة، ثم تفاجأ أن هناك طفلاً بجانبها يحتاج للرعاية والسهر، وأن احتياجاته لا تنتهي، ويزيد من هذه الضغوط أن تكون الولادة غير طبيعية مثل: الولادة القيصرية، أو الولادة المتعثرة إلخ.
**التغيرات الهرمونية السريعة: ***
حيث يحدث انخفاض سريع لمستوى الاستروجين والبروجيستيرون بعد الولادة مما يخل بالتوازن البيولوجي لبعض الوقت.
**عوامل نفسية اجتماعية :***
كأن تكون المرأة تعيش في علاقة مضطربة مع الزوج أو أسرته، أو تعيش ضغوطا في العمل، أو تعانى من اضطرابات نفسية سابقة، ولم يتم علاجها بنجاح، وأحيانا تكون الأم رافضة للحمل، وبالتالي للطفل، حيث إنها لا ترغب أن تكون أما، وذلك بسبب مشاكل نفسية لديها، أو لارتباطها بزوج لا ترتاح إليه، أو بسبب قلقها من مسئولية الأمومة، وقد وجد من الأبحاث أن الخلافات الزوجية في فترة الحمل تزيد من احتمال حدوث ذهان ما بعد الولادة.
**بعض العوامل البيولوجية: ***
مثل تسمم الحمل، أو تعاطى بعض الأدوية، ويسبق حدوث هذا المرض بعض الأعراض الاستهلالية مثل: الأرق، وعدم الاستقرار والتململ، وسرعة الاستثارة، وعدم القدرة على التركيز، ثم يبدأ بعد ذلك ظهور الأعراض مثل: الاكتئاب الشديد "وأحيانا الهوس" الاضطرابات المعرفية "عدم التركيز، اضطراب الإدراك، اضطراب الذاكرة، اضطراب التفكير، ظهور بعض الضلالات "كأن تعتقد أنها مازالت عذراء، وأنها لم تلد، وأن هذا الطفل ليس ابنها، أو أنه شيطان، وأحيانا الهلاوس "كأن تسمع صوتا يقول لها يجب أن تقتلي نفسك، أو يجب أن تقتلي طفلك، لتريحيه من عناء الحياة"، واضطراب في الحركة ، وكثيراً ما يصاحب هذه الأعراض تشوش في الوعي، وشكوك ووساوس حول سلامة الطفل وصحته.

وحين يتم تشخيص هذه الحالة فيجب أن يؤخذ الأمر بجدية شديدة، حيث إنها أحد الطوارئ النفسية، وإذا وجد أن الحالة الصحية أو النفسية متدهورة، أو أن المريضة لديها ميول انتحارية، أو ميول لإيذاء طفلها، فإنه من الضروري إيداع هذه المريضة أحد المستشفيات النفسية، على أن يقوم أحد الأقارب برعاية الطفل، ويسمح للأم برؤية الطفل من وقت لآخر، ويكون ذلك تحت مراقبة تامة حتى لا تجد الفرصة لإيذاء طفلها، ويتم علاج هذه الحالات بنجاح بواسطة مضادات الاكتئاب والليثيوم، وأحيانا يضاف إلى ذلك مضادات الذهان، وفى الحالات الشديدة تستخدم جلسات تنظيم إيقاع المخ.
وبعد زوال الأعراض الحادة يتم مساعدة المريضة بواسطة العلاج النفسي، حيث تستكشف مشكلاتها النفسية ومشكلاتها الاجتماعية، ويتم دعمها نفسيا، ومساعدتها على تقبل دورها الجديد كأم.
فاطمة عبد العزيز-اسلام ويب

Post: #360
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:38 AM
Parent: #301

كيف نرغب أطفالنا في الصلاة
إن أطفالنا أكبادنا تمشي على الأرض، وإن كانوا يولدون على الفطرة، إلا أن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم قال: "فأبَواه يُهوِّدانه وُينَصِّرانه ويُمَجِّسانه"... وإذا كان أبواه مؤمنَين، فإن البيئة المحيطة ، والمجتمع قادرين على أن يسلبوا الأبوين أو المربين السلطة والسيطرة على تربيته، لذا فإننا نستطيع أن نقول أن المجتمع يمكن أن يهوِّده أو ينصِّره أو يمجِّسه إن لم يتخذ الوالدان الإجراءات والاحتياطيات اللازمة قبل فوات الأوان!!!
وإذا أردنا أن نبدأ من البداية ، فإن رأس الأمر وذروة سنام الدين ، وعماده هو الصلاة؛ فبها يقام الدين، وبدونها يُهدم والعياذ بالله .
**لماذا يجب علينا أن نسعى ؟***
أولاً: لأنه أمرٌ من الله تعالى ، ألم يقُل عز وجل { يا أيها الذين آمنوا قُوا أنفسَكم وأهليكم ناراً وقودُها الناس والحجارة } ؟ ثم ألَم يقل جل شأنه: : { وَأْمُر أهلَك بالصلاة واصْطَبر عليها ، لا نسألك رزقاً نحن نرزقُك }
ثانياً: لأن الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم أمرنا بهذا أيضاً في حديث واضح وصريح ؛ يقول فيه ( مُروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر )
ثالثاً : لأن أولادنا أمانة وهبنا الله تعالى إياها وكم نتمنى جميعا أن يكونوا صالحين ، وأن يوفقهم الله تعالى في حياتهم دينياً ، ودنيوياً ، و لأن أولادنا هم الرعية التي استرعانا الله تعالى ، لقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: ( كُلُّكم راعٍ وكلكم مسئول عن رعيته ) ولأننا سوف نُسأل عنهم حين نقف بين يدي الله عز وجل
**كيف نرغِّب أ طفالنا في الصلاة؟***
منذ البداية يجب أن يكون هناك اتفاق بين الوالدين- أو مَن يقوم برعاية الطفل- على سياسة واضحة ومحددة وثابتة ، حتى لا يحدث تشتت للطفل، وبالتالي ضياع كل الجهود المبذولة هباء ، فلا تكافئه الأم مثلاً على صلاته فيعود الأب بهدية أكبر مما أعطته أمه ، ويعطيها له دون أن يفعل شيئاً يستحق عليه المكافأة ، فذلك يجعل المكافأة التي أخذها على الصلاة صغيرة في عينيه أو بلا قيمة؛ أو أن تقوم الأم بمعاقبته على تقصيره ، فيأتي الأب ويسترضيه بشتى الوسائل خشية عليه.
وفي حالة مكافأته يجب أن تكون المكافأة سريعة حتى يشعر الطفل بأن هناك نتيجة لأفعاله، لأن الطفل ينسى بسرعة ، فإذا أدى الصلوات الخمس مثلاً في يوم ما ، تكون المكافأة بعد صلاة العشاء مباشرة.
**أولاً: مرحلة الطفولة المبكرة (ما بين الثالثة و الخامسة) :***
إن مرحلة الثالثة من العمر هي مرحلة بداية استقلال الطفل وإحساسه بكيانه وذاتيته ، ولكنها في نفس الوقت مرحلة الرغبة في التقليد ؛ فمن الخطأ أن نقول له إذا وقف بجوارنا ليقلدنا في الصلاة: " لا يا بني من حقك أن تلعب الآن حتى تبلغ السابعة ، فالصلاة ليست مفروضة عليك الآن " ؛ فلندعه على الفطرة يقلد كما يشاء ، ويتصرف بتلقائية ليحقق استقلاليته عنا من خلال فعل ما يختاره ويرغب فيه ، وبدون تدخلنا (اللهم إلا حين يدخل في مرحلة الخطر ) ... " فإذا وقف الطفل بجوار المصلي ثم لم يركع أو يسجد ثم بدأ يصفق مثلاً ويلعب ، فلندعه ولا نعلق على ذلك ، ولنعلم جميعاً أنهم في هذه المرحلة قد يمرون أمام المصلين ، أو يجلسون أمامهم أو يعتلون ظهورهم ، أو قد يبكون ، وفي الحالة الأخيرة لا حرج علينا أن نحملهم في الصلاة في حالة الخوف عليهم أو إذا لم يكن هناك بالبيت مثلاً من يهتم بهم ، كما أننا لا يجب أن ننهرهم في هذه المرحلة عما يحدث منهم من أخطاء بالنسبة للمصلى ..وفي هذه المرحلة يمكن تحفيظ الطفل سور : الفاتحة ، والإخلاص ، والمعوذتين.
**ثانياً:مرحلة الطفولة المتوسطة (ما بين الخامسة والسابعة ):***
في هذه المرحلة يمكن بالكلام البسيط اللطيف الهادئ عن نعم الله تعالى وفضله وكرمه (المدعم بالعديد من الأمثلة) ، وعن حب الله تعالى لعباده، ورحمته ؛ يجعل الطفل من تلقاء نفسه يشتاق إلى إرضاء الله ، ففي هذه المرحلة يكون التركيز على كثرة الكلام عن الله تعالى وقدرته وأسمائه الحسنى وفضله ، وفي المقابل ، ضرورة طاعته وجمال الطاعة ويسرها وبساطتها وحلاوتها وأثرها على حياة الإنسان... وفي نفس الوقت لابد من أن يكون هناك قدوة صالحة يراها الصغير أمام عينيه ، فمجرد رؤية الأب والأم والتزامهما بالصلاة خمس مرات يومياً ، دون ضجر ، أو ملل يؤثِّّّّّّر إيجابياً في نظرة الطفل لهذه الطاعة ، فيحبها لحب المحيطين به لها ، ويلتزم بها كما يلتزم بأي عادة وسلوك يومي. ولكن حتى لا تتحول الصلاة إلى عادة وتبقى في إطار العبادة ، لابد من أن يصاحب ذلك شيء من تدريس العقيدة ، ومن المناسب هنا سرد قصة الإسراء والمعراج ، وفرض الصلاة ، أو سرد قصص الصحابة الكرام وتعلقهم بالصلاة ،ومن المحاذير التي نركِّز عليها دوما الابتعاد عن أسلوب المواعظ والنقد الشديد أو أسلوب الترهيب والتهديد ؛ وغني عن القول أن الضرب في هذه السن غير مباح ، فلابد من التعزيز الإيجابي ، بمعنى التشجيع له حتى تصبح الصلاة جزءاً أساسياً من حياته.
ويراعى وجود الماء الدافئ في الشتاء ، فقد يهرب الصغير من الصلاة لهروبه من الماء البارد، هذا بشكل عام ؛ وبالنسبة للبنات ، فنحببهم بأمور قد تبدو صغيرة تافهة ولكن لها أبعد الأثر ، مثل حياكة طرحة صغيرة مزركشة ملونة تشبه طرحة الأم في بيتها ، وتوفير سجادة صغيرة خاصة بالطفلة ..
ويمكن إذا لاحظنا كسل الطفل أن نتركه يصلي ركعتين مثلا حتى يشعر فيما بعد بحلاوة الصلاة ثم نعلمه عدد ركعات الظهر والعصر فيتمها من تلقاء نفسه ، كما يمكن تشجيع الطفل الذي يتكاسل عن الوضوء بعمل طابور خاص بالوضوء يبدأ به الولد الكسول ويكون هو القائد ويضم الطابور كل الأفراد الموجودين بالمنزل في هذا الوقت ويلاحظ أن تنفيذ سياسة التدريب على الصلاة يكون بالتدريج ، فيبدأ الطفل بصلاة الصبح يومياً ، ثم الصبح والظهر ، وهكذا حتى يتعود بالتدريج إتمام الصلوات الخمس ، وذلك في أي وقت ، وعندما يتعود على ذلك يتم تدريبه على صلاتها في أول الوقت، وبعد أن يتعود ذلك ندربه على السنن ، كلٌ حسب استطاعته وتجاوبه.ويمكن استخدام التحفيز لذلك ، فنكافئه بشتى أنواع المكافآت ، وليس بالضرورة أن تكون المكافأة مالاً ، بأن نعطيه مكافأة إذا صلى الخمس فروض ولو قضاء ، ثم مكافأة على الفروض الخمس إذا صلاها في وقتها ، ثم مكافأة إذا صلى الفروض الخمس في أول الوقت.
ويجب أن نعلمه أن السعي إلى الصلاة سعي إلى الجنة ، ويمكن استجلاب الخير الموجود بداخله ، بأن نقول له: " أكاد أراك يا حبيبي تطير بجناحين في الجنة ، أو أشعر أن الله تعالى راض عنك و يحبك كثيرا لما تبذله من جهد لأداء الصلاة )أما البنين ، فتشجيعهم على مصاحبة والديهم ( أو من يقوم مقامهم من الثقات) إلى المسجد ، يكون سبب سعادة لهم ؛ أولاً لاصطحاب والديهم ، وثانياً للخروج من المنزل كثيراً ، ويراعى البعد عن الأحذية ذات الأربطة التي تحتاج إلى وقت ومجهود وصبر من الصغير لربطها أو خلعها...
ويراعى في هذه المرحلة تعليم الطفل بعض أحكام الطهارة البسيطة مثل أهمية التحرز من النجاسة كالبول وغيره ، وكيفية الاستنجاء ، وآداب قضاء الحاجة ، وضرورة المحافظة على نظافة الجسم والملابس ، مع شرح علاقة الطهارة بالصلاة ، و يجب أيضاً تعليم الطفل الوضوء ، وتدريبه على ذلك عملياً ، كما كان الصحابة الكرام يفعلون مع أبنائهم
**ثالثا ً: مرحلة الطفولة المتأخرة (ما بين السابعة والعاشرة) :***
في هذه المرحلة يلحظ بصورة عامة تغير سلوك الأبناء تجاه الصلاة ، وعدم التزامهم
بها ، حتى وإن كانوا قد تعودوا عليها ، فيلحظ التكاسل والتهرب وإبداء التبرم ، إنها ببساطة طبيعة المرحلة الجديدة : مرحلة التمرد وصعوبة الانقياد ، والانصياع وهنا لابد من التعامل بحنكة وحكمة معهم ، فنبتعد عن السؤال المباشر : هل صليت العصر؟ لأنهم سوف يميلون إلى الكذب وادعاء الصلاة للهروب منها ، فيكون رد الفعل إما الصياح في وجهه لكذبه ، أو إغفال الأمر ، بالرغم من إدراك كذبه ، والأولََى من هذا وذاك هو التذكير بالصلاة في صيغة تنبيه لا سؤال ، مثل العصر يا شباب : مرة ، مرتين ثلاثة ، وإن قال مثلاً أنه صلى في حجرته ، فقل لقد استأثرت حجرتك بالبركة ، فتعال نصلي في حجرتي لنباركها ، وتحسب تلك الصلاة نافلة ، ولنقل ذلك بتبسم وهدوء حتى لا يكذب مرة أخرى .
كما يجب تشجيعهم، ويكفي للبنات أن نقول :"هيا سوف أصلي تعالى معي"، فالبنات يملن إلى صلاة الجماعة ، لأنها أيسر مجهوداً وفيها تشجيع ، أما الذكور فيمكن تشجيعهم على الصلاة بالمسجد و هي بالنسبة للطفل فرصة للترويح بعد طول المذاكرة ، ولضمان نزوله يمكن ربط النزول بمهمة ثانية ، مثل شراء الخبز ، أو السؤال عن الجار ...إلخ.
وفي كلا الحالتين: الطفل أو الطفلة، يجب أن لا ننسى التشجيع والتعزيز والإشارة إلى أن التزامه بالصلاة من أفضل ما يعجبنا في شخصياتهم ، وأنها ميزة تطغى على باقي المشكلات والعيوب ، وفي هذه السن يمكن أن يتعلم الطفل أحكام الطهارة، وصفة النبي صلى الله عليه وسلم ، وبعض الأدعية الخاصة بالصلاة، ويمكن اعتبار يوم بلوغ الطفل السابعة حدث مهم في حياة الطفل، بل وإقامة احتفال خاص بهذه المناسبة، يدعى إليه المقربون ويزين المنزل بزينة خاصة ، إنها مرحلة بدء المواظبة على الصلاة!!
ولاشك أن هذا يؤثر في نفس الطفل بالإيجاب ، بل يمكن أيضاً الإعلان عن هذه المناسبة داخل البيت قبلها بفترة كشهرين مثلا ، أو شهر حتى يظل الطفل مترقباً لمجيء هذا الحدث الأكبر!!
وفي هذه المرحلة نبدأ بتعويده أداء الخمس صلوات كل يوم ، وإن فاتته إحداهن يقوم بقضائها ، وحين يلتزم بتأديتهن جميعا على ميقاتها ، نبدأ بتعليمه الصلاة فور سماع الأذان وعدم تأخيرها ؛ وحين يتعود أداءها بعد الأذان مباشرة ، يجب تعليمه سنن الصلاة ونذكر له فضلها.
وفيما يلي بعض الأسباب المعينة للطفل في هذه المرحلة على الالتزام بالصلاة :
1. يجب أن يرى الابن دائماً في الأب والأم يقظة الحس نحو الصلاة ، فمثلا إذا أراد الابن أن يستأذن للنوم قبل العشاء ، فليسمع من الوالد ، وبدون تفكير أو تردد: "لم يبق على صلاة العشاء إلا قليلاً نصلي معا ثم تنام بإذن الله ؛ وإذا طلب الأولاد الخروج للنادي مثلاً ، أو زيارة أحد الأقارب ، وقد اقترب وقت المغرب ، فليسمعوا من الوالدين :"نصلي المغرب أولاً ثم نخرج" ؛ ومن وسائل إيقاظ الحس بالصلاة لدى الأولاد أن يسمعوا ارتباط المواعيد بالصلاة ، فمثلاً : "سنقابل فلاناً في صلاة العصر" ، و "سيحضر فلان لزيارتنا بعد صلاة المغرب".
2. إذا حدث ومرض الصغير ، فيجب أن نعوِّده على أداء الصلاة قدر استطاعته ، حتى ينشأ ويعلم ويتعود أنه لا عذر له في ترك الصلاة ، حتى لو كان مريضاً ، وإذا كنت في سفر فيجب تعليمه رخصة القصر والجمع ، ولفت نظره إلى نعمة الله تعالى في الرخصة، وأن الإسلام تشريع مملوء بالرحمة.
3. اغرس في طفلك الشجاعة في دعوة زملائه للصلاة ، وعدم الشعور بالحرج من إنهاء مكالمة تليفونية أو حديث مع شخص ، أو غير ذلك من أجل أن يلحق بالصلاة جماعة بالمسجد ، وأيضاً اغرس فيه ألا يسخر من زملائه الذين يهملون أداء الصلاة ، بل يدعوهم إلى هذا الخير ، ويحمد الله الذي هداه لهذا.
المصدر : كتيب "كيف نرغب أحباب الله في الصلاة"
اسلام ويب

Post: #361
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:44 AM
Parent: #301

25 مخالفه شائعه اثناء الصلاة

1- الصلاة في الثياب الرقيقة الشفافة أو التي تحجم العورة أو التي لا تكون سابغة: يقول الإمام الشافعي: "هوإن صلى في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة". ويقول الشيخ عبدالله ابن جبرين: "كثير من الناس الذين لا يلبسون الثياب السابغة وإنما يلبس أحدهم السراويل وفوقه جبة "قميص" على الصدر والظهر، فإذا ركع تقاصت الجبة وانحسرت السراويل، فخرج بعض الظهر وبعض العجز مما هو عورة، بحيث يراه من خلفه. وخروج بعض العورة يبطل الصلاة". والحكم يعم المرأة، فقد تدخل إحداهن في الصلاة وشعرها أو جزء منه أو من ساعدها أو ساقها مكشوف، وحينئذ فعليها عند جمهور أهل العلم أن تعيد الصلاة في الوقت وبعده.

2- كشف العاتقين في الصلاة: وهذا من الأخطاء الواجب تجنبها لقوله : { لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء } [متفق عليه]. ومن هنا نعلم خطأ بعض المصلين عندما يصلون- خصوصا في فصل الصيف – بـ "الفنيلة" ذات الحبل اليسير الذي يكون على الكتف.

3- الصلا ة في الثوب الذي عليه صورة: فعن أنس قال: كان قرام لعائشة سترت به جانب بيتها، فقال لها النبي : { أميطي عني، فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي } [رواه البخاري]، وبوب على الحديث بقوله: باب إن صلى في ثوب مصلب أو تصاوير هل تفسد صلاته؟.

4- أداء الصلاة وهو حاقن لبول أو غائط: لقوله : { لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان } [رواه مسلم].

5- الجهر بالنية: كأن يقول: نويت أن أصلي كذا وكذا. وهذا من البدع المنكرة. قال ابن القيم: "... ولا تلفظ بالنية ألبتة، ولا قال أصلي لله صلاة كذا مستقبل القبلة أربع ركعات... لم ينقل عنه أحد قط بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مسند ولا مرسل لفظة واحدة منها ألبتة" وقد أفتى غير واحد من العلماء بعدم جواز الجهر بالنية.

6- عدم تحريك اللسان في التكبير وقراءة القرآن وسائر أذكار الصلاة، والاكتفاء بتمريرها على القلب: وهذا من الأخطاء الشائعة، قال النووي: "وأما غير الإمام فالسنة الإسرار بالتكبير سواء المأموم أو المنفرد. وأدنى الإسرار أن يسمع نفسه إذا كان صحيح السمع ولا عارض عنده من لغط وغيره. وهذا عام في القراءة والتكبير والتسبيح في الركوع وغيره".

7- ترك دعاء الاستفتاح والاستعاذة قبل قراءة الفاتحة مع أنهما من مستحبات الصلاة.

8- قول بعض المصلين في دعاء الاستفتاح: ولا معبود سواك، والثابت هو قوله : { سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك }. وما عداه زيادة غير واردة.

9- رفع البصر إلى السماء أو النظر إلى غير مكان السجود مما يسبب السهو وحديث النفس: وقد ورد الأمر بخفض البصر والنظر إلى موضع السجود إلا في حالة الجلوس للتشهد، فإن النظر يكون إلى الإشارة بالسبابة. يقول : { ما بال أقوام يرفعون أبصارهم إلى السماء في صلاتهم؟! فاشتد قوله في ذلك حتى قال : لينتهين عن ذلك أو لتخطفن أبصارهم } [متفق عليه]. وسئل النبي عن الالتفات في الصلاة فقال: { هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد } [رواه البخاري].

10- كثرة الحركة والعبث في الصلاة: كتشبيك الأصابع، والتحريك المستمر للقدمين، وتسوية العمامة أو العقال، والنظر في الساعة، وربط الإزار، وتحريك الأنف واللحية؟ وقد رأى النبي أقواما يعبثون بأيديهم في الصلاة فقال : { ما لي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟! اسكنوا في الصلاة } [رواه مسلم].

11- قول بعض المصلين بعد قول اللإمام "ولا الضالين": آمين ولوالدي وللمسلمين، وهذا خلاف السنة والسنة هى قول آمين فقط .

12- عدم إقامة الصلب(الظهر) في القيام والجلوس: كأن يكون محدودبا بظهره أو مائلا جهة اليمين، وكذا عدم إقامة الصلب في الركوع والسجود. قال : { لا ينظر الله عز وجل إلى صلاة عبد لا يقيم صلبه بين ركوعها وسجودها } [رواه الطبراني بسند صحيح]. وقال : { أتموا الركوع والسجود } [رواه البخاري ومسلم].

13- عدم الطمأنينة في الركوع والاعتدال منه: عن زيد بن وهب قال: { رأى حذيفة رجلا لا يتم الركوع والسجود. قال : ما صليت، ولو مت مت على غير الفطرة التي فطر الله محمدا عليه } [رواه البخاري]. وروى أبو هريرة عن النبي أنه رأى رجلا دخل المسجد فصلى، فقال له النبي : { ارجع فضل فإنك لم تصل } [رواه البخاري].

14- يزيد بعض المصلين عند الاعتدال من الركوع لفظة "والشكر" عند قولهم: ربنا ولك الحمد: وهذه الزيادة لم تثبت عن رسول الله والصحيح هو { ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ملئ السماوات وملئ الأرض وما بينهما}.

15- تحريك الأصبع بين السجدتين: والثابت عنه أنه كان يشير بإصبعه السبابة في أثناء جلوسه للتشهدين.

16- انتطار الإمام إن كان ساجدا حتى يرفع أو جالسا حتى يقوم وعدم الدخول معه إلا إذا كان قائما أو راكعا: والصواب أن تدخل مع الإمام على أي حال كان عليه؟ قائما أو راكعا أو ساجدا أو جالسا. عن معاذ قال: قال رسول الله : { إذا أتى أحدكم الصلاة والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام } [رواه الترمذي].

17- قيام المسبوق لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام أو عند ابتداء الإمام في السلام: يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله في هذا الصدد: "لا يحل له ذلك وعليه أن يمكث حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية، فإن قام قبل انتهاء سلامه ولم يرجع انقلبت صلاته نفلا، وعليه إعادتها".

18- اللإسراع والسعي للالحاق بالإمام قبل ركوعه: وهذا الإسراع منهي عنه، لقوله : { إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وأنتم تمشون، وعليكم بالسكينة، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا } [رواه البخاري ومسلم].

19- إتيان المسجد بعد أكل الثوم أو البصل: وهو منهي عنه كما في حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله : { من أكل من هذه الشجرة - يعني الثوم - فلا يقربن مسجدنا } [رواه البخاري]. أما إذا زالت رائحة الثوم أو البصل بالطبخ فلا حرج من إتيان المساجد.

20- زيادة لفظ "سيدنا" في التشهد أو في الصلاة على رسول الله في الصلاة: يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله: "اتباع الألفاظ المأثورة أرجح، ولا يقال: لعله ترك ذلك تواضعا منه ، وأمته مندوبة إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول: لو كان ذلك راجحا لجاء عن الصحابة ثم عن التابعين. ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك".

21- التنفل عند إقامة الصلاة: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : { إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة } [رواه الجماعة]. وأخرج مسلم أن النبي مر برجل يصلي وقد أقيمت صلاة الصبح فكلمه بشيء لا ندري ما هو، فلما انصرفنا أحطنا به نقول: ماذا قال لك رسول الله ؟ قالى: قال لي: { يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعا }.

22- المرور بين يدي المصلي: وقد تساهل بعض المصلين في هذا الأمر مع أن الأمر فيه وعيد شديد. عن أبي الجهيم قال: قال رسول الله : { لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه } قال أبو النضر أحد رواة الحديث: لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة؟! [رواه البخاري].

23- قول بعض الناس عند إقامة الصلاة: "أقامها الله وأدامها": والحديث الذي ورد في هذا ضعيف لا يعتمد عليه، فالأولى تركها.

24- عدم كظم التثاؤب من المصلي في أثناء صلاته: قال رسول الله : { إذا تثاءب أحدكم في الصلاة فليكظم ما استطاع، فإن الشيطان يدخل } [رواه مسلم]. وكظمه أن يرد التثاؤب ما استطاع، وذلك يكون بوضع اليد على الفم كما ورد في بعض الروايات.

25- الصلاة بين السواري (بين الأعمدة): لما في ذلك من تقطيع الصفوف، عن قرة قال: { كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله ونطرد عنها طردا } [رواه ابن ماجة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي].

نسأل الله تعالى أن يهدينا ويسدد خطانا، وصلى الله وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.
منقول

Post: #362
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 02:05 AM
Parent: #301

لقد انتشرت ظاهرة التفكك الأسري بالمجتمعات العربية والإسلامية واستفحلت إلى درجة خطيرة مما ترتب عليها نتائج وانعكاسات سلبية وخيمة على الأسر (الازواج والأولاد) والمجتمع من جميع النواحي الاجتماعية والأمنية والنفسية.. وهذا ما يتطلب من جميع مكونات المجتمع التدخل وتضافر الجهود والتعاون من أجل إنقاذ الأسر من كل أشكال التصدع والتفكك والضياع وحفظ المجتمع من عدم الاستقرار والأمن والعنف والعدوان..
وإن سبل وأساليب وقاية أسرنا وعلاجها من مثل هذه الامراض والاشكاليات المستعصية كثيرة ومتعددة يمكن أن نورد بعض أهمها في السطور التالية:
**ضرورة تمسك الأسر بالقيم والتعاليم الإسلامية المستمدة من الكتاب والسنة ***
مصداقا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا ، كتاب الله وسنتي).
لقد بين الإسلام وأكد حق كل فرد من أفراد الأسرة خاصة الوالدين حيث جعل برهما مقترناً بالأمر بتوحيده و عبادته ، قال تعالى: {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا} "الإسراء: 23" وقال أيضا: {أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير} "لقمان: 14" ، و أوجب التلطف بهما والصبر على أذاهما و أن كانا مشركين ، فقال سبحانه {وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا} "لقمان: 15".
كما عظم الإسلام حق الأبناء وأوصى بضرورة رعايتهم وحفظهم خاصة البنات ، فالبنت في الإسلام لم تعد عارا يجب التخلص منه بل أصبحت وسيلة إلى الجنة وسترا من النار. ففي الحديث الشريف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له ثلاث بنات فصبر عليهن واطعمهن وسقاهن وكساهن من جدته كن له حجابا من النار يوم القيامة).
** وجوب قيام العلاقة الزوجية على التفاهم والحوار والاحترام المتبادل والتعاون من أجل بناء أسرة متينة وقوية.***
وقد ركز ديننا الإسلامي الحنيف على أهمية التفاهم واحترام الآراء بين الزوجين لبناء أسرة قوية وسعيدة تقوم بدورها الايجابي البناء في المجتمع.
وقد جعل الله من صفات العلاقة بين الزوجين المودة والرحمة وذلك بقوله عز وجل في القرآن الكريم: {وجعل بينكم مودة ورحمة} "الروم: 21" لذا فإن مبدأ الحوار الإيجابي البناء هو مبدأ عظيم وضرورة مهمة لبناء أسرة صالحة وقوية.
**وجوب طاعة الزوجة لزوجها من أجل الحفاظ على تماسك الأسرة والفوز برضوان الله***
كما جاء في الحديث النبوي الشريف ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "المرأة إذا صلت خمسها وصامت شهرها وأحصنت فرجها وأطاعت بعلها ( أي زوجها ) فلتدخل من أي أبواب الجنة شاءت ".
**ضرورة قيام الأم بواجب تربية الأبناء وتنشئتهم تنشئة دينية صحيحة***
وتوجيههم ونصحههم تفاديا لكل أشكال التفكك والتصدع والنزاع بين الأبناء والفشل الدراسي والانحراف الأخلاقي والعقدي والسلوكي..
**وسائل الإعلام***
وجوب قيام وسائل الإعلام المختلفة المسموعة والمرئية والمقروءة ثم المساجد ودور القرآن والمدارس بالاضافة إلى الجمعيات والنوادي الثقافية والتربوية والدعوية بالتوعية بأهمية الأسرة في المجتمع ودورها العظيم وتماسكها والحفاظ عليها من التفكك والضياع ثم القيام بتقوية الوازع الديني والإيماني والتربية والتثقيف.
هذا بالاضافة إلى التحذير من مخاطر الغزو الثقافي والإعلامي للحضارة الغربية التي تتميز أسرها بالتفكك والتشتت وغياب الروابط الدينية والأخلاقية والتربوية فيما بين أفرادها.
عمر بن ادريس الرماش ( بتصرف )

Post: #363
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:16 PM
Parent: #301

إن إظهار المودة والرحمة بين الأبوين من أسباب شيوع السعادة و الاستقرار والاتزان النفسي في نفوس الأبناء ، مما يجعلهم ينشأون حريصين على التواصل بينهم ، أسوياء في تعاملهم مع غيرهم .
تقول إحدى الداعيات: كنا نستيقظ منذ الصباح الباكر ونحن في مرحلة الطفولة المبكرة على صوت الحوار وضحكات أمي وأبي.. وهما في بداية النهار.. ثم نبدأ بالانسحاب من فراشنا واحدًا تلو الآخر.. لنجلس في أحضانهما ونستمع إلى حوارهما الجميل الدافئ.. وعندما يبدأ اليوم كانت أمي تبقى جهاز المذياع مفتوحًا لتستمع إلى إذاعة القرآن الكريم لوقت طويل.. أو لبعض المحاضرات النافعة.. مع عدم مخالطة عائلتنا إلا للأسر الصالحة.. وأسلوب الحوار والتواصل والصداقة الذي كان بيننا وبين والدينا.. جعل بيتنا مدرسة مثمرة أنتجت أبناءً متميزين محافظين متواصلين برغم مشاغل الحياة الكبيرة والكثيرة..
**من أسس العلاقة السليمة مع الأبناء:***
· الدعاء الدائم للأولاد بالصلاح والتقوى والرزق والتوفيق والدعاء لهم كذلك بالبركة كما كان يفعل النبي صَلى الله علي وسلم، فعن أبي موسى الأشعري رَضي الله عنه قال: "ولد لي غلام فأتيت به النبي صَلى الله عليه وسلم، فسماه إبراهيم، وحنكه بتمرة، ودعا له بالبركة، ودفعه إليَّ".
· الرضاعة الطبيعية مهمة في تقوية العلاقة بين الأم ووليدها مما يربي الكثير من المشاعر الإيجابية تجاه الحياة عامة ويؤدي إلى استقرار نفسية الطفل.
· الرحمة بالأطفال والرفق بهم.. مما يؤدي إلى النشأة السوية وحسن أخلاق الأطفال وهم يحبون من يرحمهم ويرفق بهم ، وكان النبي صَلى الله عليه وسلم القدوة في ذلك، قبَّل رسول الله صَلى الله عليه وسلم الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس؛ فقال الأقرع: "إن لي عشرة من الولد ما قَبَّلتُ منهم أحدًا". فنظر رسول الله صَلى الله عليه وسلم إليه ثم قال: "من لا يرحم لا يُرحم".
· التربية بالترويح؛ بحيث يكون اللعب جزءًا بالغ الأهمية في التربية يكتسب الأطفال من خلاله المهارات الحركية واللازمة لقضاء وقت الفراغ بشكل بناء ، ودخول الوالدين في بعض لعب أولادهم ليقوي الرابطة بين الآباء والأبناء بشكل كبير.
· التربية بالقدوة مهمة في إصلاح الأطفال وترسيخ المفاهيم والقيم لديهم؛ فعلى المربين أن يكونوا قدوة صالحة للأبناء فرؤية الابن والديه حال أداء العبادات له بالغ الأثر عليهم.. ومسارعة الوالدين إلى تطبيق ما يقولانه للأبناء له بالغ الأثر في صلاحهم.
وكذلك التربية بالتعليم عن طريق تعليم ما ينفع الأطفال في دينهم ودنياهم من علوم شرعية ودنيوية تعود عليهم بالنفع والفائدة.
· ويفيد في تقوية العلاقة السليمة مع الأبناء بناء شراكة معهم في أسلوب الحياة ومصاحبتهم ومجالستهم والحوار معهم وكشف أوجه القصور والكمال في شخصيتهم.. واصطحاب الأطفال إلى مجالس الخير والتوجيه والصلاح؛ فقد كان النبي صَلى الله عليه وسلم يعاشر الأطفال ويخالطهم ويتودد إليهم، ويردف معه صغار الصحابة في تنقلاته وأسفاره ويقتنص كل فرصة لتوجيههم. وكان صَلى الله عليه وسلم يعود الأطفال إذا مرضوا للتخفيف عنهم وغرس القيم النبيلة فيهم.
· اكتشاف ميولهم ومواهبهم لما في ذلك من عصمتهم من الوقوع في سفاسف الأمور ومرذول الأخلاق.
· احترام الأطفال وتقديرهم، وفي هذا تنمية لهم وإشعارهم بأهميتهم وإعطاؤهم الثقة المفيدة في التربية كما كان يفعل النبي صَلى الله عليه وسلم؛ فقد أتى النبي الكريم صَلى الله عليه وسلم بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ، فقال للغلام: "أتأذن لي أن أعطي هؤلاء". فقال الغلام: لا ، والله لا أؤثر بنصيبي منك أحدًا. فتلَّه ( أي وضعه ) رسول الله صَلى الله عليه وسلم في يده ، وكان صَلى الله عليه وسلم يسلِّمُ على الصبيان الصغار إذا مر بهم.
إن استشارة الأطفال في الأمور الحياتية للأسرة وأخذ آرائهم ينمي فيهم قوة الشخصية والقدرة على تحمُّل المسؤولية ، وتعويدهم على ذلك.
أما احتقار الأبناء وعدم نصحهم يجعلهم يشعرون بعقدة النقص؛ فيبحثون عمَّا يثبتون به ذواتهم من أمور منحرفة وأصدقاء ضالين، وتصرفاتهم جوفاء ليس من ورائها شيء سوى محاولة لفت الأنظار إليهم.
فهل نعي هذه الأسس التي لو قمنا بها لسعدنا بأبنائنا في الدنيا و الآخرة ؟
مجلة الأسرة بتصرف

Post: #364
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:18 PM
Parent: #301

تقديرهم يزيدهم نجاحًا

خالد وسعد طفلان في السابعة من العمر، يعيش كل منهما مع والديه اللذين يحبانهما كثيرًا ويحرصان على تربيتهما ليصبحا ناجحين في مستقبل حياتهما. عندما يستيقظان في الصباح، يستعد كل منهما للذهاب إلى المدرسة بطريقة مختلفة. أول كلمة يسمعها خالد قول أمه: "خالد.. قم من النوم.. سوف تتأخر عن المدرسة مرة أخرى". يستيقظ خالد، يرتدي ملابسه باستثناء الحذاء، ثم يأتي لتناول الإفطار، تقول أمه: "أين حذاؤك يا خالد ! هل تريد الذهاب إلى المدرسة حافيًّا ؟! ماذا حدث لزرار ثوبك؛ إنه على وشك السقوط.. بدَّل ثوبك بعد الإفطار، فأنا لا أريد أن يذهب طفلي إلى المدرسة بثوب دون أزرار.. انتبه وأنت تصب العصير في الكأس، لا تسكبه على الطاولة مثل كل يوم !".
عندما صب خالد العصير انسكب جزء منه على الطاولة. غضبت أمه وقالت وهي تمسح الطاولة: "لا أدري ماذا أفعل بك ؟" تمتم خالد بكلمات غير واضحة.. سألته أمه: "ماذا تقول؟ ها قد بدأت في التسخط كعادتك عندما تخطئ".
أنهى خالد إفطاره وتوجه نحو الخارج ليدرك حافلة المدرسة. نادته أمه بصوت عالٍ: "خالد.. لقد نسيت وجبتك، يبدو أنك ستنسى رأسك لو لم يكن مثبتًا بعنقك". ناولته الوجبة وأضافت: "كن مؤدبًا اليوم في المدرسة"، ثم قبلته.

سعد، الذي يسكن في منزل مجاور لخالد، كانت أول كلمة يسمعها قول أمه: "سعد، الساعة الآن السابعة، هل تستيقظ الآن أم أتركك خمس دقائق؟". تقلب في فراشه وقال: "خمس دقائق". أوقظته أمه بعد خمس دقائق، أتى إلى طاولة الطعام لتناول الإفطار مرتديًّا جميع ملابسه باستثناء الحذاء. قالت أمه: "ما شاء الله، ارتديت جميع ملابسك ولم يبق سوى الحذاء.. يبدو أن زرار ثوبك يوشك أن يقع، هل تريد أن أصلحه وأنت تفطر أو تبدله بعد الإفطار؟" فكر سعد للحطة وقال: "أغيره بعد الإفطار".
جلس سعد على الطاولة وصب العصير في كأسه وانسكب جزء منه على الطاولة. قالت أمه: "قماش التنظيف بجوار المجلس"، واستمرت في إعداد وجبته. أحضرها سعد ومسح العصير المنسكب. تحدث مع أمه لبعض الوقت وهو يفطر، وبعدما انتهى بدل ثوبه ولبس حذاءه وأخذ حقيبته وتوجه نحو الباب. نادته أمه: "سعد.. الوجبة" عاد إلى المطبخ وتناولها من أمه وشكرها، قبلته وقالت: "مع السلامة".
خالد وسعد يذهبان للمدرسة نفسها، ويدرسهما المدرس نفسه..
قال المدرس للطلاب: "سنقيم حفل نهاية العام الأسبوع القادم ونحتاج إلى متطوعين. طالب يرسم لوحة ترحيبية للضيوف ، وآخر يقدم العصير لهم، وثالث يدعو بقية الفصول لحضور الحفل.. فمن يتطوع ؟". بعض الأطفال رفعوا أيديهم، وبعضهم رفعها مترددًا، والبقية لم يرفعوا أيديهم على الإطلاق.

من يا ترى سيرفع يده.. خالد أم سعد؟!
ما العلاقة بين شعور الأطفال بالتقدير واستعدادهم لتحمل تحديات النجاح أو الفشل؟ هناك بلا شك أطفال يستطيعون تجاوز مشاعر عدم التقدير أو التقليل من شأنهم وقدراتهم التي يتعرضون لها في بيوتهم، ويستطيعون مواجهة التحديات بجدارة.
كما أن أطفالاً آخرين يعاملهم أهلهم باحترام وتقدير ولكنهم - أي الأطفال - يشكون من قدراتهم على مواجهة التحديات ويخشون الفشل.
لكن المؤكد أن معظم الأطفال الذين يعيشون في بيوت تحترم قدراتهم وتقدرها يكونون مهيئين لتحمل مصاعب الحياة ومواجهة تحديات النجاح والفشل أكثر من أقرانهم الذين لا يجدون مثل هذا التقدير والاحترام ، إضافة إلى ذلك ، فإنهم عادة ما تكون طموحاتهم أكبر، وأهدافهم أعلى من أقرانهم لأنهم جربوا الاعتماد على أنفسهم منذ سن مبكرة ، وجربوا النجاح والفشل واستطاعوا الاستفادة من تلك التجارب دون خوف أو رهبة من العقاب أو التأنيب.. ولذلك فإنهم لا يخشون التحديات ويسعون بقوة لتحقيق أهدافهم في مستقبل حياتهم.
مجلة الأسرة ( العدد : 129 )

Post: #365
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:20 PM
Parent: #301

هل تريد أن تعيش وحدك ؟
أصناف البشر متعددة، وكلما طال عيش الإنسان رأى عجبًا في الناس، ورغم أن التنوع في شخصيات الناس ضرورة للتآلف والامتزاج وإعمار الأرض، إلا أن هناك حدًا فاصلاً بين التنوع الذي يجتذب المختلفين، وبين التنوع الذي يزيد التنافر، ويفرض الفرقة. وقد يقع الإنسان في أخطاء تجعل منه شخصية تافهة سخيفة يتجنبها الناس، ويتحاشون الاختلاط به، أو ارتياد مجلسه، وقد يعجب من نفورهم لأنه لم يفطن إلى ذلك العيب المستتر في نفسه، من أجل هذا يقدم لك الدكتور على الحمادي - الخبير الإداري، والأستاذ على غانم الطويل - الباحث في البرامج السلوكية - قائمة لأكثر الشخصيات إثارة للاستياء، تأملها، واعمل على أن تكون أبعد ما تكون عنها، لتنعم بصحبة الإخوان والأصدقاء :

1 - المُقاطع: إنه الشخص الذي يقطع الحديث رغم وضوحه، ويكرر الجرم مرات ومرات بشكل يبعث على الغيظ، ويحملك على أن تسكته، ويظل على عادته المستهجنة حتى يمل الناس من الجلوس إليه.

2 - الأخرق: شخص يفتقد الحكمة بأشكالها، ويفتقر إلى اللباقة، ينتقد كل شيء، ويقع في أخطاء لا تحصى في الكلام والمعاملات.

3 - الممل: وهو الشخص الذي يتكلم ببطء، وفوق ذلك يحاول عرض كل التفاصيل في الموضوع الذي يتحدث عنه، تعرف متى يبدأ الكلام، ولا تعرف متى سينتهي، يذكر كل شيء حتى الذي لا يستحق إلا التلميح.

4 - المعارض: شخص لا يستطيع تحمل أي تأكيد من أي إنسان دون أن يضيف إليه تبديلاً، أو بُعدًا جديدًا، أو يرفضه تمامًا من الأساس، ولذا فهو دائم القطيعة مع الآخرين.

5 - الفضولي: يطرح الأسئلة غير المناسبة، وغير المتحفظة، ويتوقع جوابًا فوريًا، ويتدخل في ما لا يعنيه، وفى كل الأوقات غير المناسبة للآخرين.

6 - المتملق: الشخص الذي يمدح بدون حياء، وبطريقة فظة وخشنة، ولا يرتاح إذا مُدِح الآخرون أمامه، بل يبدى انزعاجًا واضحًا ويدير دفة الحديث لصالحه كي يبدأ بامتداح نفسه.

7 - المبتذل: وهو الذي يستخدم عفويًا لغة فظة سوقية، وغالبًا ما تجد هذا الابتذال اللفظي واجهة لمشاعر فظة كذلك.

8 - المُحرج: شخص لا يترك للآخرين فرصة لرد اعتبارهم فيحصرهم في زاوية ضيقة حرجة، مما يتسبب في إذلالهم وإحراجهم بين الناس، فلا يستطيع أحدهم الرجوع عن موقفه، الذي اتخذه؛ لأن ذلك سيكون على حساب كرامته ومنزلته بين الناس، لذا اترك فرصة للآخرين لإنقاذ ماء وجوههم ليشعروا بالراحة، ويقدموا التنازلات برضى واطمئنان.

9 - ضيّق الصدر: هو الذي لا يترك للمهموم فرصة التنفيس عما في نفسه، ولا يستوعب بثّ الهموم والأحزان، فيفقد علاقته الوثيقة بمن حوله. ويجب أن يترك الإنسان المجال للآخرين لينفسوا عما في صدورهم، وينصت لهم، ويشعرهم بالتعاطف، كل ذلك مع الحذر من الإثارة، والاستدراج؛ لأن المهموم ليس في حالة نفسية متزنة، مما يجعل عاطفته تغلب عقله وصوابه.

10 - الدّلاّل: يحلو لبعض الناس الكلام كثيرًا عن إنجازاتهم وأعمالهم، فكلما جلس أحدهم مجلسًا، قال: فعلت كذا وكذا، ويأخذ في سرد بطولاته القديمة، مما يضعه في موضع السخرية والاستخفاف، إن الأعمال الجليلة لا تحتاج إلى الإعلان، بل هي التي تدل على نفسها بما تتركه من بصمات في حياة صاحبها والناس من حوله.

11 - اللص المقنع: إنه ذلك الذي ينسب الفضل لنفسه وجهده، وعمله، ويمحق الآخرين حقهم فيما فعلوه من إنجازات وأدوه من واجبات.
فإذا أردت أن تحيا وحدك في صومعة نفور الآخرين، والجهل بعيوبك، فكن واحدًا من النماذج السابقة.
هبة الله سمير محمود-اسلام ويب

Post: #366
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:22 PM
Parent: #301

لراحتك عند استخدام الحاسب الآلى
لم يعد الحاسب الآلى "الكمبيوتر" نوعًا من الرفاهية، والترف، بل أصبح جزءًا هامًا فى العمل والبيت، ومع هذه الأهمية ظهرت له مضار وسلبيات كثيرة على صحة مستخدميه لفترات طويلة، فكيف يمكن تجنب هذه السلبيات، والمحافظة على الصحة مع كثرة استخدامه؟

للحد من مضار استخدام الحاسب الآلى لفترات طويلة ينصح المختصون بالآتى:
1 - الزاوية الأفضل لراحة العين أثناء الجلوس أمام شاشة الحاسب هى الزاوية التى تتراوح من 15 إلى 30 درجة باتجاه الأسفل، بحيث يكون رأس مستعمل شاشة الحاسب فى وضع يسمح بالتخفيف من قوة الضغط الواقعة على عضلات الرقبة، وهنا يكون الرأس ممتدًا قليلاً إلى الأمام، بحيث يميل الذقن بقدر طفيف إلى الأسفل.

2 - وضع شاشة الكمبيوتر بحيث تقطع خطوط ضوئها الساطع مجال الرؤية عند مستعمل شاشة الكمبيوتر؛ لأن الوهج المنعكس هو السبب الرئيسى فى إجهاد العينين.

3 - يكون ثقل الذراع مسنودًا لتخفيف الحمل المستمر الواقع على الكتف، وعضد الذراع، وساعده، وعدم مد العضو كثيرًا إلى الأمام للوصول إلى لوحة المفاتيح، أما الساعدان فينبغى أن يكونا متوازيين للأرضية أثناء استعمال لوحة المفاتيح، مع وضع ساندة صغيرة أمام لوحة المفاتيح مباشرة بذات ارتفاعها لتحميل ثقل المعصم.

4 - الزاوية بين الجذع والفخذ يجب أن تزيد على 90 درجة (ويفضل ما بين 110 إلى 120 درجة)، كما يجب مد الرجلين قليلاً إلى الأمام؛ لأن ذلك يقلل من الضغط، على حركة العضلات فى الظهر، ويعمل على استقامة العمود الفقرى.

كما يجب أن يكون ظهر الكرسى مساندًا للفقرات القطنية أسفل الظهر، أو وضع وسادة صغيرة خلف الظهر، كما يكون ارتفاع الكرسى قابلاً للتعديل فى وضع الجلوس.

6 - أعط لنفسك فترات منتظمة للاستراحة، انهض عن كرسيك، وتحرك فى المكان؛ لأن أى تغير طفيف عن وضع الجلوس ولو لدقائق معدودة يخفف من حدة توتر العضلات.

7 - للحد من إجهاد العينين ركز عينيك على شيء آخر غير شاشة الكمبيوتر من فترة إلى أخرى.
محمد عبد العليم - القاهرة-إسلام ويب

Post: #367
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:33 PM
Parent: #301

كانت الدموع المحبوسة، والصوت المرتجف، والأسنان المصطكة هى إجابات الزوجة عن تساؤلات الموظف الحكومي الذى استدعاها بشأن نشاط تجارى مسجل باسمها، وقد ورثته عن أبيها، أشفق الموظف عليها، وحاول تهدئتها، فقالت بعد أن تمالكت أعصابها:
أرجوك لا تسألنى إن كل المعلومات عند زوجى، وأنا لا أعرف شيئًا، رد الموظف: ولكن النشاط باسمك، وأنت المسئولة عنه، وأردف: ثم إن لك ذمة مالية مستقلة، رفعت رأسها، وبدت على ملامحها علامات الدهشة، والاستنكار، وقالت: ذمة مالية مستقلة عن زوجى، لا .. عيب.
عيب لفظ واحد، يلخص موقف كثيرات من حقوقهن التى كفلها لهن الإسلام، فمراجعة الزوج عيب، والمطالبة بحسن العشرة عيب، والتمسك باستقلالية الذمة المالية عيب، وإنكار ظلم الزوج عيب، وسؤاله النفقة الشخصية عيب، تتحول الحقوق إلى عيوب، وتصبح المطالبة بها تبجحًا، وسوء أدب، وتصرخ المرأة من فرط شعورها بالمهانة والدونية، وتحتج على ضياع حقوقها، وتتهم الرجل بأنه يتآمر عليها، ويتربص بهذه الحقوق، وتنسى أو تتناسى أنها أول المتآمرين والمتربصين، وأن جهلها بحقوقها أو عدم اكتراثها بها هو أول أسباب إهدارها، فحين يفرط صاحب الحق فى حقه ليس له أن يلوم غيره إن كرس هذا التفريط، وبنى عليه ودعمه واستمرأه، ووجد فيه ضالته.
إن البيت المسلم الذى يضم رجلاً يتشبث بما ليس له، وامرأة تفرط فيما لها، هو بيت متهاوى الأركان، يفتقر إلى عمودى الفهم والوعى اللذين يتصدع أى بيت إن انهدما فيه أو على الأقل يبقى قائمًا شكلاً، بينما العلاقات داخله مهلهلة ومنهارة.
وفارق شاسع بين من تضيع حقوقها جهلاً أو تفريطًا أو مسايرة لعرف يستقبح أن تكون المرأة واعية بما لها، متمسكة به، حريصة عليه، وبين من تعرف حقوقها، ولكنها تتسامح فيها، وتتنازل عن بعضها طوعًا وقربى لله، ثم لشريك حياتها، الأولى يحركها إلف العادة، وتكتم فى نفسها إحساسًا جارفًا بالقهر تتعايش معه ولا تملك له دفعًا، والثانية تستمتع بعزة الوعى، وتستشرف الأجر من الله، ولا تشعر بالظلم، بل تجد فيما اختارته منتهى الإنصاف والكرامة.
إن المرأة التى استنكرت أن تكون لها ذمة مالية مستقلة، لا تفرط فقط فى حقها، وإنما تنكره أيضًا فتجمع بين سيئتين: اعتبار حقوقها المشروعة منكرًا، وإعلاء العرف عليها، وإهدار هذه الحقوق.
ومن ثم فإن على حركات تحرير المرأة الإسلامية أن تضع ضمن أولوياتها توعية النساء بحقوقهن ليكن نصيرات لها لا متآمرات عليها، وليكنَّ دلائل حية على عظمة الإسلام، وريادته الإنسانية.
حقوقنا - نحن النساء - كما أهداها لنا ديننا ليست عيوبًا نتبرأ منها، ولا وصمات عار ننكرها، إنها أكاليل عزة، وتيجان تشريف، لا يقلل من قدرها أن ننزلها من فوق رؤوسنا، ولكن المأساة أن الرؤوس التى نزعت من فوقها هذه الأكاليل والتيجان جهلاً أو قسرًا، هى أمضى سلاح نمنحه لأعدائنا ليسددوا به الطعنات فى قلب العقيدة.
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #368
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:35 PM
Parent: #301

فاطمة ورقيه شقيقتان، وفاطمة هى الأخت الكبرى، وتكبر أختها بسبع سنوات، ولقد حباها الله عقلاً راجحًا، ولسانا بينا صادقا، ولهذا تناقشها أختها الصغرى رقية فى كثير من أمور الحياة، وتطلب رأيها فيما يعن لها من مسائل ومشكلات، وفيما تراه من مظاهر متباينة فى الحياة المعاصرة.

ذات مساء اتفقت الأختان على شراء مكواة كهربائية بدلاً من المكواة التى كانت لديها بسبب تلفها، وبسبب انشغال فاطمة فى بعض أمور المنزل، ذهبت رقية لشراء المكواة من أحد الأماكن الكبرى المتخصصة فى بيع الأدوات المنزلية والكهربائية.

قالت رقية لفاطمة حين عودتها: لقد وفقنى الله تعالى فى شراء مكواة جيدة بثمن معقول، إلا أنني صادفت موقفًا غريبًا بعض الشئ فى محل الأدوات الكهربائية.

قالت فاطمة: وما هذا الموقف؟
قالت رقية: فى أثناء شرائى للمكواة، وتفقدى لعدد كبير من أنواعها، وأسعارها، تناهى إلى سمعى - بدون قصد - حديث بين زوج وزوجته كانا يقفان بجوارى، وكان يقومان بشراء بعض الأجهزة الكهربائية أيضًا، حيث قالت الزوجة لزوجها: أرغب فى شراء مفرمة كهربائية تيسر لى أعمال الطهى، فرد زوجها معترضًا: لماذا تريدين شراءها، ولدينا المفرمة اليدوية التى تصلح لجميع الأغراض، وهذه المفرمة اليدوية كانت تستخدمها والدتى ووالدتك، كما أن اللحم المفروم بداخلها له مذاق خاص محبب ، وأعتقد أن المفرمة الكهربائية لا تعطى اللحم المفروم هذا المذاق.

بالإضافة إلى أنك ربة منزل، ولديك الوقت الطويل والكافى فى المنزل الذى يمكنك من استخدام المفرمة اليدوية، ولن تحتاجى للكهربائية التى يمكن أن تستخدمها السيدة العاملة لضيق الوقت لديها، ولهذا أرفض تماما شراء هذه المفرمة الكهربائية، وهنا ظهر الأسى والضيق على وجه الزوجة التى لم ترد، وسارت معه مستسلمة.

قالت فاطمة: لقد منح الله سبحانه وتعالى الإنسان العقل، وكرمه بين جميع الخلق، وألهمه استخدامه فيما يفيده، وييسر عليه معايشه، وبتقدم البشرية اخترع الإنسان العديد من المخترعات التى تيسر له الحياة على الأرض، وتوفر له الوقت والمجهود، فإذا كانت الجدات والأمهات قد استخدمن المفرمة اليدوية، واعتبرنها يومئذ اختراعا عجيبا، حيث كانت تقوم بفرم اللحوم والبقول باستخدام "الهون" أو المطحنة ، والذى كان شائع الاستخدام على عهده، ولهذا فإن استخدام المفرمة اليدوية يومئذ كان يعد تقدما، وأعتقد أنه إذا تم اختراع المفرمة الكهربائية فى عهدهن لتسابقن فى اقتنائها، فلماذا التمسك بالاختراع القديم الذى لا يوفر الجهد والوقت؟
هل هو حب تضييع الوقت فيما لايفيد، أم إن للزوج أسباباً منطقية مثل عدم توافر المال اللازم لشرائها، والذى كان عليه بدوره أن يقنع زوجته بتأجيل شرائها حين ميسرة ، بأسلوب جميل .
ثم إن استخدام المخترعات الحديثة الآمنة فى المنزل، خاصة إذا توفرت المقدرة المادية لشرائها يعد أمرا هاما فى توفير الوقت والجهد سواء للمرأة العاملة أم لربة المنزل، والتى لن تمكث فى مطبخها طيلة النهار تعد الغذاء باستخدام "مفرمة يدوية" مثلا، فى حين أنها لو امتلكت مفرمة كهربائية ستوفر على نفسها المجهود والوقت الذى يمكنها من التفرغ لأمور ذات أهمية أكبر مثل العناية بأطفالها، وتعليمهم، أو توفير الوقت لتحفيظهم القرآن الكريم، أو توفير الوقت لها للاطلاع والتثقيف، وتعلم أمور دينها، أو حضور دروس دينية وغيرها من الأمور النافعة.

قالت رقية: نعم إن على المسلم المعاصر ذكرا كان أم أنثى مهاما جسيمة ينبغى أن يضطلع بها، وأن يدخر وقته للقيام بهذه المهام، فإذا كان يمكنه أن يوفر وقته ومجهوده الذى يبذله فى الأمور الحياتية اليومية، فلماذا لا يفعل ذلك مستخدما الوسائل الحديثة التى تعينه وتساعده على تحقيق أغراضه، وتوفر وقته وجهده للمفيد والأهم؟
ناهد عرنوس-اسلام ويب

Post: #369
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:40 PM
Parent: #301

كان السبب الأول لإسلامه حجاب طالبة أميركية مسلمة, معتزة بدينها, و معتزة بحجابها, بل لقد اسلم معه ثلاثة دكاترة من أستذة الجامعة و أربعة من الطلبة. لقد كان السبب المباشر لإسلام هؤلاء السبعة, الذين صاروا دعاة إلى الإسلام. هو هذا الحجاب. لن أطيل عليكم في التقديم. وفي التشويق لهذه القصة الرائعة التي سأنقلها لكم على لسان الدكتور الأميركي الذي تسمى باسم النبي محمد صلى الله عليه و سلم و صار اسمه (محمد أكويا).

يحكي الدكتور محمد أكويا قصته فيقول:
قبل أربع سنوات, ثارت عندنا بالجامعة زوبعة كبيرة, حيث التحقت للدراسة طالبة أميركية مسلمة, و كانت محجبة, و قد كان من بين مدرسيها رجل متعصب يبغض الإسلام و يتصدى لكل من لا يهاجمه. فكيف بمن يعتنقه و يظهر شعائره للعيان؟ كان يحاول استثارتها كلما وجد فرصة سانحة للنيل من الإسلام.
وشن حربا شعواء عليها, و لما قابلت هي الموضوع بهدوء ازداد غيظه منها,فبدأ يحاربها عبر طريق آخر,حيث الترصد لها بالدرجات, و إلقاء المهام الصعبة في الأبحاث, و التشديد عليها بالنتائج, و لما عجزت المسكينة أن تجد لها مخرجا تقدمت بشكوى لمدير الجامعة مطالبة فيها النظر إلى موضوعها. و كان قرار الإدارة أن يتم عقد بين الطرفين المذكورين الدكتور و الطالبة لسماع وجهتي نظرهما والبت في الشكوى.
و لما جاء الموعد المحدد. حضر أغلب أعضاء هيئة التدريس, و كنا متحمسين جدا لحضور هذه الجولة التي تعتبر الأولى من نوعها عندنا بالجامعة. بدأت الجلسة التي ذكرت فيها الطالبة أن المدرس يبغض ديانتها. و لأجل هذا يهضم حقوقها العلمية, و ذكرت أمثلة عديدة لهذا, و طلبت الاستماع لرأي بعض الطلبة الذين يدرسون معها, وكان من بينهم من تعاطف معها و شهد لها, و لم يمنعهم اختلاف الديانة أن يدلوا بشهادة طيبة بحقها. حاول الدكتور على أثر هذا أن يدافع عن نفسه, و استمر بالحديث فخاض بسب دينها. فقامت تدافع عن الإسلام. أدلت بمعلومات كثيرة عنه, و كان لحديثها قدرة على جذبنا, حتى أننا كنا نقاطعها فنسألها عما يعترضنا من استفسارات. فتجيب فلما رآنا الدكتور المعني مشغولين بالاستماع والنقاش خرج من القاعة.فقد تضايق من اهتمامنا و تفاعلنا. فذهب هو ومن لا يرون أهمية للموضوع. بقينا نحن مجموعة من المهتمين نتجاذب أطراف الحديث, في نهايته قامت الطالبة بتوزيع ورقتين علينا كتب فيها تحت عنوان " ماذا يعني لي الإسلام؟ " الدوافع التي دعتها لاعتناق هذا الدين العظيم, ثم بينت ما للحجاب من أهمية و أثر. وشرحت مشاعرها الفياضة صوب هذا الجلباب و غطاء الرأس الذي ترتديه. الذي تسبب يكل هذه الزوبعة.
لقد كان موقفها عظيما ، و لأن الجلسة لم تنته بقرار لأي طرف, فقد قالت أنها تدافع عن حقها, و تناضل من أجله, ووعدت أن لم تظفر بنتيجة لصالحها أن تبذل المزيد حتى لو اضطرت لمتابعة القضية و تأخير الدراسة نوعا ما, لقد كان موقفا قويا, و لم نكن أعضاء هيئة التدريس نتوقع أن تكون الطالبة بهذا المستوى من الثبات و من أجل المحافظة على مبدئها. و كم أذهلنا صمودها أمام هذا العدد من المدرسين و الطلبة, و بقيت هذه القضية يدور حولها النقاش داخل أروقة الجامعة.
أما أنا فقد بدأ الصراع يدور في نفسي من أحل تغيير الديانة ,فما عرفته عن الإسلام حببني فيه كثيرا, و رغبني في اعتناقه, و بعد عدة أشهر أعلنت إسلامي, و تبعني دكتور ثان و ثالث في نفس العام, كما أن هناك أربعة طلاب أسلموا. و هكذا في غضون فترة بسيطة أصبحنا مجموعة لنا جهود دعوية في التعريف بالإسلام والدعوة إليه, و هناك الآن عدد من الأشخاص في طور التفكير الجاد, و عما قريب إن شاء الله ينشر خبر إسلامهم داخل أروقة الجامعة. و الحمد لله وحده.
" مذكرات ذات خمار" لمحمد رشيد العويد

Post: #370
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:41 PM
Parent: #301

عندما يصل الانحراف إلى مداه ويؤتى ثماره الخبيثة يبدأ المجتمع في استشعار الخطر القادم فترتفع الأصوات مطالبة بوقفة حازمة وشجاعة ويطالب الجميع بضرورة الضرب بيد من حديد واستعمال أقصى وأقسى العقوبات ضد المنحرفين حتى تختفى هذه الجرائم الاجتماعية الخطيرة.
وإذا كنا نحن في مقدمة المطالبين بهذه الوقفة الحازمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب والانحراف بشتى صوره.. إلا أننا نتساءل: هل يعتبر هذا هو الحل الوحيد أم أن هناك إطارًا اجتماعيًّا ومناخًا عامًّا يجب أن يكون سائدًا منذ البداية؟
وما هي ملامح هذا المناخ؟ وما هي الأسباب الحقيقية والعوامل التي تحول دون وجوده؟

نتاج مجتمع فاضل
يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية السابق: بصفة عامة الفرد الفاضل نتاج مجتمع فاضل، فنحن أبناء مجتمعنا نتلقى من الأسرة والمدرسة والبيئة والقدوات الموجودة حولنا ومن المسجد.. كل هذه المصادر تربينا وتشكل سلوكياتنا، فإذا أرادنا مجتمعًا فاضلاً أفراده فاضلون، لابد أن ندقق فيما تقدم هذه الجهات المؤثرة ونحاسب أنفسنا حسابًا عسيرًا.. ونحن لا نفعل هذا، فالأسرة لا ترعى أولادها.. حيث ينشغل الوالدان بالعمل ويتركان أولادهما للتليفزيون وزملاء الشارع أو النادي .. والمدرسة.. المدرس نفسه قدوة سيئة وبعضهم يتحدث عن غرامياته في الفصل، فهناك تسيب إداري وأخلاقي.. كل إمكاناتنا التربوية والتثقيفية تبنى مجتمعًا غير إسلامي.. فالإعلام دومًا يتحدث عن الفن الذي تحرر من وصاية الدين والأخلاق.. والمذيعة لا تظهر محجبة.. تلك هي القدوات التي نقدمها للشباب بقصد وعمد وتخطيط.. ثم نبكي على هذه الظواهر.

إعلام يدعو إلى الرذيلة
أما الدكتورة إجلال خليفة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة فتقول: الإعلام يدعو إلى الرذيلة ويحث على الفحشاء.. فترى في كل الأغاني والأفلام.. سمة المرأة الرئيسية.. راقصة في معظم المستويات وكل شرائح المجتمع حتى الخادم والخادمة.. الإعلانات كلها رقص.. كل شيء يرقص حتى برامج الأطفال.. والتليفزيون بالذات يقتحم على الناس بيوتهم وأصبح قدوة وأبًا ثالثًا، بل إنه أصبح في كثير من البيوت المربي الوحيد للأولاد، فلنتق الله في أطفالنا وشبابنا.. لماذا لا يعبر الفن عن الأنشطة الإنسانية ككل؟! لماذا نركز على الغريزة الجنسية فقط، نغفل الفطرة الطيبة؟ لماذا لا نرى الدين إلا في المناسبات رغم أن الدين هو الحياة ويجب أن يشمل كل سلوكياتنا ويهذب كل جوانب حياتنا؟!!

كلمة طيبة وأخرى خبيثة
لقد جعل الله تعالى صناعة الكلمة قسمين: "كلمة طيبة وكلمة خبيثة".. والإعلام للأسف يقدم 0.5% كلمة طيبة، والباقي كلمات خبيثة، وأنا لست ضد أو مع أحد.. لكن إذا حللناها سنجد معظم ما يقدم ينافي الحياء ويخل بالآداب العامة.. لقد أدرك أعداء الإسلام أن الكلمة أخطر من الصاروخ؛ لأنها تشكل الإنسان وتستعمره وتحوله من منتج إلى شرير معتد، ومن أجل ذلك تنفق الملايين على الإذاعات الموجهة لإفساد الشباب.. فالإعلام هو الاستعمار الحديث.. كل الدول الحديثة عندها إذاعات موجهة للاستحواذ على مشاعر الشعوب وعقليتها.. فيرسلون جيوشًا من الكلمات عبر الأثير سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.. إذا لم نوجهها هنا ونحمي الناس بكلمة طيبة فسوف تحقق أهدافها.
أما الدكتور كمال الدين حسين، بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة، فيرى أن: الظواهر الاجتماعية إفراز لبنية اجتماعية تعاني من الانفصام؛ فالأب اليوم لم يعد النموذج القدوة في البيت من خلال عجزه الاقتصادي عن تلبية احتياجات الأسرة.. الأبناء فقدوا الأمان والدفء الأسري لانشغال الأبوين في ملاحقة تلبية الاحتياجات الدنيوية.. ناهيك عما يتلقاه الأطفال من الأجهزة الإعلامية وما يشاهدونه من مثيرات عن طريق الإعلانات أو الأعمال الدرامية دون المستوى والتي تبعد عن مناقشة المشاكل الحقيقية للواقع أو من خلال الصحافة التي تحاول أن تجمل كل الأشياء بدون مراعاة للصدق ومن غير منطق ولا موضوعية، الأمر الذي يفقدها كل مصداقية مما يؤدي بالضرورة إلى خلق أجيال تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. واختلال المعايير أو اختلال في السلوك والممارسة.
**(ما هو الحل؟)***
وعن المنهاج السليم لتنشئة الطفل تتحدث الدكتورة إنشراح الشال فتقول: لقد حدد الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا كيفية التنشئة السوية للطفل.. فقد بدأ التعهد بتربيته من مرحلة مبكرة تسبق وجوده على الأرض سعيًّا لإيجاد الأسرة التي تحميه من الانحراف فأوصى باختيار الزوجة الصالحة " فاظفر بذات الدين تربت يداك "، كما أكد على قبول الخاطب الصالح: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..". كما أرشدنا إلى ضرورة الانضباط الخلقي بكل معانيه حتى يكون الأبوان قدوة في مجال العفة والالتزام الديني والخلقي. فأكد على ضرورة استئذان الطفل على أبويه قبل البلوغ في أوقات ثلاثة وهي فترة النوم من بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر ووقت القيلولة ظهرًا، حيث يغلب أن يكون الأبوان قد نزعا ثيابهما. أو تكون الأم في وضع لا يجوز أن يراها فيه الطفل، فإذا بلغ الطفل الحلم وجب أن يستأذن في كل الأوقات.
كما علمنا القرآن الكريم كذلك الاحتشام في اللبس وعدم إظهار المفاتن لعدم إثارة الفتنة، والتحشم في الألفاظ والحديث، وأوصانا النبي r بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فقال: "و فرقوا بين أولادكم في المضاجع".
بهذا ينشأ الطفل على الحياء وتأخذ الغريزة الجنسية مسارها الطبيعي في التكون والظهور، ويكون الطفل أقل تجاوبًا مع صور الانحراف التي لا يخلو منها أي مجتمع.. ولكني أنادي بضرورة تكاتف المؤسسات التربوية المشتركة في تنشئة الطفل حتى لا أبني من ناحية وغيري يهدم من ناحية أخرى على الأقل تلك التي تقتحم علينا بيوتنا كالتليفزيون. فمتى نتقي الله في أطفالنا وشبابنا وهم مستقبل هذه الأمة؟!.
مجلة هاجر

Post: #371
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:44 PM
Parent: #301

قوة المجتمع تصنعها صحة الشباب
تجمعات الشباب أمام محلات الوجبات الجاهزة، الأكل على الواقف فى فسحة المدرسة وبين المحاضرات، البسكوت والشيكولاته بدلاً من الوجبة الغذائية الكاملة، مظاهر تميز السلوك الغذائى لفتياننا وفتياتنا المشغولين بدراستهم، أو الذين انتقلت إليهم عدوى الأكل السريع الذى لا يبنى جسمًا، ولا يثمر صحة، ونحن أحوج ما نكون إلى شباب صحيح البنية، قوى الجسم يذود عن دينه ووطنه، خاصة إذا ارتبطت القوة بالإيمان، فالمؤمن القوى خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، كما قال (صلى الله عليه وسلم).

وتعد مرحلة بداية الشباب من المراحل المهمة شديدة الحساسية للتكوين النفسى للإنسان، وهى على ذات الأهمية بالنسبة للتكوين الجسدى أيضًا، فهى فترة نمو مطرد ونشاط متزايد تحتاج إلى غذاء سليم من حيث النوع والكم، ويذكر بعض خبراء التغذية هذه المرحلة بأنها آخر فرصة للإنسان ليبنى جسمًا سليمًا يعينه باقى أيام حياته، ولأن عواقب النظام الغذائى غير المتوازن لا تظهر إلا فى سن لاحقة فى الحياة، يصعب إقناع الشاب بأن سلوكه الغذائى غير سليم.

الأخطاء الشائعة فى غذاء المراهقين:
تذكر كارلا مراد، أخصائية التغذية فى كتابها أسرار التغذية، بعض الأخطاء التى تشيع فى وجبات الشباب، وهى:

1 - كثرة المأكولات المقلية والشيبسى:

حيث يجذب الشباب مذاقها، وانتشارها بشكل مغرٍ فى المحلات والمطاعم، ومشكلتها احتواؤها على نسب عالية من الدهون مع سعرات عالية، وبذلك تأخذ مكان الغذاء الصحى كالخضراوات والحبوب.

2 - كثرة السكريات والمشروبات المحلاة:

معظم الشباب يلجؤون إلى المشروبات الغازية والعصائر المصنعة، والحلويات والمشروبات الغنية بالسكر تؤدى إلى السمنة الزائدة، والتقليل من تناول الماء والعصائر الطبيعية.

3 - كثرة الأكل بين الوجبات:

وهو عامل آخر مسؤول عن زيادة الوزن؛ حيث يخفف من شهية الشاب للوجبات الرئيسة لينكب على الوجبات السريعة حين يشعر بالجوع.

4 - قلة الخضراوات والفاكهة:

وذلك بسبب كره بعض الشباب لمذاقها، أو انشغالهم بالوجبات السريعة الأخرى، وقلة استهلاك الخضراوات والفاكهة يؤدى إلى مشاكل الإمساك، وقلة الفيتامينات والمعادن، وتظهر هذه الآثار عند بلوغ سن الرشد.

مكونات الوجبة الصحية فى مرحلة الشباب:

تقول الأستاذ الدكتورة هدى سلامة إبراهيم - أستاذة التغذية وعلوم الأطعمة بكلية الاقتصاد المنزلى جامعة حلوان - إنه نظرًا للنمو المطرد والنشاط الكبير اللذين يحتاجهما الشاب، فوجبته الصحية يجب أن ترتكز على ثلاثة أعمدة:

(1) النمو وبناء أنسجة الجسم:

وهذا دور البروتينات، ولا شيء إلا البروتينات، وهى نوعان: الحيوانى والنباتى، وإن كان الحيوانى هو الأفضل لاحتوائه على كل الأحماض الأمينية اللازمة للجسم.

(2) الطاقة:

وهنا يأتى دور الدهون والنشويات والسكريات، وتتمثل الدهون مثلاً فى الزيت أو السمن أو الزبد الداخل فى صنع الطعام، والكربوهيدرات فى الأرز والمكرونة والخبز والبطاطس وغيرها، وتوضع المكونات الخاصة بالطاقة مناسبة للنشاط الذى يقوم به المراهق.

(3) الوقاية:

من خلال الفيتامينات والأملاح المعدنية، وتوجد الفيتامينات بشكل عام فى الخضراوات والفاكهة، والتى يفضل أكلها طازجة دون التعرض للطهى والحرارة.

الأملاح المعدنية المهمة كثيرة، منها الكالسيوم المهم للعظام، والحديد لبناء الدم، والصوديوم لتنظيم الضغط الأسموزى داخل الخلايا، كما أن هناك أنواعًا من الأملاح المعدنية يحتاجها الجسم بكميات صغيرة مثل: اليود المهم لذكاء الإنسان، والاحتراق الداخلى فى الجسم والنمو.
ويوجد بسهولة فى الملح المدعم باليود، ولكن يجب الحذر من الأنواع الرخيصة من الملح التى قد تسبب تلفًا فى الكبد أو الكلية، ويوجد اليود أيضًا فى الأسماك والمأكولات البحرية، وأيضًا فى النباتات والمحاصيل التى زرعت فى أراضٍ مجاورة للمحيطات والبحار.

ويراعى عند تكوين وجبة غذائية للشاب:
1 - وزنه ونشاطه وكمية المجهود الذى يقوم به، فمثلاً يحتاج المراهق يوميًا لجرام من البروتين لكل كيلو جرام من وزنه، فإذا كان الوزن ستين كيلو جرامًا فيحتاج إلى ستين جرامًا من البروتين، وهذا يعنى شريحتين من اللحم، أو ربع دجاجة أو سمكتين، أو طبقًا من العدس أو الفاصوليا الجافة أو اللوبيا.

مع الأخذ فى الاعتبار أننا نستطيع - بإذن الله - تكوين وجبة صحية دون أن يرتبط ذلك بغلاء الثمن.
فهناك بدائل رخيصة لأطعمة غالية الثمن كما تقول هدى سلامة: فالحديد مثلاً متوافر بشكل جيد فى الكبدة إلا أنها غالية الثمن، ولذا يمكن أن نلجأ إلى الحديد النباتى المتوافر فى العسل الأسود، والباذنجان، والسبانخ، والفلفل الأخضر، والخضراوات الورقية، إلا أن الحديد النباتى أقل فائدة فى الجسم من الحيوانى بسبب صعوبة امتصاصه، ولذلك نلجأ إلى جرعة من فيتامين ج مع وجبة الحديد النباتى لرفع امتصاصه، وهذا يأتى من ثمرة من البرتقال أو عصيرها الطازج أو أى مصدر آخر، مع عدم تناول الشاى أو القهوة بعد الوجبة لمدة حوالى ثلاث ساعات.
أيضًا للحصول على وجبة من البروتين النباتى متكاملة الأحماض يمكن أن نتناول طبقًا يحتوى على الحبوب والبقول معًا، وقد يتمثل ذلك فى طبق الكشرى المعروف الذى يختلط فيه الحمض مع العدس مع الأرز، وإذا تناولنا بجانبه بيضة تكون الفائدة كبيرة.

الوجبة المنسية:
عادة ما تكون وجبة الإفطار مظلومة ومنتقصة ذلك أن الوقت فى الصباح يكون ضيقًا، فيلجأ الشاب إلى توفير وقت الإفطار لإنجاز ما عليه من واجبات، وقد يرى أن تعويض ذلك يأتى بوجبة خفيفة خلال اليوم، ولكن إلغاء وجبة الإفطار يعنى إلغاء ثلث احتياجات الجسم، كما أن وجبة الإفطار تأتى بعد مدة صيام عن الطعام لمدة ثمانى ساعات أو أكثر، مما يعنى أن الجسم يكون فى الصباح مفتقدًا لأى مصدر من مصادر الطاقة والنشاط، وتذكر الدكتورة هدى سلامة بعضًا من خصائص وجبة الإفطار:

1 - يجب أن تكون هذه الوجبة سريعة التحضير، مثلاً فطيرة بالعجوة مع كوب من الحليب، أو كوب من البليلة باللبن، أو أنواع من البسكوتات والفطائر المنزلية، وثمار من الفاكهة.

2 - يجب أن تتناسب مع الفصل الذى نحن فيه، ففى الشتاء مثلاً يجب أن تكون دافئة مثل أن تحتوى على مشروب الكاكاو بالحليب أو أى مشروب مغذ دافئ حتى تبعث الدفء والحرارة فى الجسم لكى تهيئ المعدة لاستقبال باقى الطعام.

4 - ألا تفتقر إلى الفيتامينات مثل كوب العصير، وقد يكون كوبًا من عصير الطماطم أو الليمون يحتوى على فيتامين ب المركب للذكاء والتحصيل، ويقوم كوب من بليلة القمح بهذا على أكمل وجه.

6 - تتضمن البروتينات مثل البيض أو الجبنة البيضاء أو الفول المدمس أو الطعمية ( الفلافل)، ويراعى إجبار الشاب على الإفطار، بل جذبه إلى هذه الوجبة بعوامل فتح الشهية، وتنوع المادة الغذائية يومًا بعد يوم، والتقديم الجيد لها.

ومن المعروف أن هناك أغذية تؤثر سلبًا على الجهاز العصبى مثل: الشيكولاته والمواد الحافظة والحلويات الصناعية، التى تحتوى على حمض الساليسلك، كما أن الكالسيوم له مفعول معاكس؛ حيث يريح الأعصاب، وينظم الضغط الأسموزى، وأفضل مصادره اللبن ومنتجاته.
مركز الإعلام العربي

Post: #372
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:50 PM
Parent: #301

أيهما أثمن: الرجل أم الذهب ؟
صورة رائعة ما أحوجنا إلى أن تسود اليوم بيوتنا بعد أن صار شراء الشَبْكة (الذهب ) جبلاً فوق كتف الشباب، حيث وصل سعر جرام الذهب في مصر مثلاً إلى سبعين جنيهًا، وأصبح ثمن الشَبْكة "المتواضعة" كافيًا لشراء كثير من مستلزمات عش الزوجية.
وفى ظل هذا الارتفاع الجنونى فى سعر الذهب لابد من وقفة نراجع فيها "الشَبْكة" وندعو إلى عدم المغالاة فيها، إن لم يكن إلى إعادة النظر فى المبدأ نفسه، بحيث يكون على الخاطب أن يقدم هدية لعروسه إثباتًا لصدق الرغبة فى الزواج، وتأليفًا للقلوب، ولكن على ألا يشترط أن تكون الهدية ذهبية، إذ يكفى أن يكون هناك هدية، بكم ؟ ، ومن أية خامة ؟ لا يهم، فأثمن شَبْكة لا تصنع الوفاق والسعادة.
وخاتم الحديد الذى نصح الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابى الفقير بالتماسه عند الزواج كان لبنة بيت حظى بشرف الانتساب إلى عصر النبوة.

**وجهتا نظر مختلفتان***
تقول نجاة محمد: إذا جاء شاب لخطبة ابنتى، فعليّ أولاً أن أتأكد أنه ملتزم ومتدين، وسيراعى الله فى ابنتى، وهذا أهم شيء، أما عن الشَبْكة فإننى سأتركها وفق إمكانات العريس، وذوق العروسين، وأنصحهما بادخار جزء من المبلغ المخصص لتأثيث منزل الزوجية الذى يقول دائمًا "هل من مزيد؟".

أما السيدة زينب عبد العزيز - ربة منزل - فتقول: لقد تعودنا أن الشَبْكة من قيمة العريس، وتقدير لمكانة العروس، ومكانة عائلتها.

فإذا لم يتقدم لابنتى من يثاقلها بالذهب، فلا ضرورة منه، إن علينا أن ننتقى لها من نتشرف به، ونتشرف به أمام عائلتها، وتكون شَبْكته مضرب المثل فى قيمتها وذوقها.

**يوم واحد أم طول العمر؟***
وإذا كان الرأيان السابقان يعكسان طرفى القضية، الرحمة بالخاطب، والاستسلام المطلق للعرف، والتقاليد، فإن للفتيات مواقف أخرى مبشرة لو استطعن فرضها، ولم يرضخن لرأى الأهل لقضينا على شق كبير من مشكلة العنوسة بتخفيف عبء الشبكة الثقيل عن كاهل الشباب، وهذه بعض آرائهن.

أسماء شعبان - طالبة جامعية: الشبكة فى تقديرى هدية من العريس، والهدية لا تقدر بقيمتها المادية، وإنما بقيمتها المعنوية، فما المانع أن تكون الشبكة بسيطة على أن أدخر ثمنها لشراء شيء مفيد لمنزلنا مثل: غسالة "فول أتوماتيك"، أو غيرها من الأشياء العملية، والأكثر فائدة من الذهب.

إيمان إبراهيم - مدرسة: الشبكة هى أول خطوة من خطوات الزواج، فينبغى أن تأخذنا الرحمة والرأفة بالعريس؛ لأن مشوار الزواج لا يزال طويلاً، فما المانع من قبول شبكة بسيطة حتى نكمل تأثيث المنزل، وعندما يرزقنا الله بعد الزواج، فلن يبخل عليّ زوجى بشراء أى شيء أحتاجه؛ لأننى وقفت بجانبه فى البداية، وسيذكر لى هذا الموقف ويحملنى فى عينيه.

منى صابر - طالبة جامعية: هذه الشكليات - كما تسمينها - من الأشياء الضرورية فى مجتمعنا، فالناس يقولون بنت فلان جاءت لها شبكة كذا، بمبلغ كذا، تبدأ المقارنات فتصر الفتيات المقربات من هذه الفتاة على طلب شبكة ومهر بذات المبلغ، وإلا يكون هذا تقليلاً من شأنهن.
أما عن نفسى فسأطلب شبكة معقولة، ولكنها تشرفنى أمام أقربائى وصديقاتى فلست أقل منهن.

سمية عبد الحكيم تقول: اكتفيت بدبلة وخاتم عند شراء الشبكة، وذلك لارتفاع أسعار الذهب، واقترحت على خطيبى توفير سعرها لشراء ما أحتاجه لتأثيث المنزل، فهو الأهم، ثم فلماذا أكلف الشاب - الذى هو زوج المستقبل - فوق طاقته؟ حتى إذا ما وفر لى ما أحتاج، وتزوجنا بالفعل نبدأ حياتنا بسداد الديون والأقساط التى تربكنا وتضيق علينا من أول أيام حياتنا، وتفسد علينا سعادتنا وعشرتنا، ففرحة الشبكة يوم واحد، وفرحة التفاهم، ومراعاة الظروف، والقناعة، والرضا طول العمر.

ويلتمس الحاج أحمد عرفة - صاحب إحدى محال بيع الذهب - العذر للشباب فى الإحجام عن الزواج بسبب أعباء الشبكة بعد الارتفاع المذهل فى أسعار الذهب، مما يشكل عقبة حقيقية أمام الشباب المقبلين على الزواج، والذين حددوا مبلغًا معينًا لها، لا يكفى بالأسعار الحالية لشراء شيء، خاصة أن اختيار الشبكة يختلف وفق عادات كل منطقة عن الأخرى، ففى الأرياف مثلاً تتحدد الشبكة بعدد جرامات تعينه كل عائلة لبناتها، أما فى المدن فيتم الاتفاق بين العريس وأهل العروس على مبلغ معين لشراء الشبكة، وتكون غالبًا وفق إمكانيات العريس.

**خاتم ودبلة ومحبس***
وينصح الحاج عرفة كل عروس بأن عليها أن تتفهم ظروف زوج المستقبل فى مقتبل حياته، وأن تسهم معه ببعض من التنازلات عن هذه الشكليات لإتمام تأثيث الشقة التى باتت الهم الأكبر لدى الشباب بعد هم الحصول على شقة الزوجية المناسبة، وحول أطرف موقف شراء شبكة تعرض له الحاج أحمد عرفة فيقول: كان موقفًا مؤسفًا وليس طريفًا، فقد حضر عندى عروسان، وأصرت العروس على اختيار شبكة معينة، فاقت المبلغ المتفق عليه مع عريسها بفارق كبير، وصممت العروس على ما اختارته، وأبت إلا أن تشترى ما اختارته، فخرج العريس بعد أن أنهى كل شيء، انهارت العروس، وأغمى عليها من البكاء.

**البعد الاجتماعى للشبكة ***
يقول الدكتور صلاح الفوال - أستاذ علم الاجتماع: إن الشبكة هى نوع من التعبير عن المحبة والإعزاز من العريس لعروسه، وزوجة المستقبل، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لمن يرغب فى الزواج وليس عنده مهر كبير "التمس ولو خاتمًا من حديد" وهى دعوة بليغة لتيسير الزواج، وعدم المغالاة على الشباب حتى لا يعزفوا عن الزواج.
أما إذا خضعنا لتلك الأعراف والتقاليد الخاصة بالشبكة، والتى هى من قبيل مظاهر البذخ والمفاخرة، التى تجتاح مجتمعنا هذه الأيام دون النظر لواقع حال هؤلاء الشباب، فإننا بهذا نهدم أول لبنة من لبنات تأسيس المجتمع وهى الأسرة ونساهم فى تفاقم ظاهرة عزوف الشباب عن الزواج.
ويرى أن مثل هذه الظواهر وغيرها تحتم على المجتمع أن يسعى إلى إعادة تكوين القيم، وتشكيل العادات لإحلال الأعراف الصالحة الميسرة محل الفاسدة المعسرة.
وعلى ولى الأمر أن يراعى الله تعالى فيمن يتقدم إلى خطبة الفتاة، وأن يرجع إلى تعاليم الدين الحنيف، والأخذ بشرائعه، والأصل فيها هنا التخفيف على الشباب، والابتعاد بالمجتمع عن المهالك والمفاسد، فكما قال (صلى الله عليه وسلم): "إذا جاءكم من ترضون دينه، وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير".

ويكمن هنا الدور الفعال لوسائل الإعلام فى الكشف عن سلبيات المغالاة على الشباب فى أمور الزواج بدءًا من الشبكة وغيرها من الأمور، والقضاء على ما وصل إليه المجتمع من التأثر بموضة المظاهر والتفاخر بين العائلات، وكان ضحاياه الشباب ذكورًا وإناثًا.
د. صلاح الفوال-إسلام ويب

Post: #373
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:54 PM
Parent: #301

الأرملة والمجتمع
مات الزوج، التف الجميع حولها معزيًا ومواسيًا، وما أن انتهت أيام العزاء حتى وجدت نفسها وحيدة أمام مأساتها ومسئولياتها الجديدة، وبالإضافة إلى هذه المعاناة تبدأ معاناة من نوع آخر، معاناتها من نظرة المجتمع لها لكونها بلا زوج، فيحسبون عليها حركاتها وسكناتها.
فما هو موقف المجتمع من الأرملة؟ وما تقييم الأساتذة المتخصصين لهذه النظرة؟

هذا ما سيجيب عنه التحقيق التالى:
مسئولة عن صورتها
يقول د. حمدى ياسين - أستاذ علم النفس الاجتماعى بجامعة عين شمس - إن الرؤية تعتمد على طبيعة وثقافة وأخلاقيات هذا المجتمع، ومدى التزامه بدينه، والخبرات التى مر بها فى الأسرة من تعرض أمه، أو أخته للترمل، فيكون حكمهم على المرأة صحيحًا وثاقبًا.
وتسهم الأرملة نفسها فى بلورة هذه النظرة سلبًا أو إيجابًا، فإذا كانت هذه السيدة "الأرملة" وفية لزوجها، مكافحة مع أولادها، فإنها غالبًا ما تلقى المساندة والتأييد، والتعاطف من قبل الآخرين لدعم رسالتها، واستكمال رحلتها فى تربية أبنائها ورعايتهم والعكس صحيح.
ويضيف د. حمدى ياسين أن الوعى والثقافة الدينية للمحيطين بالأرملة يلعبان دورًا كبيرًا فى تشكيل الصورة الاجتماعية بحيث لا يأخذون الناس بالشبهات، ولا يتسرعون فى قذف المحصنات، والحكم عليهن بلا بينة.

ويرى أن الصورة الإيجابية للأرملة تساعدها على الانخراط والتفاعل مع الآخرين فى العمل، وبين الجيران، والأقارب، وبدلاً من أن تجلس وحيدة تجتر الماضى وذكرياته، وتكون مرتعًا لوسوسة الشيطان، تحاول أن تخلق لنفسها جماعات مرجعية بشرية سوية، تكون بمثابة إسعافات سريعة لتضميد جراحها، وضمان عودتها للبداية الصحيحة بعد ترتيب أوراقها.
أما د. نبيل السمالوطى - عميد كلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر سابقًا - فيعرف الأرملة بأنها سيدة قُدر لها أن تفقد زوجها وسندها وعائلها، ويستتبع التعريف أن تناول رعاية المجتمع المسلم الذى ينبغى أن يكفلها كفالة سوية هى وأبناءها، ويقرر أن المجتمع العربى مازال ينظر للأرملة نظرة تعاطف وتراحم باعتبارها ذات ظروف خاصة، وتحتاج لمن يساندها، ويدعم كفاحها.
ويرى د. السمالوطى أن هذه النظرة الإيجابية للأرملة قد تتغير نوعًا ما إذا أقبلت الأرملة على الزواج مرة أخرى فيعتبرها الآخرون جاحدة، وغير وفية لذكرى زوجها أو غير حريصة على أبنائها.
برغم أن هذا الزواج حق أساسى أجازه لها الشرع بعد انتهاء العدة، خاصة إذا كانت فى مقتبل العمر، ولديها أطفال بحاجة إلى رعاية الأب، فلها أن تتزوج لكى تعف نفسها، وتكمل حياتها فى ظل أسرة طبيعية، وعلى الزوج أن يكون رءوفًا رحيمًا بهم، وأن تكون لديه القدرة على التعامل معهم، بحيث يحل محل الأب فى حياتهم، أما الحالات التى تظهر فى صفحات الحوادث من أن زوج الأم يطرد أولادها، أو أن الأم "الأرملة" تتخلى عن رعاية أبنائها ما هى إلا حالات استثنائية شاذة لا يمكن القياس عليها فى تحديد موقف المجتمع من زواج الأرملة.
ولكن إذا كان زواج الأرملة حقًا شرعيًا لها، فإن الأفضل لها أن تعكف على تربية أبنائها وتحيطهم برعايتها.

الإعلام ظلم الأرملة
ويقول د. السمالوطى: إن الإعلام ظلم الأرملة فأظهرها متسيبة أخلاقيًا، وعلى الإعلام أن يتقى الله فيما يعرض، ينبغى عليه أن يعرض ما يجب أن يكون عليه دور وصورة الأرملة حتى تصبح قدوة لغيرها؛ لأن وسائل الإعلام تؤثر فى تشكيل القيم والسلوك والتوجهات سواء فيما يتعلق بزواج الأرملة، أو كفاحها حتى لا يشوه هذه الصورة المشرفة.

**مشكلات من جوانب متعددة***
وتذكر الأستاذة منال عبد العال - المدرسة بقسم الاجتماع بآداب القاهرة - أن نظرة المجتمع للمرأة التى بلا زوج أرملة أو مطلقة واحدة، إلا أنها بالنسبة للأرملة تبدأ بالشفقة، وللمطلقة بالتوجس والشك، ومن ثم فإن النظرة للأرملة أرق؛ نظرًا لأنها فقدت العائل لظرف خارج عن إرادتها، وتواجه الأرملة مشاكل عدة:
أولاً: من ناحية أهل الزوج، فلو أرادت أن تتزوج ولديها أبناء تبدأ مشاكل الحضانة، وأحيانًا يطلب أهل الزواج منها الزوج من أحد أفراد العائلة، وذلك من أجل الأولاد، كما أنها تصبح مصدر قلق لنساء العائلة خوفًا على أزواجهن.
ثانيًا: ومن ناحية أهل الزوجة فإنها تخضع لرقابة صارمة خوفًا عليها إذا لم تنتقل إلى بيت أهلها، وظلت فى بيت الزوجية، وقد يكون الأمر سهلاً إذا كانا الأبوان أحدهما، أو كلاهما على قيد الحياة، ولكنه يكون صعبًا إذا كانا قد توفيا.
ثالثًا: تسوء علاقات الجوار والصداقة إلى حد كبير وتخشى أى امرأة أن ينظر زوجها إلى هذه الأرملة.
الحاجة إلى الزواج
أما نفسية الزوجة فتحدثت عنها د. آمنة أبو كيفة - إخصائية العلاج النفسى بالعيادة النفسية جامعة عين شمس - فتقول: لاشك أن الزوج هو العائل والسند، والمرأة حينما تفقد هذا السند يحدث لها عدم اتزان لفترة، ثم تصبح إحدى اثنتين، إما أن تتماسك أو تنهار، والمرأة المسلمة العربية عامة لديها قوة وإرادة، وتتحمل الصدمات، وتستطيع أن تقوم بدور الأم والأب، خاصة إذا كانت عاملة.
ومن الناحية النفسية تتعرض الزوجة لفراغ عاطفى، وكذلك الأبناء نتيجة لغياب الزوج، وهنا تأتى حاجة المرأة إلى الزواج لتسد هذا الفراغ، وأحيانًا تواجه المرأة حين ترغب فى الزواج مشكلات نتيجة ضغوط المجتمع، والخوف على الأبناء، فتعيش فى صراع بين حاجتها وخوفها على الأبناء، وقد يتغلب حب الأبناء والخوف عليهم على رغبتها فى الزواج أو تتطور الصراعات داخلها إلى قلق وإحباط، واكتئاب، وينعكس ذلك كله على أبنائها، والمحيطين باعتبارهم السبب الذى يحول دون سعادتها، وعلى ذلك ينبغى على المجتمع أن يساعد المرأة على الزواج إذا رغبت فى ذلك، ولا يعد ذلك نكرانًا للشريك الراحل، أو جحودًا منها، والأبناء، والأقارب أولى الناس بذلك.
رؤية شرعية
وعن الرؤية الشرعية لزواج الأرملة يحدثنا الدكتور عبد العزيز رمضان سمك - الأستاذ المساعد بقسم الشريعة حقوق القاهرة - فيقول: إن الإسلام يراعى الفطرة البشرية، ومن ثم أحل زواج الأرملة، وجعل لها فترة عدة، وهى أربعة أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل لو كانت حاملاً، وقد تزوج الرسول (صلى الله عليه وسلم) من أرامل ومنهن أم سلمة، التى عرض عليها الخطبة فقالت ليس من أهلى أحد حاضر، فقال لها ليس من أهلك حاضر، ولا غائب ينكر هذا الزواج، فقالت لابنها قم فزوج رسول الله.

ويضيف: أن القرآن أباح خطبة المعتدة أثناء العدة، ولكن بالتلميح والتعريض وليس التصريح. والزواج حصن للمرأة والرجل معًا، وإن كانت هناك تقاليد تنظر للأرملة التى تتزوج نظرة سيئة، فهى نظرة خاطئة، ولكن ينبغى أن تراعى الأم مصلحة أبنائها فى اختيار الزوج، وأن يراعى الأبناء أيضًا والدتهم، ويحسنوا إليها إذا رغبت فى الزواج فى أى سن ولا يتهموها، وأدعو المجتمع لمراعاة الأرامل، والرجل الذى يرعى الأيتام فى بيته سيكون رفيق النبى (صلى الله عليه وسلم) فى الجنة.

ويرى د. راشد أن الأرملة بحاجة إلى وقت ليس بالقصير لتتكيف مع حياتها الجديدة؛ إذ تشعر فى بداية الوفاة بأنها ضعيفة وعاجزة عن اتخاذ أى قرار، ولا تستطيع تحمل أية مسئولية، وبمرور الوقت تتكيف مع الوضع الجديد، خاصة إذا ساعدها المحيطون على تنمية ثقتها بنفسها وبقدراتها.
ويوجه د. راشد السهل الأرملة إلى طريقين للتغلب على معاناتها النفسية عليها أن تتلمسهما.
1 - الإكثار من العبادات، وقراءة القرآن، والصلاة.
2 - واكتساب المزيد من المعارف والمعلومات التى تساعدها على التعامل مع واقعها الجديد بنجاح.
مركز الإعلام العربي

Post: #374
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:56 PM
Parent: #301

بعض أمراض المسنين يعالجها الصيام، والغذاء السليم يحمى شيوخنا من بعض المشكلات المصاحبة لنهار الصوم
رئاسة جلسة القرآن.. الإشراك فى المهام المنزلية.. استحسان الطعام الخاص.. سلوكيات تمنح المسن الرضا النفسى وترفع معنوياته
"أفطر؟ مستحيل .. على رقبتى"، يقولها أو تقولها، تترقرق العينان بالدموع، وترتعش جنبات الفم، ويأتى الصوت متهدجًا بالبكاء، "لا يمكن إلا أن أصوم مهما كانت الظروف".

فكل آبائنا وأمهاتنا المسنين يصرون على الصيام مهما كانت حالتهم الصحية، يتحايلون على مواعيد الدواء بتناولونه فى الإفطار والسحور فقط ، يتحملون جفاف الريق، ويتحرجون من الأخذ يرخصه الإفطار، فرمضان بالنسبة إليهم عيد سنوى لا يعرفون إن كانوا سيعيشونه عامًا آخر أم لا، ولذلك يأبون أن يضيعوا الفرصة.
حول شيوخنا والصوم، وكيف يقضون شهرًا من الطاعة بلا متاعب صحية خاصة أن الصوم يفيد فى علاج أمراض الشيخوخة كان هذا التحقيق.

هناك بعض المشاكل الصحية التى تصيب المسنين خلال شهر رمضان تحددها كارلا مراد خبيرة التغذية فى:

- الإمساك:

وهو مرض شائع عند كثير من المسنين، ولذلك يجب على المسن أن يشرب كمية من المياه، وليكن لترًا ونصف لتر ماء من ساعة الإفطار وحتى النوم .
- كما يُنصح بتناول طبق كبير من السلطة يوميًا فى وجبة الإفطار.
- تناول طبق مؤلف من المشمش المجفف المنقوع، ومعه الخوخ المجفف، والتين، والتمر "الخشاف".

سوء الهضم:

ولتجنبه تقول كارلا لكل مسن:
قسم وجبة الإفطار إلى وجبتين صغيرتين بدلاً من واحدة كبيرة يمكن مثلاً أن تتناول الحساء والسلطة أولاً، والطبق الأساسى بعد ساعة أو ساعتين.
- حاول أن تتناول السوائل خارج الوجبة وليس خلالها.
- إذا كنت تعانى من الحرقة أو الحموضة توقف عن تناول المقليات نهائيًا طوال الشهر الكريم.
- تناول كوبًا من اليانسون أو النعناع بعد الوجبة للتخفيف من أعراض الانتفاخ.
- الحركة أفضل علاج لمشاكل الهضم، وأفضل وسائل الحركة للمسن الصلاة، فهى تخفف هذه المشاكل، وهنا تأتى أهمية صلاة القيام من الوجهة الصحية، ويجب أن تعتمد وجبة السحور على الفاكهة الطازجة مثل: الموز، وعصير البرتقال الطازج، وتعد منتجات الألبان والخبز فى السحور أفضل ما يتناوله المسن.

علاج الضغط بالصوم
يقول الدكتور أحمد شوقى إبراهيم - كلية الأطباء الملكية بلندن - إن الصوم يعالج كثيرًا من الأمراض، منها على سبيل المثال:
- ارتفاع ضغط الدم البسيط والمتوسط، حيث إن الصوم يحقق الراحة النفسية للإنسان، بالإضافة إلى أن الامتناع عن الطعام والشراب نهارًا يعد أفضل علاج لضغط الدم، فعلاجه اليوم أصبح حبة واحدة كل أربع وعشرين ساعة، أو اثنتى عشرة ساعة، حبة فى الإفطار وحبة فى السحور، وعلى المريض أن يصوم ولا يفطر، أما إذا كان ارتفاع ضغط الدم عاليًا جدًا، ويستدعى العلاج فى المستشفى، أو تعاطى العلاج عدة مرات فى اليوم، فعلى المريض فى هذه الحالة أن يفطر ولا يصوم.
- وبالنسبة لمرض السكر فى مراحله الأولى يعد الصوم أول درجة من درجات العلاج، فمريض السكر فى مراحله الأولى ينبغى أن يصوم ولا يفطر، أما إذا كان المرض شديدًا، ودخل فى مضاعفات تستدعى تناول العقاقير عدة مرات فى اليوم، أو تستدعى تناول سوائل بصورة متكررة طوال اليوم، فالصوم هنا يضر المريض.
- وفيما يتعلق بأمراض شرايين القلب التاجية، وأهمها تصلب الشرايين وضيقها، وانسداد بعضها، وضيق بعضها الآخر، ففى الحالات البسيطة التى لا تصاحبها مضاعفات يكون الصوم للمريض مفيدًا.
أما الحالات الشديدة أو المصحوبة بهبوط فى القلب أو مضاعفات أخرى، فالأحرى بالمريض أن يفطر.

تصرف صغير.. وسعادة كبيرة
إذا كان الله قد أنعم عليك بمسن يقيم فى بيتك، أبًا، أو أمًا، أو قريبًا، فإن هناك بعض السلوكيات التى ترفع معنوياته أثناء الشهر الكريم، لا تهملها وهى:
- ليكن الشيخ أو الأم المسنة رأس جلسة قراءة القرآن اليومية، فهذا يشعره بأهميته، خاصة إذا كان أفراد الأسرة مشغولين عنه طوال اليوم بشؤونهم الخاصة.

- إشراك المسن فى المهام المنزلية ضرورة تمنحه الإحساس بأنه لم يفقد قيمته، فتنظيف الخضر، وتنقية الأرز، وطى الملابس، أعمال تقليدية إذا تم إسنادها إلى الأم أو الجدة ستكون مصدرًا لسعادة غامرة.
إذا كان المسن يأكل طعامًا خاصًا فإن مشاركته فيه أحيانًا، وإظهار الاستمتاع به، وامتداح طعمه يخفف عنه وطأة المرض، ومن هنا لا شيء يمنع تعميم بعض الأصناف الخاصة به فى الإفطار أو السحور، كحساء الخضر المتبل بالليمون فقط، أو الزبادى بالعسل، أو اللحم الأحمر المسلوق.

- إذا كان المسن محرومًا من بعض الأصناف الرمضانية لأسباب مرضية، فمن اللياقة عدم الإسراف فى إعداد وتقديم هذه الأصناف مع توجيه باقى أفراد الأسرة، خاصة الأطفال إلى عدم إثارة المشكلات بسبب هذا الأمر.
- أمام إصرار المسن على الصوم رغم أن حالته الصحية لا تسمح ذكره بأن الله منحه رخصة الفطر ليأخذ بها لا ليتحرج منها، وأنه جل وعلا يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه.
هذا هو نموذج الأسرة الغربية
موت مئات المسنين فى فرنسا دون علم ذويهم

"أقيم فى الطابق الأخير فى إحدى العمارات المكتظة بالعاصمة باريس، وعندما اشتد الحر لم أستطع الخروج من غرفتى، وبقيت كذلك ستة أيام دون أن يطرق بابى أى من الجيران ليسأل عن صحتى، أو حالى، إنه أمر مخجل ولكنه مجتمعنا".

بهذه الكلمات تلخص إحدى المسنات الفرنسيات ما وصل إليه المجتمع الفرنسى من تفكك اجتماعى، وسيادة للأنانية والنزعات الفردية، فقد أظهرت موجة الحر التى اجتاحت فرنسا مؤخرًا - وراح ضحيتها 10400 شخص معظمهم من المسنين - غياب الترابط الأسرى، وعدم توافر قيم العائلة ولا قيم البر والتراحم، فقد أكدت صحيفة "ليبراسيون" أن الرائحة الكريهة وحدها تكشف لسكان العمارة أن جارهم قد توفى، وأكدت صحيفة "لوموند" أن درجة الحرارة العالية أبرزت الواجهة الأنانية التى يعيش عليها الشعب الفرنسى، وتعد مقومًا من مقوماته الحضارية.

وقد بدأت لجنة طوارئ خاصة فى باريس فى البحث عن أسر مئات المسنين الذين ماتوا بسبب موجة الحر، والذين لم يحضر ذووهم لاستلام جثثهم.
وهاجم هوبر فالكو - وزير الدولة لشئون المسنين - أبناء وأقارب المتوفين، وتساءل قائلاً: "هل من الطبيعى وجود 300 شخص من المتوفين لم يتم دفنهم حتى الآن؟! إننى أشعر بالصدمة لأن 300 أسرة لم تدرك بعد أن جدًا أو أمًا قد توفيا".
اسلام ويب

Post: #375
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 01:57 PM
Parent: #301

عند عودتى من عملى وفى طريقى إلى منزلى وجدت تلاميذ وتلميذات المدارس الإعدادية والثانوية يتحدثون مع بعضهم بطريقة مبتذلة، وأسلوب غير محترم، فقد رأيت بعينى فتاة تصرخ فى وجه شاب بأقبح الألفاظ، لم أتخيل ساعتها أن التى تتحدث فتاة، فتاة ستكون يومًا ما زوجة وأمًا ومربية أجيال.

عندها أدركت أننا تربينا علي قيم لايمكن أن تزول بمرور الزمن تربينا على الحياء خاصة عند محادثة الرجال، تربينا على أن البنت هادئة بطبعها والتى تفعل عكس ذلك تكون مثل الولد.

تربينا على ضوابط الحديث مع الشباب وعلى المقولة الشهيرة: "لا تسيرى فى الشارع إلا مع أبيك أو أخيك أو زوجك، والتزمى فى سيرك معهم الأدب والحياء".

استوحشت هذه القيم الجميلة، فقررت البحث عنها عند ثلاثة أجيال .. جدة وأم وحفيدة.

**رقابة غير مباشرة***
تقول السيدة أمينة أمين محمد - جدة:
إن الأم الصالحة هى القدوة لأبنائها، وخاصة البنت التى تتأثر كثيرًا بأمها، والزوجة لابد أن تكون مطيعة للزوج، وتُظهر ذلك أمام أولادها كى يكونوا مثلها فى الطاعة، وعليها ألا تظهر أى خلافات بينها وبين زوجها أمام أولادها؛ لأن الطفل ينقد ما يراه وتظل هذه الأشياء فى ذاكرته، وربما تصاب البنت بعقدة من الزواج، وعلى الأم أن تربى أبناءها على الأمانة، وعدم التطلع للآخرين، وليس معنى ذلك أن تلبى لهم كل رغباتهم كى لاينظروا للآخرين، ولكن أن تشعرهم دائمًا بأنهم أفضل من غيرهم، وتجعلهم يراقبون الله، ويخشون عقابه إن كانوا مترفين أو يزيد مالديهم على حاجتهم.

وعن تربيتها لبناتها تقول الجدة أمينة: كنت دائمًا صديقة لبناتى تدرجت معهن فى كل شيء، ولم أفرض عليهن أى رأى خاصة عندما كن متبرجات فى بدايات شبابهن، ولكننى كنت دائمة النصيحة والتوجيه، وبعد ذلك اقتنعن بأنفسهن بأن هذا يغضب الله، وكانت نصيحتى لهن دائمًا لا يقلدن أحدًا فى لبسه وتنصح الأمهات بأن يكن صديقات لبناتهن، فهذا يجعلهن ألا يفعلن أى شيء دون الرجوع للأم، ولابد أن يكون هناك ضبط وحزم فى المنزل، ولا نترك الحبل على الغارب خاصة للبنت، ولكن لابد أن تكون عينى عليها دائمًا أراقبها دون أن تشعر حتى لا أفقد ثقتها فيَّ وفى نفسها.

**علمتنى ابنتى الكبرى***
أما سلوى عبد الجواد - زوجة وأم - تقول: تربية أمى لى لاتصلح الآن لابنتيّ، فقد اختلف العصر واختلفت الأجيال، أيضًا طبيعة كل بنت تختلف عن الأخرى، فما يصلح مع ابنتى الكبرى لايصلح مع الصغرى؛ لأن لكل منهما شخصيتها المختلفة عن الأخرى، وسوف أضرب لك مثلاً فقد ألبست ابنتى الكبرى - ثانوية عامة - الحجاب مبكرًا ظنًا منى أن هذا تعويد لها على ارتدائه عندما تكبر، وكانت هى تجيب كل من يسألها عن سبب ارتدائها الحجاب فى سن صغيرة بقولها: حتى أعتاد عليه، وظننت أنها مقتنعة بذلك، ولكنى عندما أردت أن أتبع ذلك مع أختها الصغرى رفضت هى بشدة، وقالت لاتحرميها من طفولتها، عندهما عرفت أنها لم تكن مقتنعة بما كنت أرغمها عليه، ولكنها الآن مقتنعة بعد أن قرأت وعرفت وفهمت، وهذا معناه أن التزام البنت برأى الأم لا يعنى أنها مقتنعة به.

من هنا لابد للأم أن تكون صديقة لابنتها، وأتذكر أننى عندما كنت فى مرحلة المراهقة سألت أمى: ماذا يعنى الحب؟ فلم تجب عليّ؛ لأن أمهات زمان كان عندهن حياء، أما اليوم لابد للأمهات أن يعرفن كل شيء، وأن يجبن على بناتهن دون حياء؛ لأن البنات تعرف كل شيء يمكن أن تتوقعه الأم أو لا تتوقعه، وذلك من خلال المدرسة والأصدقاء.

إذن على الأم أن تتأهل تربويًا هى والأب، وأن تكون متجددة متابعة لكل ما يحدث حولها، وأن تقرأ فى كل شيء، وأن تتعمق أكثر فى دينها حتى تستطيع الإجابة عن أسئلة بناتها.

وأنصح كل أم أن تطلع ابنتها على الكتب التى تتضمن معلومات تريد توصيلها للبنت، وتستحى من ذلك مثل كتب فقه الطهارة.

**ممنوع بلا اقتناع***
السيدة أم عمار - ربة بيت وأم لابنتين - تقول: إن البنت لم تعد مثل زمان، فهى تجادل وتناقش، ولا توجد طاعة عمياء، فمثلاً زمان كنا إذا أردنا الخروج ومنعنا الأب والأم نحترم رأيهما، أما الآن إذا مُنعت البنت من الخروج فهى تثور وتغضب وتجادل وتظل على موقفها حتى نرضى ونوافق على خروجها، نحن نحاول حماية بناتنا من الخطر الموجود حاليًا، وهن لا يقدرن، وفى معاملتى مع ابنتى لا أمنع عنهما كل شيء دون أن تقتنعا، ولا أستخدم معهما العنف والشدة حتى لا تفعلا ما تريدان دون علمى، وأنا لا أريد أن تصل ابنتاى إلى هذه الدرجة.

**جامعية مضطرة***
أما مديحة أحمد - طالبة جامعية - فتوافق مضطرة على أسلوب التربية الذى نشأت فيه قائلة: أمى لم تفهم أن التربية منها المعنوى والمادى، فأعطتنى الحب المادى دون المعنوى، فلم تكن قريبة منى أبدًا مما جعلنى أبحث عنه (الحب المعنوى) خارج البيت، ولم تربينى على مبادئ معينة، ولم يكن هناك حوار بينى وبينها، وإن سألتها عن أى شيء يهم الفتاة يكون ردها تأنيبًا ونهرًا.
من هنا كانت الفجوة كبيرة بينى وبين أمى، فتخبطت فى الدنيا، وواجهت الحياة بنفسى، وأدركت أن ذلك يرجع لتربية جدتى لأمى، فقد كانت قاسية مع أمى وخالاتى، وكن لايتحدثن معها أبدًا، من هنا فعلت أمى معى ما كانت تفعله جدتى معها، مع أن العصر اختلف لكن أمى لم تدرك ذلك.
إسلام ويب

Post: #376
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 02:01 PM
Parent: #301

لو سئلت فتاة لم يسبق لها الزواج عن أسرار السعادة الزوجية لاستغربت السؤال لأنها لم تتزوج بعد، أو لأجابت إجابة رومانسية حالمة تجسد أحلامها هى وما تريده لا ماهو واقع بالفعل.
ولذلك إذا أردنا اكتشاف هذه الأسرار فإن علينا أن نسأل المجربات، ونقترب ممن دخلن فى معترك الحياة الزوجية، وغادرن موقع الحلم إلى الواقع الفسيح؛ لأن إجاباتهن ستكون أصدق، وأكثر عملية، وواقعية، وستمثل ومضات على طريق من لم يتزوجن، ودعوة للمراجعة لكل زوجة لم تهتد بعد إلى هذه الأسرار.

**جاملى زوجك***
- تنصح راندا أحمد - متزوجة منذ 17 عامًا - كل فتاة مقبلة على الزواج فتقول:
- لكى تعيشى حياة زوجية سعيدة، ومستقرة عليك بحب زوجك، وعليك بفهم طبيعته، فمن خلال فهمك لطبيعة زوجك تستطيعين إرضائه، وهذا بالطبع لا يأتى مرة واحدة إنما يأتى مع العشرة.
- كما إنه من المهم أن تتواضعى له، بل وفى بعض الأحيان تجاملينه، وبهذا تستطيعين إسعاده والعيش معه حياة سعيدة ومستقرة.
**نقطة ضعفه***
- أما سامية أحمد - ربة منزل (25 سنة زواج) فتقول لكل فتاة أو زوجة:
- تعرفى على نقطة ضعف شريك حياتك وراعيها، محافظة على مشاعره، واستقراره النفسى.

- فإذا كان يحب الطعام، فتعلمى فن الطهى، وقومى بطهى أشهى المأكولات، وإذا كان يحب عائلته،، فاهتمى بهم أكثر منه... وهكذا.

وتقدم السيدة مدينة راشد - ربة منزل 57 سنة زواج - ثمرة تجربتها الطويلة فتقول:
عيشى مع زوجك على الحلوة والمرة، واحترمى كلمته، وأقيمى علاقة طيبة مع أهله خصوصًا أمه هكذا تكسبينه بسهولة.
**قل أحبك***
أما منيرة عبد الحميد - موظفة 30 سنة زواج:
- الحوار والتفاهم والحب والثقة، فتقول لكل زوج تستطيع أن تجعل زوجتك طوع بنانك إذا قلت لها أحبك، إنك بهذه الكلمة، فتعطيك كل ما لديها من حب وحنان واهتمام.

وتقول السيدة أم يوسف - ربة منزل 20 سنة زواج:
- عليك أولاً أن تدركى أن الحياة الزوجية ليست شهر العسل فقط فالزواج مسئولية صعبة يجب التخطيط لها جيدًا، والمرأة الذكية هى التى تدرك طباع زوجها، وتتصرف على أساس هذه الطباع مع مشاركته في طموحاته، وهواياته، ولكن بحدود، أى دون أن تتطفلى عليه.

**التمسك بالإسلام***
وتقول أمينة التركى - أندونيسية 15 سنة زواجًا - على الزوجة أن تعرف حقوقها وواجباتها تجاه زوجها من خلال تعاليم الإسلام، ومن خلال ما وصى به الرسول (صلى الله عليه وسلم) وعليها أن تضع أمام عينيها قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها
وتقول السيدة وداد القصير - 45 سنة زواجًا - أمى كانت تقول لى دائمًا: "من نظر إلى عيشة غيره حرمت عليه عيشته"، وها أنا أقول لكل فتاة هذا المثل فحتى تعيشى سعيدة مع زوجك، فعليك أن ترضى بنصيبك الذى قسمه الله لك، حتى ترى مقدار نعمة الله عليك، وبدون ذلك لن تسعدى مهما حاول زوجك إرضاءك.
**اسألى زوجك***
وتقول نوال محمد - سعودية ربة منزل 17 سنة زواجًا - الطاعة مفتاح قلب الرجل، ثم الصدق معه لأن الصدق يولد الثقة بينك وبينه، والثقة تعتبر ركنًا أساسيًا من الأركان التى تقوم عليها السعادة الزوجية.
واهتمى بنفسك وما بين فترة وأخرى اسألى زوجك، ما الذى يريده منك؟ وما الذى ينبغى أن تفعليه؟ بذلك تعرفي ما الذى يسعده، وما الذى يكره منك.
أما السيدة جميلة محمد على - ربة منزل متزوجة منذ 20 سنة - فتقول لكل شابة: الرجال كلهم سواء تنحصر احتياجاتهم وطلباتهم فى أكل شهى، وبيت نظيف، وهدوء، وزوجة مطيعة ومهتمة به، ومهتمة بنفسها، فما عليك إلا خلق هذا الجو داخل بيتك حتى تنعمى بالسعادة معه، إضافة إلى ذلك لا تنسى أهمية الصبر على زوجك فى وقت غضبه، والوقوف بجانبه عند الشدائد.

**أهل زوجك***
أما عايدة حنفى 37 سنة زواجًا تقول: حافظى على ماله، ولا تخرجى أسراره حتى لأقرب الناس إليك، وعاملى أمه وكأنها أمك.

وتتفق معها ابنتها ناهد محمد - مدرسة زوجة من 13 سنة - حيث تقول: أظهرى زوجك بأحسن صورة أمام أهلك، ولا تخرجى يومًا لفظًا مسيئًا لزوجك والتزمى دائمًا الأدب والهدوء فى التعامل معه حتى فى المواقف التى يحتدم فيها النقاش أو الخلاف يجب أن يكون لديك ذكاء التعامل كى تحصلى على حب زوجك واحترامه.

- وتلقى "آى نور" - جزائرية ربة منزل وزوجة من 30 سنة - الضوء على عامل القدوة المهم فتقول أقدم نصيحتى للأهل، وليس للفتاة أو الفتى المقبلين على الزواج، وأقول لكل أم عليك بتعليم ابنتك كيف تكسب زوجها، اجعليها تنظر إليك كقدوة من خلال طريقة معاملتك لأبيها والعكس، لا تتدخلى فى حياة أبنائك بعد الزواج، بل عليك بتركهم يعيشون حياتهم، ويمرون بتجارب الحياة حتى يتعلموا منها.

- نادية عبد المجيد - 18 سنة زواجًا - وتنصح كل زوجة: لا تقللى أبدًا من شأن زوجك، واحترمى رغباته، واعطيه الحرية فى التصرف، والخطأ أن تحاولى مناقشة زوجك أثناء غضبه، أو أن تحكى له عن مشكلات البيت والأولاد عند رجوعه مباشرة من العمل، بل عليك اختيار الوقت المناسب لكل شيء، اجعليه ينظر إليك باحترام، وحافظى على كرامتك معه، ولا تجعليه يرى دموعك إلا قليلاً حتى تؤثر فيه.

**شهادة التخرج فى المطبخ***
تقول الكاتبة الصحفية الأمريكية المعروفة نورمان فنست بيل - مديرة مجلة جايد بوستس - وهى زوجة وأم لثلاثة، وجدة لسبعة:
لكى تصل الفتاة إلى السعادة الزوجية يجب أن تقتنع بأن الزواج سنة الحياة، وبهذه الروح تنجح محاولات الزوجة للتكيف بما يتفق مع احتياجات زوجها، فكل الأزواج يهمهم أن يروا البيت نظيفًا منسقًا، والمائدة عامرة بما يشتهون، وملابسهم النظيفة جاهزة فى أى وقت، وأشياء شخصية كجريدة الصباح ، والزوجة البارعة تراعى هذه الاحتياجات، فتحافظ على ابتسامة زوجها.
بعض الأزواج يحبون أن تبدو الزوجة لهم فى أبهى زينة، وأكمل أنوثة، والبعض الآخر يفضلون الاقتصاد فى الزينة، والمرأة الذكية تعرف ما الذى يريده زوجها، وتتصرف على أساس ما يريده، وعلى الزوجة أيضًا أن تضع أسرتها فى المقام الأول فى حياتها، فيهون أى منصب أو عمل فى سبيل زوجها وأبنائها، زرت صديقة فوجدتها قد علقت شهادتها فى المطبخ، وعندما سألتها: لماذا فعلت هذا؟ قالت لى: ذلك أفضل مكان للبكالوريوس لأنى أستخدم كل ما تعلمته لأتقن واجباتى كأم وزوجة مثالية.
ناهد كشك-اسلام ويب

Post: #377
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 02:03 PM
Parent: #301

عندما يذكر المسجد يتبادر إلى الذهن الراحة النفسية والطمأنينة القلبية، فالمسجد منذ عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وما زال مكانًا لتجمع المسلمين صبيانهمم وشيوخهم، نسائهم، واليوم تشهد مساجدنا روعة تجمع الأحباء الكبار فيها، ينهلون من علوم القرآن، يحفظون، ويرتلون، ويبدأون من جديد حياة مسجدية جميلة، تقتل فراغ الشيخوخة، وتصنع لهم عالمًا رائعًا من الحب فى الله والصحبة فيه.
فبين كبارنا الأعزاء والمسجد علاقة تواصل متميزة يتناولها هذا التحقيق.

**المسجد والراحة النفسية***
يقول الحاج محمد عوض الله حماد إسماعيل "77 عامًا على المعاش: قبل إحالتى على المعاش لم أكن أتمكن من أن أصلى الخمس صلوات فى المسجد، بينما بعد خروجى على المعاش صرت مواظبًا على الصلاة فى المسجد، كما نقوم بتوعية الشباب المسلم بأمور دينه، وفى أحيان كثيرة أجد شبابًا على وعى كبير، فلا أخجل من أن أسألهم عما لا أعرف من أمور دينى.

الحاج محمد حسين - 67 سنة: أحضر إلى المسجد منذ كان عمرى 40 سنة، والحمد لله أؤدى الصلاة فيه دائمًا، وأعلم أولادى أن يترددوا على المسجد، ويلتزموا بالصلاة فى المسجد لما فى ذلك من صلاح الدنيا والآخرة.

الحاج أحمد على - 70 سنة: بعد المعاش بدأت أحضر إلى المسجد وأتعلم من أمور الدين الكثير، ونجتمع فى كل يوم فى جلسة قرآنية جماعية نتعلم فيها أصول القراءة الصحيحة، كما قال الله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} .

الحاج رجب عبد اللطيف - على المعاش: مواظبتى على الصلاة فى المسجد، وحضور مجالس حفظ القرآن الكريم بعد خروجى على المعاش تشعرنى بالراحة النفسية، وتزيل عن روحى كل متاعب وهموم الدنيا.

**استفادة روحية***
الحاج عادل محمد يمانى - على المعاش: لست مواظبًا على المسجد حتى بعد خروجى على المعاش، وأكتفى بالمواظبة على صلاة الجمعة ورمضان فى المسجد، أما بالنسبة لدروس العلم فلديّ كتبى، فاستفادتى من المسجد استفادة روحية فقط؛ لأن أئمة المساجد لا يخاطبون احتياجاتى، وإنما يخاطبون الشباب أكثر مما يخاطبوننا.
**استثمار مربح***
- الحاج عبد الستار محمد حسن - على المعاش: بعد خروجى على المعاش أصبح نشاطى فى عمل الخير مع بعض الأصدقاء من خلال لجنة الزكاة بالمسجد، فنحن نستثمر أوقاتنا فى استثمار مربح بدلاًمن تضييعها فى الجلوس على المقاهى.
- الحاج الشحات عوض إبراهيم - على المعاش: أنا لا أعرف القراءة ولا الكتابة، ومن خلال المسجد تعرفت على الصحبة الطيبة، وأصبحنا نتعلم دروس الفقه، وعلوم الدين، ونتعاون على فعل الخيرات.

**الملائكة تحفنا***
أما النساء المسنات، فالمسجد بالنسبة لهن بيت تفريج الهمّ، كما تؤكد السيدة كاميليا محمد - 58 عامًا التى تقول: أصبح الوقت بين المغرب والعشاء أيام السبت والإثنين والخميس وقت عيد بالنسبة لى، ولجميع جاراتى وحبيباتى اللاتى تعرفت عليهن فى المسجد، وتعلمنا على أرضه الطاهرة كيف نحب بعضنا البعض فى الله ، وكيف نكون صدورًا واسعة وحنونة فتصَّبر بعضنا على هموهن ونتواصى بالتحمل، وندعو بظهر الغيب لأحبائنا وأبنائنا، والتى تحفظ منا دعاءً تعلمه للأخريات وكل من سمعت شيئًا أعجبها تقوله لنا جميعًا.

إنها جلسة ربانية جميلة ننسى فيها همومنا، ونقتل الفراغ، ونتحمل جفاء الأبناء، وتجاهل الأحباء، ونتبادل النصح والخبرات، ونخرج منها ونفوسنا صافية مغسولة، فقد كانت الملائكة تحفنا وتستغفر لنا كما قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهل يستحق أى شيء فى الدنيا أن نضحى من أجله بهذه الفرصة الرائعة؟
وتتذكر السيدة عايدة سيدة 66 عامًا أيامها مع المسجد قبل أن تزداد عليها آلام الركبة والساق، وتضطرها إلى المكوث فى البيت، وعدم صعود السلم أو هبوطه، فتقول إنها كانت أجمل أيامها التى بارك الله فيها فاتسعت لأن تحفظ أثناءها أجزاء كثيرة من القرآن، وتتقن أحكام التجويد التى كانت تقرأ بها سماعيًا، ولكنها لا تعرفها حكمًا حكمًا، وتضيف السيدة عايدة: لقد شملتنا جميعًا بركات المسجد والصحبة الطيبة، فكم كانت أكثر من واحدة منا تعانى من مشاكل، وتسألنا أن ندعو لها بظهر الغيب، ونفعل فتأتى بعد وقت قصير منشرحة الصدر لتقول لنا إن الله فرج كربها، وبعد أن حالت ظروفى الصحية دون الانتظام فى ارتياد المسجد مازلت محافظة على صلتى بأخواتى عبر الهاتف، ومازلت أحفظ فى بيتى ما يحفظنه فى المسجد، ولله الحمد.
**دور المسجد***
وحول ما يجب أن يكون عليه إمام المسجد أو الداعية الذى يتعامل مع المسنين يتفق الشيخ طارق عبد التواب المفتش بوزارة الأوقاف، والشيخ محمد عبد العزيز الشريف إمام مسجد على أن على الإمام أن يحسن التعامل مع المأموم، خاصة مع هذه الفئة العمرية، وألا يستخف بهم، وإنما يعاملهم باللين والرأفة، وأن يصبر عليهم باعتبارهم طلبة علم مع المحافظة على هيبة الإمام فى نفوس المأمومين، فقد قال (صلى الله عليه وسلم): "ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه" .

ويرى فضيلة الشيخ محمود أبو سريع - مدير إدارة شئون القرآن بمديرية أوقاف الجيزة: أنه عند مجالسة كبار السن يجب أن يتحلى الداعية والإمام بسعة الصدر، إذا بدر من أحدهم ما يضايقه، كما يجب عليه ترتيب وإعداد ما يلقيه عليهم حسب أهميته لهم، وعلى قدر ما يفهمونه، فقد روى البخارى عن الإمام على رضي الله عنه أنه قال: "حدثوا الناس بما يعرفون ودعوا ما ينكرون أتحبون أن يكذب الله ورسوله؟".

**تربية روحية وسلوكية***
وحول أهمية المسجد فى حياة كبار السن، وكيف يمكنهم استغلال هذه الفرصة يقول فضيلة الأستاذ الدكتور محمد المختار محمد المهدى إمام أهل السنة والرئيس العام للجمعيات الشرعية، والأستاذ بجامعة الأزهر الشريف: إذا كان هؤلاء المسنون قد انتهوا من أعمالهم الوظيفية، فلديهم مجالات ضخمة لخدمة المجتمع ونفعه مثل: الجمعيات الخيرية، ومجالات كفالة اليتيم، ورعاية الفئات غير القادرة، ومحو الأمية، وعلى الخطيب أن يحثهم على تحرى حسن الخاتمة.
وينبغى على الداعية أن يبين لهم أهمية ما عليهم، ولا حجة لهم أمام الله فى أن يتركوا العمل لدينهم ولأولادهم ولجيرانهم ولأمتهم كلها بدعوى أنهم أحيلوا إلى التقاعد؛ إذ عليهم أن يستغلوا هذه الفرصة فى اكتساب الثواب ونقل الخبرات إلى شباب الأمة.
ونحن نضم صوتنا إلى صوت شيخنا د. محمد مختار المهدى، وندعو آباءنا وأمهاتنا إلى بيوت الله حيث راحة القلب، وصفاء النفس، وقتل الفراغ، والأهم تثقيل موازين الحسنات.
مني السباعي -اسلام ويب

Post: #378
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 07:51 PM
Parent: #301

في سير الأسلاف عظة ، وفي مواقفهم خير وعبرة ، والخنساء رضي الله عنها عرفت بالبكاء والنواح ، وإنشاء المراثي الشهيرة في أخيها المتوفى إبان جاهليتها ، وما أن لامس الإيمان قلبها ، وعرفت مقام الأمومة ودور الأم في التضحية والجهاد في إعلاء البيت المسلم ورفعة مقامه عند الله وعظت أبناءها الأربعة عندما حضرت معركة القادسية تقول لهم : " إنكم أسلمتم طائعين ، وهاجرتم مختارين ، وإنكم لابن أبٍ واحد وأمٍ واحدة ، ما خبث آباؤكم ، ولا فضحت أخوالكم ، فلما أصبحوا باشروا القتال واحدًا بعد واحد حتى قتلوا ، ولما بلغها خبرهم ما زادت على أن قالت : الحمد لله الذي شرفني بقتلهم ، وأرجو ربي أن يجمعني بهم في مستقر رحمته "

هذه هي الخنساء فأين رائدات نهضة الأمومة ؟ هذه هي الخنساء فأين المتنصلات عن واجب الأمومة منها ؟ إن جملة منهنَّ ـ ولا شك ـ أقصر باعـًا وأنزل رتبة من أن يفقهن مثل هذا المثل ، ربما كرهت إحداهن أن تكون أمـًا لأربعة ، ولو تورطت بهم يومـًا ما لما أحسنت حضانتهم وتربيتهم ، فلم تدرك ما ترجو ، ولم تنفع نفسها ولا أمتها بشيء طائل ، وكفى بالأم إثمـًا أن تضيع من تعول .

وفي مثل الخنساء تتجلى صورة الأمومة على وجهها الصحيح ، وما ذاك إلا للتباين الذي عاشته في جاهليتها وإسلامها ، ومن هنا يظهر عظم المرأة ، ويظهر تفوقها ، ولو كانت الأمهات كأم سليم ، وعائشة ، وأم سلمة ، والخنساء ،لفضلت النساء على كثير من الرجال في عصرنا الحاضر ( فالصالحات قانتاتٌ حافظاتٌ للغيب بما حفظ الله )(النساء/34) ، فاتقوا الله معاشر المسلمين ، واعلموا أن للأم مكانة غفل عنها جل الناس بسبب ضعف الوازع الديني المنجي من الوقوع في الإثم والمغبة ، وعلينا جميعـًا أن نعلم أن الأم الحانية ، لطيفة المعشر ، تحتمل الجفوة وخشونة القول ، تعفو وتصفح قبل أن يطلب منها العفو أو الصفح ، حملت جنينها في بطنها تسعة أشهر ، يزيدها بنموه ضعفـًا ، ويحملها فوق ما تطيق عناء ، وهي ضعيفة الجسم ، واهنة القوى ، تقاسي مرارة القيء والوحام ، يتقاذفها تمازج من السرور والفرح لا يحس به إلا الأمهات ، يتبعها آثار نفسية وجسمية ، تعمل كل شيء اعتادته قبل حملها بصعوبة بالغة وشدة ، تحمله وهنـًا على وهن ، تفرح بحركته ، وتقلق بسكونه ، ثم تأتي ساعة خروجه فتعاني ما تعاني من مخاضها ، تى تكاد تيأس من حياتها ، وكأن لسان حالها يقول : ( يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيـًا منسيـا )(مريم/22) ، ثم لا يكاد الجنين يخرج في بعض الأحايين إلا قسرًا وإرغامـًا ، فيمزق اللحم ، أو تبقر البطن ، فإذا ما أبصرته إلى جانبها نسيت آلامها ، وكأن شيئـًا لم يكن إذا انقضى ، ثم تعلق أمالها عليه ، فترى فيه بهجة الحياة وسرورها ، والذي تفقهه من قوله تعالى : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا)(الكهف/46) ، ثم تنصرف إلى خدمته في ليلها ونهارها ، تغذيه بصحتها ، وتنميه بهزالها ، تخاف عليه رقة النسيم وطنين الذباب ، وتؤثره على نفسها بالغذاء والنوم والراحة ، تقاسي في إرضاعه وفطامه وتربيته ما ينسيها آلام حلمها ومخاضها .

تقول عائشة رضي الله عنها : جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ، فأطعمتها ثلاث تمرات ، فأعطت كل واحدة منهماتمرة ، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها ، فاستطعمتها ابنتاها ، فشقت التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما ، فأعجبني شأنها ، فذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :[ إن الله قد أوجب لها الجنة ـ أو أعتقها من النار ](رواه مسلم ) ، الله أكبر .. ما أعظم الأم الصادقة المسلمة !!

الشيخ سعود الشريم

Post: #379
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 07:54 PM
Parent: #301

إن الأسرة هي اللبنة الأولى في كيان المجتمع، وهي أساسه الركين، وبصلاحها يصلح المجتمع، وبفسادها يفسد.
وتولد الأسرة يوم عقد الزواج، ومن أهم حكم الزواج إرواء الغريزة، وإنجاب النسل، من أجل ذلك تعد الخطط المحكمة لإفساد الأسرة عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم.
ومن أهم وسائل محاربتها القضاء عليها، أي أن يشيعوا في أبناء الأمة فكرة العزوف عن الزواج.
وقد مهّدوا فكريًّا لذلك بأن عملوا على إضعاف الإيمان بالله، وزعزعوا من قيمة التوكل على الله، حتى بلغ بهم الأمر أن يهزؤوا بمن يتوكل على الله، وأقاموا عقبات عدة ضخمة دون الزواج، وهذا الأمر جعل فريقًا من الشباب يعزفون عن الزواج، أذكر أهمها فيما يلي:
[1] طول مدة الدراسة وعدم الزواج إلا بعد الانتهاء من الدراسة.
[2] ارتفاع المهور.
[3] قلة المساكن وانعدامها في بعض البلدان.
[4] قيام عادات اجتماعية سيئة ذات تكاليف باهظة واستحكامها في كثير من مجتمعاتنا الإسلامية.
[5] موجة الغلاء الشديد والتضخم الكبير.
[6] الدخل المحدود بالنسبة للشباب في معظم بلاد المسلمين.
[7] قيام أعراف وعادات تقلق المرء وتجعله في صراع دائم، ولاسيما عندما يحتدم الخلاف بين أهله وزوجته أو بينه وبين أهلها.
[8] إعطاء الكماليات صفة الضروريات ، وذلك مما يرهق الزوج ماليًّا وهو لا يزال في بدء حياته العملية الكسبية.
**نتائج العزوف عن الزواج***
وإهمال الزواج أو تأخيره يسبب فسادًا اجتماعيًّا كبيرًا نتبين أهم معالمه في هذه السطور:
[1] إن الإعراض عن الزواج ينتج فوضى خلقية مدمرة، ذلك لأن الزواج تصريفٌ للغريزة في حدود ما شرع الله، والإعراض عنه قد ينتهي بصاحبه إلى الزنا والعياذ بالله ، والزنا من الموبقات التي تهلك الأمة وتقضي على مقوماتها الكريمة، وتضيع الأنساب وتزلزل القيم، وتهدد رسالة الأمة. إن تجاهل ضغط الغريزة لا يحل المشكلة، لا سيما إن لم يكن في القلب خوف الله.
[2] والإعراض عن الزواج مع الامتناع عن الانحراف قد يؤدي إلى استحكام عقد نفسية في الرجال والنساء ، والمجتمع لا يفيد من هؤلاء المعقدين. وكثيرًا ما تتفاقم هذه العقد فتقود أصحابها إلى مستشفى المجانين، أو تصنع منهم ناسًا مجرمين يقضون مضجع الأمة ويروعون أبناءها.
[3] وأمر ثالث في غاية الأهمية يعود بالضرر البالغ على المجتمع، وهو أن الرجل المعرض عن الزواج سواء انجرف في تيار الانحراف والرذيلة أم كان من أولئك المعقدين.. إن هذا الرجل مشغول البال دائمًا، فاقد القدرة على الإنتاج والإبداع والإتقان.
[4] إن هذا المعرض عن الزواج إن سقط خسر قيمته الاجتماعية في بلادنا، ذلك لأن مجتمعاتنا ما تزال محافظة تعير موضوع الشرف والعفة أكبر الأهمية. ونحن بهذا نختلف اختلافًا كبيرًا عن مجتمعات الغرب. وإن أصيب بالعقد النفسية خسر قيمته الاجتماعية؛ لأنه عندئذٍ شخص مصاب مريض مطعون في قواه العقلية أو في قدرتها المبدعة على أحسن الأحوال.
[5] إن انتشار هذا الإعراض عن الزواج يضعف الأمة ويهددها بالانقراض، ويمكِّن لأعدائها؛ ذلك لأنه يقطع النسل، ولما كان هذا أمرًا لا يمكن أن يكون عامًا قلنا إنه يضعف الأمة.. أما لو تحقق فإنه يبيد الأمة.
**العلاج***
إن علاج هذا المرض الفتاك سهل ميسور، إن نحن صدقنا في مواجهته، ونستطيع أن نذكر الأمور الآتية:
[1] ينبغي أن نعود بالزواج إلى بساطته ويسره، فليس يتطلب الأمر كل هذه التعقيدات التي صنعها الناس.
إن الزواج يتم شرعًا بقيام عقد بين زوج ووليّ زوجة، بموافقتها وقبولها، وبوجود شاهدين، وبصيغة يكون فيها إيجاب وقبول، ومهر.
ولقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم بالزواج ترغيبًا جعله يعده من سنته كما جاء في الحديث الصحيح؛ فلقد رضي الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون المهر خاتمًا من حديد - لو وجده الزوج - ثم زوجه المرأة بما معه من القرآن.
وهنا نودُّ أن نذكر ضرورة وجود الولي الذي ذهب إلى القول بوجوده
جمهور علماء المسلمين، وقد استدل العلماء على ضرورة وجود الولي في عقد الزواج بقوله تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)[النور:32]، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "لا نكاح إلا بولي".
والحق أن مشروعية الولي إنما هو لمصلحة البنت، ذلك لأن أباها أكثر خبرة منها، ولأن حكمه حكم موضوعي لا دخل للعاطفة والشهوة فيه.
ومع ذلك كله فإن رأيه في الراجح من أقوال العلماء غير ملزم إن لم تكن البنت موافقة.
وكيف لا يستشار وهو الذي سيكون المرجع، وعليه تكون المسؤولية في حالة الخلاف.
[2] التعاون على تذليل العقبات الضخمة التي تقوم في وجه الزواج من مثل تسهيل الزواج على طالب العلم حتى قبل أن يتخرج.
[3] تنمية الإيمان بالله والتوكل عليه.
[4] القناعة بالضرورة من المسكن والملبس والمهر، ولا بد من تهيئة الجو لذلك، بالكلمة والحوار والقدوة.
[5] التغلب على العادات والأعراف التي لا يقرها الإسلام.
[6] المساعدة المادية من قبل جمعيات خيرية تنشأ لهذا الغرض، وإنه لغرض جليل.
د . محمد لطفي الصباغ

Post: #380
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 07:56 PM
Parent: #301

لحم السمك يحد من خطر النوبات القلبية
ظهرت دراستان نشرتا في الولايات المتحدة أن تناول لحم السمك بضع مرات أسبوعيا يحد بوضوح من خطر النوبات القلبية أو مشاكل القلب الأخرى، وهو ما يضيف دليلا جديدا على أن الزيوت التي يحتوي عليها لحم السمك مفيدة للصحة.
واعتمدت الدراستان على المتابعة الطويلة الأمد لصحة بعض ممن يعملون في مجال الطب. وتعد نتائج هاتين الدراستين مهمة، لأن نصف من يتعرضون للانهيار المفاجئ والوفاة بسبب نوبة قلبية ليسوا ممن سبق أن عانوا من مشاكل بالقلب.
وفي إحدى الدراستين - وجد الباحثون أن خطر الموت المفاجئ نتيجة للإصابة بنوبة قلبية يقل بنسبة تصل إلى 81% عند الأشخاص الذين يأكلون السمك بانتظام. واهتمت الدراسة التي تتابع الحالة الصحية لـ 22 ألفا من الأطباء الذكور بدأت عام 1982, بالرجال الذين لا يعانون من مشاكل في القلب.
وفي تلك الدراسة قال باحثون في مدرسة هارفارد للصحة العامة إن النساء اللائى يأكلن مزيدا من لحم السمك الغني بالأحماض الدهنية (أوميغا/3) أقل عرضة لخطر الإصابة بمرض الشريان التاجي أو الموت بسببه. واعتمدت النتائج على البيانات المستقاة من دراسة مستمرة تجرى على ما يزيد على 80 ألف ممرضة تم تتبع حالتهن الصحية لسنوات.
وقالت الدراسة "لاحظنا وجود ارتباط عكسي واضح بين تناول السمك والحمض الدهني أوميغا/3 وحدوث مشاكل كبيرة نتيجة للإصابة بمرض الشريان التاجي وحالات الوفاة بوجه خاص في 16 عاما من المتابعة". وقامت الدراسة التي نشرت في دورية نيو إنغلاند بقياس مستويات سلسلة الأحماض الدهنية إن/3 الطويلة في الدم وهي نفس النوع الموجود بالسمك وخاصة الأسماك الدهنية مثل السلمون والأسقمري (الماكريل) والقنبر.
وقالت الطبيبة كريستين ألبرت التي قادت الدراسة "كان الرجال الذين ترتفع لديهم مستويات الأحماض الدهنية أقل عرضة لخطر الموت بسبب مرض القلب، وكان معدل الوفاة المفاجئة أقل بينهم بوجه خاص".
وأضافت أن الدراسة تدعم بحثا سابقا أوضح أن "الأحماض الدهنية قد تهدئ الخلايا الموجودة بالقلب، ولذلك عندما يصاب شخص ما بنوبة قلبية أو نوع آخر من المشكلات المتعلقة بالقلب يقاوم القلب العمل بمعدل قاتل للضربات مما يعطي المرضى مزيدا من الوقت لطلب العلاج".
وأشارت ألبرت إلى أن الأطباء في المتوسط "تناولوا نحو واحدة إلى أربع وجبات من لحم السمك في الأسبوع، هناك دلائل كثيرة من دراسات أخرى على أن الحاجة لا تتطلب سوى تناول كمية صغيرة من لحم السمك، وتوصي جمعية القلب الأميركية بتناول وجبتين في الأسبوع".
اسلام ويب

Post: #381
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-19-2015, 07:58 PM
Parent: #301

يقولون: "وراء كل رجل عظيم امرأة عظيمة" هل فكرت يومًا أن تكونى تلك المرأة العظيمة التى تجعل من زوجها رجلاً عظيمًا؟ كثيرات يتمنين ذلك، لكن فئة قليلة منهن من سعين لتحقيق تلك الأمنية الغالية بشكل عملى، ونحن نأخذ بيدك على طريق النجاح لك ولزوجك عبر السطور القادمة، ونقدم لك أسرار النجاح، وما هو دورك المنتظر لتيسير تلك الأسرار أمام زوجك، كما عرضها الأستاذ: عادل فتحى عبد الله، فى كتابه "ادفعى زوجك نحو النجاح".

ـ ذكرى زوجك دائمًا باستحضار النية الصالحة فى كل عمل، ولا تدفعيه لشيء فوق طاقته، فيلجأ لطريق حرام، أو فيه شبهة لتلبية طلبك، ولتكن وصيتك دائمًا له كوصية تلك المرأة الصالحة التى قالت لزوجها: "اتق الله فينا، ولا تطعمنا إلا حلالاً، فإننا نصبر على الجوع فى الدنيا، ولا نصبر على النار فى الآخرة".

- اقتربى من الواقعية فى وضع الأهداف، فإذا رأيت أن زوجك يضع أهدافًا خيالية فاجذبيه إلى الواقعية برفق وهدوء، واتبعى المرحلية فى وضع الأهداف وتحقيقها، فالهدف الكبير يمكن أن ينقسم إلى عدة أهداف جزئية، كلما تحقق هدف منها كونى عونًا كزوجك على تحقيق الثانى وهكذا ، ولا تتعجلى فى تحقيق تلك الأهداف، ولا تترددى فى التنازل عن بعض الأشياء التى تريدينها لنفسك فى سبيل مصلحة الأسرة.

ـ طالما حدد الإنسان أهدافه، لابد من التخطيط السليم المنضبط لتحقيق تلك الأهداف، ويحتاج التخطيط السليم إلى المعرفة التامة بالعمل، فعليك إذًا توفير الجو الملائم للزوج لمساعدته على إنجاز مهمة التخطيط للعمل، وهو هادئ النفس ، مرتاح البال ، ساعديه فى حصر كل ما يحتاج إليه لإنجاز العمل الذى يقوم به، وشاركيه فى وضع خطة خمسية يتم فيها إنجاز شيء مهم للأسرة كل خمس سنوات.

ـ أمر الله (سبحانه وتعالى) بإحسان العمل وإتقانه فى كل الظروف والأحوال، وقد قال الرسول (عليه الصلاة والسلام): "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه"، فساعدى زوجك على الإتقان، وشجعيه على ذلك.

ـ أكسبى زوجك الثقة بالنفس، فامتدحى فيه الصفات الحسنة، وذكريه بنجاحاته السابقة التى حققها فى حياتك معه، أو قبل زواجكما، اكتشفى مواهبه، فكثير من الناس لا يدرك حقيقة مواهبه، ويدله عليها الآخرون، شاركيه فى الوقوف على سلبياته ومحاولة مناقشتها وعلاجها؛ لأنك أقرب الناس إليه، ولا تنسى أن تبدى له النصيحة فى ثوب جميل رقيق.

ـ لا تغفلى أبدًا عن أن الوقت هو الحياة، وحسن استغلال الوقت مهمة أكيدة من مهماتك، ومما يعينك على ذلك تحديد الزيارات للأقارب والأصحاب قبلها بوقت كافٍ، وعدم اتخاذها مجالاً لإضاعة الوقت، ومحاولة حل المشاكل الداخلية للأسرة مثل مشكلات الأولاد البسيطة دون إضاعة وقت الزوج فى مثل هذه الأمور، يمكنك أن تقومى ببعض الأعباء التى يقوم بها الزوج مثل شراء احتياجات المنزل حتى توفرى له الوقت لاستئناف عمله أو للراحة، واستبدلى الأوقات المهدرة فى المكالمات الهاتفية، ومشاهدة التلفاز بمساعدة زوجك قد استطاعتك.

ـ إن أى نجاح فى الدنيا مبتور إذا لم يتصل بفعل الخيرات، ولا نعنى الفروض التى فرضها الله تعالى علينا، فأمرها مفروغ منه، بل نعنى ما يتقرب به الإنسان المسلم من النوافل والصدقات وأعمال البر، ويُقر علماء النفس حتى الغربيين ما لفعل الخيرات من أثر عظيم على النفس يدفعها للنجاح؛ حيث يترك فعل الخيرات فى النفس راحة واطمئنانًا، وسعادة لا يعادلها أى أثر ، لذا ادفعى زوجك دفعًا حنونًا نحو كل الخيرات.

ـ كثير من الناس يسعى فى مجالات عديدة، ويعمل أعمالاً كثيرة لكنها لا تكون ذات قيمة فيضيع وقته هباء لسبب بسيط هو أنه لم يمض فى تلك الأعمال حتى النهاية، إن هناك أعمالاً كثيرة، إما أن تكون كاملة أو لا تكون، من أجل ذلك ساعدى زوجك على أن يكون من أصحاب النفس الطويل بعدم الإلحاح عليه بطلباتك التى تفوق قدرته، فيضطر لترك عمله للانتقال إلى آخر دون أن يحقق شيئًا فيه، فيفقد التفوق فى كليهما.

ـ لا تخلو الحياة أبدًا من العقبات والعراقيل، ولكن العقل الواعى السائر نحو النجاح يعتمد دائمًا على همة عالية تدفعه لتخطى العقبات، والصبر عند الملمات، وهذا سيد الخلق (عليه الصلاة والسلام) يخاطبه ربه (عز وجل) قائلاً: {يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر} إنها دعوة لنفض غبار النوم، وخوض معترك الحياة لإعمار الكون، ولكى يكون زوجك عالى الهمة يجب أن تكونى أنت كذلك أولاً.

ـ اعلمى أن الإنسان لا يحتاج فى حياته شيئًا أكثر من الصبر، وفى الحديث عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "واعلم أن النصر مع الصبر، والفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا"، فالصبر هو السبيل إلى الغاية المنشودة، ولا يقصد بالصبر احتمال الشدائد فحسب، بل هو الصبر الجميل الذى لا تصاحبه الشكوى إلا لله، ولا يخالطه الجزع والسخط، صبر يقترن دائمًا بالرضا بالقضاء والثقة فيما عند الله، وأنه خير وأبقى.

**نجاح فاشل***
ـ أخيرًا، يجب أن توقنى بالحقيقة التى تقول ليس كل الناجحين سعداء، بل هناك ناجحون نظنهم فى قمة السعادة، وهم تعساء يتمنون زوال تلك النجاحات، فالنجاح الذى يأتى على صحة الإنسان الجسمية والنفسية والأخلاقية هو فى الحقيقة نجاح مدمر ، والفشل خير منه، فاحذرى من دفع زوجك للنجاح فى أمر يعانى منه أكثر من معاناته فى الفشل.

إن الحياة توازن بين أشياء عديدة، الإخلال بشيء منها يدفع الحياة نحو الكدر والفشل والخسارة، ذلك التوازن لن يوضحه أروع ولا أجمل من حديث رسولنا الحبيب (صلى الله عليه وسلم): "إن لربك عليك حقًا، ولأهلك عليك حقًا، ولنفسك عليك حقًا، فأعط كل ذى حق حقه".
اسلام ويب

Post: #382
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-20-2015, 04:20 PM
Parent: #301

كيف تتصرفين حين يستفزك طفلك وأنتما تتسوقان بالتشبث بما يراه فى متجر اللعب؟
فى المتجر توقف صغيرى أمام أكثر من لعبة، ودق بقدميه الأرض لأشتريها له، رفضت ، زاد إصرارًا، فنهرته بشدة، وجذبته من يده لأكمل شراء احتياجاتى، فسار معى وهو ينتحب، فى طريق عودتنا التقيت إحدى صديقاتى المقربات، وكانت صغيرتها تحمل فى يدها لعبة، وبمجرد أن تصافحنا لتمضى كل منا فى طريقها، شد ابنى اللعبة من يد الطفلة، وأصر على أن يصطحبها معه إلى البيت قائلاً للصغيرة: هل تسمحين لى بالاحتفاظ بلعبتك، وعندما تأتين مع أمك لزيارتنا سألاعبك معى بكل لعبى؟ أخجلنى تصرف ابنى وبعد نقاش طويل ومجهد ترك اللعبة، وسار بجوارى حزينًا، عدنا إلى البيت، وانشغلت بترتيب ما اشتريته، ولكن ابنى لم يدعنى، فقد ظل ينادينى كل دقيقة تقريبًا ليطلب حلوى، أو ليسألنى بماذا يلعب؟ أو ليرينى رسمًا لونه فى مجلة أطفال، أو ليسألنى متى سنزور جدتى؟ وهل ستتركينى أبيت معها.

شعرت بالاستفزاز والضغط العصبى الرهيب، وتراقصت أمام عينى تصرفات ابنى فى المتجر، ومع لعبة ابنة صديقتى، فاستجمعت قواى فى صرخة نهرته بها، وطردته خارج المطبخ، فجرى وهو يبكى، بينما غرقت فى الإحساس بالذنب والندم، سألتى نفسى ماذا عليّ أن أفعل؟
هل شعرت بالإحساس نفسه نحو طفلك؟ وهل مر عليك يوم مثل الذى عاشته هذه الأم، وعجزت عن التصرف السليم فيما واجهك خلاله من مواقف.

إذن لنتعرف معًا على ما كان على هذه الأم أن تفعله ليمر اليوم بسلام، ومن دون ندوب فى نفسية صغيرها البريء؟
تقول الخبييرة التربوية فيليس هوسلر - هناك مشكلة قلما نجد آباءً أو أمهات لم يواجهوها، ألا وهى تعلق الطفل بكل ما هو جديد سواءً فى متاجر اللعب، أو سوق الحلوى، أو حتى ما هو فى يد أقرانهم، وإن كان أقل قيمة مما يملكون بالفعل، لحل هذه المشكلة تضيء الكاتبة حقيقة غائبة عن أذهان الآباء والأمهات، ألا وهى أن هذا التعلق الظاهرى بالأشياء الجديدة مظهر طبيعى نمر نحن الكبار به.

ولكننا لا نحزن إن لم نمتلك كل ما نتعلق به، ومن ثم فإن عبارة "أريد يا أمى" الرائعة يجب ألا تؤخذ فى الغالب مأخذ الجد، فهى مجرد تعبير عن رغبة وقتية وبالتعامل السليم مع الموقف لن يتمسك الطفل بها.
إذا نظرنا بهذه الطريقة إلى الأمر سنمتنع عن وصف أطفالنا بأنهم ناكرون للجميل، ومتذمرون، وطماعون، وغيرها من التهم التى نقذفهم بها طوال اصطحابنا لهم فى الأسواق.
ماذا نفعل إذن بدلاً من توبيخ الطفل، ووخزه وبدلاً من أن نلوم أنفسنا بأننا نترك أطفالنا تعساء؟ تجيب الخبيرة: يمكننا بدلاً من ذلك، إذا ما أعلن الطفل عن رغباته، أن نتريث لكى نقول له: حقيقة إنه شيء لطيف، أليس كذلك؟ تأمل كذلك هذه اللعبة، وهكذا نستمر فى حديثنا الودى معه فنقول له: إن ذوقك طيب فى اختيار اللعب، فإظهار عطفنا على هذا النحو، يساعد الطفل الذى يقف عند واجهة المتجر، ويبعد عنه أى إيحاء بالخطأ فى إعلان رغبته بصوت مرتفع، وهذا يقلل أيضًا بصورة فعالة الرغبة الحقيقية فى التطلع إلى الأشياء، ورؤيته أشياء كثيرة محببة إليه تفقده جاذبيته القوية لاختياره الأول كانت.
فى أحيان أخرى يمكننا محاولة إرضاء رغبته بطريقة ذكية كأن نقول له: أظن أن لديك نقودًا فى صندوقك تكفى لهذا الغرض، إذا كنت متأكدًا أن هذا هو ما تريد شراءه، فلنذهب إلى البيت لنرى، وهذه الطريقة ستساعد الطفل على معرفة أن الغرض من النقود مبادلتها بشيء آخر وهو درس ضرورى، يعلمه أن الادخار يفيدنا فى أوقات الشدة، لذلك ينبغى أن ندرك أن الطفل الذى يجرى هنا وهناك مأخوذًا فى متجر اللعب يشير ويتعجب، ويعبر عن إعجابه التلقائى، إنما يتصرف تصرفًا سليمًا طبيعيًا، أما إذا وجدناه منصرفًا عن التطلع إلى هذه الأشياء؛ لأنه لا يستطيع الحصول عليها، أو لم يصدر عنه ما يدل على اللهفة، فيحق لنا حينئذ أن ننزعج.

وترصد فيليس هوسلر تصرفًا آخر يزعج الآباء والأمهات، وذلك حين يفاجئون بطفلهم يخطف دمية صديقة أو لعبته، وهو على وشك الرحيل، وهو يقول أريد إبقاءها معى، أو هل أستطيع أن آخذها إلى البيت؟ وتؤكد الكاتبة أن مثل هذا الطفل لا يزيد خطؤه فى الأخلاق الحميدة على ثغرة صغيرة، وفقًا للمعايير التى اصطلح عليها الكبار؛ لأن الطفل على الأقل يقول مخلصًا: إننى أريد لعبتك هذه، ويمكن صرف الطفل عن هذه الرغبة بتحويل الحديث إلى منحى آخر كأن نسأله: وماذا ستعطى من لعبك لصديقك مقابل هذه اللعبة، أو تخاطبين الصديق قائلة: لا تنسى اصطحاب هذه اللعبة معك كلما جئت لتلعبا بها سويًا.
ويحدث تعلق من نوع آخر يزعج الأم خاصة، ويكون داخل البيت، وهى صورة الطفل الذى يلاحق أمه فى أنحاء البيت مرددًا طلبات لا تنتهى مثل: أريد أن ألعب؟ أريد قطعة من الحلوى؟ انظرى يا أمى إلى هذا؟ ماذا سأفعل عندما يأتى صديقى فلان؟ وهكذا سيل من الطلبات التى يريد منها فى الحقيقة جذب أمه إليها ويقول لها: لماذا لا تتحدثين معى، وتنظرين إليّ، وتتصلين بى؟ لأن كل الأشياء التى طلبها ليست إلا تعويضًا عن شيء آخر أكثر دوامًا أنكرته عليه أمه، ومن المؤسف - كما تقول الخبيرة - أن هناك أمهات يجدن فى هذا التعويض بديلاً سهلاً لما يبدينه من إهمال لأطفالهن، والطفل الذى لا يتأكد من شيء معين كحب أمه له، أو من منزلته فى البيت يجد عزاءه وأمنه فيما يستطيع الحصول عليه، فالحلوى التى تقدمها له أمه تعنى على الأقل نوعًا من الاتصال بها، واللعب الكثيرة التى يملكها، والتى تتزايد حجمًا ونوعًا، إنما تؤكد له - بل وتؤكد لغيره - أنه شخص له أهمية فى البيت، لذا فالطفل الذى لا يريد مشاركة أصدقائه فى لعبة، أو ذلك الذى ينتزع منهم لعبه، لن يجدى معه القهر والإجبار؛ لأنه لن يتعلم من ذلك شيئًا؛ لأنه لن يسمع إلا الصوت الذى يتردد فى حياته الخاصة، ولن يدرك إلا أنه محروم من الذى يراه فحسب، والحل إذن - وفى كل مشاكل الصغار، هو تأمين روعهم إلى أقصى حد، ومنحهم نظرات الود التى يحتاجونها، والأذرع الحانية، والحجور المطمئنة، والتعليقات التى تريح الطفل مثل: لقد قمت بعمل رائع إننى أحب ذلك جدًا، تهدئة لروع الطفل وإراحة لنفسه.
اسلام ويب

Post: #385
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:06 PM
Parent: #301

قال الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].
من آياته تبارك وتعالى أن خلق للناس من أنفسهم أزواجًا، ليجدوا فيها سكنًا للنفس والأعصاب، وراحة للجسم والقلب، واستقرارًا للحياة والمعاش، وأنسًا للأرواح والضمائر، واطمئنانًا للرجل والمرأة على السواء.
والأصل في كل رجل سويٍّ أن يكون زوجًا وكذلك المرأة؛ لأن أيًّا منهما لا غنىً له عن هذه الصفات المثلى التي يسعى إليها كل مخلوق من السكن والرحمة والمودة ، وذكر تبارك وتعالى أنَّ في ذلك آيات لمن يتفكر ويتدبر.

يقول سيد قطب: "فيدركون حكمة الخالق في خلق كل من الجنسين على نحو يجعله موافقًا للآخر، ملبيًّا لحاجته الفطرية : نفسية وعقلية وجسدية، بحيث يجد عنده الراحة والطمأنينة والاستقرار؛ ويجدان في اجتماعهما السكن والاكتفاء والمودة والرحمة؛ لأن تركيبهما النفسي والعصبي والعضوي ملحوظ فيه تلبية رغائب كل منهما في الآخر، وائتلافهما وامتزاجهما في النهاية لإنشاء حياة جديدة تتمثل في جيل جديد" .
ولقد جرى على هذه السنة البشرية الأصيلة الصالحون والأنبياء ومنهم نبينا محمد صلوات الله عليهم أجمعين، قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّة)[الرعد:38].
وأما حكمه الشرعي فلنستمع إلى الحديث الصحيح الشريف. يقرره بأبلغ بيان: قال صلى الله عليه وسلم: "يَا مَعْشَرَ الشّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوّجْ، فَإِنّهُ أَغَضّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِيعْ فَعَلَيْهِ بِالصّوْمِ، فَإِنّهُ لَهُ وَجَاءٌ".[رواه البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن مسعود].
وفي هذا الحديث وغيره من الأحاديث ترغيب في الزواج وندب إليه، وقد ذهب العلماء إلى أن الزواج يكون واجبًا إذا كان المرء قادرًا وخشي على نفسه العنت ، أما إذا لم يكن قادرًا فعليه أن يستعف حتى يغنيه الله من فضله، وقد دل الحديث على وسيلة ناجعة لتحقيق العفة وهي الصيام ، قال تعالى: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)[النور:32]. يأمر الله الجماعة المسلمة أن تعين من يقف المال في طريقهم إلى النكاح الحلال.

وفي الآية مجال لأن يُفهم أن المرء إذا أغناه الله من فضله فعليه أن يتزوج ، والإسلام في موقفه هذا من الزواج ينسجم مع نهجه الرباني الكريم من حرصه على عدم مصادمة الفطرة، وتصعيد الغرائز حتى تؤدي غرضًا نظيفًا بناءً.
بينما هناك في عالمنا اليوم مذاهب علمانية تعزف عن الزواج وتجده لا يرضى به إلا السخفاء، ومذاهب دينية ترى أن الزواج تدنس لا يتفق والارتقاء في سلم الروح، كما تذهب إلى ذلك النصرانية الكنيسة، التي تشترط في رجال الكهنوت عدم الزواج لينالوا الرتب العالية.
أين هذا السلوك المصادم للفطرة والغريزة، ممن يجعل الزواج سنته ويبرأ ممن يريد أن يمتنع عن الزواج؟ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أرادوا أن يقوموا الليل ويصوموا الدهر ويمتنعوا عن الزواج. قال: "أَمَا وَاللهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ، لَكِنّي أُصَلّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأَتَزَوّجُ النّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنّتِي فَلَيْسَ مِنّي".

وأين هذا السلوك المصادم للفطرة ممن يجعل الاستمتاع بالحياة الزوجية الحلال صدقة؟ كما قال صلوات الله وسلامه عليه: "وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ" قَالُوا: يَا رَسُولَ اللّهِ، أَيَأْتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟ قَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلاَلِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ".

دعائم الحياة الزوجية في الإسلام

أما دعائم الحياة الزوجية في الإسلام فسأذكر أهمها فيما يأتي:

1- تحكيم دين الله في الحقوق والواجبات لكل من الزوجين:
وهذا يقطع دابر الخلاف، ويتيح للسعادة أن ترفرف بأجنحتها على بيت الزوجية، ذلك لأن الاحتكام إلى مقاييس ربانية وضعها رب العالمين يجعل في النفس راحة في الأخذ بها والوقوف عند حدودها، ولن يكون هناك نكد ولا خصام ولا خلاف إذا روعيت من الطرفين كليهما.

2- حب ومودة ورحمة وسكن للزوجين:
هذه الصفات الثلاث الحب والمودة والرحمة، وإن كانت متقاربة في المعنى لكن نلمس بينها شيئًا من الفروق الدقيقة.
فالحب عاطفة تعمر جوانب القلب، وتقوم في داخل النفس، والمودة قد تكون مظهر هذا الحب ويسلك الزوجان للتعبير عنها سبيل المؤانسة والملاطفة والهدية.
وأما الرحمة فهي فيض من المشاركة الصادقة في الفرح والحزن، والإشفاق المخلص، والمعونة الظاهرة فيما يستطيع الإنسان أن يفعله، وقد تكون بالنظرة الحانية والابتسامة المشرقة، والكلمة الطيبة، والمساعدة المادية، وذكر تبارك وتعالى المودة والرحمة فقال: (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم:21]. وينتج عن ذلك كله السكن النفسي الذي تتجمع فيه السعادة كلها ، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)[الروم:21] ، وقال عز من قائل: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا)[الأعراف:189].

3- تعاون بين الزوجين في الحياة المشتركة تحت شعار الإيثار والتضحية:
فالزوجان يعملان في بناء أسرة إنسانية، ولا يمكن أن يتم البناء إلا بأن يكون عملهما مُتَّصفًا بالتضحية والإيثار والتسامح والتحمل، وإن غاب الإيثار والتسامح والتضحية من جو الأسرة فلن تجده في جوٍّ آخر.

4- العدالة والإنصاف في كل شأن من شؤون الحياة والتكافل التام في أحداثها:
نعم ينبغي أن يكون لك منهما عادلاً مع الآخر، فالظلم محرم بين المسلمين عامة. والحرص على العدل والتكافل من الطرفين ينفي وجود الإحساس المرير بالظلم. والعدالة التي نريدها دعامة من دعائم الحياة الزوجية عامة، تشتمل الموقف والكلمة والطلب والنفقة والثقة.

- فمن العدالة اجتناب اللجاجة في الخصومة والإساءة في الكلمة.
- ومن العدالة ألاَّ يحمل أحد الزوجين صاحبه ما لا يطيق.
- ومن العدالة الاقتصاد في النفقة واجتناب الشح.
- ومن العدالة ألاَّ يصغي أحدهما لوشاية الوشاة ولا لسعي النمامين ولا لهدم الهدامين.
والتكافل هو السبيل الوحيد الذي يجعل سفينة الحياة الزوجية تسير على طريق البناء والخير والسعادة والفلاح.
ولن تكون هناك سعادة في أسرة تقوم على الاستغلال والتقصير والتواكل والظلم.

إن بيتًا تقوم دعائم الحياة فيه على هذه الأسس المذكورة لجدير أن يقدم للأمة من تحتاجه من الأفراد الصالحين الأصحاء المستقيمين، ومازالت الأسرة في بلادنا ولله الحمد هي اللبنة الأولى التي تزخر بقيم أصيلة، يصلح بصلاحها المجتمع، فلنعمل على تسهيل الزواج، ولنهيئ الظروف والأسباب، لتقوم دعائم الحياة الزوجية كما أرادها الإسلام ، لنسعد في مجتمعنا، ولنقدم للإنسانية كلها نموذج الحياة الصالحة النظيفة السعيدة.
(رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً)[الفرقان:74].
" من كتاب نظرات في الأسرة المسلمة"

Post: #386
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:09 PM
Parent: #301

ثبت في "الصحيحين" وغيرهما، من حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (~كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، فالإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راعٍ ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها~~..." وهذا حديث عظيم، من الأحاديث التي يستفاد منه جملة أحكام تتعلق بعلاقات أعضاء المجتمع كافة، بدءاً برئيس الدولة وانتهاء بخادم المنزل...

وفي وقفتنا التالية نحاول أن نسلط الضوء على جانب من الجوانب المستفادة من هذا الحديث، وذلك موضوع مسؤولية الوالدين عن تربية أبنائهما، وهو موضوع لا يختلف اثنان على أهميته، وإن كان الاختلاف واقعًا من حيث تطبيقه .

**التربية علم***

بادئ ذي بدء لابد من القول: إن التربية عموماً لم تعد عملية عشوائية، متروكة للرغبات والعادات، بل أصبحت علماً له أصوله وفصوله، وقواعده وأُسسه، التي يقوم عليها، ويستند إليها، ومن ثَمَّ كان من الأهمية بمكان أن يكون المربي على علم، واطلاع على تلك القواعد والأصول التي تقوم عليها عملية التربية .

وإذ تقرر هذا، حُقَّ لنا أن نقول: إن على الوالدين الحريصين على تنشئة أبنائهما تنشئة سليمة وسديدة، أن يضعوا خطة عملية، تراعي ظروف المربِّي وإمكانية المربَّى، وإن شئت قل: إن على الوالدين أن يكونا صاحبي مشروع تربوي هادف، وصاحبي هدف تربوي واضح، وصاحبي رؤية تربوية واقعية .

فالتربية المطلوبة إذن، هي تلك التي تُعدُّ الطفل - وَفْقَ منهج واضح ومدروس - لدخول مدرسة الحياة بكل قوة، وحيوية، وفاعلية، دون خوف أو وجل أو تردد...تلك التربية التي تهيئ الطفل ليفتح نوافذه لكل الرياح، لكن دون أن يسمح لتلك الرياح أن تقتلعه من جذوره...تلك التربية التي تحمله وتدفعه للمضي قُدُماً دون التفات إلى الوراء...تلك التربية التي تنير له السبيل ليصل إلى نهاية المشوار.

فهذه التربية المرجوة التي نهدف إليها، ونعمل من أجلها...لا تلك التربية التي تنشئ الطفل على الدلال والدعة والخمول والكسل {#أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ##}(الزخرف:18) .

**خطوات عملية***

وإذا مضينا قُدمًا من التنظير إلى التفعيل، كان علينا أن نقول: إن للتربية الصحيحة مناهج ينبغي على المربي أن يضعها نصب عينيه، ويسعى لتفعليها فيما هو مقدم عليه. ويأتي في مقدمة ذلك القدوة الحسنة، فهي أسُّ التربية وعمادها، وذلك أن الطفل يتعلم بالقدوة الحسنة أكثر مما يتعلم بالكلام وغيره، وهذا أمر مشاهد وملموس لا يحتاج لإقامة الدليل عليه. فلتحرص أخي المربي على تفعيل هذا الجانب، ولتعلم أن أبناءك لا يمكن أن يكونوا قارئين لكتاب الله إلا إذا رأوك فاعلاً لذلك، وأن أولادك لا يمكن أن يكونوا صادقين إلا إذا كان حديثك حديث صدق، ومثل هذا يقال في السلوكيات الإنسانية كافة .

ومن الخطوات العملية التربوية، أن نلحظ ميول الأطفال واتجاهاتهم، ومن ثَمَّ نسعى لتنميتها وتشجيعها، وإن لم تكن تلك الميول والرغبات داخلة في دائرة اهتمامنا.

ويفيد التذكير في هذا السياق، أن جميع الأطفال يولدون ولديهم قدرات متساوية، لكننا نحن الذين نمسخ تلك القدرات بأساليبنا التربوية الخاطئة، سواء أكان ذلك في البيت أم في المدرسة؛ وقد أكدت الدراسات العلمية في هذا المجال أن الأطفال الذين يتلقون الدعم والتشجيع من آبائهم يكونون أكثر سعادة ونجاحاً في رحلة الحياة .

**تفاعل وحوار***

ثم إن التربية الجيدة ليست تلك التربية التي تجعل الطفل يشعر نفسه وكأنه جندي يعيش في ثكنة عسكرية في حالة ترقب وحذر، ينتظر تلقي الأوامر والنواهي لتنفيذها... وإنما تلك التربية التي يستمتع معها الطفل بصحبة والديه، ويشعر أن اختياراته وآرائه موضع احترام واعتبار وتقدير .

فمثلاً من خلال المصاحبة في الرحلات والمناسبات يستطيع المربي أن يقدم خدمة تربوية لمن هو في كنفه ورعايته، ولا ريب فإن التعليم من خلال المصاحبة والمشاركة العملية يعطي من النتائج الإيجابية ما لا يتحقق من طريق آخر .

**مفاهيم خاطئة***

على أن من الأمور التي يجب الاهتمام بها، والتنبه لها هنا، أن يتخلى المربي عن أسلوب التلقين في التربية، بل عليه أن ينصرف إلى تنمية القدرات الإبداعية وتطويرها لدى الطفل، وعلى المربى أن يضع في حسابه أن نظرية الطفل المبدع بالفطرة قد انتهت، وأصبحت في ذمة التاريخ، ذلك الطفل الذي يولد مزوَّداً بالموهبة...وقد أثبت العلم أن الإبداع أصبح علماً يمكن تكوينه وتطويره، وقرر كذلك أن تطوير أي قدرات خاصة مرهون بالجهد الذي يبذل في هذا الاتجاه أو ذاك .

أيها المربي - رعاني الله وإياك - ضع نُصب عينيك، وأنت تقوم بعملك التربوي أن تزرع في نفس طفلك - بعد مفاهيم الإيمان الصحيح - مهارة الاعتماد على النفس، والثقة بها، والاعتزاز بها...وعليه فلا تفعل شيئاً بالنيابة عن طفلك يمكنه القيام به، بل خذ بيده ليقوم بالعمل بنفسه، وادفع به ليقتحم أبواب الحياة بكل قوة {#يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً##}(مريم:12) ثم لا عليك بعد ذلك في أي السواحل ألقت به الأمواج .

وأختم مقالتي إليك، بما قاله الشاعر والمفكر الإسلامي $إقبال$$ - رحمه الله - في هذا المجال: "يا مربي الجيل الجديد: ألق عليهم دروس التواضع، والاعتزاز بالنفس، والاعتداد بالشخصية، علمهم كيف يشقون الصخور...ويدكُّون الجبال، فإن الغرب لم يعلمهم إلا صنع الزجاج" ثم تأمل في قوله:

أحب احتراقي بنار اشتياقي ولا أرتضي عيشة الخاملين
فناء الفراشة في النار يعلو حياة الجبان طـوال السنين

نسأل الله لنا ولك السداد والرشاد والتوفيق لكل خير {#وَمَا تَوْفِيقِي إِلا بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيب##}(هود:88) والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيد المرسلين .
اسلام ويب

Post: #387
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:11 PM
Parent: #301

الموز يقلل ارتفاع ضغط الدم
موزة يوميا .. تبعد عنك الطبيب .. هذا المثل الشعبي معروف بالنسبة للتفاح .. ولكن العلماء الأمريكيين يرون أن الموز يستحق هذا المثل أيضا, لما يتمتع به من خصائص علاجية كثيرة.
فقد أكد الباحثون أن الموز يختلف عن بقية الخضراوات والفواكه كونه مصدرا جيدا لعنصر البوتاسيوم المفيد لضغط الدم وعضلة القلب, وفقيرا بعنصر الصوديوم.

وأكد الخبراء الحكوميون أن على المرضى المصابين بارتفاع ضغط الدم الشرياني أن يقللوا من كمية ملح الطعام التي يتناولونها وذلك لتقليل خطر إصابتهم بالسكتات الدماغية وأمراض القلب والشرايين التاجية.
وأشار العلماء الى أن الصوديوم يدخل في الكثير من التفاعلات الحيوية في الجسم, ويعتبر المسؤول عن ارتفاع ضغط الدم مع التقدم في السن, لذلك فان الحد الأدنى الموصى بتناوله من هذا العنصر يبلغ 500 ملليغرام يوميا, في حين يصل الحد الأعلى المسموح به منه الى 2400 ملليغرام يوميا.

أما عنصر البوتاسيوم فيتواجد في أجزاء متعددة من الجسم, ويساهم في عملية توازن الأملاح والسوائل, ويلعب دورا مهما في تنشيط العضلة القلبية, كما يدخل في العديد من العمليات الحيوية والأيضية التي تحدث في الجسم. وأظهرت الدراسات الوبائية والحيوانية أن خطر الوفاة الناتجة عن السكتة ترتبط بصورة عكسية مع استهلاك البوتاسيوم, وهذا يعني أنه كلما زاد استهلاك البوتاسيوم, قلّ الخطر.
ويعتقد الباحثون في الحكومة الأمريكية, أن الغذاء الذي يحتوي على حوالي 3.5 غراما من البوتاسيوم يوميا, قد يساهم في تخفيض خطر الإصابة بالسكتات الدماغية التي تصيب المسنين والسود بوجه خاص.

وقال هؤلاء في التقرير الذي نشرته مجلة "مجموعة الغذاء والتغذية" الأمريكية, إن وجود مستويات عالية من البوتاسيوم وقليلة من الصوديوم, وهو الحال الذي ينطبق على ثمار الموز, يرتبط بوجود مستويات منخفضة من ضغط الدم ومعدلات أقل للإصابة بالسكتة.
وحسب إدارة الأغذية والعقاقير الأمريكية, فإن الموز الذي يحتوي على 350 ملليغراما من البوتاسيوم و140 ملليغراما من الصوديوم, يقلل خطر ارتفاع ضغط الدم الشرياني والسكتة وأمراض القلب, فضلا عن كونه قليلا بالشحوم والدهون المشبعة والكوليسترول. وتعتبر الهند وأوغندا من أكبر الدول المصدرة للموز في العالم.
اسلام ويب

Post: #388
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:13 PM
Parent: #301

لقد شرع الحج فى شريعة أبينا العظيم إبراهيم (عليه السلام)، وشرعت بعض مناسك الحج على خُطا أمنا العظيمة هاجر (رضى الله عنها)، وكلما دار الزمان، وهلت أهلة أشهر الحج، هلت معها ذكريات المكان الذى لم يكن شيئًا مذكورًا، ثم عمر بذرية هاجر (رضى الله عنها).
إن الحديث عن أبينا إبراهيم (عليه السلام) موصول دائمًا، موصول فى كل صلاة، حينما يجلس المسلم للتشهد فى جميع الصلوات "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم فى العالمين، إنك حميد مجيد".
أمنا العظيمة
من آل بيت إبراهيم (عليه السلام) أمنا العظيمة هاجر، وسر عظمتها أنها أم النبى إسماعيل (عليه السلام)، ومن نسله خرجت خير أمة أخرجت للناس ، أمة الإسلام، الأمة الخاتمة.
وفى هذا المقال لن أسلك المسلك القصصى فى السرد، ولكنى سأتبع منهج التحليل النفسى، وتحليل المواقف؛ لأن التحليل يساعد على معرفة المضامين، والتعرف على المكونات، وإدراك المقدمات والنتائج، ومن ثم الاستفادة والاقتداء، ويمكن إجمال عناصر تحليل شخصية أمنا العظيمة هاجر فى هذه المكونات:
1 - يقين قوى بالله.
2 - شجاعة تقهر جميع المخاوف.
3 - وعى بالواقع، وإدارة ناجحة للمشروع الحياتى.
4 - همة عالية ترعى الأمانة، وتربى الولد.
العنصر الأول: يقين قوى بالله:
ترك الخليل زوجه هاجر، وولدها إسماعيل فى واد غير ذى زرع، فى مكان لا حياة فيه، ولا شجر مثمر، ولا نبات يغذى، واستأنف رحلة العودة، فسارت أمنا هاجر معه خطوات، وليتخيل القراء ذلك المسير الحائر، إن هاجر قد جاءت من مصر بلد الماء والنماء ثم سكنت الشام بلد السمن والعسل، وها هى الآن أين؟ فى واد غير ذى زرع، وغير ذى سكان، إنها تخطو خطوات مع زوجها العائد، ولم يقل لها إنها ستعود معه، تخطو خطوات، تحاول بكل خطوة أن تتعرف على المستقبل القريب والبعيد،، تريد أن تستلهم ظروف معيشتها، فتسأل زوجها، وهى الولود الحبيبة إلى قلبه، ولم لا وهى التى أضفت على حياة الخليل جو الأبوة ؟! سألته: آلله أمرك بهذا؟ فيرد عليها: نعم، فتقول: إذن لا يضيعنا، ويودعها زوجها، وتعود إلى ولدها تحت الشجرة الوحيدة فى هذا الوادى.
إنه اليقين الذى يفوق الإيمان.
يقين امرأة تعيش بين جبال "فاران" جبال تحيط بها صحراء الجزيرة العربية، ما هذا اليقين النادر، الذى يتخطى هموم الطعام والشراب المطلوبين على عجل، ويتخطى هموم المعيشة فى الزمن الآجل، المعيشة بجميع مكوناتها من منزل ، وأثاث، وعمل حياتى يجلب الرزق اليومى، ومدخرات للزمن، وأجهزة وأدوات لا تهنأ الحياة بغيرها؟
ولنتذكر أن هاجر قادمة من الشام من بيت عامر، وقبل الشام كانت فى مصر، فى بيوت متمدنة، فما هذه المعيشة الجديدة النائية عن التجمعات البشرية؛ حيث لا مدينة ولا قرية، ولا حتى هُجرة أو عزبة؟ هل هذا تطور يرضى النفس البشرية؟ أم ماذا؟ إنه اليقين بالله، الذى رُبيت عليه هاجر فى بيت النبوة، وقد أثمرت تلك التربية ذلك اليقين الذى عبرت عنه أمنا بكلمات موجزة: "إذن لا يضيعنا".
إن المؤمنين بالله كثيرون، ولكن هل حينما يتجرد المؤمن من جميع الأسباب، يرتقى بإيمانه بالله إلى درجة اليقين؟

إننا نعول على الأسباب، وعلى الماديات كثيرًا، حتى نطمئن، وحتى نأنس فى مشوار حياتنا الدنيا، أما عن أمنا هاجر فإنها من الحالات النادرة، ولكنها حالات موجودة، لقد عاش نفر من أهل الدعوة، من الرعيل الأول فى زماننا، تلك الحالات من اليقين فى السجون، حتى إن بعضهم عاش عشرين سنة مغيبًا عن الأهل، وعن المجتمع، ولكنه كان يعيش باليقين، إنهم أبناء بررة، اقتدوا بأمهم العظيمة هاجر، لقد كان يقينها هو "النواة" التى دارت حولها "الإلكترونات"، فتشكل كيان أمنا جميعه من "ذرات" هى اليقين بعينه، كما نفهم من مكونات الذرة، التى يتكون منها كل شيء حسب معلوماتنا.

العنصر الثانى: شجاعة قاهرة:
الشجاعة القاهرة معناها: قهر الخوف، أو طرده، والتغلب على أسبابه، وما أكثر أسباب الخوف التى كانت تحيط بأمنا العظيمة هاجر، الخوف من المعلوم، والخوف من المجهول، فالخوف من المعلوم كلنا نعرفه، كالخوف من السباع، ومن الحشرات، والخوف من الجوع والعطش، وأما الخوف من المجهول فهو أخطر من المعلوم؛ لأن الهواجس تكبّر الأشياء الصغيرة، والمجهول دائمًا يرهب النفس، مهما كان ضئيلاً، فكم نخاف من أصوات مجهولة، وكم نخاف من تحركات أشياء من حولنا، وما أكثر الخرافات والأساطير التى تشيع الخوف فى وجداننا، ونحن بين أهلنا، وفى مجتمعات الناس، وكما لعصرنا مخاوفه المجهولة، فإنه كان لعصر أمنا هاجر مخاوفه، لقد قهرت أمنا جميع تلك المخاوف بفضل يقينها القوى، وتكونت شجاعتها القاهرة، إنها الشجاعة التى تآلفت، وتجانست مع عناصر الطبيعة، العناصر الموحشة، وليست المؤنسة.
مخاوفنا كثيرة:
ما أكثر مخاوف الناس فى زماننا، وهى مخاوف ناتجة عن ضعف الإيمان، ناهيكم عن فقدان اليقين، لقد صارت المخاوف هى أكثر مشاعر المنتسبين إلى الإسلام الآن، وسبب كثرتها أن المسلمين - عامتهم - عندهم استعداد للخوف، وعدوهم يعرف ذلك عنهم، ولذلك يخوفهم، إن المسلمين يخافون من الجوع، ولذلك يخوفهم أعداؤهم بقطع المعونة، ويخافون من الموت، ولذلك يخوفهم أعداؤهم بالحرب، وبين الجوع والموت مخاوف كثيرة، يعيشها أبناء هاجر؛ لأنهم لم يتعرفوا، ولم يفهموا مكونات وجدان أمهم، حدث ذلك حين انفصلوا عن سيرتها، وفقدوا معالم شخصيتها.

العنصر الثالث: وعى بالواقع، وإدارة ناجحة للمشروع الحياتى:
كان الواقع ينحصر فى الشجرة، وتحتها كان المسكن، وبئر زمزم، ومنها كان الشرب، بل كانت الحياة {وجعلنا من الماء كل شيء حى}، كانت بئر زمزم هى الثروة القومية بلغة عصرنا، فكيف تصرفت فيها أمنا ؟ استأذن أهل القافلة ، فقالوا: أتأذنين لنا أن ننزل عندك؟
قالت: نعم، ولكن لا حق لكم فى الماء عندنا، تقصد الحق فى البئر.
قالوا: نعم، فكان ذلك العقد هو الأول للانتفاع بماء زمزم، عقدته سيدة بالمكان بمفردها.
إنه الوعى الإدارى، فأين تعلمت أمنا "هاجر" كيفية إدارة الموارد ؟ ولا تزال بئر زمزم تدار بهذا العقد الأول، الذى أبرمته، فالناس الوافدون مع المقيمين يشربون من زمزم، ولكن ملكيتها لأبناء "هاجر" ما أعظم الأمهات الواعيات.
وعاشت أمنا تربى ولدها، وترعى ثروتها، فكانت مُهابة محبوبة، فنشأ ولدها على نهجها، وورثنا منها الحكمة جيلاً بعد جيل.

العنصر الرابع: همة عالية، ترعى الأمانة، وتربى الولد:
ترك أبونا إبراهيم ولده إسماعيل (عليهما السلام) أمانة فى عنق أمه، ولما نبعت زمزم، صارت أمانة أخرى فى عنقها، فقامت أمنا "هاجر" برعاية الأمانتين خير رعاية، فما مؤهلات تلك الرعاية عند الزوجة والأم؟
ليس المؤهل سوى الوعى، وقد أشرت إليه، مضافة إليه همة عالية، استمدتها من الوحى الآتى من عند الله بواسطة زوجها، الزوج الذى رباها للمهمة الاجتماعية والتاريخية، واستمدت أيضًا من ذاتها التواقة إلى المعالى، ومن ترحالها الطويل الصبور.
نشأ إسماعيل (عليه السلام) فى رعاية الله، ثم تحت نظر واهتمام أمه، بهمتها العالية، وهذا درس للأمهات، خاصة ذوات الولد الوحيد، الولد الوحيد الذى لا يكاد ينجو من التدليل المفسد المعيق عن القيام بواجبات الرجولة فى حدها الأدنى، فما بالنا بواجبات الرسالة فى مجتمع كان هو مؤسسه وعماده؟
يمكننا القول: إن نجاح أمنا العظيمة هاجر فى تربية ولدها إسماعيل - والفضل لله أولاً وآخرًا، فهو الذى اصطفى - قد تألق فى موقفين عظيمين هما:
1 - طاعته لأبيه فى محنة الذبح.
2 - معاونته لأبيه فى بناء البيت.

الهمة الهمة يا بنات هاجر:
نشاهد، ونشمع فى عصرنا عن نسوة يقال إنهن ذوات نشاط فى المجتمعات، أو نسوة لا ينتمين إلى الإسلام فى مجتمعات المسلمين، فما بواعث ذلك النشاط النسائى؟ الأمر الواقع لا يعدو أن يكون من أجل السلطة، أو المكافأة ، من أجل نزوة نفسية، أو لأداء دور محدد ، تلك الأدوار النسائية، وإن كانت لها منافع وقتية، إلا أنها مبتورة الجذور، مقطوعة الفروع {ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار} [إبراهيم:26]، ومن الحكم السيارة: "ما كان لله دام واتصل، وما كان لغيره انقطع وانفصل".
ويحق للناظر فى شأن المؤتمرات النسائية التى تنعقد بين الحين والحين، ولو على مستوى من يقال إنهن الأوائل، أن يسأل هذا السؤال: ماذا قدمت تلك الجماعات النسائية بإمكاناتها الضخمة؟ هل قدمت حلولاً لمشكلات قائمة أو محتملة؟ هل تمخض مؤتمر أو عدة مؤتمرات عن شيء يحفظ فى سجل التاريخ ؟ مثلما قدمت أمنا العظيمة "هاجر" أو مثلما قدمت أم صلاح الدين، أو أم محمد الفاتح.

الأم الربانية:
تلك الملامح التى عرضت من خلالها شخصية أمنا العظيمة "هاجر" يجب أن تضعها كل أم نصب عينيها؛ لأن شخصية أمنا "هاجر" نموذج أصلى، يقاس عليه، ويقتدى به، وهى معلم بارز من معالم الربانية المؤثرة فى دنيانا منذ تزوجها أبونا الخليل، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فإلى الباحثات عن الخلود، نقدم "هاجر" التى استمدت عظمة الشخصية من الإيمان الصادق، ومن اليقين القوى، ومن الشجاعة التى تقهر جميع المخاوف، ومن الوعى بالواقع، والإدارة الناجحة للمشروع الحياتى، ومن الهمة العالية، التى ترعى الأمانة، وتربى الولد، إنها المسلمة الربانية.
اسلام ويب

Post: #389
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:15 PM
Parent: #301

كيف يستثمر الشباب الفراغ ؟
الفراغ .. هو ذلك الغول المخيف الذي يفترس الإنسان العاطل .. وهو من أقوى أسلحة الشيطان ضد الشباب .. والمجتمعات التي لا تستثمر شبابها إنماهي مجتمعات تنتحر انتحاراً بطيئاً ..

وأننا لنعجب كل العجب من تلك الدول المسلمة التي تعيش عالة على ما تنتجه العقول الشرقية والغربية في شتي مجالات الحياة ـ نعجب إذ تترك شبابها نهباً للفراغ والضياع..
لماذا لا نقيم معسكرات عمل للشباب على جميع الجبهات ، وعلى كل المستويات، وكأنه استنفار عام ، وتعبئة شاملة ..؟
لماذا لا نقيم للشباب معسكرات للتدريب العسكري في فترات إجازاتهم لتنمى فيهم روح البطولة ، ولتكون بمثانة متنفس نظيف لطاقاتهم المذخورة في كيانهم ؟

لماذا لا تقوم الأجهزة المسئولة عن الشباب في كل بلد مسلم بإقامة المعسكرات الإسلامية ، وإقامة النوادي ( النظيفة ) التي تستمد لوائحها ونظامها من خلق الإسلام وسلوكه ؟
والإجابة .. لا أدرى ألا أن ذلك ضرب من ضروب الكسل والإهمال وسوء التخطيط الذي أصبح سمة لعامة المجتمعات الإسلامية في هذا العصر .

ونحن نعلم كيف كان موقع الشباب في صدر الإسلام ، وكيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ لم يترك شبابه وقوداً هشاً لنار الفراغ المحرقة ..
فلا عجب إذا رأينا رجلاً كمونتجمرى وات يقول في كتابه (( محمد في مكة ))
" إن الإسلام كان في الأساس حركة شباب" .

نعم .. كان حركة شباب، وبسواعدهم ارتفع البناء شامخاً يناطح الجوزاء ..
وعلى هذا النهج السامي في تربية الشباب سار خلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ فنجد عمر ـ رضي الله عنه ـ يخاف على الشباب غوائل الفراغ فينبه ولاته إلى ذلك قائلا لأحدهم : " يا هذا إن الله قد خلق الأيدي لتعمل، فإذا لم تجد في طاعة عملاً التمست في المعصية أعمالا، فاشغلها بالطاعة قبل أن تشغلك المعصية " .

ويوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ النظر إلى أن الوقت من النعم التي لا يشعر بها الإنسان فيقول: " نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ " .
ويصور الحق ـ تبارك وتعالى ـ مشاهد الحسرة التي تقطع نياط قلوب الغافلين عند الموت فيقول : (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) [المؤمنون:100]
( رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ*وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المنافقون: 10ـ 11]

ولأن هذه الأعمار كانت خراباً وصفراً من كل عمل نافع من الأعمال الصالحة .. فإن أصحابها يتوهمون أن عشرات السنين التي مكثوا فيها على الأرض ما هي ألا ساعة ، أو عشية وضحاها أو يوم أو بعض يوم ..
(وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ) [الروم:55]
(كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّاعَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا) [النازعـات:46]
(قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فاسْأَلِ الْعَادِّينَ) [المؤمنون :112ـ113 ]
فوقت الإنسان هو عمره ، وهو أغلى من الذهب، لأن الذهب يذهب ويعود والعمر إذا ذهب فإنه لا يعود:

حياتك أنفاس تعــــد فكلما مضى نفس منك انتقضت به جزءاً
فتصبح في نقص وتمسى بمثله وما لك معقــول تحس به رزءاً

وليته إذا مضى لا يخلف آثاراً ولا تبعات ، ولكن يسئل عنه كل إنسان في ساحات القيامة قال صلى الله عليه وسلم ـ : " ما تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسئل عن أربع :عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيم أبلاه ، و عن ماله من أين أكتسبه وفيم أنفقه ، و عن علمه ماذا عمل فيه".

إن مرحلة الشباب ـ يا شباب ـ هي مرحلة الطاقة المتوقدة والحيوية المتدفقة ، والعطاء بغير حدود .. والفترة التي تستطيع فيها أن تصنع العجائب .. وآمالك ومستقبلك إذا لم يتحقق في هذه المرحلة فعليك العفاء..

إذا المرء أعيته المروءة ناشئا فمطلبها كهلا عليه عسير

يقول عالم النفس وليم جيمس :
" إذا قسنا أنفسنا إلى ما يجب أن نكون عليه لا تضح لنا أننا أنصاف أحياء . فإننا لا نستخدم إلا جانبا يسيراً في حدود ضيقة يصنعها داخل حدوده الحقيقية .. إنه يمتلك قوى كثيرة مختلفة ..ولكنه عادة لا يفطن لها ، أو يخفق في استخدامها" .
أتعرف يا صديقي الشاب أن الفراغ الذي تعاني منه قد حدا بعمالقة البشر إلى أن يستثمروه في الحصول على بطولات رياضية ، أو انتصارات علمية تنعم البشرية في ظلها اليوم ، ففرضوا أنفسهم على الناس أحياء وأمواتاً ، ولم يذهبوا كغثاء السيل ، ولم يرضوا لأنفسهم أن يكونوا نسخاً مكررة من ملايين النسخ التي تشاهدها في النماذج البشرية كل يوم ، وإنما رحلوا عن الدنيا وقد تركوا بصماتهم عليها ..
والفتاة المسلمة أيضا ينبغي علينا أن تقيم لها النوادي المغلقة الخاصة بها لتمارس فيها نشاطها الاجتماعي والرياضي ، وعليها أن تشغل أوقات فراغها بالتفصيل والتطريز والقراءة ( وتمريض النساء ) .. وأن تعد نفسها لتكون زوجة مثالية ، وأما مثقفة ينعكس ظل ثقافتها على تربية أولادها بل وعلى مجتمعها المسلم أيضا .

تقول ((دروثى كارنيجى )): وكثيرون هم الناجحون الذين بلغوا ذروة النجاح معتمدين على ما جنوه من علم ومعرفة خلال أوقات فراغهم ..
كان (( تشارلس فروست )) إسكافيا ولكنه استطاع أن يصبح من المبرزين في الرياضيات بتخصيص ساعة واحدة من يومه للدراسة .
وكان (( جون هتنر )) نجاراً .. ثم شرع يدرس (( التشريح المقارن )) في أوقات فراغه، مخصصاً لنومه أربع ساعات وحسب من الليل ، حتى أصبح حجة في هذا الميدان ..
واستطاع (( سير جون لايوك )) أن يقتطع من يومه المزدحم بالعمل بوصفه مديراً لأحد المصارف ـ ساعات يقضيها في دراسة التاريخ حتى أصبح علماً بين المؤرخين .

وتعلم (( جورج ستيفنسون )) الحساب في أوقات نوباته الليلية بصفته مهندساً ، ووسعه مستعيناً بهذا العلم أن يخترع القاطرة ..
ودرس "جيمس واط" الكيمياء والرياضة في أثناء اشتغاله بالتجارة فأمكنه أن يخترع المحرك البخاري ..
والله كم كان يخسر المجتمع الإنساني لو أن هؤلاء الرجال قنعوا بأعمالهم المتواضعة ، ولم يجدوا في أنفسهم دافعًا للاستزادة من العلم والمعرفة ..

ولا يلومن أحد إلا نفسه إذا لبث مغمورًا مجهولاً لأنه تخلى عن متابعة العلم منذ اللحظة التي أدرج فيها اسمه في كشف المرتبات "
صديقي الشاب ، إذا لم تشغل نفسك بالحق شغلتك بالباطل ، وقد يهجس لك الشيطان فيغريك ويمد لك في حبال الأماني الكاذبة فيقول لك : إنك ما زلت ترفل في حميا الشباب ومازال العمر ممتدًا لتحقيق الآمال ، ولكنها وساوس خبيثة تجعل الشاب بعد أن أصبح في عداد الشيوخ ينظر إلى عمره الذي ولى وكأنه حلم نائم ..

يقول " ستيفن ليكوك" : " ما أعجب الحياة ، يقول الطفل : عندما أشب فأصبح غلامًا .. ويقول الغلام : عندما أترعرع فأصبح شابًا .. ويقول الشاب : عندما أتزوج .. فإذا تزوج قال : عندما أصبح شيخًا متفرغًا .. فإذا واتته الشيخوخة ، تطلع إلى المرحلة التي قطعها من عمره ، فإذا هي تلوح كأن ريحًا اكتسحتها اكتساحًا .. إننا لا نتعلم إلا بعد فوات الأوان
أن قيمة الحياة في أن نحياها ، وفي أن نحيا كل يوم منها وكل ساعة " .

إننا في حاجة إلى الطبيب المسلم ، والصيدلي المسلم ، والمهندس المسلم ، والمعلم المسلم ، والمحاسب المسلم ، والمحامي المسلم ، والموظف المسلم ، والمحترف المسلم .. في كل ميدان نحتاج إلى علماء مسلمين ، حتى يقدموا العطاء الكبير لهذا الدين ، ولن يتمكنوا من العلم لهذه الغاية النبيلة من خلال هذه المجالات إلا إذا كانوا علماء فيها ، ولن يكونوا علماء فيها إلا إذا سخروا أوقات فراغهم لبلوغ هذا الهدف العظيم ..

وأخيرًا تأمل معي قول الشاعر :
اثنان لو بكت الدماء عليهمـا عيناي حتى يؤذنا بذهـاب
لم يبلغا المعشار من حقيهما فقد الشباب وفرقة الأحباب
عبد الرحمن واصل-اسلام ويب

Post: #390
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:17 PM
Parent: #301

اختلاط النساء بالرجال أمرٌُخطير وشر مستطير ، والمفاسد والأضرار التي تعاني منها المجتمعات التي طبقته وجربته خير دليل وأصدق برهان على ذلك ، ولذا كان الرأي بعد تجربة ومعاناة له دلالته ومعناه لأنه رأي جاء بعد رؤية للآثار ، ومشاهدة للنتائج سلبـًا كانت أو إيجابـًا واختلاط النساء بالرجال تعاني منه المجتمعات التي جربته أشد المعاناة ، فقد قوّض أمنهم وهدم أخلاقهم ، وزعزع استقرارهم ، وفكك روابطهم فسطرت أقلام بعضهم ذكر شيء من أضراره ، وبيان شيء من أخطاره ناصحة لبني قومها ، ومحذرة في الوقت نفسه غيرها أن تحذو حذوها فيصيبها ما أصابها .

تقول الصحفية الأمريكية " هيليان ستانبري " أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم ، امنعوا الاختلاط ، وقيدوا حرية الفتاة ، بل ارجعوا لعصر الحجاب ، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ، ومجون أوربا وأمريكا ، امنعوا الاختلاط ، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير ، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعـًا مليئـًا بكل صور الإباحية والخلاعة ، إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون ، إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي ، قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق " .

وتقول الكاتبة " أنارود " إنه لعار على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مثلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال .
وفي بريطانيا حذرت الكاتبة الإنجليزية " الليدي كوك " من أخطار وأضرار اختلاط النساء بالرجال ، حيث كتبت محذرة : على قدر كثرة الاختلاط تكون كثرة أولاد الزنى .
لقد دلنا الاحصاء على البلاء الناتج من حمل الزنى يتعاظم ويتفاقم حيث يكثر اختلاط النساء بالرجال ، علموهنَّ الابتعاد عن الرجال ، أخبروهنَّ بعاقبة الكيد الكامن لهنَّ بالمرصاد

**هذه أقوالهم من واقع حالهم ***
أما الأرقام والإحصائيات عن أضرار اختلاط النساء بالرجال فتوضح أن 70% إلى 90% من الموظفات العاملات بمختلف القطاعات ارتكبت معهنَّ فاحشة الزنى .
ونصف من أجري معهنَّ استفتاء ممن يعملون في مجال الأمن تعرضنَّ لارتكاب فاحشة الزنى معهنَّ من قبل رؤسائهنَّ في العمل .
حتى الجامعات وأماكن التربية والتعليم لم تسلم من هذه الموبقات فأستاذ الجامعة يرتكب الفاحشة مع طالبته ، والطلاب يفعلون ذلك مع الطالبات والمعلمات بالرضا أو الإكراه .
هذه الإحصائيات ، وهذه الأرقام رغم ارتفاع معدلاتها فهي قبل أكثر من ربع قرن من الزمان فما الظن بالحال الآن ؟
الحال الآن أن الاختلاط بين الرجال والنساء في ديار الكفار لم يزد الناس إلا شهوانية حيوانية ، وسعارًا بهيميـًا فارتكاب الفواحش ، وهتك الأعراض في ازدياد وارتفاع ، وهذا الواقع يرد على من يقول إن الاختلاط يكسر الشهوة ، ويهذب الغريزة ، حيث زاد الاختلاط من توقد الشهوة وزاد من الفساد ومثله مثل الظمآن يشرب من ماء البحر فلا يزيده شربه إلا عطشـًا على عطش يقول سيد قطب ـ رحمه الله ـ : " ولقد شاع في وقت من الأوقات أن الاختلاط تنفيس وترويح وإطلاق للرغبات الحبيسة ، ووقاية من الكبت ، ومن العقد النفسية (!!) ، ولكن هذا لم يكن سوى فروض نظرية رأيت بعيني في أشد البلاد إباحة وتفلتا من جميع القيود الاجتماعية والأخلاقية والإنسانية ما يكذبها وينقضها من الأساس .

نعم شاهدت في البلاد التي ليس فيها قيد واحد على الكشف الجسدي والاختلاط الجنسي بكل صوره وأشكاله أن هذا كله لم ينته بتهذيب الدوافع الجنسية وترويضها إنما انتهى إلى سعار مجنون لا يرتوي ولا يهدأ إلا ريثما يعود إلى الظمأ والاندفاع .
وشاهدت الأمراض النفسية ، والعقد التي كان مفهومـًا أنها لا تنشأ إلا من الحرمان ، وإلا من التلهف على الجنس الآخر المحجوب ، شاهدتها بوفرة ومعها الشذوذ الجنسي بكل أنواعه ثمرة مباشرة للاختلاط الذي لا يقيده قيد ولا يقف عند حد .
والتجارب المعروضة اليوم في العالم مصدقة لما نقول ، وهي في البلاد التي بلغ الاختلاط فيها أقصاه أظهر في هذا وأوقع من كل دليل . أ.هـ .

إن العاقل لا يقول : " لنلق إنسانـًا وسط أمواج متلاطمة ثم نطلب منه أن يحافظ على ثيابه من البلل .
وهو لا يقول : " لنلق إنسانـًا وسط نيران متوقدة ، ثم نطلب منه أن يحافظ على جسمه من الاحتراق " .
إذا كان لا يقول ذلك لعلمه باستحالته فهو كذلك لا يقول لتختلط النساء بالرجال في الوظائف والأعمال ودور التعليم والجامعات ليقينه أن العفة لا تجتمع مع مثيراتها ، ومن مثيراتها الاختلاط بين الرجال والنساء ، ولذا فإن الداعين لاختلاط النساء والرجال من بعض أبناء جلدتنا ممن يتكلمون بلغتنا وينتسبون لديننا سواء كان ذلك على جهة التعريض أو التلميح بحجة أن ذلك من مقتضيات العصر ومتطلبات الحضارة إنما يحملون من خلال هذه الدعوة معاول هدم لأمن أوطانهم ، وسعادة مجتمعاتهم وترابط أسرهم ، وكرامة نسائهم وغيرة رجالهم ، إن العقلاء في البلاد التي جربت الاختلاط بعد أن شاهدوا آثاره المضرة ومساوئه المتعددة نادوا بقوة بمنع اختلاط النساء بالرجال في بلادهم بعد أن أحسوا أنها تهددهم في قوتهم .
(عن مجلة الدعوة)

Post: #391
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:18 PM
Parent: #301

تزوج .. وعش سعيداً!!!
دراسة حديثة أصدرتها جامعة لوحاذو السويسرية تتعلق بالفوائد الصحية للزواج ، تثبت أن الزواج يقي الرجال والنساء متاعب الصداع العارض والمزمن، حيث يساعد الشعور النفسي بالعلاقة المستديمة المستقرة على تخفيف حدة توتر الجسم وإفراز هرمونات السعادة بكم أكبر من هرمونات القلق والخوف والحزن..
كما أكدت الدراسة أن الزواج المبكر يساعد الإنسان على التخلص من غالبية أشكال الضغوط النفسية والعصبية ومن توابع مشكلات العمل والاصطدام بالمجتمع ويساعد الزواج أيضاً على علاج الأرق وقلة ساعات النوم وعلى التخلص من السعرات الزائدة أولاً بأول وبمعدل لا يقل عن (200) سعر حراري في كل لقاء وهو يعادل ممارسة الرياضة لمدة (40) دقيقة للرجال، وعلى الاحتفاظ بحيوية الرجل لأطول سنوات ممكنة، وعلى وقايته من سرطان البروستاتا بنسبة لا تقل عن 85% ..
كما أكدت الدراسة أن الزواج يفيد في تقوية عضلات القلب وتنشيط الدورة الدموية واستنشاق كميات إضافية من الأكسجين يستفيد منها الجسم فتعطيه مزيداً من الطاقة.. ومن أهم ما أشارت إليه الدراسة التي أجريت على خمسة آلاف من المتزوجين من الجنسين، أن الزواج يساعد الفرد على الاستقرار الفكري والعاطفي والجسدي وعدم توافر هذه العناصر أو أحداها في الزواج سيكون له رد فعلي على حياة الزوج والزوجة..
وقد أكد الخمسة آلاف الذين تم تطبيق الدراسة عليهم أن حياتهم الآن هي أفضل بكثير من قبل الزواج.. وأكدوا جميعاً أن للأطفال في حياتهم الزوجية دوراً كبيراً في إضفاء العلاقة الزوجية السعيدة والتفاهم والمحافظة على كيان الأسرة.. وذكرت الدراسة أن من أهم ما يقلق المتزوجين عدم التفاهم.. وعدم المصداقية.. والبخل.. والسيطرة.. وأقوى ما يقرب بعضهم بعضاً.. الحب.. التفاهم.. الإخلاص.. والمصداقية والاهتمام بمصالح بعضهم بعضاً.. وتأدية واجباتهم الزوجية على أكمل وجه.
وتختتم الدراسة نتائجها بالقول: «ليس من الصعب أن تتزوج.. ولكن ليس من السهل أيضاً أن تكون زوجاً سعيداً.. دائماً»
المجلة العربية

Post: #392
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:21 PM
Parent: #301

حاجات الطفل من أسرته
تعتبر مرحلة الطفولة من أهم المراحل في حياة الإنسان ، ففي هذه المرحلة تنمو قدرات الطفل ، وتتفتح مواهبه ، ويكون قابلاً للتأثير والتوجيه والتشكيل .

ويؤكد علماء النفس أن الأسرة تكاد تكون الأداة الوحيدة ، التي تعمل على تشكيل الطفل إبان حياته الأولى ، فقد أثبتت الدراسات أن الطفل يكون بحاجة إلى أن ينمو في كنف أسرة مستقرة ، كما أثبتت حاجته إلى إخوة ينمون معه ويشاركونه حياته الأسرية ، فالأم تحتضن الطفل في مرحلة المهد ، ومنها يستمد شعوره بالأمن .. وعن طريق الأب يمكن للطفل أن يشبع الكثير من حاجاته ورغباته ، وأن ينال منه أيضـًا العطف والتقدير والمحبة.

وتشير الدراسات في مجال التربية وعلم النفس إلى :
1- إن أهم عنصرين يجب أن تسودهما العلاقات المتزنة في الأسرة هما الزوج والزوجة ، ففي الأسرة المتزنة يكون كل من الوالدين مدركـًا وواعيـًا بحاجات الطفل السيكولوجية والعاطفية المرتبطة بنموه ، ومن أهم هذه الحاجات حاجة الطفل إلى الشعور بالأمن والطمأنينة ، والحاجة إلى التقدير والحب والثقة بالنفس ، والحاجة إلى الانتماء ، وإلى بناء علاقات اجتماعية ، والحاجة إلى العطف والتعليم والتوجيه .
2- يكون الأب مدركـًا لما قد يكون من وراء سلوك طفله من رغبات ودوافع يعجز الطفل عن التعبير عنها بوضوح .
3- لا يكون الطفل مسرحـًا يظهر عليه أحد الوالدين رغباته غير المشروعة كأن يستخدم في إيذاء وضرر الطرف الآخر ، أو الكيد له ، أو أن يضع في طفله محور صراع بينه وبين غيره من الكبار الذين يتصلون بالطفل .
4- يشعر الفرد بالحنو والأمان والاستقرار .. الأمر الذي يبعد عنه القلق والاضطراب ويفتح أمامه الطريق للتكيف النفسي السليم ويمكنه من أن ينمي قدراته وإمكاناته ، ليكون مواطنـًا ناجحـًا نافعـًا ، سويـًا .
وتقول د . " هدى قناوي " : " أصبح من المسلّم به في الوقت الحاضر لدى علماء الصحة النفسية والباحثين في مجالها أن الاتجاهات التي تترك آثارًا سلبية ، ويعزي إليها مستوى الصحة النفسية ، الذي يمكن أن تكون عليه شخصياتهم كراشدين فيما بعد هي :

1- التسلط : ويتمثل في فرض الأب أو الأم لرأيه على الطفل .. وهذا الاتجاه غالبـًا ما يساعد على تكوين شخصية خائفة دائمـًا ، خجولة وحساسة .

2- الحماية الزائدة : وتتمثل في قيام أحد الوالدين ، أو كلاهما نيابة عن الطفل بالواجبات أو المسؤوليات ، التي يمكن أن يقوم بها ، والتدخل في كل شؤونه ، فلا تتاح للطفل فرصة اتخاذ قرار لنفسه حتى في اختيار ملابسه وأصدقائه .

3- الإهمال : ويتضح في صورتين : صورة لا مبالاة ، وصورة أخرى هي عدم إثابة للسلوك المرغوب فيه .. والنتيجة شخصية قلقة مترددة ، تتخبط في سلوكها ، شخصية متسيبة غير منضبطة في أي عمل .

4- التدليل : ويتمثل في تشجيع الطفل على تحقيق معظم رغباته بالشكل الذي يحلو له وعدم توجيهه لتحمل أية مسؤولية تتناسب مع مرحلة النمو التي يمر بها .

5- القسوة : وتتمثل في استخدام أساليب العقاب البدني " الضرب " والتهديد به ، والنتيجة شخصية عدوانية .

6- التفرقة : بمعنى عدم المساواة بين الأبناء جميعـًا ، والنتيجة شخصية أنانية حاقدة تعودت أن تأخذ دون أن تعطي .. تحب أن تستحوذ على كل شيء لنفسها .
وفي رأي د " جلاس توم " أن أهم العوامل الأساسية اللازمة لتحقيق التوافق السليم بين الصغير وأهله تتلخص فيما يلي :

1- ينبغي أن يتعلم الطفل منذ وقت مبكر جدًا أن الأمور لا يمكن أن تسير وفق هواه ، ومن ثم وجب ألا نعطيه كلما يطلب أو يريد ، إذ لابد أن يتعود إغفال بعض رغباته ، وأن يتعود العطاء ، وهو يود لو يأخذ ، وأن يقسم لعبه ويشاطر زملاءه إياها .

2- من الخير أن يتجنب على الدوام أن نرشو الطفل ، وأن نبذل له من الوعود ما نعرف أننا لن نستطيع الوفاء به .

3- الأمر الطبيعي السوي هو أن يستكمل الطفل استقلاله ، ويتحمل المسؤولية كاملة في سن مبكرة ما أمكن التبكير بذلك ، ولندعه يحاول ، ويخفق ، إذا استلزم الأمر ذلك فإنه سوف يتعلم من أخطائه .

4- ينبغي أن يكون كلا الوالدين رفيقـًا بالطفل صديقـًا له ، موطنـًا لثقته .

5- وقد يجدر أن نذكر هنا أن من القواعد الأساسية في تنشئة الأطفال أن الوالدين جبهة واحدة تعمل على توجيه الطفل ، فإذا ثار بينهما خلاف فليلتمسا له الحل بعيدًا عن سمع الطفل .
كذلك يشير الدكتور " مختار حمزة " إلى واجبات الآباء " في رأيه " بشأن تربية وتنشئة أطفالهم وأهمها :

1- العمل على إعداد الطفل إعدادًا يكفل له مواجهة واقع الحياة ، فلابد أن ينمو الطفل ، وقد تهيأ لمواجهة أحداث الحياة .
2- لابد أن يحاول الأب توزيع حبه وعطفه ورعايته على سائر الأبناء .. كبيرهم وصغيرهم
3- ينبغي على الآباء أن يوجهوا أبناءهم بشأن ما يرتكبون من أخطاء أو ما يبدو منهم من قصور ، بحيث يكون هذا التوجيه وقتيـًا .. أي متعلقـًا بالموقف القائم ، ولا يتعداه إلى غيره من مواقف .

4- يجب أن يكون للأبناء نصيب من وقت الآباء ، فلقد كثرت مشاغل الحياة في هذه الأيام ، وكثرت الأعباء الملقاة على عاتق الآباء ، فانصرفوا عن أبنائهم لا يعطونهم من الوقت والرعاية ما هو حق لهم .
وأصبح كثير من الأباء لا يساهمون مساهمة فعالة في الإشراف على أبنائهم ، مما قد تكون له آثاره السلبية على تنشئة هؤلاء الأبناء ، ويجب أن ندرك أهمية مباشرة الآباء لأبنائهم وإعطائهم من الوقت ما يمكن الابن من أن يتوحد بأبيه ، وأن يمتص عنه مثله ومبادئه .

5- يجب ألا يلقي الآباء أوامر أو نواه للأطفال بقصد منعهم من سلوك معين باستخدام الألفاظ الدالة على التحريم مثل " عيب " أو " لا يصح " في الوقت الذي لا يستطيع فيه الطفل إدراك معاني الأشياء .
6- كذلك يجب على الآباء ألا يفرضوا على أطفالهم التزامات جديدة بشكل مفاجئ ، بل يجب مراعاة التدرج في تحميلهم المسؤوليات ، أي أن يكون ذلك خطوة بخطوة بما يتناسب مع مستويات نموهم ، وفي الوقت الذي يصبحون فيه قادرين على الفهم والتمييز .
ويجب أن يكون الآباء قدوة لأبنائهم ، فكما نعرف شخصية الطفل إنما هي نتاج لتفاعله مع من يحيطون به ، ويبدأ هذا التفاعل أول ما يبدأ مع والديه .
ثم تبقى كلمة .. إن " البستاني " الحصيف لا يلوم إلا نفسه إن نبتت الشجرة التي يراعاها هزيلة ضعيفة.
مجلة الوعي الإسلامي

Post: #393
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:23 PM
Parent: #301

8 نصائح لنوم الطفل
تعاني كثير من الأمهات من مشكلات نوم الطفل وينعكس ذلك على الأم والطفل معًا: للتغلب على هذه المشكلة إليك بعض النصائح لينام طفلك نومًا هادئًا:
(1) في الأشهر الأول لا تضعي وسادة تحت رأس الطفل؛ لأن هذا يؤدي إلى ثني عموده الفقري ويعوق تنفسه.
(2) يجب أن لا تعوّد الأم طفلها على عادات معينة لينام: كالهز، أو حمله أو التمشي به ، أو وضع زجاجة اللبن في فمه حتى لا يصعب نومه بعد ذلك بدون هذه الوسائل، وتكفي هدهدته بالصوت الهادئ.
(3) وينبغي أن لا ينتقل الطفل من سريره في أشهره الأولى إلا عند الفسحة أو الرضاعة أو تغيير ملابسه إذا ابتلت.
(4) يكون نوم الطفل على ظهره أو على بطنه، أما إذا كان الطفل كثير التقيؤ فيجب ألا ينام على ظهره حتى لا يتسرب القيء إلى جهازه التنفسي فيضره، ويمكن في هذه الحالة أن ينام على أحد جانبيه.
وأن يغير وضع الطفل من آن لآخر برفق؛ لأن الطفل يتعب من النوم في وضع واحد وقد يستيقظ بسبب ذلك.
(5) على الأم أن تحذر تعويد طفلها على النوم في الهدوء الزائد بعيدًا عن أي ضوضاء أو إنارة، فربما حصل للطفل أمر مفزع من صياح أحد الأطفال أو صوت الباب فيصرخ الطفل بذلك، ويهتاج ويفزع من مجرد سماع هذا الصوت، فإذا حصل أن فزع الطفل مثلاً من سماع صوت جرس الباب أو قفله، وأخذ في الصراخ، فعلى الأم أن تسرع بما ينسيه إياه أو تسارع إلى إرضاعه ليزول عنه ذلك المزعج له، ولا يرتسم في مخيلته.
(6) ينبغي للأم أن تخصص وقتًا لملاعبة طفلها لما في ذلك من الأثر الطيب على نفسيته وتعديل مزاجه وسلوكه.
(7) ينبغي للأم أن تحرص على أن لا تترك طفلها في مكان مرتفع وتذهب لقضاء حاجة لها في المنزل، فربما وقع الصبي أو شده أحد الأطفال من مكانه.
كذلك ينبغي للأم أن لا تترك طفلها الصغير مع إخوته الصغار الذين لا يعرفون الخطأ من الصواب، فربما فقأ أحد عينه أو وضع يده في فم أخيه أو حمله من مكانه فأوقعه أرضًا، وغيرها من الحوادث التي نسمعها عن إهمال الأم وتركها للطفل مع إخواته .
(8) يجب على الأم بعد أن يتخطى طفلها الأشهر الأولى أن تعوده النوم باكرًا ولا يتعود النوم في النهار والصحو آخر الليل، فإن ذلك يقلق الأم ويعيقها عن مسؤولياتها الأخرى تجاه زوجها وأبنائها، ولكن متى ما بدر عليه النعاس بعد كثرة اللعب تبادر بوضعه في الفراش ولا ترهق أعصابه وتقاوم رغبته في النوم.
مجلة الأسرة

Post: #394
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 06:26 PM
Parent: #301

صدق الأبناء يبدأ بصدق آبائهم
كثيرا ماينزعج الوالدان حينما يروا طفلهما يكذب، والكذب عادة سيئة يتبعها كثير من الأطفال في الوقت الذي يحاول فيه أولياء أمورهم غرس صفة الصدق داخلهم باعتبارها أسمى قيمة يمكن ان يمتلكها إنسان في هذه الحياة، إلا أن الحقيقة الواضحة التي لا ينتبه إليها الكثيرون هي أن الأطفال يتعلمون الصدق إذا هم رأوا الكبار صادقين، وهذا الأمر لايمكن التغافل عنه فكل كذبة تقال من الأطفال يقف الآباء والأمهات عاجزين عن التصرف إزاءها وأحيانا قد تتخذ الأسر مسار العنف لمحاولة تجنيب الطفل الكذب ودفعه لقول الحقيقة إلا أن هذا لا ينفع في أغلب الأحيان، ويتخذ الطفل موقفاً صلباً في قول كذبته ليتبعها الكثير في المرات القادمة.

فكيف بإمكان الأسر التصرف إزاء مثل هذه المواقف ؟ وماذا يمكنها أن تفعل لطفلها الكاذب؟ وهل تكون الأسرة المحرك أو المحرض الأساسي لدفع ابنها لكي يكذب ؟ وكيف يمكن التصرف مع الطفل الكاب منذ سنوات طفولته وحتى سن المراهقة؟

الطفل مرآة الأسرة
تقول نجود الشدوخي الأخصائية النفسية بمستشفى الصحة النفسية بجدة، أن الطفل ذو السنوات الصغيرة بعض الشيء يعيش في حقيقة تختلف كل الاختلاف عن حقائقنا ومتى كذب لا يكون قاصدا تشويه الحقيقة بقدر ما يكون راغبا في إعطاء جو آخر بدأ يتحسسه ويشعر به فإذا ما أسقط الكوب على الأرض مثلاً فإنه يشعر بأن أحدا غيره قد أسقطه ولأنه يود لو أسقطه غيره بقوله "انه لم يسقطه" فمنطقه ليس كمنطقنا لهذا فليس من العدل اعتبار كلامه مقصودا وإذا ما أصرت الأم ان يعترف الطفل بكذبه فإن ذلك لا يكون محاولة صائبة واذا ما قال الطفل "أنا كسرت الكوب" فما الذي تفعلينه أيتها الأم ؟ أتعاقبينه أو تكافئينه، وضع لا غالب فيه ولا مغلوب والشيء الوحيد الذي يجدر بك فعله هو أن تشرحي لطفلك لماذا يزعجك سقوط الكوب، وبأن سقوطه سيسبب مشكلات كثيرة منها إنه اذا ما دخل الجسم فإنه سيصيبه بحروح بليغة ستؤدي به حتماً للذهاب الى العلاج وهي تخشى عليه، بالاضافة الى ما قد يسببه من إزعاج في التنظيف والخسارة الكبيرة للكوب، أيضا هذا الأمر قد يجعل الطفل يستجيب مع كلام الأم ويفضي بأفعاله البسيطة الى والدته ويصرح لها عن كذبته بكل سهولة وبساطة.

في المدرسة
قد يكذب الطفل الصغير على أمه أو أبيه لشيء قد حدث معه وقد يرد أحد والديه على كذبة طفلهما بقوله "هكذا إذن" ثم قد يأخذ طفله جانباً ليحاول معه أن يعترف بالقصة الحقيقية أو قد يرسله غاضباً الى غرفته ليأمل داخله أن يأتي الطفل بعد قليل ويعترف بكذبته إلا ان شيئا من هذا لن يحدث، فالثورة الغاضبة من قبل الأهل قد تزيد الأمر سوءا ويعطي الغضب للطفل دافعاً للكذب في المرات القادمة والحقيقة الساطعة انه لا يمكن لأي أب أو أم ان ينتزعا الحقيقة والصدق عنوة من فم الطفل فيشعر الطفل المتورط بالكذب بمزيد من القوة والصرامة والثقة بالنفس متى وجد أباه أو أمه غاضبين وانه نجح في إتمام خطته بسبب نسيان والديه كذبته وتركيزهما على الغضب والكلمات العنيفة، وهذا الأمر سيشجعه في أغلب الأحيان على تكرار كذبته متى ما أراد ذلك، فما الذي يمكن للوالدين من فعله لوقف أفعال الطفل الكاذب؟

سؤال تصعب إجابته في تصور العديد من الأسر، إلا ان الاجابة والتصرف في غاية البساطة فأفضل رد فعل يمكن ان تقوم به كل أسرة يتركز حسب التصرف الذي يلجأ إليه الطفل عند الكذب، فمثلا إذا ما كذب حول درجاته الضعيفة التي تحصل عليها من المدرسة فيقول بأن المدرسة لم تعطه الشهادة هو وكل زملائه، أو ربما يقول انه أضاعها ولا يعرف أين سيجدها هنا ليس على الأب أو الأم أن يصرخ أحدهما في وجه طفله وينعته بأنه كاذب، بل على العكس من ذلك تماما فبامكانهما أن يؤكدا له بأن ذلك لن يتكرر مرة أخرى لأنهما سيزوران المدرسة ليتحصلان على الشهادة ويعرفا أهم ما تحويه وهكذا بإمكاننا نحن إبلاغكم عما تحويه من درجات مادمت غير قادر على الحصول عليها، أو قدرتك غير كافية على الاحتفاظ بها، وهنا فإن الأبوين يكونا قد أحرزا نجاحا باهرا ويكون الطفل قد تعلم بأن كذبته لا يمكن لها أن تنطلي عليهما وهذا التصرف يمكن اتباعه حسب الموقف الكاذب الذي يتخذه الطفل.

الأسرة المعلم الأول
مما لاشك فيه أن الأسرة تلعب دورا كبيرا وفعالاً في تعليم أطفالها الكذب بطريقة أو بأخرى، وهذا ما يجب أن تفكر فيه كل الأسر التي تدخل هذه الأساليب السلبية في عقول أطفالها منذ حداثتهم، فمثلا عندما يأتي أحد الأصدقاء غير المرغوبين الى والد الطفل فيخبر الطفل بأن يخرج الى صديقه ويخبره بأنه غير موجود داخل المنزل، هذه الكذبات البسيطة قد تعلق في ذاكرة الطفل بأنه بينما الأهل لا يعلقون أهمية كبرى على مثل هذه الأفعال ويظنون بأنه لا يمكن للطفل التقاط أشياء بسيطة وهينة كهذه، إلا أن ذلك غير صحيح على الإطلاق فذاكرة الطفل يمكنها أن تحمل أشياء كثيرة لا يمكن لنا تخيلها، فإذا كان الأبوان صادقين في أقوالهما وأفعالهما، وكانا يتجنبان الكذب.. مهما كانت النتائج فمن المستحيل أن يتعرف الطفل على عادة الكذب الذميمة أما إذا وجد أبويه أحدهما أو كلاهما يكذبان في كثير من الأحيان فليس من المستغرب أن يقتدي بهما بدوره فيغدو كذابا كبيرا لا على أبويه فحسب وإنما على أقربائه وأصدقائه وجيرانه وربما على نفسه أيضا.
سميرة خليل-اسلام ويب

Post: #395
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:05 AM
Parent: #301

وتطبق ، حياة جاهلية فوضوية متخلفة .
والبيت الذي يؤسس على الغرائز تهدمه الغرائز.. والمنـزل الذي يبنى على الماء يغرقه الماء.. والدار التي تشيد في مجرى السيل يهدمها السيل.. والأسرة التي تتكون على تقوى وطاعة الله لا تقلعها الريح مهما كانت..

ابن بيتك على صخرة.. تلك نصيحة الأجداد للأحفاد.
ما أجمل النظام وما أروعه في داخل الأسرة.. والمدرسة.. والمصنع. والمسجد والشارع. وما أقبح الفوضى وما أفظعها في البيت والمدرسة والنادي والميادين. ومن مهام الأنبياء العظيمة التي خصهم الله تعالى بها : تعليم الناس مكارم الأخلاق. ويطلق بعض الناس على الفضائل ومحاسن الأخلاق لفظ الإتيكيت. ومن يطبق هذه القواعد فإنه رجل عالم بالإتيكيت وأصوله . ومن يخالف هذه اللوائح يسمى رجلاً جاهلاً بالإتيكيت وفنونه .

وكثيراً ما يراعي كل إنسان مشاعر الطرف الآخر الغريب عنه ، حتى يكتسب ثقته واحترامه وتقديره .
ونحن غالباً لا نلقي بالاً لطريقة تعاملنا مع إنسان عزيز علينا ، يعيش بيننا - مثل شريك الحياة - وقد نجرح مشاعره دون قصد غالباً (أو بقصد أحياناً) لأننا نعتقد أن أصول الإتيكيت تطبق فقط حين نتعامل مع الغرباء.. أما الجفاء والغلظة وقلة الذوق تستعمل مع الأقرباء .
ومن هنا وجب على كل عروسين جديدين أن يتفقا سوياً على قواعد ، تكتب في شكل وثيقة أو اتفاق ، تشمل كل ما تثرى به الحياة ، ويوفر المتعة فيها من أنشطة وهوايات مختلفة وقراءات وزيارات وتأملات ورحلات .. إلخ . وذلك ليحترم كل شريك شريكه ويشعره بقيمته ، ويقلل مخالفاته وسوء معاملاته .

وليكن هناك نوع من الجزاء أو التأديب المناسب للمخالفة مثل خصام يوم أو يومين فقط ، والاعتذار لمن أخطأنا في حقه ، أو دفعُ مبلغ من المال للإرضاء ، أو شراء هدية معقولة..إلخ .
وبعد ذلك يوقع الطرفان على الوثيقة برضا كامل . وقد تضاف بنود جديدة مع مرور الوقت وتحذف بنود ، ولكن يظل النظام قائماً والاحترام متواصلاً.

من قواعد الأخلاق :

ومن قواعد الأخلاق التي يحث عليها الإسلام وأصحاب العقول المستنيرة والتي يسميها البعض إتيكيتاً :
1. قبل أن ندخل على أحد في غرفته نستأذن ونطرق الباب.
2. عند الدخول إلى البيت أو الغرفة أو السيارة نلقي السلام.
3. الخروج من الغرفة نسأل من فيها: هل يريد شيئاً قبل الانصراف؟
4. لا نقرأ خطاباً أو شيكاً أو ورقة لا تخصنا.
5. عندما نستعير قلماً أو كتاباً أو مسطرة نعيدها إلى مكانها.

6. إذا كسرنا شيئاً أو أفسدناه اشترينا بديلاً له.
7. عندما نقلب شيئاً أو نغير موضعه مما يخص شريكنا نعيده إلى وضعه الأول.
8. إذا أخطأ أحدنا في حق الآخر فليعتذر له.
9. إذا اعتذر أحدنا وهو مسيء فليقبل الثاني اعتذاره ، ولا يكثر في اللوم.
10. الحديث بيننا يجب أن يكون هادئاً ومحترماً ، وليس فيه سباب.

11. نقول الحق ولو كان مراً ، ولكن بطريقة لطيفة غير جارحة.
12. من يحتاج إلى نصيحة ، نقدمها له بحب وبلا تعالٍ.
13. عندما يفرح أحدنا فليفرح الآخر ، وإذا بكى أحدنا فليحزن الثاني معه ، وليبك أو يتباكَ.
14. إذا حلّت مناسبة سعيدة لأحدنا فلنشارك جميعاً فيها دون اعتذار.
15. نحترم هوايات كل منا ونقدرها ، ونثني عليها ، وكأنها هواياتنا.

16. لا نقابل عصبية واندفاع أحدنا بعصبية مماثلة.
17. إذا عجز أحدنا عن أداء مهمة واحتاج للعون فلنعاونه دون إبطاء.
18. لا داعي لخلق المشكلات والنبش في الماضي حتى لا تتجدد الآلام والأحزان.
19. التسامح والعفو عند المقدرة من شيم الأكرمين.
20. فلنقسم العمل فيما بيننا ، وليؤد كل منا ما عليه ، قبل أن يطلب ما له.

21. لا نكذب مهما كان الأمر والخطأ فالكذب أبو الخطايا ، ولا يدخل كذاب الجنة.
22. ولا يكذّب أحدنا الآخر إذا تحدث أمام الناس ، وروى قصة شاهدناها معاً فنقص منها شيئاً أو زاد ، بل ندعه يكملها كما أراد.
23. لا نسرق مهما كان احتياجنا للمال.
24. فليحب كل منا لزوجه ما يحبه لنفسه وليعمل على راحته قدر استطاعته.
25. الصبر على الشدائد عبادة .. وشكر الله دوماً واجب.

26. الصلاة عماد الدين ، والثقة بالله هي أساس النجاح واليقين.
27. فلينادِ كل منا صاحبه بلقب يحبه ، ولا يرفع الكلفة في الحوار والمزاح سراً أو جهراً
د . رمضان حافظ-اسلام ويب

Post: #396
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:07 AM
Parent: #301

النوم نعمة إلهية، ففى النوم تفرز بعض الهرمونات أثناء الليل، وخاصة هرمون النمو، وهو مهم لكبار السن ؛ لأنه يمنع تحلل الخلايا ، وله مزايا أخرى منها التخلص من الإفرازات الكيميائية الضارة المرتبطة بعمل الدماغ ، والمساعدة على التخزين فى الذاكرة.
ورغم أهمية النوم يعانى بعض أحبائنا كبار السن من الأرق ، وعدم أخذ كفايتهم من النوم.
ولهؤلاء نقول: سلامتكم من الأرق، وطريقكم إلى نوم هادئ عميق سهل - إن شاء الله - فقط اقرأوا ، وليقرأ كل ابن أو ابنة يعانى أبواه من الأرق هذا الموضوع: لماذا لا ينامون؟

أسباب الأرق
تتعدد أسباب الأرق الليلى عند كبار السن، ولكن أهمها:
- قلة الحركة أثناء النهار.
- الإكثار من المنبهات مثل القهوة والشاى قبل النوم.
- تناول وجبة ثقيلة تسبب انتفاخًا وعسر هضم، وتناول الحمضيات "عصير البرتقال" الغنية بفيتامين (C) مساءً، ويفضل الاحتفاظ بالعصير إلى الصباح.
- النوم فى أوقات غير منتظمة.
- مشاهدة التليفزيون، وخصوصًا أفلام الحركة والعنف قبل الخلود للنوم.

الحليب والنوم الهادئ
وننصح آباءنا وأمهاتنا لنوم هادئ بالآتى:
- خذوا حمامًا ساخنًا، تنفسوا بعمق.
- اذهبوا إلى النوم فى أوقات منتظمة.
- تحققوا من نوعية الفراش والأغطية ومدى نظافتها وملاءمتها للطقس.
- لا تتناولوا طعام العشاء مبكرًا جدًا، واحرصوا فى الوقت نفسه على عدم الشعور بالجوع لحظة الخلود إلى النوم، وتناولوا وجبة خفيفة قبل الدخول إلى الفراش مباشرة.
- تجنبوا الأطباق صعبة الهضم مثل الوجبات التى بها توابل وصلصات.
- تجنبوا الشاى والقهوة مساءً.
- تشكل النشويات عاملاً مهدئًا، وكذلك الأطعمة الغنية بالماغنسيوم، فهى معروفة بتأثيرها المخدر على الجهاز العصبى.
- ويفضل تناول أى من هذه الأطعمة فهى تساعد على النوم: المشمش، القرع، الخس، التفاح، الخوخ، الحبوب الكاملة، التين، الخضار، الذرة، المكسرات.

تحايلوا على النوم
ولكن إذا لم يأت النوم بعد تنفيذ هذه النصائح ، فلا داعي لليأس ، هناك أساليب إضافية هى:
- حافظوا على مواعيد ثابتة للنوم.
- انهضوا فى وقت ثابت ومحدد ، حتى لو تأخرتم فى النوم ، استيقظوا فى ذات الساعة ثم خذوا قيلولة لتستعيدوا نشاطكم فى المساء.
- عندما تبدأون فى التثاؤب وتحسون أن جفونكم ثقيلة، اخلدوا إلى النوم فى غضون ربع ساعة، وإلا فلن تتمكنوا من النوم قبل ساعة ونصف.

نصائح سريعة
- لا تجلس فى السرير أثناء القراءة.
- غادر الغرفة إذا زاد وقت اليقظة الليلية على 20 دقيقة، واقرأ أو اشرب كوبًا من الحليب الفاتر، وارجع فقط إذا عاودك النعاس.
- اجعل القيلولة قصيرة نسبيًا ولا تدعها تزيد على ساعة.
- انهض من الفراش ما إن تستيقظ.
أما الأهم فعليكم بورد ثابت من الذكر عند الخلود للنوم ، والاستغفار، وقراءة القرآن، وأدعية النوم ، فهى أفضل ما نأخذ به من أسباب لنوم هادئ، وعميق، ومريح.
اسلام ويب

Post: #397
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:09 AM
Parent: #301

لا تخلو أي أسرة من مشكلات ، وسوء تفاهم ، وقلة استماع من كلا الطرفين للآخر، لسبب أو لغيره، لكن ذلك درجات، منها ما يطاق، ويعد طبيعيا في كل الأسر، ومنها ما لا يطاق ولا يعد طبعيًّا، مما يؤدى إلى تفكك الأسرة، وانفراط عقدها المنظوم، وهو موجود في أسر دون أخرى.
ولاشك أن خلف كل دخان نارًا، ولكل داء دواء، فإذا تم تشخيص الداء سهل علينا وصف الدواء.
فللتفاهم دوره الكبير في استقرار الحياة الزوجية، وأثره الخطير في تجفيف منابع المشكلات اليومية من جذورها بين الزوجين، وإلا استفحلت المشكلة، وتضخمت، واستعصت على الحل، مما يؤدى إلى ما لا يحمد عقباه.
ومطلوب من الزوجين كليهما المصارحة والوضوح، وإفضاء كل منهما بما يختلج في صدره للآخر، وأن يكون كل منهما على درجة عالية من التفاهم والتواضع، وصفحة مفتوحة وواضحة لشريك حياته.
ولا أستطيع أن أحدد هنا على من يقع الجزء الأكبر من المسئولية في هذا الموضوع؟
الزوج يخرج من بيته، ويعود آخر اليوم وذهنه مليء بالمشاغل بعيدًا عن بيته، ويدور في عقله أكثر من أمر يرتبط بعمله وعلاقاته المتشابكة التي ليست للمرأة.
والزوجة عندها كذلك ما يكفيها من مهام بيتها، وحقوق زوجها، وما تلاقيه من عنت مع أبنائها، يضاف إلى ذلك طبيعة تكوينها التي تتغلب فيها العاطفة على العقل، وبالتالي يؤثر في نفسها أقل شيء، ومن هنا كانت وصية النبي بحسن معاملتهن في غير موضع.
فالحق أنها قضية تقع على عاتق الزوجين كليهما، وأن يُعنى كل طرف منهما بها إن كانا يريدان للسفينة أن تسير، وللحياة أن تستقر.
وهو نوع من العشرة بالمعروف، ولو تعلم الزوجة ما يدور بعقل زوجها وهو قادم من عمله، ومدى ما يعانيه من استفراغ للطاقة، واستهلاك للقوى البدنية لاستقبلته استقبالاً حسنًا، ومسحت بيديها على هذا التعب وتلك المشقة، وفتحت له صدرها لتحتضن متاعبه وآلامه، فيستعيد قواه، وينسى ما مر به من تعب، وما بذل من جهد، فيرتد قويًّا تتجدد فيه دماء الحياة كأنما نشط من عقال.
ولكن الذي يحدث أنها تعاجله بما حدث من الأحداث، وما حدث من الجارات، وربما تعدى الأمر إلى حكاياتها مع الأهل، وغير ذلك من آمال المستقبل.
وليس من العشرة بالمعروف أن تكون الزوجة كذلك، ولا من الحكمة أن تسارع إليه بحديث في وقت يحتاج فيه للصمت والهدوء، بل تحسن الاستماع لكل ما يقول، وتبدى اهتمامًا بالغًا لكل ما يتحدث به، فإذا أخذ قسطه من الراحة وحظه من الود والحب، ونصيبه من الأنس والقرب، فلا بأس أن تبوح له بما تريد إن رأت في عينيه القبول، حينئذٍ ستجد صدرًا منشرحًا وآذانًا مصغية، ومن الحكمة ألا تتكلم الزوجة حيث يجب الصمت، ولا تصمت حيث يجب الكلام.
ولتكن قدوتها في ذلك أم المؤمنين خديجة (رضى الله عنه وأرضاها) التي لم ترَ النبي مهمومًا في وقت من الأوقات إلا سرَّت عنه، وأذهبت ما به من قلق، وبعثت فيه القوة والحماس.
روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث عائشة أم المؤمنين أنه لما نزل جبريل بمطلع سورة العلق على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رجع بها "يرجف فؤاده، فدخل على خديجة بنت خويلد (رضى الله عنها) فقال: زمِّلونى زملونى، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر: لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة: كلا والله ما يخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن عم خديجة " الحديث.
وقال ابن حجر: "وفى هذه القصة من الفوائد استحباب تأنيس من نزل به أمر بذكر تيسيره عليه، وتهوينه لديه، وأن من نزل به أمر استحب له أن يطلع عليه من يثق بنصيحته وصحة رأيه".
والزوجة التي تعلم أن زوجها هو جنتها ونارها، كما روى الحاكم عن حصين ابن محصن قال حدثتني عمتي قالت: أتيت النبي (صلى الله عليه وسلم) في بعض الحاجة فقال: "أي هذه! أذات بعل أنت؟ قلت نعم. قال: كيف أنت له؟ قالت: ما ألوه إلا ما عجزت عنه. قال: فأين أنت منه، فإنما هو جنتك ونارك".
الزوجة التي تعلم ذلك إذا غضبت من زوجها، أو أساء إليها، أو عصته قالت: "هذه يدي في يدك لا أكتحل بغمض حتى ترضى".
تسارع إليه إن كان هناك غضب، ولا تنتظر أو تبحث عن المخطئ؛ لأن الأمر أكبر من ذلك، إنه جنتها ونارها.

ومن ناحية الزوج ينبغي أن يقدر ما تعانيه المرأة طوال النهار من عنت في البيت، ومع الأبناء، ويتسع صدره لحديثها، ويدرك أنها تنتظره طول اليوم حتى تفضي له بمكنون نفسها، ويحسن الاستماع إليها، ويبدى اهتمامه لما تهتم به، فإذا أدرك الزوج طبيعة النساء علم أن الكلام عندهن شهوة، فضلاً عن أن يكون هناك شيء يتصل بالحياة بينه وبينها، وهى مع ذلك غسالة لثيابه، طاهية لطعامه، مربية لولده، مطفئة لشهوته.
وقدوته في ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي أوصى بالنساء خيرًا في مواضع كثيرة، حتى في خطبة الوداع، وهى آخر ما ألقاه النبي (صلى الله عليه وسلم) من نصح لأمته، فكأن الذي يفرط في ذلك يكون قد فرط في آخر وصايا رسول الله.

وقد ضرب لنا المثل حينما جلس إلى السيدة عائشة (رضى الله عنها) وهى تحكى على مسامعه حديث أم زرع الذي يحتوى على حال إحدى عشرة امرأة مع أزواجهن، وقد استغرق الحديث في صحيح مسلم ست صفحات كاملات.

وقال لها في النهاية - وكأني به يتبسم (صلى الله عليه وسلم) - "كنت لك كأبى زرع لأم زرع"، ومع طول الحديث، وجزالة ألفاظه لم يمل الرسول (عليه السلام) من الحديث، بل قال في النهاية ما يسعد زوجته، ويدخل السرور عليها، وهو ما يدل أن الرسول لا يتكلف هذا الخلق إنما هو من سجاياه.
وما أجمل ما قاله الأستاذ سيد قطب، وهو يفسر قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف}: "والإسلام الذي ينظر إلى البيت بوصفه سكنًا، وأمنًا، وسلامًا، وينظر إلى العلاقة بين الزوجين بوصفها مودة ورحمة وأنسًا، ويقيم هذه الآصرة على الاختيار المطلق، كي تقوم على التجاوب والتعاطف والتحاب، هو الإسلام ذاته الذي يقول للأزواج {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا} كي يستأنى بعقدة الزوجية، فلا تُفصم لأول خاطرة، وكي يستمسك بعقدة الزوجية فلا تنفك لأول نزوة، وكي يحفظ لهذه المؤسسة الإنسانية الكبرى جديتها، فلا يجعلها عرضة لنزوة العاطفة المتقلبة، وحماقة الميل الطائر هنا وهناك".
فعندما يتوافر التفاهم بين الزوجين، والاتفاق على طريقة معينة لهذا التفاهم، ويُحسن كل طرف منهما الاستماع للآخر، ويبدى اهتمامه لما يهتم به صاحبه - عندها فقط - تسير الحياة هادئة هانئة، تغشاها الرحمة، وتتنزل عليها السكينة، وتحيط بها المودة، ويلمؤها الحب والوفاق.
وصفى عاشور أبو زيد-اسلام ويب

Post: #398
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:10 AM
Parent: #301

عشر خطوات للتخلص من السلبية
- أنا طالب في الخامسة عشرة من عمري، أعاني من السلبية تجاه أموري الحياتية، ولا أهتم بأي قضية تطرح أمامي سواء من الوالدين، أو أثناء مشاهدتها على شاشات التليفزيون، فكيف أقلل من هذه السلبية، وأكون إنسانًا متفاعلاً مع من حولي؟
مثل هذا الطالب كثير ، فالسلبية داء أصاب الأمة بأسرها، ولست وحدك تعاني من هذه المشكلة.
ويحدد الأستاذ رضا المصري - الخبير التربوي، والمهتم بشئون المراهقين - بعض الخطوات التي يجب اتباعها للتخلص من السلبية:
1 - خذ قدرًا كافيًا من النوم بدون إسراف، وحبذا لو نمت مبكرًا على وضوء.
2 - استيقظ مبكرًا، ولا تكثر من التململ في فراشك.
3 - لا تفوتك صلاة الفجر في وقتها مع الجماعة.
4 - لا تنس أذكار الصباح، فهي مفتاح السعادة ليومك.
5 - خطط برنامجك اليومي في هدوء.
6 - احرص على تنويع برنامجك، على أن يكون فيه أشياء محببة، وتتوقع أن تحقق فيها نسبة عالية من النجاح، وحاول أن تبدأ بها.
7 - انطلق لتنفيذ برنامجك، مبتدئًا بدعاء الخروج، ودعاء الركوب إن ركبت في ذهابك لمدرستك.
8 - ابتسم إلى كل من تلقاه من إخوتك في يومك بعد إلقاء السلام عليه.
9 - احرص على إنجاز عملك أولاً بأول بحيث تتمكن من إنهاء برنامجك مع نهاية يومك.
10 - في نهاية يومك احمد الله أن أعانك على تنفيذ برنامجك اليومي.
اسلام ويب

Post: #399
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:14 AM
Parent: #301

ليست هي خشبة مسرح يؤدي عليها الممثلون أدوارا حفظوها، ويعودون إلى منازلهم ليلا، ليخلو كل منهم إلى نفسه إلى حقيقته التي لا يعرفها إلا الله، ثم هو.
وهي ليست مباراة في الدهاء يستعرض طرفاها مهارات الخبث، ويستعرضان قدرتهما على الاستفزاز، ويزهو كل منهما بأنه جعل الآخر يفقد أعصابه أولاً.
هي أيضا ليست مؤسسة عسكرية تحكمها قواعد صارمة جامدة مجردة من المشاعر والاعتبارات الإنسانية.
كما أنها ليست ديوان شعر عاطفي محتشد بكلمات الحب والعشق والهيام، ولا مكان فيه لصوت العقل ونداء المسئولية.
وهي ليست - كما يظن البعض - سجنًا سيقوا إليه قسرا ، وأوصدت دونهم أبوابه فلم يستطيعوا منه فكاكا ، وقضوا حياتهم داخله يحلمون بيوم التحرر .
وليست ورطة يعجز المرء عن التخلص منها ، فيظل يتحايل ليتكيف معها ، ويتقبلها دون جدوى ، فيضطر للاستسلام يائسًا ، ويواصل حياته مع الورطة حالمًا بالخلاص في كل لحظة.
وهي - كذلك - ليست قيدًا يكبل الحرية، ويغل اليد بالمسئوليات، ويجعل أيام خلو البال ذكريات سعيدة يسري بها المأسور عن نفسه ، ويتمني لو يعود به الزمن إلى الوراء ليعيشها مرة أخرى ، وليست صفقة يربحها من يدفع أكثر ويفوز بها من يملك ، بينما الآخرون يقفون في عجز أمام شروط هذه الصفقة التي تتضاءل دونها إمكاناتهم .
ليست الحياة الزوجية الميثاق الغليظ - كلمة الله - شيئا من ذلك ، ولكن هذا ما تصوره لنا الأفلام والمسلسلات، وهذا ما يؤكده واقع كثير من بيوتنا للأسف.
فكم من بيوت يتقن أربابها التمثيل ليواصلوا حياتهم ، ويضمرون لشركائهن أو يضمرون لشريكاتهم البغض نادمين على ربط حياتهم بهم .
كم من زيجات المرأة فيها تقضي فترة تجنيد إجباري ، وعلى الطرف الآخر زيجات لم تبن على غير الحب ، أو توهم الحب ، وعندما انغلقت الأبواب ، وخرج الواقع من قمقم الحلم انكشف الوهم ، واكتشف الزوجان أنهما لا يملكان ما يصمدان به أمام مسئوليات حياته، ويعجزان عن الاستمرار ، فيسدلان الستار على مسرحية هزلية، وينسحبان محملين بأطنان من الإحساس بالندم والخذلان .
وكم من رجال الزواج عندهم نهاية مأساوية لحياة الحرية وأيام الانطلاق ، يتعاملون معه كفريضة اجتماعية يؤدونها كارهين ، فتُظهر تصرفاتهم ضجرهم وضيقهم ، وعندما تحين فرصة الفرار لا يترددون في الهرب، والخروج من الورطة .
وكم من فتيات يرفضن صعوبات البداية، ولا يقبلن إلا البدء من حيث انتهت الأخريات اللاتي عشن سنوات طويلة مع القليل، رافعات شعار "خذوهم فقراء" صبورات قنوعات.
وهكذا يشوه الإعلام صورة الزواج قيراطًا، ويشوهها المتزوجون أنفسهم أربعة وعشرين ، وتتعدد أسباب هذا التشويه لتكون المحصلة تجارب فاشلة، ونفوسًا معقدة، وصغارًا ضائعين، أو رفضًا قاطعًا للإقدام على التجربة من الأساس ، وبالتدريج تتراجع وتتراجع قيمة الأسرة برونقها الإسلامي الوسطي الجميل، وتفقد مجتمعاتنا أو تكاد ما كانت تزهو به على غيرها ، ويصفق أعداؤنا طربًا ، فقد تحققت أهدافهم ، حققناها نحن غفلة أو عمدًا .
كيف نرد لهذه القيمة الرائعة اعتبارها ؟ كيف نتشبث بالبقية الباقية من بيوتنا الأسرية ؟ كيف نحبط المخطط ؟ ونمزق خيوط المؤامرة؟
الطريق طويلة، وربما غير ممهدة، ولكن الخطوة الأولي ستجر وراءها قاطرة باقي الخطوات، ولا أحسب هذه الخطوة إلا تربية زواجية واعية يضع المتخصصون أسسها ، ويجعلها دعاتنا ضمن أولوياتهم بحيث لا يخلو درس أو خطبة من التذكرة بأهمية الزواج ، وبسط الحل الإسلامي لمشكلاتنا الأسرية ، ووضع الزواج في إطاره الأشمل، فهو ليس مجرد علاقة مشروعة بين رجل وامرأة ، إنه خط دفاع أول ضد الهجوم على ثوابتنا ، ولا أظن البيوت المسلمة السعيدة أو التي تعرف كيف تتعامل مع مشكلاتها إلا جزءًا من القوة التي طالبنا الله سبحانه وتعالى بأن نعدها لنرهب أعداءه وأعداءنا، كما لا أظن رباط الزواج المؤسس على شرع الله، وعلى أعمدة السكن والمودة والرحمة أقل أهمية من رباط الخيل.
نور الهدى سعد-اسلام ويب

Post: #400
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:15 AM
Parent: #301

الحجــاب يحـافظ على الشـعر
خرج بعض خبراء التجميل بشائعة تزامنت مع انتشار الزي الإسلامي، حيث زعموا أن الحجاب أحد أهم أسباب سقوط الشعر، وتشويه جمال المرأة.
هذه المقولة يرد عليها اثنان من الأطباء ردا علميا، فتؤكد الدكتورة مي السماحي - أستاذة الطب التجميلي بجامعة عين شمس - أن الحجاب بريء تماما من أي تأثير سلبي يحدث للشعر، فقد أكدت البحوث العلمية التي أجريت على عدد من النساء المحجبات وغير المحجبات أن الحجاب ليس أي صلة بتساقط الشعر أو تقصفه، بل على العكس، فالحجاب يحفظ الشعر من عوامل البيئة ويحميه، وإن كنا نفضل أن يكون الحجاب مصنوعا من نسيج قطني، لأنه صحي بالنسبة للشعر والبشرة.
وتوضح الدكتورة مي السماحي أن تساقط الشعر يرجع إلي أمرين لا ثالث لهما:
أولا - الحالة النفسية غير المستقرة.
والثاني - هو الحالة الصحية العامة
فالشعر يأخذ غذاءه من الجسم، لذا فلابد من تناول كمية مناسبة من الفاكهة و الخضروات والبروتينيات.
ولابد من القضاء على أسباب القلق والتوتر، والعناية بالصحة العامة للجسم، مع عدم الإسراف في استخدام الكريمات والزيوت والشامبوهات، لأنها تؤثر على الشعر، وقصر غسل الشعر على مرتين أسبوعيا فقط.
ويؤكد د. محمد ندا - أستاذ الأمراض الجلدية بطب بالقاهرة - أن الحجاب حماية للشعر، فتيارات الهواء وأشعة بالشمس المباشرة تؤدي إلي فقدان الشعر لنعومته وشحوب لونه وضعفه، كما ثبت أن تهوية الشعر لا تؤثر في تغذيته، لأن الجزء الظاهر من الشعر على سطح الرأس خلايا قرنية ليس بها حياة، حيث يتغذى الشعر من الأوعية الدموية داخل الجلد، وتنبع صحته من صحة الجسم بشكل عام.
اسلام ويب

Post: #401
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:17 AM
Parent: #301

"نحن إلى قليل من الأدب أحوج منا إلى كثير من العلم" قالها التابعي ابن المبارك؛ لتكون دستورا أخلاقيا لكل زمان ومكان، وشعارا يجدر بكل أب وأم أن يربيا أولادهما على ضوئه، فكم نبذل من جهد ووقت لكي نضمن لأبنائنا تعليما راقيا، ومعارف ثقافية متنوعة، وربما استكثرنا جهدنا ووقتنا على تعليمهم الآداب الأخلاقية في التعامل اليومي، بل ربما استشطنا غضبا إن حصلوا على تقدير متواضع في اختباراتهم الدراسية، ولم نلق بالا للفظ سيئ تفوهوا به، أو سلوك غير طيب صدر عنهم.
وبالأمس كنا نسمع من آبائنا وأمهاتنا مقولة: "الأدب فضلوه على العلم"، حين كانت مدارسنا محاريب للقيم ، أما اليوم وقد سقطت هيبة المعلم ، وتهاوي الدور التربوي للمدرسة فقد صار علينا أن نقول لأبنائنا: الأدب .. الأدب .. الأدب ثم العلم.
كيف نجعل للآداب الأخلاقية جذورا في تعاملات أبنائنا؟
سؤال يجيب عنه د. حسان شمس باشا – استشاري أمراض القلب بمستشفى الملك فهد للقوات المسلحة بجدة ، والمهتم بالقضايا التربوية في عصر المتغيرات العلمية والتكنولوجية في كتابه: "كيف نربي أبناءنا في هذا الزمان"؟
بداية يشير د. حسان إلى أهمية القدوة، فالطفل سيكون أكثر تأدبا إذا كان أبواه كذلك، وإن كان في سلوكهما العملي ما يغني عن عشرات المحاضرات والعظات اللفظية، وينصح الآباء والمربين بـ:
- مساعدة الأبناء على اختيار الرفقة الصالحة.
- عدم الإكثار من النصح المباشر دفعا للملل، واعتماد مبدأ التربية بالنظرة أو الإشارة.
- تعليم الأبناء دماثة اللفظ، واستعمال الكلمات اللطيفة.
وحتى يكون الأبناء حريصين على أمانة المجالس والزيارات على الأبوين تعليمهم:
- عدم رواية شيء سمعوه أو رأوه، أو فعلوه إلا إذا كان متعلقا بهم.
- ألا يأخذوا شيئا من بيوت الآخرين مهما كان ضئيل القيمة أو رخيص الثمن.
- ألا يفتحوا أي مغلق مهما طالت جلستهم وحدهم في مكان ما.
- أن يفسحوا في المجالس، وألا يجادلوا أو يرفعوا أصواتهم.
- ألا يتفاخروا على الآخرين بملبس أو ممتلكات.
أما بالنسبة لبدهيات الذوق، فإن علينا أن نعلم أبناءنا:
- عدم مقاطعة أي متحدث.
- عدم تفتيش حاجيات الآخرين بغير إذنهم.
- ألا يسخروا أو يقلدوا الآخرين ولو مزاحا.
- عدم رفع الصوت.
- احترام الكبير.
- الاعتذار عن الخطأ بسرعة دون تكبر.
- عدم الجلوس في وضع مد القدمين أمام الأبوين أو الكبار بشكل عام.
- ألا يتجشؤوا أمام أحد متعمدين.
- أن يضعوا يدهم على فمهم عند العطاس أو التثاؤب.
- النظام وإعادة الأشياء إلى أماكنها بعد استعمالها.
- آداب الطعام: التسمية، الأكل باليمين، الأكل مما يليهم.
- احترام المواعيد.
- عدم إساءة استعمال الهاتف فيما لا طائل من ورائه.
- استعمال الهاتف بإذن من الأبوين.
- ألا يعطوا رقم هاتف البيت لأحد إلا بعد الوثوق في أخلاقه والتعرف الجيد به.
- احترام العلماء وتوقيرهم وحسن معاملة معلميهم.
وليتذكر كل أب وأم أن كل جهد يبذلانه في تأديب أبنائهما هين - مهما صعب - لأن ثمرته أبناء صالحون يمتد بهم عمل أبويهما بعد موتهما.
اسلام ويب

Post: #313
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-15-2015, 01:34 PM
Parent: #1

شاهدنا في الفترة الأخيرة كثيرًا من البرامج التي تتحدث عن «أزمة منتصف العمر للرجل»، وماذا يحدث فيها من تغيرات في شخصية الرجل؛ إذ قد تنقلب حياته رأسًا على عقب بسبب بعض التصرفات التي قد لا يعي أنها طائشة، ويبرر ذلك بأنه يريد أن يعيش حياته، ويستمتع بها، فقد يلجأ للزواج بأخرى من وراء ظهر زوجته الأولى، وقد يقوم بإجراء بعض التغيرات في شكله، محاولة منه ليبدو أصغر سنًا، ويوهم نفسه بأنه مازال مرغوبًا.

لماذا تحدث هذه التحولات ؟ وكيف تساعد المرأة زوجها على تجاوزها ؟ وهل هي تغير طبيعي مقبول أم تعبير عن أزمة حقيقية ؟

في التحقيق التالي محاولة للإجابة:

طقوس شبابية

يشير الدكتور فكرى عبد العزيز - استشاري الطب النفسي - إلى أن الشخصيات التي تمر بهذه المرحلة شخصيات غير ناضجة انفعاليًا ووجدانيًا، ولم تمر بمراحل النمو النفسي السوية المتوالية، بل كانت فاقدة للترابط الأسرى، ولا تتمتع بالقدرة على التعبير عن ذاتها منذ بداية (مرحلة المراهقة) ، ويمكن أن تحدث هذه التحولات نتيجة فرط حماية أو قسوة زائدة، وبالتالي يظهر التعويض في صورة جذب الانتباه من خلال ممارسة طقوس شبابية، وقد يلجأ الرجل إلى عمل علاقات، أو يتزوج من هى أصغر منه سنًا بمراحل كثيرة ، أو الحديث المفرط المبالغ فيه عن أنه ما زال مرغوبًا من الجميلات.

وعن دور الزوجة في هذه المرحلة يقول الدكتور فكرى إن عليها أن تكون متفهمة ومتواجدة وبجانب زوجها دائمًا ، وأن تبرر ما يقوم به، وتحسن من مظهرها وجوهرها، وعلاقتها بزوجها، حتى يعود إلى حياته السابقة، فالزوجة عليها عامل كبير في استيعاب تلك المرحلة التي مر بها بعض الرجال، وليس كل الرجال.

ويوضح الدكتور فكرى أنه على الرجل أن يعلم أن لكل مرحلة سنية سلوكها ومشاعرها اللائقة بها، وأن هذه المرحلة قد يصاحبها تذبذب، وتردد، ومحاولة لإثبات الذات، وعليه أن تكون لديه القدرة والدوافع الطيبة لاستكمال مسيرة الحياة مع شريكته، ويؤكد أن الإيمان هو أفضل سلاح لمواجهة تقلبات هذه المرحلة، فوجود الإيمان يعزز من قدرة الشخص على المرور بهذه المرحلة بسلام دون حدوث مشكلات أو منعطفات خطيرة في حياته الأسرية.

ويلفت د. فكرى - في ختام رأيه - نظر كل رجل يشعر بتقلبات وتحولات المراهقة الثانية، ولا يستطيع مقاومتها إلى استشعار مسئولياته كأب وقدوة لأبنائه الذين إن رأوا منه غير ذلك أو لمسوا ضعفه الإنساني قد يصابون هم أيضًا بتقلبات عاطفية أو بالاكتئاب والحزن نتيجة اهتزاز صورة المثل الأعلى عندهم.

استرخاء عاطفي

ويقول الدكتور سمير القاضي - طبيب ممارس عام - إنه في بداية الزواج يكون الزوج محور اهتمام زوجته، ثم تمر السنوات ويجد الزوج نفسه خارج دائرة الاهتمام؛ لأن الزوجة أصبحت مسئولة عن أعباء إضافية تفوق طاقتها، فيتراجع دور الرجل في قائمة أولويات زوجته.

وتحدث حالة استرخاء عاطفي بين الزوجين، فقد تهمل الزوجة زينتها، وتفقد أناقتها، وقد يكون هذا سببًا من أسباب هروب الزوج، أيضًا في هذه المرحلة قد يصاب الزوج ببعض الأمراض المزمنة مثل: السكر، والضغط، وأمراض البروستاتا، وقد يعانى من بعض الضغوط النفسية والعصبية والنفسية، مما يؤثر على كفاءته، وبدلاً من عرض نفسه على الطبيب فإنه يخطط للزواج بأخرى تأكيدًا أنه مازال بكامل الصحة والعافية.

ومن التقلبات التي تصيب بعض الرجال في هذه السن ارتداء الملابس الشبابية ذات الألوان الصارخة التي لا تناسبه، وقد يجد الزوج امرأة أخرى تحاول إغراءه، وتبدأ في نسج خيوطها حوله حتى يقع في شباكها، ويعتقد الزوج أن المرأة الأخرى تمثل له طوق النجاة ؛ لأنها يمكن أن تعيد إليه شبابه ، وتحل عقدته إذا ارتبط بها، والزوج في هذه الحالة يتغاضى تمامًا عن جميع الفروق في السن والمستوى الاجتماعي والثقافي بينه وبين المرأة الأخرى.

ويشير الدكتور سمير إلى أن هذا يفسر لنا سر تورط كثير من الأزواج في علاقات طائشة رغم أنهم متزوجون ، مما يتسبب في تدمير حياتهم الزوجية، والأمثلة على ذلك كثيرة منها: زواج طبيب متزوج من ممرضته رغم فارق السن بينهما، ارتباط مدير متزوج بسكرتيرته، زواج أستاذ جامعى بإحدى طالباته، تورط زوج بالارتباط بالخادمة.

ويوضح أنه في معظم الحالات يفاجأ الزوج بفشله أيضًا مع الزوجة الثانية، ولكنه لا يعترف بالواقع، وتتكرر المأساة عندما يتهور الزوج، ويفكر في الزواج مرة أخرى.

وهنا يجب على الزوجة انتشال زوجها، وإشعاره بالاهتمام والاحتواء حتى لا يواصل الانزلاق فيما لا تحمد عقباه.

صورة مشوهة

وحول دور الإعلام في ترويج صورة المسن المراهق، وإظهار هذا الأمر على أنه شيء متوقع وطبيعي، ومن لوازم هذه الفترة يقول د. عرفة - أستاذ الإذاعة بجامعة الأزهر:

إن الإعلام يستخدم أسلوبًا غير علمي في معالجة الظواهر الاجتماعية، فهو يبالغ في عرض هذه الظواهر، فيأتي الأمر بنتيجة عكسية، كما في حالة الإدمان مثلاً، والذي تعلم بعض الشباب أساليبه من خلال الأفلام والمسلسلات، وكانت حجة القائمين على الجهاز الإعلامي أن المشاهد يرى نهاية البطل، فيتجنب ما أوصله لهذه النهاية، وقد أثبت عدد من الدراسات أن التليفزيون ساهم في انتشار الجريمة، ويسهم في انتشار الأشياء التي يدعى أنه يحاربها.

ومن منطلق هذه الارتجالية يروج الإعلام لما يسمى بمراهقة الرجال بعد الخمسين «أزمة منتصف العمر» وهى المراهقة التي لم نسمع عنها من قبل لولا الإعلام، فقد كنا شبابًا وكان لنا أعمام وآباء مروا بهذه المرحلة، ولم نجد من مر بهذه المرحلة منهم فتصابى، أو تزوج بأخرى دون مبرر مقبول.

ويشير د. عرفة إلى الصورة التي تظهرها المسلسلات والأفلام للأثرياء الذين كسبوا بسهولة في عصر الانفتاح، وكونوا ثروات استخدموها في الإيقاع بالجميلات، والزواج منهن، فنرى البطل في المسلسلات له في كل بلد يزورها زوجة، أو له علاقة ما مع أى فتاة.

وهذا الطرح مبالغ فيه؛ حيث يفترض في الإنسان أن يستغل هذه المرحلة في العطاء، ومراجعة النفس، والإنتاج، وتربية الأولاد لا مطاردة النساء، ومحاولة إعادة الزمن إلى الوراء.

فيشير الدكتور عرفة أنه على التليفزيون أن يعرض القضايا طبقًا لما لها من وزن واعتبار في المجتمع، ولا يختلق قضايا غير موجودة بالفعل؛ إذ إنه أيضًا كثرة تكرار عرض قضية معينة قد يحولها إلى ظاهرة، ويقنع المشاهدين بأن هذا ما يجب أن يحدث، وأن كل رجل في هذه المرحلة لابد له من مراهقة جديدة.

وأخيرًا يطالب الدكتور عرفة الإعلام بأن يعرض نماذج رجال الأعمال الشرفاء الذين كونوا ثرواتهم من الحلال، وينفقون أموالهم في أشياء تفيد مجتمعهم، وينشغلون بأشياء مفيدة، ويطالب أيضًا القائمين على هذا الجهاز الخطير بألا يشغلوا المجتمع بقضايا لا وزن لها.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #314
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 02:02 AM
Parent: #313

الطفل المزعج مشكلة تؤرق أي أسرة، فهو غالباً ما يسبب الكثير من المشكلات لأسرته في الشارع ومع الجيران وفي المدرسة، مع زملائه ومعلميه وفي النادي، مع أصدقائه·

من هو الطفل المزعج ؟

لا نستطيع أن نطلق كلمة مزعج على أي طفل شقي أو يثير صخباً وإزعاجاً وضجة في أثناء لعبه مع أقرانه أو حتى حديثه بصوت عال معهم أو قيامه بأخذ لعبة أخيه أو صديقه أو ضربه··· ولكن الطفل المثير للإزعاج هو الطفل الذي يجد من حوله صعوبة في التعامل معه دائماً فيشكو منه معلموه وزملاؤه في المدرسة وجيرانه وأقاربه بل ربما والداه·

فهو مثير لأعصاب من حوله وبخاصة معلميه في المدرسة ووالداه في البيت، حيث قد يضطر معلموه لاستخدام الشدة معه لكي يهدأ فلا يزعج زملاءه في الفصل أو جيرانه في الشارع··· وقد يجدون أن الشدة معه لا تجدي للتخلص من إزعاجه·

صفاته

يوصف الطفل المزعج بأنه قليل التركيز ، يتحرك كثيراً في المكان الذي يوجد فيه ويجعله مبعثراً وغير منظَّم، مثيراً للضوضاء والصخب والشغب والتشويش ، يتحدث بكثرة وبسرعة وبصوت عال ومرتفع·· ، عجول يقوم بالإجابة عن الأسئلة قبل استكمالها يقاطع حديث الآخرين ويتدخل في أنشطتهم وأعمالهم·· ، يتصف بعدم الاستقرار العاطفي وسرعة تغير مزاجه من السعادة إلى الحزن والغضب·

والطفل المزعج حقاً هو المثير للإزعاج في البيت والمدرسة والشارع والنادي ولكل من حوله·

ففي بعض الأحيان نجد سلوك الطفل يتسم بالإزعاج في البيت فقط ومع الوالدين أما في المدرسة فيتميز سلوكه بالطيبة وحسن المعاملة والأدب مع زملائه ومدرسيه·

وقد نجد العكس تماماً فقد يكون الطفل مزعجاً في المدرسة ويشتكي منه زملاؤه ومدرسوه ويفاجأ الوالدان بهذه الشكوى وقد لا يصدقانها إذ يجدان أن سلوك طفلهما يتميز بالهدوء في البيت·

لماذا يصبح الطفل مزعجاً ؟

يؤكد علماء النفس والأطباء النفسانيون أن الطفل المزعج لا يعتبر حالة أو ظاهرة مرضية وإنما هو سلوك يعبر عما يعتري الطفل من شيء يخافه أو يقلقه أو يضايقه·

- فقد يرجع السلوك المزعج من قبل الطفل إلى شدة الخوف من والديه أو من أحدهما وقسوتهما في معاملته وعقابه دائماً بصورة مبالغ فيها على كل كبيرة وصغيرة، أو أي خطأ ولو بسيط يقع فيه الطفل··

- وقد يرجع إزعاج الطفل لخوفه من المدرسة ومدرسيه لمستواه الدراسي الضعيف وعدم رغبته في استكمال تعليمه··

- وقد يرجع إلى كثرة المشاحنات والمشاجرات المستمرة بين والديه وخلو البيت من جو الحب والدفء العاطفي وإحساس الطفل بعدم الأمان

- وفي بعض الأحيان قد يرجع سلوك الطفل المزعج إلى التدليل الزائد والمفرط من جانب الوالدين للطفل وتلبية كل مطالبه،

- وقد يرجع إزعاج الطفل لبعض العوامل النفسية التي يعاني منها مثل إحساسه وشعوره بالنقص ومستواه الاجتماعي المتواضع أو رغبته في إثبات ذاته وكيانه،

- وقد يرجع لأسباب صحية مثل فرط النشاط عنده وامتلاكه لمخزون كبير من الانفعالات·

العلاج

ـ ضرورة توافر الجو النفسي المناسب في المنزل من قبل الوالدين المليء بالحب والحنان واللطف والهدوء والاستقرار حتى ينشأ الطفل سوياً، وابتعاد الوالدين عن المشاجرات الصاخبة والعنيفة أمام الطفل·

ـ عدم معايرة الوالدين لطفليهما أمام الآخرين والسخرية منه أو الاستخفاف به حتى لا يشعر بالدونية والنقص أو الضيق·

ـ عدم انفعال الوالدين وثورتهم ولجوئهم للعقاب الجسدي في حال خطأ الطفل بل عليهم إرشاد الطفل لأخطائه بأسلوب سهل ومرن وتوافر جو من التسامح داخل البيت·

ـ مساعدة الطفل على ضبط نفسه والسيطرة عليها من خلال برنامج التحكم الذاتي وهو يشمل مجموعة من الجلسات مع طبيب نفسي أو مع أحد المربين بحيث يتم تدريب الطفل من خلال ذلك على التحكم في انفعالاته·

ـ عدم الإفراط في تلبية كل طلبات الطفل في الحال، بل يجب على الوالدين إرجاء بعضها لوقت لاحق حتى لا يتعود الطفل على اللجوء للإزعاج والبكاء والغضب لتلبية حاجاته·

ـ شغل أوقات فراغ الطفل بتشجيعه على اللعب مع أقرانه وزملائه وتعليمه الأخذ والعطاء واحترام الآخرين·

ـ المتابعة المستمرة من قبل البيت والوالدين للطفل مع المدرسة لمعرفة أحواله وسلوكاته مع زملائه ومدرسيه والتدخل في حال وجود مشكلة لطفلهم في المدرسة بكياسة وعقل وحكمة ومرونة في التعامل مع ابنيهما·

ـ عدم الحرج في اللجوء لاختصاصي نفسي أو طبيب نفسي لمساعدتهما في اختيار أنسب الطرق لعلاج السلوك المزعج من قبل الطفل

مجلة الوعي الإسلامي عدد ( 464 )

Post: #315
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 12:23 PM
Parent: #1

الزواج كيان أسرى محكوم «بفلسفة» معينة، وكلما كانت هذه الفلسفة مستندة إلى مرجعية ثابتة حكيمة كانت السعادة من نصيب الزوجين، وكان الاستقرار والصلاح من نصيب المجتمع.

ويتفرد الإسلام بامتلاكه فلسفة معجزة للزواج تجمع بين الواقعية والسمو.. ولا تتصادم مع الفطرة البشرية.

حول هذه الفلسفة يتحدث د. أبو اليزيد زيد العجمى - أستاذ الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة - فيقول:

إن الإسلام رغب فى الزواج لبناء الأسرة المسلمة بناء صحيحا قائما على رعاية الحقوق والواجبات، فنظرة الإسلام للزواج نظرة خاصة تقوم على رؤية فلسفية للكون والحياة.

ذلك أن الإسلام دين جماعة وليس دين أفراد، وهذا بنص القرآن الكريم حين تحدث عن الأمة الوسط، واعتبر أن نواة هذه الجماعة أو الطائفة أو الأمة هى رجل وامرأة، وهذه طبائع الأشياء ؛ لأن الله تعالى خلق الزوجين الذكر والأنثى، وخلق التزاوج بين كل زوجين حتى على مستوى النبات والحيوان، ولكن فقط كان الزواج أو التزاوج بالنسبة للإنسان أمرًا مميزًا ، لأنه يحقق فلسفة وجود الأمة التى تحمل الدين الخاتم.

والزواج بين الرجل والمرأة يبنى كيانًا معينًا، هذا الكيان عليه أن يحمل عبء الدين الخاتم الذى استوعب كل الأديان ، وأضاف إليها مقتضى الخاتمية ومقتضى العالمية ، والأسرة هى النواة التى تحقق لهذا الدين حماية وانتشارًا ووجودًا واستمرارًا ، ومن هنا كان اهتمام الإسلام بقضية الزواج والرجل والمرأة، وفى كل المجتمعات ينظر إلى الإعراض عن الزواج من جانب بعض الأفراد على أنه شكل من أشكال عدم السواء السيسيولوجى وهذا حقيقى ، بل إنه من الناحية العقلية والدينية مرفوض ؛ لأنه تعطيل لرسالة الله التى خُلق الإنسان من أجلها.

من أنفسكم

وقد أعلى الإسلام من علاقة الرجل بالمرأة، فحينما عبر عن العلاقة بينهما استخدم تعبيرًا لا يقف الناس أمامه كثيرًا فى معظم الأحيان وهو كلمة «من أنفسكم» فى قوله تعالى: {ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة} نحن نقف دائمًا عند المودة والرحمة كثمرة ومحصلة للزواج، ولكن ماذا عن أنفسكم ؟

إن الله خلق حواء من ضلع آدم ، ومقتضى ذلك أن تكون المرأة بعض الرجل، وأن يكون الرجل الكل الذى انبثقت منه المرأة ، فهذا هو ما يُولد المودة والرحمة ؛ لأن الكل ينبغي أن يعطف على الجزء وأن يحتويه ، والجزء ينبغى أن يطيع الكل، فالمنطق أن اليد تطيع الجسد، والمخ يصدر أوامره فيعمل الجسم كله، وعليه فينبغى أن يكون فى وعى الرجل والمرأة عند التعامل فى نطاق العلاقة الزوجية جزئية «عدم الاستغناء» فلا يستطيع أحدهما الاستغناء عن الآخر ، حتى لو اتخذ قرارًا بالاستغناء فإنه يكون قد اتخذ قرارًا يعذب به نفسه، ويضاد به فطرته، ويخالف به دينه.

الجزئية الثانية فى الحياة الزوجية والتى قررها القرآن أيضًا فى قوله تعالى: {وعاشروهن بالمعروف} وقد أسماها بعض العلماء بأنها «كالاتفاق الصامت»، ومعناها أن كل طرف فى الحياة الزوجية يترك أو يتنازل عن جزء من حقه لكى نلتقى فى نقطة سواء؛ لأن الإصرار على الحقوق كاملة لن تحقق العشرة بالمعروف، وإنما التقدير المتبادل، ومراعاة كل طرف لظروف الطرف الآخر.

ويثير البعض مسألة القوامة فى الأسرة على أنها ظلم وقهر للمرأة وسلطة تحكمية فى يد الرجل يفعل بها ما يشاء ، وفى هذا مغالطة شديدة لمبدأ العشرة بالمعروف، فمسألة القوامة تعرضت لمغالطات شديدة، فالقوامة ليست سوى صلاحية من الصلاحيات يأخذها المدير، وليس من العدل أن تطالب إنسانًا بإدارة مؤسسة ثم تغل يده وتقول له «كن مديرًا ولكن لا تعاقب فلانًا ولا تفعل كذا..» فلأن الله حمَّل الرجل مسئولية البيت ، وجعل له هذه الصلاحية، وهو فى الوقت نفسه لم يحرم المرأة من وجودها، بل أوصى الرجل بها خيرًا، فقد قال الله تعالى: {ولهن مثل الذى عليهن بالمعروف}، {فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا}، وقال (صلى الله عليه وسلم): «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره فيها خلقًا رضى منها آخر»، فصلاحيات الإدارة هنا تتضح معناها فى أنه ليس معنى القوامة أن الرجل أفضل من المرأة، أو أن المرأة أقل من الرجل، ولكن شاء الله سبحانه أن يخلق الرجل رجلاً، والمرأة امرأة لكى يعمر الكون، وهذا الفهم الصحيح سيلزم الرجل بأن يفرق فى معاملة زوجه بين التقاليد الموروثة وبين الدين الصحيح، فمثلاً إذا قالت المرأة رأيًا وكان فيه الصواب، وتملك معه من الحجج ما يؤيده كان على الرجل أن يقف موقف عمر ويقول: «أصابت امرأة وأخطأ عمر».

فلسفة الأسرة السعيدة

وعن السعادة الزوجية فى ظل القواعد التى وضعها الإسلام لبناء الأسرة أكد الدكتور أبو اليزيد العجمى أن الأسرة السعيدة لا نقصد بها أسرة بدون مشكلات، لأنها فى الحقيقة أسرة ليس لها وجود، فالزوجان ليسا ملكين وإنما بشران لهما نوازع تتلاقى أحيانًا ، وتتضارب أحيانًا أخرى، والشيطان يجرى من ابن آدم مجرى الدم.

ولكننا نقصد بالأسرة السعيدة، الأسرة التى تملك فلسفة لحل المشكلات، وتتم هذه الفلسفة بتحديد المرجعية، فعندما يعلن الزوجان عن بدء حياتهما أن اختيار كل منهما للآخر كان وفق مقياس إسلامى، وأن رسالتهما فى الحياة تتفق ومنهج الله، فلابد أن تكون مرجعيتهما عند حل المشكلات تتوافق وما سبق ، أى متفقة وشرع الله ، ولكن هناك نقطة مهمة فى هذا الصدد وهى مدى الالتزام بذلك، فهناك فارق جوهرى بين المرأة المسلمة قديمًا، والمرأة المسلمة الآن، فالمسلمة قديمًا كانت لا تعلم فإذا علمت التزمت، أما المسلمة الآن فهى قد تعلم ، وإذا علمت جادلت.

وجزء كبير من مشكلاتنا يكون بسبب عدم تحديد المرجعية مما يعرضنا للوقوع فى أغلاط المفاهيم ، فنخلط التقاليد بالإسلام ونجعل من الإسلام اجتهادًا ، فيفهم الرجل أن الرجولة «قهر» وتفهم المرأة أن الأنوثة «لعب على عقل الرجل ومكر به» ولذا نفقد روح التناصح فلا نجد امرأة كالمرأة العربية القديمة التى كانت تنصح ابنتها «كونى له أمة يكن لك عبدًا».

والنقطة الثانية لتحقيق السعادة الزوجية بعد تحديد المرجعية هى تحديد الهدف فى الحياة الزوجية، فتحديد الهدف يجعلنا نعلو فوق المشكلات، مما يخفف من غلوائها، فنحافظ على سعادة الأسرة، لأن الكل يعمل لأجل تحقيق هدف متفق عليه سلفًا.

لذا فأحد أسباب سعادة الأسرة أن يكون هدفها البعيد واضحًا، وأن تفكر ليل نهار فى وسائل تحقيقه، ومن الممكن أن نختلف - والخلاف فى الإسلام أمر واقع - ولكن ينبغى أن يكون شعارنا: «رأيي صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب».

السعادة فى الواقعية

والنقطة الثالثة لتحقيق السعادة هى واقعية الأسرة، بمعنى قبول الخطأ، فكل بنى آدم خطاء وخير الخطائين التوابون.

فعندما يطلب الرجل من زوجته تضحية، إذا بها تراها أحيانًا إجحافًا، ولكن بدلاً من أن يكون المحك هو العقاب واللوم الشديد ينبغى أن يصبح التسامح والتغافر هما عنوان الأسرة، ولو نظرنا إلى تاريخنا الإسلامى نجد السيدة عائشة كانت تتدلل على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكن الرسول كان إنسانًا وزوجًا واقعيًا مدركًا للمرحلة العمرية التى كانت فيها عائشة ، وهى فى ذلك تختلف عن أم سلمة المرأة الثيب التى تزوجت من قبل وكبر سنها، فهو يعامل كلاً بما يناسبه.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #316
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 12:26 PM
Parent: #315

الفصل بين الجنسين فى المدارس دعوة أوروبية ملحة
يبدو أن المقولة التى سادت لعدة عقود فى الغرب، والتى اعتبرت المدارس الخاصة بالفتيات فقط مدارس لا تواكب العصر، قد بدأت فى التغير مؤخرًا ، بعد أن زاد اقتناع البعض بأن الفكرة ليست جيدة فقط لكنها ستؤدى لنتائج دراسية أفضل.

ففى دراسة عن كتاب فرنسى حديث تحت عنوان: «مصائد المدارس المختلطة» نشرتها صحيفة لاكسبريس الفرنسية أعلن عالم الاجتماع الفرنسى ميشال فيز - الباحث بالمركز القومى للدراسات الاجتماعية بفرنسا - أن الاختلاط فى المدارس الأوروبية لا يدعم المساواة بين الجنسين، ولا المساواة فى الفرص.

وقد صدرت الدراسة بعد تجربة اختلاط تعليمى دامت 45 عامًا فى فرنسا، وكشفت عن سوءات عملية الاختلاط فى الغرب، وبخاصة فرنسا، والتى شهدت ارتفاع معدلات الاعتداءات الجنسية ضد المراهقين داخل المؤسسات التعليمية ، فضلاً عن زيادة نسبة الرسوب التعليمى عند الأولاد، برغم تفضيلهم عن البنات فى المدارس بصورة تعلن عن عنصرية المعلمين أنفسهم.

الاختلاط .. وحقوق التعليم

ومن ثم فإن سياق الأحداث وتطوراتها فى فرنسا والغرب يثبتون عكس ما يقال من أنه طالما كان المجتمع مختلطًا وديموقراطيًا ، فإنه يجب أن يمثل ذلك فى المدارس.

ويشير ميشال فيز إلى أن الاختلاط ليس حقًا من حقوق التعليم، بل إنه كان من منطلق التعبير عن مبادئ المساواة فى الفرص ، واحترام حقوق المواطنة ، وإذا كان هذا المبدأ حقًا ، فلماذا لا نجبر فتياتنا على العمل فى ميكانيكا السيارات ؟

ويعلن المؤلف أنه يدعو لسياسة فصل تغير المجتمع إلى الأفضل خاصة فى ظل المعلومات التى حصل عليها حول تدنى مستوى التعليم ، وعدم قدرة الفتيات - فى ظل الاختلاط - على إثبات ذواتهن، ومشاكل الأولاد فى التحصيل اللغوى.

ويشير فيز إلى أن عملية الفصل لا تستدعى أن يعبر التلميذ أو التلميذة عن انتمائهما الدينى ، أو خصوصيتهما الفكرية، فالفصل هنا لا يعنى أننا سنلجأ إلى فتح مدارس لفتيات محجبات.

وقد أثارت هذه القضية التى اعتبرها العالم الغربى من قبل من المحرمات التى لا يجب الخوض فيها جدلاً كبيرًا، وفتحت الباب لمناقشات ساخنة حول مخاطر الاختلاط، وخاصة فى المدارس الإعدادية والثانوية، فى الغرب الأوروبى وأمريكا.

مشاكل شباب المدارس

كما سلطت صحيفة لاكسبريس - التى عرضت الكتاب - الضوء على عدد من المشكلات التى تواجه الشباب داخل المدارس، فمن بين 110 آلاف رسالة وصلت على الخط الساخن للشباب عام 2000 كانت هناك حوالى 4 آلاف رسالة أشارت لتعرض أصحابها لضغط جنسى داخل المدرسة، وقد شكل هذا العنف الجنسى نسبة 13،1% خلال العام الدراسى 2001 - 2002 من أشكال العنف الأخرى، فضلاً عن تعرض الفتيات للسب والمعاكسات الكلامية البذيئة، وخاصة فى المقاطعات التى تعانى مشكلات الفقر والحرمان والسكان النازحين.

مدارس للفتيات فقط

وأشارت المجلة فى حوارها مع مؤلف الكتاب إلى قضية الهجوم الإسلامى على الغرب متسائلة: إن كان ذلك الفصل يتماشى مع وجهة النظر الإسلامية، فهل سننتظر كثيرًا نحن كبلد علمانى حتى يتقدم الإسلام إلينا مهاجمًا ؟

فأجاب الكاتب : أنه منذ عام 2000، وفى عهد الرئيس «المتدين» جورج بوش بدأ القبول بفكرة إنشاء مدارس منفصلة بأمريكا، وكذلك فى كل من إنجلترا، والسويد، وفنلندا، وألمانيا؛ حيث يتم الفصل خاصة فى حصص المواد العلمية، أما فى فرنسا فقد كان التعليم الكاثوليكى أول من نادى بعملية الفصل، وإن كان ذلك فى مدارس خاصة بعيدًا عن التعليم الرسمى العلمانى .

وقد علق عدد من الخبراء التربويين على تلك الدراسة، وعلى الموضوع الذى تثيره فى وقت يشتعل فيه الهجوم الغربى على الإسلام والمسلمين فى العالم الغربى وأمريكا.

فتحت عنوان: «مدارس للفتيات فقط.. أحدث صيحة تعليمية فى بريطانيا» كتبت مجلة الإيكونوميست البريطانية موضوعًا جاء فيه أنه بعد فصل البنين عن البنات فى عدد من المدارس البريطانية الخاصة أظهرت نتائج الاختبارات التى تمت سنة 1997 أن 68% من التلاميذ حصلوا على درجات مرتفعة فى الاختبارات، بينما حقق (81%) من الأولاد، و(82%) من الفتيات ذات التقديرات المرتفعة سنة 2004 بعد عملية الفصل.

كما أشارت المجلة إلى أن الولايات المتحدة بدأت اعتبارًا من العام الدراسى الحالى (2004) تخفيف وتيسير القواعد التى حظرت فى السابق التعليم القائم على جنس واحد فى المدارس العامة.

فكرة المساواة

كما صرح وزير التربية والتعليم الفرنسى بضرورة احترام الجنسين فى مراحل التعليم المختلفة فى الوقت الذى أبرز فيه قمة التناقض بين دولته العلمانية، وبين هذا الكتاب، والنتائج التى صدرت عنه.

وأشارت إيزابيل كابيه - عضوة منظمة ميكس سيتى التربوية - إلى أن القضية الفعلية التى يجب مناقشتها هى فكرة المساواة ، وحق الانتخاب للمرأة ، والذى شُرع سنة 1848 لكن لم تمارسه المرأة غير عام 1945.

أما أنديره بلدان - سكرتير عام رابطة التعليم الكاثوليكى - فقال: إنه لابد من مواجهة حاسمة لقضية الاختلاط بالمدارس تجنبًا لمشكلات التحرش الجنسى.

بينما قالت مارى دوره - الباحثة التربوية: إن الخوف ليس من عملية الفصل، ولكن من تغيير المناهج بما يتلاءم مع مشكلات المجتمع ، فهذه هى المشكلات الحقيقية.

وفى تعليقها على عملية الفصل قالت دومينيك شنبير - مديرة مدارس التعليم العالى للعلوم الاجتماعية: إنه إذا كان يجب أن ندعو إلى وضع الفتاة إلى جانب الولد فى المدرسة ليكون ذلك أمرًا طبيعيًا؛ لأن المرأة تعمل بجانب الرجل فى المجتمع، فمن غير المنطقى أن لا نشير إلى الظلم الذى تتعرض له المرأة فى المجتمع، ومن هنا فإنها ترى أن المدرسة يجب أن تكون مكانًا لحماية الفتاة من الظلم الواقع عليها.

وأن على المدرسين أن يختاروا النظام الملائم لمصلحة الطلاب جميعًا، لكنها عادت وأشارت إلى تأثير الفكر الإسلامى وقدرته على التغلغل فى المجتمع الفرنسى لحسم هذه القضية، وهو ما يشكل مشكلة أخرى تحتاج لإعادة نظر.

وعمومًا فلم تخف الدراسة تخوفها من التدخل الإسلامى، فهم يدعون إلى مبادئ وأسس دعا إليها الإسلام قبل أن تقوم حضارتهم، ثم يبحثون عن مخرج لمشاكلهم بمواجهات لا فائدة منها، ويغفلون أن الإسلام تبنى أسلوبًا تربويًا عبقريًا يطبقون بعض تفاصيله اليوم.
نرمين العطار-اسلام ويب

Post: #333
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:37 PM
Parent: #316

حذر بعض علماء الإسلام والاجتماع والتربية من ارتفاع معدلات زواج الشباب المسلم من أجنبيات غير مسلمات في عالمنا العربي والإسلامي وأكدوا أن لهذه الظاهرة تداعيات اجتماعية وتربوية ودينية خطيرة فهي تضاعف من حدة مشكلة العنوسة في بلادنا العربية

وتثمر أجيالا مسلمة ضعيفة الانتماء للدين والوطن واللغة وغير ذلك من المقومات الثقافية والخصائص الاجتماعية للمجتمع المسلم. كانت الدراسات والإحصاءات الحديثة قد أكدت زيادة إقبال الشباب المسلم على الزواج من أجنبيات وكشفت عن العديد من المشكلات الناتجة عن هذا الزواج.

ترجع الدكتورة نادية رضوان رئيسة قسم الاجتماع بجامعة قناة السويس لجوء الشباب المسلم إلى مثل هذه النوعية من الزواج لما حدث في المجتمع العربي والمسلم من اختلال في مفاهيم القيم والأخلاقيات والمبادئ حيث لم يعد الزواج كما كان في السابق يقوم على أسس واختيارات محكومة بالعادات والتقاليد الاجتماعية والقيم الدينية فأصبح المظهر والرغبة في الهجرة والحصول على الجنسية الأجنبية على رأس الأسباب التي تدفع الشاب للزواج من الأجنبية ليس هذا فحسب فهناك جانب آخر أفرزته سلبيات المغالاة في المهور والتعقيدات التي يواجهها الشاب عند إقدامه على الزواج من بنات وطنه ودينه مما يجعله يتجه نحو الزواج من الأجنبية التي لا يكون لديها قائمة تعقيدات كنظيرتها العربية المسلمة وهذا ليس وليد نشأتها وعادتها فقط بل لرغبتها في الحصول على الإقامة الدائمة في هذا البلد أو ذاك.

تضيف د. نادية رضوان: هذا الزواج تترتب عليه مشكلات اجتماعية كثيرة فضلا عن المشكلات الأسرية والعائلية في ما بين أهل العريس نفسه حيث تكون مساحة التفاهم والعلاقة الاجتماعية التي تربط هذه الزوجة الأجنبية بأسرة الزوج محدودة للغاية إن لم تكن مقطوعة نظرا لاختلاف العادات والتقاليد ثم عند إنجاب الأطفال لابد وانهم سيتطبعون بطباع أمهم “الأجنبية” ويخرجون أغرابا عن مجتمع أبيهم وأسرتهم فضلا عما تمثله مسألة المقارنة الدائمة سواء التي تعقدها “الأم الأجنبية” أو الأبناء ذاتهم فيما بين مجتمع الأب ومجتمع الأم في البلد الأجنبي الذي تنحدر منه مما يخلق لديهم نوعا من التمزق النفسي واضطراب الانتماء بكل أنواعه الوطني أو الاجتماعي أو النفسي أو غيره. والمشكلة أن هذا التمزق يظل ملازما لهم طوال حياتهم ولا يعرفون إلى أي المجتمعين ينتمون؟.

التشكيل النفسي

تتفق معها في الرأي الدكتورة مشيرة عبد الحميد اليوسفي أستاذة الصحة النفسية بجامعة الزقازيق مضيفة أن من ضمن الأسباب التي تجعل الشباب المسلم يلجأ لهذا النوع من الزواج هو ضعف وغياب ثقتهم في حضارتهم وثقافتهم نتيجة الجهل وعدم الوعي بجوهر هذه الحضارة العظيمة التي أضاءت بنورها ظلمات الجهل التي كانت تسود الغرب في العصور الوسطى فهؤلاء الشباب ينبهرون بما يرونه من تقدم حضاري وتكنولوجي للبلاد التي تنتمي إليها تلك الفتيات فضلا عن الحرية التي يعشنها في الملبس والعقلية مما يجذب الشباب إليهن خاصة في ظل الفراغ العقلي والفكري الذي يعيشونه نتيجة ابتعادهم أو إبعادهم قصرا عن جذورهم الحضارية والدينية.

تضيف د. مشيرة ولا شك أن التربية والبيئة المحيطة والعادات والتقاليد الاجتماعية كل ذلك يشكل نفسية الفرد وبالتالي ينعكس على تصرفاته وسلوكياته ومن ثم فإن كلا من الزوج الذي نشأ في بيئة أو مجتمع مختلف تماما عما نشأت فيه زوجته الأجنبية كل هذا ستظهر تأثيراته وسلبياته حينما تزاح الاحجبة وتزول الحواجز فيما بينهما بالزواج وتتضح الفوارق في الفكر والسلوك فتنشأ الخلافات الزوجية وان كان حرص كل فرد منهما على عدم إظهارها حتى ينال ويحقق غرضه من هذا الزواج القائم على المصلحة الذاتية لكل طرف.

وتحذر د. مشيرة من مثل هذا الزواج الذي يخلق أجيالا مضطربة نفسيا تعيش صراعا عنيفا بين ما تنتمي إليه الأم وما ينتمي إليه الأب من حضارة وعادات وقيم. ولذلك يجب توعية هؤلاء الشباب المقدم على الزواج من أجنبيات بتأثيراته السلبية سواء على الحياة الزوجية ذاتها أو على الأطفال ثمرة هذا الزواج مستقبلا في نفس الوقت يجب العمل على تأهيل من تزوج فعلا وتعريفه بالفوارق النفسية والاجتماعية والدينية حتى لا تحدث مشكلات تنعكس آثارها على المجتمع ككل وعلى أبناء هذا الزواج بصفة خاصة.

مصدر قلق

ونظرا لأن هذا الزواج تنتج عنه بعض المشكلات القضائية خاصة حول مسألة الحضانة أو قيام الزوجة بأخذ الأبناء وخطفهم والهروب بهم خارج البلاد كان لابد من استطلاع الرأي القانوني الذي يوضحه لنا الدكتور أنور رسلان عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة فأكد أن الزواج من أجنبيات حق دستوري كفله الدستور في معظم البلاد الإسلامية غير أن كل تجاربه قد باءت بالفشل، ويقع ضحاياه من الأطفال فريسة الضياع والتشرد، فالأمهات الأجنبيات يهربن بالأبناء خارج البلاد دون سابق إنذار، مع ملاحظة أن قرار المنع من السفر إجراء وقائي وحق للزوج مادام الطفل لم يبلغ سن الرشد بشرط أن يكون لدى الزوج الحجج والبراهين المنطقية والمستندات القوية التي تقنع المحكمة بأن قرار المنع من السفر في صالح الأبناء كما أن استخراج جواز سفر للابن أو وضعه على جواز سفر والدته لا يتم إلا بموافقة الزوج.

يضيف د. أنور رسلان: غير أن المشكلات التي تترتب على مثل هذا النوع من الزواج تجعلنا نحذر منه لأنه زواج محفوف بالمخاطر والمشكلات والقضايا التي تجعل من الزواج مصدر قلق واضطراب وتقاض في المحاكم وليس مصدر سكن ومودة ورحمة كما وصفه المولى عز وجل في كتابة الكريم بقوله “ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة”

مباح ولكن ...!

يشير الدكتور نصر فريد واصل مفتي الديار المصرية الأسبق إلى أن الشرع الحنيف أجاز الزواج من الأجنبيات من أهل الكتاب أي اليهوديات والنصرانيات وإن كان هذا الزواج مشروطا بعدة شروط يجب الالتزام بها أولها أن تكون هذه المرأة من الملتزمات دينيا وخلقيا بحيث يأمن الرجل على بيته وعرضه وعلى أبنائه مستقبلا بألا يتعرضوا لما يفسد عليهم دينهم وتربيتهم.

ثم يجب على المسلم الراغب في الزواج من أجنبية أن ينظر إلى البلد الذي تنتمي إليه تلك المرأة حتى لا يتحول من حيث لا يدري إلى إنسان ضار بوطنه ومجتمعه خاصة في هذا العصر الذي يموج بالفتن والمؤامرات والمخططات الرامية للنيل من الدول الإسلامية وإضعافها وبث الجواسيس وتجنيد ضعاف النفوس والإيمان للإضرار بأمن بلادهم ومستقبل شعوبهم.

يضيف د. نصر فريد واصل: على المقبل على الزواج من أجنبية أن يتبصر وينظر نظرة بعيدة بعض الشيء لمستقبله ومستقبل أبنائه فإن كان الشرع قد أباح هذا النوع من الزواج ووضع الشروط إلا أن الفقهاء اختلفوا فيه ومن رفضه كان ينظر إلى المصلحة العامة ونحن اليوم أحوج ما نكون إلى هذه النظرة العامة لأن بنات المسلمين قد ازداد عدد “العانسات” منهن فضلا عن أن تربية الأبناء أصبحت صعبة للغاية وتتطلب وجود الأم بصفة دائمة معهم وبالتالي فإن كانت على غير دين الإسلام فلا نأمن أبدا مستقبلهم أو استقرار العقيدة في نفوسهم وقلوبهم.

كل هذا يجعلنا نفضل الزواج من المسلمات على الزواج من الأجنبيات خاصة أن زواج الأجنبيات ينتج عنه في الغالب الأعم مشكلات في الحضانة لأن الأجنبية مهما تحملت وتصنعت الرضا والتعايش مع المجتمع الجديد لزوجها إلا أن وقتا سيأتيها تتمرد على حياتها عندئذ ستكون الطامة والكارثة على مستقبل الأبناء الذين يتم تشريدهم بين أبوين متنافرين من أصحاب المحاكم والقضايا.

وينصح د. نصر فريد واصل كل مقبل على الزواج من أجنبية أن يفكر مائة مرة قبل إتمام الزواج في مستقبل أبنائه على أن يضع أمام ناظريه ضرورة التربية الدينية وتعليم أبنائه قيم الدين وتعاليمه ومبادئه وعادات وتقاليد مجتمعه المحافظ والذي بلا شك يختلف اختلافا جذريا مع المجتمعات الأخرى.

يلتقط خيط الحديث الداعية الإسلامي الدكتور عبد الصبور شاهين الأستاذ بكلية دار العلوم جامعة القاهرة قائلا: صحيح أن الشرع الحنيف لا يمنع الزواج من الكتابيات لكن ينبغي للرجل المسلم أن ينظر إلى ما يهدف اليه من هذا الزواج أليس هو تكوين اسرة مستقرة وانجاب ذرية صالحة متمسكة بدينها؟ اذن هل هذا المقصود من الزواج سيتحقق إذا تزوج الإنسان المسلم من امرأة أجنبية على غير دين الإسلام والواقع والمنطق يقول إن هذا من رابع المستحيلات فإذا كانت الزوجة المسلمة في كثير من الأحيان تفشل في تخريج أجيال من النشء متمسكة بدينها نظرا لقلة الوعي وغياب المفاهيم الدينية الصحيحة عن كثير من أبناء الأجيال المعاصرة فما بالنا بمن هي ليست على ديننا أصلا؟ لا شك أن الهوة ستكون أوسع والضياع سيكون اعمق واكثر فداحة بل ليس من المستبعد بل هو الأقرب وما يحدث فعلا أن يتم تغييب الطفل الناشئ وإبعاده تماما عن دينه لأن الأم هي المسؤول الأول والأساسي عن التربية والإعداد.

ويتساءل د. شاهين في حسرة أين ذهبت الأسس والتوجيهات النبوية الشريفة التي أمرنا فيها رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم بالالتزام بها عند إقدامنا على الزواج أو عند اختيارنا وموافقتنا لتزويج إحدى بناتنا؟ إن الآيات القرآنية الكريمة تؤكد لنا أنه “لأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم” وكما يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “تنكح المرأة لأربع لجمالها ومالها وحسبها ودينها فاظفر بذات الدين تربت يداك” واكثر من هذا قال أيضا “إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”.

وهذه الآيات والاحاديث موجهة للمرأة كما هي موجهة للرجل بضرورة اختيار الدين وتفضيل صاحبه على غيره من أصحاب وصاحبات الجمال والمال والجاه والسلطان لكن المشكلة أن اختياراتنا اختلفت عما يجب أن يقوم عليه الزواج وهذا هو سبب ما نعانيه اليوم من مشكلات اجتماعية واقتصادية فإذا كان الدين يأمرنا بتفضيل ذات الدين أي الأكثر تدينا وإيمانا فهل تدخل في هذا غير المسلمة؟

يجب أن نفيق والكلام لا يزال على لسان د. شاهين قبل أن تأخذنا الواقعة ونجد لدينا أجيالا من الشباب ينتمون لجنسيات ودول أخرى غير إسلامية وقد تكون معادية للإسلام فهناك مخططات خبيثة تسعى جاهدة لتجنيد أبنائنا كطابور خامس وجعل الأجيال الجديدة اكثر انتماء وولاء لتلك الدول التي تنتمي إليها الزوجة الأجنبية وكل هذا في إطار حملة العداء للإسلام والمسلمين.

فهل نفيق قبل أن نجد أنفسنا نربي أعداءنا بين أيدينا؟.
اسلام ويب

Post: #334
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:39 PM
Parent: #333

للزواج ثمرات عديدة ، منها : سكن كل من الزوجين إلى الآخر، التعارف والتعاون بين الناس، العفة وإشباع الغريزة، ابتغاء النسل الصالح، وفيما يلي أبين ذلك:

الثمرة الأولى : سكن كل من الزوجين إلى الآخر:

وفي هذا المعنى يقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[الروم:21].

قال الإمام الشوكاني: أي من جنسكم في البشرية والإنسانية. (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) أي تألفوها وتميلوا إليها، فإن الجنسين المختلفين لا يسكن أحدهما إلى الآخر ولا يميل قلبه إليه. (وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً) أي ودادًا وتراحمًا بسبب عصمة النكاح يعطف به بعضكم على بعض من غير أن يكون بينكم قبل ذلك معرفة فضلاً عن مودة ورحمة.[انظر فتح القدير 4/312].

وقال الإمام ابن كثير: خلق لكم من جنسكم إناثًا يكن لكم أزواجًا (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا)، ولو أنه تعالى جعل بني آدم كلهم ذكورًا وجعل إناثهم من جنس آخر إما من جان أو حيوان، لما حصل هذا الائتلاف بينهم وبين الأزواج، بل كانت تحصل نفرة لو كانت الأزواج من غير الجنس، ثم من تمام رحمته ببني آدم أن جعل أزواجهم من جنسهم، وجعل بينهم وبينهنَّ مودة وهي المحبة، ورحمة وهي الرأفة، فإن الرجل يمسك المرأة إنما لمحبته لها أو لرحمة بها بأن يكون لها منه ولد، أو محتاجه إليه في الإنفاق أو للألفة بينهما وغير ذلك.[تفسير ابن كثير 3/568].

ولا يتحقق هذا إلا بالتزام كل من الزوجين بشرع الله تعالى وهدى نبيه، وذلك بالقيام بواجباتهما.

الثمرة الثانية : التعارف والتعاون بين الناس:

شاء الله تعالى أن يخلق الإنسان مدني الطبع، يميل إلى الجماعة ويكره العزلة، وخلق الناس ذكرانًا وإناثًا وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارفوا، كما جاء في الآية الكريمة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)[الحجرات:13].

قال ابن كثير: جعلهم شعوبًا وهي أعم من القبائل، وبعد القبائل مراتب أخر كالفصائل والعشائر والأفخاذ وغير ذلك. (لِتَعَارَفُوا) أي ليحصل التعارف بينهم.[انظر تفسير ابن كثير 4/277].

ولا شك أن الزواج هو أهم أسباب التعارف بين العائلات والأسر ويقوي أواصر الود بينها. والعرب كانوا يقدرون أثر الزواج في هذه الناحية، وزواج النبي صلى الله عليه وسلم من بعض زوجاته كان لهذا الغرض، فاستعان النبي صلى الله عليه وسلم به على توطيد دعائم السلم من ناحية ونشر الدعوة من ناحية أخرى، ولا أدل على هذا من قصة جويرية بنت الحارث التي وقعت في الأسر بعد مقتل أبيها وهزيمة قومها (بني المصطلق) فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتق الصحابة – رضوان الله عليهم – مائة أهل بيت من قومها، وقالوا أصهار رسول الله! فأمن النبي صلى الله عليه وسلم مكرهم ووضعت الحرب أوزارها بينه وبينهم بإسلامهم والسبب زواجه من ابنة سيدهم الذي قتل في غزوة بني المصطلق.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: لما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السهم لثابت بن قيس بن الشماس - أو لابن عم له - وكاتبته على نفسها". قالت: فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني ما لم يخف عليك، فجئتك أستعينك على كتابتي. قال : فهل لك في خير من ذلك؟ قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: أقضي كتابتك وأتزوجك. قالت: نعم يا رسول الله. قال: قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها"[رواه أحمد].

هذا عن التعارف، أما التعاون فهو واضح، إذ تقوم الزوجة بنصف أعباء الحياة ويقوم الرجل بالنصف الآخر، فالزوجة تهيئ للزوج ما يحتاج إليه ويسعده بالإضافة إلى تربية الذرية ، والزوج يسعى ويكدح لطلب الرزق الحلال لنفسه ولأهل بيته، وتتعاون الأسر مع بعضها البعض لتيسير الزواج لأبنائها.

الثمرة الثالثة: العفة وإشباع الغريزة في الحلال :

وهذا مفهوم قول الله تعالى: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة:187]، فمعنى قوله تعالى: (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) يعني الجماع، كما قال عبد الرحمن بن زيد ابن أسلم.

وفي الزواج إعفاف النفس عن الحرام وكبح جماحها حتى لا تورد صاحبها مواد الهلكة، ولعل هذا مفهوم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء"[متفق عليه].

وأمر الرجل أن ينظر إلى مخطوبته ليطمئن إلى أن هذه هي التي تسره إن نظر إليها وتكون سببًا في أن يغض بصره ويحص فرجه، فقال صلى الله عليه وسلم: "انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما".[أخرجه أحمد وابن ماجه والترمذي].

فالإسلام دين الفطرة، وهو فقط ينظم ما فطر عليه الإنسان، ولا يمنعه من ممارسة ما يتفق مع فطرته، بل يرفض الإسلام أن يمتنع المسلم عن ممارسة ما تقتضيه الفطرة بهدف التعبد، ولما ذهب ثلاثة نفر إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم وسألوا عن عبادته فكأنهم تقالوها، فقال أحدهم: أنا أصوم الدهر لا أفطر، وقال الثاني: وأنا أقوم الليل ولا أرقد، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء. وقف النبي صلى الله عليه وسلم على المنبر وقال: "ما بال أقوام يقولون كذا وكذا، أما إني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني".[ أخرجه البخاري وأحمد].

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم قضاء الوطر (جماع الزوجة) صدقة، فعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يصبح كل يوم على كل سلامى من ابن آدم صدقة". ثم قال: "إماطة الأذى عن الطريق صدقة، وتسليمك على الناس صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، ومباضعتك أهلك صدقة". قال: قلنا: يا رسول الله! أيقضي الرجل شهوته وتكون له صدقة؟ قال: نعم، أرأيت لو جعل تلك الشهوة فيما حرم الله عليه ألم يكن عليه وزر؟ قلنا: بلى. قال: فإنه إذا جعلها فيما أحل الله عز وجل فهي صدقة".[أخرجه أحمد وأبو داود وأصله في مسلم].

الثمرة الرابعة: ابتغاء النسل الصالح والولد المبارك:

والتناسل هو النتيجة الطبيعية لالتقاء الزوجين الذكر والأنثى، وهو حتمي لاستمرار حياة الكائنات، ويعتبر التناسل أهم ثمرات الزواج، ولقد أشار الله تعالى إلى هذا المعنى فقال سبحانه: (فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ)[البقرة:187]. قال ابن عباس ومجاهد والحكم بن عيينة والحسن والسدي والربيع والضحاك: معناه ابتغوا الولد، ويؤكد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم"[أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي].

والتناسل يمثل غريزة فطرية عند الإنسان كغيره من الكائنات؛ لأن الله تعالى قدر أن يكون البقاء بالتزاوج ومن ثم التناسل، قال تعالى: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ)[آل عمران:14].

أنبياء الله تعالى والذرية :

الأنبياء بشر لهم من الآمال مثل ما لباقي البشر، لكنهم يتميزون بأنهم يريدون من كل شيء أكمله وأحسنه وغايتهم نبيلة فيطلبون من الله تعالى الذرية لكنهم يقيدون طلبهم بالذرية الطيبة الصالحة التي تكون امتدادًا لهم وسببًا في انتشار دعوتهم، فهذا إبراهيم عليه السلام يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ)[الصافات:100]. وهذا زكريا عليه السلام يقول: (رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ)[آل عمران:38].

مما ينبغي أن نقف أمامه في دعاء النبيين الكريمين عليهما السلام هو طلب الذرية الطيبة الصالحة وليس مجرد الذرية، ولئن قلنا إن من ثمار الزوج ابتغاء الأولاد الذين هم زهرة الحياة الدنيا، فبهم تسعد النفس، وبسببهم ينشرح الصدر، لكن يجب أن ندرك أن الإسلام في نظرته إلى الأولاد لا يهتم بالكم (العدد) ولا بالنوع (الذكر والأنثى) ولكن بالكيف، فمريم عليها السلام امرأة لكنها أفضل من ملايين الرجال، ووضعت للدنيا بفضل الله أحد أولى العزم من الرسل.

ولهذا يجب على المسلم أن يعني بأبنائه وأن ينشئهم على تعليم الدين، وأن يعلمهم ما ينفعهم في الدنيا والآخرة، وأن يعدهم لمسايرة ركب التطور السريع في الحياة حتى ننشئ نسلاً قويًا صالحًا في جسمه وعقله وروحه وخلقه وحتى نكون أكثر قوة وقدرة على تحمل تبعات مجتمعنا في مسيرته الصاعدة نحو المعالي.

وليكن قدوتنا أنبياء الله – صلوات الله وسلامه عليهم – أنهم حينما طلبوا الذرية لم يطلبوا مطلق كثرة العدد، لكنهم طلبوا ذرية طيبة وصالحة كما سبق فأجيب إبراهيم بإسماعيل وإسحاق، وأجيب زكريا بيحيى – عليهم جميعًا من الله السلام – فالقضية ليست في الكم لكنها في الكيف، وعباد الرحمن الذين توجهوا إلى الله في دعائهم بطلب الذرية طلبوا منه سبحانه أن يرزقهم الذرية التي تقر بها أعينهم وتدخل السرور على نفوسهم، ولا يتم ذلك إلا بالذرية الصالحة القوية، التي يرجى خيرها ويؤمن شرها ويكون جودها مصدر سعادة وقوة للأسرة والأمة جمعاء.

إننا نريد ذرية ذات علم وذات خلق وذات منعة؛ حتى يرهبها أعداؤها، تنتج أكثر مما تستهلك، نريد ذرية متكاملة ومتماسكة، وغير ممزقة ولا متفرقة ولا منقسمة على نفسها.

الذرية المذمومة :

إن الإسلام في الوقت الذي حث فيه على تكثير النسل، وعده نعمة عظيمة وامتن بها على الآباء فقال: (وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ)[النحل:72] قضى بصيانة هذه الكثرة من عوامل الضعف وبواعث الوهن، فالإسلام لا يريد نسلاً كثيرًا يملأ الأرض ضعفًا وجهلاً ومرضًا، ولكنه يريد نسلاً قويًا صالحًا في جسمه وعقله وروحه وخلقه، لا أن يكون غثاء كغثاء السيل المشار إليه في الحديث الشريف لا قيمة له ولا وزن؛ قال صلى الله عليه وسلم: "يوشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، قال قائل: أوَ مِنْ قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال: لا، بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعنَّ الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفنَّ في قلوبكم الوهن. قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت".[أخرجه أحمد وأبو داود ورواته ثقات].

وإذا كان الإسلام يطلب من الأمة أن تكون ذات كثرة قوية، فإنه لا سبيل إلى ذلك إلا عن طريق العمل على تنظيم الأسرة تنظيمًا يحفظ للأسرة قوتها، وقدرتها وطاقتها، وحسن أدائها وقيامها بواجبها، ويحفظ للنسل قوته ونشاطه..
د . سالم عبد الجليل-اسلام ويب

Post: #338
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-16-2015, 03:46 PM
Parent: #334

لا ينكر عاقل مدى الدور الذي تقوم به الأم – خاصة نحو أبنائها – من رعاية ومحبة وشفقة، وما يصاحب ذلك من مشقة ونصب، ومن هنا كانت وصية الله جل وعلا بالوالدين خيرًا، من اللطف في القول وخفض الجناح لهما بالفعل سيما الجانب الضعيف وهو الأم، نظرًا لعطائها وبرها وفضلها، وأحزانها.

ولكن رغم ما ذكر من فضل وعطاء ومحبة ورغبة عن أريحية ورضاء فلا تزال الشكوى من الأمهات من قبل الأبناء أو الحموات من قبل الزوجات، فصارت أم الزوج تمثل في بعض الأحيان جانبًا لا يستهان به في ضعف العلاقة الزوجية وفتورها أو نهايتها في أحيان أخرى ، فما هي إذًا الأسباب الرئيسة التي تجعل من الحماة آمرة متسلطة ؟ وما هي مظاهر ذلك التسلط ؟ وهل من أمل سريع في علاجها ؟

أسباب المشكلة

الأسباب التي من شأنها إيجاد الهوة في العلاقات الزوجية والأسرية بسبب تدخل أم الزوج وتسلطها كثرة منها :

أولاً: تدليل الأمهات للأبناء منذ نعومة أظفارهم فينشأ الابن اتكاليًا وعندما يكبر يصبح هيكلاً قد فرغ من مضمونه ومحتواه، وتبقى إرادته تبعًا لمراد أمه ويصير بسببها دمية من الدمى ينتظر حركة من خارج حسه وإدراكه ، فيحيله ذلك كله إلى سلبية مريرة باردة فلا تجعل منه رجلاً جديرًا باتخاذ أبسط القرارات فضلاً عن أشدها وأخطرها.

ثانيًا: موت الزوج مبكرًا ؛ وقد يُحدث موت الزوج في فترة مبكرة قلقًا وارتباكًا في حياة الأسرة وخاصة الزوجة الشابة ، التي ترفض من يتقدم للزواج منها لأنها نذرت أن تربي أبناءها، فتقوم بدور الأب والأم معًا، فتستخدم تبعًا لذلك سلطة الأمر والنهي في آن يدفعها إلى ذلك دوافع كثيرة من الحرص والخوف على الأبناء. حتى إذا كبر أبناؤها وتزوجوا شعرت أنهم ضاعوا منها فراحت تتدخل في حياتهم لتشعر أنهم مازالوا قريبين منها طائعين لها.

ثالثًا: الرواسب البيئية المعقدة ؛ ومما يساعد على تسلط الأم وتدخلها في حياة الأبناء سلبًا وإيجابًا أن تكون الأم صبغت مع الأيام بجملة من الرواسب البيئية المعقدة، والأمراض النفسية المقيتة، وعدم فهم العلاقة المثلى بين الآباء والأبناء. فتظل تلك الرواسب تظهر بين حين وآخر فتفسد على المرء أنسه بالحياة والأحياء. ..

رابعًا: غياب الفهم الواعي، فكثير من الناس – والنساء منهم – في حاجة ماسة إلى الفهم المدرك والبصر بالأمور، والتأمل في عواقبها وتأصيلها وردها إلى الحقيقة؛ لأن الفهم الواعي يحجز عن الزلل قولاً وفعلاً، فإذا أضيفت إلى كل ما ذكرناه وفرة ميراث الأم، ومساعدتها للابن في ظل ظروف تثقل الكاهلين، كان ذلك مدعاة لأن تضن بما في يدها على ولدها بين حين وآخر، مظهرة أنها ولية نعمته التي لها حق التوجيه والتأثير بالحق وبالباطل، وهنا مكمن الخطر، وربما تكون الأم مصابة بأمراض حادة، تحدث اضطرابات مفاجئة لديها وتؤثر بالتالي على تصرفاتها بطريقة شعورية أو غير شعورية.

أما عن مظاهر المشكلة:

فما نراه من الغلظة في الأقوال والزجر في الأفعال لزوجة الابن، والنظر إليها شزرًا لأنها باعدت بينها وبين ولدها، فإذا ما أرادت زوجة الابن أن تبين وجهة نظر ما – من باب النصح لكل مسلم – قامت الدنيا ولم تقعد، من جهة الأم التي يبح صوتها، وتنتفخ أوداجها وتحمر عينيها، وقد تفقد السيطرة على نفسها فينفلت اللسان بعبارات موجعة، وقد تمتد الأيدي فتنال من وجه متبتل مشرق، فإذا ما أقبل الناس على أثر الصياح ظهرت شكايتها من زوجة ابنها، وأنها قد أساءت في أدبها، وبأن زوجات اليوم لا يردن أمهات الأبناء أن يشاركنهنَّ اللقمة والكسرة.

آثار المشكلة:

أما عن الآثار التي تترتب على تلك المعضلة من بين ما رأيناه من مظاهر الشقاق وعدم الانسجام الأمثل، بين الزوجة والأم من ناحية وضياع الابن بينهما من ناحية أخرى فهي:

آلام نفسية مبرحة بسبب اضطرابات الجهاز العصبي والاضطرابات في وظائف الأعضاء إذا ثبت أن القلق والحزن واليأس الذاتي يؤثر على أجهزة الجسم المختلفة فقد يؤدي إلى خلل بين وظائف الأعضاء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ)[يوسف:84].
تعطيل الملكات البنَّاءة بسبب كبت الإرادة، فتقل الفرصة الحقيقية للاستفادة من عطاء الزوجة وبذلها.
إصابة الزوجة بداء التردد في غالب أمرها، لأنها طالما أحجمت عن اتخاذ قرارها، أو أن تبوح بما في طيات نفسها.
فقدها القدرة على التصور الصحيح للحياة، بسبب فرض المفاهيم الموروثة بالضغط والقوة الأدبية.
العلاج:

أن تعلم الأم أن الزواج من سنن الكون الحياتية والفطرية، وأن ارتباط الأب بزوجته وأبنائه أمر غريزي محض، وذلك كي يتحقق السكن المنشود والموّدة الموجودة: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )[الروم:21]. فإذا علمت الأم ذلك استراحت وأراحت ولو رجعت بها دواعي الذكريات إلى الوراء قليلاً لعلمت أنها في يوم ما قد استأثرت بزوجها وهو يرعاها بمودته، ويغذوها بحنانه ويتدفق عليها بعطفه. عندها لن تنكر على فلذة الكبد أن يشمل أهله بالرعاية والعناية والود والرأفة.
أن تعلم الأم أن سعادتها الحقيقية إنما تنبثق من سعادة الأبناء والأحفاد؛ لأنها بمثابة الشجرة التي تلتف حولها جميع الأغصان فيفيء الناس في ظلالها ويأنسون بنسيمها.
أن يقرأ الابن لأمه وزوجه – في جلسة عائلية كريمة – فصولاً من الترغيب والترهيب بشأن ما تمر به الحياة الزوجية من منعطفات، فلعل دوام التذكير يحوّل القلوب القاسية إلى العطف واللين والشفقة ويهذب غبشها.
أن تصبر الزوجة صبر الرضا بالقضاء لا صبر القهر والاضطرار حتى تؤجر في كل ما تفعل وما تدع ، وأن تدعو لأم زوجها بظهر الغيب أن يشرح الله صدرها، ويهذب طبعها ويلين قلبها نحوها ، فهي أم لزوجها وجدة لأبنائها ، ومرضاتها جزء من الإيمان بالله ورسوله.
أن تبذل الزوجة جهدها قدر الطاقة في أن لا ترد على أم زوجها سبابها أو إهانتها حال الرضا أو الغضب راجية من الله وحده المثوبة ، تاركةً حظ نفسها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه.
على الزوج أن يناصح أمه بعيدًا عن زوجته ، وأن يكلم زوجته في غيبة أمه ، وأن يمسح بقلبه الشفيق جراحات زوجته، وأن يجبر كسرها بين حين وآخر فيأخذ بيدها إلى طريق العفو والصفح، ويخبرها أن الله قادر على تغيير الحياة النكدة والأيام الرتيبة إلى حياة سعيدة سهلة منظمة ممتعة في معناها ومبناها.
عندها ستنقشع العاصفة، ويندحر الشيطان، وتسير القافلة في هدوء إلى مقصدها وغايتها، فلعل الله أن يمن بعناية ترفع البناية إنه على ما يشاء قدير.
علي رضوان الخطيب

Post: #384
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-23-2015, 04:20 PM
Parent: #338

قضت الحكمة والإرادة الإلهية، والفطرة التي فطر الله الناس عليها بضرورة الاجتماع والاتصال بين الرجل والمراة حتى يكون من ذلك ذرية تتوالد وتتناسل وتعبد الله، وتعمل في عمارة الكون واستغلال ثرواته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
وكرم الله الإنسان، فلم يترك ذكره وانثاه يجتمعان كما يجتمع ذكر الحيوان بأنثاه، بل شرع الزواج وسيلة إلى ذلك ورتب عليه حقوقاً وواجبات ليتحقق من الاجتماع بينهما مودة ورحمة واعفاف، وليكون من ذلك ذرية طيبة وقوية تجد في كنف الوالدين الرعاية الكاملة ولو أن أمر الإنسان في ذلك ترك بلا ضابط ولا نظام لترتبت مفاسد لا تحصى، ولما وجدت الذرية المشتركة الشائعة التي تتوالد عن هذه الفوضى كامل الرعاية والعناية، فشأن الاشتراك ضعف الشعور بالمسؤولية ومحاولة كل شريك إلقاء العبء على غيره وتقصير كل منهم اعتمادًا على قيام الآخر بواجبه مما يترتب عليه الضياع والفساد، فضلاً عن تفكك المجتمع واختلاله، وانعدام العواطف وروح التعاون التي ينميها نداء القرابة ووحدة الدم في نظام الأسرة.
يقول الشيخ شلتوت رحمه الله: "وما الزواج في واقعه إلا ظاهرة من ظواهر التنظيم لفطرة أودعت في الإنسان كما أودعت في غيره من أنواع الحيوان، ولولا الزواج الذي هو تنظيم لتلك الفطرة المشتركة بين الإنسان والحيوان لتساوى الإنسان مع غيره من أنواع الحيوان في سبيل تلبية هذه الفطرة عن طريق الفوضى والشيوع، وعندئذ لا يكون الإنسان ذلك المخلوق الذي سواه الله ونفخ فيه من روحه، ثم منحه العقل والتفكير وفضله على كثير من خلقه، واستخلفه في أرضه، وسخر له عوالم كونه، ثم هيأ له مبادئ الروابط السامية التي يرتفع بها عن حضيض الحيوانية البحتة، وتدعوه إلى التعاون مع بني نوعه في عمارة الكون وتدبير المصالح وتبادل المنافع".
ويمكن أن نلخص أهداف الزواج في الإسلام ومقاصده بالأمور الآتية:
1- **إشباع الغريزة الجنسية على نحو يحقق العفة*** والحفاظ على الأعراض، والسكن النفسي ، قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً)[الروم:21]. فالسكون النفسي الجنسي هو تعبير بليغ عن شعور الشوق واللذة والحب يجده كل منهما باتصالهما والملابسة بإفضاء أحدهما إلى الآخر، الذي به تتم إنسانيتهما وتكون نتيجته أناسًا مثلهما، وبه يزول أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل، ولا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها بدونه، وإنما تكون المحافظة على هذا الركن بما أرشد كتاب الله تعالى إليه من قصد الإحصان في النكاح، وهو أن يقصد به كل من الزوجين إحصان الآخر، أي إعفافه وحفظه من صرف داعية النسل الطبيعية إلى المسافحة أو اتخاذ الأخدان لأجل اللذة فقط. وقصارى هذا الإحصان أن يقصر كل منهما هذا الاستمتاع على الآخر، ويقصد حكمته كوسيلة للنسل وحفظ النوع البشري على أسلم وجه وأفضله.
2- **نقاء النسل وصيانة الأنساب من الاختلاط.***
3- **إيجاد جو صالح لضمان النشأة السوية للكائن الإنساني.***
4- **صيانة المجتمع من التحلل والفساد.***
5- **المودة والرحمة*** ، أي المحبة التي يظهر أثرها في التعامل والتعاون، وهو مشترك بين الزوجين وأسرة كل منهما، والرحمة التي لا تكمل للإنسان إلا بعواطف الأمومة والأبوة ورحمتهما لأولادهما.
هذه المقاصد الخمسة متداخلة ومتلازمة، ولعلنا إذا أدركنا حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة أو بأسلوب آخر الطريق الذي يسلكه كل منهما في إشباع غريزته الجنسية، ونظرة كل منهما للآخر، تحقق أمامنا الاتجاه الذي سينتهي إليه المطاف وتتبعه نتائجه، فأما أن يكون الطريق سليمًا بأن يؤدي إلى نقاء النسل والحفاظ على العرض والأنساب، وإما أن يكون الطريق معوجًا ومنحرفًا فيؤدي إلى الزنا، ومن ثم يقود سالكيه إلى إيلاد اللقطاء والأبناء غير الشرعيين، وما يستتبع ذلك من النشأة غير السوية والانحراف الخلقي، إلى غير ذلك من الثمرات المُرَّة والنتائج المفجعة التي حدثت وتحدث في الغرب .
من كتاب " تنظيم الإسلام للمجتمع "
اسلام ويب

Post: #402
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:19 AM
Parent: #384

(فاقد الشيء لايعطيه..) ، والآباء الذين لم يسلموا بالمهارات التربوية ليس بوسعهم أن يربوا أبناءهم أو يسقونهم عصير خبراتهم، فهم يربون، كما تربوا ويكررون مع أبنائهم نفس الأخطاء التي كان آباؤهم يقترفونها معهم، ويتعاملون مع التربية كإرث لا كمسئولية، ودور يجب أن يهيئوا لهم.
هل يجب أن (نعيد) تربية الآباء ليقوموا بدورهم نحو أبنائهم كما يجب؟
سؤال عريض تفرضه ممارسات يومية يلخصها اعتراف أب لثلاثة أطفال كان الضرب رد فعل أبي الوحيد علي كل ما أفعله سواء كان خطأ أم صوابا، وبتكرار الضرب تبلد جسدي، ولم أعد أشعر بأي ألم، وكبرت وتزوجت، ووجدت نفسي أعامل أطفالي كما كان أبي يعاملني، فلا أسمع لهم ولا أحاول البحث عن أسباب تصرفاتهم، أضرب وفقط، ثم أندم وأبكي وحدي، ولا أعرف هل كان أبي (رحمه الله) يندم أيضا أم لا ؟ إنني أفعل ذلك رغما عني ولا أستطيع أن أكف عنه.
وتقول أم لطفلين:
(ابنتي ذات السبع سنوات لا تجد مني سوي التوبيخ والتحقير، وعندما تفعل أشياء تظنها هي إنجازات مثل: اختيار جورب يناسب لونه لون سروالها، أشعرها بأنها لم تفعل شيئا، وأرد عليها باقتضاب، هكذا كانت تعاملني أمي، وإذا اعترضت سقط كفها علي وجهي، واليوم مع ضغوط الحياة وهموم الزوج والبيت والأولاد لا أجد في نفسي الرغبة أو القدرة علي مصادقة ابنتي، أو إشعارها بالثقة في نفسها، رغم أنني عانيت كثير ا من معاملة أمي لي، ولكن ما باليد حيلة.
مجرد استسهال
د. حامد عمار - وأستاذ التربية بجامعة عين شمس - يؤكد أن التربية بالوراثة مشكلة عربية، فهناك افتقار حاد للتجديد التربوي، والآباء والأمهات يستسهلون ولا يطورون أنفسهم من أجل أبنائهم.
ويطالب بإدراج المناهج التربوية في المرحلة الجامعية لتأهيل الشباب من الجنسين لممارسة أدوارهم كآباء وأمهات، كما يقترح عقد دورات تدريبية لحديثي الزواج حول الأساليب التربوية المثالية. وكيفية مواجهة مشكلات التعامل اليومي مع الأبناء .
ويشير د. عمار إلي أن المهارات التربوية جزء من الثقافة العامة التي يجب أن يتسلح بها كل أبوين حسب درجة تعليمهما وثقافتهما.
ويقدم للوالدين والمربين مجموعة إرشادات تمثل إطارا للتربية الناجحة:
- تقديم القدوة السلوكية بديلا للنصح المباشر.
- استخدام الضرب كبديل أخير في حالة استنفاذ جميع وسائل الإقناع والتفاعل النفسي والحوار لأن الضرب يؤدي إلي نتائج سلبية و العنف يولد عنفا مضادا.
- إشعار الطفل بالثقة، وبأنه أهل للإنجاز والعطاء، فإذا أصر علي شيء غير متاح يمكن إقناعه بالبدائل وتحبيبه فيها.
مثلا هو يصر علي ارتداء ملابس لاتناسب الطقس ويرفض غيرها، يمكن للأم حينئذ أن توفق له أكثر من طاقم، وتمدح مظهره في كل منها، وتسأل أباه عن رأيه، وهكذا.
- عدم تسفيه أسئلة الأطفال مهما كانت خيالية أو محرجة أو تافهة حتي لايشعر بالتحقير.
- احترام تفكير الطفل وعقله حسب سنه وعدم إجباره علي أن يفكر مثل الكبار.
- تنمية القدرة علي الاختيار عند الصغير باصطحابه لشراء ملابسه ولعبه، واقتراح أماكن مختلفة للنزهة ليفاضل بينها مع الحذر من أن يستخدم هذا الحق في غير مكانه، مثل الذهاب إلي الامتحان أو عدم الذهاب.
دور الإعلام
وأخيرا يطالب د. حامد عمار وسائل الإعلام بالمشاركة الإيجابية في تربية الأبناء من خلال استضافة المتخصصين في برامج حوارية، وعرض لوحة إرشادية قبل كل برنامج أطفال تتضمن أهدافه التربوية، وكيف تستخدمه الأسرة في توجيه أطفالها، مؤكدا أن كل تحول في شخصية الإنسان سلبا أو إيجابا هو ثمرة للتربية.
اسلام ويب

Post: #403
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:20 AM
Parent: #402

لا تزال " الشغالة " تشكل بؤرة توتر وإشكال في المجتمع الإسلامي ، وخصوصًا في المجتمعات الخليجية ، وكثيرًا ما تجاذب هذه المشكلة رؤيتان متناقضتان ؛ بين مؤيد ومعارض . في هذا السياق يأتي كتاب " حكايتي مع شغالتي " ليقدم (بالاعتماد على البحث الميداني ودراسات سابقة) رؤية لا تتسم بالواقعية فحسب ، بل يتداخل فيها الدين والأخلاق والاقتصاد بالواقع ، في مشكلة - هي أصلاً - تتوزع بين هذه المستويات كشأن كثير من الظواهر الاجتماعية .

وطباعة الكتاب للمرة الرابعة لا تؤكد على أهمية المشكلة فقط ؛ بقدر ما تشير إلى الإقبال عليه ، ووقوعه موقعًا حسنًا لدى القارئ .
لكن يجب التساؤل في سياق الحديث عن " وجود الخادمة " هل يمكن لنا أن نفض الاشتباك بين كون الخادمة " حاجة " ، وبين كونها نوعًا من التقليد ، و"التباهي" ؟ وهل يعتبر الحرص على وجودها تلبية لرغبة "سيادة " كامنة في نفس المرأة صاحبة المنزل تسعى لممارستها ، أم يكون قناعًا "مختلفًا" لكسل الزوجة وتقاعسها عن أداء مهامها ؟ وبعيدًا عن كل ذلك هل هنالك "صلة ما " بين انتشار الخادمات وخروج المرأة للعمل ؟ أسئلة كثيرة كنا نود من المؤلفة أن تبحثها بعمق في بعدها الثقافي في صفحات كتابها .

يسعى المؤيدون لضرورة وجود الخادمة إلى التأكيد على فكرة " المساعدة " لسيدة البيت في القيام بمهامها ؛ ما يعود على الأسرة بالنفع من خلال تلبية احتياجاتها ، كما يصبح بمقدور الزوجة التفرغ للزوج ومتابعة الأبناء ؛ فضلاً عن فوائد تقتضيها الظروف الخاصة كالمرض أو نحوه .
لكن هذا التبرير يحتوي على قدر كبير من التبسيط والاختزال ؛ إذ إنه يغض الطرف عن الإشكاليات التي يحدثها وجود "الخادمة" ؛ بدءًا من مشكلة "الاختلاط" سواء بوجود الخادم أم الخادمة ؛ وهو لا يمكن تجنبه في كلا الحالين ؛ لأنه يتنافى مع طبيعة المهنة نفسها ؛ الأمر الذي أدى في كثير من الأسر إلى تجاهل أو تناسي "غربة" الخادمة أو الخادم والتعامل معها/معه على أنه واحد من أفراد الأسرة من حيث كشف المستور ، والبوح بالأسرار على مسمع منها !.

هذا الاختلاط يجرنا إلى معضلة "تربية الأبناء" (إما بالمباشرة أو بالتجاور والمشاهدة) تربية مختلفة إما ثقافياً أو دينيًا أو اجتماعيًا أو كلها معًا ؛ لأن فئة الخادمات والسائقين ، عادة ما تكون من فئة ذوي التعليم المحدود، أو من ذوات التنشئة غير المَرْضية ، بل إن الاعتماد على الخادمة يساهم في إشاعة "الكسل" في أفراد الأسرة وعدم تحمل المسؤولية نتيجة الاتكال على الغير دائماً ؛ الأمر الذي يتحول إلى ما يشبه حالة "الشلل" في حال غياب الخادمة ! فضلاً عن أنه كثيرًا ما يسبب جهالة البنات في الأمور المنزلية لكنهن لا يدركن ذلك إلا حين يتزوجن .
كما يجرنا إلى مخاطر أخلاقية نتيجة إلغاء الحواجز النفسية والاجتماعية وغيرها ؛ الأمر الذي ربما يفضي إلى إفشاء أسرار البيوت أو محاولات الابتزاز أو السرقة أو نحو ذلك . فضلاً عن مخاطر "الدعارة المقنعة" بستار الخادمات !.

مشكلة أخرى "قيمية" نقع بها جراء استقدام الخادمات وقيام شركات متخصصة بذلك ؛ الأمر الذي يذكر بمرحلة المتاجرة بالعبيد في مرحلة الرق ، والأمر الأخطر أن بعض الأسر تتناسى أو تتجاهل "آدمية " الخادمة فتعاملها بدونية بغيضة رؤية وسلوكاً .
وتأتي الإحصائيات لتؤكد فداحة المشكلة وتغلغلها في مجتمعاتنا ؛ حيث تبين أن 3% من العمالة المنزلية فقط من الدول العربية ، في حين أن 97% هي عمالة غير عربية.

وفي إحدى الدراسات الإحصائية تبين من العينة أن هناك 29% من الأسر السعودية لديها سائق خاص، وأن 77% من الأسر لديها خادمة في البيت.
أما في قطر فإن 16% من سكان البلد من المستقدمين للخدمة في البيوت . بل إنهم يتكلمون لغتهم الأصلية بدلاً من العربية ، وهناك إحصائية تقول : إن 78% من العينة المدروسة أجابت بأنها تفهم كلام الخادمات بلغتهم الأصلية !.
وفي الكويت هناك مائتا ألف خادم لمليوني شخص !.

إن الذين يلحون على وجود الخادمة ، وتسيطر عليهم فكرة الحاجة إلى "مساعدة" ، لا بد أن يَعوا ، وبالدرجة نفسها ، أن هذه الخادمة إنسانة لها حقوق إنسانية وشرعية عليهم تأمينها ومراعاتها بدءًا من السكن المناسب إلى المعاملة والإحسان إليها ، ومنحها الثقة والأمان .
وتختم المؤلفة كتابها باقتراح حلول تجدها كافية لمعالجة هذه المشاكل تتلخص في إلقاء بعض المسؤولية على المجتمع ككل في تأمين دور حضانة للنساء العاملات ، والسماح بخروج الرجل من عمله لإحضار أو توصيل زوجته للعمل . لكن الكاتبة هنا تتغاضى عن مشكلة دور الحضانة نفسها ، والآثار السلبية لعمل المرأة لتعالج بها مشاكل الخادمات !
ومن الحلول أيضاً - في نظر المؤلفة - تعاون أفراد الأسرة على خدمة أنفسهم قدر الإمكان وتوزيع المسؤوليات ، وعدم تقليد الأغنياء في استقدام الخادمات ، واقتصار استقدامهن في حالة الضرورة القصوى فقط. وتشكيل لجنة اجتماعية تقرر مدى الحاجة إلى استقدامهن.
ــــــــ
الخادمة .. مشكلة تبحث عن حل
الكتاب : حكايتي مع شغالتي
المؤلف: بثينة السيد العراقي
الناشر: دار طويق - الري

Post: #404
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:23 AM
Parent: #384

كيف نأخذ بيد أطفالنا إلى معرفة الله ؟
-تعريف الطفل بالله مدخل ضروري لإصلاح فكره وسلوكه
لو أن كل أب أو مرب يشكو من ابنه وتضايقه بعض سلوكياته جلس إلى نفسه، وبدأ يحاورها بهدوء، ويبحث بموضوعية عن مكامن تقصيره وحدود مسئوليته الشخصية عما وصل إليه ابنه لاكتشف أنه قصر في تربية عقيدة طفله منذ نعومة أظفاره، وحين يكون بناء العقيدة هشا، فإن كل ما نؤسسه فوقه لابد أن ينهار.
والذي يريد أن تقر عينه بذريته، ويتنفس الصعداء في الكبر .. عليه ألا يتوانى عن تربيتهم عقديا، فمن عرف الله قطع كل الطريق إلى التوازن النفسي والصلاح السلوكي.
كيف نأخذ بيد أطفالنا إلى معرفة الله ؟ سؤال يساعد كل الآباء والمربين في الإجابة عنه د. حسان شمس باشا - طبيب القلب المعروف والمهتم بالشأن التربوي والأسرى وله عدة مؤلفات في هذا الشأن منها: كيف تربي أبناءك في هذا الزمان الصعب؟
يقدم د. حسان النصائح والمقترحات الآتية:
خــذ بيـد طفلك إلـى الله
لا شك أن تأسيس العقيدة السليمة عند الطفل منذ الصغر أمر بالغ الأهمية، وبالغ السهولة في نفس الوقت، ولكن حاول أن تتذكر الأمور التالية:
1 - أجب عن تساؤلات طفلك الدينية بما يتناسب مع سنه ومستوي إدراكه وفهمه.
2 - اعتدل في أوامرك، ولا تحمل طفلك ما لا طاقة له به.
3 - حاول أن تذكر اسم الله تعالى أمام الطفل من خلال مواقف محببة سارة، فالطفل مثلا قد يستوعب حركة السبابة عند ذكر كلمة الشهادتين، يتلفظ بها الكبير أمامه منذ الشهر الرابع من عمره.
وإن لبس الجديد حمد الله ، وإن أكل أو شرب قال: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
4 - ينبغي ألا يرعب الطفل بكثرة الحديث عن غضب الله، وعذابه، والنار وبشاعتها، بل ابدأ بالترغيب بدلا من الترهيب؟ وبذلك ينمو الشعور الديني عند الأطفال على معاني الحب والرجاء ، فإن حب الله يوصل الجميع إلى طاعة أوامره أكثر من الرهبة والعقاب.
وينبغي ألا نكثر من إرهاب الطفل بعقاب الله دائما كقولنا له: "إن الله منتقم جبار، وسيعاقبك ويهلكك، ويعذبك في نار جهنم" ، وعلى المربي أن يمر على قضية جهنم مرا خفيفا أمام الأطفال دون التركيز المستمر على التخويف بالنار.
5- على الوالدين أن يغرسوا حب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في نفوس أبنائهم الصغار، فنفهم الطفل بعض شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك من خلال قصص السيرة النبوية كالرحمة بالصغار، وبالحيوان والخدم ، ونحكي له بعض القصص المحببة من سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم).
6- ونعلمه عقيدة الإيمان بالقدر، وأن العمر محدود، والرزق مقدر، فلا يسأل إلا الله، ولا يستعين إلا به
7 - ونعلمه أن يحمد الله على ما أعطي من الرزق، ونعلمه أن المال مال الله، وإن قال: لا، إن المال من مكان "كذا" كمكان عمل والده، نشرح له كيف ينبغي على الإنسان أن يعمل ليحصل على ما يطعم به أولاده ويكسبهم.
8 - بين لابنك الفرق بين "الحلال والحرام"، وبين "ما نريد وما لا نريد" فإذا أردنا الطفل أن ينام في الساعة التاسعة مساء، فلا نشعره أنه "حرام" أن لا يفعل هذا.
كما عليك ألا تعطي لرغباتك الكثير من البعد الديني لتفرض تلك الرغبات على الأولاد، فسينشأ الطفل في تلك الحالة، يحمل الكثير من مشاعر الذنب والشعور بأنه ارتكب "حراما" لأنه لم يرتب سريره مثلا.
9 - ازرع في طفلك حسن الخلق، حيث لا قيمة لإيمان بلا خلق حميد، وبدون الخلق الكريم تصبح العبادات مجرد حركات لا قيمة لها، والرسول (صلي الله عليه وسلم) يقول: "ما من شيء أثقل في ميزان العبد المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق".
10 - علمهم أن الدين ليس مجرد شهادة ينطق بها الإنسان، وليس مجرد مناسك وشعائر، إنما الدين عاطفة تنبع في أعماق النفس البشرية تدفع الإنسان إلى حسن معاملة الناس .
11 - عليك أن تغذي النزعة الجمالية في أطفالك عن طريق مصاحبتهم إلى الريف والبحر والجبل والمتنزهات، دع جمال الكون يتسرب إلى نفوسهم، وروعة الخالق وعظمته تطرق قلوبهم، فسرعان ما ستملأ هذه القلوب الطيبة بحب الله.
12 - علمهم أن يسألوا الله، ويستعينوا به وحده، ذكرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله".
13 - تذكر أنك قدوة لطفلك، فلا تفعل إلا ما يرضي الله ورسوله.
14 - لا تطعم أولادك إلا حلالا، فحذار حذار من الرشوة والربا والسرقة والغش، فذلك سبب لشقائهم وتمردهم وعصيانهم.
15 - لا تدع على أولادك بالهلاك والغضب، لأن الدعاء قد يستجاب بالخير والشر، وربما يزيدهم ضلالا، والأفضل أن تقول للولد: أصلحك الله..
16 - تخير أوقات إجابة الدعاء ، وادع لأولادك بالسعادة في الدارين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعار من الليل، فقال لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي أو دعا استجيب له، فإن توضأ وصلى قبلت صلاته".
تهيئة الطفل لعبادة الله:
يمكن تعويد الطفل منذ سن الرابعة أو الخامسة على الوضوء والصلاة، ونحببهم فيها (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) [طه:132].
ونفهم الأطفال بأننا نصلي ليحبنا الله ، وأن المصلين لهم الجنة، ونعلمهم آداب المساجد وصيانتها من الصخب وإلقاء الأوساخ، وقد علم الرسول (صلى الله عليه وسلم) أنس بن مالك (رضي الله عنه) حسن أداء الصلاة، وعدم الالتفات وهو صبي حين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا بني إياك والالتفات في الصلاة، فإن الالتفات في الصلاة هلكة، فإن كان لابد ففي التطوع لا في الفريضة" رواه الترمذي
ويصطحب الوالد طفله إلى المسجد عندما يكون قد تعلم آداب المسجد.
سئل الإمام مالك (رضي الله عنه) عن رجل يأتي بالصبي إلى المسجد أتستحب ذلك" قال: إن كان قد بلغ موضع الأدب وعرف ذلك ولا يعبث، فلا أرى بأسا، وإن كان صغيرا لا يقر فيه ويعبث، فلا أحب ذلك.
وواجب الكبار نصح الصغار باللطف والموعظة الحسنة، فكم رأينا كبارا في السن تصرفوا مع الأطفال تصرفات منفرة، صرخوا عليهم أو طردوهم من المسجد، فكان ذلك سببا لبعدهم عن المسجد في الكبر وكراهيتهم له.
تعليم الأطفال قراءة القرآن وحفظه:
حاول أن تشجع طفلك على تعلم القرآن وحفظه، فتعليم الصغر أشد رسوخا، وهو أصل لما بعده، ويستحسن تفهيم الطفل ما يقرأ، فقد حفظ كثير من سلف هذه الأمة القرآن منذ الصغر بفهم جيد، فهذا الإمام الشافعي (رحمه الله) يقول: حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين، وحفظت موطأ مالك وأنا ابن عشر.

وينبغي أن يقال للطفل: إن الماهر في تعلم القرآن وحفظه سيكون مع الكرام البررة في الجنة، وأن من يقرأ القرآن ويتلعثم فيه وهو عليه شاق فله أجران، وأنه سينال حسنة عن كل حرف يتلوه من القرآن ، والحسنة بعشر أمثالها.
ولا شك في أن للقدوة الطيبة أثرا كبيرا في استجابة الطفل، فالطفل الذي يري أباه يقرأ القرآن ويتدبره ينشأ على تعظيم القرآن وتوقيره.
وتذكر يا أخي أن خير ما تترك لأبنائك حفظ كتاب الله والعمل بما جاء فيه.
ومن الخير أن نعلم الطفل القرآن الكريم، ونفسره له على قدر فهمه، ولكن لننتبه لئلا يسأم منه بسبب كثرة إلحاحنا المتمادي كما يفعل بعض الآباء الذين لا يدعون الطفل يترك القرآن من يده ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.
يروي أن القاضي الورع عيسي ابن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته، فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقلية أسد بن الفرات بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة.

ماذا يحفظ الطفل؟
- شجع طفلك على حفظ ما تيسر من القرآن، والأحاديث النبوية والأدعية والأذكار.
- كافئ ابنك على ما يحفظ ، لتشجعه على الاستزادة من العلم، فهذا إبراهيم ابن أدهم يقول له أبوه: "يا بني اطلب الحديث فكلما سمعت حديثا وحفظته فلك درهم" فيقول إبراهيم: "فطلبت الحديث على هذا".
ويمكننا الآن أن نكافئ الطفل بعد الحفظ بعشر ريالات مثلا عن حفظ ربع جزء من القرآن أو ما تيسر وهكذا.
- لا تكره طفلك على المداومة على الحفظ دون إعطائه وقتا للراحة أو اللعب.
- كافئ الأستاذ الذي يحفظ ابنك القرآن.
فهذا أبو حنيفة حين حذق ابنه حماد سورة الفاتحة وهب للمعلم خمسمائة درهم، وكان الكبش وقتها يشتري بدرهم واحد، فاستكثر المعلم هذا السخاء، إذ لم يعلمه إلا سورة الفاتحة، فقال أبو حنيفة: لا تستحقر ما علمت ولدي، ولو كان معنا أكثر من ذلك لدفعناه إليك تعظيما للقرآن.
هكذا يحترم المعلم وتقدر جهوده، فأين نحن من أبي حنيفة رضي الله عنه؟
لا تهدم البناء الديني عند أولادك:
هناك عوامل هدم لهذا البناء الديني الذي تريد أن يعمر في قلوب أبنائك، ومن أهم تلك العوامل التي تضر بأبنائك:
1 - تحويل العبادات إلى مجرد طقوس لا معني لها ولا روح.
2 - النفاق العملي: وهو أن يتلقى الولد من أبويه تعليمات وأوامر، ويري أبويه يعملان عكسها.
3 - الإكراه على تطبيق الشعائر الدينية: فمن الناس من يهمل تربية أبنائه حتى إذا وصل إلى سن المراهقة ولم يصلِ الولد في ذلك الحين لجأ أبوه إلى الضرب ليجبره على الصلاة ، فأين كان ذلك الأب في السنوات السابقة ؟ ولماذا لم يغرس فيه حب المسجد والصلاة من قبل.
اسلام ويب

Post: #405
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:25 AM
Parent: #384

" الذاكرة "احفظها في الصغر يحفظها الله لك في الكبر
تطلب من ابنتها ذات السنوات التسع أن تأتي لها بشيء من الثلاجة، فتقف البنت أمام الثلاجة، ولا تتذكر ماذا تريد أمها، وتقترب الامتحانات فينسي التلاميذ المعلومات، تذهب المرأة للسوق وتشتري أشياء كثيرة، وترجع البيت وقد نسيت شراء ما خرجت لشرائه بالفعل ، نقرأ كتابا ونحاول أن نعرض ما قرأناه على الأصدقاء فلا نتذكر.
باختصار أصبح النسيان مرض العصر، فما هي أسبابه ؟ وما كيفية علاجه ؟

ما هو النسيان؟
يقول الدكتور فتحي عفيفي - أستاذ طب المخ والأعصاب بجامعة الأزهر - إن النسيان هو عملية فسيولوجية، فعن طريق الحواس: السمع والبصر، تأتي المعلومة، وتخزن في جزء معين من الدماغ ، وتتكون الذاكرة ، وتسترجع المعلومة عند الضرورة.

ويمكن أن يحدث النسيان نتيجة اضطراب في الذاكرة وهو نوعان: اضطراب وظيفي، واضطراب عضوي ، الوظيفي ينتج النفسية القلق والتوتر، أما الاضطراب العضوي فينتج تهتك في أنسجة الدماغ المسئولة عن الذاكرة ، أو اضطراب في الأوعية الدموية، أو التهاب أو تلف في الدماغ، أو أورام في المخ، أو الذاكرة نوعان منها ذاكرة قصيرة الأمد بمعني أن أتذكر أي حدث قريب ، أو أي شيء حدث في ساعتها، وأخري طويلة الأمد، بمعنى أن يستطيع الإنسان تذكر الأحداث البعيدة في الماضي.

خلل الاستقبال
ويوضح الدكتور فتحي أن النسيان في الأطفال يكون إما بعيب أو شذوذ في الانتباه، وعلى هذا لابد أن يكون الاستقبال عند الطفل جيدا النظر و السمع فأي خلل في الاستقبال يجعل الطفل غير منتبه في الفصل ، وبالتالي لا يخزن أي شيء، وهذا نراه في الطفل عندما تسأله والدته مثلا عما أخذه في المدرسة فلا يستطيع أن يجيب عنها ؛ لأنه كان غير منتبه، لوجود قصور في النظر أو السمع، وإذا تكررت عند الطفل حالة النسيان، أو عدم الانتباه بعد علاج السمع والبصر، فعلى الأم أو القائم بالتربية أن تذهب به للطبيب كي يفحصه، فقد يكون هناك خلل في كهربية المخ.

أما لماذا ينسى الشباب ؟ فلأنه مشغول بمستقبله وطموحاته، وتكثر عنده ظاهرة النسيان عند اقتراب الامتحانات، يقول إنني نسيت كل شيء، فهذا نتيجة الخوف أو نتيجة عدم الانتباه أثناء المذاكرة، وبالتالي لا تخزن المعلومة جيدا.

إذا عرف السبب
ونأتي لكبار السن والنسيان عندهم في الغالب نتيجة اضطراب في الدورة الدموية، أو الإصابة بالزهايمر.
ويشير الدكتور فتحي إلى أن علاج النسيان يأتي عن طريق تمارين للذاكرة بمعني أن أمرن الذاكرة على حفظ الأرقام مثل: أرقام تليفونات، وأعيد كتابتها من وقت لآخر، وبهذه الطريقة أحافظ على الذاكرة، وإذا كانت الحالة شديدة علينا أن نكتب الأشياء التي نريدها.

ويؤكد أيضا أنه لا توجد أدوية أو أعشاب تنشط الذاكرة ؛ لأنه إذا عرف السبب الرئيس للنسيان يعرف بالتالي علاجه.
فهو إما اضطراب في الأوعية الدموية أو قلق وتوتر، وعلاجها يكون في الهدوء والطمأنينة سواء للشباب أو الكبار والأطفال، وعلى الذي يعاني من النسيان أثناء المذاكرة أن يستخدم أكثر من حاسة، وهو يذاكر كأن يكتب ويقرأ بصوت عال، هذا يقلل نسبة النسيان لديه.

تلـف الــذاكرة
يقول الدكتور حسام عزب - أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة عين شمس أن النسيان قد يخضع لعوامل نفسية ، حيث إن البعض منا قد يتذكر أشياء يحبها، وينسي بعض الذكريات الأليمة.
والنسيان قد يكون لأشياء قريبة، وتذكر أشياء بعيدة مثل: المسن الذي يتذكر أيام طفولته وشبابه، ولكن عندما يسأله عن إفطاره مثلا فلا يتذكر.

ومع التقدم في السن والمشاكل الكثيرة التي يتعرض لها الفرد، تزدحم الذاكرة بكثير من المواد والأفكار، ولأن الذاكرة لها سعة معينة، فمن المؤكد أن تستبعد الأشياء التي لا قيمة لها الآن.
ويؤكد الدكتور حسام أن هناك برامج لتنشيط الذاكرة مثلما تنشط باقي الأعضاء فالذاكرة مثل أي عضو من أعضاء الجسم إذا لم يتحرك وينشط يحدث له ضمور، هكذا الذاكرة أيضا، فإذا دربنا الذاكرة على التذكر تنشط، فمن برامج تنشيط الذاكرة حفظ القرآن، وحفظ بعض أبيات من الشعر، ومحاولة تذكرها بين الحين والحين.

النسيان ... رحمة
يقول الدكتور محمد عبد السميع جاد - عميد كلية الدعوة جامعة الأزهر (رحمه الله) - : إن ظاهرة النسيان أوجدها الله في كل آدمي، وهذا من رحمة الله بالإنسان، النسيان فلولاه لتذكر الإنسان كل ما وجه إليه من إساءات، وعاش في ألم دائم، ورغبة لا تنقطع في الثأر لنفسه.
ولكن هناك أشخاصا ينسون بشكل أكثر وضوحا من غيرهم، وهذا هو الذي يشكل الخطورة، بينما لو استعرضنا التاريخ الإسلامي لوجدنا كثيرا من الصحابة والتابعين، ومن سار على سبيلهم قد حفظ الله عليهم عقولهم وحواسهم، ولقوا الله وهم بكامل قواهم الذهنية نتيجة تقواهم لله، وحفظهم الجوارح عن المعاصي في مرحلة الشباب.

وقد سئل أحد الصالحين وهو في سن متقدمة بكامل عقله وصحته، فقيل له: لماذا هذا الذي أنت فيه فقال: "هي أعضاء حفظناها في الصغر، فحفظها الله علينا في الكبر".
وقوة الحفظ الدافع إليها - كما يقول الدكتور جاد - هي العقيدة ، وأداء الفرائض لله ، والتركيز في الأمور، وتفويض الأمر لله، فالإنسان دائما مشغول بالرزق والأجل، وهي أشياء في ضمان الله.

والمداومة على القرآن والطاعة من أهم أسباب الوقاية من النسيان، أو من تحوله لمرض.
والخرف يأتي لغير قارئ القرآن، وغير المستمسك بدينه، والمرأة التي تحفظ الله في جوارحها يحفظها الله ولا تخرف.
ويقول الإمام الشافعي:
سهري لتنقيح العلوم ألذ من وصل غانية وطيب عناق
ونقري لألقي الترب عن أوراقها أبهى من الدوكاء والعشاق
وأبيت سهران الدجي وتبيته نوما وتبغي بعد ذاك لحاقي
( الدوكاء: السكارى)
أي تكون نائما طوال الليل، وأنا سهران في العلم وطاعة الله، وبعد ذلك تريد أن نتساوى معا؟
وفي النهاية ينصح الدكتور جاد بكثرة الاتجاه إلى الله، وترتيب ورد يومي من القرآن (ربعين) مثلا ، وكثرة الاستغفار، والصلاة على الرسول (صلى الله عليه وسلم) والرضا، وتفويض الأمور كلها لله.
آمنة محمد-اسلام ويب

Post: #406
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:27 AM
Parent: #384

المستميتات في الدفاع عن حق المرأة في العمل من داعيات التحرر والفكر النسوي.. لا تقف وراء دفاعهن فلسفة إنسانية سوية تنظر إلي هذا الحق كفرع للتكامل بين شقي المجتمع - الرجال والنساء - أو كرمز لتكريم الإسلام للمرأة، ومن ثم نظرته إليها كإنسان كامل الهوية، من واجبه المشاركة في إعمار الأرض تحقيق الفقه الاستخلاف.
إنهن يعتبرن هذا الحق مدخلا لتحقيق ذات المرأة.. الذات الاقتصادية التي ترادف الاستقلال المادي عن الرجل، ومن ثم الانفلات من قبضة "السلطة الأبوية" والتحرر من قيود "المجتمع الذكوري" على حد تعبيرهن!.
مقدمة للاستقلال الجسدي
والمتطرفات منهن يعتبرن هذا الاستقلال مقدمة للاستقلال الجسدي للمرأة بدعوى أن الرجل يمتلك جسد امرأته بموجب تبعيتها الاقتصادية له.. وفي غمرة حماسهن المريض لترويج هذا المنطق الأكثر مرضا يتناسين أن الأب مكلف بالإنفاق على ابنته.. والأخ على أخته والابن على أمه، ومن ثم فإن علاقة التبعية الاقتصادية كما يسمينها لا توجد في إطار الزواج فقط ، بل في الإطار الأسري العام الذي ينفرد الإسلام بتقديم رؤية متميزة ومتكاملة له.. رؤية تمزج في تناسق بديع بين الذمة المستقلة للمرأة ، وحقها في أن تكون معالة اقتصاديا من أبيها أو أخيها أو زوجها أو ابنها، وأيضا من المجتمع المسلم الذي من المفترض أن "يكفل" كل من تفتقر إلى عائل.
مفاهيم خاطئة
وقد لا يمكن الزعم بأن واقعنا الاجتماعي خال من رجال ينكلون بشريكات حياتهن، ويذلون أعناقهن بسيف الإنفاق.. ولكن هذا لا ينهض دليلا على صحة مزاعم داعيات تحرير المرأة واستقلالها الاقتصادي ، إذ كيف يصح بناء قاعدة اجتماعية على أساس شذوذ فكري وسلوكي؟
وكيف يتسق زعمهن بأن الرجل يستعلي على زوجته بإنفاقه عليها مع التصوير القرآني البديع لما يجب أن يفعله الزوج سوي الفطرة حين تنشز زوجته - إذ يقول الله (عز وجل) في محكم كتابه: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا) (النساء: 43)، وليس من بين هذه البدائل الإصلاحية.. الحرمان من النفقة أو الإذلال بالتجويع مثلا !.
القوامة وجه من وجوه الإعجاز
إن قوامة الرجل وجه رائع من وجوه إعجاز القرآن الكريم، ولو فهمت ومورست بمرادها وأهدافها لحققت للرجل والمرأة معا التوازن والاستواء والراحة، فمن علامات استقامة الفطرة أن يسعد الرجل بركن الإنفاق في القوامة، ولا يراه عبئا ومسئولية كريهة.. وأن تزهو المرأة بأنها في كنف رجل وفي ظل قوامته المعنوية والمادية، وأنهما يمثلان معا صورة واقعية لقيمة الأسرة التي يعد محوها هدفا إستراتيجيا للحركات النسوية الساعية ليس فقط لخلخلة كيان الأسر القائمة بالفعل، بل لتغيير اتجاهات الرجال والنساء نحو مفهوم الأسرة ذاته، لينظروا إليه كقيد.. وكقالب تقليدي لصب علاقة المرأة بالرجل.. وكعدو لحرية الرجال، وطموحات النساء!.
ليتهن يذقن
إن اللاتي يصرخن مطالبات بالاستقلال الاقتصادي للمرأة لم يذقن متعة أن ينفق الرجل على زوجته، ويكرمها فيشعرها بإنسانيتها، ولم يجربن الإحساس الرائع بالتميز وهن يتمتعن بحق النفقة والذمة المالية المستقلة في الوقت نفسه.
ليتهن يذقن.. ويجربن.. وليت بعض بناتنا ونسائنا يتخلصن من وهم الإحساس بالذل؛ لأن الرجال ينفقون عليهن.. فكل زوجة "تابعة" اقتصاديا لزوجها من حقها أن تزهو.. وتفخر.. وتعتز بأنها كانت سببا في منحه وسام شرف.. القوامة.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #407
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:29 AM
Parent: #384

هل أغمضت عينيك يوما، ووضعت كفيك خلف رأسك، وسرحت في عالم الخيال، وقلت لنفسك هل هذا ممكن؟
هل قلتها وأنت تحلم بأقصى درجات السعادة الزوجية، ووجدت نفسك تستبعد تحقيق الحلم، فاكتفيت به وعشته بديلا عن واقع اعتبرته مفروضا عليك؟
- إذا كنت غارقا في دنيا الخيال الزوجي السعيد فإن الأستاذ محمد رشيد العويد الخبير الأسري الاجتماعي، ورئيس تحرير مجلة النور الكويتية التي تقدم ملحقا أسريا بعنوان: "مؤمنة" يرشدك إلى واقع أحلى، وأيسر، وأكثر أجرا.
فيقول: السعادة الزوجية تتأتى من خلال أمور بسيطة، وهي ليست مقتصرة على الرجال، بل النساء أيضا مع اختلافات بسيطة بعضها تطبيقه سهل والبعض الآخر صعب، ويحتاج لجهد ومثابرة ، واحتمال طويل ، ولكي تصبح هذه النصائح طبعا وخلقا، بعضها أكثر أهمية وهذه الأهمية تختلف من شخص لآخر، وهذه النصائح إنما أتت من سيد المرسلين، فلماذا لا ندور حول النبي زوجا، كما يدور التربويون والعسكريون حول النبي قائدا، ومعلما؟ فهو الأول في كل شيء، يظهر ذلك في حياته (صلى الله عليه وسلم) مع زوجاته مارسها وطبقها، وكانت له خلقا، والآن في الأبحاث العالمية يصلون إلى ما فعله الرسول منذ ألف وأربعمائة عام، وهذه الذهبيات هي بمثابة نصائح للرجال.
- أسمعها كلمة طيبة، فالكلمة الطيبة تكفي دون باقي الذهبيات يقول الرسول (صلى الله عليه وسلم): "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإن لم تستطيعوا فبكلمة طيبة، فالكلمة الطيبة صدقة".
إحدى المؤسسات الأمريكية في نيويورك قامت بإجراء دراسة استفتائية واستطلاع للرأي لعدد 14000 زوج وزوجة لمن مضى عليهم خمس سنوات، وسنهم من 25 - 45 سن النضج فطرحت عليهم سؤالا :
اذكر ثلاثة أسباب تراها ضرورية للسعادة الزوجية ؟ فكانت غالبية الإجابات هي أهمية التعبير عن الحب والعاطفة والمشاركة الوجدانية بين الحين والآخر.
والإسلام أباح الكذب في المشاعر والعواطف لحديث الرسول (صلى الله عليه وسلم) فلم يرخص الكذب إلا في ثلاث منها: الرجل يحدث امرأته، والمرأة تحدث زوجها.
ويضيف أ. محمد رشيد العويد:
لي تجربة شخصية استطلعت فيها رأي نساء متزوجات عن رأيهن في أزواجهن عندما يكون الزوج في يوم إجازته، ويطلب منها فنجان شاي أو قهوة وهي تقوم بكل شيء، ولا يفكر في أن يساعدها في أي شيء، فمنهن من وصفته بالأناني، ومنهن من قالت أنا لست امرأة فوق العادة "سوبر".
-استمع لزوجتك ولشكواها، واهتم بها ولا تنصرف عنها، وخصص نصف ساعة لتحدثك فيها زوجتك، فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يقول لعائشة:" إني لأعرف متى تكونين على غاضبة، ومتى تكونين راضية عني فتقول: كيف عرفت؟ فيقول: إذا كنت غاضبة تقولين ورب إبراهيم، وإذا كنت راضية تقولين ورب محمد"، والسيدة صفية زوجة الرسول (عليه الصلاة والسلام) عندما قالت لها حفصة:" أنت بنت يهودي!" ولما شكت رسول (صلى الله عليه وسلم) قال لها بما تفخر عليك حفصة، فأنت بنت نبي وهو موسى، وعمك نبي وهو هارون، وأنت تحت نبي وهو الرسول المصطفى، ففيما تفخر عليك؟ وقال لحفصة اتقي الله يا حفصة.
فلا تستهن في الاستماع إلى زوجتك، وقلل من المقاطعة لزوجتك أثناء الاستماع إليها.
-احترم خصوصيتها: فإذا وجدتها تريد وقتا لحالها فساعدها على ذلك، ولا تتابعها، فحالتها النفسية تختلف من يوم لآخر.
- لا تتردد في الاعتذار إليها: ولا تقل هذا ينقص من مهابتي، فإذا أخطأت لا بأس من الاعتذار والمشكلة الإصرار على القسوة والكلمة الجارحة، فكلمة الاعتذار تغلق الباب أمام إبليس اللعين، والقرآن يقول:" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم... " الآية. وكن مغلوبا لزوجتك، وتبسم لها، وأدخل شيئا من المرح في حوارك معها.
- احرص على الحلال: فالحلال له شأن كبير، فإن العبد ليرى أثر الذنب في تعثر دابته وزوجته.
- كن تاجرا: فكل ما تنفقه عليها، وعلى أولادك هو تجارة مع الله ، وأعظم أجرا من النفقة على الأرملة والمسكين وفي سبيل الله ، وفي بضع أحدكم صدقة فكم من أجر وثواب وحسنات تتأتى من وراء ذلك.
انتبه: لقد اكتشفوا في الغرب أن 70% من حالات الطلاق تتم أيام حيض الزوجة في الستة أيام الأولى، فتهيأ لأيام دورة زوجتك ، واستعد لحالة غير طبيعية منها، واصبر عليها، فلقد عافاها الله من الصلاة أيام الدورة، فعافها أنت من طلباتك وجدالاتك، وتذكر نهيه صلى الله عليه وسلم عن الطلاق في أيام الحيض.
- قلل من اللوم: أنس بن مالك خدم الرسول عشر سنوات، فلم يقل له الرسول (صلى الله عليه وسلم) في شيء فعله لما فعلت ذلك، وفي شيء لم يفعله لِمَ لَمْ تفعله ، فزوجتك أولى من الخادم في تقليل اللوم لها.
- تغافل وتغاضى: ما استقصى كريم قط فلا تحاول أن تعرف كل شيء، الحسن البصري يقول: مازال التغافل من فعل الكرام، ولا تكره زوجتك :" فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا" ونزلت الآية في الزوجات.
-وأخيرا لا تنس أن تدعو لزوجتك لينشرح صدرها.
احلام علي-اسلام ويب

Post: #408
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:30 AM
Parent: #384

الخشاف صيدلية فواكه متكاملة
الخشاف لفظ حبيب لارتباطه بأروع الشهور، رمضان المبارك الذي تستعد البيوت المسلمة لاستقباله هذه الأيام ، فهو صنف حلو يتصدر المائدة الرمضانية الفقيرة والثرية علي حد سواء ، ويتراوح بين التمر المنقوع في الماء والسكر فقط ، ومجموعة الفواكه المجففة مع المكسرات والمنقوعة في عصير قمر الدين ، والخشاف في كل صوره كنز صحي ، فالتمر وحده معجزة غذائية، إذا اكتفينا به، فما بالنا لو أضفنا له مكونات أخري; ليصبحوا معا صيدلية متكاملة ؟

القيمة الغذائية والدوائية للخشاف يحدثنا عنها د. عز الدين الدشاري الأستاذ بكلية الصيدلة في كتابه " علاج بلا دواء " فيقول: إن الخشاف يعتبر من الأغذية التي تتميز بقيمتها الغذائية المرتفعة ، كما تتميز باحتوائها علي مواد تساعد في علاج بعض الأمراض ، فالمشمش المجفف والطازج غني بفيتامينات أ، ب 2 والحديد.

ويحتوي المشمش الطازج علي نسبة عالية من فيتامين " سي " ، ويعتبر زيت المشمش من أهم مصادر فيتامين ه- المضاد للأكسدة ، ويستخدم لتليين الجلد ، ومنع تكوين خطوط في الجلد في مرحلة الشيخوخة.

ويساعد تناول المشمش في مقاومة الميكروبات، وتقوية الأغشية المخاطية بالجسم، وشفاء الرئة من الأمراض الناجمة عن عدوي الميكروبات، ولقد اتضح أن تناول 3 - 6 مشمشات يوميا يساعد في الوقاية من النزلات الشعبية والربو الشعبي.
ويحتوي التين علي نسبة عالية من السكر الذي يمد الجسم بالطاقة الحرارية، ويحتوي التين المجفف علي نسب عالية من الفيتامينات، وبخاصة حمض الفوليك الذي يتميز بقيمته الغذائية والوقائية للسيدات الحوامل، ويعتبر التين المجفف مصدرا ممتازا للحديد الذي يساعد في الوقاية من الأنيميا.ويساعد التين في علاج البرد كما يقاوم الميكروبات التي تسبب متاعب الحلق وآلامه.

ومن فوائده أنه يفيد في علاج الإمساك والبواسير، ولعلاج الإمساك ينقع التين المجفف في الماء علي مدي ساعات الليل، ثم تؤكل 4 - 5 ثمرات من التين في الصباح قبل الإفطار، كما يشرب ماء التين الذي يحمل ذات الفائدة في علاج الإمساك.
ويتميز الزبيب باحتوائه علي نسبة عالية من فيتامين " سي " ومضادات الأكسدة الأخري التي تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض، ويعتبر من أهم مصادر الفوسفور والبوتاسيوم والكالسيوم والمغنسيوم والحديد والنحاس.

ومن فوائد الزبيب والعنب أنهما يساعدان علي إزالة السموم من الجسم ، ومقاومة الميكروبات والفيروسات ، وعلاج الروماتيزم ، وأمراض الكبد والمرارة ، وضغط الدم المرتفع، وعلاج السعال الجاف، والوقاية من أمراض القلب.
ولقد تبين أن تناول الزبيب والعنب يساعد في تقليل دم الدورة الشهرية في حالة نزول الدم بغزارة.
وتعتبر القراصيا (البرقوق المجفف) من أهم الفواكه المجففة التي تساعد في علاج الإمساك; لأنها تحتوي علي مادة " ازاتين " التي ثبتت فعاليتها في علاج الإمساك.
اسلام ويب

Post: #409
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:32 AM
Parent: #384

الإسلام والحقوق الزوجية للسجناء
للسجون طبيعتها الخاصة التي تميزها عن غيرها من أنماط المعيشة الإنسانية، فهي تعني العزلة
عن العالم الخارجي والابتعاد القسري للسجين عن الأهل والزوجة والأولاد، وثمة رهط كبير من السجناء يقضون في "الزنزانات" مددا طويلة لا يرون فيها أهلهم إلا لماما مما جعل كثيرا من منظمات حقوق الإنسان تنادي بضرورة العناية بحقوق السجناء، وتوفير بعض الأسباب التي تحفظهم من الانحرافات الجنسية والأخلاقية.
ولا شك أن وجود السجين داخل السجن لا يخرجه عن طبيعته البشرية، فهو بحاجة إلى مأكل ومشرب وعناية، كما أنه بحاجة إلى إرواء غريزته الجنسية، وإذا كانت الحكومات توفر لأولئك الأشخاص قدرا معقولا من المأكل والمشرب، فلماذا لا توفر لههم بقية حقوقهم الإنسانية، ولاسيما حق الخلوة بالزوجة أو الزوج؟ فما هي نظرة علماء الشريعة الإسلامية تجاه هذا الأمر؟
عقوبة دخيلة!!
بداية يقول الشيخ محمد العباسي إن الإسلام لم يعرف نظام السجون بوضعها الحالي، بل إن هذه العقوبة، وهي عقوبة السجن بهذا الشكل، وردت إلينا من خلال القوانين والأنظمة الغربية، والإسلام ليس فيه إلا الحدود والتعزيرات والعقوبات المالية، وهي تتم مباشرة بمجرد الانتهاء من القضية وظهور الحقيقة، وإن احتيج في هذه الحالة إلى السجن فإنما هو لأيام معدودة لحين الانتهاء من تنفيذ الحكم.
ويبين الشيخ العباسي مخاطر بقاء السجين هذه الفترات الطويلة داخل السجن بما يترتب عليه ضياع الأولاد وتشتتهم وانحرافهم لعدم وجود من يربيهم ويرعاهم ويوجههم، أضف إلى ذلك المخاطر التي تحيط بهم لعدم وجود عائل يوفر لهم متطلباتهم واحتياجاتهم.
وهذا ما يؤكد عليه د. محمد المسير الأستاذ بجامعة الأزهر، فهو يرى أن السجن بوضعه الحالي حيث يودع الإنسان بداخله لسنوات طويلة ليس عقوبة شرعية، ويترتب على ذلك العديد من المفاسد، إذ تحدث بين السجناء الكثير من المهازل الأخلاقية والانحرافات السلوكية جراء مكوثهم الطويل في السجون.
ويضيف د. المسير أن الأمر لا يقف عند هذا الحد، فعقوبة السجن هذه في الحقيقة لا تقتصر على السجين وحده، بل تشمل الأسرة بما فيها من حرمان الزوجة من حقوقها الجنسية، وحرمان الأطفال من حنان وعاطفة الأبوة، وهذا كله مناف لمقاصد الشريعة الإسلامية التي تقتصر العقوبة فيها على الجاني فقط. وهنا يشدد د. المسير على أن أفضل الحلول الشرعية في عقاب الجاني تتمثل في الجلد أو الرجم أو القتل، أي تطبيق الحدود الشرعية.
عقوبة شخصية!
ولكن إذا كان هذا هو واقع الأمر في كثير من البلدان الإسلامية، فماذا عن حق الزوج السجين تجاه زوجته، وهل له في هذه الحالة الحق في الخلو بزوجته؟
يبين د. محمد رأفت عثمان الأستاذ بجامعة الأزهر أن العقوبة التي يقضيها المسجون هي عقوبة شخصية نظير خطأ وقع منه هو أو مخالفة ارتكبها ، وبالتالي يجب ألا يتعدى أثر العقوبة لأسرته خاصة الحقوق الجنسية للزوجة.
ويلفت د. رأفت عثمان الانتباه إلى ثلاثة أمور هامة لبيان الحكم في هذه المسألة، فمن المسلمات أن زوجة السجين لم تنقطع صلتها به، فالرابطة الزوجية قائمة، ثم إن الغريزة الجنسية موجودة لدى الرجل المحكوم عليه بالسجن، وأيضا لا يجوز أن يتعدى أثر العقوبة لأحد خلاف الجاني المستحق لها كالزوجة وغيرها، ويبين د. رأفت أنه من خلال ما سبق يتضح حق السجين في الخلوة بزوجته وضرورة توفير هذا الأمر له لأن الرغبات والغرائز لا يصح إغفالها أو التغافل عنها، خاصة وأن تجاهلها وإهمالها يؤدي إلى تأثيرات نفسية وسلوكية غير سوية ، وهو طريق آخر لانحراف السجناء ، والحل الصحيح هو السماح بلقاء خاص في مكان مهيأ بين السجين وزوجته، إذ ليس في الشريعة الإسلامية ما يمنع من ذلك وفق ظروف إنسانية لا تخدش حياء السجين أو زوجته.
إهمال الحقوق الزوجية تؤدي للشذوذ
وهذا الرأي الذي ذهب إليه د. رأفت هو ما يراه الشيخ العباسي، ويضيف قائلا: إن ما يحدث في كثير من السجون من انتشار اللواط بين السجناء وسائر الانحرافات الخلقية ما هي إلا نتيجة لإهمال مثل هذا الأمر وعدم مراعاته، أضف إلى ذلك نقطة أخرى خطيرة تتلخص في أن الغريزة لا تقتصر على الرجل فقط، بل هي أمر فطري في الزوجة، وإهماله وعدم مراعاته قد يؤدي إلى انحراف الزوجة وطلب تلبية هذه الغريزة بغير الطريق الشرعي لها، وهو يؤدي ولا شك إلى فساد المجتمع وظهور الزنى وغيره، وقد عملت الشريعة الإسلامية على سد كل الطرق المفضية إلى انتشار الفحشاء بين الناس، وعملت كذلك على حماية الفرد والمجتمع من طرق الغواية.
ويؤكد كل من د. رأفت والشيخ العباسي على ضرورة أن يكون هناك مكان آمن مجهز يجتمع فيه الرجل بزوجته بحيث لا يطلع عليهما أحد، وأن يكون هذا بصفة دورية.
ومع موافقة د. المسير للرأي السابق إلا أنه يعترض على إتمام الخلوة الشرعية بين السجين وزوجته داخل السجن، لأن مثل هذا الأمر في نظر د. المسير قتل للحياء وفضيحة أخرى لهما، ويقترح د. المسير أن يخرج السجين كل فترة ليعيش بين أسرته في ظل حراسة مشددة، وكذلك إذا كانت الزوجة هي السجينة، ففي هذا تقويم للأسرة كلها، ويشعر السجين بالدفء الأسري الذي افتقده، مما يدفعه للعمل على تهذيب نفسه وخلقه ويمنعه من الانزلاق في الجريمة مرة أخرى.
فتوى مفتي مصر
الجدير بالذكر أن فضيلة د. نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قد أصدر فتوى بهذا الخصوص أثناء توليه منصب الإفتاء، ومما جاء فيها "إن السجن عقوبة شخصية وليس عقوبة جماعية، لقوله تعالى: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" أي أن العقوبة لا تنتقل إلى شخص آخر، ومن حق زوجة المسجون ألا تحرم من الحقوق الزوجية الخاصة؛ لأن الحياة الزوجية إذا استمرت بين الزوجين، ولم تطلب الزوجة الطلاق بعد دخول زوجها السجن، فمن المفروض أن تكون هناك حقوق زوجية شخصية خاصة بين الزوجين ـ أي المعاشرة الزوجية ـ حفاظًا على الأسرة والأبناء ".
وأضاف فضيلته أن الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته ليست نوعًا من الترفيه، بل هي واجب شرعي، لأن العلاقات الزوجية عبادة كالصلاة والزكاة، وقمة العبادة هي ارتباط العلاقة الزوجية بما يحقق الغرض منها، وهو بناء أسرة سليمة اجتماعيا ووجود النسل الصالح، مشيرا إلى أن توفير الخلوة الشرعية بين المسجون وزوجته سوف يحقق غرضين:
الأول: توبة الشخص توبة نصوحا، لأنه سيكون مرتبطًا بأسرته، وبالتالي سيحرص على عدم العودة للسجن مرة أخرى.
الثاني: الحفاظ على الأسرة من التفكك والانحراف، وخاصة إذا كانت الزوجة شابة صغيرة وليس لديها القدرة على الصبر على البعد عن زوجها.
وفي الختام نشير إلى أن بعض الحكومات في العالم الإسلامي قد أخذت بمبدأ السماح للسجين الالتقاء بأسرته وإتاحة الخلوة، كما هو معمول به في المملكة العربية السعودية حيث أقيمت ملحقات سكنية مجهزة بجانب السجون يتم من خلالها وفق جدول معين السماح بالخلوة بين الزوج السجين وزوجته.
اسلام ويب

Post: #410
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:33 AM
Parent: #384

شهر رمضان نفحة من نفحات الدهر من اغتنمها فاز وفرح، ومن فاتته خسر وندم، وعلى المرأة أن تقوم بما لم يتمكن الرجال من القيام به وهو إعداد البيت لشهر رمضان، وهناك بعض الوصايا التي يمكن أن تستعين بها في إعداد أسرتها لشهر الصيام ومنها:
1 - أن تعد منزلها ماديا لاستقبال الشهر الكريم بأن تهتم بنظافة البيت وترتيبه وتنسيقه، وأن تعد المصاحف وتظهرها حتى تشعر أهل البيت بأن ضيفا عزيزا نزل عليهم وعليهم استقباله والاهتمام به.
2 - أن تختار كتابا بالاشتراك مع زوجها تتدارسه الأسرة خلال شهر رمضان، ويا حبذا لو كان في الفقه، ومن كتب الفقه التي يمكن الاستعانة بها: ؛كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق.
3 - أن تقوم بتحفيز الأطفال الصغار على الصيام بأن تقول لهم مثلا : من سيصوم سأوقظه من السحور، وسيصلى معي الفجر وغيرها من الجمل التشجيعية حتى يتعود الصغار على الصيام، وخاصة ونحن في الشتاء.
4 - أن تصل رحمها وخاصة الوالدين ووالدي الزوج سواء كان ذلك في صورة مادية (في شكل هدايا) أو بكثرة الزيارات.
5 - توطيد العلاقة مع الجيران وخاصة إذا كانوا من ذوى الرحم والتناصح معهم، وإزالة أية مشاحنات بينهم - إذا وجدت.
6 - أن تضع خطة لشهر رمضان بأن تحدد وردا معينا من القرآن، وليكن جزءا يوميا، وتحاول تذكير الأسرة به والحفاظ عليه، وأن تتفق مع زوجها على المسجد الذي ستصلى فيه الأسرة ، ويا حبذا لو كان به مصلى للنساء حتى تستطيع الأسرة كلها أنت تصلى في جماعة، وأن تصلى صلاة التراويح.
7 - أن تجعل من رمضان درسا لأسرتها في التعاون بأن تجعل الجميع يتعاونون معها في تجهيز السحور أو الإفطار، وفى باقي الأعمال المنزلية.
8 - وأخيرا على الأم أن تعود أطفالها وأسرتها على ترديد الدعاء عند كل شيء على الإفطار وعند الخروج من المنزل والدخول، وعند دخول المسجد و الخروج منه فكل هذه حسنات يجعلها الله في ميزان حسناتها.
اسلام ويب

Post: #411
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:34 AM
Parent: #384

حتـى تمـر العاصفة
كان صوته عاليا إلى حد أن وصل إلى سمعي عبر النوافذ المفتوحة في ليلة صيفية قائظة، بينما كان صوت امرأته ضعيفا خافتا مبهم العبارات، قال بحدة: هيا اجمعي ملابسك واغربي عن وجهي، وليسعك بيت أهلك أنت وهؤلاء العفاريت أطفالك.
مر وقت قليل وعلا صوته مرة أخرى قائلا: أما زلت هنا، أين كرامتك يا امرأة؟! والله أنت عديمة الإحساس.
لم أعرف تفاصيل شجارهما، ولم أسمع بدقة كيف كانت ترد جارتي الصبور على رجلها الثائر، ولكنني في اليوم التلى رأيتهما يصطحبان صغارهما ويسيران سعيدين كأن شيئا لم يكن، وكأن اللذين كانا متخاصمين بالأمس هما زوجان آخران سواهما.
هكذا مرت العاصفة، ومرت عواصف كثيرة في حياة جارتي الراحلة التي سألتها على استحياء يوما ما: بماذا كنت تردين على زوجك حين ينفعل عليك، أو يطردك من بيتك؟ فابتسمت ووضعت كفها على كفي وكأنها تنصحني - فقد كنت وقتها مخطوبة - قالت: كنت أنسحب من أمامه، وأدخل غرفة أخرى، فيطرق الباب بعنف ويقول لي مستهزئا: أتظنين أن تلك الغرفة بيت أبيك هيا اخرجي، وإلا .. فأواصل الصمت لأجده هو بعد دقائق قد نسي إصراره على خروجي من البيت، وحينئذ أقول له بهدوء: لعلمك يا حبيبي، لو دفعتني إلى الخارج بحقيبة ملابسي، سأنتظر على الباب حتى تسمح لي بالدخول مرة أخرى، بيتي هذا لن أخرج منه غاضبة أبدا، وأهلي الذين استأمنوك على لن أدخل بيتهم إلا ويدي في يدك، فينظر إلى بامتنان، ونتعاتب ويعود كل شيء إلى طبيعته.
الزوجة الذكية تمتص غضب زوجها وتعينه على عمله وتعذره، ولا تتصيد له الأخطاء، وحينئذ سيضعها في عينيه، وقد ماتت جارتي الأثيرة بعد مرض قصير تاركة وراءها سيرة طيبة، وزوجا لا يزال حتى اليوم، وبالرغم من زواجه بشقيقتها يقول كلما جاءت سيرتها: ولا يوم من أيام المرحومة الغالية.
وتزوجت، ومرت بحياتي لحظات خلاف، ومواقف فاصلة كنت غالبا ما أتذكرها خلالها، وإذا نسيت طالت اللحظات وقست المواقف وتعقدت، وصارت العاصفة الصغيرة إعصارا، فأدركت حكمتها وعمق إدراكها، وهي السيدة البسيطة التي تفك الخط بالكاد، ولكن خبرتها الحياتية أعمق بكثير من خبرات نساء وصلن إلى أعلى مراتب العلم، ولكنهن لا زلن أميات في علاقاتهن الزوجية، يؤججن نيران الخلاف مع رجالهن بالتحفز والاستفزاز والتمسك بشعارات الندية.
ومن هؤلاء عرفت كثيرات حقيبة ملابسهن معدة سلفا لمغادرة المنزل عند أي بادرة خلاف، وألسنتهن مشحوذة دوما لمنازلة الزوج كلمة بكلمة، وحرفا بحرف، ورؤوسهن منتصبة تأبي الانحناء أمام العاصفة لكي تمر، بل يتصدين لها، ويغلقن في وجهها نوافذ الحكمة والصبر، فتقبع في البيت مستعدة للهبوب هادرة في أي وقت.
علمتني جارتي الراحلة أنه لا بيت يخلو من الاختلاف والخلاف، ولكن بيوتا كثيرة تخلو من زوجات وأزواج يتعاملون بحكمة ووعي مع الشقاق، ويعرفون كيف يتركون العاصفة تمر دون خسائر تذكر في بنيان حياتهما المشتركة.
وإذا كان الانحناء في عرفنا ذلا ومهانا، فإن الانحناء الكريم الذي يرفع القدر ويحفظ الكرامة هو انحناؤنا أمام عواصف حياتنا المشتركة; لتمر غير آسفات علىها، إنه انحناء يجعل الرأس أكثر ارتفاعا، فمنتهي العزة أن تظل بيوتنا متماسكة صامدة، وغاية المذلة أن تصبح هشة ضعيفة مسكونة بعواصف أبينا الانحناء أمامها بدعاوي الكبرياء، فحاصرتنا وخنقتنا حتى تصلبت الرقاب، وصارت عاجزة حتى عن هذا الانحناء الذي نحاوله كثيرا بعد فوات الأوان.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #412
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:36 AM
Parent: #384

لفت انتباهي في إحدى المسلسلات التلفازية العقيمة لحظة صدق قالت فيها الزوجة: أنا بكرهك أنا بكرهك..ثم ركضت لتختفي، هكذا أراد المخرج أو أراد الموقف... أن تختفي بعد لحظة صدق.
كم ركضنا هرباً من حقيقة وأغلقنا الباب حتى لا نواجهها، ولكن الحقائق تتسلل لنا رغم هروبنا.
إن الهروب من المواقف الدرامية، هي أضعف لحظة يمر بها الإنسان، فيفضل الهروب على المواجهة.
أتساءل كيف تتصرف الأم في حالة هروب ابنها من المواجهة مع الموقف، فقد يحصل موقف يدل على غضبه، كأن يقول: (إنني أكرهكم..أو أكره هذا المنزل وقوانينه...أو لا أرغب في العيش هنا).
كيف تتصرف؟ وكيف تتصرف إذا أظهر غضبًا عارمًا لا حدود له، عليها أن لا تواجه الموقف بعنف ، وأن تترك له مساحة قصيرة للهرب، ثم تعود إليه..حتى لا يحتفظ بهذا الشعور لنفسه، عليها أن تستغل هذا الوقت في التواصل معه، فهذا التواصل سوف يساعده في مواجهة آلامه وقبولها ثم التخلص منها.
إن وقوفنا مع الآخرين في مواجهة المشكلات المؤلمة يسري عنهم، ويشد من أزرهم ويبعث بهم على تخطي المواقف الصعبة.
إن الضغوط اليومية التي نمر بها قد تصل بنا إلى درجة اليأس من إيجاد الحلول لها، ولكن إذا عدنا إلى الوراء لوجدنا الكثير من المواقف الصعبة التي تخطيناها بسلام فأصبحت في طي النسيان.
قد تكون لحظة الغضب افتعالية، إن كانت افتعالية فهي تحتاج إلى حلول أيضًا، سواء حدثت في البيت أو في مكان آخر، وعادة ما يفتعل أبناؤنا الغضب للحصول على ما يريدون، لذا يجب علينا التفريق بين لحظة الغضب التي تثير أبناءنا لدرجة الهروب من الموقف، وافتعال لحظة أو نوبة الغضب، وخصوصاً إذا اكتشف أبناؤنا أنها أداة فعالة لجلب الاهتمام.
هذه النزعة نحو الانفعال تلاحظ على وجه الخصوص خلال فترات الطفولة المبكرة والروضة عندما يبدأ الأطفال في إظهار استقلاليتهم وتأكيدها، فإذا استجيب للصراخ والركل والرفض أدرك الطفل أن هذا الفعل يصل به إلى ما يصبو إليه، فيقوم به كلما أراد الحصول على ما يرفض الكبار منحه له، وقد نلجأ إلى محاولة كفهم بالإقناع أو بالغضب والضرب، وكلتا الحالتين لا تؤديان إلى نتائج سليمة، لذلك علينا في هذه الحالة اتباع خطوات متزامنة هي:
تجاهل نوبات الغضب عندما تحدث
عندما تبدئين في تجاهل سلوك الطفل عند نوبات الغضب ، سوف تقل هذه النوبات تدريجيا حتى تتوقف إذا لم يجد الطفل أي تعزيز أو إقناع أو شرح ، أو حتى النظر إليه حتى يتوقف الطفل، بعد ذلك يمكنك الجلوس بجانبه وعدم التحدث عن نوبة الغضب، فإذا عاد لذلك التصرف فابتعدي عنه مرة أخرى ولا تعيريه أي اهتمام.
- الإكثار من تعزيز التصرفات الملائمة
مساعدة الطفل على التعامل مع ردود الفعل الانفعالية بطرق مقبولة
ساعدي طفلك على اكتشاف بدائل مقبولة لتحل محل نوبات الغضب، وذلك عن طريق منع التصرف العدواني والنزول إلى مستواه الطفولي وقولي له:( أنا أعرف أن هذا يجعلك تشعر بالغضب) أو (إنه مؤلم حقًا ما تشعر به) أو (إنك منزعج حقًا ولكن يجب..).
- شجعي طفلك على التعبير عن انفعالاته أما بالموافقة على ما قلت، وإما باستعمال ما اقترحته أو بالتعبير عن شعور آخر، اسأليه بعد ذلك ماذا نستطيع فعله حيال ذلك واستعرضي البدائل، ثم ساعدي الطفل على الحل للموقف بنفسه، وأثني على قدرته على حل الموقف.
يجب على كل أم أن تعتبر نفسها دائماً القدوة التي يقتدى بها في الأسرة، فتظهر الشجاعة والحكمة في مواجهة المواقف، ولا تنسي أن مشاعرنا وأحاسيسنا تتسلل للظهور بشكل أو بآخر إن لم يكن اليوم فغداً، وكذلك الحال بالنسبة لأبنائنا .
سلوى خالد الخليفة-اسلام ويب

Post: #413
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:38 AM
Parent: #384

هناك صفات أساسية ، كلما اقترب منها المربي كانت له عَوْناً في العملية التربوية، والكمال البشري هو للرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ ولكن الإنسان يسعى بكل جهده وبقدر المستطاع ، للتوصل إلى الأخلاق الطيبة والصفات الحميدة ؛ ...
وإليك أهم الصفات التي يسعى إليها المربي ـ وفقني الله وإياك إليها ـ:
1- الحلم والأناة:أخرج مسلم عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال: "قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأشج عبد القيس: إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة".
وهذه قصة لطيفة، تبين أهمية الحلم والأناة في بناء أخلاق الجيل الجديد: قال عبد الله بن طاهر: كنت عن المأمون يوماً ، فنادى بالخادم: يا غلام فلم يجبه أحد؛ ثم نادى ثانياً وصاح: يا غلام ! فدخل غلام تركي وهو يقول: أما ينبغي للغلام أن يأكل ويشرب؟ كلما خرجنا من عندك تصيح يا غلام يا غلام ! إلى كم يا غلام ؟ فنكس المأمون رأسه طويلاً ، فما شككت في أن يأمرني بضرب عنقه ؛ ثم نظر إلي فقال: يا عبد الله ! إن الرجل إذا حسَّن أخلاقه ساءت أخلاق خدمة ؛ وأنا لا نستطيع أن نسئ أخلاقنا ، لنحسَّن أخلاق خدمنا.
2- الرفق والبعد عن العنف: أخرج مسلم عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه".
وعنها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "أن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" متفق عليه.
وعنها أيضاً أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنزع من شيء إلا شانه" رواه مسلم.
وأخرج مسلم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله". وروى احمد عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة! ارفقي فان الله إذا أراد بأهل بيت خيرا دلهم على الرفق". وفي رواية "إذ أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق".
عن أبي هريرة. رضي الله عنه قال: كنا نصلي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ العشاء، فكان يصلي، فإذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، وإذا رفع رأسه أخذهما فوضعهما وضعاً رفيقاً، فإذا عاد عادا، فلما صلى جعل واحداً هاهنا وواحداً هاهنا، فجئته، فقلت يا رسول الله: ألا أذهب بهما إلى أمهما؟ قال: لا، فبرقت برقة فقال: الحقا بأمكما، فما زالا يمشيان في ضوئها حتى دخلا".
رواه الحاكم في مستدر 3/167 وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وقال الذهبي صحيح.
وإليك. عزيزي القارئ هذه القصة البديعة في موعظتها، لنرى تعامل السلف الصالح: روى أن غلاماً لزين العابدين كان يصب له الماء بإبريق مصنوع من خزف، فوقع الإبريق على رجل زين العابدين فانكسر، وجرحت رجله؛ فقال الغلام على الفور: يا سيدي يقول الله تعالى "والكاظمين الغيظ"، فقال زين العابدين: لقد كظمت غيظي؛ ويقول "والعافين عن الناس"، فقال: لقد عفوت عنك؛ ويقول: "والله يحب المحسنين" فقال زين العابدين: أنت حرّ لوجه الله.
3- القلب الرحيم : عن أبي سليمان مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ قال: أتينا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ونحن شبَبَهُ متقاربون، فأقمنا عنده عشرين ليلية) وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيماً رفيقاً، فظن أنا قد اشتقنا أهلنا؛ فسألنا عمن تركنا من أهلنا، فأخبرناه، فقال: أرجعوا إلى أهلكم، فأقيموا فيهم ، وعلموهم وبروهم ، وَصَلّوا كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا؛ فإذا حضرت الصلاة فليؤذن فيكم أحدكم وليؤكم أكبركم. متفق عليه.
وروى البزار عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: "إن لكل شجرة ثمرة، وثمرة القلب الولد، إن الله لا يرحم من لا يرحم ولده ؛ والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم. قلنا يا رسول الله! كلنا يرحم ، قال: ليس رحمته أن يرحم أحدكم صاحبه، وإنما الرحمة أن يرحم الناس".
4- أخذ أيسر الأمرين ما لم يكن إثما: عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: "ما خُيّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثما، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه؛ وما انتقم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لنفسه من شيء قط إلا أن تنتهك حرمة الله؛ فينتقم لله تعالى" متفق عليه.
5- الليونة والمرونة: وهنا يجدر بنا فهم الليونة بمعناها الواسع، وهي: قدرة فهم الآخرين بشكل متكامل لا بمنظار ضيق؛ وليس معناها الضعف والهوان، وإنما التيسير الذي أباحه الشرع.
فعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ألا أخبركم بمن يحرم على النار أو بمن تحرم عليه النار؟ تحرم على كل قريب هينّ لينّ سهل. رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.
6- الابتعاد عن الغضب: إنّ الغضب والعصبية الجنونية من الصفات السلبية في العملية التربوية ؛ بل كذلك من الناحية الاجتماعية، فإذا ملك الإنسان غضبه، وكظم غيظه، كان ذلك فلاحا له ولاولاده؛ والعكس بالعكس. وقد حذر منه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل الذي سأله وصية خاصة له، فكان جوابه في الثلاث المرات: "لا تغضب" كذلك اعتبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ الشجاعة هي القدرة على عدم الغضب؛ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب. متفق عليه.
7- الاعتدال والتوسط: إن التطرف صفة ذميمة في كل الأمور؛ لهذا نجد أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب الاعتدال في أمور الدين، فما بالك في باقي الأمور الحياتية الأخرى، والتي أهمها العملية التربوية؟
فعن أبي مسعود عقبة بن عمرو البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: جاء رجل إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: إني لأتأخر عن صلاة الصبح من أجل فلان مما يطيل بنا، فما رأيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ غضب في موعظة قط أشدّ مما غضب يومئذ، فقال: "يا أيها الناس إن منكم مُنفرين، فأيكم أمّ الناس فليوجز، فإن من ورائه الكبير والصغير وذا الحاجة". متفق عليه.
8- التخول بالموعظة الحسنة: إن كثرة الكلام في كثير من الأحيان لا تؤتي أكلها ؛ في حين نجد أن التخول بالموعظة الحسنة تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها؛ لذلك نصح الإمام أبو حنيفة ـ رضي الله عنه ـ تلاميذه بقوله: "لا تحدث فقهك من لا يشتهيه". كما أن الصحابة أدركوا هذا من فعل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ"فعن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كان ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ يذكرنا في كل خميس مرة؛ فقال له رجل: يا أبا عبد الرحمن! لوددت أنك ذكرتنا كلّ يوم. فقال: أما أنه يمنعني من ذلك أني أكره أن أملّكم وإني أتخولكم بالموعظة كما كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتخولنا "أي يتعهدنا" بها مخافة السامة علينا". متفق عليه.
المصدر : منهج التربية النبوية للطفل

Post: #414
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 00:40 AM
Parent: #384

كوابيس، أحلام مزعجة، قيء شديد، إضراب عن الكلام، تلك بعض الأعراض التي تنتاب الطفلة (س) مع أنها لم تتعد السابعة من عمرها بعد، عندما جاءت بها أسرتها إلى عيادة العلاج السلوكي النفسي التي أتولى الأشراف عليها.
قصة الطفلة (س) تتلخص في أن أباها قد أعتاد التفنن في ضربها بوساطة أداة خصصها لذلك، أما السبب في دأبه على ضرب طفلته المسكينة بهذا الشكل فهو -وللعجب- اعتقاده أن ذلك من شأنه أن يجعله مهاباً بين أبنائه!
في مقابل ذلك تقف الأم محاولة الذود عن أبنائها وحمايتهم من شراسة أبيهم وإحاطتهم بالحب والحنان، إلا أن ذلك لم يمنع الطفلة (س) من الإصابة بالاضطرابات النفسية المتعاقبة الناجمة عن شعورها المستمر بالخوف من التعرض لضربات الأب الموجعة.
هذه باختصار، مجرد حالة من بين عشرات الحالات المزمنة لأطفال يترددون باستمرار على عيادات العلاج النفسي والسلوكي، أما الشيء الذي قد لا يعيه الأبوان أو أحدهما جيداً فهو أن مشكلات الأبناء النفسية غالباً ما يكون سببها عدم وجود البيئة الأسرية الصحية التي تساعد في نشوء الأبناء على النحو السليم.
وبالرغم من أن العلاج النفسي والسلوكي يمكن أن يلعب دوراً أساسياً في علاج الاضطرابات النفسية والسلوكية عند الأطفال والكبار أيضاً، إلا أنه من الثابت أن الأسرة يقع عليها العبء الأكبر في علاج مثل هذه الحالات، وقبل ذلك وبعده، فإن الجو الأسري الصحي يحول دون تعرض الأطفال للإصابة بأي من الأمراض النفسية التي انتشرت بين أطفال هذا العصر.
لعلي أذكر هنا قصة الطفل(ع) ذي السبع سنوات الذي اضطرت أمه إلى إحضاره إلى العيادة النفسية بعد أن أعيتهم الحيل نتيجة العدوانية الشديدة التي كان يتصف بها سلوك (ع) ونشاطه الزائد عن الحد، وصراخه المستمر إلى الدرجة التي أخبرتني بها والدته من أنها لم يعد بمقدورها تحمل هذه التصرفات، ولقد تبين لي وبعد جلسات متعددة مع (ع) أنه يتمتع بذكاء شديد، إلا أن ذلك لا يظهر في مستوى تحصيله المدرسي، كما أنه اعتاد الكذب والخوف الدائم ويكره الجميع، وبعد مناقشات مطولة مع أفراد أسرته خرجنا بنتيجة مؤداها أن (ع) يتعرض للضرب من بعض إخوانه، فكان لابد أن تبدأ الخطوة الأولى من علاجه بتوقف إخوانه عن هذا السلوك تجاه أخيهم.
لا للنقد المباشر
إن كل ذلك بلا شك يجعلنا نصل إلى نتيجة مؤداها أنه لكي تقي الأطفال التعرض لهذه الاضطرابات، فلا بد أن تكون العلاقة بين الأبوين-في الأساس- قائمة على دعامتين اثنتين:
أولاهما: أن العلاقة الزوجية لا بد أن تقوم على مبدأ المشاركة بين الزوجين في كل شيء، بداية من إصدار القرارات المتعلقة بحاضر الأسرة ومستقبلها، مروراً بتحديد الأهداف، وانتهاء بتحمل الأعباء، سواء فيما يتعلق بالبيت أو الأبناء.
غير أن الوصول إلى هذا المستوى من العلاقة الزوجية الصحية يتطلب أن يتحلى الجميع بالهدوء- الذي لا يسبق العاصفة بالطبع! ووضوح الرؤية لدى الطرفين، والتخطيط للمستقبل بالنسبة للأشياء المتوقعة، بحيث لا ننتظر وقوع المشكلة ثم نبحث عن حل لها، فلا يعقل مثلاً أن ينتظر الأبوان حتى يبلغ أحد أبنائهما سن المراهقة ثم يبدأ بالتفكير في حل المشكلات التي تتزامن مع تلك المرحلة، ويمكن أن نقيس على ذلك بقية الأمور الأخرى.
ثانيتهما: حرص كل من الزوجين على عدم تقديم النقد المباشر للطرف الآخر، فنحن دائماً نحذر من ذلك، لأن هذا السلوك من شأنه أن يحفز أحد الطرفين على إبراز أسلحة الدفاع ضد هجوم الطرف الآخر، وهذا لن يؤدي بكل تأكيد إلى حل أي مشكلة، ومن هنا فإننا ننصح كلاً من الزوجين بألا يبدأ مباشرة بالنقد، وبدلاً من ذلك يتم طرح المشكلة محل الخلاف، يقول أحد الزوجين مثلاُ إن رأيي ينحصر في كذا وكذا، ويحبذ أن يركز على الجزء المتعلق به حيال المشكلة، وستكون النتيجة الحتمية لذلك هي تسهيل مهمة الطرف الأخر في الاعتراف بمسؤوليته والاستعداد للمشاركة في الحل، وتقديم الاقتراحات التي تؤدي إلى ذلك.
من خلال التجارب العملية نستطيع أن نؤكد أيضاً أن ما يزيد على التسعين بالمائة من العوامل المؤدية إلى نجاح الحياة الزوجية يعتمد على الحوار بين الزوجين، ومن هنا فإننا نقترح على كل زوجين أن يخصصا ساعة في اليوم على الأقل للحوار فيما بينهما، لا نقصد بذلك طبعا الحديث حول المشكلات فقط ، وإنما في بقية أوجه الحياة الأخرى ، فقد ثبت أن ذلك من أفضل
أساليب التفريغ الانفعالي وتخفيف هذه المعاناة.
الحوار مع الأبناء..أيضاً
قد يعتقد قارئ هذا المقال أننا بعدنا بعض الشيء عن موضوعنا الرئيس ، وهو النشأة النفسية السليمة للأبناء، ولكن الحقيقة غير ذلك، فما أردت قوله هو أن الوصول إلى هذه النتيجة، لا بد أن يسبقه جو أسري سليم وصحي ، فذلك سوف ينعكس على الأبناء بلا ريب.
وإذا كنا قد اقترحنا تخصيص ساعة للحوار يومياً بين الزوجين، فلا أقل من تخصيص ساعة أخرى للحوار يومياً بين الأبوين من جهة والأبناء من جهة أخرى، على أن يكون الحوار بشكل مفتوح، ويتم خلاله الحديث مع الأطفال عما فعلوه خلال يومهم المدرسي أو الجامعي مثلاُ، ومعرفة ما يحبونه أو يكرهونه، والإجابة عن الأسئلة التي تعن في أذهانهم، مع الحرص على أن يظهر كلا الزوجين في صورة النموذج الطيب والقدوة الصالحة لأبنائه.
من المهم أيضاً أنه خلال الحوار المفتوح بين الآباء وأبنائهم أن يوضحوا لهم أن الإنسان يتعرض في مسيرة حياته إلى العديد من المشكلات والعقبات لكي لا يتعرض الابن لصدمات عندما يبدأ في التعامل مع العالم المحيط به، وهذا يقودنا إلى الحديث عن ضرورة توافر عنصر المصارحة في الحوار بين الآباء والأبناء، شريطة أن يكون ذلك في إطار النقد البناء والبعد عن التجريح وتحفيز روح العدوانية.
والمصارحة تعني في الوقت نفسه مناقشة الابن بخصوص ما قد يرتكبه من أخطاء، ومعرفة العوامل التي دفعته لعمل المشكلة، وهل فعلها عن وعي أم جهل، بحيث يكون العقاب هو الأسلوب الأخير الذي يلجأ إليه الأبوان في التعامل مع مثل هذه المشكلات، وإذا اضطرا إلى ذلك فيجب أن يتم برضاء الابن وتفهمه، فغير ذلك قد يؤدي إلى اعتقاد الابن أن أبويه يكرهانه، وأن هذا الكره ينعكس في أساليب عقابهما له.
يرتبط بذلك أيضا عنصر الثبات من جانب الأبوين في التعامل مع الأبناء، بمعنى عدم تغيير أساليب التعامل بين الفينة والأخرى، بهدف عدم فقدان مصداقية الآباء أمام أبنائهم، مع الحرص أن يتم ذلك على الوجه السليم، وأن يتفهم الأبناء السبب في هذه التصرفات من خلال المناقشة والحوار بهدف الوصول إلى الإقناع ، ليس شرطاً بالطبع اقتناع الأبناء بتصرفات آبائهم فقط، وإنما من الممكن أن يحدث العكس ويقنع الابن أبويه بوجهة نظره.
ناديا التميمي-اسلام ويب

Post: #415
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:07 AM
Parent: #384

امتازت شريعة الإسلام بأنها تحقق العدل وتراعي مصالح الناس، والأطفال وجيل الغد وامتداد الأمة في المستقبل، ولذلك دعت إلى إحسان تربيتهم، ووجهت إلى جميع السبل الكفيلة بذلك .
الأصل في الشريعة الإسلامية أن يؤدب الأطفال برفق ويستعمل معهم أسلوب الموعظة واللين، فإذا لم ينجح هذا الأسلوب كان من الجائز عند ذلك أن يستعمل العقاب بالتوبيخ والزجر والضرب غير المبرح.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع" (رواه أحمد والحاكم عن ابن عمرو وصححه الألباني ).
وليس السماح بضرب الولد مقصوراً على الصلاة، بل هو مشروع في عموم الأوامر والآداب والأخلاق كالصيام والصدق وطاعة الوالدين ونحوه، ويدل على ذلك ما ورد في وصية النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي الجيل معاذ بن جبل رضي الله عنه وفي آخرها قوله له " وأنفق على عيالك من طولك، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً، وأخفهم في الله" رواه أحمد وقواه الألباني في "الصحيحة" وهذا هو ما فهمه السلف الصالح وطبقوه مع أولادهم ، فهذا عمر بن الخطاب يضرب ابنا له تكنى بأبي عيسى "رواه أحمد وقواه الألباني في "الصحيحة" وذلك حرصاً منه على نقاء عقيدة التوحيد في تنزيه الله تعالى عن الوالد والولد.
إلا أن اللجوء إلى الضرب لا يكون إلا عند عدم الانتفاع بالموعظة والقدوة الحسنة والتوجيه المستمر، يكون ذلك من باب الضرورة واختيار أخف الضررين، لان الأصل أن التعامل مع الأطفال بالذات أن يكون على سبيل الرحمة والشفقة والمحبة.
ويضيف الدكتور خالد القريشي-عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - أن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم الرحمة بالأطفال ومعاملتهم معاملة حسنة، ولا أدل على ذلك من الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه، وهو أن الأقرع بن حابس أبصر النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الحسن فقال:" إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحداً منهم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: من لا يرحم لا يُرحم، وروت عائشة رضي الله عنها قالت: قدم ناس من الأعراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أتقبلون صبيانكم فقالوا: نعم، فقالوا لكنا والله ما نقبل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:" وما أملك إن كان الله نزع منكم الرحمة" رواه مسلم، وإذا كان هذا هو هدي الإسلام في المعاملة مع الأطفال، لكن هناك مواقف تستدعي أن يستخدم الوالد الشدة والقسوة في التعامل مع الأولاد، وقد وردت النصوص بذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كأمره بضرب الأطفال على تركهم الصلاة وهم أبناء عشر سنين، وغيره.
ومن تتبع النصوص الشرعية يمكن لنا أن نضع بعض القواعد في استخدام الشدة مع الأطفال كالتالي:
القاعدة الأولى: أن يكون الضرب بعد استخدام الأساليب التربوية الأخرى كالتوجيه بالكلمة الحسنة والنصح.
القاعدة الثانية: أن يكون ابتداء الضرب من سن العاشرة.
القاعدة الثالثة: أن تكون عقوبة الضرب موافقة للجرم، فلا يزاد عليها
القاعدة الرابعة: ألا يكون الضرب مؤذياً للطفل.
القاعدة الخامسة: اختيار مكان العقوبة المناسب، فلا يكون أمام الناس أو أحد من أقربائه ونحو ذلك.
القاعدة السادسة: ألا يضرب وهو في حالة الغضب حتى يدرك ما يفعل، هذا وينبغي ويستشعر أن الضرب عند الحاجة إليه إنما هو ضرب تهذيب وتأديب لا ضرب انتقام وتعذيب.
اسلام ويب

Post: #416
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:09 AM
Parent: #384

وأنا أمسك بالريموت كنترول أقلب محطات القنوات الفضائية توقفت عند برنامج خصص إحدى حلقاته لمناقشة مشكلة "عزوف الشباب عن الزواج".. جذبني الموضوع فسمعت جداً قليلاً وغثاً كثيراً، فأحد الضيوف -وصفوه بأنه فيلسوف- مضى يمجد في العزوبة؛ فالأعزب عبقري، مبدع، مفيد للبشرية، والمتزوج إنسان نمطي، ذليل، منقاد لعادات مجتمعه، ليس في قدرته أن يضيف شيئا لحركة الحياة، وبناء على هذه الرؤية العجيبة التي لا تستند إلى دليل يرى "الفيلسوف" أن شباب اليوم عازفون لأنهم أكثر نضجا وإبداعا وعبقرية.
ورغم يقيني أن عنوان الحلقة كان خاطئا منذ البداية، لأن الشباب في حقيقة الأمر ليسوا "عازفين" عن الزواج بقدر ما هم "عاجزون" عنه، إلا أنني أريد أن أثبت هنا أن بعضا من الدراسات الاجتماعية كشفت بالفعل عن قدر من "الرهبة" يشعر بها الشباب نحو الزواج، وهذه الرهبة تعد الدرجة الأولى في سلم العزوف إن لم نقطع عليها الطريق.
أضرب مثلا هنا بدراسة أجرتها وزارة الصحة في سلطنة عمان خلال العام الماضي (2001) تحت عنوان "نحو فهم أفضل للشباب"، فماذا قالت هذه الدراسة؟؟.. قالت إن 45% من الشباب في عمر المراهقة يعانون من أوضاع نفسية صعبة، وعادة ما يكونون أسرى لحالات من الحزن والقلق والكآبة والإحباط، وترتفع هذه النسبة لدى الإناث، وبلغت نسبة التخوف من بناء الأسرة وتحمل مسئولياتها 54%، كما بلغت نسبة التخوف من الجنس الآخر 48% خصوصا عند الفتيات (!!).
والواقع أن الصورة التي رسمتها هذه الدراسة للشاب المراهق العربي هي الوحدة وقلة المعرفة، فهو منكفئ على نفسه بهمومها وأشواقها، وأفراحها وأحزانها، خائف من الآخرين الذين يجهل كل شيء عنهم، فيما تخلى الكبار عن مسئوليتهم التاريخية في تعريفه بنفسه وبالعالم والبشر من حوله، وأعتقد أن حالة التخوف من بناء الأسرة، ومن الجنس الآخر ليست إلا مظهرا من مظاهر هذا الخوف العام من الآخر والانكفاء على الذات.
هذه النتيجة تؤكدها بقية المعلومات التي قدمتها الدراسة، فعلى الرغم من أن ما يزيد على 90% من الشباب الذين تناولتهم الدراسة يزيد عمرهم على 15 عاما، إلا أن هؤلاء الشباب في هذا العمر فشلوا في التعرف على أجسامهم، فنصفهم فقط استطاع التعرف على التحولات الفسيولوجية التي تصاحب مرحلة البلوغ، وأقل من ثلثهم تعرف على بعض مظاهر البلوغ لدى الجنس الآخر، وعندما سألتهم الدراسة عن مصدر معلوماتهم في هذا المجال، كانت المفاجأة أن 48.9% منهم يستقون معلوماتهم من الأصدقاء، وتأتي الكتب والمجلات في المرتبة الثانية، في حين يعتبر الأبوان المصدر الأخير للثقافة الجنسية لدى الشباب.
إن أول حاجز يفصل بين الشباب وبين الزواج هو ذلك الجهل المطبق بملامح الرجولة والأنوثة وواجباتهما، وقد درج الآباء والأمهات جيلا بعد جيل على ضرب سور من الكتمان حول الثقافة الجنسية، فليس مسموحا للابن أن يسأل أو يسمع أو يتطلع إلى فهم ما يدور بجسده من تحولات، وإلا فإن العقاب، ونظرات الاستهجان والإبعاد ستكون نصيبه داخل أسرته.. وربما كان لهذا النمط من التعامل مبرراته المنطقية وآثاره الوجيهة على شيوع حالة من النظافة والطهارة والعفة في المجتمع لفترة طويلة من الزمان، ولكننا في عصرنا الحاضر لا ينبغي أن نغفل أننا أمام متغيرات ما عادت تسمح لنا بالثبات عند سياسات تربوية تجاوزها الزمن، فالشاب الذي تغلق أمامه الأبواب والنوافذ في المنزل، وتغلق دونه آذان وأفواه أبويه، يجد اليوم عشرات البدائل التي توفر له ثقافة بديلة ستضمن له حسب ظني أسباب الانحراف، لأنها ستأتي متلبسة بملامح ثقافة غربية أهدرت قيمة الزواج، واستبدلت الصديقة بالزوجة، والطفل المتبنى بأطفال الدم، وعلاقة المودة والرحمة بالعلاقات التي لا تعرف إلا لون الدولار.
وإذا كنا نتحدث عن العزوف، فإنني أعود للتأكيد هنا أن القضية في الأساس ليست قضية عزوف، بقدر ما هي قضية عجز عن الزواج في ظل الترويج لثقافة استهلاكية جعلت من العروس سلعة، ومن إقامة الأسرة مشروعا اقتصاديا.
في ظل هذه الثقافة ارتفعت معدلات المهور إلى أرقام فلكية، وتزايدت الشروط حول مواصفات الشقة والأثاث والرقم الذي سيدون كمؤخر للصداق لأن هذا كله محل تفاخر ومباهاة اجتماعية، ولهذا فقد صار على زوج المستقبل أن يعمل حتى يبلغ سن الأربعين ليستطيع توفير الشقة، وأن يتورط في ديون ربما يورثها لأولاده ليوفر بقية المطالب.
ومع ارتفاع المطالب ارتفع سن زواج الرجل، وارتفع بالتالي سن الزواج للفتاة حتى أصبح طبيعيا اليوم أن تتزوج الفتيات فوق سن الثلاثين، في حين كانت العنوسة تبدأ من عمر الخامسة والعشرين وربما قبل ذلك منذ عدة سنوات.
أخطر ما في الأمر أن الارتفاع المستمر في سن الزواج المرتبط بالعجز عن الزواج يتواكب مع انخفاض مستمر في سن ممارسة الجنس في ظل انفتاح الأبواب أمام ثقافة جنسية سرية غير مرشدة ونابعة من جذور ثقافية لا يقبلها مجتمعنا.
إن قيام الأبوين بواجبهما في توفير هذه الثقافة الجنسية المضبوطة بضوابط الشرع، مع العودة إلى البساطة واليسر في إجراءات الزواج وشروطه شرطان رئيسان ليقدم الشباب على الزواج، سواء سمينا موقفهم الآن عزوفا أو عجزا.
بقلم زينب بكر-اسلام ويب

Post: #417
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:12 AM
Parent: #384

إذا سألك أحد بلا سابق ترتيب: من قدوتك؟ كيف سيكون رد فعلك؟
هل ستجيب بصدق لأنك تعرف قدوتك جيدا.
هل ستفكر في الإجابة المرضية الأقرب إلى الصواب حتى لو لم تكن حقيقية؟
هل ستعتبر السؤال غير ذي أهمية ولا تفكر في إجابته من الأساس؟
هل ستكون صريحا .. وتقولها بلا مواربة: ليست لي قدوة؟
أيا كانت إجابتك عزيزي الشاب .. وعزيزتي الشابة، فنحن نوجه السؤال، ونتمنى ألا يحار أحد منكم وهو يختار قدوته بشرط أن يحسن الاختيار.
رغم كل الظواهر السلبية التي يعيشها الشباب من حوله في ظل الغزو الثقافي الغربي للمجتمعات الإسلامية والعربية، وفي ظل انبهار الشباب بما يقدمه الغرب من تقدم تكنولوجي، وتقنيات حديثة في جميع المجالات، وفي ظل العصر الذي أصبحت الماديات هي التي تتحكم في مجريات الأمور، وفي ظل هذا كله نتساءل:
هذا الشباب انجرف وراء بريق الحضارة الغربية، وما تحمله من تقدم علمي؟
هل أصبح صناع الحضارة الغربية هم قدوته ؟ أم لا زال متمسكا بعقيدته الإسلامية وبحضارته العربية ؟؟
الرسـول قـدوتنا
تقول غادة محمد - كلية الآداب - أن قدوتها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولا أحد غيره وتقول أن الشباب الآن أصبح أكثر وعيا من ذي قبل والفضل يعود إلى الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي.
وتتفق معها أختها فاطمة الزهراء محمد ثانوية عامة، وتقول: إن قدوتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ويقول رضوان مصطفى فتحي - كلية الحقوق جامعة عين شمس - أن المسلمين يجب أن يتخذوا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الكرام قدوة ، بذلك يكسب الدنيا والآخرة.
ويؤكد أحمد شاكر - كلية التربية جامعة عين شمس - أن السواد الأعظم من الشباب الآن يتخذ من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته قدوة.
تقول شيماء حسن ثانوية عامة: أنا ليس لي قدوة، ولم أنظر إلى أحد كمثل أعلى ولم أفكر أن أتخذ أحدا قدوة.
وتتفق معها رانيا صالح وتقول أنا ليس لي قدوة.
فيجو قدوتي
ويقول محمد متولي - دبلوم ثانوي صناعي - أنا قدوتي لويس فيجو لاعب البرتغال وريال مدريد الأسباني ؛ لأنه لاعب ذو مهارة عإلية، وأنا أحبه كثيرا.
وتتفق مريم كمال - ثانوية عامة - مع الرأي السابق بأنه يجب أن يكون لكل إنسان قدوة يسير على دربه ويتخذه مثل أعلى ، وقدوتي سيدناعلى كرم الله وجهه لأنه أسلم صغيرا واستطاع رغم صغر سنه أن يميز بين الحق والباطل.
وتقول سحر حامد - كلية الآداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس - قدوتي طه حسين؛ لأنه تحدى إعاقته، ولم تعرقله إعاقته عن تحقيق ما يريد، بل كانت حافزا له على التفوق حتى حصل على أعلى المناصب لذلك أنا أعتبره قدوة.
وتعتبر بسمة صلاح - ثانوية عامة - أن السادات قدوتها؛ لأنه قاد مصر في حرب التحرير حرب أكتوبر المجيد 73.
أمـي قدوتي
الأم هي الأساس هكذا قال أحمد محمود محمد - كلية التجارة جامعة قناة السويس - عندما سألته عن قدوته فقال: إن الأم هي الأساس ؛ لأن أي إنسان عندما يكبر يجد أمامه أمه رمزا للحنان والعطف، ويكفي أن الجنة تحت أقدامها فكيف لا أتخذ من أمي قدوة لي.
وتتفق معه جيرا - كلية الآداب قسم حضارة جامعة عين شمس - وتقول قدوتي هي أمي لأنها مثالية.
زويل قدوتي
هكذا قالت آيات سيد عندما سألتها عن قدوتها فقالت: قدوتي أحمد زويل، وذلك لأنه عالم، وشرف مصر، ويكفي أنه حصل على جائزة نوبل.
ويتفق معها وائل مرعي عبد الله - كلية العلوم جامعة الزقازيق - ويقول: أنا أنظر إلى أحمد زويل كقدوة، وأريد أن أصبح مثله.
نجوم الفن والكرة
تقول د. حنان محمد حسن أستاذة علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عين شمس - لا نستطيع أن نجزم أن هناك غيابا للقدوة بين الشباب، فهذه العمومية لا تلغي وجود استثناءات، بمعنى إننا مع التقدم التكنولوجي وعصر السماوات المفتوحة، فهناك قدوة نحتذي بها، والقدوة لديها من السمات الإيجابية ما جعلها مصدرا للإعجاب والارتباط بها، ولكن بصفة عامة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية ظهرت قيم واختفت قيم أخرى كنا في أشد الحاجة إليها.
فنجد قيما مثل حب العلم والتمسك بالتقاليد والعمل المنتج قد اختفت من حياتنا، وهناك أشياء حلت محلها مثل الاستسهال وتقديس المال، وبناء على هذه المعايير أصبح الشباب يتخذ من نجوم الفن والكرة والغناء قدوة له، ونسي هذا الشباب القدوة الحقيقية الموجودة في الصحابة والمفكرين وأساتذة الجامعة وغيرهم من القدوة الحسنة.
انظــر لمـن يستحـق
أما د. عبد المنعم نجم - وكيل كلية أصول الدين جامعة الأزهر - فيقول: ليس هناك غيابا للقدوة بين الشباب، ولكن الشباب يجب أن يعرف أنه غني بتراثه وبما له من ذخيرة في دينه، ولكن يحتاج بين الحين والآخر إلى التذكير والتنبيه على ماله وما عليه، ويحتاج إلى التذكير بالله ، و سنة رسوله ، لكي ينكشف له الضوء الإنساني السليم ليمشي فيه، وليبتعد عن الانحراف والميل ويظل مشدودا إلى نداء ربه ونداء رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) فلا يميل ولا ينخدع لدعايات الغرب ويتحصن بدينه الحنيف.
فلا ينظر إلى الغربيين كقدوة له، أو ينظر إلى أناس لا يستحقون أن يكونوا قدوته، وليعلم بأن عنده ما فيه الكفاية "ولكم في رسول الله أسوة حسنة".
ولكم أيضا صحابته الكرام؛ لأنهم تربوا في بيت النبوة وكان معلمهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ولكم أيضا في علماء المسلمين الذين قادوا الإنسانية لفترات طويلة إلى طريق التقدم والازدهار، فلهم الفضل فيما وصل إليه الغرب من تقدم وازدهار بالرغم من جحود الغرب لجهود علماء المسلمين.
اسلام ويب

Post: #418
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:13 AM
Parent: #384

تتفق النظم التربوية على أهمية الأسرة في تربية أبنائها وأفرادها، وعلى دورها الكبير في ذلك، وهي تعدها المؤسسة التربوية الأولى المؤثرة في تربية الطفل، وتكوين شخصيته المستقبلية، والتربية الإسلامية تتفق مع تلك النظم التربوية في ذلك، ولذا نجدها تولي اهتماماً كبيراً بتكوين الأسر وبنائها في المجتمع ، وحيث إن التربية الإسلامية تريد من الأسرة المسلمة أن تكون مؤسسة تربوية إسلامية، وليس مجرد مؤسسة تربوية لا تقيم أهمية لما سيكون عليه أبناؤها وأفرادها، جعلت التربية الإسلامية من وظائفها تربية أفراد المجتمع المسلم الكبار والمسؤولين عن تكوين الأسر على معرفة المبادئ والمعايير والأحكام التي ينبغي أن تراعى في تكوين الأسرة، لتكون أولاً أسرة مسلمة، ولتكون-بالتالي- مؤسسة تربوية إسلامية، صالحة لتربية الجيل المسلم من الأطفال والناشئين، وذلك بتعريف مؤسسي الأسرة المسلمة- الوالدين - بوظائفهما، وواجباتهما التربوية تجاه أولادهم، والناشئين تحت رعايتهم.
إن التربية الإسلامية لا تعد الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية إلا إذا روعي في بنائها
التوجيهات، والمبادئ والأحكام التي حددها الإسلام لذلك، والتي منها:
أولا- أن يكون الزوجان صاحبي دين وخلق :
بمعنى أن يكون الزوجان صاحبي فهم حقيقي للإسلام، وتطبيق سلوكي لكل فضائله السامية وآدابه الرفيعة، والتزام كامل بمناهج الشريعة ومبادئها، ولذا وجه القرآن الكريم، وأكدت السنة النبوية أن يكون الدينُ والخلق أساس اختيار الزوجين، قال عليه الصلاة والسلام (تُنكح المرأة لأربع لمالها، ولحسبها، ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك)أخرجه الشيخان وغيرهما.
ثانياً- أن يهتم الزوجان بالإنجاب:
يوجه الإسلام الأزواج إلى الاهتمام بالإنجاب لأسباب متعددة من أهمها أن تكون الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية تمد المجتمع المسلم بالأفراد المسلمين ، يقول عليه الصلاة والسلام (تزوجوا الولود الودود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) أخرجه أبو داود والنسائي.
ثالثاُ- أن يقيم الزوجان حدود الله في الأسرة :
بمعنى أن يكون سلوك كل منهما متعلقاً بتنفيذ أوامر الله وأحكامه، فيقوم بما أوجب الله عليه، ويبتعد عما نهى عنه، وأن يعين كل منهما صاحبه على تحقيق ذلك لتصبح الأسرة بيئة تربوية إسلامية، ومناخاً صالحاً لتربية الأولاد ورعايتهم على الوجه الذي يرضي الله ويهيئ للمجتمع أفراداً مسلمين بنائين منتجين صالحين.
رابعا- أن يكون الزوجان على معرفة بالتربية الإسلامية
أي بالنظام التربوي الذي جاء به الإسلام لتتم من خلاله عملية صياغة الإنسان المسلم الصالح التقي، فيكونا على دراية وعلم بمفهومها ومتطلباتها ومبادئها وأسسها، وقيمها واتجاهاتها وعلى معرفة ما توصّل إليه علماء التربية المسلمون لتوجيه الفطرة السليمة لدى الأطفال ورعايتها وصونها من الانحراف والزيغ ومعرفة الآراء والتوجيهات التربوية العالمية والحديثة المعينة على تحقيق التربية الإسلامية في الناشئين، مع اليقظة والحذر مما لا يتفق مع مصادرها، لأن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها.
إن توجيه التربية الإسلامية للكبار والمسؤولين عن بناء الأسر في المجتمع المسلم لما ينبغي مراعاته لتكون الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية هو الضمان الأول-بعد توفيق الله تعالى- لقيام الأسرة المسلمة بواجباتها وبوظائفها التربوية والتي من أهمها:
1 - المحافظة على جعل الأسرة مؤسسة تربوية إسلامية:
فالطفل مخلوق حساس، وقابل للتأثر والتشكيل من خلال المؤثرات التي تحيط به أو يتعرض إليها، ومن أولها البيئة الأسرية بجميع مكوناتها وعناصرها البشرية والمادية والمعنوية، لذا ينبغي أن تربط جميع تلك العوامل والمؤثرات التربوية في الأسرة بالتربية الإسلامية، وهذا يعني أن يرتبط بها كل من يشرف على شؤون الطفل من مربين ومعلمين وكل ما يقدم له من الأهازيج والأناشيد والقصص والحكايات، ومبادئ العقائد والعبادات والآداب والعادات، ما يؤثر فيه من مجلات وصحف وكتب، وصور ورسوم، وإذاعة وتلفاز وأفلام وغير ذلك.
إن فقدان إقامة حدود الله في الأسرة، وإعطاء الطفل لمربيات أو معلمات غير مسلمات أو غير ملتزمات بالإسلام وتعاليمه يجعل الطفل بعيدا عن التربية الإسلامية لتعرضه لاستماع مفاهيم عقدية ولقيم وقصص وحكايات أو لمشاهدة صور أو رسومات تتصل بثقافات أجنبية غير إسلامية، ولعل لمثل ذلك قال تعالى (ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن، ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم، ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم، أولئك يدعون إلى النار والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بأذنه، ويبين آياته للناس لعلهم يتذكرون) ونحن نرى اليوم أن الأسر التي لا تكون مناخاً للتربية الإسلامية تخرج أجيالاً أبعد ما تكون عن الإسلام، وبخاصة في المجتمعات المتداخلة عقدياً وأخلاقياُ.
2 - المحافظة على فطرة الطفل السوية
إن نجاح الأسرة المسلمة في وظيفتها الأولى يساعدها في نجاحها في وظيفتها الثانية" المحافظة على فطرة الطفل السوية" من الانحراف أو التشويه في أية مرحلة من مراحل نموه- مرحلة الولادة والرضاعة، أو مرحلة الحضانة والطفولة المبكرة، أو مرحلة الطفولة المتأخرة أو دخول المدرسة الابتدائية وهكذا، ويؤكد هذا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) فالأبوان بشخصيهما أو بمن يحضرانه لتربية المولود أو تعليمه ربما يهيئان من عوامل ومؤثرات في تربيته وإعداده هما المسؤولان عن صبغة المولود بصبغة الله والإسلام ، أو صبغته بالصبغة الجاهلية البعيدة عن الإسلام ومنهجه وتعاليمه، ومما يؤكد ذلك أيضا قول الإمام الغزالي:"اعلم أن الطريق في رياضة الصبيان من أهم الأمور وأوكدها، والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفسية ساذجة ، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل نقش، ومائل إلى كل مايمال به إليه، فإن تعود الخير وتعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه، وكلُّ معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلك. وكان الوزر في رقبة القيم والوالي له".
فما أحوجنا جميعاً نحن المسلمين أن نتعرف على دور الأسرة في التربية الإسلامية، وأن نعمل على بناء أسرنا المسلمة في ضوء المبادئ والتوجيهات التي يدعو إليها الإسلام فيكون الزوجان صاحبي دين وخلق، ومهتمين بالإنجاب ومقيمين لحدود الله في الأسرة وعلى معرفة بالتربية الإسلامية لتتمكن من القيام بوظائفها التربوية والتي من أهمها: جعل الأسرة مؤسسة، تربوية إسلامية، والمحافظة على فطرة الطفل السوية في جميع مراحل نموه
اسلام ويب

Post: #419
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:16 AM
Parent: #384

بعد أن انتهت مراسم حفل الزفاف الذي كان متميزاً في كل شيء: متميزاً في بساطته وبعده عن التكلف والإسراف، وفي خلوه مــــن مـنـكــرات الأفراح، اختلى العروسان في غرفتهما الخاصة، وما هي سوى لحظات حتى مد الشاب يده ووضعها على رأس عروسه، ثم دعى بالدعاء المأثور: (اللهم إني أسألك من خيرها وخـيـــر ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه) ، ثم توضأ وصلى بها ركعتين، وبعدها رفعا أيديهما بالابتهال إلى الله تعالى أن يوفقهما في حياتهما الجديدة، وأن يحـفــظ بيتهما الصغير من كل شر، وأن يجمع بينهما في خير.

بعـدها جلسا يحددان الأسس التي سوف يقوم عليها بناء حياتهما الزوجية، والمعالم التي سوف يستضيء بها زورقهما الصغير وهو يسلك طريقه عبر الأمواج إلى بر الأمان. فكان مما اتفقا عليه:
أولاً: سـلامة النية:
فالنية هي أساس الأمر ولبه، وهي التي تتفاضل بها الأعـمـــــــال، وبصلاحها يتحول العمل من عادة إلى عبادة، يأجر الله عباده عليها. فاتفقا على أن يعقدا قـلـبـيـهـمــا على نية صالحة في زواجهما؛ بأن ينطلقا في حياتهما الزوجيه من المنطلقات التالية:
- الاستجابة لأمر النبي-صلى الله عـلـيه وسلم- لـشـبـاب أمـتـه بالمبادرة إلى الزواج في مثل قوله: (يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنــــــه أغض للبصر وأحصن للفرج..).
- احتـسـاب إحصان الفرج وغض البصر وإعفاف النفس، وبهذه النية يحصل الزوجان على عهد من الله تعالى بالعون والتوفيق، قال: (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في ســبـيـل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف) ، ومن أوفى بعهده من الله!.
- احتساب أجر إقامة البيت المسلم وفق منهج الله تعالى.
- احتساب إنجاب الذرية الصالحة التي توحد الله؛ وتكثّر سواد الأمة التي يباهي بها النبي-صلى الله عليه وسلم- الأمم يوم القيامة، واحتساب تربيتهم التربية الإسلامية؛ لعل الله أن يخرج منهم من يحمل همّ هذا الدين، ويقوده إلى النصر والتمكين، أو لعل الله يوفق بعضهم ليكونوا علماءً أفذاذاً أو مجاهدين أبطالاً.
- احتساب أجر النفقة على الزوجة والعيال، قال: (إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة) .
- فإذا عقد الزوجان قلبيهما على هذه النية: صارت كل لحظة من حياتهما الزوجية عبادة يؤجران عليها، فيا لها من أجور عظيمة.

ثانياً: التعاون على الطاعة:
بأن يحض كل منهما الآخر على عمل الخير ويشجعه عليه، قال: (رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته فصلت، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل تصلي فأيقظت زوجها فصلى، فإن أبى نضحت في وجهه الماء) ، فإن لم يكن التشجيع على الطاعة فلا أقل من عدم الوقوف عقبة في سبيلها، فكم من زوجة وقفت في طريق زوجها للعبادة أو طلب العلم أو الجهاد أو الدعوة بكثرة طلباتها وعدم استعدادها للتضحية بشيء يسير من حقوقها، والعكس صحيح، قال الله تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ)) [المنافقون: 9] .

ثالثاً : إقامة البيت المسلم والأسرة المسلمة
و هذا وفق شرع الله وسنة نبيه-صلى الله عليه وسلم-، فلا يقْدِمان على خطوة إلا بعد أن يعلما حكم الله ورسوله فيها، فإن علماه لم يُقَدّما عليـه شيئاً أبداً: عرفاً، أو عادة، أو هوى، ويستعليان بعقيدتهما، ويقفان بصلابة أمام التيار المضاد، يضربان المثل والقدوة فيما ينبغي أن تكون عليه الأسرة المسلمة والبيت المسلم بقدر استطاعتهم، فياله حينذاك - من بيت مبارك تعبق أنحاؤه بآيات الذكر الحكيم، ويفوح من جنباته أريج سنة خير المرسلين.

رابعاً : بناء حياتهما على المحبة والرحمة والمودة والعشرة الحسنة
امتثالاً لأمر الله ورسوله، فالميثاق غليظ عقده الله (عز وجل) ورتب عليه الثواب والعقاب، ولا يمكن - في التصور الإسلامي - أن يكون بين الزوجين حقد أو بغضاء أو حسد، كيف وقد أفضى بعضهم إلى بعض، يقول سيد قطب (رحمه الله) في تفسير قوله تعالى: ((وَكَيْفَ تَاًخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقاً غَلِيظاً)) [النساء: 21]: (لا يقف لفـظ (أفضى) عند حدود الجسد وإفضاءاته، بل يشمل المشاعر والعواطف والوجدانات والتصورات والأسرار والهموم، يدع اللفظ يرسم عشرات الصور لتلك الحياة المشتركة آناء الليل وأطراف النهار، وعشرات الذكريات لتلك المؤسسة التي ضمتهما فترة من الزمان، وفي اختلاجة حب إفضاء، وفي نظرة ود إفضاء، وفي كل لمسة جسم إفضاء، وفي كل اشتراك في ألم أو أمل إفضاء...) .
والأحاديث الصحيحة تكاد لا تحصى في الحض على حسن العشرة بين الزوجين، كما أن السيرة العطرة مليئة بالنماذج العملية من حياة النبي-صلى الله عليه وسلم- على الحياة الزوجية الهانئة الجميلة في البيت النبوي الكريم.

خامساً : لا تمنع المحبة والعشرة بالمعروف بين الزوجين من أن يكونا حازمين مع بعضهما في التربية والتوجيه وخاصة من ناحية الزوج، فمحارم الله (عز وجل) لا مداهنة فيها، والتقصير في الأمور الشرعية لا يمكن السكوت عنه، فها هـو النبـي-صلى الله عليه وسلم- يدلل زوجاتـه أرق الدلال، فكان يدلل عائشة (رضي الله عنهـا) بقولـه: (يا عائـش)(7)، (يا حميراء)، وكانت تشرب من الإناء وهي حائض، فيأخذه النبي-صلى الله عليه وسلم- فيضع فاه على موضع فيها، وكان يقبّل نساءه وهو صائم ، ولكنه مع هذا كله لم يقم لغضبه شيء إذا انتهكت حرمات الله، قالت عائشة (رضي الله عنها): (حـشـــوت وسادة النبي-صلى الله عليه وسلم- فيها تماثيل كأنها نمرقة، فقام بين البابين وجـعـــــل يتغير وجهه، فقلت: ما لنا يا رسول الله؟ قال: ما بال هذه الوسادة؟ قالت: وسادة جعلـتها لك لتضطجع عليها، قال: أما علمت أن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه صورة...) .. وغير ذلك كثير.

سادساً: أن يكونا لبعضهما كما كان أبو الدرداء وأم الدرداء (رضي الله عنهما): كانت إذا غضب سكتت واسترضته، وإذا غضبت سكت واسترضاها، وكان هذا منهجاً انتهجاه مــن يوم زواجـهـمــــا، وياله من منهج حكيم، فكم من البيوت هدمت، وكم من الأسر انهارت بسبب غضب الزوجين معاً وعدم تحمل أحدهما للآخر.

سابعاً: الزوجان بشر: ومن طبيعة البشر الخطأ والنقص، فإن وقع الخطأ والتقصير من أحد الزوجين في حق الطرف الآخر - إذا كان من الأمور الدنيوية - فعلى الطرف الآخر الصفح والعفو، فلا ينسى حسنات دهر أمام زلة يوم، وعليهما أن يغضا الـطــــــرف عن الهفوات الصغيرة مع التنبيه بأسلوب لطيف ليس فيه جرح للكرامة أو إهانة، ولهــذا نهى النبي-صلى الله عليه وسلم- أن يطرق الرجل أهله ليلاً، وأن يتخونهم أو يلتمس عثراتهم ، وكان هذا أسلوب النبي-صلى الله عليه وسلم-، فـعـــن أم المــــؤمنين أم سلمة (رضي الله عنها): أنها أتت بطعام في صحفة لها إلى النبي-صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، فجاءت عائشة مئتزرة بكساء، ومعها فِهْر أي حجر، ففلقت به الصحفة، فجمع النبي-صلى الله عليه وسلم- بين فلقتي الصحفة وهو يقول: (كلوا، غارت أمكم) مرتـيـــن . فيا له من معلم حكيم صبر على هذا الخطأ العظيم من عائشة، وعالجه بالصفح والحلم والتماس العذر.

ثامناً: المشكلات والعيوب والنقائص تبقى بين الزوجين فلا يطلع عليها الأهل والأقارب، لأن هذه الحياة حياة سرية ولا بد أن تبقى بين الزوجين، فالغالب على هذه المشاكل أنها إذا خرجت عن نطاق الزوجين فإنها تتطور وتتعقد، إلا إن وجد الزوجان أن الحياة بينهما أضحت مستحيلة، فإن لهما أن يشركا بعض المقربين من ذوي الدين والعـقـل للمساعدة في حل هذه المشكلات.

تاسعاً: أن يوضح كل منهما للآخر من أول يوم أهدافه في الحياة على المدى البعيد والقريب والوسائل التي يستخدمها للوصول إلى هذه الأهداف، فيكون لهما أهداف مشتركة يتعاونان عليها، كما يكون لكل منهما أهداف خاصة به، ولا بأس من أن يـطـلـع زوجه عليها لكي يساعده عليها؛ ولا يقف حائلاً بينه وبين تحقيقها.

إذا وضع الزوجان المباركان هذه الأسس نصب أعينهما، وسـجــلاها في ورقة يكون مع كل واحد منهما نسخة منها، بحيث تكون ميثاقاً بينهما يراجعانه بين الحين والحين، واتفقا بألا تكون هذه الأسس والمعالم حبراً على ورق، بل تـتـحــول إلى واقع يحاولان تطبيقه قدر المستطاع، ويذكر أحدهما الآخر بأن الـمـسـألــة صـعـبـة تحتاج إلى مجاهدة وصبر وتربية، وتعاهدا على المحاولة الجادة لـتـنـفـيــذهـا.. فهذه معالم مباركات لكل زوجين وكل شاب وشابة مقبلان على الزواج، ينشدان السعادة الزوجية.. والله الموفق.
مجلة البيان بقلم : أيمن أسعد عبده

Post: #420
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:19 AM
Parent: #384

مرتب الزوجة نعمة في طيها ألف نقمة
يحلم كثير من شباب اليوم أن يتزوج امرأة عاملة، تتعاون معه على مجابهة مصاريف الحياة المتضخمة. لكن كثيرا من هذا الكثير، سرعان ما يكتشف أن مرتب الزوجة إنما هو نعمة في طيها ألف نقمة.
التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي مست المجتمع المغربي في الصميم، وأحدثت به تغييرات جذرية على مختلف المستويات، فتحت للمرأة أبواب الخروج إلى سوق الشغل، والانتساب إلى ذوي المرتبات الشهرية أو الأسبوعية. وبدا هذا الخروج، لأصحابه، نعمة تجود بمضاعفة دخل الأسرة لتحقيق حياة أفضل، حتى لا نقول أرغد.
لكن مساهمة المرأة في مصاريف بيت الزوجية، رغم ما وفرته من ارتفاع نسبي في المستوى المعيشي للأسر، فإنها في الوقت ذاته فجرت كثيرا من النزاعات الأسرية التي انتهى بعضها بالطلاق..
الرجال قوامون
لا خلاف هنا في أن الزوج مسؤول، ومكلف شرعا، بتغطية مصاريف الحياة الزوجية المتنوعة، سواء كفاه مرتبه لذلك أو لم يكفه. لكن الخلاف، كل الخلاف، إنما هو في مرتب الزوجة العاملة، فبعضهن يتشبثن باعتقادهن أن على الزوج أن يتحمل مسؤوليات الحياة الزوجية كاملة، فلا يطمع في مال زوجته. وهو واقع يرفضه الأزواج، خاصة ذوي الاحتياج، مما يتسبب في اشتعال نزاعات زوجية لا تنتهي، إلا بالطلاق.

المحاكم الشرعية التي تبذل قصارى جهود الصلح، تتصرف على أساس أن "للمرأة المسلمة ذمة مالية مستقلة، لا يعتريها النقص من قوامة الرجل"، وأن "الرجل هو المسؤول عن النفقة عليها وعلى أولادها". ذلك أن مدونة (قانون) الأحوال الشخصية، التي تنظم العلاقات الزوجية في المغرب، كررت في أكثر من موضع أن الزوج لا يملك أية ولاية على شخص زوجته، ولا بالأحرى على أموالها وذمتها المالية. فهي تقر للزوجة حقوقا مالية في مال زوجها، لم تقر مثلها للزوج في مال زوجته.

الباحث المغربي الدكتور عبد الرحمن العمراني يقترح حلولا لمعالجة نازلة مدى استحقاق المرأة الموظفة للنفقة، فيورد ثلاث حالات:
1- إذا تزوجها موظفة، واشترط عليها عند عقد الزواج أن تساهم معه في النفقة جزاء خروجها للعمل، فيجب عليها أن تستجيب، لأن الوفاء بالعقود واجب.
2- إذا تزوجها غير موظفة، ولم يشترط عليها (المساهمة في النفقة)، وحدث أن اشتغلت بعد عقد الزواج، فإن المشكل يحل بالاتفاق والتراضي.
3- في حالة عسر الزوج، لها الخيار بين أن تتطوع بمالها إذا كانت موسرة، أو أن تصبر حتى يجعل الله بعد عسر يسرا، أو أن تختار الطلاق ويستجاب لها. والصبر خير، مراعاة للأبناء وللعلاقة الزوجية.

مرتبات متواضعة
في بحثه حول "تطور سوق الشغل في الوسط النسوي المغربي"، يؤكد الدكتور عمر الكتاني أن دخول المرأة المغربية لسوق الشغل إنما هو استجابة لحاجة وضرورة وضغوط اجتماعية واقتصادية، أكثر من كونه تعبيرا عن رقي اجتماعي وأسري، وذلك بالنظر إلى المستوى التعليمي العام للمرأة العاملة، والذي يبقى منحصرا في مستويات متدنية، مما يجعل وضعها متواضعا جدا في السلم الاجتماعي.
وكثير من النزاعات الأسرية فجرتها مرتبات متواضعة جدا. يريدها الزوج كاملة لتغطية المصاريف، فيما تراها الزوجة حقا مكتسبا، تساعد منه والديها، وربما إخوتها أيضا، وتصرف منه على هندامها وحليها.

ويفيد تقرير صحافي أن كثيرا من النساء العاملات يعتبرن مرتبهن بمثابة نقمة لا غنى عنها. خاصة منهن ذوات الدخل المحدود. فالواحدة منهن تجد نفسها مضطرة لتقاسمه مع الزوج، بشكل أو بآخر، بينما المرتب كله لا يكفي لا حاجيات الزوج، ولا رغبات الزوجة.
وتقول الموظفة سناء : إن مجمل الموظفات البسيطات يحسدن النساء اللائي اخترن التفرغ للبيت، وتركن للزوج مسؤولية الصرف كاملة.
كما أن هناك نساء يتحسرن لأنهن لا يستمتعن بدرهم واحد من مرتباتهن، التي يصرفنها كاملة على أولادهن، خصوصا حين يكبرون، وتكبر حاجياتهم.

تدبير الإشكالية
ليس هناك نظام لتدبير هذه الإشكالية الاجتماعية الملحة، التي زلزلت العلاقات داخل الأسرة الحديثة، وما تزال تشكل أبرز أسباب النزاعات الزوجية. والمؤكد أن كل أسرة تفك هذه الإشكالية بمعرفتها، وفق ميزان القوى الرابط بين طرفيها.
بالنسبة للأستاذة نعيمة ، فالزوج يدفع إيجار المسكن ويتولى المصروف اليومي، ويترك لها ملابس الأولاد، في زمن لم يعد لطلباتهم حدود.
الصحافية سميرة : تحكي عن صيدلية شابة كانت على علاقة مع شاب موظف من ذوي الدخل المحدود، ولما استقر عزمهما على الزواج، منتصف العام الماضي، اشترط عليها أن تلتزم معه كتابة بمبلغ ستة آلاف درهم تدفعها له مطلع كل شهر، حتى لا يضطر إلى أن يمد لها يده كل يوم. لكنها رفضت اقتراحه رفضا باتا، وحاولت أن تتوصل معه إلى اتفاق، دون جدوى، فقامت بفسخ الخطوبة، وتم إجهاض مشروع الزواج. ولم يتزوج أي منهما إلى اليوم.

المعلمة فاطمة تحفظ مثلا يقول "راجلك وما ولفتيه" (ما عودته)، ولذلك فهي لا تساهم في مصروف البيت بعود ثقاب. بل وتقول "إذا لم يشتر ملح الطعام، أطبخ الغداء دون ملح، كي لا أشجعه على أن يتناسى الزيت". وفي الوقت ذاته تؤكد أنها لا تطلب منه شيئا، فهي تتولى مصاريفها الشخصية كاملة، فيما يتولى هو مصاريفه الشخصية ومصاريف الأولاد، إضافة إلى الكراء والغذاء والدواء... أما في حالات الضيافة، فالمسألة بالنسبة لهذه العلاقة المعقدة بسيطة، إذا كان الزوار من أهل الزوج تكفل بهم، وإذا كانوا من عائلة الزوجة تولت أمرهم.
ويعترف بعض النساء أنهن إنما يرفضن إملاءات أزواجهن في المصاريف، ويفضلن أن يفعلن ذلك عن طيب خاطر.
بينما تحرص المهندسة السعدية على اتباع المثل الشعبي "اللي بغات سعدها، تكمل من عندها". وتؤكد أن على المرأة أن تعطي لزوجها الإيحاء بأنه هو السيد، حتى وهو يتصرف في مرتبها.

وكما أن هناك زوجات يسلمن قيادة قارب الزوجية للأزواج ، هنا أزواج يرضخون للأمر الواقع، ويستسلمون لإملاءات الزوجة، حتى لو كانت متفرغة لبيتها ولا مدخول لها.
المحامية "حاء نون" : بدخلها الجيد، تصرف بحرية كاملة، لا يتدخل فيها الزوج، تغطي مصاريف الأولاد والمصروف اليومي، فيما يتكفل الزوج بالطوارئ.
وهناك زوجات يسلمن المركب للزوج، ويحولن لحسابه مرتبهن كاملا، ومنهن من يكفيها أن شريك حياتها يتكفل بكافة طلباتها المعقولة، دون الدخول في متاهات التفاصيل.
كما أن منهن من ابتلاها قدرها بزوج منحرف يبذر مرتبها ومرتبه في الملاهي والمعاصي، ويدفعها لتستدين مبلغا آخر لجلسة لهو أخرى.
من هذا النوع من الأزواج غير المسؤولين، تستخرج بعضهن النساء حكمتها في الحياة على أساس أن الزوج لا يؤتمن، فيسعين لاتخاذ احتياطات للمستقبل.
ومنهن من تتصرف في مرتبها بكامل الحرية دون أدنى استشارة مع الزوج أو أدنى مساهمة معه رغم ظروفه المادية الخانقة. فهو يستدين لدفع أقساط المدرسة أو فاتورة الكهرباء، وهي توفر مرتبها لتشتري سوارا ذهبيا جديدا، أو تخيط قفطانا آخر لعرس يمكن أن يقام الصيف المقبل.
بل ومن أزواج هذا الزمان من يستدين مرتب زوجته بوثيقة مكتوبة أو شيك ضمان، وإذا لم يوف الدين في الموعد تضغط عليه وتهدده بدفع الشيك للمحكمة.

وهناك نساء غير عاملات، يساعدن أزواجهن بأعمال يدوية ينجزنها في بيوتهن، من طرز أو خياطة أو حياكة تقليدية...، كما أن هناك زوجات من ذوات الدخل الجيد، طبيبات أو مهندسات أو محاميات أو.... يفضلن أزواجا محدودي الدخل، كي يستطعن بسط نوع من السيطرة، التي يدفعن مقابلها بعض المال للأزواج، وهو ما يشكل نقطة ضعف يعملن على استغلالها.
أما السيدة خديجة " ربة بيت "، فترى أن شراكة الحياة تعني الاشتراك في السراء والضراء، وتتساءل "هل استوعبنا التطورات الاجتماعية التي تشهدها البلاد؟"، مذكرة أن المجتمع التقليدي كان سليما من كل هذه البدع .
الداء والعدوى
والمؤكد أن الموضوع ليس حكرا على المجتمع المغربي، وإنما يتعداه إلى كافة البلدان العربية الإسلامية التي تعيش تطورات اجتماعية مماثلة. بل ويمتد ليشمل العالم الغربي. فقد أكدت دراسة أمريكية حديثة أن مرتب الزوجة أصبح من أبرز أسباب الخلافات الزوجية في بلاد العم سام. وعللت ذلك بسبب إصرار الزوجة أحيانا على عدم إدماج مرتبها مع مرتب زوجها في تغطية مصاريف الأسرة.
وأضافت هذه الدراسة، التي نشرت الصحف الأمريكية والدولية ملخصا لها في يوليو الماضي، أن إصرار الزوجة، من وقت لآخر، على التذكير أن لها دخلها المالي الخاص، أو التركيز على أن مرتبها يفوق مرتب الزوج، من الأمور التي تجرح كرامة الزوج، فلا يجد تنفسا لحالته النفسية غير اختلاق الخلافات والمنازعات، مما يتسبب في وقوع كثير من حالات الطلاق وأعمال العنف.

وذكرت الباحثة الأمريكية كارين روبنسون أنه بعد اقتحام المرأة مجالات العمل وضمانها دخلا خاصا بها، أصبح لزاما عليها أن تحترم مشاعر زوجها، ولا تتجاهل الجانب النفسي لشريك عمرها، حتى لا يتشتت شمل حياتهما الزوجية. وتنصح الزوجات أن يتفادين استخدام تعبيرات يمكن أن تجرح مشاعر الزوج، مثل "رصيدي في البنك" و"كيف أصرف مرتبي الشهري؟".
اسلام ويب

Post: #421
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:21 AM
Parent: #384

لا تزال تطالعنا الصحف ويتداول في المجالس حالات أولئك الشباب الذين لا يفتؤون يسببون لأهلهم المتاعب والمشاكل مشوهين بذلك سمعتهم منكدين عليهم حياتهم، وكثيرا ما تلاحظ أن بعض الناس يبدأ في تحديد المشكلة محاولا إيجاد حل لتلافي عقوق هؤلاء الأبناء، إلا أنك تجد قصورا واضحا في فهمهم لطبيعة المشكلة، والتي تنبع غالبا من تفريط الأبوين في التربية وسلوك أساليب خاطئة في تنشئة الأولاد.
بداية يوضح الدكتور عمر بن سعود العيد "الأستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية" أن النشء مسؤولية الآباء والأمهات، وأي مسؤولية يلقيها الإسلام فهي تعني الحساب عليها يوم القيامة، ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .. والأب راع في أهل بيته وهو مسؤول عن رعيته" ولكن لا إجابة يوم القيامة بالكلام، وإنما بما تقدمه تجاه هؤلاء النشء الذين هم في الحقيقة ثروات في ميزان حسنات الآباء إذا أحسنوا تربيتهم.

جوانب مختلفة!!
وإذا أدرك الآباء أهمية التربية وأثرها على الأولاد فإنه لا بد من العلم بأن التربية لا تقتصر على جانب واحد فقط ، فالتربية لها جوانبها المختلفة فهناك الجوانب الدينية، الخلقية، الجسمية، النفسية والاجتماعية، ومن الخطأ -كما يقول الدكتور عبد الرحمن العايد "عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بالرياض"- عدم مراعاة جوانب التربية المختلفة أو عدم التوازن بينها، وهذا نوع من القصور في التربية يترتب عليه سلبيات عدة، ولذا فإنك ترى مثلا من اهتم بالتركيز في تربية أولاده على الجانب العلمي حتى ولو كان شرعيا، وغفل عن الجانب الروحي الإيماني، فإن النتيجة غالبا أن مثل هؤلاء الأولاد يهتمون لفترة قصيرة بطلب العلم، وما أن ينتهي زادهم الإيماني حتى يبدؤوا في التخلي عن طلب العلم لعدم وجود الدافع الحقيقي الداخلي لهم على ذلك.

وكذلك تجد من يهتم بالجانب الروحي والإيماني مغفلا الجانب العلمي، ينشأ أبناؤه غالبا على مجرد أداء للعبادات دون معرفة بالعلم واهتمام به، وكلا الحالتين مخالفتين لهدي الإسلام، وهي قصور في التربية ينبغي على الآباء والأمهات ملاحظته والاهتمام به لأننا نريد أبناءنا قد تربوا على الإيمان والعلم والخلق والجد والاجتهاد، لا نريد أن نرى شابا على درجة من العلم وأخلاق سيئة أو مرتكبا للمحرمات، أو تجد شابا متدينا ولا يعرف شيئا من العلم.
والحقيقة هي أن إهمال هذا الجانب يؤدي إلى هدم البيوت، والذي يتبعه فيما بعد ضعف المجتمعات ثم هلاكها أو وقوعها في التبعية والتقليد.

ن وسائل التربية الناجعة!
لعل البعض الآن يتساءل ما هي الوسائل المجدية في التربية النافعة، بحيث يسهل على المربين من آباء وأمهات استخدامها لتحقيق ما يصبون إليه من ذرية صالحة نافعة يسعدون بها وينفعون مجتمعاتهم؟

لا شك أن صلاح الأولاد يعتمد في الدرجة الأولى على توفيق الله تعالى -كما يؤكد على ذلك الدكتور محمد العريفي "عضو هيئة التدريس بكلية الملك فهد الأمنية"- وإن كان هذا لا يعني في رأيه أن يتكل الآباء على ذلك دون أخذ بالأسباب، فإن الله قد جعل لكل شيء سببا، وأولى أسباب التربية الصحيحة أن يحسن الرجل اختيار زوجته، إذ أن الزوجة ما هي إلا أم لأولاده، وهي أكثر وأشد تأثيرا عليهم منه لكونها أشد التصاقا وقربا لهم، ومن ابتلي بزوجة مقصرة فليبدأ بإصلاحها أولا. ويذكر العريفي قصة واقعية بهذا الشأن عن أحد الصالحين، يقول: ركبت مرة مع صديق لي ومعه أولاده الصغار، فلما صعدنا أحد الجسور إذا بأولاده يكبرون -لأنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صعد جبلا كبر وإذا هبط واديا سبح - فظن هؤلاء الصغار أنه كلما صعد الإنسان على شيء مرتفع كبر، فقلت لصاحبي إنك لست على قدر من الالتزام والعلم، فمن أين لأولادك أن يأتوا بمثل هذه السنن، فقال متبسما: هذا بسبب أمهم التي تلقنهم مثل هذه السنن والآداب، وتستخدم كل الوسائل والطرق لتعليمهم حتى صاروا بهذه الكيفية.

القدوة والصحبة وسائل هامة
وتلعب مسألة الصحبة والقدوة الحسنة دورا هاما في تشكيل شخصية الناشئ، وتجاه هذه المسألة يرى الدكتور عمر العيد أن أهم شيء ينبغي أن يعرفه الآباء والأمهات أن القدوة هي أكبر المؤثرات في حياة الأولاد، إذ أن الأبناء من عادتهم تقليد آبائهم في أخلاقهم وكلامهم وتصرفاتهم وحتى حركاتهم ومشيتهم، بل ويصل الأمر أيضا إلى التقليد في انفعالاتهم وعواطفهم، وهذا يوجب أن يكون الآباء قدوة صالحة لأبنائهم حريصين على ألا يصدر منهم ما لا يرضونه لأولادهم.

ويتساءل الدكتور العيد كيف يمكن لأب مثلا أن يربي أولاده على الخلق الحسن وهم يرونه لا يقلع عن سبهم وشتمهم في توجيههم وتأديبهم ، وكيف يمكن له أن يؤصل فيهم مبدأ الصدق وهم يرونه يستخدم الكذب عليهم للإفلات من طلباتهم وحاجياتهم.
ويرتبط بمبدأ القدوة أمر آخر له أثر إيجابي في التربية، ومع هذا يغفل عنه الكثيرون، ألا وهو تقوية علاقة الصغار بالكبار، فإن من الأخطاء الشائعة عند الناس عدم جلوس الصغار مع الكبار ومنعهم من حضور مجالسهم واجتماعاتهم، ومرة أخرى يتساءل الدكتور العيد إذا كنا نبعد الصغار عن مجالس الكبار، خاصة عند وجود الأهل والأقارب، ونجعل لهم مجالسهم الخاصة، فمتى سيأخذ هؤلاء الصغار حكمة الكبار، ومتى يتصفون بصفاتهم من الجد والاجتهاد والوقار والفكر الصائب والخلق النبيل، ويتابع حديثه قائلا إن بقاءهم مع الصغار يجعلهم لا يتغيرون عن حياة المزاح والدعابة واللعب والفوضى وضيق الأفق وعدم الطموح، بل ربما انعكس ذلك على أخلاقهم وتصرفاتهم وأفعالهم، فلا يشعرون بمسؤولية ولا يحسنون صنعا، وهذا لا يعني بالضرورة أن يكون الصغار مع الكبار في كل وقت وحين.

أما سائر أوقاتهم فيرى أنه لا بد من العناية بأمرين مهمين :

الأمر الأول هو اختيار أصدقاء صالحين للأبناء، فإن الصغار يأخذ بعضهم من بعض، فكلما حرص الأب على أن يكون أبناؤه مع صغار قد تربوا على الخير والصلاح والخلق الحسن والجد والاجتهاد، وأبعدهم عن صحبة السيئين أو المفرطين وإن كان من أقرب المقربين، كان ذلك عونا له على تربيتهم وتنشئتهم على ما يريد من الخير والصلاح، وليتذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي" وهذا يتطلب أيضا الحرص على اختيار المدارس الجيدة للأبناء، والتي يقضون فيها أغلب أوقاتهم وفيها تصقل مواهبهم وتنمى قدراتهم.

ويحسن هنا أن نذكر ما قاله "الدكتور عبد الرحمن العايد" من ضرورة إبعاد الأبناء عن حياة التضاد والتناقض، بمعنى أن الأبناء عندما ينبهون إلى خلق معين ويحذرون من ضده، ثم يجدون أنفسهم أمام أشخاص من زملاء وأصدقاء وأقرباء وغيرهم لا يقيمون لهذا الأمر وزنا، أو تجدهم على خلق سيئ، لا شك أن ذلك سيسبب ردة فعل له خاصة إذا كان ما يزال في بداية الطريق، ولذا فإن المربي كلما حرص على أن يبعد التناقض من حياة أبنائه بتطبيق ما يقوله على نفسه أولا، وباختيار صحبة على نفس المنهج، كان ذلك أدعى لترسيخ تلك المبادئ في نفوس أبنائه وقبولهم لها وتمسكهم بها.

الأمر الثاني الذي يشدد عليه "الدكتور العيد" هو ضرورة ملء فراغ الأبناء بما يعود عليهم بالنفع، فلا يمكن أن نخرج جيلا صالحا وأبناء على قدر من الخلق والاهتمام وقوة الشخصية وهم يقضون أوقاتهم في الشوارع والطرقات وفي جلسات لا نعلم كنهها، كما أن بقائهم في المنزل هكذا دون فعل ما ينفعهم أيضا له أضراره الكثيرة والسلبية لأن هؤلاء بمختلف أعمارهم لهم طاقة قوية في داخلهم، ولا بد من تفريغ هذه الطاقة، وذلك بأن نحاول إيجاد نشاط حيوي يحبونه ويعود عليهم في نفس الوقت بالنفع بدنيا ونفسيا ودينيا وعمليا، مع الحرص كل الحرص على إبعادهم عن وسائل اللهو والعبث والفضائيات الماجنة والمجلات المخلة الساقطة.

التوجيه لا يكون بارتكاب الأخطاء !!
ومن الأمور الهامة التي ينبغي أن ينتبه لها الآباء هو عدم معالجة أخطاء الأبناء بطريقة خاطئة، فكثيرا ما نلاحظ أن ابنا يقدم على ضرب أخيه، فيسارع والده بتوجيه ما حضره من ألفاظ مستهجنة، أوقد يلعب الطفل فيزعج والديه، فلا يكون العلاج إلا الضرب المبرح، وفي هذا المنحى يؤكد الدكتور العيد أنه ينبغي المسارعة إلى تصحيح الخطأ بمجرد وجوده وظهوره على الأبناء، سواء أكان هذا الخطأ يتعلق بأخلاقهم أو بإيمانهم أو تحصيلهم العلمي مثلا أو سلوكهم العام في الحياة، فإن ترك أو إهمال معالجة الأخطاء مهما كانت بسيطة يؤدي إلى استفحالها وإلى ما هو أكبر منها بحيث يصعب فيما بعد علاجها، مع التنبه إلى ضرورة إصلاح الخطأ بطريقة صحيحة، فلا يصلح الخطأ بخطأ آخر أعظم منه يرتكبه الأبوان، كاستخدام السب والشتم مثلا أو اللجوء إلى الضرب في كل صغيرة وكبيرة دون مبرر وكذا التوبيخ والتقريح أمام الآخرين.

ومن الأخطاء التي يقع فيها الأبوان -كما يقول الدكتور العايد- عدم التدرج في إصلاح أخطاء أبنائهم، وفي تعليمهم وتوجيههم خطأ آخر يقع فيه كثير من الآباء وله سلبياته الكثيرة، وهو مخالف لهدي الإسلام الذي استخدم التدرج حتى في التشريع في إيجاب الواجبات والنهي عن المحرمات كما هو معلوم ، وفي المقابل أيضا فإن التهاون في إصلاح الأخطاء بحجة التدرج أيضا خطأ آخر والمفترض على الأبوين التوسط في هذا الأمر وتقدير الأمر بقدره دون إفراط أو تفريط.

وأمر آخر يلفت الدكتور العايد الانتباه إليه، وهو أن الأبوين قد يقعان في بعض الأخطاء، وفي هذه الحالة يجب الاعتراف بخطئهما، وعدم المماراة فيه بحجة أن الأبناء لا يستوعبون ذلك، حتى لا يؤدي هذا التصرف إلى حالة من التناقض التي ينبغي أن تبعد عن حياة الأبناء، وليحذر الأبوان من تصيد الأخطاء على أبنائهم وكثرة التقريع والتوبيخ واتهامهم بالتقصير، فإن هذا الأسلوب لا شك أنه بعد فترة يؤدي إلى تبلد إحساس الأبناء واعتيادهم عليه، وبالتالي يفقد الجدوى منه، وربما أدى إلى الإحباط وعدم الرغبة في التقدم، والواجب عليهم بدلا من محاولة تصيد الأخطاء أن يحاولوا اكتشاف المواهب التي عند أبنائهم والمحافظة عليها ومحاولة تنميتها وتوجيهها الوجهة الصحيحة أيا كانت هذه المواهب ما دامت أنها مباحة وتعود عليه بالنفع، فإن تنمية المواهب وتوجيهها يعين على التخلص من الأخطاء والحد منها.

لا تغفل عن هذين الأمرين
بقي أمران مهمان في مسألة تربية الأولاد أحدهما الدعاء فهو -والكلام للدكتور العيد- من أهم وسائل التربية، وهو صفة من صفات عباد الرحمن كما قال الله تعالى: "والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما" فالأبوان بحاجة إلى أن يحفوا أبناءهم بدعوات صادقة بأن يصلحهم الله تعالى ويوفقهم في دينهم ودنياهم، فإن دعاء الأب لابنه مستجاب كما صح بذلك الحديث، ويتبع هذا ضرورة قراءة الكتب المتعلقة بالتربية ليستفيد منها المربي وتفتح له مجالات متنوعة في التربية والتوجيه.

أما الأمر الثاني فهو ما قاله الدكتور العريفي، وهو ضرورة التعبد لله تعالى في تربية الأولاد، واحتساب الأجر عند الله تعالى فيما ينفقه عليهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان عنده ثلاث بنات فرباهن وعلمهن وأطعمهن كن له حجابا من النار" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فالإنسان إذا أخلص النية لله في تربية الأولاد أصبح كل ما ينفقه عليهم من مال وما يبذله من جهد في ميزان حسناته يوم القيامة يجده مع أجر الصلاة والزكاة والصيام والتطوع وغير ذلك من سائر العبادات.

ويختم حديثه بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم "إن العبد ليرفع في الجنة درجات، فيقول يا رب بم هذا ولم أعمل ما يقربني لها؟ فيقول الله له: هذا بدعاء ولدك الصالح لك" أو كما قال صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم قوله عليه الصلاة والسلام "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"
وإذا كان الابن فاسدا لم ينشأ على طاعة الله فمن أين يدعو لوالديه بعد مماتهما، وإذا دعا فأنى يستجاب له.
اسلام ويب

Post: #422
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:23 AM
Parent: #384

إن الله عز وجل عندما أباح للرجل الزيادة على واحدة قيد ذلك بالعدل، إذ قال تعالى في كتابه العزيز: ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم).
ومن الناس من يحتاج إلى التعدد فيتزوج اثنتين أو ثلاثا أو أربعا، والتعدد مشروع ، وله حكمه المتنوعة، وفوائده المتعددة، لكن المصيبة أن يحيف الزوج في معاملته لزوجاته، فلا يلزم العدل ولا يقوم بما أوجب الله عليه، فالرجل راع في أسرته وهو مسؤول عن رعيته، وسياسة الراعي وعدله في رعيته هو الحد الفاصل بين فطنته وحماقته، فإذا ترك الرجل العدل بين زوجاته ثارت المشكلات وثارت الخلافات.
أنواع ظلم الزوج لزوجته
وأنواع الظلم الواقع على الزوجات عديدة وأشكالها متنوعة عند من ابتعد عن نور الهداية، ومنها هجر الرجل إحدى زوجاته لخلاف يسير دون أن يسبق هذا الهجر تحذير، وقد لا يقتصر في هجره على مجرد التأديب والتأنيب، بل يتجه في هجره إلى الإضرار بالزوجة، ثم لو قامت زوجة أخرى من زوجاته بمثل ما قامت به تلك التي هجرها لغض الطرف عنها، ولم يفعل معها ما فعل مع الأولى، فتراه يقسو مع الواحدة ويضعف أمام الأخرى، وكذلك نرى الظلم في ترك العدل في المبيت، فقد يبيت بعض الأزواج عند بعض الزوجات أكثر مما يبيت عند الأخرى، وقد يمكث الوقت الطويل عند إحداهن ولا يأتي عند الأخرى إلا لماماً، وقد يدعها شهوراً وربما أعواماً وربما علقها دون أن يطلقها، أو يعاشرها بالمعروف.
يجب على الزوج أن يساوي بين زوجاته في المبيت، فإذا بات عند إحدى زوجاته ليلة بات عند غيرها مثلها، فكذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين زوجاته، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه قال أين أنا غداً؟ أين أنا غداً ؟ يريد يوم عائشة، فأذن له أزواجه أن يكون حيث شاء، فكان في بيت عائشة حتى مات عندها.
قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في بيته، وقبضه الله وكان رأسه بين نحري وسحري، وخالط ريقه ريقي.
وقال ابن حجر - رحمه الله - في شرح الحديث والغرض منه: إن القسم لهن يسقط بإذنهن في ذلك، فكأنهن وهبن أيامهن تلك التي هي في بيتها. وفي صورة أخرى لظلم الرجل غير العادل نراه يصطحب إحدى زوجاته في أسفاره دون أن يكون لغيرها نصيب، فإذا أراد السفر ورغب أن تصحبه إحدى زوجاته، فلابد أن يرضين كلهن، وإلا فالقرعة بينهن، ومثالنا على ذلك فعل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، فقد جاء في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد سفراً أقرع بين نسائه.
وأكثر ما يلاحظ في سلوك الزوج غير العادل هو المبالغة في الاهتمام بالزوجة الجديدة، وربما كان ذلك على مسمع من الأخرى بما يزيد في إغاظتها واشتداد غيرتها، دون أية مراعاة لمشاعرها، وذلك من الخطأ والجهل، وكذلك نرى أن الزوج غير العادل يميل في الهبة لإحدى زوجاته الكثير من أمواله، ويحنو كثيراً على أولاده منها، بينما يهمل الأخرى ويحرمها مما يعطيه لغيرها، وقد يقسو على أولاده منها، إذ لابد من العدل في النفقة والكسوة والعطية وغيرها، فيعدل بينهن من كل جهة وبكل ما استطاع وبكل ما يليق بكل منهن دون تفضيل إحداهن على الأخرى، فإذا وفى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك.
ولأجل ذلك كله، ولرفع الضيم عن الزوجة من ظلم الزوج غير العادل شَرط الدين الإسلامي في إباحة التعدد إمكان القدرة على النفقة، والقيام بأعباء الزوجية كاملة، وقيده بقيد، هو ضرورة العدل في المعيشة والمعاشرة، إذ قال تعالى في كتابه العزيز: "فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة". وبهذا الشرط والقيد تصان الحياة الزوجية من الفوضى والاختلال، ومن الجور والظلم وتحفظ كرامة المرأة حتى لا تتعرض للمهانة بدون ضرورة ملحة واحتياط كامل.
العدل مشروط بالاستطاعة
والعدل المشروط هنا هو العدل المادي في المعاشرة والمعاملة والنفقة وفي كل ما يمكن تحقيق العدل فيه، ويدخل تحت طاقة الإنسان وإرادته بحيث لاتبخس زوجة حقها ولاتؤثر واحدة دون الأخرى بشيء.
أما فيما يتعلق بالمشاعر والقلوب وأحاسيس النفوس فذلك خارج عن إرادة الإنسان واستطاعته، ولا يطالبه بالعدل فيه أحد، وإلى هذا المعنى جاءت الإشارة في قول الله تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة)
ومع أن نبي الإسلام كان يعدل بين نسائه كأرفع ما يكون وأنبل ما يكون، إلا أنه مع ذلك كان يحب السيدة عائشة رضي الله عنها أكثر منهن، وكان يقول: (اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك).
فرسول الله صلى الله عليه وسلم عدل بينهن في كل شيء، أما المحبة القلبية والميل النفسي فهذا من الله ، ولا يملك فيهما شيئاً.
والعدل الذي نفيت استطاعته في هذه الآية هو العدل المعنوي المتمثل في المحبة والميل النفسي، لذلك يقول سبحانه تعالى: (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة، وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفوراً رحيما)
وبهذا قرن الشرع العدل في الآية الكريمة بقوله: (فلا تميلوا كل الميل) أي أنكم إذا لم تستطيعوا تحقيق العدل بالمحبة والميل النفسي فلا تتركوا من تكون في درجة أقل من هذه المحبة كالمعلقة، بل اعدلوا بينهن في كل شيء، وحاولوا قدر الاستطاعة في المحبة أيضاَ. والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بين أن الرجل إذا مال لإحدى زوجتيه أثم، وعوقب في الدار الآخرة، حيث قال: "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطاً أو مائلاً" والزوج الذي يعرف واجباته الدينية تجاه زوجاته، على وعي تام بأهمية العدل بينهن، وإذا كان العدل بين الزوجات قد فرض على الزوج كأمر واجب القيام به فما ذلك إلا لأن المسؤولية والتبعة يتحملها الرجل، الذي هو راع في بيته، والمسؤول عن رعيته، كما أنه قد افترض فيه أنه أبعد نظراً وأوسع أفقاً، والزوج العاقل هو الذي يقوم بالعدل بين زوجاته، ويحاول دائماً التوفيق، حتى يتهيأ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة، وليكونوا أعضاء أسوياء داخل المجتمع.
عمان ـ أحمد أبو حليوة-اسلام ويب

Post: #423
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:25 AM
Parent: #384

الخوف من المدرسة .. صداع في رأس الأسرة
- الخبراء: المشكلة بسيطة ولكن إهمالها قد يؤدي إلى أمراض خطيرة
- الأم أهم من الطبيب، والحل يكمن في الحديث مبكرا عن إيجابيات المدرسة ودعوته لزيارتها
- الخبراء ينصحون بتبادل الخبرات العالمية بين الآباء، والتنقيب عن أصل المشكلة

في بداية كل عام دراسي جديد تظهر أزمة للأسرة اسمها "خوف الابن من دخول المدرسة" حيث يخشى الطفل الدخول إلى هذا المجتمع الجديد عليه بكل مفرداته -المدرس وزملاء الصف والمذاكرة والخروج في الصباح الباكر-، وغيرها من المستجدات التي تطرأ على حياة هذا الطفل الذي تعود في بيته على الحياة في عالم مستقل، وتزداد المشكلة تعقيدا إذا كان الطفل لم يذهب إلى حضانة أو روضة للأطفال قبل المدرسة..

ورغم أن الخبراء يعتبرون الخوف من المدرسة مرضاً نفسياً إلا أنهم يؤكدون أن علاجه بسيط وليس معقداً حيث يمكن تلافيه بعدد من الإجراءات الخفية من قبل الأسرة.
وفي محاولة للتعرف على جوانب هذه المشكلة العارضة تقول د. إبتسام عطية استاذ ورئيس قسم التربية النفسية بكلية البنات جامعة الأزهر إن الخوف يرجع إلى الصورة الذهنية السلبية التي تتكون عند الطفل منذ صغره عن المدرس أو المدرسة حيث يقدمان له -عن طريق الأبوين أو الأقارب أو وسائل الإعلام- على أنهما سلطة لها صلاحيات التحكم وضبط السلوكيات المعوجة، كما أن دخول المدرسة يتواكب مع قهر آخر تمارسه الأسرة في البيت لضبط مواعيد المذاكرة والاستيقاظ والنوم، و كل هذا يساهم في تكوين صورة سلبية عن المدرسة يصعب تصحيحها فيما بعد.

الأم هي الطبيب
وتضيف د.ابتسام: باعتبار الأم أقرب الأشخاص إلى نفس طفلها فإنها يمكنها أن تتغلب على هذه المشكلة ببساطة، باستمرار الحديث -بشكل مبسط- عن إيجابيات المدرسة مثل تكوين صداقات جديدة وعديدة، والخروج اليومي من المنزل، ووجود أماكن للعب والأنشطة، إضافة إلى أنها ستجعل منه شخصية متعلمة ومحترمة في المجتمع، أما المدرس فعليها أن تقدمه له على أنه شخص عطوف طيب لا يضرب أحدا، وأنه ينبغي علينا أن نحبه ونتعامل معه باحترام.

أما الدكتورة سهام فتحي أستاذ الطب النفسي بكلية طب القاهرة فتقول: إن خوف الطفل من المدرسة شئ طبيعي لأنها أول مكان يبعده عن ارتباطه بأمه أقرب الناس إليه أو عن من تقوم بتربيته كجدته مثلا، ولذلك فإن المدرسة بالنسبة له تعد -من وجهة نظره- مكاناً غير مطمئن لأنه انفصل عن (الحضانة الأسرية) التي عاش فيها فترة طويلة.

شعور طبيعي
وتقول الدكتورة سهام إن هذا الشعور بالقلق وعدم الاطمئنان أمر طبيعي، ولا ينبغي اعتباره ظاهرة مرضية، فحتى الكبار يخافون من الأماكن التي لا يعلمون عنها شيئاً، فما بالنا بالصغار؟!
وتضيف أن تعبير الطفل عن قلقه من المدرسة لا يتوقف عند حد الرفض أو افتعال الحجج حتى لا يذهب إلى المدرسة، فأشكال التعبير متنوعة ويمكن أن تكون البكاء أو الشكوى من الصداع والغضب ويمكن أن تصل لدرجة التبول اللا إرادي وبطبيعة الحال فإن هذه الأعراض قد تؤدي إلى انزعاج الأسرة.

وتتفق د.سهام مع الدكتور ابتسام في أن الأمر يحتاج من الأسرة إلى تركيز خاص للتقليل من حدة هذا الخوف عن طريق تهيئة البيئة المحيطة بالطفل وإعداده لدخول المدرسة بكثرة الحديث عن مميزاتها أو اصطحابه لزيارتها مع تشويقه لهذه الزيارة بأنه سيرى المكان الذي سيجعل منه إنساناً كبيراً يخرج ويعود وحده ويأخذ المصروف كما ستجعل منه في يوم من الأيام طبيباً أو مهندساً أو حتى مدرساً.
وتلفت د.سهام الانتباه إلى ضرورة عدم إبداء الأسرة للقلق من أعراض الخوف المدرسي فعليهم أن يقابلوا هذه الأعراض على أنها شئ عارض سرعان ما سيزول، لأن تضخيم الأمر قد يؤدي إلى صعوبة التغلب عليه، ويمكن أن يؤدي هذه التضخيم للمشكلة إلى إصابة الطفل بالاكتئاب وهو ما يشكل خطورة شديدة عليه وعلى حياته.

تبادل الخبرات العملية
ويؤكد محمد سعيد مرسي الخبير التربوي، وأحد مؤلفي الكتب التي تركز على هذه المشكلة على ضرورة التركيز في هذه القضية على الجانب العملي في الموضوع بمعنى الاستماع إلى تجارب الآباء الآخرين في التغلب على هذه المشكلة، كما عليهم أن يعرفوا منهم أسباب خوف أبنائهم من المدرسة، ومن هذه الأسئلة ربما يكتشفون أن خوف الطفل الأصغر من المدرسة ربما يعود إلى خوف وكراهية كامنة لدى الطفل الأكبر لها، وبالتالي فإن العلاج يبدأ بتغيير نظرة الطفل الأكبر وليس الأصغر.

ويؤكد مرسي أيضا على أن ذهاب الطفل إلى الحضانة في وقت مبكر يساهم إلى حد كبير في تخفيف مشكلة الخوف من المدرسة، فالحضانة مبهجة للطفل، ولا يسمع عنها من المحيطين حديثا سلبيا، وهي بالنسبة إليه عالم مليئ بالسحر والخيال والألوان والألعاب والقصص والحكايات، وسيتوقع أن تكون هذه هي صورة المدرسة، لينتقل شيئا فشيئا إلى عالم أكثر جدية.
حمدي سعد-اسلام ويب

Post: #424
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:27 AM
Parent: #384

من أسباب تخلف التلاميذ الدراسي
- ذكاء الطفل ليس شرطا لتفوقه واختبارات المدرسة لا تحدد مستوى التلاميذ
- التلميذ - الأسرة - المدرسة ثلاثة أضلاع تتوزع عليها المسئولية عن التأخر الدراسي
- بالصحة الجيدة والمناخ الأسري الدافيء والاكتشاف المبكر نقي أطفالنا من التخلف الدراسي
عشرات التلاميذ في الفصل الواحد متفاوتو القدرات والإمكانات والذكاء، بينهم المتفوقون وأيضا المتخلفون، ومتوسطوا المستوي، ومعيار هذا الاختلاف هو درجة التحصيل الدراسي.
الذي يعتبر من أول المجالات التي تتيح للأطفال فرصة التعبير عن قدراتهم، ومواهبهم في صورة أداء فعلى ملموس، ورغم ذلك يبدو من الصعب على المدرسة تحقيق ذلك ما لم يستطع المربون تعرف ميول الأطفال واستعداداتهم الفعلية كي يتم تنميتها.
ولكن ما المعايير التي تستخدمها المدرسة حاليا لتعرف ذلك؟ أليست اختبارات التحصيل العادية، فهل هذه الاختبارات تحقق الهدف سالف الذكر؟ وهل التحصيل الدراسي للطفل يتأثر بكثير من العوامل النفسية والبيئية سواء في المدرسة أو الأسرة أو المجتمع؟
هذا ما يجيبنا عنه د. عبد العزيز السيد - أستاذ الصحة النفسية بتربية عين شمس - فيقول: إن الاختبارات المدرسية تركز أساسا على جانب الحفظ والاستيعاب، وقد تهمل قدرات أخرى مثل: الفهم والاستنتاج والاستنباط، بالإضافة إلى القدرات والمواهب الخاصة، كما أنها تقيس مستوي الأداء الحالي للطفل، والذي قد يعكس جزءا بسيطا من قدراته الحقيقية، فضلا عن تأثر هذا الأداء بكثير من المتغيرات لعل من أهمها طريقة الاختبار، ودرجة تقبل الطفل للمادة الدراسية، وعلاقة الطفل بواضع الاختبار "المعلم" وغير ذلك من المتغيرات التي قد تحول دون حصول الطفل على درجات تعبر عن مستوي تحصيله الحقيقي؛ لذلك أنبه إلى ضرورة استخدام مجموعة من المعايير للتعرف على المتأخرين دراسيا من الأطفال بدلا من الاقتصار على معيار واحد فقط سواء كان نسبة الذكاء أو مستوي التحصيل الدراسي أو آراء المعلمين.

ذكي .. ولكن!
يعرف د. عبد العزيز الطفل المتأخر دراسيا بأنه ذلك الطفل الذي يتمتع بمستوي ذكاء عادي على الأقل، وقد تكون لديه بعض القدرات والمواهب التي تؤهله للتميز في مجال معين من مجالات الحياة، ورغم ذلك يخفق في الوصول إلى مستوى دراسي يتناسب مع قدراته أو قدرات أقرانه، وقد يرسب عاما أو أكثر في مادة دراسية، أو أكثر، ومن ثم يحتاج إلى مساعدات أو برامج تربوية علاجية خاصة.
لماذا يتخلف الصغار؟
ويتوقف نجاح مواجهة مشكلة التأخر الدراسي على تحديد أسبابه وهي:

أولا - أسباب خاصة بالطفل:
ما بين اضطرابات عضوية مثل: إصابات أثناء الوضع، ونقص الأكسجين، والأمراض المعدية، وسوء استخدام العقاقير الطبية أثناء الحمل، وسوء التغذية، فضلا عن العوامل الوراثية، كما قد ترجع إلى اضطرابات الحواس، أو اضطرابات الإدراك الناتجة عن خلل في الجهاز العصبي المركزي، ولكن ثمة صعوبة في تحديد سبب عضوي معين للتأخر الدراسي أو أية مشكلة تعليمية أخرى محددة.
أو الاضطرابات النفسية مثل: ضعف الثقة بالنفس، أو النشاط الزائد، أو سلبية زائدة ، أو الشعور بالنقص، وتوقع الفشل، وعدم الاتزان الانفعإلى، وقد يرجع التأخر الدراسي أيضا إلى انخفاض مستوى دافعية الطفل للتعلم، وانخفاض دافعيته للإنجاز، وكذلك انخفاض مستوي طموحه، وعدم الإقبال على استذكار الدروس أو عمل الواجبات المنزلية، واستخفافه بالدراسة، وانشغاله بأمور أخرى.

ثانيا - أسباب خاصة بالأسرة:

ويلخصها د. عبد العزيز في أنه:
- أحيانا ما يشعر أحد الوالدين أو كلاهما بأنه يستمد مركزه وقيمته من خلال إنجازات طفله، وتقدمه في الدراسة، وقد يشعر بالخزي والمهانة عندما يتعرض هذا الطفل للإخفاق في المدرسة، ويعنفه بشتى الطرق، ويحاول دفعه إلى المذاكرة ليلا ونهارا ظنا منه أن ذلك هو الأسلوب الأمثل الذي سوف يساعده على التفوق، ولكن للأسف قد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية في بعض الحالات، وقد يتبادل الوالدان الاتهامات، واللوم، فيحاول كل منهما إلغاء التبعية على الآخر بشأن إهمال الطفل.

كما يحدد العوامل المتعلقة بالأسرة التي تكمن خلف التأخر الدراسي للأطفال وهي:
- اضطراب العلاقة بين الزوجين، كما يظهر في التوتر والشجار والمستمر، والتهديد بالانفصال.
- قسوة الوالدين في معاملة الطفل، والحد من حريته، وعدم تشجيعه على التفاعل مع الآخرين.
- شعور الطفل بالنبذ والإهمال من قبل والديه، وعدم احترام آراء الطفل والسخرية منها.
- كثرة عقاب الطفل دون مبرر.
- تذبذب الوالدين في معاملة الطفل والتفرقة بين الأبناء في المعاملة.
- نعت الطفل بصفات سلبية مثل: الكسل أو الغباء أو الإهمال.
- انشغال الوالدين عن الطفل أو تغيبهما كثيرا عن المنزل، مما قد يشعره بعدم الاهتمام، وفقدان الرعاية.
- انخفاض المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي للأسرة، مما يسفر عن حرمان الطفل من حاجاته الأساسية، أو تلبية متطلباته المدرسية، وكذلك انتشار الأمية بين الآباء والأمهات، وانخفاض المستوي الثقافي للأسرة، أيضا شغل الطفل وتكليفه بأعباء منزلية كثيرة وكثرة غيابه عن المدرسة.
- عدم تنظيم وقت الطفل، وتركه ينشغل بأشياء أخرى كثرة مثل: التليفزيون أو اللعب في الشارع أو الخروج إلى أقران السوء.
- وضع أهداف غير واقعية للأبناء لا تتناسب مع قدراتهم، وإرغام الطفل على المذاكرة فترة طويلة دون مراعاة لميوله أو مواهبه الخاصة.

ثالثا: أسباب خاصة بالمدرسة:
- قسوة المعلمين وتسلطهم على الأطفال، ومن ثم كره الطفل لبعض المعلمين، مما يترتب عليه كره المواد التي يقومون بتدريسها فيرسبون فيها.
- عدم ترغيب الأطفال في المادة الدراسية.
- كثرة استخدام المعلمين للتهديدات والتهكم على الأطفال أو السخرية منهم، وكثرة التحذيرات والإنذارات.
- تخويف الطفل من الفشل مما يجعله يخاف من المدرسة بصورة عامة.
- عدم شرح المعلم للدرس جيدا واعتماده على التلقين مع كثرة تكليف الأطفال بالواجبات المدرسية بما لا يتناسب مع قدراتهم وعقابهم على عدم إتمامها.
- السخرية من الطفل والمنافسة غير المتكافئة مع أقرانه، بالإضافة إلى تفرقة المعلم في تعامله مع الأطفال، وكثرة المقارنة بينهم، مما يزيد من روح الغيرة والحقد بينهم.
- توعية الشباب بضرورة إجراء التحليلات الطبية اللازمة لاكتشاف أية أمراض يمكن أن تنتقل بالوراثة لأبنائهم، وبالتالي تتخذ الإجراءات المناسبة لتلافي تأثيرها.
- توفير الرعاية الصحية المناسبة للأمهات أثناء الحمل، والوضع ثم متابعتهن وأطفالهن خلال المرحلة اللاحقة للولادة.
- الصحة الجيدة للأطفال خلال الأعوام الأولي من عمرهم مع تزويدهم بالتطعيمات والتحصينات الضرورية لوقايتهم من الأمراض المعدية.
- استمرار الكشف على حواس الأطفال، خاصة حاستي السمع والبصر، ومن ثم علاج ما قد يطرأ عليهما من اضطرابات في وقت مبكر قبل أن تتدهور حالتهما، وتؤثر في تعلم الطفل.
- بتوفير المناخ الأسري الجيد الذي يشعر معه الطفل بالأمان، وتجنب والتوترات والشجار أمام الأطفال.
- عدم دفع الطفل إلى الدراسة أو المذاكرة عنوة والعمل على ترغيبه فيها مع توفير المناخ المناسب للمذاكرة.
- تجنب نقد الطفل كثيرا وتعنيفه وعدم مقارنته بغيره سواء من إخوانه أو من زملائه.
- عدم تكليف الطفل بأعباء منزلية كثيرة تشغله عن دراسته وتنظيم وقته بين إتمام الواجبات والترفيه.
- والحرص على توطيد العلاقة مع المدرسة لمتابعة مستواه.

مسئولية المدرسة في الوقاية من التأخر الدراسي، فهي أمر لا يمكن الاختلاف عليه ، ويبدو أن ثمة إجماعات بين المتخصصين على أهمية: الاكتشاف المبكر، والتدريس الجيد؛ حيث إن عملية التعرف على الأطفال المتأخرين دراسيا ومشكلاتهم يجب أن تكون عملية مستمرة في المدرسة، كما يجب أن يعمل المعلم كموجه ، وذلك من خلال تنظيم المهام وجذب انتباه الطفل ، واستخدام الطرق الإيجابية في التدريس.
مركز الإعلام العربي

Post: #425
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:29 AM
Parent: #384

انتشرت في وقتنا الحاضر ظاهرة الاستعانة بالمربيات والخادمات في بيوتات كثيرة في أرجاء الوطن العربي ، وتم الاستعانة بهن كخادمات في البيوت، أو في رعاية الأبناء الصغار، فأصبح البعض منهن حاضنات أو بدائل للأمهات، رغم أن البعض منهن قد لا يتكلمن العربية، ويتبعن في بعض الأحيان شرائع غير إسلامية، وفي هذا ما تكون أخطاره وبيلة على أبنائنا الصغار في مستقبل أيامهم.
المشاهد في وقتنا الحاضر، أن المربيات والخادمات قمن بغزو البيوت برغبة من أهلها، وليعذرني الآباء والآمهات في استخدام لفظة (غزو)، فليس القصد هنا، أنهن دخلن البيوت للقتال وانتهاب ما في الديار، بل إنني اقصد بالغزو هنا، أنهن يسلبن الأبناء-أحيانا- من آبائهم، ويقمن بالسيطرة عليهم ، لطول الوقت الذي يمضيه الأبناء مع المربيات ، ومن ثم فكأن المربيات أصبحن أمهات في الواقع للأبناء الصغار.
وقبل أن أوضح آثار ترك رعاية الصغار وتنشئتهم الاجتماعية من خلال توجيه وإشراف المربيات، أود أن أشير إلى أن بعض الآباء والأمهات يستقدمون خادمات يعملن بالإضافة إلى أعمالهن المنزلية الشاقة، على العناية بالأطفال وتنشئتهم في فترة غياب الأمهات عن المنزل، وبعض الخادمات لسن مؤهلات للتربية، ومن ثم فهن في حاجة إلى التوجيه والإرشاد. وقد تكون الخادمة مربية، وقد تحتاج إلى محو الأمية. والمربية هي التي تدربت أو تحمل شهادة تربوية، ومن ثم يمكن الاعتماد عليها في تنشئة متوافقة لحد ما للصغار.
والمربية إن كانت ذات كفاءة عالية، فلن ترقى إلى مرتبة الأم ،فالولد الصغير بالنسبة للأم هو فلذة كبدها.
فالأم وعاء عند الحمل.. تقاسي الكثير عند الحمل، وهي سقاء عند الإرضاع، تسهر لراحة صغيرها عندما ترضعه لبن ثديها، وتضفي عليه من حنانها وهو بين ذراعيها، فيه مصدر غذاء الجسد الصغير، ومصدر الانتماء والحمايةو الرعاية له حتى يكبر، وحتى عندما يتركها لبيت الزوجية الخاصة به، فهي الدعاء الدائم له طوال عمره، وقد تكون الأم متواجدة بين صغارها بجسدها، ولكنها قد تكون غائبة بتوجيهها وإرشادها وتنميتها لصغارها عندما توكل أمر تربية صغارها للخادمة أو المربية. والأمر جد خطير، فالعواطف والعادات والحنان- غير الطبيعي- قد يجعل الطفل يقترب وينتمي إلى الخادمة أو المربية أكثر من انتمائه وتعاطفه مع الأم.
وقد يقف بجانب الخادمة أو المربية عندما يشعر بالإعراض التام من الأم عن رعاية الصغار أو عن رعايته، حيث قد تترك الزوجة رعاية مصالح الزوج وحاجاته إلى الخادمة أو المربية، وقد يعقب ذلك عواقب وخيمة على الحياة الزوجية، والخاسرة-حينئذ-هي الزوجة، التي تركت غزو الخادمة لأخص ما يخصها في حياتها وهو زوجها.
ومما يؤسف له أن هناك أمهات لا يعملن، ويتركن المسؤولية كاملة للخادمات يتصرفن في أمور بيوتهن، كما لوكن أصحاب البيوت، ورغم اتساع وقت الأم -الزوجة في ذات الوقت- لرعاية أبنائها وزوجها، إلا أنها قد تهتم بالخروج للتسوق، أو تجتمع مع جاراتها في ساعات الضحى، أو تهاتف صديقة لها ساعات طوال فيما لا يفيد أو ينفع. وقد يأتي الزوج من عمله منهكاً، وفي حاجة إلى سكن النفس، وفي حاجة إلى طعام وراحة ليتابع عمله أو ليسعد زوجته وأبناءه، وقد لا يجد من تخفف عنه متاعبه سوى الخادمة، التي قد تقدم له طعاماً قد لا يستسيغه.
وهناك سلبيات كثيرة تحدث عندما يترك الآباء والأمهات رعاية الصغار بين أيدي الخادمات أو المربيات، نذكر بعضاً منها على سبيل المثال وليس الحصر:
- إن لغة الخادمة أو المربية إذا كانت غير عربية، تؤثر بدرجة عالية في اكتساب الصغير لغته العربية، ومن ثم قد يتأخر الصغير عمن هم في مثل عمره الزمني في تعلم اللغة، ولفظ الحروف الصحيحة، واكتساب المفردات الواجب تعلمها، بل قد يتعلم لغة المربية قبل أن يتعلم اللسان العربي.
- إن المربية - عادة - تضعف العلاقة بين الطفل وأمه، إذ غالباً ما يكون التعلق- من جانب الطفل- بالمربية وليس بالأم، حيث تقوم بإشباع الحاجات الأساسية للطفل من المأكل والمشرب ونظافة الجسم عند الابتلال، وتشبع حاجاته إلى الراحة واللعب.. ومن ثم فهي أم بديلة.. وفي هذا ما يبعد الطفل تدريجيا عن الأم، بل قد لا يسأل عنها عند غيابها، أو وجودها في المنزل، والأعجب أنه قد ينزعج إذا لم يجد المربية أو الخادمة بجانبه، عندما تنشغل عنه عند أداء وظائفها الأساسية في المنزل، وأحياناً قد يناديها كما لو كانت أمه.
- إن تأثير المربيات والخادمات على العلاقات الزوجية، قد يخلق المشكلات بين الأزواج، ويحدث- وجودهن- مناخ التوتر والقلق الدائب بين الأزواج، وقد يترتب عن المشكلات انفصال بين الأزواج أو هجران أو خصام أو تضحية بالأبناء والحياة الزوجية المستقرة.
- إن وجود المربيات والخادمات يضعف من نماء الاستقلالية في التنشئة الاجتماعية للصغار، بل قد ينمي لديهم الاعتمادية أي الاتكالية، وعدم نمو الاستقلالية لدى الصغار، ويظهر ذلك السلوك عندما تعرض الفتيات الصغيرات أو الفتية الصغار، عن أداء الأعمال البسيطة التي يمكن القيام بها، اعتماداً على ما تقوم به المربية من الاستجابات الفورية لكل مطالب الصغار.
- ومن المخاطر التي يجب أن لا تغيب عن أذهان الآباء، هو أن بعض المربيات غير المسلمات اللاتي يقمن بالتنشئة والرعاية للصغار، قد تقوم البعض منهن بغرس وتنمية تعاليم دينها مع الصغار- في غفلة من الآباء- ودون أدنى اهتمام بدين الإسلام.
- هذا بالإضافة إلى أن قيام الخادمة بدور المربية في وقت واحد أو العكس، يشكل ثقلاً وعبئاً كبيرين، عندما تقوم المربية أو الخادمة بجميع أعمال المنزل من نظافة وطبخ وكي وغسيل.. إضافة إلى أعباء العناية بالصغار، ففي هذا ما قد يصيب البعض منهن بالإحباط وعدم الاكتراث بالأعمال المنزلية المطلوبة، أو العناية الواجبة بالصغار.
وبعد .. إن الحديث عن هذه المشكلة يطول.. ولا يفهم من حديثنا هذا أنه لا ضرروة لوجود الخادمات أو المربيات في البيوت، بل علينا أن نعرف أن السلبيات قد تكون أكثر من الإيجابيات عند استخدام المربيات أو الخادمات في الإشراف والتنشئة الاجتماعية لجيل الأبناء الصغار.
وقد يتبادر إلى الأذهان تساؤل عن الحلول العملية لهذه المشكلة، لذلك نبادر ونقول.. إنه على الآباء والآمهات مراعاة ما يأتي :
- ضرورة مراقبة التأثير العقدي للمربية على الصغار، واهتمام الآباء عند وجود المربيات بتنمية العقيدة الصحيحة وتثبيتها عند الصغار بالأقوال والأفعال.
- ضرورة مراقبة انتماء الطفل بالدرجة الأولى لأمه، إذ مهما كان التصاقه بالمربية أو الخادمة فهو لن يستغني عن أمه أبداً.
- تنمية روح العادات الحسنة والاستقلالية بين الصغار، وتقليل اعتمادهم الكامل على المربيات أو الخادمات في إشباع حاجاتهم، وخاصة في الأعمار الزمنية 6-15سنة.
- يقترح قيام المؤسسات التربوية والاجتماعية بإنشاء الحضانات ورياض الأطفال والأقسام التمهيدية للصغار، لرعاية أطفال الأمهات العاملات في مقارّ أعمالهن، بدلاً من ترك الصغار مع المربيات أو الخادمات.
- يقترح معالجة وضع الأمهات اللاتي لديهن صغار في حاجة إلى الرعاية، بحيث إذا كانت الأم تعمل، فيمكن منحها إجازة لمدة سنة أو أكثر بمقطوع معين من الراتب، وخاصة في فترة الإرضاع والإطعام وحتى نهاية السنتين الأوليين من الميلاد، بهدف أن تشرف الأم على صغيرها من نواحي الرعاية الغذائية العاطفية في هذا العهد.
.. وأخيراً ينصح باستقدام المربيات العربيات المسلمات، اللائي يكن موضع الثقة، وليكن خير معين للإشراف على الصغار، وتعليمهم اللسان العربي المبين، وأداء العبادات وممارستها وفق شرعنا الحنيف، إضافة إلى أن مثلهن قد يدركن مخافة الله في تعاملهن مع أفراد الأسرة، من حيث اجتناب المعاصي، وعدم محاولة التفرقة بين الأزواج أو بين الأبناء والأمهات، مع أداء ما يوكل إليهن بأمانة وإخلاص.
والحديث... ممتد لحل المشكلات الاجتماعية التي نعاني منها في بيوتنا..
والله أسأل الهداية والتوفيق لنا أجمعين.
أ.د. عبد المجيد سيد أحمد منصور-اسلام ويب

Post: #426
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:33 AM
Parent: #384

حث الإسلام على العدل في معاملة الأولاد، يتضح ذلك من خلال أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث يقول: " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم " رواه البخاري و مسلم .
ويجعل الرسول صلى الله عليه وسلم عدم المفاضلة بين الأولاد سبباً من أسباب دخول الجنة حيث يقول فيما رواه ابن عباس عنه: " من كانت له أنثى فلم يئدها ولم يهنها ولم يؤثر ولده عليها أدخله الله الجنة " رواه أبو داود
لكن التنشئة الأسرية في المجتمع الإسلامي في عصور التخلف تقود إلى التمييز بين الذكور والإناث وتؤسس له ، ونادراً ما بُحث في الأسباب الرئيسة للتمييز بين الجنسين، وإذا ما حدث ذلك فسرعان ما يتم جعل الاختلاف البيولوجي والفيزيولوجي بينهما هو العامل الرئيسي المنتج لعدم المساواة ، وللتمييز اجتماعياً بين الذكور والإناث، وما يترتب على ذلك من فروقات تكرست عبر الزمن.
وأشكال هذا التمييز بين الجنسين عديدة ، ومنها عدم المساواة في تحمل المسؤوليات المنزلية.
تقول (فاطمة.ر): "أنا في الثالثة والعشرين من العمر، أصيبت والدتي بداء في المفاصل، ولدي أخت صغيرة، وأربعة أخوة ذكور، ولأنني الفتاة الأكبر أتحمل أعباء المنزل جميعها عوضاً عن والدتي المريضة، دون أية مساعدة من أخوتي الشباب فهم يخدمون فقط، ولا يقدمون العون إلا فيما ندر، لأنهم رجال، وتدبير المنزل هو شأن للنساء فقط، ومع أن الدين الإسلامي وصى بالنساء في أمور الحياة كافة، وطالب - على عكس ماهو شائع- بزيادة الاهتمام بهن ، وأن يكون الأخ أو الأب أو الزوج عونا لهن في أمور الحياة، وأنا أقول هذا تيمناً بالحياة الفاضلة التي عاشها الرسول الكريم إذ ابتدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه بحسن معاملته للنساء وبخاصة أهل بيته. وحينما سئلت عائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم ماذا كان يصنع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته؟ قالت : كما يصنع أحدكم، كان في مهنة أهله. وفي رواية أخرى:كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع لهم اللحم ويقم البيت، ويعين الخادم في خدمته.وفي رواية أخرى : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته. وقد أوصى الرسول الأكرم بحسن معاملة المسلمين لأهلهم، قال صلى الله عليه وسلم: خيركم، خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي. وقال صلى الله عليه وسلم: استوصوا بالنساء خيراً " فلماذا أنا مسؤولة عن أخوتي، ويطالبونني بكل الأمور! أليس هذا أمرا غير مشروع؟".
وقد يكون الأمر مع الأخت ( فاطمة.ر ) متأزما قليلاً لأن إخوتها لا يتحملون المسؤولية معها مطلقاً، لكن للحقيقة، فإن مجمل الأسر تطالب الفتاة برعاية أخيها الأكبر سناً منها بدافع الاحترام، ورعاية أخيها الأصغر سناً منها بدافع العطف عليه، وهذا مقبول، لكن بحدوده الطبيعية.
وبالتأكيد المساواة بين الإخوة، مسؤولية تقع على عاتق الأهل بالدرجة الأولى، وواقع الأمور يشير إلى أن الأهل يتعرضون إلى ضغوط عدة، لاسيما وأننا أصبحنا في عصر لم تعد الأسرة وحدها المسؤولة عن تربية النشء، وأن قيماً دخيلة أخذت طريقها إلى حياتنا، في عصر الاتصالات الواسع الطيف، الذي قد يغري ولا يفيد، وهو بشكل أو بآخر يساهم بإعطاء صورة مغلوطة عن طريقة الحياة المثلى، وظهرت أنماط جديدة من التفكير بعيدة عن حياتنا الإسلامية، ضاعفت مسؤولية رقابة الأهل، ووضعتهم أمام تحديات جديدة تبحث في كل حين عن موازين دقيقة للتعامل مع كلا الجنسين.
تقول السيدة وفاء الأحمر: "للأسف بعض الشعوب بدأت توجه للفتاة عبارات طنانة، مظهرها السير نحو الحرية، لكنها ليست كذلك. بل هي إعادة رق للفتاة، إذ جعلتها رقيقة من الداخل وليس من الخارج ، وهذا أسوأ أنواع الرق ، إذ نرى الآن غالب الفتيات تابعات لأزياء وصرعات خاصة، وهذا ليس من أصالة هويتنا، وكأن هناك شيئا مرسوما للفتاة وهي متجهة نحوه ، مثل الفراشة التي تسعى إلى النور، ولكن الواقع أنه طريق امتهان لها، وطريق سلب حرية المرأة ، وكذلك بالنسبة للشاب أيضاً هنالك مظاهر خداعة، تجعلهم في ضلال مبين، وهذا جعل مقاييس كلا الجنسين من الأبناء مختلفة عن مقاييس أهلهم، ما عمق الصراع بين الطرفين إذ نرى الفتاة تسعى وراء الأزياء والأهل يحاربون رغبتها، وكذلك الشبان قد يعجبون بصرعات الموضة وفي قصة الشعر، ويهتمون بالمظهر بعيداً عن جوهر الأمور، وهنا المشكلة تظهر بالنسبة لي كمربية لأولادي ومسؤولة عن الحفاظ على سلامة حياتهم من الغث الذي يحيط بهم ، أواجه بسؤال صعب عن من ماذا أمنعهم ؟ وماذا أمنح لهم ؟ وكيف لي أن أعدل بين الولد والفتاة؟ "
كيف تكون المساواة؟
حث الدين الإسلامي بشكل متواصل على المساواة بين الجنسين في أمور عدة ، يذكرها لنا الأستاذ أنس حبيب بقوله: "يحث الإسلام على المساواة الإنسانية بين الجنسين ، إذ خلق الله الرجل والمرأة وجعلهما على قدم المساواة، لا فضل لأحدهما على الآخر إلا بالتقوى. ونرى ذلك في قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".(سورة الحجرات الآية 13) فقد جعل الإسلام الرجل والمرأة من نفس واحدة، حيث جاء في الكتاب العزيز قوله تعالى: "يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء". (من سورة النساء الآية 1) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم . "إنما النساء شقائق الرجال "رواه أحمد وأبو داود.
كما جاء الإسلام بالمساواة في الواجبات الدينية ، وفي الثواب والعقاب ، إذ جاء الإسلام للرجل والمرأة معاً، وبالتساوي، فالمرأة متساوية مع الرجل في العبادة وفي حمل رسالة الله تعالى وفي تحقيق المتطلبات الدينية، وفي الثواب والعقاب وتطبيق حدود الله. وجاء ذلك في آيات عديدة ومنها قوله الله تعالى: " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله". (سورة التوبة الآية 71) وكذلك في قوله تعالى: "فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منهم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض". (سورة آ ل عمران ، الآية 195) وفي الآية الكريمة: "ومن يعمل من الصالحات من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون نقيراً " (سورة النساء الآية 124)
كما حث الإسلام على المساواة في حق التعليم، وحث كل مسلم ومسلمة على طلب العلم ، وتوسيع آفاق معرفته، حيث جاء في قوله تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون" إن للعلم مكانة رفيعة في الإسلام، وأول كلمة في القرآن الكريم نزلت على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي اقرأ، كما حث الإسلام كل مسلم ومسلمة على طلب العلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "طلب العلم فريضة على كل مسلم" (رواه البخاري) ولفظ مسلم هنا تعني الذكر والأنثى.
كما أمر الإسلام بالمساواة في الأمور المعاشية، إذ أن كتب الحديث والتاريخ مليئة بتوصية الرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم بالمرأة ، والحث على إعلاء شأنها والاستئناس بها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أوصيكم بالنساء فإنهن عندكم عوان" (أي أسيرات) وقال صلى الله عليه وسلم: من ابتلي من البنات بشيء فأحسن إليهن، كنَّ له ستراً من النار.
كما ويؤكد : أ. د. محمد الزحيلي وكيل كلية الشريعة للشؤون العلمية بجامعة دمشق: "أنه يجب على الوالدين العدل بين الأولاد في الرعاية والمحبة والاهتمام والهدايا وأن لا يخص الوالدان أحد الأولاد بالعاطفة أو الهدية أو التقبيل مادياً ومعنوياً، بل يجب المساواة حتى في القبلات على وجنات الصغارروى النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه أن أباه أعطاه عطية ، ولم يعط بقية إخوانه وأراد أن يشهد على تصرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل أعطيت أولادك مثل هذا؟ قال: لا ، فقال عليه الصلاة والسلام :" فاتقوا الله واعدلوا في أولادكم " وفي رواية أخرى قال :لاتشهدني على جور، وإن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم ". (رواه البخاري ومسلم والإمام أحمد) فأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعلم الصحابة والمسلمين جميعاً مبدأ تربوياً عظيماً يترك أعظم الآثار على نفسية الأولاد.
أما تفضيل أحد الأولاد ، وتخصيصه بمال أو ميراث أو عطيه أو رعاية فإنه من أمراض الجاهلية التي عادت أدراجها إلى المسلمين لتفتت في العضد، وتمزق الشمل، وتقطع الأرحام، وتخلق الحقد والبغضاء والضغينة والعداوة بين أفراد الأسرة الواحدة.
إن التمييز بين الأولاد وتفضيل بعضهم على بعض يؤثر على نفسية الأولاد ويزرع فيهم العقد النفسية ويورث عندهم فساد الأخلاق ويضعهم أمام الانحراف وجهاً لوجه
غادة الجوابرة-اسلام ويب

Post: #427
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:35 AM
Parent: #384

العقارب الصديقة تنظم يوم صغارنا
مع بدايات الدراسة يتحول اليوم إلى ساحة معركة بين وقت طفلك ومسئوليات مذاكرته وتحصيله، وسيصبح أطفالنا طواحين صغيرة تدور بلا توقف بين السويعات والواجبات.
وإذا أردتما لأولادكما يوما مباركا يتسع لكل ما هو مفيد، ويستوعب الأنشطة الإيجابية المثمرة فارفعا شعار: "العقارب الصديقة" ويقصد بها طبعا عقارب الساعة التي ستنبههم إلى مدى قدرتهم على حسن استغلال أوقاتهم، ومع الشعار جربا هذه الخطوات العملية:

- صلاة ركعتي استخارة عامة على الجدول اليومي، يقتدي بكما فيهما الأبناء، تستخيرا فيهما الله في أمور اليوم كله، وبإذنه تعالى سيختار لكما ولهم الخير، الذي لا يهدر فيه وقت ولا يضيع فيه جهد.

- اقترحا على الأبناء التعاون في رسم ساعة كبيرة على لوحة تعلق على أبواب غرفتهم، وتقسم إلى 24 جزءًا بعدد ساعات اليوم لتذكرهم بقيمة الوقت كلما دخلوا غرفهم أو خرجوا منها.

- أجندة الوقت وسيلة تذكرة رائعة يدون فيها ما يجب أداؤه خلال اليوم ، وقبل النوم يراجع ما أنجز بالنسبة للمستهدف لتحديد أوجه الإنجاز أو القصور على أن تقسم الأعمال إلى: أكثر أهمية - أهم - مهمة - أقل أهمية - قابلة للتأجيل، وهذا التقسيم وسيلة لتعليم الأبناء كيفية تحديد الأولويات.

- ساعدا الأبناء على تحديد زمن لكل عمل، بحد أدنى وحد أقصى مثلا : لا يقل وقت تناول الطعام عن خمس دقائق ولا يزيد على عشرين دقيقة.

- ينجز الواجب المدرسي في ساعتين بينهما نصف ساعة للراحة وأداء الصلاة.

- وفي أول الأمر لن يستطيع الأبناء التحكم في الزمن بدرجة كافية ولكنهما سيتعلمان قيمة التخطيط المسبق، ودرجة فدرجة سينجزون المطلوب منهم في الوقت المحدد.

- كونا قدوة فمهما نصحتما بعدم تضييع الوقت وكنتما لا تحسنان استغلاله فلن يسمعوا ولن ينتصحوا.

- اقبضا معهم على لصوص الوقت، كالثرثرة في الهاتف، والجلوس أمام التلفاز، والنوم وقتا طويلا ، ويمكن اقتناء آلة الهاتف التي تظهر الأرقام للتعرف على مدى رشد أو سفه الأبناء في استخدامه وتقويمهم.

- فوزوا ببركة الوقت من خلال عدم النوم بعد الشروق، وهذا يتطلب طبعا الدخول إلى الفراش بعد العشاء بساعة أو ساعتين على أقصى تقدير.

- "أحسنوا وإن قل" بمعنى عدم الإنجاز على حساب الجودة، فأعمال قليلة متقنة على مدار اليوم خير من أعمال كثيرة غير متقنة، وهذا يردنا إلى فكرة تحديد الأولويات

الأستاذ محمد سعيد مرسي - صاحب كتاب "فن تربية الأولاد في الإسلام" يقترح بعض الوسائل التي نستغل بها كل دقيقة في وقت صغارنا في عمل مثمر ومفيد.

ومن هذه الوسائل:
(1) الاشتراك في المكتبات أو تكوين مكتبة خاصة بالطفل مع الألعاب، حتى لا يصاب بالملل، وتلخيص كتب أو قصص أو عمل أبحاث تناسب ميوله وطبيعة سنه، وعمل المسابقات في التلخيص والأبحاث، وإعطاء جوائز للمتميزين في هذا المجال.

(2) تنمية مواهبهم الفنية في الرسم أو الزخرفة والتشكيل من خلال البيت والانضمام لفرق النشاط بالمدرسة، أو مع أصحابه وجيرانه وإعداد الإذاعة المدرسية.
وتشجيع البنات على الخياطة والتطريز والأشغال اليدوية وطهي الطعام والإسعافات الأولية.

(3) زيارة العلماء وحضور دروس المسجد وتلاوة وحفظ القرآن.

(4) إعداد جدول أعمال لتنظيم اليوم وقت للمذاكرة محدد بالساعات، ومراعاة أوقات: الصلاة، النوم، المدرسة، اللعب، ووقت لأداء حقوق الوالدين حق الاخوة الصغار، الجيران.

(5) الاشتراك في النادي لممارسة الرياضة.

(6) الرحلات الترفيهية للشواطئ والحدائق، والرحلات الثقافية للمصانع والمتاحف.

(7) إشراك الابن والبنت في غسيل ونشر وطي وكي الملابس، وعمل زينة للبيت، وتصليح أشياء مكسورة.

(8) زرع بعض الزهور أو البذور في البالكون وتربية الحيوان والطيور لتعويده على الرحمة.

(9) شراء حاجات المنزل من السوق والمحلات القريبة.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #428
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:37 AM
Parent: #384

القوامة وأثرها في استقرار الأسرة والمجتمع
ينطلق المنهج الإسلامي في بناء الأسرة من خلال نظرة الإسلام لها؛ لأنها الأساس في بناء المجتمع واستقراره؛ فالأسرة كما نعلم هي اللبنة الأولى في بناء المجتمع؛ إذا صلحت صلح المجتمع بأسره، وإن فسدت فسد كله.
ولقد أحاط الإسلام الأسرة بسياج من النظم والتشريعات حدد بموجبها الحقوق والواجبات لكل من الزوجين، ووزعت الاختصاصات بما يتفق مع القدرة الجسمية والحاجة النفسية لكل منهما. فهذه النظم والتشريعات تجمع ولا تفرق، تبني ولا تهدم، تصلح ولا تفسد، وبذلك يتحقق للمجتمع المسلم الطمأنينة والاستقرار والنأي عن التفكك والانهيار.
وإن من القواعد المهمة التي يستقر عليها بناء الأسرة مسألة القِوامة التي أوكلها الله ـ سبحانه وتعالى ـ للرجل بقوله: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء: 34]، هذه القِوامة التي حاول أعداء الإسلام ودعاة التغريب من أبناء جلدتنا استغلالها في تحريض المرأة المسلمة عليها مُدَّعين أن المرأة المسلمة تعيش حياة قهر واستبداد وذل وخضوع واستغلال من قِبَل الرجل، وأنها مقيدة لا تستطيع الحراك إلا بإذنه وبأمره. فحرضوها وشجعوها على التمرد بدعوى رفع الظلم عنها، وإطلاق حريتها، ومساواتها بالرجل سواء بسواء.
لقد أصبح واضحاً ومكشوفاً ولم يعد خافياً على أحد ـ اللهم إلا على ذي بصيرة عمياء أو ذي قلب قد ختم الله عليه ـ أن هذا التحريض ما هو إلا دعوة للتمرد على أحكام الدين وتشريعاته لتحطيم قواعد المجتمع الإسلامي وأسسه الثابتة، وتدميره من خلال تقويض دعائمه التي من أهمها على الإطلاق الترابط الأسري والاجتماعي.

نحن نرى أنه لابد للمؤسسات والشركات التجارية من وجود مدير أو رئيس لها يدير شؤونها، وما على العاملين بها إلا السير وفق توجيهاته الإدارية. والأسرة في حقيقتها هي الأخرى مؤسسة، وبحاجة إلى رئيس يقوم بالإشراف عليها؟ وكيف يمكن للأسرة أن تستقيم ولها رئيسان يتنازعان أمرها؟ ومن أحق بهذه الرئاسة: المرأة أم الرجل؟ وهل قوامة الرجل على الأسرة إلغاء لشخصية المرأة كما يدَّعي المنحرفون؟
إن الخصائص التـي منحها الله ـ سبحانه ـ للرجل من قوة وشجاعة ورباطة جأش وتحمل للمشاق والصعاب وثبات عند النوازل والزلازل تتناسب وهذه المهمة التي أوكلها الله إليه؛ فهي تجعله أقدر على القوامة وإدارة الأسرة والسير بها إلى بر الأمان. أما المرأة فهي تفتقد لتلك الخصائص الموجودة عند الرجل وهو ما يجعلها غير مؤهلة للقوامة؛ لأنها زُوِّدت بخصائص تتناسب ومهمتها في هذه الحياة وهي حضانة النشء وتربيته ومنحه ما يحتاجه من رقة وعطف ولين، وغير ذلك مما تتميز به المرأة عن الرجل. فالله ـ سبحانه وتعالى ـ قد خلق المرأة والرجل، وزودهما بالصفات الجسمية والنفسية التي تتناسب ومهمة كل منهما.
يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ـ: «إن هذه القوامة ليس من شأنها إلغاء شخصية المرأة في البيت ولا في المجتمع الإنساني، ولا إلغاء وضعها المدني، وإنما هي وظيفة داخل كيان الأسرة لإدارة هذه المؤسسة الخطيرة وصيانتها وحمايتها».
فمسـألة القـوامـة مـسألة خطـيـرة لا يجوز أن تتحكم بها أهواء البشر ونزواتهم، ولها من الأهمية ما يدعو إلى الإصرار عليها من قِبَل الرجل وعدم التفريط بها؛ فهي مسؤولية كبيرة ألقيت على عاتقه وسيُسأل عنها يوم القيامة. يقول صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد استرعاه الله رعية فلم يَحُطها بنصيحة إلا لم يجد رائحة الجنة .
وقال: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته .. والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها..».
فلا يجوز للرجل المؤمن المسلم أن يخضع لدعوات التغريب وأعداء الإسلام الحاقدين والاستجابة لهم ليثبت أنه رجل عصري ومتحرر، وأنه من أنصار المرأة والحفاظ على حقها؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الذي شرع القوامة هو الخالق سبحانه وتعالى، وهو أعلم بمن خلق وما يصلح لهم وما لا يصلح: {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: 14] .
إن أكثر المشكلات والخلافات الأسرية والعائلية والاجتماعية تنشأ بسبب تنازل الرجل عن حقه في القوامة وتسليمها للمرأة. وما نشاهده اليوم من نشوز كثير من النساء وتمردهن ما هو إلا نتيجة لسلبية الرجل وتخاذله في هذه المسألة.
فلو أدرك الرجل خطورة تخليه عن القوامة ونتائجها السيئة التي ستعود عليه في المستقبل وعلى أسرته لعض عليها بالنواجذ.
كم نرى من رجال ملتزمين دينياً إلاَّ أن زوجاتهم أو بناتهم سافرات متبرجات كاسيات عاريات. يقول صلى الله عليه وسلم: «سيكون في آخر أمتي رجال يركبون على السروج كأشباه الرجال ينزلون على أبواب المسجد نساؤهم كاسيات عاريات على رؤوسهن كأسنمة البخت العجاف، العنوهن؛ فإنهن ملعونات».
كم من الرجال من نجده يعيش همّاً بالليل وذلاً في النهار نتيجة تراكم الديون عليـه مــن جــراء طلبات زوجتــه التـي لا تنتهي ولا تتناسب مع دخله المادي؛ وذلك لإسكاتها وإرضائها أو خوفاً منها؛ فمن الذي دفعها إلى هذا؟ أليس هو تخلي زوجها عن حقه في القوامة؟
وكم مِن النساء مَنْ حاولت أن تسلخ زوجها عن والديه وتخلق الفتنة وتزرع الفرقة بينه وبين أشقائه لتبعده عنهم وتلصقه بوالديها وإخوتها وأقاربها؛ تسلط الأضواء على كل خطأ يصدر عن أهل زوجها وتغض الطرف عـن محاسنهم. ولو كان الأمر يتعلق بأهلها لانعكس الأمر تماماً. ومن المؤسف حقاً أن مجتمعنا يعاني الكثير من هذه الأمور. إن السكوت عن هذه الأمور وتجاهلها دون السعي لإيجاد حل لها سيؤدي حتماً إلى العداوة والبغضاء بين أفراد العائلة الواحدة. وفي اعتقادي أن السبب الرئيس في هذه المسألة يعود إلى سلبية الرجل وضعف شخصيته وتنازله عن حقه في القوامة.
إن المرأة إذا كانت تعاني من ضعف الوازع الديني ولا تعي ما لها من حقوق وما عليها من واجبات سوف تحاول إخضاع زوجها لها بشتى الطرق والأساليب؛ فإذا وَجَدَت تنازلاً واحداً منه سعت إلى المزيد حتى تتم لها السيطرة التامة والتحكم فيه كما تشاء، ثم تفرض سيطرتها على المنزل بكامله ويصبح الزوج المسكين عندها مجرد بنك لا أكثر ولا أقل.
فمن المسؤول عن ذلك؟! واللهِ إنه الرجل وليس أحداً غيره. يقول صاحب الظلال ـ رحمه الله ـ: «لعل من الدلائل ما أصاب الحياة البشرية من تخبط وفساد ومن تدهور وانهيار، ومن تهديد بالدمار والبوار في كل مرة خولِفَتْ فيها هذه القاعدة فاهتزت سلطة القوامة في الأسرة، واختلطت معالمها، أو شذت عن قاعدتها الفطرية الأصلية».

وهنا سؤال يطرح نفسه: هل هناك دور للمرأة في استقرار الأسرة؟
نعم ! إن دور المـرأة لا يقل أهمية عن دور الرجل؛ لأنه مكمل له؛ وينجلي دورها هنا في طاعة الزوج في المعروف، ولو لم يكن لطاعة الزوج أثر إيجابي بالغ لما حض عليه وأرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى؛ فقد وردت أحاديث كثيرة تحض على هذا الأمر ومنه قوله - عليه الصلاة والسلام -: «إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت».
وقال أيضاً: «أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة».
وفي المقابل إذا باتت المرأة وزوجها غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح .
وطاعة الزوج تكون في غير معصية الله سبحانه وتعالى؛ إذ «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق» .
وتكون طاعته في حضوره وفي غيابه؛ لأن الله - سبحانه وتعالى - يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، {فَالصَّالِـحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ} [النساء: 34].
إن طاعة الزوج واحترامه وتقديره يساعد على تنمية المحبة في قلبه لزوجته، والعطف والحنان عليها مما يشعرها بالاطمئنان والأمان الذي سينعكس على أفراد الأسرة جميعهم مما يساعد على تماسكها ويبعدها عن التفكك والانهيار.
ولتعلم المرأة المسلمة أنه ليس من مصلحتها إطلاقاً ولا من مصلحة أبنائها، بل ولا من مصلحة ذويها أن تحاول سلب زوجها القوامة؛ فإن تمادت في ذلك واستطاعت السيطرة والتحكم في طفولة الأبناء فسوف تتلاشى سيطرتها عليهم في عمر المراهقة، هذا العمر الذي يتميز بالتمرد والعصيان؛ فهم في حاجة ماسة إلى سلطة قوية وحازمة وهذا ما تفتقده النساء عموماً؛ لأنه ليس من طبيعتهن القوة والحزم وإنما اللين والعطف والحنان.
فلتعد المرأة المسلمة إلى ظلال الشرع الحنيف الذي يحميها وأسرتها من تلك الفتن التي عصفت بالمجتمع الإسلامي تحت مسمى حقوق المرأة ومساواتها بالرجل وتمردها على كل القيم والأخلاق الفاضلة الكريمة.
وليعلم كلٌّ من المرأة والرجل أن الأساس الذي يقوم عليه التشريع للناس وتحقيق مصالحهم وسعادتهم في هذه الحياة هو ما أمر الله به ـ سبحانه وتعالى ـ وأذن به، وليس ما أمر به أعداء ديننا الحنيف. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كَانَ لِـمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْـخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحــزاب: 36]. فلا بد من تعاون المرأة والرجل سوياً للحفاظ على كيان الأسرة وأمنها؛ وذلك من خلال سد كل الثغرات التي تؤذيها؛ ولا يتحقق هذا الأمر إلا بالالتزام الكامل بما أمر به الشرع وأرشد إليه حتى يكونا القدوة الحسنة والمحضن الآمن والمستقر لأبنائهما؛ لأن القدوة الحسنة الصالحة هي الأساس المتين لتربية جيل فاعل وبنّاء في المجتمع؛ فإن فَـعَلا ذلك يكونا قد قاما بأداء ما عليهما من الحقوق والواجبات التي أوجبها عليهما الإسلام، ويكونا قد شاركا بجهدهما في تكوين الأسرة الصالحة بكل الخصائص والمقومات التي دعا إليها ديننا الإسلامي الحنيف مما يسهم في بناء مجتمع متميز بآدابه وسلوكه وقيمه ومبادئه العظيمة، وتكون القدوة الصالحة لباقي المجتمعات ويتحقق فينا قوله ـ تعالى ـ: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْـمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْـمُنكَرِ} [آل عمران: 110] .
ولا بد من كلمة أخيرة أود أن أوجهها إلى الرجل وهي أن مفهوم القوامة في البيت ليس معناها إلقاء الأوامر والتحكم الجائر أو القهر والاستبداد أو الظلم أو الاستعباد لمن تحت رعايته.
يقول ـ تعالى ـ: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْـمَعْرُوف} [النساء: 19]، ويقول صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهله».
وقال ـ تعالى ـ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّـمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}. [الأحزاب: 21] .
فمن الواجب على الزوج المسلم أن يكون عطوفاً حنوناً ومحباً لأسرته، ليِّناً في المواقف التي تتطلب اللين، حازماً في المواقف التي تستدعي الحزم.
ومن مستلزمات القوامة أن يكون الزوج قدوة حسنة في التزامه الشرعي وسلوكه حتى يستطيع أن يؤثر فيمن تحت رعايته. يقول ـ تعالى ـ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ}. [الصف: 2 - 3] .
ويقول ـ تعالى ـ أيضاً: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة: 44].
فإن استطاع الرجل أن يحقق تلك الصفات فإنه - بإذن الله- يتمكن من الوصول بأسرته وبمجتمعه إلى بر الأمـان.
وعندئذ يظهر للجميع أثر القوامة الشـرعية التي كلَّفَ الله - سـبحانه وتعالى - بها الرجل لتحقيق استقرار الأسرة الذي ينعكس أثره على المجتمع الإسلامي كله.
رهام اديب الزعبي-اسلام ويب

Post: #429
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:39 AM
Parent: #384

رشـــــوا عليها .. السكر
"ستكون أطول أهلك عمرا" هكذا قال أحد الصالحين ممن رزقهم الله علم تأويل الأحاديث لمن سأل أن يفسر له رؤيا، رأى فيها أن كل أسنانه قد وقعت، وكان تأويلها أنه سيفقد كل أهله، وسيشهد مماتهم، ولم يشأ الرجل الصالح أن يصدم صاحب الرؤيا بهذا التفسير الصريح، فعبر عنه بطريقة أخرى حولته من صدمة إلى بشرى، ومن أمر مقلق إلى شيء مبهج سار.
كلما تذكرت هذه الواقعة تساءلت: وأين كثير من بيوتنا وعلاقاتنا الاجتماعية من هذا الفقه الرائع في التعامل؟ أين هي من "بشروا ولا تنفروا" كما قال (صلى الله عليه وسلم)؟
فكم من زيجات تجرع أطرافها مرارة الفشل والتعاسة لمجرد أنهم لا يجيدون فن التعبير عن إحباطاتهم أو مخاوفهم، أو حتى شكوكهم بشكل طيب لا يرفع بينهم وبين شركائهم حواجز الاستفزاز والعناء، وكم من زيجات أيضا عرف أصحابها كيف يعبرون فوق الخلافات بكلمة حلوة، وجملة منتقاة بعناية، وألفاظ تحمل من حسن الظن أكثر مما تحمل من اليأس وسوء الفهم.

ومجرد إتقان أي من الزوجين أو كليهما لفن حسن التعبير يعني امتلاك مفتاح أوسع أبواب السعادة، والتوافق وإغلاق الباب في وجه ريح الشقاق والتنافر، وليس هناك مقابل يتكبده الزوجان ليفوزوا باقتناء هذا المفتاح السحري سوى بعض التصبر، وكثير من الحب، وكثير جدًا من حسن الظن، وربما قليل من البلاغة اللفظية، القليل الذي يربيه الله، ويصبح سخيا غنيا إن كان مزدانا بالإخلاص، وصدق الرغبة في الاستمرار.
ولنتأمل كيف يمكن التعبير عن ذات المشاعر والمواقف بطريقتين، وحجم الفارق الشاسع بينهما، الفارق بين الذكاء والرعونة، بين الحرص والغفلة، بين الحب والبغض، بين التماس الأعذار وتصيد الأخطاء.
الموقف:
- كانت الزوجة مريضة، وتوقعت من زوجها مساندة، وعونا، وحنانا إضافيا، ولكنه لم يفعل.
التعبير السلبي:
- لم يهدر صحتي إلا خدمتك، وخدمة أولادك، ومع ذلك لا أجد منك سوي النكران، والخذلان عموما الأيام دول، ولست محصنا ضد المرض!
التعبير الإيجابي:
- وصلني دعاؤك لي بظهر الغيب يا حبيبي، ولذلك تعافيت بسرعة والحمد لله، ولكنني كنت أتمني أن أسمع منك ما يعجل أكثر بشفائي، وبابتسامة واسعة: لا تنس الكلمة الحلوة في مرضي القادم بعد الشر!
الموقف:
- فتح الزوج الدولاب لاختيار قميص، ففوجئ بأن كل ملابسه تحتاج للغسيل، غلت الدماء في رأسه، وبخطوات متحفزة اتجه إلى زوجه في المطبخ، وقال بحدة: ما الذي يشغل الهانم عن أبسط واجباتها؟ ويجعلها تنسى غسل ملابس زوجها، كان الله في العون يا سيادة الوزيرة؟
وعندما فرغ الزوج شحنة غضبه جلس إلى نفسه، وتذكر أن الزوجة تتحمل أعباء خمسة أطفال، وأنه لا يتحمل معها سوى العبء المادي، وأن الغسالة ظلت أسبوعا معطلة، والأهم أن بعض القمصان كانت بحالة تسمح بارتدائها، ولكنه هو الذي يحب ألا يرتدي القميص سوى مرة واحدة، وحينئذ ندم على سخريته من شريكة حياته، وتمنى لو أنه قال لها برفق وحنو: ليست هذه عادتك يا حبيبتي، لقد عودتيني على أن أجد كل ملابسي مغسولة ومكوية، فماذا حدث؟ لعل المانع خير، أعانك الله، وأرجو ألا يتكرر هذا الموقف مرة أخرى.
- وما أكثر المواقف والمنعطفات التي نواجهها كل يوم في بيوتنا، ومع جيراننا، وفي أعمالنا، وإما أن يحسمها رد الفعل أو يزيدها وطأة، وحين ننظر بعيدًا، ونستشرف العواقب لن نثبت قدمينا على أرض اللحظة والموقف، بل سنتجاوزهما إلى أفق التغافر، وتدريب نفوسنا وألسنتنا على الرفق واللين، وحينئذ إن لم نعبر المواقف والإحباطات، فعلى الأقل سنفوز بأجر كظم الغيظ، ولن ننقل عدوى إحباطنا إلى شركائنا وأولادنا، فكثير ممن كان يتوقع لهم مستقبل طيب، فشلوا لأن آباءهم وأمهاتهم لم يحسنوا التعبير عما يضايقهم في أبنائهم فأسرفوا في اللوم، وضنوا بالتشجيع.
هيا نتمرن منذ اللحظة على فن تحلية ألسنتنا ورش سكر الكلام الطيب عليها.
هيا نتقن ذكاء اختيار الألفاظ، وليكن شعارنا في بيوتنا وخارجها "أنت أطول أهلك عمر ا".
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #430
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:41 AM
Parent: #384

القـرع غذاء وشفـاء
القرع ثمار كبيرة الحجم، يصل وزنها إلى عشرة كيلو جرامات أحيانا، تجود زراعته بالمناطق الحارة منها مصر، وله عدة أسماء يعرف بها: ففي مصر باسم القرع العسلي، أو الاستامبولي، أو التركي، وقد يسميه البعض بالقرع الأحمر، أو القرع المالطي، ويسمى باليقطين كما ذكر في قوله تعالى: "وأنبتنا عليه شجرة من يقطين" أي على سيدنا يونس، وقد أنبت الله عليه هذه الشجرة؛ لأنها تجمع خصالا كثيرة منها: برد الظل، والملمس، وعظم الورق، ولا يقع عليه الذباب، فكان سيدنا يونس (عليه السلام) لرقة جلده بمكثه في بطن الحوت، عاد بدنه كبدن الصبي حين يولد، فكان يؤذيه الذباب، ويؤلمه حر الشمس، فلطف الله تعالى عليه بتلك الشجرة.
ويسمي أيضا بالدباء، كما ذكر في الحديث قال أنس: قدم للنبي (صلى الله عليه وسلم) مرق فيه دباء "قرع" وقديد، فجعل يتبع الدباء حوالي القصعة قال: أنس فلم أزل أحب الدباء من يومئذ، وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يحبه ويقول: "إنها شجرة أخي يونس".
وقد ذكر من فوائد القرع سرعة نباته، وتظليل ورقه لكبره، ونعومته، وأنه لا يقربها الذباب، وجودة تغذية ثمره، ويؤكل نيئا، ومطبوخا، وتظهر ثماره بأسواقنا خلال أشهر الصيف والخريف، واعتدنا تناوله في القري مطبوخا، وفي المدن على هيئة مربى، أو حلوى لاحتوائه كالخضر الآخر على .5% بروتين، و.2% دهون، 7.31% كربوهيدرات، وكذا بعض المركبات المعدنية الهامة كالكالسيوم والبوتاسيوم والحديد.
فوائد عظيمة:
غير أن أبحاثا أخرى أظهرت فوائد وخواص عظيمة لهذا النبات، فهو علاج ناجح، ويعطي نتائج باهرة في علاج النزلات المعوية التي كثيرا ما تصيب الأطفال في سنهم المبكر، وذلك بإعطاء القرع لهم كهيئة بيوريه أي بسلق كيلو جرام منه بعد تنظيفه جيدًا من البذور في لتر ماء لمدة تتراوح ما بين 30 - 50 دقيقة بعيدا عن الهواء في أوان مغلقة، حتى لا تتأكسد محتوياته، ثم تترك لتبرد وبعدها يصفى المزيج في مصفاه، وتنهك حتى تصير بوريه، ويضاف إليها قليل من العسل، وقد اتضح أن هذه الكمية تمنح الجسم حرارة غذائية تتراوح بين 275 - 260 سعرا.
كما ثبت أن له تأثيرًا في شفاء حالات الإصابة بالإسهال الصيفي للأطفال، والذي يرجع سبب العدوى به إلى شرب اللبن الملوث بميكروبات القولون أو بعض الميكروبات السجية.
وأيضا يعتبر فاتحا للشهية، ومقويا لاحتواء المائة جزء منه على مليجرامين من الحديد العضوي وعولج به أيضا البالغون، وقد ثبت احتواؤه على نسبة مرتفعة من الفيتامينات منها فيتامين أ، ج- ومركب الفيتامين والريبو فلافين والنياسين وحامض البونتونتينك.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #431
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:44 AM
Parent: #384

في عشر خطوات جهازك المناعي حصن ضد الأمراض
د. عز الدين الدنشاري: غذاء جيد + رياضة + عبادة + علاقات إنسانية سوية = قلوب سليمة.

هل يرضي أحد بأن يلقي بكل أسلحته، ويرفع يديه مستسلما لأعدائه دون أدنى مقاومة؟
لن يجيب أحد بنعم، رغم أن كثيرين يفعلون ذلك بغفلة، أو عن جهل وسوء فهم، يفعلون ذلك، ويفتحون صدورهم لأعدائهم الفتاكة من الجراثيم والفيروسات، والمواد الضارة بعد أن يهدروا أجهزتهم المناعية، جيش الدفاع الذي من الله به على كل إنسان، فلم يقدر كثيرون المنَّة، ولم يحفظوا النعمة، فانتشرت أمراض نقص المناعة، وتحوَّل الجهاز المناعي إلى فتات هش; لا يواجه جرثومة، ولا يطرد ميكروبا، وصارت أجسادنا ساحة مستباحة تغزوها أمراض لم نسمع بها إلا قريبا، وكلها ثمرة عدم الحفاظ على جهاز المناعة.
إذن كيف يظل هذا الجهاز على قوته، مؤديا لدوره، ومحققا لوظيفته.
الإجابة في عشرين وصية، يقدمها د. عز الدين الدنشاري - أستاذ الصيدلة بجامعة القاهرة - في كتابه المعنون بـ (الوصايا العشرون لتنشيط جهاز المناعة) وهي:
1 - تناول الأغذية المنشطة للمناعة والغنية بمضادات الأكسدة:
تشير الدراسات الحديثة إلى أن مضادات الأكسدة التي تتوافر في نوعيات من الأغذية تعتبر من أهم المواد الغذائية التي تنشط المناعة، وتقاوم السرطان، كما أنها قد تقي من أمراض الحساسية، والتهابات المفاصل والأنفلونزا، والكاتاراكت (إعتام عدسة العين)، وأمراض تصلب الشرايين، وربما تساعد في تأخير الشيخوخة.
وتشمل مضادات الأكسدة الموجودة في الغذاء الفيتامينات مثل بيتاكاروتين الذي يتحول إلى فيتامين (A) داخل الجسم، وفيتامين (C) وفيتامين (E) وبعض العناصر المعدنية مثل الزنك، والسلينيوم وغيرها.
ويوجد البيتاكاروتين بوفرة في الجزر، والتفاح، والكمثرى، والفراولة، والكرز، والمانجو، والمشمش، والسبانخ.
ويعتبر فيتامين (A)، وهو ينتج عن تحويل بيتاكاروتين في الجسم، من أهم مقومات صحة وسلامة الجلد والأغشية المخاطية.
أما الفيتامين (c) فيتوفر بكثرة في الليمون والبرتقال، والكريفون، والجوافة، والفلفل الأخضر، والفراولة، والقرنبيط، والطماطم، والبطاطس.
ويعد فيتامين (C) من أهم مضادات الأكسدة التي تقاوم ؛الجذور الحرة" المسببة للأمراض.
وربما يسهم الفيتامين (C) في الإقلال من ظهور تجاعيد الوجه بسبب الشيخوخة; حيث إنه يساعد على زيادة تكوين مادة الكولاجين في الجلد، وهي المادة التي تمنع ظهور التجاعيد.
وأما الفيتامين (E) فأهم مصادره زيت جنين القمح (Wheat germ oil) وزيت الذرة، وزيت الزيتون، وزيت السمك، كما يوجد بوفرة في الخضروات الورقية مثل الخس، إضافة إلى البقول واللحوم والأسماك.
ويعتبر الفيتامين (E) من أهم مضادات الأكسدة التي تقاوم الجذور الحرة المسببة للأمراض، ويساعد في الوقاية من تصلب شرايين القلب، وربما يساعد في الوقاية من السرطان.
2 - تناول اللبن الزبادي وعسل النحل والثوم:
فقد دلت الدراسات على أن لبن الزبادي يحتوي على مواد تقاوم الميكروبات التي تسبب أمراض الجهاز الهضمي مثل: الدوسنتاريا، كما ينشط الخلايا الآكلة للميكروبات، ويفيد في علاج الإسهالات.
أما عسل النحل فيحتوي على مواد تقاوم الميكروبات، وتقتل الجراثيم، ويفيد في علاج الجروح والقروح، كما يفيد في عدد من الأمراض.
وأما الثوم فله خاصية مقاومة الجراثيم، كما أوضحت دراسات أجريت في أمريكا أن تناول الثوم يساعد في تقوية جهاز المناعة، كما يخفض كوليسترول الدم، ويسهم في الوقاية من مرض شرايين القلب التاجية.
3 - تناول الحبة السوداء (حبة البركة):
فقد أظهرت نتائج البحوث التي أجريت حديثا في أمريكا أن الحبة السوداء تفيد في تقوية الجهاز المناعي للجسم، وقد أوصانا رسول الله باستعمال الحبة السوداء فقال: "عليكم بالحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام" والسام هو الموت، رواه البخاري.
4 - الرياضة وقاية من الأمراض:
تشير نتائج الدراسات إلى أن ممارسات الرياضة البدنية تساعد في الوقاية من أمراض شرايين القلب، وارتفاع ضغط الدم، كما تقلل احتمال الإصابة بالصداع والأرق، والاكتئاب، والتوتر العصبي، ومرض السكر، والسمنة، وتعتبر ممارسة النشاط الرياضي من أهم العوامل التي تساعد على تنشيط المناعة.
5 - الصلاة والصيام:
في دراسة علمية أجراها عدد من العلماء عام 1988م في ولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة على ما يقرب من مائة ألف شخص، ثبت أن الانتظام في العبادة والتقرب إلى الله يقلل من نسبة الوفيات من أمراض القلب، بمقدار (50%) كما يقلل من نسبة الانتحار بمقدار (53%).
وأثبتت الدراسة أيضا أن الانتظام في الصلاة يساعد في تخفيف الاضطرابات العاطفية والعقلية، وأن لها تأثيرًا إيجابيا على العقل والجسم.
والصلاة وذكر الله، وقراءة القرآن تشحن الإنسان بشحنات معنوية تسهم في تنشيط المناعة؛ لأن الإنسان عندما يمتثل لأمر الله وهو مؤمن يجزيه الله أحسن الجزاء "ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما" [طه:112].
ولقد بينت الدراسات أن الطمأنينة التي تبثها الصلاة في نفس المصلي تؤدي إلى إفراز هرمونات خاصة تعمل على تنشيط المناعة.
وأكدت البحوث العلمية أن الصلاة درعٌ واقٍ من المسكرات والمخدرات; حيث يندر تناولها وإدمانها بين المصلين، والصلاة أيضا علاج للإدمان، ولذلك بدأ كثير من المستشفيات في الخارج العمل على إنشاء دور للعبادة في كل مستشفي يعالج الإدمان.
ولقد دلت الدراسات العديدة التي أجريت على الصائمين على أن الصيام يفيد في وقاية الصائم من الأمراض وفي تنشيط المناعة.
6 - المودة والتراحم وحب الناس:
لا يقتصر أثر العلاقات الحميمة بين أفراد الأسرة والأصدقاء على الوقاية من الأمراض النفسية والعضوية فحسب، بل يمتد الأثر ليشمل الوقاية من الأمراض الفيروسية والجرثومية، فقد أظهرت دراسة أجريت في جامعة بنسلفانيا في الولايات المتحدة شملت (276) متطوعا تراوحت أعمارهم بين (18 - 55) سنة، وأعطي كل فرد منهم قطرات أنفية تحتوي على الفيروسات المسببة للزكام، أظهرت الدراسة أن أعراض المرض كانت أقل عند الأشخاص الذين يتمتعون بحب الأقارب والأصدقاء وعطفهم ومودتهم.
7 - الاسترخاء والنوم:
من المعروف أن التعرض للإجهاد المستمر دون راحة أو استجمام يؤدي إلى زيادة حدوث الأمراض المختلفة، فالإجهاد المستمر يمكن أن يضعف قوة الجهاز المناعي، ومن نعم الله على الإنسان نعمة النوم، وقد أظهرت الدراسات الحديثة أن هرمون الميلاتونين الذي يزداد إفرازه أثناء النوم يساعد في تنشيط جهاز المناعة، ومقاومة الأمراض الفيروسية والجرثومية.
8 - الإقلال من تناول الدهون الحيوانية والمداومة على زيت الزيتون:
يؤدي الإفراط في تناول الدهون الحيوانية إلى تصلب الشرايين، ومرض شرايين القلب التاجية، كما يعتبر الإفراط في هذه الدهون من أهم أسباب السمنة التي ثبت أنها تضعف جهاز المناعة، وقد تؤدي إلى الإصابة بمرض السكر وارتفاع ضغط الدم وغيرها من الأمراض.
وهناك دراسات حديثة تشير إلى أن تناول زيت الزيتون يمكن أن يقلل من نسبة حدوث سرطان الثدي والرحم عند النساء، ومن حدوث مرض شرايين القلب التاجية.
9 - نبذ الغضب والقلق والأحقاد:
من المعروف أن الغضب والأحقاد تزيد من إفراز هرمون الأدرينالين والكورتيزون، كما يترتب على ذلك زيادة احتمال الإصابة بجلطة القلب، وتؤكد الدراسات الحديثة أن الغضب يزيد من احتمال حدوث جلطة القلب والسكتة الدماغية، كما أن الغضب والانفعالات الشديدة والأحقاد تضعف جهاز المناعة.
10 - اجتناب المحرمات:
تعتبر المسكرات والمخدرات والزنا من أخطر ما يهدد كيان الإنسان وصحته، وتصيب الإنسان بقائمة طويلة من الأمراض النفسية والعضوية، وكثير من الأمراض المستعصية التي ظهرت في الآونة الأخيرة إنما هي نتاج للوقوع في مثل هذه الرذائل والموبقات التي حرمها الله تعالىعلى العباد
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #432
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 09:46 AM
Parent: #384

مجتمع الضحايا
تحولت ابنة السنوات التسع إلى أم صغيرة.. وصارت من لم تتجاوز الحادية عشرة من عمرها ربة بيت ماهرة!
الطفلتان وضعتهما الأقدار في خضم تجربة فريدة، فقد كان على الأولى أن ترعى شقيقتها - وعمرها عام واحد وبضعة أشهر - في غيبة أمها.. الأم العاملة التي جربت اصطحاب صغيرتها إلى مكان عملها، فاكتشفت أنها بين خيارين ؛ إما أن تنجز عملها أو ترعى طفلتها، ووجدت أن تغيرات الطقس تضر الصغيرة التي كان عليها أن تخرج من تحت الأغطية الثقيلة إلى برد الشتاء القارس، أو تتحمل لظى نهار الصيف القائظ، اقترحت عليها زميلاتها أن تجرب ترك صغيرتها مع ابنتها الكبرى، جربت ونجحت التجربة، واكتسبت الابنة خبرة معقولة في رعاية شقيقتها وإطعامها وتغيير ملابسها وملاعبتها.

أما الثانية: فقد كانت أمها تضطر إلى السفر لاعتبارات أسرية، فتتركها هي وأشقاءها الصغار، وتعطيها الخطوط العريضة في إدارة البيت في غيابها، وتتصل بها دوريا للاطمئنان، فتجد أن كل شيء على ما يرام، وأن الطفلة حلت محل أمها بكفاءة ورضا وعن طيب خاطر، وبصورة يستفيد بها كل من يعرف سن هذه الفتاة الصغيرة.. الكبيرة.

على الطرف الآخر، هناك بيوت تحتوي أمهات يوجهن أمرا لبناتهن مرة واحدة، فإن استجبن فبها، وإن تقاعسن وسوفن استسهلت الأم أن تقوم بما طلبته من ابنتها، وتجنب نفسها عناء تكرار الطلب والتسويف، فتدرك الطفلة نقطة ضعف الأم التي يزعجها بعد ذلك أن ابنتها مهملة، ولا تتحمل المسئولية، ولا تدرك أن تذبذب مواقفها، وعدم إصرارها على أداء ابنتها ما يطلب منها، وتحبيبها في ذلك هما سبب ما تعانيه اليوم.
وتكبر الابنة وتتزوج، ويصبح على كتفيها هم بيت كامل.. تتعثر.. تفشل.. تتمرد.. تتفاقم بينها وبين زوجها الخلافات، يحدث الطلاق، وتعض الأم بنان الندم حين تدرك السبب، ولكن بعد فوات الأوان.

نحن بين موقفين: أطفال يتحملون أكثر من طاقتهم وآخرون مرفهون يتأففون لمجرد اضطرارهم إلى رفع أقدامهم من على الأرض لتنظف الأم مكانها!

بين موقفين متناقضين.. بعيدين عن وسطية الإسلام، فليس مطلوبا أن نحرم أطفالنا من حقوق طفولتهم، ومطالب عمرهم، ونحملهم مسئوليات نضيق نحن الكبار بها ذرعا أحيانا، وليس منطقيا أيضا أن ندللهم إلى حد الرخاوة، وأن نستسهل القيام بما نطلبه منهم حين يتباطؤون.
نحن بحاجة إلى إدراك "فقه" تربية صغارنا على تحمل المسئولية، إلى فهم خصائص كل مرحلة عمرية، وما يمكن أن يتحمله الطفل من مسئوليات، إلى كثير من الجرأة في تفويض بعض مهامنا لصغارنا مع مراقبتهم عن بعد، وإغماض العين عن الأخطاء العابرة، وتشجيعهم على الإنجازات القليلة، وعدم إشعارهم بالعجز والتقصير.

إلى كثير من الصبر على تلكؤ صغارنا وصغيراتنا حين نطلب منهم أداء مهمة ما، ونجد أنفسنا مضطرين إلى تكرار الطلب أكثر من مرة، وبأكثر من صيغة وبأكثر من تعبير على الوجه.. ابتسامة تشجيع.. نظرة عتاب.. عبوس استبطاء.
إلى كظم الغيظ حين يستفزنا أبناؤنا باستهتارهم بما نطلبه منهم، وعدم المبادرة بتنفيذه.
إلى تجاهل ما يضايقنا من تصرفاتهم التي تدل على عدم قدرتهم على تحمل المسئولية، وتكبير حجم أي تصرف - مهما صغر - يتم عن روح المبادرة والإنجاز.

إن الذين يفشلون في زواجهم لعدم قدرتهم على تحمل المسئولية ضحايا تربية غير "مسئولة"، والذين يحمّلون أنفسهم فوق طاقتها؛ لأن من حولهم مقصرون وضحايا أيضا، فهل نتوقع مجتمعا إسلاميا فاضلا ، يمهد للدولة الشاهدة، بينما كل أفراده.. ضحايا؟!
اسلام ويب

Post: #433
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:20 PM
Parent: #384

لم يعد مجديًا في عصر تدفق المعلومات أن يكون المسئولون عن صياغة المستقبل الإسلامي أطفالا عاديين.. قدرتهم على رد الفعل تفوق قدرتهم على الفعل والمبادرة.. يسيرون بجوار الحائط.. وعلى الرصيف، ويفتقرون إلى مهارات الاكتشاف والتحدي والمغامرة المحسوبة.
في الغرب يعدون أطفالهم إعدادًا خاصًا ليواصلوا تحقيق الأهداف الاستعمارية، ويكملوا مسلسل قيادة العالم، وفي الكيان الصهيوني يغذون صغارهم بفكرة إسرائيل الكبرى وأيديولوجية العنف وعقيدة العداء الكامن والمعلن للعرب. فماذا عنًا نحن؟ وماذا يمكن أن نقدم لأطفالنا لكي يكونوا مستعدين لقيادة المستقبل وتحقيق التمكين لأمتهم؟
أوجز إجابة: أننا يجب أن نجعل أطفالنا قادرين على الجهاد والمواجهة والتحدي.. كيف؟
هذا ما توضحه الأستاذة الدكتورة نادية محمود شريف ـ أستاذة علم النفس التربوي المتفرغة، والعميدة السابقة لكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة ـ في بحثها المعنون بـ (مقومات البناء النفسي للطفل القادر على مواجهة التحدي الحضاري)، والذي قدمته أمام مؤتمر (دور تربية الطفل في الإصلاح الحضاري بالقاهرة مؤخرًا).
خصائص الطفل المتحدي
تنطلق د. نادية من حقيقة مؤكدة وهي أن الحاجات الأساسية لطفل اليوم ليست هي الطعام والشراب والمأوى، وإنما أيضًا البيئة النظيفة ماديًا ومعنويا، والصحية نفسيًا وجسميًا، والآمنة التي تعطي المثل الأعلى، وتساعد الطفل على تقويم سلوكه. وتحدد خصائص الطفل القادر علي مواجهة التحدي الحضاري والمعرفي في:
ـ حب المعرفة والتعطش إلى الاستطلاع والتساؤل المستمر.
ـ قبل ذلك.. التمسك بالدين والإيمان بالقيم الأخلاقية، وعدم التنكر للهوية مع القدرة علي التوفيق بين التوجه الروحي والتوجه المادي.
ـ التحلي بمهارات التفكير المنطقي وإدارة الأزمات والتعامل الواعي مع المشكلات والمرونة الفكرية دون إهدار الثوابت، وكذلك القدرة على التنافس الشريف.
ـ الثقة بالنفس والمثابرة والمبادأة وحب التعلم الذاتي المستمر.
ـ حب العمل الجماعي وإيثار التعاون على الفردية.
ـ احترام قيمة الوقت والوفاء بالوعد، وحسن تنظيم الأنشطة المختلفة خلال اليوم بشكل متسق متكامل.
ـ إتقان مهارات القراءة والكتابة والتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، والقدرة على التحليل والتفسير، واستخلاص النتائج، وإصدار القرارات، وضبط الانفعالات.
وهذه المهارات ـ كما تقول د. نادية ـ ليست وليدة يوم وليلة.. فهي حصيلة تراكم تربوي ومعرفي; لأن كثيرًا من التغيرات التي تحدث خلال السنوات الأولى من حياة الطفل تعتبر حساسة ومهمة، ولها تأثيرها على كفاءة وقدرات الطفل في المستقبل.
فالطفل حتى سن الثامنة يكون في مرحلة حساسة جدًا للتعلم والنمو، خاصة إذا تمتعت بيئته بحوافز التعليم، وكانت بيئته جاذبة دافعة إلى النشاط العقلي.
أما أسلوبا التلقين والتعليم من طرف واحد السائدان في المدارس العربية فهما يذهبان بمهارات الطفل أدراج الرياح.
دليل على الإنسانية
ولهذا فمن المهم تنمية قدرة الطفل على ممارسة أشكال التفكير المختلفة باعتبارها توظيفًا للعقل ـ الملكة التي خص الله بها الإنسان ـ فالتفكير إذن دليل علي الإنسانية، وهو يتقاطع مع مهارة اللغة؛ إذ ينشآن كمهارتين مختلفتين، ومع تنوع فرص الاستثارة الفكرية وثراء البيئة المحيطة بالطفل بعوامل الحث على التأمل والتحليل تتقابل المهارتان، وينتقل الطفل من التعبير الحركي عن أفكاره إلى التعبير الرمزي باللغة.. وعاء الفكر.
وترصد د. نادية شريف المهارات الوجدانية والشعورية التي يجب أن يتحلي بها الطفل القادر علي التحدي وهي:
ـ القدرة على التمييز بين الانفعالات (فرح ـ حزن ـ دهشة ـ تساؤل...).
ـ التحكم في ردود الفعل التلقائية.
ـ التعامل مع ضغوط الحياة بصلابة ومرونة في الوقت نفسه.
ـ تفهم انفعالات الآخرين ووجهات نظرهم.
ـ التمييز بين معايير السلوك المقبول والمرفوض.
ـ النظر إلى الذات بإيجابية وثقة.
ـ وتقول: إن هذه المهارات غائبة أو ـ على الأقل ـ نادرة عند طفل اليوم الذي يغلب على سلوكه الاستسلام واليأس، وعدم التفاؤل أو وضوح الرؤية أو تحديد الهدف مع تواضع الطموح العلمي والمهني والأخلاقي، وتصاعد المطامع المادية.
المعلم الذي نريده
هذه الخصائص والمهارات لا يمكن أن تتأتى للطفل ـ كما تؤكد د. نادية ـ في ظل غياب دور الأسرة والمدرسة في إنتاج الشخصية القادرة على التحدي.
من هنا لابد من إعادة صياغة دور المعلم باعتباره الوسيط الرئيس في المنظومة التعليمية، وليس مجرد ناقل للمعرفة.
ولذلك فعليه أن يخلق لدى تلاميذه الإحساس بالانتماء إلى المدرسة وحجرة الدراسة، وأن يتحلى بالصبر والحب، ويوفر فرص التعلم الجماعي والتعاوني لتلاميذه دون التعتيم على المسئولية الفردية عن الذات.
وحتى تتضافر الأسرة والمدرسة في صياغة الطفل المتحدي لابد أن يتكاملا في فهم وتوصيل قيمة التعلم الوظيفي للطفل أي التعلم لهدف، وليس لمجرد اكتساب المعلومة، وللتعلم الخلاق الهادف عدة أشكال يجمعها كلها البعد عن التلقين السلبي والتعامل مع الطفل كأساس للعملية التعليمية، وجعل حجرة الدراسة ساحة للحوار الثري بين المعلم وتلاميذه.
من هذه الأشكال:
التعليم الاستكشافي الذي يعين الطفل على معرفة البيئة المحيطة به، والتعليم الابتكاري، الذي ينمي مهارات الإبداع والتحليل والنقد والتعليم التوقعي القائم على تسليح الفرد بالقدرة علي مواجهة المفاجآت، والاستعداد للاحتمالات المتوقعة، ثم التعليم التعاوني من خلال الفريق متعدد المواهب.. متكامل الخبرات بدلا من التعلم الفردي أو التنافس غير الشريف.
ولما كانت الأسرة والمدرسة شريكتين في عملية التربية فإن وجود صلة وثيقة مباشرة بين الطرفين تساعد كليهما علي القيام بدوره المنشود في إعادة تقييم المؤسسات العاملة في مجال الطفولة وأدوارها المختلفة، وعدم القبول لكل ما يبث من خلال وسائل الإعلام، خاصة ما يدس فيه السم الفكري والأخلاقي في عسل الإبهار الفني والتكنولوجي.

إن البيت المسلم لا يمكن أن يصح بناؤه بالانعزال عن الطفرات التكنولوجية أو المعرفية، ولا بالانبهار المبالغ فيه بها، وإنما بالوقوف في منطقة وسط بين العزلة والانبهار، منطقة الفهم والقدرة على توظيف هذه الطفرات لصالح تربية الطفل وبناء المجتمع المنشود
اسلام ويب

Post: #434
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:22 PM
Parent: #384

وجه غاضب، عبوس، مكفهر، وجه هادئ، بشوش، مبتسم، شتان بينهما، أليس كذلك؟
وربما تندهشين إذا عرفت أن هذا الفارق الكبير الذي بين الوجهين - لم يصنعه سوى الماء - الماء فقط، ولكن ليس أي ماء، إنه ماء الوضوء، فنبينا (صلى الله عليه وسلم) حين أوصانا بألا نغضب، وحين أشفق علينا من أن نعجز عن مقاومة نوازع وأسباب الغضب، فدلنا على أنجح وأنجع أساليب المواجهة؛ "الوضوء" كان أرفق بنا من أنفسنا، وكان يدرك تمامًا أن المشاعر والملامح تتغير كلية من الغضب إلى السلام النفسي بعد الوضوء، وأن المتوضئين والمتوضئات أوضأ وجوهًا، وأصفى نفوسًا، وأرق شعورًا، وأرقى أخلاقًا.
وقد أثبت العلم الحديث كثيرًا من الفوائد العضوية للوضوء.. أيضا، فالمسلم حين يتوضأ يلمس مراكز حس معينة، ومناطق محددة في جسده بينها صلة توافق وتكامل، مما يؤدي في النهاية إلى الإحساس بالراحة الجسدية، ودعم القدرة على مقاومة الأمراض.
فما أجمله من دين! يمنح المنتمين والمنتميات له انتماءً صادقا، صفاء النفس، وجمال الملامح، وقوة البدن بشعيرة الوضوء وحدها، فما بالك بباقي أحكامه وسننه؟!
لذلك حين تغضبين وقبل أن تغضبي، وحتى لا تغضبي فقط توضئي.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #435
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:24 PM
Parent: #384

من الرجولة
- أن تعلو الابتسامة وجهك في بيتك.
- ألا تحول بين زوجتك وأسرتها بأن تمنعها من زيارتهم.
- ألا تسيء استقبال والديها وإخوتها وأقاربها عندما يزورونك.
- أن تعفي زوجتك - خاصة إذا كانت عاملة - من مهمة التسوق والشراء، أو على الأقل تحمل عنها المشتريات بمجرد وصولها إلى البيت وتساعدها في تنظيمها وحفظها.
- ألا تنقاد لآراء زملاء دراستك أو عملك دون تفكير، أو تفرض عليهم وجهات نظرك قسرًا.
- أن يكون الحوار منهجك مع أبنائك، وأن تصل معهم إلى مرحلة يشعرون فيها بأنهم يحترمونك ويحبونك أكثر مما يخافونك.
- أن تأخذ بزمام المبادرة بين جيرانك عندما يتطلب الأمر إصلاحات عامة ((المصعد، موتور المياه)) وغير ذلك، وأن تكون إيجابيا فيما يتعلق بالصالح العام في بيتك ومنطقتك وعملك.
- ألا تترك زوجتك تذهب إلي الطبيب بمفردها مكتفيا بإعطائها مصروفات العلاج، فالحنو والمشاركة في حالة المرض أعمق أثرًا من مجرد العطاء المادي.
- أن تشارك في الأعمال المنزلية، وتتفقد أحوال أبنائك الدراسية غير مكتف بدور الممول فقط.
- ألا تبخل على زوجتك باحتياجاتها الشخصية بدعوى أنها تعمل ولها دخل مستقل.
- أن تغمر زوجتك بالحب في علاقتكما الخاصة، وألا تعتبر هذه العلاقة فرصة لإظهار الرجولة الجسدية وحدها.
ليس من الرجولة
- أن تتحين كل أول شهر؛ لتستولي على راتب زوجتك العاملة، وتستحل تعبها.
- أن يسبقك ((شخطك ونطرك)) قبل دخولك البيت، بحيث تنزوي زوجتك وأولادك في ركن خوفًا منك.
- أن تسخر من آراء زوجتك، وتتهمها بالتفاهة، وتعتبر كل نقاش بينكما فرصة لاستعراض عضلاتك الثقافية على حساب شريكة حياتك.
- أن تتفاهم مع أولادك بالعصا والصوت العالي، فيسمعون كلامك، وهم غير مقتنعين به، ويبحثون عن فرصة لعمل ما يريدون، حتى ولو من وراء ظهرك.
- ألا تمل من ترديد جملة ((أنا الرجل)) في كل مناسبة نقاش من زوجتك، أو خلاف في وجهات النظر بينك وبين شقيقتك، فمع التكرار ستفقد الجملة معناها.
- أن تستلقي في استرخاء لتقرأ الصحيفة، أو تشاهد برامجك المفضلة، بينما زوجتك تدور كالنحلة في البيت بعد عودتها من عملها، وأنت تستعجل الغداء أو تتهمها بالتلكؤ، وتستهين بإرهاقها.
- ألا تسمح لزوجتك بإبداء رأيها في موضوع ما، وتعتبر مجرد استفسارها عن ملحوظة معينة، أو أمر وجهته إليها خروجًا علي حق الطاعة.
- أن تتبسط في الحديث مع زميلات العمل أو الدراسة، وترفع الكلفة بينكم.
- أن تتعلل بانشغالك، فتقصر في بر والديك وصلة رحمك، وتحمل زوجتك عبء القيام بالواجبات الاجتماعية وحده
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #436
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:27 PM
Parent: #384

من كان له طفل فليتصابى له
قالت لي صديقتي: كنت أنتظر مولودي الأول، وذات يوم اصطحبني زوجي في نزهة، وفي النادي لمحنا رجلا جاثيا على ركبتيه في حديقة الأطفال يلاعب طفله الذي مازال يحبو.
انتقد زوجي ما يفعله هذا الأب، وتغيرت ملامح وجهه، وكأنه يشفق عليه من تعليقات رواد الحديقة، وقتها قلت له مداعبة: الأيام بيننا، وستفعل مثلما يفعل عندما يأتي طفلنا، فرد علي باستنكار: أنا محال.
ومرت شهور الحمل، وجاءت طفلتي الأولى، وكبرت، وحَبَت، وحملها زوجي على ظهره، وانحني أمامها ليلاطفها وجها لوجه، وتنازل لها عن ركبتيه لتستخدمهما كأرجوحة.
وحين ذكرته بالموقف القديم ضحك وقال: صحيح.. من سمع ليس كمن رأى.
فبادلته الضحك وقلت: بل من كان له صبي فليتصابى له، كما قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
ولأن هذا الحديث يتفق مع الفطرة الإنسانية السليمة، فقد فعلت يا زوجي ما اعتبرته منذ عامين محالا.
ويشرح د. علي الحمادي - مؤسس ورئيس مجلس إدارة مركز التفكير الإبداعي بدولة الإمارات المتحدة - بعض دلالات هذا الحديث النبوي الشريف فيقول: إن كل إنسان يمر في حياته بمراحل متعددة، ولكل مرحلة طبيعتها المميزة، فالطفل له طبيعة تختلف عن طبيعة الشاب، وطبيعة الشاب تختلف عن طبيعة الشيخ المسن، والرجل تختلف طبيعته عن طبيعة المرأة، وهكذا. ولذا يجب علي الإنسان أن يتعامل مع الآخرين بما يتناسب وطبيعة مرحلتهم، بل يجب عليه أن يترك الآخرين يعيشون مرحلتهم، فالطفل يحتاج إلى إشباع حاجة اللهو واللعب، والمرأة تحتاج إلى التدليل، والوالدان يحتاجان إلى البر..إلخ.
من الأخطاء التي يرتكبها بعض الناس أنهم يريدون من الطفل أن يكون رجلا فيترك اللعب واللهو، ومن المرأة أن تتعامل بخشونة وكأنها رجل، وكل ذلك لا يصح؛ لأنه مخالف للطبيعة والفطرة البشرية، وقد يتسبب في نشأة الإنسان نشأة غير سوية، وربما لا يظهر ذلك إلا بعد حين، وصدق المتنبي:
فإن الجرح ينغر بعد حين .... إذا كان البناء على فساد
لقد كان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يلعب مع الأطفال، ويمازحهم، فقد ثبت في الصحاح أن رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قبل ابنه إبراهيم وشمه، وأنه تأخر في السجود تأخرًا ملحوظا، فلما سئل عن السبب بعد الصلاة قال: ((إن ابني ارتحلني وأنا ساجد فكرهت أن أعجله))، وكان الذي فعل ذلك هو الحسن ابن ابنته فاطمة رضي الله عنهم أجمعين.
كما ثبت أنه كان يضع الطفل في حجره حتي ربما يبول عليه، فكان يرش موضع البول بالماء، وثبت أنه حمل أميمة بنت ابنته زينب على عاتقه وهو يصلي.
وأخرج الحاكم عن ابن عباس (رضي الله عنهما) قال: أقبل النبي (صلي الله عليه وسلم) وقد حمل الحسن على رقبته، فلقيه رجل فقال: نعم المركب ركبت يا غلام، فقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم): ((ونعم الراكب هو)).
وأخرج ابن سعد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: كان رسول الله (صلي الله عليه وسلم) يدلع لسانه - أي يخرجه - للحسن بن علي، فإذا رأي الصبي حمرة اللسان يهش إليه، أي يسر، وتنبسط أساريره.
وأخرج ابن سعد عن عبد الله بن الزبير (رضي الله عنهما) قال: أشبه أهل النبي (صلي الله عليه وسلم) وأحبهم إليه الحسن بن علي، رأيته يجيء وهو ساجد فيركب رقبته - أو قال ظهره - فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر.
ويروي ابن أبي الدنيا وابن عساكر عن جبلة بن سحيم قال: دخلت على معاوية بن أبي سفيان - وهو في خلافته - وفي عنقه حبل، وصبي يقوده، فقلت له: يا أمير المؤمنين، أتفعل هذا؟ قال: يا لكع، اسكت، فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((من كان له صبي فليتصاب له))، وقال ابن عساكر: غريب جدا.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #437
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:28 PM
Parent: #384

لأن البيت العربي ما زال يرى في الإجازة نومًا للظهر، وراحة، ومشاهدة مستمرة للتليفزيون، وأيامًا بلا نظام محدد، فإن هناك مجموعة أخطاء يقع فيها أولادنا في الإجازة، وتؤثر علي أدائهم الدراسي حين يعودون إلي المدرسة.
حاولي ، منذ الآن وقد بقي حوالي شهر أو أقل على بدء الدراسة، علاج هذه الأخطاء حتى لا يصبح الأسبوعان الأولان من الدراسة أو أكثر منهما شدًا وجذبًا وتوترًا وعصبية.
في الإجازة لا يستيقظ الأولاد في وقت معين، وينامون كما يروق لهم، فهل يمكن أن تلزميهم بالنوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا عندما تبدأ الدراسة؟ ـ لا طبعًا ـ لأنهم سيقاومون هذه النقلة الفجائية، ولذلك عليك بالتدرج.. اجعليهم ينامون قبل نصف ساعة من موعدهم المعتاد كل يوم والاستيقاظ قبل موعدهم بنصف ساعة أيضًا، ويومًا بعد يوم سيعودون للنوم والاستيقاظ المبكر.
في الإجازة غالبًا يتناول الأطفال وجبتي الغداء والعشاء، أو يكتفون بالمثلجات والشطائر؛ ولذلك لن يلتزموا بتناول الإفطار قبل الذهاب إلي المدرسة، وأنت تعلمين قدر أهمية وجبة الإفطار في تحقيق التركيز والحيوية أثناء اليوم الدراسي.
وحتى تتغلبي على هذه المشكلة.. أيقظي أولادك لتناول الإفطار، وصممي على ذلك. وإن رفضوا اقترحي عليهم تناوله ثم النوم مرة أخرى، أو ارفضي أن يتناولوا أي شيء بعد استيقاظهم حتى موعد الغداء، وإذا قرصهم الجوع.. سيفطرون بعد ذلك.
اجعلي شراء مستلزمات الدراسة، والحديث عن العام الجديد، وأسلوب وخطة المذاكرة من بدائل التليفزيون الذي يسرق وقت الأبناء، وبالتدريج ـ ومع توافر بدائل أخري.. كالنزهات الأسرية والزيارات العائلية، ومسابقات القراءة وغيرها ـ ستقل ساعات المشاهدة ويخف الإدمان التليفزيوني الذي يؤثر على ساعات مذاكرة الأولاد، خاصة في بداية العام الدراسي.
لا تهملي هذه الأخطاء التي يفسد استمرارها عليك وعلى أبنائك بداية العام الدراسي، وذلك حتى نفهم ويفهم أبناؤنا أن الإجازة لا تختلف عن الدراسة سوى في تغيير نوع النشاط، وأنها لا تعني عدم القيام بأي نشاط.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #438
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:31 PM
Parent: #384

تسأل راوية مصطفى - القاهرة - فتقول: كنت أتمتع بذاكرة طبيعية، ولكنني في الفترة الأخيرة بدأت أعاني من النسيان، أدخل الغرفة في بيتي لغرض ما، فأبقي داخلها عدة دقائق حتى أتذكر سبب دخولي، أقف أمام الثلاجة محاولة تذكر ما أريده منها دون جدوى، وغير ذلك من المواقف التي تضايقني وتؤثر على استقراري الأسري، فهل هناك وسيلة للتغلب على ضعف الذاكرة.

النسيان سمة من سمات العصر، فهو مرتبط بمشكلات عديدة نشأت وتزايدت في النصف الثاني من القرن العشرين.
ويصيب النسيان الإنسان عادة بعد سن الخمسين، وربما يصاب به في سن أقل من ذلك، ولكنك لم تذكري عمرك في رسالتك، والنسيان في أبسط صوره هو عدم مقدرة المرء على تذكر الأحداث القريبة أو الأسماء أو الأرقام أو المحادثات.
ولقد نشرت مجلة نيوزويك الأمريكية دراسة علمية عن أهم أسبابه، وقد دلت نتائج البحوث الحديثة على أن الإجهاد البدني والذهني، دون إعطاء الجسم والمخ قسطا وافرًا من الراحة والترفيه والاسترخاء يؤدي إلى إفراز هرمونات الأدرينالين ومشتقات الكورتيزون.
وقد ثبت أن هذه المشتقات تقلل الطاقة الحرارية بالمخ، واللازمة لأداء العديد من وظائفه، مثل التذكر والتفهم وتلقي المعلومات.
وتساعد الهرمونات الناتجة عن فرط الإجهاد البدني والذهني على تكوين المواد المؤكسدة، وتأكد علميا أنها من أهم أسباب النسيان، وربما كانت سببا من أسباب مرض الزهايمر.

وتعتبر الشيخوخة من أهم العوامل التي تسبب النسيان؛ حيث أثبتت الدراسات أن معدل الإصابة بالنسيان ارتفاعا ملحوظا بعد سن الستين وبتقدم السن.
ويرتبط النسيان ارتباطا وثيقا بمشكلات هذا العصر ومحدثاته، ودلت البحوث على أن تلوث الهواء والماء والغذاء بالمعادن الثقيلة، مثل الزئبق والرصاص والألومنيوم يعتبر من أهم أسباب نسبة الإصابة بضعف الذاكرة.
ولما كان النوم المعتدل والطبيعي من أهم العوامل التي تساعد على تنشيط الذاكرة، فإن عدم أخذ قسط وافر من النوم، مثلما يحدث عند الإصابة بالأرق أو استعمال الأدوية المنشطة لفترات طويلة، يؤدي إلى ضعف الذاكرة.

وينصحك د. عز الدين الدنشاري - الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة - بأنه للوقاية من النسيان يجب أخذ قسط وافر من الراحة والاسترخاء، والترفيه، وممارسة الرياضة البدنية، واجتناب المخدرات والكحوليات والتدخين!!.
ولقد دلت الدراسات التي أجريت في جامعة جنوب كاليفورنيا على أن أفرادا تزيد أعمارهم على 70 سنة يتمتعون بقوة الذاكرة، وذلك بسبب ممارستهم للرياضة البدنية التي تساعد على تنشيط الدورة الدموية بالمخ، كما تساعد في وقاية شرايين المخ من الإصابة بالجلطة، بالإضافة إلى أن ممارسة الرياضة تساعد على إفراد مواد من شأنها المحافظة على سلامة أعصاب المخ.
ولقد بينت نتائج البحوث الحديثة أننا نستطيع مقاومة النسيان باستعمال المواد الطبيعية، التي ربما كانت غذاء نتناوله أو مواد مضافة إلى الغذاء أو من الأعشاب التي تنشط الدورة الدموية بالمخ.

ويعتبر الثوم من أهم ما ينشط الذاكرة؛ حيث أثبتت البحوث أن تناول نصف فص إلى ثلاثة فصوص من الثوم، بعد تقطيعها، يوميا يقي الإنسان من عجز الذاكرة والتفكير واكتساب المعرفة.
ويفيد الثوم أيضا في الوقاية من أمراض كثيرة، مثل أمراض الكولسترول والجلطة والسرطان.
ويساعد في تنشيط الذاكرة تناول الأغذية الغنية بالفيتامينات "ب6" و"ب12" وحمض "الفوليك" مثل الفول، والسبانخ، والطماطم، والبصل، وزيت الزيتون، وزيت بذرة الكتان "الزيت الحار" وفول الصويا، كما تتوافر في الأسماك والبرتقال والموز.
ويفيد تناول الشاي الأخضر والشاي الأسود المضاف إليه النعناع في تنشيط الذاكرة ومقاومة النسيان.
ومن الأعشاب التي ثبت أنها تنشط الذاكرة، جذور نبات الجنسنج التي تحتوي على عناصر تأكدت فعاليتها في تحسن وظائف المخ، والتغلب على الإرهاق والتعب وهما من أهم العوامل المسببة للنسيان.
وهناك دراسات حديثة تفيد إمكانية استخدام العلاج بالجينات في مقاومة النسيان، ومقاومة أخطر أمراض الذاكرة وهو مرض الزهايمر التي بينت الإحصائيات الطبية أنه يصيب نحو 10% من الأفراد فوق سن 65 سنة، وتنخفض نسبة الإصابة به في أعمار تقل عن 65 سنة.

ولا يفوتنا أن ننبهك إلى أهمية الحرص على قراءة القرآن وحفظه، مهما كان ذلك صعبا بالنسبة لك، فهذا هو خير تمرين للذاكرة، ولا ننسى الأذكار والدعاء، رزقك الله وإيانا يقظة العقل ويسر الحفظ.
نور الهدي سعد -اسلام ويب

Post: #439
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:34 PM
Parent: #384

تحنيك المولود.. إعجاز طبي نبوي
لقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما برعاية الطفولة والأمومة في مراحلها كلها اهتماما لا يدانيه ما تتحدث عنه منظمات الأمم المتحدة، وحقوق الإنسان والمنظمات الصحية العالمية.
ولا تبدأ رعاية الطفولة منذ لحظة الولادة، بل تمتد هذه الرعاية منذ لحظة التفكير في الزواج، فقد أمر (صلى الله عليه وسلم) باختيار الزوج والزوجة الصالحين، وقد اهتم الإسلام اهتماما عظيما بسلامة النسل، وبكيان الأسرة القوي، ليس فقط من الجانب الأخلاقي، إنما ضم إليه الجوانب الوراثية الجسدية والنفسية، وتستمر هذه الرعاية والعناية في مرحلة الحمل، وعند الولادة والرضاع، ومراحل التربية والتنشئة التالية، ومن مظاهر هذا الاهتمام تحنيك المولود.
أخرج البخاري في صحيحه عن أسماء بنت أبي بكر (رضي الله عنهما): أنها حملت بعبد الله بن الزبير بمكة، قالت: خرجت وأنا متم (أي قد أتممت مدة الحمل الغالبة وهي تسعة أشهر)، فأتيت المدينة، فنزلت قباء، فولدت بقباء، ثم أتيت رسول الله (صلي الله عليه وسلم) فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله (صلي الله عليه وسلم) ثم حنكه بالتمر، ثم دعا له فبرَّك عليه.
وفي الصحيحين عن أبي موسى الأشعري قال: "ولد لي غلام فأتيت النبي (صلي الله عليه وسلم) فسماه إبراهيم وحنكة بتمرة، وزاد البخاري: "ودعا له بالبركة ودفعه إلي".
ويوضح التفسير العلمي للتحنيك أن مستوى السكر "الجلوكوز" في الدم بالنسبة للمولودين حديثا يكون منخفضًا، وكلما كان وزن المولود أقل كلما كان مستوى السكر أكثر إنخفاضا. وبالتالي فإن المواليد الخداج "وزنهم أقل من 2.5كجم" يكون منخفضا جدا، بحيث يكون في كثير من الأحيان أقل من 30 ملليجرام لكل 100 ملليلتر من الدم، وأما المواليد أكثر من 2.5 كجم، فإن مستوى السكر لديهم يكون عادة فوق 30 ملليجرام.
ويعتبر هذا المستوى (20 أو 30 ملليجرام) شديد الهبوط في مستوى سكر الدم، ويؤدي ذلك إلي الأعراض الآتية:
- أن يرفض المولود الرضاعة، وارتخاء العضلات.
- توقف متكرر في عملية التنفس وحصول ازرقاق الجسم.
- اختلالات ونوبات من التشنج.
- وقد يؤدي ذلك إلى مضاعفات خطيرة مزمنة وهي:
1 - تأخر في النمو.
2 - تخلف عقلي.
3 - الشلل الدماغي.
4 - إصابة السمع أو البصر، أو كليهما.
5 - نوبات صرع متكررة "تشنجات".
وإذا لم يتم علاج هذه الحالة في حينها قد تنتهي بالوفاة، رغم أن علاجها سهل ميسور وهو إعطاء السكر الجلوكوز مذابا في الماء إما بالفم أو بواسطة الوريد.

إن قيام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتحنيك الأطفال المواليد بالتمر بعد أن يأخذ التمرة في فيه، ثم يحنكه بما ذاب من هذه التمرة بريقه الشريف فيه حكمة بالغة، فالتمر يحتوي على السكر "الجلوكوز" بكميات وافرة، وخاصة بعد إذابته بالريق الذي يحتوي علي أنزيمات خاصة تحول السكر الثنائي "السكروز" إلى سكر أحادي، كما أن الريق ييسر إذابة هذه السكريات، وبالتالي يمكن للطفل المولود أن يستفيد منها.
وبما أن معظم ـ أو كل المواليد ـ يحتاجون للسكر الجلوكوز بعد ولادتهم مباشرة، فإن إعطاء المولود التمر المذاب يقي الطفل بإذن الله من مضاعفات نقص السكر الخطيرة التي ألمحنا إليها.
إن استحباب تحنيك المولود بالتمر هو علاج وقائي ذو أهمية بالغة، وهو إعجاز طبي لم تكن البشرية تعرفه، أو تعرف مخاطر نقص السكر "الجلوكوز" في دم المولود.
وإن المولود، وخاصة إذا كان خديجًا، يحتاج ـ دون ريب ـ بعد ولادته مباشرة إلى أن يعطى محلولا سكريا، وقد دأبت مستشفيات الولادة والأطفال على إعطاء المولودين محلول الجلوكوز ليرضعه المولود بعد ولادته مباشرة، ثم بعد ذلك تبدأ أمه بإرضاعه.

إن هذه الأحاديث الشريفة الواردة في تحنيك المولود تفتح آفاقا مهمة جدا في وقاية الأطفال، وخاصة الخداج "المبتسرين" من أمراض خطيرة جدا بسبب إصابتهم بنقص مستوى سكر الجلوكوز في دمائهم، وإن إعطاء المولود مادة سكرية مهضومة جاهزة هو الحل السليم والأمثل في مثل هذه الحالات، كما أنها توضح إعجازًا طبيا لم يكن معروفا في زمنه (صلى الله عليه وسلم) ولا في الأزمنة التي تلته، حتى اتضحت الحكمة من ذلك الإجراء في القرن العشرين.
..........................................................
من مقال للدكتور محمد على البار بمجلة الإعجاز العلمي.

Post: #440
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:37 PM
Parent: #384

عندما تذهب الأم للعمل، أو لقضاء بعض لوازم المنزل، توجه نصائحها، وربما تكون أوامر، أعدي الفطور لأخوتك، رتبي المنزل، راقبي أخواتك الصغار، بالإضافة إلى قائمة أخرى من الأوامر، ولا تفكر الأم أن توجه ولو أمرًا واحدًا لطفلها الولد.
تظل الأم هكذا، ويكبر الولد ومعه هذا الفهم الخاطئ بأنه غير مسئول عن أي شيء، سواء داخل المنزل أو خارجه، وتبدأ معاناة الأم بعد ذلك، ولا يفيد في ذلك الوقت النصح والإرشاد، فقد فات الأوان، "فمن شب على شيء شاب عليه".

ـ الأمهات: أخطأنا من البداية؛ لعدم جعل أولادنا يعتمدون على أنفسهم، ويشاركون أخواتهم البنات في عمل المنزل.
ـ الزوجات: تدليل الولد في مرحلة الطفولة جعله زوجا غير قادر على تحمل مسئولية البيت والأولاد.
ـ د. نصر الدين شهاب: تقسيم تربية الأبناء لمراحل ثلاث فلسفة تربوية عميقة
ـ د. عرفة عامر: عدم تربية الأبناء على تحمل المسئولية يجعلهم غير قادرين على التعامل مع محن وتجارب الحياة

نتيجــة التدليـل
تشكو ع.أ - موظفة بإحدى الشركات - من ابنها البالغ من العمر 25 عاما، الذي دللته كثيرًا في صغره، وكانت تلبي له كل طلباته، ولم تعوده الاعتماد على نفسه، حتى اعتاد على ذلك، وليست لديه رغبة في العمل، رغم وجود الفرص المناسبة التي عرضت عليه، إلا أنه رفضها جميعا، وأنا الآن وصلت إلى سن أحتاج فيه إلى الراحة، والرعاية، والمساعدة حيث لم أعد قادرة على القيام بكل شيء، ومع ذلك فهو لا يحضر كوب ماء لنفسه، وأنا في شدة الأسف؛ لأنني لم أعوده على العمل، والاعتماد على نفسه، فهذه هي النتيجة.
كما أنه يركن إلى الراحة والخمول، فلم يخرج للبحث عن عمل رغم مهاراته العالية، ومؤهله العالي، إلا أنه اعتاد على الراحة، وعدم تحمل المشقة؛ لذلك فهو ينتظر عمل لا تعب فيه، ولا جهد يبذله، فأنى له بهذا؟

(ف.م) - ربة منزل - تقول: هذا للأسف اعتياد خاطئ أن يكون الولد في البيت هو المطاع من أخواته البنات، يلبين له كل طلباته، حتى ولو كان أصغر منهن.
وكذلك أن تقوم البنت بكل أعمال المنزل، فهذا ضغط كبير عليها، وعدم مشاركة أخيها لها.
وهذا التعود لا نلاحظه في الريف، فالولد هناك يعتاد العمل الصعب الشاق منذ صغره، ويعتمد على نفسه، حتى يشب مساعدًا لأبيه في الحقل أو في مهنته.
لكننا للأسف عودنا أولادنا الذكور أن هذا حق مكتسب لهم، وأن عليهم الأمر، وعلينا الطاعة؛ لذلك ينشأ الزوج، وهو معتمد على زوجته في كل شيء، فإذا تعبت أو احتاجت لبعض الراحة تغير كل شيء في حياة الأسرة، فلا تجد من يستطيع القيام بما كانت تقوم به الأم، وهذا خطأ كبير في التربية يجب أن نتداركه في الأجيال القادمة.

شيرين كمال - زوجة وتعمل أخصائية اجتماعية في إحدى المدارس - تقول: عمل البيت على الزوجة، والزوج يكفيه ما يلاقيه من تعب ومشقة طوال النهار، وأحيانا يعمل في الليل ليوفر نفقات أسرته، لكني مع عملي أحتاج لمساعدته لي في بعض الأحيان، ولكن لشغله، وعدم تفرغه لا يجد وقتا لذلك، فالزوج يشعر دائما أن زوجته هي المسئولة عن كل أعمال المنزل، حتى لو كانت تعمل; لأنه اعتاد على ذلك في بيت والديه قبل الزواج، أن يرى أمه وأخواته البنات يقمن بكل أعمال المنزل.
وتؤكد والدتها هذا الكلام؛ حيث تقول المسئولية تقع على الأم منذ البداية، فولدي محمد اعتاد أن يفعل بعض الأمور البسيطة مثل: الإفطار، أو العشاء؛ لأنه تعود على هذا منذ الصغر، أما أحمد فلا يرتب حتى غرفته، ويرمي كل ما يخصه في أرجاء المنزل، وأنا أعترف أن هذا خطأ مني، فلو عودتهم من صغرهم المشاركة في عمل المنزل، ما كان هذا حالهم، ولأنهم كانوا يروني أنا وأخواتهم البنات نقوم بكل أعمال المنزل، فالآن تزوجت البنات، وأنا كبرت، وأحتاج لمساعدتهم، ومع ذلك يتركون كل شيء لي.

مجتمع ذكوري
شادية سعد - متزوجة حديثا ولا تعمل - تقول: البنت مثل الولد في كل شيء، فكل منهما عليه واجبات يجب أن يؤديها، وله حقوق يجب أن يأخذها، ولكننا في هذا المجتمع الشرقي نفرق بين الولد والبنت، فالولد منذ صغره يتحكم في أخته، ويظن أن عليها القيام بكل أعمال المنزل، وتلبية طلباته، فنحن نعيش في مجتمع ذكوري يعترف بالذكور أولا ، ثم بعد ذلك الإناث.
وإذا حملنا الفتاة فوق طاقتها، فهذا ظلم لها، ولو قسمت الأم المسئولية بينهما في الصغر لشب الولد وهو معتمد على نفسه قادرا على تحمل المسئولية.

النتيجــة الطــلاق
أ.س - 25 سنة مطلقة من سنتين - تقول: إن أحد الأسباب الأساسية للطلاق، كانت عدم قدرة زوجي على الاعتماد على نفسه في أي شيء، فكل صغيرة وكبيرة في حياتنا، كان يرجع فيها إلى أمه، حتى يعرف كيف يفكر فيها، وباستمرار تدخل الأهل تأتي المشاكل التي لا يتحملها البيت.

نمـاذج مثـالية
ولكن على الرغم من ذلك هناك نماذج مثالية لأزواج يساعدون زوجاتهم في أعمال المنزل، والأولاد يقومون بعمل المنزل كله، مثل هذه الأسرة التي تعمل فيها الأم، حتى وقت متأخر، ولديها أربعة أبناء ذكور، فعودت كل واحد منهم على القيام بعمل ما داخل البيت، فمنهم من يقوم بتنظيف المنزل، وآخر يعد الطعام، وثالث يغسل الأطباق، حتى ينتهوا من عمل المنزل كله، ومع ذلك فهم شباب متفوقون في أعمالهم ودراستهم، فهل يوجد في المجتمع مثل هذه الأسرة؟.

مسئــولية مضاعفــة
وفي هذا الموضوع يتحدث د. نصر الدين شهاب - أستاذ التربية النوعية جامعة حلوان - حيث يقول: كي ينشأ الأبناء على تحمل المسئولية والاعتماد على الذات، فهذا يعتمد على عدة جوانب؛ حيث لا تقع مسئولية التربية على الأسرة وحدها، إنما أصبح هناك الآن نوع من التحدي والمشاركة في التربية، فكل من المدرسة والكلية، أو المعهد، ووسائل الإعلام له دور فيها.
ومن كل هذه المؤسسات يكتسب الأولاد السلوكيات سواء كانت حميدة أو غير ذلك، وبالتالي تضاعفت مسئولية الأسرة، فلم تعد المؤثر الوحيد في الأبناء، وأصبحت المهمة الملقاة على عاتق الوالدين كبيرة، فلابد من الاهتمام بالأبناء منذ ولادتهم، ولابد من متابعة نموهم وخصائص كل مرحلة في حياتهم.
والحديث في هذا الموضوع سهل، ولكن تطبيقه صعب؛ لأننا عندما نعطي أولادنا قدرًا من الاستقلالية والاعتماد على النفس، بحدث خلط بين التحرر والتحلل، فالتحرر مستقل ومرتبط بضوابط معينة، أما التحلل مطلق، والتحرر يعني الحفاظ على مقومات الشيء كي يؤدي وظائفه بعيدا عن أي ضغوط، أما التحلل فيعني التفكك والتفتت.

فلسفـة تربـويـة
وقد وضع الإمام علي (رضي الله عنه) فلسفة تربوية تعد نظام تعليمي شديد العمق، وهو يعتمد على تقسيم مراحل عمر الأبناء إلى ثلاثة مراحل، كل مرحلة لها خصائصها، وكيفية التعامل مع الابن فيها; حيث قال (رضي الله عنه): "لاعب ابنك سبعا، وأدبه سبعا، وصاحبه سبعا، ثم اترك له الحبل على غاربه".
فلابد أن يستشعر الطفل خلال سنين عمره الأولى كل معاني الخير، حتى يكون إيجابيا في المجتمع، ويكون فكرة صائبة عن العالم من حوله، ولا تكون لديه رهبة، أو خوف من التعامل مع الآخرين.
ثم تأتي المرحلة التالية في حياة الأبناء، وهي تعتمد على التربية بالثواب والعقاب، ومن الممكن أن يكون العقاب واضحا إذا ما أخطأ الابن، كذلك على الوالدين تربية ابنهما على تحمل مسئولية كل ما يصدر عنه من أفعال، وكل هذا يتحول إلى سلوك؛ حيث يصبح جزءًا من تكوين شخصيته، ويترسخ بداخله هذا التعليم، وكيفية تنظيم الوقت، والاعتماد على النفس، ومشاركة الغير في العمل النافع.

طابـع عقلــي
ويضيف د. نصر الدين فيقول: ثم ننتقل بعد ذلك إلى المرحلة التالية، وهي فترة الشباب، والنضج، وفهم أمور الحياة، أوجه الابن خلالها إلى كيفية استحضار النية في كل أعماله، وكيف يوجه تصرفاته؛ حيث ينتقل الكلام معه إلى الطابع العقلي، وتقوم هذه المرحلة على التأديب؛ حيث يتعلم احترام وتوقير الكبير، وأسند إليه مهمات يقوم بها، وأكلفه بأعمال ينجزها، وأوضح له ثوابه إذا أتمها، وعقابه إذا قصَّر فيها، فينتقل بذلك من الدائرة الصغيرة إلى الدائرة الأكبر وهكذا.
ويجب على الوالدين أن يعودا ابنهما على تحمل المسئولية داخل الأسرة وخارجها، فقد يقوم الوالدان ـ مثلا ـ بتعريف الابن بظروف الأسرة المالية، وأن يشارك في التفكير في أوجه الإنفاق و الاقتصاد، وقد يتحمل مسئولية البيت لمدة يوم في الأسبوع، كي يعتاد بعد ذلك على تحمل مسئولياته عندما يتزوج.

دور الإعــلام
ويتفق معه، في كثير من النقاط، د. عرفه عامر - أستاذ الإذاعة جامعة الأزهر - حيث يوضح أن الإسلام اهتم بتربية الأولاد حتى قبل مجيئهم إلى الدنيا؛ حيث أوصى الزوج بحسن اختيار الزوجة ذات الخلق والدين، وكذلك اهتم باختيار الاسم الحسن للمولود، الذي يحمل معاني جميلة، فالإسلام يهتم بكل من الذكر والأنثى على حد سواء، بما ينعكس على حياتهم المستقبلية، واهتم كذلك بتربية الأبناء منذ بداية نطقهم، وفهمهم بالكلام؛ فيروىفي بعض الآثار "استفتحوا على أولادكم بلا إله إلا الله"؛ حيث يكون الطفل في مرحلة اختزان المعلومة، ويسمع الخير والشر، فإذا ما جاءت مرحلة العطاء بدأ ينطق ما سمعه؛ لذلك علينا متابعته والعناية به، والتربية تكون مدي الحياة؛ حيث تبدأ منذ ولادة الابن أو قبل ولادته، وتستمر بلا نهاية، فهي تربية تراكمية.

منــع التمييز
وقد حذر الإسلام من التمييز بين الذكر والأنثى تحذيرًا شديدًا، وهذا خطأ في التربية فعندما نفرق في المعاملة بين الذكر والأنثى، ونفضل الذكر نزرع داخله الأنانية، وحب الذات، والأثرة، وكلما نضج ولم يكلف بشيء ينشأ إنسانا هشّا غير قادر على تحمل المسئولية، ولأن الحياة تجارب ومحن، فهو لن يستطيع التعامل معها، ولن يحسن التصرف فيها.
ومن الخطأ أن نلقي العبء كله على الأنثى داخل المنزل، لكن لابد من توزيع الأدوار، فهناك واجب على كل فرد داخل الأسرة.
فهناك ما يقضى عن طريق الأب، وما يقضى عن طريق الأم، وما يقضى عن طريق الأبناء.
والإسلام فضل الرجل على المرأة بدرجة واحدة، وهي د رجة القوامة، وللأسف هناك من الرجال من لا يحسن القوامة.
والبيت سفينة تحتاج إلى قائد يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب، ويكون مسئولا عن أسرته أمام الله، وأمام الناس، وأمام القانون، فهذه الأسرة هي التي تخرج للوطن فلذات أكبادها، حتى يكونوا لبنات صالحة تمثل سواعد بناء، أو عكس ذلك، فيكونوا معاول هدم للمجتمع.

ويجب ألا نفرق بين الأبناء في المعاملة والعطاء في كل شيء، حتى في القبل، كي لا يشعروا بالغيرة، ويوغر ذلك صدور بعضهم تجاه والديهم أو أخواتهم، فيحدث لديهم رد فعل عكسي.
إن كلا من الرجل والمرأة له اختصاصاته حسب طبيعته التي خلقه الله عليها، فالرجل من طبيعته القوة والتحمل، فعليه أعباء العمل خارج البيت فيما يناسبه، والمرأة عليها أعمال البيت، وكذلك خارج البيت فيما يتناسب مع طبيعتها العاطفية الحانية.
لكن إذا انغمس الرجل في أعمال النساء تحللت شخصيته، وفقد رجولته، وكذلك المرأة إذا تعمقت في أعمال الرجال ضاعت أنوثتها، وتأثرت طبيعتها، فنحن لا ندعو إلى عدم مشاركة الرجل أمه وأخته، أو زوجته في عمل المنزل، ولكن كذلك لا ينغمس انغماسا كليا في عمل النساء، فلابد من التوسط والاعتدال في كل شيء.
ولا يمنع هذا من وجود تناغم، ومزاج من الرحمة والتعاون داخل الأسرة بين الأب والأم والأبناء، فالرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) كان في خدمة أهله يشتري لهم من الأسواق، ويساعد في عمل المنزل مع أمهات المؤمنين. فمساعدة الرجل لأهله في المنزل من حسن الاقتداء النبي الكريم، خاصة لو كانت الزوجة مشغولة بالأولاد، أو تعمل خارج المنزل فلا يضع رجلا على الأخرى، ويجلس بلا عمل، ويقول أنا الرجل، ويترك لزوجته كل أعمال المنزل من الألف إلى الياء.
فالرحمة والتعاون والمشاركة هو عنوان البيت المسلم السعيد.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #441
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:39 PM
Parent: #384

مخالفة تعاليم الإسلام أقصر طريق إلى السرطان
- الحالة النفسية السيئة والتوتر يؤدي إلى انخفاض مناعة الجسم، ومن ثم إلى السرطان
- الاعتدال، قواعد النظافة الشخصية، القيم الخلقية، التوازن النفسي .. معالم ينفرد بها الإسلام ويقاوم بها المنتمون إليه أخبث الأمراض.
...........................
هناك العديد من الأمراض التي انتشرت نتيجة مخالفة قوانين السماء وتعاليم الإسلام، ومنها الإيدز، ومرض الحمى القلاعية، وجنون البقر في الحيوانات، والسبب هو مخالفة الشريعة في طعام الحيوانات، فهل مرض السرطان يأتي أيضا نتيجة لمخالفة تعاليم الإسلام؟
نتعرف على الإجابة من خلال هذا البحث الذي شارك في إعداده الطبيبان المصريان المقيمان في أمريكا د. أحمد القاضي، ود. محمد أشرف اللذان يقولان في بحثهما:

تدل الإحصاءات الصحية في الولايات المتحدة الأمريكية أن نسبة الإصابة بالسرطان في تزايد بالرغم من التقدم العلمي على مستوى العلوم الطبية.
ومخالفة التعاليم الإسلامية ربما تؤدي بطريق مباشر أو غير مباشر إلى زيادة نسبة الإصابة بالأمراض، وبينما يمكن تقبل هذا الافتراض في حالة الأمراض التناسلية أو الأمراض المعدية، التي لها علاقة بظروف اجتماعية أو بحالة النظافة العامة، فإنه يصعب تصور وجود علاقة بين مرض بدني مادي محض مثل السرطان، وبين القيم الإسلامية التي تغلب عليها الطبيعة الخلقية أو الاجتماعية.

ولكن هذه الدراسة أثبتت أن نسبة الإصابة بأنواع متعددة من السرطان تزداد عند الأشخاص الذين يخالفون أحد أو بعض التعاليم الإسلامية، وظهر أن هذا الوضع يكاد ينطبق علي إصابات السرطان لجميع أعضاء أو أجهزة الجسم البشري.

وظهر أن عوامل الخطر التي تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بالسرطان يمكن تصنيفها في مجموعات أربع:
المجموعة الأولى: تتعلق بما يتزود به الإنسان من طعام وشراب ونفس.
والمجموعة الثانية: تتعلق بقواعد النظافة الشخصية.
والمجموعة الثالثة: تتعلق بالقيم الاجتماعية والخلقية.
والمجموعة الرابعة: تتعلق بالحالة النفسية وما يطرأ عليها باتباع التعاليم الإسلامية.

وعلى سبيل المثال وليس الحصر نذكر عددًا من التعاليم الإسلامية وما يتعلق بها من عوامل خطر تؤدي إلى زيادة الإصابة بالسرطان في كل مجموعة من المجموعات الأربع.

الإفراط في الطعام والسرطان
في المجموعة الأولى يشير الباحثان إلى التعاليم الإسلامية التي تنهي عن الإسراف في تناول الطعام والشراب، والتعاليم التي تنهى عن تعاطي الكحول وغيره من المواد المسكرة، والتعاليم التي تنهى عن تعاطي كل ما هو ضار.

ولقد أثبتت التجارب العلمية على الحيوانات أن الإفراط في تناول الطعام يزيد من نسبة الإصابة بالسرطان، وأمكن تخفيض نسبة الإصابة بالسرطان في الفئران بالتقليل من غذائها، وكادت نسبة سرطان الثدي أن تتلاشى حينما انخفضت كمية السعرات الحرارية المعطاة بنسبة الثلث.

وفي الإنسان ثبت أن سرطان الثدي، وسرطان الرحم الداخلي يزداد عند المصابين بزيادة الوزن، وكذلك ثبت أن نسبة الإصابة بالسرطان تزداد عند من يتعاطون الكحول سواء بمفرده أو بالإضافة إلى التدخين، وتعاطي الكحول يساعد علي زيادة نسبة الإصابة بسرطان الفم والحلق والحنجرة والمريء.

وبالنسبة لتعاطي المواد الضارة فقد ثبتت حاليا الآثار الضارة للتدخين، وبالتالي يمكن تطبيق قاعدة النهي عليه، ومن الثابت علميا أن التدخين يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الرئة والفم والحلق والحنجرة والمريء والمثانة والبنكرياس.

وبالنسبة للمجموعة الثانية من عوامل الخطر التي تتعلق بقواعد النظافة الشخصية يشيران إلى التعاليم الإسلامية المتعلقة بنظافة الفم ونظافة الشرج ونظافة الفرج، ولقد ثبت علميا أن مخالفة قواعد الفم تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الفم والحلق، وأن مخالفة قواعد نظافة الشرج تؤدي بشكل مباشر أو غير مباشر إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الشرج، وكذلك مخالفة تعاليم الختان للذكر، تؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان الذكر، وربما كذلك إلى زيادة نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم عند من تعاشر الرجل الغير مختتن.

وبالنسبة للمجموعة الثالثة من عوامل الخطر، والتي تتعلق بالقيم الاجتماعية أو الخلقية، فيؤكد الباحثان أن التعاليم الإسلامية التي تشجع الزواج المبكر والتوالد، والتعاليم التي تنهي عن العلاقات الجنسية غير الشرعية قبل الزواج أو خلاله، والتعاليم التي تحض علي ستر العورة مع الاختلاف في حدودها بين الرجال والنساء، والتعاليم التي تنهي عن علاقات الشذوذ الجنسي من لواط أو سحاق يعتبر اتباعها وقاية من بعض أنواع السرطان.

ولقد ثبت علميا أن نسبة الإصابة بسرطان الثدي أو الرحم الداخلي تزداد عند الراهبات أو غير المتزوجات من النساء، وكذلك تأخير الحمل الأول يساعد على زيادة نسبة الإصابة بسرطان الثدي، ومن لم يحملن من النساء تزداد عندهن نسبة الإصابة بسرطان الرحم الداخلي، وكذلك ثبت أن نسبة الإصابة بسرطان عنق الرحم تزداد عند النساء بازدياد عدد من يعاشرهن من الرجال، وفي الرجال تزداد نسبة الإصابة بسرطان البروستاتة مع ازدياد عدد من يعاشروهم من النساء قبل الزواج أو أثناءه، أو عند من يصابون بالأمراض التناسلية.
وبالنسبة لستر العورة فقد ثبت أن نسبة الإصابة بسرطان الجلد تزداد في الأجزاء التي يطول تعرضها لأشعة الشمس، وبالذات فيما تحت الركبة من الساق عند النساء، وفي الجزع عند الرجال، وفي الذراعين عند الجنسين.

أما من يمارسون عمليات الشذوذ الجنسي، فتكثر بينهم حالات انخفاض وظائف المناعة في الجسم، وما يصحب ذلك من ازدياد نسبة الإصابة بالعديد من الأمراض، ومن ضمنها السرطان.
وبالنسبة للمجموعة الرابعة من عوامل الخطر والتي ترتبط بالحالة النفسية تشير إلى أمثلة قليلة من التعاليم الإسلامية التي تحض علي تقوية الإيمان والثقة الغير محدودة بالله، وبنصره، وتعضيده لعباده المؤمنين، إضافة إلى الوضع النفسي المتوازن للمؤمن، وكل ذلك يزيد من مقدرته على مواجهة الضغوط، ومقاومة التوتر والاضطراب النفسي.

تطبيـق الإســلام
وقد ثبت علميا أن الحالة النفسية السلبية ، بما في ذلك حالات الاضطراب النفسي والاكتئاب، وعدم القدرة على مواجهة الضغوط والتوتر تؤدي إلى انخفاض المناعة في الجسم، كما أن كل ما يؤدي إلى تحسين إيجابيات الحالة النفسية يرفع من مناعة الجسم، وكذلك ثبت علميا أن نسبة الإصابة بالسرطان تزداد عند من عندهم انخفاض في مناعة الجسم، وبالتالي يمكن الجزم بأن الحالة النفسية السلبية تؤدي إلى ازدياد نسبة الإصابة بالسرطان، وقد ثبت ذلك في العديد من الدراسات، ومما يؤكد ذلك بالنسبة لتأثير العقيدة الدينية بالتحديد ما أسفر عنه حصر نوع معين من السرطان، ألا وهو سرطان البنكرياس عند عدد من أصحاب الديانات المختلفة، ووجدت أعلى نسبة إصابة بهذا المرض بين الملحدين حينما قورنوا بغيرهم من أصحاب الديانات السماوية.

وكل القرائن المذكورة تؤكد الافتراض السابق بأن تطبيق التعاليم الإسلامية يؤدي إلى انخفاض نسبة الإصابة بالأمراض، وبأن الطب الإسلامي، وما يشتمل عليه من حكمة التعاليم الإسلامية سيكون أكثر تميزا وفعالية من غيره من العلوم الطبية.

وفي الوقت الذي اقتصرت فيه هذه الدراسة على نسبة الإصابة بالسرطان كانت هناك دراسات أخرى بحثت علاقة القيم الإسلامية بالأمراض الأخرى غير السرطانية، ووصلت إلى النتيجة نفسها.
آمنة محمد-إسلام ويب

Post: #442
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:43 PM
Parent: #384

تصفيف الشعر يزيد خطر إنجاب أطفال مشوهين
حذرت دراسة سويدية نشرت حديثا, من أن العاملات في صالونات التجميل وتزيين الشعر أكثر عرضة من غيرهن لإنجاب أطفال مصابين بتشوهات واعتلالات جسدية خطيرة.
ووجد الباحثون أيضا أن خطر إنجاب أطفال صغار الحجم وقليلي الوزن يكون أعلى عند السيدات اللاتي يعملن في مجال تصفيف الشعر, مقارنة مع النساء الأخريات, بسبب الكيماويات المستخدمة في التزيين, كالصبغات الملونة وبخاخات التثبيت.
واكتشف العلماء في جامعة لوند, بعد متابعة صحة المواليد ومدى تعرض الأمهات للمواد الكيماوية عند أكثر من سبعة آلاف امرأة تعمل في مجال تصفيف الشعر, تدربن في السويد بين عامي 1970 - 1995 أن خطر إنجاب أطفال صغار الحجم بلغ 10 في المائة عند مصففات الشعر, مقارنة بغيرهن ممن يعملن في وظائف أخرى, ووصل خطر إنجاب أطفال مشوهين ومصابين باعتلالات جسدية وخاصة اضطرابات القلب, إلى الثلث بين هؤلاء السيدات.
وأكد العلماء في مجلة /الطب البيئي والمهني/, ضرورة أن تستخدم جميع مصففات الشعر قفازات واقية أثناء العمل وخصوصا في وقت الحمل, والتأكد من وجود تهوية جيدة ومستمرة في الصالونات وأماكن العمل.
حافظ الكرمي-اسلام ويب

Post: #443
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:44 PM
Parent: #384

بشرت الأبحاث الطبية الأزواج الذين مر على زواجهم سنة ولم ينجبوا بأن هذا لا يشكل خطورة أن يكون هناك مرض أو عقم، فقد أظهرت دراسة جديدة نشرت حديثاً, أن معظم الأزواج الأصحاء الذين لا يعانون من أية مشكلات ويصابون بالقلق بعد سنة واحدة من محاولات الحمل الفاشلة, غالبا ما ينجحون في تحقيق أهدافهم خلال السنة الثانية.

ويهرع العديد من الأزواج إلى عيادات الصحة التناسلية والخصوبة عند تأخر الحمل, خوفا من وجود مشكلات في القدرة على الإنجاب, ولكن يرى العلماء أن على الأطباء أن لا يستعجلوا في وصف العلاجات إلا إذا اكتشفوا أسبابا وجيهة تستدعي ذلك, وأن يستمر الأزواج في المحاولة لوقت أطول في حال عدم وجود سبب طبي لهذا التأخر.

وأشار العلماء إلى أن تعريف العقم أو ضعف الخصوبة يشمل عدم القدرة على الحمل بعد سنة واحدة من المحاولات, وغالبا ما يراجع الشباب في أعمار صغيرة عيادات الخصوبة لهذا السبب, ولكن البحث الجديد أظهر أن فرص الحمل الطبيعي حتى عند الأزواج في أواخر الثلاثينات من أعمارهم تصل إلى حوالي 91 في المائة خلال سنتين من المحاولات.

ووجد الباحثون بعد تحليل المعلومات المسجلة عن 782 زوجا من سبع مدن أوروبية, أن الأزواج ينتظرون مدة أطول في هذا العصر قبل أن يحاولوا الإنجاب وتكوين عائلة, واكتشفوا أيضا أن عمر الرجل يلعب دورا مهما أيضا في تأخر الحمل.
وكانت البحوث السابقة قد أظهرت أن معدل الخصوبة ينخفض بصورة أكبر مما كان يعتقد سابقا, حيث تبدأ بالضعف في أواخر العشرينات عند النساء, وفي أواخر الثلاثينات بالنسبة للرجال, الأمر الذي صعد المخاوف من العقم عند تأخر وقت الحمل.

وينصح الأطباء بأن لا يراجع الأزواج تحت سن الثلاثين عيادات الإخصاب إلا عند فشل جميع المحاولات لمدة سنتين على الأقل, ولكن من الضروري أن لا ينتظر الأزواج فوق هذه السن لمدة طويلة وأن يبدءوا فورا بالعلاج في حال وجود مشكلات معينة مثل عدم انتظام الدورة الشهرية عند المرأة أو وجود أمراض جنسية.

وأشار هؤلاء إلى أن علاجات الخصوبة التي تشمل العقاقير أو وسائل المساعدة على الحمل مثل الإخصاب الخارجي, حيث يتم تخصيب البويضة بالحيوان المنوي في المختبر وإرجاع الجنين الناتج إلى الرحم, لا تخلو من المخاطر, فهي تزيد خطر إنجاب التوائم والولادات المتعددة, ومضاعفات الحمل, وولادة أطفال قليلي الوزن وصغار الحجم أو يعانون من تشوهات واعتلالات ولادية أو إعاقات, لافتين إلى أنه كلما كانت المرأة أكبر سنا, انخفضت فعالية العلاج وارتفعت المخاطر والآثار الجانبية.

ووجد الباحثون في الدراسة الجديدة, أن غالبية الأزواج الأصحاء الذين لا يعانون من أي مشكلات طبية, ينجحون في الحمل في نهاية السنة الثانية من المحاولات, بصرف النظر عن العمر.
ولاحظ الأخصائيون أن 9 في المائة فقط من السيدات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 35 - 39 عاما, ويقل عمر أزواجهن عن 40 عاما, يفشلن في الحمل بعد مرور سنتين على المحاولة, ولكن هذه النسبة تزيد إلى 16 في المائة في حال تجاوز الزوج سن الأربعين.

وفي اكتشاف آخر أظهر بحث طبي جديد أن بالإمكان مساعدة السيدات اللاتي يعانين من حالات إجهاض متكررة غير مفسّرة على إنجاب الأطفال من خلال إجراء الفحوصات والتحليلات الوراثية على الجنين.
وقال العلماء في معهد فالينسيانو للإخصاب في مدينة فالينسيا بإسبانيا, أن التحليل البسيط للتركيبة الوراثية والجينية عند الأجنة قبل نقلها إلى الرحم في عمليات المساعدة على الحمل كالإخصاب الخارجي, في تقنية تعرف بالتشخيص الوراثي قبل الزرع, قد يساعد في تحديد المشكلة وعلاجها.

وأشار هؤلاء في المؤتمر السنوي للجمعية الأوروبية لعلوم الأجنة والانجاب الذي انعقد في فيينا مؤخرا, أن الخلل والاعتلالات في الجسيمات الصبغية التي تعرف علميا باسم "كروموسومات" قد تكون السبب الأساسي والرئيسي للإجهاض وفقدان الأجنة, موضحين أن بالإمكان الكشف عن هذه الاعتلالات التي تسمى "عدم تساوي الصبغيات" من خلال فحص وراثي بسيط.

وقد نجح الأخصائيون الأسبان من خلال فحص إصابة الأجنة بأية اعتلالات وراثية أثناء الإخصاب الخارجي , ونقل الأجنة التي تتمتع بأنماط وراثية طبيعية فقط إلى أرحام السيدات, في تحقيق معدلات حمل طبيعية وتقليل مخاطر الإجهاض عند النساء اللاتي يملكن تاريخا مرضيا لحالات إجهاض متكررة وفشل في عملية زرع الأجنة في تقنيات الإخصاب الخارجي.

ولفت هؤلاء إلى أن الاعتلالات غير الوراثية في عدد من الكروموسومات تعتبر سببا شائعا للاجهاضات, وهي غالبا ما تصيب الأجنة التي تفشل في زرع نفسها في الرحم خلال تقنيات الإخصاب الخارجي والتلقيح المجهري.
وقام الباحثون الأسبان بمتابعة 71 امرأة أصبن بإجهاضات متكررة غير مفسرة, و42 أخريات عانين من فشل عملية زرع الأجنة خلال ثلاث محاولات أو أكثر من تقنيات الإخصاب الخارجي والتلقيح المجهري, ومقارنتهن مع 28 سيدة لم يصبن بحالات إجهاض, حيث تم سحب خلية واحدة من الجنين في مرحلة مبكرة جدا من نموه, وهذا الأمر لا يؤذي الجنين أبدا.

ووجد الأطباء أن نسبة الأجنة المصابة باعتلالات كروموسومية كانت أعلى بحوالي الثلث في مجموعتي الإجهاض المتكرر وفشل الزرع, مقارنة مع المجموعة الطبيعية, مشيرين إلى أن هذه الاختلافات كانت واضحة بصورة خاصة في أجنة السيدات اللاتي لم يتجاوزن السابعة والثلاثين من العمر, حيث كان معدل الأجنة غير الطبيعية لديهن أكثر بالضعف, ويزيد هذا المعدل كثيرا عند السيدات اللاتي تعدين هذه السن.

ولاحظ هؤلاء بعد نقل الأجنة السليمة فقط , أن معدلات الحمل والإجهاض كانت متشابهة في جميع المجموعات الثلاثة , مما يعني أن بالإمكان زيادة معدل نجاح الحمل وتقليل مخاطر الإجهاض بالتشخيص الوراثي قبل الزرع لانتقاء الأجنة الطبيعية فقط ونقلها إلى الرحم, كما تساعد هذه العملية في تحديد الأزواج الأكثر عرضة لإنتاج أجنة مصابة والأزواج الذين لا يستطيعون إنجاب أجنة طبيعية.
حافظ الكرمي-اسلام ويب

Post: #444
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:47 PM
Parent: #384

بصلة المحب .. دواء
هل تمتنع عن تناول الغداء إذا كان طبق السلطة محتويا على البصل؟
هل تسدين أنفك أثناء الطهي لأنك تكرهين رائحة البصل؟
إذا كانت إجابتكما بنعم .. فاقرأ السطور التي يهديها إليكم الدكتور عز الدين الدنشاري الأستاذ بكلية الصيدلة جامعة القاهرة

البصـل
عرف الإنسان فوائد البصل منذ زمن طويل، ولقد أجريت عليه بحوث مكثفة على مستوى العالم خلال القرن العشرين، ففي عام 1927 أشار بحث علمي إلى أن البصل له فعالية كمنق للدم ومهدئ وطارد للبلغم، ومعالج للأرق وتهيج الأعصاب، والسعال، ومتاعب الشعب الهوائية.
وفي منتصف القرن التاسع عشر، كان العالم الفرنسي المشهور" باستير" قد أجرى تجارب أثبت من خلالها أن البصل له فعالية ضد الميكروبات التي تسبب متاعب في الجهاز الهضمي، كما أن له فعالية ضد ميكروب الدرن.

ولقد بينت الدراسات بعد ذلك أن البصل له فعالية ضد الدوسنتاريا وأمراض بكتيرية وفطرية وفيروسية عديدة; لأنه يحتوي على مركبات لها فعالية المضادات الحيوية، ومضادات الفيروسات، لذلك فهو يفيد في علاج البرد.

ولقد اهتم الباحثون بدراسة تأثير البصل، وخلاصته في مستوى سكر الدم، واستطاعوا فصل مركب دايفينيل أمين diphenylamine الذي اتضح أنه أقوى من دواء تولبيوتاميد الذي يستخدم في علاج مرض السكر.

خفض مستوى السكر
ولقد بينت الدراسات الحديثة أن كلا من البصل والثوم يحتوي على مواد أخرى ثبت أنها تسبب انخفاضا في سكر الدم، وزيادة في إفراز الأنسولين، وتشمل هذه المواد "الليلبروبيل دايسلفيد" و"الليسين" بالإضافة إلى مركبات "الفلافونايد" وقد أجريت تجارب على تأثير خلاصات البصل على مستوى سكر الدم، ووجد أنها تسبب انخفاضا في مستوى سكر الدم يتناسب مع مقدار الجرعة المعطاة من خلاصة البصل.
كما بينت هذه الدراسة أن كلا من البصل الطازج، والبصل المسلوق يحدث ذات التأثير في سكر الدم.

وبدراسة العوامل التي تؤدي إلى انخفاض سكر الدم بعد تناول البصل، اتضح أن هذا التناول يسبب تنشيطا في حرق السكر في الكبد، وزيادة في إفراز الأنسولين، بالإضافة إلى تقليل هدم الأنسولين في الجسم.

ويفيد البصل والثوم أيضا في علاج مضاعفات مرض السكر، مثل زيادة دهون الدم والجلطة وضغط الدم المرتفع.
ولقد تبين أن مضغ البصل الطازج لمدة 3 - 8 دقائق يقضي على ميكروبات الفم المسببة للأمراض، ولقد استعمل الجرحى من جنود الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية البخار المتصاعد من العجائن التي تحتوي على البصل في علاج الجروح، فقد ساعدت هذه الأبخرة في التئام الجروح التئاما سريعا، كما ساعدت في تسكين آلامها.

للبصل فوائد مهمة في علاج حب الشباب والدمامل، كما يفيد شراب البصل المصنوع من شرائح البصل المخلوطة مع مثل حجمها من عسل النحل، في علاج البرد والكحة، وذلك بتناول 3 - 4 ملاعق شاي للكبار وملعقة واحدة للأطفال كل 4 ساعات.

علاج لجلطات القلب
وتجدر الإشارة إلى أن البصل "طازج أو حساء أو مشوي أو مطبوخ" كان يستخدم منذ عدة قرون في علاج البرد والقلب ومانع للحمل، وكمنشط للرغبة الجنسية".
ولقد أثبتت الدراسات التي أجريت بكلية الطب - جامعة توفتس الأمريكية أن تناول نصف بصلة "متوسط الحجم" أو ما يعادلها من عصير البصل يومي ا يؤدي إلى زيادة مستوي الدهون عالية الكثافة HDL في نحو 70% من المرضي. وهذا مؤشر إلى أن البصل يفيد في علاج جلطة القلب.

ومما يؤيد هذا الأثر دراسة أجريت في إحدى كليات الطب في الهند، وبينت أن تناول الزبدة والقشدة والبيض "أغذية تساعد على رفع مستوى الكولسترول في الدم" مع البصل بمقدار نصف كيلو جرام في الأسبوع، يحسن صورة الدم، فيما يتعلق بمستوي الكولسترول والدهون، ويساعد البصل في خفض المستوي المرتفع لهذه المواد والناتج عن تناول الزبدة والقشدة والبيض.

والجدير بالذكر أن البصل الطازج "وليس المطبوخ" هو الذي يساعد في تخفيض مستوي الكولسترول في الدم.
وتؤكد البحوث أن تناول البصل أو الثوم يساعد في منع تكوين مادة "الفيبرين" المسببة للجلطة، وهذا مؤشر آخر لأهمية البصل أو الثوم في علاج جلطة القلب.

وتوضح بحوث أخرى أن البصل والثوم يحتويات على مواد تفيد في علاج الربو الشعبي مثل: مادة كوراستين وزيوت "المسترد" وهي مواد تساعد على تقليل مواد "لوكوترايين" التي تساعد على زيادة حساسية الصدر.
ويعتبر البصل والثوم مصدرين لمضادات الأكسدة التي تساعد في الوقاية من العديد من الأمراض، وبخاصة السرطان، فقد تبين أن خلاصة البصل تساعد على تقليل نمو خلايا سرطان الفم، وتأكد علميا أن البصل الأصفر أو الأبيض أقوي من البصل الأحمر من حيث فعالية ضد السرطان.

ومن فوائد البصل أنه يفيد في علاج تورمات وآلام المفاصل، وذلك بشي ست بصلات متوسطة الحجم في فرن البوتاجاز، ثم توضع البصلات على هيئة لبخة على المفصل، ويربط عليها برباط ضاغط
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #445
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:49 PM
Parent: #384

في بداية زواجنا.. كنت أرى زوجتي أجمل النساء، فهي تتقن فن التزين، ولديها ذوق رائع في اختيار الألوان وتنسيقها.. وتدريجيا بدأت تهمل هذا الأمر، حتى صار الوضع الطبيعي أن أراها منسقة الشعر.. نظيفة الملابس - طيبة الرائحة - وفقط ـ دون اهتمام بالتفنن في تصفيف شعرها أو تزيين وجهها، أو ارتداء ملابس تبرز جمالها، وبعد عشرة دامت تسع سنوات، وأسفرت عن ثلاثة أبناء .. لم أعد أجد في زوجتي ما كنت أجده من قبل، ووجدت نفسي أنظر إلى غيرها من النساء وأقارنها بهن، وأشعر أن زميلات عملي أجمل منها، وأن النساء اللاتي أقابلهن بحكم عملي العام أكثر منها اعتناء بمظهرهن وجمالهن.
لقد صرت أخشى الوقوع في الحرام ، وأستعظم النظرة الخاطئة، ولكنني لا أستطيع الكف عنها، بل كلما أعجبتني واحدة وشعرت بالذنب، وذهبت إلى بيتي فوجدت زوجتي على حالها، أشعر بأنني مظلوم ومحق فيما أفعله.
إن زوجتي امرأة فاضلة، وربة بيت رائعة، وتعمل بوظيفة قيادية أثبتت فيها كفاءتها ومقدرتها، ولكنني محتاج إلى "الزوجة" ولا أجدها فيها، فهل الزواج الثاني - مع قدرتي عليه - يمكن أن يحل مشكلتي؟
ف. ر - القاهرة
من حقك أن تجد في شريكة حياتك "الزوجة" الجميلة، والمتزينة دائما.
ولكن هل هذه الزوجة نبت بلا بذور؟ وهل يمكن أن تجدها دون بذل أي جهد أو تقديم أية أسباب؟
لم تذكر في رسالتك موقفك من أعباء زوجتك المتعددة، فهي أم وامرأة عاملة، وربة بيت رائعة - بشهادتك - فماذا فعلت أنت لتعينها على كل هذه المهام؟ وهل من المنطقي أن تتحمل الزوجة كثيرًا من الأعباء على حساب صحتها وراحتها طوال اليوم، ثم يطلب منها أن تكون - في الوقت نفسه - عروسا متزينة لزوجها، وهو جالس واضعا ساقا على ساق، ينظر بلا مبالاة إلى تلك المسكينة التي تدور كالنحلة في أرجاء البيت، وينتظر فراغها من مهامها، لتتفرغ له!
إنني لا أجادل - إطلاقا - في حقك على زوجتك .. ولكنني أجد رسالتك فرصة لأقول لكل زوج مسلم طيب: أعن شريكتك على حسن التبعل لك .. ساعدها لتوفر وقتا تستطيع فيه أن تكون لك زوجة.. زوجة فقط متفرغة.. ومحبة وغير مثقلة بالهموم، وثق تماما أنك لن تكون سعيدًا وأنت تتأمل زوجة جميلة، ولكنها مرهقة ومتعبة، تجلس معك بجسدها، ولكن عقلها وروحها منهكان من التفكير فيما عليها من أعباء.. وفي المسئوليات التي تنتظرها.
وهي فرصة أيضا لأهمس في أذن كل زوجة محبة "الأجر على قدر المشقة"، وكلما تعبت لأجل إسعاد زوجك زاد قدرك عنده، وعند الله سبحانه وتعالى قبله، وتأكدي أن رعايتك لبيتك وأولادك لا تساوي شيئا في ميزان زوجك، إن كان مقابلها إهمالك لشؤونه الخاصة، وحاجاته الفطرية، وحقوقه عليك.
أعود إلى رسالتك أيها الأخ الفاضل وأقول لك: إنني لا أشجعك ـ في وقتنا الحاضر ـ على الزواج الثاني قبل أن تأخذ بما عليك من أسباب.. أعن زوجتك، وخفف عنها أعباءها - ما استطعت - وألمح لها من بعيد وبلطف شديد بما يضايقك، وانتظر النتيجة التي أتوقع أنها ستكون مرضية لكما معا - إن شاء الله.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #446
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:51 PM
Parent: #384

هــوس الرشــاقة
في مجلس من مجالس "الثرثرة" قالت فلانة لجارتها: والله يا "....." سمنت كثيرًا، لابد أن تنتبهي لنفسك.
وكأنها عندما سمعت هذه العبارة نقل لها خبر وفاة قريب لها، فتكدر خاطرها، وضاق صدرها، وتغير وجهها، وجلست وهي تحمل هما ثقيلاً بين قريناتها ، وسألتهن بقلق بالغ : أدركوني .. ما الحل؟ سمنت كيف أنحف؟
سؤال بليغ، أجابت عليه الحاضرات بحماس شديد واهتمام بالغ، وإليكم أبرز الحلول التي ذكرت للمسكينة المعذبة.
1 - التسجيل بأحد مراكز العلاج الطبيعي لعمل الرياضة بمختلف أنواعها: سباحة، جري، تمارين رياضية.
2 - اتباع نظام غذائي معين، بحيث لا يتم أكل كثير من أنواع المواد الغذائية كالسكريات والنشويات.
وأشارت عليها إحداهن بالاستفراغ - أكرمكم الله - إن هي لم تتحمل تجنب الكثير من المأكولات، فبإمكانها أن تأكل ما تريد، وبعد الانتهاء تستفرغ ما أكلته.
3 - تناول بعض أنواع الأعشاب، وإن كان غالبا طعمها مرًّا، وبلعها صعبًا، فالمرارة الحقيقية في فقدان الرشاقة وصعوبة الحصول عليها.
4 - شفط الدهون من الجسم لدى أحد مراكز العلاج الطبيعي أو المستشفيات الخاصة للتخلص منها.
5 - وضع بالون في المعدة عن طريق أحد المستشفيات لتشعر دوما بالشبع فلا تأكل.
6 - وهذه خطوة جديدة وهي "المضمونة" اربطي فمك، نعم، اذهبي لإحدى العيادات الخاصة، وادفعي ما يقارب الألف ريال حتى بربطوا فمك، ولا يصبح لك سوى فتحة صغيرة بالكاد تتمكنين خلالها من شرب السوائل فقط، بل وبالشفاط، عندها لا تأكلين رغما عن أنفك، وتخفين خلال فترة زمنية قصيرة، كما إن كلامك سيكون غير واضح، ولكن لابأس، فالصبر مفتاح الفرج، ستصبرين وتنالين.
7 - وخطوة أخرى جديدة "خيطي نصف معدتك لتصبح بحجم معدة الطفل، فلا تأكلين إلا قليلا".
هذه هي جميع الحلول التي قدمت للمسكينة، وهذه تعليقاتهن القيمة، ولو دخلت المجلس ورأيت حماسهن وانفعالهن حين الحديث لحسبت أن الأمر أعظم من ذلك وأكبر، وإذا به من أجل الرشاقة.
أكل هذا بحثا عن "الجمال؟" فكيف حال من يبحث عن السلامة والعافية من مرض ألم به؟ كيف حال من يدفع كل ما يملك ليحصل على طعام يسد جوعه؟ كيف حال من يعمل ليل نهار ليشتري علبة حليب لابنه الرضيع؟ كيف حال من يسافر بعيدا عن بلده وأهله ليجمع المال، ويوفر العلاج؟ كيف؟ وكيف؟
الفراغ: هل هو الذي أوصل النساء لهذه الحال؟ أم حب المظاهر والتعلق بالدنيا؟ أم ماذا؟
- من المسئول .. التربية، أم الإعلام، أم من؟
أختي: إذا أردت الرشاقة فاتبعي ما يلي:
1 - الحفاظ على الوصية النبوية: "ثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنَفَسه".
2 - القيام بأعمال المنزل، والاستغناء عن الخادمة - إن أمكن - وإلا فمعاونتها في أعمال البيت، وعدم إسناد كل المهام لها.
3 - الإكثار من صيام النافلة ، مع ملاحظة أن يكون قصدك طاعة الله تعالى.
أما مراكز العلاج الطبيعي ففري منها فرارك من الأسد، فإنك ستخرجين منها كما دخلت، ولن تكون هناك "رشاقة" إلا في حقيبتك.
وأما وضع البالون في جوفك فإني أحذرك أن "يتفرقع" داخلك.
وأما ربط فمك، فأرجوك لا تفعلي، فنحن بحاجة إلى كلماتك الصادقة الداعية إلى الخير، فإنك إن آثرت رشاقتك على الدعوة إلى الحق، فقد تركت لأهل الباطل فرصتهم، وأخرست صوت الحق بنفسك.
من كتاب "كشكول الأسرة" بتصرف

Post: #447
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 05:52 PM
Parent: #384

بمجرد أن تظهر بعض الشعرات المتناثرة أعلى الفم، ويكتسب الصوت بعض الخشونة، يقول الأبوان لفتاهما: صرت رجلاً.
يتشبث هو بالكلمة، ويحاول أن يثبت رجولته بالشخط، وعدم طاعة الأوامر، والتسلط على شقيقاته، ورفع الصوت على والديه.
- فهل هذه هي الرجولة الحقيقية؟
السؤال يوجهه الخبير التربوي الأستاذ رضا المصري لكل فتي مراهق ويجيبه: لعلك ترى نفسك رجلاً إذا مارست ما يأتي:
- شرب السجائر.
- الذهاب إلي السينما والملاهي.
- تعاطي المخدرات.
- الهروب من المدرسة.
- معاكسة البنات.
- عدم المذاكرة.
- التجرؤ على الوالدين.
- إثارة القلاقل لمن حولك.
- التجرؤ على المدرسين.
- حمل المطواة.
فتعال معي نقرأ آيات القرآن عن الرجال وأخلاقهم وتصرفاتهم:
النصح والإرشاد: قال تعالى: (وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين) [القصص:20].
الشجاعة والإيمان: قال تعالى: (قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين) [المائدة:23].
ذكر الله وإقامة الصلاة: قال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) [النور:37].
حب الطهارة والعفاف: قال تعالى: (فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين) [التوبة:108].
الصدق مع الله: قال تعالي: (من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا) [الأحزاب:23].
الخوف من الله: قال تعالى: (رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والأبصار) [النور:37].
صديقي قارن بين مفهوم الرجولة عند بعض الشباب وبين مفهوم الرجولة في القرآن فأيهما تختار؟
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #448
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 06:17 PM
Parent: #384

رفقـا بالقــوارير
موقفه (صلى الله عليه وسلم) مع السيدة صفية (رضي الله عنها) دستور ومنهج للحياة الزوجية السعيدة.
النبي (صلى الله عليه وسلم) يثني ركبتيه لتركب زوجته الناقة، وبسبب دموع السيدة صفية (رضي الله عنها) يوقف قافلة الحجاج.
يظن بضع الرجال أن احترامه لزوجته أمام الآخرين، وتقديرها، والنزول على رغبتها تقلل من شأنه، وينقص من رجولته، وتفقده قوامته.
والعكس صحيح فاحترام الزوجة ، وتقديره مشاعرها يجعلها تكن لزوجها في نفسها كل حب، واحترام، وتقدير، واعتراف بفضله وكرمه.
ولنا في رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) خير قدوة، فقد كان يعيش بين أزواجه رجلا ذا قلب وعاطفة ووجدان، حياته مليئة بالحب، والحنان، والمودة، والرحمة.
ويذكر لنا الأستاذ جاسم المطوع - خبير العلاقات الزوجية - قصتين للرسول (صلى الله عليه وسلم) مع زوجته السيدة صفية (رضي الله عنها) يبين فيهما مدي احترامه (صلى الله عليه وسلم) لمشاعر زوجته.
مسح دموع صفية (رضي الله عنها)
تحكي صفية بنت حيي أن النبي (صلى الله عليه وسلم) حج بنسائه، فلما كان في بعض الطريق نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي كذلك، سوقك بالقوارير - يعني النساء - فبينما هم يسيرون برك لصفية بنت حيي جملها، وكانت من أحسنهن ظهرًا، فبكت وجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين أخبر بذلك، فجعل يمسح دموعها بيده، وجعلت تزداد بكاء وهو ينهاها.
إنه لموقف جميل من الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم) مع زوجته حين مسح دمعتها بيده، ثم أمر الناس بالوقوف والنزول، علما بأنه لم يكن يريد أن ينزل.
ففي هذه القصة فوائد جمة وكثيرة، يستطيع كل زوجين أن يتعاملا مع هذا الموقف كدستور، ومنهج لحياتهم الزوجية، حتى تصبح سعيدة وجميلة.
فمسح الدموع بيد الزوج نفهمه نحن مواساة ودعما لعواطف ومشاعر الزوجة، علما بأن سبب البكاء قد ينظر إليه الزوج من ناحيته على أنه سبب تافه، فالدموع والبكاء من أجل بروك جمل يعد من أحسن الجمال، هذا هو السبب، ومع ذلك لم يحقر النبي (صلى الله عليه وسلم) مشاعر صفية وعواطفها، بل احترمها ودعمها وأنزل القافلة كلها من أجلها.
إن الدموع تكون غالية وثمينة إذا عرف كل طرف قدرها. وكم رأيت في المحاكم دموعا تنهمر من أزواج ومن زوجات، والطرف الآخر لا يقدر هذه الدمعة ولا يحترمها، بل ويتمني لو تنهمر من غير توقف.
إلا أن النبي (صلى الله عليه وسلم) مسح الدمعة بيده، ولكنا نعرف أثر تمرير اليد على الخد، ففيه معان كثيرة على الرغم من أنه مسافر، وذاهب إلى الحج، ونفسية المسافر دائما مستعجلة حتى يصل إلى مراده، ومع ذلك تريث النبي (صلى الله عليه وسلم) في التعامل مع عواطف المرأة ومشاعرها.
الاحترام الزوجي
أما الثانية: عن أنس (رضي الله عنه) قال: خرجنا إلى المدينة "قادمين من خيبر" فرأيت النبي (صلى الله عليه وسلم) يحوي لها (أي لصفية) وراءه بعباءة، ثم يجلس عند بعيره، فيضع ركبته، وتضع صفية رجلها على ركبته حتى تركب عليها..
ففيه بلاغة عظيمة في الاحترام، وإن الغرب اليوم يتفاخرون في احترام المرأة، فيفتح لها الرجل باب السيارة، بينما حبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) وضع ركبته لزوجته، وهو أعظم من تصرفهم وأبلغ.
فحبيبنا محمد (صلى الله عليه وسلم) يعلم البشرية أسس الاحترام وآدابه، وليس هذا خاصا بالإنسان، بل حتى مع الحيوان. فالاحترام منهج وسلوك يعمل به الشرفاء
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #449
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 10:08 PM
Parent: #384

في الزواج السوي ليس مهما لمن يكون القرار بل أن يكون القرار في مصلحة الأسرة، من حق من يستطيع تنفيذ القرار أن ينفرد باتخاذه ، ولكن في إطار الشورى مع الطرف الآخر حين يحكم الفضل والإيثار مؤسسة الزواج تتلاشى الخلافات حول القرار لمن؟
توترات العلاقة الزوجية الخاصة تتخفى وراء الصراع بين الزوجين على إدارة المنزل.
"المركب التي لها رئيسان تغرق" .. مثل شعبي رددته جداتنا، وأمهاتنا، وهمست به الأمهات "العاقلات" في آذان بناتهن يوم زواجهن، فعرَّفن هؤلاء البنات وعلمنهنّ الفارق بين أن يكون لهن رأي في إدارة بيوتهن وبين أن يتشبثن بهذا الرأي ويقاتلن دونه، بين أن يشاركن في صنع القرار الأسري، وأن يرفعن شعار "أنا ومن بعدي الطوفان" ويصممن على أن يكن صاحبات القرار.
المركب ذات الرئيسين تغرق؛ لأنهما سيتنازعان الرئاسة، وسيختلفان على من منهما يمسك بالدفة، وستسقط هذه الدفة من أيديهما معا وتغيب المركب في قاع البحر وهما على سطحها.
في كثير من بيوتنا يتعرض الزواج لخطر الغرق؛ حيث يصبح السؤال: لمن القرار في البيت بلا إجابة أو تضيع إجابته بين الزوجين.
"من صاحب القرار في البيت؟!" سؤال يجب أن يبحثه الزوجان معًا، لا ليصرّ كل منهما على أن يكون هو صاحب القرار، ولكن لتسير حياتهما وفق اتفاق مسبق واضح، وما كان أوله شرطٌ فآخره نور كما يقولون.
انفراد بالقرارات المصيرية
على عينة مكونة من عشرين زوجا أجرينا استبيانا كانت نتيجته كالآتي:
- معظم الرجال يقررون أنهم أصحاب القرار، ولكن بالشورى مع الزوجات، وليس استبدادا بالرأي ولا تسلطا بنسبة 74% ، مع إضافة أن رأي الزوجة مجرد رأي استشاري غير ملزم. وبعض الرجال قالوا: إنهم يتركون المسئولية للزوجات ، ليس إهمالاً أو تقصيرًا، وإنما بسبب الانشغال بكسب الرزق، وقال 25% ممن قابتلهم: إن القرارات المصيرية في الأسرة تصدر عنهم وحدهم. بينما قال زوج واحد: أنه لا يأمن أن يترك أولاده لزوجته، فهو الذي يتولى كل مسئولياتهم، ومسئوليات البيت، فيما عدا بعض الأعمال المنزلية النسائية التي لا يجيدها.
من يستطيع تنفيذه
بعد استطلاع رأي عدد من السيدات المتزوجات كان إجماع السيدات على أن صاحب القرار هو من يستطيع تنفيذه، سواء كان الزوج أو الزوجة، وليس بالضرورة أن يكون أحدهما هو صاحب القرار على طول الخط، وأن الشورى بين الزوجين لازمة في كل الأمور، فالزوج هو الذي يحدد نوع تعليم الأبناء؛ لأنه هو الذي سينفق على تعليمهن، ولكن ليس معنى ذلك أن يوفر على حساب مستقبل أولاده.
أما عن مسئولية المرأة، فإنها تتركز في موضوع الميزانية، وتحديد احتياجات البيت المادية، ولكن بمشاركة الرجل بالمال فقط وليس بالرأي.
عدد كبير من الزوجات يعانين من عدم المشاركة الفعلية للزوج في اتخاذ القرار، وتهرب بعض الأزواج من هذه المسئولية بسبب عدم إلمامهم بكل ظروف المنزل.
إحدى الزوجات وهي صباح صالح - موظفة - تقر أن القوامة لا تعني الاستبداد، بل المشاركة، وتحمل بعض المسئوليات، وليس كل مسئوليات البيت.
فالزوجة يمكن أن تقوم بإدارة البيت بمفردها؟
- ممكن ولكن المشاركة في الرأي تكون أفضل؛ لأن الزوج مهما ترك المسئولية دائما هو المرجع الأول ، وذلك مع مراعاة أن لكل من الزوجين تخصصه ونطاق مسئولياته، وهناك أشياء يمكن الاختلاف عليها، والرأي لمن يستطيع إقناع الآخر برأيه، وليس الرأي القاطع لأحدهما على طول الخط.
يؤكد يحيي سعد عوض - المحامي بالاستئناف العالي ومجلس الدولة - أنه من خلال خبرته في قضايا الأسرة يلاحظ أن معظم المشكلات التي تصل إلى حافة الطلاق تنتج عن عدم مراعاة حالة الزوجة النفسية خاصة في حالات الحيض والنفاس والحمل، لما ينتابها من قلق وتوتر واضطرابات، ومن ثم يلزم معاملتها بشيء من المرونة واللين، حتى تستقر حالتها تماما، كما أن توترات العلاقة الزوجية الخاصة تنعكس على كل نواحي الحياة ومن بينها الاختلاف من يتخذ القرار خاصة في بداية الزواج، والمراحل الأولى منه؛ حيث يتطلع كلاهما إلى تلك العلاقة، فإذا تحققت على أرض الواقع، وأشبع كل طرف رغبته بنجاح، فلابد أن يؤدي ذلك إلى نجاح الحياة الزوجية كلها.
وينصح يحيي سعد كل زوجين بتجنب العناد فهو أهم أسباب الفشل بالنسبة للحياة الزوجية; لأن الأمر في إدارة الحياة الزوجية شوري بين الزوجين، وإقناع واقتناع، فإن فشل طريق الشورى، فالأمر موكول للزوج، وتكون على الزوجة الطاعة بعد أن تقوم بواجبها من نصح وإرشاد.
داخل الإدارات المنزلية
على اعتبار الأسرة مؤسسة ووحدة إدارية مصغرة متعددة، الزوج هو رئيس مجلس إدارتها، فكيف يمكن توزيع المهام داخل تلك المؤسسة؟
يجيب الدكتور سعيد عبد العال - أستاذ إدارة الأعمال بجامعة الأزهر - فيقول: إن عملية توزيع المهام بين الزوجين تعتمد على شخصية كل منهما، ودرجة التفاهم بينهما على ضرورة المشاركة. كما تعتمد على العوامل المؤثرة في التربية، ومنها عوامل وراثية وعوامل مكتسبة.
ولكن بصفة عامة يمكن القول: بأن الزوج غالبا هو صاحب الموقع الاستراتيجي، وهو صاحب القرار، ولكن هذا لا ينفي أهمية الدور الذي تقوم به الزوجة، خاصة في بعض الأمور التي لا يستطيع الزوج متابعتها، مثل: الميزانية، فالزوجة أفضل من يدبر عملية الإنفاق؛ لأن الزوج مهمته العمل لكسب الرزق، وليس لديه الوقت الكافي لمتابعة أوجه الإنفاق.
ولكن لابد أن ننظر إلى الأسرة على أنها مؤسسة إنسانية تجارية همها الربح والمنفعة، فهي مؤسسة حياتية رأس مالها الأول هو العاطفة القوية بين الزوجين، والتي ولا شك لها تأثيرها القوي في تربية الأبناء.
وأهم قواعد تلك المؤسسة "الإيمان" الذي يزيد الثقة المتبادلة بين الزوجين، وفي النهاية، فليس هناك أفضل من التعبير القرآني الذي عبر عن الحياة الأسرية بالسكن والمودة، ومن القاعدة القرآنية التي تصلح بها حياة المسلمين لا الزوجين فقط "وأمرهم شوري بينهم" .
صراع أم مودة
يندهش الدكتور حسن عبد السلام - الأستاذ بجامعة الأزهر - من أن عالم الكائنات الحية من غير الإنسان لا توجد فيه مشكلة الصراع على اتخاذ القرار، ففي عالم الطير والحيوان ـ مثلا ـ لا نجد صراعا بين الذكر والأنثي، بل نجد تكاملاً من أجل المحافظة على النوع.
من هنا كان حرص الإسلام على أن تكون العلاقة الزوجية محكومة بضوابط شرعية وقيم أخلاقية تؤدي في النهاية إلى سيادة الرحمة والود في جميع المعاملات، وفي كل المواقف والحالات. والآية القرآنية التي تشير إلى هذه العلاقة- تدل على هذا المعني قال الله (عز وجل): "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون " [الروم:21]. فالسكن لا يكون إلا في وجود الرحمة والمودة، ولا يتصور السكن - ومن معانيه الهدوء والطمأنينة والراحة وغيرها من المعاني التي يحتاجها الزوج، وتحتاجها الزوجة ـ إذا تعامل الزوجان مع الحياة الزوجية بمنطق الصراع، واكتساب أحد الطرفين ميزات على حساب الطرف الآخر.
وفي ضوء هذا الطرح تتجاوز المعاملة بين الطرفين حدود العدل إلى دائرة الفضل، فكل طرف يحاول أن يبذل ما في وسعه لإسعاد الطرف الآخر، وإشعاره بمعاني السكن والمودة والرحمة المشار إليها في الآية. فتكون العلاقة بينهما علاقة تكاملية، وليست صراعًا وتفاضلاً.
وعلى هذا النحو كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) في خدمة أهله، وكانت زوجاته الطاهرات (رضي الله عنهن) يقدرن ذلك، ويبادلن الرسول (صلى الله عليه وسلم) المشاعر الراقية بالسمع والطاعة والإخلاص.
كما كانت بيوت الصحابة (رضي الله عنهم) تعيش في ظلال التوجيهات القرآنية، والقدوة النبوية.
من القيم التي تنمو بها الحياة وتتجمل - كما يقول د. حسن عبد السلام - : التعاون، وإذا كان الناس جميعا يحتاجون إلى التعاون والبر فيما بينهم، فالمؤسسة الأسرية أولى بهذا التعاون وأحوج إليه بطبيعة الحال، حتى يتحقق لها أكبر قدر من السعادة والخير والبر.
أما الإيثار، ومعناه إنكار الذات وتفضيل الغير على النفس وأداء الواجب، دون النظر إلى المقابل والسماح والتنازل بطيب خاطر عن بعض الحقوق، فهو طوق النجاة الذي يصل بكل أفراد الأسرة إلى شاطئ السعادة، فليس مهما من يتخذ القرار، المهم هل هذا القرار في مصلحة الأسرة أم لا؟
كما أن الزوج حين يعبر لزوجته عن امتنانه لآرائها الطيبة ، حتى لو لم يأخذ بها ، فإنه يؤجر على ذلك.
وينتقد د. حسن عبد السلام غفلة كثير من الناس عن قيمة الكلمة وأثرها، وينتج عن هذه الغفلة كثير من المشكلات التي تؤدي إلى انهيار الحياة الزوجية في بعض الأحيان. وإذا كانت الكلمة الطيبة صدقة، فأحق الناس بها الزوجة من زوجها والعكس تحقيقا لقاعدة الأقربون أولى بالمعروف.
ولنا أن نتوسع في مفهوم الأسرة لتشمل الزوجين والأبناء، وعائلة الزوجين، فالكلمة الطيبة على كل هذه المستويات، يمكن أن تكون مفتاحا لأبواب كثيرة من الخير، ومغلاقًا لأبواب كثيرة من الشر.
ويشير د. حسن إلى أنه إذا لم يستطع الزوجان الوصول إلى مرتبة التطوع والفضل فلتكن الحقوق والواجبات التي جاء بها الشرع الحدود التي ينبغي الوقوف عندها، فيؤدي كل منهما ما عليه تجاه الآخر قربى لله أولا.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #450
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-24-2015, 10:09 PM
Parent: #384

هناك قول شائع " وراء كل عظيم امرأة " ، وأنا أعتقد أن في هذا شيئا من الصحة، ولكني أحيانًا أشعر أنه يجب إعادة صياغة هذه المقولة لتصبح: " وراء كل عظيم أبوان عظيمان " .
هل يمكن أن نكون هذين الوالدين العظيمين خلف أولئك الرجال والنساء العظماء ؟ صدق أو لا تصدق: إن أولئك الصغار الذين يجرون في أنحاء المنزل سيصبحون في النهاية رجالاً ونساءً ، من الصعب تصديقه .. أو ليس كذلك ؟!!
ما الذي علينا فعله نحن الآباء لنجعل من أولئك الأطفال الصغار أشخاصًا عظماء ؟

بعد أن ولدت ابنتي الصغيرة بأيام قليلة أردت أن أسأل الدكتورة ـ أثناء توليدها لطفلتي ـ عن بعض التوجيهات التي يجب عليَّ أن أقوم بها. وبعدها أدركت أن هناك شيئا أفضل من تلك التوجيهات، بعد أن وجدت كل الدروس والتوجيهات التي احتجتها في كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم .

نقاط لاتباعها
أحد أهم النقاط التي اكتشفتها :
(الاحترام) ، أنا لا أتحدث عن احترام أولادنا لنا، بل عن احترامنا نحنُ لأولادنا، كيف نحترم أولادنا ؟
سألت بعض الأطفال الذين تترواح أعمارهم بين ( 12 - 16 ) عامًا ، عمَّا يرغبون به من آباءهم ؟! معظم الإجابات كانت الاحترام، فهم يريدون من آباءهم أن يعاملوهم كراشدين، وهذا مطلب سهل تحقيقه .

هناك أشياء كثيرة يمكنك فعلها لتشعرهم بأنهم راشدون بدون أن تشتري لهم سيارة أو منزلاً .
يمكن أن نشعرهم بأنهم راشدون بأن نسألهم عن آرائهم .. مثال على ذلك يمكنك أن تسأل الصغيرة فاطمة عن رأيها في الأوضاع في الشرق الأوسط، بالطبع رأيها لن يوقف الاحتلال الإسرائيلي، ولكن بالتأكيد سيجعلها تشعر بأن لرأيها أهمية ، وعندما تشعر بهذا الشعور فستشعر بأنها يمكن أن تفعل شيئًا مميزًا . وهذا عنصر رئيسي في تكوين شخصية عظيمة.

في القرآن هذا المنهاج في تربية الأبناء، فعندما أوحى الله إلى سيدنا إبراهيم عليه السلام أن يذبح ابنه إسماعيل ، سأل إبراهيم ابنه عليهما السلام عن رأيه : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (الصافات:102) .
فإبراهيم عليه الصلاة والسلام لم يأت من خلف ابنه ولم يقتله وهو نائم؛ بل سأله عن رأيه، طلب منه إسماعيل عليه السلام أن ينفذ ما أُمِر به، وأنه سيكون صابرًا إن شاء الله .
يا للجواب العظيم الذي نطق به الولد الصغير إسماعيل عليه السلام ويا للوالد العظيم .
بعض العلماء يقولون بأن إسماعيل عليه السلام كان حينذاك في حوالي سن السابعة .

شيء آخر يمكنك فعله: هو أن تكون متواجدًا عند أطفالك إذا احتاجوك، لا تتعجب من أسئلتهم أبدًا، فيبحثون عن إجابة لأسئلتهم من طريق آخر، وأنا متأكد أنك لا تريد ذلك، أرو عطشهم للمعرفة، ولا تستهزئ بأسئلتهم فتجيبهم بكلمة أو كلمتين .
فمثلاً سألت هدى والدها عن عمله، فأجابها أنا صيدلاني ، فسألته عن عمل الصيدلاني ؟ فقال لها : أنا أبيع الأدوية والعقاقير .. وفي أحد الدروس في المدرسة الذي كان يتحدث عن المهن، سألت المدرسة هدى عن عمل والدها؟ فأجابت هدى ، الطفلة البريئة ، وبكل فخر : أبي يبيع المخدرات.
وبالتالي توقع ماذا سيحدث فتأتي الشرطة على باب منزلك يحملون إذنًا بالتفتيش لاشتباههم بوجود عقاقير ومخدرات في المنزل .
أنا أعلم أنك لا تستطيع أن تقول لهم قصة لا نهاية لها مع كل سؤال، فهناك أوقات تكون فيها مشغولاً أو مرهقًا ، أو فقط لا تشعر بالرغبة في إجابتهم ، فقط حاول أن تستفيد جيدًا من الوقت الذي لست فيه مرهقًا أو مشغولاً .

والدتي كان لديها طريقة رائعة لإثراء معلوماتنا ، وكانت تحب الاستماع للقرآن والمحاضرات الإسلامية من الأشرطة، في كل مرة كانت تستمع فيها لقصة وترى أنها مفيدة تجمع أخواتي وأنا معهم ، وتروي لنا ما سمعته، وكنا نشعر بأننا أذكياء عندما نذهب للمدرسة فتشرح لنا المدرسة القصة التي نعرفها .

شيء رائع آخر: هو إطراؤهم .. الجميع يحب أن يشعر بأنه يقدر ، أو يشعر بأنه يفعل عملاً جيدًا " . " نور أنتِ ماهرة في ذلك " ، " علي ، لقد قدمت لي مساعدة كبيرة ، لا أعرف ما كنت سأفعل لولاك " .
سبحان الله ، حتى ابنتي ذات التسع سنوات - والتي بدأت تدرك العالم الإنساني - تحتاج هي الأخرى لبعض الإطراء، أحيانًا تعمل بعض الشقلبات والحركات البهلوانية أو الرقص وأنا أصفق وأضحك بهسترية ؛ فقط لكي تنهي طعاما حسنًا. أنا أبالغ نوعًا ما ، لكن أنا متأكدة أنك فهمت قصدي .

أشياء يجب اجتنابها
من جهة أخرى ، هناك أشياء عليك اجتنابها ، ومنها تجنب أن تفقد أعصابك وهدوءك. عندما تفقد أعصابك تقول وتعمل أشياء لا تقصد قولها أو فعلها، كُن لينًا ولا تصعب الأمور وتأخذها بجيدة زائدة .
كان هذا نهج سيدنا وحبيبنا الرسول صلى الله عليه وسلم ، كما ذكر أنس في الحديث التالي : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أفٍ قط وما قال لشيء فعلته لم فعلته .(رواه البخاري) .
يا له من نموذج رائع للاقتداء به ، لماذا لم يقل : اتتحداني " ويطارده في الصحراء بالعصا ؟ لماذا لم يوبخه ؟ إنها شخصية الرسول العظيمة التي ساعدت في بناء شخصية إسلامية رائعة هي شخصية أنس بن مالك رضي الله عنه.

في النهاية علينا ألا نفضل طفلاً على آخر، فإذا قبلت أحدهم عليك أن تقبلهم جميعهم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن الأقرع بن حابس رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل الحسن ، قال : إن لدي عشرة أطفال ما قبلت أحدًا منهم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : من لا يرحم لا يرحم ".(رواه مسلم ) .

هناك مكافأة رائعة لمن يحاول أن يفعل كل تلك الأمور ، عندما نعاملهم بالطريقة التي نريد أن يعاملونا بها سيشعرون براحة أكثر . سيشاركوننا شعورهم وستزاد ثقتهم بنا، سيحترموننا لأنهم يحبوننا ، ليس لأنهم يخافوننا ، هؤلاء الأطفال هم مستقبل المجتمع المسلم ، فليكن الله في عوننا لكي تخرج أفضل القادة في أفضل المجتمعات.
اسلام ويب

Post: #451
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:01 PM
Parent: #384

إن التربية الإسلامية توجه إلى وجوب تربية الصغار الناشئين على بر الوالدين بالاعتراف بفضلهما وحقهما، وبوجوب احترامها وتقديرهما، بالسمع والطاعة لهما، ومباشرتهما بالمعروف، وتقديم كل ما يحتاجان إليه من مطالب الحياة والراحة فيهما، وبالابتعاد عن كل ما يزعجهما من قول أو فعل أو نظرة أو حركة، وبالدعاء لهما بالخير والرحمة والمغفرة بعد موتهما.
ومن الأساليب التي تجدها في التربية الإسلامية لتربية الأبناء على بر الوالدين ما يلي:

أولاً- نجد عدداً من الآيات القرآنية توجه لذلك، وتوصي بهن ومنها قوله تعالى( وقضى ربك ألا تعبدوا ألا إياه وبالوالدين إحساناً، إما يبلغن عندك الكبر أحدهما، أو كلاهما فلا تقل لها أف، ولا تنهرهما، وقل لهما قولاً كريما، واخفض لهما جناح الذل من الرحمة، وقل رب ارحمها كما ربياني صغيراً) الإسراء 23-24.
ومنها قوله تعالى في سورة العنكبوت (ووصينا الإنسان بوالديه حسنا وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، إلي مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون ).
ومنها قوله تعالى في سورة لقمان 13-15 (ووصينا الإنسان بوالديه، حملته أمه وهنا على وهن ، وفصاله في عامين ، أن أشكر لي ولوالديك إلي المصير، وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما، وصاحبهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إليّ، ثم إليّ مرجعكم، فأنبئكم بما كنتم تعملون).

ثانياً- نجد طائفة من أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- تحث على بر الوالدين في حياتهما وبعد موتهما، وتبين آثار ذلك وفوائده في الحياة الدنيا والحياة الآخرة ومن هذه الأحاديث:
الأحاديث التي تظهر آثار بر الوالدين في الدنيا أن في ذلك زيادة العمر والرزق ، روى الإمام أحمد عن أنس-رضي الله عنه-قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من سره أن يمد له في عمره ويزاد في رزقه فليبرَّ والديه وليصل رحمه) وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال : (إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه، ولا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد العمر إلا البر) رواه ابن ماجة.
وأما آثار بر الوالدين في الآخرة، فتكشفها لنا أحاديث رسو الله صلى الله عليه وسلم، وأن منها تكفير الذنوب، ومنها دخول الجنة، روى الترمذي عن ابن عمر-رضي الله عنه- أن رجلاً أتى النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله أني أصبت ذنباً عظيماً، فهل لي من توبة، فقال : هل لك من أم؟ قال: لا: هل لك من خالة؟ قال: نعم، قال: فبرها.
وروى مسلم عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال: رغم أنفه، ثم رغم أنفه، ثم رغم أنفه، قيل من يارسول الله ؟ قال : من أدرك أبويه الكبر أحدهما أو كلاهما فلم يدخلاه الجنة.
قال النووي في رياض الصالحين:" رغم أنفه- كناية عن الذل، كأن أنفه لصق بالرغام أي بالتراب حقيراً هواناً".

ثالثا_ نجد طائفة من الأحاديث النبوية تبين مدى أهمية بر الوالدين بتقريرها تقديم فعل ذلك على كثير من أعمال الطاعات والمبرات، من نحو الجهاد في سبيل الله والحج والنوافل، والزوجة والأصدقاء، وحب الأولاد، ومن هذه الأحاديث ما رواه الشيخان عن عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه-قال : سألت النبي - صلى الله عليه وسلم-أي العمل أحب إلى الله تعالى؟ قال الصلاة على وقتها، قلت ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله.

ومن هذه الأحاديث التي تبين وجوب تقديم بر الوالدين على حب الأولاد ، قصة الثلاثة أصحاب الغار التي رويت في الصحيحين .
وختاماً : ليبادر كل منا إلى بر والديه إن كانا أحياء، أو أحدهما إن كان حياً، وإلا فالخالة هي بمنزلة الأم، ثم الأقرب فالأقرب، لعل الله يغفر لنا ذنوبنا ويدخلنا جنته.
د. محب الدين صالح-اسلام ويب

Post: #452
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:04 PM
Parent: #384

قررت الشريعة الإسلامية بجميع مصادرها حق الزوج على الزوجة بالطاعة، إذ عليها أن تطيعه في غير معصية، وأن تجتهد في تلبية حاجاته، بحيث يكون راضياً شاكراً.
ونجد ذلك بقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث النبوي الشريف " إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها دخلت جنة ربها ".
وفي قول الله سبحانه وتعالى: "فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا". وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد، لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"
فمن أول الحقوق التي قررها الدين للرجل هي أن تطيعه زوجته في كل ما طلب منها في نفسها مما لا معصية فيه، إذ ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق".
بالتالي عليها أن تأتمر بأمره، إن نادى لبت، وإن نهى أطاعت، وإن نصح استجابت، فإذا نهى أن يدخل قريب أو بعيد محرم أو غير محرم إلى بيته في أثناء غيابه أطاعت.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ألا إن لكم على نسائكم حقاً، ولنسائكم عليكم حق، فأما حقكم على نسائكم ألا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون".

زوجات مطيعات
والزوجة التي تعرف واجباتها الدينية تجاه زوجها، على وعي تام بأهمية طاعة الزوج، وتقول السيدة مها جابر: إن على الزوجة أن تسلس قيادها لزوجها فيما يفيد وينفع، حتى تهيئ لأفراد الأسرة أجواء الأمان والحماية والاستقرار والمودة ، وليكونوا أعضاء أسوياء تمضي بهم سفينة الحياة بعيداً عن الهزات التي قد تتعرض لها، وفي المقابل فإن الإسلام قد أعطى المرأة حقها كاملاً وأوجب على الرجل إكرام زوجته وصيانة حقوقها، وتهيئة الحياة الكريمة لها لتصبح له طيعة ومحبة ".

أما السيدة منى المؤذن فتقول: "إذا كانت طاعة الزوج قد فرضت على الزوجة كأمر واجب القيام به فما ذلك إلا لأن المسؤولية والتبعية يتحملها الرجل ، والرجل راع في بيته وهو مسؤول عن رعيته، كما أنه قد فرض فيه أنه أبعد نظراً وأوسع أفقاً، وأنه قد يعلم أموراً لا تعلمها الزوجة بحكم اتساع دائرته، أو يرى بحكم تجاربه وخبرته ما لا تراه هي ، والزوجة العاقلة هي التي تقوم بطاعة زوجها وتنفيذ أوامره، وتستجيب لآرائه ونصحه برغبة وإخلاص ، فإذا ما رأت فيه ما هو خطأ في نظرها تبادلت معه وجوه الرأي ، وأرشدت إلى موضع الخطأ بلين ورفق واقتناع ، فالهدوء والعبارة اللينة تفعل فعل السحر في النفوس".
وقد تجد آفة الغرور و الاستعلاء طريقها إلى المرأة ، وهنا تقول السيدة عبير مرشد: " في حال وصلت هذه الآفة إلى قلبها فقل على الدنيا السلام ، إذ تصبح الشركة الزوجية مهددة بأخطر أنواع المشاحنات والمنازعات ، فإن الرجل قوام الأسرة بحكم وظيفته التي وهبها الله له، إذا حاولت الزوجة أن تغير من خلق الله وسنته فإن ذلك لن يعود عليها إلا بأضر النتائج ".
وعن طريقة تعامل السيدة لينا الغضبان مع زوجها تقول: " إذا دعاني زوجي إلى طاعة الله والرسول فاستجيب لدعوته من غير تضرر، ففي ذلك النجاة والغفران ، وإذا طلب مني الاحتشام وعدم التبرج فأطيع أمره ، ففي ذلك الفوز والرضوان من الله، ولا يهمني ما درج عليه المجتمع فالله يقول :" وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله ". وإذا طلب مني الاعتدال في نفقات البيت أكون معه بقلبي وحبي وإخلاصي فتلك هي أصول الحياة الزوجية التي وضعها الله بالمودة والرحمة، وأعلم أنه عندما يغضب زوجي من أفعالي بعد نصح وتوجيه فإن السماء تغضب لغضبه".
تقول السيدة خديجة حجازي: "إن الطاعة ربما تكون ثقيلة على النفس ، وبقدر استعداد الزوجة للقيام بها والإخلاص في أدائها كان الجزاء بقدرها، فقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بخير وبين أنهن يؤدين خدمات لا يمكن لغيرهن القيام بها ويقدمن تضحيات من أعصابهن وأجسامهن ينوء غيرهن بها، فقد خلقن لأداء رسالة سامية ومهمة، ولهن عند الله الأجر وعظيم الثواب، ولن يكمل هذا الأجر إلا بطاعة الزوج وإرضائه وعدم الإتيان بشيء يكرهه.
أما هناء الصالح فتقول :" إن الرجل قوام على الأسرة فهو راعيها ومراقب أخلاقها وشؤونها ، فواجب على جميع أفراد الأسرة طاعته، ثم هو مكلف بأعباء الأسرة والسعي للإنفاق عليها وقضاء حاجاتها، وهكذا نظمت الأسرة على أن يكون لها راع وصاحب أمر مطاع ورعية تسمع وتطيع".

حدود الطاعة
على أن هذه الطاعة المفروضة على المرأة لزوجها ليست طاعة عمياء وليست طاعة بدون قيد أو شرط أو حدود، وإنما هي طاعة الزوجة الصالحة للزوج الصالح النقي، التي تعتمد على الثقة بشخصه والإيمان بإخلاصه والصلاح في تصرفاته ، والطاعة المبنية على التشاور والتفاهم تُدعم من كيان الأسرة وأحوالها وتزيد من أواصرها وقوتها، فالمشاورة بين الزوجين واجبة في كل ما يتصل بشؤون الأسرة ، بل إنها يجب أن تمتد إلى كل ما يقوم به الرجل من عمل، فليس هناك كالزوجة المخلصة الصادقة مستشار، تعين زوجها وتهديه بعواطفها وتحميه بغريزتها وتغذيه برأيها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستشير زوجاته ويأخذ برأيهن في بعض الأمور الهامة.
وقد استشار رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجته أم سلمة في أحرج المواقف فكان لمشورتها ورأيها الثاقب أثر كبير في انفراج الأزمة وعودة الأمور إلى مجراها الطبيعي .
وفي النهاية نجد أن الإسلام قد نظم الحقوق الممنوحة لكل من الزوجين، بحيث لو قام بها كل واحد خير قيام لسعد هو وأسعد من حوله، أما إذا أساء أحدهما استخدام هذا الحق فشلت الحياة الزوجية.
فالحياة الزوجية شركة بين الزوجين، وكما قرر الإسلام حقوقاً للزوج قرر أيضاً حقوقاً للزوجة وبين كذلك الواجبات المفروضة على كل منهما ، فإن هما قاما باتباعها خير قيام وعرف كل منهما حقوقه وواجباته كما جاءت في الإسلام سعدت الأسرة وأظلتها السكينة وغمرتها رحمة الله.
غادة الجوابرة-اسلام ويب

Post: #453
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:06 PM
Parent: #384

كيف تهيئين طفلك لاستقبال مولودك الجديد؟
قدوم مولود جديد يدخل البهجة والسرور على الأسرة، وفي الوقت نفسه تصحبه بعض التغيرات التي قد تؤدي إلى بعض المشاكل ؛ لذلك يجب على الأسرة أن تتهيأ ، وتستعد لتحسن استقبال الحبيب المنتظر، فتفرح بقدومه وتستمر فرحتها به، وأهم فرد يجب أن تهيئه هو من ينال أكبر قدر من رعايتنا واهتمامنا ألا وهو أصغر فرد في الأسرة، وأحب فرد إلى النفوس طالما لم يأت من هو أصغر منه، وقد سئل أحد الصالحين: أي ولدك أحب إليك؟ قال: "الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يشفي، والغائب حتى يعود".
فعند قدوم المولود الجديد ستتبدل المواقع ، وسيتبوأ هذا القادم تلك المكانة ، وتتوجه إليه الأنظار، وبقصد أو بدون قصد سيحظى بالقدر الأكبر من الرعاية ، فيحس الطفل الأكبر بسحب البساط من تحت قدميه باهتزاز عرشه الهنيء ، وحينها قد يحدث ما لا تحمد عقباه، ويحاول الانتقام من ذلك الغريم الذي احتل مكانه، ويمكن أن تواجه الأسرة بعض المشكلات النفسية والسلوكية والجسمية الخاصة بالنسبة الطفل الأكبر.

ونتساءل: ما الذي يجب أن نفعله إذن...؟
هناك العديد من الخطوات يجب على الأسرة اتباعها حتى نتفادى أي مشاكل نفسية تحدث للطفل الأكبر:
1 - يجب أن نشرح للطفل أثناء الحمل بأنه سيأتي مولود جديد بإذن الله ، وسيكون أخاه وحبيبه ، ولا نستهين بعقلية الطفل مهما صغر فإنه يفهم ويدرك.
2 - عندما يلاحظ الطفل كبر بطن الأم نقول له هذا أخوك، وأنت هكذا جئت، ولا بأس بأن نجعله يحتضن بطن أمه كأنه يحتضن أخاه، ويقبله، ويقول له: أخي حبيبي، فإن ذلك يصنع علاقة محبة مبكرة.
3 - يجب أن نرتب مكانا مستقلا لنوم الطفل السابق قبل الولادة ؛ لأنه إذا كان معتادا للنوم في حضن أمه فسيفاجأ بمن يأتي ، ويحتل مكانه بعد الولادة، وبذلك نكون قد زرعنا بذرة الخلاف والشقاق.
4 - عندما تذهب الأم إلى المستشفى نفهمه بأنها ستعود بإذن الله، ومعها المولود الجديد الذي ينتظره.
5 - يجب أن نشتري له لعبا جديدة وجذابة؛ بحيث نقدمها إليه عند قدوم أخيه الجديد، فيحسب بجو من الفرحة والبهجة التي نالته مع قدوم أخيه، وينشغل بهذه اللعب ، فلا يلاحظ الاهتمام بالمولود الجديد الذي قد يثيره، ويجب تجنب الكذب على الطفل بأن نقول له: إن أخاك هو الذي أحضر لك هذه اللعب، بل يكفي وجودها فقط.
6 - يجب أن نعهد إليه بمن يلاعبه من الأطفال الآخرين، وأن تضعه الأم على خريطة اهتمامها أن تحمله، وتكلمه، وتبث في نفسه البهجة والسرور مهما كان الأمر حتى لا يحس أنها لم تعد له، إن بعض الأزواج يحسون بالغيرة لاهتمام الزوجة بطفلها، فما بالنا بهذا الطفل الصغير.
7 - حينما يري أخاه يرضع نفهمه أن الطفل الصغير هكذا يتغذي، ونفهمه أنه كان يرضع هكذا، ولكنه أصبح الآن كبيرا، ويستطيع أن يأكل مثل الكبار، ونشعره بقيمته وبتميزه.
8 - نجعله يلمس جسم أخيه تحت إشرافنا بأن يمس رأسه، ويمسك يده، ويقبله، فيزيد التقارب بينهما.
9 - نجعله يساعد الأم في تغيير ملابس أخيه.
10 - محاولة إشعار الطفل بأن أخاه الأصغر يحبه بأن نقول له عندما يبتسم أخوه الأصغر إنه يبتسم لك؛ لأنه يحبك حتى نصل إلى مرحلة أن يقول بنفسه: يا أمي إن أخي يحبني.
11 - كلما كلمنا الصغير وداعبناه يجب أن نعطيه جرعة حنانية مشابهة، وأن نظل ندرك أن عقله مازال صغيرا، ولا ننظر إليه على أنه أصبح كبيرا بقدوم أخيه.
12 - يجب عدم المقارنة بينهما أمامه سواء منا أو من الأقارب أو الجيران أو الزوار، وأن نلفت نظر هؤلاء إلى تجنب ما يثيره أو ينقص من شأنه، وكذلك لا يقول أحد أن أخاك أفضل منك، وأن نتعامل مع كل طفل على أنه وحدة مستقلة (كل ميسر لما خلق له).
13 - يجب أن نربي الطفل على الثقة بالنفس، واحترام الذات، وكذلك محبة الآخرين والتعاون معهم.
14 - العدل والمساواة بين الأولاد عملاً بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم
د. رشاد لاشين-اسلام ويب

Post: #454
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:08 PM
Parent: #384

الرضاعة الطبيعية تقي من الأمراض وتزيد الحب!

الرضاعة الطبيعية: هي الطريقة التقليدية والمثلى لتغذية الطفل الرضيع من ثدي أمه فقط، من غير إضافة أي شيء؛ لسد جميع احتياجاته الغذائية خلال الأشهر الستة الأولى من عمره، وهذا ما يسمى بـ "الرضاعة الخالصة".
ويتفوق لبن الأم تفوقـًا حاسـمـًا من ناحية تركيبه الفريد واحتوائه على المواد الأساسية للحياة، والتغذية والنمو، من بروتينات، ودهنيات، وفيتامينات، وأملاح ومعادن؛ فهو يحتوي على كل هذه المكونات في أروع نسبة وأفضل تركيب للاستفادة الكاملة منه طوال مراحل النمو للطفل، كما أكدت الأبحاث الطبية أن لبن الأم يحتوي على خلايا تستطيع تكوين أجسام مضادة للميكروبات والفيروسات، وهذه الأجسام المضادة عُرف منها أربعة أنواع - حتى الآن - قادرة على حماية الطفل ووقايته من كثير من الأمراض، ولفترات مختلفة من عمره.
كما أن لبن الأم يحمي الطفل من أمراض الحساسية الغذائية التي تبدأ مع الشهور الأولى من حياة الطفل، وتكون على شكل طفح جلدي أو اضطرابات هضمية أو ضيق في النفس، وقد تؤدي إلى فقدان الوعي، ويقال : "إن الوراثة لها تأثير على استعداد الطفل للإصابة بهذه الحساسية ؛ إلا أن لبن الأم يساعد على الوقاية منها".

وقد نوقشت نتائج البحوث التي أجراها الدكتور "فيالات" أستاذ أمراض الحساسية بكلية طب باريس مع الدكتور "سمير خضر" أستاذ الصحة العامة بكلية "طب طنطا"، وملخص نتائج هذه البحوث أن لبن الأم يحتوي على بعض الأجسام المناعية التي تقلل من إفراز مادة الأميونو جلوبين المسببة للحساسية، ولذلك كان للرضاعة الطبيعية أثر كبير في منع ظهور الحساسية في السن المبكرة للطفل.
كما أن لبن الأم يحتوي على مواد بيئية تحمي الطفل من الإصابة بأي مرض بالإضافة إلى أنه يعطي فرصة لبناء جهازه المناعي لمدة ثلاثة أشهر تقريبـًا.

وأكدت الأبحاث الطبية، على الأطفال الذين يرضعون رضاعة طبيعية من الأم، وآخرين يرضعون حليبـًا مجففـًا مذابـًا في الماء، أن مادة الدهنيات الفوسفورية الموجودة في حليب الأم بنسبة كبيرة، والتي تدخل في تركيب الجهاز العصبي للطفل تلعب دورًا أساسيـًا في نموه، ولها تأثير كبير يمتد أيضـًا إلى نهاية عمر الإنسان، وقد أكدت أن أطفال الرضاعة الطبيعية أكثر ذكاء من أطفال الرضاعة الصناعية، والسبب في ذلك هو أن أسرع مرحلة لنمو المخ في الإنسان تكون في العام الأول من حياته، فيكون حينئذٍ في حاجة إلى مواد غذائية كاملة، وهي لا تتوافر إلا في لبن الأم، وأي نقص في هذه المواد خلال هذه الفترة غالبـًا ما يؤدي إلى نقص في القدرات العقلية..

فوائد الرضاعة الطبيعية :
أولاً: يعد لبن الأم أفضل غذاء للطفل، ويساعد على النمو السليم والتطور النفسي والعقلي؛ فهو نظيف وخال من البكتريا، ويحتوي على خلايا الدم البيضاء الحية التي تعين على محاربة الأمراض. ويوفر المناعة اللازمة للرضيع ويقيه من أمراض الجهاز الهضمي والإسهال، وأمراض الجهاز التنفسي والتهاب الأذن الوسطى، ومشاكل الحساسية، ووفاة المواليد المفاجئة، كما يساهم في إحداث الارتباط الوثيق بين الأم والطفل ما يزيد من قدرة الطفل على التحصيل العلمي في المستقبل.
يضاف إلى ذلك إمداده بطعام متوازن ومغذٍّ ومناسب لفترة نموه، خصوصًا خلال الأشهر الستة الأولى من حياته ؛ حيث إن لبن الثدي يحتوي على:
- كمية من الماء تكفي الرضيع حتى في الأجواء الحارة.
- كميات متفاوتة من الحديد، الملح، الكالسيوم والفوسفات تكفي حاجته خلال هذا العمر.
- كمية من إنزيم الليبيز التي تساعد على هضم الدهون.
- أكثر أنواع البروتينات والدهون المناسبة للطفل وبالكميات المطلوبة.
- فيتامينات كافية للرضيع.
- يساعد على النمو بشكل أفضل بالنسبة إلى الفك، النطق والأسنان.

فوائد للأم أيضاً
وبالنسبة لفوائد الرضاعة للأم فإن الرضاعة الطبيعية تساعد على:
- وقف النزيف بعد الولادة.
- المباعدة بين الحمل والآخر، خصوصًا إذا كانت مستمرة كل 2-3 ساعات صباحًا ومساء، ودون إضافة الرضاعة الصناعية.
- فقدان الوزن الزائد بسرعة.
- التمتع بالصحة السليمة عن طريق تقليل خطر الإصابة بسرطان الثدي، وتقليل خطر الإصابة بسرطان المبايض، بالإضافة إلى اختصار الوقت، حيث إن لبن الأم جاهز للرضاعة دائمًا ولا يحتاج إلى تحضير أو تدفئة، كما أن الأم تستطيع إرضاع طفلها في أي وقت.. وأي مكان.. من غير تحضيرات خاصة.
- توفير المال حيث إن لبن الأم رخيص الثمن فهو لا يشترى بالمال. وأخيرًا تقوي علاقة الارتباط والحب بين الأم وطفلها.

أخطار الرضاعة الصناعية:
يمكن حصر أخطار الرضاعة الصناعية بأخطار على الطفل، وأخرى على الأم؛ فأما أخطار الرضاعة الصناعية على الطفل فهي متعددة ويأتي في مقدمتها: - سهولة تلوث الحليب بالجراثيم والبكتيريا، نتيجة لعدم غسل الزجاجات أو الحلمات والملاعق المستخدمة جيداً، أو من تلوث الماء واليدين بجانب أنه لا يوجد حليب صناعي يحتوي على مواد مضادة للميكروبات تحمي الطفل من الالتهابات.
- الحليب الصناعي سرعان ما يفسد إذا لم يستخدم بمجرد تحضيره، خاصة في الجو الحار.
وعادة ما يكون الحليب الصناعي على شكل بودرة، يحتاج تحضيره إلى إضافة الماء، وهناك احتمال بأن تخطئ الأم بكمية الماء فينتج حليب مركز أو خفيف يسبب اضطرابات في أمعاء الطفل أو لا يفي حاجته الغذائية.. بالإضافة إلى أن ثقب الحلمة قد يكون ضيقاً فيعاني الطفل من صعوبة في الرضاعة أو قد يكون واسعاً فينتج عنه سرعان تدفق الحليب الذي يسبب الاختناق.
وقد يتلوث الحليب أثناء عملية تحضيره، وقد يسبب زيادة في وزن الطفل عن المعدل الطبيعي، وزيادة خطر الإصابة بالأمراض المزمنة، وقد يتعرض الرضيع للإصابة بالحساسية، وزيادة معدلات الإصابة بالنزلات المعوية والأمراض التنفسية والإسهال المستديم، وقد يعرض الطفل عن رضاعة ثدي أمه لأن الرضاعة الاصطناعية قد أشبعته، وأخيراً تسبب الالتباس والتشويش للحلمة واختلال الارتباط العاطفي بين الأم والطفل.
أما أخطار الرضاعة الصناعية على الأم فتتمثل في تأخر وتقليل إدرار الحليب؛ لأن الطفل لا يمص الثدي كما ينبغي. وزيادة احتمالات احتقان الثديين أو التهابهما؛ لأن الطفل لا يشفط اللبن بانتظام بجانب زيادة احتمالات حدوث الحمل السريع، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بسرطان الثدي والمبيض والسمنة، وعدم استعادة الرشاقة بعد الولادة.
وعند البحث في أسباب رفض المرأة إرضاع طفلها نجدها تنحصر في ثلاثة:
أولها: خروج المرأة للعمل والدراسة، وخوفها أن تؤثر الرضاعة على رشاقتها، وثانيها: رغبتها في تقليد الغرب واستعمالها لوسائل الرضاعة الصناعية باعتبارها نوعًا من التمدن.
وآخرها: جهل الأم بالطريقة المثلى للرضاعة.

نصيحة أخيرة..
ننصح الأمهات بأن يبدأْن الرضاعة الطبيعية منذ الساعات الأولى بعد الوضع، أي منذ تكوّن اللبن الأول وهذا لابد أن يكون خلال الأيام الأولى من الوضع، وينصح بأن تكون الرضاعة من ثدي واحد، لمدة لا تقل عن نصف ساعة حتى تتأكد من أن الطفل قد شبع، وذلك لأن اللبن الأول يحتوي على الماء والسكر الذي يزيد شهية الوليد ويشجعه على الرضاعة أكثر..
ومن هذا كله نعلم سر قول الله تعالى: (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ…)[البقرة]
اسلام ويب

Post: #455
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:12 PM
Parent: #384

طريق السعادة يبدأ بالرضا ..كتاب يقدم أفكارًا عملية للحصول على السعادة
- الرغبة.. العقل.. تحمل المسئولية.. النبع الداخلي.. أعمدة السعادة الأربعة
- برنامج يومي لإسعاد النفس يبدأ بالصلاة، وينتهي بالعفو عن الآخرين
- الناجحون السعداء.. في الدنيا والآخرة هم المؤمنون الفطنون.. فكيف تكون منهم؟
..............
السعادة.. والشقاء لفظان على طرفي نقيض، والذين عرفوا الشقاء هم أكثر من يقدرون لحظة السعادة، تلك التي لا تحصل إلا بجهد، ولا ينالها إلا من أرادها وسعي إليها.. واجتهد في الحفاظ عليها.. إذ لا يحرص المرء غالبا إلا على ما بذل فيه جهدًا، أما الذي يأتيه بسهولة فمن الممكن أن يفرط فيه بسهولة أيضا، وحين أخبر النبي صلىالله عليه وسلم بأن المرء يقدرله في الأزل أشقي هو أم سعيد، لم يعن ألا نأخذ بأسباب نيل السعادة، فنحن لا نعرف ما قدر لنا..
وأعلى درجات تلك السعادة أن يستشعر الإنسان الرضا في الدنيا، وينال الجنة في الآخرة، مصداقا لقوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا}.

كيف نحقق السعادة؟
سؤال يصلح لأن يكون هدفًا لحياة كل منا، على أن يحيطه بسياج من المشروعية والضبط العقائدي بحيث لا يكون الإحساس بالسعادة مرادفاً لمتعة تتعارض مع ثوابت الدين، أو للذة لحظة يدفع المرء من عقيدته مقابلاً لها.
أصناف الناس
هذا السؤال.. حاول الإجابة عنه د. صلاح صالح الراشد - رئيس مركز الراشد للتنمية الاجتماعية والنفسية بالكويت، والحاصل على ماجستير في الدراسات الإسلامية، ودكتوراه في علم النفس - في كتيبه: "100 فكرة للحصول على السعادة الحقيقية.. منهج حياتي مختصر لمن أراد العيش بسعادة ونجاح" الكتاب ليس مكونا من فصول، وإنما من مجموعة أفكار.. لكل فكرة عنوان.. وبكل صفحة فكرة، وفي مقدمة الكتاب يشرح المؤلف للقارئ كيفية يحقيق أقصى استفادة منه، وذلك بالتهيؤ لاستقبال الأفكار الجديدة فيه، ومناقشة من يثق فيهم في أفكاره، والقراءة بتمهل وإمعان وتطبيق الأفكار العملية في الكتاب، والتركيز في التطبيق على الأفكار التي يشعر القارئ بأنها أقرب إلي عقله، وقبل كل ذلك ينصح المؤلف قراءه بصلاة ركعتين لله، والدعاء بأن يوفقهم في تطبيق ما في هذا الكتاب من أفكار مفيدة.

يعرف المؤلف السعادة بأنها: شعور بالرضا داخل النفس، ولا يشترط أن تقترن بالنجاح، ولكن حبذا لو كان الناجح سعيد ا أو السعيد ناجح ا.. والسعادة والنجاح مع ا يجب أن يكونا هدف كل منا.
ويصنف د. الراشد الناس إلى:
1 - سعيد في الدنيا والآخرة.. فذلك المؤمن الفطن، وهو خير الناس.
2 - سعيد في الآخرة غير سعيد في الدنيا، وهو مؤمن غير فطن.
3 - سعيد في الدنيا.. غير سعيد في الآخرة.. وهو غير المؤمن.. الفطن.
4 - غير سعيد في الدنيا ولا الآخرة.. أي غير مؤمن وغير فطن، وذلك هو الخسران المبين.
والذي لا يحاول أن يحقق السعادة لابد أن يعرف ماذا سيخسر؟.. ستصيبه المشاعر السلبية، والأمراض الجسدية والنفسية، ويغرق في المشاكل الأسرية، ويورث لأسرته التعاسة، ويشارك في صنع مجتمع مضطرب وغير منتج.

ويحدد المؤلف للسعادة شروطا أربعة:
- أن تنبع من رغبة أكيدة في تحقيقها، فالذي يريد السعادة سيحققها - إن شاء الله - بل سيمنحها للآخرين، فقمة السعادة أن يكون الإنسان قدوة لغيره مني البشر، وأن يكون عطاؤه للآخرين متصلاً ، ولو كان قليلاً ، وخير عطاء هو نشر السعادة أينما حل.
- أن يتعلم الإنسان السعادة وطرقها ومهارات اكتسابها.
- ألا يسقط الإنسان إحساسه بالتعاسة على الآخرين، بل يحدد مسئوليته عن هذا الإحساس.
- أن يكون الداخل منبعاً للسعادة، فغير السعيد داخليا لن تسعده أية مظاهر خارجية.
- ومن استقراء أفكار الكتاب يمكن أن نتلمس إلى السعادة سبع خطوات هي:
الخطوة الأولى على طريق السعادة أن يسأل الإنسان نفسه.. ما السعادة؟ 10 أو 20 مرة، ويكتب تعريفاته وقناعاته، ثم يستعرض الإجابات حتى يعرف سبب سعادته أو تعاسته، ويكتشف موضع الخلل، وليجرب كل منا أن يقلب أفكاره السلبية عن السعادة إلي إيجابية، فإذا كان يري أن السعادة صعبة فليحولها إلى "هي ليست سهلة، ولكنها شعور أنا مصدره، وإذا اعتقد أن السعادة لمن يملك مالا، فليحول اعتقاده إلى.." السعادة مصدرها الداخل.. وهكذا.
الخطوة الثانية.. استشعار المتعة في السعادة، وذلك بتسجيل آثار عدم السعادة في ورقة وآثار السعادة في أخرى، والمقارنة بين الورقتين، فهذا يقوي الرغبة في السعادة.
الخطوة الثالثة: اقنع نفسك بالقدرة على إسعادها، وقل لنفسك: "لقد نجحت في التغلب على غضبي.. وسأنجح في الحصول على السعادة إن شاء الله".
الخطوة الرابعة: تحل بصفات السعيد، ومنها: "الاستفادة من الماضي.. والتحمس للحاضر.. والتشوق للمستقبل".
- مواجهة الأحداث على أنها تحمل رسالة، والنظر إلى المشاكل على أنها فرص للتغيير.
- حسن التعامل مع النفس والآخرين.
- الإيجابية والتطور وحب التعلم.
- عدم استنكار القليل من مشاعر القلق والشك والاضطراب ما دامت القاعدة هي التوازن واليقين.
الخطوة الخامسة: حقق محاور السعادة، فللحياة أربعة جوانب: الروحاني والاجتماعي والنفسي والجسدي. والسعيد هو من يعطي لكل جانب حقه بتوازن، وإن لم يكن يفعل ذلك، فليحلل وضعه، ويكمل نفسه، تطبيقا للقاعدة النبوية "أعط كل ذي حق حقه".
ارتق روحانيا
الخطوة السادسة: أحسن الظن.. واجتذب السعادة، فالإنسان حين يتشبث بفكرة صائبة مبشرة.. يحققها ويؤيد ذلك قول الله - سبحانه وتعالي - في حديث قدسي على لسان نبيه (صلى الله عليه وسلم): "أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء".
وقد قال ابن القيم الجوزية: "إن الله لا يضيع عمل عامل ولا يخيب أمل آمل".
ومن باب اجتذاب السعادة.. مصاحبة السعداء، وطرد الأفكار التعيسة.. واختيار اللفظ الحسن.
الخطوة السابعة: فكر فيما تريد.. لا ما لا تريد.. فبدلا من أن تقول: أنا لا أريد القلق والتوتر، قل: أنا أريد الطمأنينة.. اجعل أهدافك وأفكارك إيجابية.

هذه الخطوات السبع.. تسير بالتوازي مع تطبيقات عملية يومية للحصول على السعادة.. يستعرضها المؤلف في:
- الالتزام بالصلوات الخمس يومياً حفاظاً على الحبل المتين الذي يربطنا بالله.
- الدعاء.. وبإلحاح، وأيضا بيقين.. وبصدق توجه لله.. ويحسن طلبها للنفس والغير وبتحر لأوقات الإجابة، وأيضا بإتيان العمل الصالح الذي ييسر إجابة الدعاء.
- الحفاظ على الورد القرآني، ولو كان ربع حزب يوميًا مع تعلم التجويد.
- تحصين النفس ضد الوساوس يوميا بقراءة المعوذتين والإخلاص ثلاث مرات صباحا ومساء، والدعاء بـ "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم" ثلاث مرات أيضا مع عدم المبالغة في التحصين حتى لا تتعزز الوساوس.
- رفع مستوى الوعي الروحاني بحضور مجالس العلم، وسماع الأشرطة، وقراءة كتب الرقائق.
- الاسترخاء ولو لدقائق يوميا، وممارسة التأمل والتفكر في خلق الله.
- بر الوالدين حيين، والدعاء لهما ميتين.
- صلة الأرحام، كفريضة إسلامية.
- مصاحبة من يتحلون بالإيجابية والسعادة.
- تخصيص يوم للعائلة.. يعطي فيه المرء لأهله حقهم عليه، وليكن هذا اليوم محددا سلفا لا يخضع للظروف.
- الانخراط في نشاط اجتماعي تطوعي، بنية خالصة تورث الكثير من الحسنات.
- الحفاظ على صحة الجسد من خلال "طعام صحي، ماء نقي، رياضة يومية، تنفس هواء نقي، الاهتمام بالفحص الطبي الدوري".
معوقات السعادة
ثم يرصد المؤلف معوقات السعادة التي يجب أن يتغلب عليها المرء فينصح بـ:
- التغلب على القلق.. بالصبر، وتأجيل ردود الفعل السلبية، وتفسير الأحداث تفسيرا إيجابيا، وحسن التوكل على الله.
- مواجهة المخاوف.. بتحليلها لمعرفة حجمها الحقيقي، واستشعار محبة الله.
- التفاؤل.. فكل سعيد متفائل، وهذا من الإيمان، ويمكن اكتسابه بالتعلم والمران.
واقعية وموازنة
- مقاومة اليأس.. بالتصبر والرضا والتحكم في ردود الأفعال.
- الإيجابية.. بالعمل والحركة، وعدم تعجل النتائج.
- العزلة.. والخلطة بتوازن، فلا مخالطة الناس باستمرار وبذلة وتضييع للحقوق مطلوب، ولا الانشغال بالنفس، والترفع عن الخلطة مطلوب أيضا.
- تحليل الأمور بواقعية.. والطموح إلى تغيير السيء ببعض الخيال.
- الموازنة بين العلم والعمل، فالانقطاع للأول مضر.. والمبالغة في الثاني من دون زاد من العلم معيق للسعادة.
- الثقة بالنفس دون غرور.
- التسامح والتغافر.. فقد روي عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "يدخل عليكم رجل من أهل الجنة الآن فدخل رجل لم ير فيه الصحابة تميزا فلحقه عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه) فمكث عنده ثلاثة أيام فلم ير منه شيئا مميزا، فقال له ما سمعه من النبي (صلى الله عليه وسلم) وسأله عن أفضل عمل يرجوه فقال الرجل: إنه لا يجد عملاً غير أنه إذا ذهب إلى فراشة قال: اللهم أيما امرئ شتمني أو آذاني أو نال مني، اللهم إني قد عفوت عنه اللهم فاعف عنا.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #456
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:13 PM
Parent: #384

هي زميلة دراسة، وديعة كالنسمة، تلقت تعليمها ما قبل الجامعي في مدرسة فرنسية، ومع ذلك فقد كانت ملتزمة بحجاب بسيط، وقراءات دينية عرفت منها الحد الأدنى الذي يجب أن تعرفه، ولم يغير فيها التعليم الفرنسي شيئًا من قيمها، غير أنها صارت أدق وأكثر حرصًا على الإنجاز السريع - على حد قولها - وكانت دائما تشيد بدور المدرسة في هذا الأمر، وتردف بأسى: المفروض أن نتعلم هذا وأكثر منه في مدارسنا الإسلامية.

أنهينا دراستنا الجامعية، وتفرقت بنا سبل العمل، وكانت آخر مرة زرتها فيها يوم تهنئتها بزواجها، انقطعت أخبارها عني تسع سنوات، حتى فوجئت باتصال تليفوني منها في عملي تطلب لقائي، قابلتها فلم أجد شيئا في دماثتها ورقتها ودأبها قد تغير، لمحت فقط مسحة حزن عميق على وجهها تحاول مداراتها بالضحك، وهي تتذكر بعض مواقف دراستنا المشتركة .. سألتها عن أخبار أسرتها، وهل ما زالت تسكن إحدى المدن الجديدة؟ فقالت: لدي طفلان.. وأقيم مع أمي.. لم تنتظر حتى أسألها: لماذا.. وحكت:

منذ أول شهور زواجي، وزوجي دائم الإقامة عند والدته، ويلح عليّ لأقيم مع أمي بمختلف الحجج، في البداية أرجعت هذا لتعلقه الشديد بأمه، ولكن الأمر تجاوز حده، فقد صرت لا أقيم في بيتي أكثر من يومين كل شهر، وأصبحت حقيبة السفر التي كانت رابضة فوق الدولاب، موضوعة أسفل السرير، تأهبا لمغادرة البيت في أي وقت، ناقشته فقال: تغيير، ألا تحبين التغيير؟! استخدمت كل وسائلي لإقناعه بغرابة موقفه فلم ينلني منه سوى السخرية والاتهام بأنني زوجة غير مطيعة، استسلمت لقدري حرصًا على مصلحة ابني وابنتي، ولكن ما حدث مؤخرًا جعلني أبحث عن فرصة عمل تعينني على الإنفاق على ابني وابنتي، بعد أن امتنع زوجي عن الإنفاق عليهما، واشترط لرجوعي إلى بيتي أن أعتذر له، ولا أعرف عن ماذا، وأن أنفق على الولد والبنت، قلت في نفسي: ما دمت أنفق عليهما أصلاً ، فالأفضل أن أعود إلى بيتي، استخرت الله فلم أسترح، وتذكرت تصرفاته معي وتصيده لهفواتي، وسوء معاملته لي.. فقررت البقاء، فبيت أمي أرحم في كل الأحوال.

سألتها: أهو وحيد أمه، فقالت: نعم.. على خمس بنات كلهن متزوجات، اتضحت الصورة أمامي، بعد أن كنت قد ألححت على زميلتي في السؤال عن مبررات ما يفعله فكانت تجيب بأسبابه هو التي يعلنها، فأجدها أسبابا تافهة لا تصمد أمام حب الرجل لزوجته، واستعداده للتسامح معها، وتناسي أخطائها الصغيرة التي تحدث - عفوًا - في بداية الزواج نتيجة صعوبة التكيف مع الحياة الجديدة أو تحمل مسئولية الزواج دفعة واحدة، كانت مبررات الزوج القوية - من وجهة نظره - أن حوض الحمام كان أغلب الوقت متسخا، وأن جواربه لم تكن تغسل باتقان.
أي زوج آخر كان سيتحمل وينصح، ويتغاضى.. وإن فاض به الكيل فقد يخاصم أو يعنف، ولكنه لن يهجر البيت، ويمتنع عن تحمل مسئولية طفليه، ولكن وحيد أمه الذي اعتاد أن تكون أحلامه أوامر، وأن يجد كل شيء طوع يمينه، وألا يكون هناك أدني نقص فيما يريده، لن يتغير بسهولة حين يصبح زوجًا.. مسئولاً .

بعد انصراف زميلة دراستي تمنيت أن أسأل أم زوجها: أيسعدك أن ابنك زوج ولا زوج؟
أيسرك أن يظل في حضنك حتى بعد أن صار أبًا لطفلين؟ أيبهجك أن يظل - بعد زواجه - طفلك الوحيد المقرب المدلل، ولو على حساب حياته وطفليه؟

ربما أجابتني.. بنعم؟ ولكنها ستكون: نعم مترددة من باب الكبر.. واستعظام الاعتراف بالخطأ، ولكنها في قرارة نفسها، ربما تتمنى أن يعود الزمن إلى الوراء، فتعامل ابنها بشكل مختلف يؤهله; لأن يكون زوجًا ورب أسرة ناجح، لا ملكًا متوجًا بلا مملكة، ولا عرش سوى مشاعر زوجته وآدميتها وحقوقها وحقوق أبناء أبرياء.

جميل أن نحب أولادنا.. وأجمل أن نعرف كيف؟ فكم من بيوت هوت لأن فيها رجالاً ، بالعمر فقط، ولكنهم في عيون أمهاتهم ما زالوا أطفالاً مدللين.. الابن الوحيد نعمة من الله، بعض الأمهات يحولنه إلى نقمة على زوجته حين يقتلن فيه رجولته ومسئوليته وقوامته من فرط الخوف والحماية والتدليل، ويرين كل مقومات رجولته ذبابة متطفلة ترفض الرحيل عن وجهه فيضربنها بقوة، ليقتلنها ويقتلنه أيضًا!
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #457
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:15 PM
Parent: #384

دائما ما يختلف مفهوم الحرية من فرد إلى آخر ومن جيل إلى جيل، حتى داخل الأسرة الواحدة نجد أن مفهوم الآباء للحرية يختلف عن نظرة الأبناء، وهو ما يؤدي إلى الصراع الأبدي المعروف باسم صراع الأجيال، فكيف يرى كل واحد حدود حريته؟ هذه ما سنعرفه من خلال التحقيق التالي..

عن مفهوم الحرية داخل الأسرة تقول أميمة غريب -20 عاما-: أتمنى أن أجد أبًا متفهماً، يفهم تماما معنى الحوار، ولا يدعي التحرر والمرونة ولا يتشدق بهما، لا يعتبر ما يعطيني إياه من حقوق مشروعة لي منحة يتكرم بها، ولا يعترف أنها من الحقوق الطبيعية جدا للأبناء، تعطى لهم حسب تدرج أعمارهم، وحين يحدث الخلاف بين الأب وأولاده، يتحول ذلك الأب فجأة إلى ديكتاتور يسحب جميع المنح منهم, فكلمة أب لا ينبغي أن تعني أنه يملك مصائر أولاده أو حياة أحدهم.

الأب المستحيل
وتتساءل أميمة، هل من المستحيل في هذا الزمان أن نجد أبا يتفهم نفسية ابنه أو ابنته إذا مر أحدهما بأزمة نفسية أو عاطفية أو بمشاكل مرحلة المراهقة ؟.. الأب الذي تحتاجه البنات يجب أن يتفاعل معهن.. يجب أن تحكي له ابنته مشاكلها؛ لأنه يفترض في الأب أنه يختلف عن الأم في معالجته لبعض الموضوعات أو في التعامل معها، ومن واجباته أن يعلم بناته كيف يتخذن قرارا وأن يجعل حياتهن تتقدم إلى الأمام وتسير دون أن يفسدها أحد..

وتواصل أميمة قائلة: كذلك يجب أن تكون الأم صابرة، وأن تدرك أن المساحة التي تتحرك فيها بنتها مختلفة عنها، ويجب ألا تتعامل الأمهات مع بناتهن بمنطق "اطوي البنات تحت جناحك " يجب أن تجذب الأم ابنتها داخل عالمها وأن تتقرب لها، ولابد أن يحدث هذا لي دون علمي بأنها تفعله، لأن هذا لا يتم ( بالعافية ) أي بالقوة .

سريع الصدام..
حنان إبراهيم -19سنة- تقول: من الممكن أن يكون الأب كارهًا لأفكار أولاده، لكنه قادر أن يفهمها، وهنا فقط يستطيع التعامل معها فيقلل الصدام، لأنه من المفروض أن يساعد الأب الأبناء على الخروج من مشاكلهم ويعلمهم كيف يتصرفون بحكمة.
ولا بد أن يعطي الأب أو الأم لأولادهما فرصة الكلام والتعبير عن أنفسهم وأفكارهم فهل يصبح هذا خطأ في هذا الزمن؟
وأرى أن معظم الأمراض النفسية للأبناء دائما تنشأ كنتيجة لسوء التربية في الصغر؛ فالأبناء دائما في حالة كبت ولا يعرفون إلى من يتحدثون.

معادلة صعبة
شادي وجيه -25عاما- يقول : إن الحرية داخل الأسرة معادلة صعبة فهي تتطلب أبا مثقفا ومتحضرا يناقش قبل أن يعطي خلاصة تجاربه في الحياة، ويعلم أولاده عدم الخوف، ويعطيهم الفرصة للتجربة ولممارسة حقوقهم، وأن يتعلموا عواقبها، ويعلمني كيف أتعامل مع الفشل أو النجاح.

ليست منحة
علاء إبراهيم -21 سنة- يقول: لا يصح أن يعتبر الوالد حق الحرية منحة منحها للابن لأنه المتسبب في وجوده، ولا يصح أن يلجأ الأب الكبير وقائد الأسرة إلى منطق المساومة مع الأبناء، ويجب أن يتوافر عند الأب منطق السماح والمغفرة، وأن يكون حكيما وليس ممسكا بالعصا التي تهدد الأبناء، ويستوعب حكمة سيدنا عمر بن الخطاب عندما قال : " لا تعلموا أولادكم عاداتكم، فقد خلقوا لزمن غير زمانكم" فكأنه كان يقرأ المستقبل، وهو المنهج العلمي الحديث الذي توصل إليه العلماء والباحثون وهو منهج الدراسات المستقبلية.

تنازل الأب
وعن قضية الحرية والحوار بين الآباء والأبناء، تقول الدكتورة زينب حسن أستاذ التربية بجامعة عين شمس: الأب لا بد أن يتنازل عن سلطته وقهره لأبنائه، وفي الوقت نفسه على الابن أن يثق بمشاعر والديه، وأن يكون هناك دائما حسن نية في العلاقة، لكن المشكلة تظهر أكثر لو كانت سلطة الأب والأم قاسية، ويشعر الأبناء بالقيود والاختناق من والديهما، وهو ما نسميه بالحب الخانق في علم النفس، والذي ينتج عن كثرة القلق والهيمنة الزائدة والمتابعة المستمرة وشدة الخوف كل هذا يقتل الأبناء نفسيا ويسبب لهم مشاكل مؤلمة.

فن الحكي
وتضيف قائلة: لا بد أن يعتاد الآباء مع أبنائهم فن الكلام والحكي.. كل يأتي من عمله أو مدرسته فيحكي للآخر بشكل حميمي - وليس في شكل استجواب أو تحقيق- ما مر به في يومه، فمن المؤكد إذا قالت الأم لابنتها : " إياك " أن تفعلي هذا، وكان الأمر صريحا وعنيدا فستتوقف الابنة عن الحكي لأمها، لكنها لن تتوقف عن ممارسة الفعل، فالأمر يتطلب الذكاء الاجتماعي للوالدين والمرونة والحكمة، لكن المشكلة الحقيقية أننا أصبحنا في زمن به الكثير من المؤثرات الخارجية الضاغطة التي سببت تشويهًا لمعانٍ كثيرة في الحياة، فالأفضل أن ينشأ حوار مستمر بين أفراد الأسرة حتى يكتشف الوالدان مواضع الخلل في أبنائهما إن وجدت، فمن المؤكد أن "الفرمانات" تغلق أبواب الحوار.

المنع ليس الحل
وتواصل الدكتورة زينب حسن قولها : ومن الأشياء الأخرى التي لا بد للآباء والأمهات أن يراعوها، عدم العصبية الزائدة بما لا يتناسب مع الحدث نفسه، ما يثير الأبناء ويكرس لديهم العصبية والحدة.
وتقول الدكتورة زينب حسن: اذا ما قامت علاقة حب بين اثنين من المستحيل أن تتشوه هذه العلاقة أبدا، وأعتقد أن لا شيء يحل الأزمة بين جيلين سوى حب صادق بين الآباء والأبناء، هنا فقط يتحقق المثل الشعبي المصري "حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمني لك الغلط ".

الثقة الغائبة
الدكتورة سوسن عبد اللطيف أستاذ الاجتماع وعميد معهد الخدمة الاجتماعية بالقاهرة سابقا تقول: الحرية بين الجيلين قضية أزلية، فكل جيل يتصور أن الجيل السابق له متخلف عنه، ولا يعرف شيئا، بينما ينظر القديم إلى الجديد بحذر ويعتبره مفرطاً في القيم ومستهترا ، والجديد في هذا الوضع أن صراع الأجيال أصبح قويًا وعنيفًا نظرا للقفزات الكبيرة التي تمت في القرن العشرين، سواء ماديا أم معنويا أو تكنولوجيا وما يشاهده الأبناء في الأفلام الأمريكية مما أثر على العلاقات، وجعل هناك فجوة أكبر بين الآباء والأبناء، خاصة في مجتمعنا الشرقي المسلم، فعندما ننظر إلى أبنائنا نجد اللغة التي يتحدثون بها مختلفة وكذلك القيم والمفاهيم.

ولكن لماذا تزيد حدة الصراع في مجتمعاتنا الشرقية بالذات ؟
تجيب د.سوسن قائلة: المجتمعات الغربية تطورت تدريجيا، فالابن يترك الأسرة في سن صغيرة، ويعمل ويعول نفسه، وبصرف النظر عما إذا كان هذا تغيرا سلبيا أو إيجابيا فإنه تغير حدث بالتدريج وفي سياق تطور المجتمع ماديا، أما نحن فقد انعكس ذلك كله علينا فجأة، وأخذنا من التطور القشور وأصبحنا نعاني من التفكك الأسري والبانجو والعلاقات المتحررة والأغاني السريعة.

وقديما كانت الأسرة هي التي تنشئ الابن بنسبة 70%، وتشارك العوامل الأخرى في هذه التنشئة بنسبة 30%، أما اليوم فقد حدث العكس ودور الأسرة أخذ في الانحسار أكثر فأكثر لأن الأولاد في الماضي كانوا يذهبون للمدرسة، ثم يعودون للبيت حتى اليوم التالي، بينما اختلف ذلك الآن وأصبح هناك قصور في التعليم، وانتشر البانجو والعنف وضرب المدرسين والتعليم عن طريق التلقين وليس الممارسة، وبدأ الابن يحتك بأولاد آخرين ويتأثر بسلوكياتهم، وعندما يرى زميله في الصف الثاني الابتدائي معه موبايل، أو يلبس ويتحدث بطريقة معينة، فإنه يتأثر به، هذا إلى جانب وسائل الإعلام والتلفزيون المفتوح طوال اليوم والنادي والشارع والشلة.

والخلاصة التي تنتهي إليها الدكتورة سوسن هي أن ضبط إيقاع الحرية داخل الأسرة يقع بصورة كاملة على كاهل الأبوين، فعليهم أن ينشئوا أبناءهم -تدريجيا- على الحرية الملتزمة التي تعرف الحدود، ومنذ صغرهم لا بد من تكوين الوازع الديني لديهم، وزرع مفاهيم الصواب والخطأ والمقبول والمستهجن، وحقنهم بتطعيمات "مضادة" للانبهار بكل ما هو غربي حتى لا يتسلل إلينا كل يوم من هذه الحضارة ما يجعلنا نفقد ثقافتنا وحضارتنا الأصلية التي نعتز بها.
خالد بركات-اسلام ويب

Post: #458
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:17 PM
Parent: #384

إن كلا منا عندما يقدم على الزواج تملؤه الأحلام بحياة سعيدة ، يكتنفها الأمان والاستقرار، ولكن هذا الكيان الذي يباشر ببنائه أكثر من طرف، غالباً ما يقع تحت وطأة التدخل الذي يفضي إلى مشاكل أو حتى مآس لاتحمد عقباها ، فالأسرة الشرقية محكومة بعوامل عدة تغيب عنها الاستقلالية لأسباب مباشرة أو غير مباشرة، وليس من الحكمة عزل الأسرة عن محيطها ، ولكن هذا لايمنع من أن تترسخ لدينا أساسيات في التعامل الصحيح مع تدخل الآخرين في الحياة الزوجية.
تقول السيدة سناء محمد (معلمة) عن تجربتها في تدخل الآخرين في حياتها مع زوجها والمشاكل التي سببها لهما:" اشتدت الخلافات وتراشقت الاتهامات مع أهل زوجي، فصار كل منا يتسقط هفوات الآخر، وانتقلت العدوى لنا أنا وزوجي، فزادت الشكوى والتذمر وصارت الخلافات زاداً يومياً بعد أن كان الحب والوئام قاسمنا المشترك، وأصبح كل منا ضيق الصدر تجاه شريكه، يثور لأتفه الأسباب حتى حدثت بيننا مشادة تشنجت معها الأعصاب والعبارات، تركت أثرها البيت وذهبت إلى أهلي الذين زادوا الموقف حدة ، وبما أن زوجي يسكن أقصى الجنوب وأهلي في مكان آخر تعذرت علي معرفة أخباره وطالت فترة التغاضب إلى ستة أشهر أرسل خلالها أكثر من وساطة للصلح ولكن الأهل رفضوا ، وطلبوا أن يحضر بنفسه للحساب، وحرضتني النساء المحيطات بي على أن لا أتنازل ولا أطأطئ رأسي وأبقى على كرامتي، ولن يكون ذلك إلا بأن يأتي صاغراً ويعتذر، علماً أننا نحن الاثنين قد أخطأنا بسبب الضغوط الكثيرة من حولنا ، وفي أحد الأيام جاءني صوت إحدى صديقاتي عبر الهاتف ، فأخبرتني أن أهل زوجي يسعون لتزويجه، وقد اختاروا الفتاة، وحتى أنهم أقنعوه، ووبختني إذ تركت البيت هذه الفترة كلها ، وذكرتني بمزايا زوجي وأن الكثيرات يتمنين زوجاً مثله. وقالت عن أية كرامة وكبرياء تتحدثين … ؟ ستخسرين بيتك ويضيع أطفالك من أجل كلام وأوهام ، ونظمت لي لقاء مع زوجي بعيداً عن أهلي وأهله، فنظر كل منا إلى الآخر بخجل وعتاب صامت..
متطلبات أخرى للزوج
وليس الأهل والأقرباء فقط من يتدخلون في الحياة الزوجية المعاصرة، إذ هنالك أنماط جديدة من التأثير الخارجي لازالت الإحساسات تجمعها ، ولم تدرك إلى الآن، أو تصنف وفق مسمياتها ، ومنها هذه المشكلة، المشهد الذي قيل على لسان زوج واع لكنه يتأثر بمشاهد تختزنها ذاكرته، وتتفجر في لحظة ما لتعبر عن وجودها بصفعة، أو بما يحدث خللاً أو إرباكاً أو جرحاً يقال أنه عميق.
يقول المهندس علي عيسى (38) عاماً يقول عن تجربته الخاصة: "مغريات كثيرة تحيط بنا ، لانستطيع أن نصرف النظرعنها، فهي تجذبنا وبشدة، ومشاهد يومية من الأناقة والذوق الرفيع، واللباس القليل الحشمة، وكل ما هو ملفت للانتباه ، وأمام ذلك تشتعل في داخل كل زوج الرغبة في أن تكون زوجته مثالاً للرقة والأنوثة، وزوجتي منشغلة في تربية الأولاد، وتدبير شؤون المنزل، متناسية وجودي، وهذا يزعجني كثيراً، وألمحت لها مراراً بضرورة الاهتمام أكثر بمظهرها ، لكنها لم تصغ إلي ولم تعط بالا لكل ما أقول ، فكبت غضبي في داخلي وسخطي إلى أن دخلت ذات يوم المنزل، وكانت منهمكة كعادتها بمتابعة ما بدأته، فجرت مشاحنات كلامية، وتطورت إلى الكلام الجارح بيننا ، ولم أتمالك نفسي رفعت يدي وصفعتها على وجهها، فتسمرت أمامي ثم تركت الغرفة ، وذهبت إلى الغرفة المقابلة، وبدأت تجهش ببكاء صامت، ومنذ ذلك اليوم أشعر أن شيئا انكسر في داخلها ، اعتذرت مراراً وشرحت موقفي، وقالت أنها سامحتني، لكن أعلم أنني جرحتها من الداخل.
انتهاك حرمة الحياة الزوجية
وبالتأكيد يقوم المجتمع الشرقي على حميمية العائلة الكبيرة التي تقدس الروابط الأسرية، مما يعطي مساحة أوسع للأقرباء بالتدخل بطريقة غير صحيحة، وإن كانت مبررة اجتماعياً وعاطفياً.
يقول الدكتور عزت شاهين في علم الاجتماع: إن تدخل الآخرين في الحياة الزوجية غالباً ما يؤدي إلى نتائج سلبية تنعكس على الزوجين، ولاسيما تدخل كلا الطرفين من أهل الزوجين، بصورة تعطي حقا للوالدين في التدخل مثلاً بشؤون الأبناء الذكور والإناث، ويكون هذا التدخل بدءاً من اختيار الزوج أو الزوجة لأولادهم ، وحتى في حال كان الاختيار ذاتياً يطلب من الخاطب رضى الأبوين وموافقتهم ، وتجبرهم العادات المرعية على مباركة مراسم الزواج من قبل الأهل، وهذا مايؤكد تدخل الأهل الكبير بحياة أبنائهم الزوجية.
وفيما بعد تتدخل أم الزوج انطلاقاً من أنها المربية لابنها ولسنوات طويلة، وأمنت له حاجاته، وهو لا يزال يحتاج إلى الرعاية، فالزوجة لن تستطيع أن تتفهم حاجاته لصغر سنها وقلة خبرتها ، وفي الوقت نفسه تريد أن تعيد تشكيل الكنة بما يتلاءم مع رغباتها ، وتتم هذه التدخلات بأشكال عديدة منها لباسها وتصرفاتها واستقبالها للضيوف وطريقة اهتمامها بزوجها وأولادها ، وبمصروف المنزل وإدارته …
و التدخل يكون أيضاً من قبل أم الزوجة ظناً منها أن خبرة ابنتها قليلة في التعامل مع الرجال، وهي تريد أن يكون بيت ابنتها مملكة سعيدة، من باب الحرص على أن يكون لابنتها شخصيتها القوية داخل بيتها فلا يطمع بها زوجها.
وفي الحقيقة تدل الإحصائيات أن التدخلات هذه في البداية تكون بنوايا خيرة ، لكنها سرعان ما تنعكس سلباً عليهما ، وتؤدي إلى خلق الحساسية بين الأهل والزوجين، وبين الزوج وزوجته.
وهنالك أمر لابد من الإشارة إليه وهو عامل المقارنة الذي يلجأ إليه الزوج عند أي تقصير يذكر من قبل زوجته، وبالمقارنة تكون غالباً بوالدته التي تعتبر المثل الأعلى في الصورة التي يرتجيها لزوجته في معاملتها معه وحسن تدبيرها لشؤون المنزل، وهذا يولد الكثير من الحساسيات التي تؤدي إلى تفكيك الأسرة. ونتيجة الازدواجية التي تحكم العلاقات داخل المجتمع، يعاني كلا الزوجين من إحباطات شتى، فكل واحد يريد أن يظهر للآخرين على أنه يعيش حياة زوجية مثلى إضافة إلى الإصرار الدائم على المقارنة مع الآخرين المعتقد بأنهم أفضل سواء من الناحية المادية أو غيرها، فمثلاً الزوجة تطالب أن يتصرف زوجها بالطريقة التي يتصرف بها زوج صديقتها ، من تكفله بأعباء تربية الأولاد مع زوجته ، أو لسبب آخر أنها تغار وتريد تقليدها وتفشل في ذلك لأن زوجها لا يؤمن لها المال، وهذا ينطبق على أسلوب الزوج بمقارنة زوجته بأخريات، كل ذلك يخلق وضعاً متوتراً نتيجة المقارنة غير المنصفة، التي تحكمها الغيرة أو عدم وجود الفهم لمشكلات الحياة الأساسية.
متى يكون تدخل الأهل إيجابياً ؟
طبعاً نحن نتحدث عن التدخل السلبي، هذا لا يعني أن الشاب أو الفتاة بالزواج يجب أن يلغيا أي دور للأهل في حياتهما ، ففي المجتمع الشرقي يبقى للأهل دور كبير في حياتنا ، وتدخلهم يأخذ جانبا إيجابيا في حال وقوع الزوجين في ضائقة مالية، حيث يكونون السند الأساسي لهم ، كما أن مسألة رعاية الأطفال خاصة إذا كانت الزوجة عاملة، تكون حاجتها ملحة للاعتماد على الجد والجدة ، كملاذ أمين لأطفالهم ، وفي التخفيف أيضاً من حدة التوتر الذي يحدث كما هو طبيعي بين أي زوجين.
مراعاة أحكام الإسلام هي الحل
جعل الدين الإسلامي العلاقة بين الزوجين متينة ومحكمة بضوابط وقواعد إذا ما وجدت وتم الاختيار بين الزوجين على أساسها، سيكون حتماً الزواج ناجحاً ومحققاً للأغراض المقصودة منه .
و مراعاة أحكام الإسلام يضيق كل أشكال الخلاف والتنازع في الأسرة لأبعد الحدود ، فإذا كان الاختيار صحيحاً فهذا أدعى لاستمرار الحياة الزوجية، ويقلل فرص الخلاف والشقاق بين الزوجين، لتكون حياة سعيدة ورغيدة.
وأن وجد خلاف بينهما لابد من التدخل للتوفيق وإصلاح الزوجين لاسيما إذا لم يستطيعا أن يحلا المشاكل العالقة بينهما، لكن إذا استطاعا أن يحلا المشاكل فهذا يكون أفضل وأبقى، وأصفى للقلوب بينهما، ومن الحكمة عدم إثارة النزاع وتصعيده فيما بينهما بعرضه على الآخرين، وأن يحرصا على إبقائه بينهما، ويبرر لهما أن يحدثا الآخرين، من أخ أو أب أو أم عندما يعجزان عن الإصلاح، وحل الخلاف في تلك الحالة أن يشاورا، فالمشورة فيها خير، وهنا أنبه إلى قضية هامة إذ لابد من مشورة من هو كفء لهذه المشاورة حتى تثمر، وإلا لن يكون من ورائها جدوى، فإذا قامت الفتاة بمشورة أمها وهي مدركة بأنها ليست ذات رأي سديد ما الذي سيفيدها ذلك، كذلك الزوج عليه أن يشاور من ينصحه ويستفيد من رأيه في إصلاح الخلل.
وفي حال وجد خلاف بين الزوجين فإن الإسلام وضع قواعد للقضاء عليها، ومنها إعطاء القوامة للرجال، ولا يقصد منها كما يفهم البعض إعطاء حق الاستبداد بالزوجة، بل القوامة معناها الإدارة والمشاورة مع الزوجة في اتخاذ القرار والسير بهذه الأسرة نحو الحياة المثلى، وهذا في الحقيقة من اختصاص الرجل الذي هو أشد صلابة من المرأة التي توصف بالرقة وبالانفعال، لذلك تكون في الغالب قراراته هي الأصوب، والوظائف المطلوبة من الإنسان تتناسب مع الفطرة التي فطر عليها سواء أكان رجلاً أو امرأة
والشيء الآخر المعاشرة بالمعروف، إذ أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين أن يعاشروا أزواجهم بالمعروف، بقوله: "وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيرا". ويقول النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: "خيركم خيركم لأهله "، وبالتالي يجب أن نحافظ على حياة الأسرة ونحميها من أي تدخلات أو عوائق تؤدي إلى الإخلال بتوازنها.
ولابد لي من الإشارة إلى أن هنالك تأثيرات واضحة على حياة الزوجين ناجمة عن وسائل الإعلام ، وبسبب رؤية كلا الزوجين لبعض المشاهد التي حرمها الله في الأفلام والمسلسلات المثيرة ، وقد لا يوجد عند الزوج أو الزوجة الوعي الكامل، فيتأثر بذلك مما ينعكس بصورة أو بأخرى على حياته وعلاقاته مع زوجته.
اسلام ويب

Post: #459
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:19 PM
Parent: #384

لا شك أن للمرأة دورا هاما في إصلاح المجتمع وتوجيهه، ولذا فإن الإسلام أكد على أهمية إصلاح المرأة وتأهيلها لهذا الدور العظيم ، ثم بث فيها هذه الروح الطيبة التي تدفعها إلى العمل، وذلك في عدة نصوص مثل قوله صلى الله عليه وسلم" النساء شقائق الرجال" وغير ذلك من النصوص التي تبين أن للمرأة دورا في المجتمع لا بد أن تؤديه وتحرص عليه.
والدعوة إلى الله جل وعلا من أعظم الأمور التي يجب على المرأة العناية بها ورعايتها، خاصة في هذا العصر الذي طغت فيه الفتن وتجاوزت الحد وابتعد كثير من الناس عن الدين الصحيح وانفتحوا على الغرب بما فيه من انحرافات وفساد في العقيدة والأخلاق والقيم وغيرها.
في لقائنا معه يحدثنا الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد قاسم (الأستاذ بكليات البنات بالدمام) فيقول: إن دور المرأة في الدعوة دور عظيم وجدير بالمرأة المسلمة العناية به والحرص عليه، إذ أن المرأة أدرى وأعرف بنفسيات النساء من الرجال، وبالتالي تستطيع الوصول إليهم بسهولة ويسر ويكون عادة تأثيرها أنفع من تأثير الرجل إذا استخدمت الوسائل المعينة على ذلك.
ثم إن مجال الدعوة بالنسبة لها رحب وواسع ذلك أن تواجدها مع بنات جنسها واختلاطها بهن بشكل مباشر لا شك أنه يسهل عملية الدعوة ويضفي عليها نوعا من المحبة والإخاء ، ولذا كان ضروريا على المرأة المسلمة أن لا تحتقر نفسها ولا تضيع مثل هذه الفرص.

المرأة المسلمة وأماكن الدعوة
وإذا كان من الملاحظ أن مجتمعات النساء لا تخلو عادة من اللغط والقيل والقال، وخاصة في المناسبات والأفراح وغيرها حيث تكثير المحاذير ا لشرعية، فإنه يدور في أذهان الكثيرات سؤال هام وهو كيف يمكن للمرأة الداعية أن تقوم بالدعوة في ظل هذه الظروف؟ وهل الأفضل أن تتجنب حضور مثل هذه اللقاءات وتعتزلها ، أو أن يكون لها دور في تغيير هذه المنكرات وتبصير النساء بأمور دينهن ونصحهن وتوجيههن؟
وبعد التأمل يتضح أن مما يقف حائلاً أمام الأخوات الداعيات في حضور بعض تلك المجالس أمران أساسيان هما:
أولا : قلة العلم الشرعي الذي يعينهن على مواجهة المنكرات بالحجج والأدلة الشرعية
ثانيا : حياء مذموم وخوف من المواجهة وشعور بالنقص يمنع المرأة الداعية من أداء مهمتها في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونصح الآخرين.
وربما يكون هناك سبب ثالث وهو اليأس واعتقاد عدم جدوى حضور مثل هذه اللقاءات ومحالة التأثير فيها.
وتجاه هذه التساؤلات والأسباب يبين الدكتور إبراهيم قاسم أن دور المرأة الداعية لا يقتصر على إلقاء الكلمات وإنكار المنكر في المناسبات العامة فقط بل بإمكانها القيام بالعمل الدعوي تجاه قريباتها وصويحباتها وجيرانها قدر المستطاع، فلا تقتصر على صنف دون آخر وإن كان للقريبات حق أعظم بسبب القرابة، ولتكن الدعوة مستمرة في المدرسة والمناسبة والسوق والمستشفى وغير ذلك كلما دعت الحاجة لذلك، وتستخدم في كل حالة الأسلوب الذي تراه مناسباً.
ومن جهة أخرى فإن عدم حضور الداعيات لمثل هذه المناسبات يعطي فرصة أكبر لأصحاب الأهواء والانحرافات لبث سمومهم بين نساء جاهلات غافلات، وكثيرا ما تكون المرأة ا لداعية سببا في انتشار بعض هذه الأمور نتيجة لإعراضها عن حضور هذه المناسبات والتجرؤ فيها على الكلام والنصح والتوجيه.
والحقيقة أن حضور مثل هذه المناسبات فرصة حقيقية للمرأة الداعية ينبغي عدم تضييعها ذلك أنه قد لا يتيسر لها مثل هذا العدد مجتمعا في مكان واحد، والمرأة في هذه المناسبات تتصل وتتعرف على مجموعة من النساء ربما لا تستطيع الوصول إليهن أو التعرف عليهن إلا في مثل هذه المناسبات.
وأمر آخر وهو أن غالب هذه النوعيات من النساء لا يحضرن إلا مثل هذه اللقاءات، أما لقاءات الدعوة والمذاكرة ومجالس العلم فهن في الغالب بعيدات عنها، لا يتحمسن لحضورها ، وبعضهن لا يطلعن على مثل هذه المجالس لذا كانت هذه اللقاءات فرصة سانحة للوصول إلى قلوب النساء اللاتي لا يعرفن عن مجالس الخير شيئاً.
وعلى المرأة الداعية أن تفكر في الأسلوب المناسب للدعوة في مثل هذه ا لمناسبات، فليكن كلامها عاما ولائقا وبعيدا عن تفصيلات قد تثير أمورا لا داعي لها، ولتحرص في مثل هذه المناسبات على أن تتكلم في الأمور والقواعد العامة دون الفرعيات.
وأما خجل بعض ا لنساء من الدعوة خاصة في مثل هذه المناسبات فإن الإسلام يستنكر مثل هذا الخجل السلبي المذموم الذي لا يعود على صاحبه بخير، بل ربما عاد عليه بالشر، والمرأة إذا علمت واستشعرت قيمة ما تحمله من معاني الإسلام ومبادئه السامية، وتذكرت ما وعد الله به عباده الصالحين الداعين إليه من الثواب الجزيل يوم القيامة دعاها ذلك إلى التخلص من هذا الحياء المرذول، ودفعها ذلك إلى الانطلاق في الدعوة بجرأة وشجاعة.
ومع ذلك فإن الدكتور إبراهيم يحذر النساء المسلمات من حضور المناسبات التي تشتمل على منكرات واضحة، إذا كانت المرأة تعلم أنها لن تستطيع تغيير المنكرات الحاصلة، حتى لا تقع في الإثم ولكي تكون قدوة صالحة لغيرها من النساء.
المرأة الداعية وأسس الدعوة إلى الله
وعندما تمضي المرأة المسلمة في الدعوة إلى الله فإنها لا بد أن تتعرف على بعض الأسس الهامة والعامة في دعوتها لتكون دعوتها على منوال الشرع .
الدكتور خالد بن عبد الرحمن القريشي (الأستاذ المشارك بكلية الدعوة جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية ) يقول: إن من أهم الأسس في الدعوة إلى الله جل وعلا الدعوة إليه بالقرآن الكريم فإن الله سبحانه وتعالى قد أيد رسوله صلى الله عليه وسلم بالقرآن، وأمره أن يدعو به ، ويعتمد عليه، فهو حبله المتين، وصراطه المستقيم ، جعله الله هدىً للناس، وحجة عليهم، وذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، فلذا جاءت النصوص الشرعية الكثيرة التي تأمر بالدعوة بالقرآن الكريم ، وتحثُّ عليه، فمن القرآن الكريم :
أولاً - قول الله سبحانه وتعالى: (وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ)، فالله سبحانه وتعالى يخبر أن هذا القرآن أوحي لمنفعة الناس ومصلحتهم ، إذ فيه النذارة لكم ، أيها المخاطبون ، وكل من بلغه القرآن إلى يوم القيامة ، ولذا كان مجاهد - رحمه الله تعالى - يقول: حيثما يأتي القرآن فهو داعٍ ، وهو نذير، ثم قرأ: (لأنذركم به ومن بلغ) ومن ذلك قول الله سبحانه وتعالى: (كتاب أُنزل إليك فلا يكن في صدرك حرجٌ منه لتنذر به وذكرى للمؤمنين). فهذا خطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم لينذر الكافرين بالقرآن، ويذكر به المؤمنين، لأنه حوى كل ما يحتاج إليه العباد ، وجميع المطالب الإلهية ، والمقاصد الشرعية.
وعندما يقوم الداعية إلى الله سبحانه وتعالى بذلك الأمر - أي الدعوة بالقرآن للقرآن - فعليه أن لا يكون في صدره حرج، أي ضيق وشك واشتباه ، لأنه كتاب الله سبحانه وتعالى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فلينشرح به صدره، ولتطمئن به نفسه، وليصدع بأوامره ونواهيه، ولا يخش لائماً أو معارضاً.
ويبن الدكتور القريشي أن الدعوة بالقرآن الكريم هي الميزان الذي يعرف به صلاح الداعية وصدقه وسلامة منهجه ، قال الشيخ ابن باديس -رحمه الله تعالى: (عندما يختلف عليك الدعاة الذين يدعي كل منهم أنه يدعوك إلى الله تعالى، فانظر من يدعوك بالقرآن إلى القرآن - ومثله ما صح من السنة، لأنها تفسيره وبيانه - فاتبعه؛ لأنه هو المتبع للنبي صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم في دعوته وجهاده بالقرآن، والمتمثل لما دلت عليه أمثال هذه الآية الكريمة من آيات القرآن.
السنة النبوية والعلم الشرعي ركيزتان أساسيتان في الدعوة
ويضيف الدكتور إبراهيم قاسم بأن على المرأة الداعية إلى الله أن تحرص على تعلم العلم الشرعي وخاصة السنة النبوية، وليكن لها تركيز خاص على ما يتعلق بأمور النساء وما يخصهن من أحكام ، فالعلم الشرعي من الأسباب المعينة على الدعوة إلى الله ، وهو يعطي ثقة في النفس وقدرة على ربط الدعوة بمسائل الشرع مما يكون له وقع في نفوس السامعات .
أضف إلى ذلك أن المرأة تستطيع أن تبلغ الأحكام الشرعية المتعلقة بالنساء إليهن دون حرج أو حياء بخلاف غيرها من الرجال.
فإذا أضافت إلى ذلك اطلاعها على السيرة النبوية وسيرة السلف الصالح رضوان الله عليهم لكان في ذلك خير عظيم ، فالسيرة النبوية وسيرة السلف ما هي إلا تطبيق عملي لما جاء به الإسلام ويستطيع المرء من خلالها أن يتطلع على أحوال ومشاكل وأمور واقعية لا يستطيع الوصول إليها عن طريق النصوص المجردة.
هذا مع قراءتها المستمرة لكتب الدعوة وما فيها من أفكار وطرق ووسائل فإن ذلك يفتح لها أفاقا كثيرة للدعوة إلى الله مع ضرورة الإلمام بواقعها الذي تعيشه.
لا بد من التقيد بالشرع في الدعوة وعدم الحيد عنه
ومن الأسس التي ينبغي على المرأة الداعية مراعاتها ضرورة التقيد بمنهج الإسلام في الدعوة إلى الله وعدم الحيد والميل عنه أو الاستعاضة عنه بغيره، فإن الخير كل الخير في شرع الله وطريقته، يقول الشيخ محمد بن عبد الله الدويش "إن البشر مهما علا شأنهم وارتفع قدرهم ، ومهما بلغوا المنازل العالية من الصلاح والتقى فلن تكون أعمالهم حجة مطلقة، بل لا بد من عرضها على هدي النبي صلى الله عليه و سلم; كما يروي بعضهم في مقام الصبر أن شيخاً قام يرقص على قبر ابنه حين توفي رضًى بقدر الله على حد زعمه, وخير من ذلك هدي النبي صلى الله عليه و سلم الذي تدمع عينه ويحزن قلبه, ولا يقول إلا ما يرضي ربه, وهديه صلى الله عليه وسلم القولي والعملي في النوم والقيام خير مما يروى عن بعضهم أنه صلى الفجر بوضوء العشاء كذا وكذا من السنوات, وهديه في تلاوة القرآن خير مما يروى عن بعضهم أنه يختم القرآن كل ليلة, مع التماسنا العذر لمن كان له اجتهاد من سلف الأمة في ذلك.
وسائل ومقترحات للدعوة
وإذا كانت تلك هي أسس الدعوة إلى الله عز وجل فإن من المشكلات التي يعاني منها الدعاة في خطابهم الدعوي كما يقول الشيخ محمد بن عبدالله الدويش ( عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود سابقا) هي سيطرة أساليب محددة ، وغياب الإبداع والابتكار.
وأكثر ما يبدو فيه هذا النمط من العمل النشاط الموجه للمرأة من المرأة بل حتى من قبل الرجال، وحين يتحدث أحد الدعاة أمام النساء فالغالب أن هناك مجالات محدودة لا يتجاوزها ، وكذلك الحال بالنسبة للمرأة الداعية مع النساء.
والجميع رجالاً ونساءً بحاجة ماسة إلى إحداث نقلة وتطوير في خطابنا الدعوي وإلى أن نتخلى عن الاقتصار على أساليب محدودة ولغة واحدة.
ومن الوسائل المناسبة التي يمكنك أن تسلكها المرأة الداعية إلى الله ما يلي:
- محاولة التأثير على الصديقات في المدرسة أو من الجيران والأقارب بالكلمة الطيبة والخلق الحسن.
- إقامة بعض البرامج المشتركة بين مجموعة من زميلاتك كإقامة درس يقرأ فيه بعض الكتب في أساسيات الدين كتعليم العقيدة وأحكام الصلاة ونحو ذلك.
- إعداد بعض المسابقات الثقافية ونشرها في أوساط الطالبات أو حتى بين الأقارب والجيران في البيوت.
- كتابة بعض النصائح والرسائل التوجيهية سواء للبنات المقصرات في نصحهن وتوجيههن أو للبنات الصالحات في حثهن للقيام بواجبهن.
- التفاعل والمشاركة مع المواقع في الشبكة العالمية والبرامج الإذاعية المتميزة الخاصة بالنساء بالكتابة فيها والتواصل معها ومحاولة تطويرها ونشر عناوينها بين الفتيات وتبقى هذه مجرد أمثلة ليست للحصر.
ويؤكد الشيخ محمد الدويش على ضرورة استخدام القصة في الدعوة إلى الله فإن هذا من أساليب القرآن في الدعوة، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم اعتنى بشأن القصص لما لها من تأثر ووقع في نفوس الناس، وحفظت لنا دواوين السنة طائفة من قصه صلى الله عليه وسلم عليهم من قصص الأمم الماضية وأخبارهم ، ولم تكن قصص القرآن أو السنة قاصرة على أنباء الصالحين وأخبارهم, بل شملت مع ذلك قصص المعرضين والفجار للاعتبار بما أصابهم. وليكن هذا الاستخدام بالقدر المعقول فلا تكون هي اللغة الوحيدة أو تكون على حساب غيرها وبالضرورة لا بد أن يكتفى بالقصص الصحيح عن غيره.
أمور تهم المرأة الداعية
ولعلنا نختم حديثنا هذا بذكر بعض الأمور التي يجب على المرأة الداعية مراعاتها حتى يكون لها تأثير حقيقي في الدعوة إلى الله ونتبع ذلك بذكر بعض صفات الداعية الناجحة.
فنقول يجب على ا لمرأة الداعية تقوية إيمانها بكثرة التقرب إلى الله بالصيام والقيام وقراءة القرآن والتصدق وغير ذلك فإن هذا من أسباب إعانتها على الدعوة إلى الله ومن أسباب احتساب الأجر فيها.
ثانيا : ضرورة اطلاعها بالإضافة إلى العلم الشرعي على بعض القراءات التربوية والتي تساعدها على الدعوة بثبات ووضوح وحكمة وقوة في العرض والاستدلال.
ثالثا : عليها الاهتمام بأولادها وتعليمهم وتربيتهم فإنهم سيصبحون قدوة في يوم من الأيام ، ولا يؤدي بها دعوة الأخريات إلى إهمال أهل بيتها وأولادها.
رابعا : لتبذل وتعرض مساعدتها لمن تقدر عليه وتحاول الوقوف مع قريباتها في أزماتهن، وتقدم لهن يد العون والمساعدة فإن ذلك مما يحببها لهن، وبالتالي يجعل لها أثرا واضحا في توجيههن.
صفات الداعية الناجحة
ومما تجد الإشارة إليه أن للداعية الناجحة صفات ومميزات وعلى المرأة المسلمة أن تتطلع على تلك الصفات لتتحلى بها وتمسك بها.
- فهي تلك التي تعرف فضل الله عليها بالهداية والتوفيق وبالتالي فهي في تواضع وخفض جناح مع المحافظة على العزة والكرامة، ولمعرفتها بنعمة الله عليها لا تحتقر امرأة عاصية أو متبرجة أو نحو ذلك بل ترجو لها الهداية والتوفيق وتحاول فيما بينها وبين نفسها أن تفكر في تقصيرها وضرورة إصلاح نفسها ويكون لسان حالها دائما "اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"
- الداعية الناجحة هي التي توفق بين بيتها وزوجها وأولادها وتعلم أن ممارسة الدعوة إلى الله لا يتعارض مع ذلك كله ، لكن فقط يحتاج إلى تنظيم وحسن تدبير واستغلال الفرص والأوقات في النافع المفيد
- ومن صفات الداعية الناجحة حرصها على متابعة من هداهم الله على يدها وبث روح الدعوة في نفوسهن وتشجيعهن على المضي في هذا الطريق وتفقد أحوالهن بحيث لا يتقاعسن عن العمل شيئا فشيئا ويؤدي ذلك إلى ضياعهن.
ثم هي أيضا لا تكتفي بوعظ ا لناس وتذكيرهن، بل إنها تسعى ليكون حالها وواقعها وتصرفاتها كلها نابعة من شريعة الله فهي في كلامها داعية وفي صمتها داعية وفي حضورها داعية وفي غيابها داعية يصدق قولها فعلها.
- والداعية الناجحة هي التي تحاول ابتكار الأساليب الشرعية والطرق الحكيمة لدعوة غيرها وتحاول التفكير في كيفية ا لوصول إليهن، هذا مع إبداعها في مشاريع الخير التي تنفع الناس وتوجههم.
- الداعية ا لناجحة هي التي تسخر إمكاناتها لخدمة هذا الدين سواء كان ذلك عن طريق الدروس أو المحاضرات أو المسابقات أو ا لمشاركة في الصحف والمجلات ونحو ذلك مما هو مضبوط بالشرع المطهر.
- الداعية الناجحة لا تخلو أبدا من محاسبة نفسها ومعرفة جوانب القصور فيها ثم هي تنقد منهجها في الدعوة نقدا بناء لتتعرف على مواطن الضعف والخلل فتحاول إصلاحها وتعرف مواطن القوة والفائدة فتكثر منها وتطورها ، محتسبة في ذلك كله الأجر عند الله غير آبهة ولا مبالية بمدح أحد من الناس فهي ترجو الأجر والثواب من الله وحده.
- إن الداعية الناجحة هي التي تتخذ من الوسطية منهاجا لها في كل أمورها وجميع أحوالها في ملبسها ومسكنها ومأكلها وحياتها كلها فلا إسراف ولا تبذير وفي نفس الوقت لا تقتير وتضييق فهي تخرج بلباس لائق بها كداعية غير متبرجة ولا مغالية فيها وفي نفس الوقت لا تكون متبذلة مهملة.

تلك أمور سريعة متعلقة بالمرأة المسلمة الداعية إلى الله فهل يعي نساؤنا قيمة هذا الأمر ويحرصن عليه؟.
اسلام ويب

Post: #460
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:21 PM
Parent: #384

· مؤرخ فرنسي يرى أن الغرب لا بد أن يبيح التعدد حلاً لمشاكله الأخلاقي
· الإندونيسيات يطالبن بإباحته لمنع أزواجهن من الانحراف، والمصريات يعتبرنه حلاً لمشكلة العنوسة
· القانون التونسي يحرم تعدد الزوجات ويبيح الزنا!
· موافقة الزوجة ليس شرطا في إتمام الزوج لزواجه الثاني وإن كان يحسن إخبارها

ما تزال قضية تعدد الزوجات من القضايا التي تشغل بال الكثيرين ، سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين ، بل إنها من الأمور التي شهدت جدلاً واسعًا بين علماء المسلمين أنفسهم سواء قديما أم حديثا ، ورغم اتفاقهم على مشروعيته إلا أن الخلاف بينهم انحصر في أسباب هذا التعدد وشروطه وحيثياته.
ففي مصر مثلا تحول مسلسل (الحاج متولي) الذي عرض في شهر رمضان الماضي -والذي رأى فيه البعض دعوة صريحة لتعدد الزوجات- إلى مادة للحديث بين الناس بمختلف فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية ، حيث يرى البعض أن التعدد أحد الحلول الرئيسية لمشكلة العنوسة التي تعاني منها ثلاثة ملايين فتاة تجاوزن سن الثلاثين، حسب آخر إحصائية للمركز القومي البحوث الاجتماعية والجنائية، لكن المسلسل أثار حفيظة العلمانيين واليساريين ودعاة التنوير وتحرير المرأة للهجوم على الإسلام وتعاليمه.
وفى تونس- وهى بلد إسلامي- يجرم القانون الوضعي واقعة الزواج الثانية، فقد نشرت الصحف هناك وقائع القبض على زوج بتهمة زواجه من امرأة ثانية وجدت معه في شقة الزوجية ، وأثناء المحاكمة نصح المحامي الزوج بأن يعترف بأن المرأة التي كانت معه هي في الحقيقة عشيقته، وليست زوجته فحكمت المحكمة بالبراءة !!

وفى إندونيسيا طالبت العديد من النساء بإلغاء القانون الذي تم وضعه في عام 1983، والذي ينص على عدم السماح للموظفين الحكوميين بالزواج من ثانية إلا بموافقة الزوجة الأولى، بعد الكشف عن أن عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين وكبار الموظفين بدؤوا في اتخاذ خليلات وصديقات، وإقامة علاقات غير شرعية !
وفي الوقت الذي تضع فيه بعض الدول المسلمة قيودًا على التعدد، قد تصل إلى درجة التجريم ، فإن الغرب المسيحي - والذي ظل لقرون عديدة يعاني الأمرين بسب تحريم الزواج الثاني- بدأ يعترف بأخطائه، ويطالب بتعديل هذه القوانين بعد أن انتشرت حالات الزنا والسفاح والعشق تحت شعار زائف مثل الصداقة، فنجد المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون يقول: "إن مبدأ تعدد الزوجات (الشرقي!) نظام طيب لرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تأخذ به، ويزيد الأسرة ارتباطًا، ويمنح المرأة احترامًا وسعادة لا تراها المرأة في أوروبا، حيث تتزوج زواجًا شرعيًا ولا تقع في علاقات آثمة، ولست أدري على أي أساس يبني الأوربيون حكمهم بانحطاط ذلك النظام - نظام تعدد الزوجات - بل إنني أرى أن هناك أسبابًا تحملني على إيثار نظام التعدد على ما سواه".

شروط التعدد
ويقول الداعية الإسلامي الشيخ محمد حسين عيسى: كثير من الأمم والملل قبل الإسلام كانوا يبيحون التزوج بالجمّ الغفير من النساء قد يبلغ العشرات، وقد يصل إلى المائة والمئات، دون اشتراط لشرط ولا تقييد بقيد، فلماء جاء الإسلام وضع لتعدد الزوجات قيدًا وشرطًا، فأما القيد فجعل الحد الأقصى للزوجات أربعًا ، وقد أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " اختر منهن أربعًا وفارق سائرهن " .

وكذلك - كما يقول الشيخ عيسى- كان حال من أسلم عن ثمانية، وعن خمسة فقد نهاه الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن يمسك منهن إلا أربعًا، أما زواج الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتسع فكان هذا شيئًا خصه الله به لحاجة الدعوة في حياته، وحاجة الأمة إليهن بعد وفاته.
ويضيف: أما الشرط الذي اشترطه الإسلام لتعدد الزوجات فهو ثقة المسلم في نفسه أن يعدل بين زوجتيه أو زوجاته في المأكل والمشرب، والملبس والمسكن، والمبيت والنفقة، فمن لم يثق في نفسه بالقدرة على أداء هذه الحقوق بالعدل والسوية حرم عليه أن يتزوج بأكثر من واحدة، فقد قال تعالى (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة) (النساء- 3) وقال عليه الصلاة والسلام "من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطًا- أو مائلاً".

والميل الذي حذر منه هذا الحديث - كما يقول الشيخ عيسى- هو الجور على حقوقها، لا مجرد الميل القلبي، فإن هذا داخل في العدل الذي لا يستطاع، والذي عفا الله عنه وسامح في شأنه، قال سبحانه وتعالى : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم، فلا تميلوا كل الميل) (النساء- 129)، ولهذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقسم فيعدل ويقول : "اللهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تؤاخذني فيما تملك ولا أملك" يعني " بما لا يملكه " أمرَ القلب والميل العاطفي إلى إحداهن وكان إذا أراد سفرًا حكم بينهن بالقرعة ، فأيتهن خرج سهمها سافر بها، وإنما فعل ذلك دفعًا لوخز الصدور، وترضية للجميع.

حكمة التعدد
وعن حكمة الإسلام في تعدد الزوجات يقول الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى بالأزهر الشريف سابقا: إن تعدُّد الزوجات كان معروفًا وسائدًا في الشرائع الوضعية والأديان السماوية السابقة، والإسلام أقرَّه بشرط ألا يَزيد على أربع، وألَّا يُخاف عدم العدل بينهن، قال الله تعالى : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا) (النساء- 3) وفي مشروعيته مصلحة للرجل، فمن المقرَّر أنه بحكم تكوينه مستعد للإخصاب في كل وقت من سنِّه العادي، وتتوق نفسه إلى المتعة ما دام في حال سويَّة.

ويواصل الشيخ عطية صقر قائلا: أما المرأة فبحكم تكوينها لا تستعدُّ للإخصاب مدة الحمل، وهي أشهرٌ طوال، ومدة الدورة وهي - في الغالب - ربع الشهر طيلة عمرها حتى تبلغ سنَّ اليأس، كما أنها تعزِف عن المتعة مدة الإرضاع التي قد تبلغ حولين كاملين، ولا ترغب فيها غالبًا، أو تلُحُّ عليها إلا في فترة قصيرة جدّا كل شهر حين تنضج البويضة، فكان من العدل والحكمة أن يُشرع التعدُّد ما دامت هناك قدرة عليه وعدل فيه.

فالزوجة - كما يقول الشيخ - قد تكون غير محقِّقة لمتعته كما يريد، إما لعامل في نفسه أو نفسها هي، ولا يريد أن يطلِّقها، وقد تكون عقيمًا لا تلد وهو يتوق إلى الولد شأن كل رجل، بل وكل امرأة، فيُبقي عليها لسبب أو لآخر، أو قد تكون هناك عوامل أخرى تحقِّق له بالتعدُّد مصلحة مادية أو أدبية أو عاطفية يحب أن ينالها في الحلال بدل أن ينالها في الحرام ، كما أن في تعدُّد الزوجات مصلحة للمرأة أيضًا إذا كانت عقيمًا أو مريضة، وتفضِّل البقاء في عِصمة الرَّجل، لعدم الاطمئنان عليها إذا انفصَلت ، وقد تكون محبَّة له يَعزُّ عليها أن تُفارِقه لشرَف الانتساب إليه أو نيل خيْر لا يوجد عند غيره، وفيه مصلحة للمجتمع بضم الأيامى ورعاية الأيتام ، وخاصة في الظروف الاستثنائية، وبالتعفُّف عن الفاحشة والمخاللة، وكذلك بزيادة النَّسل في بعض البلاد، أو بعض الظروف التي تحتاج إلى جنود أو أيدٍ عاملة، وإذا علمنا أن الرجل مستعدٌّ للإخصاب في كل وقت، وبتزوجه بعدَّة زوْجات يكثُر النسل جاز له أن يعدِّد الزوجات، لكن المرأة إذا حمَلت أو كانت في فترات الدم أو الرَّضاع لا تكون مستعدَّة للحمْل مهما كثر اللقاء الجنسي بينها وبين زوجها الواحد .

استئذان الزوجة
ولكن هل يجب على الزوج استئذان زوجته عند رغبته في الزواج بأخرى؟
يقول الشيخ محمد حسين : إن سيدنا علي (رضي الله عنه) أراد أن يتزوج على فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ، وكان علي قد رغب في الزواج من بنت أبي جهل، فلم يرضَ النبي صلى الله عليه وسلم وبيّن النبي السبب وهو ألا يجتمع تحت رجل واحد بنت رسول الله وبنت أبي جهل عدو الله ، ولكن عندما توفيت السيدة فاطمة تزوج علي بأكثر من امرأة، وجمع بينهن؛ لأن المبرر لم يعد قائما، ومن هذه القصة نعلم أن عليا لم يقم بالزواج إلا بعد الاستئذان، وهذا من باب حسن السلوك، وليس واجبًا، ولا فرضًا شرعيًا، ولكن تأسيًا بعلي (رضي الله عنه) ومن مثل هذه الواقعة ندرك أنه يحسن للزوج أن يبين لزوجته وأن يخبرها بالأسباب ؛ لتعينه على أن تستمر معه، ولكن ليس حقًا لها، ولا تملك منعه.
احمد غانم-اسلام ويب

Post: #461
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:23 PM
Parent: #384

" يقال عني أنني زوج بخيل ، هذا أمر غير مقبول مطلقاً ، فأنا لا أملك المال الوفير ، وما أخفيه هو مؤونة أدخرها للأيام القادمة، الحرص الذي أمارسه ما هو إلا خوف من الحاجة، هل تعطيني أنت المال في حال أصبحت في سن التقاعد، المثل يقول (احفظ قرشك الأبيض ليومك الأسود)، وهذا ما أعمل به، أنا لست بخيلاً والناس يريدونني أن أكون مبذراً، هذا لا يناسبني مالهم ومالي، أنا لا أتدخل بهم ليريحوا أنفسهم ويريحوني من انتقاداتهم".
هذا ما قاله (علي. ج) عندما ذكر موضوع الزوج البخيل أمامه ، والروايات كثيرة حول البخلاء وفصولهم ، إذ يقال أن أحدهم رفض شراء فاكهة الموز والبطيخ ، لأن قشرتها سميكة وتحمل وزناً ، في حين قام بخيل بعد أن أكل الدجاجة المشوية بسحب عظامها ، ووزنها كي يعرف كم خسر منه مقابل ثمنه، وآخر يسير مسافة طويلة ليس بهدف ممارسة هواية رياضة السير، وليس لعدم وجود المال، إنما ليوفر أجرة سيارة النقل، فهو يذهب ويعود يومياً من عمله سيراً على الأقدامى، أخرى نقبت في أكياس القمامة بحثاً عن بقايا الطعام ، أما المشاركة في مشروع خيري فهو جنون مطبق، والهدايا هي ترف لا مبرر له، والقصص كثيرة أبطالها يعيشون فقراء ويموتون أغنياء.
ابنة أحد البخلاء (ح . ن) تقول: والدي مقصر في كل شيء، العيش معه يكاد لا يطاق، يحرمنا من أبسط الحقوق، ويتهمنا دائماً بالإسراف، دائما يفتش في جيوبنا بحثاً عن المال، أو حتى حبة سكر. هي قصص حقيقية كثيرة ، قد تكون للسامع مضحكة، لكن من يعيش مع الزوج البخيل يجد نفسه في مأزق.
الدخل والإنفاق
يقول الدكتور عبد الكريم الأمير حسن بأنه : ليس هنالك مفهوم واضح تبناه الباحثون والاخصائيون حول تعريف الزوج البخيل، وكل مجتمع ينظر إلى الأمر من منظوره الخاص، فمن نصفه بالبخيل في مجتمع ما يصفه آخر بالسخي أو غير المقصر، فهذا أمر مرتبط ببنية الأسرة وبتركيبة المجتمع، وبالنظام الاقتصادي القائم من حيث القدرة على تامين المستوى المعيشي الجيد للأسرة ، ومن حيث وضوح حقوق الأسرة داخل المجتمع في الحياة الهانئة أو ذات المستوى المحدود، فمن يطلب العمل ولايجده ، وإن وجده كان دخله منه محدوداً وغير كاف لن يستطيع أن ينفق بالشكل المطلوب، وهنا يظهر على أنه بخيل أومقنن في المصروف، والأمر هو أنه لا يعيش في بحبوحة يستطيع من خلالها أن ينفق كما يشاء، فالأمر إذاً يتعلق بالدرجة الأولى بالمستوى الاقتصادي العام من حيث الدخل والإنفاق، لكننا نستطيع أن نحدد متى يكون الزوج بخيلاً من خلال تحديد الحقوق والواجبات على كل من الزوج والزوجة، فمن واجبات الزوج تأمين الحاجات الأساسية لأفراد أسرته منها المادية كالطعام والسكن واللباس والعلاج في حال المرض، وأيضاً من واجبه
تأمين الحاجات المعنوية بحدودها الدنيا ، و ذلك بتأمين علاقات اجتماعية سليمة داخل الأسرة الكبيرة ، ومع الأصدقاء والجيران ، من حيث السماح بإقامة علاقات اجتماعية والقيام بالواجبات تجاههم ، ومن حيث الاهتمام بالنشاطات الثقافية والفنية المختلفة التي بمجملها تؤمن الغذاء الروحي للأسرة، ومن هذا المفهوم نقول إن الزوج البخيل هو من يمتلك الدخل المرتفع وحالته المادية جيدة ولا يقدم المطلوب من تلك الحاجات المادية والمعنوية لأفراد أسرته.
وطبعاً مشكلة الزوج البخيل تتشعب لتصل بكل تأكيد إلى علاقة الأسرة بالأسر المحيطة من أهل الزوج والزوجة، وهنالك أزواج وإن امتلكوا المال الوفير هم غير قادرين على بسط ذات اليد ، وهم يرزحون تحت تأثيرات نفسية تدفعهم إلى الشح والبخل بمالهم وعواطفهم ، وهم في جانب والعطاء في الجانب الآخر، وأنا أعتبرهم مشكلة بحد ذاتهم ، يؤثرون على المحيطين بهم ، ولابد من إجراء دراسات وأبحاث ميدانية اجتماعية ونفسية موسعة ومعمقة لدراسة الأسباب التي تؤدي بهم إلى هذا السلوك، ولنصل إلى نتائج تقدم لهم الحلول وتساعدهم على تجاوز هذا السلوك، فالكثير منهم يتملكهم البخل دون رغبة منهم ، وإنما الأمر ناتج عن التربية الخاطئة التي تلقاها منذ الصغر، ونحن نعلم أن المجتمع الشرقي بالذات يستنكر تصرف البخيل ويعده إحدى الصفات غير المرغوب بها ، لا بل المجتمع الشرقي يطلب الكريم ويفاخر به على أنها إحدى صفات الرجولة الحقة. بالتالي هو شخص غير مرغوب فيه اجتماعيا ، وفي كثير من الأحيان قد يتعرض للتقريع والتجريح، لذا لابد من مساعدته.
والزوج البخيل بالتأكيد يغرق حياة الأسرة في مشكلات اجتماعية تكاد لا تنتهي. فمثلاً عملية التربية للأولاد مبنية على مبدأ الثواب والعقاب، وغالباً يقوم على تقديم المكافأة المادية للأبناء، فإذا بخل الأب بتقديمها سيؤثر ذلك على نفسية الطفل وسيشعر بالفرق في التعامل بينه وبين أقرانه من قبل ذويهم.
وهنالك أبناء قد يقدمون إلى ارتكاب جنحة السرقة ليحصل على المال، وقد يتطور الأمر بهم إلى تعاطي المخدرات، وقد تودي بالفتاة إلى مهالك لاتناسبها طلباً للمال أيضاً ، أما الزوجة فإن بخل الزوج ينعكس عليها بشكل مباشر، فهي يقع عليها الغرم الأكبر، فهي المسؤولة أيضاً عن الأسرة، وعدم تأمين المصروف اللازم يوقعها في قلة الحيلة، وتبدأ مشاعر الاحترام والمحبة تجاه هذا الزوج بالتلاشي لتحل مكانها مشاعر النفور والبغضاء، وفي كثير من الأحيان قد يؤدي بخل الزوج إلى حدوث الطلاق.
البخيل لايدخل الجنة
أما من وجهة نظر الدين يقول أ د. حسن البغا: إن حقوق الزوجية متعددة ، ومنها ماهو مالي كالنفقة والسكن ومنها ماهو معنوي…، ومنها ما يلزم كلا الزوجين، أو يلزم أحدهما كالنفقة الواجبة على الزوج (في رأي الجمهور)، استدلالاً بقوله تعالى (وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف) 0 (البقرة:233) وغيره، ويعني وجوبها على الأب، لأن النفقة مقابل قيامهن بحق الوالد والولد، ولايمكنهن أن يقمن بذلك ويتكسبن في الأعم والأغلب، واستدلالاً بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم (خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) لهند، بعد قولها إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني (أخرجه البخاري 5364 ومسلم 1714 )، فلها النفقة ولو أخذتها دون إذنه إن كان يمنعها مقدرًا بحد الكفاية عرفاً بحسب حال الزوج.
إذا تبين هذا فلابد وأن يعلم الزوج أنه إن قام بهذا الحق فليس له منّة ولا فضل، وإنما يقوم بأداء واجب عليه، وحسبنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت ) (أبو داود 1692 ) وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في في امرأتك ). (أخرجه البخاري1695) وحديث : ( لا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبداً ) (أخرجه النساني 3110ـ 3112 )
فالتقصير في النفقة يعتبر إثماً من أشد الآثام ، وهو من الكبائر حالة القدرة عليها ، كما أن القيام بها يعتبر قربة من القرب التي يتقرب بها إلى الله تعالى، ويثاب عليها المسلم ، فإذا هو قصر فليعلم أن إيمانه مايزال ناقصاً مضطرباً ، لأن الرازق هو الله تعالى دون سواه ، بل قال تعالى: (نحن نرزقهم وإياكم) . (الإسراء 31) فإنما يرزق المرء برزق من يقوته ويعوله إذ قدم تعالى أولاد الشخص وأهله عليه، فتكون النتيجة أن الرزق يكون لكم أيضاً بعدهم ، فهم سبب رزقكم ، فكيف ببخل الشخص وامتناعه عن أداء حق من يلوذ به، ويركن إليه، بل ومن لاحول ولاقوة له من أطفال صغار يبكون لقمة سائغة هنيئة، بل وإن البخيل لا يدخل الجنة دون أن يحاسب على بخله وشحه ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة خب ولامنان ولابخيل) (أخرجه أبو داود 1964) فماذا تراه أسوأ من هذا المصير الذي يتوعد عليه البخيل، ثم يتجرأ بعض الأزواج على البخل !! إن هذا لعمري في غاية التقصير، وهو لم يكن إلا لنقص في الإيمان وسوء في الخلق، فكان ذلك مستحقاً لعقوبة تأجيل دخوله الجنة، وهو عذاب ليس بالتقصير فربما يدوم ألف سنة إلى أن يعفو الله تعالى، قال تعالى: (وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون) (الحج 47) وينبغي أن يعلم البخيل أنه مكروه ممقوت من أهله ، وذووه يرغبون له كل سوء ، ويصفونه بما لا يحبه ولايرضاه ، فيؤدي شحه إلى أن يوصف بكل سوء.
بل إن الشحيح يضيع على نفسه أجراً وثوابًا ، ويضيع على نفسه تكفير ذنوبه ومعاصيه وجرائمه ، لأن السعي على العيال فيه أجر وأيما أجر لقوله صلى الله عليه وسلم: (ماأنفق الرجل على أهله فهو صدقة) . (متفق عليه )
ولم يترك الفقهاء الزوج البخيل دونما مساءلة فقد ذهب الجمهور إلى جواز طلبها طلاق نفسها من القاضي رغماً عنه إن لم يدفع نفقتها ، وذهب الحنفية إلى سجنه.
فكم هو تقصير البخيل في حق زوجه وأهله، وكم هو مساءل ومحاسب وكم عرض نفسه للعقوبة من الله تعالى أولاً، ومن القضاء والناس ثانياً، وكم هو ناقص الإيمان مضطرب العقيدة، بل هو أتعس الناس وأشقاهم .
أنجانا الله تعالى من كل سوء ومكروه وجعلنا من الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين.
غادة الجوابرة-اسلام ويب

Post: #462
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:24 PM
Parent: #384

الأب القاسي هو أبٌ غير رفيق أو غير رقيق القلب ، قاسي ملامح الوجه والقلب ، أحكامه مثل وجهه ، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : ((إن الله رفيق يحب الرفق ، ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، وما نزع الرفق من شيء إلا شانه)) .
لقد وصف الله تعالى نفسه بأنه الرحمن الرحيم ، الذي يرحم الناس في الدنيا والآخرة ، وهو الحليم الذي لا يعجل العقوبة للمخطئين ، فلو أن الله تعالى يؤاخذ الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة ، فكل بني آدم خطاء ، وخير الخطاءين التوابون .
عزيزي المربي أبًا كنت أم أمًا .. أجب على هذه الأسئلة :
1) هل أنت من النوع الذي لا يتحكم في انفعالاته بشكل عام ؟
2) هل أنت من النوع العصبي سريع الغضب والانفعال وبطئ النسيان ؟
3) هل أنت من النوع الذي لا يرحم المخطئ إذا أخطأ واعترف بخطئه ؟
4) هل أنت من النوع الذي لا يسامح المسيء إذا أساء واعتذر ؟
5) هل أنت من النوع الذي لا يترك أي خطأ صغيرًا أو كبيرًا دون نقد لاذع ؟
6) هل أنت من النوع الذي يضرب ولده بعنف وبالكف إذا ما نقصت درجاته في مادة ما ؟
7) هل أنت من النوع الذي يضرب ابنته بالعصا والفلكة والكرباج إذا ما قصرت ابنته في أمر ؟
8) هل أنت من النوع الذي يسخن الملعقة على النار ، ويلسع بها ولده ، إذا تبول على نفسه في الفراش ليلاً وهو طفل صغير أو مراهق أو فعل فعلاً لا يرضيك ؟
9) هل أنت من النوع الذي لديه ضمير صارم لا يرحم قريبًا أو بعيدًا إذا خالفه الرأي ؟
10) هل أنت من النوع الذي من يحزنه لعدة سنوات ؟
11) هل أنت من النوع الذي يحرم ابنه من زيارته ولا يزوره إذا تزوج على خلاف رأيه
12) هل أنت من النوع الذي يمنع الابن من الميراث الشرعي إذا لم يرضى عنه ؟
إن كانت إجابتك بنعم فأنت أبٌ قاسي ظالم ، فلكل إنسان إمكانيات لا يستطيع تغييرها ، ولكل طفل قدرات ومهارات لا يستطيع أن يخلقها أو يبدلها، فهناك الطالب الممتاز والمجتهد والمتوسط والضعيف في الدراسة .
لا تحمل ولدك ما لا يطيق ، واعلم أن الراحمين يرحمهم الله ، وأن من يرحم من في الأرض يرحمه من في السماء ، وأولى الناس برحمتك هم أهل بيتك وولدك وزوجتك .
وإن كنت عاجزًا عن علاج نفسك فأنت مريض بالقسوة ومضطرب شخصيًا وفي حاجة إلى طبيب نفسي .
أرجوك لا تتكاسل .. اذهب إليه في الحال .
د.رمضان حافظ-اسلام ويب

Post: #463
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:26 PM
Parent: #384

إن الثقة بالنفس هي طريق النجاح في الحياة، وإن الوقوع تحت وطأة الشعور بالسلبية والتردد وعدم الاطمئنان للإمكانات هو بداية الفشل، وكثير من الطاقات أهدرت وضاعت بسبب عدم إدراك أصحابها لما يتمتعون به من إمكانات أنعم الله بها عليهم لو استغلوها لاستطاعوا بها أن يفعلوا الكثير.
وإليك بعض الخطوات التي يمكن بها التخلص من كثير من الأفكار والمشاعر السلبية في حياتك سواء كانت في الفكر أو السلوك أو الأخلاق أو العادات أو الكلمات أو غيرها ، لترفعها من على كاهلك وتحرر نفسك من وطأتها وتنطلق بالنفس نحو الحياة بثقة أكبر وآمال مشرقة أوسع:
1 - حددي - بتجرد وبلا مبالغة - أهم الأفكار والصفات السلبية في حياتك.
2 - أفردي كل فكرة أو صفة على حدة.
3 - فكري فيها تفكيرًا منطقيًا تحليليًا يؤدي إلي معرفتها وذلك بمعرفة أسبابها وحقيقتها ، وهل هي واقع حقيقي فعلا أو وهم وخيال.
4 - إن كانت من الأوهام فحرري نفسك منها ، وإن كانت واقعًا فتخلصي من أسبابها وقلصيها إلي أدني قدر ممكن، واعلمي أن الصفة كلما كانت أكثر رسوخًا في حياتك كان استبعادها يحتاج لجهد أكبر وزمن أطول.
5 - اربطي ذهنك وفكرك بشكل مركز - وليكن في لحظات صفاء وبعد عن الشواغل والقلق - بموقف إيجابي مهم في حياتك مستعيدة كل تفاصيله من صوت وصورة ومشاعر وأجواء محيطة، فإذا بلغت الذروة من النشاط الذهني والارتياح النفسي والانشراح القلبي، وغبت عن واقعك كأن تكبري أو تسبحي أو تهللي مشيرة مع ذلك بإصبعك إشارة خاصة، وليكن هذا الموقف مثلا خبر نجاحك أو يوم زواجك أو ليلة قمتيها لله أو سماعك خبرًا سارًا للمسلمين أو أول يوم رأيت فيه أحد الحرمين أو نحو ذلك.
6 - كرري ذلك مرات ومرات حتى يرتبط هذا الموقف الإيجابي بكل مشاعره وتداعياته النفسية والشعورية بهذه الحركة آليًا فبمجرد صدور هذه الحركة منك تنتقلي آليًا إلي تلك الحالة النفسية الإيجابية العالية، وإن لم تتذكري الموقف المادي الذي كان سببًا لها.
7 - إذا وردت عليك أي من تلك المشاعر أو الأفكار السلبية في أي موقف فما عليك إلا أن تغمضي عينيك قليلا وتخرجي من تلك الأفكار ثم تتخيلي أمامك لوحة كتب عليها بخط بارز ولون صارخ؛ قف".
تأملي هذه الكلمة بعض الوقت وكرري النظر فيها مرة بعد أخري حتى كأنك لم تعودي ترين غيرها.
8 - تجاوزيها بنظرك متخيلة وراءها حدائق غناء وأنهارًا جارية وطيورًا مغردة ونسيمًا من الهواء عليلا وتمتعي به قليلا كل ذلك وأنت مغمضة لعينيك.
9 - اللجوء إلي الله ابتداء وانتهاء ; لأنه هو الذي أضحك وأبكي، فعليك بالتوبة والاستغفار وداومي على ذكر الله تحيا القلوب.
مركز الإعلام العربي

Post: #464
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:28 PM
Parent: #384

ما أسوأ الأبناء إن رزقوا بأباء يحبون الدلال أو يمارسون الإهمال .
ما أتعس أولئك الذين منذ نعومة أظافرهم وقد وجدوا ملعقة ذهبية فقط دون تربية ذهبية يطعمون بها أفواههم .
عزيزي المربي .. أبًا إن كنت أم أمًا .. أجب عن هذه الأسئلة :
1) هل أنت من النوع الذي يطيع ولده إذا أمر ؟
2) هل أنت من النوع الذي يشتري أي شيء يريده ابنه ؟
3) هل أنت من النوع الذي يتشاجر مع الناس من أجل ولده ؟
4) هل أنت من النوع الذي يخاصم الناس من أجل ولده ؟
5) هل أنت من النوع الذي يقاتل الناس من أجل رضاء ولده ؟
6) هل أنت من النوع الذي لا يهتم كثيرًا إن أساء ولده وينكر ويبرر الإساءة ؟
7) هل أنت من النوع الذي لا يعاقب ولده إن أساء للكبار ومعلميه في المدرسة.
8) هل أنت من النوع الذي تظن أن ابنك مثل الملائكة لا يكذب ؟
9) هل أنت من النوع الذي يعتقد أن ابنه فوق الناس وعلى رأسه ريشة ؟
10) هل أنت من النوع الذي يرفض أن يعاقب ولده في الفصل مثل باقي التلاميذ؟
11) هل أنت من النوع الذي يبكي إذا بكى ولده ؟
12) هل أنت من النوع الذي يضحك إذا ضحك ولده ؟
13) هل أنت من النوع الذي لا ينام حتى ينام ولده ويسهر إذا سهر ولده ؟
14) يرضى عن الناس إذا أرضوا ولده وإن كان مذنبًا ؟
إن كانت إجابتك بنعم فأنت مدلل لولدك ومتراخٍ ومتهاون ومتساهل .
ونتيجة ذلك أن ابنك سيكون مستبدًا وديكتاتوريًا إن استطاع ، ووجد الفرصة !
وأن ابنك سيكون غير ناضج اجتماعيًا ونفسيًا وانفعاليًا .
وأن ابنك سيكون فاشلاً في حياته ومواجهة المشكلات !
وأن ابنك سيتعرض للإحباط والاكتئاب والاضطراب في الشخصية إذا عجز عن حل مشكلة .
د. رمضان حافظ-اسلام ويب

Post: #465
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:33 PM
Parent: #384

إذا هممت بأمر ما فعليك بصلاة الاستخارة واللجوء إلى الله كي يختار لك ما هو أصلح ، ولك في رسولك أسوة ، فقد استخار الله وبيَّن صحابته كيف يستخيرون.
والاستخارة لا ترجع إلى الزواج ذاته فهو خير محض ، ولكن ترجع تعود إلى أمور :
منها وقت الزواج والزوجة التي اخترتها ، ومكان الزواج ، ما يفعل فيه وينُفق عليه وغير ذلك مما يطلب فيه من الله الخير .
والله تعالى سيختار لك ما تحب سواءً رأيت ذلك بعينك أم لم تره .
الاستشارة :
وهي طلب المشورة والرأي السديد ، فيا من تريد الزواج ، عليك استشارة من تثق بعلمه وأمانته في كل ما تحتاجه في هذا المشروع الطيب ، ولك في رسولك قدوة حسنة ، فالله يقول له : (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ)(آل عمران/159) .
ومما قيل : " الاعتصام بالمشورة نجاة " ، وقيل : " إذا استشرت الناس شاركتهم في عقولهم " .
فالمشورة ليست عيبـًا ولا ضعفـًا ، بل تفتح لك أبوابـًا لم تكن تدري كيف ؟؟؟ ، وهي من شيم العقلاء ، ومن جانبها فقد استبد برأيه ، وقد قيل : إذا أراد الله لعبدٍ هلاكـًا أهلكه برأيه .
والاستشارة والاستخارة ينبغي أن تجعلهما نصب عينيك دائمـًا حتى تكون خطاك مسددة بإذن الله تعالى وهما مما هجره أكثر الناس ، يقول ابن تيمية - رحمه الله - : " ما ندم من استشار وما خاب من استخار " ، ويقول أحدهم : " ما خاب من استخار الخالق وشاور المخلوقين " .
الدعاء :
لا تغفل جانب الدعاء فهو خير ما يوصي به مع الاستخارة والاستشارة ، والإلحاح فيه من أعظم العبادات ، لذلك ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ((الدعاء هو العبادة)) .
فارفع يديك إلى من يستحي أن يرد يدي عبده صفرًا إذا سأله ، وهو الذي يقول : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ( غافر/60) .
وتحيَّن مواطن الإجابة وهي كثيرة أهمها :
- جوف الليل الآخر ووقت السحر .
- دبر الصلوات المفروضة .
- بين الأذان والإقامة .
- عند نزول المطر .
- آخر ساعة من عصر يوم الجمعة قبل الغروب .
- في السجود في الصلاة .
- بعد التشهد الأخير في الصلاة .
- شهر رمضان والليالي التي ترجى فيها ليلة القدر .
اختيار الزوجة :
الحياة الزوجية ليست ميدان تجارب ولا حقل تذوق ، ولا يلام الرجل إذا أخذ يبحث عن شريكة حياته ، وإذا قلبت بصرك وجدت أن من أعظم مشكلات الزواج وصعوباته وانحلاله ناجم عن التسرع في اختيار الزوجة دون بحث وتدقيق ، فبعضهم يختار زوجته بمجرد نظرة جمال ساحرة ، أو طمعـًا في مالها ، أو غير ذلك ، والعلاقة التي يكون المقصد منها ذلك توشك أن تزول وتنتهي .
الصفات الحسنة في المرأة
أول ما يتبادر إلى الذهن عند طرق هذا الموضوع هو حديثه - صلى الله عليه وسلم - : ((تنكح المرأة لأربع ، لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك)) .
وقد سئل - صلى الله عليه وسلم - : أي النساء خير ، قال : ((التي تسره إذا نظر ، وتطيعه إذا أمر ، ولا تخالفه في نفسها ولا ماله بما يكره)) .
وقد ورد : أربع من السعادة : المرأة الصالحة ، والمسكن الواسع ، والجار الصالح ، والمركب الهنيء .
يقول الغزالي - رحمه الله : " وليس أمره - صلى الله عليه وسلم - بمراعاة الدين نهيـًا عن مراعاة الجمال ، ولا أمرًا بالإضراب عنه ، وإنما هو نهي عن مراعاته مجردًا عن الدين ، فإن الجمال في غالب الأمر يرغب الجاهل في النكاح دون الالتفات إلى الدين ، فوقع في النهي عن هذا " .
لكن الجمال ليس في العيون الزرقاء ولا الخضراء ولا السوداء ، ولا العسلية ، ولا الكبيرة أو الصغيرة ، ولا ذات الرموش الطويلة أو القصيرة ، إنما الجمال في العيون التي إذا ما نظرت إليك وأنت غاضب لم تعد غاضبـًا .
عرضت على المأمون جارية بارعة الجمال ، فائقة الكمال ، غير أنها كانت تعرج برجلها ، فقال لمولاها : خذ بيدها وارجع ، فلولا عرج بها لاشتريتها ، فقالت الجارية : يا أمير المؤمنين إنه في وقت حاجتك لن تنظر إلى العرج ، فأعجبه سرعة جوابها وأمر بشرائها .
ومن الصفات المرغوبة : أن تكون الزوجة ولودًا - أي ليست عقيمـًا - فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة)) .
وتعرف المرأة الولود من قرائن الحال في أسرتها وقريباتها ، وهذا شيء ظني ، ولكن لابد أن يضع الزوج ذلك في باله .
أما الزواج من العقيم فهو نزوة عابرة أو مصلحة مؤقتة وسرور بزواج من غير تبعات ، فعن معقل بن يسار قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إني اصبت امرأة ذات حسب وجمال ، وإنها لا تلد أفاتزوجها ؟ قال : ((لا )) ثم أتاه الثانية فنهاه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم أتاه الثالثة ، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : ((تزوجوا الودود الولود)) .
ومن الصفات الحسنة : أن تكون الزوجة بكرًا ، فقد حث الإسلام على البكر ، وهي التي لم توطئ بعد ؛ لأن البكر تحب الزوج وتألفه أكثر من الثيب ، وهذه طبيعة جُبِل الإنسان عليها - أعني الأنس بأول مألوف - .
وفي الحديث عن جابر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ((عليكم بالأبكار ، فإنهنَّ أنتق أرحامـًا ، وأعذب أفواهـًا ، وأقل خبـًا ، وأرضى باليسير)) .
وتزوج جابر - رضي الله عنه - ثيبـًا ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هلا بكرًا تلاعبها وتلاعبك)) .
وقد مدح الله الأبكار وجعل هذه الصفة من صفات نساء الجنة قال تعالى : (إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَاراً)(الواقعة/35 ، 36) .
يقول الغزالي - رحمه الله - : في البكر خواص لا توجد في الثيب ، منها : أنها لا تحن أبدًا إلا للزوج الأول ، وأكد الحب ما يقع في الحبيب الأول .
ومنها إقبال الرجل عليها ، وعدم نفوره منها ، فإن طبع الإنسان النفور عن التي مسها غيره ويثقل عليه ذلك .
ومنها : أنها ترضى في الغالب بجميع أحوال الزوج ؛ لأنها أنست به ولم تر غيره ، وأما التي اختبرت الرجال ومارست معهم الأحوال فربما لا ترضى بعض الأوصاف التي تخالف ما ألفته .
ولا يعني كل ما سبق أن الثيب مذمومة - إطلاقـًا - وليس حسنـًا أن نبالغ في ذمها إلى درجة التنفير منها ، فكم من ثيب خير من بكر ، وخير مثال زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أمهات المؤمنين ، كلهنَّ ثيبات ما عدا عائشة - رضي الله عنهنَّ جميعـًا - والله تعالى يقول : (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً)(التحريم/5) فقد قدم الثيب في هذه الآية على البكر .
وقد بارك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجابر - رضي الله عنه - لزواجه من الثيب بعد أن علم - صلى الله عليه وسلم - أنه تم الزواج لتقوم الزوجة برعاية أخوات جابر - رضي الله عنه - التسع .
ومن الصفات الحسنة في الزوجة الصغيرة ، ألا تكون صغيرة صغرًا مفرطـًا ، ولعل ما يخطر بالبال أن يقول الزوج : لماذا لا أتزوج الصغيرة ؟ فيقال : المقصود عدم الزواج بالصغيرة صغرًا يظهر فيه الفرق الشاسع في العمر كمن يكون عمره فوق الخمسين ، فيتزوج بنتـًا دون الخامسة عشرة مثلاً لما قد يؤدي إليه من محاذير ومساوئ كثيرة خاصة في هذا الزمان الذي ضعف فيه الوازع الديني عند الكثيرين .
قال ابن الجوزي - رحمه الله - : " وأبله البله الشيخ الذي يطلب صبية ، ولعمر الحق إن كمال المتعة ، إنما يكون بالصبا ، ومتى لم تكن الصبية بالغة ، لم يكمل بها الاستمتاع ! فإذا بلغت أرادت كثرة الجماع ، والشيخ لا يقدر ! فإن حمل على نفسه ، لم يبلغ مرادها وهلك سريعـًا " .
فإن قيل إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - وعمرها ست سنوات وبنى بها وعمرها تسع سنوات ، وكان عمره ثلاثة وخمسين ؟ فنقول : إن هذه الحال تخرج عن القاعدة لأسباب منها :
أولاً : أن شخصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يمكن مقارنتها بأي شخصية أخرى ، ولذلك كانت عائشة سعيدة بهذا الزواج ، وقد خيرت قبل ذلك فاختارت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
ثانيـًا : أن غاية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا الزواج هي زيادة الروابط بينه وبين أبي بكر - رضي الله عنه - .
ثالثـًا : قوة دين عائشة وعفتها ، فلا يمكن تصور وقوع محظور من هذا الزواج .
وسئل أعرابي عن النساء ، فقال : " أفضل النساء أطولهنَّ إذا قامت ، وأعظمهنَّ إذا قعدت ، وأصدقهنَّ إذا قالت ، التي إذا غضبت حلمت ، وإذا ضحكت تبسمت ، وإذا صنعت شيئـًا جودت ، التي تطيع زوجها وتلزم بيتها ، العزيزة في قومها ، الذليلة في نفسها ، الودود الولود ، التي كل أمرها محمود " .
ومن الصفات الحسنة في الزوجة ما ذكرته عائشة أم المؤمنين - رضي الله عنها - عندما سئلت أي النساء أفضل ؟ فقالت : " التي لا تعرف عيب المقال ، ولا تهتدي لمكر الرجال ، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها ، ولإبقاء الصيانة على أهلها " .
مجلة " الأسرة " ، العدد : 103

Post: #466
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:35 PM
Parent: #384

لا ليس هذا هو الوجه الطيب الخاشع الذي أغمض عيني عليه، وأفتحهما عليه، وأستمد منه - بعد الله - الإحساس بالأمان والثقة.
هل قلتها لنفسك؟ ربما والمؤكد أن كثيرات قلنها، وهن يفتحن حدقاتهن اندهاشا وانزعاجا مما حدث.
فقد تحولت العلاقة الزوجية إلي روتين يومي ممل، أصبح الزوج مجرد واحد من الناس يقيم معك في بيت واحد، وأحيانا تتناولان الطعام معا، صار الأبناء عذابا يوميا من المسئولية، واحتلتك حالة من الرفض والتمرد.
تتأملين واقعك، وتتذكرين أيام الزواج الأولى، وتشتاق كفك المتعبة إلي رتبة كفه التي تزيل الشقاء، وتضمد جرح العناء.
تشتاقين إلى أن يضع في فمك اللقمة، كما كان يفعل من قبل، إلى تعاونه معك.
إلى الابتسامة المشرقة التي يلقاك بها ، وتلقينه بها حين يعود من عمله، ويأخذ شهيقا طويلا يتشمم به رائحة طعامك، ويمتدح طهيك قبل أن يتذوق .. إلى أحاديث المساء الودود واللهفة الصادقة حين تشكين من مجرد ارتفاع في درجة الحرارة .. إلى نظرة الانزعاج في العينين المحبتين حين تسعلين، إلى القسم بأغلظ الأيمان عليك لتستريحي، ويكمل هو ما تفعلين.
وقبل أن تتنهدي إشفاقا على نفسك، تذكري أنه هو أيضا يشتاق ويحن، إلى الوجه المزين والشعر المصفف، والملابس التي تزيدك جمالا .. إلي الصوت الناعم ، واللمسات الحانية والبيت الهادئ.
إلي الروح التي تنصت حيث يتحدث ، وتبتسم حين يبتسم ، وتحترق حزنا حين يصيبه بعض القلق.
إلى انقباضة الوداع صباحا .. ولهفة اللقاء عصرا.
إلي القناعة والتماس الأعذار، والمبادرة بالمصالحة عند الخلاف، والتغاضي دون منّ أو معايرة.
إلي مراجعة الهندام قبل الخروج ، ورشات العطر الدافئة على ياقة القميص ، وانحناءة العشق لوضع الحذاء أمام القدمين، ولفظة التوديع المشحونة بالحب: سأفتقدك.
كل شيء تبدل صارت الهفوة جريمة، والسهو البريء مؤامرة، ودقائق التأخير في إعداد الطعام لا مبالاة متعمدة، والشكوى من عناء البيت والأولاد تمارض، والنوم بعد العودة من العمل استسهالا وإلقاء للعبء كله على رأس العابدة لله المسكينة.
أصبحت المطالب الصغيرة ورطات اقتصادية، واقتراح المذاكرة للأولاد عدم تقدير للظروف، والإفصاح عن الرغبة في نزهة قصيرة دلعا.
تكومت أدوات الزينة في درج مهمل، وأخرج المشط الوحيد لسانه لمن صار لا يري إلي كومة من الشعر مربوطة بإهمال بشريط لا يتغير لونه، وعبث الصغار بزجاجة العطر الغالية، فأضاعوا غطاءها ، وتبخر العطر لتنضم الزجاجة إلي سلة لعب الأطفال.
صار سوء الفهم ، وسوء الظن دفتي قارب الحياة المشتركة ، وأصبح للكلمة البريئة ألف معني غير برئ ، وأصبح النوم بعد تراشق لفظي حاد دستورا يوميا، ورؤية الوجه العابس عند اليقظة فاتورة صباحية لا مفر من دفعها كل يوم.
هكذا قفز الواقع على كتفي الحلم ، واستقرت فوق الصدور جبال من الهم ، وفر الرضا من قاموس الحياة ، وصار الخروج من فخ التعاسة مرفأ بعيدا ، النفس أقصر من أن يتحمل مشقة السياحة نحوه.
وقبل أن تتكرر التنهيدة الحزينة أبشرك المخرج أقرب مما تتصورين أمام عينيك، وفي مخدعك وعلى رف مكتبتك، بل وداخلك أنت نفسك.
المنقذ صلاة ليل مشتركة في غرفة النوم ، ومصحفا لقراءة الورد اليومي، وبحث في المكتبة عن جديد تتدارسانه معا، ولحظات تفرغ تذكران فيها الله معا.
كان أبو هريرة (رضي الله عنه) يقسم الليل بينه وبين زوجته وابنته، فلا تنقطع الصلاة من بيته الفقير .. فماذا كانت ثمرة الدنيا؟
واللذان يصليان الليل معا، محال أن يتشاجرا في الصباح، واللذان يتلوان أذكار الصباح معا - أيضا - لا يمكن أن يفسد الشيطان أحدهما على الآخر، واللذان يقرآن القرآن معا، لن يكون في صدريهما مكان إلا للحب واستشراف اللقاء الأبدي في الجنة.
جربي وجرب كما فعل كثيرون وكثيرات يتذكرون اليوم سنوات الفتور والمعاناة، ويقولون بصوت نادم ، وشاكر في الوقت نفسه: ليتنا بدأنا منذ زمن بعيد!
مركز الإعلام العربي

Post: #467
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:36 PM
Parent: #384

أولى الإسلام تربية الأبناء ، ورعايتهم ، والعناية بهم ، والوقوف إلى جانبهم حيزا كبيرا من اهتماماته، فلفت أنظار الوالدين إلى الطرق الصحيحة الراجحة في تنشئة جيل الغد، ومشاعل المستقبل في ضوء تعاليم الإسلام، وما نادي به من مقومات أخلاقية ونفسية واجتماعية وتربوية حث الآباء على الاقتداء بها، والسير على دربها.. لكي تكون سفينة أبنائنا في منجي ومنأى عن الأفكار المنحرفة والدعوات المرذولة، وصولا إلى المجتمع الصالح الذي يتعرف فيه أطفال اليوم عندما يكبرون على الطرق والوسائل الكثيرة التي اتبعها آباؤهم عندما أرادوا تعليمهم كل ما يفيد في الحياة، وساعتها يكتشفون تعب والديهم عندما واجهتهم المصاعب في تشكيل وجدان أبنائهم على القيم الفاضلة والمبادئ الأصيلة ليتسلموا الراية، ويقوموا بأداء نفس الدور - ولكن كآباء - مع الجيل الجديد.. وهكذا تسير دفة الحياة في المجتمع المسلم ، بالنصيحة والقدوة ، والتربية السليمة !!.

إذن فتربية صغارنا.. ليست مهمة سهلة مثلما يهون من أمرها البعض، كما أنها ليست مسألة عويصة كما يضخم من حجمها الكثيرون، ولكنها تجمع بين الاثنين، بين السهولة والصعوبة، بين المشقة والفرح، بين المعايشة الدائمة - وكأننا أطفال - لنقدم لهم الأنموذج الحي الصحيح لما نبغي أن نزرعه في ضمائرهم وأخلاقهم البريئة.

أطفال اليوم بحاجة إلى أن يتسلح آباؤهم وأمهاتهم بعلوم شتي ، وخبرات كثيرة ، وأخلاق أصيلة ، لكي يشب الطفل وهو يري مثالا ناضجا يطبق ما ينادي به ، فيقوم على الفور بالاقتداء به ، وتمثله تمثلا وجدانيا يكون اللبنة التي تؤسس كيانه وعالمه الجديد في المستقبل ، بعيدا عن الماديات الزائفة ، والأفكارالبالية، والسقوط في مستنقع الرذيلة والفواحش!!.

ومن هنا تبرز قيمة كتاب "كيف تربي أبناءك في هذا الزمان؟" للدكتور حسان شمس باشا - استشاري أمراض القلب في مستشفي الملك فهد للقوات المسلحة بجدة - وهو كتاب يجمع بين الأصالة والمعاصرة وفق الأساليب التي اتبعها أجدادنا العظام في كتاباتهم الباهرة التي استقت من المعين القرآني والسنة النبوية وأقوال السلف الصالح ، وعلماء التربية المسلمين على مر العصور، إلى جانب الاطلاع النهم على آخر وأحدث ما توصل إليه العلم الحديث في مسألة تربية الأطفال.
قسم المؤلف كتابه إلى أربعة وعشرين فصلا شاملة لمرحلة الطفولة بدءا من الولادة وحتى سن الشباب.

الحب والتربية
فالتربية لا تتم بدون الحب ، حب من الجانبين; لأن الأطفال الذين يجدون من مربيهم عاطفة واهتماما ينجذبون نحوهم ، ويصغون إليهم أسماعهم وقلوبهم ، ويستجيبون لما يأمرونهم بفعله ، ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحرصا على حب الأطفال، وألا يقوما بأعمال تبغضهم منهم ، كالإهانة الدائمة، والعقاب المتكرر، والحرمان، وعدم تلبية مطالبهم المشروعة; لأن ذلك لا يؤدي إلى التربية الصحيحة كما يتوقع الآباء، بقدر ما يقود إلى نفور الأطفال من آبائهم ، وارتكاب ما ينهاهم عنه والداهم.

وليس معني ذلك أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت والمدرسة والنادي، دون نظام أو رادع ، فليس هذا حبا ، بل إنه خراب ودمار، وإن حب الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات، وسوقهم إلى ميادين الجهاد، وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين، وكل ذلك لم يسبب فتورا في محبة الصحابة لنبيهم ، بل كانت تزيد من محبتهم له ، وطاعتهم لأوامره.
أسئلة مقلقة.. لها حل

يبدأ الطفل عادة في سن 3 - 4 سنوات بإلقاء أسئلة مختلفة ، محرجة ، مربكة ، مفرحة ، ذات طبيعة خاصة تتعلق بخيال الطفولة، وعالمها السحري، وعلى الأبوين أن يتعاملا بيسر مع هذه النوعية من التساؤلات، وألا يصادرا على أبنائهم حق التساؤل وطرح الاستفسار عما بداخلهم من أمور وقضايا عادية، لكنها بحاجة إلى إجابة ذات طبيعة خاصة تناسب المرحلة السنية للأبناء.
وعلى الأبوين أن ينظرا إلى أسئلة أبنائهم على أنها جزء من عملية التعليم الطويلة في حياتهم ، وأن تكون عملية الإجابة بسيطة وسهلة وبلا تعقيد، وحاوية للمعلومات ، وليس الامتناع عن أية إجابة ، حتى لا يؤدي ذلك إلى استقاء الأطفال لمعلوماتهم حول استفساراتهم التي عجز آباؤهم عنها إلى بديل آخر، تكون أجوبته أسلحة خطرة في مستقبل الأطفال، وفي تكوين مداركهم القادمة.

اختيار الأصدقاء
هذه قضية صعبة ، يقع في شركها الآباء والأمهات ، وبدلا من أن يختاروا أصدقاء بنيهم ، نراهم على العكس يرفضون وجود صداقات لأبنائهم بحجة أن من يصادقونهم ليست أخلاقهم على ما يرام ، أو لأسباب أخري ، وهنا يترك الوالدان مسرح الأحداث للأطفال من دون أية رقابة ، لكي يمارسوا حريتهم في اختيار أصدقائهم ، بلا ضوابط أو محاذير، وهنا تقع الكوارث الأخلاقية التي نسمع عنها كثيرا ، ولا نجد لها حلا سوي البدء مبكرا بالتنسيق مع الأبناء في التدقيق على نماذج أصيلة ذات بيئات قويمة ليصادقهم أبناؤهم . وعلى الوالد ألا يعنف ولده أمام أصدقائه، حتى وإن أتي ابنه بصديق سيء، فلا يزجره أمامه ، ولكن تكون المراجعة فوريا بعد مغادرة الصديق ، باتباع منهج تربوي في إسداء النصيحة كقصة مثلا أو حكاية عن الصديق السيء، ليتعلم منها الابن - بطريقة مباشرة - خطأه ، الذي يسارع في علاجه على الفور.

الطفل العصبي
يري علماء النفس أن أهم أسباب عصبية الأطفال وقلقهم النفسي ترجع إلى الحرمان من الدفء العاطفي في الأسرة، وعدم إشباع حاجة الطفل من الحب والقبول والتقدير، فضلا عن سيطرة الآباء التسلطية، وعدم إشعار الطفل بقيمته ودوره، وقسوة الآباء، والتفرقة بين الإخوة. وقد يتعلم الطفل العصبية من أمه مثلا أو من المدرسة، كما أن الأم المتسلطة تصبح مصدرا ثابتا لمضايقة الطفل، فيقاومها في كل شيء، بعكس الأم المرنة التي يحبها الطفل، ويقبل علىها، فإنه يخضع لها، وينفذ مقترحاتها بسرور، وكلما كبر الطفل يقلد من يعلمه.

تربية بدقيقة
يقول الدكتور "سبنسر جونسون" في كتابه "أب الدقيقة الواحدة": أسلوب الدقيقة الواحدة أسلوب حديث، ربما تشعر في بداية تطبيقه بأنه أسلوب غريب، ولكنك سترتاح بعد ذلك وتمارسه بشكل طبيعي، أخبر أبناءك أولا بأنك لا تريد أن تحكمهم أو يحكموك، ولا تريد أن تكون ديكتاتورا في البيت، أخبر أبناءك أنك ستتبع هذا الأسلوب معهم ، وأنه ستكون هناك بداية جديدة لطريقة التأديب ، دع أبناءك يشعرون بعدم الرضا عن تصرفهم الخاطئ، ولكن بالرضا عن أنفسهم ، فإذا ما ارتكب ابنك خطأ ما انظر في عينيه مباشرة ، وأعد عليه ما فعله باختصار دون أن يأخذ من وقتك إلا ثوان معدودات، أشعره بعدها أنك غاضب من فعله، ودعه يشعر بما تحس به في النصف الأول من الدقيقة، فلا يكفي أن يتلقى الابن أو الابنة التأنيب ، ولكن المهم جدا أن يشعروا بهذا التأنيب، دعه يشعر بأنك لا تحب ما فعل، وقد يرافق ذلك إحساس بالانزعاج منك، خذ نفسا عميقا، واشعر بهدوء نفسي، وانظر إلى وجهه في نصف الدقيقة الثاني، بطريقة تجعله يشعر أنك إلى جانبه ولست ضده، وأنك تحبه، ولكنك لا تحب سلوكه فقط، أخبره أنه ولد طيب، وأنك راض عنه، ولكنك لست راضيا عن سلوكه، وأنك ما أنبته إلا لأنك تحبه، وهكذا في كل الأمور عامله بنفس الطريقة في سهولة ويسر.
صلاح رشيد-اسلام ويب

Post: #468
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:38 PM
Parent: #384

التأثير الكبير للشاشات المرئية يظهر على الأطفال بشكل واضح عندما يتم إدخال الجهازين أو أحدهما إلى البيت بعد نشوء الأطفال ووعيهم ، إذ يبدو ذلك جليًا في تبدل تكوينهم الشخصي والنفسي.

ويستطيع المراقب إدراك ذلك من خلال نشوء اهتمامات جديدة لدى الأبناء وأنماط من السلوك تحاكي سلوك الممثلين أو الشخصيات الخرافية الوهمية، أما أولئك الأطفال الذين يولدون والتلفزيون في بيوتهم فإنه يغدو بعد حين أهم موجه لتفكيرهم وسلوكهم وذوقهم واهتماماتهم ، وقد لا يلاحظ ذلك كثير من الآباء والأمهات، وخاصة أولئك الذين لا يهمهم أين تسير السفينة ومن يوجه الدفة.

ويؤكد الدكتور إبراهيم إمام خطر التلفزيون - والفيديو - على الأطفال، ويراه خطراً ثابتاً ، ويحذر من التقليل من ذلك أو تهوين الأمر، فيقول:
"إن تأثير الإعلام على الأطفال تأثير ثابت، ولا ينبغي للمسؤولين أن يقللوا من خطره، أو يهونوا من أمره، ولاشك في أن طريقة معالجة التلفزيون للتراث الثقافي العالمي نفسه، وخاصة أسلوب استخدام الكاميرا يجعل التلفزيون مصنعًا للخوف والرعب بالنسبة للموضوعات العنيفة، وعندما يخلط الأطفال بين الواقع والخيال، ويتعرضون للتأثير الضار باستمرار، ويرون المجرم بطلاً خفيف الظل، والقانون لا ينتصر إلا في النهاية، ورجل الشرطة موضع تهكم وسخرية، والقاضي إنسانًا مترددًا ومضحكًا ، فإن احتمال عدم التأثير بذلك كله أمر جد عسير، وقد يكون صحيحًا أن تأثير التلفزيون - والفيديو - على الأطفال الأصحاء يختلف في شدته ونوعيته عن تأثيره على الأطفال الذين لا يحسون بالأمر، ولكن لابد أن يكون التلفزيون مؤثرًا على كلا النوعين"

التلفزيون والتحصيل الدراسي لدى الأطفال:
يشكو الآباء والمربون من آثار التلفزيون السلبية في علاقة الأطفال بالكتاب والمدرسة، وتبدو نتائج ذلك ظاهرة على معظم الأطفال الذين يتابعون المشاهدة.
ومن الملاحظ لدى العاملين أن مما يؤدي إلى التأخر الدراسي، وعدم متابعة المعلم أثناء الشرح سبب كثير منه التعلق ببرامج التلفزيون، والسهر الطويل في متابعة ما يجري على الشاشة المرتعشة، إذ وجد أن الأطفال الذين لديهم أجهزة تلفزيون أو فيديو يذهبون للنوم متأخرين عن نظائرهم في السن ممن لا يوجد لديهم ، ويبدو أيضًا أن التلفزيون يتداخل مع الواجبات المنزلية التي يكلف بها التلاميذ ، وبذلك يبدو الطفل سلبيًا أمام ما يدور في قاعة الدرس.

وفي ربيع عام 1977 ظهر كتاب بالغ الآثار والأهمية في الأسواق الغربية، وهو الكتاب الوحيد الذي ناقش تجربة التلفزيون ومشاهدته، وبين أهميتها عن محتوى البرامج التي تظهر على شاشته.

هذا الكتاب من تأليف (ماري دين) وقد أسمته (المخدر الكهربي) وكان سببًا لضجة كبيرة عند الآباء القلقين، وعلماء النفس والمربين، ولقد أكد الكتاب أن مشاهدة الأطفال التلفزيون تسبب عندهم نوعًا من الإدمان، وأنها تحول جيلاً كاملاً منهم إلى أشخاص يتميزون بالسلبية، وعدم التجاوب، ولا يستطيعون اللعب والابتكار، ولا يستطيعون حتى التفكير بوضوح ، فكيف يتسنى لمثل هؤلاء الأطفال استيعاب الدروس وتركيز اهتمامهم فيما يلقى عليهم أو يطلب منهم التفكير فيه إذا كانت معظم أوقاتهم تستنفد أمام الشاشة الصغيرة؟.

وفي تقرير لمنظمة اليونسكو العالمية، رقم (33) تبين أن الأطفال، في البلاد العربية، من سن السادسة إلى سن السادسة عشرة يقضون ما بين اثنتي عشرة ساعة وأربع وعشرين ساعة أمام التلفزيون أسبوعيًا ، وأن سن الخامسة حتى السابعة هي الفترة التي يبدي فيها الطفل أقصى اهتمام بمشاهدة التلفزيون، وفي المرحلة التي تسبق هذه الفترة فإن الطفل في سن الثلاث سنوات يقضي 45 دقيقة يوميًا أمام التلفزيون، وفي سن أربع سنوات ينفق ساعة ونصف الساعة يوميًا.

ولم تزل الدراسات والتقارير العلمية تتوالى في تبيان ما للأجهزة السمعية البصرية من أثر بالغ الضرر فيما يظهر على شاشاتها، ولذلك فإن تقريراً آخر نشر في مجلة اليونسكو عن نتيجة الاستطلاع الياباني عن وسائل الإعلام جاء فيه:

إن فيض المعلومات التي تقدمها أجهزة الإعلام يعطل القدرات التأملية الخلاقة لدى الأطفال. وأوضح التقرير أن الأطفال كانوا ضحية لبرامج التلفزيون والمجلات الهزلية. وذكر الأطباء والمدرسون الذين شملهم الاستطلاع أن وسائل الإعلام أشد ضررًا بالأطفال وخاصة البرامج الترفيهية الساقطة والمجلات الهزلية التي ترد إليهم ، وإن حشو مخيلة الطفل، وإشغال فكره بهذه الترهات لا تدع له مجالاً لاستيعاب المعلومات التي يتلقاها في المدرسة، مما يؤدي في أغلب الأحيان إلى كراهية الطفل للمدرسة والكتاب لشعوره بقصورهما وعجزهما عن جذبه إليهما كما يجذبه التلفزيون والفيديو، إذا أنهما لا يتطلبان من الطفل مجهودًا ولا حركة، ويحشوان رأسه بالخيالات والأوهام ، ويضحكانه ويعلمانه الرقص والغناء، وكيفية إقلاق راحة الآخرين .

إسلام ويب

Post: #469
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:40 PM
Parent: #384

واجبنا أفراداً وجماعات تجاه المعوقين
واجب السليم والمعافى نحو المعوق والمصاب:

هذه بعض من الواجبات الشرعية لمن عافاه الله من البلاء، وسلمه من الآفة نحو من ابتلاهم الله بإصابة وإعاقة:
1) أن يشكر الله سبحانه وتعالى ويحمده على العافية، وأن يعلم أن ما ابتلى الله به غيره يمكن أن يبتليه هو به، فإن الله قادر على كل شيء سبحانه وتعالى، وأن ينزل عقوبته بمن يشاء وأن يبتلي من يشاء، وأنه ليس أحد بممتنع عن الله جل وعلا، ولكنه جل وعلا يصيب ويعافي عباده كما يشاء بالخير والشر (ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون) . (الأنبياء:35)

2) أن يدعو للمبتّلى إذا كان من أهل الدين والتقوى أن يأجره الله ويثيبه ويعافيه وأن يعوضه خيراً مما أخذ منه.

3) العطف على المبتلى، والظن أنه قد يكون عند الله خيراً من غيره ممن عافاه الله، فرب عبد مدفوع على الأبواب لو أقسم على الله لأبره…

4) الإحسان إلى المبتلى، والمسارعة إلى نفعه وإعانته فإن مساعدة المحتاج من أعظم أبواب الخير. وفي معرض الرسول لبيان أبواب الخير قال: "أن تعين صانعاً، أو تصنع لأخرق " (متفق عليه).

والخرق نوع من الإعاقة العقلية، وأن تصنع له يدخل فيه كل ما يصنع للأخرق من خدمة أو إحسان…
فدلالة الأعمى على الطريق، ومساعدته على معيشته، والقراءة عليه، وتعليم الأصم، والعناية بالمقعد، ونحوهم من أعظم أبواب الخير والإحسان.

5) المريض المعوق في حالة ضعف، وهذه الحالة قد تكون دافعاً لمن وفقه الله سبحانه وتعالى للإلتجاء إلى الله، والطمع فيما عنده، والأمل في التعويض عما فاته في هذه الحياة الدنيا الفانية في الآخرة بالباقية… كما أن شعور السليم الغني بالصحة والعافية، والغنى قد يكون دافعاً للجهول المخذول أن يظن أنه مستغنٍ عن الله سبحانه وتعالى: (كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ) (العلق:6-7).
ومن أجل ذلك يجب أن نستفيد من حالة الضعف التي يتعرض لها الإنسان بالابتلاء، وذلك بالرجوع إلى الله سبحانه وتعالى، والطمع فيما عنده، بل إن من أعظم حكم البلاء أن الله سبحانه وتعالى يوجه به عباده إليه قال تعالى: (ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون) . (السجدة:21) والعذاب الأدنى هو عذاب الدنيا…

ولا شك أن العمى والصمم والعاهة نوع من العذاب، وقال تعالى في الكفار الذين لم يتعظوا بما أخذهم الله به من الضر: (ولقد أخذناهم بالعذاب فما استكانوا لربهم وما يتضرعون) (المؤمنون: 76)… وقال سبحانه وتعالى أيضاً: (تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا) . (الأنعام:42-43) أي هلا إذا جاءهم بأس الله ورأوه في الدنيا تضرعوا ورجعوا إلى الله سبحانه وتعالى، فعلموا أنه ربهم وإلههم ومولاهم، وأنه كما أنه قادر على نفعهم قادر على ضرهم، فاستفادوا من ذلك بالعودة إلى الله ، وطاعة رسله.

فالسعيد من استفاد من دروس البلاء، والشقي من مر عليه البلاء فقال: (قد مس آباءنا الضراء والسراء) . (الأعراف:95) لجعل نزول الضر، كمجيء الخير لا ارتباط له بحكمة الخالق المدبر سبحانه وتعالى.

من أجل ذلك وجب على الدعاة إلى الله أن يكون وجودهم عند البلاء للتذكير بقدرة الرب، ورحمته، وتوجيه القلوب إليه، وانتشال من كتب الله له السعادة من حمأة الكفر، والسخط على الله، أو التمرد عليه، والبقاء في الكفر والعناد مع نزول البلاء.

6) يجب على من عافاه الله سبحانه وتعالى من البلاء الذي ابتلى به غيره ألا ينتقص المبتلى ولا يهزأ به، ولا يغتابه فسب المبتلي بالعمى أو الصمم أو العرج، أو نقص العقل ونحو ذلك كبيرة من الكبائر…
وذكر المبتلى بشيء من ذلك وهو غائب غيبة، لأن الغيبة هي ذكرك أخاك بما يكره مما هو متصف به..
وأما إذا كان المعوق معروفاً بهذه الإعاقة وأنها علم عليه لا يتأذى بذكرها فلا بأس أن يعرف بها كما يقال عبدالله بن أم مكتوم الأعمى، وفلان الأعرج، وفلان الأعمش، ونحو ذلك.

واجب الأمة والجماعة نحو المعوق:
1) العناية بالمعوق فرض عين على من تجب عليه كفالته، وفرض كفاية على المسلمين..
العناية بالمعوق والقيام بأمره من فروض الكفايات على الأمة إذا قام به بعضهم سقط الإثم عن الباقين وإذا لم يقم به أحد كان الجميع آثمين.
فكفالة العميان، والصم، والمشلولين، وسائر المعوقين واجب على مجموع الأمة، كما هو واجبهم نحو الفقراء والمساكين والمعوزين، فكما يجب على الأمة والجماعة سد حاجات هؤلاء يجب علينا كذلك سد حاجات ذوي هذه العاهات وإلا كان الجميع آثمين…

ولا شك أن واجب العناية بكل فرد منهم تقع أولاً على من أناط به الإسلام كفالته، وهم الأصول والفروع.. فالآباء كافلون لأبنائهم لأنهم فروعهم، والأبناء كافلون لآبائهم لأنهم أصولهم، والأقارب، والأرحام يجب أن يكفل بعضهم بعضاً فكما يتوارثون فإنهم يتكافلون…
وعلى كل مسلم أن يقوم بما أوجبه الله عليه في ذلك. ويجب على الأمة والجماعة المسلمة مساعدة كافل العاجز والقائم بشأنه، وخاصة إذا عجز عن كفالته، والقيام بشأنه وخاصة من يحتاجون ويعتمدون في كل شؤونهم على غيرهم كالمشلول شللاً كاملاً الذي يحتاج إلى غيره في طعامه وشرابه، وطهوره، ولباسه وشأنه كله فإن عبء هذا عظيم وثقله كبير على من حوله .
كتاب المشوق في أحكام المعوق

Post: #470
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:42 PM
Parent: #469

كيف يمكن أن نجعل الدخول إلى الإنترنت سهلاً للمعاقين؟
أعلن اتحاد الشبكة العالمية والمعروف بالرمز W3C بوصفه المسؤول الأساسي عن وضع معايير الشبكة العالمية، أخيراً عن القواعد التي يجب أن تتبع عن تصميم صفحات الانترنت التي يدخلها الأشخاص من أصحاب الإعاقات.
والهدف الرئيسي من وراء ذلك هو التأكد من أن الاستخدام المتزايد للرسومات والفيديو والأصوات في مواقع الانترنت لن يستثني المستخدمين المصابين بإعاقات سمعية أو بصرية أو غيرها من الإعاقات على مستوى العالم أجمع.
وتقول جودي بروير مديرة مبادرة الاتحاد المتعلقة بإمكانيات الدخول إلى الشبكة: (إن الأهمية البالغة للشبكة العالمية كمصدر للمعلومات يجعل لزاماً علينا أن نتأكد من أنها لن توصد أبوابها أمام أي أحد). وتضيف: (وإذا لم تصمم مواقع الإنترنت بحيث يسهل التعامل معها من قبل ذوي الإعاقات، فمن المحتمل أن يخسر هؤلاء الناس فرص تعليم وعمل وتسلية وتجارة مختلفة).
وهذه القواعد هي عبارة عن توصيات طوعية ولا تمتلك أي سلطة قانونية، ولكن لكون التوصيات السابقة للإتحاد كبروتوكولات قد تم تبنيها على نطاق واسع، فإن بروير تأمل في أن تجد هذه القواعد التي كتبت لمصممي المواقع ولم يرغب في التعامل مع المواقع الخاصة بالمعوقين، على أربعة عشر مبدأ، ولعل أهمها ضرورة أن تحتوي المواقع على نصوص بديلة في حال استخدام صورة أو صوت، وتكمن أهمية ذلك لفاقدي البصر بشكل خاص. إذ أنهم غالباً ما يستخدمون برامج لقراءة النصوص التي تظهر على الشاشة أو ترجمتها إلى لغة بريل الخاصة بهم، حيث لا تستطيع هذه البرامج قراءة الصورة ووصفها.
وترى بروير كذلك أن المبرمجين الذين يعتمدون على استخدام الصوت لإيصال رسائل معينة في مواقعهم بدون إضافة نصوص، يمكنوا أن يفقدوا زبائن محتملين بسبب إصابتهم بمشاكل السمع.
وتغطي هذه التعليمات مجموعة أخرى من الأمور المهمة، إذ تنصح مصممي المواقع أن يراعوا في حالة استخدام أكثر من لغة في الموقع أن يتم تقديم هذه اللغات بطريقة يمكن فيها لبرامج الترجمة التي يستخدمها فاقدوا البصر العمل، وإلا أصبحت غامضة بالنسبة لهم.
وعلى كل حالة ليست تعليمات w3c هي الوحيدة في سبيل جعل صفحات الإنترنت سهلة الاستخدام من قبل المعوقين، إذ قدمت لجنة استشارية للحكومة الفيدرالية في الولايات المتحدة الأمريكية اقتراحاً بمعايير جديدة لوضع قانون جديد يطلب من ضمن أشياء كثيرة، من مواقع الإنترنت التي تخص الوكالات الفيدرالية بأن تكون صالحة للاستخدام من قبل المعوقين.
وقد تم وضع قواعد W3C من قبل ممثلين لمنظمات المعوقين وشركات الكمبيوتر والاتصالات ومجموعة أبحاث ووكالات حكومية، حيث استغرقت منهم سنة كاملة إلى إن خرجوا بها .
عن مجلة الحياة القطرية العدد 4 .عدد قديم

Post: #471
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:47 PM
Parent: #384

مسؤولية التربية
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ؛ خلق فسوّى ، وقدّر فهدى .
وإنما المقصود ألا يضعف الوالدان أمام الواجب وألا يستسلما للعاطفة أمام المصلحة الكبرى .
فماذا تنتظر من طفل تمنع الشفقة أباه أن يردَّ له خوفًا من صراخه فينطبع في نفسه أن الصراخ والبكاء هما الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد . ولذا نجد كثيرًا من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لا يجدون في والديهم إلا الإفراط في التدليل والشفقة ، أو في الإهمال واللامبالاة ؛ ففرّخ ذلك الميوعة والضعف والإنهزامية واللامبالاة .
إن تعويد الطفل على ضبط رغباته ، والتحكم في شهواته منذ صغره ، وتكلف المشقة التي يحتملها في التعود على بعض العبادات قبل بلوغه التكليف قد جاء الشرع به ؛ فهو يؤمر بالصلاة لسبعٍ ، ويُضرب عليها لعشر ، كما يؤمر بالصوم حتى يتعوده عند بلوغه .
يقول ابن القيم - رحمه الله - في المودود بأحكام المولود " :
(وينبغي لوليه أن يجنبه .. الكسل والبطالة والدعة والراحة ، بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجمّ نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ، ومغبة ندم ، وللجد والتعب عواقب حميدة ، إما في الدنيا وإما في العقبى ، وإما فيهما ؛ فأروح الناس أتعب الناس ، وأتعب الناس أروح الناس ، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى ، لا يُوصَلُ إليها إلا على جسر من التعب .
تصورات مغلوطة :
* يخطىء من يظن أن حُسْن التربية يقتصر على الطعام الطيب ، والشراب الهنيى والكسوة الفخمة ، والدراسة المتفوقة ، ولا يبالون بالتربية على الخُلُق الكريم والتدين الصادق .
* ويخطىء من الآباء من يتوهم أن المدرسة هي المكلفة بحمل هذه المسؤولية وحدها بعد أن وضعهم في مدرسة - ولو كانت مدرسة تقوم بهذا العبء وتقدره -
* ويخطىء كذلك من يعتقد أن مرحلة الطفولة ليست ذات تأثير كبير في الإنسان ، وتكونيه النفسي .
يا معشر الآباء والأمهات .. انتبهوا ...
إننا لا نجد تعبيراً عن أهمية وخطورة التربية المنزلية في المراحل الأولى أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] .
فمن أهم المهمات أن يغتنم الأبوان مرحلة الصِّغر التي يكون الطفل فيها سهلاًا سلسًا لينًا مُطيعًا ، ليجنيا ثمرة ذلك في ولدٍ صالحٍ ، يأخذ بأيدهما إلى الجنة حين ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث :
[ علم يُنتفع به ، أو صدقةٍ جارية ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له ] .
قال الغزالي - رحمه الله : -
" والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابلٌ لكل ما يُنقش ، ومائلٌ لكل ما يُمال إليه ، فإن عُوِّد الخبر وعُلِّمَه نشأ عليه وسُعِدَ في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل مُعلمٍ له ومؤدب " .
* إن الطفل يستطيع أن يميز بدءًا من الخامسة من عمره ، بل وقبل ذلك ، وهو في هذه السن وحتى يبلغ الحُلُم يكون أطوع ما يكون ، فإذا ضُيِّعتْ هذه الفرصة وتُركت هذه الصفحة البيضاء اسودّت بفعل المؤثرات السلبية المحيطة ، وأصبح القلب الأبيض أسود منكوسًا عنيدًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه ، وحينئذٍ يستيقظ الأبوان فزعين :
ماذا جرى ؟! .. مَنْ هذا الشيطان ؟! .. أين ذهب القلب البرىء ؟! ..
وماذا نفعل ؟ّ! .. كيف نقوّمُهُ ؟!
ولكن هيهات هيهات فقد شبَّ عن الطوق ، وخرج من دفْ المهد ، ويبس منه العظم والرأس ، وصدق فيه قول من قال :
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت
ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ
ومن قال :
إن الغلامَ مطيعٌ من يُؤدبه
ولا يُطيعكَ ذو سنِّ بتأديبِ
هل التربية هي التدليل ؟
مُرَكب النقص في الشخصية سببه أحد أمرين : الإفراط في التدليل ، أو الإفراط في الإذلال والكبت ؛ أما التدليل فلأن الطفل كثير الخطأ ، محتاج إلى ضبط سلوكه بصفة مستمرة ، تكون في كثير من الأحيان على خلاف مزاجه ، كما ان رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيء منها كما يُفطم عن ثدي أمه حين يكون أحبَّ شيء إليه .
إنك بالواقع والتجربة تجد الطفل المدلل الذي يجابه الحياة حين يصير رجلاًا ، إن كان سعيد الحظ ، واسع الرزق ، أعفته المسؤوليات ومواجهة المشكلات ، وإن اضطرته أقداره إلى الصراع من أجل حياته فإنه قلما يكون ناجحًا موفقًا معتمدًا على نفسه .
ولا أدل على ذلك من المشهد المتكرر حينما يولد طفل جديد على الطفل الذي كان متربعًا على عرش الأمومة وحده ، نجده يتعرض لصدمة نفسية إن لم يكن قد أُعدَّ إعدادًا حكيمًا لمثل هذا الموقف الصعب ، وإلا فسرعان ما يكظم في نفسه انفعال الاستياء ، ويعمد إلى التبول في الفراش والتأتاة ، وغيرؤ ذلك من أعراض الكبت الناجم عن المذلة النفسية التي قُدِّرت له .
كما يخطىء من يظن أن القسوة الشديدة هي مقصود التربية ؛ فيتجرد الأبوان من الشفقة والحنان - وليس ذلك ممكنًا أصلاً عند الأسوياء - فإن البهيمة ترفع رجلها عن ولدها خشية أن تصيبه وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
حديثنا اليوم حديث المجرب الملاحظ لظاهرة الأمومة الجادة ، وثمارها وآثارها في تكوين الطفل وشخصيته ونموه في مراحله الأولى بصفة خاصة ، في جوانبه الصحية .. والبدنية والعقلية .. السلوكية الإجتماعية .. الدراسية والتحصيلية .
* فنلمس أثر هذه المتابعة من الأمهات - مع تفاوتها من تلميذ لآخر - واضحًا في هذه الجوانب وغيرها ، مؤكدً على أهمية دور الأم .
* كما ان الواقع يؤكد أن الدور الأكثر فاعلية وتأثرًا من المتابعة للتلاميذ هي من جهة الأمهات .
* كما ان هذا ملائم لطبيعة المرأة وما فطرت عليه من الرأفة والحنان وهو من أهم حاجات الطفل في مراحله الأولى بصفة خاصة ؛ ولذا يكون تعلق الطفل بوالدته أضعاف تعلقه بوالده .

وقد أثبتت الدراسات أن الحب والحنان الذي تجود به الأم على ولدها بفطرتها له دور في نمو الطفل في جوانبه البدنية والنفسية والعقلية، وأن الحرمان من الأمومة ومعوضاتها له أثر عكسي .
* وهو من أهم وظائف المرأة وأدوارها وفقًا لما اختار الله لها [ فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ] ، ولذا جعل الشرع الحضانة حقًا للأم خاصة في مراحل الطفولة الأولى . جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسل فال : [ إن ابني ذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حِواء ، وثديي له سِقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني ] فقال صلى الله عليه وسلم [ أنت أحق به ما لم تنكحي ] رواه أحمد وبو داود . وهذا الحق يستتبعه شعور الأم بمسؤوليتها وقيامها بواجبها .
* فهذه أم هانىء حين خطبها النبي صلى الله عليهوسلم الت : [ يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعني ومن بصري وحق الزوج عظيم ؛فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأن ولدي ، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق زوجي ] وهنا امتدحها صلى الله عليه وسلم وشكر لها ذلك فقال : [ إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ؛ أحناه على ولدٍ في صغره ، وأرعاه على بعلٍ في ذات يده ] .
* وهذه ام سُليم رضي الله عنا إحدى السابقات إلى الإسلام لما قتل زوجها وكانت شابة حدثة قالت : ( لا أفطم أنسًا حتى يد الثدي ، ولا أتزوج حتى يجلس في المجالس ويأمرني ) فوفت بعهدها وبرت بولدها ، ثم لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وكبر أنس أرسلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه ويتعلم من أدب النبوة ويعلمها .

قال أنس : ( مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فسلم علينما ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له فجئت وقد أبطأت عن أمي ، فقالت : أين كنت ؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة فقالت : وما هي ؟ فقلت : إنها سر ، فقالت : " إي بني ، لا تحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكان أنس رضي الله عنه يعرف لها تلك المنة ويقول : (جزى الله أمي عني خيرًا ، لقد أحسنت ولايتي) .

هذه صور من الأمومة الجادة التي عرفت هدفها ومسؤوليتها في زمن الجد في عصور الإسلام الزاهية وصدق القائل :
الأم مدرسةٌ إذا إعددتها أعدت شعبًا طيب الأعراقِ
وفي المقابل ...
* صورة الأم المستهترة التي تخلت عن دورها ومسؤوليتها ، واعتقدت أنها قائمة بواجبها إن قدمت لهم الطعام والشراب والرعاية البدنية بواسطة الخادمة أو المربية ، مع أنها تحرم بذلك ولدها حنانها وعطفها ورعايتها بسبب كسلها وضعف همتها وسكونها إلى الراحة والدعة ، أو انشغالها بالخروج للأسواق والزيارات أو بأسباب اللهو من التلفاز والمجلات ، فلا ترى ولدها إلى عند الصباح والمساء ، وحين تراه يكون أشد تعلقًا بالخادمة مع قلة ما توليه الخادمة من الرعاية والعطف ولكنه لا يجد غيرها .

لا بديل للأم ..
* ولو أن هؤلاء المربيات والخادمات كن على مستوى من الأمانة والأهلية لهذه المهمة لهان الأمر ، إن الإنسان يبحث عن الحنان والعطف خاصة في مراحل ضعفه ، في طفولته وفي شيخوخته ، فإن لم يجدها في والد أو ولد بحث عنها عند غيرهما ، فإن لم يجدهخا عند البشر بحث عنها عند الحيوانات ؛ فقد جاء في تقرير نفسي : " إن هناك سبعة ملايين من الكلاب في فرنسا التي بلغ سكانها 52 مليونًا تعيش مع أصحابها ، ولم يعد غريبًا في مطاعم باريس أن يشاهد الكلب وصاحبه يتناولات الطعام على مائدة واحدة ! وحين سُئل الأطباء في جمعية رعاية الحيوان بباريس : لماذا يعامل الفرنسيون كلابهم مثلما يعاملون به أنفسهم . أجاب : لأنهم لا يعثرون على من يحبون " .
* إن المربية أو الخادمة بل إن المدرسة أو الروضة لا يمكن أن تكون بدائل للأم إلا عند ضرورة اليُتم وعندها يتولى الله الصالحين ، أما تخلي الأم عن وظيفتها فإنه اليُتم حقًا .

وصدق من قال :
وإذا النساء نشأن في أميــة رضع الرجال جهالة وخمولا
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلــــفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلــقى له أمّــــا تخلت او أبًا مشغولا
الشيخ فاروق الرحماني رحمه الله-اسلام ويب

Post: #472
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:50 PM
Parent: #384

مسؤولية التربية
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ؛ خلق فسوّى ، وقدّر فهدى .
وإنما المقصود ألا يضعف الوالدان أمام الواجب وألا يستسلما للعاطفة أمام المصلحة الكبرى .
فماذا تنتظر من طفل تمنع الشفقة أباه أن يردَّ له خوفًا من صراخه فينطبع في نفسه أن الصراخ والبكاء هما الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد . ولذا نجد كثيرًا من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لا يجدون في والديهم إلا الإفراط في التدليل والشفقة ، أو في الإهمال واللامبالاة ؛ ففرّخ ذلك الميوعة والضعف والإنهزامية واللامبالاة .
إن تعويد الطفل على ضبط رغباته ، والتحكم في شهواته منذ صغره ، وتكلف المشقة التي يحتملها في التعود على بعض العبادات قبل بلوغه التكليف قد جاء الشرع به ؛ فهو يؤمر بالصلاة لسبعٍ ، ويُضرب عليها لعشر ، كما يؤمر بالصوم حتى يتعوده عند بلوغه .
يقول ابن القيم - رحمه الله - في المودود بأحكام المولود " :
(وينبغي لوليه أن يجنبه .. الكسل والبطالة والدعة والراحة ، بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجمّ نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ، ومغبة ندم ، وللجد والتعب عواقب حميدة ، إما في الدنيا وإما في العقبى ، وإما فيهما ؛ فأروح الناس أتعب الناس ، وأتعب الناس أروح الناس ، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى ، لا يُوصَلُ إليها إلا على جسر من التعب .
تصورات مغلوطة :
* يخطىء من يظن أن حُسْن التربية يقتصر على الطعام الطيب ، والشراب الهنيى والكسوة الفخمة ، والدراسة المتفوقة ، ولا يبالون بالتربية على الخُلُق الكريم والتدين الصادق .
* ويخطىء من الآباء من يتوهم أن المدرسة هي المكلفة بحمل هذه المسؤولية وحدها بعد أن وضعهم في مدرسة - ولو كانت مدرسة تقوم بهذا العبء وتقدره -
* ويخطىء كذلك من يعتقد أن مرحلة الطفولة ليست ذات تأثير كبير في الإنسان ، وتكونيه النفسي .
يا معشر الآباء والأمهات .. انتبهوا ...
إننا لا نجد تعبيراً عن أهمية وخطورة التربية المنزلية في المراحل الأولى أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] .
فمن أهم المهمات أن يغتنم الأبوان مرحلة الصِّغر التي يكون الطفل فيها سهلاًا سلسًا لينًا مُطيعًا ، ليجنيا ثمرة ذلك في ولدٍ صالحٍ ، يأخذ بأيدهما إلى الجنة حين ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث :
[ علم يُنتفع به ، أو صدقةٍ جارية ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له ] .
قال الغزالي - رحمه الله : -
" والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابلٌ لكل ما يُنقش ، ومائلٌ لكل ما يُمال إليه ، فإن عُوِّد الخبر وعُلِّمَه نشأ عليه وسُعِدَ في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل مُعلمٍ له ومؤدب " .
* إن الطفل يستطيع أن يميز بدءًا من الخامسة من عمره ، بل وقبل ذلك ، وهو في هذه السن وحتى يبلغ الحُلُم يكون أطوع ما يكون ، فإذا ضُيِّعتْ هذه الفرصة وتُركت هذه الصفحة البيضاء اسودّت بفعل المؤثرات السلبية المحيطة ، وأصبح القلب الأبيض أسود منكوسًا عنيدًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه ، وحينئذٍ يستيقظ الأبوان فزعين :
ماذا جرى ؟! .. مَنْ هذا الشيطان ؟! .. أين ذهب القلب البرىء ؟! ..
وماذا نفعل ؟ّ! .. كيف نقوّمُهُ ؟!
ولكن هيهات هيهات فقد شبَّ عن الطوق ، وخرج من دفْ المهد ، ويبس منه العظم والرأس ، وصدق فيه قول من قال :
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت
ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ
ومن قال :
إن الغلامَ مطيعٌ من يُؤدبه
ولا يُطيعكَ ذو سنِّ بتأديبِ
هل التربية هي التدليل ؟
مُرَكب النقص في الشخصية سببه أحد أمرين : الإفراط في التدليل ، أو الإفراط في الإذلال والكبت ؛ أما التدليل فلأن الطفل كثير الخطأ ، محتاج إلى ضبط سلوكه بصفة مستمرة ، تكون في كثير من الأحيان على خلاف مزاجه ، كما ان رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيء منها كما يُفطم عن ثدي أمه حين يكون أحبَّ شيء إليه .
إنك بالواقع والتجربة تجد الطفل المدلل الذي يجابه الحياة حين يصير رجلاًا ، إن كان سعيد الحظ ، واسع الرزق ، أعفته المسؤوليات ومواجهة المشكلات ، وإن اضطرته أقداره إلى الصراع من أجل حياته فإنه قلما يكون ناجحًا موفقًا معتمدًا على نفسه .
ولا أدل على ذلك من المشهد المتكرر حينما يولد طفل جديد على الطفل الذي كان متربعًا على عرش الأمومة وحده ، نجده يتعرض لصدمة نفسية إن لم يكن قد أُعدَّ إعدادًا حكيمًا لمثل هذا الموقف الصعب ، وإلا فسرعان ما يكظم في نفسه انفعال الاستياء ، ويعمد إلى التبول في الفراش والتأتاة ، وغيرؤ ذلك من أعراض الكبت الناجم عن المذلة النفسية التي قُدِّرت له .
كما يخطىء من يظن أن القسوة الشديدة هي مقصود التربية ؛ فيتجرد الأبوان من الشفقة والحنان - وليس ذلك ممكنًا أصلاً عند الأسوياء - فإن البهيمة ترفع رجلها عن ولدها خشية أن تصيبه وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
حديثنا اليوم حديث المجرب الملاحظ لظاهرة الأمومة الجادة ، وثمارها وآثارها في تكوين الطفل وشخصيته ونموه في مراحله الأولى بصفة خاصة ، في جوانبه الصحية .. والبدنية والعقلية .. السلوكية الإجتماعية .. الدراسية والتحصيلية .
* فنلمس أثر هذه المتابعة من الأمهات - مع تفاوتها من تلميذ لآخر - واضحًا في هذه الجوانب وغيرها ، مؤكدً على أهمية دور الأم .
* كما ان الواقع يؤكد أن الدور الأكثر فاعلية وتأثرًا من المتابعة للتلاميذ هي من جهة الأمهات .
* كما ان هذا ملائم لطبيعة المرأة وما فطرت عليه من الرأفة والحنان وهو من أهم حاجات الطفل في مراحله الأولى بصفة خاصة ؛ ولذا يكون تعلق الطفل بوالدته أضعاف تعلقه بوالده .

وقد أثبتت الدراسات أن الحب والحنان الذي تجود به الأم على ولدها بفطرتها له دور في نمو الطفل في جوانبه البدنية والنفسية والعقلية، وأن الحرمان من الأمومة ومعوضاتها له أثر عكسي .
* وهو من أهم وظائف المرأة وأدوارها وفقًا لما اختار الله لها [ فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ] ، ولذا جعل الشرع الحضانة حقًا للأم خاصة في مراحل الطفولة الأولى . جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسل فال : [ إن ابني ذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حِواء ، وثديي له سِقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني ] فقال صلى الله عليه وسلم [ أنت أحق به ما لم تنكحي ] رواه أحمد وبو داود . وهذا الحق يستتبعه شعور الأم بمسؤوليتها وقيامها بواجبها .
* فهذه أم هانىء حين خطبها النبي صلى الله عليهوسلم الت : [ يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعني ومن بصري وحق الزوج عظيم ؛فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأن ولدي ، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق زوجي ] وهنا امتدحها صلى الله عليه وسلم وشكر لها ذلك فقال : [ إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ؛ أحناه على ولدٍ في صغره ، وأرعاه على بعلٍ في ذات يده ] .
* وهذه ام سُليم رضي الله عنا إحدى السابقات إلى الإسلام لما قتل زوجها وكانت شابة حدثة قالت : ( لا أفطم أنسًا حتى يد الثدي ، ولا أتزوج حتى يجلس في المجالس ويأمرني ) فوفت بعهدها وبرت بولدها ، ثم لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وكبر أنس أرسلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه ويتعلم من أدب النبوة ويعلمها .

قال أنس : ( مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فسلم علينما ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له فجئت وقد أبطأت عن أمي ، فقالت : أين كنت ؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة فقالت : وما هي ؟ فقلت : إنها سر ، فقالت : " إي بني ، لا تحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكان أنس رضي الله عنه يعرف لها تلك المنة ويقول : (جزى الله أمي عني خيرًا ، لقد أحسنت ولايتي) .

هذه صور من الأمومة الجادة التي عرفت هدفها ومسؤوليتها في زمن الجد في عصور الإسلام الزاهية وصدق القائل :
الأم مدرسةٌ إذا إعددتها أعدت شعبًا طيب الأعراقِ
وفي المقابل ...
* صورة الأم المستهترة التي تخلت عن دورها ومسؤوليتها ، واعتقدت أنها قائمة بواجبها إن قدمت لهم الطعام والشراب والرعاية البدنية بواسطة الخادمة أو المربية ، مع أنها تحرم بذلك ولدها حنانها وعطفها ورعايتها بسبب كسلها وضعف همتها وسكونها إلى الراحة والدعة ، أو انشغالها بالخروج للأسواق والزيارات أو بأسباب اللهو من التلفاز والمجلات ، فلا ترى ولدها إلى عند الصباح والمساء ، وحين تراه يكون أشد تعلقًا بالخادمة مع قلة ما توليه الخادمة من الرعاية والعطف ولكنه لا يجد غيرها .

لا بديل للأم ..
* ولو أن هؤلاء المربيات والخادمات كن على مستوى من الأمانة والأهلية لهذه المهمة لهان الأمر ، إن الإنسان يبحث عن الحنان والعطف خاصة في مراحل ضعفه ، في طفولته وفي شيخوخته ، فإن لم يجدها في والد أو ولد بحث عنها عند غيرهما ، فإن لم يجدهخا عند البشر بحث عنها عند الحيوانات ؛ فقد جاء في تقرير نفسي : " إن هناك سبعة ملايين من الكلاب في فرنسا التي بلغ سكانها 52 مليونًا تعيش مع أصحابها ، ولم يعد غريبًا في مطاعم باريس أن يشاهد الكلب وصاحبه يتناولات الطعام على مائدة واحدة ! وحين سُئل الأطباء في جمعية رعاية الحيوان بباريس : لماذا يعامل الفرنسيون كلابهم مثلما يعاملون به أنفسهم . أجاب : لأنهم لا يعثرون على من يحبون " .
* إن المربية أو الخادمة بل إن المدرسة أو الروضة لا يمكن أن تكون بدائل للأم إلا عند ضرورة اليُتم وعندها يتولى الله الصالحين ، أما تخلي الأم عن وظيفتها فإنه اليُتم حقًا .

وصدق من قال :
وإذا النساء نشأن في أميــة رضع الرجال جهالة وخمولا
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلــــفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلــقى له أمّــــا تخلت او أبًا مشغولا
المعوقات :
1- التلفزيون
قال عبد الله بن كثير السدي رحمه الله في الآية الكريمة : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ... )
" هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه " .
إننا نهدم كل ما بنيناه في أبنائنا من الفضائل والأخلاق حينما نضعهم أمام لهب البرامج المدمرة والأفكار المنحرفة ، في مرحلة يسعى الأطفال فيها إلى فهم العالم من حولهم ، وإدراك بدايات الأخلاق والمعارف والقيم باعتبار هذه البرامج والأفكار مصدرًا للمعلومات .
إننا - معاشر الكبار - لا نستطيع أن ننكر تأثيره فينا ، مع أن الكبار يشاهدونه بغرض الترفيه والتسلية . وعلى الرغم من أنهم ينتقدون مواده وأفكاره أحيانًا .
ففي واحدة من الدراسات الغربية التي تناولت هذا التأثير ومن خلال استبانة أُجريت على ألفين من المشاهدين ترددت بكثافة عبارات مثل : أحس أنني منوم مغناطيسيًا ومسلوب الإرادة / أنه يمتص طاقتي / إنه يغسل دماغي / أحس بالبلاهة عندما أكون ملتصقًا هناك أمام الشاشة / أنه يبعثرني / التلفزيون إدمان وأنا مدمن / أحس بأولادي مسلوبي الإرادة أثناء التفرج / إنه يحكم عقلي / إنه يجعل الناس أغبياء / إنه يحتل عقلي / إنه يجعل العقل كالمهلبية - لا شكل له - / كيف يمكنني أن أبعد أبنائي عنه وأعيدهم إلى الحياة الطبيعية .
هذا ، تأثيره على الكبار البالغين الذين يعلمون بأن كثيرًا من مشاهده من الخدع والأوهام والخرافات ؛ فما بالنا بالأطفال الأبرياء .
مظاهر تأثير التلفزيون الفكري والانفعالي على الأطفال :
أ. على مستوى العقيدة والفكر :
من خلال سيطرة السوق الأمريكية واليابانية على مسلسلات وأفلام الصغار ينعكس الاعتقاد في قوة الشمس والطبيعة والصليب وغيرها ؛ بل إن المسلسل يتضمن أحيانًا أكثر من رب ن هذا بالإضافة إلى تشويه مسيرة الإسلام وقيمه من خلال المواد المعروضة .
ب . على مستوى الأخلاق :
1. القيم السلبية
في بحث كتبه جون كوندري حول التلفزيون والطفل الأمريكي أكد أن البيئة القيمية للتلفزيون يشوبها الخلل بنفس القدر الذي يشوب البيئة الفكرية . ومن خلال ما تطرحه الإعلانات التلفزيونية كانت قيم السيطرة والنفعية والأناقة والتميز الاجتماعي من أكثرها ورودًا ، وكانت قيم الشجاعة والتسامح من أقلها ورودًا ؛ هذا بالإضافة إلى تحريف الحقائق والقيم حول الجريمة والعقاب .
وفي نهاية البحث يقول جون كوندري : إن التلفزيون لا يمكن أن يكون مفيدًا كمصدر للمعلومات للأطفال ؛ بأ إنه يمكن أن يمثل مصدرًا خطرًا للمعلومات ؛ فهو يقدم أفكارًا تتسم بالزيف والبعد عن الواقعية ، وهو لا يملك نسق قيم متماسكًا ، بخلاف تعميقه للنزعة الاستهلاكية . وهو لا يقدم سوى قدر محدود من المعلومات عن الذات ، وذلك كله يجعل من التلفزيون أداة رديئة للتكيف الاجتماعي .
2. الجنس :
كثير من الأطفال في بداية سن المراهقة أو قبلها بقليل يشاهدون التلفزيون على أنه مصدر للمعلومات حول السلوك الجنسي ؛ خاصة عند إحجام الوالدين عن التحدث مع أبنائهم حول أمور الجنس .
إنه يصور الجنس على نحو زائف ومحرف ، وعلى وجه حيواني لا يراعي قيمًا ولا مُثلاً ولا آدابًا .
3. العنف :
أحصت إحدى المجلات الفرنسية مشاهد العنف التي رآها المشاهدون خلال أسبوع واحد من شهر أكتوبر 88 ، فكانت كالتالي :
670 جريمة قتل ، 15 حالة اغتصاب ، 848 مشاجرة ، 419 حالة تراشق بالرصاص أو انفجار ، 14 حالة خطف أو سرقة ، 32 حالة احتجاز رهائن ، 27 مشهد تعذيب ، علمًا أنه لم يؤخذ بالحسبان مشاهد العنف النفسي أو اللفظي أو الإيجابي . والدراسات الغربية كافة تؤكد أن الذين يقومون بالأعمال العدوانية هم من المدمنين على مشاهدة برامج التلفزيون العنيفة ؛ بكل أثبت باحثان أمريكيان أن معدل انتحار المراهقين ازداد بنسبة 13.5% لدى الفتيات و 5.2% لدى الصبيان خلال الأيام التي تعقب الإشارة أو الإعلان عن وقوع حالة انتحار في الأخبار المصورة أو في أحد الأفلام .
4. سارق الوقت :
هذا عنوان الدراسة التي كتبها جون كوندري حول التلفزيون والطفل الأمريكي ، ذكر فيها أنه فيما قبل التلفزيون كان أغلب الأطفال يمضون أوقاتهم في ملاحظة الأفراد ، يتعلمون المهارات والمواقف الضرورية التي تتناسب مع المجتمع ، فيكتسبون معرفة بالعالم الحقيقي الذي يعيشون فيه .
ثم تغير الوضع فأصبح الأطفال يمضون نحو 40 ساعة كل أسبوع في مشاهدة التلفزيون . وعندما نضيف لذلك أربعين ساعة أخرى تأخذها المدرسة فلن يبقى لهم سوى 32 ساعة للتفاعل مع نظرائهم وأسرهم . فكيف يتعلمون الحياة ؟!
إذن كيف يتعلم الصغار من الصورة التلفزيونية ؟
الأطفال يحبون التلفزيون ، وذلك أمر بديهي ، فالصورة التي تلتقطها العين تمارس سحرًا هو أبلغ من الكلمة المقروءة أو المسموعة مهما كان المضمون الذي تنطوي عليه الصورة ومهما كان الطفل صغيرًا .
( إن الطفل - ومنذ سن مبكرة جدًا - قادر على إدراك معنى الصورة والتأثر بها ) وبرهام ذلك هو هذه التجربة التي أنجزها أندريو ملتزوف من جامعة واشنطن ، فلقد وضع أربعين طفلاً لا يتجاوز عمر كل منهم السنة أمام شاحنة تتحرك فيها دمية شخص كبري ، فتؤدي بعض الحركات المحددة ، ثم أعطى اللعبة المعنية إلى نصف الأطفال ولم يعط الآخرين اللعبة إلا بعد أربع وعشرين ساعة لاحقة ، دون أن يشاهدوا الصورة التلفزيونية مرة أخرى في هذه الأثناء ، وتبين بالمقارنة مع مجموعات لم تر التلفزيون أن النسبة المئوية للمشاهدين للتلفزيون الذين قلدوا حركات الأنموذج كانت ذات مغزى .
الصغار يتعلمون بلا خيار منهم :
ليس للأطفال خيار عند وجودهم أمام (هذا الصندوق) إلىأن يتجرعوا ما أراد آباؤهم من السموم .
وقد أحصى المركز الدولي للطفولة أربع صور يتعلم بها الطفل من التلفزيون وهي :
- التقليد : وفيها يتقمص الطفل الشخصية التي يقلد تصرفاتها أو يتبنى آراءها (عملية إرادية).
- التشبع : وفيها يكون التقليد والتمثل بطريقة غير إرادية .
- تبدد التثبيط : بتشجيع صور تلفزيونية معينة انتقال الطفل إلى مرحلة الفعل .
- تبدد التحسيس : فبالتكييف مع الأحداث العنيفة نتيجة تكرارها ، يألفها الطفل بعد ذلك فتصبح عادية .
وبعد :
فيا أيها الآباء والأمهات : هذه تقارير بحوث في أمم لا تؤمن بالله ربًا ولا بالإسلام دينًا ، ومع ذلك تستشعر الخطر في هذا الجهاز ، فكيف إذا كان الخطر نفسه في أمة تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله خاصة بعد وجود "الدش" و "الكيبل" الذي لم يترك فرقًا بين عربي ولا أعجمي .
فكيف يتم لك المرتقى
إذا كنت تبني وهم يهدمون
الشيخ فاروق الرحماني رحمه الله-اسلام ويب

Post: #473
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 12:52 PM
Parent: #384

مسؤولية التربية
الحمد لله الذي أحسن كل شيء خلقه ، وبدأ خلق الإنسان من طين ، ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ، وأشهد أن لا إله إلا اله وحده لا شريك له ؛ خلق فسوّى ، وقدّر فهدى .
وإنما المقصود ألا يضعف الوالدان أمام الواجب وألا يستسلما للعاطفة أمام المصلحة الكبرى .
فماذا تنتظر من طفل تمنع الشفقة أباه أن يردَّ له خوفًا من صراخه فينطبع في نفسه أن الصراخ والبكاء هما الوسيلة إلى الوصول إلى ما يريد . ولذا نجد كثيرًا من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لا يجدون في والديهم إلا الإفراط في التدليل والشفقة ، أو في الإهمال واللامبالاة ؛ ففرّخ ذلك الميوعة والضعف والإنهزامية واللامبالاة .
إن تعويد الطفل على ضبط رغباته ، والتحكم في شهواته منذ صغره ، وتكلف المشقة التي يحتملها في التعود على بعض العبادات قبل بلوغه التكليف قد جاء الشرع به ؛ فهو يؤمر بالصلاة لسبعٍ ، ويُضرب عليها لعشر ، كما يؤمر بالصوم حتى يتعوده عند بلوغه .
يقول ابن القيم - رحمه الله - في المودود بأحكام المولود " :
(وينبغي لوليه أن يجنبه .. الكسل والبطالة والدعة والراحة ، بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجمّ نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ، ومغبة ندم ، وللجد والتعب عواقب حميدة ، إما في الدنيا وإما في العقبى ، وإما فيهما ؛ فأروح الناس أتعب الناس ، وأتعب الناس أروح الناس ، فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى ، لا يُوصَلُ إليها إلا على جسر من التعب .
تصورات مغلوطة :
* يخطىء من يظن أن حُسْن التربية يقتصر على الطعام الطيب ، والشراب الهنيى والكسوة الفخمة ، والدراسة المتفوقة ، ولا يبالون بالتربية على الخُلُق الكريم والتدين الصادق .
* ويخطىء من الآباء من يتوهم أن المدرسة هي المكلفة بحمل هذه المسؤولية وحدها بعد أن وضعهم في مدرسة - ولو كانت مدرسة تقوم بهذا العبء وتقدره -
* ويخطىء كذلك من يعتقد أن مرحلة الطفولة ليست ذات تأثير كبير في الإنسان ، وتكونيه النفسي .
يا معشر الآباء والأمهات .. انتبهوا ...
إننا لا نجد تعبيراً عن أهمية وخطورة التربية المنزلية في المراحل الأولى أبلغ من قوله صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه ] .
فمن أهم المهمات أن يغتنم الأبوان مرحلة الصِّغر التي يكون الطفل فيها سهلاًا سلسًا لينًا مُطيعًا ، ليجنيا ثمرة ذلك في ولدٍ صالحٍ ، يأخذ بأيدهما إلى الجنة حين ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث :
[ علم يُنتفع به ، أو صدقةٍ جارية ، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له ] .
قال الغزالي - رحمه الله : -
" والصبي أمانة عند والديه ، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذَجة خالية من كل نقش وصورة ، وهو قابلٌ لكل ما يُنقش ، ومائلٌ لكل ما يُمال إليه ، فإن عُوِّد الخبر وعُلِّمَه نشأ عليه وسُعِدَ في الدنيا والآخرة وشاركه في ثوابه كل مُعلمٍ له ومؤدب " .
* إن الطفل يستطيع أن يميز بدءًا من الخامسة من عمره ، بل وقبل ذلك ، وهو في هذه السن وحتى يبلغ الحُلُم يكون أطوع ما يكون ، فإذا ضُيِّعتْ هذه الفرصة وتُركت هذه الصفحة البيضاء اسودّت بفعل المؤثرات السلبية المحيطة ، وأصبح القلب الأبيض أسود منكوسًا عنيدًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشرب من هواه ، وحينئذٍ يستيقظ الأبوان فزعين :
ماذا جرى ؟! .. مَنْ هذا الشيطان ؟! .. أين ذهب القلب البرىء ؟! ..
وماذا نفعل ؟ّ! .. كيف نقوّمُهُ ؟!
ولكن هيهات هيهات فقد شبَّ عن الطوق ، وخرج من دفْ المهد ، ويبس منه العظم والرأس ، وصدق فيه قول من قال :
إن الغصون إذا قوَّمتها اعتدلت
ولن تلين إذا قوّمتها الخُشُبُ
ومن قال :
إن الغلامَ مطيعٌ من يُؤدبه
ولا يُطيعكَ ذو سنِّ بتأديبِ
هل التربية هي التدليل ؟
مُرَكب النقص في الشخصية سببه أحد أمرين : الإفراط في التدليل ، أو الإفراط في الإذلال والكبت ؛ أما التدليل فلأن الطفل كثير الخطأ ، محتاج إلى ضبط سلوكه بصفة مستمرة ، تكون في كثير من الأحيان على خلاف مزاجه ، كما ان رغبات الطفل لا حدود لها ولا بد من فطامه عن السيء منها كما يُفطم عن ثدي أمه حين يكون أحبَّ شيء إليه .
إنك بالواقع والتجربة تجد الطفل المدلل الذي يجابه الحياة حين يصير رجلاًا ، إن كان سعيد الحظ ، واسع الرزق ، أعفته المسؤوليات ومواجهة المشكلات ، وإن اضطرته أقداره إلى الصراع من أجل حياته فإنه قلما يكون ناجحًا موفقًا معتمدًا على نفسه .
ولا أدل على ذلك من المشهد المتكرر حينما يولد طفل جديد على الطفل الذي كان متربعًا على عرش الأمومة وحده ، نجده يتعرض لصدمة نفسية إن لم يكن قد أُعدَّ إعدادًا حكيمًا لمثل هذا الموقف الصعب ، وإلا فسرعان ما يكظم في نفسه انفعال الاستياء ، ويعمد إلى التبول في الفراش والتأتاة ، وغيرؤ ذلك من أعراض الكبت الناجم عن المذلة النفسية التي قُدِّرت له .
كما يخطىء من يظن أن القسوة الشديدة هي مقصود التربية ؛ فيتجرد الأبوان من الشفقة والحنان - وليس ذلك ممكنًا أصلاً عند الأسوياء - فإن البهيمة ترفع رجلها عن ولدها خشية أن تصيبه وإنما يرحم الله من عباده الرحماء
حديثنا اليوم حديث المجرب الملاحظ لظاهرة الأمومة الجادة ، وثمارها وآثارها في تكوين الطفل وشخصيته ونموه في مراحله الأولى بصفة خاصة ، في جوانبه الصحية .. والبدنية والعقلية .. السلوكية الإجتماعية .. الدراسية والتحصيلية .
* فنلمس أثر هذه المتابعة من الأمهات - مع تفاوتها من تلميذ لآخر - واضحًا في هذه الجوانب وغيرها ، مؤكدً على أهمية دور الأم .
* كما ان الواقع يؤكد أن الدور الأكثر فاعلية وتأثرًا من المتابعة للتلاميذ هي من جهة الأمهات .
* كما ان هذا ملائم لطبيعة المرأة وما فطرت عليه من الرأفة والحنان وهو من أهم حاجات الطفل في مراحله الأولى بصفة خاصة ؛ ولذا يكون تعلق الطفل بوالدته أضعاف تعلقه بوالده .

وقد أثبتت الدراسات أن الحب والحنان الذي تجود به الأم على ولدها بفطرتها له دور في نمو الطفل في جوانبه البدنية والنفسية والعقلية، وأن الحرمان من الأمومة ومعوضاتها له أثر عكسي .
* وهو من أهم وظائف المرأة وأدوارها وفقًا لما اختار الله لها [ فالمرأة راعية في بيت زوجها وهي مسؤولة عن رعيتها ] ، ولذا جعل الشرع الحضانة حقًا للأم خاصة في مراحل الطفولة الأولى . جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسل فال : [ إن ابني ذا كان بطني له وعاء ، وحجري له حِواء ، وثديي له سِقاء ، وزعم أبوه أنه ينزعه مني ] فقال صلى الله عليه وسلم [ أنت أحق به ما لم تنكحي ] رواه أحمد وبو داود . وهذا الحق يستتبعه شعور الأم بمسؤوليتها وقيامها بواجبها .
* فهذه أم هانىء حين خطبها النبي صلى الله عليهوسلم الت : [ يا رسول الله لأنت أحب إليّ من سمعني ومن بصري وحق الزوج عظيم ؛فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأن ولدي ، وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق زوجي ] وهنا امتدحها صلى الله عليه وسلم وشكر لها ذلك فقال : [ إن خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ؛ أحناه على ولدٍ في صغره ، وأرعاه على بعلٍ في ذات يده ] .
* وهذه ام سُليم رضي الله عنا إحدى السابقات إلى الإسلام لما قتل زوجها وكانت شابة حدثة قالت : ( لا أفطم أنسًا حتى يد الثدي ، ولا أتزوج حتى يجلس في المجالس ويأمرني ) فوفت بعهدها وبرت بولدها ، ثم لما قدم صلى الله عليه وسلم المدينة وكبر أنس أرسلت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخدمه ويتعلم من أدب النبوة ويعلمها .

قال أنس : ( مرَّ بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ألعب مع الصبيان فسلم علينما ثم دعاني فبعثني إلى حاجة له فجئت وقد أبطأت عن أمي ، فقالت : أين كنت ؟ فقلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجة فقالت : وما هي ؟ فقلت : إنها سر ، فقالت : " إي بني ، لا تحدث بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم " فكان أنس رضي الله عنه يعرف لها تلك المنة ويقول : (جزى الله أمي عني خيرًا ، لقد أحسنت ولايتي) .

هذه صور من الأمومة الجادة التي عرفت هدفها ومسؤوليتها في زمن الجد في عصور الإسلام الزاهية وصدق القائل :
الأم مدرسةٌ إذا إعددتها أعدت شعبًا طيب الأعراقِ
وفي المقابل ...
* صورة الأم المستهترة التي تخلت عن دورها ومسؤوليتها ، واعتقدت أنها قائمة بواجبها إن قدمت لهم الطعام والشراب والرعاية البدنية بواسطة الخادمة أو المربية ، مع أنها تحرم بذلك ولدها حنانها وعطفها ورعايتها بسبب كسلها وضعف همتها وسكونها إلى الراحة والدعة ، أو انشغالها بالخروج للأسواق والزيارات أو بأسباب اللهو من التلفاز والمجلات ، فلا ترى ولدها إلى عند الصباح والمساء ، وحين تراه يكون أشد تعلقًا بالخادمة مع قلة ما توليه الخادمة من الرعاية والعطف ولكنه لا يجد غيرها .

لا بديل للأم ..
* ولو أن هؤلاء المربيات والخادمات كن على مستوى من الأمانة والأهلية لهذه المهمة لهان الأمر ، إن الإنسان يبحث عن الحنان والعطف خاصة في مراحل ضعفه ، في طفولته وفي شيخوخته ، فإن لم يجدها في والد أو ولد بحث عنها عند غيرهما ، فإن لم يجدهخا عند البشر بحث عنها عند الحيوانات ؛ فقد جاء في تقرير نفسي : " إن هناك سبعة ملايين من الكلاب في فرنسا التي بلغ سكانها 52 مليونًا تعيش مع أصحابها ، ولم يعد غريبًا في مطاعم باريس أن يشاهد الكلب وصاحبه يتناولات الطعام على مائدة واحدة ! وحين سُئل الأطباء في جمعية رعاية الحيوان بباريس : لماذا يعامل الفرنسيون كلابهم مثلما يعاملون به أنفسهم . أجاب : لأنهم لا يعثرون على من يحبون " .
* إن المربية أو الخادمة بل إن المدرسة أو الروضة لا يمكن أن تكون بدائل للأم إلا عند ضرورة اليُتم وعندها يتولى الله الصالحين ، أما تخلي الأم عن وظيفتها فإنه اليُتم حقًا .

وصدق من قال :
وإذا النساء نشأن في أميــة رضع الرجال جهالة وخمولا
ليس اليتيم من انتهى أبواه من هم الحياة وخلــــفاه ذليلا
إن اليتيم هو الذي تلــقى له أمّــــا تخلت او أبًا مشغولا
المعوقات :
1- التلفزيون
قال عبد الله بن كثير السدي رحمه الله في الآية الكريمة : ( ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها ... )
" هذه امرأة خرقاء كانت بمكة كلما غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه " .
إننا نهدم كل ما بنيناه في أبنائنا من الفضائل والأخلاق حينما نضعهم أمام لهب البرامج المدمرة والأفكار المنحرفة ، في مرحلة يسعى الأطفال فيها إلى فهم العالم من حولهم ، وإدراك بدايات الأخلاق والمعارف والقيم باعتبار هذه البرامج والأفكار مصدرًا للمعلومات .
إننا - معاشر الكبار - لا نستطيع أن ننكر تأثيره فينا ، مع أن الكبار يشاهدونه بغرض الترفيه والتسلية . وعلى الرغم من أنهم ينتقدون مواده وأفكاره أحيانًا .
ففي واحدة من الدراسات الغربية التي تناولت هذا التأثير ومن خلال استبانة أُجريت على ألفين من المشاهدين ترددت بكثافة عبارات مثل : أحس أنني منوم مغناطيسيًا ومسلوب الإرادة / أنه يمتص طاقتي / إنه يغسل دماغي / أحس بالبلاهة عندما أكون ملتصقًا هناك أمام الشاشة / أنه يبعثرني / التلفزيون إدمان وأنا مدمن / أحس بأولادي مسلوبي الإرادة أثناء التفرج / إنه يحكم عقلي / إنه يجعل الناس أغبياء / إنه يحتل عقلي / إنه يجعل العقل كالمهلبية - لا شكل له - / كيف يمكنني أن أبعد أبنائي عنه وأعيدهم إلى الحياة الطبيعية .
هذا ، تأثيره على الكبار البالغين الذين يعلمون بأن كثيرًا من مشاهده من الخدع والأوهام والخرافات ؛ فما بالنا بالأطفال الأبرياء .
مظاهر تأثير التلفزيون الفكري والانفعالي على الأطفال :
أ. على مستوى العقيدة والفكر :
من خلال سيطرة السوق الأمريكية واليابانية على مسلسلات وأفلام الصغار ينعكس الاعتقاد في قوة الشمس والطبيعة والصليب وغيرها ؛ بل إن المسلسل يتضمن أحيانًا أكثر من رب ن هذا بالإضافة إلى تشويه مسيرة الإسلام وقيمه من خلال المواد المعروضة .
ب . على مستوى الأخلاق :
1. القيم السلبية
في بحث كتبه جون كوندري حول التلفزيون والطفل الأمريكي أكد أن البيئة القيمية للتلفزيون يشوبها الخلل بنفس القدر الذي يشوب البيئة الفكرية . ومن خلال ما تطرحه الإعلانات التلفزيونية كانت قيم السيطرة والنفعية والأناقة والتميز الاجتماعي من أكثرها ورودًا ، وكانت قيم الشجاعة والتسامح من أقلها ورودًا ؛ هذا بالإضافة إلى تحريف الحقائق والقيم حول الجريمة والعقاب .
وفي نهاية البحث يقول جون كوندري : إن التلفزيون لا يمكن أن يكون مفيدًا كمصدر للمعلومات للأطفال ؛ بأ إنه يمكن أن يمثل مصدرًا خطرًا للمعلومات ؛ فهو يقدم أفكارًا تتسم بالزيف والبعد عن الواقعية ، وهو لا يملك نسق قيم متماسكًا ، بخلاف تعميقه للنزعة الاستهلاكية . وهو لا يقدم سوى قدر محدود من المعلومات عن الذات ، وذلك كله يجعل من التلفزيون أداة رديئة للتكيف الاجتماعي .
2. الجنس :
كثير من الأطفال في بداية سن المراهقة أو قبلها بقليل يشاهدون التلفزيون على أنه مصدر للمعلومات حول السلوك الجنسي ؛ خاصة عند إحجام الوالدين عن التحدث مع أبنائهم حول أمور الجنس .
إنه يصور الجنس على نحو زائف ومحرف ، وعلى وجه حيواني لا يراعي قيمًا ولا مُثلاً ولا آدابًا .
3. العنف :
أحصت إحدى المجلات الفرنسية مشاهد العنف التي رآها المشاهدون خلال أسبوع واحد من شهر أكتوبر 88 ، فكانت كالتالي :
670 جريمة قتل ، 15 حالة اغتصاب ، 848 مشاجرة ، 419 حالة تراشق بالرصاص أو انفجار ، 14 حالة خطف أو سرقة ، 32 حالة احتجاز رهائن ، 27 مشهد تعذيب ، علمًا أنه لم يؤخذ بالحسبان مشاهد العنف النفسي أو اللفظي أو الإيجابي . والدراسات الغربية كافة تؤكد أن الذين يقومون بالأعمال العدوانية هم من المدمنين على مشاهدة برامج التلفزيون العنيفة ؛ بكل أثبت باحثان أمريكيان أن معدل انتحار المراهقين ازداد بنسبة 13.5% لدى الفتيات و 5.2% لدى الصبيان خلال الأيام التي تعقب الإشارة أو الإعلان عن وقوع حالة انتحار في الأخبار المصورة أو في أحد الأفلام .
4. سارق الوقت :
هذا عنوان الدراسة التي كتبها جون كوندري حول التلفزيون والطفل الأمريكي ، ذكر فيها أنه فيما قبل التلفزيون كان أغلب الأطفال يمضون أوقاتهم في ملاحظة الأفراد ، يتعلمون المهارات والمواقف الضرورية التي تتناسب مع المجتمع ، فيكتسبون معرفة بالعالم الحقيقي الذي يعيشون فيه .
ثم تغير الوضع فأصبح الأطفال يمضون نحو 40 ساعة كل أسبوع في مشاهدة التلفزيون . وعندما نضيف لذلك أربعين ساعة أخرى تأخذها المدرسة فلن يبقى لهم سوى 32 ساعة للتفاعل مع نظرائهم وأسرهم . فكيف يتعلمون الحياة ؟!
إذن كيف يتعلم الصغار من الصورة التلفزيونية ؟
الأطفال يحبون التلفزيون ، وذلك أمر بديهي ، فالصورة التي تلتقطها العين تمارس سحرًا هو أبلغ من الكلمة المقروءة أو المسموعة مهما كان المضمون الذي تنطوي عليه الصورة ومهما كان الطفل صغيرًا .
( إن الطفل - ومنذ سن مبكرة جدًا - قادر على إدراك معنى الصورة والتأثر بها ) وبرهام ذلك هو هذه التجربة التي أنجزها أندريو ملتزوف من جامعة واشنطن ، فلقد وضع أربعين طفلاً لا يتجاوز عمر كل منهم السنة أمام شاحنة تتحرك فيها دمية شخص كبري ، فتؤدي بعض الحركات المحددة ، ثم أعطى اللعبة المعنية إلى نصف الأطفال ولم يعط الآخرين اللعبة إلا بعد أربع وعشرين ساعة لاحقة ، دون أن يشاهدوا الصورة التلفزيونية مرة أخرى في هذه الأثناء ، وتبين بالمقارنة مع مجموعات لم تر التلفزيون أن النسبة المئوية للمشاهدين للتلفزيون الذين قلدوا حركات الأنموذج كانت ذات مغزى .
الصغار يتعلمون بلا خيار منهم :
ليس للأطفال خيار عند وجودهم أمام (هذا الصندوق) إلىأن يتجرعوا ما أراد آباؤهم من السموم .
وقد أحصى المركز الدولي للطفولة أربع صور يتعلم بها الطفل من التلفزيون وهي :
- التقليد : وفيها يتقمص الطفل الشخصية التي يقلد تصرفاتها أو يتبنى آراءها (عملية إرادية).
- التشبع : وفيها يكون التقليد والتمثل بطريقة غير إرادية .
- تبدد التثبيط : بتشجيع صور تلفزيونية معينة انتقال الطفل إلى مرحلة الفعل .
- تبدد التحسيس : فبالتكييف مع الأحداث العنيفة نتيجة تكرارها ، يألفها الطفل بعد ذلك فتصبح عادية .
وبعد :
فيا أيها الآباء والأمهات : هذه تقارير بحوث في أمم لا تؤمن بالله ربًا ولا بالإسلام دينًا ، ومع ذلك تستشعر الخطر في هذا الجهاز ، فكيف إذا كان الخطر نفسه في أمة تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله خاصة بعد وجود "الدش" و "الكيبل" الذي لم يترك فرقًا بين عربي ولا أعجمي .
فكيف يتم لك المرتقى
إذا كنت تبني وهم يهدمون
المعوقات :
2 - الخادمة (المربية)
كان مقالنا السابق عن (التليفزيون) ، كعقبة في طريق التربية الإسلامية ، ومعوق من معوقاتها والتي يكون تأثيرها على الطفل في البيت في سنوات نشأته الأولى .
وقد اتفق علماء النفس والتربية على أن السنوات الأولى من حياة الإنسان هي مرحلة الصياغة الأساسية التي تُشكل شخصية الطفل .
وتتضح أهمية البيت أيضًا عندما نعرف أن أُسس السلوك الاجتماعي تُبنى في المنزل ، ويبقى هذا السلوك ثابتًا مدى العمر ، فيصبح أحد سمات الشخصية الثابتة ، وتنادي التربية الحديثة بأهمية الخبرات الأولى للأطفال ، وآثارها في تباين ميولهم واتجاهاتهم ؛ حيث يصبح من الصعوبة بمكان إزاحة بعض هذه الملامح مستقبلاً سواء كانت سوية ، أو غير سوية وتشير الدراسات إلى أن إزاحة الملامح غير السوية أكثر صعوبة من السويّة .
وقد مر معنا في أعداد سابقة دور الأبوين ، والأم بصفة خاصة في تربية الأبناء ، من حديث النبي صلى الله عليه وسلم : [ كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه] .
وقد جرى العُرفُ أن يعتمد الأطفال غير الراشدين وإلى خمسة عشر عامًا تقريبًا على البيت ، وبنوع خاص على الأم ، ولذا فإن تفاعل الطفل في سنوات نشأته الأولى بل وفي شهوره الأولى ، حيث يبدأ في تكوين علاقات اجتماعية بالمحيطين به منذ الشهر السادس .
ولأجل ذلك كان العرب يسترضعون لأبنائهم في ذوي الأصالة والنجابة والفصاحة من العرب ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يفخر بنسبه في الرضاع فيقول : [ أُسترضعتُ في بني سعد] .
وفرق كبير بين مرضعة حرة ، عزيزة شريفة ، أصيلة ، نجيبة ، فصيحة ، تُرضعُ قيم المروءة ، والشجاعة ، والنجدة ، والكرم وغيرها من الخصال والطباع المحمودة ، وبين خادمة (مربية) ذليلة ، مهينة حزينة ، محرومة ، جاهلة ، أو كافرة حاقدة ، فاسدة مفسدة ، شلاَّء العقل واللسان .
وفرق أكبر وأكبر بين مرضعة يحل رضاعها ، ويحرم ما يحله ويحرمه النسب تكتسب الأمومة ودوافعها في الحنان والعطف على رضيعها ، وبين خادمة موظفة لا تدخل العواطف عندها ضمن صفقة الوظيفة .
إننا نلاحظ الآثار السلبية السيئة التي يفرزها هذا المرض الداخلي العُضال على المجتمع الخليجي ، خاصة ، حتى سارع مكتب التربية العربي لدول الخليج إلى توجيه كتاب إلى مجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية في الدول العربية الخليجية في دورته الرابعة بالرياض (يناير 1982م) والذي نظم بدوره ندوة علمية حول أثر المربيات الأجنبيات على تقاليد الأسرة المسلمة في منطقة الخليج ، ناقشت المخاطر الناجمة عن الآثار الاجتماعية والدينية والثقافية والتربوية للمربيات الأجنبيات على المجتمع الإسلامي .
مخاطر الخادمات (المربيات)
أولاً : على العقيدة :
يولد الطفل على الفطرة ، ويستصحبها ، وهو يتأثر بما حوله منذ ولادته ، حتى إنه ليستحب التأذين في أذنه اليمنى والإقامة في أذنه اليسرى ، وفي هذا المعنى يقول ابن القيم - رحمه الله : (... وغير مستنكر وصول أثر التأذين إلى قلبه ، وتأثره به ، وإن لم يشعر ، مع ما في ذلك من فائدة أخرى ، وهو أن تكون دعوته إلى الله وإلى دينه الإسلام وإلى عبادته سابقة على دعوة الشيطان ، كما كانت فطرة الله التي فطر الناس عليها سابقة على تغيير الشيطان لها ..).
فكيف لا تدنس ، وقد أفادت إحدى الدراسات الميدانية في إحدى الدول الخليجية أن (60 - 75%) غير مسلمات ، وأن (97.5%) منهن يمارسن طقوسهن الدينية ، ونسبة كبيرة منهن وثنيات ، كما أن (50%) منهن يقمن بالإشراف الكامل على الأطفال وأن (25%) منهن يكلمن الأولاد في قضايا الدين والعقيدة .
ثانياً : على الأخلاق :
أثبتت الدراسات الميدانية أن (58.6%) من الخادمات (المربيات) جئن من مجتمعات تحبذ إقامة العلاقات الجنسية قبل الزواج ، فلا يتورعن عن الاختلاط بالرجال ، ولا مانع لديهن من تناول الخمر والسجائر ، والأغرب من ذلك أن (68.3%) منهن لا تزيد أعمارهن عن العشرين ، و(42.4%) منهن لم يسبق له الزواج .
وفي دراسة أُخرى دلّت على أن (58.6%) منهن يحبذن ممارسة الجنس قبل الزواج ، و(36.2%) منهن جئن من مجتمعات تتناول أطعمة محرمة ، و (43%) منهن جئن من مجتمعات تتناول الخمور بصورة عادية ، و (14%) منهن يستقبلن أصدقائهن (الرجال) في البيوت التي يعملن بها و (51.18%) منهن يشرحن لأطفالهن عن حياة الأطفال في مجتمعاتهن .
ومع هذه الصورة السيئة فهذه هي النتائج :
1. القدوة السيئة :
فالطفل مولع بتقليد من يراه - مع ضعفه واعتماده على من حوله - من الكبار .
ومع ما ذكرناه من أحوال هؤلاء الخدم ، هل ستناط بهم مسؤولية تربية وإعداد جيل المستقبل ؟ ومن سيكون القدوة لهم في البيوت ، للتفريق بين الحلال والحرام عند غياب الوالدين ووجود الخادمة ؟!
2. تشوه القيم وتناقضها :
ذلك لأن القيم تُصاغ في نفس الطفل منذ طفولته المبكرة ، من خلال تفاعله مع ما حوله ويتشرب موازين الحكم على الأشياء والأفعال ، والخير والشر ، ومع ما هو معروف من أحوال الخدم والمربيات ، هل نتوقع قيمًا سوية ؟ فإن الخادمة قد تكافىء الطفل على أفعاله القبيحة وتعاقبه على أفعاله الحسنة .
وإذا وجدت مؤثرات تربوية إيجابية سوية كالمدرسة والوالدين والمسجد وغير ذلك ، فإنها معرضة للتشويش والنقض في نفس الطفل بتلك الأخرى السلبية .
3. افتقاد القوامة التربوية :
فالمربية (الخادمة) التي تقوم عن الطفل بجميع المهام ، وهي مطالبة بأن تبادر إلى خدمته وطاعته في كل ما يريد ويرغب ، فهي تريد إرضاء الطفل ، ولا تفكر في لومه أو عقابه لأنها "خادمة" وحينئذٍ لا يستطيع الطفل أن يفرق بين الخير والشر ، وبالتالي لا ينمو ضميره بل إن ذلك ينسحب في نفس الطفل وفي سنواته الأولى - خاصة - على مدرسيه - فقد لاحظنا بعض الأطفال - وبسذاجة وعفوية وبراءة - يتوقع من أُستاذه ما يراه من الخادمة .
4. التدليل السلبي :
والذي يؤدي إلى الاتكالية التي تنتج الإخفاق والفشل ، حيث لا يعتمد الطفل على نفسه ، وإنما تقوم عنه الخادمة بجميع المهام فينشأ بعيدًا عن النشاط ، قريبًا من الكسل ، ومن وجد كل أمر يُهيأ له دون عناء أنّى له أن يسعى وأن يحاول ، وبالتالي يتعرض للإخفاق في أول احتمال له .
كما يؤثر ذلك على تفاعله وانسجامه مع المجتمع ، حيث لم يتدرب على تحمل المسؤولية ، لذا نجده عندما يخرج من بيته ويتعامل مع قوانين المدرسة والمجتمع ، سرعان ما يضيق ذرعًا بما يواجهه من مواقف ، أو ما يطلب منه من تكليفات .
ثالثًا : على الثقافة والمفاهيم :
فالمربية أتت من مجتمعات مختلفة في ثقافتها ولغتها ، وهي نفسها قد تكون ضائعة بين ثقافتين ، حائرة بين نظامين ، فلا هي تجيد اللغة العربية حتى تنقل ثقافتنا العربية الإسلامية للطفل ، ولا هي تستطيع نقل ثقافتها الأجنبية والنتيجة عزلة عن ثقافته .
ولا شك أن الخادمات والمربيات يحاولن تنشئة الأبناء حسب قناعاتهم ، فهي إن كانت مثقفة - كما هو الحال في الأسر الغنية - فإنها تؤثر في الأطفال أكثر من والديهم لإنشغال الوالدين وتخليهما عن مهمة التربية للخادمة (المربية) ، بدعوى أنها مثقفة ومتخصصة في التربية ، كما أن لهؤلاء المربيات - في تلك الأسر - مقدرة على الإقناع والتأثير على الوالدين ، فضلاً عن الأبناء .
وبالتالي تنقل عدوى المفاهيم غير الإسلامية إلى البيوت المسلمة ، فالمربية هي التي تختار ملابس الأطفال وبخاصة البنات ، وهي التي تؤثر عليهن في نظرتهن إلى الحجاب والأزياء ، وغير ذلك من الآداب والأخلاق .
رابعًا : على اللغة :
من المعلوم أن المربية تلازم الطفل في مرحلة نموه الأولى والتي يكتسب فيها اللغة ، ومن البديهي أن الطفل يلتقط منها ما يسمعه من ألفاظ ، فيها من العربية الركيكة ، والإنجليزية الركيكة ، والأوردو وغير ذلك ، مما يعتبر حاجزًا يعوّق نمو الطفل اللغوي ، إذ يضطر إلى محاكاتها .
وقد دلّت الدراسات على أن (8%) من مجموعة المربيات في بعض دول الخليج لهن إلمام باللغة العربية ، وفي بعض الدول الأخرى (6.2%) فقط ، وأن (25%) من أطفال الأسر الغنية يقلدون المربيات في اللهجة ، وأكثر من (40%) منهم تشوب لغتهم لغة أجنبية ، ويتعرضون لمضايقات من أقرانهم بسبب ذلك ، ومما نلاحظه على الأطفال بل والكبار عبارات : " بابا في ؟ " " في بابا " " بابا نوم " " ماما نوم " وهكذا .
خامسًا : على التكوين النفسي والشخصي :
- إن المربية (الخادمة ) غير مؤهلة لإشباع عاطفة الأمومة عند الأطفال ، فالعواطف لا تدخل ضمن وظيفة المربية ، وإنما تفيض تلقائيًا من قلب الأم إلى أبنائها ، والنتجية أن ينشأ الطفل في حياة ينقصها الحب والعطف فتتولد عنده الميول العدوانية .
- كما أن وجود المربية يُضعف علاقة الطفل بوالديه ، فإن عاطفة الطفل توزع على من يرعاه ويُحسن إليه .
- إن للطفل حاجات في أن يكون موضع تقدير ومحبة الآخرين ، وأن يبادلهم نفس المشاعر والانفعالات ، والخادمة غير مؤهلة لذلك . فمن يستطيع أن يجبرها على أن تكون سعيدة ومبتسمة دائمًا في وجهه ، كما هو شأن الأم مع أبنائها ، ومن الذي يطالبها أن تتكلف ما لا تستطيع ، وهي البعيدة عن أسرتها وموطنها ، تفتقر إلى الأمن النفسي ، وفاقد الشيء لا يعطيه .
وبعد :
فهذه أهم المخاطر التي تترتب على وجود هؤلاء مع أبناء المسلمين .
فكيف يتم لك المرتقى
إذا كنت تبني وهم يهدمون
الشيخ فاروق الرحماني رحمه الله-اسلام ويب

Post: #474
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 01:16 PM
Parent: #384

قلّ أن تخلو المجتمعات من بعض الظواهر الاجتماعية السيئة حتى في الأزمنة الطاهرة أزمنة النبوات ، ومن هذه الظواهر السيئة على سبيل المثال المشاكل الأسرية والخلافات الزوجية ؛ حيث وقوع الظلم من الزوج للزوجة أو العكس ، أو وقوع الظلم على الأولاد من الزوجين أو العكس ، أو وقوع الظلم بين الأولاد أنفسهم .. وهكذا ، ولكن من خلال متابعتي للصحافة منذ مدّة رأيت تركيزًا على قضية ظلم الأزواج للزوجات سواء من قبل الكتاب أو الكاتبات أو رسّامي الكاريكاتير ، حتى خيّل لبعض القراء أنه لا يمكن أن يوجد بيت في بلدان المسلمين يعيش الحياة الزوجية المستقرة المطمئنة ، فأحببت أن أبدي وجهة نظري حيال هذا الموضوع فأقول :
1- إن من الثوابت التي ينبغي أن يفهمها ويحرص عليها المسلم المحب لمجتمعه وأمته المسلمة هو مفهوم (الأمن الاجتماعي) ومن متطلباته الاجتماع والوئام ووحدة الكلمة ، ومن متطلبات ذلك الكف عن إثارة الصراعات والنزاعات لتقوم الحياة على المودة والرحمة ( وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً )(الروم/21) ، وعلى التكامل والتداخل والتشاور والتناصح ،وعلى المولاة الإيمانية والتعاون على مكارم الأعمال : (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(التوبة:71) .
2- إن ظلم بعض الأزواج للزوجات ووجود الصراع فيما بينهم أمر وارد ، بل هو موجود ؛ لكن بنظرة العقلاء المنصفين المتجردين من الهوى ، هل هو يشكل ظاهرة في مجتمعاتنا الإسلامية تستحق هذا الزخم من الطروحات ؟ أظن أن جواب المنصف المتجرد : (لا) بملء فيه .
3- إن عرض صور المجتمعات الغربية فيما يحدث بين الأزواج والزوجات هناك من الصراعات كأنموذج لمجتمعنا المسلم المحافظ أمر مرفوض من قبل العقلاء الصالحين ؛ لأن المجتمع هناك غالبه مبني على الخيانة والضياع الشقاق ، وما حادثة رئيس أكبر دولة في العالم منا ببعيدة ، وإليك بعض الإحصائيات مما تعانيه المرأة هناك ؛ فمثلاً في بريطانيا تستقبل شرطة لندن وحدها مائة ألف مكالمة سنويـًا من نساء يضربهن أزواجهن ، على مدار السنين الخمس عشرة الماضية ، وأن 79% من الأمريكيين يضربون زوجاتهم ، و 83% دخلن المستشفى سابقـًا مرة واحدة على الأقل للعلاج من أثر الضرب ، وإن مائة ألف ألمانية يضربهن الرجال سنويـًا ، ومليوني فرنسية يضربهن الرجال سنويـًا .
كل هذا في أرقى المجتمعات كما يُزعَم ؛ فما بالك في المجتمعات الغربية الضعيفة والجاهلة ؟ بعد هذا ؛ هل يعقل أن تقاس مجتمعاتنا المسلمة الواعية بتلك المجتمعات التائهة الضائعة ؟
4- إن تكرار مثل هذه المعاني عبر الصور الكاريكاتيرية والكتابات والتحقيقات يحكي التعميم على كل طبقات المجتمع ، والتعميم في الأحكام دون علم وتدقيق أمرٌ نهى عنه شرعنا الحكيم ؛ فما بالك في التعميم في أمر يخل بأمن البيوت ومن ثم أمن المجتمعات الإسلامية كلها ؟
5- إن الخلافات الزوجية سنّة إلهية قديمة قدم البشرية يمتحن فيها الزوجان ، وقد نزلت آيات عديدة من أجلها ، بل سميت سور بها كسورة الطلاق مثلاً ، فهل تضيق المجتمعات الإسلامية ذرعـًا بكل مؤسساتها وأفرادها ببعض هذه الخلافات الطبيعية التي لها حل في شرعنا الكامل الشامل الموافق للفطرة حتى تعلن هزيمتها أمام الملأ ؟
6- إن الذين ينظرون هذه القضية " ظلم الأزواج للزوجات ووجود المشكلات والنزاعات " سواء من الكتّاب أو الكاتبات أو رسّامي الكاريكاتير لا يخرجون عن أحد صنفين :
أ - إما عن حسن نية وقصد للإصلاح وتنبيه بعض الأزواج لفداحة ما يقعون به ؛ فهم مأجورون إن شاء الله .
ب - أما الصنف الثاني فهم الذين يتخذون أفعال الخصومة والنزاع فيما بين النساء والرجال مطية ووسيلة إلى هدف آخر ممقوت وهو مناداة المرأة لإعلان التمرد على الأزواج ، ونفي القوامة الشرعية ! فهذه دعاية تصادم الشرع من أدعياء تحرير المرأة .
7- أقول لكل مسلم رضي بالله ربـًا وبالإسلام دينـًا ، وبمحمدٍ نبيـًا : قد كفيت همّ حقوق المرأة ؛ فشرعك قد تكفّل للمرأة بكامل حقوقها ؛ فما عليك سوى الاطلاع على شرعك والنهل من معينه الصافي العذب ، فستجد فيه الدواء الشافي والجواب الكافي ، وإليك مثالاً واحدً يبين قدر تحميل الإسلام الرجل مسؤولية المرأة : قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما صح عنه : " اللهم إني أحرّج حق الضعيفين : اليتيم والمرأة " .
ولو أن المجال يتسع لذكرت من الآيات والأحاديث الشيء الكثير ، وحسبي أن الجميع يعرف مثل هذه الأمور في مجتمعاتنا الإسلامية والحمد لله.
عبد الرحمن التميمي-اسلام ويب

Post: #475
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 10:28 PM
Parent: #384

من الله سبحانه على الإنسان بنعم لا تحصى .. وإحدى هذه النعم السابغة التي لا غنى عنها بحال هي لبن الأم ، إنها نعمة وأي نعمة وبخاصة للأطفال حديثي الولادة ، وإن الرضاعة الطبيعية لا شك أفضل سبل التغذية وأكثرها فائدة وفعالية للطفل ، ليس هذا فقط ، بل إنها تلبي الحاجات العاطفية والنفسية للطفل فضلاً عن إشباع جسده .
ولا جدال في أن حليب الثدي - مهما تكن الظروف - هو الغذاء المثالي الذي لا يستغني عنه الأطفال حديثو الولادة ، ولا يحتاج الطفل إلى أي غذاء آخر حتى عمر خمسة شهور ، وعلى الرغم من التقدم الهائل في ميدان غذاء الأطفال فلم يتم التوصل البتة إلى غذاءٍ بديل أو يضارع الآثار النفسية والعاطفية والغذائية المترتبة على الرضاعة من لبن الأم .
مميزات حليب الأم :
1) غذاء نظيف وآمن يدركه الطفل بلا عناء .
2) يلبي كافة المتطلبات الغذائية للطفل في الأشهر الأولى من حياته .
3) يحتوي على عناصر طبيعية ضد الجراثيم ، كما يشتمل على حماية ووقاية هائلة.
4) يتميز بسهولة الهضم وسرعة التمثيل سواء من قبل الأطفال العاديين أو المبتسرين .
5) يعمِّق العلاقة العاطفية الحميمة بين الأم وطفلها ، وهذا مرده إلى العلاقة النفسية التي تحدثها عملية الرضاعة .
6) تساعد ظاهرة المص على تقوية الفكين لدى الطفل وظهور الأسنان سريعـًا .
7) يحمي حليب الأم الطفل من السمنة والبدانة .
8) يمنع سوء التغذية وكثيرًا من المشاكل الصحية .
9) يتضمن أمورًا كيميوحيوية تكسب الطفل مناعة طبيعية ضد كثير من الأمراض .
10) تساعد عملية الرضاعة على المباعدة بين ولادة طفل وآخر ، إذ يقل وينخفض تعرض الأم للحمل أثناء الرضاعة .
11) إن لبن الأم اقتصادي ويخفف الأعباء من كاهل الأسرة والمجتمع .
12) الأطفال الذين ينعمون بالرضاعة الطبيعية لا يقعون فريسة الحساسية المفرطة .
13) تسلم الأمهات اللاتي يرضعن أطفالهنَّ رضاعة طبيعية من مخاطر التعرض لمرض سرطان الثدي .
14) إن الرضاعة الطبيعية تسهم في المحافظة على وزن الأم وعدم تعرضها للبدانة والسمنة .
15) حماية الأطفال من التعرض لمرض التهاب القولون الحاد .
16) تقل جدًا إصابة الأطفال الذين رضعوا رضاعة طبيعية بأمراض الاضطرابات العنيفة التي تصيب الأطفال في الشهر الأول .

لقد أثبت الأخصائيون النفسانيون بأن من المهم جدًا أن يبدأ الأطفال في عملية الرضاعة بعد الولادة مباشرة ؛ لأن ذلك يعمل على أن يحيا الطفل حياة نفسية وعاطفية هادئة ومستقرة .
كما أن لعملية الالتصاق الجسدي بين الطفل وأمه أهمية كبيرة في صناعة وشائج عاطفية بينهما ، وهذه الروابط تمنح الأطفال شعورًا بالأمان النفسي والراحة الجسدية التي تساعد الطفل على أن ينمو نموًا متوازنـًا وطبيعيـًا .

ومما لا يخفى أن كثيرًا من الحواجز النفسية وحالات الحرمان العاطفي والتفكك الأسري التي تفشت في الغرب ترجع إلى انعدام العلاقة العاطفية والوشائج النفسية بين الأطفال وأمهاتهم في أيام ولادتهم الأولى ، وذلك لعدم قيام معظم الأمهات بإرضاع أطفالهنَّ .
كما أن نظام الحياة المادي المعقّد الذي فرضته الحضارة الغربية على النساء شجعهنَّ على حرمان الأطفال من الرضاعة الطبيعية ، وكان لاعتقاد النساء الخاطئ أن الرضاعة تؤثر سلبـًا على صحتهنَّ وعلى جمالهنَّ أثر في إهمال الرضاعة .

وثمة عوامل أخرى ساهمت في هذه المشكلة في البلاد النامية أيضـًا ، منها تغير أسلوب حياة الأمهات ، وشيوع الجهل والمفاهيم المغلوطة ، وتقليد الغرب ، وعمل الأمهات خارج البيوت ، كل ذلك أوجد هذه المشكلة ، ولا ننسى أن لأنانية بعض النساء واستخدامهنَّ الحليب الصناعي بديلاً عن الرضاعة ، وقلة الحوافز التي تحض على الرضاعة الطبيعية أدى إلى تفاقم هذه المشكلة .

إن الرضاعة الصناعية عملية باهظة وخطرة ، ينجم عنها مشكلات لا تحصى ، إنه سلوك خطر بتهديد العائلات الفقيرة ويعرض الأطفال لمخاطر التلوث الغذائي ، والإفراط في غش الألبان ومزجها بالماء ، لذا من الأهمية بمكان ألا تحرم الأم طفلها من حقه في الرضاعة الطبيعية إذا كانت صحتها على ما يرام ، ولو فكرنا مليـًا في الأضرار الناجمة عن استخدام البدائل لحليب الأم لتغير هذا الأمر فضلاً عن أن الإقبال والاعتماد على الرضاعة الصناعية يعرض المجتمعات للتفكك ويعرض فلذات أكبادنا لأمراض خطيرة .
فيالها من مهمة نبيلة ورسالة شرّف الله تعالى بها الأمهات ، فقط في أن يقمن برعاية طفل برئ عاجز ، وحضانته وإرضاعه الحنان والحب مع اللبن ، إنها منحة ربانية أعطاها الله سبحانه وتعالى للوالدات قبل أولادهنَّ .

فالرضاعة لا تفيد الطفل فحسب ، لكنها تشبع الحاجات العاطفية والجسدية للنساء أولاً ، فالحاجة إلى إرضاع الأم لطفلها تجعلها تقوم بدور إيجابي وفعال في استقرار المجتمع وتنشئة الأجيال .
اسلام ويب

Post: #476
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 10:30 PM
Parent: #384

هي وهو
هي : زوجي صامت
شكوى متكررة في كثير من الأحيان من الزوجات ، وعادة ما يصاحبها شكوى من صمت الزوج ، فيزيد الحياة مللاً فوق ملل ، ولن يتم حل هذه الشكوى إلا بتجديد الحياة الزوجية ودفع الملل ، فالملل شيء يأتي غالبًا من داخل الإنسان لانتصار الظروف السيئة وكثرة المشاغل والأعباء والضغوط ولكي ينجو الزواج من مصيدة الملل ، يجب الاهتمام به ورعايته ، فالزواج مثل الكائن الحي يظل متمتعًا بالحياة ما دام هناك الجديد ، ولن يتم قهر الملل إذا لم يكن لدى الإنسان غاية في هذه الحياة ، فالزواج بحد ذاته ليس غاية ، بل هو وسيلة لحفظ النوع الإنساني وحفظ المجتمع من الانحراف ، وتربية النشء على الخلق القويم الراسخ ، كما على الزوجة أن تشارك المجتمع في مسراته وأحزانه ، فتشارك جيرانها على قاعدة "أن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم" فمشاركة الزوجة في أعمال الخير والبر وحضور دروس العلم وحلقات القرآن الكريم خير معين لها على دفع الملل .
كما على الزوجة مساعدة الزوج في تجديد أسلوب الحياة اليومي ، وفي طريقة العيش ، كما على الزوج أن يقوم برحلات للراحة والاستجمام مع عائلته ، فمن لا يحسن فن الراحة لا يحسن فن العمل ، ويمكن كذلك ترتيب الزيارات العائلية وصلة الأرحام .
وليكن للزوجة والزوج ورد يومي من القرآن ، فالقرآن الكريم أنيس يزيل كل وحشة وهم ، وعلى الزوج أن لا ينسى زوجته من كلمات الحب والثناء ، وأن يشعرها بأهميتها في حياته ومدى مساندتها له في مواجهة الحياة وظروفها المتقلبة ، وأن يحاول قدر الإمكان العمل على سعادة أسرته وزوجته ، وأن لا تجعل الأنانية تسيطر عليه ، فيذهب للتسلية مع أصدقائه بشكل مبالغ فيه ، مع إهمال تام للزوجة والأولاد .
هو : زوجتي متمارضة
كثير من الزوجات يشتكين من التعب والمرض ، وبشهادة الكثير من الأطباء فإن أغلب النساء اللاتي يعرضن عليهم لا يشتكين من أي مرض عضوي ، ولكن صحتهم النفسية على غير ما يرام .
والزوجة المتمارضة هي في الغالب عصبية ، ومدللة أحيانًا ، وهي غالبًا الأخت الكبرى في أسرتها ، تحملت الكثير ، وقاست في الحياة ، فلازمها الشعور بالتعب ، حتى وهي مستريحة ، والمرأة في كثير من أطوار حياتها يصيبها التعب والإرهاق ، وهي بنت يصيبها تعب الدورة وآلامها ، وهي متزوجة وحامل يصيبها آلام الحمل ، والوضع عند الولادة ، والسهر والتعب بعد الولادة والإرضاع وخدمة الأطفال .
والنساء تختلف بطبائعهن ، فهناك الشديدة القوية الصابرة ، وهناك الضعيفة القليلة العزيمة ، والزوج الذكي هو الذي يخفف عن زوجته ، ولا يتأفف من كلامها وطريقتها ، ويحاول أن يخرجها من آلامها بالحديث والمسامرة ، فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يداعب عائشة حتى وهو مريض ليخفف عنها عندما وجدها تشكو من الصداع .
كما على الزوج أن لا يستنكف في المساعدة ببعض أعمال البيت حين يرى زوجته مرهقة ومريضة ، وليحتسب عند الله الأجر في ذلك ، وفي مقابل هذا فإن على الزوجة أن لا تكثر من الشكوى حتى لا تضايق الزوج ، وأن تسارع بالكشف الطبي وتداوم على العلاج حتى يكتب الله لها الشفاء ، وأن تستعين بخبرات والدتها أو أم زوجها في القيام بأعمال المنزل بأقل المجهودات الممكنة بلا كبير عناء أو تعب .
سماء عبد الرحمن-اسلام ويب

Post: #477
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 10:32 PM
Parent: #384

أولادنا ثمار قلوبنا ، وفلذات أكبادنا ، وامتداد لحياتنا بعد فنائنا .. ونحن إذ نتحدث عن دور الأسرة في تنشئة الأجيال .. فإننا نتحدث عن موضوع له خطره .. فالطفل الصغير أمانة كبيرة بين يدي أبيه وأمه .. وعقله الصغير أرض بكر لم تزرع ، وورقة بيضاء لم يخط فيها حرف .
وإذا كنا قد وضعنا وسائل الإعلام في قفص الاتهام باعتبارها المخرب الأول للأجيال ، فإن دور الأسرة في التربية ، قد يكون بمثابة الطعم الواقي الذي يجعل عقل الطفل مدرعـًا ضد قاذفات الفساد والانحراف ، وإلى هذا الدور الخطير الذي تقوم به الأسرة يقول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [ كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه ، فأبواه يهودانه ، أو ينصرانه ، أو يمجسانه ][رواه أبو يعلى والطبراني والبيهقي ] .
وقبل أن نسترسل في الحديث ، فإننا نلفت النظر إلى أننا لن نستطيع تغطية الموضوع من كل جوانبه الدينية والنفسية والاجتماعية .. ولكننا سنتكلم عن جوانب أساسية في التربية يغفل عنها كثير من المسلمين .
فبعض الناس يعتقدون أن رسالتهم في الحياة هي إنجاب الأولاد ، ومنتهى فهمه في تربيتهم هو أن يوفر لهم الطعام والشراب ، والملبس ، والمسكن ، وأحيانـًا يرهق نفسه في سبيل تزويدهم بالكماليات والمرفهات .
وغاية ما يصل إليه في تربيتهم هو أن يجتهد في تعليمهم حتى يحصلوا على درجات عالية تؤهلهم ؛ لأن يأخذوا أوضاعهم المادية والأدبية في المجتمع . وبذلك يكون قد بلغ الرسالة ، وأدى الأمانة .. هذا مبلغ علم الكثير من المسلمين .
وهي ـ لعمر الحق ـ أفكار ومعتقدات لا تنسجم مع مفهوم الإسلام في التربية .. فمطالب الطعام والشراب .. مطالب يشترك فيها الحيوان مع الإنسان ، وفهم الأسرة لرسالة التربية والتعاليم بهذا الأسلوب الشائع وسيلة من وسائل الدمار والخراب ، فالإسلام لا يعامل الإنسان ككتلة من لحم غايتها في الحياة هو " العلف " أو التزود من ماديات الحياة بقدر المستطاع ، وإنما يعامله جسدًا وروحـًا ، فتربية الجسم تسير جنبـًا إلى جنب مع تربية الروح ، إذا جار أحدهما على الآخر حدث الخلل والاضطراب في النفس البشرية .
ما فائدة أن ألقن ابني العلم ، وأسعى في الحصول له على مدرسين متخصصين ليكون من المتقدمين في نفس الوقت الذي هو في الأخلاق صفر من كل فضيلة وأدب وتهذيب ؟
إن العلم في هذه الحالة سيكون وسيلة تدمير وهدم وشقاء .
والعلم إن لم تكتنفه شمائل تعليه كان مطية الأخفاق
لا تحسبن العلم ينفع وحده ما لم يتوج ربه بخـلاق
ولقد رأينا كثيرًا من الأبناء لا أقول تربوا ، ولكن أقول درجوا على هذا الأسلوب ، فصار الواحد منهم بعد ما شب عن الطوق ، يصعر خده لوالديه ، ويثني عطفه عليهما ، ويتنكر لهما إذا كان من بسطاء الناس .
وشاهدت بعنين رأسي شابـًا " متعلمـًا " ـ كان يترك والدته العجوز في البيت .. بيتها الذي سكنه هو وزوجته ـ يتركها ليأتي إليها المتطوعون من الناس يقومون لها ببعض شئونها حتى ودعت الحياة ساخطة عليه وعلى زوجته .. ولقد شاهدته ـ بعد ما أحاط به نكد الحياة ـ يزور قبرها بعد موتها ،
فقلت في نفسي :
لا ألفينك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي
أين حدث هذا ؟ إنه حدث في عاصمة الدنيا وقمة الحضارة .. في " نيويورك " !!
ولعلك قرأت عن " بي بي " بريجيت باردو التي تزعمت الدعوة المقامة في " مرسيليا " ضد الدكتور " شارل " الذي يجري التجارب على الحيوانات وهي مازالت حية : " يقوم بأفعاله ـ حسب أقوال بريجيت ـ في ظروف فظيعة ، وهي تتساءل في ألم : هل يجب التضحية بالحيوان في سبيل الإنسان " ؟ .
هل رأيت الرقة ؟ هل رأيت العذوبة ؟
هل رأيت إلى أي مدى وصل خراب الضمير الذي لا يستيقظ لقتل آلاف البشر ـ لا أقول المسلمين ـ في أنحاء المعمورة ، ولا يستيقط لتشريد الملايين الذين يفترشون الجليد ، ويلتحفون البؤس والمسغبة ، وفي الوقت نفسه يذوب من رهافة الحس على الحيوان " ، [نعم يأمرنا الإسلام بالرفق بالحيوان ولكن الإنسان أولى ] .
( قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً * الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )[الكهف/103 ، 104] .
إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها .. لقد كانت تبلغ يقظة الضمير في المسلم إلى درجة لا يمكن أن يوجد لها نظير إلا في مجتمع يتربى على الإسلام منهـجًا وسلوكـًا .
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أتى رجل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو في المسجد ، فناداه فقال : يا رسول الله ، إني زنيت ، فأعرض عنه .. ردد عليه أربع مرات .. فلما شهد على نفسه أربع شهادات .. دعاه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال : [ أبك جنون ] قال : لا ، قال : [ فهل أحصنت ] ؟ قال : نعم ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : [ اذهبوا به فارجموه ] .
وعن أبي نجيد عمران بن الحصين الخزاعي ـ رضي الله عنهما ـ أن امرأة من جهينة أتت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي حبلى من الزنا ، قالت : يا رسول الله ، أصبت حدًا فأقمه عليَّ ، فدعا نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وليها فقال : [ أحسن إليها ، فإذا وضعت فأتني ، فأمر نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فشدت عليها ثيابها ، ثم أمر بها فرجمت ، ثم صلى عليها ، فقال له عمر ـ رضي الله عنه ـ تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟ قال : [ لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم ، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله ـ عز وجل ][رواه مسلم]
صور مشرقة للضمير الحي اليقظ الذي تربى في مدارس الإيمان .
فمتى نفقه ؟
متى نتعلم ؟
بقلم عبد الرحمن واصل-اسلام ويب

Post: #478
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-25-2015, 10:37 PM
Parent: #384

تسأل فاطمة حسن من القاهرة قائلة : لدي بحمد الله ستة أطفال ، وأريد أن أشعر دائما بالاطمئنان عليهم أثناء انشغالي عنهم في عملي المنزلي أو الخارجي، وأقرأ كثيرا عما يحدث للأطفال من إصابات داخل المنزل، فهل هناك احتياطات يمكن أن أعملها لتوفير الأمان لأطفالي؟
فنقول لها حفظ الله أطفالك وأطفال المسلمين، وإليك بعض النصائح التي تقدمين بها الأسباب لحماية صغارك من معظم هذه الحوادث بإذن ال له:
1 - الأذكار والدعاء ؛ للمعافاة من الحوادث بقوله (صلى الله عليه وسلم): "بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم"، وقوله: " بسم الله أرقيكم من كل داء يؤذيكم ومن شر كل حاسد .. الله ينجيكم ".
2 - ضعي الأدوية بعيدا عن متناول الأطفال، حتى الفيتامينات ومخففات الألم مثل (الأسبرين).
3 - أثناء الطهي اجعلي يد أي إناء أو طاسة بعيدا عن حافة جهاز الطهي (البوتاجاز مثلا ) لكي يتعذر على الطفل أن يجذبها ناحيته فينسكب عليه ما فيه.
4 - قومي بتغطية كل بريزة كهرباء وأبعدي أسلاك الأجهزة الكهربائية، وكذلك الحبال التي يمكن أن تلتف حول عنق الطفل.
5 - لا تتركي مع صغار الأطفال اللعب التي بها قطع صغيرة لتفادي بلعها، وكذلك الزراير والدبابيس والعملات المعدنية الشائع بلعها من الأطفال.
6 - كوني حريصة على وضع الغطاء فوق قاعدة دورة المياه مع غلق باب الحمام دوما لتفادي الغرق مع عدم تخزين مياه في أوعية كبيرة قد يسقط فيها الطفل .. فيغرق.
7 - أبعدي الثقاب أو الولاعة أو أية مادة قابلة للاشتعال عن متناول أيدي الأطفال.
8 - دائما احرصي على غلق محبس أنبوبة البوتاجاز أو محبس الغاز الطبيعي أثناء عدم الاستعمال أو عند وجود الأطفال بمفردهم داخل المنزل.
9 - لا تتركي الحليب أو المشروبات التي تفور مع الغلي على البوتاجاز أبدا دون رقابة مباشرة لتجنب انطفاء الشعلة فيحدث ما لا تحمد عقباه.
10 - لا تتركي باب الشقة مفتوحا حتى لا يسقط الأطفال على السلالم لعدم تخيلهم لطريقة النزول خطوة خطوة أو لمحاولتهم النزول بوجوههم فينزلقون مرة واحدة ، عكس الصعود الذي يجبرهم على الصعود بالتدريج.
11 - ضعي في البانيو وعلى أرضية الحمام (الأرضيات المطاطية) الواقية من الانزلاق مع الحرص على عدم ارتداء الأطفال (شباشب أو أحذية) ناعمة النعل مما يستعمل عند دخول الحمام خوفا من الانزلاق.
12 - اجعلي مروحة السقف عالية ما أمكن وذلك بتقصير عمودها ، وتجنب ملاعبة الطفل برفعه لأعلى سواء كانت المروحة تعمل أم ساكنة حتى لا تتسبب في إصابة مميتة أما مراوح المكتب فاجعليها في مكان عال؛ حتى لا يضع أصابعه داخلها.
13 - ابعدي السكينة والشوكة والأدوات ذات النصل الحاد عن متناول أيديهم حتى لا يؤذون أنفسهم أو غيرهم، ولا تترك الطفل يحضر سكينا إلى المائدة، فقد يسرع بها ويصطدم بأشقائه وهو يجري من المطبخ إلى مكان الطعام.
14 - تجنبي ترك الأكياس الخفيفة أو الشنط في مكان قريب من متناول الأطفال حتى لا يضعونها على رؤوسهم فيختنقون.
15 - علمي الأطفال أن يبتعدوا عن شاشات الأجهزة الضوئية (التليفزيون) مسافة لا تقل عن ثلاثة متر على الأقل ، والابتعاد عن (شاشات الكمبيوتر/ الأتاري) مسافة كافية مع وضع الفلتر الضوئي أمامهما للأهمية، وكذلك خفض الأصوات للأجهزة السمعية للحد المعتدل مع تجنب استعمال سماعات الهد فون.
16 - تأكدي باستمرار من سلامة غلق باب الغسالة الأوتوماتيكية أثناء عملها - حيث أن العطل فيها وارد - وقد يحدث أن يفتحها الأطفال فيصابون.
17 - احرصي على عدم استعمال الأطفال التليفون المحمول مباشرة أو من خلال السماعة الخارجية.
اسلام ويب

Post: #479
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:05 AM
Parent: #384

- يتميز الزوج المثالي بالصدق والصراحة منذ الوهلة الأولى، فلا يخفي على المرأة شيئا عند الخطبة.
- هو تقي - نقي - ورع يخاف الله ويخشاه في السر والعلن، فلا يخاطب زوجه إلا سلاما ولا يعاملها إلا إكراما ولا يطعمها ويكسوها إلا حلالا .
- هو الذي يجعل مقياس اختياره الدين والخلق فنراه يهتم بما في جوهر المرأة قبل مظهرها.
- هو الذي يكون منطقيا في متطلباته فلا يرهق زوجه بالعمل داخل البيت وخارجه، فإذا اتفق معها على العمل خارج البيت عليه أن يساعدها في أعمال المنزل .
- هو الذي يمتلك الحكمة والمقدرة على فض المنازعات ولا يفتش بيديه عن المشكلات المدفونة.
- يهتم بمظهره ونظافته الداخلية والخارجية ويعرف أن هذا واجب ديني عليه وليس هذا أمرا خاصا بالمرأة متعلقا بها.
- يحب النظام فيقسم ساعات يومه بين عمله وزوجه وأولاده، ويسهم في تربية الأولاد والاستذكار لهم، فليست المرأة وحدها المسؤولة عن ذلك.
- لا يكثر السفر من غير زوجه وأولاده بلا داع ، فإن اضطره عمل إلى السفر لفترات طويلة أصر على أن يصحب عائلته.
- يساعد زوجه على الاستعداد ليوم الميعاد فيحثها على حضور مجالس الذكر، ويساعدها على ذلك ويذلل لها كل الصعاب.
- يثق في زوجه وفي عفتها وأخلاقها فلا يسيء الظن بها لأتفه الأسباب، ولا يجعل الشك أساس المعاملة.
- يحفظ أسرار الزوجية فلا يتحدث بشيء منها فتنتهبه الأسماع والأقوال.
- يبتعد عن ضرب زوجه أو سبها أو شتمها.
- ينفق على زوجه وأولاده من غير إسراف ولا تقتير.
- يحسن الحديث مع زوجته بأسلوب رقيق مهذب فالكلمة الطيبة لها أثر في النفس، كما يحسن الاستماع إلى حديثها ويقدر رأيها.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #480
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:07 AM
Parent: #384

يوم الخميس، هو نهاية الأسبوع، هو المحطة التي تمسح عناء وشقاء الأسبوع لكليكما، فاجعليه الواحة الظليلة التي يستظل تحتها زوجك من رمضاء العمل والتعب، والنهر العذب الصافي الذي يغسل نفوسكما من أدران المشاكل والهموم .
ولا تنسي حبيبتي أنه أيضا يوم ترفع فيه الأعمال إلي الرحمن، فأحسني فيه الأداء، ولا تنسي تجديد نيتك قبل كل عمل تقومين به.
فإذا أشرق يوم الخميس فعليك بـ:
(1) إعداد وجبة الغداء أو العشاء، وبها الأصناف التي يفضلها زوجك وأولادك، ولا تنسي طبق الحلو.
(2) إنهاء أعمالك كلها قبل عودته، واعتذري عن أي مواعيد قد تعطلك عن هذا لتكوني في انتظاره بشوق.
(3) البسي وتزيني بأفضل ما لديك، وتعطري له بالعطر الذي يفضله، وتخيلي أنك حورية من الجنة تستقبل خاطبها، فكيف سيكون اللقاء؟
(4) اشتري هدية رمزية لك ولأولادك في حدود إمكاناتك طبعا، لتقدموها لزوجك وأشعريهم بأن هذا اليوم هو عيد الأسرة، وليحرص كل منهم على إبداء مشاعره نحو الآخرين في عبارات رقيقة ومعبرة.
(5) شجعي أولادك على النوم مبكرا في هذا اليوم بعد أن تغمريهم بحنانك وحبك الذي لابد أن يكون مختلفا عن باقي أيام الأسبوع ، ولابد أن يشعروا هم بذلك أيضا.
(6) والآن تفرغي للحبيب بعد أن تكوني طبعا وجهت اهتمامك إلى غرفة نومك، وحرصت على أن تجعليها كما كانت يوم زفافك، وقد عطرت أيضا الفراش بالعطر الذي يحبه وقدمي له وجبتك الدسمة من العواطف.
(7) قبل أن تناما لا تنسي أن تصليا معا ركعتين في الليل، ولتدعوا بما شئتما لتكتبا في الذاكرين والذاكرات ولا تنسينا من دعائك.
أختي الحبيبة :
اجعلي زوجك وأولادك في شوق ولهفة في انتظار يوم الخميس، وجربي هذه الطريقة ولن تندمي إن شاء الله ، ولتحتسبي كل التعب والمشقة في ذلك اليوم عند ال له، والله سوف يبدلك حلاوة تجدينها في قلبك تمسح عنك كل عناء، بل وتستعذبين الألم في سبيله، وإن كان بينك وبين زوجك أية مشاكل فانسيها في ذلك اليوم وسترين النتيجة، وحاولي ولا تيئسي، واستخدمي سلاحك البتار .. الدعاء.
إيمان عادل-اسلام ويب

Post: #481
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:08 AM
Parent: #384

إن حياء المرأة المسلمة هو رأسمالها فيه عزها ، وبه تحفظ كرامتها، وشرف أهلها، وليس هناك زوجة صالحة لا يزين الحياء خلقها.
حياء في كل شيء .. في الملبس ، في الحركة والكلام ، في المعاملة والسلوك ، وحياء المرأة المسلمة يجعلها أكثر التزاما بزيها الإسلامي حجابا أو نقابا ، ولا ترتدي شفافا ولا مجسدا، ولا ما يشبه لباس الرجل، ولا ثياب الشهرة، ولا الثياب المعطرة أو المثيرة، وكيف لا تفعل ذلك كله وهو فرض عليها تأثم بعدم فعله، وقد أمر الله به في كتابه (وليضربن بخمرهن على جيوبهن) [النور:31]، ويقول سبحانه وتعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدني أن يعرفن فلا يؤذين) [الأحزاب:59].
وكيف لا تفعله وفي القرآن (ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى)، وكيف تكون المتبرجة صالحة، وهي تعرض مفاتنها لكل عين، باحثة عن نظرات الإعجاب وما يليها؟ وماذا تبقي لزوجها؟ فأي حياء لمثل هذه ، والرسول يقول: "الحياء والإيمان قرناء جميعا فإذا رفع أحدهما رفع الآخر"؟ وكيف تكون المتبرجة حيية وقد تجردت من خلق الإسلام "لكل دين خلق وخلق الإسلام الحياء" ؟
وحياء المسلمة يفرض عليها غض بصرها؟ لذا يقول الله (سبحانه وتعالى) (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) [النور:31]، فالمؤمنة الصالحة تعلم قول نبيها (صلى الله عليه وسلم) فيما يرويه عن ربه "النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، من تركها من مخافتي أبدلته إيمانا يجد حلاوته في قلبه" .
هذا وإن إرسال الطرف هنا وهناك لا يجلب إلا شرا، ولا يأتي معه خير.
كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
فالنظرة بذرة لكل الشرور ومدخل إليها وباب من أبواب دخول الشيطان.
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك دوما أتعبتك المناظـــــــر
رأيت الذي لا كلـــــــه أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر
والصالحة لا تتهاون في هذا الأمر، فقد قال (صلى الله عليه وسلم) لأم سلمة وميمونة (رضي الله عنهما) أو عمياوان أنتما؟ أو لستما تبصرانه؟ وما كانتا تنظران إلا إلى عبد الله بن أم مكتوم الكفيف، وقد قال الشاعر:
نظرة فابتسامة فسلام فكلام فموعد فلقاء
والصالحة تعلم أن بعد ذلك
موت فقيامة فحساب فجهنم وعذاب وشقاء
وحياء الصالحة يظهر أيضا على أسلوبها في الكلام يقول تعالى مرشدا لها (ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض).
وحياء الصالحة ينطق به سلوكها وحركتها ومشيتها.
كأن مشيتها من بيت جارتها مشي الحمام لا كد يعاب ولا بطء به بأس
فيا كل مسلمة كوني كيانا من الحياء، أنت الحياء، والحياء أنت، ونعم الحياء حياء صاحبتي موسى فهو حياء منعهما من الاختلاط بالناس، ومزاحمتهم عند ماء مدين (لانسقي حتى يصدر الرعاء) فتلك هي المرأة الصالحة حقا، لا تغادر بيتها وإن غادرته فلضرورة ملحة متحلية بالحياء .
إسلام ويب

Post: #482
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:09 AM
Parent: #384

هل يعاني طفلك مشاكل في الفهم والقدرة علي الاستيعاب؟هل لديه مشاكل في مستوي ذكائه؟ هل يعاني كثرة النسيان؟
مشاكل كثيرة متعددة ومتنوعة ، يعانيها كثير من أطفالنا في هذه الأيام ، لكن قبل أن نفكر في عرض الطفل علي الطبيب ، عليك أولا الاطلاع علي الدراسة الجديدة التي نشرتها مجلة صحة الأطفال أخيرا والتي أكد فيها الباحثون أننا إذا أردنا أن يتمتع أطفالنا بذكاء خارق وعقل سليم ، فكل ما علينا هو تقديم خمسة أنواع من الأطعمة لهم وهذه الأنواع سوف تساعد علي زيادة نسبة ذكائهم وحيويتهم.
وتأتي زبدة الفستق علي رأس القائمة لاحتوائها علي الدهون المسئولة عن زيادة النمو الذهني والمهارات الإدراكية, ثم الحليب كامل الدسم الغني بالأحماض الدهنية والكوليسترول الذي يحتاجه الأطفال خاصة الذين لم يتجاوزوا السنتين.
ويري الباحثون أن الكوليسترول ضروري للأطفال في هذه المرحلة لدوره المهم في بناء وتنشيط الخلايا العصبية والدماغية ، كما يساعد في عزل خلايا الدماغ وبالتالي يقلل من وجود الدورات القصيرة في وظائف الاتصال.
وفي كتابها تغذية الأطفال والقدرات الذهنية تؤكد الدكتورة اليزابيث وارد أستاذة التغذية في جامعة كامبريدج أهمية البيض في تغذية الأطفال لغناه بالكوليسترول والبروتينات والعناصر الغذائية الضرورية للنمو مثل مادة الكولين الشبيهة يفيتامين ب والتي أثبتت الدراسات قدرتها علي تحسين التعلم والذاكرة.
كما ضمت قائمة الأطعمة المنشطة للذكاء السمك أيضا خاصة التونة لغناها بالأحماض الدهنية المتعددة واللازمة لسلامة العقل والجسم ، كما جاءت اللحوم الحمراء في القائمة أيضا لما تحتويه من كميات ضخمة من الحديد والبروتينات والألياف والفيتامينات وفيتامين ب12 علي وجه الخصوص .
إسلام ويب

Post: #483
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:11 AM
Parent: #384

مما لا شك فيه أن الأحفاد هم امتداد طبيعي للأجداد يأخذون منهم الحب والرعاية والحنان والتدليل والمعرفة، ويسعدون بقصصهم التراثية وحكاياتهم وحزاياهم، وهو ما يحدث التوازن المطلوب، في مقابل شدة وعنف الآباء الذين يعانون من الضغوط النفسية والاقتصادية والاجتماعية، بعكس الأجداد الذين زالت عنهم هذه الضغوط، ولذا فهم يتصرفون بهدوء وروية أكثر من الآباء، وقد يصل هذا الهدوء إلى حد التدليل الزائد وعدم مصارحة الأبوين بما يفعل الأحفاد من أخطاء، كما أن الأجداد يشعرون بسعادة وجود الأبناء معهم، لأنهم يقتلون عزلتهم ويشعرونهم بأهميتهم، ولكن بعض الآباء والأمهات يرفضون هذا الدور من الأجداد والجدات بحجة إفساد الأبناء بالتدخل السلبي في طريقة تربيتهم لأبنائهم.

ما هو رأي المختصين في ذلك ؟
يقول الأستاذ الدكتور محمد رفقي عضو هيئة التدريس بكلية التربية ـ جامعة الكويت: إن بعض الآباء والأمهات يرفضون منح سلطاتهم ومسؤولياتهم لأحد مهما كان، ولكن من الممكن في حالة السماح النفسي الاستفادة من الأجداد لتحقيق بعض الأغراض، فمن منظرو الجد أنه ربى ابنه حتى رضي عن نفسه وفجأة وجده يستقل بذاته، وبالتالي فإنه يجد متعته في تربية أبناء الأبناء في الغالب، ويكون غير واثق من قيام ابنه أو زوجته بهذه المهمة، ويصعب عليه أيضًا أن يكون ذا سلطة في موقعه وينتهي به الأمر أن يفقد هذه السلطة فجأة، وهذا المحور النفسي هو القضية الأساسية لدى المسنين، فإذا كان التقاعد الوظيفي مدعاة للاضطرابات النفسية فإن التقاعد الأسري يؤدي إلى النتيجة نفسها تقريبًا.
ويضيف الدكتور رفقي : بالنسبة للزوج والزوجة مشكلتها أنهما يريان أن ذلك تدخلا في صلاحيتهما مما يعني :
أ ـ عجزهما
ب ـ استمرار الولاية عليهما من قبل الكبار.
جـ ـ الحاجة إلى دعم خارجي.

وقد تكون بالفعل هذه الأمور بعضها موجودة، لكنه لا يريد أن يذكره أحد بها، وتدخل الأب والأم سواء من ناحية الزوج أو الزوجة يذكره بذلك وهذا أمر مرفوض نفسيًا، لذلك حين يقال للزوج أو الزوجة أرسل الولد إلى الجد أو الجدة أو العكس فإنه يرفض، أما بالنسبة للأبناء فإننا نعتقد أنهم لا يفهمون هذه الصراعات لكنهم يفهمون أكثر منا لأنها تتعلق بهم ويستثمرون هذه الصراعات لصالحهم باللجوء إلى المصدر الذي ينافس الآخر في الاهتمام بهم فيزيدون من إشعال النار دون قصد لكنهم يتعاملون مع المحيط الاجتماعي بما يشبع رغباتهم.
ومن الضروري أن يفهم الأبناء (الزوج والزوجة) أن هذه العلاقة تشبه ثلاثة رؤوس فإن تفاهموا سارت الأمور بشكل جيد، أما إن اختلفوا فسيلتف كل منهم حول ذاته، ليقويها كحالة من الدفاع عن النفس.

إننا إذا أردنا أن تستقيم الأمور فعلينا أن يبدأ كل منا بنفسه أولاً: ولا يطلب ما يفعله الآخرون على مبدأ (إذا علمت فاستقم)، فلا أقول إن الأب عليه أن يفعل كذا أو الأم عليها أن تفعل كذا أو الزوجة عليها أن تفعل كذا، بل أبدأ أنا بفعل ما هو مطلوب مني أولاً.
الأمر الثاني : أن أفهم كل سلوكيات الآخر من منظرو إيجابي ولا أؤول الأمور تأويلاً سلبيًا.
الأمر الثالث : هو القيام بالأدوار المخالفة، وذلك بأن أضع نفسي مكان أبي أو أمي لأفهم ظروفهما وخير الناس أعذرهم للناس.
الأمر الرابع: السلوك الإيجابي أي أن يضع الإنسان في رأسه أن أبويه لهما حق عليه، ولابد أن يجلس معهما ويناقشهما ويخصص لهما الوقت الكافي.
الأمر الخامس : احترام الكبير ولا يمنع الإحساس بالمساواة أو الرغبة في تحقيقها أن يكون عادلاً عدالة شرعية، وأن تشعر من أمامك أن لكل إنسان قدره وقيمته، فقد لا تساوي بين أولادك وأن احترام السن واجب وبالتالي تنتقل هذه السلوكيات للأحفاد.
الأمر السادس: هو الدعم بمعنى تعزيز السلوكيات الإيجابية فلو قامت زوجتك بموقف إيجابي تجاه والديك فلا تتجاهل هذا السلوك بل أمدحها من أجله، ولا تتحرج أيضًا من مدح نفسك إذا قمت بعمل مماثل.

الدكتور عبد اللطيف خليفة عضو هيئة التدريس بقسم علم النفس ـ جامعة الكويت ـ يقول:
إن الاختلاف بين الآباء والأجداد حول تربية الأحفاد أمر ليس له حل نهائي، ولكن من الممكن التفاهم حوله، وأن يكون هذا التفاهم بعيدًا عن الأحفاد. ويجب أن يُفهم أن دور الأجداد هو الرعاية النفسية والمشورة والتدليل المقنن، أما دور الآباء فهو التربية .
1 ـ أن تدرك الزوجة أن زوجها الذي اختارته من بين كل الرجال قد ربته هذه الأسرة التي ترفض نصيحتها في تربية أبنائها وكذا الزوج.
2 ـ معالجة الأمور مع الأبناء سواء بالثواب أو العقاب بعيدًا عن الأجداد.
3 ـ إدراك أن ما يقوم به الأجداد مع الأبناء من تدليل يرجع إلى حبهم لهم كما يقول المثل الشعبي (ما أعز من الولد إلا ولد الولد).
4 ـ قرب الأحفاد من الأجداد أمر طبيعي ومن المفروض ألا يغضب الأبناء.
5 ـ في حال حدوث تعارض بين الأبناء والأجداد حول تربية الأحفاد لا يجوز أن يكون النقاش أمام الأبناء، ويجب أن يتم التفاهم مع الأجداد بالحسنى وأن ذلك في مصلحة الأحفاد والاتفاق على صيغة ثابتة حتى لا يتشتت الأحفاد.
6 ـ لابد أن تحاول الأم الاستفادة من الجدة أو الجد الموجود في البيت في رعاية الأطفال، لأنهما أكثر حرصًا عليهم من الخدم، وسوف يتعلمون منهم أصول دينهم وعاداتهم وتقاليدهم وسلوكهم الحسن على العكس من تركهم مع الخادمة .
إسلام ويب

Post: #484
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:12 AM
Parent: #384

كشفت دراسة أجرتها شركة بريطانية لصناعة وتسويق علاج طبيعي لمشكلة الشخير أن الشخير قد يهدم الحياة الزوجية والعلاقات الاخرى.
فقد أجرت شركة باشون فور لايف دراسة على 1000 من الازواج والزوجات وغيرهم من الذين يعيشون معا، تم تحديدهم عن طريق إعلانات في المجلات الخاصة بالمرأة وأخري خاصة بالصحة وتوصلت إلى أن 80 في المائة منهم يلجئون للنوم كل على حدة بسبب الشخير.
وقال 40 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن الشخير يؤثر سلبا على علاقاتهم ويؤدي إلى وقوع شجار بينهم.
ووصف بعض الذين اشتملت عليهم الدراسة صوت الشخير بالاستماع إلى صوت وحيد القرن أو الصوت الذي يحدثه منشار آلي وقال آخر عن الشخير إنه "جحيم".
وفي العادة يكون الرجل هو مصدر الشخير، ففي 70 في المائة من الحالات كان الشخير ناجماً عن الرجل.
وقال ربع الذين اشتملت عليهم الدراسة أن علاقتهم الجنسية انهارت بسبب الشخير، فيما قال أكثر من نصفهم أن الشخير يؤدي إلى وقوع شجار فيما بينهم.
وقال العشر أن الشخير جعلهم يفكرون في الانفصال.
وتقول دنيس نوليس من مركز ريليت للاستشارات الزوجية "إذا وصلت تلك المشكلة إلى مرحلة يتجاهل فيها الطرف الذي يحدث الشخير توسلات الطرف الاخر للقيام بشيء لحل المشكلة، فهذا من شأنه أن يظهر الافتقار إلى مراعاة مشاعر الطرف الاخر وهذا سيبدأ غالبا في النفاذ إلى أوجه أخرى في العلاقة بينهما".
وأضافت "كثيرا ما يكون الامر بهذه الخطورة وعندما يقع الطلاق، يلقى اللوم على الشخير".
وأظهرت نتائج الدراسة أن الطرف الاخر ليس وحده هو الذي يتأثر بتلك المشكلة، فالطرف الذي يحدث الشخير لا ينعم هو الاخر بنوم هادئ وهذا يؤدي إلى شعور بالتعب أثناء اليوم.
واعتاد آلان ميات، منادي البلدة الذي سجل اسمه في موسوعة جينيس للارقام القياسية العالمية باعتباره صاحب أعلي صوت حيث بلغت قوة صوته 112.8 ديسيبيل، أن يصدر شخيرا ولكنه عولج الان من هذا الداء.
وقالت زوجته جاكي أن الشخير جعلها تعاني من آلام في أذنيها طيلة أعوام.
وفي محاولة لتهدئة روع الذين يعانون من الشخير، قالت شركة باشون فور لايف أن المشاهير أيضا يعانون من الشخير.
فقد قالت كورتني كوكس، نجمة حلقات فريندز التي تزوجت مؤخرا أن زوجها ديفيد أركيت يشخر بصوت رهيب بينما تردد أن روزان تجبر زوجها بن توماس على النوم في غرفة أخرى بسبب الشخير الذي يحدثه
اسلام ويب

Post: #485
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:14 AM
Parent: #384

ان من صفات الأزواج والزوجات الحاصلين على درجة عشرة على عشرة أنهما يحافظان على حبهما الزوجي ويحرصان على تنميته وتطويره ليكون متوقدا دائما، لأن هناك كثيرا من الزيجات تفاجأ "بموت الحب" بين الطرفين فتصبح علاقتهما الزوجية علاقة جافة قاتلة، ولولا الأبناء لما استمرا في زواجهما، ولكن هناك صنف آخر يشع الحب من نفسيهما من خلال العبارات والنظرات والإشارات، ولهذا فإننا ننصح كل من أراد حبا دائما أن يتبع التعليمات التالية:
1- رددا معا : عسى الله أن يجمعنا في الدنيا والآخرة: إن مثل هذه العبارة وغيرها تزيد من بنيان العلاقة الزوجية وتقوي الحب بين الزوجين حتى يدوم ولا يموت ومن أمثلتها (لو عادت الأيام لما قبلت بزوج غيرك).
2- الإكثار من تصرفات التودد والمحبة : وهي تصرفات صغيرة وبسيطة ولكنها ذات قيمة كبيرة وثمن غال ومنها أن يضع أحد الزوجين اللحاف على الآخران رآه نائما من غير لحاف، أو أن يناوله المسند إذا أراد الجلوس أو أن يضع اللقمة في فيه، أو أن يربت على كتفه عند رؤيته لفعل حسن، أو أن يحضر الشاي ويقطع الكيكة ويقدمها له، وكل هذه التصرفات إذا صدرت عن الزوجة لزوجها أو عن الزوج لزوجته فإنها تؤكد معاني الحب بين فترة وأخرى.
3- إيجاد وقت للحوار بين الزوجين بين فترة وأخرى : فلا يشغلهما شاغل ويشاهد كل واحد بريق عيون الثاني ويلمس دفء يديه ويتحدثان عن ماضيهما وحاضرهما ومستقبلهما فيكونان صديقين أكثر من كونهما زوجين، فكلمة من هنا وقصة من هناك، وضحكة من هنا ولمسة من هناك، تجدد الحب بينهما وتعطيه عمرا أطول .
4- التعبير عن رغبة كل واحد منهما للآخر: في الذهاب إلى غرفة النوم وتناول الأحاديث الخاصة في هذا الموقع وللتقارب الجسدي أثره النفسي على الزوجين، كما أن له أثراً كبيرا على زيادة الحب بينهما .
5- تأمين المساندة العاطفية عند الحاجة إليها: مثلا إذا كانت الزوجة حاملا فان زوجها يقف بجانبها ويعيش معها آلامها ومشاعرها أو إذا كان الزوج مريضا فتسانده الزوجة بعاطفتها وهكذا فان الدنيا كثيرة التقلب تحتاج من كل طرف أن يقف مع الآخر ويسانده عاطفيا حتى يدوم الحب.
6- التعبير المادي بين حين وآخر: فيهدي الزوج زوجته هدية سواء أكانت في مناسبة أومن غير مناسبة، ودائما للمفاجآت أثر كبير لأنها غير متوقعة، وكذلك تهدي الزوجة زوجها، فان الهدايا تطبع في الذاكرة معنى جميلا وخصوصا إذا كانت مشاهدة دائما، كساعة أو خاتم أو قلم يكثر استخدامه، فانه يذكر بالحب الذي بينهما ويعطر أيام الزواج ولياليه، وهنا نشير إلى أن الهدية يكون لها أثر أكبر إذا كانت توافق اهتمام الطرف الآخر، فالنساء بطبيعتهن عاطفيات يملن للهدايا التي تدغدغ مشاعرهن وأما الرجال فعقلانيون ويميلون للهدايا المادية كثيرا.
7- الإكثار من الدعاء بعد كل صلاة وفي أوقات الإجابة: كالثلث الأخير من الليل، أو بعد الانتهاء من الوضوء أو بين الأذانين أو يوم عرفة أو أثناء السفر بأن يديم لله تعالى الحب بين الزوجين ولا يميته فيكون حيا دائما وما ذلك على لله بعزيز .
8- أن يتعامل كل واحد منهما مع الآخر بروح التسامح وحسن العشرة والتغافل عن السلبيات: والتركيز على الايجابيات وان يتعاملا فيما بينهما كما يحبان لا كما يريدان فإن ذلك يعزز الحب بينهما ويجعله دائما.
9- أن يعلما أبناءهما كيف يحترمان والديهما : بالتقبيل والمساعدة والتضحية والتقدير، فعندما يقف الزوج مع أبنائه وقفة تقدير لأمهم فأنها تشعر بالفرح والسرور، ولا تنسى تلك المواقف فيتجدد حبهما من جديد وكذلك الزوجة مع أبنائها تجاه أبيهم.
فليجرب القارئ والقارئة هذه الوسائل التسع للحفاظ على الحب والدعاء باستمراره بإذن الله تعالى فيجتمعان في الدنيا ويلتقيان في الجنة بإذن الله.
جاسم المطوع-اسلام ويب

Post: #486
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:16 AM
Parent: #384

إن البيت المسلم السعيد هو الدعامة الأساسية لقيام المجتمع المسلم الرشيد وإن الأسرة المسلمة الآمنة المستقرة ضرورة لابد منها لصلاح المجتمع وتماسكه وشرط لا مفر منه إذا ما أريد لأمة أن تعز وأن تنتصر وتسود ولهذا كانت عناية الإسلام كبيرة بالأسرة فأقام على الحق والعدل بناءها وثبت بالود قواعدها وقوى بالخوف من الله عُراها .
ولهذا بذل أعداء الإسلام جهوداً مضنية لتدمير الأسرة المسلمة وتفكيك أواصرها ، وسلكوا إلى ذلك سبلاً شتى ، فحرضوا الزوجات على التمرد على أزواجهن، وزينوا للنساء سبيل هجر البيوت
والانطلاق إلى الشوارع والطرقات في ظل شعارات زائفة. ونشأت من جراء ذلك مشاكل لم تكن لتوجد أصلاً لو أن الأمور سارت وفق ما أمر الله .
وعمل أعداء الإسلام كذلك بما يملكون من وسائل الإعلام وغيرها على تخريب علاقات الحب والاحترام بين الآباء والأبناء وبين الأمهات والبنات وبين الشيوخ والشباب تحت ستار مبادئ اخترعوها مثل ضرورة الاختلاف بين الأجيال وما إلى ذلك من الأباطيل والأقوال .
وإذا كان أتباع الباطل جادين في نصرة باطلهم فأولى بأتباع الحق أن ينصروا حقهم، لكن ذلك يقتضي عملاً دؤوبا وجهاداً مستمراً في جميع المجالات وعلى كل المستويات حتى يتحقق الأمل وتجنى الثمار ، (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ) [الروم:4،5].
كيف تتحقق السعادة في البيت ؟
البيت المسلم يتكون من رجل وامرأة جمع بينهما الزواج الشرعي المعلن ، والزواج ـ الذي هو أصل الأسرة في الإسلام ـ تنظيم لفطرة أودعها الله في الإنسان ، به يتميز عن الحيوان ، وهو إشباع لهذه الفطرة بطريقة كريمة تناسب الإنسان الذي كرمه الله سبحانه واستخلفه في الأرض لعمارتها .
يقول الله تعالى : (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [الإسراء:70].
وإذا تصورنا أن عقد الزواج بين رجل وامرأة هو عقد شركة بين طرفين كل منهما كامل الأهلية ، فإن كل شركة قابلة للربح والخسارة، تربح إذا نظمت تنظيما سليماً وأديرت إدارة رشيدة وأدى كل شريك واجبة على الوجه الأكمل ، وسادتها روح التفاهم والمودة وتوافرت فيها الأمانة والإخلاص بين طرفيها .
يقول الله تعالى في الحديث القدسي : ( أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما ).( رواه أبو داود ).
والإسلام يبغي لشركة الزواج التي تنشأ بين رجل مؤمن وامرأة مؤمنة أن تنجح وتربح وتثمر أطيب الثمرات، ذرية طيبة تجاهد في سبيل الله وترفع راية الحق وتنشر العدل والسلام في الأرض ، ومن أجل ذلك رسم الإسلام طريقاً واضح المعالم ميمون الخطوات .
أولاً : اختيار طرفي الشركة :
وحتى لا نخدع بالمظاهر أو نتأثر بالأهواء فنقع في الخطأ أرشدنا الإسلام إلى الطريقة المثلى لاختيار شريك الحياة .
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " تنكح المرأة لأربع لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها ، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". متفق عليه .
فمن استطاع الحصول على امرأة ذات خلق ودين تشاركه الحياة في بيته زوجة صالحة فقد ظفر وانتصر . وذلك لا يعني أن الجمال مرفوض فإن وجوده من أسباب السعادة بلاشك وكذا بقية الصفات المذكورة في الحديث غير أنه ينبغي ألا يكون هو الهدف ، وعليه فيجب أن تتوافر في المرأة مع الدين صفات :
1. الجمال : لقوله صلى الله عليه وسلم : " انظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما " رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه .
2، 3. ـ أن تكون ودوداً ولوداً . لقوله صلى الله عليه وسلم : " تزوجوا الودود الولود" .. رواه أبو داود والنسائي .
4. ويستحب أن تكون قليلة المهر لقوله صلى الله عليه وسلم :" أعظم النساء بركة أيسرهن صداقاً " ( رواه الإمام أحمد والبيهقي )،
5 . أن تكون بكراً لحديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وقد تزوج ثيباً فقال رسول الله صلى عليه وسلم : " هلا بكراً تلاعبها وتلاعبك " (متفق عليه) .
أما أهم الصفات التي ينبغي أن تتوافر في الزوج فهي الدين والخلق . يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه. إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " . (رواه الترمذي وأحمد) .
وقال رجل للحسن : إن لي بنية فمن ترى أن أزوجها ؟ فقال : زوجها ممن يتقي الله تعالى فإنه إن أحبها أكرمها وإن أبغضها لم يظلمها .
ثانياً : إدارة الشركة :
لابد لنجاح أية شركة من وجود إدارة تقوم بشأنها وتحفظ أمرها ، وأن تكون لهذه الإدارة صلاحيات البت في كل ما يطرأ من مشاكل أو يستجد من أحوال ، ولا يقبل أبداً أن تترك هذه المسألة دون تحديد واضح لئلاً يتنازع الطرفان الرئاسة ويتجاذبا القيادة فيقع الخلاف وتدب الفوضى ويحل الشقاء .
وبنظرة موضوعية نتساءل : أي الطرفين مؤهل للقيادة في شركة الأسرة الرجل أم المرأة ؟ لقد أنعم الله تعالى على النساء بقسط وافر من جيشان العاطفة ونبل المشاعر ورهافة الإحساس ، وفي مقابل ذلك أنعم سبحانه على الرجال بنصيب أوفر من حسن التبصر ودقة التفكر وعظيم الروية والنظر في عواقب الأمور دون تسرع أو انفعال ، ولا ينكر ذلك إلا جاحد ومكابر .(هذا هو الغالب المشاهد ولا يعني هذا أن المرأة قليلة التبصر، وأن الرجل خال من العاطفة)
إن من مصلحة هذه الشركة ومن أجل سعادة طرفيها المؤسسين ومن يعيش في ظلالها من بنين وبنات أن يسلم زمام الإدارة إلى الزوج ، رب الأسرة وعمادها ومثلها الأعلى . وهذا ما جاء به القرآن الكريم وأمر به الله العلي الحكيم بقوله تعالى : (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ )[النساء:34].
ثالثاً : التشاور :
ومادامت القوامة حكماً ورياسة ؛ فإن كل حاكم في الإسلام ليس مطلق الصلاحيات وإنما هو محكوم بشرع الله مسؤول بين يديه سبحانه عن رعيته التي استرعاه ، حفظهم أم ضيعهم ؟ عدل فيهم بمقتضى أمر الله ونهيه أم ظلمهم ؟
والشورى شرعة شرعها الله في دينه لتقوم عليها العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ولا يظن أحد أن ذلك خاص بحكام الأمة وأمرائها وإنما هو عام يشمل كل حاكم وكل قائد على أي مستوى وفي أي موقع .
رابعاً : توزيع الأعمال والاختصاصات:
في كل شركة لابد أن يكون لكل شريك حقوق وعليه واجبات حتى تستقيم الأمور، وكذلك فعل الإسلام بالنسبة للبيت؛ فقد جعل لكل من الزوجين حقوقاً ورتب عليها واجبات ، لن تتحقق السعادة إذا أهمل أحد الطرفين أداء واجبه وراح يطالب الآخر بحقوقه عليه، وإنما ينبغي لكل منهما أن يبادر بتأدية ما عليه من واجبات، رغبة في إسعاد شريكه وإدخال السرور على نفسه، وعلى الآخر مثل ذلك .
فقد تكفل الله سبحانه وتعالى وهو أحكم الحاكمين بتحديد تلك الحقوق والواجبات حتى لا يتظالم الشريكان فتتبخر السعادة ، ووفق قاعدة متوازنة دقيقة من صنع العليم الحكيم تقرر الأمر على أساس العدل يقول سبحانه: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[البقرة: من الآية228].
خامساً : حقوق الزوجة :
قرر الإسلام للزوجة حقوقاً طالب بها الزوج وحثه على القيام بها بحكم ولايته للأسرة ورياسته لها ومسؤوليته عنها ، منها .
1. أن يكون حسن الخلق في معاملتها : وليس حسن الخلق معناه أن يكف الأذى عنها فحسب ، ولكن معناه أن يتحمل ما قد يبدر منها وأن يكون حليماً عند غضبها ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم.
2. المداعبة والمزاح والملاعبة : فإنه بهذا تطيب قلوب النساء ويغشاهن السرور والحبور ويأنسن بالزوج ويسعدن بقربه، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فقد روى أنه كان صلى الله عليه وسلم يسابق عائشة رضي الله عنها فسبقته مرة وسبقها أخرى فقال ".. هذه بتلك " (رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه) .
وهو صلى الله عليه وسلم القائل :" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله " . (رواه الترمذي والنسائي والحاكم ).
3. أن يغار عليها : وغيرة الرجل على امرأته من ثمرات الإيمان ومن دلائل المروءة وأمارات الحب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أتعجبون من غيرة سعد ؟ أنا والله أغير منه والله أغير مني "( متفق عليه) .
وغيرة الله أن يأتي الرجل المؤمن ما حرم الله عليه ، والغيرة المحمودة هي الغيرة المعتدلة ، أما الغيرة المفرطة والتي لا يوجد لها مبرر فهي مذمومة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الغيرة غيرة يبغضها الله عز وجل ، وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة ". (رواه أبو داود والنسائي ابن حبان) .
حقوق الزوج :
وكما أن على الزوج حقوقاً لزوجته، فكذلك للزوج حقوق على امرأته ، وقاعدة الإسلام العادلة أنه لا حق إلا في مقابلة واجب ، ونذكر من هذه الحقوق ما يلي:
1. الطاعة : فلا يجوز للمرأة عصيان زوجها أو مخالفة أمره إلا فيما حرم الله وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كنت آمراً أحد أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها " رواه الترمذي وابن ماجه.
2. التجمل : على المرأة أن تتجمل لزوجها وأن تتزين له بحيث لا يقع نظره عليها إلا وهي في أحسن حالاتها بهاء .
3. أن تكون بارة بزوجها : ومن البّر به ألا توقعه في الحرج والإثم بعنادها وإصرارها على خلاف ما يطلب، وعمل ما لا يرغب ، خاصة إذا أقسم عليها أن تفعل شيئاً ما أو أقسم عليها ألا تفعل.
والمرأة الصالحة تبر زوجها إذا أقسم ولا تضطره للتكفير عن يمينه بعد الحنث فيها؛ لأنها تخشى الله وترعى حق زوجها ولاتضطره لتحمل المشقات، فضلاً عما يسببه هذا التصرف من انعكاسات تعود على البيت .
4. الرعاية التامة : وتعني أن على المرأة أن ترعى حق زوجها غائباً وحاضراً فيجب ألا تدنس عرضه ولا تبدد ماله، وأن تبتعد عن كل ما يسوءه أو ينال من سمعته، وأن ترحم أبناءه وبناته سواء كانوا أبناءهما معاً أم لا .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل خيراً له من زوجة صالحة ، إن أمرها أطاعته ، وإن نظر إليها سرته ، وإن أقسم عليها أبرته ، وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله " (رواه الإمام أحمد) .
5. القناعة : يجب على الزوجة العاقلة ألا ترهق زوجها بكثرة المطالب وأن تكون قانعة راضية بما قسم الله لها، فإن كثرة مطالب المرأة ربما تدفع زوجها إلى السعي في كسب الحرام وفي ذلك شقاء الأسرة كلها في الدنيا والآخرة، وأيضاً فإن كثرة مطالب الزوجة تجعل الزوج يعيش مهموماً مغموماً عندما لا يستطيع تلبية مطالبها، وهمه وغمه لابد أن ينعكس عليها وعلى البيت كله ، وفي الكتاب العزيز : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) [ الطلاق : 7].
6. الوعظ والتهذيب : قرر الله تبارك وتعالى هذا الحق ليستعان به على حفظ دعائم البيت كيلا تعصف به رياح الغضب أو تدمره عواصف الخلاف .
ولأن الرجل هو المسؤول عن حفظ البيت ورعايته والدفاع عنه ضد الأنواء والأعاصير فقد كلفه الله تبارك وتعالى بذلك في قوله الحكيم : (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) [النساء:34].
فإذا ظهرت على المرأة أعراض النشوز ـ وهو التمرد والعصيان ـ فإنه يحق للزوج أن يقوم بنصحها ووعظها حيث يذكرها بالله سبحانه ويخوفها من غضبه وعقابه ، ويذكرها كذلك بحقه عليها ، وبأن الله تعالى فرض عليها طاعته ، على أن يكون ذلك بطريقة حكيمة مؤثرة، وليس له أن يزيد على ذلك، نحو سب أو شتم أو كلام مكروه ، فإن لم ينفع هذا العلاج كان له أن ينتقل إلى ما بعده وهو الهجر بأن يعرض عن كلامها وليس له أن يزيد في ذلك على ثلاثة أيام ، وأن يعتزل فراشها ولا يزيد ذلك على شهر وقوفاً عند حدود ما ورد في ذلك ، فإذا لم ينفع هذا العلاج أيضاً انتقل إلى الأمر الثالث وهو الضرب ، وكان صلى الله عليه وسلم يكرهه وما فعله قط .
وبعد :
فإن البيت السعيد يزهى بالمرأة الصالحة الحافظة لزوجها ، ونفسها ، وبيتها ، القائمة على رعاية ما استرعاها الله ـ سبحانه ـ وهي التي يبارك لها ويتم بها الخير والسعادة.
الشيخ السيد عسكر-إسلام ويب

Post: #487
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 04:18 AM
Parent: #384

الخلق .. تربية أم وراثة ؟
التربية في جوهرها عملية أخلاقية وفي ذلك يقول جون ديوي في كتابه(( تجديد في الفلسفة )) ، إن علمية التربية والعملية الأخلاقية شيء واحد ما دامت الثانية لا تخرج عن أنها انتقال الخبرة باستمرار من أمر سيء إلى أحسن منه وأفضل .

ويقول في كتابه (( المبادئ الأخلاقية في التربية )) إن النمو الأخلاقي هو الغاية القصوى من العمل المدرسي كله ، وقبل جون ديوي ذهب (( جون لوك )) إلى أن هدف التربية هو غرس الفضيلة في النفوس، ويقول هربرت سبنسر في كتابه (( التربية )) : لم يهمل ولاة الأمور شيئاً إهمالهم إنعام الفكرة في تأديب أطفالهم وتعويدهم ما حسن من الخصال وطاب من الحلال ولعلهم ظنوا الأمر هينا والخطب سهلاً، فحسبوا أنهم قادرون بلا فحص ولا بحث أن يودعوا طبائع صبيانهم ما شاءوا من المناقب، ولم يعلموا أن علم تهذيب النفوس علم صعب المأخذ وعر الملتمس ، وحق لمغفله أن يخيب في تأديبه غلامه.

وهو بذلك يوضح أن التربية الأخلاقية ليست عملية سهلة وإنما هي عملية صعبة شاقة تقتضي منا الفكر والنظر .
والسؤال الذي يطرح نفسه : هل يتكون الخلق بالتربية أم ينقل بالوراثة ؟ ذلك أن بعض الآباء يظن وليس كل الظن إثماً أن الخلق ينتقل إلى الأطفال بالوراثة من الوالدين والأجداد ، وبالتالي لا يحاولون التأثير في أطفالهم لأنهم مؤمنون مسبقاً أنه لا يحصل شيء من ذلك. ولقد كتب مكارنكو في كتابه للآباء والأمهات معتمداً على تجربته الخاصة قائلاً إنه لم يعرف في حياته حالة واحدة ظهر فيها الخلق القديم من تلقاء نفسه، ومثل ذلك لا يوجد خلق دميم عند الطفل إذا عاش وتربى في ظروف طبيعية ، ومع ذلك لا يجوز الإنكار كلياً دور الأصول البيولوجية ، والخلق لا يورث بل يورث تركيب معينة من صفات العمليات العصبية الرئيسية ، كالقوة والاتزان ، وكذلك فإن الجهاز العصبي للإنسان ليس شيئاً خامداً ، بل هو قادر تحت تأثير ظروف الحياة على التغيير وإعادة تنظيم نفسه ، ويمكن للإنسان أن يناضل ضد صفاته السلبية الموروثة ـ التربية الذاتية .

وفي كتابه الحكم الخلقي للطفل حكى بياجيه قصتين عن الأطفال ، تصف كلتاهما النمو الخلقي ، حيث ارتكب الطفل الخطأ بعفوية في إحدى القصتين ، وتعمد الخطأ في الثانية ، وسئل الصغار( 5 ـ 6 ) سنوات بعد سماع القصتين ، أي الطفلين أكثر إجراما من الآخر ؟ وكان القرار صعباً ، لأن التهديد الناجم عن الخطأ العفوي كان أشد من التهديد الناجم عن الخطأ المتعمد … إليكم قصتي بياجيه.
جلس الطفل ( ح) في غرفته ، ثم دعي للغداء ، فذهب إلى غرفة الطعام ، ولم يعرف ( ح) بوجود صينية خلف الباب تحمل خمسة عشر كوباً زجاجياً فصدمها وتحطمت الأكواب الخمسة عشر .

رغب الطفل ( هـ ) حينما كانت أمه خارج البيت في تناول بعض المربى من الخزانة ، صعد الطفل على كرسي ومد ذراعيه ، وكان وعاء المربى بعيداً عن متناوله فسقط الوعاء بسبب محاولة سحبه وتحطم. سأل بياجيه الأطفال تكرار القصتين بعد قراءتهما وذلك للتأكد من فهمهم لهما ثم أضاف سائلاً : هل يتساوى الطفلان في اللوم ؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك فأيهما يلام أكثر من الآخر؟
فلام الصغار بين العمرين ( 5-6) سنوات الطفل الذي أحدث الضرر الكبير ودعوا إلى معاقبته بشدة أكثر من الآخر ، إلا أن أغلب أبناء السابعة والثامنة لاموا الطفل الذي تعمد الخطأ ، فقالوا أن على الطفل الذي فعل شيئاً لا يحق له عمله أن يعاقب أكثر من الآخر الذي ارتكب خطـأ عن غير عمد .

وخلص بياجيه إلى القول بأن للصغار مفهوماً بدائياً عن السلوك الخلقي بحيث إنهم يجعلون العقوبة موازية للأثر السيئ ، وذلك خلافاً للأطفال الكبار الذين يتصف مفهومهم الخلقي بضرب من الموازنة العقلانية، فيحكمون على الجرم في إطار تعمده وتلقائيته. وعند دراسة مفهوم العدالة عند الأطفال. لاحظ بياجيه أن الصغار ــ ( 5 -6) سنوات ــ يميلون إلى الاعتقاد بأن الشخص الذي يحل به الأذى خلال مساهمته بعمل محرم، إنما يعاقب فعلاً وبصورة تلقائية، أما الأطفال الكبار فكانوا يعون أن الممكن للمشارك في عمل محرم أن يتهرب من العقاب، ولقد أثبتت الدراسات بالفعل أن تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما الطفل في علاقته بوالديه، فالطفل الذي يتمتع بعلاقة عاطفية دافئة مع الوالدين يكون حريصا على الاحتفاظ بهذه العلاقة ويخشى من فقدانها .

وتشير الدراسات إلى أنه يمكن للظروف التالية أن تساعد على نمو سوي للضمير عند الطفل وهي : أن يكون لدى الوالدين نفسيهما ضمير ومعايير خلقية ناضجة معقولة ، وأن يكون تبني الطفل للمعايير الوالدية قائماً على أساس عملية توحد إيجابية حباً لا خوفاً .

ولقد اهتم الإسلام بالأخلاق الحميدة واعتبرها الأساس الذي تستند إليه كل معاملات الإنسان مع خالقه سبحانه وتعالى ومع نفسه ومع الآخرين، وامتدح رب العزة سبحانه وتعالى نبيه الكريم صلوات الله وسلامه عليه ووصفه بقوله تعالى: ( وإنك لعلى خلق عظيم ) [ القلم : 4] . وهناك نقطة مهمة في نظر الإسلام إلى الأخلاق هي قابليتها للتغيير والتعديل ، وهذا على عكس الرأي الذي يرى أن الأخلاق ثابتة من حيث إنها مقتضى المزاج والطبع، وأن الخلق صورة الباطن. وقد انتقد الغزالي هذا الرأي وذهب إلى القول بقابلية الأخلاق والسلوك للتعديل ، وقد جاء الإسلام بكل خلق حسن وحث المسلمين على التحلي بها ، ولقد قال أكثم بن صيفي وهو من حكماء العرب وذلك في دعوته لقومه إلى الإسلام " إن الذي ويدعو إليه محمد لو لم يكن دينا لكان في أخلاق الناس حسنا".
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل : "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق "
د. محمد سالم-اسلام ويب

Post: #488
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:08 PM
Parent: #384

الرسول صلى الله عليه وسلم زوجاً :
- كان يحب المرأة .. إنسانا ً.. وأُمّا ً.. وزوجة .. وبنتاً.. وشريكة في الحياة .
- سئل: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال frown emoticon أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك] .
وقال : [ من أدرك أبويه أو أحدهما فلم يبرهما فمات فدخل النار فأبعده الله ] .
وأمر الذين سألوه .. أن يزوجوا ابنتهم للفقير الذي تحبه ، لا للغني الذي يريدونه.
وكان صلوات الله عليه يقبّل عائشة ، وإذا شربت من الإناء أخذه فوضع فمه في موضع فمها وشرب .. وكان يتكئ في حجرها ، ويقرأ القرآن ورأسه في حجرها وكان يقبلها وهو صائم .. وزاحمته على الخروج من باب المنزل .
وغضب مرة مع عائشة فقال لها: هل ترضين أن يحكم بيننا أبوعبيدة بن الجراح ؟ فقالت: لا .. هذا رجل لن يحكم عليك لي ، قال: هل ترضين بعمر؟ قالت: لا.. أنا أخاف من عمر .. قال : هل ترضين بأبي بكر ( أبيها )؟ قالت : نعم ..
فجاء أبو بكر ، فطلب منه رسول الله أن يحكم بينهما.. ودهش أبو بكر وقال :
أنا يا رسول الله ؟ ثم بدأ رسول الله يحكي أصل الخلاف .. فقاطعته عائشة قائلة :
( اقصد يا رسول الله ) أي قل الحق .. فضربها أبو بكر على وجهها فنزل الدم من أنفها ، وقال : فمن يقصد إذا لم يقصد رسول الله ، فاستاء الرسول وقال : ما هذا أردنا .. وقام فغسل لها الدم من وجهها وثوبها بيده .
وكان إذا غضبت زوجته وضع يده على كتفـها وقال : [ اللهم اغفر لها ذنبـها وأذهب غيظ قلبها ، وأعذها من الفتن ] .
وتغضب عمر على زوجته ، فتراجعه ، فأنكر أن تعارضه ، فقالت زوجته : ( لماذا تنكر أن أراجعك ، فو الله إن زوجات النبي _صلى الله عليه وسلم _ ليراجعنه ، وتهجره إحداهن إلى الليل ) .
وكان إذا دخل على أهله ليلاً سلم تسليماً لا يوقظ النائم ويسمع اليقظان .
وكره أن يفاجئ الرجل زوجته إذا عاد من السفر فجأة .. بل يبعث لها من يبلغـها بوصوله .
دخل أبو بكر عليه وهو مغطَّى بثوبه ، وفتاتان تضربان بالدف أمام عائشة فاستنكر ذلك ، فرفع النبي الغطاء عن وجهه وقال : دعهما يا أبا بكر ، فإنها أيام عيد .
واتكأت عائشة على كتفه تتفرج على لعب الحبشة بالحراب في مسجد رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ حتى سئمت .
وهو القائل صلى الله عليه وسلم : [ من عال جاريتـين جاء يوم القيـامة أنا وهو كهاتين ] وضم أصابعه أي متساويين أو متجاورين .
رفض أن يعزل إلا بموافقة المرأة ، فليس من حق الرجل أن يتخذ هذا القرار بمفرده، ولا له أن يتصـور المرأة مجرد أداة لإشباع رغبته الجنسية ، وليس ثمّة إهانة لامرأة أكبر من رجل لا يريدها أن تحمل منه وهي تريد .
- و قال الدنيا متاع .. وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة ] وقال : [ إن أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي اإليه ثم ينشر سرها] .
محمد جلال كشك رحمه الله

Post: #489
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:09 PM
Parent: #384

خلاصة خبرات بعض الزوجات النكديات :

إذا أردت أن تجعلي زواجك نموذجا في التعاسة والشقاء وتفقدي حب زوجك واحترامه فافعلي ما يأتي:

- استقبلي زوجك بلهفة لتحاصريه بالأسئلة والاستجوابات، وتنتزعي منه اعترافات غير صحيحة، وتصدعي رأسه بالشكوي من الأبناء، وتغرقيه في تفاصيل حياة الجارات.

- تعطري له، بالبصل والثوم والزيت المقدوح، وعرق اليوم الطويل، أما زجاجة العطر التي أهداها لك فستنفعك في يوم ما، حين تهدينها مثلا لصديقة في أية مناسبة.

- تفقدي مواعيد راحته، لتقومي بالتنظيف الكامل للبيت، وشغلي الغسالة والمكنسة في وقت واحد، وتصرخي في الأولاد، وتطلبي منه تغيير المكان الذي يجلس فيه أكثر من مرة لتنظيفه.

- أعطيه قدره من وجهة نظرك من خلال مقارنته دائما بأزواج شقيقاتك وقريباتك وصديقاتك، وإشعاره بأنه لا يساوي شيئا وندب حظك معه في كل مناسبة.

- توددي إلي أمه، حتي ترعي لك الأطفال أثناء وجودك في عملك، وتقف في صفك حين تختلفان، فإذا اعتلت صحتها، أو شهدت شهادة حق ذات مرة، فكشري عن أنيابك ولا تتهاوني في إسماعها وصلة من التحقير، وانسي تماما أنها أم صاحب بيتك وجدة أولادك.

- احرصي علي ماله بالادخار منه قدر ما تستطيعين دون علمه وبمفاجأته بين الحين والآخر بطلبات لايتوقعها لتحصلي منه علي المزيد، ولا تتوقفي عن الطلب بإلحاح حتي يصرخ في وجهك ويقلب جيوبه، ويخرج ويغلق الباب وراءه بعنف وغضب.

- تزيني له، حين يكون لك عنده مطلب، وبالغي في تدليله وإسعاده حتي إذا تحقق لك ما تريدين، أظهري وجهك الآخر، وعودي إلي سابق عهدك من الإهمال والبهدلة، واجعليه يشعر بأنه أفاق من حلم سعيد قصير علي كابوس مزعج .

- اعتني بملابسه بتفتيش جيوبه بدقة بحثًا عن أية نقود ربما يكون قد نسيها، أو عن أية ورقة تدينه وتمثل بالنسبة لك ورقة ضغط تبتزينه بها، واهتمي أيضا بنظافتها إلي حد غسل الملابس الملونة بسائل التبييض لإزالة البقع وأنت تعرفين ما سيحدث بعد ذلك.

- اخفضي صوتك، وأنت " تقطعين فروته " مع أمك، أو صديقتك حتي لا يسمعك، أما وأنت تتحدثين معه اجعلي صوتك أعلي من صوته، وليكن شعارك في التعامل مع زوجك : " خذوهم بالصوت " .

- ذكريه بأيامكما السعيدة في بداية الزواج، قبل أن تفاجئيه بقائمة أعددتها سلفا بعيوبه التي ظهرت لك مع العشرة، وتتهميه بأنه كان يخدعك وبأنه تمسكن حتي تمكن، فإذا حاول الدفاع عن نفسه أسكتيه بإشارة منك، وقولي له بحدة ؛ لو حلفت لي أن الماء يتجمد لن أصدقك، وتمسكي بموقفك حتي لو شعرت بأنك تظلمينه.

- تعرفي علي هواياته حتي تنغصي عليه وقت ممارستها وتغرقيه في بحر من المشكلات، والخلافات، وتجعليه يشعر بالندم; لأنه اختارك من بين كل النساء زوجة له.

- إذا اشتري لك أو للأولاد شيئا فابتسمي ابتسامة سخرية واستهزاء واسعة، وقولي له بلا تردد: " ياما جاب الغراب لأمه ".

- ساعديه في الإنفاق حتي تكسري أنفه وتعيريه وتضمي أولادك إلي صفك حين يحدث بينكما خلاف بتذكيرهم بما تشترينه لهم، وابتزاز مشاعرهم بالملابس واللعب ليعادوا أباهم ويؤيدوك في خلافاتك معه.

- أظهري انزعاجك الشديد حين يمرض; لأن معني ذلك أنه سيأخذ أجازة من عمله، وستضطرين لخدمته، وحبذا لو أشعرته بذلك حتي يضاف الألم النفسي إلي ألمه الجسدي.

- اصنعي له ما يحبه من طعام بعد فاصل من الشكوي من قلة المصروف والبكاء علي الحظ الضائع، وترديد المثل الشعب: اطبخي يا جارية كلف يا سيدي.

- أحسني معاملة أهله أمامه فقط، وبمجرد انصرافكما من زيارتهم ابدأي في الثرثرة، والحديث عن عيوبهم وتصرفاتهم التي لا تعجبك، وإذا كانوا هم في زيارتكما فأكثري من الشكوي بعد انصرافهم من الفوضي التي أحدثوها في البيت، ومن طريقتهم في تناول الطعام، وقارني بين سلوكهم الهمجي وسلوك أهلك المتحضر، ولا تصمتي إلا إذا ترك المكان وانصرف غاضبًا.

- ودعيه وهو ذاهب إلي عمله بقائمة من التحذيرات من التأخير أو التحدث مع الزميلات، ودسي في كفه ليس كفك الدافئة لتشجيعه وتحفزيه، وإنما ورقة بالطلبات التي يجب أن يشتريها في طريق عودته.

- إذا استشعرت من تصرفاته ونظراته أنه يرغب في دعوتك للفراش، فتمارضي، واستعيني بكل الوسائل حتي يظل الأولاد مستيقظين واخترعي أسبابا تدعوك لعدم النوم عندما يدخل هو إلي غرفتكما، ولا تنامي قبل أن يستغرق هو في النوم يائسا محبطا.

- اجعلي أهلك يعرفون قدره، وذلك بأن تحكي لهم تفاصيل حياتكما، وتقحميهم في كل خلاف يحدث بينكما وتنتهزيها فرصة للحط من قدره، وكشف عيوبه، وهز مكانته وتحقيره، بحيث تدرك أسرتك أنك تزوجت أسوأ رجل وأن حظك العاثر أوقعك فيمن لا يستحقك.

- إذا دعاك زوجك للصلاة أو لقراءة ورد قرآني، فتعللي، وإن أصر قولي له بسخرية: لن آتي، و" ابقي خذنا علي جناحك ".
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #490
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:11 PM
Parent: #384

أسس الاختيار الصحيح للزوجة والزوج
الأساس الأول - الدين:

إن أول أساس وضعه لك الإسلام، لاختيار شريكة العمر، أن تكون صاحبة دين، ذلك أن الدين يعصم المرأة من الوقوع في المخالفات، ويبعدها عن المحرمات، فالمرأة المتدينة بعيدة عن كل ما يغضب الرب، ويدنس ساحة الزوج.
أما المرأة الفاسدة المنحرفة البعيدة عن هدى دينها، وتعاليم إسلامها، فلا شك أنها تقع في حبائل الشيطان بأيسر الطرق، ولا يؤمن عليها أن تحفظ الفرج، أو تصون العرض، بل إن الخطر يشتد إذا كان مع الفساد جمال، ومع الجمال مال.
من أجل ذلك بالغ الإسلام في حَثَّك على اختيار ذات الدين، وحضك على البحث عنها في كل بيت مسلم أمين.

فها هو ذا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، يبين لك أصناف الناس في اختيار المرأة، ثم يدلك على الصواب فيقول: [تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولجمالها، ولحسبها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك] ( رواه البخاري )، فإذا صرفت نظرتك عن الدين، ورحت تنشد الجمال وحده أو الحسب والنسب، والجاه والمال، فاعلم أنك مغبون، وهمتك قاصرة.

وينصح صلى الله عليه وسلم آمراً ناهياً في قوله: [لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين ولأمة سوداء خرماء، ذات دين أفضل] (رواه ا بن ماجه ). فلم يضع الإسلام مقياساً "لملكة جمال العالم" لأنه لا يوجد بعد من تتمتع بإجماع آراء الرجال وإنما اكتفى بأن يكون جمال منظرها نسبياً بالنسبة لك، وخلاصة القول أنه إذا لم يكن إلا الجمال، من غير دين... فلا.
وإذا لم يكن إلا المال، من غير دين... فلا.
وإذا لم يكن إلا الحسب، من غير دين... فلا.
ذلك أن:
جمال الوجه مع قبح النفوس كقنديلٍ على قبر المجوسي

أما إذا كان مع الدين، جمال، ومال وحسب فبالأولى، ولكن مع ذلك يستهدف الدين أولاً.

وقد كان أسلافنا الصالحون حِرَاصاً على ابتغاء ذات الدين، مهما تكن عاطلاً من حلية الحسب والنسب، والمال والجمال. وآية ذلك، صنيع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إيثاره ابنة بائعة اللبن زوجاً لابنه عاصم، وقد كان - رضي الله عنه - يتمنى أن تكون زوجة له لو كانت به حاجة إلى زواج، على ما روى الثقات من المؤرخين وفي طليعتهم الإمام ابن الجوزي في تأريخه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب حيث يقول:

(روى ابن زيد عن جد "أسلم" قال: بينما كنت مع عمر بن الخطاب - وهو يعّس بالمدينة - إذا هو قد أعيا فاتكأ على جانب جدار في جوف الليل فإذا امرأة تقول لابنتها: يا بنتاه قومي إلى اللبن فامذقيه (أي اخلطيه) بالماء، فقالت لها ابنتها: يا أُمتاه، أما علمت ما كان من عزمة أمير المؤمنين اليوم، ألا يُشاب اللبن بالماء، فقالت الأم: قومي إلى اللبن فامذقيه بالماء، فإنك في موضع لا يراك فيه عمر ولا منادي عمر، فقالت البنت لأمها: والله ما كنت لأطيعه علانية وأعصيه سراً، وكان أمير المؤمنين - في استناده إلى الجدار - يسمع هذا الحوار فالتفت إليّ يقول: يا أسلم، ضع على هذا الباب علامة، ثم مضى أمير المؤمنين في عسه، فلما أصبح، ناداني: يا أسلم امض إلى البيت الذي وضعت عليه العلامة، فانظر من القائلة، ومن المقول لها؟ انظر هل لهما من رجل؟ يقول أسلم: فمضيت، فأتيت، الموضع فإذا ابنة لا زوج لها، وهي تقيم مع أمها وليس معهما رجل، فرجعت إلى أمير المؤمنين عمر فأخبرته الخبر، فدعا إليه أولاده، فجمعهم حوله ثم قال لهم: هل منكم من يحتاج إلى امرأة فأزوجه؟ لو كان بأبيكم حركة إلى النساء، ما سبقه أحد منكم إلى الزواج بهذه المرأة التي أُعرف نبأها، والتي أحب لأحدكم أن يتزوجها. فقال عاصم يا أبتاه تعلم أن ليس لي زوجة فأنا أحق بزواجها، فبعث أمير المؤمنين من يخطب بنت بائعة اللبن لابن أمير المؤمنين عاصم، فزوجه بها، فولدت له بنتاً تزوجها عبد العزيز بن مروان، فولدت له خامس الخلفاء الراشدين الخليفة الزاهد عمر بن عبد العزيز رضوان الله عليهم أجمعين.

كان من يمن هذا التصرف الكريم أن جاءت ثمرة هذا الزواج، خليفة لا تعرف الإنسانية له نظيراً في عدالته، وزهادته، وسعادة رعاياه به، - رضي الله عنه - وتسألني الآن عن صفات ذات الدين من النساء؟

وأجيبك بما قاله صفوة البشر صلى الله عليه وسلم فعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ألا أخبركم بخير ما يكنــز المرء؟ المرأة الصالحة التي إذا نظر اليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته].
وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله عز وجل، خيراً له، من زوجة صالحة: إن أمرها أطاعته، وإن نظر إليها سرته، وإن أقسم عليها أبرته، وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله] . (رواه ابن ماجه ).
وإذا كان هذا هو وصف الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم للمرأة الصالحة المتدينة فإنه ولا شك أنها موجودة في البيئة الصالحة الطيبة، فإن كان رب البيت من الصالحين الأتقياء فلا بد من أن تكون بنياته من العفيفات المتدينات، ولهذا نصح الشاعر المسلم بقوله:
وإن تزوجت فكن حــاذقاً واسأل عن الغصن وعن منبته
واسأل عن الصهر وأحواله من جيرة وذي قرابتــــه

الأساس الثاني: الخلق:

أما الأساس الثاني لاختيار شريكة الحياة فهو أن تكون صاحبة خلق، والحقيقة أن هذا العنصر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأساس الأول الذي هو الدين، ذلك أن المتدينة لا بد من أن تكون صاحبة خلق، لأن دينها سيمنعها من فحش القول، وبذاءة اللسان، وسوء المنطق وثرثرة الكلام، وعلى كل فحسن الخلق أساس قويم، ومنهج حكيم في البحث عن المرأة، وصدق لقمان الحكيم عندما قال لولده يا بني اتق المرأة السوء فإنها تشيبك قبل المشيب، يا بني استعذ بالله من شرار النساء، واسأله خيارهن، فاجهد نفسك في الحصول على الصالحة الطيبة تلق السعادة أبد الحياة.

الأساس الثالث - أن تكون بكراً:

ثم إن الإسلام طالبك ورغبك بأن تكون امرأتك التي تريد الزواج بها بكراً، وما رغب في ذلك إلا لأن طبعك الإنساني يألف الجديد، وينفر من امرأة مسها واحد قبلك، ولهذا قال نبيك الكريم صلى الله عليه وسلم لصاحبه الجليل جابر بن عبدالله عندما علم أنه تزوج ثيباً: [هلا بكراً تلاعبك وتلاعبها] ، فعلل الصاحب الجليل زواجه بالثيب بأن أباه قد مات وترك له أخوات صغيرات يحتجن إلى الرعاية والعناية، وأن الثيب في هذه الحالة أقدر على رعاية البيت، ولولا هذا الذي قدره الله وقضاه لكانت بكراً، وفي المرأة البكر فوائد جليلة، ومحاسن وفيرة، حيث إنها تجعل كل حبها لهذا الذي اختارها من بين آلاف النساء، وما الحب إلا للحبيب الأول، ثم إنها لم تجرب الرجال من قبل فلا شك في أنها ستمنح من يتزوج بها جميع ما تملك من مودة وحنان، ولذلك قال حبيب الطائي:
نقل فؤادك حيث شئت الهوى ما الحبُّ إلا للحبيب الأول
كم منزل في الأرض يألفه الفتى وحنينه أبداً لأول منــزل

الأساس الرابع : أن تكون ولوداً:

ومن الأسس التي وضعها لك الإسلام، أن تختار المرأة الولود.
والولود تعرف بشيئين:
الأول: خلو جسدها من الأمراض التي تمنع الحمل، ويرجع في هذا إلى المتخصصين من الأطباء الذين هم أهل الذكر في هذا الشأن، وهو ما رأته بعض الدول من ضرورة العرض على الأطباء قبل الزواج.
الثاني: أن ننظر في حال أمها وعشيرتها، وأخواتها المتزوجات، فإن كنَّ من الصنف الولود فهي ولود في الغالب - إذا أراد الله - ذلك أن للوراثة من الأدوار ما لا يخفى، ومن أجل ذلك أمر المصطفى صلى الله عليه وسلم بالبحث عن المرأة الولود.
فعن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهياً شديداً ويقول: [تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة]. رواه أبو داود والنسائي .
وعن معقل بن يسار، قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني أصبت امرأة ذات حسن وجمال وإنها لا تلد أفأتزوجها؟ قال: "لا"، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة، فقال: [ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم ] (رواه النسائي وأبو داود ).

الأساس الخامس : التقارب في السن والثقافة.

ومن الأسس التي فصل الإسلام فيها القول عند اختيار شريكة الحياة هو أن يكون هناك تقارب في السن والثقافة، والنسب، وهذا هو ما يطلق عليه في فقهنا الإسلامي باسم (التكافؤ بين الزوجين)، وذلك لحفظ مستوى الحياة الزوجية، والإنسجام بين الزوج وزوجه، وقد اختلف العلماء في هذا العنصر، فمنهم من قال بضرورة هذا الأساس استناداً إلى بعض النصوص التي جاءت على لسان نبي الأمة صلى الله عليه وسلم ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: [زوجوا الأكفاء، وتزوجوا الأكفاء، واختاروا لنطفكم] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: [تَخَيَّروا لُنطفكم وانكحوا الأكفاء وأَنكحوا إليهم] . (رواه ابن ماجه).

ولكن بعضاً من العلماء لم يأخذ بهذا بحجة أنه غير صالح للحجة. وذهبوا إلى أن المسلمين بعضهم لبعض أكفاء مطلقاً، وهناك أحاديث وردت في الكتب الصحيحة المعتبرة، تدعم ما ذهب إليه هؤلاء العلماء، من ذلك ما روى البخاري عن سهل قال: مرّ رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: [ما تقولون في هذا] ؟ قالوا: حريّ إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يستمع ثم سكن فمر رجل من فقراء المسلمين فقال: [ما تقولون في هذا] ؟ قالوا: حري إن خطب ألا ينكح وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يُسمع، قال صلى الله عليه وسلم: [هذا خير من ملء الأرض مثل هذا] .

وظاهر هذا النص أن الفقير كان أحسن ديناً وخلقاً من الأول.
عادل عبدالمنعم أبو العباس-اسلام ويب

Post: #491
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:13 PM
Parent: #384

الوفاء نبض القلوب المحبة
الوفاء هو نبض القلوب المحبة، هو ذاك العبير الذي ينبعث من جنبات الأسر السعيدة، فالحياة الزوجية التي تخلو من الوفاء كالجسد بلا روح، ولقد بات الوفاء عملة نادرة قلما تجده بين زيجات هذه الأيام ، وبطلة حكايتنا سطرت في قصة زواجها سطورًا من الوفاء النادر، حيث عاشت مع زوجها حياة لا تستطيع أن تصبر عليها زوجة في عصرنا الحالي، ولكنها صبرت واحتسبت وفاءً لزوجها وطمعًا فى ثواب ربها، إنها فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان، وزوج الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز، والتي حينما خيرها زوجها بين أن تعيش معه على شظف من العيش، أو أن يسرحها سراحًا جميلاً آثرته وزهدت في نعيم الدنيا وزخارفها، ولم يقف وفاؤها لزوجها عند عتبة الحياة الدنيا بل ضربت أروع مثال في حبها لزوجها ووفائها له بعد مماته.

لا حاجة لي بها :

وعن ملامح شخصية الخليفة العادل والأب يحدثنا د. صبري عبد الرؤوف - أستاذ الفقه بجامعة الأزهر - فيقول: من أهم الصفات التي تميز بها الخليفة عمر كزوج هي: حسن العشرة فيما بينه وبين زوجته، فكان يجلس معها ويستشيرها، ويغرس فى نفسها مراقبة الله (عز وجل) والزهد في الدنيا، فذات يوم قال لها: "يا فاطمة: قد علمت أن هذه الجواهر قد أخذها أبوك من أموال المسلمين وأهداها إليك، وإني أكره أن تكون معى فى بيتي، فاختاري : إما أن ترديها إلى بيت المال، أو تأذني لي فى فراقك، فقالت : بل أختارك والله عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، وردت الحلى إلى بيت المال، وبعد وفاة عمر تولى أخوها يزيد الخلافة فرد عليها حليها ، فقالت : لا والله ما كنت لأطيعه حيًا وأعصيه ميتًا، لا حاجة لي بها ".

وهنا نتوقف قليلاً لنتأمل هذا الموقف الجليل، فسيدنا عمر الزوج التقي يخير زوجته، وفاطمة الزوجة تختار وتؤثر حب زوجها على كل ما هو غال ونفيس، بل إنها أيضًا تظل على وفائها وطاعتها له بعد مماته احترامًا منها لكلمته ، وهذا وفاء نادر لا نجده في كثير من الأزمان ، ولا يمكن أن تتخلق به زوجة على وجه الأرض إلا من امتلأ قلبها بالإيمان، وفهمت الجزاء العظيم الذي أعده الله (عز وجل) للزوجة الصالحة التي مات زوجها وهو راض عنها.

وكان ( رضي الله عنه ) يدرب أولاده وبناته على الزهد في الدنيا، وليس معنى هذا أنهم كانوا يعيشون عالة على غيرهم ، وإنما كان ( رضى الله عنه ) يغرس في نفوسهم الرضا بما قسم الله ( عز وجل )، ومن هنا أكرم الله أبناءه ووسع عليهم، وكانوا بعد ذلك من كبار الأغنياء؛ لأن أباهم رباهم على القناعة والرضى بما قسم الله، وهناك أكثر من موقف جلل يوضح أسلوب الخليفة عمر التربوي نحو أبنائه وزوجته، فذات يوم طلب أحد أبنائه أن يأكل عنبًا، وهنا بكت فاطمة لأنها لم تجد معها ثمن العنب، فلما علم عمر بذلك سألها: علام البكاء يا فاطمة ؟ فقالت: ولدي يريد أن يأكل عنبًا، وأنا وأنت لا نملك ثمن العنب، فقال لها: هذا خير لنا من أن يعذبنا الله في النار يوم القيامة، وهذا لون من ألوان الزهد والتقشف، مما يجعل الأبناء وهم وإن كانوا أبناء أمير المؤمنين لكنهم لا يجدون كل ما يطلبونه ، هذا الأسلوب التربوى تتبناه أغلب المدارس التربوية فى عصرنا الحالي ، لكى تقدم نشياً سويًا قادرًا على تحمل المسؤولية.

لؤلؤتان أم جمرتان ؟

ويستطرد د. صبري قائلاً: وهناك موقف آخر يعكس لنا الطريقة التي كان يتعامل بها الخليفة عمر مع بناته، فقد عاد الخليفة الورع يومًا إلى بيته بعد صلاة العشاء، ولمح بناته الصغار فسلم عليهن كعادته، وبدلاً من أن يسارعن إليه بالتحية كعادتهن رحن يغطين أفواههن بأكفهن ويتبادرن إلى الباب، فتساءل خامس الخلفاء الراشدين: ما شأنكن ؟ قالت بناته: لم يكن لدينا مانتعشى به سوى عدس وبصل فكرهنا أن تشم أفواهنا، نحرص على ألا يشم أمير المؤمنين رائحة البصل، فبكى الخليفة العادل ، ثم قال : يا بناتى .. ما ينفعكن أن تعشن الألوان والأطايب، ثم يذهب بأبيكن إلى النار، وهناك موقف آخر عندما رأت إحدى بناته صديقة لها تزين أذنيها بلؤلؤتين جميلتين فأرسلت إلى أبيها وقالت له ضارعة : اشتري لي مثلها، فدعا أمير المؤمنين مولاه مزاحم وأمره أن يأتي بجمرتين من نار، فلما أحضر مزاحم الجمرتين قال الخليفة العادل لابنته: إن استطعت أن تجعلي هاتين الجمرتين في أذنيك جئتك بلؤلؤتين كهذه ، لقد كان عمر يرى نفسه قدوة، وأن هذه القدوة لا تنحصر فيه هو كخليفة وحاكم، ولكن هذه المسؤولية تشمل أهله جميعًا حتى بناته الصغار.

وعن الثمار التربوية التي جناها سيدنا عمر في أبنائه يقول د. صبري : دخل عبد الملك بن عمر على أبيه يومًا فقال له: يا أمير المؤمنين ماذا تقول لربك إذا أتيته، وقد تركت حقًا لم تُحيِهِ ، وباطلاً لم تمته ؟ فقال: اقعد يابني إن آباءك وأجدادك خدعوا الناس عن الحق، فانتهت الأمور إليّ وقد أقبل شرها وأدبر خيرها، ولكن أليس حسبي جميلاً ألا تطلع الشمس علىّ فى يوم إلا أحييت فيه حقًا وأمت فيه باطلاً، حتى يأتينى الموت وأنا على ذلك ؟‍ !

والأمثلة على ذلك كثيرة، وإن دلت على شيء فإنما تدل على حرص الأبناء على الآباء، فسيدنا عمر كان يتناصح هو وأبناؤه، وكل واحد منهم يقبل نصح الآخر مادام بأسلوب مهذب يحفظ لكل طرف مكانته، ومادام القصد من ورائه طاعة الله (عز وجل) .

وذات يوم دخل الخليفة العادل عمر بيته فوجد جَلَبَةً أمام الدار فسأل ماهذا؟ فقالوا: ابنك الصغير ضربه غلام يتيم شجّ رأسه، ونزل منه الدم الكثير، وجاءت أم اليتيم تستعطف أم الغلام - زوجة أمير المؤمنين - فدخل سيدنا عمر على زوجته فاطمة فوجدها في حزن وكرب لما أصاب ولدها، فقال: هل أحضرتم طبيبًا ؟ قالوا: لا ، فقال : أحضروا له طبيبًا يداويه، ثم قال لأم اليتيم: هدئي من نفسك ، فهل هذا اليتيم يأخذ راتبًا من بيت المال؟ فقالت: لا، فنادى على كاتب بيت مال المسلمين ، وقال : اكتب هذا في سجل اليتامى ، وأعطه راتبًا شهريًا، ثم أعطاه شيئًا من جيبه هو، وقال لأم اليتيم: اذهبي بولدك فلا حرج عليك، فما كان من زوجة أمير المؤمنين إلا أن بكت، فسألها سيدنا عمر : علام البكاء ؟ فقالت : يا أمير المؤمنين والله ماكان خوفي على أولادى أشد من خوفى عليهم اعتبارًا من هذا اليوم، فقال لها ولم ؟ قالت: لأن الذي صنعته مع اليتيم جعلنى أخشى على أولادى من أبناء اليتامى بعد هذا اليوم.

وهنا نتعلم درسًا مهمًا، كان في إمكان أمير المؤمنين أن ينتقم لولده، ولكنه نظر إلى قوته وضعف هذا اليتيم، فلم يعامله بالقسوة، وإنما عامله بالرأفة والشفقة، وهاهو موقف الزوجة التي كان بإمكانها أن تعترض على تصرف زوجها، ولكنها لم تعترض، ولم تغضب؛ لأنها تعلم أن زوجها يخاف الله (عز وجل)، ويعمل لمرضاته، فهو الذي كان يراقب الله فى بيته، فحينما قال له أحد أقاربه : لماذا لا توسع على زوجتك وعلى أبنائك وتنعم بهذه الحياة ، كما كنت تنعم بها سابقًا ؟ فأجاب أمير المؤمنين: أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم ، ولهذا أعطاه الله ( عز وجل ) من النعيم ما لا يعد ولا يحصى بسبب خشيته لله ( عز وجل ) ، وصدق رب العالمين إذ يقول : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هى المأوى ) ( النازعات: 40 - 41) .

ويؤكد هذا أنه حينما اشتد به المرض قال أحد جلسائه: يا أمير المؤمنين ألا توصي لأولادك بشيء ؟ فقال سيدنا عمر ( رضى الله عنه ) : "أولادي أحد رجلين إما رجل صالح فالله يتولى الصالحين ، وإما رجل غير ذلك فما كنت أعين أولادى بمالى على معصية ربى" ، ثم قال كلمته المشهورة بعد أن وزع الصدقات على المحتاجين : "ادخرت مالى عند الله ، وادخرت الله لأولادى" فيقول المؤرخون: فرأينا أبناء عمر بن عبد العزيز من كبار الأغنياء بعد ذلك، ورأينا أبناء الخلفاء الذين سبقوه يتكففون الناس، وهذا موقف عظيم يدل على أن التربية الصحيحة لها أثرها في حياة الأبناء حياة كريمةب، وصدق الله العظيم إذ يقولب: ( ومن يتق الله يجعل له مخرجًا. ويرزقه من حيث لايحتسب )( الطلاق : 32 ) ، ويكفينا فى هذا قول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ):[ ارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس ].

إيمان محمود-اسلام ويب

Post: #492
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:22 PM
Parent: #384

ماذا يفتقد الآباء بعد أن يكبر الأبناء
عزيزي الأب هل أحسست بالغربة في بيتك ؟ هل شعرت بالوحد ة وقد امتد بك العمر فجاوزت الخمسين أو الستين أو السبعين ؟
الآباء ، وليس فقط الأمهات ، يفتقدون غياب أبنائهم عن البيت ، هذا ما خلصت إليه دراسة بريطانية نشرت حديثاً .
ويقول عالم النفس البريطاني الدكتور إريك سيغمان في دراسته التي استطلع فيها 2000 من الأباء أن 40% يشعرون بالوحدة والكآبة ، ومع أن الآباء يفتقدون أبنائهم من الجنسين ، إلا أنهم يعترفون أنهم يفتقدون بناتهم أكثر .
ويعلق الدكتور سيغمان قائلاً : إن الآباء يقضون طيلة حياتهم في العمل خارج البيت وعندما يجيء الوقت لقضاء أوقاتهم في البيت " يبدأ الفراخ بمغادرة البيت ".

كيف عالج الإسلام المشكلة؟

كيف عالج الإسلام معاناة هؤلاء الآباء ؟ كيف أوصي بهم أبناءهم ؟ كيف حث الأبناء على صلة آبائهم ووعدهم بالأجر الكبير عليها ؟
يقول سبحانه (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً*وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الاسراء:23ـ24] .
يقول القرطبي رحمه الله في قوله سبحانه : ( إما يبلغن عندك الكبر) خص حالة الكبر لأنها الحالة التي يحتاجان فيها إلى بره لتغير الحال عليهما بالضعف والكبر ، فألزم في هذه الحالة من مراعاة أحوالهما أكثر مما ألزمه من قبل ، لأنهما في هذه الحال قد صارا كلاً عليه ، فيحتاجان أن يلي منهما في الكبر ما كان يحتاج في صغره أن يليا منه ، فذلك خص هذه الحالة بالذكر.
وأيضا فطول المكث للمرء يوجب الاستثقال للمرء عادة ، ويحصل الملل ، ويكثر الضجر ، فيظهر غضبه على أبويه وتنتفخ لهما أوداجه ويستطيل عليهما بدالة البنوة وقلة الديانة ، وأقل المكروه ما يظهر بتنفسه المتردد من الضجر ، وقد أمر أن يقابلهما بالقول الموصوف بالكرامة ، وهو السالم من كل عيب فقال : ( فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ، وقل لهما قولا كريما ).

روى مسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه ) قيل من يا رسول الله ؟ قال : " من أدرك والديه عند الكبر ، أوأحدهما فلم يدخلاه الجنة ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسل قبل أن يغفر له " .
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أحضروا المنبر " فرقى في أول درجة منه قال : آمين ، ثم رقى الثانية فقال : آمين ، ثم لما رقى الثالثة قال : آمين ، فلما فرغ ونزل من المنبر قلنا يا رسول الله ، لقد سمعنا منك اليوم شيئاً ما كنا نسمعه منك ؟ قال : " وسمعتموه " ؟ قلنا : نعم . قال إن جبريل عليه السلام اعترض قال : بعد أدرك رمضان فلم يغفر له فقلت آمين ، فلما رقيت في الثانية قال : بعد من ذكرت عنده فلم يصل عليك فقلت : آمين قلما رقيت في الثالثة قال : بعد من أدرك عنده أبواه الكبر أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة ، فقلت : آمين.
يقول القرطبي معلقاً : فالسعيد الذي يبادر اغتنام فرصه برهما لئلا تقوته بموتهما فيندم على ذلك ، والشقي من عقهما ، لاسيما من بلغه الأمر ببرهما .

هكذا يجعل الإسلام ثواب بر الأبوين الكبيرين ، أوأحدهما ، ودخول الجنة ، فهل ثمة أعظم من هذا الأجر ؟
أليس علاج معاناة الآباء البريطانيين في الخبر الذي بدأت به كلامي هذا هو في العمل بتوجيه هذا القرآن الكريم وأحاديث المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم ؟ !
محمد رشيد عويد-اسلام ويب

Post: #493
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:25 PM
Parent: #492

التكافل العائلي
1. في سبيل هناءة الأسرة :
دعم الإسلام هناءة الأسرة ، فأحكم وثاقها بمن تربطها بهم قربى ، وشد أزرها بمـا أوجب من تراحم الأخوة والأخوات ، وبني العمومة والعمات ومن يليهم ، فليس أرضى لله تعالى من صلة الرحم التي أمر أن توصل ، وبر الأهل والعشيرة ، الذين يزكو عندهم إسداء المعروف، وليس أجلب لسخط الله من إهدار هذه الحقوق التي يوغر إهدارها الصدور ، ويثير العداوة ويؤرث الأحقـاد ، ويجعل الأسرة المتعاطفة متدابرة متخالفة .
ورعاية أولي الأرحام ، والتوسعة عليهم ، بما لا يشق إسداؤه إليهم ، هو عصام هذه الأسرة من التفكك ، وزمامها من الإنحلال والزوال ، وهو دواء أنفـسٍ إن غفلت عن مغزى قول طرفة بن العبد الجاهلي :
وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على القلب من وقع الحسام المهند
فيما ينـبغي أن تغفل عن صورة الرحم الفـذة في قول المعصوم صلوات الله عليه وسلامه : أن الله تعالى خلق الخلق ، حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم ، فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى قل فذلك لك . رواه البخاري . قال رسـول الله صلى الله عليه وسلم : اقرأو إن شئتم ( فهل عسيتم أن توليتم أن تفسـدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) سورة محمد:22-23.
لقد شق الله سبحانه للرحم اسما من اسميه الرحمن والرحيم ، ومن رحمته التي وسعت البر والفاجر في هذه الحياة ، وجعلها خالصة للمؤمنين يوم يلقونه ، ليعظم حقهـا على العقلاء الذين يفهمون أن الحياة لا يمكن أن تصفو بغير تراحم الأقرباء، وتعاون الأحياء وذلك وحي الحياة ، وحديث الواقع قبل أن يكون وحي السمـاء وحديث النبوة ووصايا الآباء للأبناء .
2. أقاربنا أعضاء في جسم المجتمع :
إن في أفراد كل أسرة من الجفوة ، والشطط عن صراط الله قدراً مما شكا منه أحد صحابة الرسول فيما روى أبو هريره : [ أن رجـلاً قال يا رسول الله إن لي قرابة أصلهم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلـم عليهم ويجهلون عليّ ، فقال صلى الله عليه وسلم: إن كنت كما قلت فكأنما تُسفّهم المَلّ لا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ] . رواه مسلم .
ومن معاني هذا التوجيه النبـوي ، أن لهـؤلاء الجاحدين حقوقاً على ذوي القلوب الكبيرة ، فالإحسان إلى المسيء من أدب الاسلام الذي يقول رسوله صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر وقد سـأله : يا رسول الله: أخبرني بفواضل الأعمال ، فقال: [ يا عقبة : صل من قطعك وأعط من حرمك ، وأعف عمن ظلمك ] . ثم أليس هؤلاء أعضاء في جسم المجتمع الذي يمنى بتشويهٍ فادح إن نحن بترناهم من قبل أن نبلو عذراً بمحاولة إصلاحهم ، والعربي يقول :
وأمنحه مالي وودي ونصرتي وإن كان مطويّ الضلوع على بغضي
ويقول مسكين الدارمي :
أخاك أخاك إن من لا أخـا له كساعٍ إلى الهيجـا بغير سلاح
وإن ابن عم القوم فاعلم جناحُه وهل ينهض البازي بغير جناح ؟
ويقول المقنع الكندي :
وإن الـذي بيني وبين بنـي أبي وبين بني عمي لمختلف جـــدًا
فإن أكلوا لحمي، وَفَرْتُ لحومهم وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجـدًا
ولا أحمل الحقد القديـم عليهمُ وليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
ومن قبل هؤلاء قال حاتم :
شربنا بكأس الفقر يوماً وبالغنى وما منهمـا إلا سقانا به الدهرُ
فما زادنـا بغيا على ذي قرابة غنانا ولا أزري بأحسابنا الفقر
وأين من هؤلاء الأمجاد، ذلك الذي قيل فيه :
سريع إلى ابن العم يلطم خده وليس إلى داعي الندى بسريــع
3. صلة الرحم في كتاب الله :
قال تعالى: ( إنما يتذكر أُولو الألباب . الذين يوفون بعهد الله ولا ينقضون الميثاق ، والذين يصلون ما أمر الله به أن يوصل ويخشون ربهم ويخافون سوء الحساب ) الرعد:19-21 .
وقال : ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) سورة الرعد:26 .
فانظر في أي سياق وضع الله الذين يصـلون أرحامهم ؟ ومع من سلك الجفـاة القاطعين ؟ ولا أراك تود أن تُذكر بين الذين يفسـدون في الأرض ، فيستوجبون لأنفسهم لعنة الله الدنيا والآخرة . وإنما تسارع لتكون بين أولي العقول الراجحة والقلوب المبصرة .
( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) محمد 22-23 .
وقال تعالى : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) . الأحزاب:6 .
قال الإمام النسفي في تفسير هذه الآية : كان المسلمون في صدر الإسلام يتوارثون بالولاية في الدين ، وبالهجرة لا بالقرابة ، ثم نسخ ذلك وجعل التوارث بحق القرابة.
4. الرسول هو المثل الأعلى في صلة رحمه :
إن القول في صلة الرحم ذو سعة ، لكني أجتزئ منه بعض أطراف من تاريخ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك . فهي قبس يضيء جوانب البحث ، ويجمع القلوب والعقول على الأسـوة الحسنة بالرسول صلى الله عليه وسلم في بره بأهله وحَدبه على مؤمنهم وكافرهم على السواء ، ولعل في ذلك ذكرى للذاكرين .
لقد كان إسلام حمزة براً منه بابن أخيه ( أي محمدصلى الله عليه وسلم ) ، يوم أن عاد من الصيد ، فقالت له امرأة ، إن أبا جهل آذى ابن أخيك وسب أباه، فذهب حمزة من فوره إلى أبي جهل فشجه وأنبّه وقال : أتسب محمداً وأنا على دينه وأقول ما يقول ؟ وبهت عدو الله وعدو رسوله عند ذلك ، وكان إسلام حمزة أوجع لقلبه وأنكى من هذا الأذى المادي الذي أصاب جسمه ، وبقي الرسول يذكر هذه المنة لعمه ، حتى وقف على جثمانه حين استشهد في أحد ، وقال يرحمك الله يا عم فلقد كنت وصولاً ، للرحم فعولاً للخيرات !
وكان فتح خيبر وكأنه عيد من أعياد الإسلام ، فقد عاد يومئذٍ جعفر من الحبشة ، فقال النبي: [ ما أدري بأيهما أنا أشد فرحاً: بفتح خيبر أم برجوع جعفر؟] وتوالت الأيام ، ونعم جعفر بالشهادة في غزوة مؤته ، وضجت المدينة ببكاء أهالي الشهداء، وسمع الناس إلى النبي هو يقول : [ لكن
جعفر لا بواكي له ] ، ثم يلتفت إلى أهـله ويقول: [ اصنعوا لآل جعفر طعاماً فقد نزل بهم ما يشغلهم ] . رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد.
يقول عبد الله بن جعفر : جاءنا النبي بعد ثلاث من موت جعفر ، فقال: [ لا تبكوا على أخي بعد اليوم ، وادعوا إليّ بني أخي ، فجيء بنا ، كأننا
أفراخ ، فأمر الحالق فأصلح من شعرنا ثم داعبنا ] . رواه أبو داود والنسائي.
وكان النضر بن الحارث من أسرى بدر ، فلما بلغ الرسول ذلك أمر بقتله ، فطالما كذّب النبي ، وافترى عليه ، وهو يعرفه كنفسه ، أليس هو القائل: (لقد كان محمداً فيكم غلاماً حدثاً أرضاكم قولاً ، وأصدقكم حديثاً ، فلما بـدا في صدغيه عارض الشيب ، وجاءكم بما جاءكم به قلتم إنه كاذب ؟ والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، والله ما هو بكاذب ، ثم لم يلبث أن بدا على طبيعته من الحقد والجهالة . يقول الإمام النسفي : كان النبي عليه الصلاة والسلام يقرأ القرآن ، ويذكر أخبار القرون الماضية في قراءته ، فقال النضر بن الحارث لو شئت لقلت مثل هذا ، وهو الذي جاء من بلاد فارس بنسخة حديثة من حديث رستم وأحاديث العجم . فنزل قول الله تعالى : ( وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين ) . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : [ ويلك هذا كلام الله ] ، فرفع النضر رأسه إلى السماء وقال: ( إن كان هذا هو الحق من عندك فامطر علينا حجارة من السماء أو أئتنا بعذاب أليم ) .
وعلمت قتيلة بمصرع أخيها بعد بدر ، فكتبت إلى رسول الله :
أمحمدٌ يا نسل خيـــر نجيبةٍ في قومها.. والفحلُ فحلٌ معرقُ
ما كان ضرَّك لو مننت ، وربما منّ الفتى ، وهـو المَغيظُ المحنق
والنضر أقرب من قتلتَ قرابةً وأحقهم إن كـان عتـق يعتق
فَرقّ الرسول لقولها : وقال: [ لو بلغني شعرها قبل قتله لعفوت عنه ] . الاستيعاب 4/195 والإصابة:8/80.
5. كيف أينع غراس النبوة :
لقد أينع غراس النبوة ، وآتى أُكله ، وجنت الحياة جناه ، فترابط الأفراد في الأسرة وتعاونت الأسرة على البر والتقوى ، وفي مجتمع لم تعرف الحياة - ولن تعرف مثل تواصله وتكافله ، وكان المسلمون - كمـا وصفهم نبيهـم صلى الله عليه وسلم تتـكافأ دماؤهم ، ويسعى بذمتهم أدناهم ، ولو كان بهم خصـاصة ، وهو نعت لمشاعرهم مع كل مسلم . وإنه لأجمع وأوفى إذا نظرنا إلى حالهم مع ذوي القُربى ، الذين ذكرهم الله بما لهم عندنا من حقوق في آية الحقوق العشرة ( النساء:37 )، وآية البر ( البقرة 177 ) وغيرها من الآيات الكثيرة .
لقد كان مسطح بن أثاثة ، ابن خالة أبي بكر ، فقيراً مملقاً يعود عليه الصدّيق بفضل ماله ، فلما شارك في حديث الإفك ، منع عنه أبو بكر خيره وبره ، وللرجل عذُرُه الناهضُ حتى بعد أن نزلت آيات النور التي برأت الصديقة ولكن الله عاتب أبا بكر وحبب إليه أن يدفع بالتي هي أحسن ، ابتغاء مرضاة ربه ، فقال تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) سورة النور:22 .
وعاد أبو بكر إلى بر من أساء إليه في أكرم أهله عليه !! ويا له من دين يدعو أهله إلى أن يجدوا على الزلات ذيل المكارم !
6. صلة الرحم مثمرة في الدنيا والآخرة :
الإيمان بالله أبر ما يُرجى يوم القيامة ، قال تعالى مؤيساً الكافرين من رحمتـه: ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم، يوم القيامة يفصل بينكم ) الممتحنة : 3 ، فليس عجيباً أن يكثر الرسول الوصاة بهذه الفضيلة .
يقول البلوي : صلوا أرحامكم بما أمكن ، فإن عدمتم ، فأقل شيء يكون السلام . وهو بأن تزور ذا رحم ، فتسلم عليه ، وتؤنسه بالقول ، وتلين له الحديث ، وبمثل هذا يستمال الغريب ، فكيف بالقريب ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : [ ألا أدلكم على شيء أذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم ] رواه مسلم وغيره.
فهل نرى الرحم أفراداً وجماعات وشعوباً ، فبرغم غمرات الحياة التي تحيق بأممـنا على التبدد والزوال ، ونشعر الذين يجالدون الاستعمار في بعض أقطارنا أنهم ليسوا وحدهم في معترك الأحداث ، وإنما يهتم بأمرهم المسلمون في كل مكان ، ومن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ،[ وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ] رواه أبو داود والنسائي . كما قال صلوات الله عليه وسلم. وهلا ارعوى من فتنتهم المذاهب الوافدة عن أن نتناجى بالإسلام ، ونتناجى بالأخوة الإنسانية وبوجود الدار وحق الجوار .
الشيخ معوض عوض إبراهيم-اسلام ويب

Post: #494
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:26 PM
Parent: #384

كم أتمنى أن يأتي يوم تخبرني فيه زوجتي بأنها أصبحت تكره السوق والتسوق . لكنها أمنية ما أحسبها ستتحقق أبدًا ، فحب التسوق مغروس في قلبها ، يخالط لحمها ودمها ، لا تمل الذهاب إلى السوق ، تدخل محلاً وتخرج من آخر ، دون تعب أو كلل ، في همة شماء ، وعزم ومضاء .
وأسألها عندما تبدي رغبتها في الذهاب إلى السوق : هل تحتاجين شراء شيء ؟ فتجيبني في استنكار واستغراب : وهل يجب أن أكون في حاجة إلى ما أشتريه حتى أذهب إلى السوق ؟!
وكثيرًا ما أُذكرها بوصف النبي صلى الله عليه وسلم للأسواق بأنها أسوأ الأماكن وأبغضها إلى الله ، ولكن دن جدوى .
وأجد لي عزاء في أن النساء جميعهن - أو أكثرهن - على هذا العشق للتسوق والتعلق به ، حتى إن دراسة بريطانية أكدت أن الحالة الصحية للمرأة تتحسن في أثناء تجوالها في الأسواق ، بينما يرتفع ضغط الدم لدى الرجل ، وتتسارع نبضات قلبه ، وتتوتر أعصابه .
وقرأت اليوم كلامًا لمتخصص في علم النفس عن التسوق الذي وصفه بـ "الحمى" : أجل " حمى التسوق" حيث يقول " إن التهافت على المتاجر ليس مجرد تسلية ، إنه استجابة لحاجة ملحة ، استجابة تحقق لها الراحة .
وأعجبني اعتراف لإحدى النساء بأنها ضحية سهلة لأحابيل إعلانات التخفيض ، وبريق واجهات المحلات ، تقول هذه السيدة : " عندما أكون قلقة ومتوترة فأول شيء أفكر فيه هو التجوال في المتاجر ، حتى صار الأمر عندي مثل الإدمان".
وإذا اشتهر قول ديكارت " أنا أفكر إذن أنا موجود " ، فإن امرأة أخرى تقول : " أنا اشتري .. إذن أنا موجود ة" فتؤكد بهذا ارتباط التسوق بالنساء ارتباطًا وثيقًا لا انفكاك منه أو عنه .
لهذا كله صرت أعذر زوجتي في شدة حبها التسوق ، وقوة تعلقها به ، وعدم سأمها منه ، وتجدد نشاطها كلما رغبت فيه لكنني وضعت ضوابط لهذا التسوق هي :
- مرافقتي لها ، أو مرافقة أحد أبنائها ، لزيادة احترام الباعة لها والتزامهم الأدب في تعريف سلعهم وتسويقها .
- إذا كنت المرافق لها أخبرتها أن تسوقنا سينتهي قبيل أذان المغرب أو أذان العشاء ( حسب وقت تسوقنا) لنصلي في المسجد ونختم بالصلاة جولتنا التسويقية ، وبهذا أمنعها من التراخي في التجول بين المحلات والتعجيل بشراء حاجاتها .
- أذا كان ولدي هو المرافق لها فإنني أحدد لهم المكان الذي سأجدهم فيه والزمان الذي يسبق موعد الأذان بقليل .
- أوصيها بالعمل على شراء ما تحتاجه في تسوقها اليوم ، لأنه لن تسنح لنا فرصة أخرى في القريب للذهاب إلى السوق .. وبهذا أحول دون تكرار الذهاب إلى الأسواق لشراء هذا الذي لا يتم شراؤه عادة إلا بعد عدة زيارات للأسواق .
أخيرًا ، فإنني لا أخفي عليكم أنني أستفيد أحيانًا من تعلق زوجتي بالتسوق ، فأشترط عليها قضاء وتلبية طلبات لم تكن تقضيها وتلبيها ، قبل أصطحبها إلى السوق.
مجلة الأسرة

Post: #495
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:31 PM
Parent: #384

هناك عوامل قد تؤثر في حدوث الحمل، منها توقيت المعاشرة الزوجية وعدد مراتها، وتحديد وقت التبويض بدقة بالإضافة إلى مجموعة من العوامل ستأتي من خلال قراءتك لهذا التقرير.
تعتقد بعض الزوجات أنه بمجرد التوقف عن تعاطي موانع الحمل لا بد أن يحدث الحمل. إذ أنها إذا كانت قد سبق لها الحمل فلا بد أن تحمل مرة أخرى بلا تأخير.
وينصح الأطباء كل زوجة تريد الحمل أن تراجع طبيبة نساء على الأقل للتحصين ضد الحصبة الألمانية ولفحص حامض الفوليك لديها ولذلك دور فعال في منع تشوهات الحمل وكذلك للكشف عن أي أمراض قد تؤذي الجنين.
يأتي بعد هذا مرحلة انتظار الحمل, وهناك أسباب قد يؤثر تقديمها غالباً في حدوث الحمل بإذن الله منها:

تحيّن فترة الإخصاب وهي الفترة التي تكون فيها المرأة مهيأة لقبول الحمل وقد أثبتت الدراسات الطبية الحديثة أن هذه الفترة تستمر ستة أيام من بداية حدوث التبويض ويمكن تقدير حدوثه بمنتصف ما بين بداية دورة الطمث إلى بداية دورة أخرى.
وقد أفادت الدراسات أنه إذا تمت المعاشرة الزوجية قبل حدوث التبويض أو في نفس يوم حدوثه فإن احتمال الحمل يكون بنسبة 36% بينما تقل النسبة إلى 10% فقط إذا تمت المعاشرة قبل التبويض بأربعة أو ستة أيام، وذلك أن الحيوان المنوي قد يعيش خمسة أيام ولكن احتمال ذلك قليل في العادة.

كيف تعلمين حدوث التبويض
تقول الدكتورة سوزان بورد : إن التبويض عادة يكون من اليوم العاشر منذ بداية الدورة حتى اليوم الثامن عشر ويمن ملاحظة تغييرات تدل على حصول التبويض منها إفرازات لزجة تخرج من عنق الرحم إلى المهبل وهذه الإفرازات تكون في أول الدورة خفيفة ولزجة وكثيفة، ولكنها تصبح أكثر لزوجة وكثافة عند بداية التبويض إذ تشبه إلى حد كبير قوام بياض البيضة النيّئة.
أما عن الوسائل الطبية التي تستخدم في اكتشاف حدوث التبويض فهي كثيرة منها ما يعتمد على اختبار البول ومنها ما يعتمد على قياس حرارة الجسم التي تزيد يوم التبويض زيادة كبيرة ويقول بعض الأطباء إنه لا داعي لاستخدام كل ذلك والأفضل جعل المعاشرة الزوجية قبل أو مع الموعد الذي تظن المرأة فيه أن التبويض سيحدث فلو أمكن جعل المعاشرة الزوجية بشكل يومي منذ ذلك التوقيت فقد يحدث الحمل بإذن الله ، وينصح الأطباء بعدم التلهّف الشديد على حدوث الحمل في أشهر الزواج الأولى ويعتقد البعض أن التلهّف الشديد قد يؤخر حدوثه أما إذا حدث شيء من القلق بهذا الخصوص فيمكن مراجعة الطبيبة لتساعد على حدوث الحمل.

العلاقة الزوجية الخاصة
كان يعتقد أن الزوج إذا امتنع عن معاشرة زوجته لمدة قبل حدوث التبويض قد يساعد بذلك على حدوث الحمل لأن عدد الحيوانات المنوية لديه سيكون أكثر إذا حصل التبويض عند الزوجة وهذا صوار من ناحية زيادة عدد الحيوانات المنوية ولكن لا يؤثر كثيراً من الناحية العملية إذ أن عدد الحيوانات المنوية كان عادة لتلقيح البويضة، أما إذا قرب موعد التبويض أو دخل فالمعاشرة مطلوبة هنا ولكن ليس بالضرورة أن تكون بشكل يومي إذ لو حدثت المعاشرة كل يومين فالاحتمال لحدوث الحمل يكون 22% بينما لا تزيد النسبة كثيراً إذا تمت المعاشرة بشكل يومي لأنه النسبة تصير 25% لا أكثر، أما جعل المعاشرة بشكل أسبوعي فلا شك أنه يؤثر في تقليل النسبة كثيراً لتصل إلى 10% فقط لأن مرور أسبوع كامل قد يفوّت فترة الإخصاب كلها أو معظمها.

كيف تعلم المرأة حدوث الحمل؟
العلامة الشائعة على ذلك هي انقطاع الدورة ولكن يمكن للمرأة أن تعرف ذلك قبل مجيء وقت الدورة وتذكر بعض النساء أعراضاً تدل على ذلك منها الصداع والشعور بالإعياء والرغبة في القيء وحصول شيء من الانتفاخ في البطن وليونة الثدي وتقلص طفيف في العضلات وظهور مفاجئ لحب الشباب والحساسية الشديدة للروائح والرغبة المتكررة في التبول، ومعظم هذه الأعراض نتيجة وجود هرمون ناتج عن تغير بالمشيمة، أما تحاليل الدم الحديثة فيمكنها أن تكشف الحمل بعد أسبوع فقط من التلقيح، ولكن الطريقة المثلى للتأكد من الحمل هي إجراء تحليل الدم عقب انقطاع الدورة، ويمكن إجراء اختبار الحمل بالمنزل ولكن في الحالتين لا بد من مرور 28 يوم من بدء الدورة لئلا يؤدي اختبار أو تحليل مبكر إلى نتيجة سلبية.

ماذا لو تأخر الحمل؟
لا بد للمرأة أن تعلم أنه تأخر الحمل قد يكون لأسباب طبيعية لا تدعو للقلق فمثلاً توقف المرأة عن تعاطي حبوب منع الحمل يجعل الدورة لا ترجع إ إلى مجراها إلا بعد ثلاثة شهور كاملة، وإذا كانت وسيلة المنع هي الحقن التي تعطي كل ثلاثة أشهر فقد يأخذ بدء التبويض ستة أشهر ليعود من جديد.

التدخين يؤخر الحمل
أثبتت دراسة أجريت ببريطانيا على 17000 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين ال25 إلى 39 سنة أن نسبة الحمل بين المدخنات أقل من 22% عنها في غير المدخنات. وقد أثبتت دراسات أخرى أن المدخنات أكثر عرضة للإجهاض بعد حدوث الحمل من غير المدخنات.

هل يلزم مراجعة الطبيبة بمجرد الحمل؟
ينصح الأطباء الزوجة بأن تنتظر سنة ليحدث الحمل إذا كان عمرها دون 30 سنة، أما إذا كانت أكبر من هذا فيمكنها مراجعة الطبيبة قبل ذلك لأن احتمال وجود مشكلة يكون أكبر وهناك خط زمني يوصي به الأطباء وهو أن المرأة ما بين 30-35 عاماً فيمكنها مراجعة الطبية إذا تأخر الحمل من 6-9 أشهر، أما المرأة ما بين 35-40 عاماً فيمكنها المراجعة بعد 6 أشهر، وأما المرأة فوق ال 40 فيمكنها المراجعة بعد 3 أشهر فقط.
إذا راجعت المرأة طبيبة أمراض النساء فينبغي أن تتابع ذلك لمدة ستة أشهر على الأقل ولا تتعجل قبل ذلك مراجعة المتخصصين في الإخصاب.

مشاكل الإخصاب
للزوجة أن تعلم أن توفّر كل عوامل الحمل لا يعني بالضرورة أن الحمل سيتم لأن هذه مسألة خاضعة لقدرة الله تعالى وقضائه وقدره وتؤكد الدراسات أن المرأة الطبيعية لا تزيد احتمالات الحمل لديها في كل دورة تبويض عن نسبة ما بين 20-40% إذ قد تكون البويضة والحيوان المنوي أضعف من أن يتمكنا من التلقيح وقد يحدث التلقيح ولكن الجنين لا يبقى أكثر من أيام ثم ينزل من غير أن تلاحظ المرأة ذلك ولذا فالأفضل للمرأة أن تنتظر الحمل لا على مدار شهر أو شهور بل على مدار عام كامل.
وهذه إحصائية أجريت بالولايات المتحدة عن فرص الحمل خلال عام كامل مقارنة بسن الزوجة
سن الزوجة فرصة الحمل لديها خلال سنة كاملة
تحت 25 96%
ما بين 25-34 86%
ما بين 35-44 78%

إرشادات لم تثبت جدواها علمياً
هناك اعتقادات خاطئة حول عملية الإخصاب منها:
أولاً: أن شرب القهوة يضعف الإخصاب وهذا ما يثبت علمياً إذ أفادت أكثر من عشر دراسات حديثة أنه تعاطى القهوة بشكل معتدل لا يؤثر على الإخصاب إطلاقاً.
ثانياً: أن تعاطي عقار الروبيتون يساعد على الإخصاب إذ يؤثر إيجابياً في السائل المخاطي الموجود في عنق الرحم مما يساعد الحيوان المنوي على السباحة إلى الجهاز التناسلي للمرأة، وتفيد الدراسات الحديثة أن التبويض إذا كان يسير بشكل طبيعي فليس هناك حاجة إلى زيادة ذلك السائل أما إذا كان التبويض غير طبيعي فلا فائدة تذكر من زيادة ذلك السائل.
ثالثاً: لبس الزوج لسراويل تحتية يقلل من الإخصاب، وهذا مبني على الاعتقاد بأن الخصيتين إذا أحاط بهما وسط أكثر حرارة يقل إفرازها للحيوانات المنوية. وقد أثبتت أحدث الدراسات أن ذلك لا أساس له من الصحة بل أن الرجل الذي يلبس سراويل ضيقة بها نسبة من البوليستر لا تقل عن معدلات الحيوانات المنوية عنده عن الرجل الذي لا يلبسها، أما الأمر الجدير بالذكر بالنسبة لخصوبة الرجل فهو أن تدخين الرجل لأقل من علبة سجائر يومياً يقلل نسبة الحيوانات المنوية عنده بنسبة 20% عن غير المدخنّ، فما بالنا لو زاد معدل التدخين عن ذلك؟
رابعاً: ممارسة المرأة للتمارين الرياضية تقلل خصوبتها، وهذا لم يثبت علمياً بل تقول الدراسات أن الدورة لدى المرأة إذا كانت منتظمة فليس هناك داع لترك الرياضة، ولكن إذا كانت التمارين شاقة واحتاجت المرأة إليها فيمكنها زيادة فعالية الخصوبة لديها بالأكل أكثر مع تقليل مستوى الجهد لاستئناف دورة التبويض لديها.

متى تذهب الزوجة إلى متخصصين في الإخصاب؟
لا داعي للتسرع في ذلك بل الأولى متابعة طبيبة أمراض النساء لعمل كشف مبدئي ودراسة السجل المرضي لكل من الزوجين مع تحليل مني الزوج والتأكد من حدوث التبويض.
ومن المهم إجراء التحاليل المتعلقة بقدرة الرحم على استقبال البويضة الملقحة بالضبط بعد سبعة أيام من حدوث التبويض ولا بد أيضاً م إجراء تحليل السائل المخاطي في عنق الرحم في موعده أيضاً حسب ما يعرفه الأطباء، والأفضل الاعتماد في ضبط التوقيت على رصد التبويض عملياً لا على مجرد الاعتماد على مواعيد الدورة لدى الزوجة، ومن الخطأ الاعتماد الدائم على عقار الكلوميد لتنشيط المبيضين، إذ ينبغي إذا لم يأت تعاطيه بالنتيجة المرجوّة استبداله بعقار آخر أشد فعالية كالبيرجونال. فإذا لم يحدث تقدّم فقد تكون هناك مشاكل أخرى غير التبويض لأن عملية الإخصاب عملية متشابكة تكتنفها عقبات متعددة.

المزاج النفسي:
هل للمزاج النفسي دخل في تأخير الحمل؟ وهو يؤدي التوتر إلى تأخير حلم الزوجة التي تريد الحمل؟ قد يقال أن الزوجة البعيدة عن التوتر النفسي يمكنها أن تحمل أسرع، ولكن بعض الأطباء كالدكتور مارك سوير من نيويورك يعارض ذلك في حين الدكتورة أليس دومار من هارفارد تؤكد أن الحالات النفسية لها دخل في حدوث الحمل، إذ أن الاكتئاب وليس مجرد القلق العادي قد يعرّض المرأة لمشاكل في الخصوبة ففي دراسة أجريت عام 1995م ثبت أن المرأة التي لديها اكتئاب قد تتعرض لمشاكل في الإخصاب بمقدار ضعف ما يحدث للمرأة التي لا تعاني من الاكتئاب. وكلما قل الاكتئاب عند المرأة كلما زاد معدل الحمل عندها.
اسلام ويب

Post: #496
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:32 PM
Parent: #384

أشعر بضيق في صدري، أحس كأن بركانًا يكاد ينفجر داخلي، أريد أن أصرخ، لا أريد أن أتكلم مع أحد .. عبارات كثيرة ترددها بعض الزوجات أحيانًا بصوت عال أمام الآخرين، وأحيانًا أخري بينها وبين نفسها فالمرأة تتكلم .. وتتكلم وتكبت مشاعرها، ويظل البركان ثائرًا بداخلها وهي محرومة من حق التعبير سواء لأسباب تربوية أو نفسية ويتراكم الكبت لتكون المحصلة .. أمراضًا نفسية وعضوية تجعل التصريح بالمشاعرضرورة.
أخطاء في التعبير عن المشاعر
الدكتور هشام أحمد رامي -استشاري ومدرس الطب النفسي بكلية الطب جامعة عين شمس عرَّف المشاعر بأنها عبارة عن تغيرات فسيولوجية تحدث في الجسم، ولابد لها من الخروج، ومن التعبير عنها، وللأسف هناك من يقول: إن الشعوب الشرقية شعوب متوسطية وكثيرة المشاعر، وهذا غير حقيقي فالبشر جميعًا لديهم مشاعر .
والأبحاث التي أجريت علي المصريين والعرب أكدت أننا لانعبر عن مشاعرنا وغير مسموح لنا بالتعبير عن مشاعرنا سواء رجل أو امرأة ، لذلك فإن تعبير المرأة المصرية عن مشاعرها يأتي في صورة خاطئة مثل الصراخ والعويل والإغماء أوفي صورة أعراض جسمانية، وإذا لم تخرج هذه المشاعر سوف يعاني الشخص من مرض نفسي نتيجة استعداده للمرض أو يتحول إلي حرص جسدي نتيجة استعداد له، وأشهر الأمراض التي تنشأ عن عدم القدرة علي التعبير مرض الاكتئاب، ومرض القلق، وأمراض ارتفاع ضغط الدم.
وفي أحد الأبحاث وجد أن من أسباب حدوث الإدمان عدم القدرة علي التعبير عن المشاعر، ويشير الدكتور هشام: إلي أن التعبير عن المشاعر يأتي من خلال تغيير سياسة التعليم والتربية وتشجيع الأطفال منذ الصغر علي التعبير عن ذاتهم كلاميًا، وشرح مابداخلهم من غضب، أو فرح، أو كره، أو حب، ويوضح الدكتور هشام أن الزوج هو أقرب الأشخاص إلي الزوجة حيث تستطيع أن تعبر عن مشاعرها معه دون خوف، ولكن الواقع عكس ذلك فهذا لايحدث حيث إنه في مجتمعنا يتم التعبير عن المشاعر للأصدقاء والأخوة أكثر من الزوج، فلابد للمرأة أن تتحدث مع الوالدين أو الزوج بطريقة صحيحة وتعبر عن مشاعرها دون خوف، ويؤكد الدكتور رامي: أنه لابد من النضج في التعبير عن المشاعر فالتعبير الناضج هو الإحساس بالمشاعر والتعبير عنها كلاميًا، وبأقل المؤثرات الجسدية، وإذا كان ذلك غير مسموح به يلجأ الفرد إلي التعبير بطرق مختلفة وغير صحيحة.
وسائل التعبير
لكن الدكتور أحمد محمد كمال مطاوع -أستاذ الأوعية الدموية والقلب-: يري أنه إذا كان كبت المشاعر مقترنًا بقناعة وإيمان فهو كفيل بالحفاظ علي وحدة الأسرة، أما كبت المشاعر بصورة إجبارية وعن غير رضا فهو يحدث الصراع النفسي آخر، ويتولَّد عنه نوع من زيادة ضربات القلب، وليس بالضرورة أن يكون كبت المشاعر تجاه الزوج فربما يكون اتجاه ابن، أوأخ متسلط، وعن وسائل التعبير يقول الدكتور أحمد: يمكن أن تكون علي شكل النكتة أو تفويت الموقف، والتنفيس عما بداخل الإنسان ليس بشكل كلمات فقط، ولكن يمكن أن يكون بشكل سلوك، ويمكن أن يكون الكبت للمشاعر عند الأم من خلال تقصيرها في واجبات الأمومة خاصة إذا كانت أمًا عاملة.
آمنة محمد-إسلام ويب

Post: #497
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:34 PM
Parent: #496

تعاني كثير من الفتيات من مشاكل الدورة الشهرية ، كما تخجل الكثيرات منهن من معرفة أمها مثلا أو أختها بموعد حيضها والآلام المصاحبة له، وكذلك تختلف ردود أفعال كل واحدة تجاه أول دورة حسب معرفتها السابقة أو معلوماتها عنها أو جهلها بها، فما ردود الأفعال تلك ؟ وكيف تتغلبين علي مشاكل الدورة الشهرية ؟
غير منتظمة
في البداية تحكي لنا (ص. عبد العظيم ) 18 سنة فتقول:
لم أفاجأ بالدورة الشهرية إذ كنت أعرف معلومات عنها عن طريق زميلاتي , ثم مكثت 4 شهور وقد كانت دورتي غير منتظمة ، وتأتي بآلام شديدة في أسفل البطن وفي الظهر والقدم اليسري ، ولم تنتظم الدورة إلا منذ ثلاثة أشهر فقط.
خوف شديد
أما ش . عبد الله 17 سنة فتقول :
جاءتني الدورة في السنة الثانية الإعدادية حين فوجئت ببقعة دم في ملابسي .
سألني أبي عنها فجلست في غرفتي أبكي بكاء شديدا ، ولم أكن أعرف شيئا عن الدورة حتي طمأنتني أمي .
وتقول (م. أحمد ) لم أفاجأ بالدورة الشهرية لأنني كنت أسمع أخواتي يتحدثن عنها بشكل غير صريح ، وجاءتني الدورة وظللت أربعة أشهر لا أخبر أحدًا حتي عرفت أختي الكبيرة بالصدفة ، وكنت أحرج أن يعلم أحد وخاصة في رمضان.
وتتحدث د. نهال محمد بديع - اختصاصية نساء وتوليد - عن بعض التغيرات التي تصاحب الدورة الشهرية فتقول:
يصاحب فترة الدورة الشهرية بعض المتاعب مثل: الشعور بالكسل وبالتعب السريع والميل إلي النوم الكثير ، وقد تصاحبها بعض الاضطرابات في الجهاز الهضمي ، كما قد تكون هناك بعض الاضطرابات النفسية مثل: الشعور بالخجل والانطواء والبعد عن الأصدقاء والخوف المستمر من أن يلاحظ أحد أية دماء علي ملابس الفتاة.
خصائص الدورة
إن متوسط فترة الدورة من ثلاثة إلي ثمانية أيام، وتحتاج الفتاة أثناءها إلي تغيير ملابسها بين مرتين يوميا وثلاث مرات ، وهي تصيب الفتاة البالغة مرة واحدة كل شهر ولكن في العامين الأولين تكون غير منتظمة إلي حد كبير، وهذا قد يزعج البعض ولكنه أمر طبيعي ، ولا داعي للعرض علي الطبيب إلا إذا استمر عدم الانتظام أكثر من عامين.
دور الأم وغذاء البنت
ثم تضيف : عند بداية حدوث الدورة تبدأ التغيرات علي الفتاة رويدا رويدا ، وعلي الأم أن تلاحظها فتغير من معاملتها لابنتها التي تحولت إلي فتاة بالغة ، كما أن علي الأم أن تستوعب تلك التغيرات وتقترب أكثر من ابنتها في تلك الفترة ، وأن تمهد لها التغيرات التي تطرأ عليها حتي لا يتحول الأمر إلي مشكلة ، وحتي لا تفزع الفتاة حين تفاجئها الدورة الشهرية ، وأن تعلمها الطريقة الصحيحة للتعامل معها، وتهتم بغذائها خاصة ما يحتوي منه علي الفيتامينات والحديد مثل: الخضروات الطازجة وخاصة الجزر والجرجير وعسل النحل حيث إن فيه شفاء للناس ، وكل أنواع الفواكه مع الإكثار من شرب اللبن ، كما يجب أن تعلمها ما يجب عليها في أمر الصلاة والصيام وغير ذلك من أحكام.
مني أمين-إسلام ويب

Post: #498
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:38 PM
Parent: #384

يا ابنتي ! أنا رجل، قد فارق الشباب، وودع أحلامه وأوهامه، ثم إني سحت في البلدان ولقيت الناس ، وخبرت الدنيا ، فاسمعي مني كلمة صحيحة صريحة من سني وتجاربي ، لم تسمعيها من غيري ، لقد كتبنا ونادينا ندعو إلى تقويم الأخلاق ، ومحو الفساد ، وقهر الشهوات ، حتى كلَّت منا الأقلام ، وكلَّت الألسنة ، وما صنعنا شيئاً، ولا أزلنا منكراً ، بل إن المنكرات لتزداد ، والفساد ينتشر ، والسفور والحسور والتكشف تقوى شِرَّتُهُ، وتتسع دائرته، ويمتد من بلد إلىبلد، حتى لم يبق بلد إسلامي (فيما أحسب) في نجوة منه، حتى الشام التي كانت فيها الملاءة السابغة، وفيها الغلو في حفظ الأعراض، وستر العورات، وقد خرج نساؤها سافرات حاسرات ، كاشفات السواعد والنحور !
ما نجحنا وما أظن أننا سننجح . أتدرين لماذا ؟
لأننا لم نهتد إلى اليوم إلى باب الإصلاح، ولم نعرف طريقه . إن باب الإصلاح أمامك أنت يا بنتي، ومفتاحه بيدك، فإذا أمنت أنت يا بنتي على دخوله صلحت الحال، صحيح أن الرجل هو الذي يخطو الخطوة الأولى في طريق الإثم، لا تخطوها المرأة أبداً، ولكن لولا رضاك ما أقدم، ولولا لينك ما اشتد، أنت فتحت له، وهو الذي دخل، قلت للص : تفضل.. فلما سرقك اللص ، صرخت: أغيثوني، يا ناس سُرقت … ولو عرفت أن الرجال جميعهم ذئاب وأنت النعجة لفررت فرار النعجة من الذئب، ولو ذكرت أنهم جميعاً لصوص لاحترست منهم احتراس الشحيح من اللص.
وإذا كان الذئب لا يريد من النعجة إلا لحمها، فالذي يريده الرجل أعز عليك من اللحم على النعجة، وشر عليك من الموت عليها: عفافك الذي به تشرفين، وبه تفخرين، وبه تعيشين. وحياة البنت التي فجعها الرجل بعفافها، أشد بمئة مرة من الموت على النعجة التي فجعها الذئب بلحمها… أي والله، وما رأي شاب فتاة إلا جردها بخياله من ثيابها، ثم تصورها بلا ثياب.
أي والله، أحلف لك مرة ثانية، ولا تصدقي ما يقوله بعض الرجال، من أنهم لا يرون في البنت إلا خلقها وأدبها، وأنهم يكلمونها كلام الرفيق، ويودونها ود الصديق كذب والله، ولو سمعت أحاديث الشباب في خلواتهم، لسمعت مهولاً مرعباً، وما يبسم لك الشاب بسمة، ولا يلين لك كلمة، ولا يقدم لك خدمة، إلا وهي عنده تمهيد لما يريد، أو هي إيهام لنفسه أنها تمهيد.
وماذا بعد ؟ ماذا يا بنت ؟ فكري!
تشتركان في لذة ساعة ، ثم ينسى هو، وتظلين أنت أبداً تتجرعين غصصها، يمضي (خفيفاً) يفتش عن مغفلة أخرى يسرق منها عِرضها، وينوء بك أنت (ثقل) الحمل في بطنك، والهم في نفسك، والوصمة على جبينك. يغفر له هذا المجتمع الظالم، ويقول : شاب ضل ثم تاب ، وتبقين أنت في حمأة الخزي والعار طول الحياة ، لا يغفر لك المجتمع أبداً !
ولو أنك إذ لقيته نصبت له صدرك، وزويت عنه بصرك، وأريته الحزن والإعراض … فإذا لم يصرفه عنك هذا الصد، وإذا بلغت به الوقاحة أن ينال منك بلسان أو يد، نزعت حذاءك من رجلك، ونزلت به على رأسه، لو أنك فعلت هذا، لرأيت من كل من يمر في الطريق عوناً لك عليه، ولما جرؤ بعدها فاجر على ذات سوار، ولجاءك (إن كان صالحاً) تائباً مستغفراً، يسأل الصلة بالحلال: جاءك يطلب الزواج
والبنت مهما بلغت من المنزلة والغنى والشهرة والجاه، لا تجد أملها الأكبر وسعادتها إلا في الزواج، في أن تكون زوجاً صالحة، وأماً مرموقة، وربة بيت، سواء في ذلك الملكات والأميرات، وممثلات هوليود ذوات الشهرة والبريق الذي يخدع كثيرات من النساء، وأنا أعرف أديبتين كبيرتين في مصر والشام، أديبتين حقاً، جُمع لهما المال والمجد الأدبي، ولكنهما فقدتا الزواج، ففقدتا العقل، وصارتا مجنونتين، ولا تحرجيني بسؤالي عن الأسماء لأنها معروفة!
الزواج أقصى أماني المرأة ولو صارت عضوة البرلمان ،وصاحبة السلطان . والفاسقة المستهترة لا يتزوجها أحد . وحتى الذي يغوي البنت الشريفة بوعد الزواج ، إن هي غوت وسقطت، تركها وذهب إذا أراد الزواج، فتزوج غيرها من الشريفات، لأنه لا يرضى أن تكون ربة بيته وأم بنته، امرأة ساقطة.
والرجل إذا كان فاسقاً داعراً، إذا لم يجد في سوق اللذات بنتاً ترضى أن تريق كرامتها على قدميه، وأن تكون لعبة بين يديه، إذا لم يجد البنت الفاسقة أو البنت المغفلة، التي تشاركه في الزواج، على دين إبليس، وشريعة القطط في شباط، طلب أن تكون زوجته على سنة الإسلام . فكساد الزواج منكن يا بنات، لو لم يكن منكن الفاسقات ما كسدت سوق الزواج ولا راجت سوق الفجور… فلماذا لا تعملن ؟ لماذا لا تعمل شريفات النساء على محاربة هذا البلاء ؟
أنتن أولى به ، وأقدر عليه منا لأنكن أعرف بلسان المرأة وطرق إفهامها لأنه لا يُذهب الفساد إلا أنتُنّ ؟ البنات العفيفات الشريفات ، البنات الصيّنات الدينّات في كل بيت من البيوت بنات في سن الزواج لا يجدن زوجاً ، لأن الشباب وجدوا من الخليلات ما يغني عن الحليلات، فألفن جماعات منكن من الأديبات، والمتعلمات ومدرسات المدرسة، وطالبات الجامعة، تعيد أخواتكن الضالات إلى الجادة ، فخوفنهن الله، فإن كن لا يخفنه فحذرنهن المرض، فإن كن لا يحذرنه، فخاطبنهن بلسان الواقع، قلن لهن: إنكن صبايا جميلات فلذلك يقبل الشباب عليكن، ويحومون حولكن، ولكن هل يدوم عليكن الصبا والجمال؟ ومتى دام في الدنيا شيء حتى يدوم على الصبية صباها، وعلى الجميلة جمالها؟
فكيف بكن إذا صرتن عجائز محنيات الظهور، مجعدات الوجوه؟! من يهتم يومئذ بكن ؟ ومن يسأل عنكن ؟
أتعرفن من يهتم بالعجوز ويكرمها ويوقرها؟ أولادها وبناتها، حَفَدَتها وحفيداتها. هنالك تكون العجوز ملكة في رعيتها، ومتوجة على عرشها على حين تكون (الأخرى)… أنتن أعرف بما تكون عليه!
فهل تساوي هذه اللذات تلك الآلام ؟ وهل تُشترى بهذه البداية تلك النهاية؟
وأمثال هذا الكلام لا تحتجن إلى من يدلكن عليه، ولا تعدمن وسيلة إلى هداية أخواتكن المسكينات الضالات، فإن لم تستطعن ذلك معهن، فاعملن على وقاية السالمات من مرضهن، والناشئات الغافلات من أن يسلكن طريقهن.
وأنا لا أطلب منكن أن تعدن بالمرأة المسلمة اليوم بوثبة واحدة إلى مثل ما كانت عليه المرأة المسلمة حقاً، لا وإني لأعلم أن الطفرة مستحيلة في العادة، ولكن أن ترجعن إلى الخير خطوة خطوة، كما أقبلتن على الشر خطوة خطوة، إنكن قصرتن شعرة شعرة ، ورققتن الحجاب ، وصبرتن الدهر الأطول ، تعملن لهذا الانتقال ، والرجل الفاضل لا يشعر به ، والمجلات الداعرة تحث عليه والفساق يفرحون به حتى وصلنا إلى حال لا يرضى بها الإسلام، ولا ترضى بها النصرانية، ولم يعملها المجوس الذين نقرأ أخبارهم في التاريخ، إلى حال تأباها الحيوانات.
إن الديكين إذا اجتمعا على الدجاجة اقتتلا - غيرة عليها، وذوداً عنها - وعلى الشواطئ رجال مسلمون ، لا يغارون على نسائهم المسلمات أن يراهُنَّ الأجنبي ، لا أن يرى وجوههن… ولا أكفهن… ولا نحورهن… بل كل شيء فيهن! كل شيء إلا الشيء الذي يقبح مرآه ويجمل ستره ، وهو العورتان ، وحلمتا الثديين… وفي النوادي والسهرات ( التقدمية ) الراقية رجال مسلمون يقدمون نساءهم المسلمات للأجنبي، ليراقصهن ، ويضمهن حتى يلامس الصدر الصدر، والبطن البطن ، والفم الخد، والذراع ملتوٍ على الجسد ، ولا ينكر ذلك أحد ، وفي الجامعات المسلمة شبان مسلمون ، يجالسون بنات مسلمات متكشفات باديات العورات ولا ينكر ذلك الآباء المسلمون ولا الأمهات المسلمات.
وأمثال هذا كثير، لا يدفع في يوم واحد ولا بوثبة عاجلة، بل بأن نعود إلى الحق، من الطريق الذي وصلنا منه إلى الباطل ، وإن وجدناه الآن طويلاً - وإن من لا يسلك الطريق الطويل الذي لا يجد غيره لا يصل أبداً - وأن نبدأ بمحاربة الاختلاط. لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: [ لا يخلُوَنّ رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ] رواه أحمد والترمذي والحاكم . وقال صلى الله عليه وسلم :
[ لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي مَحرَم ] متفق عليه .
السفور إن اقتصر على الوجه - كما خلق الله الوجه - نقبل به - وإن كنا نرى الستر أحسن وأولى - وأما الاختلاط فشيء آخر، وليس يلزم من السفور أن تختلط الفتاة بغير محارمها، وأن تستقبل المرأة السافرة صديق زوجها في بيتها، أو أن تحييه إن لقيته في الترام، أو لقيته في الشارع، وأن تصافح البنت رفيقها في الجامعة، أو أن تصل الحديث بينها وبينه، أو أن تمشي معه في الطريق، وتستعد معه للامتحان وتنسى أن الله جعلها أنثى وجعله ذكراً ،وركّب في كلٍّ الميل إلى الآخر فلا تستطيع هي ولا هو ولا أهل الأرض جميعاً أن يغيروا خلق الله ، وأن ( يساووا ) بين الجنسين أو أن يمحوا من نفوسهم هذا الميل
وإن دعاة المساواة والاختلاط باسم المدنية قوم كذابون من جهتين :
كذابون لأنهم ما أرادوا من هذا كله إلا إمتاع جوارحهم ، وإرضاء ميولهم ، وإعطاء نفوسهم حظها من لذة النظر، وما يأملون به من لذائذ أُخر، ولكنهم لم يجدوا الجرأة على التصريح به، فلَبَسوه بهذا الذي يهرفون به من هذه الألفاظ الطنانة ، التي ليس وراءها شيء : التقدمية ، والتمدن ، والحياة الجامعية ، وهذا الكلام الفارغ ( على دويه ) من المعنى ، فكأنه الطبل .
وكذابون لأن أوروبا التي يأتمرون بها، ويهتدون بهديها، ولا يعرفون الحق إلا بدمغتها عليه ، فليس الحق عندهم الذي يقابل الباطل ولكن ما جاء من هناك :
من باريس ولندن وبرلين ونيويورك، ولو كان الرقص والخلاعة، والاختلاط في الجامعة ، والتكشف في الملعب، والعري على الساحل والباطل ما جاء من هنا: من الأزهر، والأموي، وهاتيك المدارس الشرقية، والمساجد الإسلامية ولو كان الشرف والهدى ، والعفاف، والطهارة، طهارة القلب وطهارة الجسد.
إن في أوروبا وفي أمريكا - كما قرأنا وحدثنا من ذهب إليها- أُسر كثيرات لا ترضى بهذا الاختلاط ولا تسيغه، وإن في باريز (باريس يا ناس) آباء وأمهات لا يسمحون لبناتهم الكبيرات أن يسرن مع شاب، أو يصحبنه إلى السينما، بل هم لا يدخلونهن إلا إلى روايات عرفوها وأيقنوا بسلامتها من الفحش والفجور، اللذين لا يخلو منهما - مع الأسف - واحد من هذه التهريجات والصبيانيات السخيفة التي تسميها الشركات الهزيلة الرقيعة الجاهلة بالفن السينمائي مثل جهلها بالدين، تسميها أفلاماً.
يقولون: إن الاختلاط يكسر شِرَّة الشهوة ، ويهذب الخلق، وينزع من النفس هذا الجنون الجنسي، أنا أُحيل الجواب على من جرب الاختلاط في المدارس، روسيا التي لا تعود إلى دين، ولا تسمع رأي شيخ ولا قسيس، ألم ترجع عن هذه التجربة لما رأت فسادها؟ وأمريكا، ألم تقرأوا أن من جملة مشاكل أميركا ازدياد نسبةالحاملات من الطالبات! فمن يسرُّه أن يكون في جامعات مصر والشام وسائر بلاد الإسلام مثل هذه المشكلة؟
وأنا لا أُخاطب الشباب ولا أطمع في أن يسمعوا إلي، أنا أعلم أنهم قد يردون علي ويسفهون رأيي، لأني أحرمهم من لذائذ ما صدقوا أنهم وصلوا إليه حقاً.
ولكن أخاطبكن أنتن يا بناتي المؤمنات الدينات، يا بناتي الشريفات العفيفات ..
إنه لا يكون للضحية إلا أنتن ، فلا تقدمن نفوسكن ضحايا على مذبح إبليس، لا تسمعن كلام هؤلاء الذين يزينون لكن حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية والتقدمية والحياة الجامعية، فإن أكثر هؤلاء الملاعين لا زوجة له ولا ولد، ولا يهمه منكن إلا اللذة العارضة، أما شأني فإني أبو أربع بنات ، فأنا حين أدافع عنكن أدافع عن بناتي، وأنا أريد لكنّ من الخير ما أريد لهن .
إنه لا شيء مما يهرف به هؤلاء يرد على البنت عرضها الذاهب، ولا يرجع لها شرفها المثلوم، ولا يعيد لها كرامتها الضائعة، وإذا سقطت البنت لم تجد واحداً منهم يأخذ بيدها، أو يرفعها من سقطتها، إنما تجدهم جميعاً يتزاحمون على جمالها ما بقي فيها جمال ، فإذا ولى ولوا عنها كما تولي الكلاب عن الجيفة التي لم يبق فيها مُزْعة لحم !
هذه نصيحتي إليك يا بنتي ..
وهذا هو الحق ..
فلا تسمعي لهم ، واعلمي أن بيدك أنت - لا بأيدينا معشر الرجال - بيدك مفتاح باب الإصلاح ، فإذا شئت أصلحت نفسك، وأصلحت بصلاحك الأمة كلها.

والسلام عليكم ورحمة الله.

علي الطنطاوي رحمه الله تعالى

Post: #499
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:40 PM
Parent: #498

الصحف والمجلات .. والقصص .. الأشرطة .. والفيديو .. والتليفزيون .. ثم جهاز الاستقبال الفضائي المشهور بـ ( الدش ).
أفكار متنوعة .. وثقافات مختلفة .. وأخلاقيات غربية .. وصور فاضحة .
لقد اعترضت فرنسا وغيرها من بلدان أوروبا على غزو الثقافة والإعلام الأمريكي لهم ، ورأوا في ذلك اعتداء على عقلية شعوبهم .. و انتهاكا سافر لخصوصياتهم ..؟!!!

كانت أدوات الخطاب والمواجهة في الماضي مقصورة على خطبة أو قصيدة لكنها قد تنوعت في هذا العصر وأصبح فكر الإنسان .. وعواطفه .. وعقله .. وقلبه يتحكم فيها الإعلام رديئا كان أو صالحا ..
وكانت المرأة المسلمة في السابق .. بعيدة عن كثير من الأفكار السيئة والتصرفات الخاطئة .. فأصبحت في هذا العصر تبصر ذلك عن كثب .. وأصبحت تستقبل كثيرا من الأخلاق الغربية بدون أن يكون لذلك الوضع أي إنكار أو معارضة لدرجة أنه قد أصبح الوضع الصحيح .. وما سواه الخطأ ..

إنك عندما تريد أن تقتني بفكرة ما ستذكر الأدلة المؤيدة .. والفوائد المنبثقة و . .. ثم تنجح في إقناعي .
فما بالك إذا كنت تخاطبني كل يوم .. وبأساليب مختلفة .. وبطرائق جذابة ومبهرة ..
كانت طفلة صغيرة تعيش مع أبيها الذي لم يتعلم ومع أمها التي تكدح طوال اليوم لتوفر لها ولإخوتها كل ما تريد ..
ومع إخوة في المنزل لكل واحد منهم همومه وحياته وكان جهاز التلفزيون يتربع في أحد أركان المنزل وكذلك المذياع ، والصحف والمجلات يحضرها الأخوة يوميا وكان ذلك زادها الفكري ونافذتها على العالم إذا أضفنا صاحباتها في المدرسة .
كانت ترى كل هذه النوافذ تصور فتاة العصر على أنها هي الفتاة المنطلقة المتبرجة ذات الصديقات والأصدقاء التي تعمل تذهب متى تشاء وتعود متى تشاء ( الحرة ) .

بينما تظهر المرأة البلهاء .. ذات العقل الغبي والفكر الناقص .. تقبع في البيت ثياب متسخة وشعر أشعث وحياة بائسة
أثناء ذلك وبعده تفتح المجلة فترى صور الفتيات الجميلات .. المتحررات ثم تسمع الأغنية وتقرأ القصة ..
تلبس العباءة بدون مبالاة وتغطي وجهها أمام من تعرف ..
تهمس لصديقة خاصة بما تجد وتحاذر وتبدأ الفتاة شعرت أو لم تشعر بفك ما تتصور أنها قيود مؤلمة .
ويظهر كل ذلك في أشكال متنوعة وحسب قدرة كل فتاة على التخلص والنفور
لا أحد تفتح له قلبها من أخوتها وأبيها ولا أحد يناقشها ويجيب عن أسئلتها ؟
ليست فتاة واحدة إن كثيرة من الفتيات اللاتي شربن الأفكار المعادية لتعاليم الإسلام قد أظهرن كثيرا من التبرم ، قلن ذلك بألسنتهن أو بتصرفاتهن .

فمن يقول لها إن الحجاب طهر وعفاف ، وإن المرأة الغربية التي بلغت أوج الحرية والانطلاق تتمنى الآن أنها لم تفعل ؟
من يقول لها إن الأفكار المسمومة التي توجه لها على قاعدة ( دس السم في العسل ) أفكار تؤدي بها الهلاك ؟
إننا لا نريد أن توضع المرأة في صندوق حتى تكبر ولسنا عساكر على فكرها فنأذن لمن نشاء ونحجب من نشاء .
وفي نفس الوقت نحن نحرص عليها ونتمنى لها الخير والصلاح ولا نريد أن تصل إلى الدرك الأسفل الذي وصلت إليه المرأة في بعض المجتمعات .

ولكن كم هو عاجز وجاهل ذلك الذي يوفر لها كل أساليب وطرق الفساد الفكري والسلوكي ثم يريد منها أن تكون ( مريم ) .
إن الرجل يصبح في منتهى الجبن والوهن عندما يرى اللص يدخل إلى بيته ويسكت .
وإن لصوص الفكر والفضيلة يدخلون البيوت .

وقد يجول ويتوعد ويتهدد إذا أتاه الخبر أن ابنته ضبطت مع شاب في سيارة .
مع أنه هو الذي سمح لعفاف ابنته أن يتسرب شيئا فشيئا تحت وقع أدوات الفساد ، إن مقولة العالم أصبح قرية واحدة مقولة صحيحة ولكنها ليست مبرراً أن أدخل بيتي كل ما هب ودب.
وإن في هذه القرية إلى الآن بدائل خير كثيرة تغني عن البلاء القادم .
ومسئولية المرأة ـ سواء كانت أما أم ربة بيت أم فتاة متعلمة مقبلة على الحياة ـ أصبحت أكبر وأعظم في هذا العصر .
الأم عندما تخاطب زوجها قائلة : لا أسمح لك أن تخرب بيتي وتفسد أولادي .
وتقف أمام الأب الطائش بكل حزم وجرأة فهي بذلك تذود عن بيتها أخطر الأعداء .
وإن الفتاة عندما تبذل الجهد المضاعف في البيت مع الأم والإخوة الصغار ثم الأب في سبيل تطهير المنزل من كل مخلفات الحضارة وقذارات المدينة ..

فهي بذلك تحقق حريتها بالشكل الصحيح ، وتصبح جديرة بالثقة وهي بذلك تلقم الأعداء حجراً في أفواههم .
قبل الزواج تشترط المنزل النظيف من كل ما من شأنه تلويث عقول أطفالها القادمين .
والتنغيص على استقرارها في بيت هادئ ومستقر .
وكثير من حالات الطلاق كان وراءها منظر مخل أو فيلم ساقط أو فكرة استمدت من أداة شر

عبد الله الحريف-إسلام ويب

Post: #500
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:41 PM
Parent: #384

أصدقكم القول إنني مندهش جداً ، فثمة خطر حقيقي مفزع يلوح في الأفق .. قد بدت نذر هبوبه ومع ذلك فلا يبالي أحد ـ على الأقل حتى الآن ولا يتحدث عنه أحد ـ إلا النذر اليسير ـ بينما يشكو الكثير من تفشي الجريمة وتعاطي المخدرات والتحلل الخلقي وغير ذلك من العلل والأمراض .. المخدرات التي تبذل لأجلها حكومة الولايات المتحدة وأوربا المليارات ، وتجند لها مئات الألوف من رجال الأمن والتحري والدوريات و .. دون جدوى ‍‍!!

وتعقد الكثير من المنتديات والمؤتمرات حول السبل الناجعة لمواجهة هذا الخطر المرعب ، وتتخذ الكثير من التوجيهات والقرارات ، ولا يزداد الأمر إلا خطورة واستفحالاً .. الحل الحقيقي هو الأسرة ..! والخطر الحقيقي المخيف … هو تقويض الأسرة .
يؤمن الناس في الغرب أن وراء كل عظيم ( امرأة ) لكن إيماني عميق بأن وراء كل عظيم أسرة عظيمة ؛ ولذلك فكل ما من شأنه دعم كيان الأسرة وتعزيزها يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار ويعطى الأولوية .

الأسرة هي ملاذ الأمن الاجتماعي المطلوب ، وأي خطر يتهددها هو خطر في نواة الأمن الاجتماعي الصلبة الذي يجب أن تقام من حوله القلاع وتبني من حوله المتاريس .وفي الماضي كانوا يقولون عن الرجل إذا بالغوا في الثناء عليه : ( فلان ولد حمولة ) أي أنه نتاج أسرة كريمة ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه ) [ الأعراف : 58] ، ولما كان حاله كذلك فلا عجب أن يكون على خير صفات الكمال …فالشيء من معدنه لا يستغرب … واليوم بدأت تتحطم القبيلة لحساب (( الوطنية )) ، ويتمزق كيان الأسرة لحساب (( الحرية الفردية )).

في الماضي كانت الأجيال الثلاثة تسكن بيتاً واحداً .. الجد وابنه وأحفاده .. في الماضي لم تكن الأسرة تتناول طعاماً إلا مجتمعة .. واليوم تتكفل محلات الوجبات السريعة ((FAST FOOD )) المهمة ، لا يجمع الناس في البيت الواحد إلا لحظات النوم .. وحتى هذه اللحظات متفاوتة ؛ فمن أفراد الأسرة من لا ينام إلا مع بواكير الفجر الأولى بعدها يمل من مراقبة (( القنوات الفضائية )) المتنوعة ، أو ينتهي من حوارات (( الدردشة CHATTING )) )) في الإنترنت تلك التي تكاد لا تنتهي …‌‍!! ومنهم من ينام أول الليل حتى (( يلحق بالعمل الباكر )) ، ومنهم من لا ينام حتى ترتفع الشمس في كبد السماء ، ويزداد الحر فيفر منه إلى سكينة النوم عاكساً قانون الله الكوني في جعل الليل سكناً …!!

يا سادة ! هل تصدقون أن نسبة الطلاق في المدن الكبرى تجاوزت (( 30% )) أي أنه بين كل ثلاث زيجات تنتهي واحدة بالطلاق بعد مدة .. تنبهوا ها هو حصن الأمن تتقوض أسواره .. هل تبحثون عن الأسباب …؟!
ثمة أسباب كثيرة .. ربما يساعدنا إدراك أن هذه الظاهرة ـ أعني ظاهرة الطلاق والتمزق الأسري ـ ظاهرة عالمية تتزايد في كل مكان في هذا العالم ، ولما كنا ـ وكم يؤلمني ذلك ـ نعيش في عصر العولمة ((عولمة وسائل الاتصال والنقل ، والمعلومات وعولمة الجريمة والتحلل الأسري ، وهيمنة النموذج الغربي .. لما كنا نعيش هذا العصر فلا ريب أن علله الأخلاقية تعدينا تماماً (( كما يعدي الصحيحَ الأجربُ )).

زرت العديد من الدول الأوربية .. ورأيت أنك تتمكن بسهولة من ملاحظة رجل يسير مع امرأة ، أو امرأة تسير مع أطفالها .. بل الرجل يسير مع أطفاله ، لكنك من الصعب جداً أن تجد أسرة مكونة من الأم والأب والأطفال !!
لقد تخيل بعضنا أنا بدأنا نستهلك الغرب … وأذبناه ـ ويا للمفاجأة ـ نحن الذين تستهلكهم الحضارة الغربية … ثم تلفظهم مشتتين ممزقين واهني القوى ..
تشتكي الكثير من الأمهات من عدوانية أطفالهن التي لا تطاق … ولا غرابة .. فالطفل الذي يمضي سحابة نهاره في حضن خادمته المكدودة طوال نهارها في العناية بالمنزل ، تعاني الكثير من الآلام في بعدها عن زوجها وأطفالها ؛ فكيف لها أن تكون مصدر حنان يكفي لطفل قذفت به أمه بين يدي هذه المربية ، ثم انطلقت لا تلوي تعمل في هذه الوظيفة أو تلك !! .

كيف لا يكون الطفل عدوانيا .. وأمه تنتظر كالنمرة عودة زوجها مكدوداً مرهقاً من عمل النهار كي تنطلق نحوه بأعيرة كلامية لا تنتهي حول تقصيره في بيته وإهماله لها .. أو حول تصرفات أهله أو أقاربه معها أو .. أو … كيف يمكن لهذا الطفل المسكين أن يكون ودوداً لطيفاً مبدعاً معطاء ؟!
ثم كيف يمكن لهذه الأم التي يكيل لها زوجها الصاع صاعين .. كيف يمكن لها أن ترضخ له ، وهي الموظفة المرموقة ، التي تملك السيارة والسائق والخادمة والمريبة… الخ إنها ليست في حاجة إليه .. بل هو الذي يحتاجها .. وإن لم يحترمها وصبر على (( نكدها )) فليذهب إلى الجحيم ولا عليها أن تكون بلا زوج . فأزواج هذه الأيام ـ كما يقلن كثيراً ـ البعد عنهم خير من القرب منهم !!.

الضحية في النهاية هم هؤلاء الأطفال المساكين … إنني عاجز عن أن أكف تفكيري الدائم في المستقبل المجهول الذي ينتظر هؤلاء المساكين الذين لم يجدوا حظاً من الرعاية والاهتمام في طفولتهم الأولى .. أي نوع من الرجال سيكونون ؟ وأي نوع من الأسر سوف يشكلونها ؟!
ثم هذا الغلاء الفاحش في تكاليف المعيشة ، وهذه النفقات الباهظة للزواج من يطيق احتمالها والقيام بها ؟!

إنني أعتقد اعتقاداً لا أشك فيه أن أجراس الخطر لا بد تقرع الآن ، وأنه قد آن للعقلاء من هذه الأمة أن يبدؤوا بتشكيل الملتقيات والندوات والجمعيات الخيرية ومنظمات التوعية التي تواجه هذا الصدع الخطير في بينان الأسرة التي نواجهها اليوم … وتذكروا معي جيدًا أن (( وراء كل عظيم أسرة عظيمة )).
عبد العزيز بن محمد التميمي-اسلام ويب

Post: #501
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:43 PM
Parent: #384

البيت مثابة وسكن ؛ وفي ظله تنبت الطفولة ، وتدرج الحداثة ، ومن سماته تأخذ سماتها وطابعها، وفي جوه تتنفس وتتكيف.. وكم من أحداث وحوادث وقعت على مسرح المجتمع، وأثرت في سير التاريخ ، تكمن بواعثها الخفية في مؤثرات بيتية .
والفرد الذي لا يستمتع في بيته بالسلام ، لن يعرف للسلام قيمة ، ولن يتذوق له طعماً، ولن يكون عامل سلام ، وفي أعصابه معركة ، وفي نفسه قلق ، وفي روحه اضطراب .

والإسلام يتجه إلى بذر السلام في البيت ، في الوقت الذي يتجه فيه إلى الضمير الفردي ، وإلى المجتمع الدولي.. فكلها حلقات متضامنة؛ وفيما بينها ترابط واتصال
يبدأ الإسلام أولاً بتصوير العلاقة البيتية تصويراً رفافاً شفيفاً ، يشع منه التعاطف ، وترف فيه الظلال ؛ ويشيع فيه الندى ، ويفوح منه العبير :

( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة ) . (الروم 21) .

(هن لباس لكم وأنتم لباس لهن) . (البقرة 187) ، فهي صلة النفس بالنفس ، وهي صلة السكن والقرار، وإنك لتحس في الألفاظ ذاتها حنواً ورفقاً ، وتستروح من خلالها نداوة وظلا ً. وإنها لتعبير كامل عن حقيقة الصلة التي يفترضها الإسلام لذلك الرباط الإنساني الرفيق الوثيق . ذلك في الوقت الذي يلحظ في أغراض ذلك الرباط كلها بما فيها امتداد الحياة بالأولاد ، فيمنح هذه الأغراض كلها طابع النظافة والبراءة ، ويعترف بطهارتها وجديتها، وينسق بين اتجاهاتها ومقتضياتها، ذلك حين يقول : ( نساؤكم حرث لكم ) (البقرة 223) ، فيلحظ كذلك معنى الإخصاب والإكثار .

فأولاً : لا بد في هذا الارتباط من الرضى والاستئذان، فلا تزوج المرأة بغير إذنها ورضاها : [ لا تنكح الثيب حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن وإذنها صماتها ] [ أخرجه البخاري ومسلم ] .
ولا بد فيه من الرؤية ليكون هذا الرضى جدياً وقائماً على حقيقة ، ومنبعثاً من شعور : [ فانظر إليها فإنه أحرى أن يؤدم بينكما ] من مصابيح السنة عن المغيرة بن شعبة .

وثانياً: لا بد فيه من علانية وإشهاد، فلا يتم في السر والخفاء كما تتم الجريمة، ولا بد من إيجاب وقبول صريحين يشهد عليهما الشهود ، فلا يبقى ظل من شك أو غموض في قيام هذا الارتباط ، حتى ليستحب دق الطبول لهذه المناسبة زيادة في الإعلان !
وثالثاً : لا بد فيه من نية التأبيد لا التوقيت ؛ فإذا نوى أو صرح بأن يكون هذا الزواج موقوتاً بزمن لم ينعقد ، لأن هذا الارتباط مقصود به السكن والاستقرار، مقصود به أن يركن إليه الزوجان في اطمئنان، وأن يبنيا في ظله الحياة وهما واثقان آمنان.

ولكي يهيئ الإسلام للبيت جوه؛ ويهيئ للفراخ الناشئة فيه رعايتها… أوجب على الرجل النفقة وجعلها فريضة، كي يتاح للأم من الجهد ومن الوقت ومن هدوء البال ما تشرف به على هذه الفراخ الزغب، وما تهيئ به للمثابة نظامها وعطرها وبشاشتها، فالأم المكدودة بالعمل للكسب ، المرهقة بمقتضيات العمل، المقيدة بمواعيده، المشتتة الطاقة فيه.. لا يمكن أن تهب للبيت جوه وعطره، ولا يمكن أن تمنح الطفولة النابتة فيه حقها ورعايتها.

وبيوت الموظفات والعاملات ما تزيد على جو الفنادق والخانات، وما يشيع فيها ذلك الأريج الذي يشيع في البيت . فحقيقة البيت لا توجد إلا أن تنشئها امرأة؛ وأريج البيت لن يفوح إلا أن تطلقه زوجة؛ وحنان البيت لن يشيع إلا أن تتولاه أم والمرأة أو الزوجة أو الأم التي تقضي وقتها وجهدها وطاقتها الروحية في العمل لن تطلق في جو البيت إلا الإرهاق والكلال والملال!.

إن خروج المرأة لتعمل كارثة على البيت قد تبيجها الضرورة، أما أن يتطوع بها الناس وهم قادرون على اجتنابها، فتلك هي اللعنة التي تصيب الأرواح والضمائر والعقول، في عصور الانتكاس والشرود والضلال.

وفي سبيل الاستقرار البيتي وقطعاً لدابر الفوضى والنزاع فيه، جعل الإسلام القوامة فيه للرجل، وذلك تمشياً مع سياسة التنظيم التي يحرص عليها الإسلام حرصاً شديداً، والتي جعلت الرسول يأمر الرجال أن يؤمّروا عليهم أحدهم حتى لو خرج ثلاثة في أمر فأحدهم أمير.

إن توحيد القيادة ضروري لأمن السفينة، وفي سفينة البيت لا يد من قيادة تحتمل التبعة ، وتحفظ النظام أن ينتكث، وما في هذا من شذوذ على القاعدة الإسلامية العامة في عالم الرجال أيضاً. فأي الزوجين كان المنطق كفيلاً بأن يسلمه القيادة؟ المرأة المشبوبة العواطف والانفعال بحكم وظيفتها الأولى في رعاية الأطفال وتعطير جو البيت بالجمال؟ أم الرجل الذي كلفه الإسلام الإنفاق لتخلو المرأة إلى عبئها الضخم، وتنفق فيه طاقتها ووسعها؟

لقد جعل له الإسلام القوامة ، تحقيقاً لنظامه المطرد أن تكون في كل عمل قيادة وقوامة، واختاره لأنه بخلقته وتجاربه أصلح الاثنين لهذه الوظيفة .

وهكذا حين تعرض المسألة في بساطتها هذه وفي وضوحها، ينكشف ذلك اللغط الهاذر الذي تلوكه ألسنة الفارغين والفارغات في هذا الزمان حول النظام، ويتجلى أن فراغ الحياة وفراغ القلوب وفراغ العقول، هو الذي ينشئ ذلك اللغط ، ويجعله موضوع جدل ومادة حديث . وهو نظام قصد به الإسلام أن يكون حلقة من حلقات السلام في البيت، وضمانة للاستقرار فيه والنظام . ولكن في عهود الانتكاس، وفي فترات الفراغ من جديات الأمور، لا يبقى للمجتمع ما يحفل به إلا الفتات والقشور، وإلا الهذر واللجاج!
أ. سيد قطب-اسلام ويب

Post: #502
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:47 PM
Parent: #501

إذا شكّت المرأة بحب زوجها لها فإنها قد تفقد الثقة في نفسها : جمالها .. وحديثها .. ومعاملتها .. وأسلوب حياتها .. فلماذا لم يحبها .. يقودها ذلك إلى الشك في زوجها ، والشيطان الذي عجز عن دفع زوجها إلى تطليقها لن ييأس منها .. فتشك أنه متزوج بأخرى أو ينوي ذلك .. فيطال الشك دخوله وخروجه .. واتصالاته وسائر معاملاته .. وأيُّ حياة يملؤها الشك تصبح مرهقة نفسيـًا مما يتعب الجسد فتصاب بالأمراض المختلفة .

والزوج هو الآخر يعاني من كل ما سبق .. يجد من زوجته ما يكدر صفو حياته وحياة أبنائه .
فما الخلاص إذن ، كيف الفرار من هذا الجحيم الذي أساسه مجرد شك ؟ ما كان الشك ليقوى لولا وجود ما يدعمه ولو كان بدون قصد .. إن سلوكيات بسيطة يهملها بعض الأزواج كفيلة بإقناع الزوجة بحب زوجها لها ، وقطع الطريق أمام أي شك وطرد سحابة أي سوء ظن ، لعله من المهم أن نذكر أن الحياة الزوجية قد تكون سعيدة حتى

وإن لم يكن هناك حب حقيقي بين الزوجين ، وذلك بمحاولة كل منهما إعطاء الآخر حقوقه التي منها إشعاره بمحبته واحترامه ، فعدم حب الآخرين لا يعني التنصل من الواجبات وسوء المعاملة ، وعدم الاحترام ، فهذه الأعمال اليسيرة تحقق السعادة بإذن الله للزوجين ، وإن لم يكونا متحابين .. ولسوف تجد أيها الزوج من النتائج بإذن الله ما يبهرك .. وكنت تظنه ضربـًا من الخيال .
فتحيَّن فرص هدوء نفسك وانشراح صدرك ، وقم بما تستطيع منها ، وحاول بما لا تحسنه ، لا تمكن الشيطان منك فيوسوس لك تفاهة هذه الأعمال وقلة نفعها ، أو أن أداءك لها يفقدك هيبتك لدى زوجتك ويفتح عليك باب " تمردها " وأنت في غنى عن ذلك .
احذر الشيطان ، فأعظم أعوانه وأقربهم إليه من يفرق بين زوجين ، فاستعذ بالله منه دائمـًا ، وأرض الله عنك بتكوين أسرة سعيدة مترابطة متحابة ، ففي هذه الأسرة إعفاف لك ولزوجك وقطع للطريق أمام أبواب الفساد التي يفتحها الشيطان وتربية لأبنائك في الحضن المناسب .

حقق ما تستطيع من رغباتها :

تعرف على ما تحبه زوجتك فجاهد لتحقيقه ، وعلى ما تكره فابتعد عنه ، وابعدها عنه ، كم من الرغبات تحقق قمة سعادة الزوجة ، ولكن كيف يعرف الزوج وقد تراكمت فما عادت الزوجة تدري أيها تبدي ، ومتى وكيف .. ؟ ، وكم من المشاكل أساسها عدم فهم أحد الزوجين للآخر .
هناك سؤال بسيط لكنه يصنع في قلب زوجتك الكثير ، وسوف تلاحظ على الفور مدى سعادتها على وجهها ، إنه سؤالك : ماذا تتمنين ؟ " اطرحه وأنت مبتسم صادق وبنبرة محبة ، لعلها لا تجيبك منذ البداية ، ربما لأنها غير مصدقة للسؤال ظانة أنه مزحة ثقيلة أو نوع من الاستهزاء ، خصوصـًا من الأزواج الذين لم يسبق لهم أن طرحوا مثل هذا السؤال ، أو كانت علاقتهم مع زوجاتهم متوترة "
لا تيأس أخي الزوج ، اصبر وكرر السؤال محافظـًا على ابتسامتك بتواضع ، فمن تواضع لله رفعه ، لا يمكن أن أصور لك مدى مكانتك في عين زوجتك وارتفاع شأنك عندها بهذا السؤال ، فكرر حتى تجيبك ، وثق أنها كلما أخرت الجواب وتظاهرت بأنها لا ترغب شيئـًا أو لا تريد إلا سلامتك وسعادتك ، بقدر ما يدعو قلبها أن تصر أكثر في طلبها الإجابة ، وكن فطنـًا فما تأخرها إلا لتستيقن صدقك ، أو تمارس دلالها عليك ، وهو سلوكٌ تحب أن تمارسه المرأة ، فأعطها المجال ، فمن لها غيرك .. ؟!!

انتهز لحظات الصفاء والخلوة

اسأل بين الفينة والأخرى وانتهز لحظات الصفاء والخلوة ، ومن الأفضل أن تسألها ثلاث أمنيات لتحقق لها واحدة حسب ما تستطيع منها ، إن هذه الطريقة تتيح لك الفرصة لاختيار ما تقدر عليه من بين الأمنيات الثلاث ، كما تتيح لك التعرف على رغبات زوجتك فتحققها لها على شكل مفاجآت فيكون لها وقع أكبر ، مع ملاحظة أننا لا نعني فقط الرغبات الحسية بل حتى المعنوية .
وسوف تُفاجأ بأمور لا تخطر لك على بال ، فلا تهمل ما لا تراه هامـًا أو ما تعده تافهـًا ، وتذكر أنك تلبي ما تريده هي ، لا ما تريده أنت ، وأن طبيعتك وتكوينك يختلف عنها ، وأن من أهم المشاكل الزوجية تلك الأنانية التي تجعل كلاً من الزوجين يحقق للآخر ما يريد هو ، وما يراه هو ، ويهمل رغبات الآخر .

لا تنهرها !

من أعظم ما يثير غضب المرأة ، ويجعلها تصدر تصرفات لا عقلانية استشعارها بإذلال زوجها لها ، وكثيرًا ما يفعل ذلك بعض الأزواج ، فإذا ما أمرها بشيء وطاوعته قال ممازحـًا : رغمـًا عنك ، بعض النساء تعاند وتترك ما كانت تنوي فعله .
فمن أراد الحد من مشاكله الزوجية ، والعيش عيشة هنية ، فليلتزم عدم إشعار زوجته بأنها مهانة لديه ، بل يشعرها أنها معززة مكرمة ، فهي محبوبته وقرة عينه ، وهي أنيسته في حياته ورفيقته في دربه ، حتى وإن ترك شيئـًا تحبه فهو بعذر كاره لتركه مرغمٌ على ذلك .
وكما يكون الإكرام قولاً فهو كذا فعلاً ، فتلبية احتياجاتها وعدم تأخيرها إلا بقدر يشعرها بقيمتها لديك ، ثم الثناء عليها ، وما أدراك ما الثناء ، وفعله في قلبها ، إن الثناء من الأزواج له مذاق آخر ، لا يقاوم ، كالمغناطيس يجذبها إليك .. ؟
ولا تنسَ الثناء عليها بين الفينة والأخرى أمام ذويها وذويك ، في حضرتها وغيابها ، وما أجمل أن تسمعها ثناءك عليها حيث لا توجد ، كأن يكون أهلك حاضرين لزيارتكم فتطلب منها كأس ماءٍ ، وعند قيامها وبعد أن تخرج بحيث لا تراها وتسمعك هي تثني عليها كقولك : الحمد لله الذي رزقني زوجة رائعة ، لا حرمني الله منها ، وما شابه من ألفاظ .. افعلها ولن تندم بإذن الله .

سحر الكلمات الجميلة

أكثر من الكلمات الجميلة المحببة إلى نفس كل زوجة مثل " أبقاك الله " ، " لا فجعني الله بك " ، وتفنن في إخراج تلك الكلمات بقوة وصدق ، لا تكن باردًا ، إن تصرفـًا كهذا يسعد المرأة .

أصغ إليها

استمع إليها عندما تتحدث .. خصوصـًا إذا كان حديثها عن مشكلةٍ تمر بها ترغب منك مشاركتها الرأي والمشورة ، استمع إليها بكل جوارحك ، فالمرأة حساسة في مثل هذه المواقف ، وضح لها مهما كان موقفك من المشكلة وقوفك معها ومؤازرتك بها ، حتى ولو كانت مخطئة ، نعم بين لها خطأها مع إشعارك بحزنك وتألمك لوقوعها فيه ، وتفاؤلك بانفراج المشكلة ، لا تغضب منها فبعض الأزواج تأخذه الحمية لزوجته وخوفه عليها من المشاكل فيصدر ما يجرحها ، وما ذاك إلا لحبه لها ، لكن هذه الطريقة لن تنفع لا في حل المشكلة ، ولا في علاقتك مع زوجتك ، ثق أن الحب أمر خفي مواقفك تظهره ، وأهم موقف تتخذه عندما تتحدث زوجتك هو أن تستمع لها ، مجرد استماعك لها يريحها ، ولا تعجّل بالحل حتى تطلبه منك ، اعلم أن طبيعتك تكره تفصيلاتها المملة للحادثة وتفسيراتها الدقيقة ، لكن لا بأس اصبر ، فهكذا هي طبيعتها ، فارض بها .

تزين لها

تزين لها دائمـًا ، وتزين لها بين الفنية والأخرى ، اجعلها تقف أمامك مندهشة ترخى طرفها حياءً منك ، ولا أظنك تعجز عن ذلك ، فكم لهذه الزينة من أثر فعَّال على حياتكما الزوجية ، فسوف تجاهد زوجتك لتكون أفضل منك ، والله تبارك وتعالى يقول : (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ )[البقرة/من الآية :228] ، والأهم أنك سوف تعف زوجتك في وقتٍ أصبحت فتنة الرجال أشد فتكـًا من فتنة النساء ، ألا تتساءل ما سر مبالغة النساء في إبراز جمالهنَّ عبر ذلك الحجاب الذي يطلق عليه زورًا مسمى " حجاب " فيتفنن في ارتداء ما يثير الناظر ، إنها الرغبة في الفوز بإعجاب الآخرين بها .
فعندما تتزين أنت فإنك تكون قد تجاوزت مرحلة الإعجاب بزوجتك والرغبة فيها إلى محاولة كسب إعجابها هي ، مما سيصرفها وبسهولة عن محاولة جذب اهتمام الآخرين ، إن كانت من المبتلين بذلك ، فقط عندما يكون تزينك لها ، وحسب .
بقلم / سماء بنت محمد-اسلام ويب

Post: #503
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:49 PM
Parent: #502

دعا الإسلام أتباعه إلى الزواج ، وحرّم الرهبانية ، وجعل التزوج سنة من سننه ، وأباح الزواج من الكتابية ، وسهل أمور الزواج ولم يعقّدها. ورغّب ترغيباً شديداً في حسن الاختيار ، وأن يكون التخير من المسلمات ، وجعل الأساس الأفضـل والقياس المفضل هو التديُّن .
عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) عن النبي _ صلى الله عليه وسلم _ أنه قال :
[ تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين . تربت يداك ] متفق عليه .

لقد ذكر رسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ مرغباتِ الزواج من المرأة عادةً فقرر أنها أربعة : وهي المال والحسب والجمال والدين .
وحضَّ على أن يكون المقياس المرغِّب في الزواج هو الدين . ولعمري إن ذلك هو الحق الذي تعضِّده أحداث الحياة في واقع الناس .
· فالمال عَرَضٌ زائل ، وعارية موقوتة .. فكم من الأغنياء أصبحوا فقراء بين عشية وضحاها ، وكم من الفقراء أصبحوا أغنياء بين طرفة عين وانتباهتها ، إنّ المال يتهدده الزوال السريع .

هذا وما علاقة السعادة بالمال ؟ إن هناك وهماً كبيراً يسيطر على كثير من الناس ، يحسبون السعادة قائمة على الغِنى والمال .والحقيقة أن المال لا يوجد السعادة .. بل قد يعين على تحقق السعادة إن كانت هي موجودة .
إنها إن لم تكن نابعةً من أعماق النفس بسبب الرضى والقناعة والمعاشرة الحلوة فإنّ المال لا يوجدها أبداً .
· والجمال مهما كان رائعاً فهو موقوت بالصحة والشباب ، وسرعان ما يذبل ويذوي مع تقدم السن ، وطروء المرض ، وتكرار الحمل والولادة .

تصور يا سيدي أنك تزوجت ملكة جمال الكون ، وليس بينك وبينها تفاهم : فماذا أنت مستفيد من هذا الجمال ؟ إن الجمال ربما يعرض صاحبته إلى الغرور والفتنة والتعالي وشراسة الخلق .. ليس الجمال بحد ذاته عيباً ولا نقيصه ، وهو إن اجتمع مع الخلق والدين كان خيراً إلى خير ، ولكنه وحده لا يحقق السعادة بل ولا المتعة . ولله درّ القائل :
إذا أخو الحسن أضحى فعلُه سمِجاً رأيتَ صورتَه من أقبح الصورِ
وَهبْهُ كالشمـس في حُسن ألم تَرَنا نفرّ منها إذا مالت إلى الضررِ؟!

والحسب أمر عرفي .. فالوجيه في قوم ربما كان في نظر آخرين وضيعاً ، وهو لا يغني عن العمل الصالح ولا الخلق شيئاً ، [ ومن بطّأ به عمله لم يسرع به نسبه ] . والحسب لا يتغير في ذاته كما يتغير المال والجمال ، ولكنه يتغير في نظر الآخرين
- كما أشرنا إلى ذلك آنفاً - فما كان مزيَّة في الحسب عند إنسـان قد يكون نقيصه في نظر آخرين .
والحسب الرفيع إن اجتمع مع الخلق السمح ، والتدين الصادق ، كان خيراً وبركة . ورسول الله _ صلى الله عليه وسلم _ يقول : [ الناس معادن: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ] .

أما التدين بالإسلام - التديّن الحق - فهو أمر لا يتغير ولا يختلف .
إن التدين الحق من الزوجة لا يعرض الزوج إلى الأزمات بكل أنواعها.. إنها تحفظه في عِرضها ، وفي ماله ، وفي أولاده ..
إنها تشجعه على كل أنواع البر والصلاح والتقوى .. إنها تكون عوناً له على بر والديه.. وعلى بـذل النفقة للمحتاجين والمعوزين .. إنها تنظر إليه نظـرة ملؤها الحب والرحمة والمودة والحنان .. إنها تطيعه في كل ما يأمر به -إلا أن يأمر بمعصية إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، وتكون عوناً له على ما يلقى من الشدائد والصعوبات ، والأزمات والعقبات .. إنها تحسّ بأن الذي يتعرض له من الضيق أمر يهددها هي بالذات ، وتشعره بأنه ليس وحده يعاني ما يعاني .. وكم يخفف من وقع المصيبة أن يرى المصاب من يشاركه شعوره نحوها بصدق وأمانة ، وأن يرى أنّ معه من يقف موقفه تثبيتاً وتأييداً ودعماً ومشورة .

وتكاد تختفي من حياة زوج ذات الدين المشكلات تماماً ، ذلك لأنه ما من مشكلة إلا ولها حل في الإسلام ، فإذا كانت تقوم بواجبها بصـدق وحماسة خيمت على البيت سحائب السعادة والسرور .
والناس يحيون بالمعاني .. ويلتذون بالعواطف .. ويسعدون بالمشاعر أكثر من الأمور المادية الحسية .
إن هذا كله يدعو العاقل من المسلمين ألاَّ يُقدِّم على الدين في المرأة عاملاً آخر .
د. محمد لطفي الصباغ-اسلام ويب

Post: #504
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 02:50 PM
Parent: #501

كم أحب قسوتها .. وأسعد بسوء معاملتها لي .. وأتلقى فظاظتها وعبوسها في وجهي بسعادة من جاءته هدية غالية أو تحققت له أمنية طالما انتظرها حتى يئس فإذا بها تتحقق بغتة !
لقد فهمت متأخرة جداً ما كان يجب أن أفهمه ، وكان الأوان قد فات وصار الندم تحصيل حاصل فتمنيت أن يحدث ما يخفف عني وطأة الندم ويجلو عن قلبي سواداً ران عليه سنوات طوال ويخلص عقلي من أسر العناد والغباء .. وحدث ما تمنيته ..وأرسل الله لي هذه السيدة لتقتص مني وتأخذ بثأر الطيبة الراحلة وعجل لي العقاب على يديها في الدنيا .. ولعله غفر لي ذنبي ولذلك أسعد بالقصاص وأهنأ بالثأر !


فمنذ ثلاثين عاماً كنت فتاة غريرة وزوجة حديثة ترفع شعارات تحرير المرأة وتتبنى نظرة مشوهة إلى الزواج فتراه مجرد إجراء اجتماعي يكمل صورة الإنسان ولا يترتب عليه أية واجبات . وشاء الله أن أقيم مع حماتي بعد أن اضطر زوجي لبيع معظم أثاثنا ليمول مشروعاً خاصاً ووعدني أن يوفر لي سكناً مستقلاً بمجرد أن يدر المشروع ربحاً ، طلبت من زوجي سكناً بشروط خاصة مما حمله - وهو الذي كان يحبني كثيراً - على محاولة توفير هذا المسكن ولم يكن هذا ميسوراً في بداية حياتنا ولذلك عشنا بضع سنوات مع أمه .. سنوات أستطيع أن أجزم أنها أسوأ ما عاشته هذه السيدة الصابرة .. وكنت أنا للأسف سر هذا السوء فقد فتحت أذني لنصائح الصديقات بأن أظهر لها العين الحمراء منذ البداية حتى لا تتدخل في حياتي وتحرض عليّ زوجي وكن يرددن على مسامعي دائماً أن " الحماة حمى " ولذلك قررت أن أحدد إقامة حماتي داخل حجرتها وأتسيد على بيتها وأعاملها كضيفة ثقيلة !.
لا أعرف كيف زين لي الشيطان وقتها هذاالجرم وأقنعني بأنني إنما أحافظ على حياتي وأن الغاية تبرر الوسيلة .


كنت أضع ملابسها في آخر الغسيل فتخرج أقذر مما كانت وأنظف حجرتها كل شهر مرة ولا أهتم بأن أعد لها الطعام الخاص الذي يتناسب ومرضها ، وكانت كجبل شامخ تبتسم لي برثاء وتقضي اليوم داخل حجرتها تصلي وتقرأ القرآن ولا تغادرها إلا للوضوء أو أخذ صينية الطعام التي أضعها لها على منضدة بالصالة وأطرق بابها بحدة لتخرج وتأخذها !.. وكان زوجي مشغولاً إلى قمة رأسه في مشروعه ولذلك لم يلحظ شيئاً ولم تشكُ هي إليه بل كانت تجيبه حين يسألها عن أحوالها معي بالحمد وهي ترفع يديها إلى السماء داعية لي بالهداية والسعادة و كنت كلما صحا ضميري وتأثرت بصبرها ردتني صديقات السوء إلى ساحة الدهاء وأكدن لي أن هذه السيدة داهية خبيثة " تتمسكن حتى تتمكن " فأظل على عهدي القبيح مع شيطاني وأتفنن في الإساءة إليها وهو لاترد سوى بالدعاء وابتسامة الرثاء التي كانت تغيظني وتستفز عنادي .
ولم أجهد نفسي كثيراً في تفسير صبرها وعدم توجيهها حتى مجرد اللوم لي وعدم شكايتها مني لزوجي بل أعمتني زهوة الانتصار عن رؤية الحقيقة وظننت أنني امتلكت زمام الأمر كله وصار البيت وصاحبته تحت ضرسي حتى اشتد عليها المرض ، وأحست هي بقرب الأجل فنادتني وقالت لي وأنا أقف أمامها متململة : لم أكن أرد لك الإساءة بمثلها حفاظاً على استقرار بيت ابني وأملا في أن ينصلح حالك ، وكنت أتعمد أن أسمعك دعائي بالهداية لك لعلك تراجعين نفسك دون جدوى وأؤكد لك يا ابنتي أن معاملتك لي لم تضايقني بقدر ما أشعرتني بالخوف عليك ولذلك أنصحك - كأم - بأن تكفي عن قسوتك ، على الأقل في أيامي الأخيرة لعلي أستطيع أن أسامحك .
قالت كلماتها وراحت في غيبوبة الموت ، فلم تر الدموع التي أغرقت وجهي ولم تحس بقبلاتي التي انهالت على وجهها الطيب .. ماتت قبل أن أريها الوجه الآخر وأكفر عن خطاياي نحوها .. ماتت وزوجي يظن أنني خدمتها بعيني .

وكبر ابني وتزوج ولم يستطع توفير سكن خاص فدعوته للعيش معي في بيتي الفسيح الذي أعيش فيه وحدي بعد وفاة أبيه وزواج شقيقاته ، فاستجاب وأدارت زوجته عجلة الزمن فعاملتني بمثل ما كنت أعامل حماتي من قبل ، فلم أضجر لأن هذا هو القصاص العادل والعقاب المعجل بل ادخرت الصبر ليعينني على الإلحاح في الدعاء بأن يغفر لي الله ويكفيني شر جحيم الآخرة لقاء الجحيم الذي أعيش فيه مع زوجة ابني ويجعلني أتحمل غليان صدري بسؤال لا أستطيع له إجابة : هل سامحتني حماتي الراحلة أم أنها علقت هذا السماح على تغيير معاملتي لها هذا التغيير الذي لم يمهلني الله لأفعله .
فهل تكفي النية بديلا عن العمل أم أن الراحلة ستأخذ حسناتي يوم الحساب لأطرح في النار ؟
وكل ما أدريه أن الله يمهل ولا يهمل وأن التاريخ يعيد نفسه وأن المثل الشعبي القائل " مصيرك يا زوجة الابن أن تصبحي حماة " هو أبلغ ما سمعت !
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #505
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:03 PM
Parent: #501

معظم الذين يتحكمون في بيوت الازياء العالمية من اليهود الذين لا خلاق لهم، وأهدافهم ليست تجارية بحتة فقط، ولكنها تمتد الى ما هو أسوأ من ذلك، وتتعمق الى ما هو أقسى على الأسر.. والمجتمعات.. والأمم.. عن طريق نشر التحلل بوجه براق.. وتجذير الفساد بشكل خدّاع.. وجعل المرأة مجرد سلعة في يد اليهود.. وتشكيلها على ما يريدون.. ودفعها الى تحقيق اهدافهم التي يقصدون.. والسيطرة من خلالها على الرجال.. وعلى الاجيال القادمة.. وعلى القيم السائدة.. وعلى اكبر مصدر للقوة وهو (الثروة).
فمن المعلوم أن أكبر مستهلك على وجه الأرض.. وفي كل بلد.. هو المرأة.. خاصة ما يتعلق بأزيائها.. وجمالها.. وشكلها.. ومواكبتها للعصر.. وحداثتها في كل شيء..
واليهود أنفسهم.. الذين يسيطرون على بيوت الأزياء التي تصنع (الموضة).. هم الذين يسيطرون على منابع لاعلام العالمي.. إلا القليل.. ومن خلال الاعلام بمختلف قنواته الهائلة.. مرئية.. ومقروءة.. ومسموعة.. يمارسون عملية (غسل دماغ) كاملة للنساء.. إلا القليل منهن..
من خلال وسائل الاعلام الهائلة التي يمتلكها اليهود، والتي تشبه البحار العاتية.. العالية الامواج.. يلعبون بمعظم النساء كما شاءوا.. يرفعونهن مع الموج.. ويخفضونهن.. ويتحكمون في رغباتهن لأنهم هم الذين يصنعون تلك الرغبات.. ويصنعون عندهن إحساساً بأنهن ناقصات.. متخلفات.. وقبيحات.. إذا لم يسايرن آخر صيحات.. ومما يؤسف له ان وسائل الاعلام في اكثر الدول العربية، والاسلامية، والنامية، تسير على نهج بيوت الازياء العالمية في هذا المجال، وتقلدها تقليد الأعمى، ويكون فخر كثير منها بالإمعان في تلك التبعية والتقليد حتى إننا لنجد معظم مجلات المرأة العربية تتبارى في تقديم آخر صيحات الموضة، على أجمل الورق وأفخره، وبأبهى الألوان، وتقدم عارضات الأزياء على انهن النموذج الأرقى في الأناقة، والرشاقة، والقدوة المثلى في طريقة المشي بما فيها من تخلع، وتدلع، وميوعة، وهز لمواضع الانوثة في المكان العام، وإبراز لمواطن الفتنة بين الرجال..

وفوق هذا تغرق بيوت الموضة للأزياء ــ وتتبعها معظم مجلات المرأة العربية وبرامجها في الفضائيات ــ النساء بالإسراف الحاد، والتبذير السفيه، وإشغال كل وقت المرأة بما تلبس في الصباح، وفي الظهيرة، وفي المساء، وماذا تضع على وجهها من أصباغ، وألوان، وكريمات حسب إضاءة الكون من صباح ساطع الشمس، او أصيل بادي الشحوب، او ليل مخملي أسود تتلوى فيه الإضاءة الصناعية، وتبرق معها الفساتين العارية الكاسية، وتتلوى معها الأجسام الغضة البضة، وتتمايل فوق الكعوب العالية، ويغرق الجميع في شهوة الجنس، وفتنة النساء، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء ."
وصيحات الموضة التي يطلقها الصهاينة من خلف الأستار، وخطوط الأزياء النسائية التي تحركها أصابعهم الخفية ـ إلا ما ندر ـ حريصة على إغراق العالم ـ الرجال والنساء على حد سواء ـ في ملاذ الشهوات، وبحار الجنس، وإغواء الفتنة الصارخة التي تذهب بعقل الحليم، وتلعب بمشاعر الرجل الثقيل الرزين، وتأتي على القيم، وتلتهم جلائل الأمور، وتشغل الرجال والنساء بشهوات الجسد، وتشعل فيها نيران اشتهاء لا تنتهي، بل هم يوقدونها كل يوم بالمزيد من الاختراعات الفاتنة التي تميس على قدود النساء صارخة جائعة، كاسية عارية، بل هي ما تكاد تكسو جزءاً إلا لتبرز مفاتن ما حوله، ولتغلفه هو بما يشعل نار الخيال..
تقول نازك الملائكة :
"... لننظر في المجلات التي تسمي نفسها "نسائية".. فماذا سنجد فيها؟.. إنها في أغلب الحالات مجلات أزياء.. لا تجعل للمرأة هدفاً أبعد من ملابسها وحقائبها وأحذيتها.. وهذه المجلات تعامل المرأة الحديثة معاملة جواري ألف ليلة وليلة.. فتكتب لهن أمثال هذه العناوين المهينة:

"سيدتي، ماذا تلبسين في رحلة بحرية؟".. أو: "فساتين للصباح.." أو: "تسريحات للشعر بعد الظهر".. أو: "بأي ملابس تظهرين في حفلة العشاء؟"
فما تلبسه المرأة في الصباح يختلف عما تلبسه في المساء.. وما تلبس في حفلات الرياضة يختلف عما يلبس بعد الظهر.. وثياب المنزل تختلف عن ثياب الخروج.. ولضفاف البحر ملابس خاصة.. وعلى المرأة المتوسطة ان تكون لها ملابس لكل المناسبات!! مع الالتفات أن لكل ثوب عقداً خاصاً به.. وأقراطاً.. وأحمر شفاه ينسجم معه.. وحذاء وحقيبة!..
واختصارًا للموضوع تجد المرأة أنها إذا أرادت أن تكون أنيقة ـ كما تدعوها المجلات والإذاعات ـ فسوف تدرك أن الحياة كلها لا تكفي للإناقة.. أما العقل فيتقاعد منسياً تحت الغبار الكثيف.. وأما الروح فينحط مستواه ويقتله المظهر فلا يبقى منه إلا خواء فارغ.."
قلت :
هذه شكوى امرأة عاقلة من مجلات النساء ـ معظمهن ـ ومن بيوت الأزياء.. ذلك أن الشر يطال المرأة والرجل معاً وبالتالي الأسرة.. والأطفال.. والمجتمع.. والأمة.. فتفريغ المرأة وجعل جل اهتمامها في ثيابها.. يصرفها عن تربية أولادها.. ويجعلها تهمل بيتها.. وعقلها.. فضلاً عن مجتمعها.. وأمتها.. بل إن المرأة إذا استسلمت تماماً لبيوت الأزياء والموضة (وهي صهيونية في معظمها) تصبح وبالاً حقيقياً على مجتمعها فهي فتنة تسير على الأرض، وقنبلة تنفجر في صروح القيم، و(بالوعة) تبتلع أموال الأمة وتحولها إلى تلك البيوت العالمية المشبوهة.. ولا يعني هذا بأي حال من الاحوال أن كل من تسير على خطوط الموضة العالمية بذلك الشكل، او انها سيئة السلوك أو النية، فهناك من يتبعن تلك الخطوط بتمييز شديد وعقل ووعي ومعرفة بما يناسب وما لا يناسب، وما يليق وما لا يليق، وتأخذ من تلك المبتكرات ما يصلح وتنبذ ما لا ينفع..
المشكلة الحقيقية هي في الوضع العام لسيطرة بيوت الازياء والموضة على عقول الكثير من النساء بلا تفكير ولا مراجعة ولا تمييز وكأنهن مخدرات او منومات مغناطيسياً ترى الواحدة منهن أنه ليس في الإمكان أبدع مما كان سواء أقدرت على اقتناء تلك الموضات والأزياء أم لم تقدر فإن لم تقدر ظلت غصة في قلبها وإحساساً بنقصها.
وهناك ناحية اخرى يجني بها تجار الموضة والأزياء على معظم النساء وخاصة المراهقات والشابات.. وهي جعل (النموذج الجميل) لجسم المرأة هو (جسم عارضة الازياء) وهو جسم نحيف مخيف في نحافته (عظم على وضم)
إن هناك مراهقات وشابات في انحاء العالم يعذبن انفسهن أشد العذاب لكي تصل الواحدة منهن إلى ذلك الجسم النحيف المخيف في نحافته معتقدة أنه القدوة المثلى والنموذج الأعلى في الجمال، وهو في الواقع نموذج القبح والهزال والضعف ومسخ الأنوثة وتدمير الصحة وسلب المناعة وكأنه الايدز أو مقدمة الإيدز..
نساء في أنحاء الدنيا ـ وخاصة المراهقات ـ يتبعن ريجيماً مخيفاً خطيراً بل مهلكاً لكي يفسدن أجسامهن والواحدة منهن تحسب أنها تحسن صنعاً ومادرت أنها تقتل جمالها وتهلك صحتها وتفسد نضارتها وتمحق أنوثتها وتعذب نفسها وأهلها وتحيل جمالها إلى قبح بنفسها وهي لا تشعر

وإذا لم يكن عون من الله للفتى فأول ما يجني عليه اجتهاده

وبيوت الازياء !!!
بقلم عبد الله الجعيثين-اسلام ويب

Post: #506
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:08 PM
Parent: #501

قلق ، توتر ، زيادة في الوزن ، هبات حرارية ، انخفاض في الرغبة الجنسية، كلها عوارض لسن اليأس - كما يطلق عليه الغرب - لكننا كمسلمين نسميه سن النضج ، فلا يأس مع الإيمان - وما يصاحب هذه السن من تغيرات جسمانية ونفسية يمكن أن تتغلب عليه المرأة بإرادتها وإيمانها.
لا شك أن سن النضج مرحلة صعبة علي الصعيد النفسي، فهي تعني لكثير من النساء نهاية الشباب، ونهاية القدرة علي العطاء.
وتحدد ماري كلود - الأستاذة بجامعة بيارو ماري كوري في باريس - العوامل التي تؤثر في توقيت سن النضج ، فمنها ما هو وراثي ، فأي امرأة يمكنها معرفة السن التقريبي ليأسها إذا عرفت في أي سن يئست والدتها، بالإضافة إلي عوامل غير وراثية منها:
- التغذية غير المتوازنة.
- الظروف الاجتماعية والاقتصادية السيئة.
- الضغوط النفسية.
- التدخين، فالتبغ يمكن أن يسرع تناقص إنتاج الأستروجين.
أما عن التغيرات الجسدية والنفسية التي تحدث في هذه المرحلة فتقول ماري كلود: إن هذه الاضطرابات تعتبر مرحلة انتقالية ستتكيف الأعضاء بعدها علي فقد الهرمونات المهمة وتمتلك توازنا جديدا، ومن هذه التغيرات :
1 - الهبات الحرارية :
التي تصيب ثلاث نساء من كل أربع، وتتجلي من خلال إحساس بالحرارة يصاحبه أو لا يصاحبه احمرار الوجه لدي 10% من النساء، تكون الهبات قوية يصاحبها حالة مزعجة من تصبب العرق في الليل.
الحل:
ينبغي تجنب المنبهات التدخين، والأطعمة المضاف إليها بهارات.
وكذلك يجب تناول بعض المسكنات إضافة إلي العلاج الهرموني لما تسببه هذه الهبات من معاناة فعلية.
كذلك ينصح بتناول الأطعمة الغنية بفيتامين C و E وهما موجودان بوفرة في الثمار الطازجة والخضراوات.
2 - زيادة الوزن:
إذ تميل المرأة إلي الإكثار من السكريات.
وترتبط هذه الزيادة بعوامل هرمونية كما ترتبط بعامل التقدم في السن.
الحل
- لتفادي هذه السمنة يجب اتباع نظام صحي في التغذيةاعتبارا من سن الأربعين.
- تجنبي عادة تناول لقمة من هنا ولقمة من هناك طوال النهار وخارج أوقات الوجبات الضرورية.
- أبعدي الحلويات عن متناول يدك فهذه السكريات سريعا ما تتحول إلي شحم .
- خففي من تناول الدهنيات ذات المصدر الحيواني .
- فضلي الأسماك والخضار والفواكه الطازجة .
- أكثري من تناول الماء الذي يساعد علي طرد الفضلات وعلي ترطيب الجلد .
- مارسي رياضة منتظمة وخاصة المشي ربع ساعة في اليوم كحد أدني ضروري .
3 - انخفاض الشهوة الجنسية :
بعد بضع سنوات من النضج يطرأ علي الأعضاء التناسلية الخارجية والداخلية تراجع صحي ناتج عن غياب الأستروجين .
الحل :
إن الاستمرار النشط المنتظم في العلاقة الزوجية يكفي غالبا للحفاظ علي طراوة ونداوةالخلايا ويمكن استعمال المستحضرات التي تعمل علي ترطيب المهبل ، واستخدام مراهم مهبلية أساسها الأستروجين الذي يزيل الجفاف.
4 - جفاف الجلد :
إن نقص الاستروجين يؤدي إلي نقص في ترطيب الجلد، بذلك يصبح الجلد أكثر رقة وجفافا وأقل طراوة ، وبالتالي أكثر استعدادا للتجعد ، واضطراب عمل الخلايا يسمح بظهور بقع باهتة علي الجلد .
الحل :
- تجنبي التعرض الطويل للشمس.
- أكثري من شرب الماء وتناولي الثمار الطازجة.
- استخدمي مرهما خاصا للجلد يحتوي علي مادة الأستروجين.
هذا هو الرأي العلمي الذي يعد أخذًا بالأسباب ، أما الأهم منه فهو الاستعانة بالله علي مصاعب هذه السن واحتسابها عنده ( سبحانه وتعالي ) والانشغال عنها بالطاعة والعبادات والذكر .
جربي وستتحول هذه السن إن شاء الله إلي منحة لا محنة .
اسلام ويب

Post: #507
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:10 PM
Parent: #501

كيف تسرقين قلب زوجك
كانت صديقتي علي سفر .. اتخذت كل احتياطات تأمين شقتها، مزاليج تستعصي علي الفتح، نوافذ حديدية، وسافرت للمصيف مع أسرتها مطمئنة، وعندما عادت فوجئت بسرقة كل ما خف حمله وغلا ثمنه من بيتها، انهارت، ومن وسط دموعها لم أستطع التقاط سوي عبارة واحدة كانت ترددها طوال نحيبها: كيف دخلوا شقتي؟ كيف فتحوها رغم كل ما اتخذناه من حيطة وحذر؟ أي مفاتيح استخدمها هؤلاء الشياطين..؟
واسيتها .. ودعوتها للاسترجاع، وقلت لها صادقة إن عودتها وأسرتها بسلامة الله من سفر بعيد نعمة جزيلة لايضاهيها شيء، وتركتها داعية لها بالخلف والعوض.

في طريقي رددت ذات السؤال المحير الذي رددته: كيف فتحوا المزاليج القاسية .. وألانوا النوافذ الحديدية؟، ووجدتني أتخيل بيت صديقتي الموصد المحصن كقلعة حربية، قلب رجل تجتهد شريكته أن تفتحه ، وتسكنه ملكة متوجة، وسألت نفسي ، هل يمكن أن يكون اللصوص أمهر وأذكي من زوجة محبة متفانية معطاءة حانية؟ وهل تلك الشريكة التي تفني نفسها ليل نهار من أجل زوجها وأبنائها يمكن ألا تمتلك بجوار صبرها وتحملها واحتسابها مفاتح قلب زوجها؟

وهل يمكن أن تذوب الزوجة كشمعة وهي تعطي ، وتعطي ، ومع ذلك يوصد دونها قلب رجلها لمجرد أنها تقبض علي مفاتيحه، أو كانت طوع يمينها وأضاعتها هي غفلة أو استهتارًا؟

كثيرات من نسائنا يعيش معهن أزواجهن بحكم الإلف والعشرة لا بدافع الحب، وعدم القدرة علي الاستغناء، اعتادوا عليهن ، وقد لا يصعب عليهن حين تقع الفأس في الرأس أن يعتادوا علي غيابهن، فالقلوب مغلقة، والمشاعر محايدة، والنبض لا يهتف باسم شريكة الحياة، والشوق لا يحفز رب البيت لكي يهرول إلي عشه بعد يوم عمل طويل لينعم بصحبة شريكة كفاحه.
قد أظن ، ويظن معي كثيرون وكثيرات أن ولوج قلب الزوج أو الزوجة مغامرة شاقة ومهمة عسيرة، ولكن عن خبرة شخصية وسماعية ، بوسعي أن أؤكد لكن أن الأمر أيسر مما تتخيلن وتحكمه معادلة حب + صبر + دأب = سعادة في الدنيا ، إن لم تكن فأجر في الآخرة.

وكلما كان النظر بعيدًا كانت الجهود أهون والمحاولة أنجح، وأثمر التحبب حبا، والتودد ودا، وتدفقت الكلمة الحلوة أنهارا من عسل السعادة والاستقرار والوفاق.

لذلك أدعو كل زوجة محبة لأن تجرب تلك المفاتيح، ولن تندم.
حين ينفعل زوجك ويغضب ويحتد، عليك بمفتاح الصمت والابتسامة الودود، ثم الربتة الحانية حين يهدأ، والسؤال المنزعج بلسان يقطر شهدا : مالك يا حبيبي ؟.

- حين يقصر في العبادة ، وتشعرين بفتوره عليك بمفتاح التذكرة غير المباشرة بجمل من قبيل : سلمت لي فلولا نصحك ما حافظت علي قيام الليل، سأنتظرك حتي تعود من المسجد لنصلي النوافل، هل تذكر جلسات القرآن في أيام زواجنا الأولي، كانت أوقاتا رائعة، وكل وقت معك رائع ، جزاك الله خيرا، فمسارعتك إلي الصلاة بمجرد سماع النداء تشعرني بالمسئولية والغيرة، جمعنا الله في الجنة ورزقنا الإخلاص والمداومة علي الطاعة.

- وإن لمست منه نشوزا، فلن تجدي أروع من مفتاح الإصلاح الذي ينصحك به الله سبحانه وتعالي، توددي، واقتربي، وراجعي تصرفاتك، تزيني ، ورققي الصوت الذي اخشوشن من طول الانفعال علي الصغار، وصففي الشعر الجميل الذي طال اعتقاله في شكل واحد ، وتحت منديل رأس لا تخعلينه إلا عند النوم.

- حين تحدث له مشكلة في عمله جربي مفتاح بث الثقة، واسيه وشجعيه، قولي له بصدق: والله لو لفوا العالم ما وجدوا في كفاءتك وإخلاصك، هون علي نفسك مادمت ترضي الله، الفرج قريب، وبالدعاء تزول كل الكرب.

- أما وأنتما مع أولادكما فلا تنسي مفتاح زرع الهيبة أشعريه بأنه محور حياتكم، إن عاد بشيء مهما كان قليلا فأجزلي له الشكر، وقولي لأولادك بفرحة حقيقية: انظروا ماذا أحضر لنا بابا، أبقاه الله وحفظه.
إياك أن تسمحي لأحد الأولاد يخاطبه بأنت دون أن تنظري إليه بعتاب، وتحذريه من أن يكررها ويخاطب أباه بغير أدب ، علي مائدة الطعام

- احرصي علي ألا يضع أحد في فمه لقمة قبل أن يجلس هو ويبدأ الأكل، وحين يخلد للراحة والنوم، حولي بيتك إلي واحة من الهدوء، والزمي وصغارك غرفة واحدة دون أصوات عالية، أو تحركات مزعجة.

- أمام أهله وأهلك ، اصطحبي مفتاح الاحترام، وأنتما وحدكما استخدمي مفتاح الأنوثة والجاذبية، وهو يتحدث افتحي مغاليق نفسه بمفتاح الإنصات، والاهتمام، وإظهار الإعجاب بما يقول وتأييده فيه .
وفي أوقات الخلاف استعيني بمفاتيح التفاخر والتماس الأعذار، وحسن الظن، والرغبة في التصافي والصلح.

- إن كنت تحبين زوجك، وتريدين أن تمضي عمرك معه، فستجدين - بعون الله - لكل موقف مفاتيحه، ولكل باب مغلق عصي ما يجعله طوع يمينك، ومهما كان زوجك عمليا غير رومانسي فإن قلبه الذي أمن علي اختيار دينه وعقله لك لن يكون أكثر تحصينا من بيت صديقتي الذي فتحه اللصوص ، وأنت لست لصة، بل صاحبة حق، وليس من الحكمة أن يسرق قلب زوجك سواك .
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #508
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:12 PM
Parent: #501

لقد أولى الإسلام المرأة مكانة عظيمة ، ورفع من شأنها بما تضافرت الشواهد عليه من الكتاب والسنة النبوية وسيرة الخلفاء الراشدين ، وإن حدثت انتكاسات للمرأة في العهود المتأخرة نتيجة تحكيم العادات والتقاليد المخالفة للشريعة فإن الدين لا يتحمل أي جزء من المسؤولية كما يحاول أن يقول المغرضون .
ونقتصر هنا على بيان حرية المرأة في ظل السلطة ، سواء السياسية أم الأسرية أو العلمية ، ونؤكد على "السلطة" لأنها - في الغالب - تحجب الحرية إما قسراً أو رهبةً.

ففي سياق حرية المرأة في ظل سلطان الولي ( الوالد وغيره ) ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم frown emoticon استأمروا النساء في أبضاعهن ] ، قيل : فإن البكر تستحي أن تَكَلمّ ؟ قال: [ سكوتها إذنها ] . رواه أحمد والنسائي .
وهو طلب وأمر للولي باستئذان البنت في الزواج.

وفي سياق التطبيق العملي لتلك الحرية في الاختيار ، جاءت فتاة إلى النبي صلى الله عليه وسلم تقول : إن أبي زوّجني من ابن أخيه ؛ ليرفع بي خسيسته، وأنا كارهة . فدعا رسول الله أباها ، وجعل الأمر إليها ، فقالت : يا رسول الله قد أجـزت ما صنع أبي ؛ ولكن أردت أن تعلم النساء أنْ ليس للآباء من الأمر شيء. رواه أحمد والنسائي.
فاعجب معي من قوة شخصية هذه المرأة، ورعاية الإسلام لحقها في اختيار زوجها!

والأمر لم يقتصر على الولي ، بل تعدّاه إلى الخليفة ، أمير المؤمنين ورئيس البلاد ، فهذه امرأة تقف بين الجموع وترد على أمير المؤمنين عمر ، حين أراد تحديد مهور النساء ، فتقول: "ليس لك هذا يا ابن الخطاب ؛ فإن الله تعالى يقول : ( وآتيـتم إحداهن قنطاراً ) فهل تدري ما القنطار يا عمر؟ فقال أمير المؤمنين: "أصابت امرأة وأخطأ عمر".

وهذه خولة بنت ثعلبة تستوقف أمير المؤمنين عمر فتقول له : قف يا عمر ، فوقف لها ، ودنا منها وأصغى إليها ، وأطالت الوقوف وأغلظت له القول (أي قالت له): "هيه يا عمر! عَهِدتك وأنت تسمى عُميراً وأنت في سوق عُكاظ ترعى القيـان بعصاك ، فلم تذهب الأيام حتى سُميت عمر ، ثم لم تذهب الأيام حتى سميت أمير المؤمين ، فاتق الله في الرعية ، واعلم أنه من خاف الوعيد قَرُب عليه البعيد ، ومن خاف الموت خشي الفوت ، فقال لها الجارود : قد أكثرت ، أيتها المرأة ، على أمير المؤمنين ، فقال عمر : دعها. السيرة الحلبية 2/724 .
وكذلك الأمر ، كانت المرأة تتمتع بالحرية ، حتى مع شخص النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي تنصاع له كل الناس ، محبةً ورغبة في إرضائه ، فتقف المرأة تراجعه وتناقشه صلى الله عليه وسلم .. وقصة خولة بنت ثعلبة معروفة ومشهورة ، وهي التي نزلت فيها سورة "المجادلة" ، تستجيب لطلبها وترعى شأنها وشأن كل من حل بها ما حلّ بها .

وعن ابن عباس أن مغيثاً كان عبداً فقال : يا رسول الله اشفع لي إليها (يعني بريرة كانت زوجته ثم عتقت فطلبت مفارقته) ، فقال صلى الله عليه وسلم : [ يا بريرة اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك] فقالت: يا رسول الله أتأمرني بذلك ؟ قال "لا، إنما أنا شافع" فكان دموعه ( أي مغيث ) تسيل على خده ، فقال صلى الله عليه وسلم للعباس : ألا تعجب من حب مغيثٍ بريرة وبُغضها إياه ؟! ] رواه أبو داو.
والعجب ليس من إصرارها على رفض زوجها ، مع شفـاعة النبي صلى الله عليه وسلم له عندها ، وإنما في إدراكها الدقيق وتمييزها بين ما هو وحي تنصاع له ، وبين ما هو بشري من تصرفات النبي ، فتملك الاختيار فيه !.

وكذلك كانت زوجاته صلى الله عليه وسلم يراجعنه القول .. فعن عمر رضي الله عنه قال : " تغضبت يوماً على امرأتي ، فإذا هي تراجعني ، فأنكرت أن تراجعني - كعادة العرب في الجاهلية - فقالت : ما تنكر أن أراجعك ؟ فوالله إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليراجعنه ، وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل!! قال : فانطلقت فدخلت على حفصة ، فقلت : أتراجعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : نعم ، قال : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت : نعم . [رواه أحمد].

وحرية المرأة في ظل الإسلام تجاوزت تلك الحدود إلى درجة مناقشة الوحي ، فحين شعرت أم سلمة أن الوحي يخاطب الرجال ، هبت مسرعة إلى رسول الله تقول : يا رسول الله يُذكر الرجال في الهجرة ولا نُذكر ؟ فنزل قول الله تعالى : ( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض ) .
(آل عمران:195) . [رواه الحاكم في المستدرك والطبري في التفسير].
اسلام ويب

Post: #509
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:13 PM
Parent: #501

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أما بعد:
فإن أعظم العلل وأشدها خطرًا على جسد الأمة ؛ هي تلك الأمراض الاجتماعية التي تفتك بالمجتمعات وتسقط الدول ؛ كما أن أسرع التغيرات وأجلها نفاذًا إلى نخاع الأمة تلك التغيرات الاجتماعية ، خاصة في مجال المرأة . وقد قال أحد أقطاب الاستعمار: " كأس وغانية تفعلان في تحطيم الأمة المحمدية ما لا يفعله ألف مدفع".

فهذا المعز الفاطمي ما يزال يرنو إلى فتح مصر متهيبًا غزوها ، حتى بلغه استهتار نساء الأخشيد في مصر ، فتحرك لغزوها وقال : اليوم فتحت مصر ؛ اليوم لا يردنا عنها شيء .
ولأجل ذلك كانت قضية المرأة قضية خطيرة ، وما زال أعداء الأمة يستغلونها ؛ منذ قال جلاد ستون رئيس وزراء بريطانيا في عصره : " لا يمكن أن تتقدم بلاد الشرق إلا بأمرين:
الأول : أن يُرفع الحجاب عن المرأة المسلمة.
الثاني : أن يُغَطى بالحجاب القرآن الكريم .

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : [ إن الدنيا حلوة خضرة ، وإن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعلمون ، فاتقوا الدنيا ، واتقوا النساء ، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ].

إنما النساء شقائق الرجال
وليس معنى ذلك أن المرأة رجس ونجس كما هي عند اليهود والنصارى وغيرهم ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ إنما النساء شقائق الرجال ].
- شقائق في الأصل والخلقة ، شقائق في أصل التكليف ، شقائق في جزاء الآخرة.

أما دعاة المساواة الذين باعوا عرض المرأة ، وكرامتها وعفتها وأنوثتها ، وأخرجوها من بيتها موضع كرامتها لكنس الشوارع ، وحمل الأمتعة ، وقيادة سيارات الأجرة .. وغير ذلك من الأعمال الحقيرة الممتهنة ؛ بحجة أن المرأة نصف المجتمع ، فكذبوا . فإن المرأة هي المجتمع كله والأمة بأسرها ؛ لأنها تلد لنا النصف الآخر ؛ فهي أم الرجل وأخته وزوجه وابنته .

أيتها الأخت المسلمة .. انتبهي فأنت الضحية ، إنهم يخدعونك بتلك المفاهيم الخاطئة والأفكار الخبيثة تحت عناوين براقة مثل :" تحرير المرأة - مكانة المرأة - عمل المرأة - جمال المرأة " .. احذري استدراجهم ، تمسكي بالحجاب ، فإنهم كانوا لا يطلبون منك أكثر من كشف وجهك ، وبحجة أن كشف الوجه مختلف فيه ، غير أنهم يعلمون علم اليقين - بحكم التجارب الطويلة العديدة- أنك يوم تكشفين عن وجهك ، ويذهب ماؤه وحياؤه ستكشفين لهم عما عدا ذلك.

أيها الباكون ..
أما انتم أيها الراثون الباكون على المرأة وحقوقها ، فإنكم لا ترثون لها بل ترثون لأنفسكم ، وتبكون على ما يُحال بينكم وبينه من شهواتكم ، هذِّبوا رجالكم قبل أن تهذبوا نساءكم ، فإن عجزتم عن الرجال ، فأنتم عن النساء أعجز .

لقد عاشت المرأة القطرية حقبةً من دهرها هادئة مطمئنة في بيتها ، راضية عن نفسها وعن عيشها ، ترى السعادة كل السعادة في واجب تؤديه لنفسها ، أو وقفة تقفها بين يدي ربها ، أو عطفة تعطفها على ولدها ، أو جلسة تجلسها إلى جارتها ؛ تبثها ذات نفسها وتستبثها سريرة قلبها ، وترى الشرف كل الشرف في خضوعها لأبيها ، وائتمارها بأمر زوجها ، ونزولها عند رضاهما ، وكانت تفهم معنى الحب ، وتجهل معنى الغرام ، فتحب زوجها ؛ لأنه زوجها كما تحب ولدها لأنه ولدها ، فإن رأى غيرها من النساء أن الحب أساس الزواج رأت هي أن الزواج أساس الحب ، فقلتم لها : إن هؤلاء الذي يستبدون بأمرك من اهلك ليسوا بأوفر منك عقلاً ولا أفضل رأيًا ولا أقدر على النظر لك من النظر لنفسك ، فلا حق لهم في هذا السلطان الذي يزعمونه لأنفسهم عليك ، فازدرت أباها ، وتمردت على زوجها ، وأصبح البيت الذي كان بالأمس عرسًا من الأعراس الضاحكة ، مناحة قائمة لا تهدأ نارها ، ولا يخبو أوارها .

وقلتم لها : " لا بد لك أن تختاري زوجك بنفسك ؛ حتى لا يخدعك أهلك عن سعادة مستقبلك " فاختارت لنفسها أسوأ مما اختار لها أهلها ، فلم يزد عمر سعادتها عن يوم وليلة ، ثم الشقاء الطويل بعد ذلك والعذاب الأليم ، وقلتم لها : " إن الحب أساس الزواج " فما زالت تقلب عينيها في وجوه الرجال مصعدة مصوبة حتى شغلها الحب عن الزواج فغنيت به عنه ، وقلتم لها : " إن سعادة المرأة في حياتها أن يكون زوجها عشيقها " وما كانت تعرف إلا أن الزوج غير العشيق ، فأصبحت تبغي كل يوم زوجًا جديدًا يحيي من لوعة الحب ما أمات الزوج القديم ، فلا قديمًا استبقت ، ولا جديدًا أفادت ، وقلتم لها : " لا بد أن تتعلمي لتحسني تربية ولدك ، والقيام على شؤون بيتك ، فتعلمت كل شيء إلا تربية ولدها والقيام على شؤون بيتها ، وقلتم لها " " نحن لا نتزوج من النساء إلا من نحبها ونرضاها ويلائم ذوقها ذوقنا وشعورها شعورنا " فرأت أن لا بد لها أن تعرف مواقع أهوائكم ومباهج أنظاركم لتتجمل لكم بما تحبون ، فراجعت فهرس حياتكم صفحة صفحة فلم تر فيه غير أسماء الخليعات المستهترات والضاحكات اللاعبات ، والإعجاب بهن والثناء عليهن ؛ فتخلعت واستهترت لتكسب رضاكم وتنزل عند محبتكم ، فأعرضتم عنها ونبوتم ، فرجعت أدراجها خائبة منكسرة وقد أباها الرفيع وترفع عنها المحتشم .

فهل تودون أن تتحول المرأة المسلمة إلى هذه الصورة الساقطة بعد تلك الحياة العفيفة المطمئنة . نسأل الله أن يصلح أحوالنا ، وأن يستر عيوبنا .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الشيخ فاروق الرحماني (رحمه الله)

Post: #510
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:16 PM
Parent: #501

قارئي الكريم :
إنني طبيب في الأمراض النفسية ، وهذا العمل يتيح لي مشاهدة الوجه الآخر لمجتمعاتنا ، والاتصال بأصناف متعددة من الناس رجالاً كانوا أو نساءً، ومن طبيعة الذين يعملون في مثل هذه الاختصاصات الاهتمام بمشكلات الناس ، وقد يسير أحدهم في الشارع فتلفت انتباهه أمور لا يهتم بها المارة.. وكم أتمنى أن يهتم العلماء الدعاة بمثل هذه القضايا ويقدمون لها الحلول الناجعة، وسيكون دورهم أهم من دور الأطباء ورجــال الأمـن ؛ لأن مخالفة تعاليم الإسلام من أهم العوامل التي أدت إلى نشوء مثل هذه الأمراض.

وقـد حـرصـت عـلـى ذكـر هذه المقدمة حتى لا يستغرب القارئ ما أذكره له من أحــداث، وبشكل أخص زيارة النساء لنا في العيادة، والاسـتـمـاع إلـى مـشـكـلاتـهن، ولا علاج بدون الاستماع إلى هذه المشكلات ومناقشتها.
وبعد هذه المقدمة أعود إلى الحديث عن المرأة الغربية والزواج ، فأقول :
كنت أستغرب عند بداية إقامتي في بريطانيا أن المرأة هي التي تنفق على الرجل ، وكنت أشاهد هذه الظاهرة عندما أركب القطار أو أدخل المطعم ، إذ ليس في قاموس الغربيين شيء اسمه "كرم"..

وبعد حين زال هذا الاستغراب ، وأخبرني المرضى عن أسباب هذه الظاهرة، وفهمت منهم بأن الرجل لا يحب الارتباط بعقد زواج، ويفضل ما أسموه [صديقة]، والمرأة تسميه [صديقاً] ، وليس هو أو هي من الصدق في شيء ، وكم أساءوا لهذه الكلمة النبيلة ، فالصديق يعني: الصدق، والمحبة، والمروءة، والنخوة، والكرم، والوفاء، وما إلى ذلك من معان طيبة كريمة.

والصديق عندهم يعيش مع امرأة شهوراً أو سنين ، ولا ينفق عليها ، بل هي تنفق عليه في معظم الحالات، وقد يغادر البيت متى شاء ، أو قد يطلب منها مغادرة بيته ، إن كانت تعيش معه في بيته ، ولهذا فالمرأة عندهم تعيش في قلق وخوف شديدين ، وتخشى أن يرتبط صديقها (!!) بامرأة ثانية ويطردها ، ثم لا تجد صديقاً آخر.

وكما يقولون " بالمثال يتضح المقال " ، فسوف أختار مثالاً واحداً من أمثلة كثيرة تبين وضع المرأة عندهم:
رأيت في عيادة الأمراض النفسية امرأة في العشرينات من عمرها ، وكانت حالتها النفسية منهارة ، وبعد حين من الزمن شَعَرتْ بشيء من التحسن ، وأصبحت تتحدث عن وعيٍ ، فسألتها عن حياتها ، فأجابت والدموع تنهمر من عينيها ، قالت:

مشكلتي الوحيدة أنني أعيش بقلق واضطراب ، ولا أدري متى سينفصل عني صديقي ، ولا أستطيع مطالبته بالزواج منى ، لأنني أخشى من موقف يتخذه ، ونُصِحتُ بالعمل على إنجاب طفل منه ، لعل هذا الطفل يرغبه في الزواج ، وها أنت ترى الطفل ، كما أنك تراني ولا ينقصني جمال ، ومع هذا وذاك فأبذل كل السبل ؛ من تقديم خدمات ، وإنفاق مال ، ولم أنجح في إقناعه بالزواج ، وهذا سر مرضي ، وسبب قهري إنني أشعر بأنني وحدي في هذا المجتمع ، فليس لي زوج يساعدني على أعباء الحياة ، ولي أهل ولكن وجودهم وعدمه سواء ، وليتني بقيت بدون طفل ؛ لأنني لا أريد أن يتعذب ويشقى في هذه الحياة كما تعذبت وشقيت.

وهذه المرأة المريضة ليست من شواذ المجتمع الغربي ، بل الشواذ هم الذين يعيشون حياة هادئة.. ومع ذلك ينقد الغربيون مجتمعاتنا الإسلامية ، ويزعمون بأن المرأة تعيش في بلادنا حياة بائسة محزنة، ونحن لا يهمنا رأي الغرب بنا، ولا نطلب منه حسن سلوك، ولكن نريد من نسائنا أن يحمدن الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام ، فلقد كانت في الجاهلية ذليلة مهينة ، وجاء الإسلام ليرفع مكانتها ، وبفضل من الله سبحانه وتعالى أصبح الرجل يبحث عن المرأة ، ويطلب الزواج منها ، وهي قد تقبل وقد ترفض ، ولأهلها دور كبير في أمر زواجها ، وسواء كانت عند زوجها أو في بيت أبيها فهي عزيزة كريمة ، والرجال هم الذين ينفقون عليها، بل والذي نشكو منه في بلادنا الغلو في المهور ، والتكاليف الباهظة التي تفرض على الرجل حتى يحصل على زوجة ، ((يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُل لاَّ تَـمُـنُّـوا عَـلَـيَّ إسـْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَـمُـنُّ عَـلَـيْـكُـمْ أَنْ هَـدَاكُـمْ لِلإيمَانِ إن كُنتُمْ صَادِقِينَ)) [الحجرات/17].
د. عبد الله مبارك الخاطر-اسلام ويب

Post: #511
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:17 PM
Parent: #501

يأخذ الحب مساحة كبيرة في الثقافة الغربية ، ويكاد يقتصر على الصلة الخاصة بين الرجل والمرأة ، وقد توسعوا فيه توسعاً شمل جميع النواحي ، وساعد على نشر هذه المفاهيم أجهزة الإعلام بكل أنواعها - حتى تحول الحب إلى تجارة تربح المليارات ، وانتشرت المثيرات الخارجية التي تخصصت في ذلك ، مثل بيوت الأزياء العالمية ، والمجلات الجنسية ، والأفلام التي دمرت القيم والحياة ، ووضعت العقبات أمام الشباب في الزواج المبكر ، ووجد الفراغ الفكري والعقلي ، وضعفت الأسرة

وقد لاحظ ذلك الطبيب الانجليزي ترومان - ل - بريل ( مدير مستشفى لندن النفسي ) فقال :
" لعل أغرب تجارة كسب منها التجار الألوف من الملايين تجارة الحب وصناعة السينما ونحوها - لقد ساعدوا في إفساد عواطف هذا الجيل من الشباب الذي ولد بعد الحرب ، وقالوا له إن الحب جميل وساحر ، وأصبحت كلمة الحب صورة خيالية لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها ، فيعجز عن ممارسة الحب وعن الرضا العاطفي ، وذلك يختلف عن أفكاره لأن الواقع يصدمها " .

الحب في الثقافة الإسلامية

القرآن الكريم هو المصدر الأول للثقافة الإسلامية ، وعلى أساسه ربى النبي صلىالله عليه وسلم الصحابة الذين قاموا بأكبر انقلاب في تاريخ البشرية حيث أخرجوا الناس من الظلمات إلى النور ، وربوا الناس على الأخلاق الإسلامية ، وقد وردت كلمة الحب في القرآن الكريم (88) مرة ، لم يرد فيها الحب الخاص بالصلة بين الرجل والمرأة إلا مرة واحدة وذلك في قوله تعالى في سورة يوسف : ( وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها في ضلال مبين ) ( يوسف : 30) .
أما ماعدا ذلك فقد ذكر القرآن الكريم الذين يحبهم الله والذين لا يحبهم ، ونحو ذلك من المعاني التي تبني المجتمعات البناء السليم ، وتحقق وظيفة الإنسان على الأرض - فالذين يحبهم الله تعالى هم الذين يطيعونه ، ويسيرونه على منهاجه ، والذين لا يحبهم هم الذين لا يسيرون على طريق الاستقامة فيؤثرون تأثيراً سلبياً في هذه الحياة .

ومن آيات القرآن الكريم ( إن الله يحب المحسنين ) ( البقرة : 195) ( والله يحب الصابرين ) ( آل عمران : 46) ( إن الله يحب المتوكلين ) ( آل عمران : 159) ( والله يحب المطهرين) ) ( التوبة : 108) ( إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفاً) ( الصف : 4) .
ومن آيات القرآن الكريم ( والله لا يحب الفساد) ( البقرة : 205) ( إن الله لا يحب من كان خواناً أثيماً) ( النساء : 107) (إن الله لا يحب المعتدين ) ( المائدة : 87) ( إنه لا يحب المسرفين ) (الأعراف : 31) .

ويمثل هؤلاء الصحابة الذين رباهم نبي الإسلام على مبادئ الإسلام التربية الكاملة المتكاملة ، التي تظهر في وصف الشيخ أبي الحسن الندوي لهم في كتابه ( ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ) ؟ (حتى إذا خرج حظ الشيطان من نفوسهم - وأنصفوا من أنفسهم إنصافهم من غيرهم ، وأًصبحوا في الدنيا رجال الآخرة ، وفي اليوم رجال الغد ، لا تجزعهم مصيبة ولا تبطرهم نعمة ولا يشغلهم فقر ولا يطغيهم غنى ، ولا تلهيهم تجارة ولا تخيفهم قوة ، ولا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً - وأصبحوا للناس الصراط المستقيم ، قوامين بالقسط ، شهداء لله ولو على أنفسهم أو الوالدين والأقربين - وطأ لهم أكناف الأرض وأصبحوا عصمة للبشرية ووقاية للعالم ، ودعاة إلى دين الله واستخلفهم الرسول صلى الله عليه وسلم في عمله ولحق بالرفيق الأعلى قرير العين من أمته ورسالته " .

المؤمن يحب الله تعالى

الحب لله تعالى هو حب الطاعة والانقياد لكل ما جاء بالقرآن الكريم ، والسنة النبوية ، والالتزام بمنهج الله تعالى ، والسير على رضاه يقول النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به ] (رواه الطبراني والبيهقي) ، ويقول الله تعالى : ( ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حباً لله ) (البقرة : 165) وقد طلب الله تعالى من نبيه أن يقول للمؤمنين ( قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ) (آل عمران : 31) فليس الحب كلمة تقال ، وإنما هي عاطفة واتجاه وطاعة وسلوك .

وقد نبه الله سبحانه وتعالى أبا بكر الصديق والمسلمين إلى مثل ذلك ، بعد براءة عائشة رضي الله عنها من حادثة الإفك ، فقد قال أبو بكر : والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال في عائشة ، وأدخل عليها ما أدخل ، فأنزل الله تعالى : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولى القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) (النور : 22) .
وقال أبو بكر : والله إني لأحبُ أن يغفر الله لي ، وأرجع إلى مسطح نفقته التي كان ينفقها عليه ، وقال : ( والله لا أنزعها عنه أبداً ) وهذه السرعة في الاستجابة تبين مدى حب أبي بكر لخالقه سبحانه وتعالى .
اليهود والنصارى وادعاؤهم أنهم أحباء الله

وقد ظن اليهود والنصارى أن الله يحبهم ، وسيعاملهم معاملة خاصة ، مع أنهم لا يطيعون أوامره ولا يستجيبون لعمل الخير - وهذا لون من الغرور ، وقد رد القرآن الكريم عليهم رداً يبين لهم أنهم لا يتميزون على غيرهم من مخلوقات الله : ( وقال اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه ، قل فَلِمَ يعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشرٌ ممن خلق ، يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء ) (المائدة : 18 ) .
وبعض المسلمين يظنون أن مجرد أداء الشعائر بدون الإلتزام الكامل بمنهج الله تعالى هو مقياس الحب لله تعالى ، وقد تنبهت لذلك رابعة العدوية فقالت :
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
هذا لعمري في الفعال بديع
لو كان حبك صادقاً لأطعته
إن المحب لمن يحب مطيعٌ

ماذا يحب الله؟

لقد كان الدخول في الإسلام نقطة تحول رائعة في حياة المسلمين ، فلم يعد يهمهم المال ولا الجاه ولا الولد ولا القبيلة - لكن أصبح يهمهم إرضاء الخالق سبحانه وتعالى - وكانوا دائماً يسألون عن الأشياء التي يحبها الله حتى يفعلوها ويلتزموا بها ، والأشياء التي لا يحبها حتى لا يقاربوها - فعن عبد الله بن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل ؟ قال : [ الصلاة لوقتها ] - قلت : ثم أي ؟ قال : [ بر الوالدين ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ الجهاد في سبيل الله ] (البخاري ومسلم ) .
وعن أبي العباس الساعدي قال : جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس قال : [ ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس ] (ابن ماجه) .

ماذا يحب الناس ؟

الناس بصفة عامة يحبون الحياة الدنيا وما فيها من زينة ومال وجاه ونساء ، وقد بين القرآن الكريم ذلك فقال : ( زُينَ للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب . قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله..) (آل عمران : 14 و 15) .

ويوجه القرآن الكريم أنظار المؤمنين إلى أن من أزواجهم وأولادهم عدواً لهم وعليهم أن يحذروهم ويمكنهم أن يصفحوا عن أبنائهم وأزواجهم إذا ما حاولوا التأثير عليهم في أي شيء يغضب الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم . إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم . فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيراً لأنفسكم ومن يوقَ شُح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ( التغابن : 14 ، 16)
وقد نعى القرآن الكريم على الذين يجعلون الدنيا أكبر همهم ، ولا يلتزمون بالمنهج الإلهي ترى ماذا يفعلون يوم القيامة : ( إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يومًا ثقيلاً ) (الإنسان : 27)
ولكن الذين يؤمنون بالله لا يحبون إلا ما يحبه الله ، ويضحون في سبيل ذلك بكل شيء ، ومن هؤلاء يوسف عليه السلام الذين خُير بين الاستجابة لرغبات امرأة العزيز أو السجن فقال في إصرار :
( رب السجن أحبُ إليَّ مما يدعونني إليه ) (يوسف : 33) .
وامرأة فرعون التي آمنت بالله وأًصرت على ذلك وعذبها فرعون بكل ما استطاع فقالت :
( ربِ ابنِ لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القومِ الظالمين ) ( التحريم : 11) .
والأنصار هاجر إليهم النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة فارين بدينهم ، تاركين أموالهم وأولادهم فاستقبلوهم بالترحاب وآثروهم على أنفسهم ومدح الله تعالى عملهم هذا وسجله في القرآن الكريم في قوله تعالى : ( والذين تبؤوا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوقَ شُح نفسه فأولئك هم المفلحون ) ( الحشر : 9) .

نظرية كأس الماء الشيوعية

في الغرب تنتشر الفلسفات البشرية وهي بطبيعتها قاصرة عن فهم الإنسان من جميع جوانبه ، وعن إدراك حاجاته الكاملة ، وبالتالي هي قاصرة عن ادراك المجتمعات البشرية كلها - ولذلك فإن كل الفلسفات البشرية ينكشف ما فيها من قصور عند التطبيق وذلك يكون بعد وقوع الكارثة .
قد نادى الشيوعيون بمبدأ المساواة في مجال الجنس وأباحوه لتحطيم نظام الزواج . باعتباره من إرث البرجوازية وأطلقوا عليه نظرية كأس الماء .

و ذلك يعني إمكانية ممارسة الجنس كما يتناول الإنسان كأس الماء ، واعتبروا الزواج مغمرة جنسية لا إلزام فيها من حيث نتائجها من أبناء وغير ذلك ، ولكن الشيوعيين عانوا من ذلك ، ثم أحسوا بالخطر الذي يهدد كيانهم ويحطم شبابهم حتى إن زعيمهم " لينين " وصف تلك النظرية بأنها حطمت الشباب وجعلتهم متهورين مجانين ، وقال بعد ذلك " إن النظرية ضد المجتمع ، وهذا النظام أنتج أطفالاً بلا أسر وعاهرات غير محترفات ، وأظهر ظاهرة " البغاء الوحشي " وأوجد متطوعات في زمن الحرب ، ومما يلاحظ أن فرنسا كرمت النساء المتطوعات اللاتي ولدن أولاداً لا يُعرف آباؤهم ولقبن :" بأمهات زمن الحرب " .

في أمريكا

وقد أصبح الأدب المكشوف يغرق أمريكا ، وقد بلغ حجم تجارته عشرين مليار دولار من الصور الإباحية فقط ، ففي كل يوم يوزع أكثر من نصف مليون نشرة تعرض كل الإنتاج الفاحش للبيع ، في المدن والقرى وترسل بالبريد ، وثلاثة أرباع هذا الانتاج القذر يوجه بمهارة إلى أطفال المدارس ، الذين تبدأ أعمارهم من الحادية عشرة ، وحتى طلبة المدارس الثانوية - والضحايا موجودون في أكثر البيوت احتراماً فهي كما يقول الصحفي الأمريكي " هولمان هارفي " :
" سم قاتل لأنها لفتيات ورجال عراة منفردين ومختلطين في صورة خليعة والنساء في أغلب الحالات من البغايا " ولذلك فإن مكتب التحقيقات الفيدرالي يؤكد : أن الشباب في سن الثامنة عشرة يرتكبون الآن جرائم الاغتصاب أكثر مما يرتكب أي فريق من الذكور في الأعمار الأخرى .
وقد اكتشف رجال الشرطة أن تجار الأدب المكشوف يجمعون قوائم بأسماء الأحداث ، ثم يرسلون إليهم إنتاجهم بالبريد ، وطالما شكا الآباء والأمهات من ذلك .

انتشار الاغتصاب

وترتب على ذلك ظهور الاغتصاب بصورة واضحة وقد أعد الدكتور أحمد المجذوب الخبير الاقتصادي الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية بالقاهرة دراسة عن الجرائم في 14 دولة أوروبية ، وعدد من دول العالم الثالث بما فيهم مصر بالتعاون مع الأمم المتحدة ، وقد نشر ملخصها في صحيفة الصباحية السعودية بتاريخ 18 من مارس سنة 1992م وجاء فيها :
" إن الأبحاث قد كشفت عن أن 27 سيدة من كل خمسين سيدة تتعرض للاغتصاب ، منها ثلاث حالات شروع و 12 يتعرضن لاعتداءات جسيمة ، و 12 يتعرضن لاعتداءات طفيفة " .

ولاحظ الباحث أن السيدات لا يبلغن الشرطة تجنباً للفضيحة ، والخوف من الإهمال والانتقام إلى جانب جرائم أخرى مثل السطو والاتجار في الأطفال وفي الأعضاء البشرية
الأستاذ : علي القاضي-اسلام ويب

Post: #512
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:20 PM
Parent: #511

من أعظم النعم الإلهية بعد نعمة الإيمان والتقوى أن أنعم الله تعالي على عباده بنعمة الزوجية ، وفيها ما فيها من معانى الألفة والود والتراحم ، مما يساعد على سير الحياة سيرًا طبيعيًا كما أرادها الله تعالى ؛ لتكون معبرًا إلى دار القرار ، وطريقًا معبدًا يسلكه السائر حتى يصل إلى مراده ومقصوده ، وليس أبلغ من التعبير القرآنى العظيم فى وصف علاقة الزوجية بكونها (الميثاق الغليظ) ، وبما تعنيه الكلمة القرآنية من بلاغة وروعة من العهد والقوة والتأكيد الشديد لأهمية الحفاظ عليه والوفاء به، وقلة قليلة تفهم هذا المعنى وتحافظ عليه ، وتحوطه وتحميه، فما يزال كثير من الأزواج يظن أن الحياة الزوجية ليست إلا تصريفا لطاقة مخزونة تريحه بين حين وآخر ،

وهى - لعمر الله - نظرة سطحية بليدة باردة يولدها شعور باهت وإحساس ميت ليعيش هذه المشكلة جمع غير قليل من النساء الفضليات المرهفات الحس اللاتى صادفن فى حياتهن هذه القلوب العليلة والظلال الكئيبة ، والشخوص الباهتة التى ترقص على جراح القلوب النازفة.
وليس من نافلة القول أن نكثر الحديث عن المشاعر ، أو نتحدث عن الأشواق التى تختلج فى الصدور ، فتجعل منها بركانًا يتقد أو منجاة يسمع لها دوى يفطر القلوب الحية، وهل بقى للناس غير المشاعر ؟ وقلما تصفو الحياة بغيرها،
وليس من الغرابة أن نذكر - وبحق - بأن هناك لغة راقية سامية، حروف هذه اللغة أحاسيس معبرة ومشاعر مؤثرة غير أنها تحس ولا ترى ، تلك هى لغة المشاعر وصياغتها، وكيفية التعامل معها والأنس بها بما يملأ الزمان والمكان، وقليل هم أولئك الذين يحسنون التعامل مع هذه القلوب وتلك الأرواح فيبلغون فيها عبقرية جادة فيهنؤون بعيش كريم ويسعدون غيرهم بجمال الكون وما فيه.
وشر البلية أن يرزأ المرء فى عواطفه ، وأن يصاب بعقم مشاعره ، وما حلو العيش ولذة الحياة إن فقدت معناها الجميل ؟ وهل يحمد العيش بغير هذا النغم ؟!

وماذا لو أن امرأة تزوجت رجلاً فإذا هو بليد المشاعر ، رتيب الحس ، فقير الشعور ، فج العبارة ، ثقيل الظل ، قليل العطاء ، تراه فى البيت مكومًا كما لو كان جزءًا من أثاث البيت وبقية من متاعه ؟
ألا ينفطر قلبها، وتشقي نفسها، ثم تذبل وتنكمش فتموت فى اليوم مرات ومرات ، كالوردة التى لا تجد من يسقيها فتذبل وتنتهى؟
وإنه مما يتميز به هذا الدين تلك المرونة والوسطية والبساطة ، فليس هو جامدًا أو حديدًا ، وإنما هو دين الرفق واللين والملاطفة ، والرقة والبلاغة ، ينهى عن الغلظة ، ويعيب على الفظاظة.

وإن الزوجة هى رفيقة الدرب ، وشريكة الحياة ، والمؤنس فى الوحدة ، وقد خلقت ليسكن الرجل إليها، والمرأة - بحكم ما أودع الله فيها من أسرار - مخلوق وديع ، وجنس لطيف تحبه النفس وتتعلق به، وتأنس إليه ، وتهشّ له لكونه مخلوقًا راقيًا يحمل من المشاعر الدافقة ، والعواطف الكامنة ، والأحاسيس الدافئة ، والعطاء المتجدد الذى لانهاية له ، مما يجعل الكون جميلاً ولطيفًا فى أجوائه وآفاقه ، فإذا ما التقت والرجل فلم تجده سوى غصن يابس ، أو غرس شائك لا طعم ولا لون ولا رائحة نفرت منه ، ورغبت عنه، وندمت أشد الندم على أنها رزئت فى شبابها، وأصيبت فى مقتل ! ولم هذا ؟! أليست هى امرأة ؟ أليست هى سرًا من أسرار هذا الكون الفسيح ؟!

من وسائل زيادة الحب بين الزوجين :

* إنَّ كلامًا جديدًا يخرج من بين ثناياك لكاف - بتوفيق الله - لأن يذيب الجليد ، ويلين الحديد ، ويقيم الجسور.
* أن تسأل عنها حال مرضها أو عافيتها يشعرها بوافر السعادة ، وعظيم الامتنان لشعورها بالاهتمام بها والحب لها.

* أن تشاركها الحديث ، وتحسن الإصغاء إليها من غير أن تقاطعها يشعرها بوجودها وقيمتها.

* أن تربت على كتفها وتضغط على يدها بين حين وآخر.

* أن تشيع فى البيت جوًا من الأنس والبهجة والمرح ، فإن ممازحتها ومضاحكتها وإدخال السرور عليها أمر منصوص عليه مرغوب فيه.
* الاعتزاز بخبراتها والثناء عليها يعود عليها بنضارة فى الوجه والبدن.

* لفت الانتباه باحتياجك إليها أكثر من احتياجها إليك ، وبأنها لك حسنة الدنيا التى وهبها الله لك مما يزيد من ثقتها بأنها مرغوبة محبوبة.

* الرفق بها ومعاونتها فى خدمة البيت، ورعاية الأبناء يخفف الكثير من آلامها.

* تجنب العبارات المؤذية، والجمل الفجّة والكلمات القاسية ، فربما جرح لم يفلح في تضميده شىء على الإطلاق .
وذلك الذى ذكرناه لن يؤتى ثماره إلا إذا كان ينبوعًا حقيقيًا يصدر عن القلب والنفس والروح .
ومما يعين على ما ذكرنا أن ينظر الزوج بين الفينة والأخرى فى:

1 - سيرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وسيرة أصحابه خير القرون ، وسيرة التابعين والتأسّى بهم فى معاملتهم لزوجاتهم.

2 - كثرة تلاوة القرآن الكريم الذى يرقق القلب، ويقوّم اللسان ويثرى به العقل بعظيم المعنى والمبنى.
3 - السير فى الأماكن التى تنشط الذهن، وتوحى بالتأمل والنظر كالحقول والبساتين، والليالى القمرية، والنظر إلى الجبال الشاهقة، والأمواج المتلاطمة كل ذلك يزيد من إحساس الفرد، ويدربه على استثمار العاطفة وتنشيط الخيال وإثرائه.

4 - أن يمسح بيده رؤوس اليتامى لعلّ قلبه أن يلين كما جاء فى الحديث الصحيح.
5 - أن يدعو ربه الكريم الجواد بأن يطلق عقله بالمعرفة ولسانه بالجميل ، وفؤاده بالنظر والتأمل، وأن تدعو له زوجه بظهر الغيب أن يكون خير زوج لها، ويأنس كل منهما بصاحبه، وكلا الزوجين مطالب بأن يحصِّن الآخر فيسكن القلب وتستريح النفس، وليس المقصود بالإحصان إفراغ ما فى الجسد من شدة فوران الشهوة واتقّادها بل هو أعم من ذلك ، وأوسع لما يشتمل عليه من المناغاة، والمناداة، والملاعبة والمؤانسة، والتواصل والقرب والعطاء، وارتباط القلوب بعضها ببعض، بإشارات ولمحات بما يبين المعنى ويفسر المقصود، ويحقق المراد من اللباس المشتمل على صاحبه فى قوله تعالى: هن لباس لكم وأنتم لباس لهن.
فما الفائدة من لباس لايستر صاحبه ولا يقيه عوارض الحر والقر؟! وما المعنى من لباس لايحس صاحبه فيه بدفء أو قرار؟!

ولهذا أقام علماء الشريعة بالدخول بالزوجة قرينة على تحقيق الإحصان كشرط من شروط إقامة الحد على الزانى، ومن ثم كانت الألفة أقوى من المحبة وأحكم لاستدامة العشرة الزوجية لما فيها من القرب والوصل ما ليس فى المحبة المجردة، ولذا كان فى مفارقة الأحبة من عظيم الكدر الذى يصيب النفس ، ويهلك البدن ما فيه، وسر ذلك أن المحبة المجردة يهيج شوقها الخيال المجرد بعيدًا عن الواقع ، لكن (المعايشة الصادقة) وفيها من الجوار والقرب واللطف مافيها تسعد القلب وتحرّك الشجن ، وتؤنس الجارحة فيتبدد ليل القلق ، ويسعد الحال ، ويروق البال ، وتلك حسنة الدنيا التى وعدها أهلها.
فيا قوم : من قبل أن تظلل بيوتنا كآبة لازمة ، ومن قبل أن نسح الدموع المدرارة التى لا تجف ، أو ينهار البيت على ساكنيه : أقيموا فى بيوتكم مشروعًا صغيرًا للحب ينمو مع الأيام، ويثرى حصاده عقولاً سليمة، وأبدانًا ندية، ووجوهًا سمحة كريمة..
فهلا وافقتمونى؟.
علي الخطيب-اسلام ويب

Post: #513
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:23 PM
Parent: #512

الواقع أنه ليس هناك نوع واحد من المراهقة فلكل فرد نوع خاص حسب ظروفه الجسمية والاجتماعية والنفسية والمادية، وحسب استعداداته الطبيعية، فالمراهقة تختلف من فرد إلى فرد، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى، ومن سلالة إلى سلالة، كذلك تختلف باختلاف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة .
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها استقلالاً تاماً، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة ، والنمو عملية مستمرة ومتصلة.
وجدير بالذكر أن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه أن يؤدي بالضرورة إلى حدوث أزمات للمراهقين، ولكن دلت التجارب على أن النظم الاجتماعية الحديثة التي يعيش فيها المراهق هي المسؤولة عن حدوث أزمة المراهقة، فقد دلت الأبحاث التي أجرتها مارجريت مد M.MEAD ( وهي من علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية ) في المجتمعات البدائية أن المجتمع هناك يرحب بظهور النضج الجنسي، وبمجرد ظهوره يقام حفل تقليدي ينتقل بعده الطفل من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الرجولة مباشرة، ويترك المراهق فوراً السلوك الطفولي ويتسم سلوكه بالرجولة، كما يعهد إليه المجتمع - بكل بساطة - بمسؤوليات الرجال، ويسمح له بالجلوس وسط جماعاتهم، ويشاركهم فيما يقومون به من صيد ورعي، وبذلك يحقق استقلالاً اقتصادياً واجتماعياً، وفوق كل هذا يسمح له فوراً بالزواج وتكوين الأسرة، ومن ثم يتمكن من إشباع الدافع الجنسي بطريقة طبيعية. وبذلك تختفي "مرحلة المراهقة" من هذه المجتمعات البدائية، الخالية من الصراعات التي يقاسي منها المراهق في المجتمعات المتحضرة.
فالانتقال من الطفولة إلى الرجولة في المجتمعات البدائية انتقال مباشر.
أما في المجتمعات المتحضرة فقد أسفرت البحوث عن أن المراهقة قد تتخذ أشكالاً مختلفة حسب الظروف الاجتماعية والثقافية التي يعيش في وسطها المراهق، وعلى ذلك فهناك أشكال مختلفة للمراهقة منها:
1. مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات.
2. مراهقة انسحابية حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة، ومن مجتمع الأقران، ويفضل الانعزال والانفراد بنفسه حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.
3. مراهقة عدوانية، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء.
د. عبد الرحمن العيسوي-اسلام ويب

Post: #514
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:26 PM
Parent: #501

قال الله تعالى: (وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله، إن الشرك لظلم عظيم) لقمان 13 .
وروي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما - وهو طفل - أخذ تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كخ، كخ، ارم بها أما علمت أنّا لا نأكل الصدقة] .
وفي رواية: [أنّا لا تحلّ لنا الصدقة] . رواه البخاري ومسلم .
وعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما، ربيب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
(كنت غلاماً في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم - أي في كنفه وحمايته - وكانت يدي تطيش في الصّحفة - أي تدور في نواحي الإناء-.
فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: [يا غلام، سمّ الله تعالى، وكل بيمينك، وكل مما يليك] رواه البخاري ومسلم .
فما زلت تلك طعمتي بعد - أي صفة أكلي-).
وعن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال:
كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم - أي على دابته - يوماً فقال:
[يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف] . (رواه الترمذي وغيره) .
وفي رواية أخرى: [احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا] .
- وكان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إذا نهى الناس عن أمر، دعا أهله فقال: (إني نهيت الناس عن كذا وكذا، وإنما ينظر الناس إليكم نظر الطير إلى اللحم، فإن وقعتم وقع الناس، وإن هبتم هاب الناس، وإنه والله لا يقع أحد منكم في شيء نهيت عنه، إلا أضعف له العقوبة لمكانه مني) .
من مواعظ علي رضي الله عنه:
ووعظ علي كرم الله وجهه ابنه الحسن رضي الله عنه فقال:
(يا بني، اجعل نفسك ميزاناً فيما بينك وبين غيرك:
فأحبَّ لغيرك ما تحب لنفسك، واكره له ما تكره لها.
ولا تظلم، كما لا تحب أن تُظلم.
وأحسن كما تحب أن يُحسن إليك.
واستقبح من نفسك ما تستقبح من غيرك.
وارض من الناس ما ترضاه لهم من نفسك.
ولا تقل ما لا تعلم، ولا كل ما تعلم.
ولا تقل ما لا تحب أن يقال لك.
ولا تكن عبد غيرك، وقد جعلك الله حرّاً.
واعلم أن حفظ ما في يدك، أحب إليك من طلب ما في يد غيرك.
ولا تأكل من طعام ليس لك فيه حق، فبئس الطعام الحرام.
وجدّ في الحصول على معاشك.
وإياك والاتكال على المنى، فإنها بضائع الموتى.
يا بني، سل عن الرفيق قبل الطريق، وعن الجار قبل الدار.
وإياك أن تذكر في الكلام ما كان مضحكاً، وإن حكيت ذلك عن غيرك.
وأكرم عشيرتك، فإنهم جناحك الذي تطير به، وأصلك الذي إليه تصير، ويدك التي بها تصول، ولسانك الذي به تقول.
ولا يكن أهلك أشقى الخلق بك.
ولا تكوننّ على الإساءة أقوى منك على الإحسان.
وليس جزاء من سَرّك أن تسوءه) .
نصيحة والد:
ورأى الخليفة عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه في يد ولد من أولاده خاتماً قيمة فَصّه ألف درهم، فأقسم عليه أن يبيعه، ويجعل ثمنه في بطن ألف جائع، وأن يتخذ مكانه خاتماً ينقش عليه: (رحم الله امرأ عرف قدره).
تربية خال:
وقال سهل بن عبدالله التُستري رضي الله عنه:
(كنت وأنا ابن ثلاث سنين أقوم بالليل، فأنظر إلى صلاة خالي محمد بن سوار.
فقال لي يوماً: ألا تذكر الله الذي خلقك؟
فقلت: كيف أذكره؟
قال: قل بقلبك عند تقلبك في ثيابك ثلاث مرات من غير أن تحرك به لسانك.
(الله معي، الله ناظر إليّ، الله شاهدي).
فقلت ذلك ليالي ، ثم أعلمته.
فقال: قل في كل ليلة سبع مرات.
فقلت ذلك ثم أعلمته.
فقال: قل ذلك كل ليلة إحدى عشرة مرة.
فقلته، فوقع في قلبي حلاوته، فلما كان بعد سنة، قال لي خالي:
احفظ ما علمتك، ودم عليه إلى أن تدخل القبر، فإنه ينفعك في الدنيا والآخرة.
فلم أزل على ذلك سنين، فوجدت لذلك حلاوة في سري.
ثم قال لي خالي يوماً: يا سهل، من كان الله معه، وناظراً إليه، وشاهده، أيعصيه؟! إياك والمعصية!
فكنت أخلو بنفسي، فبعثوا بي إلى المكتب (الكتّاب).
فقلت: إني لأخشى أن يتفرق عليَّ همي، ولكن شارطوا المعلم، أني أذهب إليه ساعة فأتعلم، ثم أرجع.
فمضيت إلى الكتاب، فتعلمت القرآن، وحفظته وأنا ابن ست سنين، أو سبع سنين، وكنت أصوم الدهر، وقوتي من خبز الشعير اثنتي عشرة سنة، فوقعت لي مسألة، وأنا ابن ثلاث عشرة سنة، فسألت أهلي أن يبعثوني إلى أهل البصرة فسألت علماءها، فلم يشفِ أحد عني شيئاً.
فخرجت إلى عبادان. إلى رجل يُعرف بأبي حبيب حمزة ابن أبي عبدالله العباداني، فسألته عنها، فأجابني، فأقمت عنده مدة، أنتفع بكلامه، وأتأدب بآدابه، ثم رجعت إلى تُستر...).
من وصية لحجة الإسلام:
من وصية للإمام الغزالي رضي الله عنه إلى أحد تلاميذه:
( اعلم يا بُني - أطال الله بقاءك بطاعته - أن علامة إعراض الله عن العبد، اشتغاله بما لا يعنيه. وأن أمرأً ذهبت ساعة من عمره في غير ما خلق له، لجدير أن تطول عليها حسرته.
النصيحة سهلة، والمشكل قبولها، لأنها في مذاق أتباع الهوى مُرَّة.
تيقن أن العلم الذي لا يصحبه عمل، لا يأخذ باليد - أي لا ينجي - ولو أنك قرأت العلم مئة مرة، وجمعت ألف كتاب، لا تكون مستعداً لرحمة الله تعالى إلا بالعمل.
عِشْ ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزيّ به.
يجب عليك أربعة أمور:
اعتقاد صحيح، لا يكون فيه بدعة.
وتوبة نصوح ، لا رجوع بعدها إلى المعصية.
واسترضاء الخصوم، حتى لا يبقى لأحد عليك حق.
وتحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدي به أوامر الله تعالى، ثم من علوم الآخرة، ما تكون به النجاة.
واعلم أن العبودية لله تعالى، تتحقق بثلاثة أشياء:
أحدهما: المحافظة على أمر الشرع.
والثاني: الرضا بقضاء الله تعالى وقدره وقسمته.
والثالث: ترك رضا النفس في طلب رضا الله تعالى.
وإذا وعظت غيرك، فلا تتكلف في الكلام والعبارات والإشارات، ولا يكن همك أن تجمع الناس عليك، أو أن يُظهروا الوجد ويشقوا الثياب... بل ليكن عزمك وهمتك، أن تدعو الناس إلى الله عز وجل، والعمل للآخرة، وأن تنقلهم من المعصية إلى الطاعة، ومن الغرور إلى التقوى، ومن ذميم الصفات إلى المحمود منها.
ولا تخالط الأمراء والسلاطين، وإذا ابتُليت بذلك، فدع عنك مدحهم وثناءهم، ولا تقبل شيئاً من عطائهم، فإن ذلك يفسد الدين، وتنشأ عنه المداهنة والموافقة في الباطل...).
وصية والد:
وشعر والد بدنو أجله، فجمع أولاده، وأمرهم بإحضار حُزمة من عصيّ، فأحضروها، قال لأحدهم: إكسر يا بني هذه العصي.
فحاول الابن ذلك بكل قواه، فلم يستطع.
فقال له: أعطها أخاك، لعل في قدرته أن يفعل ما لم تفعل.
فحاول الثاني ذلك، فلم يُفلح أيضاً.
وهكذا مرت حزمة العصي من واحد إلى آخر، كل يحاول كسرها فلا يستطيع.
فقال الوالد حينئذ: اعلموا يا بني أن هذا حالكم من القوة إذا اتحدتم، ثم فرق العصي، وناولهم إياها واحدة واحدة، فكسروها بلا عناء.
فقال الوالد: هذه حالكم يا بني إذا تفرقتم، وأنشد:
كونوا جميعاً يا بني إذا اعترى
خطبُ ولا تتفرقوا آحادا
تأبى العصيُّ إذا اجتعمن تكسراً
وإذا افترقن تكسرت أفرادا
وصية حكيم :
وأوصى أحد الحكماء ابنه، وهو يودعه للسفر:
أودعك الرحمن في غربتك
مرتقباً رُحماه في أوْبِتكْ
فلا تُطل حبل النوى إنني
والله أشتاق إلى طلعتك
واجعل وصاتي نُصب عين ولا
تبرحْ مدى الأيام من فكرتك
وامشِ الهُوينا مظهراً عفةً
وابغِ رضا الأعين عن هيئتك
وانطق بحيث العيُّ مستقبحٌ
واصُمت بحيث الخيرُ في سكتتك
ولِجْ على رزقك من بابه
واقصدْ له ما عشت في بُكرتك
ووفِ كّلاً حقه ولتكنْ
تكسرْ عند الفخر من حدتك
وحيثما خيمت فاقصد إلى
صحبة من ترجوه في نُصرتك
فللزوايا وثبةٌ مالها
إلا الذي تدخر من عُدتك
ولا تقلْ: أسلمُ لي وحدتي
فقد تقاسي الذلّ في وحدتك
واعتبر الناس بألفاظهم
واصحب أخاً يرغب في صحبتك
كم من صديق مظهرٍ نصحه
وفكرهُ وقفٌ على عثرتك
إياك أن تقربه إنه
عَونٌ مع الدهر على كربتك
والشرًّ مهما استطعت لا تأتهِ
فإنه عَوْدٌ على مُهجتك
وصية أم :
وأوصت أمٌ ابنتها عند زواجها فقالت:
( يا بنيتي إن النصيحة لو تركت اعتماداً على فهم وذكاء وأدب، لتركتها اعتماداً على فهمك وذكائك وأدبك، ولكن ليس الأمر كذلك.
أي بنيتي ‍ ليس زواج البنات ناشئاً عن احتياج وضرورة، فلو أمكن تركه لامرأة ذات ثروة وقدر، لكنت أول من استغنى عن ذلك كله وتركه، ولكن ليس الأمر كذلك.
فإن البارئ تعالى، خلق الرجال للنساء، كما خلق النساء للرجال.
يا بنيتي ‍‍إنك تفارقين بيتك الذي منه خرجت، وعشك الذي فيه درجت، إلى رجل لم تعرفيه، وقرين لم تألفيه، فكوني له أمة يكن لك عبداً، وكوني له أرضاً ذليلة، يكن لك سماء ظليلة.
وعليك بالقناعة، وحسن السمع له والطاعة.
وتفقدي موضع عينه وأنفه، فلا تقع عينه منك على قبيح، ولا يشم منك إلا أطيب ريح.
وتفقدي وقت منامه وطعامه، فإن تواتر الجوع مُلهب، وتنغيص النوم مُغضب. وأحسني رعاية ماله، وحشمه وعياله، فملاك الأمر في المال حسن التدبير، وفي العيال حسن التقدير.
ولا تعصي له أمراً، ولا تفشي له سراً، فإنك إن خالفت أمره، أوغرت صدره - أي ملأته غيظاً - وإن أفشيت سره، لم تأمني غدره.
ثم إياك والفرح بين يديه إذا كان مهموماً، والكآبة بين يديه إذا كان فرحاً مسروراً.
واعلمي أنك كلما أظهرت له التعظيم والاحترام، قابلك باللطف والإكرام، وبقدر طاعتك لأمره، تجتني ثمار ألطافه وعواطفه).
أحمد عز الدين البيانوني-اسلام ويب

Post: #515
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:29 PM
Parent: #501

أطفالنا ومعاني الرجولة
فإنّ مما يعاني منه كثير من الناس ظهور الميوعة وآثار التّرف في شخصيات أولادهم، ولمعرفة حلّ هذه المشكلة لابد من الإجابة على السّؤال التالي :
كيف ننمي عوامل الرّجولة في شخصيات أطفالنا؟
إن موضوع هذا السؤال هو من المشكلات التّربوية الكبيرة في هذا العصر، وهناك عدّة حلول إسلامية وعوامل شرعية لتنمية الرّجولة في شخصية الطّفل، ومن ذلك ما يلي :
الـتـكـنـيـة
مناداة الصغير بأبي فلان أو الصغيرة بأمّ فلان ينمّي الإحساس بالمسئولية، ويُشعر
الطّفل بأنّه أكبر من سنّه فيزداد نضجه، ويرتقي بشعوره عن مستوى الطفولة المعتاد، ويحسّ بمشابهته للكبار، وقد كان النبي r يكنّي الصّغار؛ فعَنْ أَنَسٍ t قَالَ : "كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ - قَالَ : أَحسبُهُ فَطِيمًا - وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ : يَا أَبَا عُمَيْرٍ، مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ؟! ( طائر صغير كان يلعب به ) [ رواه البخاري 5735 ] .
وعَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدٍ قالت : أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بثِيَابٍ فِيهَا خَمِيصَةٌ سَوْدَاءُ صَغِيرَةٌ ( الخميصة ثوب من حرير ) فَقَالَ: مَنْ تَرَوْنَ أَنْ نَكْسُوَ هَذِهِ؟ فَسَكَتَ الْقَوْمُ، قَالَ : ائْتُونِي بِأُمِّ خَالِدٍ . فَأُتِيَ بِهَا تُحْمَلُ ( وفيه إشارة إلى صغر سنّها ) فَأَخَذَ الْخَمِيصَةَ بِيَدِهِ فَأَلْبَسَهَا وَقَالَ : أَبْلِي وَأَخْلِقِي، وَكَانَ فِيهَا عَلَمٌ أَخْضَرُ أَوْ أَصْفَرُ فَقَالَ : يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَاه، وَسَنَاه بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنٌ [ رواه البخاري 5375 ] .
وفي رواية للبخاري أيضاً : فَجَعَلَ يَنْظُرُ إِلَى عَلَمِ الْخَمِيصَةِ وَيُشِيرُ بِيَدِهِ إِلَيَّ وَيَقُولُ : يَا أُمَّ خَالِدٍ، هَذَا سَنَا، وَالسَّنَا بِلِسَانِ الْحَبَشِيَّةِ الْحَسَنُ" [ رواه البخاري 5397 ] .
أخذه للمجامع العامة وإجلاسه مع الكبار
وهذا مما يلقّح فهمه ويزيد في عقله، ويحمله على محاكاة الكبار، ويرفعه عن الاستغراق في اللهو واللعب، وكذا كان الصحابة يصحبون أولادهم إلى مجلس النبي ومن القصص في ذلك : ما جاء عن مُعَاوِيَةَ بن قُرَّة عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ نَبِيُّ اللَّهِ إِذَا جَلَسَ يَجْلِسُ إِلَيْهِ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ يَأْتِيهِ مِنْ خَلْفِ ظَهْرِهِ فَيُقْعِدُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ .. الحديث" [ رواه النسائي وصححه الألباني في أحكام الجنائز].
تحديثهم عن بطولات السابقين واللاحقين والمعارك ا لإسلامية وانتصار ات المسلمين
لتعظم الشجاعة في نفوسهم، وهي من أهم صفات الرجولة، وكان للزبير بن العوام طفلان أشهد أحدهما بعضَ المعارك ، وكان الآخر يلعب بآثار الجروح القديمة في كتف أبيه كما جاءت الرواية عن عروة بن الزبير "أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ : أَلا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ : إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ . فَقَالُوا : لا نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ ( أي على الروم ) حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً فَأَخَذُوا ( أي الروم ) بِلِجَامِهِ ( أي لجام الفرس ) فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْر، قَالَ عُرْوَةُ : كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ . قَالَ عُرْوَةُ : وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلاً" [ رواه البخاري رقم 3678 ] .
قال ابن حجر رحمه الله في شرح الحديث : وكأن الزبير آنس من ولده عبد الله شجاعة وفروسية فأركبه الفرس وخشي عليه أن يهجم بتلك الفرس على ما لا يطيقه، فجعل معه رجلاً ليأمن عليه من كيد العدو إذا اشتغل هو عنه بالقتال . وروى ابن المبارك في الجهاد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير "أنه كان مع أبيه يوم اليرموك , فلما انهزم المشركون حمل فجعل يجهز على جرحاهم" وقوله: " يُجهز " أي يُكمل قتل من وجده مجروحاً, وهذا مما يدل على قوة قلبه وشجاعته من صغره .
تعليمه الأدب مع الكبار
ومن جملة ذلك ما رواه أَبو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يُسلِّمُ الصَّغِيرُ على الكبِيرِ، والمارُّ على القاعِدِ، والقليلُ على الكثِيرِ" رواه البخاري .
إعطاء الصغير قدره وقيمته في المجالس
ومما يوضّح ذلك الحديث التالي : عن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ : أُتِيَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِقَدَحٍ فَشَرِبَ مِنْهُ وَعَنْ يَمِينِهِ غُلامٌ أَصْغَرُ الْقَوْمِ وَالأَشْيَاخُ عَنْ يَسَارهِ فَقَالَ : يَا غُلامُ، أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أُعْطِيَهُ الأشْيَاخَ؟ قَالَ : مَا كُنْتُ لأوثِرَ بِفَضْلِي مِنْكَ أَحَدًا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهُ " [ رواه البخاري 2180 ] .
تعليمهم الرياضات الرجولية
كالرماية والسباحة وركوب الخيل وجاء عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلٍ قَالَ : كَتَبَ عُمَرُ إِلَى أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ أَنْ عَلِّمُوا غِلْمَانَكُمْ الْعَوْمَ . [ رواه الإمام أحمد في أول مسند عمر بن الخطاب ] .
تجنيبه أسباب الميوعة والتخنث
فيمنعه وليّه من رقص كرقص النساء، وتمايل كتمايلهن، ومشطة كمشطتهن، ويمنعه من لبس الحرير والذّهب . وقال مالك رحمه الله . " وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ يَلْبَسَ الْغِلْمَانُ شَيْئًا مِنْ الذَّهَبِ لأَنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ نَهَى عَنْ تَخَتُّمِ الذَّهَبِ، فَأَنَا أَكْرَهُهُ لِلرِّجَالِ الْكَبِيرِ مِنْهُمْ وَالصَّغِيرِ . [ موطأ مالك ] .
تشجيعه على المشاركة وعدم احتقار أفكاره وتجنب إهانته خاصة أمام الآخرين
وذلك يكون بأمور مثل :
(1) إلقاء السّلام عليه، وقد جاء عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ . [ رواه مسلم 4031].
(2) استشارته وأخذ رأيه.
(3) توليته مسئوليات تناسب سنّه وقدراته .
(4) استكتامه الأسرار .
ويصلح مثالاً لهذا والذي قبله حديث أَنَسٍ قَالَ : أَتَى عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ وَأَنَا أَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ قَالَ : فَسَلَّمَ عَلَيْنَا فَبَعَثَنِي إِلَى حَاجَةٍ فَأَبْطَأْتُ عَلَى أُمِّي، فَلَمَّا جِئْتُ قَالَتْ : مَا حَبَسَكَ؟ قُلْتُ : بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ r لِحَاجَةٍ . قَالَتْ : مَا حَاجَتُهُ؟ قُلْتُ : إِنَّهَا سِرٌّ . قَالَتْ : لا تُحَدِّثَنَّ بِسِرِّ رَسُولِ اللَّهِ r أَحَدًا [ رواه مسلم 4533 ] .
وفي رواية عن أَنَسٍ قال : انْتَهَى إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا غُلامٌ فِي الْغِلْمَانِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَأَرْسَلَنِي بِرِسَالَةٍ وَقَعَدَ فِي ظِلِّ جِدَار- أَوْ قَالَ إِلَى جِدَار - حَتَّى رَجَعْتُ إِلَيْهِ" رواه أبو داود .
وعن ابْن عَبَّاسٍ قال : كُنْتُ غُلامًا أَسْعَى مَعَ الْغِلْمَانِ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا أَنَا بِنَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَلْفِي مُقْبِلاً فَقُلْتُ : مَا جَاءَ نَبِيُّ اللَّهِ r إِلا إِلَيَّ، قَالَ : فَسَعَيْتُ حَتَّى أَخْتَبِئَ وَرَاءَ بَابِ دَار، قَالَ : فَلَمْ أَشْعُرْ حَتَّى تَنَاوَلَنِي فَأَخَذَ بِقَفَايَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً ( ضربه بكفّه ضربة ملاطفة ومداعبة ) فَقَالَ : اذْهَبْ فَادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ. قَالَ : وَكَانَ كَاتِبَهُ فَسَعَيْتُ فَأَتَيْتُ مُعَاوِيَةَ فَقُلْتُ : أَجِبْ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنَّهُ عَلَى حَاجَةٍ" رواه الإمام أحمد .
وهناك وسائل أخرى لتنمية الرجولة لدى الأطفال منها :
(1) تعليمه الجرأة في مواضعها ويدخل في ذلك تدريبه على الخطابة .
(2) الاهتمام بالحشمة في ملابسه وتجنيبه الميوعة في الأزياء وقصّات الشّعر والحركات والمشي، وتجنيبه لبس الحرير الذي هو من طبائع النساء .
(3) إبعاده عن التّرف وحياة الدّعة والكسل والرّاحة والبطالة،وقد قال عمر : اخشوشنوا فإنّ النِّعَم لا تدوم .
(4) تجنيبه مجالس اللهو والباطل والغناء والموسيقى؛ فإنها منافية للرّجولة ومناقضة لصفة الجِدّ .
هذه طائفة من الوسائل والسّبل التي تزيد الرّجولة وتنميها في نفوس الأطفال، والله الموفّق للصواب .
الشيخ محمد صالح المنجد-اسلام ويب

Post: #516
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 08:31 PM
Parent: #501

من الأطفال من يميل إلى الهدوء والعزلة وعدم الاختلاط مع الآخرين ومنهم من يتميز بالنشاط والميل إلى مشاركة أقرانه في نشاطهم وأعمالهم ومنهم من يتميز بالعصبية وسهولة الاستثارة والغضب وعدم الاستقرار إلا أن هناك بعض الأطفال تظهر عليهم بعض الأعراض العصبية الواضحة في حركة لاشعورية تلقائية غير إرادية. مثل قرض الأظافر، أو رمش العين، أو تحريك الرأس جانبا، أو مص الأصابع، أو عض الأقلام، أو غيرها من الحركات اللاشعورية، وهي تحدث دائما وباستمرار وهذه الحركات هي حركات عصبية لا إرادية مرجعها التوتر النفسي الشديد الذي يعاني منه الطفل.

لماذا يعاني بعض الأطفال من العصبية؟
إن الأسرة تؤثر في شخصية الطفل تأثيرا كبيرا فنوع العلاقات السائدة في الأسرة يحدد إلى مدى كبير أنواع شخصية الطفل. فقد يكون الطفل فكره عن نفسه من واقع علاقاته بالأسرة فقد يرى نفسه محبوبا ومرغوبا فيه فينشأ راضيا عن نفسه أو أنه غير محبوب منبوذ فينشأ غير راض عن نفسه وغير واثق بنفسه فتسود حياته النفسية التوترات والصراعات التي تتميز بمشاعر الضيق والعصبية ويرى العلماء أن أهم أسباب عصبية الأطفال هو الشعور بالعجز والشعور بالعداوة وذلك نتيجة حرمانهم من الدفء العاطفي في الأسرة وسبب ذلك هو قسوة الآباء أو التفرقة بين الإخوة.. الخ.

الطفل قد يتعلم العصبية من والديه ‍‍‍‍‍‍‍‍
تدل الدراسات على أن بعض الأطفال يكتسب العصبية من خلال الجو المحيط بالمنزل فإن رأى والديه أو أحدهما يعاني من العصبية والتوتر فإن الطفل يحاول أن يقلد سلوك من حوله لذلك فهو يتعلم أساليب جديدة للاستثارة الانفعالية ولذلك فإن كثيرا من مخاوف وعصبيات الأطفال يتعلمونها بالتقليد.
ولذلك فالأب العصبي في تصرفاته يعلم أطفاله هذا السلوك والأم العصبية الثائرة دائما تعلم أولادها هذا السلوك، بعكس الأب والأم الهادئين فإن الطفل يتعلم منهما السلوك الهادئ المرن، فإذا الطفل يتعلم ويقلد من حوله.

كذلك فإن التدليل الزائد يعلم الطفل العصبية الأنانية وذلك لأن التدليل الزائد ينمي في الطفل صفات الأنانية مما يجعله دائم التمركز حول نفسه لذلك فهو يحب كل شيء لنفسه وإذا لم تلب رغباته بسرعة فإنه يغضب ويثور حتى تستجاب طلباته-
مص الأصابع عند الطفل هل هو مرض نفسي
يظن كثير من الأباء أن ابنهم إذا مص إصبعه فإنه يعاني من مرض نفسي وهذا خطأ.

إن كثيرا من الأطفال وخاصة في السنة الأولى يمص إصبعه وهذا أمر عادي وقد يستمر به الحال إلى قبيل دخوله المدرسة وذلك بسبب إهمال الأهل عدم تعويد الطفل على ترك هذه العادة منذ السنة الأولى، ولكن إذا استمر به الحال إلى السنة العاشرة أو الثالثة عشرة بمص الأصابع وعادة ما يصاحب ذلك الإغراق في أحلام اليقظة والاكتئاب والسرحان والانطواء والعزلة فإننا في هذه الحالة نقول إن هذا الطفل مصاب بمرض نفسي ويجب علاجه.

الوقاية خير من العلاج
أولا : يجب على الآباء والأمهات أن يعرفوا أن معظم الأطفال الذين يعانون من العصبية هم أطفال عاشوا في منازل تتميز بالقلق والتوتر والاضطراب العائلي لذا يجب أن تكون الأسرة سعيدة متفاهمة بعيدة عن التوترات والمشاجرات ويسودها الحب والتفاهم.
ثانيا : يجب على الأباء أن يعودوا أبنائهم على الحرية واتخاذ القرار والتدخل في الوقت المناسب حتى ينشأ الطفل معتمدا على نفسه ولا يكون اتكاليا.
ثالثاً : البعد عن أسلوب الضرب والتحقير خاصة أمام أقرانه من الأطفال.
رابعاً : يجب إشباع حاجات الطفل النفسية وهي شعور الطفل بأنه محبوب مرغوب فيه حتى يشعر بالطمأنينة ولكن يجب ألاتصل إلى حد التدليل الزائد.
خامسا : الاهتمام بهوايات الطفل والترويح عن النفس فإنها تساعد على تنمية شخصية الطفل.
صالح الدايل-اسلام ويب

Post: #517
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 11:57 PM
Parent: #501

أخطاء شائعة في التعامل مع الرضيع
تتأثر الأم بالشائع من العادات في تعاملها مع الرضيع ، وقد تقوم بعمل من شأنه الإضرار برضيعها من حيث لاتدري ، ونحن نذكر هنا بعض هذه الأخطاء التي تقوم بها بعض الأمهات .

أولاً : استعمال الثلج لتخفيض حرارة الطفل
ارتفاع الحرارة لدى الطفل يعني أن لديه التهاباً ، ويكون أحد أسبابه الفيروسات والجراثيم أو الطفيليات. وارتفاع الحرارة هو أحد محفزات الجسم للمقاومة والدفاع ضد هذه المسببات خصوصاً الفيروسات والجراثيم . فالحرارة الخفيفة لا تؤثر على الجسم فدرجة حرارة الجسم العادي تتراوح ما بين (36.5 إلى 37.5) درجة ، لكن الحرارة العاليه (39) فأعلى قد تنهك الطفل وتؤثر على صحته فلابد من التدخل لتخفيضها .

أما منافذ خروج الحرارة من الجسم فأهمها الجلد الذي يحتوي على مسام وغدد مفرزة ، وهذه المسام والغدد تنشط لإخراج الحرارة إذا تراكمت اي زادت داخل الجسم كما يحدث في حالة الالتهاب أو في الصيف . إلا أنها تقفل وتمنع الحرارة من التسرب إلى الخارج إذا كانت درجة حرارة الجو منخفضة جداً مثل الشتاء لكن إذا كانت سرعة انتاج الحرارة داخل الجسم عالية فإن سرعة إخراج الحرارة الذاتي تكون أقل وبذلك تتراكم الحرارة وترتفع . وإذا اصبحت درجة حرارة الجسم عالية فلابد من التدخل لتخفيضها ، و في مثل هذه الحالات نتخذ الاجراءت التاليه:

1- تنزع ملابس الطفل ماعدا الخفيف الواسع منها.
2- يوضع الطفل في مكان غير مغلق وقابل للتهوية .
3- يعطى سوائل بكثرة لأن الجسم مع ارتفاع الحرارة يفقد سوائل كثيرة .
4- يعطى الطفل خافض للحرارة كل 8 إلى 4 ساعات خلال الـ24 سبعة اللاحقة حتى ولو لم ترتفع حرارته بعد الجرعة الأولى .
5- احياناً لاتفيد الخطوات السابقة وتبقى الحرارة مرتفعة أو تكون حالة الطفل غير جيدة . في مثل هذه الحالة يستعمل الماء لاستخراج الحرارة وذلك بطريقتين :

الأولى : استعمال كمادات الماء وتوضع على الصدر والرأس والبطن أو تلف بها الأطراف كالذراعين والساقين وتغير هذه الكمادات كل 5 دقائق. ومن الخطا استعمال الثلج أو الماء البارد لخفض الحرارة ، لأن الكمادات الباردة تجعل الجلد ينكمش مثل ما يحدث في الشتاء فتنغلق المسام المنفذة للحرارة وتقل الافرازات المبردة للجسم .

الثانية : وضع الطفل تحت الدش لمدة 15 دقيقه ما عدا رأسه وبعد ذلك ينشف ويلبس ملابس واسعة وخفيفة ويجب تجنب التيارات الهوائية وبالذات المكيف .
ثانياً : تسخين زجاجات حليب الاطفال
ذُكر تقرير للمجلة الطبية البريطانية ان تسخين زجاجات حليب الأطفال بوضعها في ماء يغلي داخل إناء يزيد من مخاطر الإصابة بحروق في الحلق والفم عند الأطفال الرضع.

وأشار التقرير الذي حمل عنوان " درس الأسبوع" إلى أن متابعات طبية بين عامي 1995 و1998م بمستشفى الملكة فكتوريا في " ايست غرينستيد " أجراها فريق طبي بقيادة الدكتور ستيفن جيفري أكدت أن حالات الحروق بسبب تسخين زجاجات الحليب في أوان مليئة بماء يغلي تدعو للقلق وأن ما رصده الفريق الطبي ربما يكون الجزء الظاهر فقط من جبل الثلج.
ونبه التقرير الذي يشجع الرضاعة وحليب الامهات إلى أضرار التسخين بالميكرويف إذ أنه لا يسخن الحليب كله بصورة متساوية مما يضلل الأمهات ويتسبب في حرائق الفم والحلق . وأكد التقرير أن حالات كثيرة من الحروق التي تصل إلى المستشفيات بسبب تسخين زجاجات الحليب .

ثالثاً : استعمال الكحل للطفل الرضيع
استعمال الكحل شائع في المجتمع كأحد مستحضرات التجميل وأغلبية أنواع الكحل تحتوي على مواد سامة هي مادة الرصاص.
واستعماله للكبار وعلى الجلد السليم لا يحدث اضرارا لأنه لاينفذ داخل الجسم . لكن استعماله في مجتمعنا لا يقتصر على كونه كحل لعيون الكبار ، بل يتعدى ذلك إلى استعماله للأطفال ككحل للعيون ومطهر للسرة المفرزة ومخفف لآلام الأسنان وقد يكون أحد محتويات الأدوية الشعبية المستخدمة ضد الأوجاع وغير ذلك من الاستعمالات الخاطئه .
والخطورة في استعماله للمواليد هو أن يوضع على الأغشية مباشرة كالفم او السرة او العين ثم يمتص إلى داخل الجسم وبالذات مادة الرصاص السامة التي تترسب في العديد من أعضاء الجسم وتسبب لها أضراراً دائمة وبالذات الجهاز العصبي . وقد تبدأ أعراض التسمم على هيئة تشنجات أو تخلف عقلي لاحقاً .
الدكتور محمد البواردي-اسلام ويب

Post: #518
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-26-2015, 11:58 PM
Parent: #501

اللعب مع الأطفال خلال الأشهر الأولى من حياتهم قد يحميهم من المشكلات الصحية سواء النفسية أو العضوية .. هذا ما أكده أساتذة العلوم النفسية في لندن.
وقال هؤلاء إن الآباء أو الأمهات الذين يتصرفون بعدوانية وبشكل غير مسؤول مع أطفالهم الصغار ، يؤثرون سلبا على نموهم السليم ويعرقلون عملية تطورهم الطبيعي بدنيا وذهنيا ، مشيرين إلى أن دماغ الطفل يتطور بسرعة في السنة الأولى من حياته.
وأوضح الدكتور بيتر فوناجي ، أستاذ التحليل النفسي في كلية لندن الجامعية, أن الغذاء الذي يعطى للأطفال في بداية حياتهم ، يؤثر كثيرا على أوضاعهم الصحية لاحقا ، منوها إلى أن الدماغ البشري يتطور أسرع خلال الثمانية عشرة شهرا الأولى من حياة الإنسان أكثر من أي وقت أو مرحلة عمرية أخرى ، حيث يصنع الإشارات العصبية والاتصالات التي تتبقى إلى الأبد.
وحذر من أن الوالدين قد يساهمان في إصابة أطفالهم بمشكلات عقلية في المستقبل ، أو حتى زيادة خطر إصابتهم بأمراض القلب أو السكتة ، معربا عن أمله في أن تتخذ الحكومة عددا من الاستراتيجيات المناسبة لتحسين مهارات الأمهات والآباء في العناية بأطفالهم وتربية وإنشاء أجيال ذكية وسليمة للمستقبل.
وأظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين تربوا في بيئات سلبية أو عدوانية لا يستطيعون التعامل مع ضغوطات الحياة والتوترات التي سيواجهونها في المستقبل ، كما أن نوع الاستثارة الذهنية التي يقدمها الآباء لأطفالهم تلعب دورا كبيرا في تحفيز تفكيرهم وقدراتهم الإدراكية .
ولاحظ الباحثون بعد تتبع مجموعة من أطفال متبنين من مراكز الأيتام الرومانية ، أن الأطفال الذين تبنتهم عائلات عطوفة وطيبة قبل بلوغهم الشهر الثامن من عمرهم ، كانوا أكثر قدرة على تحمل التوترات ، واستجابوا بصورة طبيعية لهرمون التوتر "كورتيزول"، من أولئك الذين تم تبنيهم بعد تجاوزهم الشهر الثامن .
وأشار الأطباء إلى وجود نسب متزايدة من الأطفال المصابين بمرض التوحّد أو اضطرابات فرط النشاط وعجز الانتباه الذي يتسبب عن نقص في جزء الدماغ المسؤول عن السيطرة على السلوكيات الاندفاعية والمحافظة على التركيز ، حيث تنمو هذه المنطقة وتتطور في السنوات القليلة الأولى من حياة الإنسان .
وأفاد العلماء أن النقص الشديد في هذه المنطقة الدماغية يميز اضطرابات التوحد ، في حين أن النقص الخفيف قد يسبب مشكلات نفسية كالعنف وميول عدوانية واضطرابات سلوكية ومشكلات اجتماعية ، مشيرين إلى أنه كلما تكلم الآباء أكثر مع أطفالهم ، شجعوا نموهم وتطورهم العقلي الطبيعي والسليم.
وتقترح دراسات أخرى أن نقص الاستثارة الذهنية الإيجابية من قبل الآباء قد يزيد فرص نمو أطفال لا يملكون القدرة على التعبير عن عواطفهم وتفسير ردود الفعل من حولهم.
اسلام ويب

Post: #519
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:00 AM
Parent: #501

يقول أبو عمر يوسف بن عبد البرالقرطبي في كتابه جامع بيان العلم وفضله :
" تبقى حال الطفل ماثلة أمام المربي حين تربيته ، كما تتجلى حال المريض أمام الطبيب حين معالجته ، يراعي حالته ومقدرته ومزاجه فيكون أثر التربية أتم وأعظم ثمرة " هذا القول لابن عبد البر هو أساس معاملة الكبار مع الصغار ..
ويختلف أسلوب التعامل مع الطفل من شخص لآخر ومن طفل لطفل ...
ومن وقت لآخر ... وسنستعرض بعض الأساليب الخاطئة في التعامل مع الطفل لنتجنبها قدر المستطاع ... وهذه الأساليب نوجزها في النقاط التالية :

أولاً : الصرامة والشدة :
يعتبر علماء التربية والنفسانيون هذا الأسلوب أخطر ما يكون على الطفل إذا استخدم بكثرة ... فالحزم مطلوب في المواقف التي تتطلب ذلك ، .. أما العنف والصرامة فيزيدان تعقيد المشكلة وتفاقمها ؛ حيث ينفعل المربي فيفقد صوابه وينسى الحِلْم وسعة الصدر فينهال على الطفل معنفا وشاتما له بأقبح وأقسى الألفاظ ، وقد يزداد الأمر سوءاً إذا قرن العنف والصرامة بالضرب ...
وهذا ما يحدث في حالة العقاب الانفعالي للطفل الذي يُفِقْدُ الطفل الشعور بالأمان والثقة بالنفس كما أن الصرامة والشدة تجعل الطفل يخاف ويحترم المربي في وقت حدوث المشكلة فقط ( خوف مؤقت ) ولكنها لا تمنعه من تكرار السلوك مستقبلا .

وقد يعلل الكبار قسوتهم على أطفالهم بأنهم يحاولون دفعهم إلى المثالية في السلوك والمعاملة والدراسة .. ولكن هذه القسوة قد تأتي برد فعل عكسي فيكره الطفل الدراسة أو يمتنع عن تحمل المسؤوليات أو يصاب بنوع من البلادة ، كما أنه سيمتص قسوة انفعالات عصبية الكبار فيختزنها ثم تبدأ آثارها تظهر عليه مستقبلاً من خلال أعراض ( العصاب ) الذي ينتج عن صراع انفعالي داخل الطفل ..
وقد يؤدي هذا الصراع إلى الكبت والتصرف المخل ( السيئ ) والعدوانية تجاه الآخرين أو انفجارات الغضب الحادة التي قد تحدث لأسباب ظاهرها تافه .

ثانيا : الدلال الزائد والتسامح :
هذا الأسلوب في التعامل لا يقل خطورة عن القسوة والصرامة .. فالمغالاة في الرعاية والدلال سيجعل الطفل غير قادر على تكوين علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين ، أو تحمل المسؤولية ومواجهة الحياة ... لأنه لم يمر بتجارب كافية ليتعلم منها كيف يواجه الأحداث التي قد يتعرض لها ... ولا نقصد أن يفقد الأبوان التعاطف مع الطفل ورحمته ، وهذا لا يمكن أن يحدث لأن قلبيهما مفطوران على محبة أولادهما ، ومتأصلان بالعواطف الأبوية الفطرية لحمايته، والرحمة به والشفقة عليه والاهتمام بأمره ... ولكن هذه العاطفة تصبح أحيانا سببا في تدمير الأبناء ، حيث يتعامل الوالدان مع الطفل بدلال زائد وتساهل بحجة رقة قلبيهما وحبهما لطفلهما مما يجعل الطفل يعتقد أن كل شيء مسموح ولا يوجد شيء ممنوع ، لأن هذا ما يجده في بيئته الصغيرة ( البيت ) ولكن إذا ما كبر وخرج إلى بيئته الكبيرة ( المجتمع ) وواجه القوانين والأنظمة التي تمنعه من ارتكاب بعض التصرفات ، ثار في وجهها وقد يخالفها دون مبالاة ... ضاربا بالنتائج السلبية المخالفته عرض الحائط .

إننا لا نطالب بأن ينزع الوالدان من قلبيهما الرحمة بل على العكس فالرحمة مطلوبة ، ولكن بتوازن وحذر. قال صلى الله عليه وسلم : " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف حق كبيرنا " أفلا يكون لنا برسول الله صلى عليه وسلم أسوة ؟

ثالثا: عدم الثبات في المعاملة :
فالطفل يحتاج أن يعرف ما هو متوقع منه ، لذلك على الكبار أن يضعوا الأنظمة البسيطة واللوائح المنطقية ويشرحوها للطفل ، و عندما يقتنع فإنه سيصبح من السهل عليه اتباعها ... ويجب مراجعة الأنظمة مع الطفل كل فترة ومناقشتها ، فلا ينبغي أن نتساهل يوما في تطبيق قانون ما ونتجاهله ثم نعود اليوم التالي للتأكيد على ضرورة تطبيق نفس القانون لأن هذا التصرف قد يسبب الإرباك للطفل ويجعله غير قادر على تحديد ما هو مقبول منه وما هو مرفوض وفي بعض الحالات تكون الأم ثابتة في جميع الأوقات بينما يكون الأب عكس ذلك ، وهذا التذبذب والاختلاف بين الأبوين يجعل الطفل يقع تحت ضغط نفسي شديد يدفعه لارتكاب الخطأ .

رابعا : عدم العدل بين الإخوة :
يتعامل الكبار أحيانا مع الإخوة بدون عدل فيفضلون طفلا على طفل ، لذكائه أو جماله أو حسن خلقه الفطري ، أو لأنه ذكر ، مما يزرع في نفس الطفل الإحساس بالغيرة تجاه إخوته ، ويعبر عن هذه الغيرة بالسلوك الخاطئ والعدوانية تجاه الأخ المدلل بهدف الانتقام من الكبار، وهذا الأمر حذرنا منه الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال : عليه الصلاة السلام " اتقوا الله واعدلوا في أولادكم".
سحر رحمة-اسلام ويب

Post: #520
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:02 AM
Parent: #501

قال محدثي : أعن حب الآباء لأبنائهم تتحدثون ؟ لقد رأيت من أبي مشهداً قام مقام المجلدات التي تسطر في هذا الموضوع، لقد عرفت والدي هادئاً متزناً وقوراً، خاصة بعد أن علاه الشيب وانحنى ظهره ، وقد فوجئت أيمـا مفاجأة إذ رأيته ينفجر باكياً وقد كاد القطار أن ينطلق بي وبأسرتي مسافرين إلى مقر عملي ، ولكن ما رأيته بعدُ كان أعجب ، بدأ القطار مسيرته فإذا بالأب الباكي يساير القطار في مواجهتنا ينظر إلينا من خلال دموعه الهاطلة ، وينطلق القطار يعدو وإذا بوالدي يجري جرياً يلوح لنا بيديه ، ويدعو بلسانه ، وقد نسي أنه ابن الستين ونسي وقاره واتزانه ولم يلتفت إلى العيـون التي ترمقه من هنا وهناك ، ولم يلتفت إلينا ونحـن نشير إليه بأن يكف ويرجع ، وإذا بي وقد شدهني المنظر أغلق النافذة رحمة به ليكف ، ولأنني لم أستطع أن أرى أكثر مما رأيت .

وذكرني محدثي بذلك الرجل المتأنق في لباسه المعتني بمظهره ، حتى إذا ما سجن ولده ذهل عن نفسه ، وأهمل العناية بهندامه ، وحل مكان البشـاشة التي كانت تلازمه كآبة تعلوه ، ونظراته أصبحت هائمة زائغة .

وقد يصل حب الآباء للأبناء أن يُصـاب الآباء بمرض جسماني إذا ما حدث للولد شيء أو غاب عن أبيـه ، أوَلم يفقد نبي الله يعقوب بصره لشدة حـزنه على ابنه يوسف ؟! ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وأبيضت عيناه من الحزن فهو كظيم ) يوسف:84 . وقد خشي عليه أبناؤه الهلاك لكثرة ذكره ليوسف : ( قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين ) يوسف:85 .
ويشم الأب المحزون ريح يوسف عندما قدم أحدهم بقميصه ولمـَّا يصل إليه، حتى إذا ما ألقاه على وجهه ارتدّ بصـيراً ، ألا ترى كيف أعاد الله إليه بصـره بفرحته بالبشرى ؟.

روى الترمذي في سننه عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إذا مات ولد العبد قال الله تعالى لملائكته : قبضتم ولد عبدي ؟ فيقولون : نعم . فيقول : قبضتم ثمرة فؤاده ؟ فيقولون : نعم . فيقول : فمـاذا قال عبدي ؟ فيقولون : حمدك واسترجع. فيقول الله تعالى: ابنوا لعبدي بيتاً، وسمُّوه بيت الحمد ]

هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟
فما دامت هذه مكانة الأبناء في نفوس الآباء ، ولهما الفضل السابق ، إذ هما سبب وجود الإنسان ، ولهما عليه غاية الإحسان ، فالوالد بالإنفاق والوالدة بالإشفاق ، فحقٌ على الأبناء أن يعترفوا بالإحسـان ، وأن يشكروا النعمة ( أن اشـكر لي ولوالديك إليّ المصير ) لقمان:14 . خاصة عندما يبلغـان من العمر عتيـًّـا فيجب التواضع لهما ، ومخاطبتهما بالقول اللين، وتكريمهما والدعاء لهما ( إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرًا ) الإسراء:23 .

ولو فعل الولد ما فعل ما جزى والده [ إلا أن يجـد الولد والده مملوكًا فيشتريه فيعتقه ] كما صح بذلك الحديث من رواية مسلم ، ذلك أن الحرية والخلاص من العبودية حيـاة جديدة تقابل تلك الحياة التي كان الوالد هو المتسبب بها .
ومن بر الوالدين ألا يتسبب الابن في إيصـال الأذى إليهما . يقول صلى الله عليه وسلم : [ من الكبائر شتم الرجل والديه ] . قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه ؟! قال : [ نعم ، يَسُبُّ أبا الرجل فَيَسُبُ أباه ، ويسب أمه فيسب أمه ] . رواه البخاري ومسلم .

كيف نبر آباءنا بعد وفاتهم ؟
ويستطيع الولد أن يبر والـديه بعد وفاتهما بالدعـاء والاستغفار لهما ، والتصدق عنهما ، وصلة أصدقائهما ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : [ إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يولي ] روى الحديث مسلم في صحيحه . ويحدثنا الإمـام مسلم في صحيحه أن راوي الحديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - سافـر من المدينة إلى مكة ، فمر به أعرابي فناداه فقال له : ألست فلان بن فـلان ؟ قال : بلى ، فأعطاه حماراً وقال له : اركب هذا، وأعطاه عمامة وقال : اشدد بها رأسك ، وقد كان عبد الله يتروح على الحمـار إذا تعب من ركوب الراحلة ، ويشد رأسه بالعمامة، ولما سأله أصحابه عن سر هذا العطاء مع حاجته لما أعطى حدّث بالحديث الآنف الذكر ، ثم قال : وإن أباه كان صديقاً لعمر رضي الله عنه .

التحذير من عقوق الوالدين :
وقد حذرنا الله وخوفنا من عقوق الوالدين فقال تعالى: ( والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصـل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار ) ، وممن أمر الله أن يوصلوا : الوالدان ، فقطيعتهم تدخل في اللعنة ، ويكون القاطع ممن استحق سوء الدار ، وفي الحديث الذي يرويه البخاري يقول عليه الصلاة والسلام : [ لا يدخل الجنة قاطع ] .
وقد جعل الرسول صلى الله عليه وسلم عقوق الوالدين أحد ثلاثة ذنوب هي أعظم عظائم الذنوب ، يقول عليه السلام: [ ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ] قالها ثلاث مرات قلنا : بلى يا رسول الله . قال : [ الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ] وكان متكئاً فجلس فقال : [ ألا وقول الزور ، وشهادة الزور ] . رواه البخاري ومسلم.

وفي الحديث الذي يرويه البخـاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه من قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : [ إن الله حَرّمَ عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات ( أي منع ما وجب عليه ، وطلب ما ليس له ) ووأد البنات ] .

عاقبة البر :
في حديث في صحيحي البخاري ومسلم يخـبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة رجال ممن كانوا قبلنا كانوا يتماشون ، فأخذهم المطر فمالوا إلى غار فانحطت على فم غارهم صخـرة من الجبل ، فتوسل كل واحد منهم إلى الله بأرجـى عملٍ صالح عمله ليخلصهم مما هم فيه . فقال أحدهم: "اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران ، ولي صِبية صغـار كنت أرعى عليهم ، فإذا رحت عليهم فحلبت بدأت بوالديّ أسقيهما قبل ولدي ، وإنه قد نأى بي الشجر يوماً فما أتيت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما فحلبت كما أحلب ، فجئت بالحلاب فقمت عند رؤوسهما أكره أو أوقظهما وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون (يبكون) عند قدمي، فلم يزل دأبي ودأبهم حتى طلع الفجـر، فإن كنت تعـلم أني فعلت ذلك ابتغـاء وجهك فافرج لنا فرجة نرى منها السماء". فاستجاب الله دعاء هذا الرجل الصالح في وقتٍ من أحرج الأوقات فجعل له مخرجاً ببره بوالديه .

وقد يكون البر سبباً للنجاة من البلايا ، وقد يعطي الله به الرزق والخير ، أمـَّا في الآخرة فالبر مركب يوصل إلى الجنة إذا تحقق الإيمان ، فهذا صحابي اسمه "جاهمة" يستأذن الرسول في الجهاد فيقول له الرسـول: [ هل لك من أم ؟ ] قال: نعم . قال: فالزمها فإن الجنة عند رجله ا] رواه أحمد والنسائي والبيهقي وإسناده جيد .

وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلم : [ رغم أنفه ، رغم أنفه ، رغم أنفه قيل : من يا رسول الله ؟ قال: [ من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخلانه الجنة ] . رواه مسلم . وفي الحديث القدسي يقول الله تعـالى للرحم عندمـا استعاذت به من القطيعة : [ ألا ترضين أن أصل من وصلك ، وأقطع من قطعك؟] رواه البخاري ومسلم. ويأمر الرسول صلى الله عليه وسلم صحابيـاً بأن يطيع أمه بقوله : [ الوالد أوسط أبواب الجنة فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه ] رواه الترمذي وابن ماجه.

وصية الإسلام بالوالدين :
جاء الإسلام ليهدي البشرية إلى الصراط المستقيم الذي يوصل العبـاد إلى رضوان الله ، ويعيدهم إلى جنته ، ويوفر لهم الحياة الطيبة، ولذلك عَرفّهم بالحقوق، وأمرهم بأدائها ، وأعظم الحقوق حقه سبحانه وتعالى لأنه المنشئ الموجد الذي خلق فسوى، وجعل لنا السمع والأبصار والأفئدة ، والأيدي التي نأكل بها ، والأرجل التي نمشي عليها ، وجعل لنا الأرض التي تقلنا بسهولها وجبالها ونباتها وحيوانها ، وسخرها لنا، وسخر لنا السماء التي تظلنا، وأمدنا بشمسها وقمرها وجعل لنا في كل ذلك منافع شتى ، ويأتي بعد حقه سبحانه ، حق الوالدين ولذلك كثيراً ما يأمر سبحانه بعبادته وحده لا شريك له ، وطاعته فيما أمر وذلك حقه وحده ، ثم يثني بالأمر بالإحسان للوالدين يقول تعالى: ( واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً . وبالوالدين إحساناً ) .
ويقول: ( قل تعالوا أتلُ ما حرّم ربـكم عليـكم ألا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) . النساء:36.
وقال: ( إنّ الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنـة خالدين فيها جزاءً بما كانوا يعملون ووصيـنا الإنسـان بوالديه إحساناً ) . الأحقاف:13.

وهذا العبد الصالح لقمان يوصي ابنه فيحذره من الشرك ، لأنه ظلم عظيم: ( وإذ قال لقمان لابنه وهو يعظه يا بُني لا تُشرك بالله إنّ الشرك لظلم عظيم ). لقمان:13.
وفي مقابل وصية العبد الصلاح تأتي الوصية بالوالد غير مصدرة بيا بني: ( ووصينا الإنسان بوالديه ) العنكبوت:8 .
ولما كانت التكاليف التي تتحملها الأم أكثر ، خصّها الله بمزيد من العناية في الوصية ببيان مدى ما تقاسيه ( ووصينا الإنسـان بوالديه حملته أمه وهناً على وهنٍ وفصاله في عامين ) لقمان:14.
وفي الآية الأخرى يقول : ( حملته أمهُ كُـرهاً ووضعته كُرهاً وحمله وفصله ثلاثون شهراً ) . الأحقاف:15. ولذلك عندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم فقيل له : " من أحق الناس بحسـن صحابتي ؟ قال : أمك ، ثلاثاً ، وفي الرابعـة قال له :أبوك . رواه البخاري ومسلم .

ويأمرنا الله تعالى بشكره ويثني بالأمر بشكر الوالدين ( أن اشكر لي ولوالديك ) وأحق الناس بإحسانك أمك وأبوك ( يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ) البقرة:21 . ولمكانة الوالدين وعظم حقهما قَدّم الرسول برهما على الجهاد ، فعن ابن مسعود قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال:[ الصلاة على وقته ا] قلت: ثم أي ؟ قال : [ بـر الوالدين ] قلت : ثم أي ؟ قال : [ الجهاد في سبيل الله ] . رواه البخاري .

وهذا صحابي يقدم ليبايع الرسول على الجهاد والهجرة فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم : [ فهل من والديك أحـد حي؟] قال: نعم كلاهما . قال frown emoticon فتبـتغي الأجر من الله تعالى؟] قال : نعم . قال : [ فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ] رواه البخاري ومسلم.

الأب المشرك :
أما صلة الابن المسلم بأبيه المشرك فقد حَدّها قوله تعالى: ( وإن جاهداك لتشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما إليّ مرجعكم ) . العنكبوت:8 .
وقال تعالى في سورة لقمان : ( وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفًا ) . لقمان:15 . والمعنى وإن حرصـا على أن تتابعهما على دينهما إذا كانا مشركين فإياك وإياهما فلا تطعهما في ذلك . وأمـره بالإحسان اليهما وذلك بإمدادهما بالمال وخدمتهما وقضاء حوائجهما وهذه الآيات نزلت في سعد بن مالك رضي الله عنه، وكان بأمه باراً ، فلما أسلم أقسمت أمه ألا تطعم طعاماً ، ولا تشرب شـراباً حتى تموت أو يرجع عن دينه ، وقد بقيت أياماً كذلك ، فلما يئست من رجوعه أكلت وشربت. والقصة في صحيح مسلم ومسند أحمد . وهذه أسماء بنت أبي بكر الصديق قدمت عليها أمها وهي مشركة في عهـد قريش فقالت: يا رسول الله! إن أمي قدمت علي وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: "نعم صليها" وفي القرآن ما يشير إلى ذلك ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتـلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة:8.
د. عمر سليمان الأشقر-اسلام ويب

Post: #521
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:04 AM
Parent: #501

حقوق الأب المالية
بر الوالدين وصلتهما أمر معلوم من الدين بالضرورة ، قال الله عز وجل :(واعبدوا الله ولاتشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً ) . النساء 36 ، وقد تكرر هذا المعنى في مواضع كثيرة من القرآن الكريم حيث جعل الإحسان إلى الوالدين بعـد عبادة الله عز وجل وتوحيده مباشرة ، وقال عز من قائل : " ووصيـنا الإنسـان بوالـديه حسنًا "( العنكبوت 8 ) وقد وردت الوصية للوالدين بهذا اللفظ "ووصينا " ثـلاث مرات في القرآن الكريم ، وهذا يدل على حفـاوة القرآن بالوالدين وبرهما ، وفي السنة عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه _ قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله تعالى ؟ قال [ الصلاة على وقتـها، قلت ثم أي ؟ قال بر الوالدين ، قلت ثم أي ؟ قال الجهاد في سبيل الله ] . رواه البخاري ومسلم .
وهذه النصوص وغيرها تدل على أن أفضل حقـوق الناس حق الوالدين ، وقـد وردت بعض النصوص تخص حق الوالد وكرامته على ولده ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : [ لا يجزى ولد والداً إلا أن يجـده مملوكاً فيشترية فيعتقه ] . رواه مسلم .

حق الوالد في صلته مالياً وإنفاذ وصاياه :
إذن فمكانة الوالد عظيمة في الإسـلام ، ومن هنا نجد أن الإسلام رتب له حقوقاً مالية يتكلفها ولده طاعة لله عز وجل ، ورداً لجزء من حقوق وجميل الوالد عليه إذا كان الوالد حيًا واجداً ، أو بعد موته من تركـته حيث يرث الأب مع الوارثين ، ونبدأ بالميراث :
حالات الأب في الميراث :
الأب في الميراث من أصحاب الفروض ، ومن العصبات ، لذلك كان له حالات في الميراث نذكرها فيما يلي :
الحالة الأولى : الإرث بالفرض وحده :
وهذا إذا كان للميت فرع وارث من الذكور كالابن وابن الابن .
الحالة الثانية : الإرث بالتعصيب وحده .
وذلك إذا لم يكن للميت فرع وارث أبداً ، ذكراً كان أم أنثى ، كابن أو بنت أو ابن ابن أو بنت ابن .
الحالة الثالثة : الجمع بين الفرض والتعصيب :
وذلك إذا كان معه من ولد الميت أنثى وارثة ، كبنت الميت ، أو بنت ابنه واحدة كانت أو أكثر فإنه يأخذ السدس بالفرض أولاً ، ثم يأخذ الباقي بالتعصيب، إن بقي بعد الفروض شيء.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله علية وسلم: [ ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فهو لأوْلى رجلٍ ذَكَر ] . رواه البخاري .
والأب في مسألتنا أقرب رجل ذكر، حيث يأخذ السدس أولاً بالفرض، وتأخذ الأنثى من ولد الميت نصيبها، ويأخذ الأب ثانية الباقي بالتعصيب.
حق الوالد في النفقة
وأما حق الوالد في النفقة فهي واجبة على الولد متى كان واجداً لها ، فعن عمارة بن عمير عن عمته أنها سألت عائشة رضي الله عنها قالت: في حجري يتيم أفآكل من ماله ؟ فقالت : قال رسول الله صلى الله علية وسلم [ إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وولده من كسبه ] رواه أبو داود والترمذي وغيرهما .
قال الشيخ سيد سابق ( في فقه السنة ) ، وأما أخذ الوالدين من مال ابنهما فإنه يجوز لهما أن يأخذا منه سواء أذن الولد أم لم يأذن ، ويجوز أن يتصرف فيه مالم يكن ذلك على وجه السرف أو السفه للحديث المتقدم ، ولحديث جابر رضي الله عنه الذي رواه بن ماجه أن رجلاً قال يارسول الله إن لي مالاً وولداً وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال صلى الله عليه وسلم : [ أنت ومالك لأبيك ] واللام هنا للإباحة وليست للتمليك ، وذهب الأئمة الثلاثة إلى أنه لايأخذ من مال ابنه إلا بقدر الحاجة ، وقال أحمد له أن يأخذ من مال ولده ماشاء عند الحاجة وغيرها.
حق الوالد في الوصية من ولده
يرى مسروق وإياس وقتادة وابن جرير والزهري أن الوصية تجب للوالدين والأقربين الذين لا يرثون الميت ، أما الأئمة الأربعة فيرون أنها ليست فرضاً على كل من ترك مالاً ولا فرضاً للوالدين والأقربين غير الوارثين ، ويختلف حكمها عندهم باختلاف الأحوال فقد تكون واجبة أو مندوبة أو محرمة أو مكروهة أو مباحة
حق الوالد في الوقف له
في حديث مسلم وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ] ومعنى الحديث أن الثواب يتجدد للميت بهذه الأشياء الثلاثة لأنها من كسبه ، فولده وما يتركه من علم ، وكذا الصدقة الجارية كلها من سعيه ، ومن بر الوالد بعد موته أن يوقف له ابنه شيئاً من المال أو غيره على سبيل الصدقة الجارية ، ووجوه هذه الصدقة كثيرة نظمها السيوطي فقال
إذا مات بن آدم ليس يجري عليه من فعال غير عشـــر
علوم بثها ودعاء نجــل وغرس النخل والصدقات تجري
وراثة مصحف ورباط ثغر وحفر البئر أو إجراء نهــر
وبيت للغريب بناه يأوي إليه أو بناء محل ذكــر
حق الوالد في الهبة
معنى الهبة إما أن يكون :
1/ الإبراء : وهو هبة الدين ممن هو عليه .
أو 2/ الصدقة : وهي مايراد به ثواب الآخرة.
أو 3/ الهدية : وهي ما يلزم الموهوب له أن يعوضه .
وقد شرعها الله لتأليف القلوب وتوثيق عرى المحبة بين الناس ، فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله علية وسلم [ تهادوا تحابوا ] .
وإذا كان حال الهبة ( وهي حق للرجل في كل ماله على المشهور من أقوال العلماء) فإنها من الولد لوالده أولى ، إذا كان الوالد مديناً فحق على ولده أن يقضي عنه أو يهدي إليه .
حق الوالد في العمرى والرُّقبى
والعمرى والرقبى هي أن يهدي الإنسان إنساناً آخر شيئاً مدى عمره فإذا كان الوالد في حاجة إلى مثل هذا الشيء من ولده فهو أحق به من غيره .
وأما الرقبى فهي أن يقول رجل لصاحبه : أرقبتك داري وجعلتها لك في حياتك فإن مت قبلي رجعت إلي وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك فكل واحد منهما يرقب موت الآخر ، فتكون الدار التي جعلها رقبى لآخر من بقي منهما ، ويمكن أن يجري هذا بين الولد ووالده.
محمود عوض-إسلام ويب

Post: #522
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:06 AM
Parent: #501

صغيري يسامح أم يقتص؟
اتجاهان تربويان تنقسم حولهما الأسر.. فهناك آباء وأمهات يربون أبناءهم علي ألا يتركوا حقهم وأن يردوا الصاع صاعين لمن يسئ إليهم قولا وفعلا، بينما آخرون يفضلون التسامح والتغاضي وغلق باب الشجار..
لكل فريق مبرراته.. فالأسر التي تربي أبناءها علي المعاملة بالمثل تعلل ذلك بضرورة أن يشب الأبناء أقوياء مهابين لايستطيع أحد أن يضحك عليهم ، بينما يلخص المتسامحون أسبابهم في جملة واحدة الطيب أحسن !
التسامح أم القصاص ؟
سؤال مهم يواجه كل أبوين .. يخرج طفلهما من وسط الأسرة المحدود إلي الحضانة أو المدرسة ، حيث مجتمع الصغار ومشكلاته ومشاحناته، مما يجعل الطفل يعود كل يوم بشكوي.. فلان ضربني..فلانة دفعتني علي الأرض.. فلان خطف مني طعامي .
ويظل السؤال معلقا.. كيف نربي صغارنا ؟ وهل إن علمناهم القصاص نشأوا عدوانيين؟ وإن ربيناهم علي التسامح صاروا ضعفاء لايخشاهم أحد؟
السطور القادمة محاولة للإجابة
واختلف الآباء
- أمجد عبد الرحيم ، محاسب
هناك أمور لا فصال فيها " ومنها أن يتعلم الطفل كيف يأخذ حقه، نحن في زمن القوة والمتسامح علي طول الخط يساء فهمه، ويعامل على أنه أبله ويتعرض للابتزاز والخداع، وقد ربيت أولادي علي ألا يتسامحوا إلا مختارين، بمعني أن يكونوا قادرين علي الثأر لأنفسهم، ولكنهم يتسامحون لوجه الله دون ضعف أو مذلة ".

- نبيل سعيد، محامي
ذقت الأمرين حين أردت أن أعلم ابني أن يأخذ حقه، فقد صار لايفرق بين شقيقه وزملائه، وبيني وبين هؤلاء الزملاء ، يأخذ حقه من الجميع يرفع يده علي إن عنفته ويرد لأخته الإساءة بأكثر منها ، وأرجو ألا يكون الأوان قد فات علي تصحيح هذا الخطأ، فقد نسيت وأنا أقول له: خذ حقك أن أوضح له أيضا : يأخذه ممن؟
- نهلة محمود ، ربة بيت
المشكلة ليست في أن يتسامح الطفل أو يقتص ، ولكن في متي يفعل هذا أو ذاك؟
فلا تسامح مثلا إذا سبه أحد في دينه أو أخلاقه.. ولا قصاص إن كان المخطئ بلا حول ولا قوة .
فالمسألة ليست قواعد ثابتة، ولابد أن يتعلم الطفل التفرقة بين المواقف المختلفة وكيفية التصرف في كل منها بما يتناسب معه.
وعندما كبرت
محمد عبد الله ، أولي إعدادي
عودني والدي منذ الصغر علي التسامح والعفو عمن أساء إلي ، وقد كنت أطبق هذه القاعدة وأنا صغير فأقول لمن يضايقني الله يسامحك ، لكنني عندما كبرت بدأت أشعر بأنني لابد أن آخذ حقي بطريقة مقبولة، فمثلا إذا تشاجر معي أحد زملائي في المدرسة فإنني أتوجه إلي الأخصائية الاجتماعية، وأشكو لها فتتخذ اللازم فإذا عاد إلي التشاجر معي مرة أخري فإنني أتوجه إلي الأستاذ -- رائد الفصل - الذي يستطيع أن يؤدب التلميذ المخالف بدرجات السلوك والانتظام ، أما إذا حدثت مشكلة بيني وبين أحد أصدقائي في الشارع، وكنت أنا المخطئ أعتذر وإن كان هو المخطئ فإنني أتسامح معه مرة واثنتين ثم بعد ذلك أشكوه لوالده فإن لم يأخذ لي حقي منه أتصرف بنفسي وآخذ حقي بيدي.
ماما قالت لي لا تضرب أحدا وقل : الله يسامحك حتي تدخل الجنة ، ولكنني أحب أن آخذ حقي ممن ضربني إلا إذا كان أخي أو صديقي فأنا أحبهما وأسامحهما
دعابة أم جد؟
أما محمد (11سنة) في الصف الأول الإعدادي فيقول: عندما ألعب أنا وزملائي في بعض الأحيان يضربني أحدهم علي سبيل الدعابة ، فإذا أحسست أنها دعابة فإني أردها بمثلها بمعني أنني قد أضربه برفق كما ضربني خصوصا لأنني أعلم أنه صاحبي ولا يمكن أن يضربني بجد ، ولكن هناك من يضايقني في المدرسة أو الشارع ولا أعرفه ، فإذا حدث هذا لا أسكت وأضطر أن أرد له الإهانة حتي لايشعر أنني ضعيف وحتي لا يتمادي في مضايقتي دون سبب.
تسامح البنات
وننتقل إلي البنات لنعرف هل يتسامحن في سنهن الصغيرة أم أن العنف والقصاص انتقل إليهن وطغي علي رقتهن وهدوئهن؟ .
سارة (6سنوات) تقول: لا يمكن أن أسكت علي من تأخذ حاجتي أو تضربني، فلابد أن أسترد حاجتي منها، وأضربها أيضا ، وقد جربت أن أذهب إلي مدرسة الفصل وأشتكي لها ولكنها لم ترد لي حقي في أية مرة، فماذا أفعل؟
أما آية (5سنوات) فهي عكس أختها تمامًا فلا تلجأ إلي ضرب زميلة لها، ولكن تلجأ دائما إلي مدرسة الفصل حتي تعيد لها حاجتها أو تؤنب زميلتها إذا ضربتها، وتضيف آية: لماذ أضرب من تضربني مادامت أبلة تأخذ لي حقي؟
تسامح النبي صلى الله عليه وسلم
والتسامح كما يقول د . أحمد الشحات موسي - أستاذ علوم القرآن بجامعة الأزهر: هو خلق كريم من أخلاق المسلمين وأدب رفيع من آداب المؤمنين أمر به ديننا الحنيف ورغب فيه ودعا إليه ، وهو خلق أصيل من أخلاق الرسول (صلي الله عليه وسلم) ولقد كان لرسولنا الكريم فيه أطول باع وأوفي نصيب ، امتثالا لقول الله تعالي: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين ، وقوله جل شأنه: ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر ، وكذلك قوله عز من قائل: فاصفح الصفح الجميل ، ومن هنا كان (صلي الله عليه وسلم) سمحا كريما يدفع السيئة بالحسنة فيعطي من حرمه ويصل من قطعه ويحسن إلي من أساء إليه، فقد أخرج الشيخان البخاري ومسلم من حديث أنس (رضي الله عنه) قال: كنت أمشي مع رسول الله (صلي الله عليه وسلم) وعليه برد نجراني غليظ الحاشية فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلي صفحة عاتق النبي (صلي الله عليه وسلم) وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يامحمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه فضحك، ثم أمر له بعطاء وهذا أبلغ دليل علي رحمته (صلي الله عليه وسلم) بأمته، ورفقه بها، وحنوه عليها، وحلمه معها وعفوه عمن تجاوز حد اللياقة منها!.

ويضيف أن سماحته (صلي الله عليه وسلم) مع هذا الأعرابي لا يكبرها ولا يفوقها إلا موقفه يوم ذهب إلي الطائف يعرض نفسه علي أهلها لقبول دعوته، فما كان منهم إلا أن أغروا به سفهاءهم فطاردوه بالحجارة حتي أدموه، فناداه ملك الجبال ليكون طوع أمره فيطبق عليهم الجبلين، فما كان منه (صلي الله عليه وسلم) إلا أن أجابه بقوله: بل أرجو الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله وحده لايشرك به شيئا.
لقد كان النبي (صلي الله عليه وسلم) سمحا في كل مواقفه حتي مع من كانوا يناصبونه العداوة ، والبغضاء ، ويضمرون له الكراهية والشحناء ، وما موقفه من أهل مكة يوم أن فتحها إلا دليلا علي نبل خلقه وكرم طبعه وسلامة صدره وسماحة قلبه، فقد وقفوا بين يديه صاغرين ، وقد صاروا في قبضة يده يأمر فيهم بما شاء، ولكنه قال لهم كما قال يوسف لإخوته: (لاتثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين).

قدوة حسنة
الغلبة علي حب التشفي والانتقام نتيجة الغضب الذي يشتعل في جوف ابن آدم لموقف من المواقف مما يكون له أسوأ الأثر في تقطع العلاقات وتدمير الصلات بعكس التسامح الذي يبني ولايهدم ويعمر ولا يخرب، والذي به تسود الألفة بين أفراد المجتمع فيصيرون نسيجا واحدا وشائجه المحبة وسداه المودة.

في حدود
ومن الناحية التربوية توضح لنا د. سامية خضر - أستاذة التربية بكلية الآداب جامعة عين شمس - مفهوم التسامح حيث تقول: إن موضوع التسامح أو الاقتصاص موضوع مهم وخطير جدا حيث إننا في حاجة لتقليل العنف في المجتمع، وكي يتسني لنا ذلك لابد من نشر التسامح بين جميع أفراد المجتمع والتسامح ليس معناه التخاذل والضعف كما يفهم بعض الناس ولكنه عفو الإنسان وحلمه مع من يجهل عليه ويسيئ معاملته، وتلك من صفات الأقوياء.

وهنا لابد أن نفرق بين التسامح مع الآخرين إذا جهلوا علينا في أمور عادية كبعض المضايقات التي تحدث في الزحام أو عند ركوب المواصلات فهذه أمور بسيطة لابد ألا تستدعي غضبنا وضيقنا بشكل سريع، لكن أن يعتدي علي شخص بضرب أو إهانة دون أي سبب فهنا لابد من وقفه عند حده حتي لا يتمادى في مثل هذا السلوك، فالتسامح يكون في حدود معينة وبضوابط محددة بحيث لا يؤدي إلى إهانة المرء وضياع كرامته.

دور الأسرة

أما عن دور الأسرة في ترسيخ قيمة التسامح في الطفل منذ صغره فتوضح د. سامية أن الأبوين قدوة لأبنائهما في كل شئ ، والأسرة هي المهد الأول والأساس للطفل ، فعلي الآباء أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم بتعويدهم الحلم والعفو والتسامح ، فذلك من شأنه أن يقلل الحقد والغيرة ويلغي أي مشاكل قد توجد بينهم وبين الآخرين ، ولكن الأم عليها أن تفرق بين الأمور العادية البسيطة التي من الممكن التسامح فيها وبين غيرها من الأمور التي تؤدي إلي ضياع الحقوق، والطفل المتسامح يكون أصح تربويا ونفسيا من الطفل الذي اعتاد القصاص من الآخرين لأي موقف يتعرض له ؛ لأن المتسامح تكون نفسه صافية دائما لا يحمل كرها للغير ولا يشحن نفسه دائما بالرغبة في الثأر لنفسه من أي شخص يشعر أنه أهانه.

البحث عن السبب
- ويري د . أحمد علي بديوي - بكلية التربية جامعة حلوان - أن علي المربين أن يعلموا الطفل كيف يعفو ويصفح عمن أساء إليه فلا يواجه العدوان وإنما يحسن مقابل الإساءة.. ويعفو مقابل الغيظ ويتفهم قوله تعالي: (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

ويؤكد بديوي في كتابه " طفلك ومشكلاته النفسية " أن ميل الطفل للقصاص والعدوان ليس فطريا ، وإنما يكتسبه سواء بالقدوة أو كرد فعل لمواقف بعينها كأن يستفزه أحد فيدافع عن نفسه، وإذا لاحظ الأبوان أن الطفل كثير الإغاظة والأذي لأقرانه أو تنتابه نوبات من الغضب والرغبة في الانتقام ، فلابد أن يبحثا عن السبب الذي قد يكون محاكاة من هم في مثل سنهم أو لفت نظر الأبوين أو كثرة التعرض لأفلام العنف أو الحرمان سواء المعنوي أو المادي.
إسلام ويب

Post: #523
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:09 AM
Parent: #501

الأم قدوة متحركة في أرجاء البيت
يقول الشيخ محمد قطب : " إن من السهل تأليف كتاب في التربية ، ومن السهل تخيل منهج ، ولكن هذا المنهج يظل حبراً على ورق ما لم يتحول إلى حقيقة واقعة تتحرك في واقع الأرض وما لم يتحول إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته ومشاعره وأفكاره مبادئ المنهج ومعانيه ، وعندئذ فقط يتحول إلى حركة .. يتحول إلى حقيقة".

ولقد علم الله سبحانه وتعالى بحاجة هذا المنهج إلى بشر يحمله ويحوله ويترجمه بسلوكه وتصرفاته إلى واقع محسوس وملموس لذلك بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم ليترجم هذا المنهج وليكون خير قدوة للبشرية جمعاء، وذلك عندما وضع في شخصيته الصورة الكاملة للمنهج .

لقد كان عليه السلام خير بشر متحرك لترجمة القرآن إلى سلوك واقعي على مرأى من البشر الذين اقتدوا به واهتدوا.
لذلك فالإسلام يعترف بان أعظم الوسائل نجاحاً في التربية وأجداها في توصيل المبادئ والقيم هي القدوة .. ولابد أن تكون هذه القدوة ملازمة للإنسان سنين حياته كلها ابتداء من لحظة إدراكه ووعيه بما يدور حوله ..

لا بد للطفل من قدوة ينهج نهجها ويكّون مبادئه وقيمه وعقائده منها ، لا بد للطفل من أسرة بل أم تكون نموذجا متحرك في أرجاء المنزل تترجم كل ما تعلمته و ما خبرته من الحياة إلى سلوك مادي يلمسه طفلها إذ أن من غير المعقول أن يكون سلوكها وتصرفاتها مخالفا لما تقوله وقد استنكر ذلك الباري الأعظم في قوله تعالى :(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) [الصف:2،3]. ويقول الباري تبارك اسمه :(أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [البقرة:44] .

إن الطفل بمثابة الرادار الذي يلتقط كل ما يدور حوله فإن كانت الأم صادقة أمينة خلوقة ،كريمة ، شجاعة ، عفيفة ، نشأ ابنها على هذه الأخلاق الحميدة والعكس نجده إذا كانت الأم تتسم بسمات عكس السمات السابقة سمات ما أنزل الله بها من سلطان كأن تكون كاذبة جبانة غير خلوقة ينشأ الطفل على الكذب والخيانة والتحلل والجبن ، لأن الطفل مهما كان استعداده طيبا ومهما كانت فطرته نقية طاهرة سليمة صافية فإنه ما لم يوجه التوجه السليم وما لم يجد القدوة والنموذج الموجه الصالح فإنه بلا شك سينحرف إلى الجانب السلبي من جانب شخصيته وصدق رسول الهدى عليه الصلاة والسلام الذي لا ينطق عن الهوى عندما قال :" كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه مسلم .

نعم هي فطرة سليمة نقية لكن عوامل التربية والتوجيه من القدوة التي أمام بصره هي التي تلعب الدور الفعال في جعل الطفل يستمر على فطرته التي ارتضاها الباري له أو ينحرف وينسلخ إلى اتجاهات عقائدية مغايرة لتلك الفطرة .
إن الأم الواعية الحريصة على الأمانة التي أسندها الباري إليها في قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لأمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ) [المؤمنون:8] ؛ لابد لها من أن تتخذ من كتاب الله وسيرة رسوله العطرة ومنهاجه المنير الذي استقاه من رب العالمين على يد الروح الأمين جبريل عليه السلام المنبعين اللذين تستقى منهما المبادئ للقدوة الحسنة .

ولها في تلك المصادر أروع الأمثلة نذكر منها بعض ما ورد في السنة :
فعن عبد الله بن عامر رضي الله عنه قال : دعتني أمي يوماً ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا فقالت يا عبد الله تعال حتى أعطيك فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أردت أن تعطيه، فقالت أردت أن أعطيه تمراً فقال : " أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتب عليك كذبة." رواه أبوداود .

وهذا مثال آخر يوضح كيفية أن تظهر الأم بمظهرالعدل
فعن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت امرأة ومعها بنتان وهي تسأل فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها ثم خرجت فدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته فقال : من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له سترا من النار .
لذلك فعلى الأم أن تسلك مع أطفالها جميع السبل التي سلكها الهادي البشير مع الأطفال، وعليها أن تتحلى بها في حياتها اليومية لينشأ وليدها على الأخلاق الفاضلة ، ويتربى على المكارم ولينشأ على العقيدة الإسلامية الراسخة والخلق القرآني الرفيع .
إن الأم باعتبارها القدوة لابد لها وأن تكون صادقة في أقوالها مع ابنها وأبيه ومع غيرهما من الأشخاص سواء من أفراد الأسرة أم من بقية أفراد العائلة أو مع الآخرين من أفراد المجتمع .

وحين تريد تعويد طفلها على الأمانة فلا بد لها أن تكون أمينة مع زوجها في ماله وبيته ومع أهلها .
وعندما تريد تعويده على الرحمة فلا بد وأن تبدأ هي بالقيام بالأعمال التي تشعر طفلها بمدى رحمتها وعطفها وحنانها ، كأن ترحم الضعيف ، وتعطف على المسكين ، وتعين الفقير ، وترأف بالحيوان .
فالأم عندما تقوم بمثل الأعمال أمام طفلها فإنها تغرس في نفسه أهم مبادئ المحبة والتعاون والأمانة والصدق وبهذا تنمي الجانب الأخلاقي في طفلها .

والطفل الذي يرى والدته تكذب وتغش فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتعلم الصدق والأمانة في يوم من الأيام.
والأم التي تكون في تبهرج وميوعة واستهتار لا يمكن أن يتعلم ابنها الفضيلة وحسن الخلق.

والأم التي تتلقط بالعبارات الهدامة وتستهزئ بالغير وتتسم بالغضب والانفعال والقسوة ؛ لا يمكن أن يكون طفلها على درجة من الأخلاق ولا يمكن أن ينطق بجميل عبارة ولا يمكن أن يتسم بالاتزان في تصرفه وصدق الشاعر عندما قال :
وهل يرجى لأطفال كمال إذا ارتضعوا ثدي الناقصات

وخلاصة الأمر أن الأم لكي تتمكن من تربية طفلها التربية الجسمية والخلقية والروحية، ولكي تكون القدوة الحية المتحركة في المنزل ولكي تكون نموذجاً رفيعاً لما تلقنه من القيم والمبادئ وما تصوره من المثل ومكارم الأخلاق، لابد لها أن تكون صورة تعكس حقيقة السلوك الذي تنادى به وتحث ابنها على ضرورة الالتزام به حتى لا يقع طفلها في تناقضات خطيرة ، فيختلط عليه الأمر وتلتبس عليه الحقائق والمفاهيم فلا يستطيع وقتها بل لا يعد قادراً على التمييز بين الزائف والصحيح .
خيرية صابر-اسلام ويب

Post: #524
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:11 AM
Parent: #523

أهمية الأمومة
يرى الطفل - في مراحله الأولى على الأقل - في والديه القدوة والأسوة، فينطلق إلى محاكاتهما، وتقليدهما في الألفاظ والحركات والسلوك، بل إن اللغة التي يتعلمها الطفل إنما يتلقاها عن والديه، ثم عمن يحيطون به، فمن هنا كانت مسؤولية الوالدين - والأم خصوصاً - عظيمة في تنشئة الطفل تنشئة صحيحة تتفق مع المنهج الإسلامي الحكيم.

1. الأهمية الدينية:
وهناك أولويات ينبغي غرسُها في الطفل، وأول تلك الأولويات العقيدة الإسلامية متمثلةً في أركان الإيمان ثم أركان الإسلام، فـ[ كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ] . كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. (رواه البخاري ومسلم) .
ومما يدل على أهمية تربية الوالدين وأثرها في عقيدة الطفل قوله صلى الله عليه وسلم: [ كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوّدانه أو يُنصّرانه أو يمجّسانه] . (رواه البخاري).
وهو الأمر الذي جسده القرآن في وصف والدين صالحين يدعوان ولدهما إلى الإيمان ، لكن بعد فوات الأوان حينما شب وكبر، يقول الله سبحانه وتعالى: (والذي قال لوالديه أُفٍّ لكما أَتَعِدَانِنِي أن أُخرج وقد خَلَت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلَكَ آمِنْ إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين). الأحقاف:17.

وثاني الأولويات بعد العقيدة: التشريع، وهو ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم وجعل مسؤولية ذلك تقع على عاتق الوالدين يقول صلى الله عليه وسلم: [مُروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء السبع سنين، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرِّقوا بينهم في المضاجع] . (رواه أبو داود) .

ثم يأتي بعد التشريع: الأخلاق ويكون بتعويد الأولاد على محاسن الأخلاق كالصدق والأمانة… وتحذيرهم من مساوئ الأخلاق كالسرقة والكذب والخيانة والسباب والشتائم …، وعلى الأم أن تحرص ألا تأمر بما تذهب هي إلى ما يخالفه، فإن ذلك سينعكس على سلوك الولد.
2. الأهمية الاجتماعية:
من المعلوم أن البيئة الاجتماعية لها أثر كبير في شخصية الإنسان، وهو الأمر الذي لم يكن يجهله قوم مريم عليها السلام حين قالوا: ( يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْءٍ وما كانت أمُّك بَغِيّا ). م ريم:28.
وهناك تداخل بين النواحي الأخلاقية والاجتماعية والنفسية فالإيثار: هو خُلق له طابع اجتماعي ونفسي لا ينفك عنه وكذلك العفو.
لكن ما نريد أن نركز عليه في الناحية الاجتماعية هو الانبساط في سلوك الطفل الذي تؤدي فيه الأم الدور الأكبر، فعليها أن تنشىء ولدها على الاختلاط بالناس، وتجنبه العزلة والانطواء ليكون له دور فاعل في المستقبل، من هنا سنّ الإسلام تشريعات تكفل تحقيق الألفة بين الأفراد، وهي الآداب الاجتماعية كآداب السلام والاستئذان والحديث والتهنئة والتعزية والعطاس وعيادة المريض.
فالأم هي أول من يكوّن عند الطفل منطلق العلاقات الإنسانية، فلا بد للطفل أن يتجاوز أمه إلى العالم الخارجي، ولا شك أن العلاقة بين الأم والأب ستنعكس على سلوك الطفل ونفسيته، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.
3. الأهمية النفسية:
من سنن الله في الأنفس أنه أودع المحبة والسَّكَن في الأم للولد، وفي الولد للأم، هذه هي السنة القويمة السوية، ومن ثم أوجب الله على الأم إرضاع ولدها فقال تعالى: (والوالدات يُرْضِعن أولادهن حولين كاملين). والرضاع يولّد العلاقة الحميمية بين الأم والطفل فيكون لصيقاً بها، الأمر الذي أكده البحث العلمي (فأوجب وضع الوليد على تماسّ حسي مع الأم بعد الولادة مباشرة وذلك لأهمية هذه اللحظات في مستقبل العلاقات اللاحقة بين الطفل والأم، وبين الطفل ومجتمعه ) (الأمومة. د. فايز قنطار، عالم المعرفة، ص72).

وذلك ليشعر بدفء الأم وحنانها منذ اللحظات الأولى من عمره فإن لذلك أثراً كبيراً في تكوين الطفل الاجتماعي ، ومن ثمّ فإن الأم اليَقِظة لسلوك ولدها وحاجاته والقريبة منه تعزّز لديه الثقة بالكبار فيعممها على الآخرين ولا يشعر بالرهبة والفزع عند رؤيتهم ، بينما تكون الأم القليلة الحساسية على العكس من ذلك مما يخلق لديه عدم الثقة والتعلق بالقلق. (انظر فايز قنطار، الأمومة، ص50).
إن الطفل إذا شعر بالأمن في علاقته بأمه يكون أقدر على التفاعل الاجتماعي مع أقرانه والغرباء عنه ، ومن ثمّ كان الجوّ الذي يُحاط به الطفل له الأثر الكبير في حياته.

لذلك كله كانت المحاضن والمراضع نقمة على الطفل، لأنها لا توفر له تلك الضروريات التي تكلمنا عليها.
يقول " إيريك فروم ": ( وفائدة حبّ الأم للطفل أنه ضمان مؤكد لاستمرارية حياته وتلبية حاجاته.
أما أنه ضمان لاستمرار حياته فإن لذلك مظهرين:
المظهر الأول: أن رعاية الطفل والمسؤولية عنه ضرورة مطلقة لحفظ حياة الطفل ونموه.
المظهر الثاني: يذهب إلى أعمق من مجرد الرعاية فهو يغرس في أعماق الطفل ومشاعره أن هناك ما يستحق أن يعيش من أجله، وأن الحياة شيء مفيد وجميل…) (مها عبدالله الأبرش، الأمومة ومكانتها في الإسلام ص:103-104) .
فالأم هي النافذة التي يُطل منها الطفل على العالم، لذلك عليها أن تنشئه على حب الخير للآخرين والجرأة، حتى يشعر بكيانه وقدرته على التفاعل مع المجتمع، فإنه إذا تربى على الخجل والخوف والشعور بالنقص ولّد ذلك في نفسه الحسد والغضب وكره المجتمع ومن ثم يصبح عدوانياً.

4. الأهمية الخُلقية:
سبق أنْ قررنا ما بين الجوانب الاجتماعية والنفسية والخلقية والدينية من تداخل فيصعب الفصل بينها بشكل حدّي.
إن انحراف الأم والأب الأخلاقي سيولّد - لا محالة - الانهيار الأخلاقي في الأسرة؛ لأن الوالدين هما القدوة العليا للطفل - خاصة في سنيه الأولى - فإذا كان ربّ البيت بالدف ضارباً فما بال الولد ؟ ذلك أن الطفل لا يُحسن سوى التقليد في سنيه الأولى حتى يتهيأ له مصادر أخرى للمعرفة فيما بعد كالمعلم والصديق…إخ.

ولقد ضرب الله سبحانه وتعالى مثلاً للأم الصالحة (أم مريم) (وما كانت أمك بغياً ) مريم 28. بشهادة القوم ، ولذلك اتجهت إلى تنشئة ابنتها مريم تنشئة صالحة (إني أعيذها بك وذرّيتها من الشيطان الرجيم). وكذلك الأب: (يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سَوْء). مريم:28.
فهذه البيئة الصالحة أنتجت ذلك الفرد الصالح في المجتمع وهو (مريم)، لذلك كان للبيئة الدور الأكبر في التنشئة الأخلاقية ، ومن ثم كانت ظاهرة السباب والشتائم تعكس سوء التربية الأخلاقية للولد.
اسلام ويب

Post: #525
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:12 AM
Parent: #501

معنى الأمومة :
الأمومة مشتقة من الأُمّ ، وأُمّ كل شيء: معظمه ، ويقال لكل شيء اجتمع إليه شيء آخر فضمّه : هو أُم له (فأُمُّه هاوية) القارعة: 9.
والأمومة: عاطفة رُكزت في الأُنثى السوية، تدفعها إلى مزيد من الرحمة والشَفقة.
1. الأم في القرآن الكريم:
أم كل شيء: أصله وما يجتمع إليه غيره ، وبهذا المعنى ورد تعبير "أم الكتاب": (آل عمران 7. الرعد:13، الزخرف 4) في القرآن الكريم ، ونحوه : "أم القرى" ( الأنعام: 92، الشورى7) ، وأم القرى: مكة قال سبحانه: ( وما كان ربك مُهلِك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً ) . القصص:59.

ولقد أوصى القرآن الكريم بالأم، وكرر تلك الوصية لفضل الأم ومكانتها فقال سبحانه : (ووصّينا الإنسان بوالديه حَملته أمه وَهْناً على وهن، وفِصاله في عامين أنْ اشكر لي ولوالديك إليّ المصير. وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تُطعهما وصاحِبْهما في الدنيا معروفاً واتبع سبيل من أناب إلي ثم إليّ مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون) . لقمان:14-15 .
فرباط الوالديّة (الأبوة والأمومة) وثيق جداً لا يعكر عليه شيء حتى لو كان الوالدان مشركين ، والعطف عليهما واجب مع عدم الإصغاء إليهما إن أمراه بما يخالف شريعة الله .

وكررّ هذه الوصية فقال: ( ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرها وحملُه وفصاله ثلاثون شهراً ).(الأحقاف:15).
وفضل الأم على الأب له موجباته وهو الحمل والرضاع والرعاية.

والإسلام قدّس رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات، فحرم الزواج من الأمهات قال سبحانه: ( حُرمت عليكم أمهاتكم ) النساء:23. كما بيّن أن رباط الزوجية لا يمكن أن يتحول إلى رباط أمومة أبداً ، وشتان بينهما قال سبحانه: (وما جعل أزواجكم اللائي تُظاهرون منهن أمهاتكم ) . الأحزاب: 4 . (الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هُنَّ أمهاتهم. إنْ أمهاتهم إلا اللائي ولَدْنهم ).(المجادلة:2)
إلا أن هذه الرابطة تتأثر بهول يوم القيامة فقط، فيستقل الولد عن أمه، والأم عن ولدها قال سبحانه: (يوم يفر المرء من أخيه. وأمه وأبيه. وصاحبته وبنيه. لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه) . عبس:34-36.

هذا وإن رباط الأمومة يبيح للولد أن يأكل من بيت أمه: (ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ولا على أنفسكم أن تأكلوا من بيوتكم أو بيوت آبائكم أو بيوت أمهاتكم ) . النور:61 .

بسبب ما تقدم من حقوق وواجبات جعل الله سبحانه الأم مسؤولة عن تربية ولدها، فهي راعية ومسؤولة عن رعيتها، وأشار سبحانه إل هذه المسؤولية الأخلاقية في قوله: ( ما كان أبوك امرأ سَوء وما كانت أمك بغياً ) . مريم: 28. وذلك على لسان قوم مريم عليها السلام، فالملحوظ أن قوم مريم أدركوا هذه المسؤولية، فوجهوا إليها هذا الخطاب في تقرير المسؤولية الأخلاقية للوالدين، رغم ما في خطابهم من غمزٍ وتعريض لا تخفى دلالاته.

وبسبب ذلك أيضاً أوجب الله سبحانه وتعالى للأم ميراث ولدها إن مات في حياتها كما أوجب له ميراثها إن ماتت في حياته. قال سبحانه وتعالى: (فإن لم يكن له ولد ووَرِثه أبواه فلأمه الثلث، فإن كان له إخوة فلأمه السدس) . النساء:11 .
ولما كانت الأم مصدر الحنان ومنبع الإحسان بالنسبة للولد ذكّر هارون أخاه موسى عليهما السلام بأمه حين غضب وأخذ برأسه، قال سبحانه: (ولما رجع موسى إلى قومه غضبانَ أَسِفاً قال: بئسما خَلَفتموني من بعدي أَعَجِلتم أمر ربكم وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابنَ أمَّ إن القوم استضعفوني..) الأعراف: 150 . وفي موضع آخر قال: ( يا بنَ أُم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) . طه:94 . وذِكْر الأم هنا دون سواها للاستعطاف والاسترحام ولما ترمز إليه من الحنان والرحمة والشفقة.

وجعل الله سبحانه زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين من حيث واجبُ البر وحرمةُ الزواج والحقوق الواجبة لهن من الاحترام والتقدير، قال سبحانه: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم) . الأحزاب:6 .

ومن الأمثلة الفذة التي ضربها الله سبحانه في القرآن للأمهات المثاليات أسوة للمؤمنات مريم وأم موسى عليهما السلام.
أما مريم عليها السلام فجعل لها ربنا تبارك وتعالى سورة كاملة باسمها حكى القرآن فيها قصتها منذ أن حملت بها أمها ونذرتها لله سبحانه إلى أن حملت بعيسى عليه السلام ثم قصتها مع قومها قال سبحانه: (وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى رَبْوة ذات قرار ومعين) . المؤمنون: 50. ( وأمه صدِّيقة ). المائدة:75.

وأما أم موسى فاحتفل بها القرآن، وحكى قصتها مع ولدها زمن فرعون وكيف أن الله تعالى أوحى إليها فقال: (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليمّ ولا تخافي ولا تحزني إنّا رادّوه إليك وجاعلوه من المرسلين … وأصبح فؤاد أُم موسى فارغاً إنْ كادت لتُبدي به لولا أن رَبطنا على قلبها لتكون من المؤمنين) . القصص: 7-10 .
فلما كان حالها كذلك رعى الله سبحانه تلك العاطفة - عاطفة الأمومة - حق رعاية وامتنّ بذلك على موسى لعظيم تلك المنة وأهميتها، فقال سبحانه: (فرددناه إلى أمه كيف تقرّ عينها ولا تحزن ) . القصص: 23 .
2. الأم في السنة النبوية:
إن الأحاديث في هذا الباب كثيرة جداً نورد منها ما يفي بالغرض:
سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَن أحقُّ الناس بحسن صحابتي؟ قال: [أمك] . قيل : ثم من ؟ قال: [أمك] . قيل ثم من؟ قال [أمك] . قيل ثم من؟ قال: [أبوك] . رواه البخاري .
الأمر الذي يؤكد حرص الإسلام على مضاعفة العناية بالأم والإحسان إليها : أكثر من العناية بالأب مع أن كليهما (الأم والأب) أُمر المسلم بالإحسان إليه. (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً).

وسُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الكبائر، فقال: [الإشراك بالله وعقوق الوالدين وقتل النفس، وشهادة الزور] . رواه البخاري .
ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن سَبّ الوالدين وبيّن أنه من الكبائر فقال: [إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه] . قيل يا رسول الله! كيف يلعن الرجل والديه؟ قال: [يسُب الرجل أبا الرجل فيسبّ أباه ويسبّ أمه] . رواه البخاري .

ومن تمام الإحسان إلى الوالدين الإحسان إلى أهل وُدّهما قال صلى الله عليه وسلم: [إن أبرّ البرّ صلةُ الولد أهل ودّ أبيه] . رواه مسلم.
ومن تمام الإحسان أيضاً قضاءُ ما كان عليهما من دَين لله أو للناس فقد سأل أحد الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان على أمه، وتُوفيت قبل أن تقضيه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فاقضِه عنها] . رواه مسلم.

وجاءت امرأة تسأله عن أمها التي ماتت وعليها صوم شهر؟ فقال: أرأيتِ لو كان على أمك دَين أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نعم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [فدين الله أحق بالقضاء] .
وكذلك امرأة سألت عن أمها وماتت ولم تحجّ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ حُجيّ عنها ] . رواه مسلم.
ولقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى في البر فاستأذن ربّه أن يستغفر لأمه فلم يأذن له، واستأذن في زيارتها فأذن له. رواه مسلم.

وكان صلى الله عليه وسلم شديد البر بمرضعاته ومربياته من ذلك أنه جاءت حليمة أمه بالرضاعة فقام إليها وبسط لها رداءه فجلست عليه. (الإصابة لابن حجر 4/274) .
وحين سيق إليه السّبيُ من هوازن كانت الشيماء بنت حليمة فيهم فلما انتهت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا رسول الله إني لأُختك من الرّضاعة وعرّفته بعلامة عرفها صلى الله عليه وسلم فبسط لها رداءه، ودمعت عيناه وقال لها: [ ههنا ] ، فأجلسها على ردائه وخيّرها بين أن تقيم معه مُكرمة محبّبة أو أن ترجع إلى قومها، فأسلمت ورجعت إلى قومها، وأعطاها رسول الله نَعَماً وشاه وثلاثة أعبد وجارية.
3. الأم عند السلف
كان السلف رضوان الله عليهم يحتذون منهج النبوة فكان أبو بكر رضي الله عنه لما أسلم حمل إلى أمه الهداية ودعاها إلى الإسلام ولما تعذر عليه إسلامها طلب إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها فأسلمت، وكذلك فعل أبو هريرة رضي الله عنه.
وعندما سمع عمر بن الخطاب صوت صائحة تَقَصّى خبرها فعرف أنها جارية من قريش تُباع أمها، فقال لحاجبه: ادع لي (أو قال : عليّ) بالمهاجرين والأنصار فلم يمكث إلا ساعة حتى امتلأت الدار والحجرة قال: فَحمِدَ الله وأثنى عليه ثم قال:
أما بعد : فهل تعلمون أنه كان مما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم القطيعة؟ قالوا: لا قال : فإنها أصبحت فاشية ثم قرأ (فهل عسَيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطّعوا أرحامكم ) . محمد:22.
ثم قال: وأيّ قطيعة أعظم من أن تباع أم امرئ فيكم وقد أوسع الله لكم؟ قالوا: فاصنع ما بدا لك. قال: فكتب في الآفاق: ألا تُباع أمّ حُرّ فإنها قطيعة رحم، وإنه لا يحلُّ. رواه الحاكم
اسلام ويب

Post: #526
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:15 AM
Parent: #501

جاء الإسلام والمرأة على حال مخزية ، تعيش واقعـًا مؤلمـًا ، وحياة تعيسة ، حقوقها ضائعة ، وواجباتها فوق طاقتها ، عمرها يمضي في بؤس وتعاسة ، من ولادتها إلى موتها ، فإن نجت من الوأد صغيرة ، عاشت مهانة حقيرة ذليلة .
فهي تدس في التراب صغيرة ، وتعيش كسقط متاع إن بقيت كبيرة ، وليس لها حق في الحياة ، فأي معيشة عاشتها تلك المرأة ؟
لقد جاء الإسلام فانتشلها من واقعها المنحط ، وحياتها المشينة ، إلى ما فيه عزها وتكريمها ورفعتها ، طفلة صغيرة محبوبة مدللة ، وأختـًا مبجلة ، وزوجة ودودة محبوبة ، وأمـًا حنونـًا مكرمـة .

ولما كان للمرأة المسلمة أهمية كبيرة في تربية الأجيال ، وتنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكـًا ، وعبادة وأخلاقـًا ، فقد أعطى أعداء الإسلام أهمية قصوى لمحاولة تغريبها ، من خلال الدعوات البراقة المسماة بالتحرر ، وانتزاع الحقوق ، وطلب المساواة بينها وبين الرجل وهي دعوات انخدع بها كثير من نساء أمتنا .

ومن المؤسف أن نجد فئة من نسائنا قد انجذبت وانساقت لتلك الأباطيل والترهات ، فتبنت أفكارهم المضللة ، والدعوة لها عبر الوسائل المختلفة ، وعاشت بتبعية كاملة للغرب ، فكريـًا واجتماعيـًا وسلوكيـًا ، مقلدة للمرأة الغربية تقليدًا أعمى دون إدراك أو تفكير ، بحيث ينطبق عليها حديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرًا بشبر وذراعـًا بذراع حتى لو سلكوا جحر ضب لسلكتموه ، قلنا : يا رسول الله اليهود والنصارى ، قال : فمن ؟!! "(متفق عليه) .

وغاب عن وعي أولئك النسوة ، أن الظروف الاجتماعية والقانونية والتاريخية التي واجهت المرأة الأوروبية مختلفة تمامـًا عما تعيشه المرأة المسلمة ، فالمرأة هناك تعيش مجتمعـًا ظالمـًا ، قائمـًا على قوانين بشرية ، وليست شرائع ربانية ، مما جعلها تثور وتتمرد لتحصل ولو على جزء يسير من حقوقها .

أما المرأة المسلمة فقد أعطاها الإسلام كامل حقوقها ، فيحق لها أن تفخر وترتفع رأسها عاليـًا بتلك الحقوق التي لم تحصل عليها النساء في أكثر البلدان التي تدعي الحضارة والتقدم إلى الآن .

زعمون أنهم يريدون تحرير المرأة ، وما همهم والذي نفسي بيده إلا اغتيال عفتها وشرفها ، وبمعنى أدق تحرير الوصول إليها .
إن انطلاق المرأة في طرق التيه والضلال ، معناه انحلال العقدة الوثيقة التي تشد أفراد الأسرة بعضهم إلى بعض ، وانفراط العقد الذي ينتظم أعضاء الأسرة الواحدة ، وتبعثرهم في متاهات الحياة .

إن خلل الرماد وميض جمر ، يستهدف المرأة المسلمة في ظروف مقصودة ، فاليهود شنوا الحرب على حجاب المرأة المسلمة من قديم ، منذ تآمروا على نزع حجاب المرأة أيام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سوق بني قينقاع ، ومازالت حربهم مشبوبة مشتعلة ، لا يزيدها الزمن إلا اشتعالاً واضطرامـًا ؛ لأنهم يدركون جيدًا أن إفساد المرأة إفساد للمجتمع المسلم .
فلا ريب أن من أولئك من ترعرع في كنف الإلحاد ، فالتحف فريق منهم بالإسلام وتبطن الكفر ، حمل بين كفيه لسانـًا مسلمـًا ، وبين جنبيه قلبـًا كافرًا مظلمـًا ، حرص على أن ينزع حجاب المرأة المسلمة ، ويخدش كرامتها ، فلم يجد هؤلاء أعون لهم من أن يقدموا لنا تحرير المرأة على طبق إسلامي يزينون من خلاله للمرأة المسلمة حياة الاختلاط باسم الحرية والمدنية ، ونزع الحجاب باسم التقدم والحضارة ، لتكون بعد ذلك ألعوبة في أيديهم .

قال تعالى : (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ) [القصص:23] .

إن هذه الآية جزء من قصة نبي الله موسى ـ عليه الصلاة والسلام ـ بين تعالى فيها أن هذا النبي الكريم قبل إرساله إلى قومه ، قدم على أرض بعيدة عن بلاده ، هاربـًا من بطش فرعون وكيده ، فوجد مجموعة من الناس تسقي مواشيها وأنعامها ، ووجد امرأتين تنظران من بعيد إلى هذا الجمع الكبير ، فسألهما عن حالهما ، فبينتا أنهما جاءتا إلى هذا المكان لكسب لقمة العيش ؛ لأن أباهما رجل طاعن في السن عاجز عن العمل ، ثم إنهما تحت وطأة هذه الضرورة الملحة لا تختلطان بالرجال أبدًا ، فإذا انتهى الرجال من عملهم ذهبن وسقين مواشيهن .

فلتراجع المرأة المسلمة نفسها ولتتأمل دربها ، لتبصر طريق النجاة ، وتسلك سبيل الرشاد ، ولتقتدي بزوجات من أنزل عليه الفرقان ، فهذا هو طريق الجنان والنجاة من النيران .
اسلام ويب

Post: #527
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:16 AM
Parent: #501

ربما بالغت المدارس التربوية الغربية في إطلاق الحرية للطفل ؛ بحيث ينطلق ويلعب ويمرح ومعن مربوه ، حتى يحس بالتعلق بالمدرسة ، وتكون العودة إليا في اليوم التالي شيئًا محببًا إلى نفسه ، لأنها تجلب له كل ما يسّرُ ، وتجنبه كل ما يكدر ، وتوفر له كل ما يرغب ... وبالمقابل ربما كانت المدرسة على الطفل في بلاد المسلمين عبئًا يوميًا وهمًا ملازمًا وحزنًا متجددًا ، وخاصة إذا كان قدر الطفل أن يكون بيد مربٍ ضعيف الصبر أو كاره لمهنته أو لا يطيق التعامل مع الصغار ، أو حريص على هيبته ووقاره أكثر من حرصه على توفير الجو النفسي المريح للطفل .

إن الطفل لا يتعلم وهو خائف ، ولا يتربى وهو حزين ، إنه حين يشعر بالأمن ويتفاعل مع أجواء المرح المفعم بالتوجيه ، ويعامل بالملاطفة التي لا تُفسد النظام ، يكون على أكبر درجة من الاستعداد بقلب مفتوح وذهن حاضر وأُذن واعية .

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وصفه أصحابه بأنه (من رآه بديهة هابه ، ومن خالطه معرفة أحبه ) فلا تعارض بين تحصيل محبةالطفل وبين ضمان ضبط سلوكه .
جاء في أخبار سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان في بيته مستقليًا على ظهره وأولاده يقفزون على بطنه ، وزاره عامل له فرأى ملاعبته لأولاده ، فتعجب مما رأى واستنكر أن يكون حال الرجل في أهله هكذا . فقال له عمر : كيف أنت مع أهلك ؟
قال العامل : إذا دخلت سكت الناطق - أي يهدأ الجميع هيبة وخوفًا من عقابه فأمر عمر بعزله عن العمل الذي وُليّ عليه ، وقال له اعتزل فإنك لا ترفق بأهلك وولدك ، فكيف ترفق بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، وفي رواية أن الرجل ، قال : كيف تفعل هذا وأنت أمير المؤمنين ؟ فقال عمر : ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ، فإذا كان في القوم كان رجلاً . وفي هذا ورد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ من كان له صبي فلتصابى له ] أي فلينزل إلى مستواه كأنه مثله .

ويمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على غلام يبكي على عصفور له مات . فيحاول أنيذهب حزنه بأن يمسح رأسه ويلاطفه قائلاً له : يا أبا عمير ! ما فعل النغير (أي العصفور) .
ويشب الحسن صلى الله عليه وسلم ، وما زال يذكر من أيام طفولته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشرب ماءً باردًا - ذات مرة - فملأ فمه ثم مجَّ مجَّة في وجه الحسن (رشه من فمه ) يلاعبه ويؤانسه ولم تمنعه هيبته ووقاره من النزول إلى مستوى طفل لإدخال السرور إلى قلبه .

ووردت أخبار بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمد لسانه للحسن ويضحك . ويركب الحسن والحسين على ظهره .. وهو ساجد فيطيل السجود لئلا يعكر أُنسه ...
ويروي المسعودي عن عادات نساء العرب ! (وكان من عادة العربية ألا تنوّم ولدها وهو يبكي ، خوفَ أن يسري الهم في جسه ، ويدب في عروقه ، ولكنها كانت تنازعه وتضاحكه حتى ينام وهو فرح مسرور ، فينمو جسده ويصفو لونه ودمه ، ويشفَ عقله ...).

كما كانت المرأة العربية تنشد لأطفالها أناشيد قصيرة يتمايلون معها ، مما سُميَ فيما بعد بـ (شعر ترقيص الأطفال) ، ومنه هذه الأبيات التي تقولها امرأة لطفلتها تبين من خلالها أنها فرحة بأن رزقها الله بنتًا وليست ساخطة لذلك :
وما عليّ أن تكون جارية
تكنس بيتني وتُردد العارية
تمشط رأسي وتكون الفالية
وترفع الساقط من خماريه
حتى إذا ما بلغت ثمانية
رديتها ببردة يمانية
زوجتها مروان أو معاوية
أزواج صدق بمهور غالية


قد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسابق السيدة عائشة وهي حديثة السن ويدعها تسبقه ويجدها مع صويحبات لها يلعبن بلعب من القطن والصوف ، فيضحك لهذا ويسائلها ما هذا ؟ فتقول فرس سليمان فيضحك ، ويرفعها لتطل على ساحة المسجد ، وترى الحبش وهم يلعبون بالحراب ، فلا يتضجر ويدعها حتى تعلن بنفسها أنها قد اكتفت ، وكاتن يمر بالصبيان في الطريق فيسلم عليهم . فما بال أتباع محمد صلى الله عليه وسلم يغفلون هذه الملاطفة مع بنيهم وتلاميذهم وهو قدوتهم صلى الله عليه وسلم .

والنشأة الصحيحة السلمية للأبناء تحتاج إلى المؤانسة وهذا القرب ؟ فهل نتنازل عن شيء من وقار الرجولة مع مجتمع الطفولة ؟
الأستاذ : محمود الخزندار رحمه الله

Post: #528
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:19 AM
Parent: #501

الغــــذاء و الوقاية من الأمراض
استكمالاً للحديث عن الممارسات والعادات الصحيحة التي تسهم في الوقاية يبقى الحديث عن الغذاء وأهميته .

والسؤال المطروح الآن : هل أنت معني بتحسين نظام الغذاء ، أو على الأقل تغيير بعض عاداتك في الأكل إلى ما هو أفضل ؟ وإذا كنت كذلك فليس المقصود أن تقلع عن تناول وجباتك المفضلة ، ولكن أن تضيف إليها مواد غذائية مفيدة .
والنصيحة التي تسديها " ليسلي بونس " مديرة التغذية الرياضية بجامعة " بيتسبرج " تتلخص في أن تضيف لونـًا إلى طبقك ، ولكن ما هو هذا اللون !
اللون هو الفواكه أو الخضروات أو الحبوب ، ففي كل مناسبة تكشف الدراسات أن الغذاء وبالتحديد الخضار والفواكه يلعب دورًا هامـًا في الوقاية من الأمراض المختلفة ويساعد في إبعاد شبح الإصابة بالسرطان بالذات .
ولا شك أن استهلاك الخضار والفواكه بانتظام يساهم في تقليل خطر التعرض لهذه الأمراض الخبيثة بنسبة تصل إلى حوالي " 40% " ، خصوصـًا الأمراض الهضمية والتنفسية .

وينبغي أن نؤكد على حقيقة أن اتباع عادات صحية في الأكل أمر لا يحدث بين عشية وضحاها ، ولكن أي تغيير نحو الأفضل مهما كان بسيطـًا لابد أن يكون له فائدة .
وما نتحدث عنه الآن ليس الإقلاع عن تناول أغذية معينة مثل الشيكولاته والتشيبسي ، ولكن هدفنا هو أن تشغل الخضروات والفواكه والحبوب حيزًا أكبر في نظام الغذائي ، فعندما تبدأ في مضغ الطعام تبدأ في الحصول على الفوائد الممثلة في الألياف والألوان والنكهة .
وعلى سبيل المثال قد أظهرت نتائج الأبحاث التي أجريت على مادة " بيتاكاروتين " وهي العنصر الذي يضفي على الجزر لونه الأصفر أن تناول نظام غذائي يشمل الجزر والفواكه الصبغية الأخرى والخضروات مثل " البروكولي " والمشمش يساعد في تحديد مادة " بيتاكاروتين " بمستوى معين مما يؤثر إيجابيـًا على نظام المناعة في الجسم ، وكان فريق البحث مهتمـًا بأثر هذه المواد في كبار السن بالذات ؛ لأن نظام المناعة في الجسم يقل مع التقدم في السن ، وكانت النتيجة أن اتباع نظام غذائي معين يساعد في تقوية وظيفة المناعة في الجسم لدى المسنين ليماثل ما هو لدى الشباب .

ومن المعروف أن للجزر فوائد دوائية غذائية ؛ حيث يساعد في تزويد الجسم بفيتامين (أ) المضاد للأكسدة التي أثبتت التجارب أنه يساعد في تقليل مخاطر الإصابة بسرطانات المريء ، والبلعوم ، والبروستاتة ، والقولون ، والثدي ، والرحم ، وقد أظهرت الأبحاث أهمية البندورة " الطماطم " في الوقاية من سرطان البروستاتة والرئة والمعدة بفضل احتوائها على مادة " لايكوبين " ، وهي مادة صبغية طبيعية تعيق تكون الجزئيات الكيماوية الضارة المعروفة باسم الشوارد الحارة ، التي ثبت أنها وراء إصابة الإنسان بالعديد من الأمراض القلبية الوعائية والشيخوخة والسرطان .

وأفادت الأبحاث التي أجريت في معهد " جونز هوبكنز " الأمريكي أيضـًا أن الأشخاص الذين يتناولون الملفوف والقرنبيط والبروكولي بانتظام أقل عرضة من غيرهم للإصابة بالسرطان ، بسبب احتوائها على الفيتامينات والمعادن ، إضافة إلى مادة " سيلفورافان " التي تعيق آليات تحول الخلايا الطبيعية إلى سرطانية .
ويعتبر القمح الكامل من أجود أنواع الأغذية لسهولة هضمه وغناه بالألياف التي أثبتت البحوث أنها تقي من الإصابة بأمراض القلب وسرطان القولون ، كما ثبت أيضـًا أن السيدات اللواتي يتناولن كميات مناسبة منه أقل تعرضـًا للإصابة بسرطان الثدي ؛ لأن القمح يقوم بدور منظم للهرمونات لتمارس وظائفها دون حدوث أي خلل أو اضطراب .

ومما لا شك فيه أن الفاكهة الغنية بفيتامين ( C ) المضاد للأكسدة كالحمضيات والفراولة والتوت والكيوي والخوخ ، وغيرها تساعد أيضـًا في الوقاية من العديد من الأمراض ووجد الباحثون في جامعة " ويسترن أونتاريو " الكندية أن الغذاء الغني بمنتجات التوت البري قد يعيق سرطان الثدي ويمنعه من الانتشار إلى أنسجة وأعضاء أخرى في الجسم فضلاً عن دوره في تقليل خطر إصابة السيدات بالتهابات القناة البولية .

وكانت دراسة نشرت مؤخرًا قد أظهرت أن التوت البري الحمضي يحتوي على مادة كيمائية تمنع بكتريا الفم من التكاثر والتجمع وتكوين الطبقة الرقيقة على الأسنان التي تشجع ظهور التجاويف فيها .
وأكد العلماء في دراسة نشرتها المجلة الأمريكية لعلوم الوباء أن التفاح يساعد في الوقاية من سرطان الرئة ذلك أن المركبات البناتية الموجودة فيه ، والتي تعرف بـ " كويرستين " من مجموعة " الفلافونويد " تتمتع بميزات كثيرة من أبرزها الخصائص المضادة للأكسدة ؛ حيث تمنع تكون " الراديكالات " الحرة المسؤولة عن تلف الخلايا ، وتشجيع نمو السرطان .
وأشار الباحثون الفندلنديون في هذه الدراسة إلى أن الأشخاص الذين أكلوا التفاح بكثرة انخفض خطر إصابتهم بالمرض بحوالي " 58% " مقارنة مع أولئك الذين تناولوه بكميات أقل ، كما بينت وجود انخفاض بحوالي " 20% " في المشاركين الذين استهلكوا كميات كبيرة من الأطعمة المحتوية على " الفلافونويد " التي تشمل التفاح ، والبصل ، الفواكه ، العصائر ، الخضراوات ، والمربات .

وأكد الباحثون في مستشفى " بريتول " الملكي في إنجلترا أن عصير العنب الأحمر يمنع تحول كوليسترول البروتين الشحمي قليل الكثافة LD
أو ما يعرف بـ " الكوليسترول السيئ " إلى شكله المؤكسد الذي يساهم في الإصابة بأمراض القلب وتصلب الشرايين ، كما يساعد في الوقاية من أنواع متعددة من الأمراض السرطانية ، ولا ننسى الفوائد الغذائية والدوائية للبصل والثوم ، فقد أظهرت التجارب الفرنسية التي أجريت عليهما أن هذه الثمار تملك وقاية فعلية ضد سرطان المعدة ؛ لأن الثوم يحتوي على مركبات فسفورية ، والبصل على مركبات الفلافين التي تستطيع إعاقة بعض المراحل التي تسبب ظهور السرطان وتناولت الكثير من الأبحاث الحديثة أهمية فول الصويا الذي يحتوي على هرمون " فيتواستروجين " الذي يساهم في تنظيم وعمل هرمون الإستروجين عند المرأة ، ووفقـًا للدراسة التي نشرها معهد السرطان في هاواي ، فإن فول الصويا لا يقلل خطر الإصابة بسرطان الثدي فحسب ، بل يساعد أيضـًا في تقليل التعرض للإصابة بسرطان الرحم .

وفي نهاية حديثنا عن أهمية النظام الغذائي نقول : أن الباحثين منذ سنوات وهم يحاولون التعرف على العناصر والمركبات التي تدخل في تركيب الأطعمة الواقية ، والتعرف على الآلية التي تُتَّبع لدرء الإصابة بالأمراض ، وقد توصلوا إلى القليل منها فقط ، ولكنهم يأملون في أن يتمكنوا من الكشف عن المزيد من العناصر التي تؤثر بشكل أو بآخر على خلايا الجسم وأجهزته المختلفة .

ومما سبق نخلص إلى أن اتباع نظام صحي معين من حيث مراجعة الأطباء وإجراء الفحوص بصورة دورية وممارسة الرياضة ، وتناول الأغذية المفيدة ، قد يقلل من احتمال الإصابة بالعديد من الأمراض خاصة الخطيرة منها مثل السرطان .
ترجمة وإعداد أحمد الشاهد-اسلام ويب

Post: #529
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:21 AM
Parent: #501

الإجـازة الصيفية.. فرصة لتعليم أبنائنا القرآن
يرددون كلمات الأغاني الصاخبة كببغاوات، ويسبقون الإعلانات وهم يتراقصون على موسيقاها، ويبارون ممثليها في هز الجسم، وترقيق الصوت!
تلك الطاقات الفذة، والقدرات الهائلة، على الحفظ لدى صغارنا، لماذا لا نحسن توظيفها، ونضع مكانها آيات الله، ومحكم قرآنه، بدلاً من التفاهات، وغث المعاني، خاصة أنهم قد حصلوا على إجازتهم الصيفية في مدارسهم، وأصبحوا يعانون من الفراغ؟

يقول الشيخ أحمد عبدالعظيم ـ مدير دار تحفيظ القرآن بمنطقة حلوان ـ : "إن الله سبحانه وتعالى لفت النظر لأهمية حفظ القرآن وتعلمه فقال سبحانه: الرحمن (1) علم القرآن(2) خلق الإنسان (3) علمه البيان (4) (الرحمن).
فلماذا قدَّم الله سبحانه وتعالى تعليم القرآن على خلق الإنسان مع أن المشهود أن الإنسان يُخلق أولاً؟ أليست هذه إشارة إلى أن الإنسان لا يكون إنساناً حقيقياً إلا إذا تعلَّم القرآن؟

ويؤكد الشيخ المحمدي عبدالمقصود ـ واعظ وإمام مسجد ـ هذه الحقيقة فيقول: "إن السلوك السوي للفرد لا يمكن أن يغرس وينمو في شخص لم يخالط عقله وقلبه القرآن الكريم، ذلك لأن القرآن يجمع عليه أمره في الاعتقاد، ويرسخ فيه ملكة الرقابة الذاتية في السلوك، يقول تعالى: يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور19 (غافر)، فيصبح سلوكه قويماً، ومعاملته حسنة".
الصفحة البيضاء : الآثار الإيجابية للقرآن تظهر بصورة أكبر على الطفل لأن الطفل يسهل تشكيله، وتعليمه، وكما قالوا قديماً: "التعليم في الصغر كالنقش على الحجر".

يؤكد هذه الحقيقة الشيخ أحمد عبدالعظيم فيقول: الطفل الذي تلقى القرآن منذ الطفولة، يمتاز في كل أحواله عن الطفل الفاقد لهذا الخير، فالقرآن يعطي قوة نفسية، ومتانة في الأخلاق تظهر في المحن، والابتلاءات.

والقرآن ينشئ العقلية العلمية الموضوعية التي لا تقبل نتائج بغير مقدمات، ولا تخضع إلا للحجة والبرهان، وهو مدرسة لتعلم الفضائل السلوكية، وتجنب القبيح، وكذلك يعلم المرء الدراسة والتخطيط، والاهتمام بالنظر، والتفكر، والتأمل.
ويضيف الشيخ المحمدي عبدالمقصود: حفظ القرآن فائدة للطفل من جميع النواحي، ففي حفظه له استقامة للسانه، وحفظ له من التلفظ بالسوء، كما يرزقه الله به فهماً يتفرد به بين أقرانه ومن في سنه، وتقوى عنده أيضاً ملكة الحفظ، ويتعذر اختراق عقله بأوهام الدنيا.

ويرى محمد عطا ـ مدرس ومحفِّظ بمعهد أزهري ـ أن حفظ القرآن أسهل على الطفل منه على الكبير، على الرغم من أن البعض قد يظن أن حفظ القرآن يصعب على الطفل لعدم استطاعته فهم معظم ألفاظه، لكن هذا ظن خاطئ، "فقد رأيت من خلال تدريسي لتلاميذ المعهد أنهم يستوعبون ويحفظون بسرعة ولا ينسون بسهولة كالكبار ربما لأن ذاكرتهم تكون كالصفحة البيضاء".

القرآن يربي
وتؤكد أم عمر ذلك فتقول: بدأ ولدي حفظه للقرآن منذ أن كان في "الروضة"، وهو الآن في الصف الرابع الابتدائي وبفضل الله أصبح يحفظ أربعة أجزاء، وألاحظ أن هذا الحفظ ساعده على أن يكون ترتيبه الأول في مدرسته، كذلك ألاحظ تلفظه بكثير من الألفاظ باللغة العربية حتى في لعبه مع إخوته الصغار.. وهذا أمر رائع".

وتقول أم بهاء عن ابنها بهاء محمد ـ طالب بالصف الثاني الثانوي ـ: "يحفظ نجلي القرآن كاملاً، وهو يحترم إخوته الكبار، ويعاملني، ووالده معاملة حسنة، وقد تأثر بالقرآن الكريم، فهو هادئ الطبع، حسن الخلق، في لسانه فصاحة، وهو متفوق في دراسته، فقد أورثه القرآن حسناً في أخلاقه، وقوة في لغته العربية، وإتقاناً لعبادته، وحباً للطاعة".

هذا على مستوى المدرسين وأولياء الأمور.. فماذا يقول الأبناء؟
يقول الطفل مصطفى عبدالسلام ـ طالب بالصف الأول الإعدادي ـ أحفظ والحمد لله 23 جزءاً من القرآن، وأمي هي التي تحفظني القرآن، وأحفظ في اليوم ربعاً من القرآن أسمِّعه لأمي خمس مرات، وبهذه الطريقة حفظت سورة "البقرة" في 20 يوماً، ولا أجد أي صعوبة في الحفظ، فأنا والحمد لله من الأوائل في الفصل، وأحب جداً دخول المسابقات، وعندي الكثير من الهدايا التي أخذتها من مسابقات حفظ القرآن الكريم.

ويقول أحمد قدري أحمد ـ الصف الأول الابتدائي ـ يحفظ أربعة أجزاء ـ كل يوم أذهب لجدي ليحفظني، وأبي يراجع لي، والحمد لله، أنا في الدراسة من الناجحين كما أساعد أمي في المنزل، فأحمل أخي الصغير، وألعب معه.
أما محمد سيد محمود فيحفظ 14 جزءاً من القرآن، ويؤكد أن حفظ القرآن جعله من الأوائل في مادة اللغة العربية، وكذلك ساعده على سرعة استيعاب المواد الدراسية لأنه أصبح يستوعب بسهولة ويسر.
ويقول أخوه محمود ـ طالب بالصف الثاني الإعدادي ـ: أحفظ 24 جزءاً من القرآن، وللقرآن أثر كبير في حياتي، فبه أعامل أهلي وإخوتي وأصدقائي، وبه كسبت احترام الجميع.

دور الوالدين :
برغم الآثار الإيجابية والأمثلة الطيبة للقرآن في تنشئة الأطفال، فإن الكثير من الآباء والأمهات ـ للأسف ـ لا يوجهون أبناءهم لحفظ القرآن، ولا يستثمرون الإجازة الصيفية في ذلك، بل يفضلون أن يقضي الطفل وقته أمام التلفاز، أو تبديد الوقت في أي شيء.

يرى الشيخ المحمدي أن أعداء الإسلام لجأوا لصرف المسلمين عن دينهم عن طريق صرفهم عن القرآن، حتى أصبحت صورة حامل القرآن صورة لا يرجوها الآباء لأبنائهم! ففطن من المسلمين من فطن إلى ذلك الأمر، واتجه غيرهم إلى الأندية والملاعب، كوسيلة لتسلية الأبناء، وهؤلاء يحرمون أبناءهم، وأنفسهم بركة القرآن والتنشئة عليه، فيكون أبناؤهم وبالاً عليهم لأنهم تربوا بلا رادع رباني، أو مقوم إلهي. ولابد من أن يتذكر كل أب وأم قول الرسول ص: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ـ منهم ـ: ولد صالح يدعو له"، وهذا شرف عظيم يناله من حمَّل ابنه القرآن، ولا بد من أن يعي ذلك المحفظون والمعلمون".

دور الأم مهم في توجيه أطفالها لحفظ القرآن، ويقول د. قاسم إسماعيل علي ـ المدرس بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر ـ: "على الأم تشجيع ابنها على حفظ القرآن، والذهاب للمسجد وتحبيبه في كتاب الله وتلاوته بالأحكام، وأن تصلي به ، وأن ترغبه في حفظه بهدايا، وجوائز نافعة".
مجلة المجتمع/نادية عدلي ، نهاد الكيلاني

Post: #530
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 00:23 AM
Parent: #501

إن القصة الإسلامية المعاصرة لم تقصر دور المرأة على تربية الأبناء والاهتمام بشؤون البيت وإن كانت هذه المهمة من أعظم المهام التي لا تصلح لها إلا المرأة، وهي بحد ذاتها لا يجيدها غيرها، وتتناسب مع ما خصها الله تعالى به، ومع فطرتها التي فطرها عليها، "ونحن بتأثير الفكر الغربي، والفلسفة المادية نستنقص من دور اجتماعي لحساب دور اجتماعي آخر، فالذي يُصلح سيارة أو يقيم بناء نُجِلُّ دوره بالقياس إلى دور الأم التي تعكف على طفل صغير تربيه، وتهبه المشاعر الإنسانية لترفعه من مرحلة الحيوان إلى مرحلة البشرية كياناً بشرياً، متوازن العقل والعواطف والمدارك".

والمرأة في القصة الإسلامية ليست بالطبع هي فتاة الغلاف التي يرى منها الناس مظهر للأنوثة الصارخة، ولا هي أيضاً المرأة التي أنتجوا لها الألوان والأصباغ والأزياء - وحتى القيم - إلى حد يستهلك وقتها، ويقتل عمرها!! ولا هي التي وضعوا لها قواعد تجميل الوجه، وجمال الأنف، وتصفيف الشعر وصبغ الأظافر، وتذجيج الحواجب!!

سر الاشتغال المشبوه بقضايا المرأة

إن الذين وراء الاشتغال المشبوه بقضايا المرأة - كما حدد أستاذنا الأديب الإسلامي إبراهيم عاصي في كتابه "همسة في أذن حواء" - واحد من اثنين:
"الأول: تاجر لا يبتغي إلا الترويج لبضاعته، فيتخذ من المرأة وسيلة للدعاية لها، وهو تاجر متطور يتاجر بها صحفياً على أوراق المجلات والجرائد، أو يتاجر بها أدبياً في القصص والروايات، أو يتجار بها شهوانياً في كثير من الأفلام والمسرحيات، أو يتاجر بها إعلانياً، وفي عروض الأزياء!
والآخر: فاجر يسعى عن سابق تصميم وتصور، وذلك بتحطيم القيم، وقلب المفهومات، وإشاعة الفاحشة، وفضح المستور.

والحقيقة أن التجار والفجّار - على حد سواء - ماضون قدماً بعناد ودأب في تنفيذ خططهم، في اتخاذ المرأة أداة للإثراء الفاحش الحرام، أو وسيلة لتمرير الأفكار والآراء الخبيثة إلى عقول الناس!

وأن المرأة هي التي تدفع الثمن باهظاً قبل غيرها! عنوسة وبواراً، وهبوطاً في القيمة على مبدأ "العرض والطلب" من الناحية المعنوية - بشكل خاص - وذلك كله نتيجة حتمية لسباحتها مع التيار دون أية مقاومة تُذكر، ودون أي حساب للعواقب.

وأن المجتمع برمته - رجالاً ونساء - يدفع الثمن أيضاً: انهياراً أخلاقياً، وقلقاً، وضياعاً، وتفككاً أسرياً، وخواء روحياً".

وما حال المرأة الأوروبية، ومن سارت على نهجها منا ببعيد! وحتى هذه المرأة بدأت تحس بعبء الضياع، وتبحث عن الخلاص، فقد خرجت أعداد كبيرة من الفتيات وطالبات الجامعة في مظاهرة نسائية ضخمة اخترقت شوارع كوبنهاغن عاصمة الدانمارك منذ سنوات هاتفة:
نرفض أن نكون أشياء
نرفض أن نكون سلعاً لتجارة الإباحية
سعادتنا لا تكون إلا في المطبخ
نريد أن تبقى المرأة في البيت
أعيدوا لنا أنوثتنا
إننا نرفض الإباحية

والمرأة في منظار القاص المسلم ليست تلك التي تجوب الشوارع والطرقات، ولا التي تعرض مفاتنها في المجامع والمهرجانات لانتخابها ملكة لجمال الكون أو لجمال الحي والقرية!!
ولا التي تترك بيتها وزوجها وأولادها لتلتحق بعالم الفن أو الوسط الفني - كما يسمونه - لتؤدي رسالة !! (..)هز البطن، أو محادثة الرجال - ولو على الشاشة وأفلام الفيديو- إنها - وبكلمة واحدة - المرأة الإنسان!
الإنسان بنوازعه وعواطفه، بسموه وتدينه، باستعلائه وهبوطه...
ليست مَلَكاً، إنها صنو الرجل، يشتركان أحياناً في كثير من القضايا! أو أحياناً يفترقان كل حسب خصائصه؟! وبذلك تكتمل الحياة. إنه في واقع الحياة من الممكن أن تنحرف المرأة أو تسقط، ولكن القاصّ المسلم لا يتلذذ بهذا الانحراف فيذهب به الخيال ليصورها متنقلة من فراش إلى فراش، ومن حضن إلى حضن، أو يتمادى به التشفي - كما يفعل المعقدون نفسياً وجنسياً من الدخلاء على الأدب والفن والرواية - فيمرغها بوحل الرذيلة، ويلبسها أثواب الدنس.

إنها تسقط، ولكن لحظات السقوط ليست هي مجال الحديث للاسترسال في مسارب الجنس والإثارة!! وابتزاز المراهقين، وإنها لتصحو وقد تكون صحوتها أشد من صحوة الرجل، فيتعلم منها الرجل كيف يكون السمو! وصفحات التاريخ والواقع مليئة بهذه النماذج - وفي كل يوم أفواج جديدة من العائدات إلى الله، وقد عرفن أن الحياة قضايا أهم من الزينة واللباس والتبرج بأنواعه.

في القصة الإسلامية نجد المرأة مهتدية وداعية ومجاهدة مع الرجل، دمها على كفها، كما دمه.. تعرفها ساحات القتال ودروب الجهاد والهجرة..!!
في القصة الإسلامية تواجهنا المرأة دون خداع أو زيف لنسمع منها حديث الفطرة.. الحنين الدائم.. الأنين الذي يمزق القلوب.. لقد تركت الوظيفة العظيمة التي خلقها الله تعالى لها، فوظّفها شياطين الإنس من أبالسة هذا العصر فيما يعود عليهم بالنفع العاجل، ويحقق شهواتهم - وكانت هي الخاسرة!!

تواجهنا المرأة في القصة الإسلامية المعاصرة لتحدثنا عن المعاناة التي مرت بها قبل أن تصل إلى شاطئ الهداية دون أن تجلس على "كرسي الابتذال" كما يريد لها الدخلاء على الأدب فتنشر خطاياها، وتفضح خباياها، أو تسترسل في وصف هدر أنوثتها وكرامتها.
في القصة الإسلامية المعاصرة تلقانا المرأة صاحبة الموقف، الملتزمة بالمبدأ، المدافعة عن عقيدتها، تدعو وهي واثقة مما تدعو إليه، وهي تحس بمسؤولية التبليغ وأداء الأمانة.

نلقاها وهي تواجه التنصير، وتتعرض لشراسته فتجوع وتتشرد أو تموت.. ونذكر أن سمية "المرأة" كانت أول من استشهد في الإسلام.
القصة الإسلامية المعاصرة عالجت مشكلة الفقر.. وانعكاسها على حياة المرأة.. ولكنَّ الحرة تموت، ولا تأكل بثدييها.
وأخيراً فإن من القضايا التي تطرقت لها القصة الإسلامية مشكلة العنوسة التي حاول القاص الإسلامي أن يرصدها من خلال انعكاسها على اللواتي فاتهنَّ قطار الزواج لسبب أو لآخر، مبيناً النتائج التي تحصدها المرأة عندما تكون هي السبب، وغالباً ما نجد تشابهاً إلى حد التطابق الكامل بين واقع العوانس كما هو في الحياة، وبين تصوير القصة الإسلامية لهذه الظاهرة، وتُثبت هذه الحقيقة، وغيرها من الحقائق: أن القاص الإسلامي أكثر معرفة بقضايا الحياة التي تختص بها المرأة، وأصدق تصويراً لها، لأنه يتحدث عنها حديث الإنسان الذي يحترم الإنسان، ويعلم أن المخلوق المكرم بتكريم الله تعالى لها، مثلها كمثل الرجل (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر) (الإسراء:70)

من كتاب (المرأة وقضايا الحياة في القصة الاسلامية المعاصرة).

Post: #531
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-27-2015, 04:15 PM
Parent: #501

عوائق الزواج
تمهيد في الترغيب بالزواج :
إن الزواج مما رغب فيه الكتاب والسنة ، قال تعالى : ( وأنكحوا الأيامى منـكم والصالحين من عبادكم وإمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسعٌ عليم ، وليستعفف الذين لا يجدون نكاحاً حتى يغنيهم الله من فضله ) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه ، قال صلى الله عليه وسلم frown emoticon يا معشر الشباب من استطاع منكم البـاءة فليتزوج فإنه أغضُّ للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ] . متفق عليه .

وعن ابن عباس في تفسير الآية المتقدمة frown emoticon رغبهم الله في التزويج وأمر به الأحرار والعبيد ووعدهم عليه بالغنى ] .
ويروى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه : أطيعوا الله فيما أمركم به من النكاح ينجز لكم ما وعدكم من الغنى قال تعالى: (إنْ يكونُوا فُقراء يُغنهم الله من فضله) .

والزواج يحقق للمجتمع الإسـلامي الاستمرار والبقـاء ، وهو يحقق مقصداً من مقاصد الشريعة التي جاءت لإقامتها في الحياة وهو حفظ النسل .

قال شيخنا الأستاذ محمد الخضر الحسين frown emoticon ... فالإسلام أصلح الصلة بين الرجل والمرأة ، وجعلها بمأمن من أن يلحقهـا وهن ، أو يعلق بها كدر ، وبعد أن أحكم صلة الزواج وهذّب حواشيها حثَّ على الزواج وجعله من سننه .. وإذا نظـرت إلى أن حكمة الله تعـالى قد اقتضت بقاء النسل لإقامة الشـرائع وعمران الكون وإصلاح الأرض ، وأن النسل الصالح لا يبقى إلا بالزواج رأيت كيف كان الزواج وسيلة إلى تحقيق أمور عظيمة أحبّ الله أن تكون، وحبّب للناس القيام عليها. وإذا كنت من علماء الأخلاق ونظرت إلى أن هناك فضيلة يقال لها العفـاف ، وعرفت أن الزواج مما يعين على التحـلي بهذه الفضيلة ، ظهر لك أن الـزواج وسيلة من وسائل الفضائل، وكثيراً ما تأخذ الوسائل حكم المقاصد في نظر الشارع وفي عرف الناس .. أو ليس الـزواج يكسب الرجل رفيقة تخلص له ودّهـا ، وتشمل منزله برعايتها ، ومثل هذه الرفيقة التي تحمل حبه الطـاهر ، وتعمل لتدبير منزله في غير مَنٍّ ولا تبـاطؤ ، ولا تتمثل إلا فيمن تربطه بها صلة الـزواج .. والزواج يكسب الرجل ولداً إنْ يُحسن تربيته كان له قرة عين في حياته ، وذكراً طيباً بعد وفاته .. ومن ذا ينكر أن الولد المهذب من أجَلِّ النعم في هذه الحياة؟ فللزواج مصالح تكثر بكثرته ، وتقل بقلته ، وتفقد بفقده ].

وإذا نظرنا في واقعنا وجدنا معوقات عدة تصدُّ الشباب عن الزواج لعل من أهمها المغالاة في المهور .. هذه المغالاة التي بلغت حداً لا يطـاق في هذه الأيام وبالنسبة لشباب ناشئين .. وتحديد المهور أمر ربما كان نافعاً في بعض المجتمعات، ولكنه ليس كافياً وحده، إنه في أغلب الحالات غير مجدٍ ، ذلك لأن التفاخر في الهدايا والملابس والحليّ يضحى عائقاً أشـدّ وأقسى ، فقد يكون المهر بضع مئـات من الريالات ، ولكن الهدايا والحلي قد تبلغ مئات الألوف .

إذن لا بدّ من عملية توعية وإقناع في أن مصلحة الأمة وأخلاقـها ومستقبلها في رفع كل الحواجز والعوائق التي تقوم في وجه الزواج .. لا بد أن يعـلم الناس أن هذا الوضع الرهيب إن استمر سيهدد أعراضهم وكراماتهم ومستقبل أمتهم .

ولو نظرنا في الواقع العملي للمسلمين في عهد السلف لوجدنا أن الأمر كان أيسر بكثير مما هو موجود الآن .

الصداق في الواقع العملي للسلف

فقد روى مسلم وأبو داود عن أبي سلمة بن عبدالرحمن قال : سألتُ عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم : كم كان صـداق رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قالت : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونشاً . قالت: أتدري ما النشّ ُ؟ قلت : لا. قالت : نصف أوقية ، فذلك خمسمائة درهم .

وعن أنـس بن مالك : ( أن رسـول الله صلى الله عليه وسلم أعتق صفية بنت حيي ، وجعل عتقها صداقها ) أخرجه الترمذي وأبو داود والنسائي وهو طرف من حديث طويل أخرجه البخاري ومسلم.

وأخرج البخاري بسنده إلى سهل بن سعد الساعدي قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله جئت أهب لك نفسي ، قال: فنظر إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فصعَّد النظر فيها وصوَّبه. ثم طأطأ رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه ، فلما رأت المرأة أنه لم يقض فيها شيئاً جلست . فقام رجل من أصحابه فقال : يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها . فقال : وهل عندك من شيء ؟ قال : لا والله يا رسول الله . فقال صلى الله عليه وسلم : اذهب إلى أهلك فانظر هل تجد شيئاً ؟ فذهب ، ثم رجع فقال : لا والله ما وجدتُ شيئاً . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظر ولو خاتماً من حديد. فذهب ، ثم رجع فقال : لا والله يا رسول الله ولا خاتماً من حـديد . ولـكن هذا إزاري - فقال سهل : ماله رداء - فلها نصفه . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما تصنع بإزارك ؟ إن لبستَه لم يكن عليها منه شيء ، وإن لبسَـته لم يكن عليك شيء . فجلس الرجل حتى إذا طـال مجلسه قام ، فرآه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولياً ، فأمر به ، فدعي فلما جاء قال : ماذا معك من القرآن ؟ قال : معي سورة كذا وسورة كذا ، عددها ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:تقرؤهن عن ظهر قلبك ؟ قال : نعم . قال : اذهب فقد ملكتكها بما معك من القرآن .

وأخرج البخاري أن أنساً حدّث بحضور ابنـته فقال: جاءت امرأة إلى رسول الله تعرض عليه نفسها قالت : يا رسول الله ألك بي حاجة ؟ فقالت بنت أنس: ما أقل حياءها .. وأسوأتاه .. وأسوأتاه .. قال : هي خير منك ، رغبت في النبي صلى الله عليه وسلم فعرضت عليه نفسها .

إن هذه الآثار لتدل على أن الزواج في عهد السلف لم يكن على صورته المعقـدة التي جعله فيها الناس اليوم .

الزواج في واقع المسلمين اليوم :

إن الزواج أصبح بالنسبة إلى الشاب الناشىء في كثير من بلاد المسلمين ضرباً من المستحيل ، وقد أثّر هذا الوضع أثراً سيئاً على المجتمع .. إذ جعل نسبة العوانس ترتفع ، وجعل الفساد ينتشر ، والانحلال يتفاقم ، ورغّب كثيراً من الشباب عن الزواج . إنها لمشكلة لا بد أن يعمل لها الداعون، ويواجهها المصلحون .

وليس تحديد المهور وحده كافياً .. لا بد من القدوة الحسنة من أولى الجاه والعلم في الأمة .. يخـطون الخطوة المتقدمة .. والناس أبداً يقلدون الكبراء والوجهاء ..

لا بد من القدوة في إيثار البساطة والتخفيف في الحلي والهدايا والملابس والمهور .

وليعلم الآباء الذين يرون أن في رفع المهور ضماناً لبنـاتهم أن الذي يكره زوجته ويريد طلاقها لا يمكن أن تقف في وجهه مشكلة المال ، لا سيما إذا عرفنا أن المال الآن ميسور .

أجل إن الناس بجهلهم وخضوعهم إلى عادات ما أنزل الله بها من سلطـان وضعوا العوائق والحواجز في وجه الزواج حتى غدا صعباً ، وهذا خطركبير. ولا بد لرجال الفكر من أن ينبهوا إلى المخاطر المذهلة إن استمرت هذه العوائق .

إن كيان المجتمع معرض إلى الانهيار بسبب الفساد العريض الذي يتعاظم يوماً بعد يوم ، وليس الموضوع موضوع المهور .. إن المغالاة في المهور عائق من أشد العوائق في وجـه الزواج ، ولـكنه ليس وحده المسؤول عن مصـاعب الزواج وعزوف الشباب عنه .

عوائق الزواج :

إن علينا أن ندرك أن كل العقبات التي تقوم في وجه الزواج هي معاول هدامة في صرح الفضيلة والخلق والاستقامة والصحة النفسية ، ويستتبع هذا أن نقوم بدراسة الوسائل التي توصلنا إلى إزاحة هذه العوائق جميعاً،فإنّ حل المشكلة يكمن في إزاحة العوائق والاقتناع بضرورة تيسير أسباب الزواج وتسهيلها.

وقد يكون من المفيد أن نعدد أهم هذه العوائق وهي:

1- المغالاة في المهور :

ولقد أدرك سلفنا الصالح خطورة تفاهم هذه العوائق .. فهذا عمـر ابن الخطاب رضي الله عنه، يدرك بثاقب نظره ما يمكن أن يهدد المجتمع من المخاطر والشرور بسبب المغالاة في المهور ، فلقد جاء عنه (رضي الله عنه) أنه قال :" ألا لا تغالوا في صَدُقات النساء ، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله، لكان أولاكم بها نبي الله صلى الله عليه وسلم ، ما علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح شيئاً من نسائه ولا أنكح شيئاً من بناته على أكثر من ثنتي عشرة أوقية " .

ويحسن أن نقف عند أمرٍ أشار إليه سيدنا عمر، وهو ما يحمل كثيراً من الناس على المغالاة في المهور .. هذا الأمر هو التوهم بأن غلاء مهر المرأة مكرمة لها في الدنيا ، فقال : لو كان ذلك كذلك لكان أحـق الناس بهذه المكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الذي تزوج وزوج بمهر لا يتجاوز اثنتي عشرة أوقية .

وأما قصة ردّ المرأة على عمر فهي ضعيفة، أخرجها الزبير بن بكار من وجه منقطع كما قرر ذلك الحـافظ ابن حجر في الفتح ، والمؤسف أن هذه القصـة استغلت استغلالاً سيئاً في وجه دعوة إصلاحية تدعو إلى معالجة الوضع الشاذ .. وهي قصة شائعة جداً ، ويبدو أن للقصاص والوعاظ دوراً في إشاعتها ونشرها ، كمـا يبدو أن هناك جانباً مشوّقاً فيها وهو الموقف البطولي في القصة سواء من جانب المرأة إذ ردت امرأة على الخليفة ، وإنها لجرأة عظيمة ، أم من جانب الخليفة إذ رجـع عن رأيه وأعلن ذلك على الناس وهو لو صح أمر عظيم ، وكذلك فإن لكتب التفسير التي أوردتها دون تعليق عليها دوراً في إشاعتها ونشرها .

وإن كانت المغالاة في المهور غير محظورة لأدلة ذكرها الفقهـاء والمفسرون ، من ذلك أن الله تبارك وتعالى مثّل بالقنطار في المهر ( وآتيتم إحـداهن قِنطـاراً فلا تأخذوا منه شيئاً ) [النساء:20] . قال القرطبي في تفسير هذه الآية frown emoticon فيها دليل على جواز المغالاة في المهور لأن الله لا يمثل إلا بمبـاح ] ، أقول : وليس كل جـائز مستحسناً ، ولا كل مباح مُرغَّباً فيه بل لقد رأينا أن سيدنا عمر (رضي الله عنه) ذهب إلى منعه لأن فيه ضرراً واضحاً . وإذا تحوّل الأمر المبـاح إلى شيء ضـار أضحى غير مباح كما هو مقرر عند العلمـاء .

إن هذه المغالاة تحمل معنى غير كريم بالنسبة للمرأة ، إن المرأة ليست سلعة تباع وتشرى ، والمهر أمر رمزي قرره الإسلام وأوجبه لمصـالح عدة ليس المجال الآن مجال بحثها .. وقد سمعت طرفة أكدها من رواها لي ، وفحواها أن رجـلاً خطبت بنته ، ووافق على الخاطب لأنه مناسب ، وأبدى الخاطب استعداده لدفع مبلغ معقول معتدل مهراً ، فإذا الأب يعترض ويرفض هذا المبلغ ، فظـن أنه استقل المبلغ وأنه يريد أكثر .. ولكنه تبيّن أن الأب يرى أن هذا المبلغ كبـير ، وأنه يرضى بنصف ما دفع وقال مفسراً له موقفه المستغرب هذا: يا بني إن المرأة إنسان كريم لا يباع ولا يشرى ثم أردف قائلاً : وأنا يا بني عندي عدة بنات ، فإذا تسامع الناس الطيبون المقلون بهذا المهر ابتعدوا عني ولم يأت إلا الموسرون، وربما كان فيهم من لا أرضاه زوجاً لبنتي. وهذا موقف العقل والحكمة والدين .

2- المبالغة في الهدايا والحلي والثياب والولائم :

فإنك لترى الزوج يتفاخر بالمبالغة بالهدايا ، فقـد يقدم عدة هدايا تبلغ كل واحدة منـها عشرات الألوف أو مئات الألوف . وكذلك الملابس فبعض الناس يشتري ثوباً بستين ألفاً ، وربما لا يلبس إلا مرة أو مرتين، وكذلك الولائم التي تذبح فيها الذبائح الكثيرة ولا ينتفع من لحومها وطعامها إلا قليل من الناس وتلقى بعد ذلك في القمامة .

لا بد من فصل هذه الأمور عن الزواج ولا بد من التقليل فيها ؛ لأنها سرف منكر بل ربما كانت سفهاً ملوماً .

3- سيطرة العادات البالية والأعراف الباطلة على الناس ، وذلك مما يعوق الزواج ويكبل كلاً من الفتى والفتـاة ، كأن يحمل العرف الفتى على الزواج ممن لا يحب رعاية لأقوال الناس وكلامهم .

4- تحكم النزعة المادية : فلا يزوج الرجل إلاّ إن كان غنيـاً موسراً ، ولا يرغب بالفتاة الفقيرة .وكم سمعنا من أنباء إخفاق الزواج الذي يقوم على المصلحة ، وكم رأينا ناساً تزوجوا فقراء فأغناهم الله من فضله .

5- طول مدة الدراسة التي تصرف الشباب والشابات عن الزواج، والعجب كل العجب أننا نمشي وراء الغرب في بعض الأمور ، ونرفض السـير وراءه في أمور أخرى نافعة ، إنه شركة إذا تم الاتفاق على إقامتها فليس للسفاسف أن تحد منها. إني أعرف حادثة بطل الزواج فيها من أجل المهر بعد أن اتفق الطرفان الطيبان على كل شيء .
فإلى إصلاح هذه المفاسد ندعو العلمـاء والوجهاء والآباء والأمهات والله يتولى الجميع بالتوفيق والسداد
ــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب (( نظرات في المرأة المسلمة )) بتصرف

Post: #532
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-28-2015, 09:46 AM
Parent: #531

إنّ حب الأولاد ، والرغبة في الاستكثار منهم ، أمرٌ مغروس في النفس البشـرية ، فترى الإنسان يبتهج لقدوم الولد ، ويسعد لسعادته ، ويحس بوجوده بمعنى الحياة ، ويتقوى بالولد ويعتز ويمنّي نفسه بالمستقبل الزاهر ، والعزّ الضخم والجاه العريض. قال تعالى: ( زُين للناس حُب الشهوات من النساء والبنـين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المُسومة والأنعام الحرث ، ذلك متاع الحياة الدنيا)

فالأولاد من متاع الدنيا، وهم زينة الحياة الدنيا. ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا ) ا لكهف46 ويدعو بعض الباحثين حبّ البنين والرغبة في الاستكثار منهم بـ"غريزة الامتداد في الذراري والأحفاد ) وذلك لأن آمال الإنسان تضيق عنها الستون أو السبعون من السنين ، فيتطلع المرء إلى أن يخلفه ابنٌ ينسب إليه فيحيي ذكره، ويمتد بالحياة بسببه ولو كان في عالم الأموات ، وهذه الغريزة يستوي فيها الناس جميعاً فقيرهم وغنيهم. وهي من نعم الله التي امـتن بها على عبـاده فقال : ( واتقوا الله الذي أمدكم بما تعلمون . أمدكم بأنعام . وبنين وجنات وعيون ) الشعراء: 130 . وإمتنَّ بها على بني إسرائيل فقال : ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرًا ) . الإسراء: 6.

والإسلام دين الفطرة يحرص على إبقائها نقية خالصة ، لا تشوبها شائبة ، ولا يعكر صفوها دخيلٌ ، وهو في الوقت ذاته لم يصادم الغرائز ، ولكنه يرتقي بها ويوظفـها لتكون في خدمة المُثل، ومن أجل بناء الفرد الصالح والبيت الصالح والمجتمع الصالح.
وقد دعا إلى الوفاء والبر عامة ، وخص الوالدين بمزيد من الأمر بالوفـاء لهما والبر بهما ، رعاية لهما في حالة شيخوختهما وضعفهما .
هذا الموضوع يتجلى فيه بوضوح الإحكامُ _ الرائع الذي تميزت به شريعة القرآن_ فلم يهمل جانباً ، ولم يُسرف في جانب . وللنظر بإيجاز إلى معالم هذا الموقف الرباني العظيم .

من حقوق الابن على الأب
طالب الإسلام المكلف الذي سيكون أباً بتقدير الأبوة حق قدرها قبل أن يتزوج ، ورغَّب إليه أن يتخير الزوجة الصالحة . فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ تنكح المرأة لأربع : لمالهـا ، ولحسبها ، ولجمالهـا ، ولدينها ، فاظفر بذات الدين ، تَربت يداك ] . رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي. ورواه أحمد عن أبي سعيد الخدري بلفظ : تنكح المرأة على إحدى خصال: لجمالها ومالها وخلقها ودينها ، فعليك بذات الدين تربت يمينك .

وقد أثبتت البحوث العلمية أن الجنين تنحدر إليه بعض الصفات الخلقية والنفسية من ناحية الأبوين ، وأنه ينطوي عليها اضطرارياً ، وقد يبلغ الجد الرابع ، فالعرق دساس ، والوراثة أمر محقق علمياً .
ومن طريف ما سمعت أن رجلاً كان يشكو لصديقه عقوق ولده ، وسوء معاملته ، ودناءة طبعه فقال : لا تلُم أحـداً .. لكن توجه باللوم إلى نفسك ، لأنك لم تتخير أمه . وقديماً قيل : كادت المرأة أن تلد أخاها .
وهنا تأتي الاستشارة والاستخارة بعد البحث والتخير ، ولا يجوز أن يغامر الفتى في هذا الأمر بسرعة دون أن يستشير أهله وذوي المعرفة ، ويستخير الله تعالى .

وإذا كان ذلك مطلوباً في الماضي فإن طلبه الآن أشد تأكداً ، لأن ممارسة المرء لحقه في الطلاق كانت في الإطار الإسلامي المشروع ، أما الآن فقد أضحى الأمر مختلفاً، وغدا التسرع في الإقـدام على هذه الخطوة - دون بحث واختيار ، واستـشارة واستخارة - ، ورطة تجلب الشقاء والتعاسة ، وتوجب الندم ، ولات ساعة مندم .
ثم بعد أن يُولد أوجب الشرع على والده المحافظة على حياته ذكراً كان أم أُنثى ، وحرم قتله فقال تعالى:( لا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقهم وإياكم ) ا لأنعام151 وقال : ( ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن نرزقكم وإياهم ) الإسراء:31 ، فحرم القتل من الفقر القـائم ، أو خشية الفقر المتوقع ، وتكفَّل جل وعز برزقهم ورزق الآباء .
وقد روى البخاري عن عروة أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمتحن من هاجر إليه من المؤمنات بهذه الآية : ( يأيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على ألا يشركن بالله شيئاً ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم ) الممتحنة:12.
قال عروة : قالت عائشة فمن أقر بهذا الشرط من المؤمنات قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : بايعتـك كلاماً ، والله ما مست يدهُ يد امرأة في المبايعة قط ، ما يبايعهن إلا بقوله قد بايعتك على ذلك .

ثم أمر الإسلام الأب أن يُحسن تسميته، وأوجب رعايته والقيام بشؤونه من إرضاع وكسوة ، وكل ما يحتـاج إليه قال تعـالى : ( والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يُتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهـن وكسوتهن بالمعروف ، لا تُكلَّف نفس إلا وسعها لا تُضـار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك ) البقرة:233 .

ثم أوجب عليه الشرع أن يربيه التربيـة الفاضـلة فيعلمه ما يجب عليه من أمور دينه، ويأمره بالصلاة لسبع ويضربه عليها لعشر، ويفرق بينه وبين إخـوته في المضـاجع ، ويحـذره من التهـاون في حقه ، ( يوصيكم الله في أولادكم ) النساء: 11 .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ كفى بالمرء إثماً يضيع من يعول ] . رواه الحاكم.
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : [ إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ أم ضيع ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته ] . رواه ابن حبان.
وعن ابن عمر أنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : [ كلكم راع ومسؤول عن رعيـته ، الإمام راع ومسؤول عن رعيـته ، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته ، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها ، والخادم راعٍ في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته ] . رواه البخاري ومسلم.

وقد يتعارض الحب والحنان مع المسؤولية والتربية ، وهنا يأتي التحذير من الضعف أمام الواجب ، والاستسلام للعاطفة ، ونسيان المصلحة الكبرى .
إن الدواء قد يكون مُرَّاً ، فإذا غلبت النظرة السطحية ، وامتنع عن تناوله تفاقم المرض وصعب الشفاء ، وقد ينتهي إلى الهلاك، وكذلك إجـراء العملية الجراحية لاستئصال عضو مؤلمة أشد الإيلام ، ولكن يتحمل العاقل آلامها لينـعم بالراحة والشفاء فيما بعد .
والأنبياء فُطروا على حب الأولاد ، وابتغاء الخير لهم ، شأنهم في ذلك كشأن الناس فهذا نوح عليه السلام قد عقّه ابنه بالكفر ، وعانده ، ولم يستجب لدعوته، وركب رأسه متحيزاً إلى فئـة الكفر ، لكنه عندما أراد عليه السـلام أن يركب السفينة تحركت في نفسه عاطفة الأبوة قائلاً -كما يذكر القرآن -( ونادى نوح ابنه وكان في معزل يا بُني اركب معنـا ولا تكن مع الكافرين . قال سآوي إلى جبل يعصمنى من الماء قال : لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ) هود:42

ويبدو أن الحزن خامر قلب الوالد الرؤوف الرحيم على فلذة كبده ، وهو يراه من الهلكى المغرقين ( ونادى نوح ربه فقال رب ان ابني من أهلي ، وإن وعدك الحـق وأنت أحكم الحاكمين . قال يا نوح إنه ليس من أهـلك إنه عمل غير صالح ، فلا تسألن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) هود:45-46 . وسرعان ما آب الأب إلى الحق مستـغفراً ، ولجأ إلى الله تائباً ( قال رب إني أعوذ بك أن أسالك ما ليس لي به علم، وإلا تغفر لي وترحمني أكُن من الخاسرين) هود:47 لا يجوز أن تغير العاطفة حقيقة العلاقة بين المسلمين ، فابن نوح ليس من أهله ، لأنه عمل عملاً غير صالح ، فالأهـل - عند الله تعالى وفي دينه وميزانه - ليسوا قرابة الدم ، وإنما قرابة العقيـدة . وهذا الولد لم يكن مؤمناً ، فليس إذن من أهله ، وهو النبي المؤمن .

وهذا إبراهيم عليه السلام عندما سمع إكرام الله وتبشيره إياه بإمامة الناس ، أراد أن تكون هذه الإمامة في ذريته ، فجاء التقرير الرباني على نحو ما نقرأ في كتاب الله :
( وإذ ابتـلى إبراهيمَ ربُّه بكلمات فأتمهن ، قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذُريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) البقرة:124 .
وكذلك فإن سيدنا إبراهيم عليه السلام عندما كان يدعو ربه كان يشرك أولاده معه في هذا الدعاء : ( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبنيَّ أن نعبد الأصنام ) إبراهيم: 25.

إزاء هذا الفيض من العاطفة ، والسيل المتدفق من الحنان، والميل الشديد لاسترضاء الأولاد ، وإدخال السرور عليهم وقف الإسلام وقفة المذكر المنبـه الكابح، إذ إن هذا الحنان وهاتيك العاطفة قد تنسيان الأب مهمته في التوجيه والتربيـة ، فينقلب عندئذٍ إلى منفّذ لأوامر أطفال صغار ، ومسارع في تحقيـق رغبات هؤلاء الذين لا يعرفون من الحياة شيئاً ، ولا يدرون ما ينفعهم وما يضرهم .
إن كثيراً من أجيال المسلمين اليوم في عدد من بلاد الإسلام لم يجدوا في والديهم إلا الحنان المحض أو الإهمال اللامبالي .. من أجل ذلك تجد في صفات كثير من مسلمي اليوم الميوعة والضعف والانهزامية واللامبالاة .

وعندما كان الرجل في سابق الأيام مسيطراً على البيـت ، كانت شدته وصلابته تخففان من لين الوالدة ، وتكفكفان من تدليلها الأولاد . أما بعد أن استنوق الجمل في كثير من الأوساط ، وأصبح الرجل في بيوت هذه الأوساط لا مهمة له إلا القيام بالخدمات ، وجلب الأغراض والحاجيات ، ودفع الفلوس والنفقات ، ولم يعد يملك من أمر بيته إلا اليسير التافه ، كان هذا الجيل المائع المنهار .

تنبه أيها الأب !!
كان الإسلام في أحكامه وتشريعاته محذراً الآباء ومُنبهاً إياهم إلى أمور :
1. منها أن البنين وإن كانوا هم زينة الحياة الدنيا إلا أن هناك ما هو خير منهم .. هناك الباقيات الصالحات ، قال تعالى : ( المالُ والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خيرٌ عند ربك ثواباً وخيرٌ أملاً ) الكهف:46 .
وتشرح آية أخـرى هذا الأمر على النحو الآتي : ( زين للناس حُب الشهوات من النسـاء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومّة والأنعـام ، والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حُسن المآب. قُل أؤنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا عند ربهم جنـات تجري من تحتـها الأنهار خالدين فيها وأزواج مُطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد ) آل عمران:14-15 .
فالجنات والأزواج المطهرة والرضوان من الله خير من كل تلك الشهوات التي كان منها شهوة البنين .
وجاء في كتاب الله تعالى التنبـيه على يوم القيامة بالخصوص ، ذاك اليوم الذي لا ينفع هؤلاء الأولاد آباءهم شيئاً : ( يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ) الشعراء: 88-89 .
إن الأولاد لا يقربون إلى الله زُلفى إن لم يكن هناك عمل صالح : ( وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زُلفى ) سبأ:37 .
إن الميزان يوم القيامة ميزانٌ لا يعبأ بما تعـارف عليه الناس في دنيـاهم من روابط وعلاقات وقيم ، وإن المـرء لا ينفعه في ذاك اليوم الرهيب إلا ما قدّم من الأعمال الصالحة : ( لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيـامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير ) الممتحنة: 3.

2. التهديد الشديد ، والوعيد المخيف لمن يقـدم أولاده في المحبة على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم والجهاد في سبيله ، قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباؤكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان، ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون . قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجـكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارةٌ تخشون كسادها ومساكنُ ترضونها أحب إليـكم من الله ورسوله وجهـاد في سبيله فتربصـوا حتى يأتي الله بأمـره والله لا يهـدي القوم الفاسقين ) التوبة:23-24. وإنه لتهديد يخلع القلوب ويذهب بالألباب .

3. التحذير من فتنة المال والأولاد ، والتحذير من أن تلهي المـرءَ أموالُه وأولاده عن ذكر الله ، فقد ينتهي المرء أحياناً إلى الكفر بسبب ولده .. قد ينتهي إلى المعصية والتقصير والتقاعس عن القيام بالواجب .
وقد رأينا في واقعنا ناساً كانوا طيبين ، حملتهم عاطفة المسايرة لأولادهم على تأييد الباطل ضد الحق ، ونصرة الكفرة على المسلمين ، لأن أولادهم قد ضلوا عن سواء السبيل ، وانحازوا إلى جانب الانحراف .
وقص الله تبارك وتعالى علينا في قصة موسى مع العبد الصـالح ، فقال عز وجل : ( وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين فخشينا أن يُرهقهما طُغياناً وكفراً فأردنا أن يُبدلهما ربهما خيراً منه زكاةً وأقرب رحماً ) الكهف: 80-81 .
لقد حذرنا الله سبحانه من الانسياق وراء الأولاد ، متخطين حدود الله ، فذكر أن منهم أعداء فقال : ( إن من أزواجكم وأولادكم عدواً لكم فاحذروهم، وإن تعفوا وتصفحواوتغفروا فإن الله غفور رحيم . إنما أموالـكم وأولادكم فتـنة والله عنده أجـرٌعظيم ) التغابن: 14-15.

فالأزواج والأولاد قد يكونون مشغلةً وملهاةُ عن ذكر الله ، كما أنهم قد يكونون دافعاً للتقصير في تبعات الإيمان . والمجـاهد في سبيل الله يتعرض لخسـارة الكثير وتضحية الكثير ، كما يتعرض هو وأهله للعنت ، وقد يتحمل العنت في نفسه ولا يحتمله في زوجـه وولده فيبـخل ويجبن ليوفر لهم الأمن والقرار أو المتاع والمال، فيكونون عـدواً له ، لأنهم صدوه عن الخير، وأعاقوه عن تحقيـق غاية وجوده الإنساني العليا ، وقد اعترف بعض المتقدمين بأن الذي زين له القعود عن الجهاد والحرب بناته الضعيفات ، فقال :
لقد زاد الحياة إليّ حبــــاً بناتــي إنهنّ مــن الضعافِ
أحاذر أن يرين الفقر بعــدي وأن يشربن رنقـاً بعـد صافِ
وأن يعرين إن كُسي الجـواري فتنبو العيـن عـن كرم عجافِ
أبانا مَن لنا إن غبـت عنـّـا وصار الحيّ بعدك في اختلاف
ولولا ذاك قـد سومت مُهري وللرحمن في الضعـاء كـاف

وحذرنا جل جلاله من أن تلهينا أموالنا وأولادنا عن ذكره سبحانه ، وعدّ من يفعل ذلك خاسراً ، فقال : ( يأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله، ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ) المنافقون: 9 .
وإننا لنبصر في واقعنا حال كثير من هؤلاء الآباء الذين تلهيـهم أموالهم وأولادهم عن ذكر الله كيف يخسرون الهدوء والطمأنينة ، والراحة والسعادة ، يخسرون ذلك في سن الشباب والكهولة ، ثم هم بعد أن تتقدم بهم السن لا يستطيعون أن يتنعموا بالأموال التي جمعوها ، وقد ينساهم أبناؤهم ولا يلتفتون إليهم .

سمعت أن واحداً من هؤلاء الساقطين من الأبناء حمل أباه إلى مأوى العجزة لكيلا يضايقه أو يزعج زوجته ، وأعرف آخر أرسله أبوه إلى ديار الغرب ليدرس ويعود، وكان يؤثره بالمبلغ الذي يطلبه ، ويؤثره على نفسـه ودوائه وطعامه ، فلما تخرج تزوج من تلك البلاد واستقر هناك .. ولم يأت ليرى أباه على فراش المرض يودع الحياة . أيّ خُسران في الدنيا أكبر من هذا ؟!! وأما في الآخرة فإنهم صائرون إلى عالم الغيب والشهادة ، شديد العقاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون .

د. محمد لطفي الصباغ-اسلام ويب

Post: #533
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 00:17 AM
Parent: #532

في ليلة من ليالي الصيف المقمرة .. عاد الفارس المجاهد بعد ثلاثين سنة من الجهاد .. وقد ترك زوجه العروس تحمل بين أحشائها جنينًا . تلفّت الفارس يمنًة ويسرًة محاولاً استعادة ذلك البيت الذي يضم زوجه ووليده ، الذين لا يعرف عنهما شيئًا .
لقد تغيّرت معالم مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذي قبل ، وكَثُر فيها سواد الناس ، لا أحد يحفل به وهو في طريقه إلى داره ، بل لا أحد يهتم لعودته بعد طول غيبته ، ولكن هل يذكره أحد ؟!
هل يتذكر أحد ذلك الفارس المجاهد الذي ما إن سمع نداء الجهاد حتى أسرع ملبيًا ، تاركًا زوجه الحامل ، والتي لا تزال عروسًا لم ينقضِ على عرسها غير أشهر معدودات .

ثلث قرن والفارس ينتقل مع جيوش المسلمين من فتح إلى فتح ، ومن نصر إلى نصر ، لا يكاد يهزه حنين إلى زوجه وولده ذكرًا كان أم أنثى .
لقد كان انتظار الزوجة له حتى انقطع في عودته الرجاء ، والناس مختلفون في مصيره ، ومع طول المدة و انقطاع الأخبار ، ترجَّح في نفس الزوجة والجميع استشهاد الفارس المجاهد ، مضى الفارس إلى حيث تعَّرف على موضع داره ، ألجمته الدهشة فلم يطرق بابها ، ومن ذا يرده عن داره ؟! دخل الفارس الدار ، فإذا برجل في الثلاثين من عمره ينقض عليه انقضاض الأسد على فريسته ، إذ كيف لهذا الشيخ بسيفه ورمحه أن يلج الدار معتديًا على من فيها من محارم ، احتدم الأمر بين الرجلين ، يدفع الشاب الشيخ ذائدًا عن حرماته المستحلة ، والشيخ يقسم أن الدار داره ، يرتفع صوت الرجلين فيفزع الجيران محيطين بالشيخ إحاطة السوار بالمعصم ، مدافعين عن جارهم الشاب ، والشيخ يحاول أن يذكرهم بنفسه ولا أحد يعرفه ، أو يصدّقه ، يصل الضجيج إلى حيث الأم النائمة ، تستيقظ على جلبة بين الرجال ، تنظر من أعلى البيت ، يا لهول ما رأت .

لم تكد تصدق عينيها ، أعادت النظر مرة ثانية لعلها تستوثق مما رأت ، إنه فّروخ زوجها الفارس المجاهد بشحمه ولحمه منذ وقعت عيناها عليه ، آخر مرة منذ ثلاثين عامًا ، لقد تذكرت على الفور يوم ودَّعها موصيًا إيّاها خيرًا ، مذكِّرًا إيّاها أنه قد خلَّف لها ثلاثين ألف دينار هي غنائمه من جهاده قبل أن ينال حريته من قائده الصحابي الجليل الربيع ابن زياد الحارثي ، لا زالت تذكر كلماته : " صونيها - أي الثلاثين ألف دينار- وثمريها ، وأنفقي منها على نفسك ووليدك بالمعروف حتى أعود إليك سالمًا غانمًا ، أو يرزقني الله الشهادة التي أتمناها " ، نزلت الأم ولا يزال رنين كلمات زوجها كما لو كان لتوه ، أمرت الجميع أن يتفرقوا شاكرة لهم حسن صنيعهم ، فإنما الرجل فرّوخ زوجها ووالد جارهم الشاب .

لم يتمالك الرجلان نفسيهما فأكب كل منهما على الآخر معانقًا إياه ، والابن يجثو على يد أبيه يلثمها معتذرًا فرحًا - لقد اختلطت المشاعر عند كليهما ، وتقاطرت الدموع منهما ، فرحًا بلقاء لم يكن في حسبان أحدهما أو كليهما ، جلست الزوجة إلى زوجها يحدثها عن مسيرة ثلث قرن من الجهاد مع جيوش المسلمين ، مبينًا لها سبب غيبته وانقطاعه ، ظل الفارس يتحدث ولكن الزوجة كانت في هواجس أخرى ، تحاول أن تجد إجابة مرضية لزوجها إذا سألها عن ذلك المبلغ الذي تركه على أن تثمره وتنفق منه بمعروف ، إنها تحاول أن تعثر على إجابة لا تغضبه ، ولكن كيف ؟ ها هو يسألها وهي تتشاغل عنه ، هل تخبره أنه لم يعد من الثلاثين ألف دينار شيء ، أيقنعه أنها جميعًا أنفقت على تعليم ولده وتأديبه ؟ وأي علم ذلك الذي يستغرق كل هذا المال ؟! ، أيصدق أن ولده سخي النفس كريم الطبع ، لا يكاد ينقطع عن النفقة في كل وجوه الخير والبر ؟

وبينما هي في خواطرها المتسارعة ، والتي قطعت عليها فرحتها بشمل جمعه الله بعدما ظنت كل الظن ألا يتلاقيا ، وبينما هي كذلك إذ قطع عليها تفكيرها بقوله : " لقد جئتك - يا أم ربيعت - بأربعة آلاف دينار ، فأخرجي المال الذي أودعتك إياه ، نشتري به عقارًا أو بستانًا نعيش من غلته ما بقيت بنا الحياة ، حاولت الزوجة أن تتشاغل عنه ، فلم تجبه ولكنه ألحّ في الطلب - إنها تخشى غضبته ، فيما لو عرف الحقيقة ، فماذا تفعل ؟ ردت في حكمة وثبات : لقد وضعته حيث يجب أن يوضع ، وسأخرجه لك إن شاء الله ، هنا انطلق صوت المؤذن لصلاة الفجر ، فقطع حديثهما ، وهَمَّ بالخروج إلى المسجد متسائلاً عن ربيعة ، ولكن ربيعة كان قد سبقه إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يخالجه شوق إلى روضة المصطفى صلى الله عليه وسلم ، ويدفعه حنين ثلاثين سنة عاشها مجاهدًا ، بعيدًا عن مدينته صلى الله عليه وسلم ، وها هو يؤدي الصلاة ثم يجلس في الروضة الشريفة ، يملأ نفسه وعينه بذكر وصلاة ودعاء طالما اشتاق إليه في هذا المكان ، وها هو يخرج من المسجد ، ولكن ساحة المسجد تغص بالناس ، فلم يعد فيها موطأ لقدم .

الكل يتحلق حلقة في إثر حلقة حول شيخ مهيب ، لم يتبين ملامحه لبعده عنه ، ولكن بيان الشيخ يأخذ باللبيب ، إذ ينثال على الشفاه علم متدفق يدل على حافظة واعية ، لا تكاد تغيب عنها شاردة ، لقد أدهش الرجل خضوع الناس بين يدي الشيخ ، وتزاحمهم عليه وإحاطتهم به ، واندفاعهم خلفه بعدما ما أنهى حديثه ، دارت برأس فرّوخ أسئلة كثيرة إذ من يكون ذلك الشيخ الشاب الذي عليه كل ذلك الوقار ، والذي يُشيَّعُ ممن حوله بكل ذلك الإجلال ؟ بادر الفارس العائد إلى رجل يجلس إلى جواره يسأله عن ذلك الشيخ الوقور ، فيعجب الرجل أن أحدًا لا يعرفه ، ويستنكر على رجل من أهل المدينة ، ألا يعرفه ولكنه غياب ثلاثين سنة ، فكيف يتسنى له معرفة شيخ كهذا ، ثم إنه لم يتعرّف ملامحه ، فيعتذر للرجل عن عدم معرفته لطول غيبته عن المدينة ، يعرف الرجل السبب فيعذره لجهله بمثل هذا الشيخ ، ينطلق الرجل معرفًا بالشيخ ، " إن من لا تعرف يا أخي سيد من سادات التابعين ، وعلم من أعلامهم ، وهو محدِّث المدينة ، وفقيهها وإمامها ، رغم حداثة سنه ، ألا ترى مجلسه يضم مالك ابن أنس وأبا حنيفة النعمان ، ويحيى بن سعيد الأنصاري ، والأوزاعي ، والليث بن سعد وغيرهم كثير ، وهو فوق ذلك ذو تواضع جم ، وكف أندى من السحاب ، فما عُرف أسخى منه نفسًا ، ولا أكثر منه عطاء . يقاطعه فرّوخ ، ولكنك لم تذكر لي اسمه ، رد الرجل ، إنه ربيعة الرأي ، التفت فرّوخ ربيعة ، ولم يكمل حتى عاجله الرجل إنه سمي بهذا الإسم لرجاحة رأيه فيما أشكل على المسلمين مما لم يرد فيه نص قياسًا على ما ورد فيه نص ، اشتاق فرّوخ ليعرف نسب ربيعة الرأي هذا ، فيرد عليه الرجل إن ربيعة الرأي هو ابن فرّوخ المكنى بأبي عبد الرحمن ، وقد ولد بعد أن غادر أبوه المدينة جهادًا في سبيل الله ، فتولت أمه تربيته وتأديبه وتعليمه ، وإن الناس ليقولون إن أباه عاد الليلة الماضية .

هنا تحدرت من عيني فرّوخ دموعٌ لم يعرف لها سببًا ، ولا تزال عبراته تنحدر على وجهه ، حتى وصل إلى بيته ، فسألته زوجه متهلفة عما به ، فيرد الفارس المجاهد " ما بي إلا الخير ، لقد رأيت ولدي في مقام من العلم والشرف والمجد ما رأيته لأحد من قبل " ، هنا تهللت أسارير الزوجة والأم الصالحة الواعية ، فقد حان لها أن تجيب على سؤاله الذي شغلها ، فاغتنمت الفرصة وقالت : " أيهما أحب إليك ، ثلاثون ألف دينار أم هذا الذي بلغه ولدك من العلم والشرف ؟ فيرد المجاهد : " بل - والله - هذا أحب إليّ وآثر عندي من مال الدنيا كله " ، قالت : " إذن فلقد أنفقت ما تركته عندي عليه ، فهل طابت نفسك بما فعلت " ؟! فيقول : " نعم ، وجُزيت عني وعن المسلمين خير الجزاء " .
بمثل هذا الوعي في التربية تسود الأمة ، فهل من أمهات كأم ربيعة في زمن عَزَّ فيه أمثالها ؟ .
ماجدة محمد شحاته-اسلام ويب

Post: #534
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 00:20 AM
Parent: #501

للأم دور بالغ الأهمية في تربية الأطفال خلال السنوات الأولى من أعمارهم لأنها أكثر التصاقاً بالبيت والطفل ولأن عاطفتها أقوى من عاطفة الأب نحو الطفل فهي أقرب إلى قلوب الأطفال منه . ولقد زود الله الأم بعاطفة الحنان - الأمومة - ولم يزود بها الأب . وهذا الدافع العضوي أقوى الدوافع العضوية جميعاً ، ولذلك فإن الأم مهيأة لرعاية الطفل والتضحية من أجله براحتها ونومها وهي راضية .

وهذا الحنان يمكن الأم من السهر على راحة الطفل وخاصة في السنتين الأوليين ولهاتين السنتين أثر كبير في شخصية الفرد ومن هذه الأمور أن الرضيع يتعرف على أمه من رائحتها . ثم يتعرف على صوتها بعد ذلك . كما أن لغة الأم هي أول لغة يقلدها الطفل وتكون معظم انفعالاته في السنة الأولى مرتبطة ومركزة في الأم أو من يحل محلها وإذا عرفنا أن الرضيع يبدأ منذ الشهر السادس من عمره في تكوين الأطفال ، وعلينا ألا نغفل دور الأم في حمل الأمانة . والقيام بواجب المسؤولية وتوجيههم ، ولقد بيّن الله في محكم تنزيله ، ( والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبثُ لا يخرج إلا نكداً ، كذلك نصرف الآيات لقومٍ يشكرون ) ( الأعراف : 58) .
كما قال الشاعر :
الأم مدرسةٌ إذا أعددتها أعددت شعباً طيبَ الأعراق

فالأم في تحمل المسؤولية كالأب سواء بسواء ، بل مسؤوليتها أهم وأخطر باعتبار أنها ملازمة لولدها منذ الولادة إلى أن يشب ويترعرع ويبلغ السن التي تؤهله ليكون إنسان الواجب ، ورجل الحياة ، والرسول صلوات الله وسلامه عليه قد أفرد الأم بتحمل المسؤولية حين قال : "والأم راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها" .
وما ذاك إلا لإشعارها بالتعاون مع الأب في إعداد الجيل وترتبية الأبناء وإذا قصرت الأم في الواجب التربوي نحو أولادها لانشغالها مع معارفها وصديقاتها واستقبال ضيوفها وخروجها من بيتها إلى الأسواق والعمل لغير ضرورة وتركت الأولاد إلى المربية وأهملت الاهتمام بما يحدث لهم من عناية ورعاية ، فلا شك أن الأبناء سينشأون نشأة اليتامى ، ويعيشون عيشة المشردين بل سيكونون سبب فساد وأداة إجرام للأمة بأسرها فماذا ننتظر من أولادٍ أمهاتهم على هذه الحال من الإهمال والتقصير .
فحتماً لا ننتظر منهم إلا الانحراف ولا نتوقع إلا الإجرام لانشغال الأم عن رعاية الولد وتربيته .

ويزداد الأمر سوءاً عندما يقضي الأبوان جل وقتهما في حياة الإثم والغواية ويتقلبان في أتون الشهوات والملذات . ويتخبطان في طريق الانحلال والإباحية .

فلا شك أن انحراف الولد يكون أبلغ وأخطر ويكون تدرجه في الإجرام أكبر وأعظم ، فلننظر بعين فاحصة وعقول نيرة تبحث عن الحق والصدق في أمانة التربيةبين أم الأمس واليوم . ونتتبع نتائج هذه النظرة .
إن الأم في الأمس كانت هي كل شيء في بيتها ، كانت المربية والمدبرة لجميع شؤون المنزل . فقد كانت تعمل وتعلم لأن العلم بدون عمل لا يرسخ في العقل ولا يقبله . وكانت على بساطة تعليمها وبساطة فقهها في دينها إلا إنها كانت تجتهد في تربيتهم التربية الإسلامية المرضية ، لقد كانت تعلمهم المسؤولية من خلال قيامها بمسؤولياتها في بيتها وطاعةزوجها وتربية أبنائها وتعلمهم الواجب عليهم من حيث إعطائهم حقوقهم من العناية والرعاية . فلقد كانت تحملهم في صدرها وترضعهم من ثديها وكانت تسهر على راحتهم إذا مرضوا وتقوم بخدمتهم .
فلهذا العمل جزيل الأثر على نفس الأبناء فتربي فيهم البر والإحسان والطاعة والاحترام فيستمعون إليها إذا وجهت ويطيعونها إذا أمرت ويعينونها إذا عجرت .

أما اليوم ولست أعني من تقوم بتربية أبنائها على الدين القويم والأخلاق والقيم ، ولكنني أعني الوجه الآخر ، فعمل البيت ليس من مسؤوليتها في شيء ومن ذلك تربية الأبناء ، فانها وكلتهم إلا للأم المستوردة ( المربية) التي تقوم مقام الأم الحقيقية في تدبير كل شؤون الأولاد من غسيل وملبس وأكل وشرب وهي أيضاً التي تقوم باللعب معهم وكذلك هي التي تقوم بالرضاعة من الألبان المجففة ولا يخفى على أحد أثر الرضاعةالصناعية على نمو الطفل الجسماني والنفسي وكذلك فإن المربية هي التي تتصنع لهم الحنان والعطف وتقوم بنفسها على تعليمهم أمور دينها وأخلاقها وقيمها التي نشأت عليها فإن كانت شرقية كانت أخلاق الأبناء شرقية وإن كانت غربية كانت أخلاقهم غربية ، ومن ذلك يتحول الولاء والبراء إلى ما كانت تربيتهم عليه ويتحول الاحترام والتقدير والعطف والطاعة إلى المربية .

هل المربية تستطيع أن تقوم مقام الأم فعلاً ؟
هل تستطيع أن تعلم أبناءنا دين التوحيد وإخلاف سلفنا الصالح ؟
وهل تستطيع السهر على راحة الأبناء مثل الأم الحقيقة .؟
وهل تستطيع الصبر والمحافظة عليهم مثل ما تحافظ الأم ؟
وهل حبها لهم مثل حب أمهما ؟
وهل الرضاعة الطبيعية من ثدي الأم مثل الرضاعة الصناعية ؟

هذه الأسئلة تبحث عن الإجابة . فمتى أجبنا عليها بصدق فإننا سوف نعلم الفرق بين الأم الحقيقية والأم المستوردة .
والأم متى تخلت عن وظيفتها الأساسية وتساهلت فيها فإنها سوف تصل إلى نتائج لا يحمد عقباها من هذه النتائج :
هو أنها عندما تكبر سوف يكون مصيرها هو مستشفى العجزة . لأنها عجزت عن تربية أبنائها بنفسها فجازوها بأن جعلوا الدولة تتكفل برعايتها إذا عجزت وأقرب مثال على عقوق الوالدين ما هو موجود في مستشفى العجزة ومن أراد التأكد من صحة هذا الكلام عليه أن يزور هذا المستشفى ويتأكد ينفسه .
وقبل هذا فإن العقوق سيكون واضحاً لها في عدم طاعتها واحترامها والسماع إلى كلامها وهذا لأنها لم تعودهم من الصغر إلى سماع توجيهاتها ولم تعلمهم إحترامها وطاعتها

وكذلك من هذه النتائج الوخيمة عدم خدمتهم ومنفعتهم للوطن أو المجتمع الذي يعيشون فيه لأنهم لم يعلموا منذ صغرهم على احترام دينهم والدفاع عنه والذود عن أوطانهم وممتلكاتهم ، فالولد الذي يعق والديه يسهل عليه خيانة بلده وتحطيم مجتمعه . ومن هذا كله ينتج أيضاً انحراف الأبناء عن الدين والحق ، وذلك بارتكاب المعاصي الظاهرة والباطنة من إدمان الخمر والمخدرات وانتشار الجريمة والزنا وهذا كله نتيجة طبيعية لعدم المبالاة لتربية الأبناء .
فهل نعي ما يدور حولنا ، وهل تعي الأم دورها الحقيقي وهل تعلم أن اخلاصها في تربية أبنائها هو خدمة لها أولاً ولوطنها وهو عطاء لا يماثله عطاء .

فإذا أردنا أن نرى جيلاً صالحاً ونافعاً يخدم أمته ويوحد كيانه ويفرض احترامه على الخلق لا بد أن تعود الأم أم اليوم التي فرطت في دورها الأساسي إلى رشدها وإلى واجباتها الحقيقية وتكرس ما تعلمته في دراستها لخدمة وتربية أبنائها وبالتالي سيعود ذلك على انتاج أبنائها وخدمتهم لوطنهم وأمتهم جميعاً . ولكي نقوم وننهض من هذا السبات العميق كي نواكب ما فاتنا من تخلف حضاري وإقتصادي ولكي تعود الأمة الإسلامية إلى سابق عهدها .
محمد عوجان الخيارين-اسلام ويب

Post: #535
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:43 AM
Parent: #501

مثل جوهرة غالية.. يخشي عليها المرء الضياع أو حتي مجرد التلوث ببعض ذرات التراب .. صنتها.. خبأتها بين عيني .. جعلت منها هدفي وغايتي .. أقسمت علي نفسي أن أصوغ منها نموذجا بلا نقائص .. كيانا إنسانيا يبهر العقول .. صورة نموذجية تتحول إلي قبلة يتحراها طالبو الفضيلة والصلاح .
فعلت ما أستطيع لأجنب ابنتي كل ما يمكن أن يهز قيمها أو يؤثر علي سلوكها.. فالتلفاز يفتح بمواعيد، ونسبقها أنا وزوجي لنشاهد ما تشاهده ، ويختبئ في صندوق أثناء الدراسة والصديقات نزنهن بعين فاحصة تدقق فيهن، وتستبعد من نجد فيها مجرد شبهة ؛ حتي لو كانت لثغة لسان، أو نقصا عن مرتبة متقدمة في امتحانات آخر العام، أو نشأة في أسرة عادية لا تعمل للإسلام.
أزياؤها تفصلها حائكة محل ثقة بعد أن أعياني الحصول علي ملابس مناسبة جاهزة وسط ركام السراويل الضيقة والبلوزات القصيرة والأكمام الشفافة، والفساتين التي تلتصق بالجسم. والتفصيل يتم بمقاييس ومواصفات الزي الشرعي بعد أن أختار أنا الألوان المناسبة الهادئة غير اللافتة للنظر .

قراءاتها نحددها معا- أنا وزوجي - ونشتري لها ما نراه مناسبا دون مشورتها، وإن اقترحت أن تذهب إلي المكتبة لتختار بعض ما تود قراءته نهرتها وقلت بلوم شديد: وهل ستعرفين ما يناسبك أكثر منا؟
كان كل شيء محددا ومقننا ومضبوطا ومحسوبا بدقة، وكانت ابنتي كما أردنا حتي بلغت الرابعة عشر.

حتى وقعت الواقعة، ورأيت بأم عيني ما لصق قدمي بالأرض وأخرس لساني ، وأغرقني في عرق الارتباك والذهول.
كنا في النادي وتلقيت هاتفا عاجلا اضطرني إلي الانصراف وطلبت ابنتي مني البقاء في المكتبة فوافقت ، وبعد ساعتين عادت إلي البيت بملابسها الفضفاضة وغطاء رأسها المنسدل بوقار علي صدرها.
بعدها زارتني صديقة عضوة بالنادي نفسه، ومعها شريط فيديو حول أنشطة النادي ، جلست أشاهده بلا مبالاة ، وانشغلت لدقائق قبل أن أسمع صوت صديقتي تقول باندهاش:
انظري : أليست هذه... ابنتك ؟
ما هذا الذي ترتديه؟
ما شاء الله شعرها رائع.. وساقاها جميلتان ؟ أين كان كل هذا الحسن مختبئا؟

سقط في يدي وقلت بصوت واهن : هي تشبهها بالتأكيد ولكنها ليست ابنتي ، ولكنني دققت النظر فتأكدت أنها هي .. ترتدي الملابس الفضفاضة ذاتها ، ولكنها تحيط خصرها بحزام ضيق .. وشعرها مسترسل وتجلس علي كرسي تقرأ مجلة أمام حمام السباحة، عرفت من صديقتي أن الفيلم تم تصويره يوم تركت ابنتي في النادي وسبقتها إلي البيت فوجدتها هي فرصة للانطلاق والتمرد.
كانت طاعة ابنتي العمياء لي رمادا فوق نار وكان انصياعها المطلق لأبيها ستارا يخفي رغبتها أن تكون لها استقلاليتها ولذلك ما إن غاب القط حتي تقافز الفأر فرحا بنجاته من مخالبه.
واجهت ابنتي وأنا أتصنع ابتسامة.. فبكت وأطرقت ولم تنطق سوي بجملة واحدة : أنتما السبب .. ثم جرت إلي حجرتها وتركتني ذاهلة ؛ حتي عن نفسي .
أفكر فيما قالته، وأراجع تصرفاتي فأكتشف أن لديها كثيرا من الحق ، فالطوق الخانق لا يسعد صاحبه ، والمساحات الشاسعة تربك من يسير فيها فيضل طريقه .

ابنتي في الرابعة عشرة - في بداية مرحلة المصاحبة - سأصاحبها ، ولكن هل سأنجح بعد أن تجاوزت هي مرحلتي اللعب والتأديب ، وفشلنا - والدها وأنا - في أن نمسك العصا من المنتصف ؛ بحيث لا تصبح صالحة للضرب بها ؟
عذرنا نيتنا.. وخوفنا علي فلذتنا، وما نسمعه ونقرؤه من مآس وحوادث تؤكد أن الأمان والأخلاق صارا عملة نادرة .
كنا نريد أن نحميها من كل ماحولها، ولكننا نسينا أن نحميها من نفسها، من ثورة حقوق طفولتها.

صارحت زوجي بما حدث وتناقشنا طويلا ، وكان رأيه أن البنت لم تخلع حجابها خلاعة ، ولم تقصر رداءها انحرافا ، ولكن كان هذان السلوكان وسيلتها للإحساس بالاستقلال ، ولذلك فلا خوف عليها، وأردف مبتسما: سنبدأ من جديد، فالكوب لم ينكسر تماما، إنه الآن علي حافة المنضدة ، ويمكننا برفق أن نحركه إلي منطقة آمنة ، قبل أن يسقط ويتهشم.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #536
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:45 AM
Parent: #501

السعادة الزوجية أشبه بقرص من العسل تبنيه نحلتان ، وكلما زاد الجهد فيه زادت حلاوة الشهد فيه ، وكثيرون يسألون كيف يصنعون السعادة في بيوتهم ، ولماذا يفشلون في تحقيق هناءة الأسرةواستقرارها .
ولا شك أن مسؤولية السعادة الزوجية تقع على الزوجين ، فلا بد من وجود المحبة بين الزوجين. وليس المقصود بالمحبة ذلك الشعور الأهوج الذي يلتهب فجأة وينطفئ فجأة ، إنما هو ذلك التوافق الروحي والإحساس العاطفي النبيل بين الزوجين .
والبيت السعيد لا يقف على المحبة وحدها ، بل لا بد أن تتبعها روح التسامح بين الزوجين ، والتسامح لا يتأتى بغير تبادل حسن الظن والثقة بين الطرفين .
والتعاون عامل رئيسي في تهيئة البيت السعيد ، وبغيره تضعف قيم المحبة والتسامح . والتعاون يكون أدبياً ومادياً . ويتمثل الأول في حسن استعداد الزوجين لحل ما يعرض للأسرة من مشكلات ، فمعظم الشقاق ينشأ عن عدم تقدير أحد الزوجين لمتاعب الآخر ، أو عدم إنصاف حقوق شريكه .
ولا نستطيع أن نعدد العوامل الرئيسة في تهيئة البيت السعيد دون أن نذكر العفة بإجلال وخشوع ، فإنها محور الحياة الكريمة ، وأصل الخير في علاقات الإنسان .
وقد كتب أحد علماء الاجتماع يقول : " لقد دلتني التجربة على أن أفضل شعار يمكن أن يتخذه الأزواج لتفادي الشقاق ، هو أنه لا يوجد حريق يتعذر إطفاؤه عند بدء اشتعاله بفنجان من ماء .. ذلك لأن أكثر الخلافات الزوجية التي تنتهي بالطلاق ترجع إلى أشياء تافهة تتطور تدريجياً حتى يتعذر إصلاحها " وتقع المسؤولية في خلق السعادة البيتية على الوالدين ، فكثيراً ما يهدم البيت لسان لاذع ، أو طبع حاد يسرع إلى الخصام ، وكثيراً ما يهدم أركان السعادة البيتية حب التسلط أو عدم الإخلاص من قبل أحد الوالدين وأمور صغيرة في المبنى عظيمة في المعنى .
وهاك بعضاً من تلك الوصايا التي تسهم في إسعاد زوجك :
1. لا تُهنْ زوجتك ، فإن أي إهانة توجهها إليها ، تظل راسخة في قلبها وعقلها . وأخطر الإهانات التي لا تستطيع زوجتك أن تغفرها لك بقلبها ، حتى ولو غفرتها لك بلسانها ، هي أن تنفعل فتضر بها ، أو تشتمها أو تلعن أباها أو أمها ، أو تتهمها في عرضها .
2. أحسِنْ معاملتك لزوجتك تُحسنْ إليك ، أشعرها أنك تفضلها على نفسك ، وأنك حريص على إسعادها ، ومحافظ على صحتها ، ومضحٍّ من أجلها ، إن مرضتْ مثلاً ، بما أنت عليه قادر .
3. تذكر أن زوجتك تحب أن تجلس لتتحدث معها وإليها في كل ما يخطر ببالك من شؤون. لا تعد إلى بيتك مقطب الوجه عابس المحيا ، صامتا أخرسا ، فإن ذلك يثير فيها القلق والشكوك .!!

4. لا تفرض على زوجتك اهتماماتك الشخصية المتعلقة بثقافتك أو تخصصك ، فإن كنت أستاذا في الفلك مثلا فلا تتوقع أن يكون لها نفس اهتمامك بالنجوم والأفلاك !!
5. كن مستقيما في حياتك ، تكن هي كذلك . ففي الأثر : " عفوا تعف نساؤكم " رواه الطبراني . وحذار من أن تمدن عينيك إلى ما لا يحل لك ، سواء كان ذلك في طريق أو أمام شاشة التلفاز ، وما أسوأ ما أتت به الفضائيات من مشاكل زوجية !!
6. إياك إياك أن تثير غيرة زوجتك ، بأن تذكِّرها من حين لآخر أنك مقدم على الزواج من أخرى ، أو تبدي إعجابك بإحدى النساء ، فإن ذلك يطعن في قلبها في الصميم ، ويقلب مودتها إلى موج من القلق والشكوك والظنون . وكثيرا ما تتظاهر تلك المشاعر بأعراض جسدية مختلفة ، من صداع إلى آلام هنا وهناك ، فإذا بالزوج يأخذ زوجته من طبيب إلى طبيب !!
7. لا تذكِّر زوجتك بعيوب صدرت منها في مواقف معينة ، ولا تعـيِّرها بتلك الأخطاء والمعايب ، وخاصة أمام الآخرين .
8. عدِّل سلوكك من حين لآخر ، فليس المطلوب فقط أن تقوم زوجتك بتعديل سلوكها، وتستمر أنت متشبثا بما أنت عليه ، وتجنب ما يثير غيظ زوجتك ولو كان مزاحا .
9. اكتسب من صفات زوجتك الحميدة ، فكم من الرجال ازداد التزاما بدينه حين رأى تمسك زوجته بقيمها الدينية والأخلاقية ، وما يصدر عنها من تصرفات سامية
10. الزم الهدوء ولا تغضب فالغضب أساس الشحناء والتباغض . وإن أخطأت تجاه زوجتك فاعتذر إليها ، لا تنم ليلتك وأنت غاضب منها وهي حزينة باكية . تذكَّر أن ما غضبْتَ منه - في أكثر الأحوال - أمر تافه لا يستحق تعكير صفو حياتكما الزوجية ، ولا يحتاج إلى كل ذلك الانفعال . استعذ بالله من الشيطان الرجيم ، وهدئ ثورتك ، وتذكر أن ما بينك وبين زوجتك من روابط ومحبة أسمى بكثير من أن تدنسه لحظة غضب عابرة ، أو ثورة انفعال طارئة
11. امنح زوجتك الثقة بنفسها . لا تجعلها تابعة تدور في مجرَّتك وخادمة منفِّذةً لأوامرك . بل شجِّعها على أن يكون لها كيانها وتفكيرها وقرارها . استشرها في كل أمورك ، وحاورها ولكن بالتي هي أحسن ، خذ بقرارها عندما تعلم أنه الأصوب ، وأخبرها بذلك وإن خالفتها الرأي فاصرفها إلى رأيك برفق ولباقة .
12. أثن على زوجتك عندما تقوم بعمل يستحق الثناء ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " من لم يشكر الناس لم يشكر الله " رواه الترمذي .
13. توقف عن توجيه التجريح والتوبيخ ، ولا تقارنها بغيرها من قريباتك اللاتي تعجب بهن وتريدها أن تتخذهن مُثُلاً عليا تجري في أذيالهن ، وتلهث في أعقابهن
14. حاول أن توفر لها الإمكانات التي تشجعها على المثابرة وتحصيل المعارف . فإن كانت تبتغي الحصول على شهادة في فرع من فروع المعرفة فيسِّرْ لها ذلك ، طالما أن ذلك الأمر لا يتعارض مع مبادئ الدين ، ولا يشغلها عن التزاماتها الزوجية والبيتية . وتجاوبْ مع ما تحرزه زوجتك من نجاح فيما تقوم به
15. أنصتْ إلى زوجتك باهتمام ، فإن ذلك يعمل على تخليصها مما ران عليها من هموم ومكبوتات ، وتحاشى الإثارة والتكذيب ، ولكن هناك من النساء من لا تستطيع التوقف عن الكلام ، أو تصبُّ حديثها على ذم أهلك أو أقربائك ، فعليك حينئذ أن تعامل الأمر بالحكمة والموعظة الحسنة
16. أشعر زوجتك بأنها في مأمن من أي خطر ، وأنك لا يمكن أن تفرط فيها ، أو أن تنفصل عنها
17. أشعر زوجتك أنك كفيلٌ برعايتها اقتصاديا مهما كانت ميسورة الحال ، لا تطمع في مالٍ ورثتْـهُ عن أبيها ، فلا يحلُّ لك شرعاً أن تستولي على أموالها ، ولا تبخل عليها بحجة أنها ثرية ، فمهما كانت غنية فهي في حاجة نفسية إلى الشعور بأنك البديل الحقيقي لأبيها .
18. حذار من العلاقات الاجتماعية غير المباحة . فكثير من خراب البيوت الزوجية منشؤه تلك العلاقات
19. وائم بين حبك لزوجك وحبك لوالديك وأهلك ، فلا يطغى جانب على جانب ، ولا يسيطر حب على حساب حب آخر . فأعط كل ذي حق حقه بالحسنى ، والقسطاس المستقيم
20. كن لزوجك كما تحب أن تكونَ هي لك في كل ميادين الحياة ، فإنها تحب منك كما تحب منها . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي 21 . أعطها قسطا وافرا وحظا يسيرا من الترفيه خارج المنزل ، كلون من ألوان التغيير ، وخاصة قبل أن يكون لها أطفال تشغل نفسها بهم .
22 . شاركها وجدانيا فيما تحب أن تشاركك فيه ، فزر أهلها وحافظ على علاقة كلها مودة واحترام تجاه أهلها
23. لا تجعلها تغار من عملك بانشغالك به أكثر من اللازم ، ولا تجعله يستأثر بكل وقتك، وخاصة في إجازة الأسبوع ، فلا تحرمها منك في وقت الإجازة سواء كان ذلك في البيت أم خارجه ، حتى لا تشعر بالملل والسآمة .
24. إذا خرجت من البيت فودعها بابتسامة وطلب الدعاء . وإذا دخلت فلا تفاجئها حتى تكون متأهبة للقائك ، ولئلا تكون على حال لا تحب أن تراها عليها ، وخاصة إن كنت قادما من السفر .
25. انظر معها إلى الحياة من منظار واحد ..وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنساء بقوله:" أرفق بالقوارير " رواه أحمد في مسنده ، وقوله : " إنما النساء شقائق الرجال " رواه أحمد في مسنده ، و قوله : " استوصوا بالنساء خيرا " رواه البخاري
26. حاول أن تساعد زوجك في بعض أعمالها المنزلية ، فلقد بلغ من حسن معاشرة الرسول صلى الله عليه وسلم لنسائه التبرع بمساعدتهن في واجباتهن المنزلية . قالت عائشة رضي الله عنها : " كان صلى الله عليه وسلم يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة " رواه البخاري
27. حاول أن تغض الطرف عن بعض نقائص زوجتك ، وتذكر ما لها من محاسن ومكارم تغطي هذا النقص لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم " لا يفرك ( أي لا يبغض ) مؤمنٌ مؤمنة إن كرِهَ منها خُلُقاً رضي منها آخر "
28 . على الزوج أن يلاطف زوجته ويداعبها ، وتأس برسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك : " فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك ؟ " رواه البخاري ، وحتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه - وهو القوي الشديد الجاد في حكمه - كان يقول : " ينبغي للرجل أن يكون في أهله كالصبي ( أي في الأنس والسهولة ) فإن كان في القوم كان رجلا " .
29. استمع إلى نقد زوجتك بصدر رحب ، فقد كان نساء النبي صلى الله عليه وسلم يراجعنه في الرأي ، فلا يغضب منهن
30 . أحسن إلى زوجتك وأولادك ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " خيركم خيركم لأهله " رواه الترمذي ، فإن أنت أحسنت إليهم أحسنوا إليك ، وبدلوا حياتك التعيسة سعادة وهناء ، لا تبخل على زوجك ونفسك وأولادك ، وأنفق بالمعروف ، فإنفاقك على أهلك صدقة . قال صلى الله عليه وسلم : " أفضل الدنانير دينار تنفقه على أهلك … " رواه مسلم وأحمد .
الدكتور حسان شمسي باشا-اسلام ويب

Post: #537
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:47 AM
Parent: #501

تتضح مكانة المرأة في الأسرة من خلال عرضنـا للحقوق المتماثلة والمتبادلة بين الزوجين .. إنها مكانة رفيعة يصونه،ا ويحكمها ذلك الميثاق الذي ذكره الله جل وعلا في محكم كتابه حيث قال : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ) .
تمهيد :
سوف يلحظ القارىء الكريم أن الحقوق المتماثلة للزوجين ، ورد فيها مجموعة من النصوص الكلية ومعها أحياناً نصوص تفصيلية، ونحب أن نبيّن أن العبرة بالنصوص الكلية التي تصون حقوق الرجل والمرأة على السواء ، إذ أن النصـوص التفصيلية متضمنة في النصوص الكلية . والنصوص الكلية هي الحاكمة ، فلا ينـبغي الغفلة عنها والوقوف عند النصوص التفصيلية ، وكأنها وحدها هي الشريعة ، ونحن إذا تحرينا النصوص الكلية تحرياً دقيقاً وتعمقنا في مضمونها، أرشدتنا إلى حقوق كثيرة لم ترد بها نصوص تفصيلية .
أما النصوص التفصيلية إن كثرت في مجـال من المجالات ، فلا بد أن يكـون ذلك لسبب يتصل بذلك المجال ، ففي مجال طاعة المرأة زوجها، نرجح أن كثرة النصوص ترجع إلى ظاهرة كانت سائدة في مجتمع المدينة ، وهي شدة وطأة نساء الأنصار التي يقول فيها عمر بن الخطاب : "قوم تغلبهم نساؤهم" ، وما دام الأمر كذلك ، فلا عجب أن يلح الرسول صلى الله عليه وسلم - بكل سبيل - في حض النساء على الطاعة.
حقوق متماثلة:
قال تعالى : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجةٌ والله عزيز حكيم ) سورة البقرة: 228. إن الآية الكريمة تقرر أن للنساء حقوقاً مثل ما عليهن من واجبات ، وهذا يعني أن كل حق للمرأة يقابله حق للرجل ، فالحقـوق إذن متماثلة ، وسيتضح بإذن الله وعونه مدى التمـاثل عند بحث كل حق من تلك الحقوق .
وقد أورد الطبري في تفسيره عدة روايات في تأويل هذه الآية:
قال بعضهم : ( ولهن من حسن الصحبة والعشرة بالمعروف على أزواجهن ، مثل الذي عليهن لهم من الطاعة ، فيما أوجب الله تعالى ذكره له عليها ).
فعن الضحّاك : ( إذا أطعن الله وأطعن ازواجهن ، فعليه أن يحسن صحبتها ويكف عنها أذاه ، وينفق عليها من سعته ).
وعن ابن زيد : ( يتقون الله فيهن كما عليهن أن يتقين الله فيهم ).
وقال آخرون : ( ولهن على أزواجهن من التصنع والمواتاة مثل الذي عليهن لهم من ذلك ).
فعن ابن عباس : إني أحب أن أتزين للمرأة كما أحب أن تتزين لي ، لأن الله تعـالى ذكره يقول : (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف).
والذي اختاره الطبري من تلك الروايات: (أن الذي على كل واحد منهما لصاحبه من ترك مضارته مثل الذي له على صاحبه من ذلك). ، ثم قال : ( وقد يحتمل أن يكون كل ما على كل واحد منهما لصاحبه داخلاً في ذلك .. فلكل واحد منهما على الآخر من أداء حقه إليه مثل الذي عليه له ، فيدخل حينئذ في الآية ، ما قاله الضحّاك وابن عباس وغير ذلك).
وقال الإمام محمد عبده في تفسـير هذه الآية : (هذه كلمة جليـلة جداً ، جمعت - على إيجازها - ما لا يؤدي بالتفصيل إلا في سفر كبير ، فهي قاعدة كلية ناطقة بأن المرأة مساوية للرجل في جميع الحقوق ، إلا أمراً واحداً عبّر عنه بقوله تعـالى : (وللرجال عليهن درجة) - وسيأتي بيانه - وقد أحال في معرفة ما لهن وما عليهن من المعروف بين الناس في معاشراتهم ومعاملاتهم في أهليهم، وما يجري عليه عرف الناس هو تابع لشرائعهم وعقائدهم وآدابهم وعاداتهم ، فهذه الجملة تعطي الرجل ميزاناً يزن به معاملته لزوجه في جميع الشئون والأحوال ، فإذا هـمّ بمطالبتها بأمر من الأمور ، يتذكر أنه يجب عليه مثله بإزائه ، ولهذا قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : " إنني لأتزين لامرأتي كما تتزين لي ، لهذه الآية ".
وليس المراد بالمثل ، المثل بأعيان الأشياء وأشخاصها ، وإنما المراد أن الحقوق بينهما متبادلة ، وأنهما أكفاء ، فما من عمل تعمله المرأة للرجل إلا وللرجل عمل يقابله لها ، إن لم يكن مثله في شخصه ، فهو مثل له في جنسه . فهما متماثلان في الحقوق والأعمال ، كما أنهما متماثلان في الذات والإحسـاس والشعور والعقل ، أي أن كلاً منهما بشر تام له عقل يتفكر في مصـالحه ، وقلب يحب ما يلائمه ويسر به ، ويكره ما لا يلائمه وينفر منه . فليس من العدل أن يتحكم أحد الصنفين بالآخر ، ويتخذه عبداً يستذله ويستخدمه في مصـالحه ، ولا سيمـا بعد عقد الزوجيـة والدخول في الحيـاة المشتركة ، التي لا تكون سعيدة إلا باحترام كل من الزوجين للآخر والقيام بحقوقه ).
وأورد الطبري عدة روايات في تأويل قوله تعالى: (وللرجال عليهن درجة) ، قال :
( قال بعضهم : معنى الدرجة : الفضل الذي فضلّهم الله عليهن في الميراث والجهاد وقال آخرون : تلك الدرجة الإمرة والطاعة ، وقال آخرون : تلك الدرجة التي لها عليها ، إفضاله عليها ، وأداء حقهـا إليها ، وصفحه عن الواجب له عليها أو عن بعضه .. فعن ابن عباس قال : ما أحب أن استنطف أي آخذ جميع حقي عليها لأن الله تعالى ذكره يقول : (وللرجال عليهن درجة) .
ثم قال الطـبري : وأولى هذه الأقوال بتـأويل الآية ما قاله ابن عباس ، وهو أن "الدرجة" التي ذكر الله تعالى ذكره في هذه الموضع ، الصفح من الرجـال لامرأته عن بعض الواجب عليها ، وإغضاؤه لها عنه ، وأداء كل الواجب لها عليه .
وذلك أن الله تعالى ذكره قال : (وللرجال عليهن درجة) عقيب قوله : ( ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف ) .. ثم ندب الرجال إلى الأخذ عليهن بالفضل ، إذا تركن أداء بعض ما أوجب الله لهم عليهن .. وهذا القول من الله تعالى ذكره ، وإن كان ظاهره ظاهر الخبر ، فمعناه معنى ندب الرجـال إلى الأخذ على النساء بالفضل ، ليكون لهم عليهن فضل درجة .
وقال الأستاذ محمود محمد شاكر محقق تفسير الطبري: ولم يكتب أبو جعفر الطبري ما كتب ، على سبيل الموعظة .. بل كتب بالبرهان والحجة الملزمة واستخرج ذلك من سياق الآيات المتتابعة .. ( ففيها بيان ) تعادل حقوق الرجل على المرأة وحقوق المرأة على الرجل ، ثم أتبـع ذلك بندب الرجـال إلى فضيلة من فضائل الرجولة، لا ينال المرء نبلها إلا بالعزم والتسامي، وهو أن يتغاضى عن بعض حقوقه لامرأته ، فإذا فعل ذلك فقد بلغ من مكارم الأخلاق منزلة تجعل له درجة على امرأته ، ومن أجل هذا الربط الدقيق بين معاني هذا الكتاب البليغ ، جعل أبو جعفر هذه الجملة حثاً وندباً للرجال على السمو إلى الفضل ، لا خبراً عن فضل قد جعله الله مكتوباً له ، أحسنوا فيما أمرهم به أم أساءوا .
وصايا متكافئة:
ثم إن الشارع الحكيم شفع تقرير الحقوق المتماثلة بوصايا متكافئة للزوجين ، كل ذلك لتسود المودة والرحمة بينهما ، وليرعى كل منهما صاحبه أجمل رعاية وأكمل رعاية :
من الوصايا الموجهة للرجال:
قوله تعالى : (وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) . [سورة النساء:19] .
- عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال frown emoticon واستوصوا بالنساء خيراً ] .- عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ فاتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمان الله ] . [رواه مسلم].
- عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم frown emoticon إني أُحرج عليكم حق الضعيفين : اليتيم ، والمرأة ] . [رواه الحاكم] .
- عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ] . [رواه ابن ماجه].
- عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :[خياركم خياركم لنسائهم ] . [رواه ابن ماجه] .
وقد روى معنى الحديث الأخير عدد من الصحابة الكرام منهم عائشة ، ومعاوية ، وأبو كبشة .
من الوصايا الموجهة للنساء:
- عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خير نساء ركبن الإبل صالح نساء قريش ، أحناه على ولد في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده ] . [رواه البخاري ومسلم].
- عن أبي أذينة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال frown emoticon خير نسائكم الولود الودود المواسية المواتية] . [رواه البيهقي].
- عن عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ خير النساء من تسرك إذا أبصرت ، وتطيعك إذا أمرت ، وتحفظ غيبتك في نفسها ومالك] [رواه الطبراني] .
- عن حصين بن محصن أن عمَّةً له أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها : أذات زوج أنت ؟ قالت : نعم . قال : فأين أنت منه؟ قالت : ما آلوه إلا ما عجزت عنه قال : فانظري أين أنت منه فإنما هو جنتك ونارك. [رواه أحمد].
- عن عبد الله بن أبي أوفى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : [ لا تؤدّى المرأة حق ربها حتى تؤدّي حق زوجها ] . [رواه ابن ماجه].
- عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ إذا صلت المرأة خمسها ، وصامت شهرها ، وحفظت فرجها ، وأطاعت زوجها دخلت الجنة ] . [رواه البّزار].
- عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إثنان لا تجـاوز صلاتهما رءوسهما : ...، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع] . [رواه الحاكم]
عن معاذ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ لا تؤذي امرأة زوجها في الدنيـا ، إلا قالت زوجته من الحور العين : لا تؤذيه قاتلك الله ، فإنما هو عندك دخيل ، يوشك أن يفارقك إلينا ] . [رواه أحمد].
الإطار العام لأداء الحقوق:
قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليـها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقوم يتفكرون) . [سورة الروم : الآية 21] .
وهذا يعني أنه ينبغي أداء جميع الحقوق بين الزوجين في إطار من المودة والحب ، فإن ضعفت المودة لأمر ما ، بقيت الحقوق محفوظة ، ولكن في إطـار من الرحمة ، أي التعاطف والوفاء للعشرة ، وليتـذكر كل من الزوجين قول رسولنا صلى الله عليه وسلم : [ لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ] . رواه البخاري ومسلم . وإذا كان هذا هو حق أخوة الإسلام بصفة عامة ، فحق الزوجين المسلمين أعظم ؛ فقد ضيفت إلى رابطة الإسلام رابطة الزواج ، وهي رابطة متينة قال بشأنها جـلّ وعلا : ( وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً ). فعلى الزوجين أن يراقبا الله تعـالى في أداء الحقوق ، ولينظر كل منهما هل قدم لصاحبه ما يحب لنفسه؟ إن كان قد فعل فقد أحسن ، وإن لم يفعل فليصدق العزم وليستعن بالله ولا يعجز ، والله مع الصابرين.
د.عبد الحليم أبو شقة-اسلام ويب

Post: #538
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:49 AM
Parent: #501

معاملة الأبناء فن يستعصي على كثير من الآباء والأمهات في فترة من فترات الحياة . وكثيرا ما يتساءل الآباء عن أجدى السبل للتعامل مع أبنائهم .
والحقيقة أن إحساس الولد بنفسه يأتي من خلال معاملتك له ، فإن أنت أشعرته أنه " ولد طيب " ، وأحسسته بمحبتك ، فإنه سيكون عن نفسه فكرة أنه إنسان طيب مكرم ، وأنه ذو شأن في هذه الحياة . أما إذا كنت قليل الصبر معه ، تشعره أنه " ولد غير طيب " ، وتنهال عليه دوما باللوم والتوبيخ ، فإنه سينشأ على ذلك ، ويكون فكرة سلبية عن نفسه، وينتهي الأمر إما بالكآبة والإحباط ، أو بالتمرد والعصيان .
علمه أين العيب :
إذا رأيته يفعل أشياء لا تحبها ، أو أفعالا غير مقبولة ، فأفهمه أن العيب ليس فيه كشخص، بل إن الخطأ هو في سلوكه وليس فيه كإنسان .
قل له : " لقد فعلت شيئا غير حسن " بدلا من أن تقول له " إنك ولد غير حسن " . وقل له " لقد كان تصرفك مع أخيك قاسيا " بدلا من أن تخبره " إنك ولد شقي " .
تجنب المواجهات الحادة :
ومن الأهمية أن يعرف الوالدان كيف يتجاوبان برفق وحزم في آن واحد مع مشاعر الولد، فلا مواجهة حادة بالكلام أو الضرب ، ولا مشاجرة بين الأم وابنها ، إنما بإشعاره بحزم أن ما قاله شيء سيئ لا يمكن قبوله ، وأنه لن يرضى هو نفسه عن هذا الكلام .
ولا يعني ذلك أن يتساهل الوالدان بترك الولد يفعل ما يشاء ، بل لا بد من وجود ضوابط واضحة تحدد ما هو مقبول ، وما هو غير مقبول . فمن حق الطفل أن يعبر عن غضبه بالبكاء أو الكلام ، ولكن لا يسمح له أبدا بتكسير الأدوات في البيت ، أو ضرب إخوته ورفاقه .
أحبب أطفالك ولكن بحكمة :
ولا يمكن للتربية أن تتم بدون حب . فالأطفال الذين يجدون من مربيهم عاطفة واهتماماً ينجذبون نحوه ، ويصغون إليه بسمعهم وقلبهم . ولهذا ينبغي على الأبوين أن يحرصا على حب الأطفال ، ولا يقوما بأعمال تبغضهم بهما ، كالإهانة والعقاب المتكرر والإهمال ، وحجز حرياتهم ، وعدم تلبية مطالبهم المشروعة . وعليها إذا اضطرا يوماً إلى معاقبة الطفل أن يسعيا لاستمالته بالحكمة ، لئلا يزول الحب الذي لا تتم تربية بدونه . وليس معنى الحب أن يستولي الأطفال على الحكم في البيت أو المدرسة ، يقومون بما تهوى أنفسهم دون رادع أو نظام . فليس هذا حبا ، بل إنه هو الضعف والخراب . وإن حب الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه لم يمنعه من تكليفهم بالواجبات ، وسوقهم إلى ميادين الجهاد ، وحتى إنزال العقوبة بمن أثم وخرج على حدود الدين . وكل ذلك لم يسبب فتورًا في محبة الصحابة لنبيهم ، بل كانت تزيد من محبتهم وطاعتهم لنبيهم .
احترمي زوجك :
ويحتاج الأب لكي يظفر بصداقة أبنائه إلى عطف زوجته واحترامها له . فالزوجة الصالحة التي تشعر أبناءها في كل وقت بعظمة أبيهم ، وتقودهم إلى احترامه وحبه ، وتؤكد في أنفسهم الشعور بما يملك من جميل المناقب والخصال . وهي تقول للطفل تمسك بهذا الخلق، فإنه يرضي أباك ، وتجنب ذلك الخلق فإنه يغضب أباك ويغضب ربك .
هدية .. ولو درهم :
وإذا أردت أن تصادق طفلك ، فلا بد أن تعرف أن فمه أكثر يقظة من عقله ، وأن صندوق الحلوى أفضل إليه من الكتاب الجديد ، وأن الثوب المرقش أحب إليه من القول المزخرف . وأن الأب الذكي هو الذي يدخل البيت وفي يده هدية أو تحفة أو طرفة . وليذكر دوما أن في الدنيا أشياء هي عندنا أوهام ، وهي عند الأطفال حقائق . ولن نظفر بصداقتهم إلا إذا رأينا الدنيا بعيونهم .
استمع إلى ابنك :
إذا أتاك ابنك ليحدثك عما جرى معه في المدرسة ، فلا تضرب بما يقول عرض الحائط . فحديثه إليك في تلك اللحظة – بالنسبة له – أهم من كل ما يشغل بالك من أفكار . فهو يريد أن يقول لك ما يشعر به من أحاسيس ، بل وربما يريد أن يعبر لك عن سعادته وفرحه بشهادة التقدير التي نالها في ذلك اليوم .
أعطه اهتمامك إن هو أخبرك أنه نال درجة كاملة في ذلك اليوم في امتحان مادة ما . شجعه على المزيد ، بدلا من أن يشعر أنك غير مبال بذلك ، ولا مكترث لما يقول .
وإذا جاءك ابنك الصغير يوما يخبرك بما حدث في المدرسة قائلا : " لقد ضربني فلان في المدرسة " وأجبته أنت : " هل أنت واثق بأنك لم تكن البادئ بضربه ؟ " فتكون حقا قد أغلقت باب الحوار مع ابنك . حيث تتحول أنت في نظر ابنك من صديق يلجأ إليه إلى محقق أو قاض يملك الثواب والعقاب .
بل ربما اعتبرك ابنك أنه محقق ظالم وأنه يبحث عن اتهام الضحية ويصر على اكتشاف البراءة للمتعدي عليه .
فإذا تكلم الابن أولاً إلى والديه ،فعلى الوالدين إبداء الانتباه ، وتواصل الحوار ، وينبغي مقاومة أي ميل إلى الانتقاد أو اللامبالاة بما يقوله الابن .
داعب أطفالك :
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال ويرأف بهم ، ومن ذلك مواقفه المعروفة مع أحفاده وأبناء الصحابة رضوان الله عليهم .
روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الحسن بن علي وعنده الأقرع بن حابس التميمي جالس ، فقال الأقرع : إن لي عشرة من الولد ما قبلت منهم أحدًا . فنظر الرسول الكريم إليه ثم قال : " من لا يَرحم لا يُرحم " . متفق عليه .
وكان معاوية رضي الله عنه يقول : " من كان له صبي فليتصاب له " .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يداعب الأطفال فيمسح رؤوسهم ، فيشعرون بالعطف والحنان . فعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما قال : مسح رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده على رأسي وقال : اللهم اخلف جعفرًا في ولده " رواه الحاكم .
كما كان يمسح خد الطفل كما ورد في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة قال :
صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم خرج إلى أهله وخرجت معه فاستقبله ولدان – أي صبيان – فجعل يمسح خدي أحدهم واحدًا واحدًا .
وروى النسائي : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يزور الأنصار ويسلم على صبيانهم ، ويمسح رؤوسهم " .
اترك لطفلك بعض الحرية :
وأسوأ شيء في دورنا ومدارسنا – كما قال أحد المربين – المراقبة المتصلة التي تضايق الطفل وتثقل عليه ، فاترك له شيئا من الحرية ، واجتهد في إقناعه بأن هذه الحرية ستسلب إذا أساء استعمالها . لا تراقبه ولا تحاصره ، حتى إذا خالف النظام فذكره بأن هناك رقيبًا .
إن الطفل يشعر بدافع قوي للمحاربة من أجل حريته ، فهو يحارب من أجل أن يتركه الأب يستخدم القلم بالطريقة التي يهواها .. ويحارب من أجل ألا يستسلم لارتداء الجوارب بالأسلوب الصحيح .. والحقيقة الأساسية أن الابن يحتاج إلى أن تحبه وأن تحضنه لا أن تحاصره .. ويحتاج إلى الرعاية الممزوجة بالثقة . ويحتاج إلى أن تعلمه كل جديد من دون أن تكرهه عليه ..
وباختصار : لا تجعل أكتاف الطفل ملعبًا تلهو به بكرة القلق الزائد .
أوامر حازمة .. لكن بحكمة :
ينبغي أن تكون الأوامر حازمة ، وأن تتضمن اللهجة أيضا استعداد الأب والأم لمساعدة الطفل . فإذا كان الطفل قد فرش أرض الغرفة بعلبه الكثيرة فيمكن للأم أن تقول له :
هيا نجمع اللعب معا . وهنا تبدأ الأم في جمع لعب الطفل ، وسيبدأ الطفل فورا في مساعدة الأم .
وكثيرا ما نجد الطفل يتلكأ ، بل قد يبكي ويصرخ عندما تطلب منه الأم بلهجة التهديد أن يذهب ليغسل يديه أو أن يدخل الحمام . ولكن الابن لو تلقى الأمر بلهجة هادئة فسيستجيب بمنتهى الهدوء . فكلما زاد على الطفل الإلحاح شعر بالرغبة في العناد ، وعدم الرغبة في القيام بما نطلب منه من أعمال .
بعض الآباء يتفاخر بأن أبناءهم لا يعصون لهم أمرًا ، ولا يفعلون شيئا لم يؤمروا به !!
والبعض الآخر يتعامل مع أطفاله وكأنهم ممتلكات خاصة لا كيان لهم . وآخرون يكلفون أبناءهم فوق طاقتهم ، ويحملونهم من المسؤوليات ما لا يطيقون . في كل هذه الحالات مغالاة ، وبعد عن الأسلوب الحكيم في التربية وهو " خير الأمور أوسطها " .
قللوا من التوبيخ :
انتبهوا أيها الآباء والأمهات إلى ضرورة التقليل من التوبيخ الأوتوماتيكي وغير الضروري وإلى التقليل من الرقابة الصارمة على الأطفال . فالطفل ليس آلة نديرها حسبما نشاء . إن له إبداعه الخاص في إدارة أموره الخاصة ، فلماذا نحرمه من لذة الإبداع ؟
وكثيرا ما يواجه الطفل بالعديد من الأسئلة والأوامر : " لماذا تضحك هكذا ؟ لماذا تمشي هكذا ؟ .. انطق الكلمات نطقاً سليمًا .. لا تلعب بشعرك .. اذهب ونظف أسنانك " .
وكل ذلك قد ينعكس في نفس الطفل فيولد حالة من عدم الاطمئنان ، أو فقدان الثقة بالنفس . وكثيرا ما ينال الطفل الأول الحظ الأوفر من الاهتمام الجشع والرقابة الصارمة من قبل الأبوين ثم ما يلبث الأبوان أن يشعرا بأنهما قد تعلما الكثير من طفلهم الأول ، فيشعران أنهما بحاجة لإعطاء وليدهما الثاني بعض الحرية ، فيتصرفان مع الطفل الثاني بمزيد من الثقة خلافا للطفل الأول .
وعلى الأم أن تنمي عادة الحوار الهادئ مع طفلها ، فتطرح عليه بعض الأسئلة لترى كيف يجيب عليها ، وتعوده على عدم رفع الصوت أثناء الحديث ، وعدم مقاطعة المتحدثين وهكذا ..
تسأله مثلا : " ماذا تفعل لو رأيت أخاك يضربه رفاقه ؟ وماذا تفعل لو رأيت طفلا مجروحا في الطريق ؟ " .
فالأطفال الذين لا يكلمهم آباؤهم إلا نادرا ينشئون أقل ثقة بالنفس من الذين يعودهم آباؤهم على الكلام والحوار الهادئ .
سلوك أبنائك من سلوكك :
عندما يصرخ الأب قائلا إنه يتعب كثيرًا ، ولا ينال شيئا مقابل تعبه وهو المظلوم في هذه الحياة ، فإن ذلك ينقلب في ذهن طفله إلى أن الرجل هو ضحية المرأة ، وأنه من الأفضل عدم الزواج . وعندما تصرخ الأم بأن الرجل هو الكائن الوحيد الذي يستمتع بالحياة ، وهو الذي يستغل كل جهد للمرأة ، فإن هذا الصراخ ينقلب في وجدان الفتاة الصغيرة إلى كراهية الرجل وعدم تقديره . ولهذا تجدها تنفر من الزواج عندما تكبر .
والابن الذي يرى أباه يحتقر أمه يعتبر ذلك " الاحتقار " هو أسلوب التعامل المجدي مع المرأة . والبنت التي ترى أمها كثيرة التعالي على الأب وتسيء معاملته يستقر في ذهنها أن أساس التعامل مع الرجال التعالي عليه والإساءة إليه .
والخلاصة أنه ينبغي أن تكون معاملة الوالدين ثابتة على مبادئ معينة ، فلا تمدح اليوم ابنك على شيء زجرته بالأمس على فعله ، ولا تزجره إن عمل شيئا مدحته بالأمس على فعله . ولا ترتكب أبدا ما تنهى طفلك عن إتيانه .
د. حسان شمسي باشا-اسلام ويب

Post: #539
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:51 AM
Parent: #501

تتفق الآراء التربوية على أهمية مرحلة الطفولة في بناء شخصية الإنسان المستقبلية ، فإذا ما اعترى تربية الطفل أي خلل ، فإن ذلك سيؤدي حتمـًا إلى نتائج غير مرضية تنعكس سلبـًا على الفرد والمجتمع معـًا ، ومشكلة الخجل التي يعاني منها بعض الأطفال يجب على الوالدين والمربين مواجهتها وتداركها .
فكثير من الأطفال يشبون منطوين على أنفسهم خجولين يعتمدون اعتمادًا كاملاً على والديهم ويلتصقون بهم لا يعرفون كيف يواجهون الحياة منفردين ويظهر ذلك بوضوح عند التحاقهم بالمدرسة .
التمييز بين الخجل والحياء :
الخجل : هو انكماش الولد وانطوائه وتجافيه عن ملاقاة الآخرين .
أما الحياء : فهو التزام الولد منهاج الفضيلة وآداب الإسلام .
فليس من الخجل في شيء أن يتعود الطفل منذ نشأته على الاستحياء من اقتراف المنكر وارتكاب المعصية ، أو أن يتعود الولد على توقير الكبير وغض البصر عن المحرمات ، وليس من الخجل في شيء أن يتعود الولد منذ صغره على تنزيه اللسان بأن يخوض في أحد أو يكذب أو يغتاب ، وعلى فطم البطن عن تناول المحرمات ، وعلى صرف الوقت في طاعة الله وابتغاء مرضاته ، وهذا المعنى من الحياء ، هو ما أوصى به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين قال فيما رواه الترمذي : " استحيوا من الله حق الحياء قلنا ـ أي الصحابة ـ إنا نستحي من الله يا رسول الله والحمد لله فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليس ذلك : الاستحياء من الله حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى وأن تذكر الموت والبلى ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا وآثر الآخرة على الأولى فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء " .
صفات الطفل الخجول :
الطفل الخجول في الواقع طفل مسكين وبائس يعاني من عدم القدرة على الأخذ والعطاء مع أقرانه في المدرسة والمجتمع ، وبذلك يشعر بالمقارنة مع غيره من الأطفال بالضعف .
والطفل الخجول يحمل في طياته نوعـًا من ذم سلوكه ؛ لأن الخجل بحد ذاته هو حالة عاطفية أو انفعالية معقدة تنطوي على شعور بالنقص والعيب ، هذه الحالة لا تبعث الارتياح والاطمئنان في النفس .
والطفل الخجول غالبـًا ما يتعرض لمتاعب كثيرة عند دخوله المدرسة تبدأ بالتهتهة وتردده في طرح الأسئلة داخل الفصل ، وإقامة حوار من زملائه والمدرسين ، وغالبـًا ما يعيش منعزلاً ومنزويـًا بعيدًا عن رفاقه وألعابهم وتجاربهم .
والطفل الخجول يشعر دومـًا بالنقص ، ويتسم سلوكه بالجمود والخمول في وسطه المدرسي والبيئي عمومـًا ، وبذلك ينمو محدود الخبرات غير قادر على التكيف السوي مع نفسه أو مع الآخرين ، واعتلال صحته النفسية .
والطفل الخجول قد يبدو أنانيـًا في معظم تصرفاته ؛ لأنه يسعى إلى فرض رغباته على من يعيشون معه وحوله ، كما يبدو خجولاً حساسـًا وعصبيـًا ومتمردًا لجذب الانتباه إليه ، و 20% من الخجل يتكون عند الأطفال حديثي الولادة ، وتحدث لهم أعراض لا يعاني منها الطفل العادي .. فمثلاً الطفل المصاب بالخجل يدق قلبه في أثناء النوم بسرعة أكبر من مثيله ، وفي الشهر الرابع يصبح الخجل واضحـًا في الطفل ؛ إذ يخيفه كل جديد ، ويدير وجهه أو يغمض عينيه ، أو يغطي وجهه بكفيه إذا تحدق شخص غريب إليه ، وفي السنة الثالثة يشعر الطفل بالخجل عندما يذهب إلى دار غريبة ؛ إذ غالبـًا ما يكون بجوار أمه يجلس هادئـًا في حجرها أو بجانبها .
أسباب الخجل :
الخجل عند الأطفال له أسباب كثيرة أهمها :
1- الوارثة :
حيث تلعب الوارثة دورًا كبيرًا في شدة الخجل عند الأطفال ، فالجينات الوراثية لها تأثير كبير على خجل الطفل من عدمه ، فالخجل يولد مع الطفل منذ ولادته ، وهذا ما أكدته التجارب لأن الجينات تنقل الصفات الوراثية من الوالدين إلى الجنين ، والطفل الخجول غالبـًا ما يكون له أب يتمتع بصفة الخجل ، وإن لم يكن الأب كذلك فقد يكون أحد أقارب الأب كالجد أو العم .. إلخ .
فالطفل يرث بعض صفات والديه .
2- مخاوف الأم الزائدة :
أيّ أم تحب طفلها باعتباره أثمن ما لديها ؛ لذا تشعر الأم بأن عليها أن تحميه من أي أذى أو ضرر قد يصيبه ، ولكن الحماية الزائدة على الحد تجعلها تشعر بأن طفلها سيتعرض للأذى في كل لحظة ، ومن دون قصد تملأ نفس الطفل بأن هناك مئات من الأشياء غير المرئية في المجتمع تشكل خطرًا عليه ، ومن ثم يشعر الطفل بالخوف ، ويرى أن المكان الوحيد الذي يمكن أن يشعر فيه بالأمان والاطمئنان ، وهو إلى جوار أمه ، ومثل هذا الطفل يشعر بالخوف دائمـًا ولا يستطيع أن يعبر الطريق وحده ، أو يستمتع بالجري أو اللعب أو السباحة في البحر ؛ لأنه يتوقع في كل لحظة أن يصاب بأذى ، ويظل منطويـًا خجولاً بعيدًا عن محاولة فعل أي شيء خوفـًا من إصابته بأي أذى .
وفي بعض الأحيان يصل خوف الأم على طفلها إلى درجة تؤدي إلى منعه من الاختلاط واللعب مع الأطفال الآخرين خوفـًا عليه من تعلم بعض السلوكيات غير الطيبة أو تعلم بعض الألفاظ غير اللائقة فيصبح الطفل منطويـًا خجولاً يفضل العزلة والانطواء ، ويخشى من الاندماج في أية لعبة مع الأطفال الآخرين .
3- مركب النقص وخجل الأطفال :
يعاني بعض الأطفال من مشاعر النقص نتيجة نواقص جسمية أو عاهات بارزة ، وهذه النواقص والعاهات تساعد على أن ينشأ هؤلاء الأطفال خجولين وميالين للعزلة ، ومن هذه النواقص والعاهات البارزة ضعف البصر ، وشلل الأطفال ، وضعف السمع ، واللجلجة في الكلام ، أو السمنة المفرطة ، أو قصر القامة المفرط … إلخ .
وقد يعاني بعض الأطفال من الخجل نتيجة مشاعر النقص الناتجة عن أسباب مادية ، كأن تكون ملابسه رثة وقذرة لفقره ، أو هزالة جسمه الناتج عن سوء التغذية ، أو قلة مصروفه اليومي ، أو نقص أدواته المدرسية وكتبه .
4- التدليل المفرط من جانب الوالدين للطفل :
فالتدليل المفرط من جانب الوالدين لطفلهما يعد من أهم أسباب خجل الطفل الشديد ، ومن مظاهر هذا التدليل المفرط عدم سماح الأم لطفلها بأن يقوم بالأعمال التي أصبح قادرًا عليها اعتقادًا منها أن هذه المعاملة من قبيل الشفقة والرحمة للطفل ، ومن مظاهر التدليل المفرط عدم محاسبة الأم لولدها حينما يفسد أثاث المنزل ، أو عندما يتسلق المنضدة ، أو عندما يسوّد الجدار بقلمه .
وتزداد مظاهر التدليل المفرط في نفس الأبوين عندما يرزقان بالطفل بعد سنوات كثيرة ، أو أن تكون الأم قد أنجبت الطفل بعد عدة إجهاضات مستمرة ، أو أن يأتي الطفل بعد إنجاب الأم لعدة إناث ، فالمعاملة المتميزة والدلال المفرط للطفل من جانب والديه إذا لم يقابلها نفس المعاملة خارج المنزل سواء في الشارع أو الحي ، أو النادي ، أو المدرسة غالبـًا ما تؤدي لشعور الطفل بالخجل الشديد ، خاصة إذا قوبلت رغباته بالصد ، وإذا عوقب على تصرفاته بالتأنيب والعقاب والتوبيخ
علاج مشكلة الخجل عند الأطفال :
يمكننا أن نقي أطفالنا من مشاعر الخجل والانطواء على الذات من خلال اتباع التعليم الآتية :
1- توفير الجو الهادئ للأطفال في البيت ، وعدم تعرضهم للمواقف التي تؤثر في نفوسهم وتشعرهم بالقلق والخوف وعدم الاطمئنان ، ويتحقق ذلك بتجنب القسوة في معاملتهم والمشاحنات والمشاجرات التي تتم بين الوالدين ؛ لأن ذلك يجعلهم قلقين يخشون الاختلاط بالآخرين ويفضلون الانطواء وعدم مواجهة الحياة بثقة واطمئنان .
كما يتحتم على الآباء والأمهات أن يوفروا لأولادهم الصغار قدرًا معقولاً من الحب والعطف والحنان ، وعدم نقدهم وتعريضهم للإهانة ، أو التحقير ، وخصوصـًا أمام أصدقائهم أو أقرانهم ؛ لأن النقد الشديد والإهانة والتحقير الزائد على اللزوم يشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه ، ويقعده عن القيام بكثير من الأعمال ، ويزيد من خجله وانطوائه .
2- ينبغي على الأم إخفاء قلقها الزائد ولهفتها على طفلها ، وأن تتيح له الفرصة للاعتماد على نفسه ومواجهة بعض المواقف التي قد تؤذيه بهدوء وثقة ، فكل إنسان كما يؤكد علماء النفس لديه غريزة طبيعية يولد بها تدفعه للمحافظة على نفسه وتجنب المخاطر ، والطفل يستطيع أن يحافظ على نفسه أمام الخطر الذي قد يواجهه بغريزته الطبيعية .
3- أن يهتم الوالدان بتعويد أطفالهما الصغار على الاجتماع بالناس سواء بجلب الأصدقاء إلى المنزل لهم بشكل دائم ، أو مصاحبتهم لآبائهم وأمهاتهم في زيارة الأصدقاء والأقارب أو الطلب منهم برفق ليتحدثوا أمام غيرهم سواء كان المتحدث إليهم كبارًا أو صغارًا .
وهذا التعويد يضعف في نفوسهم ظاهرة الخجل ويكسبهم الثقة بأنفسهم ، وقد كان أبناء الصحابة والسلف الصالح ـ رضوان الله عليهم أجمعين ـ يتربون على التخلص التام من ظاهرة الخجل ومن بوادر الانكماشية والانطواء ، وذلك بسبب تعويدهم على الجرأة ومصاحبة الآباء لهم لحضور المجالس العامة ، وزيارة الأصدقاء وتشجيعهم على التحدث أمام الكبار ، ودفع ذوي النباهة والفصاحة منهم لمخاطبة الخلفاء والأمراء واستشارتهم في القضايا العامة والمسائل العلمية في مجمع من المفكرين والعلماء .
فقد كان الفاروق عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يصطحب بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ في حضور مجالس الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكان عبد الله دون الحلم ـ أي طفل لم يبلغ سن البلوغ ـ كما كان عمر ابن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يدخل عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ ، وكان دون الحلم في أيام خلافة عمر في مجالس الشورى مع أشياخ بدر ، ومما تناقلته كتب الأدب أن صبيـًا تكلم بين يدي الخليفة المأمون فأحسن الجواب فقال له المأمون : ابن من أنت ؟ فقال الصبي : ابن الأدب يا أمير المؤمنين ، فقال المأمون : نعمَ النسب وأنشد يقول :
كن ابن من شئت واكتسب أدبـًا يغنيك محمـــوده عن النسـب
إن الفتى من يقـول هـا أنــــا ذا ليس الفتى من يقول كان أبي
ودخل على عمر بن عبد العزيز في أول خلافته وفود المهنئين من كل أقطار الخلافة ، فتقدم وفد من الحجازيين لتهنئة عمر بن عبد العزيز ، تقدمهم غلام صغير لم يبلغ سن إحدى عشرة سنة فقال له عمر : ارجع أنت وليتقدم من هو أكبر " أسن " منك ، فقال له الغلام : أيد الله أمير المؤمنين بأصغريه قلبه ولسانه فإذا منح الله العبد لسانـًا لافظـًا وقلبـًا حافظـًا فقد استحق الكلام ، ولو أن الأمر يا أمير المؤمنين بالسن لكان في الأمة من هو أحق منك بمجلسك هذا ، فتعجب عمر من كلامه وأنشد قائلاً :
تعلم فليس المرء يولد عالمـًا وليس أخو علم كمن هو جاهل
وإن كبير القوم لا علم عنـده صغير إذا التفت عليه المحـافل
4- يجب على الآباء والأمهات أن يقوموا بتدريب الطفل الخجول على الأخذ والعطاء ، وتكوين الصداقات مع أقرانه من الأطفال ، وذلك بتشجيعه بكل الطرق على الاختلاط والاحتفاظ بالصداقات .
5- ابتعاد الوالدين عن التدليل المفرط للطفل ، وتعويده على الاعتماد على ذاته في ارتدائه ملابسه وحذائه وغيرهما من الأمور الأخرى ، فكلما كان الطفل مدللاً معتمدًا على أبويه ، وكان نضجه الانفعالي غير كامل ، وكلما كان بعيدًا عن الاعتماد على ذاته في الأمور الصغيرة ، كلما نشأ خجولاً ، كما ينبغي على المعلم في المدرسة أن يقوم ببث الثقة في نفوس التلاميذ ومعاملاتهم بالمساواة دون تحيز ، والبعد عن مقارنة الأطفال بمن هم أكثر حظـًا منهم ، سواء في الاستعداد الذهني أو الجسمي ، أو من حيث الوسامة ، أو القدرات والاستعدادات الاجتماعية ؛ لأن مثل هذه المقارنات تضعف ثقة الطفل بنفسه وتؤدي به إلى الفشل.
أيمن حمودة-اسلام ويب

Post: #540
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:55 AM
Parent: #501

الموارد المالية للمرأة في الإسلام
وهذا العنوان يلزمني أن أكتب تفصيلاً لتلك الموارد بلا إجمال لأمرها ، مع بيان لسندها الشرعي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، لأنه تشريع الحكيم الحميد - سبحانه وتعالى - وحتى نحسم شبهات الطاعنين الذين يحلو لهم اتخاذ شؤون المرأة هدفًا لسهامهم الكليلة التي لن تنال من شرعة الله - تعالى - بحال .
وهذا جانب - من جوانب حقوق المرأة في الإسلام - له تحديه الصارم أمام قوانين الأرض جميعًا ليعلم ذو نَصَفَةٍ من الناس أن شرعة الله غالية ، وأنها منصفة ذات عدل ورحمة ، وتلك صورة لما حضرني من موارد المرأة المالية في الإسلام .
1. حقها في النفقة عليها : سكنًا وكسوةً ومطعمًا ومشربًا وعلاجًا ، أي ما يغطي حاجاتها جميعًا بالمعروف .
هذا الحق كفله لها الشرع ، الشريف فألزم به أبويها ، أو عصبتها ، (نشأةً إلى الدخول بها ) ، فلم يُضيعْها 0 كما تفعل القوانين الغربية إذا بلغت الفتاة بينهم سن السادسة عشرة ؛ فإنها لا تُلزم والديها بإيوائها ولا بكفالتها ، وهذا أمر معروف لا يَعْضَى له الكاتبون ضد الإسلام .
إن الأبوين ، فالعصبة ملزمون بأداء هذا الحق من حقوقها حتى تنتقل بالدخول بها إلى بيت زوجها ؛ فيكون ملزمًا بأداء هذا الحق لها ؛ فإذا فقدت الزوج - لوفاة أو طلاق - كان لهذه الحقوق عودة إلزام إلى الأبوين أو العصبة في حال افتقارها .
وهذا الجانب مَنْ الحق المالي بجواره إلزام من يتعلق به هذا الحق بالمحافظة عليها ، وصيانتها ، وتوفير كرامتها . وقد تكفلت مصادر الفقه الإسلامي بتفصيل هذا الحق .
2. وللمرأة نصيب مالي محدد - من "الميراث" حدده الكتاب العزيز على أي حال كان وضعها : زوجة ، أو جدةً ، أو أمًا ، أو بنتًا ، أو أختًا ، وفي سورة النساء الآيات الحادية عشرة والثانية عشرة والثالثة عشرة ، ثم آخر آياتها تفصيل لنصيبها في أي أحوالها قال تعالى : ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مِثلُ حظ الأنثيين ، فإن كنَّ نساءً فوق اثنتين فلهنَّ ثلثا ما ترك ، وإن كانت واحدة فلها النصف ، ولأبويه لكل واحدٍ منهما السدسُ مما ترك إن كان له ولد ، فإن لم يكن له ولدٌ وَوَرِثَهُ أبواه فلأمهِ الثلث ، فإن كان له إخوةٌ فلأمِه السدسُ من بعد وصية يوصِى بها أو دين ، أباؤكم وأبناؤكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعًا فريضة من الله ، إن الله كان عليمًا حكيمًا ، ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولدٌ ، فإن كان لهن ولدٌ فلكم الربع مما تركن من بعد وصيةٍ يوصين بها أو دين ، ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ ، فإن كان لكم ولدٌ فلهن الثمنُ مما تركتم ، من بعد وصيةٍ توصون بها أو دين ، وإن كان رجلٌ يُورَثُ كلالةً أو امرأةٌ وله أخ أو أختُ فلكل واحدٍ منهما السدس ، فإن كانوا أكثر من ذلك بهم شركاء في الثلث ، من بعد وصيةٍ يُوصَى بها أو دينٍ غير مُضار ، وصيةً من الله والله عليم حليم ، تلك حدود الله ، ومن يطع الله ورسوله يُدخله جناتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. (النساء ، آية : 11 - 12).
ولا يفوتني - عقب الحديث عن حقها في الميراث - أن أبين هنا أمرين :
أولها : أن المرأة ليست ملزمة بنفقة شرعية قِبلَ نفسها ، أو قِبَلَ أحد .
ثانيهما : أنها - باعتبار ما كفل لها الشرع الشريف من (ذمة مالية مستقلة) لها أن تستغل مالها بطرق مشروعة ، مما يجعل نصيبها المالي يتضاعف دون أن تنتقصه واجبة عكس الحال في الرجال .
3. "المهر " وهو حق مالي ثابت لها قلَّ أو كثُر ، ليس لوليها أن يغفله أو يتنازل عنه ، وليس له نهاية مالية محددة ، قال تعال : (وأتوا النساء صدقاتهن نِحلةً) سورة النساء ، : الآية: 4) ، أي : آتو النساء مهورهن وجوبًا ، فالمهر ملك خالص لها ، مال تقدم منه وما تأخر . قال تعالى : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا ) (سورة النساء : آية: 20)..
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نهى عن كثرة الإصداق ثم رجع عن ذلك .. قال الحافظ أبو يعلى عن الشعبي عن مسروق قال : ركب عمر بن الخطاب منبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم . ثم قال : ما إكثاركم في صداق النساء !! وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ، فما دون ذلك . ولو كان الإكثار في ذلك تقوى عند الله أو كرامة لم تسبقوهم إليها . فلأعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم .
قال : ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت : يا أمير المؤمنين نهيت الناس أن يزيدوا في مهر النساء على أربعمائة درهم ؟ قال : نعم . فقالت : أما سمعت ما أنزل الله في القرآن ؟ قال : وأي ذلك ؟ فقالت : أما سمعت الله يقول : (وءاتيتم إحداهن قنطارًا) الآية ، قال : اللهم غفرًا كل الناس أفقه من عمر . ثم رجع فركب المنبر فقال : أيها الناس إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم ، فمن شاء أن يعطى من ماله ما أحب .
قال أبو يعلى : وأظنه قال : فمن طابت نفسه فليفعل.
إسناده جيد قوي.
وينبغي ألا يفوتنا في هذا المقام أن هذا الحق المالي في المهر ليس خاصًا بالزوجة إذا كانت مسلمة فقط ، فهو حقها مسلمةً كانت أو كتابيةً .
والمهر واجب - أيضًا - للإماء المؤمنات قال تعالى : ( ومن لم يستطع منكم طولاً أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات والله أعلم بأيمانكم بعضكم من بعض فأنكحوهن بإذن أهلهن وءاتوهن أجورهن بالمعروف ) (سورة النساء ، آية : 25). (أُجورهن: مهورهن) .
4. وتعمل المرأة ، ولا خلاف في عملها عند حاجتها هي ، أو حاجة المجتمع نفسه إليها ؛ كطبيبة أو مدرسة لبنات جنسها ، وقد تعمل في مهنة تخص النساء داخل بيتها ، أو لا تخص النساء كأن تكون أديبة تعكف على التأليف أو كتابة المقالات المفيدة .
ذلك كله وما شابهه ، للمرأة أن تمارس العمل بها موفورة الكرامة حريصة عليها لا ابتذال لشخصها في هذا العمل ، ولا تفريط في واجبها الأُسري ، ولقد دلت الشريعة الغراء على ما للشخص الذي نيط به أكثر من واجب - فاستوفاه بإحسان وأمانة - من أجر عظيم عند الله تعالى .
فأما ما كان لها من مال من هذا العمل ، فهو ملكها الخالص ، كما نص عليه أكثر الفقهاء ، وقد استشهد بعض العلماء - في هذا المقام - بقوله تعالى : ( وللنساء نصيبٌ مما اكتسبن) . (سورة النساء ، آية : 32).
على أن ما تقدم بشأن عملها أمر لا خلاف فيه.
5. وبما للمرأة من ذمة مالية مستقلة ، فإنها تستطيع أن (تضارب) بمالها مع أمين يحسن التجارة ، ويقوم عنها بالعمل ، وقد اشترط بعض الفقهاء إِذْنَ وليها : أبًا ، أو زوجًا في هذا المقام ليس للحكر عليها ، بل صونًا لها من القيل والقال ، ومالها وربحه حق لها .
وبعد .. فذلك شيء مما كفله الإسلام للمسلمة من موارد مالية ، وحسبي أن ألفت النظر - هنا - إلى مقال الأستاذ الذكتورة إسمت غنيم - بنفس هذا العدد لنتبين ما فعله الإسلام للمرأة .. وما فعله الغرب بها .. ولا تزال - إلى يومنا هذا - عرضة للتشرد والضياع بالرغم مما نسمعه من حديث الغوغاء .
ذلك - إذن - ما قدمه الإسلام ، أي ما فعله تشريعًا لا يمكن النيل منه منذ كان الإسلام من خمسة عشر قرنًا إلى يومنا هذا .. إلى يوم يبعثون .
تشريع سماوي .. وليس تشريعًا وضعيًا كهذا الذي اكتسبت به المرأة شيئًا من حقها في الغرب ، يمكن - فيما بعد - أن ينصل فيحول ، بل لقد نَصَلَ في الحرب العالمية الثانية حيث أعدت المرأة للترفيه عن الجنود .
فأما لدى أهل الكتاب فتلك هي المرأة فيما يرون : " إنها أدنى من الرجل لأنها هي التي أغوت آدم بالأكل من الشجرة المحرمة ، ولذلك فالمرأة بطبعها خاطئة" ومن هنا نشأ مفهوم الخطيئة الأصلية وجُعلت حواء متسببة فيها . ولذا يشكر اليهودي ربه صباح كل يوم على أنه لم يخلقه امرأة . كذلك فإننا نجد بعض آبائهم الأوائل أدانوا المرأة باعتبارها أقوى مصادر الخطيئة والغواية ، ويوضح "ترتوليات الأول " نظرته قائلا : ":إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان ، وإنها دافعة بالمرء إلى الشجرة الممنوعة ، ناقضة لقانون الله " .
ولقد حدث أن قرر أحد المجامع في رومية أن المرأة حيوان نجس لا روح له ولا خلود ، ولكن يجب عليها العبادة والخدمة ، وأن يكمم فمها كالبعير لمنعها من الضحك والكلام ، لأنها أحبولة الشيطان ، وما زالت تلك النظرة ضاربة بجذورها حتى اليوم وليس أدل على ذلك من أن بعض الأديرة في اليونان - على سبيل المثال - ما زالت حتى الآن تحرم دخول النساء إليها .
وحينما نصل إلى طلائع العصر الحديث فإننا نجد المرأة الغربية في مكانة متدهورة للغاية . ففي سنة 1790م ، بيعت امرأة في أسواق انجلترا "بشلنين" لأنها ثقلت بتكاليف معيشتها على الكنيسة التي كانت تؤويها . وظلت المرأة إلى سنة 1882م ، محرومة من حقها الكامل في ملك العقار وحرية المقاضاة .. وكان تعليم المرأة يجلب لها العار ! حدث - حينما كانت (اليصابات بلاكويل) تتعلم في جامعة جنيف سنة 1849م - أن النسوة المقيمات معها قاطعنها وزوين ذيولهن من طريقها احتقارًا لها كأنها دنس . فأين حقوقها المالية فضلاً عن مكانتها الإجتماعية .
عبير عبد الواحد-اسلام ويب

Post: #541
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:57 AM
Parent: #501

أبعاد التربية الإسلامية
مفهوم البعد :
البعد في اللغة اتساع المدى ورجل ذو بعد أي ذو رأي عميق وحزم - كما جاء في المعجم الوسيط . وأبعاد الشعور في الدراسات النفسية هي مظاهر عملياته من قوة أو ضعف ، ووضوح أو غموض وطول أو قصر . ويشير البعد في العلوم التطبيقية إلى العلاقة التي يتحدد لها مقدار ما بالنسبة إلى المقادير الأساسية وهي الطول والوزن والكتلة .
وأبعاد التربية الإسلامية هي المدى الواسع الذي تتحرك فيه العملية التربوية الإسلامية بمفاهيمهخا ومضامينها قياسًا بالمذاهب التربوية الأخرى قديمها وحديثها .
وكل شأن من شؤون الحياة التي تتعلق بالعمل الجماعي لا بد أن تتحقق فيه خطوات ثلاث هي :
الخطوة الأولى : التصور أو الهدف .
الخطوة الثانية : خطة مرسومة لهذا الهدف .
الخطوة الثالثة : تنفيذ هذه الخطة بصورة أقرب إلى الكمال والمثال .
أبعاد التربية الإسلامية :
يمكن القول بوجود أبعاد خمسة للتربية الإسلامية هي :
البعد العقائدي.
البعد الإنساني
.البعد الأخلاقي .
البعد المعرفي .
البعد الاجتماعي .
البعد العقائدي :
* البعد العقائدي هو أسُّ أبعاد التربية الإسلامية وعليه تُبنى بقية الأبعاد الأخرى ، ويقوم هذا البعد على معرفة أن الله تعالى إله واحد وربٌ موجدٌ . واعتادها بالقلب ، وممارسة مقتضياتها بالعمل .
* تتضح هذه المعرفة في قوله تعالى :
(فاعلم أنه لا إله إلا الله ..) الآية : 19 - سورة محمد .
( شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم ...) الآية : 18- سورة آل عمران .
* ويترتب على مضمون الآيتين أمران هما :
توحيد الله سبحانه وتعالى .
وقيامه سبحانه وتعالى بالعدل والقسط .
* والأمر الثاني لازم للأول ، لا ينفصل عنه بحيث لا يمكن أن نتصور وجود مجتمع إسلامي موحد لا يقام فيه العدل ، فإن وُجدَ لزمنا إعادة النظر في صور التوحيد في هذا المجتمع . يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله : (إن القسط هو العدل الذي قامت عليه السماوات والأرض ، فحيثما وُجدَ العدل في مكان ما ، فثمة شرع الله ودينه ). وهذا - طبعًا - مع وجود أصل الإيمان .
* فأساس التربية الإسلامية عندنا توحيد الله سبحانه وتعالى ، ويتفرع عنه أمور عدة منها :
وحدة الخالق (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، فسبحان الله رب العرش عما يصفون ) . الآية : 22 - سورة الأنبياء .
كمال الخلق ( وخَلقَ كل شيءٍ فقدرهُ تقديرًا ..) الآية : 2 - سورة الفرقان .
تسخير الكائنات للإنسان ( ألم تروا أن الله سخَّر لكم ما في السماوات وما في الأرض ، وأسبع عليكم نعمه ظاهرةً وباطنة ..) الآية : 20 - سورة لقمان .
البحث والدراسة : ( هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً ، فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور) . الآية : 15 - سورة الملك .
* والمشي في مناكبها أحد مستلزمات التسخير ، إذ من مقتضيات التسخير التفكر والتدبر والتأمل في خلق الله لاستثماره على الوجه الأتم في عمارة الأرض ، ونشر راية التوحيد على الأرض ، والقيام بالشهادة على الخلق فيهخا .
* وأشير هنا إلى أن من أولى أوليات المربين المسلمين أن يقيموا معنى التوحيد والعدل في نفوس الناشئة ، وأن ينافحوا عن العدل ويقيموه في أنفسهم ليخرجوا أمتهم مما وقعت فيه من تخلف وضياع .
البعد الأخلاقي :
وهو الإلتزام بقيم وسلوكيات محددة أمر بها القرآن الكريم واختصرها في قوله : (إنما بُعثْتُ لأتممَ مكارم الأخلاق ) ، الحديث : لقد راجعت معنى كلمة (مكارم) - في لسان العرب لابن منظور ، فوجدتها جمع مكرمة وهي فعل الكرم - وللحديث رواية أُخرى عند الإمام أحمد عن أبي هريرة (إنما بُعثتُ لأتمم صالح الأخلاق ) ومكارم الأخلاق هي التطبيق العملي للبعد الول ألا وهو البعد العقائدي ، لقد استطاع ثلاثة من تجار المسلمين أن يدفعوا بدولة أندونيسيا قُدمًا إلى الدخول في الإسلام وتوحيد الله سبحانه وتعالى ، لا بالقوة أو السيف ولكن بالأخلاق الكريمة وصالح الأعمال .
ولذا ينبغي أن نربي الناشئة على مكارم الأخلاق ، وعلى الصدق في القول والعمل ، وعلى أن الغاية لا تبرر الوسيلة ، حتى يتجنبوا الأخلاق الذميمة التي سقط فيها كثير من أصحاب الأهواء والمصالح ، وقبل ذلك ينبغي أن يتمثل المُربي والمعلم هذه الأخلاق الفاضلة ويُلزم نفسه بها قبل تأديب الأطفال ودعوتهم للإلتزام بها ، والتربية كما تعلمون تكون بالمقال وبالمثال وبالحال . بالمقال وعظًا وكتابة وقراءة . وبالمثال بضرب الأمثال برجال التربية العِظام . وبالحال بالقدوة الحسنة . والتربية بالحال أقوى من التربية بالمقال وأقوى من التربية بالمثال كما تعلمون .
البعد الاجتماعي :
وأسميه بفن حركة الذات ، وفن المعاملة مع الأفراد .
بالنسبة للفرد ذاته : كيف يتحرك ؟ ، وماذا يقول ؟ ، كيف يشرب ؟ ، كيف يأكل ؟ ، كيف ينام ؟ ، كيف يستيقظ ؟ . ورسولنا )غطى - في هذا المجال - حياتنا تغطية كاملة بحيث لا تجد موضع بنان في حياة الإنسان إلا وللرسول (فيه مقال - ويكفي مراجعة الأحاديث المأثورة في آداب اليوم والليلة في كتب الأذكار لتجد فيها دليلاً قويًا على ما قلناه .
كذلك نجد في الكتاب والسنة جملة من الآداب والسلوكيات التي تحدد كيفية التعامل بين الأفراد في المجتمع ، سواء تعلق ذلك بالمناسبات الاجتماعية أو المعاملات الإقتصادية أو الشؤون السياسية ، أو القضايا الدولية .
البعد الإنساني :
البعد الإنساني عندنا بُعدْ أساسي ، لأن الإسلام دين عالمي يتوجه إلى الإنسانية جمعاء ، من غير تمييز بين أحمر وأصفر ولا أبيض وأسود ، إنما الناس كلهم عباد الله ، كلهم أبناء آدم وحواء ، لا فرق بينهم إلا بالتقوى ، ولذلك توجه الله - سبحانه وتعالى - بخطابه إلى النسا جميعًا في قوله تعالى : ( يا أيها الناس ، إنا خلقناكم من ذكرٍ وأنثى ، وجعلناكم شعوبًا وقبائل ، لتعارفوا إن اكرمكم عند الله أتقاكم ) . الآية : 13 - الحجرات .
وقد أوضح الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المبدأ بجلاء فقال : [ أنا سابق العرب ، وسلمان سابق الفرس ، وصهيب سابق الروم ، وبلال سابق الحبش ].
ودعا العرب إلى الوحدة وكره إليهم الفرقة والتنابز بالألقاب والتفاخر بالأنساب واعتبر سلمان الفارسي بمنزلة واحد من آل بيته حين قال : [ سلمان منا آل البيت ].
أما في غير الإسلام فالإنسانية تأخذ طابعًا قوميًا إقليميًا بالمواطنة فمن شملهم الوطن الواحد والدين الواحد اتسعت لهم مبادىء حقوق الإنسان والذين انتسبوا إلى وطن واحد ودين آخر فلا اعتبار للإنسانية في التعامل معهم .
البعد المعرفي :
سقط علم إبليس عندما تكبّر وتجبّر ونسي نفسه ، فلم ينتفع بعلمه ، في الوقت الذي اختار فيه مخلوقًا يحمل أمانة هذا العلم ، حيث قال سبحانه : ( وعلّم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة ..) ، الآية : 31 - سورة البقرة . فتحمل الإنسان بذلك أمانة العلم وتحمّل تبعات نشره وتولى ذلك الأنبياء والرسل ثم العلماء والدعاة من بعدهم . فما المقصود بالعلم هنا ، وما المعرفة المقصودة ؟ المعرفة المقصودة هناتبدأ بمعرفة الله سبحانه وتعالى وإن كان كل علم تقوم عليه الحياة ويحتاجه المسلمون يدخل ضمن المراد بالعلم هنا ، مع أن علم الشريعة أشرفها وعلى كل إنسان أن يعرف منه ما يقيم به حياته ، من صلاة وصيام وزكاة وحج وما شاكلها من أمور الحياة التي تتصل باختصاص الفرد وعمله والدائرة التي يتحرك فيها .
ومن هنا كان العلماء العاملون هم أكثر الناس خشية لله ، نلمس ذلك في قوله تعالى : ( إنما يخشى الله من عباده العلماءُ ) . الآية . حيث ربط سبحانه وتعالى خشيته بعلماء الطبيعة ، وعلم النبات ، وعلم حركة البحار ، وعلم الطبوغرافيا ، وعلم الإنسان ، وعلم الحيوان . ومن هنا فليس معلم الشريعة فقط - هو المطالب بتذكير التلاميذ بمعاني التوحيد من خلال المنهج الدراسي ، بل إن كل المعلمين معنيون بتبليغ هذه المعاني إلى التلاميذ ، كلٌ في إطار تخصصه . والحمد لله رب العالمين .
الشيخ : مصطفى الصيرفي-اسلام ويب

Post: #542
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 01:59 AM
Parent: #501

صاح وبكى ، واحمر وجهه وأذناه وهرب منه الكلام ، ولما حاول التكلم جف حلقه ، وارتعشت يداه ، وزادت سرعة نبضات قلبه .. بل أحيانًا يكاد يغمى عليه ... ما الحل ؟
طفلي مدهش ، كثير الحركة ، ذو نشاط جم وحب للسيطرة داخل البيت فقط ، وأما خارج البيت فيبدو خجولاً منطويًا لدرجة أنه يخفي رأسه إذا رأى شخصًا يعرفه في مكان ما بل يشتد خجله إذا حادثه ، إنني لا أدري كيف أتعامل معه ، إذ أخشى أن تزيد حالته سوءًا .
طفلي يبكي ويصرح ولا يتكلم ، إذا زرنا أحدًا أو زارنا أحد ، مما يزيد إحراجي . طفلي ينقصه التركيز ، ولا يحب كثرة الناس في المكان ، إنه لا يحب المباراة والمنافسة خوفًا من ان يتغلب عليه الآخرون .
طفلي لا يحب اللعب مع الأطفال ، حاولت مرارًا تأنيبه ، ولكن حالته في ازدياد ، إنه يلعب مع أطفال البيت فقط ، أما الغرباء فلا يحب الاجتماع بهم .
طفلي يعرف إجابة السؤال الذي يطرحه معلمه في الصف ، لكنه لا يجرو على الإجابة .. أخاف أن يقلل هذا من سعادته ، أو يُفقده حب الناس له .
كلي أمل في الحياة أن أراه سعيدًا في الدنيا والآخرة .. ما الحل ؟!
هذه الأشياء هي الأعراض المذمومة للخجل والتي قد يتعرض لها طفلنا العزيز وتصاحبه طوال حياته إذا لم تعالج بحكمة .
إنها أعراض قد تبدأ مع الطفل في أي لحظة من السنوات العشر الأولى ، وقد تستمر معه إذا لم تعالج بحكمة وصبر .
حقًا ، إنها مشاكل كبيرة يسببها الخجل للطفل ؛ فالطفل الخجول يجد صعوبة في تكوين علاقة طيبة مع من حوله ، أو عقد صداقات سريعة من أقرانه .
وقد يُفضي الخجل بالطفل إلى الخوف والرهبة واضطراب الأعصاب ، وكذلك إلى الخوف من القيام بأي عمل خشية الإخفاق ، وقد يجد صعوبة في التركيز فيما يجري حوله ، ولا يعرف كيف يواجه الحياة منفردًا ، وخاصة عند دخوله المدرسة ، فقد يشعر بعدم الرضا عن نفسه ؛ فلا يتجرأ على طرح الأسئلة خوفًا من الرفض أو الصد . لذلك فإن الباحثين يهتمون بهذه الظاهرة لما لها من آثار سيئة على نفسية الطفل .
وقد تتضمن بعض شكاوى الآباء أن الطفل يعاني من الحياء ؛ فإن كان المقصود من الحياء هو ما ذكرنا من الأعراض السابقة ، فهناك خطأ في التعبير ؛ فذاك هو الخجل المذموم ، وإن كان المقصود بالحياء الأدب أمام الكبار ، وعدم التحدث أمامهم لغير حاجة ، ونحو ذلك ، فإن ذلك هو الحياء الذي هو خُلق رسول الله صلى الله عليه وسلم [ أشدُ حياء من العذراء في خِدرها ] (رواه مسلم ).
وقد مرَّ صلى الله عليه وسلم على رجل يعاتب أخاه في الحياء فقال له صلى الله عليه وسلم : [ دعه فإن الحياء من الإيمان ] .
وينبغي أن ينمي الأب خلق الحياء في نفس طفله حيث إنه من اخلاق الفطرة .
ولكن ما الأسباب والدوافع التي تؤدي بالطفل إلى ذلك الخجل المذموم ؟؟
1. العامل الوراثي :
يرى فريق من الباحثين ، أن فسيولوجية الدماغ عند الأطفال المصابين بالخجل هي التي تهيؤهم لتلك الاستجابة . من هنا فإن العامل الوراثي بالإضافة إلى البيئة المحيطة له أثره ، كذلك فإن الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والحالات النفسية التي تعاني منها الأم خلال مرحلة الحمل ، قد تؤثر على نمو الطفل ، وتهيؤه لظهور حالة الخجل لديه في مستقبل حياته .
2. طريقة تعامل الوالدين مع الطفل :
بالإضافة إلى العامل الوراثي فإن الوالدين مسؤولان عن إصابة الطفل بالخجل دون أن يشعرا ، ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة ، أو ملاحظات عابرة ، لا يشعران بتأثيرها على الطفل .
فقلق الأم الدائم والزائد على طفلها ولهفتها عليه من أكبر أسباب تكون الخجل لدى الطفل ، فهي لشدة حبها له تجعل عينيها دائمًا على كل تصرفاته ، بهدف حمايته وهي لا تدري أنها بذلك تحول دون انطلاقه بغير قصد منها ، مما يجعله لا يستمتع باللعب أو الجري ، لأنه يتوقع في كل لحظة أن يُصاب بأذى فيفضل البقاء بجانب أمه منطويًا .
3. الخلافات بين الزوجين :
تسبب مخاوف غامضة للطفل ، وتجعله لا يشعر بالأمان ، مما يؤثر على نفسيته ، وقد يصل في هذه الحالة إلى الإنطواء ويلوذ بالخجل .
4. إثارة الغيرة لدى الطفل :
وذلك بالمقارنة بينه وبين أحد أقرانه ، أو أشقائه ، إذا كان متفوقًا في أي جانب من الجوانب وذلك بمدحه على ذكائه ،أو حسن تصرفه وخاصة أمام الآخرين مما قد يُشعر الطفل بالإحباط والحرج ويؤدي إلى شعوره الشديد بالخجل .
5. القسوة في العقوبة :
وذلك بمعاقبة الطفل لمجرد ارتكابه أي خطأ ، أو تقصير في أداء الوظائف المنزلية ، أو انخفاض درجات الاختبار .
6. مشكلات خاصة :
كأن يكون مصابًا بعيب خَلقي ، أو مرض مزمن ، أو عيب في النطق ، مثل التأتأة ، فيشعر الطفل أنه أقل من نظرائه ويبتعد عنهم ولا يشاركهم نشاطهم .
كل ذلك يؤدي إلى شعور بالنقص أو التقليل من قيمة نفسه ...
وهذا أصل الخجل .
الأستاذ : يسري الجارحي-اسلام ويب

Post: #543
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:01 AM
Parent: #501

حكمة تحديد مدة الرضاعة بحولين كاملين من منظور علمي
يقول تعالى (والوالدات يرضعن أولادهن حولينِ كاملين لمن أراد أن يُتمَّ الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها لا تُضار والدةٌ بولدها ولا مولودٌ له بولده وعلى الوارث مثلُ ذلك فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جُناح عليهما وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلاجناح عليكم إذا سلّمتم ما آتيتم بالمعروف واتقوا الله وأعلموا أن الله بما تعملون بصير) [البقرة :233] .
أقوال المفسرين :
يقول ابن كثير في تفسير هذه الآية : إنها إرشاد من الله تعالى للوالدات أن يرضعن أولادهن كمال الرضاعة ؛ وهي سنتان ، فلا اعتبار بالرضاعة بعد ذلك .
وذهب أكثر الأئمة إلى أنه لا يحرم من الرضاعة إلا ما كان دون الحولين ، فلو ارتضع المولود وعمره فوقهما فلا يحرم . قال الترمذي باب (ما جاء أن الرضاعة لا تحرم إلا في الصغر دون الحولين) : عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا يحرم من الرضاعة إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام]
والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وغيرهم ، أن الرضاعة لا تحرم إلا ما كان دون الحولين الكاملين ، وما كان بعد الحولين الكاملين ، فإنه لا يحرم شيء ، ومعنى قوله : [إلا ما كان في الثدي] ؛ أي في مجال الرضاعة قبل الحولين ، كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم : [وإن إبراهيم ابني ، وإنه مات في الثدي ، وإن له ظئرين تكملان رضاعة في الجنة] . وفي رواية البخاري : [إن له مرضعـًا في الجنة] .
وقال صلى الله عليه وسلم ذلك ؛ لأن إبراهيم مات وله سنة وعشرة أشهر . فقال : [إن له مرضعـًا] يعني : تكمل رضاعته .
والقول بأن الرضاعة لا تحرم بعد الحولين يروى عن : علي ، وابن عباس ، وابن مسعود ، وجابر ، وأبي هريرة ، وابن عمر ، وابن سلمة ، وسعيد بن المسيب ، وعطاء ، والجمهور
ويقول القرطبي : قوله تعالى : (حولين) ؛ أي سنتين كاملتين قيد بالكمال ؛ لأن القائل قد يقول : أقمت عند فلان حولين ، وهو يريد حولاً وبعض حول آخر ، و استنبط مالك - رحمة الله تعالى عليه - ومن تابعه وجماعة من العلماء من هذه الآية أن الرضاعة المحرمة الجارية مجرى النسب إنما هي ما كان في الحولين ؛ لأنه بانقضاء الحولين تمت الرضاعة ، ولا رضاعة بعد الحولين معتبرة ، هذا قوله في موطئه .
وروى شعبة عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [لا رضاعة إلا ما كان في الحولين] . قال الدراقطني : لم يسنده عن ابن عيينة غير الهيثم بن جميل ، وهو ثقة حافظ .
ويقول الرازي في (تفسيره) : المقصود بتحديد حولين هو أن للرضاعة حكمـًا خاصـًا في الشريعة ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم : [يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب] .
ويقول الشوكاني في (تفسيره) : (لمن أراد أن يُتم الرضاعة) أي : ذلك لمن أراد أن يتم الرضاعة ، وفيه دليل على أن إرضاع الحولين ليس حتمـًا ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه .
حكمة جعل مدة الرضاعة سنتين
إذا علمنا أن مدة الرضاعة المعتبرة شرعـًا هي ما كان في الحولين ، فهل لذلك من حكمة أو علة طبية ؟
ذكر كتاب (نلسون) - وهو أحد المراجع المشهورة في طب الأطفال - في طبعته عام 1994م : أن الأبحاث الحديثة أظهرت وجود علاقة ارتباطية قوية بين عدد ومدة الرضاعة من ثدي الأم وبين ظهور مرض السكري من النوع الأول في عدد من الدراسات على الأطفال في كل من النرويج والسويد والدنمارك ، وعلل الباحثون ذلك بأن لبن الأم يمد الطفل بحماية ضد عوامل بيئية تؤدي إلى تدمير خلايا بيتا البنكرياسية في الأطفال الذين لديهم استعداد وراثي لذلك ، وأن مكون الألبان الصناعية وأطعمة الرضع تحتوي على مواد كيميائية سامة لخلايا بيتا البنكرياسية ، وأن ألبان البقر تحتوي على بروتينات يمكن أن تكون ضارة لهذه الخلايا ، كما لوحظ أيضـًا في بعض البلدان الأخرى أن مدة الرضاعة من الثدي تتناسب عكسيـًا مع حدوث مرض السكري ؛ لذلك ينصح الباحثون الآن بإطالة مدة الرضاعة من ثدي الأم للوقاية من هذا المرض الخطير ، وللحفاظ على صحة الأطفال في المستقبل ، وبناءً على الحقائق برزت في السنوات الأخيرة نظرية مفادها أن بروتين لبن البقر يمكن أن يحدث تفاعلاً حيويـًا مناعيـًا يدؤي إلى تحطيم خلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين ، ويعضد هذه النظرية وجود أجسام مضادة بنسب مرتفعة لبروتين لبن البقر في مصل الأطفال المصابين بداء السكري بالمقارنة مع الأطفال غير المصابين بالمرض كمجموعة مقارنة .
وفي دراسة حديثة منشورة في مجلة السكري في يناير 1998م استخلص الباحثون أن البروتين الموجود في لبن الأبقار يعتبر عاملاً مستقلاً في إصابة بعض الأطفال بمرض السكري بغض النظر عن الاستعداد الوراثي .
وفي دراسة حديثة منشورة في فبراير 1998م في جريدة (المناعة) أشار المؤلفون إلى أن تناول لبن الأبقار وبعض الألبان الصناعية كبديل للبن الأم يؤدي إلى زيادة نسبة الإصابة بمض السكري في هؤلاء الأطفال ، وقد أجريت هذه الدراسة على أطفال صغار السن حتى الشهر التاسع من العمر ، ولهذا نصح المؤلفون بإطالة مدة الرضاعة الطبيعية .
وفي دراسة مشابهة منشورة في مجلة (السكري) في يناير 1994م أوضح الباحثون وجود ارتباط قوي بين تناول منتجات الألبان الصناعية (خاصة لبن الأبقار) في السن المبكرة حتى العام الأول من العمر وازدياد نسبة الإصابة بمرض السكري .
وفي دراسة أجريت بقسم الباطنية سنة 1995م تحت إشرافي وجدنا أن الأجسام المناعية المضادة للبن الأبقار وجدت في مصل الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار حتى نهاية العام الثاني ، أما الأطفال الذين تناولوا لبن الأبقار بعد عامين من العمر فلم يتضح فيهم وجود هذه الأجسام المناعية ، مما يظهر جليـًا حكمة القرآن الكريم للرضاعة بعاملين كاملين .
لكن لماذا يسبب لبن الأبقار هذا الضرر قبل العام الثاني ، بينما يزول بعد هذه المدة ؟
في دراسة أجريت بفنلندا عام 1994م منشورة في مجلة (المناعة الذاتية) .
يقول المؤلفون : إن بروتين لبن الأبقار يمر بحالته الطبيعية من الغشاء المبطن للجهاز الهضمي نتيجة عدم اكتمال نمو هذا الغشاء من خلال ممرات موجودة فيه ، حيث إن أنزيمات الجهاز الهضمي لا تستطيع تكسير البروتين إلى أحماض أمينية ، ولذلك يدخل بروتين لبن الأبقار كبروتين مركب ، مما يحفز على تكوين أجسام مناعية داخل جسم الطفل .
وتشير المراجع الحديثة إلى أن الإنزيمات والغشاء المبطن للجهاز الهضمي وحركية هذا الجهاز وديناميكية الهضم والامتصاص لا يكتمل عملها بصورة طبيعية في الأشهر الأولى بعد الولادة ، وتكتمل تدريجيـًا حتى نهاية العام الثاني .
ومجموع هذه الأبحاث يشير إلى أنه كلما اقتربت مدة الرضاعة الطبيعية من عامين كلما قل تركيز الأجسام المناعية الضارة بخلايا بيتا البنكرياسية التي تفرز الأنسولين ، ولكما بدأت الرضاعة البديلة ، وخاصة بلبن الأبقار في فترة مبكرة بعد الولادة كلما ازداد تركيز الأجسام المناعية الضارة في مصل الأطفال .
وفي إشارة علمية دقيقة أخرى للقرآن الكريم نراه يحدد مدة الرضاعة بما يقرب من الحولين ، كما جاء في الآية رقم (14) في سورة [لقمان]: (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنـًا على وهن وفصاله في عامين) ، والآية (15) في سورة [الأحقاق] : (حملته أمه كرهـًا ووضعته كرهـًا وحمله وفصاله ثلاثون شهرا) ، ويُفهم من هذا أن إرضاع الحولين ليس حتمـًا ، بل هو التمام ، ويجوز الاقتصار على ما دونه ، كما أشارت الأحكام الإسلامية الخاصة بالرضاعة إلى ذلك ، اعتماداً على قوله تعالى : (فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما…) الآية [البقرة : 233] .
يقول ابن كثير ، رحمه الله ، أي فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين، ورأيا في ذلك مصلحة له وتشاورا في ذلك وأجمعا عليه ، فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الآخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر . قاله الثوري وغيره .
وهذا فيه احتياط للطفل والتزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده ، حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما ، وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه .
وهكذا يتضح جليـًا حكمة تحديد الرضاعة بحولين كاملين في إشارة علمية دقيقة من القرآن الكريم ، وجاءت الأبحاث العلمية الحديثة لتؤكد ولتبرهن على صدق وإعجاز ما أخبر به القرآن الكريم ، منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام . قال تعالى : (سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أو لم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد) [فصلت: 53] .
د . مجاهد محمد أبو المجد-اسلام ويب

Post: #544
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:08 AM
Parent: #501

الوجبات السريعة .. سباق نحو السمنة والمرض
لكل مجتمع من المجتمعات سماته وعاداته المميزة له ، وتلك السمات تنبعث أحيانـًا من التمسك بالقيم والثوابت الدينية ، وأحيانـًا من العادات والتقاليد المتوارثة ، ولكن في ظل النظام العالمي الجديد تشابهت المجتمعات وتوحدت العادات ، وما عدت قادرًا على التمييز بين شرقي وغربي في ملبسه أو مأكله على الأقل ، ففي معظم عواصم العالم تجد فروعـًا لمحلات " فاست فود " ، حيث تقدم الوجبات السريعة لمرتاديها مثل " الهامبورجر " و " ماكدونالدز " و " بورجركينج " و " كنتاكي " .
وتعج تلك المطاعم بعملائها من الفتيان والفتيات في مختلف الأعمار إضافة إلى الأسر التي تغادر المنزل عن بكرة أبيها كي تتناول وجبة شهية من " فاست فود " ، ومن المشاهد المألوفة أيضـًا رؤيتك للسيارات المتراصة على جانبي الطريق تنتظر الحصول على طلبها لتتناوله في السيارة أو في مكان آخر بعيدًا عن الزحام .أما عن العاملين فإنك تراهم في حركة دؤوبة إيابـًا وذهابـًا ، ولا يكادون يوفون بمتطلبات عملائهم نظرًا للإقبال الشديد .
كل تلك الظواهر التي ذكرناها تنم عن مدى افتتان الناس بهذا النوع من الطعام وتلذذهم بتناوله ، وعلى غرار مقولة " ليس كل ما يلمع ذهبـًا " ، نقول ليس كل ما يستقطب الزبائن صحيـًا ومفيدًا ، أو ليست حلاوة الطعم دليلاً على جودة الأكل ، وسوف نبرهن على ذلك .
وقد أثير هذا الموضوع من قبل ونوقش من الناحيتين الشرعية والأخلاقية ، فمن الناحية الشرعية تلك اللحوم ليست معلومة المصدر ، ونحن لا ندري كيف ذبحت ، ولمن أُهلَّ بها ، لذا يجب أن نأخذ بالأحوط ونتقي الشبهات ، حتى لا نقع في محظور ، ومن الناحية الأخلاقية فما هي إلا تقليد أعمى للغرب في عادات لا طائل منها .
وإذا كان الجانبان الشرعي والأخلاقي غير كفيلين بزجر الناس فلندعمهما بالجانب الصحي حتى تكتمل الأبعاد الثلاثة أملاً في أن تجد الدعوة صداها لدى مرتادي تلك المحلات ، وقد قمت بترجمة أحد المقالات التي تلقي الضوء على خطورة هذا النوع من الأطعمة .
فبينما كان الصحفي الأمريكي " إيريك سكلوسر " يعد كتابـًا بعنوان " أمة فاست فود " ، وفي طريقه للبحث عن المعلومات التي تعضد آراءه ، اكتشف هذا الصحفي حقائق تبدو مفجعة لكثير من مدمني " فاست فود " ـ إن صح التعبير ـ ،وقد كان الرجل دقيقـًا وموضوعيـًا في استقائه للمعلومات ، ومن ثم فقد أمضى حوالي سنتين تحدث خلالهما إلى عدد كبير من المزارعين ورجال المجازر باعتبارهم الموردين للدجاج واللحوم ، وتحدث أيضـًا إلى العلماء الذين يقومون بإعداد المواد المضافة إلى تلك اللحوم حتى تضفي على الأطعمة تلك النكهة التي تعد وسيلة الجذب الأولى للقاصي والداني في كافة ربع المعمورة .
وقد كشف هذا الصحفي النقاب عن سلسلة من التجاوزات التي تثير الاشمئزاز ولا يتوقعها أحد ، فالطعام الرئيسي الذي تتغذى عليه الماشية التي تورد لحومها لمحلات " الفاست فود " عبارة عن لحم قطط وكلاب ميتة يتم شراؤها من ملاجئ الحيوانات ، ولحوم عالقة بها آثار من المخلفات الحيوانية " الروث " .
* هل تصدقنا حاسة التذوق : وجبة تحتوي على عشرات المواد الكيميائية
ويشير " سكلوسر " إلى أن حاسة التذوق لدينا تعد مصفاة ومقياساً ندرك من خلاله مدى صلاحية الأطعمة من حيث جودتها ورداءتها ، وبحاسة التذوق يتم انتقاء الطعام المفضل ، أما مع " فاست فود " فالأمر ليس كذلك ، فصناعة " الفاست فود " تقوم على إضفاء المذاق الصناعي للأطعمة بوضع بعض مكسبات الطعم التي تعد خليطـًا من مواد ومركبات كيميائية لو علمنا حقيقتها لقمنا بلفظها بدلاً من ابتلاعها بتلذذ واستمتاع .
وبذلك فإن ما يحدث أشبه بخدعة لحاسة التذوق عندنا ؛ فرائحة الطعام وطعمه ينمان عن جودته ، ولكن هذا يكون صحيحـًا إذا كان ذلك الطعم وتلك الرائحة ينبعثان من الطعام ذاته ، فالحقيقة أنهما يأتيان من المواد الاصطناعية المضافة.
أما عن الطعام وحقيقته فتعف النفس عن تناوله لو بقي على حاله دون إضافات ، ولا يقتصر الأمر على الرائحة والطعم بل هناك مكسبات لون تضاف إلى الأطعمة المصنعة كي تبدو طازجة وجذابة ، و " ماكدونالدز " و " وينديز " و"بورجركينج" تستخدم تلك المواد الملونة وتضعها على الصلصات المختلفة والمشروبات الباردة والبهارات وأطباق الدجاج … إلخ .
وما لا يعلمه أحد أن الكثير من المواد الكيميائية المستخدمة في تلوين الطعام هي نفسها التي تستخدم في صناعة مواد التجميل .
ويذكر " سكلوسر " أن بعض الحلويات غالبـًا ما تغطى بطبقة خارجية بيضاء تعطيها شكلاً جذابـًا ، وقد ثبت أن " ثاني أكسيد التيتانيوم " هو الذي يضفي ذلك اللون الأبيض على تلك الحلويات ، علمـًا بأن " ثاني أكسيد التيتاتيوم" هو أحد المركبات التي تدخل في صناعة مواد التجميل ، والأغرب من ذلك أنه مادة صبغية توضع في الأصباغ البيضاء .
أما عن مكسبات الطعم والنكهة ، فإن عصير الفراولة الممزوج باللبن خير دليل على ذلك ، فهذا المشروب الذي تقدمه محلات " بورجر كينج " يحتوي على 49 مركبـًا كيميائيـًا بدءًا من زيت الليمون ، وزيت الكونياك ، وانتهاءًا باسيتات النشا التي تعد خليطـًا من الخل ونشا الكحول وحمض الكبريتيك ، والمشروب له نفس مذاق الفراولة ، لكنه وبكل تأكيد ليس مستخلصـًا من الفراولة كما يعتقد الجميع .
ويقول " سكلوسر " إن الكثير من أطباق " الفاست فود " ذائعة الصيت ليست كما تبدو في شكلها وطعمها ، بل تخفى عنا حقيقتها ، فلعقود مضت كانت " ماكدونالدز" تطهي المقليات الفرنسية في خليط يحتوي على " 7% " من زيت بذرة القطن ، و" 93% " من الشحم البقري ، وهذا الخليط يمنح المقليات طعمها الفريد ، لكن الشحم البقري يوجد بتشبع وعلى نحو يفوق " بورجر الماكدونالدز " في كل أوقية .
وبعد النقد الذي تعرضت له " ماكدونالدز " عام 1990م من قبل الجماعة الصحية من جراء تلك الخلطة قررت استخدام زيت نباتي نقي ، إلا أنها ما زالت مستمرة في إضافة ما تسميه " النكهة الطبيعية " ، وتلك النكهة عبارة عن مركب غامض صرحت مؤخرًا بأنه ربما يحتوي على منتجات حيوانية .
* الأطفال أول المتضررين من الوجبات السريعة :
ويعكس إقبال الأطفال الأمريكيين على هذا النوع من الطعام مدى الأثر الذي تتركه تلك الأطعمة على متناوليها ، فالأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين السابعة والسادسة عشرة يأكلون " بورجر " أكثر من أي شخص آخر بمعدل ست مرات في الأسبوع ، وعلى هذا فليس من قبيل المصادفة أن يرتفع معدل السمنة بين الأمريكيين بنسبة " 42% " منذ عام 1980م .
ويذكر " سكلوسر " أن ثلث الشعب الأمريكي يأكل " هامبورجر " يوميـًا ، الأمر الذي يجعل ثلث الشعب يعاني من زيادة الوزن ، وهذه النسبة تزايدت بصورة كبيرة خلال الربع الأخير من القرن العشرين ، ويرجع ذلك إلى زيادة الإقبال على الـ " فاست فود " ، على أن هذا لا يعني أن خطورة " فاست فود " قاصرة على الأمريكيين فقط ، بل تتعداهم إلى غيرهم ممن يتناولون نفس الأطعمة ، ولأن الولايات المتحدة هي البلد الناشط في إجراء الاستطلاعات والدراسات ، لذا يمكننا الاعتماد على تلك الإحصاءات في التدليل على خطورة تلك الأطعمة .
وليست المحتويات الدهنية وحدها هي التي تسبب أضرارًا للمستهلك ، فوفقـًا لما ذكره " سكلوسر " فإن التكلفة العالية للعلف الطبيعي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب دفعت مربي الماشية للبحث عن علف آخر يكون أقل تكلفة ، وأصبح العلف الجديد الرخيص الذي تطعمه الماشية عبارة عن لحوم وعظام مفرومة ومواد أخرى لاحتواؤها على نسبة عالية من البروتين ، وبذلك تزيد سرعة النمو ويزيد الربح .
وإذا كان النظام الغذائي والبيئة المحيطة للحيوان غير طبيعيين ، فإن حالة الحيوان تسوء ويصبح عرضة للأمراض التي تؤثر على من يتناول تلك اللحوم .
وقد ذكر أحد المسؤولين الذين تحدث إليهم الكاتب أن ثمة مقارنة بين الوضع الصحي للمعالف اليوم ، وبين الوضع الصحي العام في المدينة الأوروبية في العصور الوسطى ، عندما كان الناس يقضون حوائجهم ويلقون بها من النوافذ، مما جعل الطرقات أشبه بمنطقة للصرف الصحي ، وكانت النتيجة انتشار الأمراض والأوبئة ،وكذلك الأمر بالنسبة للماشية الآن ؛ حيث تحشر في المعالف دون الاهتمام بنظافتها ، فيعيش الحيوان في برك من الروث والمخلفات الحيوانية ، وتلك البيئة تجعله أكثر عرضة للأمراض والأوبئة .
* المجازر تعج بالميكروبات الملوثة
وقد عبر " سكلوسر " عن انزعاجه عند زيارته لبعض المجازر حيث تذبح الماشية ، فهناك ترى الضغط الهائل على العاملين ، فمنذ عشرين عامـًا كان مصنع " موفورت " في " جريلي " بولاية " كولورادو " يقوم بذبح حوالي " 175 " رأسـًا في الساعة ، أما في التسعينيات فأصبح العدد الذي يذبح حوالي " 400 " رأس في الساعة الواحدة ، أي ما يعادل " 6 " رؤوس في الدقيقة ، ومما لا شك فيه أن العجلة في هذا الأمر تزيد من مخاطر التلوث .
ولاحظ " سكلوسر " أيضـًا أن أمعاء الحيوانات مازالت تسحب باليد ، وإذا لم يتم ذلك الأمر بعناية بالغة فإن محتويات الجهاز الهضمي عند الحيوان تتناثر في كل مكان .
ولأن العاملين في ضغط دائم ، فإن السرعة هي السمة الغالبة على طريقتهم في العمل ، وهذا يجعل نسبة الأخطاء أكثر حدوثـًا وربمـًا تتضاعف الأضرار المترتبة على خطأ واحد .
فعلى سبيل المثال يجب أن يتم تنظيف وتطهير السكاكين كل بضع دقائق ، وهذا الأمر غالبـًا ما ينساه العاملون وهم منهمكون في العمل .
وقد صدرت دراسة عام 1996م عن وزارة الزراعة الأمريكية كشفت عن عدة حقائق من بينها أن عينات اللحوم المفرومة التي أخذت من مصانع الأغذية كانت ملوثة بالعديد من الميكروبات ، مثل " السالمونيلا " وغيرها ، وأظهرت نفس الدراسة أن " 78.6% " من الميكروبات الملوِّثة للحم المفروم تنتشر أساسـًا بسبب المخلفات الحيوانية .
وبعد أن علمنا ـ كما يذكر " سكلوسر " ـ أن اللحوم المفرومة على سبيل المثال ، والتي تعتبر جزءًا من طعام الـ " فاست فود " ملوثة بالعديد من الميكروبات وبنسب متفاوتة ، فلا عجب إن علمنا أن مائتي ألف أميركي يصابون يوميـًا بالتسمم الغذائي ويموت منهم أربعة ، ولا عجب أيضـًا إن علمنا أن الكثير من العاملين في الـ " فاست فود " يرفضون تناول أي شيء في المطاعم التي يعملون فيها إلا إذا قاموا بإعداده بأنفسهم .
وقبل أن يكتب " سكلوسر " كتابه كان من المقبلين بشغف على تناول "الهامبورجر" ، حيث يقول : " لقد قضيت فترة طويلة من حياتي وأنا أتناول هذه الأنواع من الأطعمة ، وأشجع أطفالي على تناولها ، ولم يكن عندي أدنى فكرة عن مصدر هذا الطعام وكيف يصنع ، بالرغم من أنني أعتبر نفسي شخصـًا مثقفًا ومتعلمـًا " ، ولكنه الآن لم يعد يأكل الـ " فاست فود " ، أو يسمح لأفراد عائلته بتناوله.
فعسانا جميعـًا بعد أن نتدبر الأمر ونعيه أن نتخذ نفس القرار ونقلع عن تناول هذه الأطعمة
ونقول في نهاية الأمر إنه بسبب الجشع والرغبة اللانهائية في الربح خرج مربو الماشية عن الفطرة وأطعموها علفـًا حيوانيـًا يحتوي على لحوم وعظام مفرومة ، بدلاً من العلف النباتي الذي يحتوي على أعشاب وحبوب ، وأيضـًا أصحاب المجازر لا يفكرون في تنظيف وتطهير أدواتهم ، مما ينتج عنه نقل العديد من الميكروبات التي تؤثر على صحة الإنسان .
وفي دول أوروبا وأمريكا يهيمن شعار زيادة الإنتاج على الجميع ويهيمن شعار الربح السريع على السوق ، وهذا كله يقود إلى مائدة طعام طبقها الرئيسي هو المرض ، وأحيانـًا يكون الموت ، لذا يجب علينا ألا نسعى لتقليد الغرب في كل الأمور حتى لا نسقط ضحايا لجشعهم وفساد ضمائرهم ، ونقع في براثن عاداتهم الضارة .
حقــائــــــــــــــق
- يتناول الفرد الأمريكي ما متوسطه ثلاثة سندوتشات بورجر وأربعة من المقليات الفرنسية أسبوعيـًا .
- في إحصاء أخير اتضح أن " ماكدونالدز " تملك ثلاثة وعشرين ألف مطعم في مائة وعشرين دولة حول العالم .
- ينفق الأميركيون سنويـًا حوالي مائة وعشرين مليارًا في تناول " البورجر " والـ "هوت دوجز " و " البيتزا " ، وتلك النسبة أكثر مما ينفق على الكليات وأجهزة الكمبيوتر .
- تشتري بريطانيا " فاست فود " أكثر من أي بلد أوروبي آخر ؛ حيث تنفق على الـ " فاست فود " سبعة ملايين جنيه استرليني أسبوعيـًا ، وتحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة في ارتفاع نسبة السمنة .
- واحد من كل ثمانية أمريكيين يعمل لدى محلات " ماكدونالدز " في إحدى فترات حياته .
- قام فرنسي بتحطيم زجاج أحد محلات " كنتاكي " فاعتبروه بطلاً قوميـًا .
- ثبت علميـًا أن مكسبات اللون والطعم الاصطناعيين من الأسباب الرئيسية للإصابة بالسرطان .
إعداد وترجمة : أحمد الشاهد-اسلام ويب

Post: #545
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:10 AM
Parent: #501

كلنا نعاني من مشكلة تعرّض أثاث المنزل وجدرانه وارضياته للاتساخ بفعل النشاط الزائد لأطفالنا الأحباب . وقد تذهب سدىً محاولاتنا المستميتة لإلزامهم بالمحافظة على نظافة ما قد يلعبون فوقه من المقاعد والسجاد والموكيت والجدران .
وقد تشعر ربة البيت - رغم حرصها على توعية أطفالها بشئ من الغيظ عندما ترى على أثاث بيتها آثار العصائر المسكوبة أو العلكة الملتصقة ، أو بقع الشوكلاته ، أو الدهن أو الحبر ، بل وأحياناً الطين .

وقد يلجأ كثير من الأزواج والزوجات إلى اختيار الأثاث المناسب الذي يتحمل الاتساخ ويقاومه ، سواء بنوعية نسيجه أم بألوانه الداكنه التي قد تخفى البقع إلى حد ما . لا سيما وقد ظهرت في الأسواق أنسجة كثيرة تتحمل الإتساخ ، وتسهل علمية التنظيف . وقد تلجأ بعض الزوجات إلى كسوة الأثاث بأغطية خارجية يسهل غسلها وإعادة وضعها مرة أخرى . ولكن كل هذا لا يمكن أن يضمن منع وقوع المحذور بشكل كامل . وهنا يطرح السؤال نفسه كيف ننظف البقع إذا حدثت ؟

أول ما يوصى به خبراء التنظيف أن يتم التعامل مع البقعة أول حدوثها قبل أن تتمكن من النسيج وينبغي - أختى ربة المنزل - أن تنبهي طفلك إلى أن يخبرك عن مكان البقعة أول ما تحدث . فمثلاً لو انسكب شئ على السجاد ، فعليك بتغطية الموضع بقطعة من القماش مع الضغط عليها بالقدم أو بشئ ثقيل لمدة تتراوح ما بين عشر دقائق إلى نصف ساعة ، ثم بعد ذلك حاولي شفط السائل المتبقي بماكينة الشفط ، ثم بعد ذلك يأتي دور التعامل مع البقعة المتبقية .

وإليك الآن طرق إزالة البقع المختلفة وكذلك آثار الإتساخ الأخرى:
1- ا لعصائر : اغمري مكان البقعة بالماء ، ثم حكّية بفوطة سميكة مبلله بالماء ، ثم أمسحي الموضع بمحلول مكون من ربع معلقة صغيرة من الصابون السائل وفنجان من الماء الفاتر . ثم امسحي الموضع بفوطة أخرى نظيفة مبلله بالماء . وإذا تعذّرت إزالة البقعة نهائياً يمكنك الاستعانه بمحلول مبيّض ولكن احذرى أن يؤثر على لون النسيج .

2- الشوكولاته : اكشطي المادة الصلبة بسكين عريض ، ثم اغمري الموضع بالماء البارد ، ثم بمنظف سائل عادي مع بعض الماء وإن بقت الآثار فأغمري الموضع بخليط من ربع ملعقة منظف غير مبيض ، مع فنجان ماء فاتر ، وقطرتين من سائل النشادر .

3 - الدهون : امسحي الدهن من الموضع بسرعة ثم أزيلي المتبقي بمنديل من الورق مع ملاحظة عدم الضغط على الموضع أكثر من اللازم . ويمكنك الاستعانة بعد ذلك بمزيل طلاء الأظافر لإزالة ما تبقّى من البقعة .

4- الصلصة : أكشطي أثر الصلصة برفق ثم ضعي على الموضع إسفنجة مشبعة بالماء البارد ثم أغمري المكان بمحلول مكّون من ربع ملعقة صغيرة من صابون سائل وفنجان من الماء الفاتر ، ثم امسحي الموضع بعد ذلك بفوطة نظيفة ، ثم بلّلية بالماء، ثم كرري ذلك حتى تزول البقعة .

5- الطباشير وأقلام الشمع : يمكن إزالتها من على الأسطح الصلبة برش المكان بمنظف سائل ثم بدلكه بفرشاة خشنة . وإذا تعذرت إزالة أثر الشمع يمكن استخدام الماء الساخن في التنظيف

6- العلكة : ضعي قطعة من الثلج على العلكة حتى تتجمد ، ثم كسيرها عندما تصير يابسة وهشة .

7- الطين : اتركي أثر الطين حتى يجف ، ثم اكشطية بيد معلقة بقدر استطاعتك ثم اشفطي الموضع بمكنسة . وإذا تبقى أثر بعد ذلك فاغمريه بمحلول من ربع ملعقة صغيرة من سائل منظف مخلوط مع فنجان من الماء ثم جففي الموضع بإسفنجة.

8- القئ : يجب أن تنظفيه بأسرع ما يمكنك لأن الأحماض المعدية قد تزيل ألوان النسيج . فابدأي بغمر المكان بمنديل ورق ثم بالماء. ويمكنك أن تستخدمي مادة تمتض البكتيريا والإنزيمات في التنظيف .

9- الدم : أغمري الكان بالماء البارد ثم بصابون سائل مخفف بالماء ، ثم بعد ذلك اغمريه بالماء حتى يزول أثر الدم . وإن تبقى اثر بعد ذلك يمكنك أن تستعملي ربع ملعقة صغيرة من الصابون السائل مع فنجان من الماء مع بعض قطرات من ماء النشادر.
ترجمة :علي ياسين-اسلام ويب

Post: #546
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:11 AM
Parent: #501

" الزوجة المستسلمة " هي آخر صيحة اجتماعية ، دعت إليها الكاتبة الأمريكية لورا دويل ، في كتابها الذي يحمل العنوان ذاته ، والذي صدر مؤخرًا في الولايات المتحدة الأمريكية .
كل كلمة في هذا الكتاب " التعليمي " تدعوا بجلاء إلى تحرير الرجل ، وتقييد المرأة ، بل تحرض النساء على العودة إلى عصر غسل أقدام الرجال والسهر على راحتهم ، وعدم استثارة غضبهم ، وعمل كل شيء لجعلهم كائنات لطيفة لأن الرجل حين يكون لطيفًا فإنه " أحن " من المرأة و " أنعم " في مشاعره !
الزوجة المستسلمة ليست بالضرورة هي الزوجة المقهورة ، بل أن تعبير الاستسلام سوف يقضي عليه ويقهر معنى القهر ، إذ كيف يكون هناك قهر بعد استسلام ؟! … لقد انتهى الموقف بالرضوخ وبالاستجابة الكاملة لآراء الطرف الآخر ، ومعنى هذا أنه لاقهر ولاضغط بل حب وتفان ، ورغبة في إسعاد الزوج بكلمة " حاضر " وعيوني … و " طبعا طبعا يا حبيبي " .
الزوجة المستسلمة لا تتأفف ولا تتبرم ولا تشخط ولا تزعق ولا تصرخ ولا تتذكر أيام العيش الجميلة في بيت أمها و أبيها .
والزوجة المستسلمة في المفهوم الأمريكي الجديد هي التي لا تحاسب زوجها عند الرجوع متأخراً وهي التي لا تسأله كم صرف وكم ادخر ، وعلى من صرف ، ولماذا أسرف في الصرف ، ولا تطارده بأسئلة من نوع :
ـ ذهبت لأمك ؟!
ـ ماذا أخذت لأخوتك ؟
ـ لماذا كل هذا البذخ على أهلك والتقتير على أهلي ؟ !
ـ لماذا تشتري أغلى الملابس لك .. وتضن على بتايير شيك ؟!
هي لا تسأله ولا تطارده ولا تحقق معه ، بل تتركه يفعل ما يشاء … وسوف ترى العوائد والفوائد التي سوف تجنيها من سياسة الحرية كل الحرية للرجل والاستسلام كل الاستلام من المرأة !
المؤلفة لورا دويل لا تمانع من أن تعبر المرأة المستسلمة عن رأيها لزوجها :
ولكن في هذه الحالة عليها أن تستخدم لفظة " أشعر وأحس.. وعندي كلام " بدلا من أعتقد أو في الواقع ...
فتلك البدايات ليست ألفاظًا بل ألغاما تنفجر عند بدء النقاش أو فتح حوار بين طرفين هما بطبيعة الموقف لا ينقصهما التحفز والتورم الداخلي ، ثم إن استعمال هذه المفردات يعطي الشعور للرجل بأنه في مواجهة مع رجل آخر ، وليس مع امرأة ، مما يجعله في حالة استنفار داخلي لكل قواته وحشوده وأسلحته ، وهكذا تشتعل معركة غير متكافئة ، تنتهي بدموع المرأة ، وباعتذار الرجل إذا كان عنده بقية من ذوق ورومانسية ، أو يهجر الاثنين للبيت وسط صراخ الأطفال .
يثير الكتاب حتى الوقت الحاضر جدلا واسعًا في بيئة متحررة بالغريزة مثل المجتمع الأمريكي ، وتتناوله وسائل الإعلام بالعرض والنقد ، وقد احتل الكتاب رأس قائمة أحسن عشرة كتب ، وقد تباينت وجهات النظر حوله فبينما وصفه البعض بأنه كتاب " عملي وقيم " وصمته جامعة أوكلا بأنه " مدمر، ومتخلف ولا يحمي النساء " .
والمؤلفة لورا دويل تبلغ من العمر 33 عاما وقد نشأت في بيت يضرب فيه الأبوان بعضهما البعض ، وكان كل منهما يقول لها من وراء الآخر :
ـ الزواج شركة متكافئة .. متعادلة .. أي يريد كل من الأب والأم أن يؤكد لابنته :
ـ رأسي برأسها ... أو رأسي برأسه .
وبالطبع لا يصلح بيت فيه رأسان !
والظاهر أن لورا تشربت بأفكار والديها فهدمت زواجها هي الأخرى من رجل يزيد عنها بـ 11 عاما فقد دأبت على محاسبته وضبط أفكاره الداخلية والتفتيش في مشاعره وحتى محاصرة خيالاته التي لو تولد بعد ...
وبعد خراب بيتها لجأت إلى استشارة صديقات مخلصات سعيدات وظهر لها أنهن مستسلمات تماما ، وأن أية واحدة منهن لم تظهر قط نقدًا أو سخرية للزوج أو استهتارًا أو تهوينا من شأنه وقالت واحدة : أعطه حرية التصرف في النقود !
ومن مجموع هذه المقابلات الموسعة ، ومع تراكم خبرة " النقار " في حياتها مع زوجها أسست لورا مفهوم " المرأة المستسلمة لبناء البيت السعيد " ... وهي تشرح هذا المفهوم :
مهمتي هي تعليم النساء قوة الاستسلام ! إنني أشن حملة سلام عالمية داخل بيوت تشتعل فيها الحروب الزوجية .
تنصح لورا المرأة التي ترى أنها زعيمة في مكتبها وفي مشروعها التجاري وفي أية شركة عمل بأن تنسى تماما هذا الدور ، أن تخلع حذاء الزعامة بمجرد دخولها منزلها ، فليس البيت هو الشركة ، وليس هو المكان الذي يتصارع فيه الزوجان .
وعليها ألا تسفه رأيه ولاتحقر من أفعاله ، وأن تظهر الاهتمام بآرائه ومشاعره ، وبعمله وبحروبه الصغيرة الخارجية مع زملاء عمله .
* سياسات عملية لإرساء السلام في بيوت الأزواج المتحاربين :
وقد حددت لورا سياسات عملية لإرساء السلام عن طريق الاستسلام في بيوت الأزواج المتحاربين :
1ـ إعلان الاعتذار الفوري عن أي خطأ صغير ، تكدرت معه أو بعده صفحة وجه الزوج أو مشاعره .
2ـ ترك الموقف وإعلان الرغبة في الانسحاب من المكان ومغادرة البيت أو الغرفة .
3ـ تجنب التصعيد المتبادل .
4 ـ أن تركز المرأة على بناء اهتمامات موازية وبديلة من التركيز على الرجل وجعله محور حياتها ، الأمر الذي يخنق الرجل ويجعله يفكر في الفرار .
تعرضت المؤلفة بطبيعة الحال لنقد عنيف ، خصوصا في دعوتها إلى منح الرجل حرية التصرف في أموال الأسرة ، بغض النظر عن حقه في أموالها ، فقد تكون المرأة أكثر دخلا منه ، فكيف يجوز له أن ينفق أموالها مع أمواله ؟
عن مجلة كل الناس بتصرف-اسلام ويب

Post: #547
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:13 AM
Parent: #501

متى سابقت زوجك آخر مرة ؟
أجل متى سابقت زوجتك آخر مرة ؟
إذا أحببت أن تبـتسم ساخـراً ، أو تبتسم ضاحكاً ، أو تبتسم مستنكراً .. فإن السؤال يبقى: لأنه دعوة لك لتطبيق سنة من سنن المصطفى في إحسانه إلى زوجاته
فإذا كنت تقتفي سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللحية ، واستعمال السواك ، وتقصير الثوب.. فإنك مدعو أيضاً إلى اقتفاء سنته صلى الله عليه وسلم في معاملته زوجاته رضي الله تعالى عنهن .
لا بل إن رِفقه - عليه الصلاة والسلام - بنسائه ، ورحمته بهن ، وصبره عليهن ليس سنة فحسب ، بل هو فرض واجب أكدته آيات كثيرة في القرآن الكريم ، مثل قوله تعإلى : ( وعاشروهن بالمعروف ) ،ومسابقتك زوجتك من هذه المعاشرة بالمعروف ، ومن سنن النبي صلى الله عليه وسلم في ملاطفته نساءه ، ورفقه بهن.
قالت أم المؤمنـين عائشة رضي الله عنها إنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر ، وهي جارية ( صغيرة ) ، قالت : " لم أحمل اللحم ، ولم أبدن ".
فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا ، فقال تعالي أسابقك ! فسابقته فسبقته على رِجلَيّ .
فلما كان بعد - وفي رواية - فسـكت عني ، حتى إذا حملت اللـحم ، وبدنت، ونسيت ، خرجت معه في سفر ، فقال لأصحابه : تقدموا ، فتقدموا. ثم قال: تعالي أسابقك ، ونسيت الذي كان، وقد حملت اللحم ، فقلت: كيف أسابقك يا رسول الله ، وأنا على هذه الحال ؟ فقال: لتفعلن. فسابقته فسبقني ، فجعل يضحك وقال: هذه بتلك السبقة .
وقد يتعلل بعض الأزواج - في اعتذارهم عن مسابقة زوجته - بكثرة الانشغال ، وزيادة الأعباء ، وتعدد المسؤوليات . فنرد عليه بالقول: لن تكون أكثر انشغالاً من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحمل رسالة الله تعالى يعلمها الناس ويقود الغزوات، ويؤدي حقوقاً مختلفة نحو أهله وبيته .. ومع هذا لم يمنعه هذا من مسـابقة السيدة عائشة مرتين .
وقد يعتذر غيره بأن الشوارع ليست مكاناً ملائماً للمسابقة .. فنقول له: لن تعدم فرصة خروج مع زوجتك إلى البر.. تبتعدان فيها عن أعين الناس .. ثم لماذا تقصر المسابقة على الجري ؟ لماذا لا تسابق زوجتك في البيت في لعبة إلكترونية مباحة .. أو في مبارزة ثقافية مفيدة.. فتسألها وتسألك.. وتسجلان الدرجات لكل من يجيب إجابة صحيحة .
وقد يرى زوج ثالث أن مثل هذه المسابقات تذهب برجولته، وتنزع المهابة من قلب زوجته، ومن ثم لا تطيعه فيما يأمرها به، وهذا غير صحيح على الإطلاق، لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله ، وفعلُه سنة يُقتدى بها ، والاقتـداء بسنته مع زوجاته لا يمكن أن يأتي إلا بخير . وهذا ما أكدته الدراسات الحديثة في العلاقات الزوجية ، حين بينت بأن ملاطفة الزوجة وملاعبتها يجعلها أقرب إلى طاعة الزوج ، ويسلس قيادها له .
والآن .. ماذا يحمل هذا الحديث الشريف الذي نقلت فيه السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها سنة من سنن الرسول صلى الله عليه وسلم مع زوجاته أمهات المؤمنين رضي الله عنهن ؟
أولاً : الرسول صلى الله عليه وسلم دعا أم المؤمنين السيدة عائشة إلى مسابقته في المرتين.. وهذا توجيه للرجل بأن المبادرة إلى أمثال تلك المسابقات يحسن أن تصدر عنه ، فالزوجة قد تخشى صد زوجها ، وقد يشغلها عملها عن المبادرة .. إضافة إلى أن ما طبعها الله تعالى عليه يجعلها تستحي من عرض المسابقة على زوجها.وإن كان هذا لا يمنع من أن تبادر الزوجة فتدعو زوجها إليها .. إن رأت استعداده النفسي وفراغ وقته .
ثانياً: يحسن ألا يظهر الزوج تفوقه الدائم على زوجته .. فيسبقها دائماً .. فقد لاحظنا أن النبي صلى الله عليه وسلم سبق السيدة عائشة في الثانية .. وسبقته في الأولى.
ثالثاً: لكن ما سبق لا يعني أن يجعل الزوج نفسه خاسراً دائماً من أجل إرضـاء زوجته .. فهذا الأمر يفقد المسابقة حقيقتها .. وينزع منها الندية .. فقد وجـدنا النبي صلى الله عليه وسلم تسبقه السيدة عائشة في المرة الأولى لأنها كانت نحيفة صغيرة ، بينما سبقـها صلى الله عليه وسلم في الثانية بعـد أن سمنت وزاد وزنها
فصار جريها أبطأ .
رابعاً : ينبغي أن ينتبه الزوج إلى أن هذه المسابقة يجب أن تبقى في إطـار المودة والمرح ، فلا غضب ولا هياج ، حتى لا تنقلب إلى الشجار ، فتحقق عكس الغاية المرجوة منها .
وهذا ما يوجهـنا إليه النبي صلى الله عليه وسلم، ونفهمه من قول السيدة عائشة رضي الله عنها : " فجعل يضحك صلى الله عليه وسلم " .
محمد رشيد العويد-اسلام ويب

Post: #548
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:17 AM
Parent: #501

من أنواع الأزواج
1. زوج مثالي : يتشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يرفق بالنساء ويقول : [ استوصوا بالنساء خيرًا ، فإن المرأة خُلقت من ضِلعٍ ، وإن أعوج ما في الضلع أعلاه : فإن ذهبت تقيمه كسرته ، وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء ] فيرحم ضعفها ، ويكرمها فإن في إكرامها إكرام لنفسه ، ويصبر على أذاها [وإن كره منها خُلقًا رضي منها آخر] " رواه مسلم، ويعاملها بالإيثار .
-ويقول صلى الله عليه وسلم [ أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ، وخياركم خيارك لنسائهم ] "رواه الترمذي" ، وهو يعلم أن الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة فيعينها على طاعة الله ويطلب قبل ذلك التزوج من المؤمنة الصادقة فإذا تزوجها وظفر بها عاملها بما يليق بها ، وهو مع ذلك يوجه ويرشد ، يأمر وينهى ، يربي ويعلم كمثل حال النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو صاحب القوامة التي اكتسبها عن جدارة من استناده للشرع ، كما أنه صاحب الغيرة المحمودة الذي يبعد الفتنة وأسبابها من غير تخوين ولا اساءة ظن .
2. زوج واقعي : يعطي زوجة حقها ويطلب حقه ونهذا لا لوم عليه لكن الأول أفضل وأكرم وعن معاوية ابن حيده رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله : ما حق زوجة احدانا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت .
فهذا قد يضرب مثلا - بضوابط الشرع ولكنه لا يضرب الوجه ، والأول يصبر ويستوحي خيرًا ويظهر الفرق في الحديث عن إياس بن عبد الله بن أبي ذياب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ] لا تضربون إماء الله فجاء عمر رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ذئرنَ النساءُ على أزواجهن ، فرخص في ضربهن ، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ولقد أطاف بآل بيت محمدٍ نساءٌ يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم ، رواه أبو داود باسناد صحيح وذئرن : اجترئن . وفرق النبي صلى الله عليه وسلم بين خيار الناس وغيرهم في هذا الأمر .
3. زوج ذو ريبة : ولا نقصد بها الغيرة المحمودة المنضبطة بضابط الشرع وانما نشير إلى ذلك الزوج الذي يخونن من غير بأس ويضيق على أهله من غير سبب حتى صار اسمه كذلك فيلهب جو المنزل بما لا ينبغي فالغيور الذي نذمه هو ذلك الأناني الذي لا يريد من المرأة أن تهتم إلا به فهو يغار حتى من أبنائه ، إذا دخل بيته فليسكت الجميع ولتتوجه الأنظار إليه .
- وهو لا يتورع عن تتبع عورة امرأته وإساءة الظن بها وتجسس بواطنها وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تتبع عورات النساء في رواية أن تبغت النساء ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من سفره قبل دخول المدينة قال : لا تطرقوا النساء ليلاً .
- وفي رواية حتى تستمد المغيبة وتمتشط الشعثة - مخالفة رجلان مسبقًا فرأى كل واحد في منزله ما يكره .
- وضابط الأمر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن من الغيرة غيرةً يبغضها الله عز وجل وهي غيرة الرجل على أهله من غير ريبة] "رواه مسلم" .
- أما الغيرة المحمودة ، فتكون في البعد عن مواطن الريبة وتكون في عدم رضا الزوج عن التبرج والاختلاط والتكشف ومنع أهله من ذلك وتكون في حراسة بيته من المنكرات التي تعج بها وسائل الاعلام .
4. زوج ديوث ، ذلك اليذي لا يغار مطلقًا فهو ترك الغيرة المذمومة والمحمودة أيضًا ، لا يبالي بمن دخل على أهله ، ولا من خالطهم ، يسمح في بيته بدخول الرجال الأجانب في غيبته ، ويترك زوجه تكشف ما حرم الله عليها أمام الرجال فتخرج من بيتها متبرجة أو متعطرة من غير أن يمنعها .
والديوث الذي يرضى السوء على أهله لا يرى الجنة ولا يشم ريحها ، كما أنه يخون الأمانة التي خولها الله إياه فإن الرجل في بيته راعٍ ومسؤول عن رعيته ، على ذلك فإن ما نراه من الحفلات المختلطة والاستقبالات المنفردة للرجال ومن غير المحارم وغير ذلك وأشباهه من الدياثة المحرمة .
5. زوج مهمل : تلك نوعية من الأزواج انتشرت في تلك الأيام يهمل رعيته يترك صغاره وزوجه لا يعبأ بهم ، إما لإنشغاله بشهواته ولذاته وإما بظنه أنه ينشغل بأعمال يعود نفعها عليهم ، ويظن أنه لكونه قد هيأ لهم سكنًا واسعًا ومركبًا طيبًا وطعامًا هانئًا أنه قد أدى ما عليه وللإنصاف فإن تلك النعم التي أشرنا إليها هي بلا شك من أسباب السعادة بيد أن أهم أسباب السعادة الأسرية هي رعاية الزوج النفسية لزوجه وأبنائه فماذا تفيد تلك المظاهر الفارغة إذا أحس الأبناء بالفراغ العاطفي وعدم توجيه آبائهم وماذا تجدي تلك المساكن الجميلة عن زوجة وحيدة لا ترى زوجها إلى لُماما وقد قال تعالى : (قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة ) ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : [ كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته] .
فأي رعاية يوفرها ذلك المهمل لزوجه وأبنائه وأي توجيه ووقاية من النار سيمنحهم إياها وهو لا يراهم ولا يجالسهم .
ياسر عبد التواب-اسلام ويب

Post: #549
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 02:19 AM
Parent: #501

ينبغي أن ينظر الزوجان نظرة واقعية إلى الخلافات الزوجية إذ إنها من الممكن أن تكون عاملاً من عوامل الحوار والتفاهم إذا أحسن التعامل معها.
والأسلوب الذي يتبعه الزوجان في مواجهة الخلاف إما أن يقضي عليه وإما يضخمه ويوسع نطاقه.
ضوابط لا بد منها:
لا شك أن الكلمات الحادة، والعبارات العنيفة لها صدى يتردد باستمرار حتى بعد انتهاء الخلاف، علاوة على الصدمات والجروح العاطفية التي تتراكم في النفوس.
فلزوم الصمت والسكوت على الخلاف حل سلبي مؤقت للخلاف، إذ سرعان ما يثور البركان عند دواعيه، وعند أدنى اصطدام، فكبت المشكلة في الصدور بداية العقد النفسية وضيق الصدر المتأزم بالمشكلة، فإما أن تتناسى وتترك ويعفى عنها ويرضى بذلك. وإما أن تطرح للحل.
ولا بد أن تكون التسوية شاملة لجميع ما يختلج في النفس، وأن تكون عن رضا وطيب خاطر.
البعد عن الأساليب التي قد تكسب الجولة فيها وينتصر أحد الطرفين على الآخر، لكنها تعمق الخلاف وتجذره: مثل أساليب التهكم والسخرية، أو الإنكار والرفض، أو التشبث بالكسب.
روى البخاري عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: [إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً] .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: (السام عليكم)، فقالت عائشة: عليكم، ولعنكم الله، وغضب الله عليكم، قال: [مهلاً يا عائشة، عليك بالرفق، وإياك والعنف والفحش] قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال: [أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم، فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في] .
وروى البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره] .
وروى الترمذي سُئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: (لم يكن فاحشاً، ولا متفحشاً، ولا صخاباً في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح).
وقول أنس: (خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي يوماً لشيء فعلته لم فعلته؟ ولا لشيء تركتُه لم تركتَه). (رواه أحمد) .
· الوعي بأثر الخلاف وشدة وطئه على الطرفين: فلا شك أن اختلاف المرأة مع شخص تحبه وتقدره، يسبب لها كثيراً من الإرباك والقلق والإزعاج، وخاصة إذا كانت ذات طبيعة حساسة.
· البعد عن التعالي بالنسب أو المال أو الجمال أو الثقافة، فإن هذا من أكبر أسباب فصم العلاقات بين الزوجين: [الكبر بطر الحق وغمط الناس] . (رواه مسلم)
· عدم اتخاذ القرار إلا بعد دراسته، فلا يصلح أن يقول الزوج في أمر من الأمور لا، أو نعم، ثم بعد الإلحاح يغير القرار، أو يعرف خطأ قراره فيلجأ إلى اللجاج والمخاصمة.
خطوات حل الخلافات:
1. تفهم الأمر هل هو خلاف أو أنه سوء تفاهم فقط، فالتعبير عن حقيقة مقصد كل واحد منهما وعما يضايقه بشكل واضح ومباشر يساعد على إزالة سوء الفهم، فربما لم يكن هناك خلاف حقيقي وإنماء سوء تفاهم.

2. الرجوع إلى النفس ومحاسبتها ومعرفة تقصيرها مع ربها الذي هو أعظم وأجل. وفي هذا تحتقر الخطأ الذي وقع عليك من صاحبك.

3. معرفة أنه لم ينزل بلاء إلا بذنب وأن من البلاء الخلاف مع من تحب، وقد قال محمد بن سيرين إني لأعرف معصيتي في خلق زوجتي ودابتي.

4. تطويق الخلاف وحصره من أن ينتشر بين الناس أو يخرج عن حدود أصحاب الشأن.

5. تحديد موضع النـزاع والتركيز عليه، وعدم الخروج عنه بذكر أخطاء أو تجاوزات سابقة، أو فتح ملفات قديمة، ففي هذا توسيع لنطاق الخلاف.

6. أن يتحدث كل واحد منهما عن المشكلة حسب فهمه لها، ولا يجعل فهمه صواباً غير قابل للخطأ أو أنه حقيقة مسلمة لا تقبل الحوار ولا النقاش، فإن هذا قتل للحل في مهده.

7. في بدء الحوار يحسن ذكر نقاط الاتفاق فطرح الحسنات والإيجابيات والفضائل عند النقاش مما يرقق القلب ويبعد الشيطان ويقرب وجهات النظر وييسر التنازل عن كثير مما في النفوس، قال تعالى: (ولا تَنْسَوا الفضل بينكم) البقرة:237. فإذا قال أحدهما للآخر أنا لا أنسى فضلك في كذا وكذا، ولم يغب عن بالي تلك الإيجابيات عندك، ولن أتنكر لنقاط الاتفاق فيما بيننا، فإن هذا حري بالتنازل عن كثير مما يدور في نفس المتحاور.

8. لا تجعل الحقوق ماثلة دائماً أمام العين، وأخطر من ذلك تضخيم تلك الحقوق، أو المطالبة بحقوق ليست واجبة أو المطالبة بالحقوق وتناسي الواجبات.

9. الاعتراف بالخطأ عند استبانته، وعدم اللجاجة فيه، وأن يكون عند الجانبين من الشجاعة والثقة بالنفس ما يحمله على ذلك، وينبغي للطرف الآخر شكر ذلك وثناؤه عليه لاعترافه بالخطأ (فالاعتراف بالخطأ خير من التمادي في الباطل)، والاعتراف بالخطأ طريق الصواب، فلا يستعمل هذا الاعتراف أداة ضغط، بل يعتبره من الجوانب المشرقة المضيئة في العلاقات الزوجية يوضع في سجل الحسنات والفضائل التي يجب ذكرها والتنويه بها.
10. الصبر على الطبائع المتأصلة في المرأة مثل الغيرة، كما قال صلى الله عليه وسلم: [غارت أمكم] (رواه البخاري) ، وليكن لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في تقدير الظروف والأحوال، ومعرفة طبائع النفوس، وما لا يمكن التغلب عليه.
روى النسائي وابو داود عن عائشة رضي الله عنه قالت: ما رأيت صانعة طعام مثل صفية أهدت النبي صلى الله عليه وسلم إناء فيه طعام، فما ملكت نفسي أن كسرته، فسألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كفارته فقال: [إناء كإناء وطعام كطعام ] .
11. الرضا بما قسم الله تعالى فإن رأت الزوجة خيراً حمدت، وإن رأت غير ذلك قالت كل الرجال هكذا، وأن يعلم الرجل أنه ليس هو الوحيد في مثل هذه المشكلات واختلاف وجهات النظر.
12. لا يبادر في حل الخلاف وقت الغضب، وإنما يتريث فيه حتى تهدأ النفوس، وتبرد الأعصاب، فإن الحل في مثل هذه الحال كثيراً ما يكون متشنجاً بعيداً عن الصواب.
13. التنازل عن بعض الحقوق، فإنه من الصعب جداً حل الخلاف إذا تشبَّت كل من الطرفين بجميع حقوقه.
14. التكيف مع جميع الظروف والأحوال، فيجب أن يكون كل واحد من الزوجين هادئاً، غير متهور ولا متعجل، ولا متأفف ولا متضجر، فالهدوء وعدم التعجل والتهور من أفضل مناخات الرؤية الصحيحة والنظرة الصائبة للمشكلة.
15. يجب أن يعلم ويستيقن الزوجان بأن المال ليس سبباً للسعادة، وليس النجاح بالسكن في الدور والقصور، والسير أمام الخدم والحشم، وإنما النجاح في الحياة الهادئة السليمة من القلق البعيدة عن الطمع.
16. غض الطرف عن الهفوة والزلة والخطأ غير المقصود.
د. يحيى اليحيى-اسلام ويب

Post: #550
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:15 PM
Parent: #501

قال تعالى : ( ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكـم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً إنّ في ذلك لآياتٍ لقومٍ يتفكرون) [الروم:21] .
إنّ هذه المودة والرحمة اللتين تقررهما الآية لا بد لتحقيقهما من اصطناع الأسباب التي تؤدي إليهما من الكلمة الحلوة ، والبذل السخي، والعشرة اللطيفة، والسلوك الحسن ، والفعل الطيب ، وليس ذلك كائناً إلاّ بأن
يتعاون الزوجان على فهم كل منهما للآخر، وبأن يخطو كل منهما الخطوة الإيجابية في طريق المحبة، ويبادل صاحبه العاطفة الكريمة بمثلها .
وهذا كلام يفيد الإخوة والأخوات من الأزواج سواء أكانوا حديثي عهد بالزواج أم كانوا ممن مضى عليهم في هذه التجربة حين من الدهر . ولكنَ الكـلام الآتي خاص بالزوجين في بدء حياتهما الزوجية السعيـدة ، ذلك لأن هذه المرحلة مرحلة خطيرة لها آثارهـا الضخمة على حياتهمـا المقبلة . وقد يكون كثير من الشباب والشابات على معرفة يسيرة بحقيقة الحياة ، وخبرة محدودة بعلائق الناس ومعاملتهم ، فإلى هؤلاء أوجه هذه الكلمة لنعيش معهم في جو المودة والرحمة الذي يشـع من الآية الكريمة.

أيها العُرُس والعرائس!

إنّ هناك أفكاراً مغلوطة تقوم في أذهان كثير من عامتنا رجـالاً ونساءً ، وهذه الأفكار الخاطئة ربما أودت بالحياة الهادية السعيدة، والعيشة الراضية الرخيّة التي تطلع إليها كل عروس:

فمن ذلك ما يشيع عند نفرٍ من العامة أن العنف الشديد ينبغي أن يكون في الأيام الأولى للزواج .

ومن ذلك ما بدأنا نسمع به ونراه من التكـلف الزائد والتصنّع الواضح في أيـام العرس ، وتحميل الإنسان نفسه من النفقات ما لا يطيق ، وإظهـار نفسه على غير حقيقتها.

وهذا وذاك خطأ بيّن ، وخطر ماحق ، يتهدد السعادة البيتية ، ويقضي على الحياة الزوجية .

يا أبنائي وبناتي إنّ المودة لا تهبط علينا هبوطاً ، ولا تنبع من تحت أرجلنا نبعاً .. إننا إن لم نسعَ إليها ، ونأخذْ بما يوصلنا إليها لم نبلغهـا. فاستفيدوا يا أيهـا الأحبة من خبرة أهل العـلم والتجربة التي توصلوا إليهـا بعد أن أمضوا عقوداً عديـدة من السنين في دراسة مشكلات الناس ومحاولة التوفيق بين المختلفين منهم .

في كل بلدٍ تقوم أمثـال شعبية تعبّر عن آراء أهـل ذاك البلد ، وهذه الآراء منها الصحيح ومنها المغلوط ، فمن الأمثال الشعبية الهدامة التي تهدد سعاـدة الأزواج بالانهيار مثل يردده الناس في بلدنا وهو قولهم : ( اقطع رأس القط في ليلة العرس ) وهذا المثل مبنيّ على أسطورة تدّعي أن رجـلاً مقبلاً على الزواج أتى بقط وجعله في غرفة العروس ، وخبأ تحت الوسادة سكينـاً ، فلمـا دخلت العروس أمسك بالسكين وعمد إلى القط فقطع رأسه ، فراع دم الهرّ البريء المرأة الغريبة الوافدة ، وجزعت أشدّ الجزع وأحسّت أنها إن خالفت أمر هذا الزوج الوحش ربما تعرّضت إلى عقوبة تقرب من عقوبة ذاك القط البريء ... ولذلك فقد انقـادت لزوجهـا انقياداً تاماً وأطاعته طاعة عمياء . إنّ هذه الفكرة الخاطئة توقع النفور بين الزوجين في وقت هما في أشد الحاجة إلى الألفة والمودة والانسجام .. إنّ بدء الحياة الزوجية في جو يقوم على الإرهـاب والـدم والتهديد يذهب بكل إمكانات الوفـاق في المستقبل ، ويجعل الحياة إن استمرت قائمة على الخوف والحقد، والكراهية والكيد إنّ الأيام الأولى في الزواج مرحلة من أدق المراحل في حياة الإنسان .

نعم .. هناك ضرورة ماسة إلى أن يروض كل من الزوجين نفسه وصـاحبه على الحياة الجديدة ، وقد تتداخل بعض المعـاني في بعض عند كثير من الشباب فيقعون في أغلاط مدمرة .. إن ترويض العروسين نفسيهما وصاحبيهما على بعض العادات والأخلاق والأعراف ينـبغي أن يكون مغموراً بندى المودة ، وشذا المحبة ، ونسيم التفاهم .. أما العصا والسوط والسكين والمعـاندة والمخالفة فسـلاح مغلول، إن صلح لدى بعض الأمزجة المريضة النادرة فلن يصلح في أكثر الحالات .

إن الزوج الناجح هو الذي يستطيع أن يمتلك قلب زوجته في الأيام الأولى ، وإن الزوجة الناجحة هي التي تستطيع أن تحظى بإعجاب الزوج ومحبته في هاتيك الأيام السعيدة ، ذلك لأنّ الإحسـان يقود إلى الإحسـان ، وقيامُ مثل هذا الوضع من الطرفين يعينهما على إفراز المحبة والعطف والحنان والتقدير والاحترام، وعلى مرور الأيام كلما قامت عوامل جديدة تربط بـين الزوجين نجد أنّ هذه المعاني قد زادت توثقاً ورسوخاً ونمت نمواً كبيراً.

ولو نظرنا يا سادتي في أحكام الشريعة السمحاء لوجدنا ما يؤيد هذا المنطق السليم ويدعمه ، فلقد ندب الشـارع الحكيم الزوج أن يقيـم مع عروسه سبعة أيام إن كانت بكراً ، وألا يشرك معها غيرها.

روى البخاري ومسلم عن أنس أنه قال : " من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندهم سبعاً وقسم ، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم ".

ولقد ندب إلى إقامة الوليمة ، وفي ذلك تطييب لخاطرها وإشعار لها بالاهتمام البالغ لا سيما في الأزمان التي يكثر فيها الفقر، وتشح فيها الموارد.

والناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله وأزواجه يعلم حقّ العلم أن الفكرة القائلة باستخدام العنف في الأيـام الأولى أو في الحياة الزوجية مرفوضة رفضاً تاماً ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي" ، وكان صلى الله عليه وسلم يُعنى بملاطفة أهله والتودد إليـهن وممازحتهن .

والمروءة تقضي بذلك أيضاً ، فهذه البنت الغريبة التي تركت أهلها ، وجاءت إلى بيـت لم تألفه ، وإلى قرين لم يسبق لها به خلطة ، جديرة بأن تكـرم ؛ حتى تزول وحشتها ، وتشعر أنها انقلبت إلى جو مفعم بالحب والحنان والمؤانسة والاحترام ، يجب أن يشعرها الزوج الذي ارتضـاها بأن تكون شريكة عمره وأم أولاده أن يشعرها أن بيت الزوجية ليس قفصاً ولا سجناً ولا أتوناً ، وإنما هو واحة عامرة بالودّ والنعيم ، وأنها في أفراح متواصلة ، لا في معارك ساخنة .

وعليها هي أيضاً أن تبادله هذه العواطف بمثلها ، وتروّض نفسها على قبول الحياة الجديدة ، ويتنازل كل منهما عن العادات التي كان يحياها فيما قبل الزواج ، إنّ الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ، ولا ينزع من شيء إلا شأنه ، فالعنف من أحد الزوجين أو كليهمـا ينمي فيهما الحقد ، ويحملهمـا على العبوس الدائم ، وقد يصيبهما ببعض الأمراض النفسية ، التي تسيء إليهما مدة حياتهما ، وإلى أولادهما من بعدهما ، وقد يعرضهما إلى الجنون أو الإجرام ، وقد تتقوض الحيـاة الوليدة وتنتهي إلى الفراق الفاجع .

وكذلك فإن التكلف الزائد ، وإرهاق المرء نفسه بالنفقات في أيام العرس لون من الخداع يكون أثره سيئاً على الحياة الزوجية، وحماقة تؤذي مصلحة الأسرة لجديدة.

أيها السادة:

لنتقِ الله في بيوتنا ، ولنتخلق بالأخلاق الإسلامية، ولنلقِ وراء ظهورنا كل العادات السخيفة البالية والمستحدثة ، ولنستمسك بما جاء في ديننا ففيه - والله - السعادة الحقة ، ولنسعَ إلى المودة والرحمة باتخاذ أسبابهما لعلنا نوفق إلى إقامة الأسر المتراحمة المتوادة ، التي تحتاج إليها أمتنا في نهضتها المقبلة إن شاء الله .
د.محمد بن لطفي الصباغ-اسلام ويب

Post: #551
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:17 PM
Parent: #501

ملّت النساء من كثرة الحديث عن " حقوق الزوج " وضجت بالصياح : أليست للزوجة حقوق ؟ ولماذا كل حديثكم عن حقوق الزوج ؟ وأين حقوق الزوجة؟ .
ولكن أرجو أن تسمح لي أخواتي الكريمات (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْض) (التوبة: 71) ، وآمل أن يتلقين ما أقول هنا لا باعتباره حديث رجل عن حقوق الزوج .. كلا والله ثم كلا .. ولكن باعتباره نصيحة مسلم لأخت مسلمة ، يعلم أن أخته المتزوجة قد صمّت أذناها من الأحاديث عن واجباتها وتقصيرها وعن حقوق زوجها ، ويعلم أن لها حقوقـًا كبيرة على الزوج إن لم تأخذها في الدنيا فستأخذها في الآخرة أحوج ما تكون إليها ، ويعلم أنها مسكينة مستهدفة مظلومة تصبح وتمسي بين أعداء يسومونها سوء الخطط لإهلاكها وتحطيمها وزوج لا يفهم من معاني الزوجية إلا حقوق الزوج وواجبات الزوجة أو لا يريد أن يفهم غير ذلك ولا يرى لها رأيـًا فضلاً عن أن يرى لها حقـًا فقد تحبه جدًا وتتعلق به أشد التعلق ، ثم يطلقها وهو يعلم وقد تكرهه جدًا وتصارحه فيجبرها على نفسه وهو يعلم ، وقد ترضي منه بالقليل لو بذله ولكنه لا يبذله لها وأنواع أخرى من الأزواج يجعلون الرجل يحمد الله أنه لم يكن امرأة عند واحد منهم ، أعان الله عليهم أخياتنا وصبّرهن وما صبرُهن إلا بالله .
لكن الحديث هنا عن نقطة محددة جدًا ولها أثر كبير في استمرار العلاقة وبقاء الأسرة ونجاح الزوجة إذا كانت في حال الرخاء واليسر تريد زوجها أو ترضاه على الأقل ، أما إن كانت خلاف ذلك فلكل حادث حديث .
بداية نقول إن أختنا المتزوجة حين قبلت من تقدم إليها لم تكن تريده زوجـًا مؤقتـًا ، وليست مستعدة أن تخسره لأدنى سبب ، ولم ترد بالعيش معه امتحان حلمه وصبره حتى تفاجئه بما يحتمل وما لا يحتمل ، ولم تكن تريد الدخول معه في مسابقة تحقيق الكرامة وإظهار أيهما أعز وأكرم ! ولم تكن تريد أن يحقق أحلامها الوهمية كما دندن المفسدون في الأرض بوصفه " فتى الأحلام " ولا أن تغلق عليه دنياه بأقفالها كما دندنوا بوصف الزواج بـ " القفص الذهبي " ولم ترد أن يكون العسل شهرًا واحدًا وبعده المرّ كما يدندنون .. ولم ترد أي مراد يفضي إلى الفراق أبدًا .. أبدًا ، إنما أرادت حين قبلته أن يأخذ بيدها ليحفظها قدر استطاعته وهي على أتم الاستعداد أن تحافظ عليه قدر استطاعتها مهما حصل منه إلا ما لا يمكن الصبر عليه وأجرها على الله وهي بذلك تعدل كل ما فضلت به الرجال النساء من الحج والجهاد والصلاة جماعة وشهود الجنائز وغير ذلك .
من هذه الإرادة ، وهذه المنطلق نحدث أخياتنا المتزوجات حديث مشفق ينكسر قلبه إذا قيل طلقت فلانة ويهش ويبش إذا قيل استرجعها زوجها فنقول : تعالين يا أخايتنا المسلمات إلى كلمة سواء :
أما من كانت إرادتها غير ما حددنا حين قبلت الزواج فليس حديثنا إليها (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)(البقرة: 148) ، وأما من كانت إرادتها المحافظة على زوجها وبيتها غاية ما في استطاعتها فلتسمع وتطع ولتبشر بخيري الدنيا والآخرة ، وذلك أن تنظر ما قاله أبر الخلق بها وأنصحهم لها وأعلمهم بما ينفعها ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأن الرجل لا يريد من النساء صديقـًا ولا شريكـًا كما يدندن المفسدون في الأرض ، وإنما يريد منهن زوجة موافقة ، وأسعد النساء بقلوب الرجال وطول العيش معهم ليست أجملهن كما يتخيل العزاب والشهوانيون وقليلو التجارب ، وليست أغناهن كما يتخيل الفقراء والجشعون ، وإنما أسعدهن بمحبة الرجال وطول العيش معهم من علمت أن الزوجات مع أزواجهن مثل ندماء الملوك وجلسائهم سواء بسواء ، وإذا ألم يكن الرجل ملكـًا أو كالملك في بيته ومع زوجته فماذا تريده أن يكون ؟ خادمـًا أو أخـًا أو شريكـًا كما زعموا ؟ وإذا لم يكن ملكـًا أو كالملك في بيته ومع زوجته فهل يطمع في ذلك عند رؤسائه أو أصدقائه ؟ وإذا لم تكن الزوجة مع زوجها مثل نديم الملك فماذا تكون معه ؟ هل تكون معه صاحبة الجلالة وهي تعطيه من نفسها ما تعطيه وتبذل له ما تبذل أم هل تكون كنديم الملك مع أخواتها وصديقاتها ؟
إنه أحق الناس بها وأنفعهم لها وأقربهم إليها وأقدرهم على ما شاء منها لو كانت تعلم ، ولذلك قال أنصح الناس لها وأعلمهم بما ينفعها ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحدٍ لأمرت الزوجة أن تسجد لزوجها لعظم حقه عليها )) وإنها لتبذل له من نفسها وجسدها وكرامتها بكل رضـًا وسرور ما لا تبذل شيئـًا منه لغيره ، فكيف تستكثر عليه ما دون ذلك بكثير .
كم جميلة خسرت بيتها وزوجها وهي تحبه ويحبها ؛ لأنها لم تحسن أن تكون معه كنديم وتشعره بذلك بلطف وشفافية دون إثقال ولا إملال .. وكم قليلة جمال أو عديمة جمال استطاعت أن تزرع في قلب زوجها حبها حتى صارت من أحب الناس إليه وحتى لا يمكنه أن يستغني عنها ، وهذا هو ما يدندن حوله بعضهم بما يسميه " جمال الروح " وتفصيل ذلك يطول جدًا ولا حصر له ولكن جماعه وأساسه ومنتهاه هو ما قلت في وصفه " ندماء " وأكثر ما تبرز الحاجة لذلك حينما نعرض بوادر الخلاف بين الزوجين ، فيجب على الزوجة الصادقة الذكية أن تحاذر غضبه ومخالفته ، وتعلم أن كثيرًا من الرجال يغضبون ويرضون ، وأن زوجها ليس بذلك العاقل الحصيف الحليم فتكسبه بهدوء مهما بذلت ولها أعظم الأجر في ذلك بإذن الله ، ثم تجعله يخجل منها تمامـًا وتكون كما قالت أسماء بنت خارجة لابنتها : " كوني له أمة يكن لك عبدًا " ، ولا تزعجه بكثرة مخالفاتها ، فهو أهم عندها من قضية الخلاف مهما كانت والخلاف ينبت البغضاء في القلب كما قال المثقب :
فإنـي لـو تخالفني شمالي خلافك ما وصلت بها يمينـي
وكما قال ابن الرومي مشتكيـًا متضجرًا مالاً منها :

مشغوفـة بخلافـي لـو أقول لها يوم الغدير لقالت ليلـة الغار
وهذا بإذن الله أقرب طريق إلى قلب الرجل ، وليس كما زعموا أن أقرب طريق إلى قلبه معدته ، ولكن طباع النساء غالبة عليهن إلا من رحم الله ، وعسى الله أن يوفق أخياتنا للمحافظة على أزواجهن وبيوتهن ، وأن يجعل لهن في ذلك بغية صالحة ترفع درجاتهن في جنات النعيم .
أرجو ألا يكون في هذا إغضاب لمن ملّت من زوجها ومن الحديث عن حقوق الزوج وواجبات الزوجة ، فالمقصود حفظ البيوت والأسر والسير بتلك السفن إلى بر الأمان ولتكن المبادرة من الزوجات الكريمات وسيجنين ثمرات ذلك في الدنيا والآخرة إن شاء الله .
عبد العزيز المقحم-اسلام ويب

Post: #552
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:19 PM
Parent: #501

مع اتساع ظاهرة الطلاق التقت «الشرق الاوسط» بعدد من العلماء لمعرفة رأيهم حول هذا الموضوع.
بادئ ذي بدء تحدث الشيخ سالم بن مبارك المحارفي الداعية في القاعدة الجوية بالرياض وإمام وخطيب جامع حمزة بن عبد المطلب بالحرس الوطني، فقال: يحكي واقع كثير من الناس اليوم صوراً شتى من اللا مبالاة بقيم الألفاظ ودلالات الكلام. وأثر المعاني وثمراته ونتائجه المترتبة عليه، تسمع الكلمة تخرج من فم المرء لا يلقي لها بالاً، ربما هوت به في مسالك الضياع والرذيلة وأقحمته في دهاليز الهموم والغموم، وفقدان الشعور، وأعقبته حسرةً وندامة ... ولات حين مندم.
إن كلمة من الكلمات قد تكون معولاً يهدم به صرح أسر وبيوت ترعد الفرائص بوقعها، وتقلب الفرح حزناً، والبسمة عبوساً، والأمل يأساً .. إنها كلمة «طالق»... فكم قطعت من أواصر الأرحام والمحبين. وكم قضمت وشائج المحبة والعشرة لسنين غابرة.

وأضاف : الطلاق كلمة لا ينازع أحد في جدواها، وحاجة كلٍ من الزوجين إليها حينما يتعذر العيش تحت ظل سقف واحد، وإذا بلغ النفور بينهما مبلغاً يصعب معه التودد، فالواجب والحالة ما ذُكر، أن يتفرقا بالمعروف والإحسان. كما اجتمعا بهذا القصد أول الأمر (وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ من سَعَتِهِ وَكَانَ اللّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا).
إن الله عز وجل لم يخلق الزوجين بطباع واحدة ، والزوجان اللذان يظنان أن مشاعرهما ورغباتهما واحدة لا تتصادم يعيشان في أوهام، ويسبحان في أحلام النيام.
إن النسيم العليل لا يهب داخل البيت على الدوام .. فقد يتعكر الجو، وقد تثور الزوابع ، وتدلهم الأمور وإن ارتقاب الراحة الكاملة نوع من الوهم، ومن العقل توطين النفس على قبول بعض المضايقات (فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ الله فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وقال صلى الله عليه وسلم «لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره خلقاً رضي منها آخر» (رواه مسلم).
لقد كثر الطلاق اليوم حتى أصبحت أرقام نسب الطلاق تنافس أرقام نسب الزيجات، ولذلك حين فقدت قوامة الرجل في بعض الأزواج ، إبان غفلة وتقهقر عن مصدر التلقي من الكتاب والسنة، وركن فئات من الناس إلى مصادر مريضة، قلبت عليهم مفهوم العشرة وأفسدت الحياة الزوجية ، وتولى كبر تلك المفاهيم المغلوطة الإعلام بشتى صورة من خلال مشاهدات متكررة، تقعّد فيها تصورات خاطئة، ومبادئ مقلوبة في العشرة الزوجية. واشار الى ان الحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس يرجع إليه عند الاختلاف في الرأي ، والرجل أحق بالرئاسة لأنه أخبر بالمصالح، وأقدر على التقيد ، بما أودع الله فيه من الخصائص والقدرات التي لا توجد في المرأة .. وإن ما تتلقفه المرأة من الأجواء المحيطة بها على منازعة الرجل قوامته، لمن الانحراف الصرف، والضلال البيّن، ومصادمة الواقع الذي هو دليل على ما نقول وزيادة. وإن قوامة الرجل في بيته لا تعني منحه حق الاستبداد والقهر، فعقد الزوجية ليس عقد استرقاق، ولا عقد متعة ينتهي بمدته. إنه أزكى من ذلك وأجلّ، فواجب الحق للمرأة حتى مع قوامة الزوج (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) ولا غنى للزوج عن امرأته، والزوجة عن بعلها (هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ). وقد كثر الطلاق اليوم، لما صار المطلق أحد رجلين. إما هو رجل أعمل سلطته، وأهمل عقله وعاطفته، فكان في منزله عسكرياً يسود فيه نظام الدكتاتورية، قد ينجح في جعل البيت يسير وفق ما يريد، ولكنه لا يذوق طعم المحبة والسعادة، ولا يعرف الصفاء والهناء فيه. وإما هو رجل تبع عاطفته فأطاعها، وأهمل سلطته فأضاعها، فعاش في داره عبداً رقيقاً يوجه من غيره فينساق، تقوده امرأته، حيث أرادت ولربما أودت به مهالك ومهازل.
لقد كثر الطلاق اليوم لما كثر الحسّاد والوشاة، فصيروا أسباب المودة والوئام عللاً للتباغض والانقسام، ولربما كان لأهل الزوجين مواقف ظاهرة بدت سبباً مباشراً في كثير من الخلافات، فأذكت نارها، وقطعت أواصرها، وأعانت الأحمق على حمقه.
وقال الشيخ المحارفي إن العلاقات الزوجية عميقة الجذور، بعيدة الآماد، فرحم الله رجلاً محمود السيرة، طيب السريرة، سهلاً رفيقاً، رحيماً بأهله، لا يكلف زوجته من الأمر شططاً، وبارك الله في امرأة لا تطلب من زوجها شططاً، ولا تحدث عنده غلطاً .
قال رسول الله عليه الصلاة والسلام «إذا صلت المرأة خمسها، وحصنت فرجها وأطاعت بعلها دخلت من أي أبوب الجنة شاءت» (رواه ابن حبان).
وقال عليه الصلاة والسلام «استوصوا بالنساء خيراً». (متفق عليه).
وسئل «ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، وتهجر إلا في البيت» (رواه أبو داود).
من جانبه، حذر الشيخ محمد بن سليمان البرقان مدير إدارة محكمة الضمان والأنكحة في الرياض وإمام وخطيب جامع التركي بحي الفارابي بالرياض من استخفاف بعض الأزواج بالطلاق وذكر عدداً من الأسباب التي تؤدي إلى كثرة وقوع الطلاق، فقال: إن لكثرة الطلاق في المجتمع أسبابا عديدة لعلنا نذكر بعضاً منها: تناول المخدرات: فتناولها سبب كبير لكثرة المشاكل بين الزوجين مما يؤدي إلى الطلاق وهذا واضح وجلي.والاختلاف الفكري والعلمي بين الزوجين. وانشغال الزوج وتقصيره في حقوق الزوجة .

جريدة الشرق الأوسط

Post: #553
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:22 PM
Parent: #552

قدّر الإسلام أنوثة المرأة واعتبرها - لهذا الوصف - عنصراً مكملاً للرجل، كما أنه مكمل لها، فليس أحدهما خصماً للآخر، ولا نداً له ولا منافساً، بل عوناً له على كمال شخصه ونوعه.
فقد اقتضت سُنة الله في المخلوقات، أن يكون الازدواج من خصائصها فنرى الذكورة والأنوثة في عالم الإنسان والحيوان والنبات، ونرى الموجب والسالب في عالم الجمادات - من الكهرباء والمغناطيس - وغيرها حتى الذرة فيها الشحنة الكهربائية الموجبة، والشحنة السالبة (الإلكترون والبروتون).
وإلى ذلك أشار القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً قال: (ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون) .
فالذكر والأنثى كالعلبة وغطائها، والشيء ولازمه، لا غنى لأحدهما عن الآخر.
ومنذ خلق الله النفس البشرية الأولى - آدم - خلق منها زوجها - حواء - ليسكن إليها ولم يتركه وحده، حتى لو كانت هذه الوحدة في الجنة، وكان الخطاب الإلهي لهما معاً أمراً ونهياً: (اسكن أنت وزوجك الجنة وكُلا منها رغداً حيثُ شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) . (البقرة 35).
فالمرأة غير الرجل، لأنها تكمله ويكملها، والشيء لا يكمل نفسه، والقرآن الكريم يقول: (وليس الذكر كالأنثى) . (آل عمران 36) .
كما أن الموجب غير السالب، والسالب غير الموجب.
ومع هذا لم تُخلق لتكون ندّاً له ولا خصماً، بل هي منه وله: (بعضكم من بعض) . (النساء 25) . (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً ). (النحل 72) .
واقتضت حكمة الله أن يكون التكوين العضوي والنفسي للمرأة يحمل عناصر الجاذبية للرجل وقابلية الانجذاب إليه.
وركّب الله في كل من الرجل والمرأة شهوة غريزية فطرية قوية تسوقهما إلى التجاذب واللقاء، حتى تستمر الحياة ويبقى النوع.
ومن ثمّ يرفض الإسلام كل نظام يصادم هذه الفطرة ويعطلها كنظام الرهبنة ، ولكنه حظر كل تصريف لهذه الطاقة على غير ما شرعه الله ورضيه من الزواج الذي هو أساس الأسرة، ولهذا حرّم الزنى، كما حرّمته الأديان السماوية كلها، ونهى عن الفواحش، ما ظهر منها وما بطن، وسدّ كل منفذ يؤدي إلى هذه الفواحش، حماية للرجل والمرأة من عوامل الإثارة وبواعث الفتنة والإغراء.
وعلى هذا الأساس من النظر إلى فطرة المرأة، وما يجب أن تكون عليه في علاقتها بالرجل، يعامل الإسلام المرأة، ويقيم كل نظمه وتوجيهاته وأحكامه.
إنه يرعى أنوثتها الفطرية، ويعترف بمقتضياتها، فلا يكبتها ولا يصادرها، ولكنه يحول بينها وبين الطريق الذي يؤدي إلى ابتذالها، وامتهان أنوثتها، ويحميها من ذئاب البشر، وكلاب الصيد، التي تتخطف بنات حواء، لتنهشها نهشاً، وتستمتع بها لحماً، ثم ترميها عظماً.
ونستطيع أن نحدد موقف الإسلام من أنوثة المرأة فيما يلي:
1. إنه يحافظ على أنوثتها، حتى تظل ينبوعاً لعواطف الحنان والرقة والجمال، ولهذا أحلّ لها بعض ما حرّم على الرجال، بما تقتضيه طبيعة الأنثى ووظيفتها، كالتحلي بالذهب، ولبس الحرير الخالص، فقد جاء في الحديث: "إن هذين حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم" (رواه ابن ماجه).
كما أنه حرَّم عليها كل ما يجافي هذه الأنوثة، من التشبه بالرجال في الزي والحركة والسلوك وغيرها، فنهى أن تلبس المرأة لبسة الرجل، كما نهى الرجل أن يلبس لبسة المرأة، ولعن المتشبهات من النساء بالرجال، مثلما لعن المتشبهين من الرجال بالنساء، وفي الحديث: " ثلاثة لا يدخلون الجنة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه والمرأة المترجلة - المتشبهة بالرجال - والديوث" (رواه أحمد والنسائي والحاكم).
2. وهو يحمي هذه الأنوثة، ويرعى ضعفها، فيجعلها أبداً في ظل رجل، مكفولة النفقات، مكفية الحاجات، فهي في كنف أبيها أو زوجها أو أولادها أو إخوتها، يجب عليهم نفقتها، وفق شريعة الإسلام، فلا تضطرها الحاجة إلى الخوض في لجج الحياة وصراعها، ومزاحمة الرجال بالمناكب.
3. وهو يحافظ على خلقها وحيائها، ويحرص على سمعتها وكرامتها، ويصون عفافها من خواطر السّوء، وألسنة السّوء - فضلاً عن أيدي السوء - أن تمتد إليها.
ولهذا يوجب الإسلام عليها:
أ . الغض من بصرها، والمحافظة على عفتها ونظافتها: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) . (النور 31).
ب . الاحتشام والتستر في لباسها وزينتها، دون إعنات لها، ولا تضييق عليها: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها، وليضربن بخمرهن على جيوبهن) . (النور 31) ، وقد فُسّر: (ما ظهر منها) بالكحل والخاتم، وبالوجه والكفين، وزاد بعضهم : القدمين.
جـ. ألاّ تبدي زينتها الخفية - كالشعر والعنق والنحر والذراعين والساقين - إلا لزوجها ومحارمها الذين يشق عليها أن تستتتر منهم استتارها من الأجانب:
(ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن أو ما ملكت أيمانهن أو التابعين غير أولي الإربة من الرجال أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء) . (النور 31) .
د. أن تتوقر في مشيتها وكلامها: (ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن) النور (31) ( فلا تخضعن بالقول فيطمعَ الذي في قلبه مرض وقلن قولاً معروفاً) (الأحزاب 32) ، فليست ممنوعة من الكلام، وليس صوتها عورة، بل هي مأمورة أن تقول قولاً معروفاً.
هـ. أن تتجنب كل ما يجذب انتباه الرجل إليها، ويغريه به، من تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة، فهذا ليس من خُلُق المرأة العفيفة، وفي الحديث:
[ أيما امرأة استعطرت، ثم خرجت من بيتها، ليشم الناس ريحها فهي زانية] (رواه أبو داود وغيره) أي تفعل فعلها، وإن لم تكن كذلك، فيجب أن تتنزه عن هذا السلوك.
و. أن تمتنع عن الخلوة بأي رجل ليس زوجها ولا محرماً لها، صوناً لنفسها ونفسه من هواجس الإثم، ولسمعتها من ألسنة الزور: "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" . (متفق عليه).
ز. ألا تختلط بمجتمع الرجال الأجانب إلا لحاجة داعية، ومصلحة معتبرة، وبالقدر اللازم، كالصلاة في المسجد، وطلب العلم، والتعاون على البر والتقوى، بحيث لا تُحرم المرأة من المشاركة في خدمة مجتمعها، ولا تنسى الحدود الشرعية في لقاء الرجال.
إن الإسلام بهذه الأحكام يحمي أنوثة المرأة من أنياب المفترسين من ناحية، ويحفظ عليها حياءها وعفافها بالبُعد عن عوامل الانحراف والتضليل من ناحية ثانية، ويصون عرضها من ألسنة المفترسين والمرجفين من ناحية ثالثة، وهو - مع هذا كله - يحافظ على نفسها وأعصابها من التوتر والقلق، ومن الهزات والاضطرابات، نتيجة لجموح الخيال، وانشغال القلب، وتوزع عواطفه بين شتى المثيرات والمهيجات.
وهو أيضاً - بهذه الأحكام والتشريعات - يحمي الرجل من عوامل الانحراف والقلق، ويحمي المجتمع كله من عوامل السقوط والانحلال.
د.يوسف القرضاوي-اسلام ويب

Post: #554
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:25 PM
Parent: #501

هل يكفي -- فقط -- أن تحب الأم ابنتها وتخاف عليها ثم تترك الأمور تسير قانعة بهذا الشعور القلبي وحده ؟ أو يجب أن يكون الحب والخوف مفتاحين لسلوك واع وعلاقة إيجابية بين الطرفين؟
وماذا يقول التربويون وعلماء النفس وأساتذة الفقه عن مرحلة المراهقة ودور الأم فيها وبم ينصحونها ومم يحذرونها؟
صراحة ومكاشفة
تري د. مديحة الصفتي -- أستاذة علم الاجتماع بالجامعة الأمريكية -- أن الفتاة في جميع مراحل حياتها تتأثر بوالدتها إذ إنها تحاكيها في كل شيء وتعتبرها مرجعيتها في جميع شؤونها وخصوصياتها هذا بصفة عامة أما مرحلة المراهقة تحديد ا فهي مرحلة حرجة تمر فيها الفتاة بأغيار وبالتالي فإن علاقتها بأمها يجب أن تكون دائمًا حذرة ومتوازنة أي تكون أسس التعامل فيها صحيحة بمعني أن تدرك الأم خطورة المرحلة التي تمر بها ابنتها وتراقبها بدون أن تشعرها بذلك وإن وجدت خطأ فيمكن معالجته بطريقة الإيحاء غير المباشر أو بضرب المثل والقدوة حتي لا تجنح الفتاة وينبغي أن تعتمد الأم منهج الصراحة والمكاشفة مع ابنتها.
وفي هذا الإطار -- كما تقول أستاذة علم الاجتماع -- ينبغي أن يكون لدي الأم وعي كاف بدورها كأم وقراءة واعية ومدققة لفترة المراهقة وما يصاحبها من تغيرات فالأم يجب أن تقيم علاقة صداقة مع ابنتها تكون الأم فيها المثل الأعلي والقدوة الحسنة ومن ثم تصبح حكيمة في التعامل مع ابنتها فتكون رقيقة ولينة في الأوقات التي تقتضي ذلك وتكون حازمة وشديدة في أوقات أخري ويمكن للأم أن تحكي لابنتها سيرة بعض النماذج التي تعالج مشكلة ابنتها إن وجدت بطريقة غير مباشرة.
وتفرق د. فاطمة موسي -- أستاذة الطب النفسي بكلية طب القصر العيني -- جامعة القاهرة -- بين الخصائص الجسمية الظاهرية للمراهقة والتي تتسم بالنضج والخصائص النفسية العقلية لها التي لم يكتمل نضجها بعد حيث تتسم سلوكياتها بالاندفاع ومحاولة إثبات الذات والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها وتقلد أمها في جميع سلوكياتها وهناك تذبذب وتردد في عواطفها فعواطفها لم تنضج بعد فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الآخر ويبدأ ما يسمي بقصص الحب ومن هنا تحدث المشاكل فالأم يجب أن تكون قريبة من ابنتها لكي تطلعها علي كل ما يحدث لها ومن ثم تستطيع أن تقوم بدور الناصح والأم يجب أن تتسم بالنصح والتفهم وسعة الأفق وتستوعب أي سلوك يصدر من ابنتها فلو أخطأت الابنة فلا داعي للعقاب الشديد المباشر حتي لا تنفر منها.
وتحذر د. فاطمة الأم من انشغالها عن الأبناء والطباع الحادة التي تخلو من العاطفة والتفرقة بين الأبناء أو الغيرة المرضية بين الأم وابنتها والعنف مع الأبناء أو كثرة الخلافات الزوجية أمامهم لأن كل ذلك يحول دون تكوين علاقة صداقة وحب وتفاهم بينهما.
ولكي تكسب الأم ود ابنتها تقول د. فاطمة: يجب أن يكون هناك تقارب بينهما وتبادل للرأي والمشورة فتقدم الأم لابنتها الخبرات التي تعدها أمًا للمستقبل ويجب أن تتعرف الأم علي صديقات ابنتها وأسرهن وتعطي للابنة قدرًا من حرية الاختيار وإذا حدث خلاف تتناقش معها بود وتقنعها بأسلوب منطقي وتشركها معها في الأعمال المنزلية وتشاركها في هوايتها.
امتصاص الغضب
وقد ينتج عن حالة عدم التوافق النفسي مع الأم -- كما تري د. فاطمة -- بعض الآثار التي تتمثل في البحث عن أم بديلة قد لا تحسن الابنة اختيارها وقد تصاب بإحباطات كثيرة تؤدي إلي الاكتئاب نتيجة للحرمان العاطفي.
كما يمكن أن تنحرف المراهقة أخلاقيًا ويصبح لديها دوافع عدوانية تجاه نفسها والآخرين وقد يترتب -- أيضًا -- علي عدم التوافق إصابة الفتاة بأمراض نفسية جسمانية مثل: الربو والأمراض الجلدية والتوتر المستمر.
وإذا تفاقمت هذه الحالة من عدم الانسجام قد تهرب البنت من المنزل وتتعاطي المخدرات وتصبح شخصية غير سوية في المجتمع.
ويبدأ د. فكري عبد العزيز -- استشاري الطب النفسي -- بتعريف فترة المراهقة ليوضح أنها الفترة التي يحدث فيها التغير البيولوجي والهرموني والجسماني الذي يصاحب الفتي أو الفتاة فيحدث نوع من التغيير أو التحول من دون حدوث نمو للقدرات العقلية ويصاحب هذه المرحلة اندفاع في السلوك والتصرف في محاولة لإثبات الذات من خلال المظهر والتقليد والمحاكاة وبالتالي قد يحدث نوع من التباعد والحوار غير السوي بين الأم وابنتها.
وعن دور الأم في هذه المرحلة يري د. عبد العزيز أنه منوط بالأم التوجيه السوي وامتصاص الغضب بدون أذي نفسي وتشجيع طاقات الفتاة وإمكاناتها ومساعدتها علي تحقيق ذاتها من خلال الإبداع والثقافة والدوافع الإنسانية الطيبة ومنحها الأمان النفسي والاجتماعي إضافة إلي ضرورة أن يكون لديها إحساس ووعي وإدراك بخطورة هذه المرحلة التي ينبغي توجيه قدرات الفتيات فيها نحو أشياء مفيدة لاستخراج القدرات الكامنة داخل الفتاة في ظل تقارب نفسي واجتماعي وصحي.
تقصير واضح
يتهم الدكتور أحمد المجدوب -- الخبير بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية -- الأم المعاصرة بأنها تقصر تقصيرًا واضحًا وفاضحًا تجاه ابنتها المراهقة فالمرأة المعاصرة متعلمة ولكنه تعليم غير متخصص فهي لا تتلقي أي تعليم أو ثقافة خاصة بالزواج أو المنزل أو تدريب يؤهلها لكي تصبح أمًا وزوجة.
إنها تفتقر إلي المعلومات الخاصة بأنوثتها وكونها امرأة ، لذلك فهي تتخبط في تعاملها مع أبنائها ولا تعلم أي شيء عن كيفية التعامل مع الابنة في مرحلة المراهقة بما فيها من تقلبات وتغيرات.
فالمرأة المعاصرة اعتبرت التعليم سلاحًا تناوئ به الرجل وترفع به راية الندية التي أدت إلي وجود صراع بين الرجل والمرأة داخل الأسرة وهذا الصراع أدي إلي ضعف سلطة الاثنين أمام الأولاد وإلي تفكك الأسرة.
ويضيف د. المجدوب: لقد عايشت بالفعل حالة إحدي المراهقات جاءتني تقول: أنا أكره أمي بالرغم من أنها تحضر لي كل ما أريد ، لأني أعلم أنها لا تحبني ولكن تشتري لي لتقوم بتعويضي عن غيابها وانشغالها ، لأن كل ما يهمها هو مستقبلها الوظيفي وطموحها وتنافسها مع زميلاتها.
وعندما فوجئت بالدورة الشهرية لأول مرة لم أجدها بجانبي لتطمئني وتفعل كما تفعل كل أم في هذا الموقف ولأنك رجل لا تدرك مدي عمق هذه التجربة في نفسي.
واستطردت الفتاة عندما ظهرت علي مظاهر الأنوثة حاولت أن أحدثها ولكنها لم تعطني فرصة لم أجد إلا أن أنعزل وأبكي ، معي بنات منحرفات في المدرسة أردن أن يجذبنني إلي طريقهن ولم أجدها بجانبي وعندما أجد أمًا تحتضن ابنتها أو تربت علي شعرها أغير وأتاضيق وأرجع ناقمة علي أمي.
ويعلق د. المجدوب: هذا النموذج للأسف شائع الآن أما في الماضي فقد كانت الأم بجوار ابنتها لا يشغلها عنها تطلعات مادية وطموحات وظيفية ، أذكر الأم وهي توجه البنات في مثل هذه الحالات بالمحافظة علي النظافة وعدم الإهمال في الصحة أو الإتيان بحركات عنيفة أو أعمال منزلية كثيرة في فترة الدورة كذلك عدم معرفة أحد من الشبان بما تعاني منه البنت من آلام فالأمر سر تعرفه الأم فقط ولذلك تصنع المشروبات الساخنة وتدفئ البنت وتحنو عليها وهنا تنضج البنت بشكل سوي ولا تنعكس عليها آثار نفسية فيما بعد.
أما الآن وكما نسمع فإن أطباء النساء يقولون: هناك حالات مرضية بين المتعلمات يندي لها الجبين وتدعو للإشفاق وتفوق الحمل عند بعضهن ، لأن البنت لم تلق العناية اللازمة من الأم ولم تجد النصيحة السليمة ولا الاهتمام.
افتقاد الثقافة التربوية
وتتفق الدكتورة هناء أبو شهبة -- أستاذة علم النفس بكلية الدراسات الإنسانية بجامعة الأزهر -- مع الدكتور المجدوب في أهمية وجود الأم بصورة مكثفة في حياة الابنة المراهقة فتقول: إن المراهقة فترة حرجة في حياة كل إنسان ويجب علي الأم أن تحتوي ابنتها وتقترب منها وتصبح صديقة ودودة لها حتي تحميها من تيارات الفساد ، الصداقة تحمي البنت وتحمي الأم من أن تفقد ابنتها.
وإذا بحثنا عن أسباب فتور العلاقة بين الأم وابنتها فأحيانًا نجد أن الأم نفسها كانت ابنة مهملة ولذلك تهمل ابنتها لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
وأحيانًا يحدث العكس الأم التي كانت مهملة وهي فتاة إذا كان بناؤها النفسي سليمًا فنجدها تعطي حنانًا بكثرة وتعوض في بناتها ما افتقدته وهي صغيرة.
ويمكن أن يكون السبب الأكبر هو افتقاد الثقافة التربوية فنجد الأم متعلمة تعليمًا عاليًا ولا تعرف أي شيء عن أصول التربية والتعامل مع الأبناء.
فالتعليم لا يعطي للمرأة ما يؤهلها لذلك والأم لم تعد تجد عند ابنتها وقتًا لتنقل ما لديها من خبرات ومعارف ، لأن البنت مشغولة بالتعليم والمذاكرة حتي تتزوج وبعد فترة تصبح أمًا لا تعلم شيئًا عن أصول التربية ولا إدارة المنزل ومن ثم لا تعلم شيئًا عن فترة المراهقة وخطورتها.
إن فترة المراهقة فترة حرجة يشعر فيها المراهق بالحزن والكآبة والرغبة في التمرد والتغيير فإذا كانت الأم متفهمة وقريبة من ابنتها مرت هذه المرحلة بسلام وإن كانت بعيدة عن ابنتها وقاسية ستتحول العلاقة بينهما إلي حرب وصراع وقد تفقد كل منهما الأخري إلا أن المرأة العاملة عادة تكون متعلمة وخروجها لمجال العمل يكسبها خبرات وآراء وتجارب واتجاهات مما يوسع أفقها ويفيدها في تربية أولادها والاهتمام بهم خاصة من ناحية التربية الدينية والقيمية.
وقد يرجع ذلك إلي أن عددًا من رباب البيوت ينفقن وقتهن في الحديث في التليفونات أو أمام برامج التليفزيون التي تتميز عادة بالسذاجة والسطحية أو بشراء شرائط الفيديو مما يجعلهن كالحاضر الغائب في البيت.
إيمان محمود - نهاد الكيلاني-اسلام ويب

Post: #555
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:31 PM
Parent: #554

من أبرز المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة: الانحرافات الجنسية، مثل الجنسية المثلية أي الميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس، والجنوح، وعدم التوافق مع البيئة، وانحرافات الأحداث من اعتداء، وسرقة، وهروب.
وتحدث هذه الانحرافات نتيجة لحرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف، وعدم إشباع رغباته، ومن ضعف التوجيه الديني، وكذلك نتيجة لعدم تنظيم أوقات الفراغ.
ولذلك يجب تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والاشتراك في مناشط الساحات الشعبية والأندية.. إلخ.
ومن الناحية التربوية ينبغي أن يلم المراهق بالحقائق الجنسية عن طريق دراستها دراسة علمية موضوعية.
كذلك من المشكلات المهمة التي تظهر في المراهقة : ممارسة العادة السرية أو الاستمناء ، ويمكن التغلب عليها عن طريق توجيه اهتمام المراهق نحو النشاط الرياضي والكشفي والاجتماعي والثقافي والعلمي، وتعريفه بأضرار العادة السرية.
وينتج عن النمو السريع في أعضاء جسم المراهق إحساسه بالخمول والكسل والتراخي، كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة ، فقد تسقط من يد المراهق الكوب التي يحملها دون أن يكون ذلك نتيجة إهمال أو تقصير، ومع ذلك يلقى الكثير من اللوم والتأنيب من جانب الكبار.
وكثيراً ما يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً. فالمراهق طريد مجتمع الكبار والصغار، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار، وإذا تصرف كرجل انتقده الرجال أيضاً، وعلاج هذه الحالة يكون بقبول المراهق في مجتمعات الكبار، وإتاحة الفرصة أمامه للاشتراك في نشاطهم، وبتحمل المسؤوليات التي تتناسب مع قدراته وخبراته.
ومن المشكلات التي تتعرض لها الفتاة ، في هذه المرحلة، شعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورات الطمث، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع المحيطين بها من أفراد الأسرة ، كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية، ولذلك تصاب بالدهشة والقلق.
إن إحاطة الأمور الجنسية بهالة من السرية والكتمان والتحريم تحرم الفتاة من معرفة كثير من الحقائق العلمية التي يمكن أن تعرفها من أمها بدلاً من معرفتها من مصادر أخرى.
ومن الملحوظ في هذه المرحلة أن الفتاة يعتريها الخجل والحياء، وتحاول إخفاء الأجزاء التي نمت فيها عن أنظار المحيطين ، وينتج عن تعليقاتهم غير الواعية على مظاهر النمو هذه وعلى التغيرات الجديدة، شعور الفتاة بالحياء والخجل، وميلها للانطواء أو الانسحاب، ولذلك ينبغي أن ينظر الكبار لهذه التغيرات على أنها أمور طبيعية وعادية.
ومن أهم المشكلات التي يعانيها المراهق : الإصابة بأمراض النمو، مثل فقر الدم، وتقوس الظهر، وقصر النظر، وذلك مرجعه أن النمو السريع المتزايد في جسم المراهق، يتطلب تغذية كاملة وصحية حتى تساعد الجسم، وتمده بما يلزمه للنمو. وفي الغالب لا يجد المراهق الغذاء الصحي الكامل الذي تتوفر فيه جميع عناصر الغذاء الجيد، ولذلك يصاب ببعض هذه الأمراض. فلهذا يجب العمل على توفير الغذاء الصحي الكافي للمراهق.
أما حالات تقوس الظهر : فإنها تنتج من العادات السيئة من ثني الظهر والانحناء في أثناء الكتابة والقراءة ، وكذلك قصر النظر ينتج عن اتباع عادات سيئة خاصة بالقراءة عن قرب ، ولذلك يجب تنبيه المراهق إلى أضرار هذه العادات ومساعدته على تجنبها.
ونتيجة لنضج الغدد الجنسية واكتمال وظائفها، فإن المراهق قد ينحرف ويمارس بعض العادات السيئة، كالعادة السرية .
ولا ينبغي أن يكون توجيه المراهق للابتعاد عن هذه العادة قائماً على أساس التخويف والتهويل في أضرارها، ولكن ينبغي أن يكون أساسه التبصير المستنير، والإقناع، والحقيقة العلمية ذاتها، كذلك يتحقق العلاج عن طريق إعلاء غرائز المراهق والتسامي بها ، و تحويلها إلى أنشطة إيجابية بناءة. والمعروف أن تخويف المراهق من هذه العادة يخلق عقداً نفسية تدور حول الجنس عامة.
وقد يميل المراهق في هذه المرحلة إلى قراءة القصص الجنسية والروايات البوليسية وقصص العنف والإجرام، ولذلك يجب توجيهه نحو القراءة والبحث الجاد في الأمور المعرفية العادية، وأهمها وأنفعها التراث الديني الإسلامي. واستغلال نزعة حب الاستطلاع لديه في تنمية القدرة على البحث والتنقيب وغير ذلك من الهوايات النافعة. ويجب الاهتمام بقدرات المراهق الخاصة والعمل على توفير فرص النمو لهذه القدرات.
ومن المشكلات الوجدانية في مرحلة المراهقة : الغرق في الخيالات، وفي أحلام اليقظة التي تستغرق وقته وجهده وتبعده عن عالم الواقع.
وكذلك يميل المراهق إلى فكرة الحب من أول نظرة، فيقع في حب الفتاة معتقداً أن هذا الحب حقيقي ودائم، ولكنه في الواقع ينقصه النضج والاتزان، وكثيراً ما تنتهي الزيجات التي تتم في سن مبكرة بالفشل، لأنها لا تقوم على أساس من النضج الوجداني، ولا تستند إلى المنطق السليم.
كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات، وارتكاب الأخطار، ويمكن توجيه هذه النزعة نحو العمل بمعسكرات الكشافة والرحلات، والاشتراك في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي.
وفي العصر الحالي ظهرت نزعات وفلسفات تتصف باللامبالاة عند الشباب الأوروبي - كما هو الحال في جماعات الهيبز وغيرها - وليست هذه السلبية إلا تعبيراً عن ثورة الشباب، وسخطه على المجتمع، ونتيجة للفشل التربوي.
وعلى كل حال، فإن المراهق يميل إلى التقليد الأعمى، وإلى البدع، و(المودات) الجديدة، ولذلك ينبغي توجيه المراهقين عندنا وجهة إيجابية تتفق مع فلسفة المجتمع المسلم وأهدافه في التقدم والرخاء، وعلى هدى من تعاليم إسلامنا الحنيف.
كذلك يقع على عاتق علماء المسلمين، ورجال الثقافة والإعلام والتربية والإصلاح والقادة مسؤولية تزويد المراهقين بالحقائق والمعلومات المقنعة التي تثبت إيمانهم وترسخ عقيدتهم، وتحميهم من نزعات الإلحاد والشك.
ومن الوسائل المجدية : اشتراك المراهق في المناقشات العلمية المنظمة التي تتناول علاج مشكلاته، وتعويده على طرح مشكلاته، ومناقشتها - مع الكبار في ثقة وصراحة - وكذلك ينبغي أن يحاط المراهق علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي، حتى لا يكون فريسة للجهل والضياع أو الإغراء.
ويعبر الدكتور أحمد عزت راجح عن الصراعات التي يعاني منها المراهق على هذا النحو:
1. صراع بين مغريات الطفولة والرجولة.
2. صراع بين شعوره الشديد بذاته وشعوره الشديد بالجماعة.
3. صراع جنسي بين الميل المتيقظ وتقاليد المجتمع، أو بينه وبين ضميره.
4. صراع ديني بين ما تعلمه من شعائر، وبين ما يصوره له تفكيره الجديد.
5. صراع عائلي بين ميله إلى التحرر من قيود الأسرة، وبين سلطة الأسرة.
6. صراع بين مثالية الشباب، والواقع.
7. صراع بين جيله والجيل الماضي.
ويضاف إلى ذلك صراعات تنتج من وجود أهداف متعارضة في داخل نفسه يرغب في تحقيقها معاً، ولكنها بطبيعتها إذا استطاع أن يحقق أحدها أصبح تحقيق الآخر أمراً مستحيلاً كالرغبة في الاستذكار وفي اللعب في الوقت نفسه، أو الرغبة في الطاعة والتمرد.
من كتاب : سيكولوجيا المراهق المسلم المعاصر

Post: #556
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:35 PM
Parent: #501

من هم المعوقون ؟
تعريف التعويق
التعويق حالة تحد من مقدرة الفرد بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر العناصر الأساسية لحياتنا اليومية، وبينها العناية بالذات أو ممارسة العلاقات الاجتماعية أو النشاطات الاzقتصادية وذلك ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية.
المعوق من الأشخاص: هو الشخص الذي يختلف عن المستوى الشائع في المجتمع في صفة أو قدرة شخصية سواء كانت ظاهرة كالشلل وبتر الأطراف وكف البصر أو غير ظاهرة كما هو الحال في التخلف العقلي والصمم أو الإعاقة السلوكية والعاطفية. بحيث يكون هذا الاختلاف عن المستوى الشائع يستوجب تعديلاً في المتغيرات التعليمية والتربوية والحياتية بشكل يتفق مع قدرات وإمكانات الشخص المعوق -مهما كانت محدودة- ليكون بالإمكان تنمية تلك القدرات والإمكانات إلى أقصى حد ممكن.
كانوا فيما مضي، وحتى حوالي منتصف القرن الحالي، يسمونهم (المقعدون)، ثم أطلقوا عليهم كلمة (ذوي العاهات)، على اعتبار أن كلمة الإقعاد توحي باقتصار تلك الطائفة على مبتوري الأطراف أو المصابين بالشلل وأما العاهة فهي أكثر شمولاً بمدلول الإصابات المستديمة.. ثم تطور هذا التعبير عنهم إلى اصطلاح (العاجزون)، أي كل من به صفة تجعله عاجزاً في أي جانب من جوانب الحياة، سواء من حيث العجز عن العمل أو الكسب، أو العجز عن ممارسة شؤون حياته الشخصية مثل المشي وتناول الطعام وارتداء الملابس والاستحمام والنوم، أو العجز عن التعامل مع الغير، العجز عن التعلم..الخ. ولما تطورت النظرة إليهم على أنهم ليسوا عاجزين، وأن المجتمع هو الذي عجز عن استيعابهم أو عن تقبلهم أو عن الاستفادة مما قد يكون لديهم من مميزات أو مواهب أو صفات أو قدرات يمكن تنميتها وتدريبها بحيث يتكيفون مع المجتمع رغم عاهاتهم بل وربما يفوقون غيرهم ممن نطلق عليهم تجاوزاً كلمة (الأسوياء) أي عندما أدرك المجتمع أنه هو الذي يحوي تلك العوائق التي تمنعهم من التكيف معه عندئذ أصبحت المراجع العلمية والهيئات المتخصصة تسميهم (المعاقون أو المعوقون) بمعنى وجود عائق يعوقهم عن التكيف.. كما لو كانت سيارة تسير في طريق ممهدة ثم اعترضتها صخرة أو حاجز أو حفرة أعاقت مواصلة سيرها، فأصبحت بسبب هذا العائق معاقة عن الوصول إلى ما كانت تستهدفها وأصبحت محتاجة إلى معاونة من الآخرين قادرين على إزالة هذا العائق، وإصلاحها إذا كانت محتاجة إلى إصلاح (أي تأهيلها لمواصلة المشوار)، وبهذا المفهوم أصبحت كلمة (معوق) لا تقتصر على المعوقين عن العمل والكسب وإنما أيضاً تشمل المعوقين عن التكيف نفسياً واجتماعياً مع البيئة، إما بسبب إصابتهم بعاهات أو انحرافات سلوكية، وإما بسبب ما تفرضه عليهم البيئة من تطورات أو مفاجآت لم تكن في حسابهم وسنعرض فيما بعد أمثلة تجعل هذا المفهوم أكثر وضوحاً.
والآن يتطلع كل من علماء الاجتماع وعلماء الطب وعلماء النفس إلى ابتكار اصطلاح آخر جديد يطلقونه على هذه الطائفة بدلاً من كلمة المعوقين، بعد أن تبين لهم ضآلة الفارق بين (المعوقين) وبين الآخرين الذين نطلق عليهم كلمة (أسوياء) لأن كل إنسان من الطائفتين لا بد أن يكون لديه نواحي نقص ونواحي امتياز ومجموع هذه النقائض والامتيازات في شخصية الفرد تجعله قابلاً للتكيف مع المجتمع الذي يعيش فيه، إذ أمكن توجيهه بصورة تحقق التوافق بين صفاته (إمكانياته) وبين صفات (إمكانيات) هذا المجتمع.. لدرجة أن (الأسوياء) في عرف مجتمع ما ربما يكونون (معوقون) في مجتمع آخر إذا هاجر إليه.
أسباب التعويق
يمكن تقسيم أسباب الإعاقة إلى سببين رئيسيين هما:
1. أسباب وراثية.
2. أسباب بيئية.
1. الأسباب الوراثية:
وتشمل الحالات التي تنتقل من جيل إلى جيل عن طريق الجينات الموجودة على الكروموسومات في الخلايا، مثل الاستعداد الموجود عند بعض الأسر للنزيف ويسمى مرض الهيموفيليا والضعف العقلي، والاستعداد للإصابة بمرض السكر، والزهري الوراثي الذي تنتقل فيه العدوى من الأب إلى الأم ثم إلى الجنين، كما أن النقص الوراثي في إفرازات الغدة الدرقية يؤدي إلى نقص النمو الجسمي والعقلي. وبصفة عامة يمكن القول أن حالات التعويق الوراثي أقل من حالات التعويق البيئي.
2. الأسباب البيئية:
الوراثة حصيلة المؤثرات الموجودة داخل الكائن الحي المتصلة بالتكوين الجيني، أما البيئة فهي حصيلة المؤثرات الخارجية التي بدأت تلعب دورها منذ الحمل حتى الوفاة وتسير مع قوى الوراثة منذ نشأتها في علاقة تفاعلية، وتشمل البيئة مؤثرات ما قبل الولادة، ومؤثرات أثناء الولادة، وما بعد الولادة.
أ. مؤثرات أثناء الولادة:
إن إصابة الأم مثلاً في بداية الحمل بالحصبة الألمانية تؤدي إلى احتمال تعرض الجنين لإصابات العين والقلب، كما أن صحة الأم خلال فترة الحمل في نوع تغذيتها عاملان يتوقف عليهما ما إذا كان الطفل يولد سوياً أو غير سوي.
ب. مؤثرات أثناء الولادة:
وهذا يحدث إذا كان حجم المولود كبيراً بالنسبة للأم، أو الإهمال في النظافة أثناء الولادة فمثلاً عدم غسل عيني الطفل بالماء والصابون قد يؤدي للإصابة بالرمد الصديدي وهو من عوامل فقد البصر، والطفل الذي يولد قبل موعد ولادته الطبيعية يمكن أ ن يصاب بنزيف في المخ وهكذا.
جـ. مؤثرات بعد الولادة:
هذه الحالات متعددة منها حوادث السيارات وإصابات العمل، وإصابات الحروب، والجروح، والإصابة بالأمراض الشديدة مثل شلل الأطفال، والحمى الروماتيزمية والدرن وغير ذلك.
إسماعيل شرف-اسلام ويب

Post: #557
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:38 PM
Parent: #501

جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق إبنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إبنه وأنبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زوجية كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [كلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته، فالإمام راعٍ ومسؤول عن رعيته، الرجل راعٍ في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية، وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ، وهو مسؤول عن رعيته] ، قال: فسمعت هؤلاء من النبي صلى الله عليه وسلم، وأحسب النبي صلى الله عليه وسلم قال: [والرجل في مال أبيه راعٍ، ومسؤول عن رعيته، فكلكم راعٍ، ومسؤول عن رعيته] .
قال الخطابي: ورعاية الرجل أهله: سياسته لأمرهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة: تدبير أمر البيت والأولاد والخدم.. ويقول ابن حجر (13-120): وجاء في حديث أنس مثل حديث ابن عمر فزاد في آخره: فأعدوا للمسألة جواباً، قالوا: وما جوابها؟ قال: أعمال البر، أخرجه ابن عدي والطبراني في الأوسط، وسنده حسن، وله من حديث أي هريرة: ما من راعٍ إلا يسأل يوم القيامة أقام أمر الله أم أضاعه؟ ولابن عدي بسند صحيح عن أنس: [إن الله سائل كل راعْ عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيّعه] . وقال النووي (12-454) : قال العلماء: الراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح ما قام عليه وما هو تحت نظره ففيه أن كل من كان تحت نظره شيء فهو مطالب بالعدل فيه والقيام بمصالحه في دينه ودنياه ومتعلقاته، قوله: [ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة] .
يقول الإمام الغزالي في رسالة أنجع الوسائل: "الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عود الخير وعلمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدب، وإن عود الشر وأهمل إهمال البهائم؛ شقي وهدك، وكان الوزر في رقبة القيم عليه والوالي له. ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كل مولود يولد على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو يمجسانه أو ينصرانه].
وأكّد ابن القيم - يرحمه الله - هذه المسؤولية فقال: "قال بعض أهل العلم: إن الله سبحانه يسأل الوالد عن ولده يوم ال قيامة، قبل أ، يسأل الولد عن والده، فإنه كما أن للأب على ابنه حقاً، فللإبن على أبيه حق، فكما قال الله تعالى: (ووصينا الإنسان بوالديه حسناً) (العنكبوت:7) وقال أيضاً: (قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة) (التحريم:6)، فوصية الله للآباء بأولادهم سابقة على وصية الأولاد بآبائهم، فمن أهمل تعليم ولده ما ينفعه وتركه سدى فقد أساء غاية الإساءة، وأكثر الأولاد إنما جاء فسادهم من قبل الآباء، وإهمالهم لهم، وترك تعليمهم فرائض الدين وسننه، فأضاعوهم صغاراً فلم ينتفعوا بأنفسهم، ولم ينفعوا آباءهم كباراً، كما عاتب بعضهم ولده على العقوق، فقال: يا أبتِ إنك عققتني صغيراً، فعققتك كبيراً، وأضعتني وليداً فأضعتك شيخاً".
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: [سماهم الله - تبارك وتعالى - أبراراً، لأنهم بروا الآباء والأبناء، كما أن لوالديك عليك - حقاً - كذلك لولدك عليك - حقاً -] .
حقوق الأطفال على الكبار
يقول محمد نور سويد: إن إعطاء الطفل حقه وقبول الحق منه يغرس في نفسه شعوراً إيجابياً نحو الحياة، ويتعلم أن الحياة أخذ وعطاء، كذلك فإنه تدريب للطفل على الخضوع للحق يرى أمامه قدوة صالحة... وإن تعوده العدل في قبول الحق ورضوخه له تتفتح طاقته لترسم طريقها في التعبير عن نفسه ومطالبته حقوقه، وعكس هذا يؤدي إلى كبتها وضمورها، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن غلاماً على يمينه لكي يتنازل عن حقه ليعطيه للكبير الذي على يساره، فإذا بالطفل لا يؤثر سؤر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفسه لأحد أبداً، فيعيطيه رسو الله صلى الله عليه وسلم الإناء ليشرب ويهنأ في الإستمتاع بحقه.
فعن سهل بن سعد رضي الله عه قال: "أتى النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فشرب منه، وعن يمينه غلام أصغر القوم، والأشباخ عن يساره، فقال يا غلام: أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ؟ قال: ما كنت لأوثر بفضلي منك أحداً يا رسول الله ، فأعطاه إياه". قال ابن حجر: (وعن يمينه غلام) هو الفضل بن العباس حكاه ابن بطال، وقيل أخوه عبد الله حكاه ابن التين، وحمله على ذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه الترمذي قال: "دخلت أنا وخالد بن الوليد على ميمونة، فجاءتنا بإناء من لبن، فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا على يمينه وخالد على شماله، فقال لي: الشربة لك فإن شئت آثرت بها خالداً، فقلت: ما كنت أوثر على سؤرك أحداً".
حقوق الولد على أبيه:
1- السعي للزواج من امرأة صالحة ذات دين.
2- بناء البيت المسلم، في الحي المسلم، لتوفير البيئة المسلمة الصالحة.
3- إتباع السنة في معاشرة الرجل لزوجته، والدعاء بالمأثور في الفراش، قال تعالى: (... وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً) (الإسراء:64). وللشيخين عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [لو أن أحدكم إذا أتى أهله، قال: بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا، فقضي بينهما ولد لم يضره] ، ويقولن ابن دقيق العيد: لا يضره في دينه أيضاً، وقال الداودي: أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر.
4- إتباع السنة في استقبال المولود، كأن يؤذن في أذنه بعد ولادته، ويحنكه بنفسه، أو يذهب به إلى عالم صالح ليحنكه، ويعد له العقيقة.
5- عدم تسخط البنات، لأن الهدف هو إنجاب الذرية الصالحة، ولداً كان أم بنتاً، فالولد الصالح يشمل الذكر والأنثى، وتسخط البنات اعتراض في محله، وعدم رضى لما أعطى الله عز وجل، وهي بقية من الجاهلية؛ لأنهم كانوا يرغبون بالذكور لأنهم محاربون ينفعونهم في الغزو والسلب والنهب، بينما تكون البنت عالة على الرجال في القبيلة، لأنها ليس محاربة، وهذا ضيق أفق وجهل قبلي متعفن، أليست المرأة تلد الرجال المحاربين!!؟ وكل عظيم وراءه امرأة كما قيل -.
6- أن يتخير له اسماً حسناً، ذكراً كان أو أنثى. كما ورد في السنة المطهرة.
7- أن يختنه ذكراً كان أو أنثى، والختان من سنن الفطرة، ويستحب أن يكون بُعيد الولادة بأيام قليلة لسهولته عندئذ على الطفل.
8- أن يختار له والده مرضعة صالحة، وأفضلهم أمه التي أنجبته، لما للبنها من توافق مع الطفل، كما للرضاعة من الأم أثر طيب في النمو النفسي والعاطفي للطفل، وإن تعذر على الأم إرضاعه، فينبغي على الأبوين البحث عن مرضعة ذات دين، لا تأكل حراماً ولا تقترب منه، فيستفيد الطفل عندئذ من حليبها إن شاء الله.
9- أن ترعاه أمه وتحضنه، - وخاصة خلال الطفولة المبكرة - ولا تتركه للخادمات أو المربيات مهما أخلصن في عملهن، فالأم لا تعوض عند الطفل بالدنيا كلها.
10- وعلى الوالدين أن يعلّما طفلهما كتاب الله عز وجل، وما يلزمه من العلوم في دينه ودنياه. فقد أخرج البيهقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: [حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والسباحة، وألا يرزقه إلا طيباً].
11- أن يعلمه السباحة، وركوب الخيل (وما في حكمها الآن من سيارة ودراجة)، ويربي جسده تربية إسلامية، ليكون مجاهداً في سبيل الله عز وجل.
12- ألا يرزقه إلا طيباً، من الكسب الحلال، فقد روى الطبراني في الأوسط أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [من سعى على عياله من حله فهو كالمجاهد في سبيل الله، ومن طلب الدنيا حلالاً في عفاف كان في درجة الشهداء] أخرج ابن أبي الدنيا عدة أحاديث تحت باب: النفقة على العيال، والثواب على النفقة عليهم. منها [... وإن كان يسعى على صبيان له صغرا ليغنيهم فهو في سبيل الله...] ومنها [من طلب الدنيا حلالاً ووجه مثل القمر ليلة البدر...].
13- أن يعلمه الصلاة ويدربه عليها في سن السابعة، ويواظب على هذا التدريب والتعليم حتى ترسخ عنده، ويصحبه إلى المساجد للصلاة، وسماع الدروس، والمواعظ والجلوس عند العلماء.
14- أن يدربه على الصوم منذ السابعة، ويراعي الفصول وطول النهار، فيدربه على صوم النهار كله أو بعضه، حتى إذا أنس منه القدرة على الصوم يلزمه به.
15- أن يكون الوالدان قدوة حسنة لأطفالهما في البيت وخارجه، فالأطفال يتعلمون من اقتدائهم بأفعال والديهم أضعاف ما يتعلمونه من أ قوالهم.
16- أن يعلمه آداب الإستئذان وسائر الآداب الإجتماعية، ويدربه عليها ويلقنه إياها بالقدوة والقول.
17- أن يوفر له الرفقة الصالحة، ويخطط بشكل غير مباشر ليضع ولده في بيئة صالحة، كالسكن في حي إسلامي، بجوار المسجد النشيط، وإرساله إلى مدرسة إسلامية، وإرساله إلى المراكز الصيفية والمخيمات الإسلامية.
18- أن يعوله حتى سن الرشد، وأن يعده للحياه في مجتمعه، فيدرسه ويدربه ويعده بما يلزم ليكون عنصراً صالحاً في المجتمع المسلم.
19- أن يعدل الوالدان بين أولادهم، فلا يفضلون أحدهم على الآخر، بل يساوون بينهم في الحب والعطف والمعاملة. وخاصة بين الذكور والإناث.
20- أن يزوجه ويساعده على البحث عن الزوجة الصالحة ذات الدين، أو يبحث لابنته عن الزوج الصالح ذي الدين. وينفق على ولده أو ابنته من ماله الخاص - إن كان غنياً - من أجل الزواج وبناء أسرة مسلمة جديدة.
21- أن يرشده بعد الزواج إلى سعادته في الدنيا والآخرة، وأن يزوره في بيته، ولا يضعف صلته به بعد زواجه.
إسلام ويب

Post: #558
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:41 PM
Parent: #501

أبناؤنا يتعلمون الصدق حين نصدق معهم ، وصدقنا معهم يدفعهم إلى الثقة بنا والاطمئنان إلينا . لا تظنوا أن الصغار يميزون ، بل هم يدركون إن كنا معهم صادقين أو كاذبين .
حدثتني والدتي أنها اشتكت - وهي صغيرة - ألمًا دائمًا في بطنها ، فلما فحصها الطبيب وجد أنها تحتاج أن تصور صورة شعاعية لتقصي سبب المغص والألم . وكانت الصورة لا تتم إلا بعد أن يتناول المريض شربة من الملح الإنجليزي ذي الطعم البشع والرائحة الكريهة . فلما رأت أمي شكله وشمت رائحته استبشعته ورفضت تناوله . حاولت جدتي إقناعها بأن طعمه ليس كرائحته ، ورغبتها في تذوقه ، فما تذوقت بعضًا منه حتى أزدادت عزمًا وتصميمًا على ألا تشربه مهما حصل ، فغضبت جدتي وسعت إلى إجبارها على تناوله وهي رافضة متمنعة ، فلما أعياها الترهيب لجأت إلى الترغيب ، فراحت تحاول إقناعها مؤكدة أن هذا الدواء لذيذ الطعم ، وهي لا تزداد إلا عنادًا وتصميمًا .
سمع جدي (الشيخ على الطنطاوي - رحمه الله) الضجيج فجاء من غرفته مستطلعًا الأمر ، فلما وقع على تفصيله طلب من جدتي أن تترك الأمر له ، ثم التفت إلى والدتي فقال لها : " يا بنيتي ، سأكون صادقًا معك ؛ لذلك لن أقول لك إن هذا الدواء ذو طعم لذيذ ، إنه كريه ولا يمكن شربه ، بل إن طعمه لا يطاق ، وقد احتجت يومًا لتناوله فلم أفعل لشدة كراهته ، وآثرت احتمال الألم على تجرع طعمه الكريه ، ولكني آمل أن تكوني أشجع مني وأقوى وأمضى عزيمة فتفعلي ما لم أقدر أنا عليه ، ويتم لك الشفاء بإذن الله " . قالت أمي " عندما صدقني والدي شربته جرعة واحدة وأنا سادة أنفي مغمضة عيني ؛ لشعوري بأنه مقدر لمعاناتي غير مستخف بآلامي .
إن الأطفال أذكى مما نتصور ؛ فهم سرعان ما يكتشفوننا إن كذبنا عليهم ، فيلجؤون إلى الأسلوب ذاته في تعاملهم معنا ، فيكذبون هم علينا . والكذب من أبشع الطباع ، ولكنه من أسهلها اكتسابًا ومن أصعبها علاجًا ، وكثيرا ما يلجأ إليه الأطفال للحصول على كسب أو الهروب من عقاب . ونحن - رغم صدق أهلنا معنا وصدقنا معهم - حاولنا اللجوء إلى الكذب ( في بعض المرات) خوفًا من العقاب ، فما تساهل جدي - أبدًا - في هذا الأمر ، إلا أنه عالجه بالحكمة البالغة فإذا شك أن أيًا من أحفاده كذب استدعاه فوعده ، إن صدقه القول ، ألا يعاقبه ، فيفهم منه حقيقة المسألة ، ثم يكتفي بتوجيهه وتعليمه حتى لا يقع في الخطأ مرة ثانية . بهذا الأسلوب الجيد علمنا قول الصدق ، فما زلنا نصدقه ونصدق أمهاتنا - آمنين من العقوبة طامعين في العفو جزاء الصدق حتى صار الصدق طبعًا من طباعنا ، ثم صرنا - من بعد - نصدق ولو أيقنا بالعقاب .
وكبرت فتزوجت وصرت أمًا ولم أنس هذا الدرس ؛ فكنت أبحث - مع أبنائي - عن الجانب السلبي في أي أمر فأعترف به بصدق غير مواربة ولا متهربة ، ثم أعمد إلى الجانب الآخر الإيجابي فأغلبه عليه وأستعين على الإقناع به بالترغيب والتشجيع . وأي أمر - مهما كان صعبًا وسلبيًا - لا يخلو من الإيجابية والخير ؟
عابدة المؤيد العظم-اسلام ويب

Post: #559
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:43 PM
Parent: #501

المشكلات السلوكية عند الأطفال
البكاء
إن أول شيء يبدأ به الإنسان حياته هو البكاء، ولعل أحسن تعليل لبكاء الطفل في الوهلة الأولى هو أنه تعبير عن الشعور الشديد بالعجز المطلق تجاه الواقع الجديد، وكأن لسان حال الوليد يقول: أغيثوني أغيثوني. ولعل بكاء الوليد هو البكاء الوحيد الذي يجلب السعادة العظيمة للوالدين وللأهل لأنها تعني بالنسبة لهم انتهاء عملية الولادة والخلاص من آلام المخاض والوضع، وللمشرف على الولادة لأنه يعني بالإضافة، تمتع الوليد بالصحة والقوة وسلامة الأجهزة العصبية والتنفسية بصورة خاصة.
أسباب البكاء:
والبكاء عموماً هو دليل على وجود حاجة ما في نفس الطفل، أي أنه لا بد من سبب للبكاء، وإن الطفل لا يبكي بدون مبرر، وبهذا يكون الإنسان أقدر على التعبير عن امتعاضه منه عن سروره إذ لا يبتسم الطفل إلا في أواخر الشهر الأول.
وإن الأسباب التي تؤدي إلى امتعاض الطفل في الأيام الأولى قليلة على العموم. ويأتي في مقدمتها الشعور بالجوع. فلذا نرى أن الأمهات يحاولن إرضاع أطفالهن بالفطرة بإعطائهم الثدي عند البكاء.
وإن بعض الأطفال لا يتحملون ألم الجوع بتاتاً. فلمجرد شعورهم بالجوع يبكون بشدة بينما نرى أن الآخرين يتحملون ألم الجوع لبرهة ما. ولذا بعد التجربة فقد عدل معظم الأطباء اليوم عن التزمت في توقيت الإرضاع حيث كان يفرض على الأم أن لا تعطي الثدي أو الزجاجة إلا في أوقات معينة سواءً أبكي الطفل من الجوع أم لم يبك.
لقد عدّل معظم الأطباء عن النصح بهذه الطريقة الشاذة ورجعوا إلى الطريقة الفطرية السليمة وهي أن يعطى الطفل إن بكى من الجوع في أسابيعه الأولى، وقد يكون سبب البكاء تحديد زمن الرضاعة إن كانت الأم قد تلقت تعليمات بهذا الشأن وطبقتها بدقة. فقد لا يأخذ الطفل كفايته من الحليب في هذا الوقت المحدد. فالأطفال تختلف قوتهم في الرضاعة شدة وضعفاً. فالضعيف قد يحتاج لوقت أطول من القوي.
كما أن تحديد كمية الحليب قد تضر الطفل إن كان الطفل يرضع من الزجاجة وكان من النوع الأكول النهم. ولذا فالقاعدة اليوم هي القاعدة الفطرية السليمة أن نعطي الحليب للطفل من الثدي أو الزجاجة متى جاع وحتى يشبع وذلك كي يشعر بالارتياح وينام نوماً هانئاً طويلاً.
وهناك أسباب أخرى للبكاء غير الجوع، كوجود فقاعة غازية كبيرة في المعدة بسبب ابتلاع الهواء أثناء الرضاعة، أو حدوث المغص المسائي الذي يسمى بمغص الثلاثة أشهر - إذ أنه يحدث في الأشهر الثلاثة الأولى من العمر -. وقد يكون سبب البكاء ضيق الطفل من زيادة الألبسة، أو اشتداد الحر، أو اشتداد البرد، أو خروج أحد السبيلين، أو وجود اندفاع جلدي حاك، أو شعور الطفل بطعم كريه كالذي ينجم عن قيئه أو رائحة كريهة. كما قد يبكي الطفل من ضجة مفاجئة أو نور شديد أو عند إطفاء المصباح وتركه في الظلام.
ولا ننس أيضاً أن سبب البكاء قد يكون ضيق الطفل من تقييد أطرافه وتثبيتها ومنعه من تحريكها عند إلباسه القماط وشده بالحزام حسب الطريقة القديمة، وهذا سبب هام في البيئات المتخلفة التي تعتمد هذه الطريقة من الإلباس. إذ الطريقة الصحية المريحة هي أن تكون الملابس ناعمة فضفاضة تدفىء الطفل دفئاً معتدلاً، لا تعيق حركة أعضائه أو أجهزته.
وهناك سبب هام لبكاء الطفل ليس له علاقة بما ذكر أو بما شابه وهو تابع لطبيعة الطفل. فهناك نوع من الأطفال المتهيجين أو النـزقين أو العصبيين كما يقال. فهم يبكون كثيراً وبشدة دون أن يعرف الإنسان لبكائهم سبباً ويحدث هذا حتى في الأيام الأولى، فإن أعطوا الثدي لا يرضعون بهدوء وروية بل يأخذون مصة أو مصتين ثم يبكون بشدة ولا تدري الأم ماذا تفعل فهم يتعبون الأهل كثيراً في الحقيقة.
وهناك سب هام آخر لبكاء الطفل في الشهر الأول من العمر وفيما بعد ألا وهو الشعور بالوحدة، وإنه لمن العجيب حقاً أن كثيراً من الأمهات لا تدرك أن الطفل يبكي من أجل الصحبة. في هذه الحال ينقطع بكاء الطفل لمجرد حمله بعكس بكاء الجوع أو الانزعاج أو الألم الذي لا ينقطع أو إن انقطع فلبرهة قصيرة. وإن حمل الطفل في هذه الأحوال لا مانع منه ولا يفسد الطفل. وبالطبع فإن الأم التي لا تميز هذا السبب تعطي ابنها رضعات إضافية لا لزوم لها إن لم تكن تتقيد بالإرضاع المنظم.
وهناك أسباب كثيرة طارئة تستدعي بكاء الطفل كتغيير ثيابه أو عند استحمامه وما شاكل.
وكلما كبر الطفل قل بكاؤه مع أن مسببات البكاء تأخذ بالازدياد، فالطفل الذي بلغ الستة أشهر، يتحمل الجوع والعطش والخرق المبللة أكثر من الطفل في شهره الأول أو الثاني، ولكن لا يزال كل سبب مزعج يستدعي بكاء الطفل بدرجات مختلفة حسب طبيعة الطفل.
وبعد الشهر السادس نشاهد أسباباً أخرى غير التي ذكرت، منها التعب والاثغار (ظهور الأسنان) - أحياناً قليلة - والخوف من الغرباء والحلم المزعج وغير ذلك.
وأما بعد الشهر التاسع فقد يبكي الطفل بسبب الحسد والغيرة وذلك إذا رأى أمه تحمل طفلاً آخر، أو بالعكس إذا رأى أخاه يصاب بأذى. أما الشعور بالوحدة الذي رأيناه أنه سبب لبكاء الطفل الصغير، فهو يصبح سبباً هاماً بعد الشهر السادس. وبالطبع فإن تحمل الطفل للوحدة يختلف حسب طبعه فقد نرى طفلاً لا يبالي إن أبقي في سريره لوحده ولو لمدة طويلة، ونرى طفلاً آخر يبكي أشد البكاء إن بعدت أمه عنه ولا يسكت إلا إذا أخذته بعربته إلى حيث يراها في المطبخ أو غرفة الجلوس.
ويبكي الطفل عندما لا نسمح له بأن يمارس ما أصبح قادراً عليه من أعمال وحركات فهو يحب أن يجلس عندما يصبح قادراً على الجلوس، وأن يلعب باللعب حين يصبح قادراً على حملها والإمساك بها، وأن يقف متمسكاً بحافة سريره عندما يستطيع الوقوف وهكذا، وهو يبكي عند منعه من ممارسة هذه الأعمال أو عدم تسهيلها له.
وبعد أن تنمو شخصية الطفل وذاتيته ابتداء من الشهر السادس فإنه يبكي عند مقاومتنا لرغباته أو إجباره على فعل ما لا يحبه أو على طعام يكرهه.
وإن البكاء الكثير المشاهد عند بعض الأطفال في السنة الأولى من العمر يكون مرده في معظم الأحيان إلى عدم تلبية حاجات الطفل الأساسية من محبة وعطف وطمأنينة وراحة وتوفير للُعب المناسبة ورغبة في ممارسة المهارات الجديدة.
وأما بعد السنة فإن البكاء يخف تدريجياً وهو ينجم على الأغلب من مقاومة ومعارضة ذاتية الطفل النامية وهواياته الجديدة. فهو يذرف الدموع غزيرة، وخاصة إن كان قوي الشخصية عندما لا يسمح له بالقيام ببعض الأعمال التي أصبح قادراً عليها كإلباس نفسه أو نزع ثيابه أو المساعدة في الأعمال التي يظن أنه يحسنها، أو باللعب بما تصل إليه يده من أجهزة وأدوات، في جميع أنحاء المنزل، وكلما كبر الطفل زاد حرصه وتمسكه بالطريق التي يختارها هو بنفسه، فهو يريد أن يلعب وأن يقضي وقته حسب الطريقة التي يراها هو أجلب للمرح والضحك لا بالطريقة المثلى ولا بالطريقة التي يراها أهله. وهو لا يقدر الزمن ولا يشعر به، وهو يريد لُعَب إخوته أو الأطفال الآخرين. وفي كل هذا وما شابه قد يعارضه أهله أو يتدخلون بغير انقطاع فيأخذ بالبكاء، كما أنه قد يبكي لأشياء تافهة أو ليلفت نظر الآخرين إليه أو ليحصل على صحبة من هم أكبر منه.
ويبكي الطفل في هذا السن أيضاً إن افتقد العطف والطمأنينة، فهو يبكي إن ترك وحيداً أو ترك يمشي في المؤخرة لأنه يمشي ببطء أو ترك في الظلام، وقد يبكي كل مساء كي يسهر مع أهله إن رأى شيئاً من التساهل. كما أنه قد يتصنع كثيراً من المخاوف والبكاء حتى يضمن صحبة أمه.
وباختصار إن كثرة بكاء الطفل تابعة لشخصيته، ولكن البكاء الزائد عن الحد يعني سوء معاملة الطفل إما بحرمانه من العطف والشعور بالإطمئنان، أو لعدم تدريبه على الاعتماد على النفس وممارسة ما يتعلمه، أو بتدليعه أو بالعكس باستعمال الشدة والصرامة، أو بأن يطلب منه أن يسلك مستوى لم يصله بعد، كما أن البكاء يزيد بنـزاقة الأهل وتعبهم. وكقاعدة لا بد من وجود سبب للبكاء من حاجة مشروعة وخطأ في سياسة الطفل.
بكاء الطفل ومستقبله
ولقد لاحظ الباحثون أنه كلما كان بكاء الطفل في السنتين أو الثلاثة الأولى من العمر أقل كلما كان حظه في مستقبل سعيد أكبر. ولكن هذا لا يعني البتة أن ندع الطفل يسير تبعاً لهواه ولكن يعني أن نعامله بحكمة ولطف وحلم وأن نمسح دموعه وحمله بحنان عند شعورنا بحاجته إلى ذلك. فليس هناك أي خوف من إفساد طبعه إن حمل عندما يبكي رغبة في أن يكون محبوباً وآمناً أو ليشعر بالراحة من جراء ألم أو أذى ألمَّ به، بل من الخطأ أن نتركه يبكي في مثل هذه الأحوال.
المعالجــة
تكمن في الملاحظات المتقدمة. في تفهم الطفل وفي تلبية حاجاته المشروعة، وبالحلم والصبر واللطف والتحمل والمعاملة الحسنة المتوافقة مع بناء شخصية الطفل. وهذه الطريقة وإن كانت تبدو في ظاهرها متعبة، وهي ليست في حقيقتها كذلك، توفر على الأهل تعباً قد يستمر الشهور والسنين، وتجعل الطفل سهلاً ليناً مطواعاً بعد برهة وجيزة.
ولا مجال للأدوية المهدئة أو المنومة إلا في حالات البكاء الناجمة عن الألم بسبب مرضي، والتي لم تكن موضوع بحثنا بالطبع. وفي الحالات الشديدة من البكاء المستديم المزعج، الذي لا يعرف سببه بعد الفحوص الطبية الدقيقة، في الحالات النادرة.
ثـورات الغضب
تحدث سورات الغضب عند الأطفال فيما بين نهاية السنة الأولى ونهاية السنة الثالثة على الأغلب، وهذا السن هو سن نمو صفات الذاتية والسلبية والمقاومة وحب الاعتداء.
وقد يكون غضب الطفل شديداً فيرمي بأشياء قد تكون ثمينة القيمة أو يكسر أشياء وقد يضرب برأسه الأرض أو يصفع نفسه أو يشد شعره وما إلى ذلك. ويقل الغضب مع مر السنين حتى نرى أن الطفل يحاول مسك نفسه عن البكاء بعد العاشرة إن حزبه أمر مراعياً في ذلك النظرة الاجتماعية.
ولننظر بشيء من التفصيل في أسباب سورات الغضب:
1. شخصية الطفل:
إذ لا يصدر الغضب عن الطفل الهادىء اللين بل عن الطفل النشيط العنيد الكثير الحركة.
2. وجود دور المقاومة ونمو ذاتية الطفل:
إذ الغضب هو نتيجة صدام شخصية الطفل النامية المتطورة مع إرادة الأهل، ورغبة الطفل المتزايدة في إظهار قدراته وتوجيه نظر الناس إليه وأن يسير حسب رغباته، إن هذا يوقعه في المشكلات والأزمات وخاصة إن كان أهله من النوع المتزمت الصارم. ويكرر الطفل صراخه وغضبه وانفعاله أيضاً إن وجد أن ذلك يساعده على الحصول على ما يريده. ويجعله سيد الموقف، ويجنبه العقاب بل وقد يجلب إليه العطف والمراضاة والهدايا. ولعل عدم التوفيق في معاملة سورة غضب واحدة أو التحدث عنها على مسمع من الطفل كفيل بأن يجعل الطفل يكررها وأن يصبح الأمر عنده عادة.
3. التقليد:
فقد يقلد الطفل أبويه أو إخوته إذا ما كانوا كثيري الغضب يقلدهم في إحداثه وفي كيفيته.
4. عدم الاستقرار:
إن كل ما يستعدي فقدان الطمأنينة والاستقرار في نفس الطفل يزيد في حدوث سورات الغضب عنده.
5. مستوى ذكاء الطفل:
مع أن الغضب يحدث عند الأطفال في أي مستوى كانوا من الذكاء، إلا أنه أكثر حدوثاً عند من يكون ذكاؤهم دون الوسط وذلك لأنه يتوقع منهم فوق ما يستطيعون أو لأنهم لا يفهمون حدود حريتهم.
6. الجهل باختلاف طبائع الأطفال:
فقد يعامل الأهل طفلهم الثاني نفس معاملتهم لطفلهم الأول مع أن الأول منهما كان هادئاً لين العريكة بينما الثاني هو من النوع النشيط العنيد الصعب المراس، فلا بد إذن من تجنب القواعد الثابتة الصارمة في معاملتنا لأطفالنا واستبدالها بقواعد أكثر مرونة.
7. المبالغة في الاعتناء بالطفل وتدليعه:
إذ الطفل عندئذ لا يعرف حدوداً لرغباته وإذا تمت مقاومته فإنه يحتد ويطلق سورة غضبه.
8. الشدة والصرامة في المعاملة:
فالإصرار على أشياء غير معقولة بالنسبة للطفل وطلب الطاعة الفورية كثيراً ما تجلب بكاء الطفل الحاد. بل إن شدة الكبت والضغط تزيد من مقاومة الطفل ومقاومة الطفل تزيد من تعنت الأهل فتدخل المشكلة في دائرة معيبة يصعب التخلص منها.
9. عدم انسجام الأبوين:
فإذا ما كان سلوك الأبوين غير منسجم أو غير مستقر على قاعدة ثابتة فمن شدة إلى تساهل إلى تهديد دون تنفيذ. فإن الأمر يختلط على الطفل ويقاوم إذا ما حاول أن يفرض أحد الأبوين عليه شيئاً لا رغبة له فيه. بل كثيراً ما يحدث أن يذهب كل من الأبوين في اتجاه، فهذا يأمر وهذا ينهى وهذا يوافق وهذا لا يوافق مما يحدو بالطفل أن يثور ويغضب عند الحاجة كي ينال مراده.
10. تعب الأهل ونفاذ صبرهم أو عدم سعادتهم:
لأن هذا ينعكس على معاملة الطفل ويؤدي إلى عدم القدرة على تحمله وسوء معاملة الطفل بطبيعة الحال تؤدي إلى اضطرابه وغضبه.
الوقاية والعلاج:
يجب أن نتأكد أولاً من سلامة جسم الطفل وخلوه من الأمراض التي قد تجعله متعباً سريع الانفعال، وبعد ذلك علينا أن نستقصي الأسباب الداعية لحدوث غضب الطفل وذلك يتم بمراجعتنا الدقيقة لمعاملة الأهل وسياستهم لطفلهم، وقد ذكرنا معظم الأسباب التي تكمن وراء هذه المشكلة.
فعلى الأم أن تكون عاقلة في معاملة ابنها تهيىء له أسباب المتعة والسعادة واللعب ليقضي وقته فرحاً، وأن تقلل من الأوامر والنواهي ما أمكن وإن كانت ترغب في نهيه عن شيء فيحسن أن تجذبه إلى أشياء أخرى وما أسهل ذلك. وعلى الأم أيضاً وبنفس الوقت أن تحرص على تنفيذ ما أعطت ابنها من تعليمات وهذه التعليمات يجب أن تكون معقولة وأن تأخذ بيد ابنها أخذاً رفيقاً مساعدة إياه في تنفيذها.
فإذا ما انتهى وقت اللعب مثلاً فعوضاً عن أن تصرخ به آمرة ناهية متوعدة عليها أن تساعده في جمع لعبه بهدوء ووضعها في مكانها. وعليها أن لا تثير مقاومته فإذا أرادته أن يفعل شيئاً فالأحسن أن تقول له: هيا بن نفعل كذا وكذا وأن لا تقول له: هل تريد أن تفعل هذا؟ إذ أن جواب الطفل على السؤال غالباً ما يكون بالنفي.
وعلى الأم ألا تحاول تحطيم إرادة الطفل إذ أن ذلك يؤدي إلى عواقب وخيمة تؤثر على شخصيته في المستقبل، فالغضب بدرجة متوسطة والتعدي على الغير هما من الصفات الطبيعية للطفل ونهي الطفل وتأنيبه وزجره باستمرار يؤدي إلى حالة من الخجل أو الانطواء أو الشعور بالنقص أو على العكس إلى العصيان والشراسة فيما بعد.
وإذا ما صدرت نوبة سورة غضب من الطفل فأحسن علاج لها هو إهمالها، وإن اللامبالاة بها هو أحسن وأقوى وأنجح عقاب بكل تأكيد. وأما الصراخ والضرب واستعمال العنف والتوبيخ وفقدان الصواب وما شابه فكلها تزيد النار اشتعالاً وتزيد العلة استفحالاً.
ولا يعني هذا إعطاء الطفل ما يزيد بل على العكس، وبكل تأكيد، يجب أن يحرم مما يطلبه وإلا فإنه يجعلها عادة مستمرة، وإن كان ولا بد فلا بأس بحمله وإشعاره بالمحبة والطمأنينة ولكن لا حلوى ولا هدايا، وعلى الأم أن تتساءل: ما الذي سبب لابنها سورة غضبه؟ وهل كانت مصيبة وعاقلة في معاملتها له؟ وهل الحكمة والحلم واللطف شعارها؟
نوبات حبس النفس:
هي ما يطلق عليها العامة نوبة الغشي وهي ذات صلة وثيقة بسورات الغضب. فبعد أن يبكي الطفل يحبس نفسه فيزرق لونه ويصاب بالغشي، لدرجة تخيف الأهل كثيراً، وبعد برهة يشهق شهقة قوية يدخل فيها الاكسجين إلى جسمه فيرجع لونه وتزول النوبة.
ويكثر حدوث هذه النوبة فيما بين السنة والثلاث سنوات وتندر بعد الرابعة من العمر، وهي كثيرة الحدوث بشكلها الخفيف ونادرة بشكلها الخطر المترافق بالاختلاج العام للجسم.
وإن لشخصية الطفل أو طبيعته دخلاً في الموضوع إذ تكثر عند البعض دون الآخر، ويبالغ البعض فيعتبرها اضطراباً نفسياً ناجماً عن قلق داخلي عميق.
والعادة أن تقل النوبات شيئاً فشيئاً حتى تزول نهائياً بعد سن الرابعة.
وسببها هو الغضب الشديد أو الخذلان أو السقوط من مكان مرتفع أو الألم. والنوبات الناجمة عن الألم لا تتكرر بعكس الناجمة عن الأسباب النفسية، وقد وجد مؤخراً أن هناك علاقة أكيدة بين هذه النوبات وبين فقر الدم، دون أن يعرف تعليل ذلك. لذا يحسن فحص دم كل طفل يصاب بهذه النوبات.
ومعالجة هذه المشكلة مماثلة لمعالجة نوبات الغضب تماماً، ويلجأ الأهل عادة إلى تنبيه تنفس الطفل بالماء فهذا شيء لا بأس به. وأما الأدوية فليست بذات تأثير يذكر. ويجب الانتباه إلى الطفل كي لا يصاب بأذى أثناء سقوطه. ويجب الانتباه إلى تمييز النوبات الشديدة المترافقة بالاختلاج عن نوبات داء الصرع.
وأخيراً لا بد من التنبيه إلى وجوب عدم إبداء الاهتمام الزائد والقلق الشديد عند حدوث هذه النوبات وإلا فإن الطفل سيجعلها عادة وسلاحاً يكررها كلما أحوجه الأمر
الدكتور/ نبيه الغبرة-اسلام ويب

Post: #560
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:46 PM
Parent: #501

. نظام التسمية عند العرب قبل الإسلام
كان العرب يسمون بالشنيع من الاسماء، كاسماء الجماد والحيوان، الأليف وغير الأليف، وقد عقد الثعالبي في كتابه " فقه اللغة" فصلاً خاصاً : في تسمية العرب أبناءها بالشنيع من الأسماء" وقال: هي من سنن العرب، إذ تسمي أبناءها بحجر وكُليب ونَمِر وذئب وأسد وما شابهها وكان بعضهم إذا وُلد لأحدهم ولد سمّاه بما يراه أو يسمعه مما يتفاءل به، فإن رأى حجراً أو سمعه تأوَّل فيه الشدة والصلابة والصبر والقوة، وإن رأى كلباً تأول فيه الحراسة والأُلفة وبُعد الصوت، وإن رأى نمراً تأول فيه المنفعة والتيه والشكاسة، وإن رأى ذئباً تأول فيه المهابة والقدرة والحشمة.
وقال بعضهم لابن الكلبي: لمَ سمت العرب أبناءها بكلب وأوس وأسد وما شاكلها، وسمت عبيدها بيُسر وسعد ويُمن؟ فقال وأحسن: لأنها سمت أبناءها لأعدائها، وسمت عبيدها لأنفسها" يقصد أن العرب سموا أبناءهم بأسماء الحيوانات الكواسر لإلقاء الرعب في نفوس أعدائهم، وسموا عبيدهم بأسماء رقيقة لطيفة تفاؤلاً وتيمناً لأنهم يرسلونهم لحاجاتهم، فسموا بأسماء النبات والزهور ياسمينة وفُلّة … ، وباسماء الطيور ( صقر – عُقاب – عكرمة ( أنثى الحمام) – عصفور.

دلالة الاسم على توجه الأسرة

يختلف إطلاق الاسم تبعاً لتوجه الوالدين أو أحدهما: الديني، أو الفكري، أو السياسي، أو الاجتماعي، أو غير ذلك.
لذلك يمكن إدراك نوع توجه الأسرة من خلال أسماء أبنائها، فإن كان الاسم نحو عبد الله وعبد الرحمن ومحمد، ومحمود دلّ على التوجّه الديني، بل أكثر من ذلك ربما دلّ الاسم في الغالب على الانتماء المذهبي داخل الاتجاه الديني. فنحو " عمر – أبي بكر – معاوية" يدل على التوجّه السنّي وغير ذلك من الأسماء وكلما كان الاسم ثقيلاً وقاسياً دل في الغالب على أنه في الصحراء والبادية، وربما كان توجّه العائلة سياسياً فيسمّون بأسماء زعماء سياسيين ووطنيين أو غربياً فيسمون بأسماء أجنبية أو فنياً فيسمون بأسماء فنانين مشهورين، أو فكرياً فيسمون بأسماء مفكرين عظماء، وقد يكون الاسم لقيمة جمالية فتقتصر التسمية على اختيار الاسم الحسن الجميل لفظاً ومعنىً.

وقد تكون التسمية تبعاً للعادات والتقاليد كتسمية الولد الأول دائماً باسم الجد والجدة.
ومن المظاهر السيئة في المجتمع الإسلامي اليوم انتشار أسماء أجنبية للأشخاص والمحلات والشركات، والكثير من الناس يسمي الاسم ولا يدرك معناه وإنما يطلقه فقط تقليداً، وذلك مظهر من مظاهر التبعية للغرب، والانهزام والتخلي عن هويته الإسلامية.

ومن المظاهر السيئة أيضاً انتشار أسماء لا معنى لها البتة نحو فيفي وزوزو، وهو يدل على العبثية، واللهو الذي قد يكون سائداً في الأسرة.

2. نظام التسمية في الإسلام

قال صلى الله عليه وسلم: ( أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن، وأصدقها حارث وهمّام، وأقبحها حَرْبٌ ومُرَّة) ( رواه مسلم في الآداب) .

حث النبي صلى الله عليه وسلم على تحسين اسم الولد، وذلك من أول حقوق الولد على والديه، فكل اسم دلّ على معنى حسن شرعاً فهو مندوب إليه، وما دلّ على خلاف ذلك فهو مذموم شرعاً وبعض الأسماء أحسن من بعض، وهي ما ندب إليها الشارع صلى الله عليه وسلم بعينها.

1. ما ندب إليه الشارع من الأسماء:

أ- كل اسم فيه " عبد " مضاف إلى اسم من أسماء الله التسعة والتسعين كعبد الله – عبد الرحمن – عبد الغفار – عبد الودود – عبد الرزاق – عبد التواب – عبد المعطي – عبد العظيم – عبد الخالق – عبد الباري – عبد المهيمن – عبد الحفيظ..

كل اسم دال على الحمد: محمد – محمود – أحمد – حامد – ونحوها.

ب- الأسماء التي استبدلها بغيرها صلى الله عليه وسلم نحو: " جميلة: وجُوْيريّة وزُرْعة وسهل وهشام وسِلْم والمنبعث وطيبة.

ج- أسماء الأنبياء قال صلى الله عليه وسلم: تسموا بأسماء الأنبياء . ( رواه أبو داود والنسائي) لأن الاسم يُذكّر بمسماه، ويقتضي التعلق بمعناه، والأنبياء سادات بني آدم.

2- الأسماء الحسنة:

كل ما دلّ على معنى محمود استُحسن التسمية به، وقد شاع في هذه الأيام التسمية بأسماء لا معنى لها وهو مما يُذَم شرعاً، وكذلك التسمية بأسماء الحيوانات وما شابه ذلك.

3- الأسماء المذمومة

كما ندب الشارع صلى الله عليه وسلم إلى أسماء، وحثّ على التسمية بها فإنه نهى عن أسماء وهذا النهي منه ما هو جازم فتكون التسمية بالاسم محرمة، ومنه ما هو غير جازم فتكون التسمية مكروهة غير مستحسنة.

1. الأسماء المحرمة:

اتفق العلماء على تحريم كل اسم معبَّد لغير الله سبحانه نحو: عبد المسيح وعبد الزهراء وعبد الكعبة وعبد الحسين وعبد النبي.

وَفَدَ على النبي صلى الله عليه وسلم قوم، فسمعهم يسمّون عبد الحجر فقال له: ما اسمك؟ فقال: عبدالحجر، فقال له رسول الله: إنما أنت عبد الله. والعبودية لغير الله إشراك، وللمسمى نصيب من اسمه/ ونطق الاسم في ذاته، والتَّسمّي به لا يجوز.

قال صلى الله عليه وسلم: [ إن أخنع اسم عند الله رجل يسمى ملك الأملاك] .

( رواه البخاري ومسلم)

ومما يحرم: التسمية بأسماء الرب تعالى مثل الله والرحمن والصمد والقيوم.

2. الأسماء المكروهة:

وهي التي لا يُستحسن التسمية بها. قال صلى الله عليه وسلم: [ ولا تُسَمينّ غلامك يساراً ولا رباحاً ولا نجاحاً ولا أفلح، فإنك تقول: أَثَمَّ هو؟ يعني أَهُو كذلك ناجح وفالح، فلا يكون، فيقول: لا] . ( رواه مسلم) .

وهذه العلة - وهي خوف أن لا يكون للمسمى نصيب - من اسمه تكون في غير الأسماء المذكورة كأن يُسمي " مؤمناً ويكون في كبره كافراً!

فعلى الآباء والأمهات أن يحسنوا التسمية، ويضعوا في الحُسبان ذلك، ويجب عليهم أن يُنشئوا الطفل على الأوصاف التي يقتضيها اسمه، فإن كان اسمه " محمداً " عوده منذ صغره على فعل المحامد، وبذل العطاء للناس ليكون محمداً حقيقة.

ومن الأسماء المكروهة أسماء العاهات نحو الأعور والأحدب والأعرج ونحوها.

وكذلك التسمية بأسماء الحيوانات، فالإنسان مكرَّم من قبل الله، فلا يليق به أن ينحط عن تلك المرتبة فيسمي " صقراً " و"أسداً" ونحو ذلك.

وكذلك أسماء الفراعنة والجبابرة التي اختصّوا بها وصارت حين إطلاقها لا تنصرف إلا إليهم، نحو " فرعون " و"قارون" و"هامان".

ومنها أسماء الملائكة كجبرائيل وميكائيل ونحوهما، وبعض العلماء أباح التسمية بها ومنها الأسماء التي لها معانٍ تكرهها النفوس نحو حَرْب ومُرّة وحنظل وغير ذلك.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ أقبح الأسماء حرب ومرّة] . ( رواه مسلم).

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشتد عليه الاسم القبيح ويكرهه جداً من الأشخاص والأماكن والقبائل والجبال، حتى أنه مر في مسير له بين جبلين فقال: [ ما اسمهما؟ فقيل له: فاضح ومُخزٍ فعدل عنهما ولم يمر بينهما ومن تأمل السنة وجد معاني في الأسماء مرتبطة بها، حتى كأن معانيها مأخوذة منها وكأن الأسماء مشتقة من معانيها فتأمل قوله صلى الله عليه وسلم: [ أسلم سلمها الله، وغِفَار غفر الله لها] وعصيّة عصت الله] . ( انظر تحفة المودود، ابن قيم الجوزية – ص 95).

التفاؤل بالاسم الحسن :

وكان صلى الله عليه وسلم يتفاءل بالاسم الحسن، ويستبشر به خيراً نحو ما فعل يوك الحديبية لما جاء سهل بن عمرو فقال النبي صلى الله عليه وسلم: [ لقد سَهُلَ لكم من أمركم … ..] رواه البخاري. وهذا دليل من الأدلة على علوَّ حسنَّة اللغوي وتذوَّقه الرفيع صلى الله عليه وسلم.
إسلام ويب

Post: #561
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:48 PM
Parent: #501

تلقيت رسالة من فتاة (في دمشق) تقص على قصتها مع بعض اخوتها في البيت، فهي على ما يشملها أبواها من رعاية وحنان، وعلى ما تلقاه من أخويها الكبيرين من حسن معاملة، يعاملها أخوتها الآخرون بالقسوة والغلظة، يمتهنونها إمتهان الخادم، وينتهرونها انتهار السيد لعبده المذنب... ويا ويلها إن أراد أحدهم تناول الغداء فتأخرت في تحضير المائدة، أو قدمت له ما لا يستلذه من أنواع الطعام، هنالك ينفجر كالبركان، ويغمرها بالشتائم والسباب، وقد يحطم الأطباق، ويكسر أبواب الغرفة، ويمزق ما يلقاه في طريقه من ثياب وأثاث، ثم يخرج ساخطاً حانقا ويستمر في هجرها أياماً وشهوراً، هذا وهو يبدو لأصدقائ
ولمعارفه من ألطف الناس عشرة وأكثرهم أدباً وأرقهم شمائل وخلقاً.. ثم تقول الفتاة في ختام رسالتها: هل لك يا سيدي الأستاذ أن تفهم مثل هؤلاء الأهل أننا بشر لنا عواطفنا وإحساساتنا، وأننا نتأثر بالكلمة الطيبة كما ننعفل للكلمة القاسية.. وأننا لسنا خادمات ولا أجيرات بل بشر لنا كرامتنا في الحياة...
ومنذ يومين ألقت فتاة في ريعان الصبا بنفسها تحت عجلات القطار فمزقها أشلاء متناثرة! وقيل في أسباب ذلك: أنها أرادت أن تتخلصمن شقاء فرضه عليها أهلها حين أجبروها على الزواج بمن تكره...
وفي الحق أن ما تلقاه تلك الفتاة من قسوة إخوتها، وما لقيته المنتحرة من ظلم أهلها يقع كثيراً في بيوتنا، فنحن في الكثير الغالب وخاصة في الأوساط الجاهلة أو الفقيرة لا نزال نعامل بناتنا في البيوت معاملة القسوة والإهمال والإمتهان... تقذف البنت من أرحام الأمهات إلى الحياة، فنستقبلها بالتجهم والعبوس، وإذا كانت ثالثة أخواتها أو رابعتتهن، كانت ولادتها مصيبة تجزع لها قلب الأم، إذ هي تخشى ألم الأب واستياءه!
ولقد لقيت ذات ليلة امرأة تبكي ساعة ولادة ابنتها فسألتها عن سر البكاء وهي في ساعة فرح وسرور! فقالت.... هذه هي المولودة الرابعة لإبنتي، وأخشى أن يكرهها زوجها فيطلقها! وإذا نشأت الطفلة في البيت كانت أول ما تسمع كلمات الدعاء عليها بالموت ونحن نمازحها ونداعبها، فإذا طلبت شيئاً وألحت في طلبه، ازدريناها وأفهمناها أنها أرخص من أن تعطى ما تطلب، فإذا اختصمت مع أخيها الصبي فضربته، ضربناها وصرخنا في وجهها وأرينا أخاها كيف نبالغ في الانتصار له عليها ليطمئن ويرضى... فإذا كبرت عاملناها كالخادم، فعليها أن تقوم بطهي الطعام وغسيل الثياب وتنظيف المنزل، نأمرها كما نأمر الخادم المهين، ثم نضن عليها بكلمة تشجيع أو ثناء، وبإبتسامة رضا أو حب... فإذا بلغت سن الزواج نقطع الأمر دونها فنرد ونقبل ونأخذ ونعطي، ونشرط من الشروط ما نشاء، ونطلب من المهر ما نريد، لا يؤخذ لها رأي ولا يعرض عليها ما يراد لها... فإذا رضي الأبوان بالزوج الخاطب، زفت إليه مكرهة أو ساخطة، ويا ويلها إن أبدت رأيها بالإعراض، أو لوحت بالإنتقاد، إنها حينئذٍ الفتاة الوقحة السيئة الأدب، التي لم يبق عندها خلق ولا يرتجى منها خير!.
إن النتيجة الطبيعية لهذه المعاملة سيئة بالغة الخطورة في المجتمع. فهي أولاً تغرس في نفس البنت شعوراً بالمهانة والضعف، حتى إذا أصبحت أماً لم يكن في استطاعتها أن تبث في نفوس أبنائها الشعور العزة والاعتداد بالكرامة، وكيف تفعل ذلك وهي تفقد في نفسها هذه امعاني ولا تجد لها ظلاً؟
وهي ثانياً تشعر الفتاة بأنها مظلومة مهضومة الحق، والشعور بالظلم مع الضعف والمهانة يولد الحقد والرغبة في الانتقام، وليس أسوأ خطراً ولا أشد انحداراً للمجتمع من أن تبنى بيوته على الحقد والميل إلى الثأر! وليس أمامها من تثأر منه وتنتقم إلا زوجها وأولادها، ومن ثم يبدأ النزاع، ويكون الخصام، ويفقد الحب، وتقع المشاكل التي لا تنتهي.
وهي ثالثاً تحمل الفتاة من حيث لا تشعر على الجموح في سلوكها، والخروج على آداب المجتمع وتقاليده، والتبرم بحياة البيت وعاداته... فإن أحيطت بجو قاس ورزقت تديناً وحياً من المجتمع، كبتت إحساسها وشعورها، وعاشت مريضة في جسمها أو نفسيتها.. وإن وجدت مجالاً ولو ضيقاً لنسيم الحرية خارج بيتها، انفلتت ثم انتهت إلى أحد أمرين: إما العار وإما الانتحار...
هذا هو الأثر المحقق لسوء معاملة البنت في البيت، وبذلك يسهل علينا الإحاطة بأسباب هذه الجرائم الكثيرة التي أخذت تتزايد يوماً بعد يوم، وليس يجدينا أن نرفع أصواتنا بالشكوى، وأن يندد الكتاب والخطباء والعلماء بهذا الوضع المؤلم، بل لا بد من أن نعالجه معالجة جذرية تقضي على المرض من أساسه...
ولا شك في أن الإسلام قد وضع النظام الصالح لإيجاد جيل من الفتيات، يبنين المجتمع ولا يهدمنه، ويؤسسن الأسرة ولا يهربن منها، وينشرن الخير والحب، ولا يتمادين في الشر والبغض...
لقد وضع الإسلام أساسه التربوي الصالح للبنات، على إنكار عادة التشاؤم بولادتهن كما كان يعفل عرب الجاهلية وكما نفعل اليوم، فلِمَ تتشاءم من الفتاة؟ ما ذنبها؟ ما ضررها إذا أحسنت تربيتها؟ ولماذا يكون الفتى دائماً خيراً منها... ومتى كانت البنات كلهن شؤماً وكان الصبيان كلهم خيراً؟ والبنت إذا ولدت ماذا يرد من المصيبة بها - لو كانت مصيبة - الجزع منها أو إظهار الإمتهان لها؟ إن التشاؤم سفه وحمق ومعاندة لله في خلقه من حيث لا يملك أقوى إنسان أن يرد قضاء الله في ولادة البنات. (وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً وهو كظيم يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به، أيمسكه على هونٍ أم يدسه في التراب الا ساء ما يحكمون).
ومتى كان الأمر كذلك كن السبيل الصحيح - في نظر الإسلام - أن تستقبل البنت حين الولادة بالبشر، وأن تشعر الزوجة من زوجها أنها لم تأت بأمر ينفر منه، وأن يشعرها الزوج بفرحه بولادتها وسلامتها، حتى تنتقل الطمأنينة من نفس الأم إلى نفس البنت، وتقبل الأم على فتاتها حانية رفيقة محبة... فإذا درجت البنت على الأرض، وبدأت تفهم ما حولها، شعرت بجو من الحب والكرامة تزداد له فهماً كلما تقدمت بها الحياة... فليداعبها الأب، ولتضمها الأم، وليضحك لها الأخوة، فإن من شأن ذلك أن يحبب إليها الحياة والبيت والأسرة، وأن يشعرها بقيمتها ومكانتها في نفوس أبويها واخوتها... أخرج البخاري عن أبي قتادة قال: بينما نحن على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذا خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمل أمامة بنت أبي العاص بين الربيع، وأمها زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي صبية فصلى وهي على عاتقه، يضعها إذا ركع ويعيدها على عاتقه إذا قام، حتى قضى صلاته...
هكذا ينبغي أن يكون الأب مع البنت حتى في العبادة بين يدي اله عز وجل، وكانت فاطمة بنت الرسول إذا دخلت على أبيها رحب بها وقام إليها فأخذ بيدها فقبلها وأجلسها في مجلسه.
ومن إكرامها أن لا تشعرها بتفضيل أخيها الصبي عليها. [بل استحب الإسلام أن تفضلها على أخيها في الهدايا، لتزول من نفسها كل معنى من معاني الشعور بالغبن أو الضعف أمام أخيها] .
أما العناية بتأديبها وتعليمها فقد حث عليه الإسلام بما لا مزيد عليه حين قال عليه السلام: [من كانت له ثلاث بنات يؤدبهن ويكفيهن ويرحمهن فقد وجبت له الجنة. قيل يا رسول الله وإن كانت له بنتان؟ قال وإن كانت له بنتان. قيل وإن كانت له بنت واحدة؟ قال: وإن كانت له بنت واحدة...] وهو في كل ذلك ينفق عليها برضى وطيب نفس، لا يبخل عليها بما تحتاج إليه، ولا يمن عليها بما ينفق. حدثت عائشة أم المؤمنين قالت: جاءت امرأة معها ابنتان فلم أجد ما أعطيها غير تمرة واحدة فأعطيتها فقسمتها بين ابنتيها ثم قامت فخرجت، فدخل الرسول بعد ذلك فحدثته فقال: [من ابتلي من هذه البنات بشيء فأحسن إليهن كن له ستراً من النار...] .
ويذهب الإسلام بعد ذلك إلى كراهة الإساءة إليها وضربها وإساءة معاملتها... كان لعبد الله بن رواحة جارية تتعاهد غنمه فعدا ذئب عليها فأكل واحدة منها، فضربها عبد الله على وجهها ثم ندم، فأخبر الرسول بما فعل، فغضب الرسول غضباً شديداً حتى احمر وجهه وهاب أصحابه أن يكلموه وقال لعبد الله: ضربت وجه مؤمنة؟ وما عسى الصبية أن تفعل بالذئب؟ وما عسى الصبية أن تفعل بالذئب؟ وما زال يكرر ذلك.
هكذا يحيط الإسلام الفتاة في البيت بجو من الحب والإكرام والصفح عن الإساءة والتعهد بالتربية والرعاية حتى إذا شارفت سن الزواج نهى أن يفتات الأب عليها في اختيار الزوج، وأمر بأن يؤخذ رأيها فيه واعتبر سكوتها حياء دليل الرضا... و"اذنها صماتها أي سكوتها"... ومذهب أبي حنيفة أن البنت البالغة العاقلة لا ينفّذ زواج أبيها لها إذا رضيت... قالت الخنساء بنت خذام: إن أبي زوّجني من ابن أخيه وأنا لذلك كارهة فشكوت ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: أجيزي ما صنع أ بوك، فقلت: ما لي رغبة فيما صنع أبي، فقال: اذهبي فلا نكاح له، انكحي من شئت... فقلت قد أجزت ما صنع أبي، ولكني أردت أن يعلم الناس أن ليس للآباء من أمور بناتهم شيء، فلم ينكر عليها الرسول مقالتها...
"وكانت بريرة جارية لعتبة ابن أبي لهب، فزوجها عبداً ما كانت لترضاه لو كان أمرها اليها، وشكت أمرها إلى عائشة فاشترتها واعتقتها، وقال لها الرسول: ملكت نفسك فاختاري (أي أن حرة) وقد بنت من زوجك فاختاري من تشائين فتركت زوجها وكان يحبها حباً جماً حتى كان يمشي خلفها ويبكي وهي تأباه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تعجبون من شدة حبه لها وبغضها له؟ ثم قال: اتقي الله فإنه زوجك وأبو ولدك، فقالت: أتأمرني؟ فقال: لا، إنما أنا شافع... فقالت... إذاً فلا حاجة لي إليه " ولعل من أروع ما يؤثر في هذا الباب - باب إكراه الفتيات على الزواج بمن لا يحببن - ما وقع من عبد الله بن جعفر سيد الأسخياء في عصره... أصابته ضائقة شديدة وله بنت طلبها الحّجاج بن يوسف فزوجها عبد الله منه وهي كارهة وما أغراه بهذا الزواج إلا ما دفع الحجاج من مهر بلغ ألف ألف درهم (أي مليون درهم) فلما زفت إليه بكت، فقال لها الحجاج لم تبكين؟ قالت أبكي من شرف اتضع ومن ضعة شرفت، تعني بذلك شرفها، ونسبها بالنسبة إلى شرف الحجاج وسيرته، حتى إذا علم عبد الملك بن مروان بأمرها كتب إلى الحجاج بطلاقها فقال لها الحجاج: إن أمير المؤمنين كتب إليّ بطلاقك، فقال: هو والله أبر بي من أبي الذي زوجّني منك...
هكذا يحول الإسلام دون عسف الآباء في التحكم بمصائر بناتهن ومستقبلهن، ولقد ذهب بعض الأئمة إلى بطلان زواج الأب أو الجد لبنته الصغيرة أو ولده الصغيرة. وهذا ما ذهب إليه قانوننا الجديد للأحوال الشخصية، وجعل من حق القاضي أن يأذن في زواج الفتى إذا بلغ خمسة عشر عاماً والفتاة ثلاثة عشر عاماً، على أن يقترن ذلك بموافقة الأب أو الجد... ومتى أتمت الفتاة السابعة عشرة وأرادت الزواج طلب القاضي من وليها بيان رأيه خلال مدة يحددها له، فإذا لم يعترض أو كان اعتراضه غير جدير بالاعتبار، أذن القاضي بزواجها بشرط الكفاءة... وبهذا يصان مستقبل الفتاة من العبث، وتصان كرامة العائلة من الأذى... ولو أن هذه الفتاة التي انتحرت تحت عجلة القطار تخلصاً من زوجها الذي أراد أهلها أن يكرهوها عليه ، رفعت أمرها إلى ال قضاء لأنصفها القاضي وحال بينها وبين الكارثة...
وبعد فنحن لا ننكر أن بعض الفتيات يسرفن في طلب الحرية إندفاعاً مع الهوى والعاطفة، وأن منهن من يخترن أزواجهن بتأثير حب جارف وغرام مشبوب، وكثيراً ما تعقب مثل هذا الزواج الحسرة والندم، ونحن لا ننكر أن القانون وحده لا يحمي الفتاة من عبث أبويها، فأية فتاة تجرؤ على أن تشكو أبويها إلى القضاء في مجتمع كمجتمعنا إلا أن تنتظر الموت يغتالها فجأة بسكين أو فأس تهوي على رأسها؟.
نعم لا ننكر هذا ولا ذاك، ومن أجل ذلك نعتقد أن العلاج الوحيد لظلم الفتاة في بيتها وانحراف الفتاة في سيرتها، هو أن تنشىء الفتاة منذ الصغر على الدين والفضيلة، وأن يغرس ذلك في نفسها غرساً بالإقناع والتربية لا أن تحمل عليه حملاً بالإكراه والإضطهاد.
إن القسوة لا تربي في الفتاة حصانة ولا تزينها بفضيلة... وهبك ضربت فتاتك في البيت أو أكرهتها على العبادة... فمن الذي يضمن لك أن لا تنحرف حين تخرج.. إن كانت في المدرسة أو كانت في السوق أو كانت في الشارع؟.. ونحن نعلم فتيات يخرجن من بيوتهن أمام آبائهن وأمهاتهن بأكمل حشمة، حتى إذا ابتعدن عن البيت خلعن لباسهن وبدون للأعين كأتم ما يكنَّ زينة وفتنة وإغراء!.
إن السبيل أيها الناس لاستقامة فتياتكم وسعادتهن زوجات وأمهات... أن يقتنعن لا أنتم بأن مستقبلهن ومستقبل الوطن بأيديهن... وأن يشعرن في قرارة أنفسهن بأنهن مسؤولات أمام الله عن أعمالهن وسلوكهن. أما الضرب بالعصى والغلظة في القولة والإجبار على الزواج بمن تشاؤون لا بمن يشأن، فلن يكون من ورائه إلا العار أو الانتحار أو النار...
والسبيل إلى إقناع فتياتكم بهذا ليس العلم في المدرسة فحسب، ولا قراءة الكتب فحسب، فذلك قد يفيد وقد لا يفيد، ولكن السبيل المضمون إلى ذلك أن تغرسوا في قلوبهن حب الله وخوفه والرغبة في ثوابه والرهبة من عذابه، وقلب المرأة أسرع إلى التأثر بالدين وتعاليمه من الرجل... وهي أرق شعوراً وأكثر إحساساً وأقوى عاطفة وأعمق تديناً. ولقد جربت نفسي أثر الدين في الفتيات والفتيان إذ كان الدرس الذي القيه على طالباتي في المدارس الثانوية فتسيل له عبراتهن، لا يعدو عند طلابي من أن يهز مشاعرهم هزاً رقيقاً...
وأتتن يا أخواتي الفتيات... إذا شكوتن ظلم آبائكن وامتهان أخوانكن، فالجأن إلى الإسلام ينصفكن من الظلم والمهانة... الجأن إلى دين آبائكن وأخواتكن، الجآن إلى قلوبهم، إلى ضمائرهم، الجأن إلى تذكيرهم بما رفض الله عليه من رعايتكن وإكرامكن واحترامكن. فإن لم ينفعكن دينهم في رفع الظلامة عنكن، فلن ينفعكن التمرد على المجتمع، ولا الإنفلات وراء الحرية القاتلة... لن تجنين من ذلك إلا الشقاء والحرمان والتشرد، ثم العار الذي ينتهي إلى النار، ونعوذ بالله من أمرين أحلاهما مر.
د.مصطفى السباعي-اسلام ويب

Post: #562
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:49 PM
Parent: #501

إذا كـانـت مـعـظـم الحضارات السالفة التي ازدهرت قبل ظهور الإسلام ، قد عرفت ألواناً مـتـعـددة من التربية طبعت حياتها بطابع يعكس فلسفة كل أمة من تلك الأمم.. فإن الأمة الإسـلامـيــة قــد انفـردت عن غيرها من الأمم بنظام تربوي متميز قادر على تكوين أجيال مـسـلـمـة مـتوازنة ، قادرة على تحمل المسئولية الكاملة في تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المربي الأول الذي قام بهذه المهمة التربوية فرسم نماذج تـربـويــة للـطـفـولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية
بالأطفال ، حيث كان يـشــرف بنفسه وبأسلوبه الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تتفتح ، والأغصان التي لم يشتد عودها بعد.
ولم تكن هذه التربية النبوية قاصرة على مـن يعيش في كنف النبي الكريم -صلي الله عليه وسلم- ، أو من يعيش تحت سقف بيته ، بـل كـان ذلك مبدءاً تربوياً ينتهجه لأمته عامة ، ويرسخه لكل الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويـسـيـروا على منهجه التربوي عملاً بقوله تعالى : ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ والْيَوْمَ الآخِرَ)) [الأحزاب:21].
ولو تتبعنا مراحل المنهج التربوي النبوي في عالم الطفولة لرأينا أن مرحلة التربية تبدأ منذ أن يكون الطفل سراً في عالم الغيب ، وذلك ليضمن الأصـل الـصـالـح ، والـمنبت الطيب ، والمحضن الأمين ، فدعا الزوج لاختيار الزوجة الصالحة التي ستكون مصدر عـزة الطـفـل ومربيته على الفضائل.
فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ( تخيروا لنطفكم ، فأنكحوا الأكفاء وانكحوا إلـيـهـم ) وقـال -عليه السلام- : ( تنكح المرأة لأربع : لمالها ، ولحسبها ، ولجمالها ، ولدينها ، فاظـفـر بـذات الـديـن تربـت يـداك) متفق عليه.
كما دعا -عليه الصلاة والسلام- المرأة وبنفس القوة إلى إيثار الزوج الصالح الذي سـيـكـون أبـاً لأطفالها وقدوتهم ومصدر عزتهم ، فقال تعالى:((ولَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ ولَوْ أَعْجَبَكُمْ)) [البقرة:221]. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: " إذا جـاءكـم من ترضون دينه وخلقه فأنكحـوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفـســاد ، قـالـوا: يا رسول الله وإن كان فيه؟؟ قال: إذا جـاءكـم من ترضون دينه وخلقه فـانـكـحـوه .. ثلاث مرات " أخرجه الترمذي، وما أن يتم عقد الزوجية حتى يتمثل الزوجان قول الله عز وجل: ((رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ واجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إمَاماً)) [الفرقان:74].
وقبل المباشرة يردد الزوج ما أرشده إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- :" بسم الله، اللهم جنبنا الشيطان، وجنب الشيطان ما رزقتنا " متفق عليه.
وهـذا مـن بــاب الأخــذ بأسباب التربية الصالحة التي تبعث في الزوجين الطمأنينة على مستقبل أطفال أصحاء روحياً وجسدياً.
وما إن تستقر النطفة في رحم المرأة ، وتبدأ مرحلة تكوين الجنين في بطن أمه حتى يوصي الإسلام بالعناية بالحامل عناية كبيرة من أجل سلامتها وسلامة جنينها ، فيأمرها بالأخذ بالأسباب العلاجية ، والوقائية ، والنفسـيــة ، والروحية ، لدرجة أنه يعفيها من فريضة الصيام أثناء الحمل إذا خافت على نفسها أو ولدها من الضرر ، كما أنه يحثها على قراءة القرآن ، والدعاء المستمر ، فقد أثبتت التجارب العلمية والعملية أن المرأة المتزنة، والمطمئنة نفسياً ، يتصف وليدها بطبيعة هادئة ومتزنة على عكس المرأة المضطربة نفسياً والتي تمارس العادات السيئة.
وبـعـد الـولادة حـيث يستقبل الطفل بالفرح والبشارات ومع بداية هذه المرحلة الهامة من حـيـاة الـطـفـل الذي يكون فيها جاهزاً لكل ما يعرض عليه من مكارم الأخلاق ، ومحاسن الـصـفـات ، سنَّ لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نبدأ هذه المرحلة بغرس جذور الـعـقـيدة وكلمة التوحيد والشهادة من خلال الأذان في أذن المولود اليمنى. فقد أذن النبي الكريم في أذن الحسين بن علي ، فعن عبيد الله بن أبي رافع قال : " رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة " أخرجه أحمد والترمذي .
وحين يبلغ الطفل يوم سابعه يوصي الرسول -صلى الله عليه وسلم- بتكريمه والاحتفاء به حين يقول : " مع الغلام عقيقته ، فأهريقوا عنه دماً ، وأميطوا عنه الأذى " أخرجه البخاري .
فـيـأكـل الفـقـير والأقارب من هذا الاحتفال بقدوم المولود ، ويحلق شعره ليماط الأذى عن رأسه ، ويـتـصـدق بوزنه من الفضة على الفقراء ، والمساكين ، والمحتاجين ، فقد قال -صلى الله عليه وسلم- لابنته فاطمة - رضي الله عنها - حـيـن ولـدت الحسين : " احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الورق على المساكين " أخرجه أحمد.
وفي هذا اليوم أيضاً ندب -عليه الصلاة والسلام- تسمية الطفل واختيار الاسم الحسن له حيث قال -عليه أفـضـل الصلاة والسلام- : " أحب الأسماء إلى الله تعالى عبد الله ، وعبد الــرحــمـن " أخرجه مسلم ، فـكـانت هـذه أيضاً مكرمة للطفل تساعده على الابتهاج حين يدعى باسم حسن، وتجنبه الاعتزال والخجل فيما لو أسماه اسماً قبيحاً.
ومن أجل ذلك حرص - عـلـيه الـسلام - على إبدال الأسماء القبيحة بأسماء حسنة ، كما بين لنا أحب الأسماء وأصدقها ، وأقبحها.
وهكذا تتدرج العناية بالطفل والاهتمام به ، وتربيته بكل أنواع التربية الشاملة من خلال توجيهات نبوية كريمة في كل مرحلة من مراحل نمو الطفل نفسياً ، وجسدياً ، - بدءاً من التربية العقدية السليمة ، ومروراً بالتربية الاجتماعية والخلقية ، والعاطفية.
ولكن المهم الذي لا بد من ذكره أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان نموذجاً فريداً للأبوة الكريمة في حـيــــاة البشرية. يفرح بقدوم الأطفال ، ويشارك في اختيار أسمائهم ، ويحنو عليهم فيمازحهم، ويلاعبهم، ويضمهم إلى صدره الكريم ، ويقبلهم بفمه ، فإن هذا يعطيهم الجو النفسي للحياة الإنسانية السوية ، رحمة ، وحباً ، وإخاء .
وبـذلـك كـــان من ثمار هذه التربية الفذة أن أنشأت جيلاً مثالياً حقاً في إيمانه، وعبادته، وتفكيره ، وأخلاقه ، ومعاملته.
مؤمنة الشلبي-اسلام ويب

Post: #563
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 08:51 PM
Parent: #501

الأطفال زينة الحياة الدنيا تسر الفؤاد مشاهدتهم ، وتقر العين رؤيتهم ، وتبتهج النفس بمحادثتهم ، هم شباب الغد الذي تنعقد عليهم آمال المستقبل.
ولهذا أصبح الطفل محور اهتمام العالم أجمع ، فبدأت تعقد المؤتمرات من أجله ، وفي التاسع عشر من سبتمبر م تعقد الأمم المتحدة مؤتمرا عالميا للطفل علي غرار مؤتمر المرأة والسكان.
وقد سبقت هذه القمة ثلاتة مؤتمرات تحضيرية انبثقت عنهم وثيقة هامة بحقوق الطفل يطلق عليها (عالم جدير
بالأطفال) ، ويذكر أن هذه الوثيقة تهدف إلي توجيه العالم كله تحت نظام أخلاقي واجتماعي واحد ، كما تسعي إلي عولمة الطفل علي النموذج الغربي دون ترك مساحات للآخر ليحفظ هويته.
وللأسف فالعالم العربي والإسلامي لن يفعل شيئا إزاء هذه البنود ، بل يسير علي النهج الغربي في إعداده للطفل تربويا واجتماعيا ونفسيا ، تاركا خلفه الكنز النفيس من القواعد والحقوق التربوية التي أرسي قواعدها الإسلام ، والتي بدورها تخرج رجالاً أسوياء قادرين علي تحدي كل المستحدثات الحضارية.
ومهما كانت بنود هذه الوثيقة واهتمامها بالطفل ، فلن تضاهي رعاية الإسلام للطفل التي فاقت كل الأنظمة والقوانين الوضعية قديمها وحديثها.
لقد اهتم الإسلام بالطفل في كل مراحل حياته: جنينا ، ورضيعا ، وصبيا ، ويافعا ، ثم شابا إلي أن يصل إلي مرحلة الرجولة .
ويشير الدكتور رشاد موسي - أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة الأزهر - في بحثه البناء النفسي للطفل لمواجهة التحدي الحضاري في ضوء الإسلام ، يشير إلي الحقوق التي كفلها الإسلام للطفل ، حيث أوجب علي الأم رعاية جنينها ، والمحافظة عليه ، بل أباح الإسلام لها أن تفطر إذا شعرت أن صيامها خطرا علي جنينها أو رضيعها ، كما ينبهها إلي عدم تناول ما يضر بالجنين من مأكل ومشرب ، وحرم علي الأم الإجهاض إلا إذا كان خطرا علي حياتها ، وحفظ للطفل حقه في النسب والحضانة والولاية ورعاية شئونه قبل البلوغ ، كما حفظ للطفل حقوقه المالية من النفقة عليه وعلي والديه في أثناء الحمل وبعده ، وحفظ له حق الوصية ، والوقف وغيرها من الحقوق التي تتصل بالمولود حين ولادته مثل:
- استحباب البشارة والتهنئة عند الولادة.
- استحباب الأذان في أذنه اليمني والإقامة في أذنه اليسري.
- تحنيك المولود.
- حلق شعر المولود والتصدق بوزن شعره ذهبا علي الفقراء.
- عقيقة المولود.
- ختان المولود.
ويضيف الدكتور رشاد أن الإسلام اهتم بمرحلة الطفولة ؛ لأنها اللبنة الأساسية في بناء شخصية الفرد إيجابا أو سلبا ، وفقا لما يلاقيه من اهتمام ، وقد اعتني الإسلام بالطفل لما لهذا أبلغ الأثر في بنائه النفسي الإيجابي الذي بدوره ينعكس علي تكوين المجتمع المسلم.
وهناك العديد من جوانب العناية التي أولاها الإسلام للطفل:
أولا - رعايته حضانة ورضاعة ، وهنا يقرر القرآن الكريم حقيقة فائدة الرضاع من حليب الأم المعقم ، والذي هو أصح غذاء من كل أنواع الحليب الصناعي ، وفائدته الغذائية والنفسية المهمة للطفل والأم معا.
ثانيا - رعايته جسديا: تلخص السنة النبوية رعاية الطفل جسديا فيما يلي:
- النفقة عليه : عن ثوبان بن مجدد مولي رسول الله (صلي الله عليه وسلم) قال: (أفضل دينار ينفقه الرجل دينار ينفقه علي عياله).
- وقايته من الأمراض : من مقاصد الشريعة الإسلامية ، حفظ النفس وحاصله في ثلاثة معان هي: إقامة أصله بشرعية التناسل ، وحفظ بقائه من جهة المأكل والمشرب ، وذلك يحفظه من الداخل ، والملبس والمسكن ، وذلك يحفظه من الخارج ، وحفظ ما يتغذي به أن يكون مما لا يضر أو يقتل أو يفسد.
- رعايته وجدانيا : ذلك بالإحسان إليهم ورحمتهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم, والعدالة بينهم.
- رعايته علميا وتعبديا : وهذه الرعاية من إيمان وقراءة ، وحفظ لكتاب الله ، وتعليم القراءة والكتابة ، والصلاة والصيام ، وأعمال البر وآداب السنة ، إنما هي أسباب الحياة الحقيقية حياة القلب والروح والسعادة الأبدية.
- رعايتهم سلوكيا واجتماعيا : وذلك بتعويدهم علي الفضائل ومكارم الأخلاق ، وحسن اختيار صحبتهم ، والدعاء لهم وتجنب الدعاء عليهم ، وكذلك احترامهم وتشجيعهم علي الصراحة بالحق .
وعليه نري أن القائمين علي إعداد الوثائق الدولية إذا التزموا بهذه المحددات التربوية المستمدة من الكتاب والسنة النبوية المطهرة ، لأدي هذا إلي وضع الركائز الأساسية لمقومات البناء النفسي السليم للطفل حتي يكون قادرا علي مواجهة التحدي الحضاري عبر الأزمنة المختلفة.
هناء محمد-اسلام ويب

Post: #564
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 09:09 PM
Parent: #501

لا أحد في هذه الحياة يخلو من خطأ.. قصدا أو عن غير قصد، فهي سنة الله في هذا الإنسان أنه خطاء، وهي صيغة مبالغة تدل على كثرة وقوعه في الخطأ.. فإذا أدركنا هذا الأمر سهل علينا البحث عن علاج لهذا الخطأ.

وهذا العلاج وضع له أهل الخبرة والعلم قواعد يتم على أساسها، وتؤخذ في الاعتبار ليسهل قبول الطرف المخطئ النصح في تصحيح خطئه والرجوع عنه... وحول هذا الموضوع كتب الدكتور ماجد بن حسن العمودي أربع عشرة قاعدة تساعد على معالجة الأخطاء يقول:
القاعدة الأولـى
اللوم للمخطئ لا يأتي بخير غالباً
تذكر أن اللوم لا يأتي بنتائج إيجابية في الغالب؛ فحاول أن تتجنبه.. وقد وضح لنا أنس رضي الله عنه أنه خدم الرسول صلى الله عليه وسلم عشر سنوات ما لامه على شيء قط..
فاللوم مثل السهم القاتل ما أن ينطلق حتى ترده الريح على صاحبه فيؤذيه ذلك أن اللوم يحطم كبرياء النفس.. ويكفيك أنه ليس في الدنيا أحد يحب اللوم..

القاعدة الثانية
أبعد الحاجز الضبابي عن عين المخطئ
المخطئ أحيانا لا يشعر أنه مخطئ فكيف نوجه له لوم مباشر وعتاب قاس وهو يرى أنه مصيب؟! إذاً لابد أن نزيل الغشاوة عن عينيه ليعلم أنه على خطأ..

وفي قصة الشاب مع الرسول صلى الله عليه وسلم درس في ذلك: (فقال: يا نبي الله أتأذن لي في الزنا؟ فصاح الناس به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قربوه, ادن فدنا حتى جلس بين يديه, فقال النبي عليه الصلاة والسلام: أتحبه لأمك فقال: لا, جعلني الله فداك, قال: كذلك الناس لا يحبونه لأمهاتهم. أتحبه لابنتك؟ قال: لا جعلني الله فداك. قال: كذلك الناس لا يحبونه لبناتهم, أتحبه لأختك؟ وزاد ابن عوف حتى ذكر العمة والخالة, وهو يقول في كل واحد: لا, جعلني الله فداك, وهو صلى الله عليه وسلم يقول: كذلك الناس لا يحبونه, وقالا جميعا في حديثهما – أعني ابن عوف والراوي الآخر: فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على صدره وقال: اللهم طهر قلبه، واغفر ذنبه، وحصن فرجه.. فلم يكن شيء أبغض إليه منه). فأبغض الشاب الزنا.

القاعدة الثالثة
استخدام العبارات اللطيفة في إصلاح الخطأ
إننا ندرك أن من البيان سحراً, فلماذا لا نستخدم هذا السحر الحلال في معالجة الأخطاء.. فمثلاً حينما نقول للمخطئ: ”لو فعلت كذا لكان أفضل."، “ما رأيك لو تفعل كذا؟.."، ”أنا اقترح أن تفعل كذا.. ما وجهة نظرك؟”.
أليست أفضل من قولنا: ”ياقليل التهذيب والأدب”، ”ألا تسمع؟”، ”ألا تعقل؟”، ”أمجنون أنت؟.. كم مرة قلت لك؟”..
فرق شاسع بين الأسلوبين..
إشعارنا بتقديرنا واحترامنا للآخر يجعله يعترف بالخطأ ويصلحه.

القاعدة الرابعة
ترك الجدال أكثر إقناعاً
تجنب الجدال في معالجة الأخطاء فهي أكثر وأعمق أثراً من الخطأ نفسه.
وتذكر.. أنك بالجدال قد تخسر, لأن المخطئ قد يربط الخطأ بكرامته فيدافع عن الخطأ بكرامته؛ فيجد في الجدال متسعاً، ويصعب عليه الرجوع عن الخطأ, فلا نغلق عليه الأبواب ولنجعلها مفتوحة ليسهل عليه الرجوع .

القاعدة الخامسة
ضع نفسك موضع المخطئ ثم ابحث عن الحل
حاول أن تضع نفسك موضع المخطئ، وفكر من وجهة نظره، وفكر في الخيارات الممكنة التي يمكن أن يتقبلها واختر منها ما يناسبه.

القاعدة السادسة
ما كان الرفق في شيء إلا زانه
بالرفق نكسب, ونصلح الخطأ, ونحافظ على كرامة المخطئ, وكلنا يذكر قصة الأعرابي الذي بال في المسجد, كيف عالجها النبي صلى الله عليه وسلم بالرفق, حتى يُعلم الأعرابي أنه علي خطأ.

القاعدة السابعة
دع الآخرين يتوصلون لفكرتك
عندما يخطئ الإنسان فقد يكون من المناسب في تصحيح الخطأ أن تجعله يكتشف الخطأ بنفسه، ثم تجعله يكتشف الحل بنفسه, والإنسان عندما يكتشف الخطأ ثم يكتشف الحل والصواب, فلا شك أنه يكون أكثر حماساً لأنه يشعر أن الفكرة فكرته هو.

القاعدة الثامنة
عندما تنتقد اذكر جوانب الصواب
حتى يتقبل الآخرون نقدك المهذب, وتصحيحك بالخطأ أشعرهم بالإنصاف خلال نقدك, فالإنسان قد يخطئ ولكن قد يكون في عمله نسبة من الصحة, لماذا نغفلها؟.

القاعدة التاسعة
لا تفتش عن الأخطاء الخفية
حاول أن تصحح الأخطاء الظاهرة ولا تفتش عن الأخطاء الخفية, لأنك بذلك تفسد القلوب, ولأن الله سبحانه وتعالى نهى عن تتبع عورات المسلمين.

القاعدة العاشرة
استفسر عن الخطأ مع إحسان الظن
عندما يبلغك خطأ عن إنسان فتثبت منه, واستفسر عنه مع حسن الظن به؛ فأنت بذلك تشعره بالاحترام والتقدير، كما يشعر هو بالخجل, وأن هذا الخطأ لا يليق بمثله, كأن نقول: "وصلني أنك فعلت كذا.. ولا أظنه يصدر منك.

الحادية عشر
امدح على قليل الصواب يكثر من الممدوح الصواب
مثلاً عندما تربي ابنك ليكون كاتباً مجيداً فدربه علي الكتابة, واثن عليه واذكر جوانب الصواب فإنه سيستمر بإذن الله.

القاعدة الثانية عشر
تذكر أن الكلمة القاسية في العتاب لها كلمة طيبة مرادفة تؤدي المعنى نفسه
عند الصينيين مثل يقول: [نقطة من عسل تصيد ما لا يصيده برميل من العلقم]، ولنعلم أن الكلمة الطيبة تؤثر, والكلام القاسي لا يطيقه الناس.

القاعدة الثالثة عشر
اجعل الخطأ هيناً ويسيراً وابن الثقة في النفس لإصلاحه
الاعتدال سنة في الكون أجمع, وحين يقع الخطأ فليس ذلك مبرراً في المبالغة في تصوير حجمه.

القاعدة الرابعة عشر
تذكر أن الناس يتعاملون بعواطفهم أكثر من عقولهم.
فينبغي عليك أن تهتم بهذا الجانب، والتركيز عليه شيئا ما عند تصحيح الأخطاء ومعالجتها، فهو يساعد على ذلك.

فن معالجة الأخطاء فن لابد أن ندرك أهميته, ونحاول أن نتبع قواعده ونلتزم بها؛ كي نكسب أنفسنا بتعاملنا مع ما يصادفنا من مضايقات ومنغصات. ولا ننجر وراءها.. بل نتذكر ونتدبر ونتبع قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
إسلام ويب

Post: #565
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 09:10 PM
Parent: #501

بعض النفوس الضعيفة يخيل إليها أن للكرامة ضريبة باهظة لا تطاق، فتختار الذل والمهانة، هربا من هذه التكاليف الثقال، فتعيش عيشة تافهة رخيصة، مفزعة قلقة، تخاف من ظلها، وتفرق من صداها، يحسبون كل صيحة عليهم، ولتجدنهم أحرص الناس على حياة.

هؤلاء الأذلاء يؤدون ضريبة أفدح من تكاليف الكرامة.
إنهم يؤدون ضريبة الذل كاملة، يؤدونها من نفوسهم، ويؤدونها من أقدارهم، ويؤدونها من سمعتهم، ويؤدونها من اطمئنانهم، وكثيرا ما يؤدونها من دمائهم وأموالهم وهم لا يشعرون.

وإنهم ليحسبون أنهم ينالون في مقابل الكرامة التي يبذلونها قربى ذوي الجاه والسلطان حين يؤدون إليهم ضريبة الذل وهم صاغرون.

ولكن كم من تجربة انكشفت عن نبذ الأذلاء نبذ النواة بأيدي سادتهم الذين عبدوهم من دون الله .

كم من رجل باع رجولته، ومرغ خديه في الثرى تحت أقدام السادة، وخنع وخضع وضحى بكل مقومات الحياة الإنسانية وبكل المقدسات التي عرفتها البشرية، وبكل الأمانات التي أناطها الله به أو أناطها به الناس.... ثم في النهاية إذا هو رخيص رخيص، هين هين، حتى على السادة الذين استخدموه، السادة الذين لهث في إثرهم، ووصوص بذنبه لهم، ومرغ نفسه في الوحل ليحوز منهم الرضا!!

كم من رجل كان يملك أن يكون شريفا، وأن يكون كريما، وأن يصون أمانة الله بين يديه ويحافظ على كرامة الحق وكرامة الإنسانية، وكان في موقفه هذا مرهوب الجانب، لا يملك له أحد شيئا ، حتى الذين لا يريدون له أن يرعى الأمانة ، وأن يحرس الحق وأن يستعز بالكرامة.. فلما خان الأمانة التي بين يديه، والضعف عن تكاليف الكرامة، وتجرد من عزة الحق، هان على الذين كانوا يهابونه، وذل عند من كانوا يرهبون الحق الذي هو حارسه، ورخص عند الذين كانوا يحاولون شراءه، رخص حتى أعرضوا عن شرائه ثم نبذ كما تنبذ الجيفة، وركلته الأقدام، أقدام الذين كانوا يعدونه ويمنونه، يوم كان له من الحق جاه ومن الكرامة هيبة، ومن الأمانة ملاذ.

كثير هم الذين يهوون من القمة إلى السفح، لا يرحمهم أحد، ولا يترحم عليهم أحد، ولا يسير في جنازتهم أحد، حتى السادة الذين في سبيلهم هووا من قمة الكرامة إلى سفوح الذل، ومن عزة الحق إلى مهاوي الضلال.

ومع تكاثر العظات والتجارب، فإننا ما نزال نشهد في كل يوم ضحية: ضحية تؤدي ضريبة الذل كاملة، ضحية تخون الله والناس والأمانة والكرامة، ضحية تلهث في إثر السادة، وتلهث في إثر المطمع والمطمح، وتلهث وراء الوعود والسراب.. ثم تهوي، وتنزوي هنالك في السفح خانعة مهينة.

لقد كان في وسعهم أن يكونوا أحرارا، ولكنهم اختاروا العبودية.. وفي طاقتهم أن يكونوا أقوياء، ولكنهم اختاروا التخاذل.. وفي إمكانهم أن يكونوا مرهوبي الجانب، ولكنهم اختاروا الجبن والمهانة... شاهدتهم يهربون من العزة كي لا تكلفهم درهما، فإذا هم يؤدون للذل دينارا أو قنطارا. ينظر إليهم الناس في شماتة، وينظر إليهم السادة في احتقار.
ــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب دراسات إسلامية (بتصرف يسير)

Post: #566
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 09:11 PM
Parent: #501

لا يستغني عاقل في حياته عن مصادقة ومصاحبة أو مؤاخاة ومخاللة، وقد عُرفت الصداقة منذ القدم، وكتب عنها كل ذي رأي وقلم، وأعلن عن أهميتها كل ذي فكر.
فمما رسخ عند الخاصة والعامة أن الصاحب ساحب، ويكفي قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
وقال بعض الشعراء:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. فكل قرين بالمقارن يقتدي
وأثر الصحبة لا ينتهي في الدنيا، وإنما هو مستمر في الآخرة... بهذا نطق الكتاب والسنة، قال تعالى: {الأَخِلاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلا الْمُتَّقِينَ} فهذا في الصالحة.. وفي الصحبة الأخرى قال: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا}.
فإذا كان للصداقة والصحبة كل هذه الأهمية وذاك الأثر، كان حريا بالعاقل أن يولي الاختيار أولى همه.
والسؤال: هو كيف يختار الإنسان صاحبه؟
والجواب: هو أن تجيب أولا عن هذا السؤال: لماذا تريد الصديق؟..
فإن مرادك منه هو الذي سيحدد كيفية اختياره؛ فإن الصحبة وصفات الصاحب تختلف باختلاف الغرض منها، والأصدقاء أنواع وأقسام ـ كما قال المأمون: "الإخوان على ثلاث طبقات: فإخوان كالغذاء لا يستغنى عنهم أبدا، وهم إخوان الصّفاء، وإخوان كالدواء يحتاج إليهم في بعض الأوقات، وهم الفقهاء، وإخوان كالدّاء لا يحتاج إليهم أبدا، وهم أهل الملق والنفاق لا خير فيهم".
فعلى حسب مرادك من الصديق تتحدد معالم اختباره واختياره.. فصاحب الدنيا ليس كصاحب الآخرة، وصديق المرح ليس كصديق السفر، وزميل الدراسة ليس كزميل العمل، وصاحب السعة ليس كمن يعد لوقت الحاجة والضيق.
مقومات أساسية
على أن كل صديق مهما كان سبب صحبته أو علة صداقته لا بد وأن تتوفر فيه أمور:
1- الدين:
وقد جاء بذلك الحديث الشريف الذي رواه احمد وأبو داود والترمذي عن أبي سعيد الخدري أنه سمع سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم يقول: [لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي].
فلابد أن يكون الصديق ذا دين وتقى؛ لأن مخالطة غير التقي تخل بالدين، وتنقص المروءة، وتوقع في الشبه والمحظور، ولا تخلو عن فساد بمتابعة فعل، أو غض طرف عن منكر، ثم هي مدعاة للتشبه فإن الطباع سراقة والجبلة تحمل على الاقتداء والتأسي، وهذا شيء معلوم بالضرورة .. حتى قال بعضهم: "ما شيء أسرع من فساد رجل وصلاحه من صاحبه، ويظن بالمرء ما يظن بقرينه".
وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه .. .. فكل قرين بالمقارن يقتدي
إذا كنت في قوم فصاحب خيارهم .. .. ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي
والمؤمن يزينك ولا يشينك، وينصحك ولا يخدعك، ويصارحك ولا يداهنك، وينصرك ولا يخذلك، ويخشى على دينك كما يخشى على دين نفسه، ويحب لك ما يحب لنفسه، فصاحب الدين عدة عند البلاء، وزينة عند الرخاء، قال تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}.
2- العقل:
فإن العقل الموفور يهدي إلى مراشد الأمور، ومعاداة العاقل خير من مصادقة الأحمق، فإنه من حمقه .. ربما أراد نفعا فأضر.. قال علي: لا تصحب الأحمق فإنه يجهد نفسه لك ولا ينفعك، وربما ضرك من حيث أراد نفعك، سكوته خير من نطقه، وبعده خير من قربه، وموته خير من حياته.
وفي النهاية لا تثبت مع الحمق مودة، ولا تدوم لصاحبه معه صحبة.
قال بعض الشعراء:
المرء يجمع والزمان يفرق .. .. ويظل يرقع والخطوب تمزق
ولأن يعادي عاقلا خير له .. .. من أن يكون له صديق أحمق
فاربأ بنفسك أن تصاحب أحمقا ..إن الصديق على الصديق مصدق.
وفي قصة الدب الذي قتل صاحبه ما ينهى عن طلب الصداقة، عند أولي الحماقة، إذ كان فعل الدب هذا لفرط حب.
وإن العقل ليس له إذا ما .. .. تفاضلت الفضائل من كفاء.
3- الصدق:
ويراد به صدق المودة كما يراد به صدق الحديث، وأعني به هنا الثاني، فإنه لازم لكل صداقة عظمت أو جلت، وطالت أم قصرت، فإن الكذاب مثل السراب، يلمع ولا ينفع، يقرب البعيد، ويبعد القريب..
ومن كلام الأدباء العلماء النجباء
لم ير في القبائح .. وجملة الفضائح
كالكذب أوهى سببا ولا أضل مذهبا
ولا أعز طالبا ولا أذل صاحبا
وقد خطب أبو بكر يوما فقال: "ألا إن الصدق و البر في الجنة، ألا إن الكذب والفجور في النار"... وأحسن من كل هذا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: [إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا].
4- الإنصاف:
وهو من أعز أخلاق البشر على جلالته، وأقلها وجودا مع عظم الحاجة إليه وأهميته، وهو خلق لا زم في كل صحبة، لأن الصداقة قد تنفصم عراها، أو يصيبها من الأحداث ما يعكر صفوها، فيأتي دور الإنصاف ليرتق منها ما انفتق، فالإنصاف يحمل على العدل عند الائتلاف والاختلاف... وقد روى البزار عن نبينا المختار: [ثلاث من الإيمان: الإنفاق من الإقتار، وبذل السلام للعالم، والإنصاف من نفسه]. وهذا أعز الإنصاف.. قال تعالى: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلا تَعْدِلُوا}.
وصاحب الإنصاف إذا وافق وأحب لم يكذب ولم يداهن، وإذا خالف وأبغض لم يظلم في حكم ولم يفجر في خصومة.. فهو نافع في كل وقت. وأما غير المنصف فكما قال الشاعر:
وإخوان حسبتهم دروعا .. فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهاما صائبات .. فكانوها ولكن في فؤادي
وقالوا قد صفت منا قلوب .. لقد صدقوا ولكن عن ودادي.
5- الرغبة في صحبتك:
والرضا بصداقتك، والغبطة من محبتك، فإن محبة من لا يحبك حماقة، وطلب الود عند من لا يودك طعن في عقلك... فمثل هذا لا تقوم به صحبة، ولا تستمر معه صداقة ولا مودة.
ومن الشقاوة أن تحب .. ومن تحب يحب غيرك
أو أن تسير لوصل من .. لا يشتهي للوصل سيرك
أو أن تريد الخير للـ .. إنسان وهو يريد ضيرك
سيـان إن أولـيته .. خيرا وإن أمسكت خيرك.
6- حسن الخلق:
والمقصود هنا عموم مكارم الأخلاق بعد أن خصصنا المهم في رأينا، فلابد أن يكون الصديق محمود الأخلاق مرضي الأفعال، مؤثرا للخير آمرا به، كارها للشر ناهيا عنه؛ فإن مودة الشرير تكسب الأعداء وتفسد الأخلاق، ولا خير في مودة تجلب عداوة وتورث مذمة، والسيئ الخلق الناس منه في بلاء، ونفسه منه في عناء.
قال ابن المعتز: إخوان الشر كشجر النارنج يحرق بعضها بعضا.. وقال غيره: صحبة الأشرار تورث سوء الظن بالأخيار، ومن خير الاختيار صحبة الأخيار، ومن شر الاختيار صحبة الأشرار، ولا شيء أضيع من مودة من لا وفاء له واصطناع المعروف عند من لا شكر له.
احــذر مودة مـــاذق .... شاب المرارة بالحلاوة
يحصي الذنوب عليك أيـ .. ـام الصداقة للعداوة
7 ـ المشاكلة والموافقة:
وثمة أمر آخر غاية في الأهمية.. ألا وهو
فلما كان الناس مختلفين في عقولهم وطبائعهم وأخلاقهم وأهدافهم كان لابد لمن أراد أن يصاحب أن يتلمس من يناسبه ويشاكله؛ فإن التجانس أصل الإخاء وقاعدة الائتلاف، يزيد بزيادته وينقص بنقصانه ـ كما قال الماوردي رحمه الله.. ودليل ذلك حديث عائشة رضي الله عنها في صحيح البخاري قال عليه الصلاة والسلام: [الأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف].
والصاحب للصاحب كالرقعة في الثوب، إن لم تكن منه شانته.
وما صاحب الإنسان إلا كرقعة .. على ثوبه فليتخذه مشاكلا
وقيل أيضا:
ولا يصحب الإنسان إلا نظيره .. وإن لم يكونا من قبيل ولا بلد
فإذا أردت أن تصطفي من الناس خلا، فاصحب من توفر فيه ما سبق، فإن زاد حسنا فليكن ما نصح به علقمة بن لبيد العطاردي ابنه فقال: "يابني إن عرضت لك في صحبة الرجال حاجة، فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإن قعد بك الزمان مانك، اصحب من إذا مددت يدك بفضل مدها، وإن رأى منك حسنة عدها، وإن رأى سيئة سترها، أو خلة سدها، اصحب من إذا سألته أعطاك وإذا سكت ابتداك، وإن نزلت بك نازلة واساك، اصحب من إذا قلت صدق قولك، وإن حاولت أمرا آمرك، وإن تنازعتما يوما آثرك".
فإن حصلت هذا فاشدد يديك به، وإلا فقل على الصحبة السلام.
إسلام ويب

Post: #567
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 09:14 PM
Parent: #566

جاء جميع الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - بفكرة جوهرية هي (المحدودية): محدودية الحياة والإنسان والأشياء.
والحقيقة أن لدينا الكثير من التطبيقات لهذه الفكرة المهمة, وإن تجاهلها يجر على المرء الكثير من المشكلات.
إذا كان لكل شيء طاقة على التحمل, فهذا يعني أننا إذا حملناه فوق طاقته فإننا نخسره, أو يخذلنا, أو ينقلب علينا.
وهذه الكلمة أعزائي الشباب مخصصة؛ لإضاءة بعض المفاهيم المهمة في هذا الشأن وذلك من خلال استعراض بعض الأمثلة:
1 ـ إن الحديد الذي نجعله في الأعمدة من أجل حمل أسقف المباني, له طاقة على التحمل, فإذا حملناه أكثر من طاقته ماذا يحدث له؟ إنه ينحني, وإذا انحنى صار وجوده مثل عدمه, وسقط السقف, وهذا مثال مادي محسوس وسهل الفهم.
2 ـ الوازع الداخلي - الضمير - الذي في صدروكم والتربية الممتازة التي تلقيتموها في أسركم والمبادئ العظيمة التي تؤمنون بها... كل ذلك له طاقة على التحمل, فلا تحملوه فوق طاقته من خلال العيش في بيئة مملوءة بالمعاصي والمنكرات, ولا تحملوه فوق طاقته من خلال مصاحبة رفاق السوء الذين يتعاونون مع شياطينكم على إغوائكم وتدميركم. وإن كثيراً من الشباب والشابات الذين انحرفوا, إنما حدث لهم ذلك؛ بسبب مواجهة تحديات أخلاقية غير عادية, وينبغي على العاقل أن يتعظ بغيره.
3 ـ كثير من الشباب والفتيات لديهم ذكاء ونبوغ جيد, لكنهم لم يحققوا أي تفوق أو نجاح لافت, وذلك كثيراً ما يكون بسبب تعويلهم المبالغ فيه على مواهبهم الفطرية, أي أنهم حملوا ذكاءهم فوق طاقته في رحلة الحصول على التفوق. وقد دلت وقائع كثيرة, تفوق الحصر على أن الذكاء ليس أكثر من عنصر واحد من العناصر التي يتطلبها النجاح, فهناك العلم والتدريب والجدية والمثابرة ووضوح الأهداف والإرادة الصلبة...
4 ـ بعض الفتيات يتمتعن بجمال متفوق وبارع, وقد تزوجن, وبعد مدة وجيزة بدأت الخلافات مع الزوج, ثم وقع الطلاق...
لماذا حدث ذلك؟ هناك طبعاً أسباب عديدة, ربما منها اعتماد الفتيات على جمالهن وتحميله ما لا يتحمل ؛حيث تظن الواحدة منهن أن جمالها يوجب على الزوج أن يتحمل كل الأخطاء, ويستجيب لكل الطلبات, وما درت أن الجمال يصبح شيئاً مألوفاً للزوج بعد مدة, وأن الذي يستمر هو جمال الروح وجمال الخلق.
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:
1 ـ لاحظوا دائماً أن لكل شيء حداً يجب التوقف عنده, وكما يقولون: إن الشيء إذا تجاوز حده انقلب إلى ضده.
2 ـ التوازن هو أجمل شيء في الحياة وأهم شيء، وهو يعني الاعتماد على عناصر متعددة في تسيير أمور حياتنا وقضاء حاجاتنا, فابحثوا عنه باستمرار.
3 ـ احموا أنفسكم من مبالغات الشباب واندفاعاتهم, والتي تدفع دائماً في اتجاه التطرف والابتعاد عن الوسطية.
عبد الكريم بكار-إسلام ويب

Post: #568
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-29-2015, 09:16 PM
Parent: #501

شيء أساسي في حياتكم أبنائي وبناتي أن تعرفوا عدوكم الأكبر وخصمكم اللدود حتى توجهوا كل جهودكم من أجل مقاومته دون هوادة. أتعرفون ما هو؟
إنه القصور الذاتي والضعف الشخصي. وقد تقولون لي:
ما معنى القصور الذاتي ؟
وأقول لكم : إني أعني بالقصور الذاتي هنا عدم كفاية القدرات الذاتية للمرء، أو عدم استثمارها على النحو الأمثل, كما أعني به ضعف إدارته على صعيد مقاومة رغباته وعلى صعيد قيامه بمسؤولياته. من السهل دائماً أن يجد كل واحد منا شخصاً أو جهة أو حادثة أو ظرفاً... يدعي أنه هو السبب في إخفاقه ومشكلاته, لكن ذلك كثيراً ما يكون غير موضوعي وغير مفيد أيضاً.

حين هُزم المسلمون في (غزوة أحد), وقال بعضهم: كيف نُهْزم ونحن جند الله؟ نزل قوله تعالى: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم إن الله على كل شيء قدير}.

كونوا على ثقة يا بناتي وأبنائي أنه لا يستطيع أحد أن يؤذي أياً منكم من غير إذنه, وكونوا على ثقة كذلك بأن المرء يظل قادراً على الإساءة إلى نفسه أكثر من أي شخص آخر.. وهذا الكلام ينطبق على الجماعات والشعوب والأمم .

القصور الذاتي يتجلى في العديد من الأمور , منها الآتي :
1 ـ عدم وضوح الأهداف التي يسعى إليها المرء, حيث إن كثيراً من الشباب والشابات لا يعرفون ماذا يريدون، ولا يعرفون الشيء الذي سيشكل الفرق بين ما هم عليه اليوم, وبين ما سيكونون عليه بعد ثلاثين عاماً.
هناك أمنيات وطموحات وأحلام وتطلعات, لكن ليس هناك أهداف. إن الهدف حين لا يكون واضحاً ومحدداً, فإنه لا يحفز صاحبه على العمل والعطاء وبذل الجهد, وهذا ما يعاني منه كثيرون منا رجالاً ونساءً وشيباً وشباباً

2 ـ الكسل وفتور الهمة يسبب فتور الدوافع والمحرضات على العمل. وقد قال أحد الحكماء: إن الإنسان ليس ضئيلاً ولا عاجزاً, لكنه كسول إلى حد بعيد.
إن من المهم أن ندرك أن للأعمال المضاعفة نتائج مضاعفة, وإن لتضييع الأوقات سدى, ولأداء الأعمال ببطء وخمول نتائجه الردئية التي لا تخفى

3 ـ تسهم الفوضى بحظ وافر في القصور الذاتي, ولا سيما في هذه الأيام, فنحن كما تعرفون نعيش في عصر شديد التعقيد, وكثير المتطلبات, والفرص فيه عظيمة, ولذلك فلابد من تنظيم الشأن الشخصي وترتيب الأولويات.
ألزموا أنفسكم بأداء شيء جيد على نحو يومي مثل قراءة جزء من القرآن، والمحافظة على صلاة الجماعة، وقراءة في كتاب جيد، والوصول إلى مكان العمل في الوقت المحدد, وأداء خدمة تطوعية صغيرة.. فهذا يحد من الفوضى في حياتكم الشخصية .

4 ـ التسويف عدو كبير لأصحاب النفوس الكبيرة والهمم العالية, ونحن سمعنا وقرأنا الكثير عن مساوئ التسويف, ومع هذا فإن كثيرين منا يعملون وفق المقولة التالية: "كل شيء تستطيع إنجازه غداً فلا تنجزه اليوم!!

إن التسويف نوع من العطالة والبطالة ونوع من التهرب من أداء الواجبات, وعواقبه كثيراً ما تتجلى في فوات بعض الخير ووقوع بعض الخسائر.
إن الزمان لا ينتظر أحداً، ومن كان عاجزاً عن أداء واجبات اليوم, فسيكون أشد عجزاً إذا اجتمعت واجبات اليوم والأمس.
أوقدوا شعلة الإيمان في صدوركم, واتركوا نورها يضيء كل جوانب حياتكم، تخلصوا من العجز والكسل والتسويف والغموض والفوضى مستعينين برب كريم رحيم ودود معين.
ـــــــــــــــــــــــ

د.عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #569
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 04:01 AM
Parent: #501

لم يشهد عصر من العصور انتشار الشهوات وسهولة الحصول عليها.. وتيسير الوقوع فيها مثل ما حدث في عصرنا هذا.. وإذا كنا نتكلم عن انتشار هذا البلاء عموما فإن نصيب الشباب من التعرض له لا شك أكبر من نصيب غيرهم؛ خصوصا مع قلة الوازع الديني الناتج عن حياة سياسية وقيادة بعيدة كل البعد عن نشر الوعي الديني والأخلاقي، وكذلك زيادة البطالة وصعوبة إيجاد فرص العمل؛ مما ارتفع بمتوسط سن الزواج ارتفاعا مخيفا. وهذا ما حدا بطائفة كثيرة أو سول لها أو يسر لها أو اضطرها أحيانا لتكون صيدا سهلا وفريسة قريبة المنال للشهوات.

وهذه القضية تنعكس - لا ريب - على حقل الدعوة والتربية، إذ إن جهد المربين ينصرف أكثر ما ينصرف إلى الشباب وتربيتهم على الصلاح والعفة والاستقامة.

إننا ونحن نحاول معالجة هذه القضية الخطيرة ينبغي ألا نقع فيما وقع فيه البعض من التهويل أحيانا الذي قد يصيب العاصين باليأس والقنوط، أو التهوين الذي يفتح لهم باب التساهل ويهون عليهم المعصية. فكلا طرفي قصد الأمور ذميم، والوسط دائما ما يقع بين طرفين، وقد يميل لأحدهما دون الآخر حسب كل شخص وحاله.

نحو منهج راشد:
نحن نؤمن تمام الإيمان بأن منهج القرآن والسنة في معالجة هذا الأمر وغيره من الأمور هو المنهج الأسمى والأسنى والأجدى والأحق بالاتباع من غيره، فهو يستند إلى شريعة محكمة، ووحي لا يتطرق إليه الخلل، غير أن الخلل إنما يكون في وسيلة التطبيق وطريقة المطبق لهذا النظام.

إن هناك بعض المحاور التي يدور عليها تناول هذه القضية نرى أنها تمثل المنهج القرآني والنبوي لمواجهة إلحاح الشهوة، كما يقول بعض من حاول معالجة هذا الموضوع.. لعل من أهمها:

كل ابن آدم خطاء
فميل النفوس إلى الشهوة ليست سُبَّة وإنما هو سنة في الخلق، ولا هي ممَّا يعاب طبعا لأن الله فطر كلا الجنسين للميل للآخر في هذا الباب خصوصا؛ وفطر العباد على حب الشهوات عموما؛ وهو ما قرره القرآن الكريم: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ}[آل عمران:14]. غير أن هذا الميل لا يبيح للإنسان التعلل به لفعل الفاحشة ولا لإدراك الشهوة من طريق محرم.. ذلك لأن الله تعالى أخبرنا أن دفع هواجس الشهوات ومقدمات المعاصي والسيطرة عليها ليس بالأمر العسير، بل هو داخل في تكليف العبد وإلا كان الأمر به من قبيل العبث وتكليف مالا يقدر عليه.. والله تعالى نفى ذلك بقوله سبحانه: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة: 286]، وإنما تتمرد الشهوة على صاحبها وتطوِّعه لها حينما يعرض نفسه لدواعيها، وينأى بنفسه عن معالم الطريق الذي رسمه الشارع الحكيم للتعامل معها، فهذا ما يجعل الأمر بالنسبة إليه عسيراً.

علاج نبوي عظيم
روى الأمام أحمد في مسنده عن أبي أمامة رضي الله عنه: "أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا. فأقبل القوم عليه وزجروه فقالوا: مه مه. فقال: ادنه. فدنا منه قريبا فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم. قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم. قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم. قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم. قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله، جعلني الله فداك. قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم. قال: فوضع يده عليه وقال: اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه. قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء.

وفي هذا الحديث فوائد تتعلق بموضوعنا منها:
أن بعض الشباب لا يفكر إذا ثارت شهوته إلا في قضائها ويظن أنه بذلك ستنتهي معاناته، والحق أن هذا بعينه قد يكون بداية المعاناة لا نهايتها.

في حمأة الشهوة ينسى الإنسان أو يذهل عقله عن عواقب إتيان الشهوة الحرام.. وأثر ذلك عليه وعلى مجتمعه. وربما إذا بان له عواقب فعله انزجر عنه؛ وهذا ما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع هذا الشاب.

الزجر والترهيب ليس علاجا حقيقيا، وإنما الإقناع هو الباب الأعظم لصرف العقول والقلوب عن المخالفات.. لقد انتفض الصحابة عند سماع الطلب من الشاب لرسوله عليه السلام.. فزجروه.. "مه.. مه"، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم عالجه بطريقة أخرى وهو بيان مفاسد مطلبه، وسوء عواقبه، وذكره أننا لو أذنا لكل راغب في الزنا لربما طال ذلك بناتنا وأخواتنا وأمهاتنا وعماتنا وخالاتنا وهو ما لا يرضاه أحد منا لأهله.. فلا ينبغي أن يرضاه لغيره.
ارض للناس جميعا .. .. مثلما ترضى لنفسك
إنـمـا النـاس جميعـا .. .. كلــهم أبـنـاء جنسك
غير عدل أن توخى .. .. وحشة الناس بأنسك
فلــهم نــفس كنفسك .. .. ولهـم حـس كـحسك

تقوية البناء الإيماني:
الشهوات في الغالب أمور يتطلبها البدن وتميل إلها النفس، وأحيانا يكون العلاج في تنبيه النفس إلى الجانب الروحاني والإيماني بل هو في كثير من الأحيان يكون من أنجع أساليب العلاج.. فدفع أهواء النفس يحتاج إلى قوة لا تتأتى إلا بتقوية الجانب الإيماني,, فكلما زاد إيمان المسلم كلما كان دفعه للشهوات ورده للآفات أسهل وأيسر، خصوصا إذا أضاء جانب المراقبة في قلبه.. وربما دل على ذلك حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: [يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء](متفق عليه).

وقد نبه ابن القيم على مثل هذا الأمر فقال في مدارج السالكين: (اعلم أن أشعة لا إله إلا الله تبدد من ضباب الذنوب وغيومها بقدر قوة ذلك الشعاع وضعفه، فلها نور، وتفاوت أهلها في ذلك النور قوةً وضعفاً لا يحصيه إلا الله تعالى، فمن الناس من نور هذه الكلمة في قلبه كالشمس، ومنهم من نورها في قلبه كالكوكب الدري، ومنهم من نورها في قلبه كالمشعل العظيم، وآخر كالسراج المضيء، وآخر كالسراج الضعيف.... إلى أن قال: وكلما عظم نور هذه الكلمة واشتدَّ، أحرق من الشبهات والشهوات بحسب قوته وشدته، حتى إنه ربما وصل إلى حال لا يصادف معها شبهة ولا شهوة ولا ذنباً إلا أحرقه).

وباب تقوية الإيمان أول ما يتأتى من المحافظة على العبادات المفروضات وعلى رأسها جميعا الصلاة والصوم ثم تأتي بعد ذلك النوافل وعلى رأسها قيام الليل، وكل عبادة فإنما هي باب للقرب وزيادة التقوى في قلب صاحبها يعظم بها إيمانه كما قال تعالى: {يأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون}(البقرة:21).

سد ذرائع الفتنة:
في محاولة الابتعاد عن الشهوات ومعالجة النفس عن الوقوع فيها لابد من غلق الأبواب التي تفتح عليها، وتجفيف المنابع التي تتأتى منها، وعدم التعرض لأسبابها ودواعيها..

ويأتي على رأس هذه الدواعي البصر.. فغض البصر من أهم أبواب رد الفتن ودفع الشهوات وغلق أبوابها.. فكم من نظرة أصابت قلبا في مقتل، فهي سهم من سهام إبليس إن لم يقتل فإنه يجرح.. ولا يخفى ما لإطلاق النظر في المحرمات من مفاسد على دين المسلم وعرضه وخلقه، يقول الإمام ابن الجوزي - رحمه الله-: "وليحذر العاقل إطلاق البصر، فإن العين ترى غير المقدور عليه على ما هو عليه، وربما وقع من ذلك العشق فيهلك البدن والدين،. "، وقال أيضاً: "واعلم أن أصل العشق إطلاق البصر، وكما يُخاف على الرجل من ذلك ... يخاف على المرأة. وقد ذهب دين خلق كثير من المتعبدين بإطلاق البصر وما جلبه، فليحذر من ذلك"(أحكام النساء:265)

وقال ابن القيم رحمه الله: "والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان، فإن النظرة تولد الخطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد، ما لم يمنع مانع، ولهذا قيل: الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده".
كـل الحــوادث مبـداها من النظر .. .. ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فتكت في قلب صاحبها .. .. فــتك الســهام بلا قــوس ولا وتــر
والعبــد ما دام ذا عـيــن يقــلبـها .. .. في أعين الغيد موقوف على الخطر
يـسـر مقـلـته ما ضـــر مهـجــته .. .. لا مـرحــبا بســرور عـاد بالضـرر

ويأتي بعد ذلك دفع الخواطر والأفكار: فإن الخطرة تولد الفكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل ولابد ما لم يمنع مانع.. كما قال ابن القيم رحمه الله.

ومن أهم الأبواب أيضا الإرشاد إلى أهمية الصحبة الصالحة، والتحذير من تبعات مصاحبة أصدقاء السوء.
ومنها: التعامل مع الجنس الآخر وَفق الضوابط الشرعية، والتي منها: عدم المصافحة، وعدم الخلوة، وترك الكلام لغير حاجة. فإن التساهل في هذا يجر متاعب وعواقب غير محمودة.

ونهاية وهي الأصل والبداية الاستعانة بالله وكثرة الابتهال والدعاء إليه أن يصرف عنك السوء فهو من وراء قلب الإنسان وعقله وفكره وبصره.. فاللهم حبب إلينا الأيمان وزينه في قلوبنا ، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين.. آمين.
اسلام ويب

Post: #570
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:12 PM
Parent: #501

جرت عادة الناس بالإلحاح على التوافق والانسجام؛ لأنهم يعرفون أن الخلاف موحش, وقد يؤدي إلى صراعات مريرة؛ وهذا حق, لكن من عادة الناس أيضاً أن يطلب كل واحد منهم من غيره أن يوافقه, وينسجم معه, وينسى أن عليه أن يطلب من نفسه مثل ذلك!

أنتم أيها الشباب تعيشون في زمان كل شيء فيه إلى اتساع وتنوع, وأنتم تلاحظون أن الخيارات على كل صعيد باتت كثيرة جداً, وإن من شأن هذا أن يجعل دوائر الخلاف أوسع بكثير مما كان عليه الأمر في الماضي, وهذا يتطلب منا أن نفهم مسائل الاتفاق والاختلاف على وجه حسن.

ولعل مما يفيد في ذلك أن علم أن:
ـ الاختلاف سنة من سنن الله - تعالى - في الخلق، وهذا ما نفهمه من قول الله - تعالى -: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}. وقال - عز وجل -:{وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}.
روي عن بعض أهل العلم أنهم قالوا في تفسير هذه الآية: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي للرحمة والاختلاف فمن شأن الله - تعالى - الرحمة بعباده, ومن شأن عباده الاختلاف فيما بينهم.
وما أجمل قوله صلى الله عليه وسلم: [تجدون الناس كإبل مائة لا يجد الرجل فيها راحلة) .. فقد يكون لدى المرء مائة ناقة, ثم لا يجد بينها واحدة, تتوفر فيها كل الصفات التي تجعل منها المركب الهنيء والمفضل للأسفار, وهكذا فقد يبحث الواحد منا بين المائة والمائتين من المعارف والزملاء فلا يجد شخصاً واحداً يوافقه تمام الموافقة في أفكاره وعواطفه وأمزجته.

- اختلاف عقولنا ونفوسنا وأهوائنا أشبه باختلاف وجوهنا, حيث إن من النادر أن تجد وجهين متفقين في كل التفاصيل والملامح, ولكن على مستوى التقسيمات العامة فإن في كل وجه خدين وعينين وحاجبين وجبيناً وأنفاً وفماً وذقناً, وهكذا الناس تجمعهم أمور عامة, وتفرقهم التفاصيل الصغيرة, وينبغي أن نتقبل هذه الوضعية على ما هي عليه.

ـ فطر الله - تعالى - الناس على طبائع مختلفة, فمنهم من يميل إلى التفاؤل, ومنهم من يميل إلى التشاؤم وسوء الظن, ومنهم من هو صابر وهادئ وحليم, ومنهم من هو غضوب ملول ضيق الصدر.. وهذا يؤدي إلى كثير من الاحتكاك اليومي وكثير من النزاع.

ـ من الناس يا أبنائي وبناتي من نشأ في أسرة تُعامل أبناءها بالرفق واللين والتدليل, ولهذا فإنهم يظنون أن الحياة رخية, وأن الناس كلهم طيبون. ومنهم من نشأ في أسرة يسودها الظلم: ظلم الأب أو زوج الأم أو زوجة الأب... ولهذا فإنه ينظر إلى العالم بمنظار أسود, ويسيء الظن بكل من يقابله.

ما الذي يعنيه كل هذا بالنسبة إلى بناتي وأبنائي؟
إنه يعني الآتي:
1 ـ لا ينظر أحدكم إلى نفسه على أنه الأصل في كل شيء, ولذا فليس على الآخرين سوى أن يكونوا صورة عنه. لدى كل الناس ما يُمدح و وما يُذم، ولديهم ما هو صواب, وما هو خطأ.

2 ـ حاولوا فهم وجهات نظر الآخرين وخلفياتهم وظروفهم, واتخذوا من الأعذار والتسامح منهجاً تمضون عليه مع كل ذلك.

3 ـ انظروا إلى الاختلاف على أنه مصدر ثراء وغنى وتنوع, وليس شيئاً يضعف الأمة, أو يكدر صفاءها, فنحن إذا اتفقنا في الكليات لم يضرنا الخلاف في الجزئيات والفرعيات.

4 ـ حين يكون الأمر ظنياً اجتهادياً, فإن الصواب غالباً مع الأكثرية الكاثرة، لكن حين يكون الافتراق بين الناس في أمور قطعية وظاهرة, فالصواب مع أهل الحق ومع من معه الدليل والبرهان, وهذا ما عناه ابن مسعود - رضي الله عنه - حين قال: (الجماعة أن تكون على الحق ولو كنت وحدك).. فإذا كانت هناك قرية لا يصلي فيها إلا رجل واحد, فذلك الرجل هو الجماعة وعلى أهل القرية جمعياً أن يرجعوا إليه.

5 ـ لنتهم أنفسنا عوضاً عن اتهام الآخرين.

6 ـ اعتمدوا الحوار والتفاوض من أجل الوصول إلى أفضل بلورة ممكنة في المسائل المختلف فيها.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
د.عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #571
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:14 PM
Parent: #501

السعادة.. تدفق داخلي
كثيرا ما نسمع عن أناس يتحدثون عن أن السعادة تنبع من الداخل, وبعض أعزائي يشككون في هذا، ويقولون: أين كل ما تتحدث عنه الدعاية التجارية من متعة المال والمنصب الرفيع والسياحة والسفر واللهو... هل هذه أشياء داخلية؟ أو أنكم تريدون إيجاد شيء لتعزية المفلسين والمحرومين؟
والجواب : لا
الفرق بين السعادة واللذة
من المهم أن نفرق بين السعادة واللذة.. اللذة فعلاً تأتي في الغالب من وراء تناول شيء أو لمس شيء أو النظر إلى شيء محسوس.. وهي تتصف بكونها عابرة ومؤقتة, فالتلذذ بالطعام والشراب والنوم على فراش وثير... يكون ما دمنا متلبسين بذلك ومباشرين له, فإذا انصرفنا عنه إلى شيء آخر انتهت اللذة, وصارت ذكرى.
وإذا كان التلذذ بشيء محرم, فإن المتلذذ يشعر بشيء من العتمة الروحية, وشيء من اللوم والندم؛ لأنه يشعر بأنه قد عصى الله - تعالى - وأنه كان ضعيفاً أمام رغباته.
أما السعادة، يا أيها الأعزاء, فإنها ليست شيئاً عابراً, إنها نوع من التربع على قمة السرور والانشراح والرضا والطمأنينة.. وهذا ينشأ في معظم الأحيان من شعور المرء أنه على الطريق الصحيح وأنه في المكان الصحيح والموقف الصحيح والعلاقة الصحيحة.
باختصار إنه الشعور الذي ينشـأ من اعتقاد المرء أنه يعيش وفق مبادئه وقيمه وقناعاته؛ ولهذا كان أهل الإيمان والصلاح أسعد الناس وأشدهم شعوراً بالطمأنينة والأمان, كما قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ}، وقال سبحانه: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ}.
من أسباب السعادة
إذا أردنا ذكر بعض التفاصيل , فيمكن أن نقول إننا نشعر بالسعادة:
حين نتذلل بين الرب الكريم الرحيم، وحين نناجيه, ونطلب منه ونشكو إليه، وحين نتبرأ من حولنا وقوتنا إلى حوله وقوته.
حين ننتصر على أهوائنا, ونصمد في وجه المغريات.
حين نساعد غيرنا على مواجهة صعوبات الحياة, فالسعادة مثل (العطر) لا تستطيع أن ترش منه على الآخرين دون أن يمسك منه شيء.
حين تغتني عقولنا بالأفكار العظيمة, وحين نكتشف روعة التعبيرات الجميلة.
حين ننجز عملاً كبيراً , وتمتلئ قلوبنا بالرضا عما أنجزناه .
حين تظل نفوسنا وأيدينا مشغولة بالعمل من أجل تحقيق شيء نريد الحصول عليه .
حين نتفاعل مع الجمال الذي بثه الله - تعالى - في الكون, فنطرب لابتسامة طفل ورسالة من صديق عزيز وتغريد بلبل ووهج نور يتسلل إلينا من النافدة.
ما الذي يعنيه هذا بالنسبة إلى بناتي وأبنائي؟
إنه يعني الآتي :
1. ابحثوا عن المسرات الدائمة من خلال عمل الصالحات والوجود حيث يجب أن تكونوا موجودين.
2. البطالة والعطالة والكسل والتقاعس والفوضى مصدر من مصادر التعاسة, فتخلصوا منها إذا أحببتم أن تكونوا سعداء.
3. دربوا أنفسكم على أن يكون فرحكم جماعياً من خلال إدخال السرور على الأهل والأصدقاء والزملاء... واعلموا أن إدخال الفرح على قلوب الناس باب من أعظم أبواب التقرب إلى الله؛ تعالى.
4. في إمكان المرء أن يبتهج بالقليل الذي بين يديه، وأن يجعل منه مصدراً لسرور مديد, وذلك إذا تحلى بالرضا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د.عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #572
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:16 PM
Parent: #501

من الحقائق التي حملها التاريخ وسرت مسرى الأمثال قولهم (العرب أمة شاعرة) وكذلك قولهم (الشعر ديوان العرب). ولا عجب في ذلك، فهم من أكثر الأمم شعراء، وشعراؤهم من أغزر الناس شعرًا.

وقد حفظ الشعر تاريخ العرب وأيامهم، وعاداتهم وتقاليدهم: في أفراحهم وأتراحهم، في منشطهم ومكرههم، في سرّائهم وضرائهم، وكان الشعر بحق هو مثلهم الأعلى تصويرًا وتعبيرًا.

وفي دروب (ديوان العرب) نعيش مع ما جادت به قرائح الشعراء في (الشباب)...

والشباب، كما يقولون، هو ربيع العمر؛ لأنه يمثل الفترة الزمنية الزاهية في حياة الإنسان إنه مرحلة القوة والفتوة.
وهو مرحلة الحماسة والتوهج.
وهو مرحلة النشاط والتوقد.
وهو مرحلة التفتح والنباهة.

لذلك قال أحد بلغاء العرب القدامى:
"الشباب باكورة الحياة، وأطيب العيش أوائله، كما أن أطيبَ الثمار بواكيرها، وما بكت العربُ على شيء كما بكت على الشباب، وما بكى الشعراءُ من شيء كما بكوا من المشيب ".
إن أول من يطالعنا من الشعراء في ديوان العرب هو الشاعر الجاهلي طرفة بن العبد، الذي نسمعه معتزًا بشبابه، مفتخرًا بقوته وفتوته:
أنا الفتى الضرب الذي تعرفونه .. .. خشاش كرأس الحية المتوقد
ويقول الشاعر:
إذا قيل: من فتى؟ خلت أنني .. .. عنيت فلم أكسل ولم أتبلد

والإنسان ما تمنى أن يدوم شيء في حياته كتمنيه دوامَ الشباب، بما فيه من نضرة وحيوية، وقدرة على تذوق مباهج الحياة، فلا عجب أن يقول الشاعر اللبناني فؤاد عمون:
سـلام عـليك زمــان الشــباب .. .. ربـيـع الـحـيـاة بآذارهـــا
لأنـتَ مـخــفـــفَ أحـــزانِــهـا .. .. وأنـت مـسـوغ أكـدارهــا
ولولا الشبابُ وذكرى الشباب .. .. لعاشَ الفتى عمره كارهًا

وإذا كان الشباب كما يرى الشاعر فؤاد عمون هو ربيع الحياة، ومخفف أحزانها، ومانح القدرة على تحمل أكدارها ومتاعبها. فإن ابن الرومي يبرز فضيلة أخرى من فضائل الشباب، وحسنة من حسناته خلاصتها: أن الشباب بذكرياته الطيبة الممتعة يغرس في نفس الإنسان الولاء والحب لوطنه، والتعلق الدائم بداره، يقول ابن الرومي:
ولـى وطـــن آلـــيت ألا أبيــعه .. .. وألا أرى غيري له الدهر مالكا
عهدتُ به شرخ الشباب ونعمةً .. .. كنعمةِ قومٍ أصبحوا في ظلالـكا
وحبب أوطـان الرجـال إليهـمو .. .. مـآرب قضـاها الشباب هنالـكا
إذا ذكـروا أوطانهـم ذكرتهمــو .. .. عهـود الـصـــبا فحــنـوا لـذلكا

ويتركنا ابن الرومي لنلتقي في (ديوان العرب) بالشاعر الفارس الأسير أبي فراس الحمداني، في قصيدة يعاتب فيها ابن عمه سيف الدولة أمير حلب، لتأخره في افتدائه من الأسر، ويذكر ابن عمه بشبابه الذي قدمه وأضناه في مدافعة أعدائه ومواجهتهم:
وهـبت شبابي والشباب مضـنة .. .. لأبـلـج مـن أبنــاء عمي أروعــا
أبيـت معنى من مخــافة عــتبه .. .. وأصبح محزونًا، وأمسي مروعا
فـلما مضى عصر الشبيبة كـله .. .. وفـارقـني شــرخُ الشــباب مودعا
تطلبت بين الهجرْ والعتبْ فرجة .. .. فحـاولـت أمــرًا لا يُــرام ممــنعا

ويقرأ الشاعر أحمد شوقي قول من يقول إن الشيب رمز الحكمة، والرفعة، فيرفض هذه المقولة ويتصدى لها بقوله:
وما الشيب من خيل العلا فارْكب الصبا .. .. إلى المجد تركـب متن أقــدر جوال
يســـن الشـــبابُ البــأسَ والجـود للـفتى .. .. إذا الشيب سن البخل بالنفس والمال

لذلك عاش شوقي وفيًّا لشبابه، يسترجع ذكرياته، ويستدعي بروحه أحلامه، وحلاوته، بعد أن علاه الشيب، وزحف إليه خريف العمر:
خلق الشباب ولا أزال أصـونه .. .. وأنا الـوفي مودتي لا تخـلق
صاحبته عشرين غير ذميمةٍ .. .. حالي بها حالٌ وعيشي مونق

ويلتفت بالحديث إلى قلبه قائلاً:
قلبي ادكـــرت اليوم غــير موفـق .. .. أيام أنت مع الشــباب موفــق
فخفقت من ذكرى الشباب وعهده .. .. لهفي عليك :لكل ذكرى تخفق
كم ذبت من حرق الجوى واليوم من .. .. أسف عليه وحسرة تتحرق
هـــل دون أيام الشـبـيــبة للـفــتى .. .. صفـو يحيط به وأنـس يحــدق

ولكن الشريف الرضي ينظرُ إلى الشباب من زاوية أخرى فيرى أن من مساوئ الشباب، وبتعبير أدق: من مساوئ الإنسان أنه في شبابه يغفل عنه، ويفرط فيه، ولا ينتفع بمحاسنه على الوجه الأكمل، ومن أسف أنه لا يتذكر جنايته هذه في حق شبابه إلا في مشيبه وشيخوخته، ولاتَ حين مندم:
لا تـلحُ من يبــكي شــبيبـته .. .. إلا إذا لـــم يـبـكـهـا بـــدم
عيب الشبيبة غول سكرتها .. .. مـقـــدارَ ما فــيها من النعم
لـسـنا نراهــا حــق رؤيتها .. .. إلا زمـــانَ الـشـيب والهرم
كالشمس لا تبــدو فضيلتها .. .. حتى تغشى الأرض بالظلم
ولــــرب شـيء لا يـبــيـنه .. .. وجــدانـه إلا مـع الـــعــــدم

وبعد فوات الأوان لا يجدي الندم، كما يقول الحكيم العربي: (الندم بعد الفوت حسرة وألم).
وفي هذا المعنى يقول الشا عر العربي:
عريت من الشبابِ وكنت غصنا .. .. كـمـا يعرى من الورد القضيب
ونحت على الشـباب بدمع عيني .. .. فـمـا نـفع البــكاء ولا النــحيب
فـيـالـيت الشــباب يعــود يــومًا .. .. فـأخـبـره بـما فـعـل المــشــيب

وفي هذا السياق أنبه إلي أن لكلمة الشباب استعمالين: فهي تستعملُ كما عرفنا بمعنى مرحلة القوة والفتوة، والنضارة في حياة الإنسان.

أما الاستعمال الثاني لكلمة الشباب فهو أنها جمع شابّ، وهو من يعيش مرحلة الشباب، ولا شك أن الشباب بالمفهوم الثاني هم ذخيرة الأمة، وعنوان قوتها، وبناة مستقبلها، فهم "رجال الغد" الذين يتهيئون لتحمل المهام الصعبة، والمسئوليات الجسام، وإلى الشباب: رجال الغد يوجه الشاعر حافظ إبراهيم هذه الرسالة:
رِجالَ الغَدِ المَــأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ .. .. إِلى قـــادَةٍ تَبني وَشَــعبٍ يُعَــمِّرُ
رِجالَ الغَدِ المَــأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ .. .. إِلى عـــالِمٍ يَـــدعو وَداعٍ يُذَكِّـــرُ
رِجالَ الغَدِ المــَأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ .. .. إِلى عـــالِمٍ يَــدري وَعِــلمٍ يُقَـرَّرُ
رِجالَ الغَدِ المَــأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ .. .. إِلى حِكــمَةٍ تُمــلى وَكَفٍّ تُحَــرِّرُ
رِجالَ الغَدِ المــَأمولِ إِنّا بِحــاجَةٍ .. .. إِلَيكُم فَسُدّوا النَقصَ فينا وَشَمِّروا
رِجالَ الغَدِ المَأمولِ لا تَترُكوا غَدا .. . يَمُرُّ مُرورَ الأَمسِ وَالعَيشُ أَغبَرُ
رِجالَ الغَدِ المــَأمولِ إِنَّ بِلادَكُـم .. .. تُناشــِدُكُــم بِاللَهِ أَن تَتـــَذَكّــتَروا
عَلَيــكُم حُــقوقٌ لِلـــبِلادِ أَجَلّـــُها .. .. تَعَهُّدُ رَوضِ العِـلمِ فَالرَوضُ مُقفِرُ
قُصارى مُنى أَوطانِكُم أَن تَرى لَكُم .. يَداً تَبــتَنــي مَجـــداً وَرَأسـاً يُفَـــكِّرُ
فَكــونوا رِجــالاً عامــِلينَ أَعِزَّةً .. .. وَصونوا حِمى أَوطانِكُم وَتَحَرَّروا
د.جابر قميحة-اسلام ويب

Post: #573
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:18 PM
Parent: #501

سبقك بها عكاشة
لقد عرف الإسلام لأهل السبق سبقهم.. ولأهل الفضل فضلهم.. فرفعهم منزلة وأعلاهم درجة.

وبهذا يقر الإسلام مبدأ التفاضل بين البشر، وإنزال الناس درجات مختلفة متباينة كل على حسب اجتهاده ومبادرته للخير.. فشتان بين من بكر بكورا.. وبين من نام حتى ملأت الشمس جنبات الدنيا ولسعته الشمس على أجنابه.. ثم استيقظ.

نعم إن كليهما ربما فعل الخير في نهاره.. وكليهما مأجور مثاب.. لكن بين الاثنين فرق شاسع. كما جاء في سورة الحديد: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذينأنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}.

ولقد أوضح النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا المبدأ الأصيل في حديث عكاشة بن محصن بقوله: [سبقك بها عكاشة].
وأصل هذا الموقف كما رواه الإمام مسلم فى صحيحة عن أبى هريرة رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ: [يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي الْجَنَّةَ سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ.. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ.. قَالَ : اللَّهُمَّ اجْعَلْهُ مِنْهُمْ.. ثُمَّ قَامَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُم..ْ قَالَ سَبَقَكَ بِهَا عُكَّاشَةُ] رواه مسلم

وإذا أمعنت النظر في هذا الحديث النبوي الشريف وجدته يحتوى على بعض الدلالات العظيمة الطيبة.. من أهمها:
1- ضرورة المبادرة والمسارعة للخير وطرقه.. وأن التواني فيه يضيع المصلحة، ويذهب بالمقصود، ويؤخر المراد، أو يفوت عليك الفرصة.

2- مكافأة أهل الاجتهاد على اجتهادهم وسبقهم يذكى روح التنافس بين رجال الأمة وشبابها.. ولا يجعلهم أساري للكسل والاعتماد على أن الله غفور رحيم.. ولا يغتر أحدهم بقوله (صلى الله عليه وسلم) [يدخلون الجنة بغير حساب].. لأن ذلك كان بسبب سبقهم إلى تمام التوكل وحسن الاعتماد على الله وتجريد ذلك فيما بينهم وبينه سبحانه، وترك الاعتماد على أي شيء سواه.

3 - يجوز للقائد أو الإمام أن يميز بعض الناس عن بعض.. ويخص أحدهم دون الآخر إذا رأى في ذلك مصلحة في الدين والدنيا.

4 – انتهاز الفرص واستغلال المواقف المناسبة، كما فعل عكاشة عندما استغل قول النبي (صلى الله عليه وسلم) بما يناسبه من طلب ودعاء.. فحصل على أعظم أمانيه كلها.

5 ـ لا يكون الجزاء إلا بعد عمل، فليس ما حصل لعكاشة ضربة حظ أو فرصة انتهبها وجاءت اعتباطا، وإنما عمل عكاشة طيلة ما سبق من عمره لينال هذا المقام، ثم أجرى الله على لسان نبيه الحديث في وجود عكاشة، وأجرى على لسان عكاشة الطلب والسؤال، فحقق الله له مراده وكافأه على سابق عمله بما يستحقه جزاء سعيه، وقبل ذلك فضل الله. ليعلم الكل أن الجزاء لا يأتي إلا بعد عمل.

5 ـ أدب النبوة في حسن الرد والتلطف فيه، فعندما قام الرجل الثاني وطلب مطلب عكاشة وسأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يسأل الله أن يجعله منهم، لم يقل له عليه الصلاة والسلام لا أنت لا تستحق هذه المنزلة، ولست من أهلها، فيكون ذلك سببا لإحباطه أو تثبيطه أو غير ذلك، ولكنه رده ردا جميلا لا يحمل في طياته أي إساءة أو تأنيب، وأغلق معها الباب أمام تكرار الطلب. وقال في تلطف : "سبقك بها عكاشة".

6- يحث الحديث الشريف على المسابقة والمسارعة فى الخيرات بذكر لفظة "سبقك" والتى تعطى إيحاءًً بأنهم في ميدان للسباق.. فيجب الاجتهاد فيه والمسارعة.

7- يستحب إعلان أسماء المتميزين من الناس على الملأ حتى يكونوا قدوة لغيرهم .. ومثالا يحتذى لمن وراءهم، مثل إعلان الحاصلين على الجوائز وأوائل الطلبة وأوائل الدفعة فى الجامعات وتقديمهم على غيرهم.

8- معرفة الفضل لأهل الفضل والسبق.. فلا يستوي من اجتهد زمن البلاء بمن اجتهد زمن الرخاء.. ولا من أنفق زمن العسرة بمن أنفق زمن اليسرة .. وإن كان كلاهما مثاب مأجور. كما سبق في آيه سورة الحديد: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذينأنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى}.

هذه بعض التلميحات النبوية التي احتواها ذلك الحديث النبوي الشريف والتي نسأل الله أن تنفعنا في ديننا ودنيانا.
والله الهادي إلى السداد والرشاد.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
سيد العتمي (بتصرف)

Post: #574
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:20 PM
Parent: #501

مرحلة الشباب هي مرحلة الفتوة والقوة والفورة وهي أيضا بدايات مرحلة النضج واكتمال النمو، ومعلوم أن المدخل إليها هو مرحلة المراهقة، وفي هذه الفترة تبدأ التغيرات في الإنسان لتكتمل له رجولته وفحولته، ومعلوم أن هذه الفترة أيضا تحدث فيها التغيرات الجسمية والجنسية وانفتاح أبواب الشهوات والميل إليها والتي تبدأ من ذلك الوقت تلح على صاحبها، ولأنها فترة فيها كثير من التنقلات العقلية والتغيرات النفسية والمتطلبات الجسدية والذهنية فتتفاوت فيها ردة فعل الشباب بين محافظ يحاط بأسباب الرعاية والوقاية التي توفرها له الأسرة والمجتمع، وبين آخر يعيش في وسط بعيد عن تلك الحماية، وبين متوسط بين هذه وتلك..

ومهما كان الشاب تقيا نقيا، خصوصا في زماننا الذي تغولت فيه الفتن والمغريات، فإنه لا بد، وهي طبيعة البشر، من الوقوع في الخطأ، على تفاوت بين الناس في ذلك الوقوع وهذا الزلل. فقد أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم أن [كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون].

وليس ما أريد أن أتكلم عنه هو الوقوع في الزلل أو الخطأ، فهذا كما قلت لا يسلم منه إنسان، ولكن الذي أريد أن أتكلم عنه هو ردة الفعل لهذا الانزلاق والخلل..

هناك قليل من الشباب يفعل ما يفعل ويعصي على قدر ما يعصي ولا تتحرق نفسه لتوبة ولا تتوق لترك ما هي فيه، هكذا هو دائما غريق لكنه لا يريد أن ينقذه أحد مما هو فيه، أجرب ينزف جلده دما من الجرب ومع ذلك يتلذذ بحكه بما يدميه، وليس هؤلاء هم محل حديثنا وإن كنا ندعو الله لنا ولهم بالهداية واليقظة والعودة إلى الهدى والطاعة وإلى رحاب رضوان الله.

ولكننا نقصد شبابا يكون فيه دين ولديه خلق، فإذا وقع في شيء من المعاصي عاد على نفسه بالتقريع واللوم ـ وليس في هذا ذم ولا عليه اعتراض ـ ولكن الذم والاعتراض أن يخرج حد اللوم وتقريع النفس إلى حد اليأس واحتقار النفس والنزول بها إلى مستنقع المطرودين القانطين من رحمة رب العالمين.. فإن هذا غالبا ما يكون سببا في عدم التوبة أو دعوة من الشيطان لإبقاء الإنسان على ما هو عليه بل الزيادة فيه والانغماس بعد أن يوهمه بانقطاع الأمل في قبول التوبة. ولا يزال هذا الشاب يحقر نفسه ويحط من قدرها إلى أن ترضى بالهوان وترضي بالدون فيعيش دورا سلبيا في حياته بسبب ذلك التقريع.

وهناك البعض ممن يرجع إلى الله ويتوب إليه ويترك ما كان عليه، ولكنه يستصحب ذنوبه دائما فيستصغر نفسه ويحتقرها لسوء فعلها في الماضي، ويظن أنها لا تصلح لأن تقوم بعمل خير قط، ولهذا يبقى دائما في الظل، أقصى ما يمكن أن يفعله أن يصلح نفسه وفقط، ولا دخل له بالناس لأنه يرى أن مثله لا يصلح لعمل خير أو دعوة غير، فضلا أن يكون من الدعاة المخلصين أوالعلماء العاملين.

لا يهمني كثيرا حال الشاب وقت تفريطه، ولا أي ذنب هذا الذي ارتكبه، ولا تلك المصائب والبلايا التي وقع فيها.. لا يهم كم مرة وقع في تلك الخطيئة وكم مرة قارف ذلك الذنب، ولا حتى عظم الذنب وكبر الخطيئة، ولكن الذي يهم هو أنه رجع عن ذنبه واعترف لله بخطيئته وندم على ما فات وترك وأقلع وعزم على ألا يعود..

الذي يهم أنه تاب إلى الله توبة نصوحا وأخذ بأسبابها التي تفتح باب الرجاء لقبولها، وعند ذلك نبشره بأن الله وعد بقبول توبته، ويفرح بأوبته وعودته، ويدعوه لدخول حظيرة التائبين ومضمار العابدين، ويدعوه ليكون من العاملين لا من الخاملين.

تذكر أخي ـ ودعني أتذكر معك ـ أناسا كانوا كفارا ـ وليس بعد الكفر ذنب ـ فلما أسلموا لله وقبلوا دينه وتركوا الكفر وأقبلوا على الإيمان وعملوا للدين رفعهم الله، وهل كان أصحاب الرسول رضوان الله عليهم قبل إسلامهم إلا كفارا، يسجدون للأصنام ويفعلون الآثام العظام، ولكنهم بعد التوبة انتقلوا انتقالة رائعة إلى أماكن عالية في عالم الإيمان ومراتب العبودية.

ألا تذكر عمر بن الخطاب وكيف كان يعذب المسلمين عذابا شديدا قبل إسلامه، وحتى أنه قرر يوما ما أن يقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما منّ الله عليه بالإيمان والإسلام كيف أصبح.. لقد أصبح الرجل الثاني في تاريخ البشرية كله بعد الأنبياء والمرسلين، وسيدًا لكهول أهل الجنة مع أبي بكر رضي الله عن الجميع.

لقد قاتل خالد بن الوليد المسلمين كثيرا وقتل منهم في أحد وغيرها من قتل، فلما عاد وآب ورجع عن كفره، قبله الله ورفعه ونفع به وجعله سيفا من سيوفه يسلطه على من شاء من الكافرين، ولو جلس يفكر كم قتل من المسلمين، وكم آذى الله ورسوله ما سل سيفا في سبيل الله.

إن هذه الخطيئة أعني دوام تقريع النفس لعظم الذنب كادت أن تصيب جماعة كانوا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا كافرين وارتكبوا من المخازي والمعاصي ما ظنوا هم أنفسهم أن الله لا يقبل توبة أمثالهم.. لكن الله تبارك وتعالى ألهمهم أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.. وتعال لنسمع الحديث من فم ابن عباس رضي الله عنه.. يقول: "إن ناسا من أهل الشرك قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا، ثم أتوا محمدا صلى الله عليه وسلم، فقالوا: إن الذي تقول وتدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة! فنزل: {والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما}[الفرقان:6] ونزل: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله} [الزمر:53](رواه مسلم).

وهل أتاك نبأ أبي الطويل، وهو رجل اسمه " شطب الممدود" عمل الشر كله ثم نازعته نفسه الطيبة ليتوب؛ فجاء يسأل المصطفى صلى الله عليه وسلم.. ويقول له: أرأيت رجلا عمل الذنوب كلها فلم يترك منها شيئا، وهو في ذلك لم يترك حاجة ولا داجة إلا اقتطعها بيمينه، فهل لذلك من توبة؟ قال: هل أسلمت؟ قال: أما أنا فأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنك رسوله، قال: نعم، تفعل الخيرات، وتترك الشرات، يجعلهن الله لك كلهن خيرات، قال: وغدراتي وفجراتي! قال: نعم، قال: الله أكبر، فما زال يكبر حتى توارى". (والحديث جود إسناده المنذري وحسنه ابن حجر).

لقد أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا شيء يكبر على التوبة، وأمره أن يكون إيجابيا فيترك الشر ويفعل الخير، ثم بشره إن فعل أن يحول الله كل هذه السيئات إلى حسنات مصداقا لقوله سبحانه في كتابه {إلا من تاب وآمن وعمل عملا صالحا فأولئك يبدل الله سيئاتهم حسنات وكان الله غفورا رحيما}(سورة الفرقان:70).

إنها دعوة لفتح باب الأمل أمام كل من حاول الشيطان إغلاقه في وجهه.

إنها دعوة للعودة إلى الله تعالى، ورجوع حميد إليه يغسل النفس من أدرانها، ويطهر العبد من قذارات المعاصي وآثار الذنوب..

دعوة لتكريم النفس وعدم وصمها بالنقص دائما وأبدا حتى تعتاد عليه وترضاه.

ثم هي دعوة للجد والاجتهاد والانخراط في العمل والدعوة لله وعدم التقاعس بدعوى أني لا أصلح لهذا..

قيل للإمام أحمد أيبقى العبد حتى يكمل ثم يدعو إلى الله؟ قال: أوه.. ومن يكمل؟!!

فيا شباب الإسلام، الميدان يحتاج لكم فلا تركنوا إلى هذه الوساوس والصوارف، وأقدموا على فعل الخير، وشجعوا أنفسكم على اقتحامها فأنتم أحق بها وأهلها.
اسلام ويب

Post: #575
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 06:26 PM
Parent: #501

اقطعه.. قبل أن يقطعك
الوقت هو رأس مال العبد الذي يتاجر فيه مع الله، ويطلب به سعادة الدنيا والآخرة، وبقدر ما يفوت من هذا الوقت في غير طاعة وقربة بقدر ما يضيع على العبد من السعادة في الآخرة، وهذا الوقت ـ والله ـ أغلى من الذهب والفضة؛ فإنه لا يشترى بمال ولا يسترجع بالآمال
عن الحسن قال: ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني فإني لا أعود إلى يوم القيامة.

ولا والله ما كان لمسلم أن يضيع ساعة من وقته ولا لحظة من عمره هباءً؛ وكل شيء في دينه يدعوه إلى حسن استغلال الوقت والانتفاع به.

القرآن والوقت:
لقد اهتم القرآن بالوقت اهتماما عظيما:
• اهتم بالوقت حين أقسم الله به في كتابه: أقسم الله بالفجر وليال عشر، وأقسم بالصبح إذا تنفس، وأقسم الله بالضحى والليل إذا سجى، وأقسم بالعصر وأقسم بالليل. والله لا يقسم إلا بعظيم فهذا تنبيه منه على أهمية الوقت وعظم منزلته.

• اهتم القرآن بالوقت حين ربط به عبادات المسلمين: ما بين عبادة سنوية كالحج، أو عبادة شهرية كالصوم أو أسبوعية كالجمعة، وما بين عبادة يومية كالصلاة "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا".. كما ربط بالوقت أحكاما أخرى كثيرة كالعدة والرضاع والكفارات وغيرها.. كل ذلك لتربية المسلم على الإحساس بقيمة الوقت.

• واهتم لقرآن بالوقت يوم دعاك إلى استغلاله والانتفاع به: "فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السموات والأرض وعشيا وحين تظهرون" (الروم:17، 18).
وسبحان مصدر بمعنى فعل الأمر: أي سبحوا الله حين تمسون وحين تصبحون... "يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا" (الأحزاب:41، 42). أي من أول النهار وآخره.
"وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى" (طه130).

• ومن أعظم دلالات القرآن على أهميته أنه بين حال المضيعين المفرطين في أعمارهم: "حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون * لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون" المؤمنون:99، 100).
"ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا..." الأنعام. "والذين كفروا لهم نار جهنم لا يقضى عليهم فيموتوا لا يخفف عنهم من عذابها كذلك نجزي كل كفور وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير" فاطر.

• الوقت في السنة:
وكما اهتم القرآن بالوقت كذلك اهتمت السنة به:
روى المنذري في الترغيب والترهيب بسند صحيح عن أبي برزة الأسلمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لن تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع خصال: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن علمه ماذا عمل فيه". وقد رواه الترمذي أيضا بسند حسن صحيح لكنه قال وعن جسمه بدلا من شبابه.

وفي صحيح الترغيب والترهيب عن ابن عباس وفي مشكاة المصابيح عن عمرو بن ميمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل وهو يعظه: [اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك]. "صحيح الجامع رقم 1077"

وروى الترمذي عن أبي هريرة: عن النبي صلى الله عليه وسلم: [بادروا بالأعمال سبعا: هل تنتظرون إلا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو تنتظرون الدجال فشر غائب ينتظر، أو تنتظرون الساعة فالساعة أدهى وأمر. وقال حديث حسن غريب .

وعن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم: [ليس يتحسر أهل الجنة على شيء إلا على ساعة مرت بهم لم يذكروا الله عز و جل فيها]. وقد جود السيوطي إسناده في البدور السافرة، [وكان الألباني قد صححه في صحيح الجامع 5446، ثم تراجع الشيخ وضعفه،

الوقت عند السلف:
لقد كان السلف يهتمون بالوقت فلا يضيعون منه لحظة في غير منفعة ويسألون الله أن يبارك لهم فيه وينفعهم به:
قال أبو بكررضي الله عنه: "اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غِرة، ولا تجعلنا من الغافلين".
قال عمر: "اللهم إنا نسألك صلاح الساعات، والبركة في الأوقات".
قال عمر بن عبد العزيز: "إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما".
وقد تعب يوما من كثرة العمل فقيل له: لو أجَلت هذا إلى غد؟ فقال: إني ليعييني عمل يوم واحد فكيف بعمل يومين؟!
قال الحسن: لقد أدركت أقواما كانوا أحرص على أوقاتهم منكم على دراهمكم ودنانيركم.

قال رجل لعامر بن قيس: قف أكلمك. قال: لولا أني أبادر لكلمتك قال: وماذا تبادر؟ قال: أبادر طلوع روحي.


وصدق رحمه الله فإن الوقت لا يقف محايدا أبدًا فهو إما صديق ودود ينفعك ويسرك، وإما عدو لدود يحزنك ويضرك. {يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير}.
اسلام ويب

Post: #576
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:29 PM
Parent: #501

إن الكتابة عن الشباب أمر هام، والاهتمام بمراحل نموهم والحديث عن مشاكل كل مرحلة ضرورة، ومحاولة علاج تلك المشكلات حاجة ملحة، ولكن ينبغي أن يكون العرض متوافقا مع تطلعات أبنائنا في كل مرحلة من تلك المراحل، مراعيا مدى النمو العقلي والذهني والنفسي لديهم.

وإذا أردنا أن ينتفع أبناؤنا بما نقدمه إليهم فلابد من الكتابة بأساليب شيقة، وأقلام رشيقة، وطرق محببة إلى قلوبهم، حتى نجذبهم لقراءة ما نكتبه وإلى قبول ما ننصحهم به.
وهناك أمور ربما لا ينتبه إليها بعض من يتصدر للكتابة للشباب أو عن الشباب، كانت عائقا لي أيام شبابي عن قراءة بعض الكتب والمؤلفات، ووجدت أيضا أن كثيرا من الشباب الذين أتواصل معهم لا يحبذونها بل ويرفضونها.. فمن ذلك:

أولا: النظرة الطفولية:
إن مما يؤذي الشباب ويصرفهم عمن يكتبون لهم وعنهم دوام النظر إليهم على أنهم أطفال، والتعامل معهم على هذا الأساس، فتكون النصائح والتوجيهات في صورة أوامر مباشرة؛ وهو أمر مزعج جدا لهم ومنفر عن تقبل النصح أو حتى مجرد سماعه أو قراءته. فالشاب في هذا الوقت يرى أنه قد أصبح كبيرا، ولم يعد ذاك الطفل الصغير الذي يؤمر فيطيع أو ينهى فيمتنع، وإذا لم يفعل فالعقاب أو التوبيخ. بل هم في هذه المرحلة يتطلعون إلى من يتعامل معهم معاملة الند، أو على الأقل يحترم رأيهم احترام من يفهم الأمور ويستطيع أن يتوقع ويتحمل العواقب.

ثم إن هذه النظرة تحمل صاحبها على الاستهتار بآرائهم عند الحوار، وعدم الالتفات لأقوالهم، وعدم الاهتمام بأفعالهم ومشاركاتهم مما يؤدي في النهاية إلى الإهمال المؤدي إلى خسارتهم.

ومفسدة أخرى تنتج عن هذه النظرة ألا وهي اقتناع بعضهم بأنه طفل بالفعل وأنه صغير حقيقة، مما ينتج عنه إطالة مرحلة الطفولة معه مما يصعب ويضخم المشكلة ويزيدها تعقيدا.

ثانيا: أزمة المراهقة:
ومما يؤذي الشباب أيضا أن بعضا ـ أو كثيرا من، بل أكثر ـ من يكتبون لهم دائما ما ينظرون إليه على أنهم مراهقون، وعلى أن مرحلة المراهقة هي أزمة يعيشها كل شاب، ويعاني دائما من مشكلات تلك المرحلة، ولذلك تتجه الكتابات في معظمها إلى هذا الاتجاه، وعلينا فقط أن نقرأ بعض عناوين الكتب والمؤلفات لنقتنع بصحة هذا الأمر.. فمن تلك العناوين: " مشاكل الشباب" ، "أزمة المراهقة"، "الشباب ومشكلات المراهقة"، "مرحلة المراهقة.. كيف تمر بسلام"، "في بيتنا مراهق"، ... وهكذا معظم العناوين.

ورغم أن التقسيم العلمي لمراحل النمو قد يكون حجة لبعض الكتاب، إلا أننا لابد وأن نقدر أن التأليف بهذه الصورة والكتابة من هذا المنطلق يعد من أكبر المنفرات للشباب عن قراءة تلك المؤلفات وأعظم أسباب الزهد فيها والبعد عنها.

إن هذه العناوين تجعل الشاب يشعر كأنه مصاب بمرض خطير يفض الناس عنه، أو يجعلهم يفرون منه أو على الأقل يشفقون عليه، فهم يتعاملون معه من منطلق العطف والشفقة وهو ما لا يرضي الشباب.

ثالثا: مرحلة تفلت:
سلبية أخرى من سلبيات الكتابة للشباب، وهي أن بعض الكتاب يحصر اهتمامات الشباب في التفاهات، ويظن أن هذا هو فكر معظم أبنائنا في تلك المرحلة، فلا يكتب إلا في ذلك: "حَب الشباب" ، "حُب الشباب"، "العلاقة بين الجنسين"، "الجنس في نظر المراهق"، "الشباب والجنس"، "صرعات الموضة عند الشباب"، "أريد أن أنطلق"،... وكأن الشباب لا يفكرون إلا في الحب والجنس والرقص، وكأنهم ليس بينهم إنسان ذو همة، أو شاب طموح أو صاحب فكر.

إن لدي الشباب طاقات عظيمة، ويملكون آمالا عريضة، ولا شك أنهم يفكرون في المستقبل والعمل وتأسيس أسرة وعائلة، ويبحثون عن مكانة اجتماعية ومركز مرموق، ويحملون أحلام اليوم وآمال المستقبل، ولابد أن يكون كتاب الشباب على وعي بهذا ويقدرون تلك المسؤولية.

إن الكتابة للشباب وعنهم يجب أن تكون (بل هي كذلك فعلا) فقرة من فقرات التربية، وفصلا من فصولها، ونحن إذا أكبرنا أولادنا كبروا، وإذا أهملناهم وصغرناهم كانوا كذلك، وإذا كانت الكتابة تربية فعلا فلابد من أن نضع في قلوبنا أولا ـ لينتقل ذلك لهم بعد ذلك ـ أن العظماء في أي أمة إنما بدأت عظمتهم منذ الشباب، وفي مثل سن أبنائنا.. وأن قادة جيوش الإسلام كأسامة بن زيد، ومحمد بن القاسم الثقفي أعجوبة القادة كانوا شبابا، وكذلك كثير من علمائنا وعلماء الدنيا نبغوا منذ الصغر وعظموا عند الشبيبة، ونبلوا بعد ذلك مع الزمن.

لن يكون شبابنا مستقبل أمتنا المشرق حتى نضع ذلك في عقولهم وقلوبهم، ولن يحققوا ذلك حتى يروا منا نحن الاهتمام بهم والعناية بأمورهم.. وأول ما يكون الاهتمام إنما يكون فيما نتوجه بهم إليهم من كتابات لنربيهم تربية صحيحة ونوجههم توجيها سديدا.. لنسعد بهم حاضرا ومستقبلا.. والله الموفق.
اسلام ويب

Post: #577
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:30 PM
Parent: #501

نحن في هذا الكون نمضي في إطار سنن ربانية ثابتة, وإذا كان علينا أن نتعرف عليها, فإن ذلك ليس من أجل التحايل عليها، وإنما من أجل التكيف معها والعمل في ظلالها.

ومن تلك السنن أننا لا نستطيع أن نضمن نتائج محاولاتنا واجتهاداتنا على نحو دائم, وكلما كان ما نسعى إلى الحصول عليه كبيراً كانت حساباتنا أقل دقة, وكان حجم المخاطرة أكبر.
شيء جيد أيها الشباب أن تفهموا هذه الحقيقية وأن تتعاملوا معها كما هي.

وأنا ألمس في بعض تعاليم الإسلام ما يدعونا إلى أن تكون مطالبنا كبيرة, وألا نرضى بالقليل, وأن يكون لدينا نوع من المخاطر المحسوبة؛ لأن الذين لا يخاطرون قد لا يربحون, وإذا ربحوا, فإن أرباحهم تكون قليلة, ونلمح هذا في إحلال الله - تعالى – للتجارة وتحريمه للربا ؛ فالتجارة تشتمل على نوع من المخاطرة, لكن أفق الربح فيها واسع وغير محدود. أما الربا فإنه يخلو في العادة من المخاطرة, لكن هامش الربح دائماً محدود وقليل نسبياً.

إذا كان الإخفاق وعدم الحصول على المراد وحدوث الكبوة بعد الكبوة شيئاً متوقعاً, فكيف ينبغي أن يتعامل أبناؤنا وبناتنا مع ذلك؟ لعلي ألخص الجواب في المفردات التالية :

1 ـ انظروا إلى الإخفاق على أنه شيء طبيعي في الحياة , ولهذا فإن من المهم أن تكافحوا في حياتكم وفق القاعدة التالية : لا مكاسب كبيرة , ولا نجاحات عظيمة إلا عبر الكثير من المحاولات، وتذكروا أيها الأعزاء والعزيزات أنكم حين تخفقون تكونون في مسعى إلى تحقيق شيء قيم , الذين لا يذوقون طعم الإخفاق هم الكسالى و القاعدون والمحرومون من الطموحات الكبيرة.

2 ـ علينا أن نعود أنفسنا الرضا بالقضاء والقدر، فحكم الله – تعالى – نافذ, ولا معقب عليه, نحن البشر قصيروا النظر محدودو الرؤية، فقد نتعلق بالشيء, وننظر إليه على أنه مصيري, ثم يتبين لنا أنه يشكل خطورة كبيرة، أو يتبين أنه شيء تافه .
وتذكروا يا بناتي وأبنائي قول الله – عز وجل: {وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ}. فعلينا أن نأخذ بالأسباب , ونفعل أفضل ما يمكن فعله , ثم نتقبل نتائجه بروح صافية ونفس هادئة وراضية.

3 ـ من المهم أن تعرفوا أننا لا نستطيع ـ في معظم الأحيان ـ أن نتحكم بالأحداث؛ لأنها أكبر منا, ولكننا نستطيع أن نتحكم في ردود أفعالنا عليها، وهذا شيء يستحق الانتباه؛ لأن الذي يؤثر علينا ليس ما يحدث, وإنما الآثار التي يتركها في نفوسنا, مثل الذي يفقد مبلغاً كبيرة من المال, أو يفقد عزيزاً, أو يرسب في امتحان, فإن هذا قد يكون تأثيره مدمراً إذا أورثنا اليأس والقنوط أو غير اتجاهنا في الحياة...

إن مياه البحر تحمل السفينة ولا تؤذيها، لكنها إذا تسربت إلى داخلها فإنها حينئذ تغرقها, وهكذا الأحداث التي تحدث لنا.

4 ـ حاولوا بعد كل فشل وبعد كل سقوط أن تنهضوا بشكل أقوى لتثبتوا لأنفسكم وللناس من حولكم أن الإخفاق يشكل وقوداً روحياً لتوثب جديد .

5 ـ تعلموا من الإخفاق ومن تاريخكم الشخصي أعظم الدروس, وتعرفوا على الطرق المسدودة كي تصلوا في النهاية إلى الطرق السريعة, فتمضوا فيها واثقين مطمئنين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
50 شمعة لإضاءة دروبكم.

Post: #578
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:33 PM
Parent: #501

هل يظن أحد أنه في مأمن عن الانحراف بعد أن يقرأ هذا الخبر؟
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من الدعاء بـ «يا مقلب القلوب، ثبت قلبي على دينك»، ولما سئل عن سبب ذلك قال: «إنه ليس آدميٌّ إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ»"رواه أحمد والترمذي وحسنه"

وكيف لا تأخذ الخشية مجامع قلب المؤمن وهو يقرأ قول النبي صلى الله عليه وسلم «وإن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار، فيدخل النار»"رواه البخاري ومسلم"

فلا أحد في مأمن أن يتعرض للابتلاء في دينه؛ إلا أنه شتان بين من يبذل الأسباب الموجبة للثبات والحفظ والنجاة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} [العنكبوت: 69]. ومن يفتح على قلبه ذرائع الشكوك ودوافع الشبهات {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5] .

وهذا يدفعنا للحديث عن السؤال المهم هنا:
ما هذه الدوافع والذرائع التي قد تكون سبباً لهذا الانحراف؟
لا يمكن لأحد أن يختصر وقائع الانحراف عن الإسلام والمروق من تكاليفه في أسباب محددة؛ فمن طبيعة الظواهر أن تكون مؤلفة من مجموعة أسباب مركبة وظروف مختلفة تتكامل في تشكيل الظاهرة؛ غير أن ثَمَّ عاملاً محورياً وأساسياً في هذه الظاهرة يتبدى جلياً في النظر عند أي حالة من حالات الانحراف هذه؛ حتى لا تكاد تندُّ منها حالة، هذا العامل هو وقوع الإنسان في بيئة حاضنة للانحراف تغذي في نفسه دوافع الانحراف وتفتح ذرائعه وتخلخل الأصول الفكرية التي تشد المسلم حتى ترمي به في مهبِّ ريح الضلالات تعبث به كما تشاء.

بيئة الانحراف الحاضنة هذه تتميز بثلاث خصائص أساسية:
الخاصية الأولى: التشكيك في اليقين، والتزهيد به، وتعظيم الشك والتساؤل الفوضوي والبحث العبثي؛ بحيث يشعر الشاب باستخفافٍ من أي منهج أو كتابة ذات رؤية يقينية، ويشعر أن اليقين ناتج عن ضعف الوارد ونقص الذكاء والفهم وقلة الاطلاع والثقافة، بخلاف الشاك المتوقد ذكاء وفهماً بما يجعله قادراً على الخروج عن النسق السائد ومحاكمة الأصول اليقينية التي لا يجرؤ عموم الناس عن الاقتراب منها لجهلهم وسذاجتهم.

هو فضاء محبَّب لبعض النفوس تشعر من خلاله بتميُّز وتفرُّد عن بقية الناس، مع أن حقيقة الشك أنه ليس بشيء؛ فهو عدم معرفة، وغاية أمرهم أن الإنسان في بحث عن الطريق الصحيح لكنه - قطعاً - ليس على الطريق الصحيح ولم يصل إليه، وبناءً على أصله المنهجي فلن يصل إلى اليقين أبداً، بل سيبقى في دوامة الشكوك إلى ما لا نهاية.
فالشك حالة نقص يجب أن يتخلص منها الإنسان إلى اليقين، وقبل أن يصل إلى الطمأنينة فهي مرحلة حيرة وضياع لا يُحمَد عليها الإنسان.

وتعجب حين تجد بعض الناس يكرر أن الشك طريق إلى اليقين! فما أدري ما حاجة المسلم إلى الشك وقد وصل إلى اليقين؟ اللهم إلا أن يكون لدى المسلم شك في دينه وعدم جزم بحقيقته؛ فهذه قاعدة من لا يعرف اليقين ولا يجد طريقاً صحيحاً إليه؛ فعجباً كيف تسربت إلى بعض المسلمين الموقنين!

الخاصية الثانية: تفكيك عوامل الثبات الفكرية المستقرة في نفس الشاب، فتزدحم في رأس هذا الشاب الأسئلة والإشكالات والمقولات التي تطعن في أصوله الشرعية المنضبطة، وتستهين بمنظومة براهينه العقلية والنقلية، ويتواصل دفع سيل هذه الأسئلة حتى تشق في قلب الشاب أودية الحيرة والاضطراب والارتباك حول تدوين القرآن، وحجية السنة، وفهم النصوص، ومسائل الإيمان والكفر، والموقف من الصحابة... إلخ.

هذه القضايا التي تقررت عند أهل السنة وحُررَت مباحثها، وكتب في تقرير أصولها ودفع الشبهات عنها ما لا يحصر من الدراسات، فكثرة هذه الاعتراضات تضعف ثقة الشاب بها، وتوهن في قلبه الاعتزاز والاستمساك التام بها، والإشكالية الأكبر أنها تغرس خنجر الحيرة في روح هذا الشاب؛ فلا هو الذي تمسك بأصوله المعرفية، ولا هو الذي تبنَّى أصولاً معرفية بديلة عنها؛ وإنما نجحت في خلخلتها في نفسه، فأصبح بعضهم يؤمن بها نظرياً وإن كان في الحقيقة لا يعتمد عليها كثيراً، وهذا ما يفسر لك أن كثيراً من الشباب يقرر هذه الأصول ثم يتبنى ما يخالفها في نفس اللحظة!

الخاصية الثالثة: الانفتاح الفوضوي، والاطلاع العبثي على كافة الدراسات الفلسفية والفكرية التي تقوم على منظومات فكرية مختلفة، لا تعتمد على مرجعية النص الشرعي ولا تعلي من مكانة الخطاب القرآني والنبوي، من دون أن يكون لدى الشاب حصيلة كافية لمحاكمة هذه الدراسات وإدراك جذورها واكتشاف مكامن القوة والضعف فيها، فيسقط الشاب سريعاً مع أول قراءته فيها، ليس لقوة هذه الدراسات بقدر ما هو لضعف المحل الذي نزلت عليه.

ويزيد الإشكالية أن الشاب يُقبِل عليها بنفسية المعظِّم لها، الذي يعتقد بعبقرية أصحابها، وقدراتهم البحثية الهائلة، وهو ما يجعله مهيأ نفسياً لقبول أي معلومة والتسليم لأي نتيجة، فهو منكسر خاضع لها أيّاً ما توجَّهَت به؛ ولهذا تجد وَلَعَ بعض الشباب بتكرار بعض المقولات الفلسفية الهزيلة التي لا يحسنون كثيراً شرحها وبيانها.

كما أن الشاب يُقبِل عليها وقد امتلأ قلبه بأهمية الاستقلال والثقة التامة بالعقل وضرورة الشك في كل القطعيات ونحو هذه الدوافع التي تتضخم في ذاته فتجعله يستهين بنعمة اليقين التي أنعم الله بها عليه، ثم يجد نفسه بعد هذا نافراً من قراءة القرآن وتدبُّره، مستخفّاً من الوعظ والتذكير، بعيداً عن التضرع والانطراح بين يدي الله، وهو ما يجعله خليقاً بالخذلان والحرمان.

وحين يقول بعض الناس: إن الإسلام والحقَّ قوي ببراهينه فلا يُخَاف عليه. فهو لا يفقه أن الإشكال ليس مع الحق ولا مع الإسلام، الإشكال مع هذا الشاب الذي قد يسقط لأنه لم يفهم حقيقة الإسلام، وما امتلأ قلبه بالتسليم والانقياد له، ولأنه قد وقع ضحية غش فكرية بتحريضه على دراسات فكرية لا يستطيع أن يحاكمها فكان دورها أن تضرب أرضية الثبات لديه فيخرج منها حائراً لا يلوي على شيء.

هذه العوامل الثلاث (التزهيد في اليقين، تفكيك الأصول الشرعية، الدفع نحو الانفتاح الفوضوي) هي البيئة الحقيقية للانحرافات التي تعصف ببعض الشباب، وهي بيئة حاضنة تهيئ الشاب للانحراف، وتجعل روحه محلاً قابلاً للانحراف، وإن اختلفت جهته ومقداره.

هل معنى هذا أن الانفتاح والقراءة والثقافة والاطلاع بيئة حاضنة للانحراف؟
بالتأكيد لا، بل إن القراءة والاطلاع في الأصل مما يزيد الإنسان علماً وعقلاً وفهماً ويقوي من أدواته البحثية والفكرية، وكثير من علماء الإسلام ودعاته هم من أكثر الناس اطلاعاً وقراءة على كافة العلوم.

إنما الخلل من جهات ثلاثة:
1 -التركيز على القراءات الفكرية والفلسفية المقتصرة على التشكيك والتشغيب على الثوابت والمحْكَمَات، وهي ذات فائدة يسيرة في خضم مفاسدها ودوامة شكوكها، وإهمال الفضاء المعرفي الواسع من علوم الاقتصاد والسياسة والتربية والإدارة والقانون وبقية العلوم التجريبية وغيرها.

2 - الاطلاع الضعيف الذي يبتدئ فيه الشاب بالقراءة المباشرة لدراسات دقيقة في الفكر والفلسفة من دون أن يكون لديه أي مخزون معرفي يستطيع به محاكمة هذا النتاج المتخصص.

3 - إضعاف نفسية الشاب بتفكيك أصوله والتشكيك فيها، وتضخيم مثل هذه الدراسات وعبقرية أصحابها، وهو ما يجعله يستسلم لها سريعاً، فيأنف بعقله أن يقلد علماء الإسلام وأئمته الكبار ليقلد - بكل ثقة واستقلال - طائفة من الحيارى التائهين.

حين تجتمع هذه الخصائص الثلاث فإنك تكون في محضن بيئة دافعة للانحراف، أياً ما كانت هذه البيئة؛ فقد تكون قناة فضائية أو صحبة معيَّنة أو منتدىً ثقافياً أو مدرسة أو أي شيء آخر؛ فهي تهز أصول الشاب، وتسخر من يقينه ثم ترمي به في مزالق المنظومات الفكرية المختلفة بعد أن فككت مرتكزاته الفكرية التي كان يعتمد عليها، ثم لا يدري أحد بعدها عند أي منحدر انحراف سيقف.

أعرف أن ثَمَّ من يهز شفتيه استخفافاً من أي حديث عاقل يتحفظ من الانفتاح الفوضوي؛ بدعوى أنه خطاب تجاوزه الزمن لأن الانفتاح الآن لا حدود له ولا يملك أحد أن يسيطر على قراءة الشباب.

نعم إن لم يمكن لأحد أن يسيطر على قراءات الشباب فهو يملك أن يُظهِر لهم نصحَه وشفقتَه ويعلن لهم المآلات التي تسير إليها خطواتهم، لتسـتجيب لها فئة (سيكونون هم الأكثر) ولتكون الفئة الأخرى على حيطة من أمرها قبل أن تحكى في أخبارها الذكريات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فهد بن صالح العجلان (البيان 297)

Post: #579
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:35 PM
Parent: #501

الثقة بين الناس عامة وبين الآباء والأبناء خاصة شيء مهم للغاية، وعلى مدار التاريخ كان الناس ينظرون إلى الثقة بينهم على أنها جزء عزيز من رأس مالهم الاجتماعي، وينظرون لفقدها على أنه موحش ومؤذ، كما أن الناس تعلموا من تجاربهم الخاصة أن الأشخاص الموثوقين جدا، هم قليلون جدا، وتعلّم الآباء من خلال تجاربهم مع أبنائهم المراهقين أن الثقة المطلقة بهم لا تكون عاقبتها سوى المفاجآت المحزنة والصدمات المزعجة وأحيانا المدمرة!

ليس المطلوب من الأبناء وحدهم أن يكونوا أهلا للثقة، بل لابد أن يكون الآباء والأمهات كذلك، لأنهم يقدّمون القدوة لهم، ولا أدري كيف يمكن لمراهق أن يتصرف تصرفات مسؤولة، وكيف يمكن أن يكون عند حسن ظن أبيه، إذا كان أبوه لا يلتزم الصدق فيما يقول، ولا يفي بالوعود التي يقطعها على نفسه لأبنائه، ويحجب عنهم كل المعلومات المتعلقة بعمله وعلاقاته خارج المنزل؟

الشيء الذي لا ينبغي أن يغيب عن البال هو أن الإنسان لا يكون موثوقا إلا إذا كان يملك قدرا عاليا من الشعور بالمسؤولية، ومن هنا فإن الحديث عن بناء الثقة بين الآباء والأبناء، هو في الحقيقة حديث عن الشعور بالمسؤولية لدى الطرفين.

ولعلي أشير بإيجاز إلى ما هو مطلوب لهذا وذاك عبر المفردات الآتي:

1- من المهم قبل أن نعلّم المراهق كيف يكون موثوقا أن نكون نحن موضع ثقته، وهذا يكون من خلال الآتي:

• الصدق في التعامل، وتنفيذ الوعود التي نقطعها له.

• حفظ أسراره، وعدم إفشائها لا تصريحا ولا تلميحا.

• اعتماد المصارحة مبدأ ثابتا، في مناقشته في شئون الأسرة.

• بُعد الأب عن الادعاء، والمبالغة في الفضائل والإنجازات الشخصية.

• الاعتذار للمراهق عند الوقوع في خطأ لا يقبل الجدل.

• الاستقامة الأخلاقية العامة تجعل الشخص ذا مصداقية حسنة، ومن المصداقية تولَد الثقة.

2- يتم بناء ثقة الآباء بالأبناء على نحو تدريجي، فابن السابعة – مثلا - لا يكون أهلا لثقة الأهل بسبب ضآلة إمكاناته، وبسبب قصوره في فهم مسؤولياته، وضعفه في التفريق بين الخطأ والصواب والإيجابي والسلبي، ومع الأيام ينمو كل ذلك ويتحسن، وتتحسن معه ثقة الأبوين به.

والحقيقة أن ثقة الآباء بأبنائهم المراهقين كثيرا ما تكون مهزوزة، بسبب الكذب أو السرقة أو الاستغلال للآخرين أو النقص في تحمل المسؤولية أو النقص في التدين والاستقامة السلوكية، ويعبر عن هذه المشاعر أحد الآباء الذين يعانون في تربية أبنائهم إذ يقول: تطلب زوجتي مني أن أعامل ابني بثقة، فهو بالغ وعاقل وقادر على إنجاز الكثير من الأمور، لكنني لا أرى ذلك لأسباب كثيرة، فابني مع أنه في الخامسة عشرة سريع الغضب، وإذا رفضت له طلبا بكى وصاح وانفعل، ولهذا فأنا لا أسمح له بأن يقود سيارة الأسرة، لأنه إذا غضب وهو خلف مقود السيارة، فقد يتسبب في حادث مروّع، وابني برغم اجتهاده في المدرسة وتفوقه إلا أنه لا يُعتمد عليه في قضاء حاجاته الشخصية فضلا عن قضاء حاجات البيت، تصوروا أنه لا ينظف أسنانه إلا إذا قمت أنا أو أمه بتذكيره.

ويقول أيضا: في مرات كثيرة قال لي ابني: أنا ذاهب إلى صديقي فلان حتى أذاكر معه للامتحان، وحين أسأل صديقه يقول: لم أره اليوم، ويتبين أنه ذهب مع صديق آخر إلى السوق، فكيف أثق به؟!

3- من المهم أن نتذاكر في الأمور التي تقوّي صلتنا بأبنائنا المراهقين، ومن المهم أن نشرح لهم ما الذي عليهم أن يفعلوه حتى نعاملهم على أنهم موثوقون، ومع أن كثيرا من الشكوك والظنون السيئة، وكثيرا من المشاكسات سوف ينتهي مع الأيام، إلا أنه ليس هناك أي مسوّغ لأن يعيش الإنسان عشرين سنة من عمره في عراك مع كل واحد من أبنائه الخمسة من وقت دخولهم في طور المراهقة إلى أن يصبحوا شبابا.

ما الذي ترى علينا أن نشرحه للمراهقين حتى ننمي لديهم الشعور بالمسؤولية تجاه تصرفاتهم ، وحتى يصبحوا بالتالي في نظر الكبار موثوقين؟

الحقيقة أن ما يمكن أن يقال كثير، لكن حسبي أن أشير إلى الأمور التالية:
• العشوائية مؤذية جدا في التعامل مع المراهق، فمن المهم أن تكون العلاقة معه واضحة ومنظّمة، ولاسيما ما يتعلق بالثواب والعقاب، إن من المهم أن يعرف المراهق بالضبط المكافأة التي تنتظره إذا أنجز ما هو مطلوب منه على نحو جيد، وأن يعرف المراهق بالضبط العقوبة التي ستناله حين يقع فيما هو محظور عليه.

• يجب أن يعرف المراهق أن الحياة ليست سهلة، وأنه ليس هناك حياة أسرية صحيحة خالية من كل القيود والشروط، المهم ألا نقرر العقوبة بعد وقوع الخطأ مباشرة لأن هذا يجعل الفتى يشعر بأن معاقبته ليست سوى انتقام منه، لكن حين تكون الأمور واضحة من قبل، فإنه يتلقى العقوبة، وهو يوبخ نفسه؛ لأنه حين أخطأ كان يعرف أنه سينال جزاء خطئه.

• المبالغة في تدليل المراهق وتلبية طلباته تجعل منه شخصا اتكاليا، وتنمّي لديه الشعور باللامبالاة، وهذا يجعل شعوره بالمسؤولية ضعيفا، ولذا من المهم أن يسهم في تنظيف المنزل، وأن يساعد أباه في بعض الأعمال، وأن يقوم بخدمة نفسه في كثير من الأمور، وهذا هو الذي يجعل منه شخصا مسؤولا، ويمكن الاعتماد عليه.

• إن إبداء الملاحظات الكثيرة على سلوك المراهق، والإكثار من طلب الخدمات منه، يسبّب له إزعاجا بالغا، وقد يحمله على الكذب من أجل الدفاع عن نفسه، وهذا كله لا يساعد على تنمية شعور أبيه نحوه بالثقة، ومن هنا كانت علاقة المحبة والمودة مع الإشارة بطريقة غير مباشرة ـ ما أمكن ـ إلى أخطاء المراهق... من الأمور التي تساعد على بناء الثقة به.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب: "المراهق كيف نفهمه"

Post: #580
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:37 PM
Parent: #501

"العبد من حين استقرت قدمه في هذه الدار وهو مسافر إلى ربه، ومدة سفره هي عمره الذي كتب له، فالعمر هو مدة سفر الإنسان في هذه الدار إلى ربه تعالى، ثم قد جعلت الأيام والليالي مراحل لسفره: فكل يوم وليلة مرحلة من المراحل، فلا يزال يطويها مرحلة بعد مرحلة حتى ينتهي السفر، فالكيس الفطن هو الذي يجعل كل مرحلة نصب عينيه فيهتم بقطعها سالماً غانماً، فإِذا قطعها جعل الأُخرى نصب عينيه، ولا يطول عليه الأمد فيقسو قلبه ويمتد أمله ويحضره التسويف والتأْخير والمطل.

هكذا نصح ابن القيم كل المسلمين في كتابه "طريق الهجرتين:189"، وهو كلام محكم من ناصح أمين يرجو النجاة لمن استجاب له وأخذ بنصحه.

إنما نحن جميعا في سفر قسري "فإن من كانت مطيته الليل والنهار سير به وإن لم يسر"، "والليل والنهار مطيتان تقربان كل بعيد، وتبليان كل جديد، وتأتيان بكل موعود"، ومحطة الوصول معروفة ولابد من الوصول إليها بما يحمد أو يذم.

"إنما أنت أيام فإذا مضى يوم مضى بعضك".. هكذا قال بعض الزهاد، وهي حقيقة، وإنما الأيام هي المراحل التي تسافر بها إلى مقصدك فإذا أحسنت السعي والسير فيها قرب وصولك ودنت سعادتك.

قال عمر بن ذر: اعملوا لأنفسكم ـ رحمكم الله ـ في هذا الليل وسواده، فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار، والمحروم من حرم خيرهما.

فإذا كانت أيامك هي مراحلك الحاملة لك إلى الله الموصلة بك إليه وجب أن تستغلها أعظم استغلال وأحسنه وأعوده بالخير عليك؛ فإن ثمرة هذا العمل هي ما ستطعمه وتتذوقه بعد الوصول؛ كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "السنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعات أوراقها، والأنفاس ثمرها.. فمن كانت أنفاسه في طاعة فثمرة شجرته طيبة، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذ (جني الثمار) يوم المعاد فعند الجذاذ يتبين حلو الثمار من مرها.

وابن قدامة رحمه الله يذكرك بهذا ويقول: "اغتنم ـ رحمك الله ـ حياتك النفيسة، واحتفظ بأوقاتك العزيزة، واعلم أن مدة حياتك محدودة ،وأنفاسك معدودة، فكل نفس ينقص به جزء منك والعمر كله قصير والباقي منه هو اليسير.

وكل جزء من عمرك جوهرة نفيسة لا عدل لها - أي ليس لها ما يعادلها لنفاستها - ولا خلف منها؛ فإن بهذه الحياة اليسيرة خلود الأبد في النعيم المقيم أو العذاب الأليم، وإذا عادلت هذه الحياة بخلود الأبد علمت أن كل نَفَس يعدل أكثر من ألف عام في النعيم المقيم الذي لا حصر له أو خلاف ذلك، وما كان هكذا فلا قيمه له - أي لنفاسته لا يُقدر بقيمه -
فلا تُضيع جواهر عمرك النفيسة بغير عمل ولا تذهبها بغير عوض. واجتهد أن لا يخلو نفس من أنفاسك إلا في عمل طاعة أو قربة تتقرب بها؛ فإنك لو معك جوهرة من جواهر الدنيا فضاعت منك لساءك ذهابها، فكيف تفرط في ساعاتك، وكيف لا تحزن على عمرك الذاهب بغير عوض؟!

وإنما أردت بهذه النقولات عن أئمة الإسلام أن أبين لك أن عمرك أغلى مما تظن ووقتك أهم مما تعتقد، ولن ينصلح أمرك ويعتدل سيرك إلا بأن تصلح يومك وتستغل وقتك ولحظتك التي تحياها الآن، فإن الله لم يكلفك عمل غد فلا تنشغل أنت برزق غد أو ما يحمله الغد..

وها هو ابن القيم يبين لك هذا الأمر ويجليه، فيقول: "هلم إلى الدخول على الله ومجاورته في دار السلام بلا نصب ولا تعب ولا عناء بل من أقرب الطرق وأسهلها، وذلك أنك في وقت بين وقتين وهو في الحقيقة عمرك، وهو وقتك الحاضر بين ما مضى وما يستقبل، فالذي مضى تصلحه بالتوبة والندم والاستغفار، وذلك شيء لا تعب عليك فيه ولانصب ولا معاناة، وإنما هو عمل قلب، وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب، وامتناعك ترك وراحة، ليس هو عمل بالجوارح يشق عليك معاناته، وإنما هو عزم ونية جازمة تريح بدنك وسرك؛ فما مضى تصلحه بالتوبة، وما يستقبل تصلحه بالامتناع والعزم والنية، وليس في الجوارح في هذين نصب ولا تعب، ولكن الشأن في عمرك ..وهو وقتك الذي بين الوقتين.. فإن أضعته أضعت سعادتك ونجاحك، وإن حفظته مع إصلاح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكرت نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم" "الفوائد:151".

إن أكثر الناس ألهاهم طول الأمل، فهم يعيشون لمستقبلهم وينسون يومهم ووقتهم فكن أنت ابن ساعتك، وعش يوما بيوم، واجعل كل يوم هدفا تصل به إلى أعلى الدرجات في جنات عدن عند مليك مقتدر.
اللهم لا تدعنا في غمرة، ولا تأخذنا على غرة، ولا تجعلنا من الغافلين.
اسلام ويب

Post: #581
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:40 PM
Parent: #501

إنكم سعداء ولكن لا تدرون
يحمل الرجلان المتكافئان في القوة الحمل الواحد، فيشكو هذا ويتذمر؛ فكأنَّه حمل حملين، ويضحك هذا ويغنِّي؛ فكأنَّه ما حمل شيئًا.

ويمرض الرجلان المتعادلان في الجسم المرض الواحد، فيتشاءم هذا، ويخاف، ويتصور الموت، فيكون مع المرض على نفسه؛ فلا ينجو منه، ويصبر هذا ويتفاءل ويتخيل الصحة؛ فتسرع إليه، ويسرع إليها.

ويُحكم على الرجلين بالموت؛ فيجزع هذا، ويفزع؛ فيموت ألف مرة من قبل الممات، ويملك ذلك أمره ويحكِّم فكره، فإذا لم تُنجه من الموت حيلته لم يقتله قبل الموت وَهْمُه.

وهذا (بسمارك) رجل الدم والحديد، وعبقري الحرب والسِّلْم، لم يكن يصبر عن التدخين دقيقةً واحدة، وكان لا يفتأ يوقد الدخينة من الدخينة نهاره كله فإذا افتقدها خلَّ فكرُه، وساء تدبيره.
وكان يومًا في حرب، فنظر فلم يجد معه إلا دخينة واحدة، لم يصل إلى غيرها، فأخَّرها إلى اللحظة التي يشتدُّ عليه فيها الضيق ويعظم الهمُّ، وبقي أسبوعًا كاملا من غير دخان، صابرًا عنه أملا بهذه الدخينة، فلمَّا رأى ذلك ترك التدخين، وانصرف عنه؛ لأنه أبى أن تكون سعادته مرهونة بلفافة تبغ واحدة.

وهذا العلامة المؤرخ الشيخ الخضري أصيب في أواخر عمره بتَوَهُّمِ أن في أمعائه ثعبانًا، فراجع الأطباء، وسأل الحكماء؛ فكانوا يدارون الضحك حياءً منه، ويخبرونه أن الأمعاء قد يسكنها الدود، ولكن لا تقطنها الثعابين، فلا يصدق، حتى وصل إلى طبيب حاذق بالطب، بصير بالنفسيات، قد سَمِع بقصته، فسقاه مُسَهِّلا وأدخله المستراح، وكان وضع له ثعبانًا فلما رآه أشرق وجهه، ونشط جسمه، وأحسَّ بالعافية، ونزل يقفز قفزًا، وكان قد صعد متحاملا على نفسه يلهث إعياءً، ويئنُّ ويتوجَّع، ولم يمرض بعد ذلك أبدًا.
ما شفِي الشيخ لأنَّ ثعبانًا كان في بطنه ونَزَل، بل لأن ثعبانًا كان في رأسه وطار؛ لأنه أيقظ قوى نفسه التي كانت نائمة، وإن في النفس الإنسانية لَقُوًى إذا عرفتم كيف تفيدون منها صنعت لكم العجائب.

تنام هذه القوى، فيوقظها الخوف أو الفرح؛ ألَمْ يتفق لواحد منكم أن أصبح مريضًا، خامل الجسد، واهِيَ العزم لا يستطيع أن ينقلب من جنب إلى جنب، فرأى حيَّة تقبل عليه، ولم يجد مَنْ يدفعها عنه، فوثب من الفراش وثبًا، كأنَّه لم يكن المريض الواهن الجسم؟ أو رجع إلى داره العصر وهو ساغب لاغب، قد هَدَّه الجوع والتعب، لا يبتغي إلا كُرْسِيًّا يطرح نفسه عليه، فوجد برقية من حبيب له أنه قادم الساعة من سفره، أو كتابًا مستعجلا من الوزير يدعوه إليه؛ ليرقي درجته، فأحسَّ الخفة والشبع، وعدا عدوًا إلى المحطة، أو إلى مقرِّ الوزير؟
هذه القوى هي منبع السعادة تتفجر منها كما يتفجر الماء من الصخر نقيًّا عذبًا، فتتركونه وتستقون من الغدران الآسنة، والسواقي العكرة!

يا أيها القراء: إنكم أغنياء، ولكنكم لا تعرفون مقدار الثروة التي تملكونها، فترمونها؛ زهدًا فيها، واحتقارًا لها.
يُصاب أحدكم بصداع أو مغص، أو بوجع ضرس، فيرى الدنيا سوداء مظلمة؛ فلماذا لم يرها لما كان صحيحًا بيضاء مشرقة؟ ويُحْمَى عن الطعام ويُمنع منه، فيشتهي لقمة الخبز ومضغة اللحم، ويحسد من يأكلها؛ فلماذا لم يعرف لها لذتها قبل المرض؟
لماذا لا تعرفون النِّعم إلا عند فقدها؟
لماذا يبكي الشيخ على شبابه، ولا يضحك الشاب لصباه؟
لماذا لا نرى السعادة إلا إذا ابتعدت عنَّا، ولا نُبْصِرها إلا غارقة في ظلام الماضي، أو مُتَّشحةً بضباب المستقبل؟
كلٌّ يبكي ماضيه، ويحنُّ إليه؛ فلماذا لا نفكر في الحاضر قبل أن يصير ماضيًا؟

أيها السادة والسيدات: إنا نحسب الغنى بالمال وحده، وما المال وحده؟ ألا تعرفون قصة الملك المريض الذي كان يُؤْتى بأطايب الطعام، فلا يستطيع أن يأكل منها شيئًا، لما نَظَر مِن شباكه إلى البستاني وهو يأكل الخبز الأسمر بالزيتون الأسود، يدفع اللقمة في فمه، ويتناول الثانية بيده، ويأخذ الثالثة بعينه، فتمنَّى أن يجد مثل هذه الشهية ويكون بستانيًّا.
فلماذا لا تُقدِّرون ثمن الصحة؟ أَما للصحة ثمن؟

من يرضى منكم أن ينزل عن بصره ويأخذ مائة ألف دولار؟...
أما تعرفون قصة الرجل الذي ضلَّ في الصحراء، وكاد يهلك جوعًا وعطشًا، لما رأى غدير ماء، وإلى جنبه كيس من الجلد، فشرب من الغدير، وفتح الكيس يأمل أن يجد فيه تمرًا أو خبزًا يابسًا، فلما رأى ما فيه، ارتدَّ يأسًا، وسقط إعياءً، لقد رآه مملوءًا بالذهب !

وذاك الذي لقي مثل ليلة القدر، فزعموا، أنه سأل ربَّه أن يحوِّل كلَّ ما مسَّته يده ذهبًا، ومسَّ الحجر فصار ذهبًا؛ فكاد يجنُّ مِن فرحته؛ لاستجابة دعوته، ومشى إلى بيته ما تسعه الدنيا، وعمد إلى طعامه؛ ليأكل، فمسَّ الطعام، فصار ذهبًا وبقي جائعًا، وأقبلت بنته تواسيه، فعانقها فصارت ذهبًا، فقعد يبكي يسأل ربه أن يعيد إليه بنته وسُفرته، وأن يبعد عنه الذهب!
وروتشلد الذي دخل خزانة ماله الهائلة، فانصفق عليه بابها، فمات غريقًا في بحر من الذهب.

يا سادة: لماذا تطلبون الذهب وأنتم تملكون ذهبًا كثيرًا؟ أليس البصر من ذهب، والصحة من ذهب، والوقت من ذهب؟ فلماذا لا نستفيد من أوقاتنا؟ لماذا لا نعرف قيمة الحياة؟

كلَّفتني المجلة بهذا الفصل من شهر، فما زلت أماطل به، والوقت يمرُّ، أيامه ساعات، وساعاته دقائق، لا أشعر بها، ولا أنتفع منها، فكأنها صناديق ضخمة خالية، حتى إذا دنا الموعد ولم يبق إلا يوم واحد، أقبلت على الوقت أنتفع به، فكانت الدقيقة ساعة، والساعة يومًا، فكأنها العلب الصغيرة المترعة جوهرًا وتبرًا، واستفدت من كلِّ لحظة حتى لقد كتبت أكثره في محطة (باب اللوق) وأنا أنتظر الترام في زحمة الناس، وتدافع الركاب، فكانت لحظة أبرك عليَّ من تلك الأيام كلِّها، وأسفت على أمثالها، فلو أنِّي فكرت كلَّما وقفت أنتظر الترام بشيء أكتبه، وأنا أقف كل يوم أكثر من ساعة متفرِّقة أجزاؤها لربحت شيئًا كثيرًا.

ولقد كان الصديق الجليل الأستاذ الشيخ بهجة البيطار يتردد من سنوات بين دمشق وبيروت، يعلم في كلية المقاصد وثانوية البنات، فكان يتسلَّى في القطار بالنظر في كتاب (قواعد التحديث) للإمام القاسمي، فكان من ذلك تصحيحاته وتعليقاته المطبوعة مع الكتاب.

والعلامة ابن عابدين كان يطالع دائمًا، حتى إنه إذا قام إلى الوضوء أو قعد للأكل أمر من يتلو عليه شيئًا من العلم فأَلَّف (الحاشية).

والسَّرَخْسي أَمْلَى وهو محبوس في الجبِّ، كتابه (المبسوط) أَجَلَّ كتب الفقه في الدنيا.

وأنا أعجب ممن يشكو ضيق الوقت، وهل يُضَيِّق الوقت إلا الغفلة أو الفوضى؛ انظروا كم يقرأ الطالب ليلة الامتحان، تروا أنَّه لو قرأ مثله لا أقول كلَّ ليلة، بل كلَّ أسبوع مرة لكان عَلامَة الدنيا، بل انظروا إلى هؤلاء الذين ألَّفوا مئات الكتب كابن الجوزي والطبري والسيوطي، والجاحظ، بل خذوا كتابًا واحدًا كـ(نهاية الأرب)، أو (لسان العرب)، وانظروا، هل يستطيع واحد منكم أن يصبر على قراءته كله، ونسخه مرة واحدة بخطِّه، فضلا عن تأليف مثله من عنده؟

والذهن البشري، أليس ثروة؟ أما له ثمن؟ فلماذا نشقى بالجنون، ولا نسعد بالعقل؟ لماذا لا نمكِّن للذهن أن يعمل، ولو عمل لجاء بالمدهشات؟

لا أذكر الفلاسفة والمخترعين، ولكن أذكِّركم بشيء قريب منكم، سهل عليكم هو الحفظ، إنكم تسمعون قصة البخاري لمَّا امتحنوه بمائة حديث خلطوا متونها وإسنادها، فأعاد المائة بخطئها وصوابها، والشافعي لمَّا كتب مجلس مالك بريقه على كفه، وأعاده من حفظه، والمعرِّي لما سَمِع أرْمَنِيَّيْنِ يتحاسبان بِلُغَتهما، فلما استشهداه أعاد كلامهما وهو لا يفهمه، والأصمعي وحمَّاد الراوية وما كانا يحفظان من الأخبار والأشعار، وأحمد وابن معين وما كانا يرويان من الأحاديث والآثار، والمئات من أمثال هؤلاء؛ فتعجبون، ولو فكَّرتم في أنفسكم لرأيتم أنكم قادرون على مثل هذا، ولكنكم لا تفعلون.

انظروا كم يحفظ كلٌّ منكم من أسماء الناس، والبلدان، والصحف، والمجلات، والأغاني، والنكات، والمطاعم، والمشارب، وكم قصة يروي من قصص الناس والتاريخ، وكم يشغل من ذهنه ما يمرُّ به كلَّ يوم من المقروءات، والمرئيات، والمسموعات؛ فلو وضع مكان هذا الباطل علمًا خالصًا، لكان مثل هؤلاء الذين ذكرت.

أعرف نادلا كان في (قهوة فاروق) في الشام من عشرين سنة اسمه (حلمي) يدور على رواد القهوة- وهم مئات- يسألهم ماذا يطلبون: قهوة، أو شايًا، أو هاضومًا (كازوزة أو ليمونًا) والقهوة حلوة ومرة، والشاي أحمر وأخضر، والكازوزة أنواع، ثم يقوم وسط القهوة، ويردد هذه الطلبات جهرًا في نَفَسٍ واحد، ثم يجيء بها، فما يخرم مما طلب أحد حرفًا !

فيا سادة: إن الصحة والوقت والعقل، كلُّ ذلك مال، وكلُّ ذلك من أسباب السعادة لمن شاء أن يسعد.
وملاك الأمر كلِّه ورأسه الإيمان، الإيمان يُشبع الجائع، ويُدفئ المقرور، ويُغني الفقير، ويُسَلِّي المحزون، ويُقوِّي الضعيف، ويُسَخِّي الشحيح، ويجعل للإنسان من وحشته أنسًا، ومن خيبته نُجحًا. وأن تنظر إلى من هو دونك، فإنك مهما قَلَّ مُرَتَّبك، وساءت حالك أحسن من آلاف البشر ممن لا يقلُّ عنك فهمًا وعلمًا، وحسبًا ونسبًا.

وأنت أحسن عيشة من عبد الملك بن مروان، وهارون الرشيد، وقد كانا مَلِكَي الأرض.
فقد كانت لعبد الملك ضرس منخورة تؤلمه حتى ما ينام منها الليل، فلم يكن يجد طبيبًا يحشوها، ويلبسها الذهب، وأنت تؤلمك ضرسك حتى يقوم في خدمتك الطبيب.
وكان الرشيد يسهر على الشموع، ويركب الدوابَّ والمحامل، وأنت تسهر على الكهرباء، وتركب السيارة، وكانا يرحلان من دمشق إلى مكة في شهر، وأنت ترحل في أيام أو ساعات.

فيا أيها القراء: إنكم سعداء ولكن لا تدرون، سعداء إن عرفتم قدر النعم التي تستمتعون بها، سعداء إن عرفتم نفوسكم وانتفعتم بالمخزون من قواها... سعداء إن طلبتم السعادة من أنفسكم لا مما حولكم، سعداء إن كانت أفكاركم دائمًا مع الله، فشكرتم كل نعمة، وصبرتم على كل بَلِيَّة، فكنتم رابحين في الحالين، ناجحين في الحياتين.
الشيخ علي الطنطاوي

Post: #582
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:41 PM
Parent: #501

الحياة صندوق مغلق, ونحن جمعياً في حاجة ماسة إلى معرفة ما فيه, وليس له سوى مفتاح واحد, وذلك المفتاح هو (العمل).

في القرآن الكريم اقتران شبه مطرد بين الإيمان والعمل الصالح؛ وذلك لأن الإيمان يمنحنا الرؤية, ويدلنا على الطريق, والعمل هو الجواد الذي سنمتطيه لقطع ذلك الطريق.

أنا أشعر أن الله - تعالى - زود بني الإنسان بإمكانات هائلة, وأتاح لهم فرصاً عظيمة, لكنهم لا يستفيدون منها على الوجه المطلوب , لماذا ذلك يا ترى ؟!
هناك عدد من الأسباب, من أهمها الكسل, وانحسار الطاقة الروحية المطلوبة للاستمرار في بذل الجهد, وقد أعجبني قول أحد الحكماء: (ليس الإنسان ضئيلاً, لكنه كسول إلى حد بعيد).. لا يؤذيني منظر مثل ما يؤذيني منظر شاب يائس محبط عاطل عن العمل, يتسكع في الشوارع, ويطلب نفقته اليومية من أبيه الفقير المرهق!.

كافحوا أيها الأعزاء من أجل العثور على العمل الذي تحبونه, فإذا وجدتموه, فاهتموا به وأتقنوه, وانظروا إليه كما لو أنه امتحان صعب يتحداكم, وتذكروا دائماً أن الأعمال التي تنجزونها وفق معايير عالية تفتح لكم آفاقاً جديدة نحو فرص وأعمال أكبر لم تكن تخطر ببالكم, وهناك آلاف القصص والوقائع التي تؤكد هذا المعنى.

سوف تنجحون - بإذن الله - إذا حولتم الأعمال التي تقومون بها إلى مهنة تؤدونها باحتراف وإتقان, وعليكم بعد ذلك أن تنظروا إلى مهنتكم تلك على أنها مهمة يومية تستنفر كل قواكم الكامنة, وتشعرون وأنتم تؤدونها بأنكم تقومون بعمل عظيم.

العمل نعمة من الله, وليس مجموعة مشاق, وإن من العجيب حقاً أن العمل مهما كان صغيراً يمتلك نفس ميزات الكبير, وعلى سبيل المثال فإن العمل الصغير والعمل الكبير يحقق الآتي:
- يخلصنا من الفراغ.
- ينقلنا من مرحلة التخطيط والتمني والاشتهاء إلى مرحلة التنفيذ.
- يساعدنا على اكتشاف أنفسنا وقدراتنا ومواهبنا.
- يُحسن البيئة التي نعيش فيها؛ لتكون الحياة فيها بعد ذلك أسهل.

ما الذي يعينه هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
1- عليكم أن ترتبوا أموركم على أساس أن الحياة هي العمل, وأن العمل الجيد هو حياة جيدة.

2- إذا لم يحصل أحدكم على العمل الملائم له, فلا يجلس فارغاً, وليعمل في أي شيء نافع إلى أن يحصل على العمل الذي يحب.

3- لا تنظروا إلى المهن على أنها شيء شائن, فالشائن حقاً هو الحاجة إلى الناس والرشوة واللصوصية, وأكل أموال الناس بالباطل.

4- في البلد فرص كثيرة جداً وهي تنمو باستمرار, والمشكل هو عدم وجود مؤهلين لها, فـأهلوا أنفسكم على نحو جيد.
ـــــــــــــــــــــــــ
(50 شمعة لإضاءة دروبكم)

Post: #583
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:43 PM
Parent: #501

لا تساوم على مبادئك...
إن الإيمان في قلوبنا والاستسلام لما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - يجعل كل واحد منا صاحب مبادئ وقيم عظيمة وسامية, وإن قيمتنا الحقيقية تنبع من التمسك بتلك المبادئ والقيم.

أنتم تعرفون يا بناتي وأبنائي الدفق الثقافي الهائل الذي نتعرض له اليوم, وتعرفون أن كثيراً منه يفد إلينا من ثقافات ومن أمم لا تدين بما ندين به, كما أن العولمة التي تنشر أشرعتها في كل مكان من الأرض, تعمل على دفع الناس نحو البحث عن مصالحهم المادية بعيداً عما تقتضيه القيم والتعليمات الإسلامية السامية, وهذا كله يشكل تحدياً كبيراً لنا جميعاً.

كلما كبرتم وتفتح وعيكم على الحياة وجدتم أنكم أكثر عرضة للمساومة من قبل أشخاص كثيرين, لا يرجون الله واليوم الآخر: مساومة على المبدأ وعلى الضمير والمروءة والكرامة, وينبغي أن تكونوا مستعدين للمقاومة.

ستجدون كثيرين من حولكم يخضعون للإغراء, ويخبطون في الحرام خبطاً, وليس هؤلاء بأكرم الناس ولا أسعد الناس, ولا ينبغي للمرء أن يتأثر بكثرتهم، فهم عند الله ضئيلون, لا وزن لهم ولا قيمة, ورحم الله القائل: (لا تستوحش من طريق الحق لقلة السالكين فيه, ولا تغتر بطريق الباطل لكثرة الهالكين فيه).

لا تنسوا يابناتي وأبنائي أننا هنا في دار ابتلاء, وأننا لن نستطيع الحصول على كل شيء, ولهذا فإن الواحد منا لن يستطيع تحقيق مصالحه ونيل مشتهياته إلى الحد الأقصى مع التمسك التام بمبادئه وقيمه, ولا بد أن يجد نفسه في لحظةٍ ما مضطراً إلى التنازل عن شيء من هذه أو تلك، فكونوا ممن يناصرون المبدأ, وينحازون للحق, ولا تنسوا القاعة الذهبية: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ).

ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:

1 ـ أظهروا براعتكم الشخصية في تحقيق مصالحكم في إطار مبادئكم وأخلاقكم الإسلامية, فهذا هو التحدي الكبير.

2 ـ عودوا أنفسكم التنازل عن بعض الأشياء المادية في سبيل البقاء على المنهج القويم.

3 ـ المال ليس كل شيء في هذه الحياة, ويجب أن نثبت لجميع الناس أن في حياتنا أشياء عزيزة غير قابلة للمساومة أو البيع أو التنازل؛ والله يثبتنا على الحق وإياكم.
ا.د.عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #584
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:45 PM
Parent: #501

وليس الذكر كالأنثى
لا أريد هنا أن أتحدث عن الأمور التي تجعل من الرجل والمرأة كائنين مختلفين في الكثير من الأشياء، إنما أود أن أشير إلى شيء مهم ، هو أن الاختلاف في الطبيعة والتركيب يترتب عليه اختلاف في الوظيفة.
إن التركيب الجسمي والنفسي والشعوري للفتاة مختلف عن التركيب الجسمي للفتى ، ولهذا فإنك يا ابنتي قدأعددت لتقومي بدور مختلف عن أخيك .
إن الفتاة تحمل وتلد ، وتُعد المسؤول الأول عن تنشئة الأجيال ، وما يثير اهتمامها ، ويستولي على مشاعرها ليس هو الذي يستولي على مشاعر الفتى ، وإن في تعاليم ديننا وفيما اتفق عليه الناس من أعراف وتقاليد ما يجعل المطلوب من المرأة مغايراً لما هو مطلوب من الرجل على الصعيد الاجتماعي، وعلى صعيد العمل والوظيفة.
بعبارة أخرى تحتاج الفتاة إلى أن تكون طموحاتها في المستقبل طموحات امرأة وليست طموحات رجل ، وهذا يعني أن على الفتاة أن يكون هدفها الأول هو الإسهام في بناء أسرة ملتزمة وسعيدة ومترابطة، وعليها أن تعد نفسها ثقافياً وتربوياً لهذه الجليلة. هذه واحدة .
أما الثانية: فهي أن تكون دراستها في الجامعة ملائمة لما ذكرناه ، وذلك بأن يكون التخصص الذي تدرسه مما تحتاجه بنات جنسها مثل التعليم والتطبيب ، أو يكون العمل في مجاله بعد التخرج لائقاً بربة منزل ، ومن هنا فليس من الملائم لفتاة أن تدرس الهندسة المدنية أو الميكانيكية أو الكهربائية ، كما أنه ليس من الملائم لها أن تدرس الطب البيطري أو الزراعة... وعلى نحو عام فإن نصحيتي العامة لبناتي هي أن يسعين لدراسة علوم يمكن لهن الاستفادة منها ثقافياً وتربوياً ومادياً ولو لم تسمح لهن واجباتهنالأسرية بالالتحاق بوظيفة .
وأنا أقول لك يا ابنتي : احذري الطوحات التي تجعل فرصتك في الزواج ضئيلة حتى لا تندمي حيث لا ينفع الندم .
ما الذي يعينه هذا بالنسبة إلى بناتي ؟ إنه يعني الآتي :
1 ـ لا تحاولي الدخول في منافسة مع الشباب ، فأنت مخلوقة لدور غير دورهم، وعليك أن تأخذي الدرس والعبرة من الوضع المأساوي الذي صارت إليه المرأة في كثير من بلاد الغرب والشرق.
2 ـ في حياتنا معطيات كثيرة، توجب عليك أن يكون اهتمامك بالزواج وببناء أسرة مسلمة وتربية أولادك التربية الصحيحة هو الاهتمام الأول .
3 ـ الأنوثة هي السلاح الأمضى الذي تحارب به المرأة، فلا تتخلي عن هذا السلاح بأوضاع وأعمال وتصرفات غير ملائمة لك.
4 ـ ليس الأليق الاجتماعي للتخصص أو الوظيفة هو المهم، لكن المهم هوملاءمته لك ومدى إتقانك له أولها.
د. عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #585
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:47 PM
Parent: #501

مثالية المراهقين
لدى المراهقين والمراهقات كثير من النقاء والبراءة تتجسد في نهاية الأمر في (النظرة المثالية) للحياة والأحياء، إن المراهق يقرأ في المناهج المدرسية عن النظافة واللياقة الاجتماعية، ويقرأ عن الصدق والاستقامة والتوفير وحسن التدبير وفضائل أخرى كثيرة من هذا النوع، ويتجاوب مع ما يقرأ عقليا وعاطفيا، ومن ثم فإنه يكون حادًّا في نقده لكل المواقف والتصرفات التي تخرج على ما يعده فضيلة من الفضائل.

أحد الفتيان كان جالسا على مائدة الطعام مع أهله، فتغيرت ملامح وجهه، وظهر عليه الانزعاج الشديد، واستغرب الأب من ذلك لأنه لم ير شيئا غير طبيعي، وحين سأل ابنه عن سبب انزعاجه رفض أن يجيب في البداية، وبعد الإلحاح قال: إن أخاه الكبير يأكل بسرعة، وهذا ينافي آداب الطعام!
إحدى الفتيات أغلقت باب غرفتها عليها بغضب شديد، وأخذت في البكاء، وذلك لأن أخاها قال لها بصوت مرتفع: عليك أن تنهي مكالمتك مع زميلتك فورا؛ لأنني في حاجة إلى الهاتف، وتقول: إن زميلتي سمعت ذلك، واستغربت من أسلوب خطاب أخي لي!
فتاة أخرى رفعت صوتها على والدتها بسبب أنها استقبلت إحدى صديقات الفتاة بثياب المطبخ مما يشكل خروجا على آداب استقبال الضيوف.
أحيانا تتجاوز مثالية المراهقين وانتقاداتهم كل الحدود، وذلك حين ينكرون جهود الأهل في خدمتهم والإنفاق عليهم، فقد حدث أن احتاج أحدهم ـ وعلى نحو طارئ ـ إلى مبلغ كبير من المال، وحين طلبه من والده، قال له والده: المبلغ غير متوافر الآن، وعليك أن تنتظر يومين، هنا صرخ المراهق في وجه أبيه: كنت قد قلت لك: إنني قد أحتاج إلى المبلغ فجأة، وقلت لي: في أي وقت تطلبه سيكون حاضرا...؟!!
لا نبالغ إذا قلنا : إن جزءا كبيرًا من مشاكسات المراهقين مع أهليهم وأساتذتهم يعود إلى ما لديهم من مثالية زائدة وفهم "متخشب" للأمور، هذه الوضعية تعود إلى أن المراهق لا يستطيع رؤية الفجوة التي تفصل بين النظرية والتطبيق، فهو لا يعرف مدلولات الكلمة على نحو دقيق، ولا يعرف الوقع الاجتماعي للكلمات، كما لا يعرف الظروف والاعتبارات التي تحمل الناس حملا على أن يقفوا بعض المواقف، ويسلكوا بعض السلوكيات التي لا تتفق بشكل حرفي أو جيد مع ما هو موجود في الكتب من أدبيات وأخلاقيات، كما أن المراهق يميل بطبعه إلى الشعور الشديد بالخطر، فهو يظن أنه إذا أخفق في مقابلة، أو ظهر بمظهر غير لائق في موقف معين، أو تكلم بكلمة غير مناسبة مع أحد الناس... يظن أن ذلك يضع كل شيء على حافة الانهيار، وذلك لأنه يمنح الأشياء أهمية مطلقة، وهذا بسبب عدم استطاعته رؤية الأشياء على أنها جزء من منظومات كبيرة، ومن ثم فإن أهميتها تكون نسبية.
مثالية المراهق لا تدفعه إلى نقد غيره بحدة فحسب، وإنما تولد لديه قدرا كبيرا من الشعور بالخوف والقلق، كما أنها تدفعه إلى أن يكون عنيفا تجاه نفسه، فهو لا ينسى بسهولة أخطاءه، كما أنه لا ينسى أخطاء غيره معه.
باختصار أقول:
إن عدم نضج الجانب العقلي والشعوري لدى المراهق بشكل كاف هو الذي يولد في نفسه هذا القدر الكبير من المثالية، على أن مثالية المراهق لا تخلو من فائدة؛ لأنه تنبه الأسرة والمجتمع إلى الكثير من الأخطاء السائدة ، كما أنها تفتح وعي المراهق على رؤية ما لدى الناس من خير وشر، وصواب وخطأ، وهذا يؤهله لدرجة حسنة من الرشد الاجتماعي في المستقبل.
د. عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #586
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:50 PM
Parent: #501

الخل الوفي.. هل هو ضرب من الخيال؟!
الأخوة الإيمانية مقام منيف، ومطلب شريف، تتطلع إليه النفوس الكبار، وتسعى في سبيله همم المؤمنين الصادقين، وما من أمة حققت المؤاخاة والمحبة بين أبنائها؛ إلا واستقام عودها، وتماسك بنيانها، وعز جنابها.

ولذا كانت هذه الأخوة لازمة لنا وللأمة إذا أردا أن النهوض من الكبوة والخروج من حالة المهانة والذلة التي نحن فيها.. لابد أن نتعرف على معانيها وشروطها ونعمق وسائلها ونقوم بأداء آدابها وحقوقها لنجني ثمارها ونحصل فضائلها مترسمين في ذلك خطى السلف علنا نعيد مجدا فقدنا وعزا فارقناه حتى نسيناه.
الأخوة نوعان:
أخوة عامة: دل عليها قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة، وقوله والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" وهذه الأخوة عبارة عن شعور عميق بالعاطفة والمحبة والاحترام لكل من تربطك به آصرة العقيدة ورابطة الإسلام، هذا الشعور يترجم إلى مواقف عملية هي في الحقيقة حقوق الأخوة العامة التي ذكر بعضا النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: [حق المسلم على المسلم ست.. قيل: ما هن يا رسول الله؟! قال: إذا لقيته فسلم عليه. وإذا دعاك فأجبه. وإذا استنصحك فانصح له. وإذا عطس فحمد الله فشمته وإذا مرض فعده. وإذا مات فاتبعه](رواه مسلم)
وفي الحديث المتفق عليه قال صلى الله عليه وسلم: [إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تناجشوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا].

وقد روى أبو هريرة كما في صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: [المسلم أخو المسلم. لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام. دمه وماله وعرضه].

هذه حقوق عامة لعموم الأخوة، حق لكل مسلم على أخيه المسلم، فما هي يا ترى الأخوة الخاصة؟

أما الأخوة الخاصة
فهي أن تصطفي من عموم المسلمين أخا نقيا، وصاحبا تقيا، وخلا وفيا، يكون لك في الدرب رفيقا، وعلى الحق نصيرا، ولبلوغ رضا الله ثم الجنة معينا، وفي زمن الغربة أنيسا.. حبيب تأوي إليه، ونديم تهفو بقلبك نحوه، وركن تلجأ بعد الله في الملمات إليه.. أخ يحمل عنك أتراحك، ويعيش معك أفراحك، وتكون أحب إليه من نفسه، وأحق بها وبماله منه.
سئل ابن السماك عن صفاته فقال: الوافر دينه، الوافي عقله، الذي لا يمَلَّك على القرب، ولا ينساك على البعد، إن دنوت منه داناك، وإن بعدت عنه راعاك، وإن استعنت به عضدك، وإن احتجت إليه رفدك، وتكون مودة فعله أكثر من مودة قوله.
وقيل لخالد بن صفوان: من أحب إخوانك إليك؟ قال: الذي يسد خلتي، ويغفر زلتي، ويقيل عثرتي.
وقال علي: لا يكون الصديق صديقا حتى يحفظ أخاه في ثلاث: غيبته، ونكبته، ووفاته.
من لــي بإنســان إذا أغـــضــبته.... وجهلت كان الحلم رد جوابه
وإذا صبوت إلى المدام شربت من.... أخـلاقه وسكرت من آدابـه
وتـــراه يصــغي للحديث بطــرفه.... وبقـــلبه ولـــعله أدرى بــه
فإذا أردت أن تصطفي من الناس خلا، فاصحب من يرى مودتك، وتسره صحبتك، ويحسن عشرتك، ويحفظ غيبتك... من يرى محبتك فضيلة، والفوز بصحبتك غنيمة، من يستأنس بلقائك، ويستوحش بغيابك، ولا يغضب لعتابك.. ومن يسره ما سرك، ويسوؤه ما ساءك وضرك، ومن تكون عنده أحب من نفسه فيعاملك بالإيثار.
فإذا وجدت هذا فاعضض عليه بأنيابك، واشدد يديك عليه، فهو منتهى الأرب وغاية الطلب، ووجوده في هذا الزمان أعجوبة من العجب، والأصل عدمه ـ إلا ما رحم ربي ـ فهو أعز من الكبريت الأحمر، وأندر من الذهب الخالص، بل عده أقوام بأنه محال، أو ضرب من الخيال.. كما قيل لبعضهم: ما الصديق؟ قال اسم على غير مسمى، وشيء لا وجود له.
سمعنا بالصديق ولا نراه.... على التحقيق يوجد في الأنام
وأحســبه محـــالا نمقـوه.... على وجـه المجـاز من الكلام
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: كان الناس وردا لا شوك فيه، فصاروا شوكا لا ورد فيه.
ونسب إلى جعفر الصادق قوله: أقلل من معرفة الناس، وإذا كان لك مائة صديق فاطرح تسعة وتسعين، وكن من الواحد على حذر.
وإذا كنت تستبعد هذا الكلام، وتستغربه، وتظنه ضربا من التشاؤم، وسواد النظرة؛ فاسمع إلى ابن الجوزي، وقد كان حالة كما قال القائل:
لما رأيت بني الزمان وما بهم.... خـل وفي للشـدائد أصطفي
أدركت أن المستحيل ثلاثة.... الغول والعنقاء والخل والوفي
يقول ابن الجوزي رحمه الله: هيهات هيهات!! رحل الإخوان وأقام الخوان، قل من ترى في هذا الزمان إلا من إذا دعي مان، كان الرجل إذا أراد شين أخيه طلب حاجته من غيره.. ثم نسخ في هذا الزمان رسم الأخوة وحكمه فلم يبق إلا الحديث عن القدماء.. فإذا سمعت بإخوان صدق فلا تصدق.
اجعل الله صاحبا.. ودع الخلق جانبا
من يصحب الناس.. يجـدهم عقـاربا
إذا عرفت هذا.. فعليك بخاصة نفسك، وأحسن إلى الناس، واطلب الأجر من الله، ولا تنتظر منهم إحسانا، وعليك بنفسك فأصلحها، فإن الوحدة ـ وإن كانت شرا ـ إلا أن أشر منها صحبة إخوان الدنيا؛ الذين يقبلون معها إذا أقبلت، ويدبرون معها إذا هي تولت وأدبرت.
اسلام ويب

Post: #587
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:51 PM
Parent: #501

بين الإفراط و التفريط
الحمد لله رب العالمين، والصلاة و السلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد و على آله و صحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن التطرف والغلو والتساهل والتفريط كلاهما داء واحد، ومشكلة واحدة..يقول ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان):"ومن كيد الشيطان العجيب، أنه يشام النفس – أي يقترب منها ويلتمس ما فيها ـ حتى يعلم أي القوتين تغلب عليها؛ قوة الإقدام والشجاعة، أم قوة الانكفاف والإحجام والمهانة".

حين يلتزم الملتزم ويبدأ الطريق، نقول له: أخي الملتزم وحبيبي في الله.. إنك حين تلتزم بعد فترة من المعاصي والسيئات، وتترك الشيطان، وتقبل على الله لا يتركك الشيطان، كيف وقد خدمك سنين؟! كيف وقد كنت صديقه الحميم؟! كيف وقد كنت حبيبه القريب؟! كيف وقد كان يستعملك في نصرة باطله على دين الله؟! كيف يتركك؟! إنه يقترب منك، يريد أن يضلك بأية طريقة، فيبدأ أول ما يبدأ يشام النفس، فيستشعر أنك جاد نشيط قوي النفس، أو أنك مهين بطيء لين بعيد هادئ ليست فيك قوة، أخذ في تثبيطك وإضعاف همتك وإرادتك عن المأمور به وثقله عليك، فهون عليك تركه جملة أو تقصيرًا فيه. وقال: " لا داعي للتشدد ولا للتقعر والشدة، لماذا إجهاد النفس؟ .." ثم يتهم الجماعات المخالفة له بالعُقد والتزمت.

وإن رأى الغالب عليه قوة الإقدام وعلو الهمة أخذ يقلل عنده المأمور به؛ كقصة الشباب الثلاثة الذين أتوا بيوتات النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه عن عبادته فكأنهم تقالوها. تعْجب وأنت تقرأ الحديث – رضي الله عنهم أجمعين! تعْجب من أناس يستقلون عبادة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم، وأنهم تقالوها، و ذلك أن الشيطان أخذ يقلل عندهم المأمور ويوهمهم أنه لا يكفيهم، وأنهم يحتاجون معه إلى مبالغة وزيادة. فيقصر بالأول عن الصراط المستقيم، ويتجاوز بالثاني عنه، وكما قال بعض السلف: "ما أمر الله بأمر إلا وللشيطان فيه نزغتان، إما إلى تفريط وتقصير، وإما إلى مجاوزة وغلو، ولا يبالي الشيطان بأيهما ظفر، وقد اقتطع كثيرًا من الناس، إلا أقل القليل في هذين الواديين". وادي التقصير، ووادي المجاوزة والتعدي، والقليل منهم الثابت على الصراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه.

طرفان
يقول ابن القيم: " فقوم قصّر بهم الشيطان عن الإتيان بواجبات الطهارة، وقوم تجاوز بهم إلى مجاوزة الحد بالوسواس".
قوم قصّر بهم الشيطان عن إخراج الواجب من المال؛ الزكاة المفروضة، وقوم تجاوز بهم حتى أخرجوا جميع ما في أيديهم، وقعدوا كلا على الناس مستشرفين ما بأيديهم.

قصّر بقوم عن خلطة الناس حتى اعتزلوهم في الطاعات كالجمعة والجماعات، وتعلم العلم، والجهاد، وتجاوز بقوم حتى خالطوهم في الظلم والمعاصي والآثام.

قصر بقوم حتى منعهم من الانشغال بالعلم الذي ينفعهم،.. وتجاوز بآخرين حتى جعلوا العلم وحده هو غايتهم دون العمل به ولا الدعوة إليه ولا تعليمه، فصار العلم عندهم غاية، رغم أنه وسيلة للعمل.

وقصّر بقوم حتى زين لهم ترك النكاح وهو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرغبوا عنه بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى زنوا ووقعوا في الحرام.

قصّر بقوم حتى جفوا الشيوخ من أهل الدين والصلاح، وأعرضوا عنهم، ولم يقوموا بحقهم، وتجاوز بآخرين حتى عبدوهم مع الله.

قصّر بقوم حتى منعهم قبول أقوال أهل العلم، ولم يلتفتوا إليها بالكلية، وتجاوز بآخرين حتى جعلوا الحلال ما أحلوا والحرام ما حرموا، وقدموا أقوالهم على قول الله - جل وعلا- وكلام النبي صلى الله عليه و سلم.

أيها الشباب
إنني – والله – لكم ناصح أمين .. إن النفس البشرية ضعيفة، وهي قد تتحمل العزائم حينا، ولكنها لا تقوى على حملها في كل حين أبد الدهر. لذا قال النبي صلى الله عليه و سلم: "يا حنظلة، ساعة وساعة ".

انتبه.. "ساعة وساعة" بفهم منضبط، ليس بفهم المتسيبين. ليس بفهم الذين يقولون: "ساعة تسمع القرآن، وساعة تسمع الأغاني!" ليس بفهم: "ساعة تصلي، وساعة للأفلام!" ليس بفهم: "ساعة تجلس في مجلس الذكر وتلاوة القرآن، وساعة تعصي الرحمن"

لا.. بل ساعة وساعة، أي ساعة يعلو فيها الإيمان حتى تكون الجنة والنار كأنهما رأي عين، وساعة تداعب فيها الزوجات، وتلاعب فيها الأولاد، وتعالج فيها الضيعات، فينخفض المستوى الإيماني قليلاً، ولكنه لا يبلغ درجة الوقوع في الحرام أبدا.. لذا أيها الإخوة أقول لكم: تدرجوا في التحمل حتى تتمكنوا من الاستمرار، ولا تحملوا النفس بالتكاليف دفعة واحدة.

إن شرع الله يجب أن يؤخذ بلا زيادة أو نقصان، فالذي يزيد فيه كالذي ينقص منه، وحدود الحلال والحرام يجب التزامها - كما جاء بها الشرع - بدون تحايل عليها أو تأويل لها أو تساهل بها، فالذي لا يعرف من صفات الله إلا أنه غفور رحيم، يجب أن يصحح معلوماته، ويعرف أنه كذلك شديد العقاب، والذي لا يعرف إلا: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج: 12] يجب أن يصحح فيعرف أنه أيضاً رحيم ودود.
وكما أنه لا ينبغي تحميل النفس فوق طاقتها، فإنه لا ينبغي كذلك تعويدها على الرخص فلا تستطيع بعد أن ذلك حملها على العزائم فتسقط في أول امتحان عزيمة.

السبب هو الهوى
والسؤال الآن: ما السبب في الغلو والتفريط؟ في التنطع والترك؟
والإجابة: السبب هو الهوى.
فإن الإنسان يتابع هواه، وإذا دخل الهوى إلى القلب وضخّه مع الدم، توغل في العروق والمفاصل، فصارت العروق تنبض بالهوى، والمفاصل تتحرك بالهوى، فلا تصل إلى الله أبدا؛ قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله".

والعلاج: هو العلم
فبدون العلم لا يأمن الإنسان على نفسه الانحراف عن الصراط المستقيم، وقد أتي الكثير من قِبل الجهل وقلة العلم، ثم إنه لابد من طلب العلم بمنهجية. فإن كثيرا من الإخوة ما زالوا يطلبون العلم هواية، وهذا لا يصلح ولا يصنع علما، ولا يثمر ثباتاً، لابد من طلب العلم بجدية ومنهجية وانضباط.

لابد في سيرك إلى الله من علم، لابد من قوتين: قوة علمية تعرف بها الطريق، وقوة عملية تسير بها، فالعلم بلا عمل يؤدي إلى النفاق، والعمل بلا علم يؤدي إلى الابتداع، والنجاة في العلم والعمل، فإن الشيطان إن لم يجد بدا من سير العبد سيّره بجهل فضلّله. قال الله:{وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ}[النمل:24]

إنني كثيرا ما أذكركم بأية - أحسبها أخوف آية في القرآن- وهي قول الله تعالى:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً (*) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} .
والطريق الوحيد لأن تعلم أنك على الجادة الصحيحة أن تأتي جميع أعمالك خلف رجل واحد هو رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.

خلاصة
إن كان في النهاية من خلاصة فهي أنه: بدون العلم لن يستطيع الإنسان أن يسير سيراً صحيحاً مأموناً إلى الله، فالطريق إلى الله مليء بالعقبات والمنعطفات، ولن يتمكن السائر فيها من رؤيتها إلا بالاستعانة بالله، ثم التحصن بحصن العلم، والعمل بمنهج السلف والسير على نهجهم. و بالله التوفيق. والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
باختصار من كتاب "منطلقات طالب العلم"

Post: #588
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:53 PM
Parent: #501

احـذري.. يا ابنتي!!
في الماضي كانت العزلة هي الحصن الذي يحتمي به كل الضعفاء وكل الخائفين من الذئاب البشرية الضارية. أما اليوم وبعد وجود مئات القنوات الفضائية المختلفة، وبعد دخول الإنترنت إلى كل بيت فقد صار الحديث عن العزلة شيئا من الماضي.
أنا أعرف أن الهاجس الذي يسكن قلوب معظم الفتيات هو الارتباط بشاب مستقيم يقدر الحياة الزوجية، ويرعى أسرته، ويسعدها، وأن الفتاة في سبيل تحقيق ذلك قد تخاطر بالرد على معاكسة من شاب أو بالدخول إلى إحدى غرف "الدردشة" على الإنترنت، أو تتبادل بعض النظرات مع ابن الجيران.. وأؤكد أنها في كل ذلك لا تهدف إلا إلى العثور على من يمكن أن يكون شريك الحياة وأبا للأولاد في المستقبل.
والشباب بكل أطيافهم يعرفون هذه الحقيقة جيدا، فالصالحون الأخيار منهم يسلكون المسلك الشرعي المهذب إلى ذلك، ويتقدم الواحد منهم إلى أهل من يريد الارتباط بها.
أما الآخرون، وهم ليسوا قليلين، فيضربون على الوتر الحساس بالنسبة إلى الفتاة، ويقدمون البرهان تلو البرهان على أنهم يريدون لأي علاقة أن تنتهي بالزواج، وما يجري قبله فترة للتعارف والتأكد من العثور على الشريك المناسب... وأكثرهم كاذب في ذلك؛ وإن كان صادقا فأسلوب اتصاله بالفتاة يدل على أنه شخص غير صالح.
وأنت يا ابنتي ـ انطلاقا من طيبة قلبك، وبراءة مطلبك، وضعف خبرتك بواقع كثير من الشباب ـ قد تجدين نفسك في ورطة كبرى لا تعرفين كيف تخرجين منها!
قد يلتقي الشاب بفتاة في مكان عام، ويلتقط لها صورة بطريقة خفية، وقد يسجل لها كلاما، وبعد مدة يستخدم ذلك أداة لتخويفها وتهديدها، وتجد نفسها كالماشي في حقل ألغام، فهو محفوف بالمخاطر أينما اتجه.
وبعض الفتيات تغمرها الغفلة، وفي لحظة ضعف يفترسها أحد الوحوش، وهو يعدها بالزواج، ثم تنقطع أخباره، وتجد نفسها جليسة الهموم والأحزان، وقد يحدث حمل، فتكون الجناية جنايات: جناية على نفسها، وجناية على ولدها الذي سيحيا من غير أب ولا نسب!! ناهيك عن الجناية على أهلها والمجتمع.
إني أحذرك بنيتي وأذكرك:
ـ كوني على يقين بأن ما كتبه الله لك سوف تحصلين عليه مهما كنت ضعيفة أو بعيدة أو منعزلة.
ـ أن الله تعالى هو الذي يرزق المرأة بالزوج الصالح، ويرزق الرجل بالمرأة الصالحة، فاطلبي ذلك منه بصدق، واعلمي أن ما عند الله تعالى إنما ينال بطاعته، وليس بمعصيته.
ـ لا يرى الشاب في الفتاة التي تستجيب لرغباته المرأة التي تصلح أن تكون زوجة أو أما لأولاده.
ـ راقبي الله تعالى وأكثري من ذكره، واستعيني به، واجعلي روحك تمرح في حبه سبحانه والتعلق به، ففي هذا سعادة ومسرة، لا تشبهها مسرة أخرى.
لا تبحثي عن أكبر لذة، ولكن ابحثي عن أشرف لذة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. عبدالكريم بكار
اسلام ويب

Post: #589
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:55 PM
Parent: #501

كن أنت نفسك
لو استطعتم معرفة مشاعر الناس حول أوضاعهم المعيشية والاجتماعية، لوجدتم أن أكثرهم يتطلعون إلى أن يكونوا في وضعية أفضل مما هم فيه، وهذا يعود إلى ما فطر الله تعالى عليه النفوس من حب الخير والاستزادة من النعيم.
هناك ـ يا أبنائي وبناتي ـ من هو ليس راضيا عن القرية التي ولد فيها، وكان يتمنى لو ولد في مدينة كبرى، وهناك من يتمنى لو كان أبوه ثريا، فينشأ في أسرة مرفهة، وهناك أعداد كبيرة من البنات المتضايقات من أشكالهن وألوانهن، وهناك وهناك...
الرسالة التي أود أن يلتقطها أولادي هي أن الإمكانيات التي زودنا بها الخالق ـ جل وعلا ـ والظروف والأوضاع التي نشأنا فيها لا تتحكم في مستقبلنا على نحو كلي، فأنتم جميع تعرفون أن هناك آلاف الشباب والشابات الذين ولدوا في أحسن الظروف، وكان يتوقع لهم أن يكونوا اليوم من خيار الناس ومن أعظمهم نجاحا وفلاحا وسعادة، ولكن شيئا من ذلك لم يحدث، فهم مخفقون في دراستهم وأعمالهم وحياتهم الخاصة، ويحيون على هامش الحياة، ولا يتمنى أحد منا لأولاده أن يكونوا مثلهم!!
وفي المقابل ـ أيها الأعزاء والعزيزات!ـ هناك رجال عظماء غيروا مجرى التاريخ ونقشوا أسماءهم بأحرف من نور على صفحاته مع أنهم ولدوا في أسر لا يعرف عنها عراقة في نسب، وليس لديها وفرة في مال، ولا تسكن في أماكن مميزة... التاريخ والواقع يقولان لنا هذا، وعلينا أن نستخلص العبرة منه.
ورحم الله ابن الوردي حين قال:
لا تقل أصلي وفصـلي أبــدا .. .. إنما أصل الفتى ما قد حصل
قد يسود المرء من غير أبٍ .. .. وبِحُسنِ السَّبك قد ينفى الدَغَل
وفي تاريخنا وتاريخ العالم رجال ونساء كثر يفتخر آباؤهم وأمهاتهم بإنجابهم لهم:
وكم أبٍ علا بابنٍ ذرى شرفٍ .. .. كما علا برسولِ الله عدنانُ
ماذا يعني هذا بالنسبة إلى أبنائي وبناتي؟
إنه يعني الآتي:
1 ـ احمد الله على ما وهبك وأعطاك، فهو كثير، وإن كان يبدو لك عند المقارنة مع ما لدى غيرك أنه قليل.
قليل منك يكفيني ولكن .. .. قليلك لا يقال له قليل
2 ـ تقبل نفسك وأوضاعك، واشعر بالاعتزاز بما لديك، واتخذ منه نقطة انطلاق إلى الأمام.
3 ـ أبعد نفسك الصغيرة المكبلة بالأوهام وبهموم الحاضر، عن طريق نفسك الكبيرة القادمة من قلب العاصفة التي تثيرها الجدية والثقة والعمل والمثابرة والطموحات العالية.
4 ـ انفخ على أصغر شرارة لديك لتتحول إلى نور عظيم يضيء طريقك وطريق أهلك وزملائك.
5 ـ لا ترض أبدا أن تكون ظلا لأحد، وحاول دائما أن تكون قدوة ونموذجا ينتفع بك غيرك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتاب "50 شمعة لإنارة دروبكم"

Post: #590
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 07:56 PM
Parent: #501

كيف تصبح رجلا!!
تأملت في يوم قادم يقف فيه شاب أمامي ويلح في السؤال: كيف أصبح رجلا؟ واحترت في الجواب من الآن! واسترجعت الذاكرة بعد مشاورة، واستهديت بالآية والحديث، واستوعبت السؤال كاملا.. فإذا الإجابة طويلة ومتشعبة، وكل صاحب معرفة يسير بك في واد، ولكن حسبك من القلادة ما أحاط بالعنق!

أيها الشاب:
ستمر بك الأيام عجلى، وتتوالى عليك الليالي سريعة، فإذا بك تقف ممتلئا صحة ونشاطا تطاول أباك طولا وقد منحك الله بسطة في الجسم.

وإن مرت بك الأيام وسلمت من عاديات الزمن وطوارق الأيام فسوف تمر بمراحل العمركلها - بإذن الله - قال الله تعالى: وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَانَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ[الحج:5] وإن قدر الله لك أمرا آخر فأنت ممن قال الله فيهم: وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى[الحج:5].

ولا أخالك أيها الشاب وهذه المراحل السريعة تمر أمامك إلا مسارعا للإمساك بها، والتزود من مراحلها. وها هي قدمك بدأت تخطو الخطوات الأولى في مرحلة الشباب والنضج، وهي مرحلة مهمة خصها الرسول بالحديث المشهور: { لاتزول قدم ابن ادم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عموه فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه.. } [رواه الترمذي]

وخص النبي مرحلة الشباب هذه لكثرة الإنتاج والعطاء والبذل والإبداع فيها.

أيها الشاب:
مقاييس الرجولة تختلف حسب نظرة المجتمع والأسرة والشاب نفسه، فرجولة المهازيلإضاعة الوقت وازجاء الزمن دون فائدة، ورجولة المرضى والسفهاء السعي وراء الشهواتالمحرمة!
أما رجولة أهل الهمم والمعالي: فهي السعي الحثيث إلى جنة عرضها السماوات والأرض، ومن متطلبات هذا السعي أن تكتسب من العلم أوفره، وأن تنال من الأدب أكثره، ومن معالي الأمور وجميلها ما يزين رجولتك، ويجعلك محط الآمال ومعقد الأماني، بعيدا عن عثرات الطريق ومزالق المسير.

تصبح رجلا أيها الشاب إذا اكتملت فيك مقومات الرجولة الظاهرية من ارتواء الجسم ونضارته وقوة الشباب وحيويته وظهور الشوارب واللحى! وهذه كلها تشترك فيها أمة مثلك من الشباب.. صالحهم وطالحهم، ومسلمهم وكافرهم، وبرهم وفاجرهم.. وبعض الحيوانات تشترك مع الإنسان في هذه الصفات من عضلات وقوة تحمل!

لكنك رجل مميز وشاب متفرد.. نريدك رجلا مسلما لا رجلا مجردا!! ولكي تكون كذلك فالآفاق أمامك مفتوحة، ودروب الخير سهلة ميسورة، وحصاد العلم قد دان وقرب، وغراس الخلق ينتظر الجاني.. فهيا لتنال نصيبا وافيا من ذلك فتكون رجلا كما نريد، وكما تريد، بل وكما يريد الله عز وجل ذلك، فالأسرة والمجتمع والأمة بحاجة إلى شباب صالحين مصلحين، فهذا الدين يحتاج إلى رجل.. ولكن ليس رجل فحولة فحسب، بل رجل بطولة وصبر، يحمل هم الدعوة ويقوم بها ويصبر على ما يلاقيه، يسعى جادا لنيل العلموالارتقاء في درجاته، عفيف اللسان نزيه الجوارح.. تسارع قدمه إذا سمع الأذان.. ويتردد بين جنباته آيات القرآن.

وبعيدا عن التنظير والكلمات الإنشائية أذكرك بأمورإن تمسكت بها وأخذت بأطرافها فزت ورب الكعبة:
أولاً: خلقت لأمر عظيم فاحذر أن يغيب ذلك عن بالك طرفة عين فالله عز وجل يقول في محكم التنزيل : وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[الذاريات:56].

ثانيا: الصلاة.. الصلاة! فإنها عماد الدين والركن الثاني العظيم، ولا حظ فيالإسلام لمن ترك الصلاة، فلا تتهاون ولا تتكاسل ولا تتشاغل عن أدائها في وقتها مع جماعة المسلمين، يقول الرسول: { العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر}، وأراك تغتم وتهتم لفقد أمر من أمور الدنيا من ضياع قلم أو فقد محفظة.. ولا تهتم بأن تفوتك تكبيرة الإحرام أوالصلاة مع الجماعة، ووالله لن يفلح من تركها!!

ثالثاً: ما أضاع ساعات الزمن وأيام العمر.. مثل حياة الفارغين، وأصحاب الهوايات الضائعة والأوقات المسلوبة، ممن همهم إضاعة الساعات والأوقات في لهو وعبث، فاحرص على وقتك فإنه أغلى من المال، وإن كان مالك تستطيع أن تحافظ عليه وتنميه وتستثمره، فإن الوقت قاتل وقاطع والأنفاس لا تعود.

رابعاً: العلم طريق الوصول إلى خشية الله عز وجل فسارع إليه وابدأ بالعلم الشرعي الذي تقيم به أمور دينك، وما نلت من علم دنيوي تحتاجه الأمة فاجعل نيتك فيه خدمة الإسلام والمسلمين حتى تؤجر عليه.

خامساً: حسن الخلق كلمة لطيفة طرية على اللسان، ولكن عند التطبيق تتباين الشخصيات ويفترق الرجال إلى أصول وفروع! ولا يغيب عن بالك أن حسن الخلق من صلب هذا الدين؟ فبر والديك، وارفق بأخيك، وأحسن إلى صديقك، وتعاهد جارك.

سادساً: مع تنوع المعارف والعلوم لابد أن يكون لك سهم من تلك الطروحات حتى تكونقوي الفكر، ثابت المعلومة، على اطلاع واسع لتنمي ثقافتك، ومثلك يحذر الطروحاتالفكرية التي يدعيها بعض الموتورين والمرجفين ممن لا يذكرون الله إلا قليلا!

سابعاً: القدوة علم تسير خلفه وتستظل بآرائه وتستلهم طريقه، فمن قدوتك يا ترى؟ولا أعرف لابن الإسلام قدوة سوى محمد وصحبه الكرام وسلفه الصالح.

ثامناً: أنت - ولا ريب - تتطلع إلى غد مشرق وسعادة دائمة وظل وارف، فعليك بتقوى الله في السر والعلن فإنها وصية الله للأولين والآخرين وطريق النجاة يوم الدين: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً[النحل:97].

تاسعاً: لتكن قوي الإرادة، ماضي العزيمة، وألق ما تقع عليه عينك من المحرمات، وابتعد عن الرذائل ومواطن الشبه والريب، ولتكن لك قوة داخلية تسخرها لتزكية نفسك وصفاء سريرتك وذلك بمراقبة الله عز وجل على كل حين ومداومة العمل الصالح.

عاشراً: الدعاء هو العبادة، وكم أنت فقير إلى ربك ومولاك، فبالدعاء يكون انشراح النفس وطمأنينتها وطلب العون من الله عز وجل، فلا تغفل عنه، واحرص على البعد عن موانع الإجابة، وكلما غفلت تذكر كثرة دعاء الأنبياء لأنفسهم وحرصهم على ذلك.

أيها الشاب:
لا تستوحش من إقبال الزمان ودورته، وسيقف ابنك أمامك بعد زمن ليسألك: كيف أصبحرجلا يا أبي؟ وأعتقد - وأنت معي في ذلك - أن نقطة البداية لهذا الجواب هو ما تسيرعليه اليوم وترسمه غدا، فالقدوة مثل أعلى لمن هم حولك، فابدأ واستعن بالله، وأراك قد أصبحت رجلا ينطلق في مضمار الحياة لا ترهبه هبوب الرياح ولا تثنيه مسالك الطريق الوعرة.

وفي الختام:
قد يطرق قلبك سؤال مفاجىء تصوبه نحو قلمي: كل ما ذكرت كلمات وعظية مكررة نسمعها بين حين وآخر!

وجوابي لصوتك الحبيب: أيها الرجل الشاب! يا من استقبلت الدنيا بوجهك.. إنها كلمات وإن كانت مكررة فأبشر وأمل أن وقعت في نفسك موقعا، فعندها تكون رجلا ولا كل الرجال، بل رجل أثنى الله عز وجل عليه في مواضع عدة من كتابه الكريم. وحسبك هذا الثناء لتكون رجلا.
عبدالملك القاسم-اسلام ويب

Post: #591
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:00 PM
Parent: #501

الطريق إلى الله كالطريق الحسية تماما.. تجد فيها أنفاقا مظلمة، ومنحنيات خطيرة، ومطبّات مرهقة، و"كباري" علوية.. كما تجد أحيانا على جنبتي الطريق حدائق فاتنة وسبلا متفرعة.. ومن لم ينتبه لمثل هذه، ولم يقده للخروج منها خبير بصير ضل - ولابد- في الطريق أو انقطع.
وإن معرفة آفات الطريق من المهمات التي ينبغي للسائر الإلمام بخباياها. قال ابن القيم – رحمه الله تعالى: "ولا يتم المقصود إلا بالهداية إلى الطريق، والهداية فيها، وأوقات السير من غيره، وزاد المسير، وآفات الطريق، ولهذا قال ابن عباس في قوله تعالى: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (المائدة: 48) – قال سبيلا وسنة. وهذا التفسير يحتاج إلى تفسير، فالسبيل: الطريق، وهي المنهاج. والسنة: الشرعة، وهي تفاصيل الطريق وحزوناته، وكيفية المسير فيه، وأوقات المسير، فجعل من الهداية في الطريق التخلص من آفات الطريق وحزوناته ومعرفة تفاصيل تلك الحزونات..
فنتبه معي لأخطر هذه الآفات – عافانا الله وإياك منها:
* الآفة الأولى: الخوف من وحشة التفرد:
قال بعض السلف: "عليك بطريق الهدى ولا يضرنك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا يغرنك كثرة الهالكين". ومن سنن الله الربانية الكونية أن أهل الحق دائما قلة.. هذا أصل ينبغي ألا يفوتك، قال سبحانه: {إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} (ص: 24)، وقال – سبحانه: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 13).
وعلى العكس: تجد وصف الكثرة دوما مع أهل الباطل، قال سبحانه: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} (الأعراف:102) وقال سبحانه وتعالى: {وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ} (الأنعام: 116) وقال سبحانه وتعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ ا لنَّاسِ لَفَاسِقُونَ} (المائدة: 49)
فإذا تبين لك ذلك، فإياك أن تستوحش من قلة السائرين معك على الطريق، فإن أكثر السائرين نكصوا على أعقابهم حين رأوا الجمهرة الغالبة على عكس طريق السير أو على جنبات هذا الصراط.. فاثبت ولا تحزن.

الآفة الثانية: فضول الكلام والخلطة:
وهذه من أخطر تلك الآفات.. الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.. أن يصير لقاء الناس شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.. وقد قيل: إذا رأيت نفسك تأنس بالخلق وتستوحش من الخلوة، فاعلم أنك لا تصلح لله.. وإن من علامات الإفلاس الاستئناس بالناس.
وللعزلة – أيها الأخ الكريم – مزايا، فإن الاجتماع بالناس لا يخلو من آفات أهونها أن تتزين للخلق.. وقد ذكر عن بعض أهل الحديث أنه قال: "لأن ألقى الشيطان أحب إلي من أن ألقى حذيفة المرعشي، أخشى أن أتزين له فأسقط من عين الله".

*الآفة الثالثة: النفق المظلم (الفتن):
قد يصادف السائرُ في طريقه نفقا مظلما لا يستطيع أن يميز فيه طريقه من الطرق الأخرى، ما لم تكن أضواء اليقين كاشفة، ومسالك الطريق معروفة، كيلا يضيع السائر مساره، أو يتناثر أشلاء تحت وقع الحادثة، أو يسرف في التفاؤل عندما يبصر نورا في آخر النفق قد يكون وهم سراب.

إن مثل هذا النفق كفتن الخلاف بين المسلمين، إذ بينما يسير السائر في ركبه الميمون، والطريق سالكة، وهو ينتظر الوصول إلى المحطة التالية، فجأة يظلم الطريق تماما كالذي يدخل النفق... يفاجأ بالظلام الدامس بعد النور المبهر.. اصطدام بعض المسلمين فيما بينهم، وبغي بعضهم على بعض، فتلتفّ الظلمات، و تنطفئ الأنوار، ويضطر السائر المسكين إلى ركوب الظلمة ودخول النفق، فإذا لم تكن البصائر على يقين والإبصار على وضوح، فالكارثة ستقع لا محالة، ويكون التيه الذي لا يدري فيه ما المخرج.

ولذا، فالأنوار الكاشفة في هذا النفق تتمثل في الاستمساك بوضوح المنهج: الكتاب والسنة بفهم سلف الأمة، قال الله سبحانه: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة: 100)
لابد أن تنتبه إلى: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ} فالإحسان: الرؤية، ليس مجرد الاتباع، و إنما إحسان الاتباع.. والإحسان أن ترى، قال صلى الله عليه وسلم: "الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه".. هذا أول مخرج من النفق.
أما النور الثاني المخرج من هذا النفق المظلم؛ فهو ألا تشغل نفسك بالمناقشات والجدال والردود، وإنما :{بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ} (القيامة: 14).. اعرف طريقك وامضِ، فإن كان ولا بد فالْقِ النصيحة وانطلق، فأخسر الناس صفقة من انشغل بالناس عن نفسه، وأخسر منه صفقة من انشغل بنفسه عن الله.. فاعرف كواشف الأنفاق.. لتخرج من هذا الظلام بسلام.
عقبة الابتلاء ـ عقبة النفس
قال الشيخ محمد حسين يعقوب في كتابه "أصول الوصول إلى الله":
الطريق إلى الله كالطريق الحسية تماما.. تجد فيها أنفاقا مظلمة، ومنحنيات خطيرة، ومطبّات مرهقة... وإن معرفة آفات الطريق من المهمات التي ينبغي للسائر الإلمام بخباياها.. وقد نقلنا عن الشيخ ثلاث آفات على طريق السائرين وهي: الخوف من وحشة التفرد، والفضول، والفتن. وها نحن نسوق إليك بقية هذه الآفات والعقبات.. وهي:

* الآفة الرابعة: عقبة الابتلاء:
وفي الطريق أيها السائر الحبيب – جسر لابد من تجاوزه وعبوره، إذ إن هذا شأن السالكين إلى الله تعالى في كل زمان ومكان، بل و هو من شأن الأنبياء والمرسلين.. ذلكم الجسر هو الابتلاء والمحن التي تصيب السائر.

فلا بد لهذا الطريق من أن يصقله الابتلاء، وأن تظهر معدنه المحنة. قال الله تعالى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (*) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت: 2،3)

و قد كان أول تبشير للرسول صلى الله عليه وسلم بالنبوة إنذاره بالإخراج.. قال ورقة: ما أتى رجل بمثل ما آتيت به إلا عودي.. وقال الراهب للغلام: أنت اليوم أفضل مني وإنك ستبتلى.. وقيل للشافعي: أحب إليك أن يمكن الرجل أو يبتلى؟ فقال: لا يمكّن حتى يبتلى.

فالجسر إلى التمكين في هذا الطريق هو الابتلاء.. ولابد من الصبر فيه والاحتساب، والرضا عن الله-تعالى-وبه، فإنه جسر الوصول.. وقد حفت الجنة بالمكاره.. يقول ابن القيم: "وإن تأملت حكمته سبحانه تعالى فيما ابتلى به عباده وصفوته بما ساقهم به إلى أجلّ الغايات، وأكمل النهايات التي لم يكونوا يعبرون إليها إلا على جسر من الابتلاء والامتحان، وكان ذلك الجسر لكماله كالجسر الذي لا سبيل لعبورهم إلى الجنة إلا عليه، وكان ذلك الابتلاء والامتحان عين المنحة في حقهم والكرامة، فصورته صورة ابتلاء وامتحان، وباطنه فيه الرحمة والنعمة، فكم لله من نعمة جسيمة، ومنّة عظيمة، تجنى من قطوف الابتلاء والامتحان".

وللمحن في هذا الطريق خصائص ومميزات، فكما أن المسلم يجب ألا ينفك عن عبادة ما.. :{قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162)، فلابد أن يكون شعوره بالابتلاء هكذا: أنه في عبادة، يدوم معه في كل حركاته وسكناته، حتى يستصحب نية العبد على البلاء، واحتساب الأجر عند السميع البصير: {الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} (الشعراء: 218- 219) وهذا الجسر خطير.. جسر الابتلاء.. فإن كثيرا من السالكين ضعفت قوته عن عبوره فرجع القهقري وترك الطريق.

الآفة الخامسة: عقبة النفس:
ثم يطالعك جسر آخر على الطريق.. وهو النفس – نعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا–.. يقول ابن القيم في المدارج: "فالنفس جبل عظيم شاق في طريق السير الى الله – عز وجل، وكل سائر لا طريق له إلا على ذلك الجبل، فلابد أن ينتهي إليه، ولكن منهم من هو شاق عليه. ومنهم من هو سهل عليه، وإنه يسير على من يسّره الله عليه. وفي ذلك الجبل أودية وشعاب، وعقبات ووهود، وشوك وعوسج وعليق وشبرق، ولصوص يقتطعون الطريق على السائرين، ولاسيما أهل الليل المدلجين. فإذا لم يكن معهم عُدد الإيمان ومصابيح اليقين تتقد بزيت الإخبات، وإلا تعلقت بهم تلك الموانع، وتشبثت بهم تلك القواطع، وحالت بينهم وبين السير. فإن أكثر السائرين فيه رجعوا على أعقابهم لما عجزوا عن قطعه واقتحام عقباته. والشيطان على قُلة ذلك الجبل، يحذر الناس من صعوده وارتفاعه ويخوفهم منه. فتتفق مشقة الصعود وقعود ذلك المُخوّف على قُلته وضعف عزيمة السائر ونيته، فيتولد من ذلك الانقطاع والرجوع، والمعصوم من عصمة الله.
وكلما رقى السائر في ذلك الجبل اشتد به صياح القاطع وتحذيره وتخويفه، فإذا قطعه وبلغ قلته، انقلبت تلك المخاوف كلهن أمانا، وحينئذ يسهل السير، وتزول عنه عوارض الطريق، ومشقة عقبتها، ويرى طريقا واسعا آمنا يفضي به إلى المنازل والمناهل، وعليه الأعلام وفيه الإقامات، قد أعدت لركب الرحمن. فبين العبد وبين السعادة والفلاح: قوة وعزيمة، وصبر ساعة وشجاعة نفس، وثبات قلب، والفضل بيد الله يؤتيه من يشاء. والله ذو الفضل العظيم".

فالنفس أمارة بالسوء، داعية إلى المهالك، طامحة إلى الشهوات، ولذا فهي أيضا جسر لابد من عبوره.. أتى رجل إلى أبي علي الدقاق. فقال: قطعت إليك مسافة، فقال: ليس هذا الأمر بقطع المسافات، فارق نفسك بخطوة تصل إلى المطلوب. فلا بد من عبور جسر النفس.. شهواتها.. وملذاتها.. أهوائها.. وآمالها.. لابد أن تعبر مرحلة "نفسي وما تشتهي" لتصل عبر جسر نفسك إلى ما يرضي ربك.

ويزيدك بصيرة في الأمر قول ابن القيم – رحمه الله في طريق الهجرتين: "وكلما سكنت نفسه من كلال السير ومواصلة الشد والرحيل، وعدها قرب التلاقي وبرد العيش عند الوصول، فيحدث لها ذلك نشاطا وفرحا وهمة. فهو يقول: يا نفس أبشري فقد قرب المنزل ودنا التلاقي، فلا تنقطعي في الطريق دون الوصول، فيحال بينك وبين منازل الأحبة، فإن صبرت وواصلت السير وصلت حميدة مسرورة جزلة، وتلقتك الأحبة بأنواع التحف والكرامات، وليس بينك وبين ذلك إلا صبر ساعة، فإن الدنيا كلها لساعة من ساعات الآخرة، وعمرك درجة من درج تلك الساعة، فالله الله لا تنقطعي في المفازة، فهو – والله – الهلاك والعطب لو كنت تعلمين.

فإن استصعبت عليه، فليذكرها ما أمامها من أحبابها وما لديهم من الإكرام والإنعام. وما خلفها من أعدائها، وما لديهم من الإهانة والعذاب وأنواع البلاء؛ فإن رجعت فإلى أعدائها رجوعها، وإن تقدمت فإلى أحبابها مسيرها، وإن وقفت في طريقها أدركها أعداؤها، فإنهم وراءها في طلب مصيرها. ولابد لها من قسم من هذه الأقسام الثلاثة فلتختر أيها شاءت.

وليجعل حديث الأحبة وشأنهم حاديها وسائقها، ونور معرفتهم وإرشادهم هاديها ودليلها، وصدق ودادهم وحبهم غذاءها وشرابها ودواءها، ولا يوحشه انفراده في طريق سفره، ولا يغتر بكثرة المنقطعين، فألم انقطاعه وبعاده واصل إليه دونهم، وحظه من القرب والكرامة مختص به دونهم، فما معنى الاشتغال بهم والانقطاع معهم؟ وليعلم أن هذه الوحشة لا تدوم بل هي من عوارض الطريق، فسوف تبدو له الخيام، وسوف يخرج إليه المتلقون يهنئونه بالسلامة والوصول إليهم. فيا قرة عينه إذ ذاك، ويا فرحته إذ يقول: {قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (*) ِبمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} (يس: 26-27)
ولا يستوحش مما يجده من كثافة الطبع، وذوب النفس، وبطء سيرها، فكلما أدمن على السير، وواظب عليه غدوا ورواحا وسحرا، قرب من المنزل، وتلطفت تلك الكثافة، وذابت تلك الخبائث والأدران، فظهرت عليه همة المسافرين وسيماهم، فتبدّلت وحشته أنسا، وكثافته لطافة، ودرنه طهارة".

هذا هو جسر النفس.. البلاء الأكبر.. والعائق الأشد.. يشبه الجسر المعلق الذي لا جوانب له يستند عليها السائر.. فهو خطر جدا لابد عند المرور عليه من التركيز والهدوء.. والتيقظ والانتباه لكل حركة يد ونقلة رجل.. وإلا.. فالسقوط.
نعم: إنه جسر واهن من كثرة الذنوب والمعاصي.. لذا كان على السائر أن يأخذ حذره.. ويتدرب المرة بعد المرة.. ويحاول ويعيد، ثم يحاول ويعيد حتى ينجح في ترويض نفسه على عبور تلك الجسور.

وبعد – أيها السائر الحبيب: فيا سعادة من جاهد تلك الآفات. نعم: إنها أشواك، لكنها أشواق.. يستشعر فيها السائر لذة الألم لله واحتساب الأجر من الله.. فدس الشوك، وسر إلى الله..
فقد اقتضت سنة الخالق أن العسل لا يحصل عليه إلا بلسع النحل، فما كان للمسافر إلى الله أن يحصل على ما يفيده في طريق وصوله إلا بشيء من المكابدة والعسر.
يقول ابن القيم – عليه رحمة الله:- "وما أقدم أحد على تحمل مشقة عاجلة إلا لثمرة مؤجلة، فالنفس موكلة بحب العاجل، وإنما خاصة العقل: تلمح العواقب ومطالعة الغايات، وأجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يدرك بالنعيم وأن من رافق الراحة حصل على المشقة وقت الراحة في دار الراحة فإنه على قدْر التعب تكون الراحة".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
من كتاب "أصول الوصول"

Post: #592
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:03 PM
Parent: #501

أحيانا بدافع الفضول.. وأحيان أخرى بدافع دفع الملل المتسلل إلى النفس.. وربما لجذب اهتمام مفقود لم تجده داخل الأسرة، وتارة بدافع البحث عن عريس الغفلة.. وكلها في الحقيقة يجمعها شيء واحد هو وسوسة شيطانية وحيل إبليسية لدخول هذه الغرف المسماة بغرف الدردشة أو الشات.

كثيرا ما تكون البداية بريئة أو من فتاة ساذجة لا تدري حقيقة الذئاب المتخفية وراء شاشة الكمبيوتر ولوحة المفاتيح، هذه الكلاب الباحثة عن قطعة لحم تلتهمها أو فريسة جديدة مسكينة تفترسها.. وآآه من النتائج المؤلمة والحكايات المرعبة والخواتيم المظلمة.. ولا شك أن ما خفي كان أعظم.
قصص المصائب كثيرة وقل من يتعظون، لأن كل فتاة تظن أنها أذكى من سابقتها وأنها ليست كصاحبتها، ولكن سرعان ما تسقط سقطتها وتضاف حكايتها إلى قاموس حكايات الضحايا.. نعم قد لا يصل الأمر أحيانا إلى نتائج قاسية وإن كان يصل في أحيان أخرى إلى قصص صادمة ونهايات قاتمة, ولكنه في كل الحالات يترك جرحا كبيرا وأثرا بالغا ونتوءًا غائرا في نفس الضحية وبدوره على المجتمع.
هذه قصة قرأتها من ضمن ما قرأت لفتاة تقول إنها كانت داعية (هكذا تزعم) لم يزل بها إبليس يوسوس ويسول ويزين ويمني بفتح أبواب للخير ولم تدر ـ وهي الداعية ـ أنه إنما يريد اصطيادها وأن شباكه تلتف حول عنق قلبها لتقتل فيها الإيمان وتسرق العفة وتذهب الحياء، نسيج محبوك من صائد محترف قل أن يطيش سهمه إلا عمن حفظه الله.. فأصابها سهمه ولم تشعر بمصيبتها إلا بعد أن وقعت في حبائله.
تحكي الفتاة قصتها مع غرفة المحادثة فتقول:
أنا فتاة جامعية عمري 30 عامًا, كنت أدخل المنتديات الشرعية بهدف الدعوة إلى الله, وكانت لديّ الرغبة أن أشارك في حوارات كنت أعتقد أنها تناقش قضايا مهمة وحساسة تهمني في المقام الأول وتهم الدعوة مثل الفضائيات واستغلالها في الدعوة, ومشروعية الزواج عبر الإنترنت ـ وكان من بين المشاركين شاب متفتح ذكي، شعرت بأنه أكثر ودًا نحوي من الآخرين, ومع أن المواضيع عامة إلا أن مشاركته كان لدي إحساس أنها موجهة لي وحدي ـ ولا أدري كيف تسحرني كلماته؟ فتظل عيناي تتخطف أسطره النابضة بالإبداع والبيان الساحر ـ بينما يتفجر في داخلي سيل عارم من الزهو والإعجاب ـ يحطم قلبي الجليدي في دعة وسلام, ومع دفء كلماته ورهافة مشاعره وحنانه كنت أسبح في أحلام وردية وخيالات محلقة في سماء الوجود.
ذات مرة ذكر لرواد الساحة أنه متخصص في الشؤون النفسية ـ ساعتها شعرت أنني محتاجة إليه بشدة ـ وبغريزة الأنثى ـ أريد أن يعالجني وحدي, فسولت لي نفسي أن أفكر في الانفراد به وإلى الأبد ـ وبدون أن أشعر طلبت منه بشيء من الحياء ـ أن أضيفه على قائمة الحوار المباشر معي, وهكذا استدرجته إلى عالمي الخاص. وأنا في قمة الاضطراب كالضفدعة أرتعش وحبات العرق تنهال على وجهي بغزارة ماء الحياء, وهو لأول مرة ينسكب ولعلها الأخيرة.
بدأت أعد نفسي بدهاء صاحبات يوسف ـ فما أن أشكو له من علة إلا أفكر في أخرى. وهو كالعادة لا يضن عليّ بكلمات الثناء والحب والحنان والتشجيع وبث روح الأمل والسعادة, إنه وإن لم يكن طبيبًا نفسيًا إلا أنه موهوب ذكي لماح يعرف ما تريده الأنثى..
الدقائق أصبحت تمتد لساعات, في كل مرة كلماته كانت بمثابة البلسم الذي يشفي الجراح, فأشعر بمنتهى الراحة وأنا أجد من يشاركني همومي وآلامي ويمنحني الأمل والتفاؤل, دائمًا يحدثني بحنان وشفقة ويتوجع ويتأوه لمعاناتي ـ ما أعطاني شعور أمان من خلاله أبوح له بإعجابي الذي لا يوصف, ولا أجد حرجًا في مغازلته وممازحته بغلاف من التمنع والدلال الذي يتفجر في الأنثى وهي تستعرض فتنتها وموهبتها، انقطعت خدمة الإنترنت ليومين لأسباب فنية, فجن جنوني.. وثارت ثائرتي.. أظلمت الدنيا في عيني..
وعندما عادت الخدمة عادت لي الفرحة.. أسرعت إليه وقد وصلت علاقتي معه ما وصلت إليه.. حاولت أن أتجلد وأن أعطيه انطباعاً زائفاً أن علاقتنا هذه يجب أن تقف في حدود معينة.. وأنا في نفسي أحاول أن أختبر مدى تعلقه بي.. قال لي: لا أنا ولا أنت يستطيع أن ينكر احتياج كل منا إلى الآخر.. وبدأ يسألني أسئلة حارة أشعرتني بوده وإخلاص نيته..
ودون أن أدري طلبت رقم هاتفه حتى إذا تعثرت الخدمة لا سمح الله أجد طريقًا للتواصل معه.. كيف لا وهو طبيبي الذي يشفي لوعتي وهيامي.. وما هي إلا ساعة والسماعة المحرمة بين يدي أكاد ألثم مفاتيح اللوحة الجامدة.. لقد تلاشى من داخلي كل وازع..
وتهشم كل التزام كنت أدعيه وأدعو إليه.. بدأت نفسي الأمارة بالسوء تزين لي أفعالي وتدفعني إلى الضلال بحجة أنني أسعى لزواج من أحب بسنة الله ورسوله.. وتوالت الاتصالات عبر الهاتف.. أما آخر اتصال معه فقد امتد لساعات قلت له: هل يمكن لعلاقتنا هذه أن تتوج بزواج؟ فأنت أكثر إنسان أنا أحس معه بالأمان؟! ضحك وقال لي بتهكم: أنا لا أشعر بالأمان. ولا أخفيك أنني سأتزوج من فتاة أعرفها قبلك. أما أنت فصديقة وتصلحين أن تكوني عشيقة، عندها جن جنوني وشعرت أنه يحتقرني فقلت له: أنت سافل.. قال: ربما, ولكن العين لا تعلو على الحاجب.. شعرت أنه يذلني أكثر قلت له: أنا أشرف منك ومن... قال لي: أنت آخر من يتكلم عن الشرف!! لحظتها وقعت منهارة مغشى عليّ... وجدت نفسي في المستشفى, وعندما أفقت - أفقت على حقيقة مرة, فقد دخلت الإنترنت وأنا أظن أني داعية, وتركته وأنا لا أصلح إلا عشيقة..
ماذا جرى؟! لقد اتبعت فقه إبليس اللعين الذي باسم الدعوة أدخلني غرف الضلال, فأهملت تلاوة القرآن وأضعت الصلاة ـ وأهملت دروسي وتدنى تحصيلي, وكم كنت واهمة ومخدوعة بالسعادة التي أنالها من حب النت.. إن غرفة المحادثة فتنة.. احذرن منها أخواتي فلا خير يأتي منها.
ختامًا..
أنقل كلاما جميلا قرأته حول موضوع الشات موصفا ومحذرا يقول:
مواقع الشات أو غرف المحادثة للأسف الشديد تعطي صورة مشوهة لمجتمعنا المسلم. وأول ما تسمع عن هذه الغرف يتبادر إلى ذهن العاقل الإسفاف وقلة الذوق والحياء ـ ولا يخفى على الجميع أن رواد هذه الغرف من المراهقين العابثين من الرجال والنساء ـ وتصرفاتهم صبيانية ليس إلا, ولتعلم كل فتاة تعتز بقيمها ودينها وتحافظ على شرفها وكرامتها أن ترددها على غرف المحادثة هو تردد على أماكن مشبوهة وعيب لا تريد أن يعرف عنه أحد شيئًا, كما أن ما تقوم به من محادثة مع أجنبي يجب أن تستدرك معه أن الله مطلع عليها وتخشى أن تنزل بها عقوبة بما اقترفته من إثم.
اسلام ويب

Post: #593
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:04 PM
Parent: #501

قصص عنف الشباب لا تكاد تحصى لكثرتها.. لا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن مأساة جديدة، أو حادثة عجيبة فريدة، حتى أصبح الأمر ظاهرة تحتاج إلى نظر في أسبابها وآثارها وكيفية علاجها.

ولا يخفى على ذي عين باصرة مظاهر العنف التي ملأت أرجاء الأرض، وأركان الدنيا، وشباب العالم، والتي لم يصبح أبناؤنا بمعزل عنها ولا شبابنا منها ببعيد؛ فقد طالتهم كما طالت غيرهم، وليس هذا بمستغرب بعد أن أصبح العالم صغيرا متقاربا كأنه يعيش في مكان واحد، وبعد العولمة التي غزت العالم وكنا نحن المسلمين وأبناء الشرق أكثر المتأثرين بها والمتضررين منها. وكذلك بعد أن تشابهت أسباب ذلك العنف بين شباب العالم في معظمها أو في بعضها غير القليل على أقل تقدير.
فمن مظاهر هذا العنف
حوادث القتل بأنواعها، وزيادة حوادث الاختطاف، وانتشار أعمال البلطجة، وكذلك عنف الشباب مع آبائهم وأمهاتهم، وإخوانهم وأخواتهم، وجيرانهم والناس من حولهم.. وكذلك من أوضح هذه المظاهر العنف في المدارس ـ سواء في ذلك البنين والبنات ـ والشللية في المتوسطات والثانويات، وسوء المعاملة مع المدرسين والمسؤولين، وكسر الممتلكات العامة وحرقها، وحوادث الاغتصاب وفعل الفواحش بالقهر والقوة وتحت تهديد السلاح، وكثرة المعارك بين الشباب والتي يستخدم فيها الأسلحة البيضاء والسيوف والسلاسل الحديدية وغيرها من المظاهر المنتشرة بين الشباب.
ولا شك أن هذه الظاهرة لها أسبابها التي أدت إليها أو ساعدت عليها:
ومن هذه الأسباب
العنف الأسري: والمتمثل في الضرب المبرح للأبناء، ودوام التوبيخ والتجريح والنقد والتحقير، وعدم وجود أي عبارات للتشجيع والثناء والمديح، والتكليف بما لا يطاق أحيانا، ومحاولة بعض الآباء أن يحقق ابنه ما فشل هو في تحقيقه؛ كأن يجبره على سلوك عمل معين، أو دراسة شيء معين هو لا يحبه ولا يهواه.. وقد عد كثير من العلماء النفسيين والمحللين والمتخصصين هذا من أكبر أسباب العنف لدى الأبناء إذ إن النشأة عليها دور كبير ومعول عظيم في تشكيل نفسية الناشئ.. ثم قد يكون هذا العنف من أحد الأبوين أو من كليهما ناتجا عن تربيتهما الأولى وموروثا عنها فيخرج الوالد عنيفا ويتعامل مع أبنائه كما تعومل معه.. أو بسبب تعاطيهما أو أحدهما المخدرات والمسكرات التي تعد من أسباب العنف في البيوت، وكذلك الثقافة الخاطئة أو سوء الفهم باعتقاد الأب أن الغلظة في التعامل هي الرجولة وهي القوامة، وهو لا شك مفهوم خاطئ، وقد كان صلى الله عليه وسلم أعظم الناس رجولة ومع ذلك كان أكثرهم رأفة ورحمة.
الشعور بالنقص: كذلك من أسباب العنف، ويكثر في الأيتام، أو الأبناء غير الشرعيين، وهؤلاء إن لم يحاطوا برعاية وعناية نشؤوا ناقمين على مجتمعاتهم، فيكثر فيهم التجبر والعصيان والانحراف إلا من رحم الله.
وربما كان الشعور بالنقص ناتجا عن سوء تربية في البيت أو سوء معاملة من مدرس أو مسؤول. ولهذا نلفت أنظار المربين خصوصا المدرسين، أن يحذروا جرح الطلاب ووسمهم بالنقص لأنه إذا أحدث فيه نقصا فسيحدث فيه ذلك ـ في الغالب ـ دافعا أن ينتقم، فإن لم يستطع أن ينتقم من أستاذه تحول إلى العنف مع أصحابه ليغطي هذا النقص الذي أصابه.

وللثقافة التي ينشرها الإعلام ـ خاصة المرئي منه ـ الدور الأكبر في نشر ثقافة العنف بين الشباب، فأفلام الرعب، وأفلام "الأكشن" كما يسمونها، ولون الدماء التي تغطي كل شيء فيتعود الإنسان على رؤيتها، مع تبجيل أصحاب البطولة في هذه الأفلام والمسلسلات حتى يتوهم الشاب أن البطولة في الضرب والقتل والسلب والنهب وتصبح هذه الثقافة هي السائدة، خصوصا حين يتقمص الصبي دور البطل ويعيش معه في عقليته وداخليته. دون نظر للتاريخ الذي يحكي عنه الفيلم أو المسلسل، أو النظر للاختلاف بين الواقع المعاش وزمن القصة المرئية. ولكنها شئنا أم أبينا ثقافة تتسلل إلينا وإلى شبابنا.
وأهم من هذا كله أن الإعلام جعل هؤلاء هم القدوة، يتصدرون صفحات الجرائد والمجلات، ويعتلون المنابر الإعلامية، ويستضافون على موائد برامجها، وكأنهم أبطال حقيقيون مما يجعل الأبناء يتمنون أن يكونوا أمثالهم فعلا.
ووسائل الإعلام أيضا حين تكرس لمفهوم الفوارق الاجتماعية بين الأفراد بما تبثه وتطرحه فهي تكرس في ذات الوقت لزيادة العنف بين أصحاب الطبقات المهمشة والمهملة إعلاميا على الأقل.

انتشار البطالة بين الشباب: وعدم توفير فرص للعمل مما يصيب بالشعور بالإحباط وخيبة الأمل واليأس من المستقبل، وعدم القدرة على فتح بيت وتكوين أسرة مع تأخر سن الزواج المتزامن مع التطرف الشديد في ملابس الفتيات ومشاهد العري في القنوات مما يؤدي إلى الكبت الداخلي، والذي يعبر عنه غالبا في صورة من صور العنف الخارجي.

ضعف الفهم للدين: وهذا من ضمن الأسباب فقد يكون هناك ضلال في فهم الشاب ـ كما في بعض الجماعات المتطرفة والتي تتخذ من العنف وسيلة للتعبير عن أفكارها وآرائها.
وقد يكون عنف الخطاب الديني عند بعض المتصدرين والمتحدثين باسم الدين، والشحن الزائد عن الحد، أو مطالبة المدعوين بما لا يطيقونه، وعدم مراعاة حال الناس وواقعهم وحدود إمكانياتهم.. هذا كله مما يزيد التوتر عند السامعين وينعكس عليهم عنفويا.. لكننا ننبه أن هذا الخطاب لا يكون إلا عند تصدر غير المتأصلين علميا، وبعض من لا علم عنده، أو تصدر الأصاغر.

أخيرا: ضعف قنوات الحوار بين الشباب والجهات المعنية بحل مشكلاتهم، مع ضعف القدرة على الإقناع الثقافي والديني لدى بعض المتخصصين في الندوات القليلة أو من خلالا وسائل الإعلام، فالكل غالبا يتعامل مع هذه المشكلات بسطحية شديدة دون معالجة حقيقية لتلك المشكلات، أو إيجاد حلول واقعية وسليمة ومشاهدة لا مجرد وعود بل ربما لا توجد هذه الوعود أصلا.

وسائل العلاج
إذا كانت هذه هي بعض الأسباب التي نتجت عنها ظاهرة العنف بين الشباب، فلا شك أن معالجة تلك المشكلة لا يكون إلا بمعالجة تلك الأسباب والبحث في نشر ثقافة تربوية عند الآباء والمربين والمدرسين في كيفية التعامل مع النشء وتوجيههم بعيدا عن الشدة والعنف.
كما أن نشر ثقافة التراحم والتفاهم ونبذ التشدد والاعتماد على العقل وتقديم الأذكياء ومدحهم يساعد في نبذ الاعتماد على العضلات في حل المشكلات.
إننا نناشد المسؤولين عن وسائل إعلامنا الالتفات إلى كل ما يقدم؛ فهو في النهاية يؤدي إلى ترسيخ عقائد ومفاهيم تؤثر سلبا أو إيجابا على عقلية المتلقي وفكره وثقافته، فلابد من العناية بما يعرض على الشاشات أو في الصحف أو غيرها من وسائل الإعلام بجميع أنواعها.. مع التركيز الشديد على إدانة العنف وسياسة أخذ الحقوق بالقوة دون الرجوع إلى القوانين والضوابط الموضوعة.
وإذا كانت البطالة سببا مؤثرا في هذا الباب فإيجاد فرص عمل وشغل الشباب بما يفيد، وتيسير مصادر دخل وأسباب بناء الأسر ضرورة من ضرورات حل هذه المشكلة.
لابد من نشر سياسة الحوار بين الشباب والجهات المعنية، ودراسة المشكلات بكل شفافية وترك الفرصة للشباب ليتحدث عن نفسه وعن حاجاته، وأن يكون المسؤولون عنهم ممن هم أقرب إلى أعمارهم وأفهامهم وعقولهم وأعرف بمتطلبات مرحلتهم.. مع الشفافية والصدق في إيجاد حلول حسب الإمكانيات المتاحة والمتيسرة لدى الدول، دون الوعود البراقة والأماني الكاذبة والتي تعود بمردود معكوس وغير مرغوب.
هذه كانت خطرات، وتبقى الحلول في حيز الأمنيات، ولكننا نسأل الله الأمن لبلادنا والعصمة لأبنائنا وشبابنا والحياة الرغيدة الآمنة الرحيمة لأمتنا ودولنا.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
همام الحارثي

Post: #594
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:06 PM
Parent: #501

كثير هذا الذي يريده الوالدان من ابنهما المراهق، وكثير ما يطلبون منه عمله، والواقع يقول أن الآباء هم من يطلب ويريدون أن يقبل الابن ويستجيب ويطيع وإلا اعتبروه عاقا وغالبا ما تعلق الأسباب في هذه الفترة على شماعة المراهقة.
والحقيقة أن للمراهقين أيضا طلبات ولديهم أمنيات، وكما يريد الأبوان منهم كذلك يريدون هم من والديهم.. فماذا يريد المراهق من والديه.
ذكر الدكتور عبدالكريم بكار في كتابه "المراهق.. كيف نفهمه وكيف نوجهه" مجلسا للأماني جمع ثلاثة من المراهقين فتمنى كل واحد منهم أمنية ود لو تحققت .. يقول الدكتور حفظه الله:
اجتمع ثلاثة من المراهقين في إحدى الحدائق، وأخذ كل واحد منهم يشكو من أن أهله لا يفهمونه على الوجه الصحيح، ومن ثم فإنهم لا يعاملونه المعاملة التي يستحقها ، وحين أفاضوا في الشكوى والتذمر قال أحدهم: ما رأيكم أن نحوّل هذه الجلسة من جلسة شكوى إلى جلسة للتمني والحلم بأشياء جميلة؟
سأله صديقه: ما الذي تعنيه بالضبط؟
قال: أريد من كل واحد منكم أن يحلم بأهم ما يتمناه من معاملة أهلة له، لنرى هل ما نعاني منه، وما نتمناه موحّد أو مختلف؟
واستحسن الثلاثة الفكرة، وشرعوا في التمني:
قال الأول:
أتمنى على أهلي أشياء كثيرة، منها:
1- أن يدركوا أن ما ينكرونه عليّ من تصرفات ومظاهر، هي أمور شائعة بين المراهقين، وهم يظنون أنني وحدي أفعل ذلك. أنا أحيانا أقول: إن أهلي على حق، لكن أنا لا أستطيع أن أظهر أمام زملائي وأصدقائي وكأني قادم من القرن التاسع عشر.
2- أتمنى أن يعرف والدي أنني لم أعد طفلا، وأنني لا أستطيع الآن أن أسمع الأفكار الخاطئة دون أن أعترض عليها كما كنت أفعل ما كنت صغيرا، أنا الآن أعرف الكثير من الأمور، بل ربما عرفت أمورًا لا يعرفها أحد في أسرتي، فلماذا لا أتحدث عنها؟
3- أتمنى أن تكون ذاكرة أمي قوية جدا حتى لا تكرر نصائحها لي في الصباح والمساء، فأنا قد سئمت من المواعظ المكررة وغير المفيدة.
4- أتمنى أن يدرك أبي أني لا أحب أن أظهر معه في أي مكان، حتى لا أسمع تعليقات جارحة من زملائي، لكن كيف يمكن أن يعرف أبي هذه الأمنية؟ هذا صعب جدا.
قال الثاني:
أنا أتمنى من أهلي شيئين فقط:
الأول: أتمنى على والدي إذا تحدث معي ألا يوجه لي أي نصيحة، أريد أن يسألني عن اهتماماتي وأنشطتي، وعن الأمور التي حققت فيها نجاحات جيدة فقط.
الثاني: أتمنى أن يعاملني أبي بالطريقة التي يعامل بها أصدقاءه.
قال الثالث: أنا أعرف أننا نتمنى، وأن ما نتمناه لن يحدث، ولهذا سأقتصد في التمني، وأقول: أنا لا أريد من أبي سوى شيء واحد، هو أن يتذكر تصرفاته حين كان في مثل سني، وأنا واثق أنه لو استطاع فعل ذلك فسيدرك أنه لم يختلف عني كثيرا.
إن فهمنا لطبيعة مرحلة المراهقة يجعلنا نميز جدا بين ما هو طبيعي في حياة أبنائنا المراهقين، وما هو غير طبيعي، وبناء على هذا التمييز نحدد الأسلوب الأمثل للتعامل معهم.(ا.هـ كلام الدكتور بكار).
وأقول: إن على الآباء أن يدركوا طبيعة مرحلة المراهقة عند أبنائهم، وأن يدرسوا متطلبات تلك المرحلة، وعليهم أن يعلموا تمام العلم أن الأبناء في هذا السن ليسوا مجرد متلق للأوامر أو محط للأمنيات، وليسوا حقول تجارب يحاول كل أب أن يحقق في ابنه أماني فشل هو في تحقيقها لنفسه، وإنما الأبناء لهم عقول ولهم أفكار وعندهم أمنيات ولهم متطلبات يتمنى كل واحد أن يتفهمها والداه.. فليتنا نتقن فن الاستماع كما نتقن فن الكلام وإلقاء الأوامر.
اسلام ويب

Post: #595
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:08 PM
Parent: #501

لدى كل المراهقين أسباب دائمة ومستمرة للغضب، ويقع في قمة تلك الأسباب نظرتهم الخاصة للحياة مما يجعل طموحاتهم وانطباعاتهم مختلفة عما لدى أسرهم منها، ويمكن أن نضيف إلى ذلك ارتباكهم الشخصي واضطرابهم في تعاملهم مع أنفسهم والتغيرات الجسمية والنفسية السريعة التي تطرأ عليهم خلال مرحلة المراهقة. مهما يكن الأمر، فإن الكبير يستطيع استيعاب الصغير، وجعلَ الغضب لديه يقف عند حدود معينة بشرط الاهتمام بذلك، والحقيقة أن لدينا الكثير من الآباء والأمهات الذين لا يشعرون بأشكال الأسى التي تتراكم في نفوس أبنائهم، فتجعلهم أشبه بقِدْر الضغط التي أُشعلت تحتها النار، وسُدّت جميع منافذها ...

أساليب لتخفيف غضب المراهق:
يستطيع الآباء والأمهات أن يخفضوا من حدة غضب أولادهم، بعدد من أساليب التعامل، منها:
أ‌- السماح للفتيان و الفتيات بالتعبير عما يجول في صدورهم من الاعتراضات والانتقادات، والشرط الوحيد هو أن يعبروا بطريقة صحيحة، ليتحدث الواحد منهم بصراحة تامة عن كل ما يزعجه وعن كل ما يراه غير لائق داخل أسرته، لكن بطريقة هادئة ومهذبة.

هذه بنت تشعر بأن والدتها غير عادلة في قسمة الأعمال المنزلية، فهي دائما تكلفها بالأعمال المزعجة، وذات يوم قالت لها والدتها: يا فلانة عليك أن تفعلي كذا وكذا، وعلى أختك فلانة أن تفعل كذا وكذا.. فما كان من البنت إلا أن انفجرت بالبكاء وصرخت في وجه والدتها: هذه قسمة غير عادلة، أنا منذ ثلاث سنوات أتعرض لظلم مقصود، ولن أسكت بعد اليوم ..

كانت والدتها حكيمة وصبورة، فسمحت لها بإفراغ الشحنة العاطفية لديها، وبعد أن هدأت قالت لها: أنا أدركت الآن يا بنيتي أنني لم أكن عادلة في القسمة، ولكن ثقي أن ذلك لم يكن مقصودًا، فكل واحدة منكما بمنزلة إحدى عيني، ولكن يا بنتي لم تكوني على صواب حين صرخت واتهمت... وأخذت الأم ببيان الأسلوب الصحيح للاحتجاج، واعتذرت البنت، وقبلت الأم الاعتذار، وقالت: الآن سأستدرك على ما أعتقد أنه خطأ وقعتُ فيه، وذلك بأن تتبادلي مع أختك العمل لمدة سنة، فما كنت تنجزينه في الماضي، تقوم أختك بإنجازه، وما كانت أختك تنجزه تقومين أنت به، وشعرت البنت فعلا بالرضا والطمأنينة.

ب‌- كثيرا ما يكتسب المراهقون الجرأة على الكلام الخشن والمواقف الحادة مما يشاهدونه في بيوتهم، فإذا كانت الأم كثيرة الغضب، أو كان الأب شديد النزق، فإن الأبناء يقلدونهم، ومع الأيام يستسهلون الصياح في وجوه آبائهم، ومن هنا فإن توفير بيئة هادئة مهذبة يساعد كثيرا على تنشئة أبناء هادئين ومنضبطين، وهذا يواجهنا جميعا ولا سيما أصحاب الطباع الحادة منا.

ت‌- نحن كثيرا ما نقع في خطأ فادح وهو متابعة الأبناء وتوجيه الملاحظات المستمرة لهم، وحين يكون هناك شيء إيجابي، فإننا لا نجد في معظم الأحيان الحماسة لتشجيعه والثناء عليه، وهذا يجعل المراهق يشعر بالغضب والضيق وشيء من الظلم، ومع الأيام تتراكم هذه المشاعر لتنفجر بطريقة غير واعية في صورة رفض ونزاع وعناد وخروج عن حدود الأدب في خطاب الأبوين. المطلوب هو غض الطرف عن الهفوات، وتقليل الملاحظات، إلى جانب الكرم في الثناء والتحفيز.

أحد الآباء يدخل دائما في صراع مع أبنائه، فإذا طلب من أحد أبنائه القيام بعمل، وأخذ الولد يتمتم بكلمات غير مسموعة، قال له: قف عندك، وأعد ما قلته، وهنا يرتبك الولد، ويشعر بحرج شديد، ولا يدرك الأب أن تمتمة ابنه هي للتنفيس عن الكرب الذي يشعر به، وأنه لا يعني ما يقول.

أب آخر يجري معه مثل ما جرى مع صاحبنا، لكنه يتعامل مع الأمور بسماحة أكثر، وبصبر أشد، إنه يتجاهل ما يراه، ويسمعه أو يحس به من أمور غير مناسبة، وفي ساعة صفاء يقول لابنه: في بعض الأحيان تتمتم بعبارات لا أسمعها، وأعتقد أنها ليست مناسبة، أنا أود أن تناقشني بهدوء في أي وقت عن سبب عدم اقتناعك بتنفيذ ما طلبته منك، وأنا جاهز للتراجع إذا ثبت أنه غير مناسب.

المراهق كائن يشعر في أحيان كثيرة أنه يفتقر إلى التوازن، وإلى ضبط رغباته ونزعاته، ويشعر أنه مغلوب على أمره، وإن إدراكنا لهذا سوف يجعلنا نعامله بالرحمة والشفقة عوضا عن أن نطبّق عليه القوانين الاجتماعية الصارمة.
د.عبدالكريم بكار-اسلام ويب

Post: #596
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:09 PM
Parent: #501

إنَ من يتتبعُ التاريخَ.. ويستعرضُ المواقفَ الحاسمةَ، والساعاتِ العصيبةَ في تاريخِ الأمةِ، يرى على رأسِ كلِّ قضيةٍ منهَا، وفي كلِّ أزمةٍ ومحنةٍ تتهددُ كيانَ هذهِ الأمةِ، وتتحدَى شرفهَا، وكرامتَها رجلاً من العصاميينَ يستولي على قلبهِ الحزنُ، والاهتمامُ بهذهِ الحالةِ، فيذهلُ عن نفسِه وأهلهِ ويهجرُ راحتُه، ولذتُه، وتتلخصُ الحياةُ عندهُ في حلِّ هذِه الأزمةِ، وفضِّ هذهِ المشكلةِ، فلا يقر لهُ قرارٌ، ولا يهدأُ له بالُ حتىَّ تنجلي هذهِ الغمرةُ، ويرى نفسُه مكلفاً بذلكَ، وكأنمَا خُلِقَ لهُ، وأُمِرَ بِه، ولا يرى لنفسهِ عذراً في الاعتزالِ والانصرافِ إلى النفسِ والعيالِ، وإليكمْ بعضَ النماذجِ من تاريخنَا.

لقدْ علمتمْ ما أصابَ المسلمينَ على إثرِ وفاةِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم من المحنِ، فقدْ أصيبُوا بِمَا لم تصبْ بهْ أمةٌ في فجرِ حياتِهَا، وأشرفتْ الدعوةُ الإسلاميةُ على الضياعِ، حسبكمْ قولُ عروةَ بن الزبيرِ: إنَّ المسلمينَ كانُوا كالغنمِ المطيرةِ في الليلةِ الشاتيةِ، ولكنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى قدْ قيّضَ لهذِه المحنةِ أبَا بكرٍ الصديقَ رضيَ اللهُ عنُه، فقامَ قيامَ الأنبياءِ، وليسَ بنبيْ، وركزَ فكرهُ، وهمهُ على حراسةِ هذا التراثِ العظيمِ،وردِّ الأمرِ إلى نصابِه، وأفرغَ روحهُ في ذلكَ، وملكتُه هذه الفكرةُ حتى نسيَ نفسهُ، وكلَّ ما عدَا ذلكَ، وكانَ رجلاً غيرَ الرجال، لقد عُرِفَ بالرفقِ الزائدِ، وإيثارِ جانبِ اللينِ دائماً على جانبِ الشدةِ والعنفِ، فتصلبَ، وخَشُنَ في هذهِ المرةْ، حتى فاقَ في ذلكَ عمرَ بن الخطابِ المعروفُ بالشدةِ والصلابةِ؛ لأنَّ الموقفَ يطلبُ ذلكَ.

رأَى أبو بكرٍ أنهُ القائمُ على هذهِ الأمانةِ العظيمةِ، والمسؤولُ عنَها، ففاضتْ على شفتيهِ تلكَ الكلمةُ البليغةُ المأثورةُ التي تُمَثِلِ نفسيتهُ، وشعورهُ خيرَ تمثيلٍ: أينقضُ الدينُ وأنا حيٌّ؟ وبهذه الغيرةِ الملتهبةِ، والقلبِ المتألمِ، والنفسِ الأبيةِ، استطاعَ أبو بكرٍ أن يحفظَ هذا الدينَ ويورثهُ الأجيالَ القادمةَ كاملاً غيرَ منقوصٍ، قالتْ عائشةُ رضي اللهُ عنهَا: لما قُبِضَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ارتدتْ العربُ قاطبةً، واشرأبَّ النفاقُ، واللهِ لقدْ نزلَ بأبي مَا لو نزلَ بالجبالِ الراسياتِ لهاضَها.. وصارَ أصحابُ محمدٍ صلى الله عليه وسلم كأنهمْ معزىً مطيرةٌ في حشٍّ في ليلةٍ مطيرةٍ بأرضِ مسبعةٍ. فوالله ما اختلفُوا في نقطةٍ إلا طارَ أبي بِخُطَمِهَا وعنانهَا وفصلهَا، لذلكَ يقولُ أبو هريرةَ بحقٍ: (واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو، لولاَ أنَّ أبَا بكرٍ استُخْلِفَ مَا عُبدَ الله) قالهَا ثلاثاً.

وإذا انتقلنَا من القرنِ الأولِ إلى القرنِ السابعِ.. عندمَا تدفقتْ الجيوشُ الصليبيةُ من أوروبَا، واكتسحتْ فلسطينَ بما فيَها من إماراتٍ ومقدساتٍ، وكانتْ كالجرادِ المنتشرِ، ولم يقفْ في طريقهَا ملكٌ ولا جيشٌ، وعجزتْ الحكوماتْ الإسلاميةُ عن مقاومتَها، فاستولتْ على البلادِ والعبادِ، وهُدِدَتْ هذه الأمةُ العظيمةُ وحضارتهَا، وكانَ الخطبُ جسيماً، ووقفَ العالمُ الإسلاميُّ على مفترقِ الطرقِ، فلو جرتْ الأمورُ إلى مجاريَها لكانَ فريسةَ الاحتلالِ والاستعمارِ في القرنِ السادسِ كمَا كانَ في القرنِ التاسعِ عشرْ، وكانَ الأمرُ أعظمُ من أنْ يقومَ لهُ ملوكٌ وقوادٌ، ويكونُ الدفاعُ عن القدسِ واستقلالِ العالمِ الإسلاميِّ، بعضَ همومْهم أو من هوامشِ حياتِهِم، إنمَا كانَ ينبغي لهُ رجلٌ يكونُ الأمرُ كلَّ همهِ، كانَ ذلكَ الرجلُ السلطانَ صلاحَ الدينِ الأيوبي الذي اختارهُ اللهُ لهذه المهمةِ، وهيأَ هو نَفْسَهُ لها، فقدْ حَكَى عنهُ صاحبهُ القاضي بهاءُ الدينِ المعروفُ بابنِ شدادٍ أنه تابَ عن المحرماتِ وتركَ الملذاتِ، ورأَى أنَّ اللهَ سبحانهُ وتعالى خلقهُ لأمرٍ عظيمٍ لا يتفقُ معهُ اللهوُ والترفُ.

قامَ صلاحُ الدينِ للدفاعِ عن فلسطينَ، وردِ الغارةِ الصليبيةِ، وركزَ فكرُه عليهِ، وتفرغَ لهُ، واستولتْ عليهِ هذه الفكرةُ استيلاءً تاماً حتىَ لم تدع لغيرَها موضعاً.. يقولُ ابنُ شدادٍ في سيرتِه: لقد كانَ حبهُ للجهادِ والشغفُ بهِ قدْ استولىَ على قلبِه وسائرِ جوانحهِ استيلاءً عظيماً، بحيثُ مَا كانَ لهُ حديثٌ إلا فيهِ، ولا نظرٌ إلا في آلتهِ، ولقد هجرَ في محبةِ الجهادِ في سبيلِ اللهِ أهلهُ وأولادهُ ووطنهُ وسكنهُ وسائرَ بلادِه، وقَنِعَ من الدنَيا بالسكونِ في ظلِّ خيمتِه، تهبُّ بها الرياحُ ميمنةً وميسرةً، وكانَ الرجلُ إذا أرادَ أن يتقربَ إليهِ يحثُه على الجهادِ)

وقد حملَ السلطانُ همَّ القدسِ، فأخذَ منهُ كلَّ مأخذٍ، وحلَّ في قرارةِ نفسِه، قالَ ابنُ شدادٍ: وكانَ رحمهُ اللهُ عندُه من القدسِ أمرٌ عظيم لا تحملهُ الجبالُ.
ومهمَا حاولتُ أنْ أصفَ هذا الهمَ الذي استولىَ على صلاحِ الدين، وأصورَ ما كانَ فيهِ من قلقٍ وإزعاجٍ دائمٍ، وشدةَ اهتمامٍ باستردادِ البلادِ، وتحريرِ القدسِ وردِّ الأوربيينَ على أعقابهمْ، لا أستطيعُ أن أزيدَ على وصفِ ابن شدادٍ له بالوالدةِ الثكلَى، ولا أستطيعْ أن آتيَ بتعبيرٍ أبلغَ وأدقَ من هذاَ.
يقولُ رحمه اللهُ في وقعةِ عكَّا: (وهو ـ أي السلطانُ ـ كالوالدةِ الثكلىَ، يجولُ بفرسهِ من طلبٍ إلى طلبْ، ويحثُ الناسَ على الجهادِ.. ويناديْ بالإسلامِ وعيناهُ تذرفانِ بالدموعِ، وكلمَا نظرَ إلى عكَّا، وما حلَّ بهِا من البلاءِ، وما يجريْ على ساكنِيها من المصابِ العظيمِ، اشتدَّ في الزحفِ، والحثِّ على القتالِ، ولم يَطْعَمْ في ذلكَ اليومِ طعاماً البتةَ، وإنما شَرِبَ أقداحَ مشروبٍ كانَ يُشِيْرُ بها الطبيبُ).
ويقولُ في فتحِ الطريقِ إلى عكَّا: (والسلطانُ يواليِ هذهِ الأمورَ بنفسِه، ويُكَافِحُهَا بذاتِه لا يتخلفُ عن مقامٍ من هذه المقاماتِ، وهو من شدةِ مرضهِ، ووفورِ همتِه كالوالدةِ الثكلَى، ولقدْ أخبرني بعضُ أطبائِهِ أنهُ بقيَ من يومِ الجمعةِ إلى يومِ الأحدِ لم يتناولْ من الغذاءِ إلا شيئاً يسيراً لفرطِ اهتمامِه).
وقالَ في ذكرِ الواقعةِ العادليةِ: (لقد رأيتهُ رحمهُ اللهُ قدْ ركبَ من خيمتِه وحولُه نفرٌ يسيرٌ من خواصهِ والناسُ لم يتمَّ ركوبهمْ، وهو كالفاقدةِ ولدهَا، الثاكلةِ واحدهَا)

بهذا الهمِ الشاغلِ، والنفسِ القلقةِ، والقلبِ المنزعجِ استطاعَ صلاحُ الدينِ أنْ يكملَ مهمتهُ، ويكتسبَ الفتحَ المبينَ في معركةِ حطينَ، وما كانَ اجتماعُ الجيوشِ عندُه، والتفافُ الأمراءِ إلا صدىً لقلبهِ الخفاقِ، وإيمانهِ الفياضِ، وصدرهِ الجائشِ، وروحهِ الملتهبةِ، ولا ترونَ انتصاراً باهراً في التاريخِ، ومعركةً حاسمةً، إلا من ورائها قلبٌ يخفقُ، وعرقٌ ينبضُ، وليثٌ يثورُ، وشجاعٌ يغضبُ.

وبالمقابلِ.. فإنَّ تلكَ الأحداثَ العصيبة التي مرتْ بالأمةِ.. وقفَ لها رجالٌ.. خانُوا الأمةَ في أحلكِ الظروفِ.. وأحرجِ المواقفِ.. في وقتٍ كانتْ بأمسِ الحاجةِ إلى صمودهمْ وثباتهمْ في صفهَا.. فإذا بهمْ ينقلبونَ سهاماً تُغْرَسُ من خلفهَا.. وسيوفاً تُطْعَنُ في ظهرهَا.. فالدولةُ العباسيةُ من أعظمِ دولِ الإسلامِ.. وحكامهَا وإن أصابَ بعضهْم تقصيرٌ وخللٌ إلا أنهمْ من أعظمِ ملوكِ الإسلامِ أثرًا في تاريخِ المسلمينَ وفي عهدهمْ ازدهرتْ بيارقُ العلمِ من جهةٍ وازدهرتْ بيارقُ الجهادِ من جهةٍ فوصلتْ راياتُ المسلمينَ شرقًا وغربًا إلى ما لم تصلُه قبلَ ذلكَ، وبلغَ سلطانُ المسلمينَ ومُلْكُهُمْ أَوْجَهُمَا في عهدِ هارونَ الرشيد ذلكَ الملكُ العباسيُ العابدُ المجاهدُ الذي كانَ يغزوُ سنةً ويحجُ سنةً، ثمَ طرأتْ العللُ على هذهِ الدولةِ الإسلاميةِ العظيمةِ فَضَعُفَتْ، والسؤالُ الذي يطرحُ نفسهُ: كيفْ انهارتْ هذهِ الدولةُ الإسلاميةُ العظيمةُ؟!! لقد كانَ سببَ سقوطَها على يدِ وزيرٍ باطنيٍ رافضيٍ خبيثٍ وقصةُ ذلكَ أن آخرَ الخلفاءِ كانَ ضعيفَ الرأيَّ.. محبًا للأموالِ متبعًا للشهواتِ ومن غفلتِه اتخذَ وزيرًا باطنيًا رافضيًا خبيثًا هو محمدُ بنُ العلقمي فائتمنُه على شئونِ الدولةِ.. فأخذَ الوزيرُ الخبيثُ يصرفُ الجنودَ من حولِ الخليفةِ شيئًا فشيئًا حتىَّ إنُه لم يبقَ حولَ الخليفةِ في العاصمةِ العباسيةِ حينئذٍ بغدادْ، لم يبقَ فيهَا إلا عشرةَ آلافِ فارسٍ، ثمَ أخذَ محمدُ بنُ العلقميِّ يكاتبُ التتارَ حتى إذا أقبلتْ جيوشُ التتارِ متلاحمةً كالبحارِ أقبلتْ إلى بغدادَ وليسَ فيهَا حولَ الخليفةِ إلا تلكَ القوةِ الضعيفةِ من الجندِ زَيَّنَ، الوزيرُ بنُ العلقميِّ إلى الخليفةِ أن يخرجَ إلى هولاكُو قائدِ التتارِ من أجلِ التفاوضِ على الصلحِ فخرجَ الخليفةُ من غفلتِه ومعهُ سبعمائةٍ من الأعيانِ والقضاةِ والعلماءِ فقتلهمُ التتارُ عن بكرةِ أبيهمْ وقُتل الخليفةُ المستعصمُ بينَ يديْ هولاكُو صبرًا ومعهُ سبعةَ عشرَ من خواصِه منهمْ ثلاثةٌ من أبنائهِ.

وذكرَ المؤرخونَ أنَّ عدوَ اللهِ هولاكو التتريُّ الوثنيُّ تَهَيَّبَ في بادئِ الأمرِ من قتلِ الخليفةِ لمَا يعلمُ من مكانتِه في قلوبِ المسلمينَ، فأخذَ ابنُ العلقميُّ الوزيرُ الخائنُ الرافضيُّ الخبيثُ يُهَوِّنُ عليهِ ذلكَ ويُزَيِّنُهُ لهُ حتى قتلهُ، وابنُ العلقميِّ يتفرجُ على ذلكَ.

ثُمَّ دخلَ التتارُ بغدادَ.. وقدْ فتحَ أبوابهَا الوزيرُ ابنُ العلقميُّ.. فدخلُوا يقتلونَ وينهبونَ ويأسرونَ ويدمرونَ ويحرقونَ أربعينَ يومًا حتى أصبحتْ بغدادُ التي كانتْ حين ذاكَ زهرةَ مدائنِ الدنيَا أصبحتْ خرابًا يبابًا.. تنعقُ فيهَا البومُ، وقُتلَ فيهَا كما يذكرُ ابنُ كثيرٍ في تاريخِه حوالي ألفي ألفَ إنسانٍ أي حوالي مليونينِ من المسلمينَ والوزيرُ الرافضيُ الخبيثُ ابنُ العلقمي يتفرجُ على تلكَ الكارثةِ الهائلةِ التي حلتْ بالمسلمينَ.. وسقطتْ تلكَ الدولةُ العباسيةُ الإسلاميةُ العظيمةُ، التي استمرَّ ملكَها أكثرَ من خمسمائةِ سنةْ.. ولا حولَ ولا قوةَ إلا باللهِ.

ومن الرجالِ الذينَ لهم مواقفٌ مشهودةٌ في ضياعِ الأمةِ.. والذي على يديهِ تم سقوطُ الخلافةِ الإسلاميةِ العثمانيةِ.. مصطفى كمال.. الذي لَبِثَ في أولِ أمرهِ فترةً يتمسحُ بمسوحِ الإسلامِ ولقبَ نفسهُ بالغازيْ في سبيلِ اللهِ وأعلنَ الجهادَ ليخدعَ المسلمينَ لتنطلي حيلتهُ على السذجِّ ولقد انطلتْ حيلتهُ فعلاً.. حتى مدحهُ أحمد شوقي في قولهِ:
اللهُ أكبرُ كمْ في الفتحِ من عجبٍ .. .. يَا خالدَ التُرْكِ جَدِّدْ خالدَ العربِ

وانخدعَ بهِ وظنهُ فعلاً مجاهداً غازياً في سبيلِ اللهِ وما لبثَ ذلكَ الطاغوتُ أنْ كشرَ عنْ أنيابهِ فإذَا هو عدوُ للهِ ورسولِه، فتكَ بالمسلمينِ في ديارِ التركِ.. وسفكَ دماءَ علمائهمْ.. وحاربَ مظاهرَ الإسلامِ وشعائرهُ.. وحَرَّمَ التكلمَ والكتابةَ بالعربيةِ، واستبدلَ بها اللغةَ التركيةَ والحروفَ اللاتينيةَ.. وقد وصلتْ بهِ الوقاحةُ أنْ منعَ أنْ يُؤَذَّنَ بالعربيةِ.. وأوجبَ أنْ يكونَ الأذانُ بالتركيةِ من شدةِ سخريتِه بالإسلامِ والمسلمين..

لقدْ خدمَ الماسونيةَ خدمةً عظيمةً حتى قالُوا عنهُ كما في دائرةِ المعارفِ الماسونيةِ: (إن الانقلابَ التركيَ الذي قامَ بهِ الأخُ العظيمُ مصطفى كمالْ أتاتوركْ أفادَ الأمةَ، فقدْ أبطلَ السلطنةَ وألغىَ الخلافةَ، وأبطلَ المحاكمَ الشرعيةَ، وألغَى دينَ الدولةِ الإسلاميةِ، أليسَ هذَا الإصلاحُ هو ما تبتغيهِ الماسونيةُ في كلِّ أمةٍ ناهضةٍ فمنْ يماثلُ أتاتوركَ من رجالاتِ الماسونٍ سابقاً ولاحقاً). (صحوة الرجل المريض ص 273.)

هذهِ مواقفُ رجالٍ ورجالْ.. مواقفُ تباينتْ تباين ما بينَ المشرقِ والمغربِ.. مواقفٌ سُجِلت بمدادٍ من نورٍ.. ومواقفٌ أصبحتْ عاراً في جبينِ الأمةِ.. مواقفٌ يتفاخرُ بهَا أهلُ الإسلامِ على مدارِ الزمانِ.. ومواقفٌ تجلبُ الحزنَ والأسىَ كلمَا سنحتْ في ذاكرةِ أهلِ الإيمانِ.. أناسٌ أصبحَ همُّ الأمةِ وإصلاحِ أوضاعَها جاثماً على قلوبهمْ، آخذاً بمجامعِ أفئدتهمْ وأفكارهمْ، وأناسٌ أصبحُوا أداةَ تحركٍ لتحطيمِ الأمةِ ومقدراتهَا.
فمن أيْ الرجالِ تكونُ أنتْ؟! ومن أي المواقفِ موقفكَ؟!!

لا تقلْ: هذه مواقفُ أمراءُ ووزراءُ.. فقد كانَ هؤلاء لا شيءَ.. ولكنْ بجهدهمْ الدؤوبْ، وعملهُم المتواصلُ أصبحوا شيئا مذكوراً.
هذهِ الأمةُ اليومَ على مفترقِ طرقٍ، وتعاني أَلَمَ الاحتضارِ،فيَا تُرَى ما موقفكَ تجاهَها؟!! هلْ أخذَ الهمُ بمجامعِ قلبكَ.. فإذَا بكَ تَقْلِبُ حياتكَ كلهَا سُخْرَةً لدينكَ.. ونُصْرَةَ ملتكَ.. والدفاعُ عن عقيدتكَ؟!! أم أنكَ لا تزالُ غارقاً في بحرِ أمانيكَ.. سابحاً في محيطِ الشهواتِ والملهياتِ.. لا همَ لكَ إلا جمعُ الحطامِ الفاني!!

إنهُ لا يُرضَى لكمُ أن تكونُوا رجالاً لا يهمهمْ إلا المصالحَ الشخصيةَ والرفاهيةَ الفرديةَ؟، وأن يكونُوا ذلكَ الساقطِ الهمةِ الذي ذمهُ الشاعرُ بقولِه:
لحَا اللهُ صعلوكاً مناهُ وهمُّهُ .. .. من العيشِ أنْ يلقىَ لبوساً ومطعمَا

ويَا ليتَ شبابَ الإسلامِ بلغُوا في علوِّ همتهمْ، وطموحهمْ مبلغَ الشاعرِ الجاهلي امرئِ القيسْ حيثُ قالَ:
ولو أنِني أسعىَ لأدنىَ معيشةٍ .. .. كفانِي ولمْ أطلُبْ قليل من المالِ
ولكننِي أســعىَ لمــجدٍ مـؤثلٍ .. .. وقد يدركُ المجدَ المؤثَّلَ أمثاليِ
إن المجدَ المؤثلَ وهو الذي يحلمُ به الشاعرُ الطموحُ، هو الذي نشدهُ عمرُ بن عبدالعزيز فأدركُه، وسعىَ له طارقُ بنُ زيادٍ ومحمدُ بن القاسمِ الثقفيِّ فوصلاَ إليهِ، وهو الذي يليقُ أن يكونَ غايتكُم المنشودةَ، إنكمْ بحقٍ أحقُ الناسِ بأنْ تضحُوا برفاهيتكمْ، وترفكمْ وأمانيكمْ المعسولةَ في سبيلِ الإسلامِ، وفي سبيلِ المصلحةِ العامةِ، والسعادةِ البشريةِ، وتنضمُوا إلى الرايةِ المحمديةِ، التي اختارهَا اللهُ لكمْ رايةً، واختاركمْ لهَا أمةً وجنداً إلى آخرِ الدهرِ {وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو موالكم فنعم المولى ونعم النصير}.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
موسوعة الرد على المذاهب 27/206

Post: #597
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:10 PM
Parent: #501

لكل منا نقطة ضعفه التي يتسلل منها الشيطان إلى قلبه لينقل إليه العدوى ويبث النجوى، وهي تختلف من مريض لآخر، لكن الحاذق اليوم هو من عرف نقطة ضعفه، وابتعد عن كل ما يوصل إليها، فإن كانت نقطة ضعفه النساء سعى في شغل فراغه وتجنَّب أماكن الاختلاط والتبرج.

وإن كان انهياره في الخلوة في مواجهة الذنوب؛ حرص على الذوبان في مجتمع الصالحين وعدم التفرد ما استطاع إلى أن تقوى مناعته.

وإن كانت نقطة ضعفه شرهه في جمع المال زار من هو أفقر منه وعاد أصحاب الأمراض المستعصية حتى يعتبر، وبهذا يغلق الباب أمام تفاقم المرض، بل يُشفى منه بمرور الوقت بإذن الله.



إن معرفة نقطة الضعف هي نصف الطريق إلى الشفاء؛ ولذا كان من جميل الدعاء: «اللهم أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه».

فالمشاكل العويصة تُحلُّ بمعرفة الحق أولاً، ثم بامتلاك الطاقة النفسية والقوة الروحية لاتباع هذا الحق، فإن عرفت نقطة ضعفك فقد قطعت شوطًا طويلاً في طريق العلاج، وكثير من الناس لا يعرف عيبه، ومنهم من يعرف ويجادل عنه أو ينفيه وكأنه تهمة، وليس هذا من سمات المؤمنين في شيء، فإن صاحب القلب الحي يفرح بمن أهدى إليه عيوبه، ويتخذ صاحبًا يُحصي عليه، ويُلِحُّ على من يخالطه في أن يرشده إلى نقائصه.



وقد يقوى المرء في جانب ويضعف في آخر، وقد يعرف نقطة ضعفه وقد لا يعرفها، وليس غير التجربة خير برهان، ولذلك لما اختلف الناس في أيهما أزهد عمر ابن عبد العزيز أم أويس القرني؟ قال أبو سليمان الداراني: «كان عمر بن عبد العزيز أزهد من أويس القرني، لأن عمر ملك الدنيا بحذافيرها وزَهَد فيها، ولا ندري حال أويس لو ملك ما ملكه عمر كيف يكون؟ ليس من جرَّب كمن لم يُجرِّب».

ونفس الرأي نطق به مالك بن دينار حين قال: «يقولون مالك زاهد، أي زهد عند مالك وله جبة وكساء، إنما الزاهد عمر بن عبد العزيز أتته الدنيا فاغرة فاها فتركها».



عرض الفتن على القلوب

وقد سبق وأن أرشدك نبيك (ص) إلى أهمية معرفة نقطة الضعف حين قال: «تُعرَض الفتـن على القلوب عرض الحصيرعودًا عودًا، فأي قلب أُشْرِبَهَا نكت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نُكِت فيه نكتة بيضاء؛ حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مُرْبَادًّا كالكوز مُجَخِّيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أُشْرِبَ من هواه».

والإتيان بالفعل «تُعرض» بصيغة المضارع دلالة على أن العرض مستمر طيلة الحياة لا ينتهي حتى تنتهي أنت إلى قبرك، لكن الفتن تختلف؛ ففتنة الشباب غير فتنة الشيوخ؛ لأن شهوة النساء مثلاً في قلوب الشباب أقوى، وطول الأمل والحرص في قلوب الشيوخ أبقى، فلكل عمر فتْنَتُه، وقد يصمد الرجل أمام فتنة سنين؛ فإذا كان آخر عمره هوى فيها، بل ولكل جنس أيضا فتْنَتُه، ففتن الرجال غير فتن النساء، بل لكل زمن فتن، والشيطان في كل الأحوال ملحاح لا يدع المحاولة مع أي أحد وفي أي عمر كان.

ومعنى «عُودًا عُودًا»أى تُعاد وتكرَّر مرة بعد مرة؛ لذا أوردها النووي في رواية بلفظ «عَوْدا عَوْدا»، ومعنى عرض الحصير أي كما يُنسج الحصير عودًا عودًا، وذلك أن ناسج الحصير عند العرب كلما صنع عودًا أخذ آخر ونسجه، فشبَّه عرض الفتن على القلوب واحدة بعد أخرى بعرض قضبان الحصير على صانعها واحدًا بعد واحد، فمن القلوب من يُشرَب هذه الفتنة، ومعنى أُشربها أي استسلم لها حتى دخلت فيه دخولاً تامًّا وحلت منه محل الشراب، ومنه قوله تعالى (وَأُشرِبُواْ فِى قُلُوبِهِمُ ٱلعِجلَ )[البقره: 93] أي حب العجل.

وأمام هذا السيل المنهمر الذي تتابع على القلب يسودُّ القلب، ويظل يهوي وينتكس ويذوي ويرتكس حتى يصبح كالكوز مُجَخِّيًا أي مقلوبًا، وهل يبقى في الكوب المقلوب شيء؟ وكذلك هو لا يبقى ولا يثبت فيه أي خير، ومعنى آخر لقوله «منكوسًا» أي تنقلب عنده حقائق الأمور، فيرى الباطل حقًّا والحق باطلاً، والهلاك نجاة والنجاة هلاكًا، والحامض حلوًا والسكر ملحًا، وهذه عاقبة كل من استسلم لضعفه وركع لهواه.

ومن يك ذا فمٍ مُرٍّ مريضٍ .. .. يجد مُرًّا به الماءَ الزلالا

وتأمَّل قوله:«مُربادَّا»أي يحمل بقايا بياض فى عموم سواد، وهذا دلالة على أنه ما كان أسود يوم خلقه الله، بل كان أبيض ناصع بياض الفطرة ليحمل الخيـر ويدوم عليه؛ لكنه اختار بإرادته الذي هو أدنى، وقدَّم الخبيث على الطيب، وطرد خيره مؤثرًا شرَّه، وأحيا فجوره وأمات بِرَّه، فلم يبق من البياض والفطرة والإيمـان إلا بقع من البيـاض الغارقة في لجة الخطيئة وطوفان السواد.

والحديث في مجمله يدفعنا بقوة إلى ضرورة مراجعة النفس لاكتشاف نقطة الضعف التي يتسلل منها الشيطان ليحوِّل صاحب القلب الحي في النهاية إلى صاحب قلب منكوس، وما ذاك إلا من تهاونه في معرفة عيب نفسه في البدء، وعدم سدِّ هذا المنفذ على الشيطان بسد فولاذي الإيمان وسعيه الحثيث في العلاج، نعم نقطة ضعف واحدة ليس غير كفيلة أن تؤدي إلى انتكاسة قلبك وانقلاب روحك، وأنت السبب إذ لم تسمع وصية الحبيب، أو سمعتها ورميتها وراء ظهرك، ثم تبكي!!

وما مثلك بنقطة ضعفك مع شيطانك إلا كحامل قطعة لحم وحوله كلب جائع، فلا يزال الكلب ملازمًا لك حتى ترمي عنك قطعة اللحم، فإن رميتها ثم زجرته انصرف عنك، وإلا ظل يحوم حولك يطمع في لحظة غفلة أو سِنة نوم ليهجم!!

وفي المقابل ينتصب القلب الحي صخرة شامخة تتكسر عليها أمواج الفتن، وهذا سِرُّ تشبيهه بالصفا. قال القاضي عياض رحمه الله: «ليس تشبيهه بالصفا بيانًا لبياضه، لكن صفة أخرى لشدتـه على عقد الإيمان وسلامته من الخلل، وأن الفتن لم تلصق به ولم تؤثِّر فيه كالصفا، وهو الحجر الأملس الذي لا يعلق به شيء».

طرق معرفة عيب النفس

قال ابن قدامة وهو يرشدك إلى كيفية التعرف على نقطة ضعفك: «فمن أراد الوقوف على عيب نفسه فله في ذلك أربع طرق:

الطريقة الأولى: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، يعرف عيوب نفسه وطرق علاجها، وهذا قد عزَّ في هذا الزمان وجوده، فمن وقع به فقد وقع بالطبيب الحاذق فلا ينبغي أن يفارقه.



الطريقة الثانية: أن يطلب صديقًا صدوقًا بصيرًا متدينًا، وينصبه رقيبًا على نفسه لينبِّهه على المكروه من أخلاقه وأفعاله.



الطريقة الثالثة: أن يستفيد معرفة نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدي المساوئ، وانتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يُخفي عنه عيوبه:

عداتي لهم فضل علي ومنة فلا أبعد الرحمن عني الأعاديا

هموا بحثوا عن زلتي فاجتنبتها وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا



الطريقة الرابعة: أن يخالط الناس، فكل ما يراه مذمومًا فيما بينهم، يجتنبه. "مختصر منهاج القاصدين"

والله من وراء القصد وهو حسبنا ونعم الوكيل.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
خالد أبو شادي-اسلام ويب

Post: #598
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:12 PM
Parent: #501

تحدث (تركي) قائلاً: (استدنت من رجل مبلغ مائتي ألف ريال من أجل إتمام أحد المشاريع وبعد انتهاء المدة المحددة لإعادة المبلغ حضر الرجل للمطالبة بحقه ولكني قمت بطرده وأنكرت أنه أعطاني أي مبلغ خاصة انه لم يأخذ مني أي إثبات.

توقف تركي ثم واصل قائلاً : لم أكن اعلم ما ينتظرني بسبب ظلمي ، فبعد مضي ثلاثة أشهر خسرت صفقة بقيمة نصف مليون ريال ومنذ ذلك اليوم والخسارة تلازمني.


وقد نصحتني زوجتي بإرجاع المبلغ لصاحبه لأن ما يحدث لنا عقاب من الله ولكني مع الأسف لم استمع إليها وتماديت في المكابرة حتى خسرت أعز ما أملك وهم أبنائي الثلاثة في حادث سيارة اثناء عودتهم من الدمام.


ويتابع: وأمام ذلك الحدث الرهيب قررت بدون تردد إعادة الحق لصاحبه وطلبت منه أن يسامحني حتى لا يحرمني الله من زوجتي وابني ذي السنوات السبع فهما كل ما بقي لي!


أما(نورة) وهي استاذة جامعية ومطلقة مرتين فقالت: حدثت قصتي مع الظلم قبل سبع سنوات، فبعد طلاقي الثاني قررت الزواج بأحد اقاربي الذي كان ينعم بحياة هادئة مع زوجته وأولاده الخمسة حيث اتفقت مع ابن خالتي الذي كان يحب زوجة هذا الرجل على اتهامها بخيانة زوجها.


وبدأنا في إطلاق الشائعات بين الأقارب ومع مرور الوقت نجحنا حيث تدهورت حياة الزوجين وانتهت بالطلاق.


وتوقفت(نورة) والدموع في عينيها.. ثم أكملت قائلة: بعد مضي سنة تزوجت المرأة برجل آخر ذي منصب أما الرجل فتزوج امرأة غيري وبالتالي لم أحصل مع ابن خالتي على هدفنا المنشود ولكنا حصلنا على نتيجة ظلمنا حيث أصبت بسرطان الدم !


أما ابن خالتي فقد مات حرقاً مع الشاهد الثاني بسبب التماس كهربائي في الشقة التي كان يقيم فيها وذلك بعد ثلاث سنوات من القضية.


قصة أخرى يرويها (سعد) فيقول: كنت أملك مزرعة خاصة بي وكان بجانبها قطعة ارض زراعية حاولت كثيراً مع صاحبها أن يتنازل عنها ولكنه رفض.. ويواصل: قررت في النهاية الحصول على الارض ولو بالقوة خاصة انه لا يملك اوراقاً تثبت ملكيته للارض التي ورثها عن والده، حيث ان أغلب الأهالي في القرى لا يهتمون كثيراً بالاوراق الرسمية.


ويواصل :أحضرت شاهدين ودفعت لكل واحد منهما ستين الف ريال مقابل الشهادة امام المحكمة انني المالك الشرعي للارض وبالفعل بعد عدة جلسات استطعت الحصول على تلك الارض وحاولت كثيراً زراعتها ولكن بدون فائدة مع ان الخبراء أوضحوا لي أنها ارض صالحة للزراعة، أما مزرعتي الخاصة فقد بدأت الآفات من الحشرات الارضية تتسلط عليها في وقت الحصاد لدرجة انني خسرت الكثير من المال


وبعد أن تعرضت لعدد من الحوادث التي كادت تودي بحياتي قمت بإعادة الارض لصاحبها فإذا بالارض التي لم تنتج قد اصبحت أفضل انتاجاً من مزرعتي اما الحشرات فقد اختفت ولم يعد لها أي اثر.

و يسرد (حمد) تجربته المريرة قائلاً: عندما كنت طالبا ًفي المرحلة الثانوية حدثت مشاجرة بيني وبين احد الطلاب المتفوقين فقررت بعد تلك المشاجرة أن أدمر مستقبله، ويتابع: لا يمكن ان يسقط ذلك اليوم من ذاكرتي حيث حضرت في الصباح الباكر ومعي مجموعة من سجائر الحشيش التي كنا نتعاطاها ووضعتها في حقيبة ذلك الطالب ثم طلبت من أحد أصدقائي إبلاغ الشرطة بأن في المدرسة مروج مخدرات وبالفعل تمت الخطة بنجاح، وكنا نحن الشهود الذين نستخدم المخدرات.


ومنذ ذلك اليوم وأنا أعاني نتيجة الظلم الذي صنعته بيدي، فقبل سنتين تعرضت لحادث سيارة فقدت بسببه يدي اليمُنى. وقد ذهبت للطالب في منزله أطلب منه السماح ولكنه رفض لأنني تسببت في تشويه سمعته بين أقاربه حتى صار شخصاً منبوذاً من الجميع وأخبرني بأنه يدعو عليّ كل ليلة لأنه خسر كل شيء بسبب تلك الفضيحة.


ولأن دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب فقد استجاب الله دعوته ، فها أنا بالاضافة إلى يدي المفقودة اصبحت مقعداً على كرسي متحرك نتيجة حادث آخر! ومع اني اعيش حياة تعيسة فإني أخاف من الموت لاني اخشى عقوبة رب العباد.

كل هذه القصص وردت ضمن تحقيق أجرته صحيفة (الرياض) قبل ثلاث سنوات لكنها ما زالت تنبض بالحياة!

لا أظن أحدا يجهل عقوبة الظلم ووعد الله حين قال عن دعوة المظلوم (وعزتي وجلالي لأنصرك ولو بعد حين) ، ولكن الكثيرين ينسونها او يتناسونها ويتساهلون في ظلم غيرهم سواء كان الظلم من رئيس لموظفيه او قاض لمن اشتكى لديه! أو ابن لابنه او أبناء لوالديهم أو ظلم زميل لآخر ، أو الظلم الذي تقوم به البنوك حين تستدرج البسطاء بقروض لتفرج الضائقة التي يمرون بها فإذا بها ترميهم في السجون أو تنتهي بهم إلى فقر أشد والى أولئك الذين ظلموا أوطانهم واستحلوا سرقة العقود ومخالفة الأنظمة وتستروا على المتخلفين ليحرموا أبناء بلدهم من حقوقهم في نصيبهم من الخير الذي فيه.


إنها رسالة بلا عنوان.. ترسل الى كل من ظلم علها توقظه فإن لم يعد الى الحق فلينتظر نصيبه من العقوبة كما حصل لهؤلاء وغيرهم كثير تعرفونهم أسأل الله تعالى أن يقيني ويقيكم شر الظلم وأهله ! ..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته !
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

محمد عبدالله المنصور- جريدة الرياض

Post: #599
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:14 PM
Parent: #501

لا تقل: إني شاب!!!
هل رأى أحد منكم يوماً جنازة؟ هل تعرفون رجلاً كان إذا مشى رج الأرض، وإن تكلم ملأ الأسماع، وإن غضب راع القلوب، جاءت عليه لحظة فإذا هو جسد بلا روح، و إذا هو لا يدفع عن نفسه ذبابة، و لا يمتنع من جرو كلب؟!!!

هل سمعتم بفتاة كانت فتنة القلب و بهجة النظر، تفيض بالجمال والشباب، و تنثر السحر والفتون، تبذل الأموال في قبلة من شفتيها المطبقتين كزر ورد أحمر، و تراق الكبرياء على ساقيها القائمتين كعمودين من المرمر، جاءت عليها لحظة فإذا هي قد آلت إلى النتن والبلى، ورتع الدود في هذا الجسد الذي كان قبلة عُبّاد الجمال، وأكل ذلك الثغر الذي كانت القبلة منه تُشترى بكنوز الأموال ؟!!

هل قرأتم في كتب التاريخ عن جبارٍ كانت ترتجف من خوفه قلوب الأبطال، ويرتاع من هيبته فحول الرجال، لا يجسر أحد على رفع النظر إليه، أو تأمل بياض عينيه، قوله إن قال شرع، و أمره إن أمر قضاء، صار جسده تراباً تطؤه الأقدام، و صار قبره ملعباً للأطفال، أو مثابة ( لقضاء الحاجات) ؟!!!.

هل مررتم على هذه الأماكن، التي فيها النباتات الصغيرة، تقوم عليها شواهد من الحجر، تلك التي يقال لها المقابر ؟!!.

فلماذا لا تصدقون بعد هذا كله، أنّ في الدنيا موتاً ؟!.
لماذا تقرؤون المواعظ، و تسمعون النذر فتظنون أنها لغيركم؟ وترون الجنائز وتمشون فيها فتتحدثون حديث الدنيا، وتفتحون سير الأمال والأماني .. كأنكم لن تموتوا كما مات هؤلاء الذين تمشون في جنائزهم، وكأن هؤلاء الأموات ما كانوا يوماً أحياء مثلكم، في قلوبهم آمال أكبر من آمالكم، ومطامع أبعد من مطامعكم ؟.

لماذا يطغى بسلطانه صاحب السلطان، ويتكبر ويتجبر يحسب أنها تدوم له؟ إنها لا تدوم الدنيا لأحد، ولو دامت لأحد قبله ما وصلت إليه. ولقد وطئ ظهرَ الأرض من هم أشد بطشاً، وأقوى قوة، وأعظم سلطاناً؟ فما هي ... حتى واراهم بطنها فنسي الناس أسماءهم !.

يغتر بغناه الغني، و بقوته القوي، وبشبابه الشاب، وبصحته الصحيح، يظن أن ذلك يبقى له... و هيهات..!

و هل في الوجود شيء لا يدركه الموت ؟!
البناء العظيم يأتي عليه يوم يتخرب فيه، ويرجع تراباً، والدوحة الباسقة يأتي عليها يوم تيبس فيه، وتعود حطباً، والأسد الكاسر يأتي عليه يوم يأكل فيه من لحمه الكلابُ، وسيأتي على الدنيا يوم تغدو فيه الجبال هباءً، وتشقق السماء، و تنفجر الكواكب، و يفنى كل شيء إلا وجهه.
يوم ينادي المنادي: {لمن الملك اليوم}
فيجيب المجيب: {لله الواحد القهار}

لقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإكثار من ذكر الموت.
فاذكروا الموت لتستعينوا بذكره على مطامع نفوسكم، وقسوة قلوبكم، اذكروه لتكونوا أرق قلباً وأكرم يداً، وأقبل للموعظة، وأدنى إلى الإيمان، اذكروه لتستعدوا له، فإنّ الدنيا كفندق نزلت فيه، أنت في كل لحظة مدعو للسفر، لا تدري متى تدعى، فإذا كنت مستعداً: حقائبك مغلقة وأشياؤك مربوطة لبيت وسرت، وإن كانت ثيابك مفرقة، وحقائبك مفتوحة، ذهبت بلا زاد ولا ثياب، فاستعدوا للموت بالتوبة التي تصفي حسابكم مع الله، و أداء الحقوق، ودفع المظالم، لتصفوا حسابكم مع الناس.

و لا تقل أنا شاب... و لا تقل أنا عظيم... و لا تقل أنا غني....

فإن ملك الموت إن جاء بمهمته لا يعرف شاباً ولا شيخاً، ولا عظيما ولا حقيراً ولا غنياً ولا فقيراً ..

و لا تدري متى يطرق بابك بمهمته ....!!
الشيخ علي الطنطاوي

Post: #1115
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-07-2015, 06:01 PM
Parent: #599

قصة في منتهي الروعة :-
أخذ رجل أباه العجوز لمطعم فاخر لتناول العشاء..كان الأب كبير في سن كبيرة و يرتجف يأكل و يتناثر الطعام على الأرض وعلى ملابسه..لفت هذا كل من كان في ذلك المطعم..الرجل بقي هادئا و إنتظر إنتهاء أباه من الأكل أخذه إلى المغسلة غسل يديه فمه وجهه ثيابه ثم عاد و نظف المكان بكل هدوء...دفع الفاتوة و خرج وسط أنظار كل من كان في المطعم ..و بينما هو و أباه يهمان بركوب السيارة..لحقه رجل آخر و قال له يا سيدي ألم تنتبه إنك تركت شيئا في المطعم..قال لا..!!!!
فرد عليه الرجل..لقد تركت درساً بليغاً لكل من كان في المطعم في بر الوالدين .
🌹☺🌹منقول

Post: #600
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:16 PM
Parent: #501

اليوم أقلد قلمي شرف هتك الأسرار، أسرار الضياع

لم تكن توبتي نتيجة ظروف قاسية أو محنة عارضة بل كنت انعم بكل أشكال الترف وحرية في كل شيء،وكنت أجسد العلمنة بمعناها الصحيح، وكانت أفكار الحداثيين وخططهم نهجي ودستوري، وكتبهم مرصوصة في مكتبتي، وقلمي تتلمذ على أشعار نزار قباني، ورمي الحجاب حلم يداعب خيالي،وقيادة السيارة قضيتي الأولى أنادي بها في كل مناسبة، واستغل ظروف من هم حولي لإقناعهم بضرورتها.

تمنيت أن أكون أول من يترجم فكرة القيادة إلى واقع ملموس. ولطالما سهرت الليالي اخطط فيها لتحقيق الحلم.
أما تحرير المرأة السعودية من معتقدات وأفكار القرون البالية وتثقيفها وزرع مقاومة الرجل في ذاتها فلقد تشربتها وتشربتها خلايا عقلي.

وسعيت لتسليط الضوء على جبروت الرجل السعودي وأنانيته. وقدمت الرجل المتحرر على طبق من ذهب على أنه يفهم المرأة واستخراج كنوز أنوثتها وقدمها معه جنباً إلى جنب.

وشوهت صورة الرجل المتدين على انه اكتسب الخشونة والرعونة من الصحراء وتعامل مع الأنثى كما تعامل مع نوقه وهو يسوقها بين القفار، كانت الموسيقى غذاء الروح كما كنت اسميها هي نديمي من الصباح إلى الفجر، أما الرقص بكل أنواعه فقد جعلته رياضة تعالج تخمة الهموم.

ونظريات فرويد كنت ادعمها في كل حين بأمثلة واقعية، وانسب المشاكل الزوجية إلى الكبت، والعقد من آثار أساليب التربية القديمة التي استعملها أهلنا معنا. وكانت أفكاري تجد بين المجتمع النسائي صيتاً عالياً ومميزاً، سرت على هذا النمط سنينا عديدة.

وفي يوم من الأيام وفي أحد الأسواق كنت جالسة في ساحته لفت نظري شاب متدين بهيئته التي تدل على التدين، ثوب قصير وسير هاديء وعيون مغضوضة أظنه في سن ما فوق العشرين يعمل أعجبني هدوؤه وراودتني بعدها أفكار غريبة _ علي جداً.

علامات الرضى بادية على محياه خطواته ثابتة رغم أن قضيته في نظري خاسرة هو والقلة التي ينتمي إليها يتحدون مارداً جباراً (تقدم وحضارة)، ولا يزالون يناضلون سخرت بداخلي منه ومنهم، لكنني لم أنكر إعجابي بثباته، فقد كنت احترم من يعتنق الفكرة ويثبت عليها رغم الجهود المتواضعة وقلة العدد وصعوبة إقناع البشر بالكبت كما كنت اسميه.

حاولت أن أحلل الموضوع فقلت في نفسي :
(ربما هؤلاء الملتزمون تدينوا نتيجة الفشل فأخذوا الدين شعارات ليشار إليهم بالبنان، لكن منهم العلماء والدكاترة وماضي عريق قد ملكوا الدنيا حينا من أقصى الشرق إلى أقصى المغرب أو ربما هو الترفع عن الرغبات)

وعند هذه النقطة بالذات اختلطت علي الأمور _ الترفع عن الرغبات معناه الكبت _ والكبت لا ينتج حضارة!

حاولت أن أتناسى هذا الحوار مع نفسي لكن عقلي أبى علي ولم يصمت ومنذ ذلك الوقت وأنا في حيرة.

فقدت معها اللذة التي كنت أجدها بين كتبي ومع أنواع الموسيقى والرقص ومع الناس كافة علمت أني فقدت شيئا، لكن ما هو؟؟
لست أدري.. اختليت بنفسي لأعرف.
طرقت أبواب الطب النفسي دون جدوى.
فقدت الإحساس السابق بل لا أشعر بأي شيء كل شيء بلا طعم وبلا لون.

فرجعت مرة أخرى لنقطة البداية متى كان التغير؟؟
إنه بعد ذلك الحوار!! تساءلت كل ما أتمنى أستطيع أخذه.. ما الذي يحدث لي إذا؟!!
أين ضحكاتي المجلجلة؟؟ وحواراتي التي ما خسرت فيها يوما؟؟ جلسات السمر والرقص؟؟ كيف ثقل جسدي بهذا الشكل؟؟

وكلما حاولت أن أكتب أجدني أسير بقلمي بشكل عشوائي لأملأ الصفحة البيضاء بخطوط وأشكال لامعنى لها.. غير أن بداخلي إعصارا من حيرة!!

بدأت أتساءل هذه الموسيقى المنسابة إلى مسمعي؟ لم أعد أشعر بروعتها!! لو كانت غذاء الروح لكانت روحي الآن روضة خضراء.
وأين تلك الكتب التي احترمت كتابها وصدقتهم؟ لماذا تخذلني الآن كلماتهم ولا تشعل حماسي كما كانت؟!!

وهنا لاح سؤال صاعق هل هؤلاء الغربيون فعلا أفضل منا؟؟
هل هم فعلاً أفضل منا؟ وبماذا أفضل؟؟

تكنولوجيا؟؟
وبماذا خدمت التكنولوجيا المرأة عندهم؟؟
خدمت الرجل الغربي، والمرأة أين مكانها؟؟ معه في العمل!! وأخرى في المرقص تتراقص على أنغام الآلات التي اخترعها الرجل!! وأخرى ساقية للخمر الذي صنعه الرجل ونوع من أسمائه!!

اكتشفت حقيقة أمَـرََ من العلقم..
الرجل تقدم وضمن رفاهيته وتملص من الحقوق والواجبات، حتى في جنونه جعل المرأة صالة عرض لكل ما خطر على خياله واخترع لها رقصات بكل الأشكال:
رقصت وهي واقفة وجالسة ونائمة ومنتصبة ومقلوبة.. كما رقصت الراقصة كما اشتهاها العازف،

اشتهاها ممثلة، فمثلت كل الأدوار التي تحاكي رغباته من اغتصاب وشذوذ، أي دور وكل دور!!

اشتهاها عارية على الشاطئ تعرت!!

اكتشفت الخديعة الكبرى في شعار حرية المرأة، فإذا نادى بها رجل فهو الوصول إلى المرأة،
ثم من ماذا يريدون تحرير المرأة، من الحجاب؟؟

لماذا الحجاب؟؟
إنه عبادة كالصلاة والصوم.

كنت سأحرم نفسي منه لولا أن تداركتني رحمة ربي، يريدون أن يحرروني من طاعة الأب والزوج إنهم حماتي بعد الله.

الأب والزوج حماتي بعد الله، يريدون أن يحرروني من الكبت، كيف سميتم العفة والطهارة كبتا؟؟ كيف؟؟

ما الذي جنوه من الحرية الجنسية؟؟
أمراض ضياع!!
حرروا المرأة كما يزعمون أخرجوها من بيتها تكدح كالرجل وضاع الأطفال!!
واليوم يدرسون ضياع الأطفال

تبا لهم وتبا لعقلي الصغير كيف صدقهم؟؟
كيف لم أر تقدمنا والمرأة متمسكة بحجابها؟؟
كيف كنت أنادي بالقيادة؟؟
فمع قيادة المرأة للسيارة يسقط الحجاب فتسقط المرأة.

بعده عرفت علتي وعلة الشباب جميعاً.
أولاً: مشكلتنا الأساسية: أننا لا نعرف عن الإسلام إلا اسمه وعادات ورثناها عن أهلنا كأنه واقع فرض علينا.

وثانياً: لم ندرك طريقة الغزو الحقيقية.. خدرونا بالرغبات.. شغلونا عن القرآن وعلوم الدين، فهي خطة محكمة تخدير ثم بتر، ونحن لا نعلم.

اتجهت إلى الإسلام من أول نقطة من كتب التوحيد إلى الفقه ومع كلمات ابن القيم عدت إلى الله، ومع إعجاز القرآن اللغوي والتصويري والعلمي والفلكي ووو… ندمت على كل لحظة ضيعتها أقلب فيها ناظري في كتب كتبتها عقول مسحها الله وطمس بصيرتها.

كانت معجزة أمامي هو القرآن الكريم، لم أحاول يوما أن أفهم ما فيه أو أحاول تفسيره، أخرجت من منزلي ومن قلبي كل آلات الضياع والغفلة، وعندما خرج حب اللحن من قلبي، وجدت حلاوة الشهد تنبع من قراءة آيات القرآن، وعرفت أعظم حب: أحببت الله تعالى لبست الحجاب الإسلامي الصحيح بخشوع وطمأنينة واقتناع بعد تسليم أشعر معه رضا الله عني، وعرفت معه قول الله تعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) في سكناتي وحركاتي وطعامي وشرابي استشعر معناه العظيم.

بت انتظر الليل بشوق إلى مناجاة الحبيب أشكو إليه أشكو إليه شدة شوقي إلى لقائه، وإلى لقاء المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وحنيناً إلى صحابته الكرام، ونساءه الطاهرات.

وأخيرا كلمة إلى كل من سمع قصتي:
لا ترفضوا دينكم قبل أن تتعرفوا عليه جيداً لأنكم إذا عرفتموه لن تتخلوا عنه، فداه الأهل والمال والبنون والنفس.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتبة: مشاعل العيسى

Post: #601
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:18 PM
Parent: #501

الغرب.. نظرة جديدة للاختلاط
أعتقد جازماً أنَّ الغرب لا يُقدِّم للمسلمين نموذجاً في الجانب الاجتماعي يُحتذى به، أو يُقتفى أثره، بل الحديث عن موت الغرب بات أمراً يُتحدث فيه بين الغربيين أنفسهم، ولكن الميزة لدى كثير منهم أنَّهم يقومون بدراسات تمحيصيَّة لواقعهم وما يمكن تجديده وتهذيبه، ومن ذلك قرارات كثيرة صدرت عنهم بضرورة الفصل بين الجنسين (الذكور والإناث) وخصوصاً في المؤسسات التعليميَّة.

وفي الوقت الذي يدور فيه خصام شديد وحوار مستديم بين الإسلاميين والتغريبيين في موضوع الاختلاط بين الرجال والنساء بين التحريم والجواز!! فهنالك من بني جلدتنا من لا يزال يغرس لدى متابعي مقالاته وأفكاره شيئاً ممَّا امتصَّه من قيح الغرب وصديدهم المنتشي بالفساد.

وبقدر ما تحدثت به عن تطرفهم الأخلاقي فإنَّ المتتبع لهم يجدهم يُراجعون أنفسهم ويحاولون الانعتاق من عنق زجاجة الانحراف والضياع والمجون التي عاشوا فيها، فلم يروا المصائب التي يقترفونها في حق الإنسانيَّة إلاَّ بعد أن رأوا النتائج السيئة التي قعَّدوا لها.

وعن الواقع التغريبي العلماني الفج في البلاد الإسلاميَّة يمكن الاستشهاد على ذلك بمثال على ما يقوله أحدهم المدعو:(.... وهابي) حين يدعو بكل صفاقة ووقاحة إلى الاختلاط بين الجنسين (في مقال له بعنوان مخاطر الفصل بين الجنسين في المدارس الابتدائية) وليته يقتصر على هذه المهلكة، بل يزيد مقاله ضغثَّا على إبّالة وبليَّة على بليَّة حين يدَّعي أنَّ (الفصل يضعف حصانة المرأة والرجل عند الالتقاء في أماكن العمل, وقد يؤدي إلى انفلات العواطف والغرائز غير المنضبطة, وخاصة في الأجواء غير السليمة!!).

وينتهي قائلاً : (فالاختلاط السليم يهذب فينا ما هو حسي ليرتقي بنا في إنضاج عواطفنا الإنسانية, ويجنبنا مزالق الشطط, فالمنحرفون بشتى صنوفهم تجدهم حسيون..).

ولم يدر هذا المنحرف فكرياً أنَّ الغرب نفسه يُكَذَّبُ دعاويه، ويبين أنَّ ما يقوله إنما هو مجرد هراء.

إنَّني سأتحدث بعد قليل عن أخبار وحوادث وقعت من مراكز وشخصيات غربيَّة في محاربة الاختلاط الذي يدعو إليه هذا الكاتب المتفرنج العلماني، فلن أذكر ذلك عن عالم دين مسلم؛ لكي لا يقول هذا الدعي إنما هي شنشنة المتدينين، بل إنَّما خرجت هذه الآراء والأقوال من أفواه الغربيين أنفسهم...

فها هو الدكتور الفلسطيني "وجيه حمد عبد الرحمن" يقدِّم للقارئ العربي كتاباً يترجمه لنا بعنوان "الغرب يتراجع عن الاختلاط" للمؤلف: "بفرلي شو"، حيث يذكر فيه أن الفطرة البشرية السليمة تؤكد على ضرورة فصل الرجال عن النساء، خاصة في المؤسسات التعليمية، مشيرا إلى أن "العرف قد جرى في كثير من بلدان العالم بغض النظر عن معتقداتها على عملية الفصل، وكان هذا هو النظام المعمول به في بريطانيا حتى ستينات القرن الماضي!" أهـ.

ونلحظ أيضاً أنَّ مدينة كشيكاغو يعيش فيها من السكان قرابة ثمانية ملايين نسمة، قد قاموا بتأسيس مدرسة خاصة للفتيات، وذلك للقلق الذي يساور الآباء والأمهات إزاء ما قد يعترض فتياتهم من تحرشات مختلفة من قبل الفتيان.

بل جعل ذلك بعض النساء اللواتي كنَّ يطالبن بالدمج والمزج بين الجنسين من الرجال والنساء بحجة الحرية والمساواة منذ ربع قرن تختلف نظرياتهنَّ إلى المطالبة بعكس ما كُنَّ يسعين إليه، والرغبة بسن القانون وتفعيله على أرض المدارس، وكذا الحال في في "جافرسن" وهي إحدى ضواحي مدينة "لوس أنجلوس" حيث توجد مدرسة منفصلة يصل قسطها إلى (1000) دولار في الشهر وهذا مكلف بالنسبة للأسر، ومع ذلك يحرصون على تسجيلهم فيها لنجاح المنهجية التعليمية لكلا الجنسين، والحفاظ على بناتهم من التحرش الجنسي.

معاناة خطيرة
لقد عانى الغربيون من بلاءات الاختلاط ، ومصائب النظرة المكارثيَّة التي أسهمت في العملية التربوية حينما جاء في الإعلان العالمي للتربية ما نصُّه: (ينبغي القضاء على كل القوالب الفكرية الجامدة, والقائمة على الفصل بين الجنسين في مجال التربية والتعليم )، لكنَّ كثيراً من الغربيين أدركوا سخافة ووقاحة من كتب مثل ذلك ، فهذا هو الرئيس الأمريكي السابق كنيدي عام 1962م يتحدث عن الأضرار المترتبة على عدم تطبيق نظام الفصل بين الجنسين في قوله: (إن الشباب الأمريكي مائع ومترف وغارق في الشهوات، ومن بين كل سبعة شباب يتقدمون للتجنيد يوجد منهم ستة غير صالحين، وذلك لأننا سعينا لإباحة الاختلاط بين الجنسين في الجامعة بصورة مستهترة مما أدى إلى إنهاكهم في الشهوات) .

وفي عام 1998م قدمت السيناتور الأمريكية "كي بيلي" قانون المدارس والجامعات غير المختلطة، ومما قالت فيه : "أداء الأولاد يكون جيداً في البيئة التي يوجد فيها الأولاد وحدهم، وذلك نتيجة لعدم انشغالهم بالبنات، وبنفس القدر يكون أداء البنات جيداً وتزداد ثقتهن بأنفسهن".

وبناء على مثل هذه الدراسات، وتلبية لمطالب المجتمع الأمريكي خصصت إدارة الرئيس جورج بوش عام 2002م ما يزيد عن (300) مليون دولار لتشجيع التعليم غير المختلط، وإنشاء مدارس خاصة بالبنين وأخرى للبنات، وتطبيقاً لتلك الإستراتيجية بلغ عدد المدارس الحكومية غير المختلطة في عام 2005م (223) مدرسة بمعدل زيادة سنوية قدرها (300%) ، وبلغ عدد الولايات الأمريكية التي تقدم تعليماً غير مختلط (32) ولاية.

وفي بريطانيا أشارت دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين إلى أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة الطالبات الحوامل وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدارسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة.

ونقلت الأخبار أنَّ الكونجرس الأمريكي وافق في عهد الرئيس بوش على مشروع تطبيق عدم الاختلاط بين الجنسين في المدارس، وكان الكونجرس الأمريكي أعطى توجيهات إلى وزير التربية والتعليم "رود بيج" ببحث سبل توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمام زيادة عدد الفصول التي يتم من خلالها تطبيق عدم الاختلاط بين الجنسين. وكانت قد تقدمت بهذا المشروع السيناتور الديمقراطي هيلاري كلينتون وزميلتها الجمهورية "كاي بيلي هوتشون" وقالت الأخيرة: "إن نظام عدم الاختلاط موجود في المدارس الخاصة منذ عدة سنوات وحان الوقت لتعميم هذا النظام على المدارس الحكومية العامة".

ولعل في هذا ردا على الكاتب المدعو والذي نثرت شيئاً من هرائه قبل سطور، والذي يدَّعي أنَّ المجتمع المنغلق يكون فيه الفساد الأخلاقي أكثر من المجتمع الإباحي والمنفتح، وأنَّ المجتمع المختلط لا يكون فيه شيء من الفساد الأخلاقي، بل إنَّه على لغته النزقة يقول أنَّ هذا الاختلاط يسبِّبُ تهذيب الأخلاق، وكذب، ولكنَّه كما قال تعالى: ( فإنَّها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور).

المختلطة وغير المختلطة
لقد جاءت اعترافات من قِبَلِ المجتمع الغربي تؤكد فيه على ضمان المنهج الإسلامي لمحاولات التحرش الجنسي بسبب الاختلاط، وفي هذا المجال تقول "راشيل بريتشرد" والتي كانت غير مسلمة ثم أسلمت لما رأته في دين الإسلام من سمو العقيدة وحماية الأعراض: "التعليم المختلط يشجع على العلاقات بين الأولاد والبنات، وإذا أُحصي عدد المراهقات الحوامل من مدارس مختلطة ومن مدارس بدون اختلاط (خصوصاً المدارس الإسلامية) لوجدنا في الغالب أن النسبة في المدارس المختلطة تكون 57% على الأقل مقارنة بالمدارس التي تطبق الفصل بين الجنسين بنسبة لعلها تقترب من 5% (في حين ستجد أن النسبة في المدارس الإسلامية هي الصفر)، كما أنني أعتقد أن اختلاط الجنسين يؤدي إلى عدم تركيزهم من الناحية الدراسية؛ لأن اهـتمامهم سيكون موجهاً للجنس الآخر"(ندوة بعنوان "واقع المرأة في الغرب)، هذا ما قاله من عرفهم، وصدقتهم إحصائياتهم (فاعتبروا يا أولي الأبصار) [الحشر:2].

وهنالك دراسة أجرتها النقابة القومية للمدرسين البريطانيين أكدت فيها أن التعليم المختلط أدى إلى انتشار ظاهرة التلميذات الحوامل سفاحاً وأعمارهن أقل من ستة عشر عاماً، كما أثبتت الدراسة تزايد معدل الجرائم الجنسية والاعتداء على الفتيات بنسب كبيرة، وفي أمريكا بلغت نسبة التلميذات الحوامل سفاحاً (48%) من تلميذات إحدى المدارس الثانوية.

وإلى كتاب فرنسى حديث بعنوان: «مصائد المدارس المختلطة» نشرتها صحيفة لاكسبريس الفرنسية أعلن عالم الاجتماع الفرنسي ميشال فيز - الباحث بالمركز القومي للدراسات الاجتماعية بفرنسا - أن الاختلاط في المدارس الأوروبية لا يدعم المساواة بين الجنسين، ولا المساواة في الفرص.

وقد صدق الإمام ابن القيم - رحمه الله – القائل في كتابه الطرق الحكمية: ( ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصل كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة، واختلاط الرجال بالنساء سبب لكثرة الفواحش والزنا، وهو من أسباب الموت العام والطواعين المتصلة)(ص407).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: خباب الحمد

Post: #602
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:22 PM
Parent: #601

كيف حال قلبك مع الله؟
صلاح أحوال الناس في دنياهم وآخرتهم إنما يكون بصلاح علاقتهم بربهم سبحانه، كما أن فساد دنياهم وآخرتهم سببه فساد الصلة بينهم وبين الله كما قال سبحانه: "وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفوا عن كثير"(الشورى:30 )

وقال للمؤمنين يوم أحد: "أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ)(آل عمران: 165)

وهذه الصلة مع الله إنما يكون صلاحها وفسادها بحسب صلاح القلب وتعلقه بالله وفساده وبعده عنه، فالقلوب هي مفتاح كل خير إذا صلحت وباب كل شر إذا فسدت.. قال النبي صلى الله عليه وسلم :"ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب" (متفق عليه).

فمتى أحسست بضيق في صدرك أو قلة في رزقك أو هم أو غم في نفسك فقل "هو من عند أنفسكم"

وإذا تغيرت عليك الزوجة، وعصاك الولد، وفسدت السيارة، وتشتت بك الآراء، وتشعبت بك الأهواء، فقل "هو من عند أنفسكم".

وإذا رأيت تسلط الأعداء، وتحكم الأمراء، وانقلاب حال الأحبة والأصدقاء، فقل "هو من عند أنفسكم".

لما دخل سفيان الثوري إلى الحرم فوجد الشرطة ـ ولم يكونوا يتواجدون فيه من قبل ـ بكى وقال: إن ذنوبا ولَّت علينا هؤلاء إنها لذنوب جسام.

وعندما طغى الحجاج وبغى قال أصحاب الحسن البصري له: ألا نخرج فنغير بالسيف، قال: إن الحجاج عقوبة من الله، ولن تغير عقوبة الله بالسيف، ولكن توبوا إلى ربكم: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"

إن الإسلام لم يهتم بشيء في الإنسان بقدر ما اهتم بقلبه، فقد جعل هذه المضغة الصغيرة هي بيت الإيمان وموقع الصدق ومحلة الإخلاص، بل وكل أعمال الإيمان من خوف ورجاء وإنابة وتوكل ومحبة وإخبات إنما محلها القلب.

وجعل الله قبول الأعمال وتفاضلها بحسب ما في القلوب من صدق وإخلاص؛ فإذا فرغ القلب عن ذلك وفسد ردت الأعمال على أصحابها، فعند ذلك كم من قائم ليس له من قيامه إلا طول السهر، وكم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، وكم من قتيل بين الصفين الله أعلم بحاله.

كيف حال قلبك مع الله؟
ومن هنا وجب على كل مسلم واعٍ يريد النجاة أن يهتم بقلبه اهتماما خاصا بل وخاصا جدا فيسأل نفسه دائما: كيف حال قلبك مع الله ؟

هذا السؤال الذي قلما يسأله الإنسان لنفسه أو يسأله أحدنا لأخيه بل تجد الواحد منا يلقى أخاه فيسأله عن بيته وسيارته وعمله وأولاده وربما سأل عن الخادمة والسائق، يسأل كل شيء ولكنه لا يسأل عن أهم شيء ألا وهو كيف حالك وحال قلبك مع الله؟

لقد كان حال سلفنا غير حالنا: كانوا إذا تلاقوا سألوا أول ما يسألون عن الإيمان؛ حتى أصبح معلوما عندهم أنه إذا سأل أحدهم أخاه عن حاله إنما يريد حال قلبه مع ربه. ودليل هذا في الحديث الذي في صحيح مسلم عن أبي ربعي حنظلة بن الربيع الأسيدي قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت؟ يا حنظلة! قال قلت: نافق حنظلة. قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم. يذكرنا بالنار والجنة. حتى كأنا رأي عين. فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات. فنسينا كثيرا. قال أبو بكر: فوالله! إنا لنلقى مثل هذا. فانطلقت أنا وأبو بكر، حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قلت: نافق حنظلة. يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قلت: يا رسول الله! نكون عندك. تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأى عين فإذا خرجنا من عندك، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات نسينا كثيرا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده! إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم. ولكن ياحنظلة! ساعة وساعة" ثلاث مرات.

فانظر كيف كان حنظله يراقب قلبه في كل حال وعند كل موقف يراقبه وهو عند رسول الله فيحس حالة من الإيمان عالية كأنه يرى الجنة والنار أمام عينيه ويراقبه عندما يرجع بيته فيعافث الزوجة ويلاعب الأولاد وينشغل ببعض أمور الدنيا الواجبة عليه فيحس بتغير في القلب فيظن ذلك نفاقا فيسارع إلى رسول الله ليطمئن على قلبه.

وهذا لم يكن حال حنظله وحده وإنما كان حال كل أصحاب رسول الله؛ فقد سأل عمر حذيفة رضي الله عنهما: هل سماني رسول الله في المنافقين؟ فقال لا ولا أؤمن أحدا بعدك.

فمن أين تعلموا ذلك؟

لقد تعلموه من نبيهم صلوات الله وسلامه عليه فإنه كان يتعهدهم بالسؤال عن أحوالهم وإيمانهم ويعلمهم أن قلب العبد وإيمانه هو رأس ماله الذي يجب أن يحافظ عليه ويوليه أعظم اهتماماته فيقول لهم:
"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم. ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" (رواه مسلم)

ويقول: "إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه حيث يشاء. (رواه مسلم). وفي رواية عند ابن أبي حاتم قال "إن شاء أن يزيغه أزاغه وإن شاء أن يقيمه أقامه".

وقال أيضا: " التقوى ههنا، ويشير إلى صدره ثلاث مرات." (رواه مسلم والترمذي )

ويا طالما سمعوه يدعو ويقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك". رواه الترمذي وحسنه

فلما سمعوا ذلك منه ورأوا حاله عظم اهتمامهم بقلوبهم وكثر كلامهم عنها:

يقول ابن مسعود رضي الله عنه: اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: عند سماع القرآن، وعند الخلوة، وفي مجالس الذكر فإن لم تجده في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب فإنه لا قلب لك.

ودخل عليه ناس من الدهاقين فجعل الناس يتعجبون من صحة أجسامهم وغلظ رقابهم فقال ابن مسعود: إنكم تجدون الكافر من أضح الناس جسما وأمرضهم قلبا وتجدون المؤمن من أصح الناس قلبا وأمرضهم جسما، وأيم الله لو صحت أجسامكم ومرضت قلوبكم لصرتم أهون على الله من الجعلان.

وكان أبو الدرداء يقول: اللهم إني أعوذ بك من شتات القلب. قيل: وما شتات القلب؟ قال: أن يكون لك بكل واد مال.

إن مما يجعل المسلم دائما مراقبا لقلبه في كل لحظة أن هذا القلب يتقلب في اللحظة الواحدة مرات ومرات ولا يثبت على حال كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "للقلب أشد تقلبا من ريشة في فلاة تقلبها الريح ظهرا إلى بطن" (صححه الألباني في كتاب السنة)

وقال: "للقلب أشد تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا" حسنه ابن تيمية لغيره

ولهذا كان النبي عليه صلوات الله وتسليماته يكثر من الدعاء: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك" (رواه الترمذي وحسنه)

وكذلك قسم الله القلوب إلى مريض وسليم وميت وأخبر أن النجاة في الآخرة إنما تكون لصاحب القلب السليم كما قال سبحانه على لسان إبراهيم "يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم" (الشعراء 88، 89)

وإذا كانت النجاة في الآخرة متوقفة على سلامة القلوب، فينبغي أن تكون مقامات الناس في الدنيا أيضا على حسب ما في قلوبهم من الإيمان والتقوى فليست قيمة المرء بقدر ماله أو بحسن ثوبه أو بنوع تجارته ولا حتى بالجاه والمنصب وإنما كما قال تعالى " إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، فحسب المؤمنين ونسبهم التقوى وهكذا ينبغي أن يوزن بها الناس لا بأعراف الجاهلية والأعراض الدنيوية وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه ذلك أن قيمة الإنسان بقيمة ما في قلبه من الإيمان.

ففي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تقولون في هذا؟ قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: ما تقولون في هذا. قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا خير من ملء الأرض مثل هذا.

فما رفع المسكين إلا قلبه، وما وضع ذاك المختال إلا قلبه، فسلوا الله قلبا سليما لعل الله يرزقنا به النجاة " يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم".
اسلام ويب

Post: #603
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 08:23 PM
Parent: #602

حين يثار الحديث حول التغريب تأتي قضية المرأة في قائمة مداخل التغريب ووسائله، ولا تزال هذه القضية حية رغم مرور عقود على مشاريع تغريب المرأة المسلمة وتغييب هويتها.

وما فتئ الغيورون من أهل العلم والدعاة إلى الله ـ عز وجل ـ يذبّون عن حياض الشريعة، ويقفون في وجه الفساد والتغريب.

ومن هنا لقيت قضية المرأة قدراً من الاهتمام والعناية. والمكتبة الإسلامية ناطقة بنتاج ثري منذ عقود يعكس قدر الاهتمام بقضية المرأة والدفاع عنها.

ولعل أبرز جهد قُدِّم اليوم للمرأة المسلمة يتثمل في مجالين رئيسين:
الأول: ماسبقت الإشارة إليه من مواجهة المؤامرات والتغريب.

والثاني: ذلك الجهد الموجه للفتاة المتدينة؛ والذي يتمثل في البرامج العلمية والتربوية، ومؤسسات تحفيظ القرآن الكريم وتوجيه الفتاة.
وكلاهما أدى ثمرات مهمة تستحق الرعاية والاعتناء.

إلا أن ثمة ثغرة مهمة لا زالت تفتقر إلى اهتمام ورعاية:
فمن يتأمل الخطاب الموجه للمرأة المسلمة اليوم يجد أن التحذيرَ، والحديثَ عن المؤامرات، والدعوةَ إلى صيانة المرأة وحفـظ عفـافـها، يحـتـل مساحة واسعة، بل يكاد يغلب على ما يوجه للمرأة المسلمة.

ورغم أهمية هذا اللون من الخطاب إلا أنه لا بد من التوازن والاعتدال، ولا بد من السؤال المهم: هل رسمنا خارطة واضـحـة لاحتـياجات المـرأة المسـلـمة وأعطـينا كـل جـانـبٍ ما يستحقه من الاهتمام والاعتناء؟

إن من أهم المساحات التي تعاني فقراً في العطاء، والتي لا زالت تعاني من هوة واسعة بين الحاجة والجهد المبذول: مساحة البناء والتربية وتنمية شخصية المرأة المسلمة.

فعلى الرغم مما حققته المؤسسات والجهود التربوية من نجاح ونتاج مثمر إلا أنها لا زالت تتحرك في دائرة محدودة؛ تتـحرك في دائرة بناء التدين في شخصية الفتاة؛ وهو أمر له أهميته وضرورته ولا يمكن التهوين من شأنه، لكنه وحده لا يكفي.

إن المؤامرات التي توجه للمرأة المسلمة اليوم ضخمة، وتزداد وتتنوع أدواتها يوماً بعد آخر، وهي تتطلب تأهيل المرأة لتواجه هذا السيل الجارف، وليكون لها دور بارز.

وهذا التـأهيل لا يتـم بمجـرد التـحذير من المؤامرات، ولا بمجـرد الوعـظ والرقائق، ولا بالتأكيد على مسائل العفة؛ رغم أهمية ذلك كله.

إنه يحـتاج مـع هـذا لصـياغة شخـصـيـة المـرأة المسـلـمة لتكون فاعلة.

يحـتاج إلى بنـاء قدراتها العقلـية وتنـمية مـهـارات التفكير لديها.

ويحتاج إلى إكسابها أدوات الوعي والقدرة على التعامل مع القضايا الفكرية المعاصرة.

ويحتاج إلى تنمية الإيجابية، والمبادرة، وإدارة الذات، والتكيف، والمرونة، والثقة بالنفس.

ويحتاج إلى أن تمتلك المهارات العالية في التربية وبناء الأجيال؛ التربية بمفومها الواسع والإيجابي.

لا زال الجهد المبذول لبناء المرأة يدور في مساحة محدودة لا تكفي لإعداد المرأة الفاعلة.

ولا زال العمق في شخصية المرأة الداعية ـ فضلاً عمّن دونها ـ أقل بكثير من تحديات الواقع.

إننا بحاجة إلى الجمع بين حماية المرأة من المؤمرات، وتأكيـد معاني العـفة والسـتر، وبناء شخصيتها؛ لتكون إيجابية فاعلة.
ـــــــــــــــــــــــــــ
الشيخ محمد الدويش

Post: #604
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-30-2015, 11:16 PM
Parent: #601

الوقار والرزانة والسمت الحسن من الصفات النبيلة التي ينبغي أن يتميز بها القدوات من العلماء والدعاة وأهل الرأي. وهي من المحاسن التي تدفع الناس إلى الاقتداء بهم والاطمئنان إلى منهاجهم، وتأمَّل معي قول الحارث بن عمرو السهمي – رضي الله عنه -: (أتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو بمنى أو بعرفات، وقد أطاف به الناس. قال: فتجيء الأعراب، فإذا رأوا وجهه قالوا: هذا وجه مبارك)[صحيح أبي داود].

وقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - حريصاً على أن يتميَّز الصحابة – رضي الله عنهم – بأبهى صورة، وأجمل هيئة، ويقول لهم: «إنكم قادمون على إخوانكم فأصلحوا رحالكم، وأصلحوا لباسكم، حتى تكونوا كالشامة في الناس؛ فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش»[أخرجه أحمد وأبو داود وحسنه ابن حجر].

وإذا كان حُسْن السمت الظاهر مما ينبغي التواصي به، فإن خُلُق الإنسان الذي يمشي به بين الناس من باب أَولَى، وقد ثبت من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الهدي الصالح، والسمت الصالح، والاقتصاد، جزء من خمسة وعشرين جزءاً من النبوة»[أخرجه أحمد وحسنه الألباني].

والوقار صفة تبعث على التزام السكينة والوداعة، ويقال في اللغة: رجل وقور؛ أي: ذو حلم ورزانة[لسان العرب 15 /365].

وينبغي لمن تربى في محاضن العلم والدعوة، أن تزكو نفسه، وتسمو همومه وطموحاته، وأن يظهر أثر هذه التربية في حياته كلها، كما قال الحسن البصري: (قد كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشُّعه، وهديه، ولسانه وبصره، وبِرِّه)[شعب الإيمان: 2 /291]. ونحوه قول الإمام مالك: (إنَّ حقاً على طالب العلم أن يكون له وقار وسكينة وخشية، وأن يكون متبعاً لأثر من مضى قبله)[ الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع:1/156].

وعندما تتأمل سير العلماء تقف على نماذج مشرقة من حُسنِ السمت والوقار والرزانة؛ فها هو ذا أبو داود السجستاني (صاحب السنن المشهورة) يقول عن شيخه الإمام أحمد: (لقيت مائتين من مشايخ العلم، فما رأيت مثل أحمد بن حنبل؛ لم يكن يخوض فيما يخوض فيه الناس من أمر الدنيا، فإذا ذُكِر العلم تكلم)[ حلية الأولياء: 9 / 164].

وهذا الوقار الذي عُرِف به الإمام أحمد جعل شيوخه يجلُّونه ويهابونه ويقدِّرون مكانته، ومما ينبغي أن يتأمَّله الدعاة والمصلحون قول خلف بن سالم: (كنا في مجلس يزيد بن هارون، فمزح يزيد مع مستمليه، فتنحنح أحمد بن حنبل، فضرب يزيد بيده على جبينه، وقال: ألا أعلمتموني أن أحمد ها هنا حتى لا أمزح)[ وسير أعلام النبلاء11 /194].

وكان أحد المحدِّثين عند شيخه إسماعيل بن عليَّة، فتكلم إنسان، وضحك بعضهم، وثَمَّ أحمد بن حنبل، فأتوا إسماعيل فوجدوه غضبان، فقال: (أتضحكون وعندي أحمد ابن حنبل؟)[مناقب الإمام أحمد:68].

فإذا كان هذا التقدير من شيوخه، فإن تقدير تلاميذه، وعامة الناس من حوله من باب أَوْلى.

ومع ذلك فإن الحسنة منزلة بين السيئتين؛ فليس الوقار المقصود يعني الفظاظة والغلظة وجفاء الطبع، وأن يكون العالم أو الداعية عابس الوجه مقطِّب الجبين؛ إذ ليس ذلك من محاسن الأخلاق، ولا من علامات الشرف والسؤدد الذي ينبغي أن يتحلى به الدعاة؛ وإنما المقصود الترفع عن الفحش والبذاءة، والبعد عن الخفة والسفه وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم - يضحك، ويمازح أصحابه – رضي الله عنه - لكنه لا يقول إلا حقاً[الترمذي وقال: حسن صحيح].

ذلك أن الوقار يُقصَد به ترفع الداعية عن اللهو وسفساف الأمور، والمزاح العابث، والاشتغال بما لا فائدة فيه: كالاشتغال بتوافه الأمور، والإفراط في التنزه، والسمر، واتباع الصيد، والتشجيع الرياضي، والتعصب القَبَلي... ونحوها.

وإني – والله – لأعجب أشد العجب من صاحب رسالة يُقتَدَى به كيف تطيب نفسه بهدر أوقات طويلة في تلك الأمور التي أقل ما يقال عنها: إنها لا تليق بالرواد المصلحين.

وقد رأيت بعض فضلاء الدعاة إذا خَلَوا بخواصهم أو أقرانهم توسعوا في الضحك، والممازحة؛ حتى يبلغ بهم الأمر أحياناً إلى الخروج عن حدِّ الوقار والاعتدال، ولعل الحافظ ابن الجوزي يشير إلى أمثال هؤلاء بقوله: (رأيت مشايخ كانت لهم خلوات في انبساط ومزاح، فراحوا عن القلب، وبدَّد تفريطهم ما جمعوا من العلم، فقلَّ الانتفاع بهم في حياتهم، ونُسُوا بعد مماتهم، فلا يكاد أحد أن يلتفت إلى مصنفاتهم)[ صيد الخاطر: 144].

وأحسب أن التوازن والاعتدال في شخصية الداعية يحفظ له هيبته وقدره عند الناس، ويزيد من بركته وفضله في دعوته.

إن مشروع النهضة والتجديد الذي يحمله الدعاة والمصلحون يُعرَف من خلال سيرتهم العملية؛ فالواقع الشخصي الذي يشاهده الناس هو عنوان ذلك المشروع، وهو الذي يعبِّر بجلاء عن صفائه واستقامته، ولهذا كان أسـمى ما يرتديه الداعية أمام نفسه وأمام الناس رداءَ الصدق والوقار.
اسلام ويب

Post: #605
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:10 AM
Parent: #604

جعل الله ـ عز وجل ـ المراهقة مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، ولهذا فإن أحد مفاتيح فهم شخصية المراهق يتمثل في إدراك الأنشطة والمواقف التي يحاول المراهق من خلالها أن يُثبت لنفسه ولمن حوله بأنه جدير بالاحترام، وجدير بأن يعامَل على أنه شخص كامل الأهلية وذو رأي ناضج ومعبر عن خبرة وتجربة .... مساعي المراهق للاستقلال كثيرا ما تتجلى في مجادلة والديه وإخوته في أمور تافهة وصغيرة، وهو حين يجادل لا يشك في أن رأيه صواب، وأن رأي غيره خاطئ مئة في المئة.
في يوم من الأيام دخل أحد المراهقين إلى بيت أهله وهو غاضب، وحين سألته والدته عن سبب غضبه أبى أن يتكلم، وبعد إلحاح شديد قال: إن خالي أهانني إهانة شديدة، وذلك أني ألقيت عليه السلام مرتين، ولم يرد عليّ، وأخذ الفتى يتحدث بصوت مرتفع مع شيء من الهياج عن أن رد السلام واجب، ولو كان الذي يلقي السلام صغير السن، ثم شرع يذكر لوالدته سبب عدم رد خاله للسلام، وأنه يكمن في أن علاقته ـ أي الخال ـ مع أبيه ليست جيدة بسبب نزاع على ملكية إحدى الأراضي، فأحب أن يتجاهله، ويُعرِض عنه، وقد حاولت والدته إقناعه بأن ذلك لم يكن مقصودا، وأن خاله لم يسمع بالتأكيد سلامه، لكن الفتى كان يرفض ذلك بشدة، ويرد على والدته كل كلمة تقولها، وكل احتمال تسوقه، قالت والدته: سوف أسأل خالك عن هذا، وأحاول أفهم أسباب ما جرى، وكان رد الفتى: أن لا فائدة من ذلك لأن خاله لن يقول الحقيقة! وحين سألت الأم أخاها عن ذلك أقسم يميناً مغلّظة أنه لم ير ابن أخته، ولم يسمع تسليمه، وأنه كان وقت مرور ابن أخته في حالة سيئة جدا بسبب ما سمعه عن طلاق ابنته من زوجها.... ومع هذا فإن الفتى لم يقتنع!
إن الطفل يقول: أنت، وإن المراهق يقول: أنا، أما الراشد فإنه يقول: نحن، هكذا هي مرحلة المراهقة ، إنها مرحلة اعتزاز بالذات وبناء الاستقلالية.
في بعض الأحيان يتجلى سعي المراهق إلى الاستقلال في إغلاق باب غرفته عليه دون أي سبب يدعو إلى ذلك، إنه يريد أن يؤكِّد أن هذه المساحة من المنزل له وحده، ولا ينبغي اقتحامها إلا بإذنه، لكن الأهل يستنكرون ذلك أشد الاستنكار، وكثيرا ما يثير ذلك في نفوسهم الشك والريبة، ولهذا فإنهم يحذّرونه مئات المرات من إقفال الباب على نفسه، وهو مصرٌّ على القيام بذلك من أجل توكيد معنى الخصوصية والانعتاق من التبعية.
كثرة الخروج من المنزل تعبير آخر عن الاستقلال، فالمراهق يدرك أنه ما دام داخل المنزل، فإن عليه أن يتلقى الأوامر، ويسمع ويطيع، ويرضخ لسلطة الكبار في المنزل، أي أن استقلاله وهو في بيته يكون دائما منقوصا. ويكثر خروج المراهقين من منازلهم في أيام الإجازات، حيث لا يكون للبقاء في المنزل أي معنى، وقد كانت إحدى الأمهات تداعب ابنها إذا عاد من اللعب مع أصدقائه بقولها: لا بد أنك الآن جائع، ولولا ذلك لما عدتَ إلى المنزل!.
لكن هذا مؤقت، وحين يكبر المراهق، ويدخل في مرحلة الشباب، فإن الحس الجماعي سينمو لديه، ومع نموه سوف يتعلم كيف يتقبل الآخرين، وكيف يعذرهم، و كيف يعايشهم.
د. عبد الكريم بكار-اسلام ويب

Post: #606
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:13 AM
Parent: #601

تهادت الفتاة في ثقة، لتقتحم القاعة رافعة الرأس.

التفتت إليها العيون في حسد وانبهار، فأدارت عينيها في الجمع بنظرة قوية وقد اتسعت ابتسامتها في غرور. ثم اختارت مكاناً عالياً لتجلس فيه واضعة ساقاً فوق أخرى...

فهل كانت جميلة؟

سؤال محير حقاً؛ فملامحها عادية وقد تبدو للمتأمِّل قبيحة؛ لكنها كانت ترتدي ثوباً رائعاً من الحرير المرصع بالجواهر التي تلألأت تحت الأضواء، وقد تحلَّت بالذهب والماس وتضوعت بالعطر الثمين.

فهل أثَّر المظهر في الجوهر؟

ترددت في مشيتها عندما وقعت عيناها على تلك الفخامة التي غرقت فيها القاعة الفسيحة.

كانت تود لو تنشق الأرض فتحتويها وتخفيها عن تلك العيون التي تطلعت إليها في عدم اكتراث ثم مرت من فوقها كأنها لا شيء.

كانت بارعة الجمال بكل المقاييس؛ ولكن تلك البراعة اختفت لشدة سطوع الأضواء المبهرة التي راحت تعبث هنا وهناك لتتألق فقط على أسطح اللآلئ الثمينة.

رداؤها الرخيص والحليُّ المتآكل بفعل الصدأ ساهما في جعل جمالها شحوباً ورشاقتها ترهلاً. فخفضت بصرها لتدس النقود في يد العامل وتتناول ما اشترته في سرعة لتغادر المكان غير معقبة.

فهل أثر المظهر في الجوهر؟

إنهما (مظهر وجوهر)، وكلاهما يؤثر في الآخر تأثيراً واضحاً يراه كل من ألقى البصر وهو شهيد؛ فالشعور بالثقة أو الغرور أو الدونية أو المرح أو الحزن... إلخ لا ينشأ منفصلاً عن مظهرنا الخارجي، كما أن مظهرنا الخارجي لا ينفصل عن تلك المشاعر الداخلية؛ فمن شعر بشيء من الضيق أو الحزن فقام واغتسل وتعطر وارتدى ملابس فضفاضة يشعر بأن تلك المشاعر خفتت قليلاً، بل قد تذهب تماماً بهـذه الأفعـال البسيطة، كمـا أن مـن يرتدي ملابـس جديدة وأنيقة لا ريب أنه سيشعر ولو بشيء من السعادة والمرح.

وقـد أباح الإسـلام حُسْــن المظهـر؛ بل حـث عليـه بلا إسـراف ولا تَعَدٍّ. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر. قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً. قال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال. الكبر بطر الحق وغمط الناس»[رواه مسلم]. وقال صلى الله عليه وسلم: «البسوا ثياب البياض؛ فإنها أطهر وأطيب»[صحيح ابن ماجة].

وقال صلى الله عليه وسلم: «عشر من الفطرة: قص الشارب، وإعفاء اللحية، والسواك، واستنشاق الماء، وقص الأظفار، وغسل البراجم، ونتف الإبط، وحلق العانة، وانتقاص الماء. قال زكرياء: قال مصعب: ونسيت العاشرة. إلا أن تكون المضمضة»[رواه مسلم]. ولا يخفى أن كل هذه التوجيهات متعلقة بنظافة المظهر.

هناك كثير من التشريعات الإسلامية المتعلقة بالمظهر مثل الأمر باللحية للرجال.

ومن التشريعات التي تظهر فيها علاقة الظاهر بالباطن: حجاب المرأة المسلمة؛ فقد أمر الله - تعالى - النساء بالحجاب ونهاهُنَّ عن إبداء الزينـة، وذلكما الأمـر والنهي متعلقان بالمظهـر. وبيَّن الله - تعالى - أن علة هذا الأمر طهارة القلب للرجال والنساء وهو من شؤون الباطن، فقال - عز وجل -: {وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: ٣٥].

ومما يؤسَف له في الواقع شعور بعض الناس بالحرج والضيق من الحجاب، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على خللٍ في القلب؛ لأن هذا الترابط القوي بين المظهر والجوهر يستلزم لمن شعر بالمحبة والرضا والقبول بما أمر الله - تعالى - به، أن يشعر بالفرح والسرور والفخر عند تطبيقه الأمر فيسارع للطاعة محبة لله وشوقاً لما عنده - سبحانه - مثلما فعلت نساء الأنصار على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: «لما نزلت {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ}، خرج نساء الأنصار كأنَّ على رؤوسهن الغربان من الأكسية»[صحيح أبي داود].

فيقول المؤمن بلسان حاله ومظهره:
وممـا زادنـي فخـراً وتيـــــهاً .. .. وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك: يا عبادي .. .. وأن صـيرت أحمدَ لي نبيا

وقد اهتم الإسلام بتمييز الشخصية المسلمة في مظهرها عن غيرها؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم قائلاً: «إن اليهود والنصارى لا يصبغون، فخالِفُوهم»[متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: «جزوا الشوارب وأرخوا اللحى، خالفوا المجوس»[رواه مسلم].

فنجد أن مبدأ مخالفة الكفار في الأعمال الظاهرة أصبح من شعائر الإسلام؛ فمثلاً حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع». قال ابن عباس راوي الحديث: فلم يأتِ العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [رواه مسلم].

وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر؛ لأن اليهود والنصارى يؤخرون»[صحيح أبي داود].

وقال صلى الله عليه وسلم: «إن تسوية القبور من السُّنة، وقد رفعت اليهود والنصارى فلا تشبهوا بهما»[صححه الألباني].

وقـال صلى الله عليه وسلم: «خالفـوا اليهـود؛ فإنهـم لا يصلـون في نعالهـم ولا خفافهم»[صحيح الجامع].

وأهل السُّنة المتبِعون للعقيدة الإسلامية الصافية التي اغترفوها من ينابيعها الأصلية عن سادات الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين من العلماء الربانيين، يعتقدون أن الإيمان عِلْم القلب وعمله، وقول اللسان، وعمل الجوارح، ويستدلون بالظاهر على الباطن ويجعلون الظاهر أمارة على ما في الباطن: إن كان خيراً في باطنه فلا بد من خير في ظاهره، وإن كان غير ذلك فلا بد أن ينضح على الظاهر ويُرى أثره. [الإيمان لابن تيمية].

ومما يدل على تأثير الباطن في الظاهر والعكس، ما كان فيه المنافقون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فقد كانوا يشهدون الصلاة خلفه صلى الله عليه وسلم تقيَّة ونفاقاً، فما تزيدهم صلاتهم إلا كفراً وإعراضاً، وكان سماعهم للقرآن غضاً طرياً من فم النبي صلى الله عليه وسلم لا يزيدهم إلا عمىً. قال - تعالى -: {وَإذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ . وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة: ٤٢١ - ٥٢١]، وقال - تعالى -:{وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُوْلَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ}. [فصلت: ٤٤].

فكان لا بد أن ينفلت منهم بعضُ ما يخفون. قال - تعالى -: {وَإذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإذَا خَلَوْا إلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إنَّا مَعَكُمْ إنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ} [البقرة: ٤١] كما لم يكن سمتهم فيما يأتون من الخيرات مشابهاً ولا حتى مقارباً لسمت المؤمنين. قال - تعالى - فيهم: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: ٤٥]، وكانت لهم صفات يُعرفُون بها، منها ما جاء في قوله - تعالى -: {يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [المنافقون: ٤]، وقال - تعالى -:{وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَإنَّ جَهَنَّمَ لَـمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: ٩٤]، وقال - تعالى -: {الْـمُنَافِقُونَ وَالْـمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْـمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْـمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إنَّ الْـمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [التوبة: ٧٦]، وقال - تعالى -: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْـخِصَامِ صلى الله عليه وسلم٤٠٢صلى الله عليه وسلم) وَإذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْـحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة: ٤٠٢ - ٥٠٢]، فحتى في نفاقهم ما استطاعوا أن يُحْكِموا التظاهر؛ لأن الباطن ينفلت مما شُدَّ عليه. بخلاف من امتلأ قلبه محبة لله ورسوله؛ فإنه لا بد أن يظهر ذلك في سمته وهديه الظاهر ولا تصح دعوى المحبة بغير ذلك. قال - تعالى -: {قُلْ إن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران: ١٣]؛ لأنه من المحال أن يمتلئ قلـبٌ محبـة وقبـولاً وخضوعاً؛ ولا يترجم كل ذلك إلى أفعال بلا عذر؛ فكما يقال: الصب تفضحه عيونه.

فمن اتبع السنن النبوية الظاهرة رغبة فيما عند الله وجد لذلك حلاوة الإيمان في القلب وازداد إيمانه فيزيد في عمله واتِّباعِهِ فيزداد إيمانه وهكذا؛ فإن زلَّ في ما نهى الله عنه بقلبه أو جوارحه تأثَّر إيمانه فيجد فتوراً في العمل.

فإذا ظهر خلل في السـلوك فذاك صـادر عن خلل في الباطن بلا ريب؛ لأن القلب ينضح بما امتلأ به؛ كما يفوح وكاء المسك عطراً ويفوح غيره بما يفوح؛ فاللسان والجوارح مغرفة القلب، وكذلك إن شعر المرء بالوحشة وفقد حلاوة المناجاة وإخبات القلب لله فإن ذلك لم يحدث إلا لافتقاد القلب لما يتغذى به من القربات الظاهرة، وكلنا مقصِّرون في الطاعات وكلنا ذوو أخطاء؛ وخير الخطائين التوابون؛ لكن إذا أردت أن تعرف: هل يزيد إيمانك أم ينقص؟ انظر إلى قلبك وعملك وقولك؛ فإن وجدت خيراً فأنت في ازدياد، وإن وجدت خللاً فاعلم أنه لم ينشأ من عدم.

فإذا أراد المرء الفلاح في الدارين فَلْيتعاهد ظاهره وباطنه بالتقوى وَلْيكن مع مراد الله الشرعي منه كما قال ابن القيم: (فأشرف الأحوال ألا تختار لنفسك حالة سوى ما يختاره لك ويقيمك فيه فكن مع مراده منك ولا تكن مع مرادك منه). قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم»[رواه مسلم].
ــــــــــــــــــــــــ
سارة بنت محمد حسن

Post: #607
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:17 AM
Parent: #601

قصيدة أبي عمران الأندلسي في مدح أم المؤمنين عائشة

ما شَانُ أُمِّ المُؤْمِنِينَ وَشَانِي *** هُدِيَ المُحِبُّ لها وضَلَّ الشَّانِي

إِنِّي أَقُولُ مُبَيِّناً عَنْ فَضْلِه *** ومُتَرْجِماً عَنْ قَوْلِها بِلِسَانِي

يا مُبْغِضِي لا تَأْتِ قَبْرَ مُحَمَّدٍ *** فالبَيْتُ بَيْتِي والمَكانُ مَكانِي
إِنِّي خُصِصْتُ على نِساءِ مُحَمَّدٍ *** بِصِفاتِ بِرٍّ تَحْتَهُنَّ مَعانِي
وَسَبَقْتُهُنَّ إلى الفَضَائِلِ كُلِّه *** فالسَّبْقُ سَبْقِي والعِنَانُ عِنَانِي
مَرِضَ النَّبِيُّ وماتَ بينَ تَرَائِبِي *** فالْيَوْمُ يَوْمِي والزَّمانُ زَمانِي
زَوْجِي رَسولُ اللهِ لَمْ أَرَ غَيْرَهُ *** اللهُ زَوَّجَنِي بِهِ وحَبَانِي
وَأَتَاهُ جِبْرِيلُ الأَمِينُ بِصُورَتِي *** فَأَحَبَّنِي المُخْتَارُ حِينَ رَآنِي
أنا بِكْرُهُ العَذْراءُ عِنْدِي سِرُّهُ *** وضَجِيعُهُ في مَنْزِلِي قَمَرانِ
وتَكَلَّمَ اللهُ العَظيمُ بِحُجَّتِي *** وَبَرَاءَتِي في مُحْكَمِ القُرآنِ
واللهُ خَفَّرَنِي وعَظَّمَ حُرْمَتِي *** وعلى لِسَانِ نَبِيِّهِ بَرَّانِي
واللهُ في القُرْآنِ قَدْ لَعَنَ الذي *** بَعْدَ البَرَاءَةِ بِالقَبِيحِ رَمَانِي
واللهُ وَبَّخَ مَنْ أَرادَ تَنَقُّصِي *** إفْكاً وسَبَّحَ نَفْسَهُ في شَانِي
إنِّي لَمُحْصَنَةُ الإزارِ بَرِيئَةٌ *** ودَلِيلُ حُسْنِ طَهَارَتِي إحْصَانِي
واللهُ أَحْصَنَنِي بخاتَمِ رُسْلِهِ *** وأَذَلَّ أَهْلَ الإفْكِ والبُهتَانِ
وسَمِعْتُ وَحْيَ اللهِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ *** مِن جِبْرَئِيلَ ونُورُهُ يَغْشانِي
أَوْحَى إلَيْهِ وَكُنْتُ تَحْتَ ثِيابِهِ *** فَحَنا عليَّ بِثَوْبِهِ خَبَّاني
مَنْ ذا يُفَاخِرُني وينْكِرُ صُحْبَتِي *** ومُحَمَّدٌ في حِجْرِهِ رَبَّاني؟
وأَخَذْتُ عن أَبَوَيَّ دِينَ مُحَمَّدٍ *** وَهُما على الإسْلامِ مُصْطَحِبانِ
وأبي أَقامَ الدِّينَ بَعْدَ مُحَمَّدٍ *** فالنَّصْلُ نَصْلِي والسِّنانُ سِنانِي
والفَخْرُ فَخْرِي والخِلاَفَةُ في أبِي *** حَسْبِي بِهَذا مَفْخَراً وكَفانِي
وأنا ابْنَةُ الصِّدِّيقِ صاحِبِ أَحْمَدٍ *** وحَبِيبِهِ في السِّرِّ والإعلانِ
نَصَرَ النَّبيَّ بمالِهِ وفَعالِهِ *** وخُرُوجِهِ مَعَهُ مِن الأَوْطانِ
ثانِيهِ في الغارِِ الذي سَدَّ الكُوَى*** بِرِدائِهِ أَكْرِمْ بِهِ مِنْ ثانِ
وَجَفَا الغِنَى حتَّى تَخَلَّلَ بالعَبَ *** زُهداً وأَذْعَنَ أيَّمَا إذْعانِ
وتَخَلَّلَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَةُ السَّمَ *** وأَتَتْهُ بُشرَى اللهِ بالرِّضْوانِ
وَهُوَ الذي لَمْ يَخْشَ لَوْمَةَ لائِمٍ *** في قَتْلِ أَهْلِ البَغْيِ والعُدْوَانِ
قَتَلَ الأُلى مَنَعوا الزَّكاةَ بِكُفْرِهِمْ *** وأَذَلَّ أَهْلَ الكُفْرِ والطُّغيانِ
سَبَقَ الصَّحَابَةَ والقَرَابَةَ لِلْهُدَى *** هو شَيْخُهُمْ في الفَضْلِ والإحْسَانِ
واللهِ ما اسْتَبَقُوا لِنَيْلِ فَضِيلَةٍ *** مِثْلَ اسْتِبَاقِ الخَيلِ يَومَ رِهَانِ
إلاَّ وطَارَ أَبي إلى عَلْيَائِه *** فَمَكَانُهُ مِنها أَجَلُّ مَكَانِ
وَيْلٌ لِعَبْدٍ خانَ آلَ مُحَمَّدٍ *** بِعَدَاوةِ الأَزْواجِ والأَخْتَانِ
طُُوبى لِمَنْ والى جَمَاعَةَ صَحْبِهِ *** وَيَكُونُ مِن أَحْبَابِهِ الحَسَنَانِ
بَيْنَ الصَّحابَةِ والقَرابَةِ أُلْفَةٌ *** لا تَسْتَحِيلُ بِنَزْغَةِ الشَّيْطانِ
هُمْ كالأَصَابِعِ في اليَدَيْنِ تَوَاصُل *** هل يَسْتَوِي كَفٌّ بِغَيرِ بَنانِ؟!
حَصِرَتْ صُدورُ الكافِرِينَ بِوَالِدِي *** وقُلُوبُهُمْ مُلِئَتْ مِنَ الأَضْغانِ
حُبُّ البَتُولِ وَبَعْلِها لم يَخْتَلِفْ *** مِن مِلَّةِ الإسْلامِ فيهِ اثْنَانِ
أَكْرِمْ بِأَرْبَعَةٍ أَئِمَّةِ شَرْعِنَ *** فَهُمُ لِبَيْتِ الدِّينِ كَالأرْكَانِ
نُسِجَتْ مَوَدَّتُهُمْ سَدىً في لُحْمَةٍ *** فَبِنَاؤُها مِن أَثْبَتِ البُنْيَانِ
اللهُ أَلَّفَ بَيْنَ وُدِّ قُلُوبِهِمْ *** لِيَغِيظَ كُلَّ مُنَافِقٍ طَعَّانِ
رُحَمَاءُ بَيْنَهُمُ صَفَتْ أَخْلاقُهُمْ *** وَخَلَتْ قُلُوبُهُمُ مِنَ الشَّنَآنِ
فَدُخُولُهُمْ بَيْنَ الأَحِبَّةِ كُلْفَةٌ *** وسِبَابُهُمْ سَبَبٌ إلى الحِرْمَانِ
جَمَعَ الإلهُ المُسْلِمِينَ على أبي *** واسْتُبْدِلُوا مِنْ خَوْفِهِمْ بِأَمَانِ
وإذا أَرَادَ اللهُ نُصْرَةَ عَبْدِهِ *** مَنْ ذا يُطِيقُ لَهُ على خِذْلانِ؟!
مَنْ حَبَّنِي فَلْيَجْتَنِبْ مَنْ َسَبَّنِي *** إنْ كَانَ صَانَ مَحَبَّتِي وَرَعَانِي
وإذا مُحِبِّي قَدْ أَلَظَّ بِمُبْغِضِي *** فَكِلاهُمَا في البُغْضِ مُسْتَوِيَانِ
إنِّي لَطَيِّبَةٌ خُلِقْتُ لِطَيِّبٍ *** ونِسَاءُ أَحْمَدَ أَطْيَبُ النِّسْوَانِ
إنِّي لأُمُّ المُؤْمِنِينَ فَمَنْ أَبَى *** حُبِّي فَسَوْفَ يَبُوءُ بالخُسْرَانِ
اللهُ حَبَّبَنِي لِقَلْبِ نَبِيِّهِ *** وإلى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ هَدَانِي
واللهُ يُكْرِمُ مَنْ أَرَادَ كَرَامَتِي *** ويُهِينُ رَبِّي مَنْ أَرَادَ هَوَانِي
واللهَ أَسْأَلُهُ زِيَادَةَ فَضْلِهِ *** وحَمِدْتُهُ شُكْراً لِمَا أَوْلاَنِي
يا مَنْ يَلُوذُ بِأَهْلِ بَيْتِ مُحَمَّدٍ *** يَرْجُو بِذلِكَ رَحْمَةَ الرَّحْمانِ
صِلْ أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ ولا تَحِدْ *** عَنَّا فَتُسْلَبَ حُلَّةَ الإيمانِ
إنِّي لَصَادِقَةُ المَقَالِ كَرِيمَةٌ *** إي والذي ذَلَّتْ لَهُ الثَّقَلانِ
خُذْها إليكَ فإنَّمَا هيَ رَوْضَةٌ *** مَحْفُوفَةٌ بالرَّوْحِ والرَّيْحَانِ
صَلَّى الإلهُ على النَّبيِّ وآلِهِ *** فَبِهِمْ تُشَمُّ أَزَاهِرُ البُسْتَانِ
اسلام ويب

Post: #608
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:19 AM
Parent: #607

ولآمرنهم.. فليغيرن خلق الله
مسلسل انفراط العقد وهبوط خط الانحراف العقدي الذي تعاني منه الأمة الإسلامية، والتي يحاول الإصلاحيون بشتى جهودهم مجابهة نموه وأطواره المتجددة والتي تظهر لنا كل يوم بثوب جديد، من عبادة الشيطان للمثلية الجنسية للزواج السري، والآن ظاهرة جديدة انتشرت في بعض دول العالم العربي هي ظاهرة المسترجلات من النساء والمخنثين من الرجال والتي تنم عن جهل مفرط ممزوج بترف مغرق، وإنا لله وإنا إليه راجعون .

تقول إحدى الفتيات واصفة تصرفات زميلاتها المسترجلات: "هناك تصرفات غريبة للفتيات المسترجلات حيث يتصنعن الكلام والتصرفات والشكل وطريقة اللباس حيث يرتدين القمصان الرجالية ويلجأن إلى تصرفات عنيفة قد تصل إلى الضرب وافتعال المشاكل بالتحرش بالأخريات ".

وتصف أخرى: أن كل شيء رجولي فيهن ابتداء من العبارات الرجالية "لا أدري من أين حصلن على تلك الألفاظ والعبارات، إضافة إلى ذلك نرى أنهن يصاحبن بعضهن كما لو أنهن شبابا ".

ويزداد حزن الفتيات، وحزننا معهن، على ما وصل إليه حال زميلاتهن المسترجلات ويصفن حالهن :

يلاحظ العطر الرجولي ينتشر في تجمعاتهن، وطريقة المشي العشوائية التي تتعمد خلالها الفتاة إظهار الخشونة، يكملها القميص الرجالي وقصة الشعر "الرجالية"، وبالتأكيد كان الحذاء الرجولي حاضرا في المشهد .

تأنيث الرجال!!
وعلى العكس تماماً من المثال السابق نجد بعض شباب الإسلام يقبل أن يستبدل رجولته بطبائع النساء حتى وصل الحال ببعضهم إلى التحول الكامل، وكثيراً ما نرى شباب أنعم من النساء بداية من قصات الشعر، مروراً بالنعومة في الكلام وطريقة المشي والحركات.. ولا غرابة أن يصل الحال بمثل هؤلاء إلى الشذوذ والمثلية الجنسية .

تتجلى قضية الشباب المخنث بوضوح في موقف حدث مع الداعية الكويتي نبيل العوضي في مقال كتبه بعنوان (هل أغض بصري عنه ؟؟) يقول فيه:

اتصل عليَّ شاب يريد مقابلتي، فدعوته إلى المسجد حيث إنني سأجلس بين المغرب والعشاء فيه، فاعتذر لعدم استطاعته دخوله!! فكان الموعد بعد العشاء في مواقف السيارات، حضر الشاب بسيارته فخرج منها لتكون المفاجأة!!

إي والله مفاجأة ما كنت أتوقعها!!

الشاب بهيئة فتاة كاملة!! إي نعم فتاة كاملة! بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى!!.. الشعر والجسم والوجه واللباس!!! سلم عليَّ فرددت السلام، وكنت مذهولا مما أرى، هل هذه حقيقة أم حلم؟! سألته عن تحوله إلى هذا "الجنس" هل هو في الظاهر فقط أم تحول كامل؟ فأخبرني بأنه تحول تحولا كاملا!! سألته عن العمليات التي أجراها أين كانت؟ فاخبرني انه أجراها في تايلند!!

أنا أعلم أن الأمر مزعج لمن يقرأه ويسمعه وقد سألته هل يوجد آخرون مثلك؟ فأخبرني بأنهم مجموعة ويتزايدون، وعرفت منه مع من يجلسون ومن من"الكبار" يشجعهم ويمدهم بالأموال!!

والغريب أن هذا "الجنس المتحول" جاء إلي يريد فتوى تفيده بتحوله إلى هذا "الجنس المسخ" فأخبرته أن ما صنعته يعرضك لـ "لعنة الله".. نعم.. "لعنة الله"، وأنت آثم ومخطئ خطأ كبيراً، ويجب عليك التوبة والرجوع إلى فطرتك السليمة، فلم يعجبه حديثي ولا كلامي.

المشكلة تكمن في أن هذا الفعل الذي قام به هذا الشاب لا يعاقب عليه القانون!! والأشخاص الذين سيقومون بفعلته لن يردعهم شيء لأن القانون معهم!!

أنا اعلم أن هناك قانوناً في مجلس الأمة ينتظر دوره لإقراره يجرم هذا الفعل، ولكن هل من نائب "شهم غيور" يستعجل إقراره فيحفظ أجيالا قادمة من هذا المرض الخبيث.

مشكلة تشبه أحد الجنسين بالآخر، أو المثلية الجنسية، أو الشذوذ في العلاقات الجنسية، تحتاج في علاجها إلى علماء النفس والتربية والشريعة، وتحتاج إلى قوة القانون، وتوجيه الإعلام توجيها صحيحا.

كانت وزارة التربية في الفترة الماضية ترفض التحدث عن مشكلة "المسترجلات" في مدارسها بحجة عدم وجود هذه الظاهرة، والآن وبعد أن استفحل المرض وانتشر حتى وصل إلى الثانويات والمتوسطات وسمعت بها مدارس الابتدائي!! بدأت وزارة التربية بتدارك الأمر. ورجال الداخلية في جوازات المطار يشتكون بمرور فتيات بكامل زينتهن عليهم وعندما يفتح الجواز يكتشف رجل الأمن أن صاحب الجواز رجل!! يا الله!! والله مصيبة وخسارة على شباب ورجال ذهبوا ضحية إعلام فاسد، وتربية سيئة وقانون ناقص!!

أرجو من كل قلبي ألا يخرج علينا أحد الليبراليين ويقول هذه حقوق وحرية شخصية، كل إنسان يختار الجنس الذي يريد، ويعاشر الجنس الذي يختاره، لأنني سأصاب بعدها بالغثيان.

أكثر سؤال حيرني وأنا كنت انصح الشاب "المسخ"، وأذكره بالله وأخوفه منه، هل يجب عليَّ أن "أغض بصري عنه" ؟!!! أ.هـ. كلام الشيخ نبيل العوضي.

شباب الإسلام:
كان المنتظر منكم أن تحملوا هموم أمتكم وأن تحاولوا رفع رايتها وإخراجها مما هي فيه، وليس أن تكونوا أنتم أنفسكم هماً من همومها، أو عيباً تعير به .

حمل هم الإسلام قبلكم ثلة من الشباب أخذوا ما آتاهم ربهم بقوة، وحملوا هَم دعوتهم بصدق، فنجحوا في حمل الأمانة، وإيصال رسالتهم التي بعثهم الله بها للخلق أجمع، فالأمة كلها مبعوثة للناس بما بعث به نبيها صلى الله عليه وسلم، تأمل في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة «فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين».

نجح أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في إقامة الدولة وفتح الفتوح ونشر الإسلام، ولازالت الأمة ولادة حتى جاء دوري ودورك لنكمل العقد الفريد ونوصل رسالة الحق لأبنائنا ومن بعدهم، فالعيب أن تكون أو أكون حجر عثرة في طريق من يريد السير لإيصال الأمانة في وقت يجب أن يكون الحمل فيه مشتركا.

أختي التي تخلت عن أنوثتها وغيرت خلق بارئها وتود لو تحولت رجلاً: مهلا فوالله، ثم والله.. ليست القوة فيما تفعلين وإنّما هو الضعف عين الضعف أن تتنكري لجنسك وتخرجي من جلدك، والقوة أن تثبتي جدارتك من خلال شخصيتك السوية وعملك وعقيدتك وتفانيك لتكوني شمعة تضيء الظلام، وكم أثبتت نساء أنّهن أفضل من آلاف الرجال، والتاريخ والعصر الحديث ملئ بالأمثلة المشرفة للمرأة المسلمة، في مجال العلم والدعوة بل حتى مجال الجهاد لم تتركه المرأة المسلمة ولك في أمهات المؤمنين قديما وأخواتك في فلسطين والشيشان وغيرها حديثا خير مثال.

وأختم حديثي معك أيها الشاب المسكين ولك أيتها المسترجلة المخدوعة بآيات وأحاديث تدلك على شناعة ما فعلت بنفسك:

روى الإمام البخاري حديث عبد الله بن عباس، رضي الله عنهما حيث قال : «لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات النساء بالرجال».

وعن ابن عباس أيضاً في البخاري: «لعن النبي صلى الله عليه وسلم المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء».

والله عز وجل قد نهى النساء المسلمات أن يتمنين أن يكنّ كالرجال، وكذا نهى الرجال عن تمني ما للنساء، فقال تعالى: {وَلاَ تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}[النساء : 32] .

و قال تعالى حاكيا عن قول إبليس اللعين{ وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [النساء:119] .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد أبو الهيثم

Post: #609
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:21 AM
Parent: #601

الجدال بين المسلمين وأهل الكتاب جدال قديم، والمناظرات والمحاورات بدأت مع بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حين بدأ أهل الكتاب يطعنون في الدين والرسالة وصاحبها، وكان الله يتولى الرد تارة بالقرآن وتارة بالوحي إلى رسوله بالسنة.. ومحاورات وفد نجران مع المصطفى صلى الله عليه وسلم سطَرها القرآن وهي خير دليل على ما نقول.

ولم يقف الأمر بعد هذا أبدا، بل ما زال النصارى يجادلون ويحاولون الطعن.. وفي كل زمان يقف لهم الجهابذة من العلماء للرد عليهم وإفحامهم ورد كيدهم في نحورهم.

ومع حركات الاستشراق في القرون الأخيرة، وتزايد الحملة الصليبية، واستشراء المطاعن على الإسلام وزيادة الحقد في قلوب الصليبيين نحو الإسلام ورسوله زادت الهجمة الصليبية خصوصا مع قلة العلماء الموسوعيين، وإن كان الزمان لا يخلو من قائم لله بحجة، وإن كان هناك متخصصون نذروا أنفسهم للذود عن دينهم ودحر الكافرين.

غير أنه قد ولج في هذا الباب جماعة من شباب المسلمين، ربما أخذتهم الحمية للدين، أو حملهم موقف تعرضوا فيه لإحراج فانتبهوا بعد غفلة، لكنهم ولجوه من غير سلاح العلم الشرعي ودون معرفة ضرورية بأساسيات الإسلام فعرضوا أنفسهم لخطر عظيم. فكان لابد من توجيه نصيحة لهم صيانة لدينهم وحفظا لعقيدتهم.

وهذه النصيحة وجهها رجل متخصص في هذا الباب نقلتها بحذافيرها (من موقع حراس العقيدة).. نصيحة لإخواني الشباب عسى أن تكون فيها منفعة لهم وتنويرا للطريق أمامهم..يقول الشيخ:

نصيحة جليلة فاقبلها:
الحمد لله وكفي .. وسلام على عباده الذين اصطفي .. ثم أما بعد ..
أول خطوة لك أخي الكريم في دراسة مقارنة الأديان: أن تمتنع عن قراءة أي كتاب أو مقال في مقارنة الأديان، وأن تلجم نفسك عن قراءة المكتوب في منتديات مقارنة الأديان !

والخطوة الثانية أن تأخذ نصيبك من الميراث الذي تركه لك محمد عليه الصلاة والسلام. فتتعلم قراءة القرآن كما كان يقرأه محمد عليه الصلاة والسلام، وتحفظ ما استطعت منه. ثم تأخذ بطرف صالح من العقيدة والفقه والحديث والتفسير واللغة والسيرة والرقائق وباقي العلوم الضرورية.

والثالثة أن تتوسع أكثر في دراسة العقيدة، فتتعمق أكثر في مسائل العقيدة وتفاصيلها، وتتعرف بشكل أوسع على الفرق والأديان والمذاهب.

والرابعة أن تدرس أمهات الكتب في مجال دعوة أهل الكتاب، وعلى رأسها الجواب الصحيح لابن تيمية، وإظهار الحق لرحمة الله هندي.

والخامسة الاطلاع على الكتاب المسمى بالمقدس، وأمهات كتب القوم.

هذا وإلا:
فإن شقّ عليك ذلك الطريق، وطال وصعب في ناظريك، وأصررت على الدخول في هذا المعترك من غير ما سبق.. فاسمع ما أقوله لك :

اعمد إلى مواقع الإنترنت ومنتدياتها، وأهدر من وقتك ما استطعت، واقرأ نتفـًا من هنا وهناك، حتى إذا عرفت بعض المطاعن في الكتاب "المقدس"!!، فاذهب إلى منتديات النصارى، وطارحهم الجدل والجدال، وبادلهم السب والسباب، ثم قل في نفسك: قوم لا عقول لهم! .. فارجع إلى منتدى الجامع أو غيره من المنتديات، واحرص لنفسك في كل يوم على مشاركة تضعها فيه، لا تزيد عن اقتباس فقرة من الكتاب المقدس، وتهكم عليها واسخر منها، وانتظر تهنئة إخوتك لك على رائع تهكمك وعظيم سخريتك، فبادلهم التهاني، وتعجب من حال النصارى الذي لا يعقلون! .. وأنت في كل ذلك حريص على إهدار أوقاتك، وربما إضاعة صلواتك! .. وتمر عليك السنون والسنون، ولم تعرف من الإسلام أكثر مما عرفت حتى اليوم!.. وهذا إن تغمدك الله برحمته، ولم تنكت بعض الشبه في قلبك نكتـًا سوداء، ولم يصر قلبك من عدم الإنكار كالكوز مجخيًا والعياذ بالله !

وأنت في ذلك الطريق السهل تتعلم الإسلام أيضـًا!.. لكنك تتعلمه عن طريق الشبهات!.. فينحصر علمك بدينك في ردود الشبهات. فلو وقفت في الصلاة بين يدي ربك، وقرأت: (واستغفر لذنبك)، لم يقع في قلبك إلا أن هنا شبهة حول خطايا النبي صلى الله عليه وسلم، والرد عليها كذا!.. وإذا قرأت: (سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله)، لم تستحضر في قلبك إلا شبهة كذا والرد عليها كذا!.. وإذا قرأت (يا أخت هارون)، لم تجد في بالك إلا إجابة السؤال: كيف تكون مريم أخت هارون؟!.. وهكذا يصير علمك بدينك مجرد ردود على شبهات.. أو قل بلا مواربة: يصير دينك عندك شبهات مردود عليها!

أخي الحبيب ..
حبك لدعوة أهل الكتاب لا بأس فيه. ولكنك مسلم قبل أن تكون محاورًا مجادلاً. وإسلامك يطالبك بتعلم دينك أولاً، بصرف النظر عن تخصصك في مجادلة أهل الكتاب فيما بعد أم لا.

وكيف تشرح للنصارى محاسن شرعة الإسلام وأنت لم تدرس متنـًا فقهيـًا للمبتدئين؟!!
وكيف تقرب النصارى إلى القرآن العظيم وأنت لا تحسن تلاوته ولم تقرأ تفسيرًا مختصرًا لآياته ولم تتقن لغته؟!!
وكيف تحبب النصارى في محمد عليه الصلاة والسلام وأنت لا تعرف نسبه ولا سيرته ولا أخلاقه ولا شمائله؟

وأعود فأقول: حتى ولو لم تتصد لجدال أهل الكتاب فأنت كمسلم مطالب بمعرفة عقيدتك وكتابك ونبيك وشريعتك، بحسب ما آتاك الله من وقت وجهد وذكاء، ولا يكلف الله نفسـًا إلا وسعها.

وطائفة من المسلمين كانوا لاهين عن الدين، فلما جادلهم النصارى وأرادوا اغتيالهم عن دينهم، رجعوا إلى الإسلام، فبحثوا عن إجابات لشبه النصارى.

ولا اعتراض على ما حدث لتلك الطائفة، فقد كان خارجـًا عن مقدورهم. ولا اعتراض على بحثهم عن الإجابات، فلا مفر من ذلك بعد حلول الشبه.
لكن الاعتراض كل الاعتراض أن تواصل هذه الطائفة تعلم دينها على أيدي النصارى!.. الخطر كل الخطر أن تدرس الإسلام عن طريق الشبهات وردها!

والواجب على هذه الطائفة أن تحمد ربها أن أفاقها من غفلتها، وأن تنتهي عن التعرض للشبه، وأن تمتنع عن الولوغ في المواقع والمنتديات التي تنشر هذه القاذورات دون رد، بل عليهم عدم الانشغال بالمنتديات الإسلامية التي ترد وتدعو وتجادل. وإنما الواجب عليهم بالدرجة الأولى تعلم دينهم، كلٌ بحسبه، ولا يكلف الله نفسـًا إلا وسعها.

أخي الحبيب ..
لا أريدك بعد سنتين من الآن أن تكون عالمـًا بحال يسوع الأناجيل وجاهلاً بحال نبيك.

لا أريدك أن تكون حافظـًا للجمل الكثيرة من الكتاب المقدس وناسيـًا لأكثر آيات الذكر الحكيم.

لا أريدك أن تكون واعيـًا بقبائح الشريعة النصرانية وغافلاً عن مزايا الشريعة الإسلامية.

فليراجع كلٌ منا نفسه .. وليختر لنفسه الطريق التي يحب أن يراه الله فيها.
اسلام ويب

Post: #610
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:24 AM
Parent: #609

احذروا.. السيئات الجارية
يقول الله سبحانه وتعالى: (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) [يس : 12] ...
الناس بعد الممات ينقسمون إلى قسمين باعتبار جريان الحسنات والسيئات عليهم:
القسم الأول: من يموت وتنقطع حسناته وسيئاته على السواء، فليس له إلا ما قدَّم في حياته الدنيا.

القسم الثاني: من يموت وتبقى آثار أعماله من حسناتٍ وسيئاتٍ تجري عليه، وهذا القسم على ثلاثة أصناف:

الأول: من يموت وتجري عليه حسناته وسيئاته، فمثل هذا يتوقف مصيره على رجحان أيٍ من كفتي الحسنات أم السيئات.

الثاني: من يموت وتنقطع سيئاته، وتبقى حسناته تجري عليه وهو في قبره، فينال منها بقدر إخلاصه لله تعالى واجتهاده في الأعمال الصالحة في حياته الدنيا، فيا طيب عيشه ويا سعادته.

الثالث: من يموت وتنقطع حسناته، وتبقى سيئاته تجري عليه دهراً من الزمان إن لم يكن الدهر كله، فهو نائم في قبره ورصيده من السيئات يزداد يوماً بعد يوم، حتى يأتي يوم القيامة بجبال من السيئات لم تكن في حسبانه، فيا ندامته ويا خسارته.

إنَّ الحديث عن الحسنات والسيئات أمرٌ لا مفرَّ منه، لأنَّ الحساب يوم القيامة يكون بالموازين، يقول الله تعالى: ( وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ ) [الأنبياء: 47] ...

كثيرٌ من الناس يغفلون عن مسألة السيئات الجارية وخطورة شأنها، لأنَّ من السيئات ما إذا مات صاحبها فإنها تنتهي بموته، ولا يمتد أثر تلك السيئات إلى غير صاحبها، ولكنْ من السيئات ما تستمر ولا تتوقف بموت صاحبها، بل تبقى وتجري عليه، وفي ذلك يقول أبو حامد الغزالي: " طوبى لمن إذا مات ماتت معه ذنوبه، والويل الطويل لمن يموت وتبقى ذنوبه مائة سنة ومائتي سنة أو أكثر يعذب بها في قبره ويسئل عنها إلى آخر انقراضها " ( إحياء علوم الدين 2/74 ) ...

وقد جاءت النصوصُ الشرعيةُ محذِّرة من هذا النوع من السيئات، منها قوله تعالى: ( لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ ) [النحل : 25] ، وقوله r : ( مَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ) صحيح مسلم برقم (6980) ، وفي رواية: ( وَمَنْ سَنَّ فِى الإِسْلاَمِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَىْءٌ ) صحيح مسلم برقم (2398)، وقد رُوِي: ( الدال على الشر كفاعله ) أخرجه أبو منصور الديلمي في مسند الفردوس من حديث أنس بإسناد ضعيف جداً ...

وبما أننا نعيش في عصرٍ تيسَّرتْ فيه وسائل الاتصالات ونقل المعلومات أصبح من الأهمية بمكان التذكير بشناعة السيئات الجارية ومدى خطورتها على صاحبها، فكم من إنسان أهلك نفسه وحمَّل كاهله سيئاتٍ لم تكن محسوبة عندما نصَّب نفسه داعياً إلى الضلال وناشراً إلى المنكر من حيث يشعر أو لا يشعر ...
وبالتالي فإنه بسبب ما نشهده من تقدم وتطور في سائر نواحي الحياة لا سيما في مجال نقل المعلومات كانت صور السيئات الجارية متعددة، لعل من أبرزها ما يلي:
القنوات الفضائية:
حيث يشاهدها الملايين في سائر أنحاء العالم، والأثر المتعدي لهذه القنوات فوق مستوى الخيال، ويمكن إجمال صور السيئات الجارية في هذه الوسيلة فيما يلي:
- إنشاء القنوات الفاسدة التي تبث الأفكار المخالفة للإسلام وتروج للأخلاق المنحرفة كقنوات أهل البدع وقنوات الأفلام الهابطة والأغاني الماجنة، فأصحاب تلك القنوات والمساهمين فيها مادياً ومعنوياً يتحملون آثام هذه القنوات وآثارها السيئة، وهم فتحوا على أنفسهم باباً لا يكاد يُغلق من السيئات الجارية إلا أن يتويوا.

- إرسال الرسائل النصية (SMS) لكي تظهر على الشاشة، فإذا كانت الرسائل تحتوي على كلامٍ بذيء أو دعوةٍ إلى الشر فإنَّ ذلك يدخل في باب السيئات الجارية، لأنَّ مُرسِل تلك الرسائل قد يسهم في نشر شرٍ يجهله الناس، فيكون بذلك معلماً للشر ناشراً له.

- الإسهام في القنوات الفضائية الفاسدة ودعمها بأي صورة من الصور ودلالة الناس عليها يندرج في باب السيئات الجارية.

الانترنت ( الشبكة العنكبوتية ):
وهي لا تقل خطورة عن القنوات الفضائية إذا استخدمت في الشر، وخاصةً أنَّ الانترنت يُعد مكتبة متنقلة يمكن الاستفادة منها في أي وقت، فكل ما يُنشر في هذه الشبكة يمكن استعادته والرجوع إليه فضلاً عن سرعة انتشار المعلومة فيها، ولعل من أبرز الاستخدامات التي تندرج في باب السيئات الجارية ما يلي:
- إنشاء المواقع والمنتديات الفاسدة والضارة كالمواقع الإباحية ومواقع أهل الفسق والضلال، وهذه المواقع ثبتت أضرارها وآثارها الخطيرة على المجتمعات الغربية قبل المسلمة.

- الدلالة على تلك المواقع السيئة ورفعها على بقية المواقع عن طريق التصويت لها.
- نشر مقاطع الفيديو المخلة والمحرمة في المواقع المشهورة كاليوتيوب وغيره.
- تعليم الآخرين طريقة فتح المواقع المحجوبة السيئة واختراق البروكسي.
- وضع صور سيئة كخلفية لمنتدى أو موقع معين أو على هيئة توقيع عضو.
- إنشاء المجموعات البريدية من أجل نشر المواد والمقاطع السيئة.
- الإسهام في نشر الشبه والأفكار المنحرفة عن طريق المشاركة في المنتديات.

هواتف الجوال:
وهي كذلك وسيلة تتطور يوماً بعد يوم بتطور تقنيات الهواتف، وأصبح من السهل عن طريق هذا الجوال أن ترسل ما تشاء إلى من تشاء، وذلك عن طريق الرسائل النصية (SMS) والرسائل المتعددة الوسائط (MMS) والبلوتوث وغيرها من التقنيات المتقدمة، فكل إسهام عن طريق الجوال في نشر الشر والفساد يندرج في باب السيئات الجارية.

الكتابة والتأليف:
وهي وسيلة ليست جديدة بالمقارنة مع ما سبق، إلا أن المؤلفات والكتب أصبحت تُطبع بأعداد كبيرة في وقت وجيز، وأصبح كل من هب ودب كاتباً ومؤلفاً، بالإضافة إلى سهولة انتشار الكتب عن طريق دور النشر والمعارض الدولية، فضلاً عن تنزيل الكتب في شبكة الانترنت.
فالكتابة والتأليف أصبحت أداةً خطيرةً إذا سُخِّرت في ترويج الأفكار المنحرفة عن الإسلام، فكل كلمة يكتبها المؤلف فهو مرهون بها ويتحمل تبعاتها يوم الحساب.

هذه بعض صور السيئات الجارية في عصرنا الحاضر، والمتأمل في آثارها يعرف مدى خطورتها في إضلال الناس وإفسادهم نسأل الله السلامة والعافية.
فلا أظن عاقلاً إلا ويبادر إلى غلق باب الشر هذا عليه قبل فوات الأوان، ويستبدله بفتح الجانب الآخر المعاكس له وهو الحسنات الجارية، وذلك عن طريق تسخير تلك الوسائل في الخير وفيما ينفع الناس، وفي ذلك فليتنافس المتنافسون، قال تعالى ( وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ ) [سورة التوبة: 105].
ــــــــــــــــــــ
إبراهيم الدحيم (البيان: 243)

Post: #611
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:25 AM
Parent: #601

تميز عصرنا الحاضر بارتفاع أصوات المنافقين والمنافقات في أنحاء العالم الإسلامي، فأفردت لهم الصفحات، وتصدروا المنتديات، واحتفلت بهم التجمعات، وسيطروا على كثير من وسائل الإعلام كما يلاحظه القاصي والداني لفشو الأمر وظهوره.

وحال المنافقين ليس بجديد على أمة الإسلام.. فهم أعداء ألداء لهذا الدين منذ بعثة محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم . يكيدون ويدبرون ويخططون وينفذون، وقد وصفهم الله عز وجل في سبعة وثلاثين موضعاً من القرآن، وسميت سورة كاملة باسم "المنافقون"، وأفاضت السنة النبوية المطهرة في توضيح ذلك الأمر العظيم وإجلائه.

وفي خضم هذا السيل الجارف من أهل النفاق حري بأهل الإسلام ممن يحملون رايته ويحترقون شوقاً لرفعته أن يسارعوا إلى فضح المنافقين وهتك أستارهم وكشف مخططاتهم وتتبع أرائهم وأفكارهم والتصدي لها والرد عليها وابتداء ذلك بتحصين أنفسهم وأبنائهم ونسائهم من شبههم ودعواتهم .

وأعظم أمر يدخل الغيظ على قلوب المنافقين ويؤرق مضاجعهم نشر العلم الشرعي الذي يبدد نوره ظلاماً يتسللون في دهمائه!

أما الالتصاق بالدعاة والعلماء فهو خنجر مسموم في نحورهم ولهذا يسعون إلى مقولة متكررة فحواها أن من حمل راية رسول الله صلى الله عليه وسلم وميراثه متخلف متحجر بعيد عن الانفتاح والتطور ومجاراة الواقع. والنفاق أجيالُ متوارثة فقد قالوا تلك المقالة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن درء خطرهم منعهم من تسيد المجالس وتسويد الصحف والمجلات قدر المستطاع.. ومما يعين على ذلك متابعة خططهم وطروحاتهم، والرد عليها، والرفع لأصحاب الاختصاص بمقالاتهم وكتاباتهم.. ومن أعد نصائح منفردة ورسائل خاصة فيها التخويف بالله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن ذلك من دعوتهم إلى الرجوع إلى الدين ومفارقة أرض النفاق.

ولا يعجز مسلم من الدعاء عليهم ورفع يديه إلى الملك الجبار بأن يشغلهم بأنفسهم وأهليهم.

ولا تزال بؤرة النفاق يرتفع شعارها المعروف :{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ * أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ}.

وفي هذه الفترة بالذات يجب على كل مسلم القيام بواجبه نحو رد كيد الأعداء ومجاهدة أهل الزيغ والضلال، وليتفقد كل فرد منا ـ ذكراً أو أنثى ـ أمجاهد هو أم قاعد؟! فليأتين زمان نبكي فيه على ترك الأمر بالمعروف والتصدي للمنافقين، ولا تبرأ الذمة بأن نقف متفرجين على أعمالهم ومخططاتهم ولا يحرك ذلك ساكناً في قلوبنا وأعمالنا !

والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عبد الملك القاسم

Post: #612
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:28 AM
Parent: #601

نعمة الستر
في إحدى سفرياتي نفذت كالعادة من ذلك الجهاز الكاشف، الذي يصيح إذا مسح في الجيب شيئًا معدنيًّا، ففزعت إذ أخذ يصرخ بشكل مزعج، فمددت يدي لأجد بجيبي الأيسر نصف ريال (عملة معدنية)، فأخرجته ونحيته عني، وأردت أن أنفذ مرة ثانية فإذا به يصيح، فأحسست بالانزعاج، وتصببت عرقًا من الحياء، ومددت يدي لأجد في الجيب الآخر مفتاحًا، فتوقفت، ودققت في استخراج كل ما في جيوبي، لأنفذ بعد ذلك بسلام، وأنا غير مستريح؛ إذ انتابني إحساس أن الناس كلهم ينظرون إلى، ولأنني مسلم ملتحٍ فربما شكوا أنني أحمل في جيبي طائرة أباتشي، أو راجمة صواريخ، أو أخبئ في حقيبتي مفاعلاً نوويًّا أو نحوه!

عندها راودتني فكرة جعلتني أرتعب، إذ قال لي خيالي المتمرد: تخيل لو أن الله تعالى وضع في بدنك جهازًا يصرخ هكذا كلما ارتكبت ذنبًا، أو اجترأت على معصية، يا خبر! ستكون مصيبة، سيظل يرن طول النهار، لأنني من بني آدم الخطائين!



وتماديت في خيالي أكثر، ماذا لو كان هذا الجهاز في أجساد الناس كلهم!؟

كيف سيكون حال الشارع والبيت، ومكان العمل، والأصوات تخرج في وقت واحد من مائة شخص، من ألف، من مليون، من مليار، من أهل الأرض جميعًا هل ستكون الحياة على ظهر الأرض ممكنة؟! أظن أننا سنهلك من أول نصف ساعة، بل من أول دقيقة، من أصوات المعصية التي تصرخ، وتزعج، وتملأ الأجواء كلها، فالصوت طاقة مدمرة، قادرة على إبادة الكون كله بمجراته!

ثم تمادى خيالي الحرون، فتخيلت ما تخيله الشاعر أبو العتاهية قبلي، حين حمد الله أنه ليس للذنوب رائحة منتنة تصدر عن فاعليها:

كيف إصلاح قلوبٍ.... إنما هُـنَّ قروح
أحسـن الله بـنا.... أن الخطايا لا تفوح
فإذا المستـور منا.... بين ثوبـيه فَضوح

وافترضت معه: لو أن أحدنا كلما اقترف ذنبًا خرجت عنه بالذنب رشة رائحة عفنة فكيف سيكون الحال؟ وأمسكت بطني، لأنني وحدي – بالتأكيد - سأملأ الدنيا عفنًا قبل آخر النهار، لكثرة ذنوبي، فكيف لو خرجت ريح الذين أعرفهم، والذين لا أعرفهم: مائة شخص، ألف، مليون، مليار، أهل الأرض جميعًا كيف ستكون الأرض؟ مزبلة مقززة؟ مرحاضًا كبيرًا؟ كوكبًا متعفنًا؟ شيئًا لا يطاق أن يعيش فيه المرء دقيقة واحدة؟

وسألت نفسي: هل تعرف نعمة ستر الله عليك يأيها المذنب الغارق في خطاياك؟ وهل تقدرها؟ وهل تشكر ربك الحليم الستير عليها؟!

يااااااااااه ما أحلمك ربي وأكرمك! ما أصبرك وأسترك!

الحمد لله على الإسلام، وعلى نعمة الستر، وعلى نعمة العافية!

اللهم أدمها علينا دنيا وأخرى يا كريم.

أتعرف قارئي الحبيب، أن نعمة الستر هذه ليست مجرد نعمة مفردة؛ بل هي مجموعة نعم متداخلة نترجمها نحن - لقصورنا – في نعمة واحدة!؟

احسب معي كم في نعمة الستر من نعم باطنة، وتعجب، وسبح بحمد ربك واستغفره:

إنه يعرف ما أنوي قبل أن أقع في المعصية، ويعرف أنني أخطط لها، وأرتب نفسي لئلا يراني أحد، فيحلم عليّ، ولا يفضحني..

وهو سبحانه يضع في طريقي مذكرات: كلمة/ آية/ موقفًا/ نصيحة عابرة/ شيئًا يلفت نظري لأتعظ.. ومخي غبي وشيطاني عنيد، فيصبر سبحانه علي..

ثم في سعيي للمعصية يراني ويطلع علي، ويحلم، فلا يرسل إلى سيارة تدهسني، ولا بلطجيًّا يصفعني، ولا شرطيًّا يوقفني، ويأمر ملك الحسنات الذي على كتفي رفيقه ملك السيئات ألا يكتب المعصية، وأن يمهلني لعلي أفيق وأتوب!

ثم عند الارتكاس في المعصية هو يراني، ويعلم حالي، ويحلم ويستر!

ثم إنه سبحانه إذا أفقت من معصيتي، إذا علم مني خيرًا أعانني على الاستغفار والتوبة.. فإذا استغفرت غفر لي وكأني لم أذنب، ولم أتعد حدودي، وأجترئ على حرمات ربي..

بل ربما مدحني الناس، وظنوا أنني بلا ذنوب، وأنني مثال للعبد التقي النقي الخفي!



يااااه.. ما أعظم ربي وأحلمه! اقرأ هذه:

ذكر الإمام ابن قدامة في التوابين أن بني إسرائيل لحقهم قحط على عهد سيدنا موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: يا كليم الله: ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم موسى عليه السلام، وخرجوا إلى الصحراء - وهم سبعون ألفًا أو يزيدون - فقال عليه السلام: إلهي: اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرتع، والمشايخ الركع؛ فما زادت السماء إلا تقشعًا، والشمس إلا حرارة!

فقال موسى عليه السلام: إلهي اسقنا!

فقال الله عز وجل: كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة؟ فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم؛ فبه منعتكم المطر، وابتليتكم بالقحط والجفاف!

فصاح عليه السلام في قومه: يأيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة: اخرج من بين أظهرنا؛ فبك منعنا المطر..

فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال، فلم ير أحدًا خرج، فعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتُضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم مُنعوا لأجلي. فانكسرت نفسه، ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله، وقال: إلهي وسيدي: عصيتك أربعين سنة، وأمهلتني. وقد أتيتك طائعًا فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى الخالق تبارك وتعالى، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرب - أي انهمر منها الماء مدرارًا - فعجب موسى عليه السلام وقال: إلهي: سقيتنا، وما خرج من بين أظهرنا أحد، فقال الله تبارك وتعالى: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم!

فقال موسى عليه السلام: إلهي أرني هذا العبد الطائع!
فقال تعالى وجل وعز: يا موسى إني لم أفضحه، وهو يعصيني، أفأفضحه وهو يطيعني!؟
الشيخ عبدالسلام البسيوني

Post: #613
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:29 AM
Parent: #601

اغتنم شبابك قبل هرمك
الشباب هو زمن العمل، لأنه فترة قوة بين ضعفين، ضعف الطفولة وضعف الشيخوخة، فمن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك" (رواه الحاكم وصححه)، قال الإمام أحمد: " ما شبهتُ الشباب إلا بشيء كان في كُمِّي فسقط".

إن الشباب هو وقت القدرة على الطاعة، وهو ضيف سريع الرحيل فإن لم يغتنمه العاقل تقطعت نفسه بعدُ حسرات:
ما قلت للشباب: "في كنف الله .. .. ولا حِفْظِه" غــداةَ استقلاّ
ضيف زارنا أقام عندنا قليلا .. .. سوّد الصحف بالذنوب وولى

فمن ثم يسأل الله عز وجل كل عبد من عباده عن نعمة الشباب كيف صرّفه، وبم أبلاه، قال صلى الله عليه وسلم: " لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه، حتى يُسأل عن خمس: عن عمره فيم أفناه؟ وعن شبابه فيم أبلاه؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه؟ وماذا عمل فيما علم؟".(رواه الترمذي وصححه الألباني).

وعدّ صلى الله عليه وسلم في السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " شابا نشأ في عبادة الله".

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: " ما آتى الله عز وجل عبدا علما إلا شابا، والخير كله في الشباب، ثم تلا قوله عز وجل: "قالوا سمعنا فتى يذكرهم يقال له إبراهيم"، وقوله تعالى: "إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى" ، وقوله تعالى: "وآتيناه الحكم صبيا".

قالت حفصة بنت سيرين: "يا معشر الشباب اعملوا، فإنما العمل في الشباب"، وقال الأحنف بن قيس: " السودد مع السواد".
(أي: من لم يسد في شبابه لم يسد في شيخوخته).

وهل كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه إلا شبابا؟!.
وهذا أسامة بن زيد رضي الله عنهما أمّره صلى الله عليه وسلم على الجيش وكان عمره ثماني عشرة سنة، وهذا عتّاب بن أسيد استعمله النبي صلى الله عليه وسلم على مكة لما سار إلى حنين وعمره نيف وعشرون سنة، إلى نماذج أخرى كثيرة لشباب أبلوا أحسن البلاء في حمل رسالة الإسلام، ونشر نوره في العالمين.

وقال يحيى بن معين لأحمد بن حنبل وقد رآه يمشي خلف بغلة الشافعي: "يا أبا عبدالله تركت حديث سفيان بعلوّه، وتمشي خلف بغلة هذا الفتى وتسمع منه؟ فقال له أحمد: لو عرفت لكنت تمشي من الجانب الآخر، إن علم سفيان إن فاتني بعلوّ أدركته بنزول، وإن عقل هذا الشاب إن فاتني لم أدركه بعلو ولا نزول".

قدم وفد على عمر بن عبد العزيز من العراق، فنظر إلى شاب منهم يتحوّز يريد الكلام، فقال عمر: كبّروا كبروا.. فقال الفتى: "يا أمير المؤمنين إن الأمر ليس بالسن، ولو كان كذلك كان في المسلمين من هو أسنُّ منك. قال: صدقت، فتكلم".

وحكى المسعودي في " شرح المقامات" أن المهدي لما دخل البصرة رأى إياس بن معاوية وهو صبي، و خلفه أربعمائة من العلماء وأصحاب الطيالسة، وإياس يقدمهم، فقال المهدي: "أما كان فيهم شيخ يتقدمهم غير هذا الحدث؟ ثم إن المهدي التفت إليه، وقال: كم سنك يا فتى؟ فقال: سني ـ أطال الله بقاء الأمير ـ سن أسامة بن زيد بن حارثة لما ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم جيشا فيهم أبو بكر وعمر. فقال له: "تقدم بارك الله فيك".

وذكر الخطيب في "تاريخ بغداد": أن يحيى بن أكثم ولي قضاء البصرة وسنُّه عشرون سنة أو نحوها، فاستصغروه، فقالوا: كم سن القاضي؟ فقال: "أنا أكبر من عتّاب بن أسيد الذي وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل مكة يوم الفتح، وأنا أكبر من معاذ بن جبل الذي وجه به رسول الله صلى الله عليه وسلم قاضيا على أهل اليمن، وأنا أكبر من كعب بن سويد الذي وجه به عمر بن الخطاب قاضيا على البصرة، فجعل جوابه احتجاجا له.

وقال أبو اليقظان: ولّى الحجاج محمد بن القاسم بن محمد بن الحكم الثقفي قتال الأكراد بفارس، فأباد منهم، ثم ولاه السند فافتتح السند والهند، وقاد الجيوش وهو ابن سبع عشرة سنة، فقال فيه الشاعر:
إن السماحة والمروءة والـندى .. .. لمحمــد بن القاسم بن محمد
قاد الجيوش لسبع عشرة حِجة .. .. يا قرب ذلك سُوددا من مولد!

ويروى : يا قرب ذلك سُورة من مولد، والسُورة: المنزلة الرفيعة.

ولما جيء بـ"حطيط الزيات" إلى الحجاج قال له الحجاج: أنت حطيط؟ قال: نعم ..سل ما بدا لك فإني عاهدت الله عند المقام على ثلاث خصال: "إن سئلت لأصدقن، وإن ابتليت لأصبرن، وإن عوفيت لأشكرن" ، فقال الحجاج: فما تقول فيّ؟ قال حطيط: أقول: إنك من أعداء الله في الأرض، تنتهك المحارم، وتقتل بالظنة. قال الحجاج: فما تقول في أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان؟ قال: أقول: إنه أعظم جرما منك، وإنما أنت خطيئة من خطاياه.

فأمر الحجاج بتعذيبه، حتى انتهى به العذاب إلى أن يشقق له القصب، ثم جعلوه على لحمه وشدوه بالحبال، ثم جعلوا يمدون قصبة قصبة حتى انتحلوا لحمه، فما سمعوه يقول شيئا، ولا بدا عليه جزع أو ضعف.

فأخبر الحجاج بأمره، وأنه في الرمق الأخير، فقال: أخرجوه فارموا به في السوق" ، ووقف عليه رجل وهو بين الحياة والموت يسأله: ألك حاجة؟ فما كان من "حطيط" إلا أن قال: "ما لي من حاجة في دنياكم إلا شربة ماء" ، فأتوه بشربة شربها، ثم مات، وكان ابن ثماني عشرة سنة.

وولي عبد الله بن زياد خراسان وهو ابن ثلاث وعشرين سنة، وليها لمعاوية رضي الله عنه ـ وولي معاذ اليمن وهو بن أقل من ثلاثين سنة.
وحمل أبو مسلم أمر الدولة والدعوة وهو بن إحدى وعشرين سنة.
وحمل الناس عن إبراهيم النخعي وهو ابن ثماني عشرة سنة.
ومات سيبويه إمام النحو، وحجة العرب ، وله من العمر اثنتان وثلاثون سنة.

قال البحتري:
لا تنظرن إلى العباس من صغر في السن، وانظر إلى المجد الذي شادا
إن النجود نجومَ الأفق أصغرُها في العين أذهبُها في الجو إصعادا

إن الشباب هم الشريحة الفعالة في الأمة، وهم عمودها الفقري، وجهازها العضلي، وروحها الحية، وطليعتها الوثابة، ولا يتصور نجاح دعوة أو حركة لا تقوم على حماس الشباب وقوته.
ــــــــــــــــ
من كتاب "علو الهمة" للشيخ محمد إسماعيل المقدم

Post: #614
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:32 AM
Parent: #601

فُتح على بعض الناس باب تصعيب دخول الجنة على عباد الله، فكأن مفاتيح الجنة في جيبه يُدخل من يشاء ويمنع من يشاء، وكأن صكوك الغفران في يده، يرحم من يشاء ويعذب من يشاء.

فإذا وجد العصاة بشّرهم بالنار، وأقسم عليهم أن لا يدخلوا الجنة، وإذا ذُكر له الطائعون، شكك في طاعتهم وذكر عيوب أعمالهم، وإذا سمع نصوص الرحمة، لم يمرها على ظاهرها وإنما يؤولها، حتى إني سمعت بعضهم يشرح أحاديث تكفير الذنوب، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «مَن قال سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة غُفرت ذنوبه وإن كانت كزبد البحر»، فقال معلّقا على الحديث: الحديث ليس على ظاهره، ولا تكفّر كل الذنوب ولا الكبائر، وهناك شروط في تكفير الذنوب لم تذكر في الحديث ؛ وكأنه يرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ولما ذكر حديث «مَن قال لا إله إلا الله مخلصا من قلبه دخل الجنة»، قال معلّقا: الحديث ليس على ظاهره، وهناك شروط وفرائض وموانع لا بد من اجتماعها حتى يُجرى الحديث على ظاهره ؛ وقائل الحديث هو النبي المعصوم بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، أعْرَفُ الناس بمدلول اللغة، وأعلم الناس بمراد ربه عز وجل، وأتقى الناس وأخشاهم لمولاه تقدس اسمه.

وهكذا تستمر هذه الطائفة لتصعيب دخول الجنة، حتى لا يثق الطائع بطاعته، ولا يتوب العاصي من معصيته، فلا يذكّرونه بالتوبة ولا برحمة أرحم الراحمين، فإن جاء نص في الوعيد أجروه على ظاهره، وزادوا عليه كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة نمام»، قالوا: معنى الحديث أن النمام خالد في النار محرم عليه دخول الجنة، وهذا ليس مقصود الحديث.

وإذا أتت بشرى بالمغفرة والرحمة في آية أو حديث، غيّروا المعنى وأفسدوا الفرحة بالبشرى، وهذا المسلك الخطير في تصعيب دخول الجنة يورث اليأس والقنوط والإحباط عند كثير من الناس، حتى يقول بعضهم: ما دام أننا إذا تبنا لا يُقبل منا، وأن أعمالنا الصالحة مدخولة بالرياء والسمعة، فما الفائدة من طاعتنا إذا كنا هالكين أصلا؟

وجدت شبابا محبطا، صعّب عليهم بعض الوعّاظ التوبة ودخول الجنة، فأصبحوا يرددون: ما الفائدة من دعائنا ومن صلاتنا وقد تلوثنا بالخطيئة وتلطخنا بالذنب؟

ووجدنا من أصابه الوسواس من كثرة خوفه، لأنه استمع إلى مواعظ قاتلة، وخطب تهديدية حماسية تتوعد العصاة بنار تلظى، ولا تفتح لهم باب الأمل ولا الرجاء برحمة الله.

والسؤال: مَن الذي رشح هذه الطائفة المتعنـّتة في الدين، المتنطعة في الشريعة، لتحكم على الناس بدخول الجنة أو الحرمان بدخولها؟ مَن الذي فوّضهم بتفريغ النصوص من محتواها ؟ فنصوص الرحمة عندهم لها معنى آخر غير مراد من ظاهرها، ولها باب باطن تدل عليه نصوص أخرى، ونصوص العذاب والوعيد تُجرى على ظاهرها، ويزاد عليها، ويُجمع معها نصوص أشد منها، فإذا ذكرتهم بالحديث الصحيح عند مسلم، " عن أبي ذر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: « بشرني جبريل أنه من مات من أمتك يشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فهو من أهل الجنة»، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق ؟ قال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق ؟ قال: وإن زنا وإن سرق، قال أبو ذر: وإن زنا وإن سرق؟ فقال صلى الله عليه وسلم: وإن زنا وإن سرق على رغم أنف أبي ذر" ؛ فإذا سمعوا هذا الحديث جعلوا له تأويلا يخالف ظاهره.

لماذا لا نكون مع نصوص الكتاب والسنّة بين الخوف والرجاء؟ ولماذا لا نكون على ما قاله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه حيث قال: « الفقيه كل الفقيه مَن لم يؤمِّن الناس من مكر الله، ولم يقنّطهم من رحمة الله»؟ وهذا هو منهج أهل العلم والإيمان، فإن الله جمع في كتابه بين الخوف منه والرجاء في رحمته فقال: « نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيمَ (50) » (الحجر 49 – 50 ).
الشيخ عائض القرني

Post: #615
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:35 AM
Parent: #601

عجــز المؤمن.. وجلد الفاجـر
في الأصل هي مقولة لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولكنها واقع نعيشه، وشاهد نحياه.. إنها ظاهرة انصراف أهل الحق عن الدعوة للحق الناصع الذي بين أيديهم وعدم إظهاره للناس وبذله لهم، والركون إلى الاعتقاد بأنه طالما هو الحق فإنه منتصر في النهاية لا محالة.. وهي كلمة حق أريد بها باطل؛ فهي في حقيقتها تبرير لخذلاننا للحق وعدم تحركنا من أجل نصرته، والضن بالوقت والجهد أن يبذل في سبيل رفع رايته وانتصار كلمته.

في الوقت الذي نشاهد فيه احتراق أهل الباطل من أجل رفعة باطلهم وإيصاله إلى الناس في أبهى حلة وأزهى صورة لعلمهم بأنه باطل لو ترك دون زينه تلبس على الناس لانصرف الناس عنه فطرة وعقلا.. فالحق أبلج والباطل لجلج.

ونظرة في حالنا وواقع الناس من حولنا ندرك مدى تقصيرنا في نصرة الحق وجهد غيرنا في نصرة الباطل.. ذكر الشيخ عبد الحميد البلالي في كتابه "المصفى من صفات الدعاة 2/174"، عن الدكتور عبد الودود شلبي قوله: (اذكر أنني ترددت كثيرا على مركز من مراكز إعداد المبشرين في مدريد وفي فناء المبنى وضعوا لوحة كبيرة كتبوا عليها: (أيها المبشر الشاب نحن لا نعدك بوظيفة أو عمل أو سكن أو فراش وثير.. وإننا نذكرك بأنك لن تجد في عملك التبشيري إلا التعب والمرض.. كل ما نقدمه لك هو العلم والخبز والفراش الخشن في كوخ صغير.. أجرك كله ستجده عند الله.. إذا أدركك الموت وأنت في طريق المسيح كنت من السعداء).

قال الشيخ البلالي معلقا على ما مضى: هذا يقال لمن هم على الباطل وليس لعملهم مهما كثر إلا النار.. ومع هذا كله فإن هذا الكلام قد حرك المئات من المبشرين من أنحاء العالم من حملة شهادات الطب والصيدلة.. للذهاب إلى الصحاري القاحلة والتي لا توجد فيها إلا الخيام والمستنقعات المليئة بالنتن والمكروبات والمكوث هناك السنين الطوال دون راتب ودون منصب، ولو أراد الواحد منهم العمل بمؤهله لربح مئات الآلاف من الدولارات، ولكنه ضحى بكل هذا من أجل الباطل الذي يعتقد صحته. أيجوز بعد هذا أن يتذرع بعض من لم تسر الدعوة في عروقه مسرى الدم وهو متكئ على أريكته بالحديث الضعيف [روحوا القلوب ساعة فساعة] "ضعفه الألباني" متخذا من هذا الحديث عذرا له للتخلف عن الركب؟!).

أذكر أنني قرأت إبان مشكلة المسجد البابري في الهند أن عاملا هنديا ترك مزرعته التي كان يعمل بها وجعل يطيف بأرجاء المملكة من أجل أن يجمع التبرعات من الهنود وأعداء الله من أجل هدم المسجد وإعادة بناء المعبد البابري عليه. ونسي في غمرة قضيته سبب مجيئه إلى المملكة للعمل ليعيل أسرته.

ذكر الشيخ الدكتور محمد إسماعيل المقدم في كتابه الرائع "علو الهمة" قال: "حكى لي بعض الشباب المسلمين في (ألمانيا) أنه منذ الصباح الباكر ينتشر دعاة فرقة (شهود يهوه) في الشوارع وينطلقون إلى البيوت، ويطرقون الأبواب للدعوة إلى عقيدتهم.

وحدثني أحدهم أن فتاة ألمانية منهم طرقت بابه في السادسة صباحاً، فلما علم أن غرضها دعوته إلى عقيدتها، بين لها أنه مسلم، وأنه ليس في حاجة إلى أن يستمع منها.. فظلت تجادله وتلح عليه أن يمنحها ولو دقائق (من أجل المسيح)! فلما رأى إصرارها أوصد الباب في وجهها، ولكنها أصرت على تبليغ عقيدتها، ووقفت تخطب أمام الباب المغلق قرابة نصف ساعة تشرح له عقيدتها، وتغريه باعتناق دينها!!

فما بالنا معشر المسلمين يجلس الواحد منا شبعان متكئاً على أريكته، إذا طلب منه نصرة الحق، أو كلف بأبسط المهام، أو عوتب لاستغراقه في اللهو والترفيه، انطلق كالصاروخ مردداً قوله صلى الله عليه وسلم: (يا حنظلة ساعة وساعة) كأنه لا يحفظ من القرآن والسنة غيره.(علو الهمة 296)

وفي كتاب المنطلق للأستاذ محمد أحمد الراشد (ص61ـ63) قال: "يقف الداعية يؤذن في الناس، ولكن أكثر الناس نيام، ويرى جلد أصحاب الباطل وأهل الريبة وتفانيهم لإمرار خطتهم، فإذا التفت رأى الأمين المسلم سادرا غافلا، إلا الذين رحمهم ربهم ، وقليل ماهم ، ويعود ليفرغ حزنه في خطاب مع نفسه:
تبلد في الناس حس الكفاح.. .. ومالـوا لكسبٍ وعيشٍ رتيب

يكــاد يزعــزع من همــتي .. .. سدور الأمين وعزم المريب

إن دعوة لا يعطيها أصحابها إلا فضول أوقاتهم دعوة ميتة لا ثمرة فيها كما قال الأستاذ الراشد حفظه الله : ( والله لا نجاح في الدعوة إن أعطيناها فضول أوقاتنا ولم ننس أنفسنا وطعامنا)

وذكر عن الإمام أحمد أنه كان "إذا بلغه عن شخص صلاح أو زهد سال عنه وأحب أن يعرف عن أحواله.. ولم يكن بالمنعزل الهارب من الناس ولا يكون داعية اليوم إلا من يفتش عن الناس ويبحث عنهم ويرحل للقائهم ويزورهم في مجالسهم.. ومن انتظر مجيء الناس إليه في بيته فان الأيام تبقيه وحيدا ويتعلم فن التثاؤب... الإسلام اليوم لا يحتاج مزيدا من البحوث في جزيئات الفقه بقدر ما يحتاج إلى دعاة يتكاتفون" (المنطلق 120)

ويؤكد ذلك ابن الجوزي رحمه الله فيقول: "ألست تبغي القرب منه؟ فاشتغل بدلالة عباده عليه، فهي حالات الأنبياء عليهم السلام، أما علمتَ أنهم آثروا تعليم الخلق على خلوات التعبد، لعلمهم أن ذلك آثر عند حبيبهم؟

إن انتصار الداعية في أن تعاف نفسه ما لا يؤثر في تـقدم دعوته، وإن غفلة الداعية محنة لأنها صرفته عن نصر ممكن يحققه له الجد والعمل الدائب، وعن أجر وثواب أخروي ليس له من مقدمة إلا هذا الجد، وسيظل اسمنا مكتوباً في سجل الغافلين الفارغين ما دمنا لا نعطي للدعوة إلا فضول أوقاتـنا، وما دمنا لا نشغفها حباً ولا نتخذها حرفة .

فيا محنة الحسناء تهدى إلى امرئ .. .. ضرير وعنين من الوجد خاليا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل
ـ المصفى من صفات الدعاة للبلالي
ـ المنطلق لمحمد أحمد الراشد

Post: #616
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:36 AM
Parent: #601

الشباب هم قوة الأمـم في حاضـرها ومسـتقبلها، وكمـا قيل: يا معشر الشباب اعملوا! فإني رأيت العمل في الشباب هو القوة؛ فالشمس لا تملأ النهار في آخره كما تملؤه في أوَّله. هذه حقيقة نراها وكأنها تصـف لنا الإنسـان وتبيِّن أحواله وما يمر به: الشمس تبدأ أشعتها أول اليوم ضعيفة كإنسان في طفولته، فإذا انتصف اليوم اشتدت أشعتها كحال الشباب، ومع الغروب صارت كشيخ أوشك على الرحيل فضعفت أشعتها كما يضعف بنيان جسد الشيخ، ويؤكد القرآن الكريم هذا المعنى بقوله - تعالى -: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ} [الروم: ٤٥].
ولقد بيَّن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أهمية النشأة الصحيحة للشباب وفضلَها، فقال: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» وذكر منهم: «شاب نشأ في عبادة ربه»."رواه البخاري"

حقيقة المرحلة الشبابية:
المرحلة الشبابية هي فترة ما بين الصِّبا أو الطفولة وبين بلوغ الأشُد، وهي تتكون من المراهقة وبلوغ السعي، وهي أيضاً مرحله تحدث فيها تغيرات كثيرة، منها: البلوغ، وظهور الشخصية وتكوينها وسعي الإنسان لكي يتعامل مع المحيطين به على أنه رجل وأن يتوقفوا عن معاملته على أنه صغير، ويبدأ في هذه المرحلة السعي نحو تكوين الصداقة.
وفي هذه المرحلة تظهر تغيُّرات وقدرات كبيرة لدى الشباب: بدنية وجسدية وفكرية وسلوكية ونفسية وتديُّنية. وهذه القدرات الهائلة التي تنمو وتزداد سريعاً في فترة الشباب تتأثر كثيراً بالثقافة التي تسيطر عليها والعادات والتقاليد والبيئة التي ينمو فيها الشاب؛ لذا كان من الضرورة بمكان أن نهتم بعلاقة الشباب بالثقافة.

ما الثقافة؟
طالما أن موضوع هذه المقـالة هـو الشـباب والثقافة فلا بد من تعريف الثقـافة حتى يمكننا تحديد المطلوب وما نهدف إليه، وفي الواقع فإن تعريف الثقافة من أعقد التعريفات، فالدكتور محمد عمارة يعرِّفها بأنها: «جماع المهارات التي تثمر عمران النفس الإنسانية وتسهم في تهذيبها وارتقائها على درب الـمُثُل والمقاصد والنماذج التي صاغتها وتصوغها العقائد والفلسفات التي يؤمن بها هذا الإنسان.

وبذلك نلاحظ اتساع دائرة مفهوم الثقافة حتى كأنها الهواء المعرفي والسلوكي، والمهني والبيئي، والشعوري وغير الشعوري، والخلقي والاجتماعي، والمتوارث والمكتسب والتراكمي. أقول: كأنها الهواء الذي يحوي هذا كله فيستنشقه الإنسان مع صفاته وأوصافه الشخصية فنراه على الحال التي تظهر لنا ويمكن تقسيم الثقافة من حيث الاتساعُ فنجد أن هناك:
- ثقافة بيئية محدودة تتميز بها كل مجموعة متقاربة من الناس يعيشون في مكان واحد.
- ثقافة عربية أو إسلامية، وهي التي تتصف بصفات عامة مستمَدة من البيئة العربية أو الإسلامية.
- ثقافة العولمة، وهي الآخذة في الانتشار السريع وراحت تفرض نفسها نتيجة للسماء المفتوحة لنقل المعلومات والسلوكيات من خلال القنوات الفضائية والشبكة الإلكترونية، ولم تؤثر هذه الثقافة في الجانب الأخلاقي فقط بل في النمط الاقتصادي والترفيهي كذلك، ونمط الملابس في كثير من بلدان العالم.

كيف تتكون الثقافة؟
باختصار، فإن الثقافة تتكون من كل ما يحيط بالإنسان: من بيئةٍ، وأهلٍ، وسماعٍ، ورؤى، وخبرات في الحياة مندمجةٍ مع صفاته وسلوكياته؛ ولذلك فإن قدرتنا على توجيه وتنقية مدخلات الثقافة هامة جداً؛ لإيجاد السلوك الصحيح للإنسان، خاصة في زمن هذا الصراع الذي نعيش فيه.

الإسلام دين ثقافة متكاملة:
ولعلنا لا نجد ثقافة متكاملة في مجالاتها المختلفة، وحقائقها العالية، تتعامل مع أطوار الإنسان، وتراعي بيئته، وتسمو بأخلاقه، وتعالج أمراضه، وترتقي بسلوكه، وغير ذلك من أوصافٍ أخرى عالية، إلا في الإسلام؛ وذلك لخصائصَ تميَّز بها: من الربانية والشمول والواقعية والمرونة؛ فهو يتعامل مع الإنسان باعتباره روحاً ومادةً، ويشرِّع له ما يناسبه فى كل أحواله (فرداً ومجتمعاً ودولة).

الثقافة الإسلامية:
في وسط الثقافات المختلفة التي تموج في هذه الحياة الدنيا، تقف الثقافة الإسلامية شامخة الرأس في حقيقتها وواقعها؛ فهي تشتمل على الجوانب الإيمانية والتعبدية في مجال المعاملات في الحياة كلها وفي الجانب الأخلاقي؛ فمثلاً لو لم ينزل من القرآن في الجانب الأخلاقي سوى قوله - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْـمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إذَا عَاهَدتُّمْ وَلا تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ} [النحل:90- 91]، لكان في ذلك كفاية؛ فهي جامعةٌ لأُسس الخير: (العدل، والإحسان، وإيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد) محذرةٌ من جوانب الشر: (الفحشاء، والمنكر، والبغي، ونقض الأيمان). وكذلك الجانب التعبدي الذي يشتمل على الصلاة والزكاة والصوم والحج، وكذلك الدعاء والتفكر والذكر ومراقبة الله في كل الأمور: من الأنكحة والبيوع وطلب العلم... وغير ذلك.

ثم تأتي أهم الأسئلة:
- ما هو دور البيئة في ثقافة الشباب ومدى التزام هذه البيئة بالأمور الشرعية؟
- ما مدى تأثُّر شبابنا بالثقافات الواردة من الخارج من خلال السماء المفتوحة ( قنوات فضائية، إنترنت )، وكذلك من خلال الأسفار؟
- ما مدى تأثُّر شبابنا بما يستهدفه أعداء الأمة من إشاعة المخدرات وما يلحق بها؛ لهدم قوة الأمة من خلال هدم الشباب؟

إن هذه الأسئلة تعطينا صورة عامة للحال الذي نحن فيه، ومن ثَمَّ يمكننا تحديد المستهدَف الذي نتمناه، ويترتب على ذلك وضع صورة صحيحة لأسلوب التعامل مع الشباب؛ لتحقيق الهدف السامي المرجو لأمتنا.

نظرة عامة إلى الثقافة المنتشرة في أمتنا:
إننا إذا نظرنا إلى عموم المجتمع العربي والإسلامي سنجد ثقافات وعادات وسلوكيات تنافي الإسلام في جميع المجالات. ولسنا هنا في مقام الحصر ولكن نضرب الأمثلة:

في مجال العقيدة:
نجد فـي معظـم الـدول الإسـلاميـة – إلا مـا رحـم ربي – انتشارَ ظاهـرة سـؤال المقبـورين والطـواف حــول قبـورهـم والنذر لها واعتقاد أنهم يعينون في أمر النفع وجَلْب الخير، ومثل هذه الأمور منافية لحقيقة التوحيد.

في مجال التشريع:
ترى العداء السافر للشريعة الإسلامية؛ من حيث إنها مصدر التشريع ومن حيث ما يُسَن من قوانين في معظم البلدان إلا ما رحم ربي؛ فهم يجعلون من القوانين الفرنسية أو الإنجليزية المصدر الأساسي لسنِّ القوانين، كما نرى الجرأة الشديدة في بعض البلدان مثل:
- قوانين تحريم تعدد الزوجات.
- جعل ميراث المرأة كالرجل.
- قوانين تبيح (الربا)، بل تُلزِم بها.
بالإضافة إلى الحريات الضائعة والكرامة المهدرة وغير ذلك من أمور تخالف الشريعة الإسلامية.

في مجال السلوكيات والعلاقات الاجتماعية:
ظهرت سلوكيات لم تكن الأمة الإسلامية تعرفها من قبل، مثل: سفور النساء، والاختلاط الفاسد، وعقوق الوالدين، وزنا المحارم، وانتشار الفاحشة، والعلاقات المحرمة، وضعف صلة الأرحام، وأصبح الاحترام له علَّته المصلحية، وشكلاً لا تأثير له في النفوس، وإضاعة الوقت على المقاهي وغيرها، بل ظهر التعصب لأمور باطلة ولعل ما حدث بين مصر والجزائر بسبب لعبة كرة القدم يكشف عن مدى التعصب الجاهلي الذي أصاب أجزاءً من أمتنا.

في مجال العبادات:
قلَّ رواد المساجد، وأصبح بعض الناس - خاصة في المدن الكبرى - يجهر بالفطر في رمضان، وشحَّت أيدي الأغنياء عن مساعدة الفقراء.

في مجال المعاملات:
ظهر الكثير من المفاسد في العلاقات الأسرية، وكثر الطلاق، وسوء معاملة الآباء للأبناء (خاصة البنات)، بل بلغ أيضاً حدَّ منعِهن من الزواج من أجل مظاهر لا قيمة لها، وبعيداً عن مراعاة حاجة الفتاة إلى زوج تَسعَد معه. وهبطت روح الجهاد في الأمة، وضعف الإحساس بالمجاهدين.

وأخطر ما نراه:
غلبة الحياة المادية على المجتمع كله وعلى الشباب خاصة؛ حتى أصبح (موديل) السيارة، والموبايل أمراً أساسياً في معرفة قيمة الفرد، وصار المظهر لا المخبر هو الجاذب والهدف، وسعى المجتمع لذلك ولو على حساب كثير من القيم والمبادئ.

الصورة ليست قاتمة:
ولكن وسط هذا كله نجد أملاً في بعض القنوات الفضائية ذات التوجه الإسلامي، وانتشار الجمعيات الخيرية الإسلامية، واتساع نطاق المحجبات وغير ذلك من مظاهر التمسك بالإسلام.

قضية فلسطين:
وإذا أخذنا قضية فلسطين مقياساً لمدى ثقافة الشباب فسنجد عجباً في هذا الأمر؛ فرغم الإعلام المدوي لهذه المسألة، ورغم شدتها وشدة آلامها ترى الآتي:
- انتشار عدم المبالاة بين الشباب في أخطر قضايا الأمة، وهي فلسطين.
- معرفة الكثير من الشباب للاعبي الكرة في دولته أو غيرها أكثر من معرفته بحقائق بيت المقدس وتاريخه، وأرض فلسطين وقادتها وشهدائها.
- عدم الإيجابية أو التفاعل مع هذه القضية الخطرة.

الشباب والثقافة: مشاكل وحلول:
ولعل المدرسة أو الجامعة والمنزل ووسائل الإعلام لها دور كبير في نشر الثقافة بنوعيها: الفاسدة والصالحة، ولو قامت كل مؤسسة بدورها المطلوب، وحدَّثت من وسائلها وصارت جاذبة موجِّهة مقنعة لكان لها أثر كبير، كذلك الدولة والمنظمات العربية والإسلامية.

إننا عندما نلحظ الآثار الإيجابية الناتجة عن بعض هذه المؤسسات سوف نشعر بكثير من الأمل، خاصة مع السماء المفتوحة والعالم الذي أصبح كقرية واحدة. وأملنا كبير أن يردَّ الله مجتمعنا وشبابنا إليه رداً جميلاً.
والله من وراء القصد.
ـــــــــــــــــ
البيان: عبد الخالق الشريف

Post: #617
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:37 AM
Parent: #601

فارق كبير بين الشاب العامل والشاب الخامل، وفارق كبير بين الشاب الذي له هدف وبين ذلك الذي يعيش بلا هدف، كما أنه فارق كبير جدا بين من يطلب معالي الأمور ومن لا يرى إلا سفاسفها.

وقصص النجاح للشباب الذي ينفع نفسه ودينه، أو وطنه ومجتمعه كثيرة.. كما أن قصص الفشل ربما كانت أكبر وأكثر والفارق في رأيي هو الهمة وتحديد الهدف وبذل الجهد لتحقيقه.

من قصص النجاح التي خلدها التاريخ قصة هيوستن المحامي الأمريكي الذي استطاع بمفرده أن يجعل ولاية تكساس ولاية أمريكية بعد أن كانت تابعة للمكسيك.

ومنها أيضا قصة الشاب الياباني "أوساهيرا" الذي نقل تكنولوجيا محركات الغرب إلى اليابان فاستطاعت بعد أن تنافس الغرب وتغزوه بصناعاتها.. وهي قصة تستحق القراءة لما فيها من عبر واجتهاد وتعب وكد تلاه نجاح فائق غيّر كثيرا من واقع اليابان والعالم.

وقصة أوساهير ذكرها الشيخ محمد إسماعيل المقدم في كتابه علو الهمة نقلا عن مجلة المجتمع عدد 998، وقد ذكرت أيضا في كتاب" الهمة طريق إلى القمة"

يقول أوساهير الذي بعثته حكومته للدراسة في المانيا" :لو أنني اتبعت نصائح أستاذي الألماني الذي ذهبت لأدرس عليه في جامعة هامبورج لما وصلت إلى شي، كانت حكومتي أرسلتني لأدرس أصول الميكانيكا العلمية، وكنت أحلم بأن أتعلم كيف أصنع محركا صغيرا.

كنت أعرف أن لكل صناعة وحدة أساسية، أو مايسمى موديل هو أساس الصناعة كلها، فإذا عرفت كيف تصنعه وضعت يدك على سر هذه الصناعة كلها، وبدلاً من أن يأخذني الأساتذة إلى معمل أو مركز تدريب عملي أخذوا يعطونني كتبا لأقرأها.. وقرأت حتى عرفت نظريات الميكانيكا كلها ولكنني ظللت أمام المحرك - أيا كانت قوته- وكأنني أقف أمام لغز لا يحل.

وفي ذات يوم، قرأت عن معرض محركات ايطالية الصنع، كان ذلك أول الشهر وكان معي راتبي، وجدت في المعرض محركاً قوة حصانين، ثمنه يعادل مرتبي كله، فأخرجت الراتب ودفعته، وحملت المحرك، وكان ثقيلاً جداً، وذهبت إلى حجرتي، ووضعته على المنضدة وجعلت أنظر إليه، كأنني أنظر إلى تاج من الجوهر ـ وقلت لنفسي: هذا هو سر قوة أوربا، لو استطعت أن أصنع محركاً كهذا لغيرت تاريخ اليابان!!

وطاف بذهني خاطر يقول: إن هذا المحرك يتألف من قطع ذات أشكال وطبائع شتى، مغناطيس كحدوة الحصان، وأسلاك، واذرع دافعه وعجلات، وتروس وما إلى ذلك لو أنني استطعت أن أفكك قطع هذا المحرك وأعيد تركيبها بالطريقة نفسها التي ركبوها بها، ثم شغلته فاشتغل، أكون قد خطوة خطوة نحو سر “موديل” الصناعة الأوربية.

وبحثت في رفوف الكتب التي عندي، حتى عثرت على الرسوم الخاصة بالمحركات وأخذت ورقاً كثيراً، واتيت بصندوق أدوات العمل، ومضيت أعمل، رسمت المحرك، بعد أن رفعت الغطاء الذي يحمل أجزاءه، ثم جعلت أفككه قطعة قطعة، وكلما فككت قطعة، رسمتها على الورقة بغاية الدقة وأعطيتها رقما.. وشيئا فشيئاً فككته كله ثم أعدت تركيبه، وشغلته فاشتغل.. كاد قلبي يقف من الفرح، استغرقت العملية ثلاثة أيام، كنت آكل في اليوم وجبه واحدة، ولا أصيب من النوم إلا ما يمكنني من مواصلة العمل.

وحملت النبا إلى رئيس بعثتنا، فقال : حسناً ما فعلت، الآن لا بد أن اختبرك، سآتيك بمحرك متعطل، وعليك أن تفككه وتكشف موضع الخطأ وتصححه، وتجعل هذا المحرك العاطل يعمل، وكلفتني هذه العملية عشرة أيام، عرفت أثناءها مواضع الخلل، فقد كانت ثلاث من قطع المحرك بالية متآكلة، صنعت غيرها بيدي، صنعتها بالمطرقة والمبرد.!!

بعد ذلك قال رئيس البعثة، والذي كان يتولى قيادتي روحياً قال: عليك الآن أن تصنع القطع بنفسك، ثم تركبها محركاً.. ولكي أستطع أن أفعل ذلك التحقت بمصانع صهر الحديد، وصهر النحاس والألومنيوم بدلاً من أن أعد رسالة الدكتوراه كما أراد مني أساتذتي الألمان، تحولت إلى عامل ألبس بدلة زرقاء وأقف صاغراً إلى جانب عامل صهر المعادن.. كنت أطيع أوامره كأنه سيد عظيم حتى كنت أخدمه وقت الأكل مع أنني من أسرة ساموراي ـ ولكنني كنت أخدم اليابان وفي سبيل اليابان يهون كل شيء.

قضيت في هذه الدراسات والتدريب ثماني سنوات كنت أعمل خلالها ما بين عشر وخمس عشرة ساعة في اليوم.. وبعد انتهاء يوم العمل كنت آخذ نوبة حراسة وخلال الليل كنت أراجع قواعد كل صناعة على الطبيعة .

وعلم الميكادو الحاكم الياباني بأمري، فأرسل لي من ماله الخاص خمسة آلاف جنيه إنجليزي ذهب اشتريت بها أدوات مصنع محركات كاملة وأدوات وآلات، وعندما أردت شحنها إلى اليابان كانت نقودي قد فرغت فوضعت راتبي وكل ما ادخرته.. وعندما وصلت إلى ”نجازاكي" قيل: إن الميكادو يريد أن يراني!! قلت: لن استحق مقابلته إلا بعد أن أنشئ مصنع محركات كاملاً.

استغرق ذلك تسع سنوات.. وفي يوم من الأيام حملت مع مساعدي عشرة محركات، ”صنع في اليابان” قطعة قطعة، حملناها إلى القصر ودخل ميكادو وانحنينا نحييه ،وابتسم، وقال: هذه أعذب موسيقى سمعتها في حياتي صوت محركات يابانية خالصة، هكذا ملكنا "الموديل" وهو سر قوة الغرب، نقلناها إلى اليابان، نقلنا قوة أوربا إلى اليابان، ونقلنا اليابان إلى الغرب .

هذه كانت قصة نجاح دولة وليست قصة جهاد طالب أو دارس.. وكم من أبنائنا من يبتعثون إلى نفس تلك البلاد أو غيرها ليتعلموا فيها فلا يكون هم أحدهم ولا همته إلا تحصيل الشهادة ليرجع صاحب لقب دون تأثير حقيقي في حياة أمته.. وفي اعتقادي أن السبب الرئيس هو الهمة والمقصد والنية والجهد.

نقل الشيخ محمد إسماعيل عن الشيخ محمد أحمد الراشد من كتاب صناعة الحياة.. قال: "شفعت مرة لداعية أن يقبلة الأستاذ فؤاد سزكين طالبا بمعهده في فرانكفورت معهد تاريخ العلوم الإسلامية، فاشترط الأستاذ سزكين أن يشتغل الطالب ست عشرة ساعة يوميا، فرفض الطالب، ثم أراني الأستاذ سزكين من بعد عددا من الطلاب اليابانيين في معهده ، وقد انكبوا على المخطوطات العربية يدرسونها ، ويبعثونها إلى الحياة ، وقد رضوا بهذا الشرط ، فتأمل).
اسلام ويب

Post: #618
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:40 AM
Parent: #601

مراقبة الله في الخلوات
من السهل بمكان أن يحسن الإنسان في الجلوات، وأن يتجمل أمام نواظر الناس، وأيا ما كان الباعث نفاقا، أو رياءً، أو حفظ عرض، أو صيانة لوجاهة، اودرءًا لألسنة الخلق، أو حفظا للمروءة ، .. البواعث كثيرة وهي بلا شك معينات للمرء على ذلك ما دام عنده عقل راجح.

لكن أعظم من حفظ الجلوات حفظ الخلوات، وأجمل من الإحسان في الظاهر الإحسان في الباطن، وأكبر من أن تحفظ ما بينك وبين الناس أن تحفظ ما بينك وبين الله حيث لا يراك غيره ولا يطلع عليك سواه.

وهذا أمر عظيم وخطب جليل، وشيء عزيز بين الناس، بل هو أعز الأشياء، كما قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: أعز الأشياء ثلاثة: الجود من قلة، والورع في خلوة، وكلمة الحق عند من يرجى ويخاف".

ويكفي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأله ربه ويقول: "وأسألك خشيتك في الغيب والشهادة".

وقد أوصى بذلك أبا ذرٍ رضي الله عنه حين قال له: "أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته". ووصى جميع المؤمنين برعاية خلواتهم وجلواتهم فقال عليه الصلاة والسلام : " اتق الله حيثما كنت".

وبهذه الوصية كان يوصي السلف بعضهم بعضًا: كتب ابن سماك لأخ له: أما بعد.. فأوصيك بتقوى الله الذي هو نَجيُّك في سريرتك، ورقيبك في علانيتك، فاجعل الله منك على بال في كل حال في ليلك ونهارك، وخف الله بقدر قربه منك وقدرته عليك، واعلم أنك بعينه ليس تخرج من سلطانه إلى سلطان غيره، ولا من ملكه إلى ملك غيره، فليعظم منه حذرك، وليكثر منه وجلك.. والسلام .

وقال أبو الجلد: أوحى الله إلى نبي من أنبيائه: قل لقومك ما بالكم تسترون الذنوب من خلقي وتظهرونها لي؟! إن كنتم ترون أني لا أراكم فأنتم مشركون بي، وإن كنتم ترون أني أراكم فلم تجعلوني أهون الناظرين إليكم ؟!

ولذلك لما قال رجل لوهيب ابن الورد : عظني ، قال : اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك.

يا عبد الله إنك إذا خلوت بمعصية الله فما أنت إلا أحد رجلين: إما رجل يعلم أن الله لا يراه ولا يعلم بحاله، فهذا كافر بالله العظيم لإنكاره علم الله تعالى المحيط بكل شيء، وإما أنك تعلم أنه يراك ومع هذا تجترئ على معصيتك فأنت والله جرئ.

وقد أخبرك الله أنه معك ومطلع عليك وشاهد على ما ترى وتسمع وتقرأ وتفعل لا يغيب عنه شيء من أمرك في سر أو علن أو ظاهر أو باطن، وإنما أخبرك بذلك ليكون عونا لك على مراقبته قال تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم}(المجادلة:7)، وقال: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً)(النساء:108)، (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (طـه:110) ، (يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)(التغابن:4) .. وقال في سورة الحديد: {وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير}، وفي سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}(النساء:1)، وفي سورة الممتحنة: {وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم}.. إلى آخر هذه الآيات. كل هذا لتخافه بالغيب وتستشعر معيته لك فتصون خلوتك كما تصون جلوتك..

سئل الجنيد: بم يستعان على غض البصر؟ قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى ما تنظر إليه.

كان الإمام أحمد ينشد :
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل .. .. خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغـــفل ســــاعـة .. .. ولا أن ما تخفيه عنه يغيب

وكان ابن السماك يقول :
يا مدمن الذنب أما تستحي .. .. والله في الخلوة ثانيكا
غــرك من ربك إمهـاله .. .. وستره طول مساويكا

فمن تحقق له هذا المقام وصار له حالاً دائمًا وغالبًا، كان من المحسنين الذين يبدون الله كأنهم يرونه، وصار من المحسنين (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الأِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ)(لنجم:32) .

وصار من المحسنين، الذين يستحقون أن يكون الله معهم بمعيته الخاصة . فـ {إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون}.
اسلام ويب

Post: #619
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:43 AM
Parent: #601

حدث في ليلة الزفاف
قبل أن تقرأ مقالي أرجو أن تقرأ هذا السؤال الذي سأطرحه عليك، وأن تمعن النظر، وأن تجيب عليه إجابة واضحة ـ ولو اضطرك أن تفكر قليلا قبل أن تستأنف القراءة.

ماذا ستفعل ليلة الزفاف؟ وما الذي يشغل بالك عندما تفكر في هذه الليلة؟

هذا إن كنت لم تتزوج بعد، فأما إن كنت قد تزوجت فالسؤال: في أي شيء كنت تفكر ليلة دخلتك؟ وما أهم ما كان يشغل فكرك؟.

لقد حملني على الكتابة تحت هذا العنوان أنني قرأت مساجلات الشباب وتعليقاتهم حول هذا الموضوع على شبكة الانترنت، وقرأت كذلك ما ذكره بعضهم من مواقف حدثت له أو نقلها عن غيره في تلك الليلة مما استحسنه أو رآه عجبا.... وحاولت أن أتعرف على اهتمامات إخوتي وأخواتي الشباب، وما يشغلهم، وما الذي يدور في مخيلتهم وأفكارهم حول هذا الأمر.

حتى لا يكون عبثا:
وحتى لا يكون الموضوع مجرد عبث أو مضيعة للوقت أقول:
إن الكتابات والتعليقات تدل على الاهتمامات والعقليات وطرق التفكير، كما تدل على واقع الحال أيضا، وهو ما يمكن أن يستنتج الإنسان منه مستقبل أمته من خلال اهتمامات شبابها.

لا أبالغ إن قلت إن الكثرة الكاثرة قد جعلت عقلها على السرير (وآسف جدا لهذا اللفظ) وكأن الأمر لا تعلق له إلا بهذه الغريزة التي فطرت عليها المخلوقات كلها ـ بما فيها بنو آدم ـ، هذه تنبيهات فلان، وتلك تحذيرات علان، وتلكم نصائح أختكم الفلانية، ورابع يشرح وخامس يدقق ويمحص، وسادس وسابع..... مع ذكر أدق التفاصيل بعبارات فجة في أكثر الأحايين تجرح الأحاسيس ويندى لها جبين كل من بقي عنده قطرة حياء.

إنني لا أقلل من الإلمام بالثقافة الجنسية المعقولة والتي منحنا إياها الشرع المطهر وقدمها لنا مغلفة بسياج من الأدب الجم و الأسلوب الراقي الذي لا يجرح شعورا، ولا يمس حياء.

وإنما الذي يحزن المرء أن يجد صفوة أبناء الأمة ـ وهم شبابها وصانعو مستقبلها ـ قد طالتهم أيدي التغريب، ودهسهم قطار الشهوة فلم يعودوا ينظرون إلا إلى هذا الباب الذي فتح علينا ولا ندري متى يغلق.

أدب شرعي
لقد ذكرت كتب الفقه والأدب والحديث وشروحه كثيرا (وأقول كثيرا) مما يتعلق بهذه الليلة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين فيها: كالتلطف مع العروس التي تكون في حالة من أشد حالات الخوف والرهبة، فذكر الأدب النبوي تقديم مشروب لها يهدئ روعها ويسكن خوفها ويبعث على الألفة بين الشريكين الجديدين، وذكر أيضا صلاة ركعتين بين العروسين للاستئناس وزيادة الطمأنينة وغرس المودة، ولتبدأ الحياة على طاعة لله تعين على المراد، وذكروا لنا أيضا الدعاء بالبركة وحصول الخير.. وكل ذلك مقدمات بين يدي ما أحل الله تعالى.
أما ما وراء ذلك فمعلوم؛ ولذلك لم يذكر الشارع إلا ما يحرم منه وترك الباب واسعا "نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم...".

ثم ذكرهم ألا ينسوا في غمرة ما هم فيه أنهم عبيد لله يطلبون رضاه ويقصدون ثوابه حين لقياه فلا ينبغي أن ينسيهم ذلك نية طيبة ومقصدًا ساميا فقال بعد ما سبق: "واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين".

مفارقات.. ومفارقات:
لقد قرأت في مشاركات الشباب بعض ما ذكروه من مفارقات حدثت لبعض حديثي الزواج أكثرها يدور في الفلك الذي أشرت إليه في أوائل حديثي، وأنا هنا أحب أن أشارك بذكر مفارقات لكن من نوع آخر.. وسأذكر لك موقفا أو موقفين:
الأول: موقف لعبد الله بن عمرو بن العاص وهو من شباب الصحابة رضي الله عنهم جميعا يقول (كما جاء في البخاري وصحيح النسائي وصحيح بن خزيمة " وقد جمعت الحديث في هذا السياق").. يقول: كنت رجلا مجتهدا (يعني في العبادة) فزوجني أبي امرأة من قريش ذات حسب (وهي أم محمد بنت محمية بن جزء الزبيدي)، فكان (أبي) يتعاهد كنته (يعني زوجة ابنه) فيسألها عن بعلها (كيف ترين بعلك؟) فتقول: نعم الرجل من رجل لا ينام الليل ولا يفطر النهار، لم يطأ لنا فرشا ولم يفتش لنا كنفا منذ أتيناه (أي أنه لم يقترب منها لانشغاله بالصيام والقيام) قال: فوقع بي أبي، ثم قال: زوجتك امرأة من المسلمين فعضلتها، قال (عبدالله): فلم أبال ما قال لي فجعلت لا ألتفت إلى قوله مما أجد من القوة والاجتهاد.. فلما طال ذلك عليه (يعني على أبيه) ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم (أي شكاني للنبي صلى الله عليه وسلم). قال القَني به، فلقيته بعد. فقال (رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبدالله بن عمرو): كيف تصوم؟ قال: كل يوم. قال: وكيف تختم؟ قال: كل ليلة..... فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن ينام ويقوم ويفطر ويصوم.... إلى آخر الحديث.

والشاهد هنا كيف أنست العبادة ذلك الشاب الفتىّ ما هو فيه، وشغلته عما نرى أنه لا ينشغل عنه أحد أبدا.

والموقف الثاني: لا تقل عجبا عن موقف عبد الله بن عمرو ولكنه لشاب من شباب التابعين وهو الربيع بن خثيم (على ما أذكر) ففي ليلة زفافه أدخلوه الحمام (وهو أشبه بالساونا الآن) استعدادا للزواج، ثم بعد ذلك أدخلوه على زوجته.. فلما دخل بها وقف يصلي حتى الصباح.. فعذله الناس ولاموه.. فقال: أدخلتموني الحمام فذكرت النار، ثم أدخلتموني على امرأة فذكرت الجنة والحور العين؛ فقمت أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار!!.

فانظر كيف أنساه طلب الجنة وخوف النار ما هو فيه..؟!

وأنا لا أطلب من إخواني وأخواتي أن يكونوا كعبد الله بن عمرو ولا كالربيع (وإن كنت أتمنى ذلك)، ولكني أطلب منهم وأريد لهم ألا يكونوا أسرى الشهوات أو عبيد الملذات.. وبعد ذلك فليفعلوا ليلة الزفاف ما شاءوا .. فليبارك الله لهم، وليبارك عليهم، وليجمع بينهم في خير.
في مقال سابق تحدثنا عن نظرات الشباب وكتابات بعضهم حول ليلة الزفاف.. وطرزنا المقال ببعض مواقف لشباب السلف.. وقد حملني المقال الأول على كتابة مقال آخر وربما مجموعة من المقالات التي تنتمي لهذا الموضوع نبين فيها الأدب النبوي والشرعي والخلقي حول هذه الليلة التي هي (ليلة العمر) كما يحب الكثيرون تسميتها، وأردت بهذه المقالات أن نسموا بعيدا عن الأدب الرخيص والكلام السفيف والسخيف إلى أدب ينفع ويرفع دون أن يجرح ويقرع، وأيضا أن نتعلم أدب الحياة وخبرة السابقين عساها تكون نبراسا لنا ونورا يضيء طريقنا.

وموقفي الذي أسوقه اليوم ذكره الإمام ابن عساكر في تاريخ دمشق وهي في مختصره كذلك، وذكر باختصار في المستطرف، وبعض كتب الأدب.. وأنا سأنقلها هنا مع اختصارها، وأود لو أن إخواني عادوا إلى تاريخ دمشق ففي زياداتها فوائد خصوصا للشباب.

والقصة هي قصة زواج الإمام العلم القاضي شريح رحمه الله رحمه واسعة يحكيها الشعبي (وفي تاريخ دمشق هو موسى بن سعيد الراسبي الشعبي) قال: لقيني شريح، فقال لي: يا شعبي عليك بنساء بني تميم، فإني رأيت لهن عقولا، فقلت وما رأيت من عقولهن؟

قال: أقبلت من جنازة وقت الظهر، فمررت بدورهن وإذا أنا بعجوز على باب دار وإلى جانبها جارية كأحسن ما رأيت من الجواري، فعدلت إليها، واستسقيت (أي طلبت أن يسقوني). فقالت لي (يعني العجوز): أي الشراب أحب إليك؟ قلت: ما تيسر.

قالت: ويحك يا جارية ائتيه بلبن، فإني أظن الرجل غريباً.

فقلت للعجوز: ومن تكون هذه الجارية منك؟ قالت: هي زينب بنت حدير إحدى نساء بني حنظلة.

قلت: هي فارغة أم مشغولة؟ قالت: بل فارغة.

قلت أتزوجينيها؟ قالت: إن كنت كفأ ولم تقل كفوا، وهي بلغة بني تميم.

فتركتها ومضيت إلى منزلي لأقيل فيه، فامتنعت مني القائلة، فلما صليت الظهر أخذت بيد إخواني من العرب الأشراف علقمة والمسيب، ومضيت أريد عمها، فاستقبلنا وقال: ما شأنك أبا أمية؟ قلت: زينب ابنة أخيك. قال: ما بها عنك رغبة، وما بك عنها من نقص. قلت : فزوجنيها.

فلما صارت في حبالي ندمت وقلت أي شيء صنعت بنساء بني تميم، وذكرت غلظ قلوبهن، فقلت أطلقها، ثم قلت: لا، ولكن أدخل بها، فإن رأيت ما أحب وإلا كان ذلك.

فلو شهدتني يا شعبي وقد أقبلت نساؤها بهدينها حتى أدخلت علي. فقلت: إن من السنة إذا دخلت المرأة على زوجها أن يقوم ويصلي ركعتين. ويسأل الله تعالى من خيرها ويتعوذ من شرها. فتوضأت. فإذا هي تتوضأ بوضوئي، وصليت فإذا هي تصلي بصلاتي، فلما قضيت صلاتي أتتني جواريها فأخذن ثيابي وألبسنني ملحفة قد صبغت بالزعفران.

فلما خلا البيت دنوت منها، فمددت يدي إلى ناصيتها، فقالت على رسلك أبا أمية. ثم قالت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله، أما بعد، فإني امرأة غريبة لا علم لي بأخلاقك فبين لي ما تحب فآتيه، وما تكره فأجتنبه، فإنه قد كان لك منكح في قومك ولي في قومي مثل ذلك، ولكن إذا قضى الله أمراً كان مفعولا، وقد ملكت، فاصنع ما أمرك الله تعالى به، إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، أقول قولي هذا واستغفر الله العظيم لي ولك ولجميع المسلمين.

قال: فأحوجتني والله يا شعبي إلى الخطبة في ذلك الموضع، فقلت: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأصلي على محمد وآله أما بعد، فإنك قلت كلاماً إن ثبت عليه يكن ذلك حظاً لي، وإن تدعيه يكن حجة عليك، أحب كذا وأكره كذا، وما رأيت من حسنة فابثثيها، وما رأيت من سيئة فاستريها. فقالت: كيف محبتك لزيارة الأهل؟ قلت: ما أحب أن يملني أصهاري.

قالت: فمن تحب من جيرانك يدخل دارك آذن له، ومن تكرهه أكرهه؟ قلت: بنو فلان قوم صالحون، وبنو فلان قوم سوء.
قال: فبت معها يا شعبي بأنعم ليلة، ومكثت معي حولا لا أرى منها إلا ما أحب.

فلما كان رأس الحول جئت من مجلس القضاء، وإذا أنا بعجوز في الدار تأمر وتنهى. قلت: من هذه؟ قالوا فلانة أم حليلتك، قلت: مرحباً وأهلا وسهلا.

فلما جلست أقبلت العجوز، فقالت: السلام عليك يا أبا أمية، فقلت وعليك السلام ومرحباً بك وأهلا. قالت: كيف رأيت زوجتك؟ قلت: خير زوجة وأوفق قرينة.. لقد أدبت فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، فجزاك الله خيراً.

فقالت: أبا أمية إن المرأة لا يرى أسوأ حالا منها في حالتين، قلت: وما هما: قالت: إذا ولدت غلاماً أو حظيت عند زوجها، فإن رابك مريب فعليك بالسوط، فوالله ما حاز الرجال في بيوتهم أشر من الروعاء المدللة.

فقلت: والله لقد أدبت، فأحسنت الأدب، وريضت فأحسنت الرياضة، قالت: كيف تحب أن يزورك أصهارك؟ قلت: ما شاءوا، فكانت تأتيني في رأس كل حول فتوصيني بتلك الوصية.

قال شريح فلبثت معي عشرين سنة وما عبت عليها في تلك السنين إلا يوما واحدا كنت لها ظالما أيضا.

وكان لي جار من كندة يقال له ميسرة بن عدي لا يزال يقرع مرية له، فقلت في ذلك:

رأيت رجالا يضربون نساءهم ... فشلت يميني يوم تُضرب زينب

أأضربها من غير ذنب أتت به ... فما العدل مني ضرب من ليس يذنب.

إسلام ويب

Post: #620
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:45 AM
Parent: #601

يعتبر الانطواء من أهم المشكلات التي يعاني منها المراهق، والتي تظهره بأنه منعزل عن أصدقائه ورفاقه، خجول ضعيف الاتصال بالآخرين، لا يشعر بالارتياح الداخلي، فهو يعاني من ضعف في التوافق النفسي والاجتماعي، ويفتقر إلى الشعور بالانتماء والانضمام للجماعة، لذا فقد اهتم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدعوة إلى الجماعة ومشاركة الآخرين ومخالطتهم والتعامل معهم ؛ قال صلى الله عليه وسلم :((المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم أعظم أجراً من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم)).

صفات الانطوائي:
صوته منخفض، يتأمل ذاته، يتسم بالحساسية الزائدة، يكثر من أحلام اليقظة، يحب العزلة والانفراد بنفسه، يكبت انفعالاته ومشاعره، يشعر بالذنب، يصعب عليه تكوين صداقات، يبتعد عن مخالطة الآخرين مخافة الاستهزاء والسخرية به، ضميره حي، ينشغل بآلام الآخرين وهمومهم، يخضع لرغبات الآخرين وسلطتهم، مخلص في صداقته المحدودة، يصادق الأصغر منه، أو ممن يتشابه معهم في تصرفاته وسلوكه، يمشي بنعومة وخفة، لا يجرؤ على النظر في عيون الآخرين، يجلس على حافة المقعد، ضعيف الثقة بالنفس .

ويجدر بنا أن نتذكر ولادة ذاك الفتى الذي كان ينعزل بنفسه، ويجلس وحيداً في غرفة الفصل، يتناول فطوره بعيداً عن أعين زملائه أثناء الفسحة، وإذا سأل المعلم سؤالاً لا يجرؤ أن يرفع إصبعه للإجابة مهما كان السؤال سهلاً، وكان لا يشارك في حصة التربية الرياضية لأنه لا يريد أن يرتدي لباساً رياضياً مخافة أن يهزأ به زملائه، فهو دائماً يتحاشاهم نظراً لتعليقاتهم التي لا تكاد تفارق سمعه .

أساليب حل المشكلة
1. إشعاره بالمحبة والرحمة والحنان والقبول والاطمئنان والأمن .

2. تدريبه على إثبات ذاته والتعبير عن مشاعره .

3. تنمية الثقة في نفسه وروح المغامرة والتحدي من خلال الإنجاز والكفاءة في النجاح الدراسي والمسابقات الرياضية والثقافية والأدبية .

4. العمل على تغيير النظرة السلبية عن ذاته إلى نظرة إيجابية من خلال مواطن القوة في شخصيته وتعزيزها جيداً.

5. تدريبه على رفض طلبات الآخرين، وقول ((لا)) عندما تتعارض مع رغباته وأفكاره.

6. تدريبه على المهارات الاجتماعية وتكوين صداقات من خلال لعب الأدوار وتمثيل الشخصيات المرحة والمنبسطة القادرة على التفاعل مع الأفراد والجماعات .

7. إشراكه في المواقف الاجتماعية من خلال مواقف الحياة المختلفة ؛ كالمناسبات واللقاءات العامة .

8. إزالة الحساسية الزائدة وجلد الذات والانشغال بالهموم والمشكلات .

9. استخدام المدح والثناء والتشجيع في التصرفات الايجابية، وتجنب استخدام الإهانة والتوبيخ والنقد واللوم .

10. اصطحابه إلى مجالس الكبار وحضور الديوانيات والمناسبات الاجتماعية والثقافية والدينية .

11. تعزيز الانتماء لجماعة الأصدقاء والأقران من خلال دعوتهم لمشاركته في الأمسيات والمناسبات العامة .

ــــــــــــــــــــــــ

المصدر: د. أكرم عثمان

Post: #621
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:47 AM
Parent: #601

معالجة قسوة القلب
كثيرٌ من الناس يسألون بين الحين والآخر عن السبب في أنهم لا يجدون لذة العبادة عندما يُقْبِلُوْنَ بها إلى الله عز وجل، يحاولون أن يتمتعوا بالخشوع ولا يتأتَّى لهم ذلك، يحاولون أن تكون مشاعرهم متجهة إلى الله عز وجل في وقوفهم بين يديه ولكن لا يتأتَّى لهم ذلك، وتشرد بهم أفكارهم ذات اليمين وذات الشمال.

والجواب أن السبب في ذلك "حجاب النعم" التي يغدقها الله سبحانه وتعالى على عباده كالقوة التي يتمتعون بها، والغنى الذي يكرمهم الله عز وجل به، والمعارف والعلوم التي يمتعهم الله سبحانه وتعالى بها، من شأن هذه النعم أن تنسي الإنسانَ ضعفَه، أن تنسي الإنسان عجزه ومخلوقيته ومملوكيته لله سبحانه وتعالى وأن تزجه في وَهْمٍ من الاستقلال بالذات، في وهم من الغنى والقوة الذاتية.. ومن ثم فإن هذا الذي يقف بين يدي الله عز وجل وقد حُجِبَ عن الله سبحانه وتعالى بهذه النعم ينسى حاجته إلى الله وينسى فقره بين يدي الله عز وجل، فما الذي يجعله يخشع وهو يتخيل ويتصور غناه واستقلاله؟ ما الذي يجعله يدرك أنه بين يدي الله وأنه يخاطب الله وأن الله يراقبه وأن النعم التي يكرمه الله عز وجل بها تطوف بالنشوة في رأسه؟

هذا هو السبب، ولكن ما العلاج؟
العلاج أن يعلم الإنسان أنه كتلة من الضعف والعجز، وأن الفقر هوية ذاتية موجودة في كيانه، وأن النعم التي يتمتع بها ـ أياً كانت ـ إنما هي عوارض تأتي اليوم وتذهب غداً. إن الذي أبرز الإنسان إلى الوجود إنما هو الخالق عز وجل، أوجده عارياً إلا من فقره، تائهاً إلا من ذله، عاجزاً بل جاهلاً إلا بضعفه.

إذا أدرك الإنسان هذه الحقيقة وعلم أنها هي هويته دائماً مهما رأى نفسه غنياً ومهما رأى نفسه قوياً ومهما رأى نفسه متمتعاً بالمعارف والعلوم؛ فإن إدراكه لهويته يجذبه إلى الخشوع بين يدي مولاه وخالقه، وانظروا إلى هذا المعنى كيف جسده بيان الله عز وجل في قوله سبحانه وتعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفاً}[النساء:28]، أي إن الضعف وُجِدَ مصاحباً لِخَلْقِ الإنسان ولم يأت من بعد الخَلْقِ.

وانظروا إلى قوله سبحانه وتعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف}، أي كينونته هي الضعف ذاتها، وإنما يريد الباري عز وجل من هذا أن يبين لنا أن نعمة القوة ونعمة العلم والرفاهية والغنى ما ينبغي أن ينسينا كل ذلك الهوية التي خُلِقْنَا بها، ينبغي أن نعلم أن هذه النعم الوافدة إلينا إنما هي عوارض، والعوارض تأتي اليوم وتذهب غداً.

هذا هو العلاج الذي ينبغي أن يأخذ الإنسان نفسه به، فإن هو فَعَلَ ذلك تخلص من هذه المشكلة التي يشكو منها.

ولننظر ـ أيها الأحبة ـ إلى بالغ لطف الله سبحانه وتعالى إذ يبتلي الإنسان بين الحين والآخر بالابتلاءات المتنوعة كالمرض يبعثه في جسمه، وكالفقر يبتليه به بعد الغنى، وكالضعف يبتليه به بعد القوة، والاضطراب يرسله إليه بعد الأمن والطمأنينة، وصدق الله القائل: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} [الانبياء:35]، {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة:155].. لماذا؟ أين هو مظهر اللطف الرباني في هذه الابتلاءات؟

مظهر اللطف أن مولانا جلَّ جلاله يحب منا ألا نَسْكَرَ بالنعم التي يغدقها علينا وألا تحجبنا هذه النعم عن مراقبته، وألا تنسينا هويتنا أننا مخلوقون من الضعف وآيلون إلى الضعف، كيف السبيل إلى ذلك؟!!

لو أن كانت النعمة مستمرة دائمة إذا لكانت حاجزاً ولأنستنا هذه النعم هوياتنا وضعفنا، ولكن الله عز وجل عندما يبتلي عباده بين الحين والآخر بهذه المصائب يخفي المال والغنى ليرسل إليه عوضاً عنه الفقر، يخفي ويستل منه العافية ليرسل إليه نوعاً من الأمراض، يستل منه الأمن الطمأنينة ليرسل إليه طائفاً من الخوف والاضطراب لكي يصحو الإنسان بهذا إلى حقيقة أمره وليعلم أن هذه النعم التي تفد إليه إنما هي ـ كما قلت لكم ـ عوارض، والنعم العارضة لا يمكن أن تحل محل الهوية الإنسانية الأساسية،

ربنا عز وجل يقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ} [النحل: 78]، أي أنك يا ابن آدم ضعيف في كينونته، كتلة عجز في هويته، أما النعم التي تُسْكِرُكَ بين الحين والآخر فإنما هي عوارض أرسلتها إليك؛ فلا تحجبنك هذه العوارض عن هويتك.

إذا علم الإنسان هذه الحقيقة وأدركها لاسيما عندما يجد المحن التي تمتزج مع المنح والنعم فلسوف يزول هذا الإشكال ولن يسأل هذا الإنسان سؤاله هذا عندما يعلم عجزه.

إن كانت النعم مقبلة إليه التجأ إلى الله يسأله أن يستبقيها وإن كانت النعم أو بعضها مدبرة عنه التجأ إلى الله أن يعيدها إليه فهو في كل الأحوال ملتجئ إلى الله عز وجل، هذه حقيقة ينبغي أن نعلمها يا عباد الله.

إن من العجيب المؤسف أن الإنسان في كثير من الأحيان يحتاج إلى أن يأخذ العظة والدرس من الأطفال الصغار وهو الرجل الكبير الذي يتمتع بالوعي والعلوم والمعارف، أرأيتم إلى الطفل يمسكه والده من عضديه ويلصقه بصدره ويشرف به على وادٍ سحيق ماذا يصنع هذا الطفل والأب يحتضنه وهو يمسك به؟ إنه يرتجف خوفاً ويرسل إلى أبويه مشاعر الاستعطاف والاسترحام من خلال عينيه إلى أبويه ألا يتركه وأن يظل ممسكاً به وأن يظل متشبثاً به وهو يعلم أنه في حضن أبيه وهو يعلم كيف أن والده يمسكه من عضديه ومع ذلك فهو يعلم أنه عاجز، الطفل يعلم هويته، يعلم أنه لا يملك من أمر نفسه شيئاً، لا يستطيع أن يرد غائلة الأذى عن نفسه إن هو استقل بأمره ولذلك فهو يرسل نظرات الاستعطاف إلى أبيه متشبثاً به في حالةٍ من الازدياد والتعلق الشديد بصدره كي لا يرسله ويتركه، لماذا لا يكون شأننا مع مولانا وخالقنا كشأن هذا الطفل مع أبيه؟

أنا أعلم ـ كما يعلم هذا الطفل ـ أنني لا أملك إن استقللت بأمر نفسي، لا أملك شيئاً من حياتي، لا أملك أي مُقَوِّمٍ من مقومات عيشي، في اللحظة التي يتخلى الله عز وجل فيها عني أتحول إلى لا شيء، فلماذا لا يكون شأني مع مولاي وخالقي كشأن هذا الطفل مع أبيه؟!

حتى ولو كانت الحفاوة موجودة مرسلة من الله إلي ينبغي أن أعلم أنني معرض للهلاك، ينبغي أن أعلم أنني لا أستطيع أن أستقل بأمر نفسي شيئاً.

هذا هو الجواب لمن يسأل هذا السؤال.

زيارة المرضى
ولكن إذا كانت قسوة القلب فينا نحن المسلمين قد بلغت مبلغاً تتغلب حتى على هذه الحقيقة التي أبينها لكم فإني أنصح نفسي وأنصح مثلَ هذا السائل وأقول: زُرْ المشافي بين الحين والآخر، انظر إلى حال المرضى وهم يعانون من الأمراض المتنوعة المختلفة، تأمل في حال هؤلاء المرضى الذين ذَوَتْ منهم الوجوه وضؤلت فيهم الأجسام، اصغِ إلى الأنين الذي يرتفع من صدورهم وحلوقهم، اصغِ إلى الأوجاع التي تنتابهم والتي يتقلبون في غمارها صباح ومساء.

كانوا مثلك في العافية بل أقوى، وكانوا يتمتعون بمثل ما تتمتع به من العافية ورغد العيش، سَلْهُمْ عن الكنوز المالية وقيمتها يقل لك كل واحد منهم: خُذْ كل ما أملكه من كنوز، خُذْ كل ما أملكه من مدخرات وأَعِدْ إلي نعمة العافية.. أليس هذا دليلاً على الإنسان خُلِقَ من ضعف وأنه آيلٌ إلى الضعف؟!

زيارة القبور
فإن كانت القسوة القلبية ما تزال مصاحبة لك فأضف إلى ذلك زيارة القبور، انظر إلى هذه القبور وانظر إلى الأرض المحشوة بجثث بل بعظام أناسٍ كانوا من أمثالك، كانوا فارهين، كانوا يتمتعون برغد العيش، كانوا محجوبين مثلك بالنعم عن المنعم، وانظر إلى ما آل أمرهم، تأمل في الجنائز التي تُحْمَل لتلقى في الحفر التي أعدت لهم، ربما كان داخل هذا النعش فتاة ذات قامة ميساء وجمال باهر وعينين ساحرتين.. لماذا آل أمرها إلى هذا الشبح المرعب لماذا؟! ربما كان هذا الذي يمتد داخل هذا النعش ملفوفاً في أكفانه قائداً عظيماً إذا نطق أصغت الدنيا كلها إلى قراره وحكمه، ذا إرادة نافذة، ذا سلطان قاهر، لماذا يستسلم اليوم إلى هؤلاء الذين يحملونه إلى حفرته؟!

تأمل في هذا الذي أقوله لك تعد إلى دارك وأنت تعلم أنك مهما كنت غنياً، مهما كنت عالماً، مهما كنت قوياً فأنت ضعيف وأنت كتلة ضعف وعجزٍ بين يدي مولاك وخالقك سبحانه وتعالى.

أليس هذا الدواء كافياً يا عباد الله أليس هذا العلاج كافياً لكل من أسكرته نعمة القوة، لكل من أسكرته نعمة الحكم، لكل من أسكرته نعمة العلم والاكتشافات والرفاهية؟! صدق الله القائل: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ}[يّـس: من الآية68]، غلافان من الضعف، غلاف ضعف انطلقنا منه يوم الولادة وغلاف من الضعف والعجز ننتهي إليه عند الموت.

اللهم لا تنسنا فضلك، اللهم اجعلنا إذا وقفنا بين يديك لا نتيه عن ربوبيتك ولا نتيه عن ذل عبوديتنا لك.. أمين.
اسلام ويب

Post: #622
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:49 AM
Parent: #601

المراهقة من الألف إلى الياء 1 ـ 2

1ـ أشكال المراهقة ومظاهر النمو عند المراهقين



المراهقة إحدى المراحل العمرية الهامة في حياة الإنسان، وتعني في الأصل اللغوي الاقتراب، ورهقتٌ الشيء رهقاً أي قربت منه.

والمراهقة كمصطلح تعني فترة الحياة الواقعة بين الطفولة المتأخرة والرشد، أي أنها تأخذ من سمات الطفولة ومن سمات الرشد وهي مرحلة انتقالية يجتهد فيها المراهق للانفلات من الطفولة المعتمدة على الكبار، ويبحث عن الاستقلال الذاتي الذي يتمتع به الراشدون.. فهو موزع النفس بين عالمي الطفولة والرشد.

ويحلو للكثير تسمية المراهقة بمرحلة الولادة الجديدة، أو العاصفة أو فترة الأزمة النفسية؛ لأنها إحدى المراحل العمرية الحرجة في حياة الإنسان، وهي فترة من فترات تكامل الشخصية، تكتشف فيها الذات وينقب فيها عن الهوية.

ونستطيع القول أن المراهقة مرحلة تبدأ بشكل بيولوجي(عضوي) وهو البلوغ، ثم تكون في نهايتها ظاهرة اجتماعية حيث سيقوم المراهق بأدوار أخرى غير ما كان عليه من قبل، وبهذا المعني فإن المراهقة عملية بيولوجية، نفسية، اجتماعية تسير وفق امتداد زمني، متأثرة بعوامل النمو البيولوجي والفسيولوجي وبالمؤثرات الاجتماعية والحضارية والجغرافية، فقد تبدأ في منطقة جغرافية معينة وفق نسق اجتماعي معين عند عمر التاسعة وتستمر إلى التاسعة عشرة تقريباً، وقد لا تبدأ في منطقة أخرى مختلفة مناخياً وحضارياً إلا عند الثالثة عشرة تقريباً وقد تصل إلى ما بعد الواحدة والعشرين من العمر، ويختلف الذكر عن الأنثى في هذا، حيث تسبقه الأنثى في النمو.

وتأخذ المراهقة في المجتمعات المتمدنة أشكالاً مختلفة حسب الوسط الذي يعيشه المراهق كما يلي:

1ـ المراهقة السوية: المتكيفة الخالية من المشكلات.

2- المراهقة الانسحابية: حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة ومن مجتمع الأقران ويفضل الانعزال الانفراد بنفسه، حيث يتأمل ذاته ومشكلاته.

3- المراهقة العدوانية: المتمردة حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى أفراد الأسرة والمدرسة.

- 4 المراهقة المنحرفة: حيث ينغمس المراهق في ألوان من السلوك المنحرف كالمخدرات والسرقة والانحلال الخلقي.

هذا وتقسم المراهقة إلي ثلاثة أقسام: مبكرة (تقابل المرحلة الإعدادية تقريبا) ووسطى (المرحلة الثانوية تقريبا) ومتأخرة (ما بعد الثانوية إلى عمر 21تقريبا)..ولكل قسم مظاهره الخاصة في النمو.

ومن الباحثين من جعلها قسمين فالمبكرة من بداية البلوغ حتى الثامنة عشرة تقريباً، أما المراهقة المتأخرة فمن الثامنة عشرة إلى عمر الثانية والعشرين تقريباً.

ومن هنا فإن لهذه المرحلة أهميتها الكبيرة والخاصة في تكوين شخصية الإنسان؛ ولذا وجب فهم خصائصها ومتطلباتها ومشكلاتها المتشابكة لنحسن التعامل مع المراهقين بشكل تربوي ذي أثر إيجابي في النمو.

مظاهر نمو المراهقين بشكل عام:
النمو الجسمي والفسيولوجي والحركي: تمتاز مرحلة المراهقة بتغيرات جسمية سريعة وخاصة في السنوات الثلاث الأولى بسبب زيادة إفراز هرمونات النمو، فمن أهم مظاهر النمو الجسمي زيادة واضحة في الطول، وزيادة في الوزن، نتيجة للنمو في أنسجة العظام والعضلات وكثرة الدهون عند الإناث خاصة، وكذلك نمو الهيكل العظمي بشكل عام.

ومن مظاهر النمو الفسيولوجي نمو حجم القلب ونمو المعدة بشكل كبير، وهذا ما يبرر إقبال المراهق على الطعام بشكل واضح، كما أن حاجته الملحة إلى الغذاء تأتي نتيجة لنموه السريع الذي يستنزف طاقته.

وللنمو الجسمي الفسيولوجي آثار نفسية على المراهق يجب على التربويين والوالدين مراعاتها ومنها:

أن التغيرات الجسمية الجنسية تلعب دوراً واضحاً في مفهوم المراهق عن ذاته وبالتالي في سلوكه فتتراوح استجابة الفتاة نحو التغيرات الجسمية ما بين الاعتزاز بأنوثتها وبين الحرج نتيجة هذه التغيرات فتشعر بالقلق والتعب وخاصة أثناء العادة الشهرية رغم اعتزازها بذلك كأنثي. كما أن لشكل جسم الفتى دورا في توافقه النفسي.

الحساسية النفسية والانطباع عن الذات: فظهور حب الشباب مثلاً في هذه المرحلة يثير متاعب نفسية لأنه يشوه منظر الوجه.. كما وأن التبكير والتأخير في النمو الجسمي والجنسي له مشكلات اجتماعية ونفسية، فالنضج المبكر عند الإناث يسبب لهن الضيق والحرج، أما عند الذكور فينتج عنه ثقة بالنفس وتقدير مرتفع للذات رغم أن الذكور المتأخرين في النضج يعتبرون أكثر نشاطاً.

أما عن النمو الحركي: فإن المراهق يميل إلي الكسل والخمول أحيانا نتيجة التغيرات الجسمية السريعة، وسرعان ما يشعر بالتعب والإعياء عندما يبدي نشاطاً معيناً.. وتمتاز حركات المراهق بعدم الاتساق وعدم الدقة، ويعود ذلك إلي عدم التوازن بين النضج العضوي والوظيفي مما يؤدي إلى عدم التوازن الحركي، وربما يعود إلى عوامل نفسية مثل الحيرة والتردد ونقص الثقة بالذات والتفكير في توقعات الآخرين، وفي نهاية المراهقة الوسطى (المرحلة الثانوية تقريباً) يبدأ المراهق في التوازن الحركي نتيجة لتحقق النمو العضلي والعصبي والاجتماعي.

النمو العقلي: نمو الذكاء العام، وزيادة القدرة على القيام بكثير من العمليات العقلية العليا كالتفكير والتذكر القائم على الفهم، والاستنتاج والتعلم والتخيل.

نمو القدرات العقلية الخاصة كالقدرة الرياضية (التعامل مع الأعداد) والقدرة اللغوية والدقة في التعبير والقدرة الميكانيكية والفنية، وتتضح الابتكارات في هذه المرحلة كنتاج للنشاطات العقلية.

نمو بعض المفاهيم المجردة كالحق والعدالة والفضيلة ومفهوم الزمن ويتجه التخيل من المحسوس إلى المجرد.

نمو الميول والاهتمامات والاتجاهات القائمة على الاستدلال العقلي، ويظهر اهتمام المراهق بمستقبله الدراسي والمهني.

تزداد قدرة الانتباه والتركيز بعد أن كانت محدودة في الطفولة.

يميل المراهق إلى التفكير النقدي أي أنه يطالب بالدليل على حقائق الأمور ولا يقبلها قبولاً أعمى مسلماً به.

تكثر أحلام اليقظة حول المشكلات والتطلعات والحاجات، حيث يلجأ المراهق لا شعورياً إلى إشباعها، ويمكنه نموه العقلي من ذلك حيث يسمح له بالهروب بعيداً في عالم الخيال، فيرى نفسه لاعباً مشهوراً أو بطلاً لا يشق له غبار.

النمو الانفعالي: الرهافة الانفعالية: حيث يتأثر بالمثيرات المختلفة فيثور لأتفه الأسباب ويشعر بالحزن الشديد إذا تعرض للإحباط من أبيه أو معلمه.

الحدة الانفعالية (استجابة حادة لبعض المواقف لا تدل على اتزان) كالصراخ بعنف وشتم الآخرين والاندفاع بتهور فإذا تشاجر مع أحد، اندفع بعنف إلى مصدر الشجار، وإذا قاد السيارة قادها بسرعة شديدة لإظهار قوة و تحدي الآخرين.

الارتباك: حيث يخاف ويعجز عند مواجهة موقف معقد، ولا يمكن التصرف حياله كسخرية الآخرين منه أو مغالاتهم في مدحه.

الحساسية الشديدة للنقد: يشعر المراهق بالحساسية الشديدة لنقد الكبار له حتى وإن كان النقد صادقاً وبناءً، ومن أقرب الناس إليه، وخاصة عندما يكون على مسمع من الآخرين، بل ويعتبر النصيحة أو التوجيه انتقاماً وإهانة، وهذا مما يؤكد عدم نضجه في هذا الجانب.

التقلب الانفعالي: ينتقل المراهق من انفعال إلى آخر بسرعة، فتراه ينتقل من الفرح إلى الحزن، ومن التفاؤل إلى التشاؤم، ومن البكاء إلى الضحك، وتارة يندمج مع الآخرين وتارة يعتزل مجالسهم، ومرة تجده متدينا جداً وأخرى مقصراً.

تطور مثيرات الخوف واستجاباته: حيث تتسع مخاوف المراهقين لتشمل المدرسة والجنس، ومخاوف تتصل بالعلاقات الاجتماعية، ومخاوف عائلية تبدو في القلق على الأهل عندما يتشاجرون أو عندما يمرضون. وقد يحتفظ بعض المراهقين في بدء المراهقة ببعض مخاوف الطفولة كالخوف من الأشباح والثعابين ونحو ذلك.

سيطرة العواطف الشخصية (الجسم مركز اهتمامه) حيث تظهر في بداية المراهقة مظاهر الاعتزاز بالنفس والعناية بالملبس والأناقة والوقوف أمام المرآة كثيراً لجذب الانتباه، حيث يتصور دائماً كيف سيكون رد فعل الآخرين تجاهه.

الغضب والغيرة: تعد الغيرة والغضب من الانفعالات الشائعة في فترة المراهقة حيث تظهر في غيرة المراهق من زملائه الذين حققوا قدرة على جذب أفراد الجنس الآخر أو ربما إخوانه الذين حققوا نجاحات في الدراسة أو الرياضة أو الأنشطة الأخرى، ويعبر المراهق عن غيرته في الغالب بالهجوم الكلامي بطريقة خافته أو علنية،
ويعبر عن الغضب بالتبرم والهجوم اليدوي والكلامي خاصة عندما ينتقد أو يقدم له النصح بكثرة، أو عند تعدي الآخرين على ما هو ملك له أو عندما ننكر حقه في التعبير عن آرائه في الأسرة أو المدرسة.

النمو الاجتماعي: حياة المراهق الاجتماعية مليئة بالغموض والصراعات والتناقضات لأنه انتقل من عهد الطفولة إلى مجتمع الكبار وإنما يحدث هذا إذا كان بمعزل عن الاختلاط بهم ومعرفة قيمهم وعاداتهم واهتماماتهم، وما الذي يعجبهم وما الذي لا يعجبهم، ويعيش صراعاً بين أراء أقرانه وأراء أسرته وبين الرغبة في الاستقلال عن الوالدين وبين حاجته إلى مساعدتهما له. وبين الرغبة في إشباع الدافع الجنسي وبين القيم الدينية والاجتماعية التي تحدد الطريق المشروع لهذا الإشباع، فيعيش متناقضات تبدو في تفكيره وسلوكه إذ يقول ولا يفعل، ويألف وينفر في نفس الوقت، ويخطط ولا ينفذ، ويريد الامتثال لقيم الجماعة ويسعى في نفس الوقت إلى تأكيد ذاته.

ويمكن تحديد مظاهر النمو الاجتماعي للمراهق فيما يلي:

الميل إلى الاستقلال والاعتماد على النفس، ويظهر ذلك في محاولات المراهق اختيار أصدقائه ونوع ملابسه، ودراسته، وتحديد ميوله بنفسه.

الميل إلى الالتفاف حول ثلة معينة، حيث يندمج مع مجموعة من الأصدقاء صغيرة العدد ويبدي الولاء والانتماء والتقيد بآرائهم والتصرف وفق أهدافهم ويصبحوا جماعة مرجعية له يحكم من خلالهم على أفعاله وأقواله حيث يجد الراحة والمتعة والفهم لسلوكه من قبلهم، ويجد لديهم التقدير وإظهار المهارات وتأكيد الذات واكتشاف القدرات واكتساب المعلومات التي يعجز عن اكتسابها من الآباء والمعلمين بسبب ضعف العلاقة بين المراهق وأسرته في هذه المرحلة، كما تتسع دائرة العلاقات الاجتماعية حيث يصبح أكثر اتصالاً مع الآخرين.

الميل إلى مقاومة السلطة الو الدية والمدرسية ويظهر ذلك في رفض المراهق لأوامر الوالدين والمعلمين إذا اصطدمت بأوامر الثلة، وينتقد الوالدين وأسلوب حياتهما وطريقة تفكيرهما. ويعبر المراهق الولد عن تمرده بالعداء أو الخروج من المنزل، أما البنت المراهقة فهي أكثر قبولاً للسلطة الو الدية.

المنافسة: يقارن المراهق نفسه بغيره في محاولة للحاق بالآخرين أو التفوق عليهم.

الميل إلى الجنس الآخر والاهتمام به: يتحول المراهق من النفور من الجنس الآخر إلى الميل إليه والاهتمام به، ويظهر ذلك في محاولته جذب الانتباه إليه عن طريق أناقة المظهر الشخصي أو امتلاك أشياء مثيرة.

ومع هذه التغيرات التي تبدو وكأنها معقدة يحتاج المراهق إلى حسن التوجيه والإرشاد لتخطي هذه المرحلة بسهولة ويسر وينتقل منها بسلاسة إلى مرحلة الرجولة والكمال دون حدوث أي خلل أو انتكاسات أو منعطفات غير محمودة تؤثر على حياته المستقبلية، وهذا ما نتعرض له في المقال القادم إن شاء الله تعالى.
2ـ توجيه وإرشاد المراهقين

تناول الكاتب في الجزء الأول من المقال أشكال المراهقة ومظاهر النمو عند المراهقين، وفي هذا المقال يتحدث عن حسن التوجيه للمراهق لتخطي هذه المرحلة المهمة في حياته يقول:

إن إشباع حاجات المراهقين بالطرق التربوية السليمة أمر ضروري إذ أن عدم إشباعها يجر إلى ازدياد متاعبهم ومشكلاتهم، وتكون مواجهة هذه الحاجات بالتوجيه والإرشاد وتقديم الخدمات المناسبة في البيت والمدرسة وكافة المؤسسات المعنية بذلك، سواء كانت خدمات إرشادية وقائية تهيئ الظروف المناسبة لتحقيق النمو السوي لهم، مبنية على العلاقات الاجتماعية الإيجابية، أو خدمات إنمائية تنمي قدرات المراهقين وطاقاتهم وتحقق أقصى درجات التوافق، أو كانت خدمات علاجية تتعامل مع المشكلات الانفعالية والتربوية ومشكلات التوافق التي تواجه بعض المراهقين بتقديم الحلول العلاجي المناسبة وفق الأسس العلمية للتوجيه والإرشاد.

إن تفهم حاجات المراهقين ومطالب نموهم يسهل التعامل معهم ويخفف من متاعبهم ويحل مشكلاتهم ولذا فإن من الواجب توفير الرعاية لهم في جميع المجالات الصحية والبدنية والحركية والعقلية والاجتماعية والفسيولوجية والانفعالية بشكل علمي مدروس.

وبذلك فإن من حق المراهقين على التربويين وعلى الأسرة وعلى الجهات ذات العلاقة أن يقدم لهم كل ما من شأنه مساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الحرجة بسلام وبأقل قدر ممكن من آثار المشكلات والتناقضات التي يمرون بها وذلك وفق ما يلي:

الأخذ بمبادئ التربية الإسلامية باعتبارها الأداة الرئيسة في تنمية الإنسان وإصلاح سلوكه وتكثيف الإرشاد الديني كمنهج وفق الأسس العلمية للتوجيه والإرشاد في جميع المجالات، مع الابتعاد عن الوعظ العابر، وتوظيف تأملات المراهقين الروحية في توجيه سلوكهم الوجهة السليمة، مع تزويدهم بالمعايير الاجتماعية والقيم الدينية، وتوضيح خطورة العلاقات غير الشرعية والتسامي بالدافع، وتحويل الطاقة الجنسية إلى مسالك أخرى كالصوم والرياضة البدنية وممارسة الهوايات وشغل وقت الفراغ بالمفيد.

غرس الثقة: بأنفسهم، وذلك بتبصيرهم بذواتهم وتعويدهم حسن المناقشة والإنصات، مع احترام ذواتهم وتقبل حديثهم وتعويدهم تقبل النقد بموضوعية.

الجمع والمواءمة بين الضبط والمرونة في قيادتهم، وتمكينهم من التغلب على مخاوفهم وخجلهم.

الكشف عن قدراتهم وهواياتهم وميولهم وتوجيهها مهنياً تبعاً للفروق الفردية، وغرس الاتجاهات الإيجابية والمفاهيم المجردة كالعدالة والفضيلة وتوظيف الأنشطة المختلفة لذلك وتوظيف ثقة المراهقين في بعض الأشخاص من الأقارب والمرشدين والمعلمين والمشرفين لتعزيز تلك الاتجاهات والمفاهيم.

إيجاد موازنة منطقية بين رغبات المراهقين الشخصية وبين واجباتهم الاجتماعية وتعزيز التعاون بدلاً من النزعة الفردية، تأكيداً للتكيف الاجتماعي وتبصيراً بالحقوق والواجبات.

توفير القدوة الصالحة وتوفير الجو الآمن للمراهقين من قبل الوالدين ومنسوبي المدرسة والمؤسسات ذات العلاقة، وذلك بالتقبل (إشعارهم بأنهم محبوبون) والاحترام (تقديرهم وعدم التدخل في خصوصياتهم وأسرارهم) وإعطائهم الحق في التعبير عن الرأي في قضايا أسرية أو مدرسية، وفهم طبيعة المرحلة ومظاهر نموها وما يصاحب ذلك من ميل إلى التمرد على السلطة الو الدية والمدرسية.

توجيه المنافسة التي تقوم بين المراهقين توجيهاً سليماً حتى لا تتحول إلى صراع وتوتر وخلق العدوات.

تقديم المعلومات الدقيقة الكاملة عن حقيقة التغيرات الجسمية وما قد يصاحبها من آثار نفسية، وغرس اتجاهات إيجابية نحو هذه التغيرات ليقبلها المراهقون على أنها مظاهر طبيعية للنمو. وذلك تلافياً للاتجاهات السلبية التي تؤكد الرغبة في الانطواء ونقص الثقة بالنفس وعدم الاستقرار.

احترام المراهقين (الأولاد والبنات) ومناقشتهم وتقدير حساسيتهم النفسية، وذلك بالابتعاد عن التجريح والانتقاد وإظهار العيوب. بل توظيف التشجيع المناسب والتقرب إليهم وحوارهم ورفع معنوياتهم وإشعارهم بمكانتهم في الحياة الاجتماعية، لأن في ذلك إشباعا لحاجة نفسية من أهم ما تتوق إليه أنفس المراهقين؛ و ذلك بإعطاء الفرص لكل مراهق أن يمارس جهداً ذاتياً يشعره بقيمته النفسية في نظر الآخرين في جو ملائم يتيح فرصة للاستقلالية والتعبير عن الذات، والتخلص من تبعات الصراع النفسي للمراهقين.

تدريبهم وتعويدهم على استخدام التفكير المنطقي المنظم في حل مشكلاتهم. وتخليصهم من آثار القلق المنصبة على الجانب الدراسي والمهني بالتوجيه والإرشاد المناسب.

إعطاؤهم فرصة مناسبة للاختلاء بأنفسهم بقدر مناسب لينظروا إلى أعماقهم ويفكروا في حياتهم وخاصة في المنازل والأندية، وإعطاؤهم فرصة في الاحتكاك بمن هم في مثل أعمارهم حيث أن التقاء الأقران يثري خبرات المراهقين.

التعامل مع النوبات الانفعالية الحادة التي تعتريهم كالبكاء والضحك والصراخ سواء في المدرسة أو المنزل بالصبر والفهم، والمداراة بالتعاطف معهم للتخفيف من حدة التوتر والقلق.

إعدادهم لمواجهة الحقائق، والواقع ليألفوه وليعيشوه كما هو بغرس الثقة والتهيئة اللازمة، مع عدم التهاون في التنبيه عن الأخطاء المتوقعة منهم ولكن بأسلوب تربوي حذر يراعي حساسيتهم.

غرس القيم الصالحة في نفوسهم ليشاركوا في التنمية بإيجابية.

تعميق العلاقة بين البيت والمدرسة والجهات ذات العلاقة، والتفاهم التام والمستمر حول طبيعة التعامل التكاملي مع المراهقين، انطلاقا من فهم المتغيرات التي تمليها طبيعة المرحلة.

معاملة المراهقين معاملة الراشدين في المراهقة المتأخرة، لحاجتهم الماسة لذلك.

عدم وضع المراهقين في مواقف متعارضة: كأن يسمح لهم الوالدان بحرية الحركة ثم يحاسبونهم على الخروج من المنزل.

الابتعاد عن وصف المراهقين بأوصاف معينة، خاصة أمام الآخرين، والابتعاد كذلك بالحديث عن صفاتهم وسماتهم عندما كانوا صغارا لأن ذلك يؤذيهم أشد الأذى.

هذه بعض النصائح في التوجيه والتعامل مع المراهقين ربما تعين على تخطي هذه المرحلة والانتقال منها بهدوء، ولا شك أن هناك من النصائح كثيرا مما لم يذكر ولكن هذه إطلالة من الكاتب ومساهمة نرجو من ورائها النفع .. والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
اسلام ويب

Post: #623
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 08-31-2015, 01:53 AM
Parent: #601

في زحمة الحياة واشتداد صخبها وتوالي حوادثها وكَرِّ أيامها ينسى الإنسان كثيرا وتتابع حلقات الإنسان لتغل العنق بأغلال الأرض ويلتصق بها مؤثرا إياها بل ربما يجعلها الآخرة والأولى والمبدأ والمنتهى، من هنا جاءت أهمية الذكرى لتنقشع غمامات الغفلة عن عين البصيرة ومدرك الحقيقة، وللسلف رضوان الله عليهم وهم القدوة حالات تُنبئُ بآثار اليقظة، ذكر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما أصاب الناس من الدنيا، فقال: لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يظل اليوم يلتوي ما يجد من الدَّقَلِ ما يملأ به بطنه." والدقل هو رديء التمر.

ومر أبو هريرة رضي الله عنه بقوم بين أيديهم شاةٌ مصليّةٌُ، فدعوهُ فأبى أن يأكل، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من الدنيا ولم يشبع من خبز الشعير.

وتتكرر هذه الحالات في صور شتى ومواقف مختلفة وللذكرى بريقها وبرقها، بها نأمل ونتأمل، ثم أليس من حق الروح أن تحلق في سماء الوفاء؟!! إذا أردت ذلك فما عليك إلا أن تصاحبنا في لمحات من يقظة القلب وبصيرة العقل وحياة الروح مع هذا الحديث:

قالت عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: "لما أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال: " إني ذاكرٌ لك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك" قالت: وقد علم أن أبواي لما يكونا يأمراني بفراقه، قالت: ثم قال: إن الله جل ثناؤه قال: "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها ـ إلى قوله ـ أجرا عظيما" ، قالت : فقلت: ففي أي هذا أستأمر أبويّ، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم مثلما فعلت". أخرجه البخاري ومسلم.

اختار النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه ولأهل بيته معيشة الكفاف، لا عجزا عن حياة المتاع وإنما استعلاء بنفس توقن أن الآخرة خير لها من الأولى وأنها الأبقى، جاءه جبريل عليه السلام بمفاتيح خزائن الأرض فعف عنها وتركها وآثر الآخرة عليها، كان ينفق ولا يخاف فقرا، يعطي عطاء اليقين وهو أجود بالخير من الريح المرسلة وكان يقول صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "أبشروا وأملوا ما يسركم فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".

لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينأى بنفسه وآل بيته أن ينافسوا أحدا في ديناه ولو بتشرف نفس لأن ربه سبحانه علمه وأدبه ونهاه بقوله سبحانه: "ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى".

فالحياة الدنيا وما فيها من متاع وما يحوطها من زخارف ووشى زهرة والزهرة ستذبل بعد حين بعد الابتلاء بها والمحنة برواقها وروائها، أما رزق الله سبحانه له فهو نعمة بلا فتنة.

قال في الظلال: دعوة إلى الاعتزاز بالقيم الأصيلة الباقية وبالصلة بالله والرضى به. فلا تتهاوى النفوس أمام زينة الثراء، ولا تفقد اعتزازها بالقيم العليا، وتبقى دائما تحس حرية الاستعلاء على الزخارف الباطلة التي تبهر الأنظار...ولكن نساء النبي صلى الله عليه وسلم كن نساء من البشر، لهن مشاعر البشر، وللبشر حاجات وزينة من مال ومتاع ونفقة اجتمعن يسألنه صلى الله عليه وسلم النفقة فأصابه من الأسى ما أصابه حتى احتجب صلى الله عليه وسلم عن أصحابه.

وأقبل أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس بباه جلوس فلم يؤذن له، ثم أقبل عمر ـ رضي الله عنه ـ فاستأذن فلم يؤذن له. ثم أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم لهما فدخلا والنبي صلى الله عليه وسلم جالس وحوله نساؤه وهو صلى الله عليه وسلم ساكت فقال عمر: لأكلمنّ النبي صلى الله عليه وسلم لعله يضحك. فقال يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد ـ امرأة عمر ـ سألتني النفقة فوجأت عنقها! فضحك صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه وقال: " هن حولي يسألني النفقة"! فقام أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى عائشة، وقام عمر ـ رضي الله عنه ـ إلى حفصة، كلاهما يقولان: "تسألان النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس عنده؟! فنهاهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن: والله ما نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذا المجلس ما ليس عنده، ونزلت آية التخيير.

بدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بحبيبته عائشة ـ رضي الله عتها ـ فاختارت الله ورسوله والدار الآخرة وقالت: أسألك ألا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت، فأجابها صلى الله عليه وسلم: لا تسألني امرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها.

انطلاقة من هواتف الأرض وتحررا، كلهن رضي الله عنهن اخترن الله ورسوله والدار الآخرة.

ملامح من عواطف الحب وومضات الإيثار في اليقين بما عند الله للصالحات القانتات، " ومن يقنت منكن لله ورسوله وتعمل صالحا نؤتها أجرها مرتين، وأعتدنا لها رزقا كريما".

صورة من السيرة فهل يا ترى تسافر أرواحنا لنعايش شيئا من جمالها ولملم القلوب حولها، وأخيرا: الصبر لله غناء وبالله تعالى بقاء، وفي الله بلاء، ومع الله وفاء، وعن الله جفاء، فاصبروا في الله، وصابروا في الله، ورابطوا مع الله.
اسلام ويب

Post: #624
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 00:57 AM
Parent: #601

إنها كارثة بمعنى الكلمة.. ومصيبة ربما لا نشعر بقدرها وضررها إلا بعد زمن طويل.. وربما يصعب أو يستحيل تدارك آثارها على الأبناء أبدا.. تلك الكارثة هي إهمال الأبناء في الصغر والانشغال عنهم والتقصير في احتضانهم والقرب منهم ونقل الشعور بدفء العلاقة معهم.

لقد كانت هذه الجفوة بين الآباء والأبناء سببا رئيسا في ضياع مستقبل الكثير من الشباب، وانهيار مشروع رجل محترم وإنسان له قيمة، وتحول ذلك إلى مشروع شاب مجرم أو إنسان فاشل بمعنى الكلمة.

إن معنى انشغال الأبوين عن أولادهما وانهماكهما في حياتهما الخاصة وقطع الصلة بالأولاد معناه أن يبحث الأولاد عن بدائل ومصادر أخرى يستمدون منها التوجيه ويسمعون منها كلمات المودة والتقدير والثناء، وفي أكثر الأحيان تكون هذه المصادر منحرفة لكنها تبدو في صورة الصديق الودود أو الصاحب المحبوب مما يجعل الانخداع بها سهلا ميسورا ويكون أثرها مؤثرا مضمونا.

هذا ما حدث لصاحب قصتنا وأنا أعلم أن أمثاله في واقعنا كثيرون بل كثيرون جدا ممن نكبت بهم أممهم وبلادهم بدلا من أن يكونوا أعضاء صالحين وعاملين منتجين:

يقول صاحب قصتنا والتي جاءت في كتاب "المراهقون يتحدثون": كنت أعيش في أسرة كل عضو فيها مشغول بأمر نفسه.. والدي مشغول بعمله طوال النهار مع جزء من الليل.. والدتي تقضي معظم أوقاتها مع صديقاتها في النادي.. شقيقي الكبير يعمل في الخارج، ونادرا ما يتصل تلفونيا للاطمئنان علينا.

لم أجد أحدا في الأسرة أتحدث معه أو أشكو إليه مشاكلي أو همومي. ولذلك لم أشعر أنني سعيد مع أن والدي يمنحني الكثير من المصروف كل أسبوع، وإذا احتجت المزيد فلم أتردد في طلب ما احتاجه من والدتي التي لم تتأخر لحظة في تلبية رغباتي المالية.

لم تكن هناك أية رقابة من الأسرة على سلوكياتي، ولم يسألني والدي في يوم ما أين أذهب أو أين أسهر ومن هم أصدقائي.

أما عن أصدقائي فهم جماعة من رفقاء السوء ممن ابتلوا بإدمان المخدرات وتناول الخمور ولعب القمار الذين وجدت عندهم ما افتقدته في البيت؛ فقد كانوا دائما ما يحيطونني بمشاعر المودة والاحترام التي افتقدتها في أسرتي.. هل تعرفون لماذا كل هذا الاهتمام؟ لأنني أستطيع أن أحصل على المال من والدي في أي وقت!

وبالطبع كانوا يستطيعون الحصول على كل ما أمتلك من مال وقتما يريدون، ولم أكن أدري أنهم يستغلون علاقتي بهم، ولكني أخيرا أدركت أنهم جماعة فاسدة يسيرون في طريق الهاوية.

بعدما اجتزت امتحان السنة الأولى في كلية العلوم بتقدير (جيد) وجدت نفسي بلا هدف، ولم أجد ما أفعله لملء وقت الفراغ الذي كنت أعانية. فشكوت هذا الملل لأحد أصدقائي من أفراد الجماعة وعلى الفور اقترح اقتراحا من الصعب أن أرفضه وهو أن أذهب معه في نزهة بالسيارة على شاطئ النيل مع اثنتين من الفتيات الجميلات.

وعندما حان موعد النزهة وجدت هذا الصديق يقود سيارة فارهة مع الفتاتين الجميلتين حيث ادعي أنهما من أقاربه، واعتقدت في بداية الأمر أنها سيارة والده، ولكني فوجئت بعد ذلك أنه قد سرقها بمفتاح مصطنع وأخبرني أنه سوف يعيدها إلى مكانها بعد انتهاء النزهة.. قضينا وقتا ممتعا، ثم رجعنا في منتصف الليل إلى قواعدنا لاستكمال السهرة في شقة أحد الأصدقاء.

وفي اليوم التالي قام هذا الصديق بسرقة سيارة أخرى من أجل نزهة أخرى. واستمر الحال على هذا إلى أن علّمني كيف أسرق السيارات ثم أعيدها إلى مكانها في آخر الليل.

ولكن صديقي لم يقتنع بذلك، بل تطور الأمر إلى أنه لم يقم بإعادة السيارة إلى مكانها، بل اتفق مع تاجر (خردة) على بيع السيارة المسروقة بمبلغ ألف جنيه، ورغبني في الاشتراك معه في تلك السرقات، واقتسمت معه المبلغ فيكون نصيبي (500) خمسمائة جنيها. ومارست سرقة السيارات وأصبحت حرفتي..

وإلى هذا الوقت لم يكن والدي يعرف أنني تركت الكلية، ولم أرغب على الإطلاق في استكمال الدراسة، وكذلك والدتي التي كانت مشغولة مع صديقات النادي بالحفلات التي لا تنتهي.

دق جرس تليفون المنزل لكي يخبر (المتحدث) والدتي أنه قد تم إلقاء القبض عليّ في قضية سرقة سيارة.. انهارت والدتي وسقطت على الأرض مغشيا عليها، فقامت الخادمة بالاتصال بوالدي على التليفون المحمول لتخبره بما حدث.

دقائق معدودة وجدت والدي أمامي في قسم الشرطة ومعه المحامي الخاص لكي يخرجني على ذمة القضية، ولكن المحامي لم يستطع إقناع ضباط الشرطة بذلك حتى يتم عرضي على النيابة في صباح اليوم التالي.. وأمام وكيل النيابة اعترفت بما حدث وتم تحويل أوراق القضية إلى المحكمة التي قضت بسنتين سجن.. وعند سماع والدي بذلك الحكم أصيب بالشلل، ولم يعد قادرا على العمل بعد ذلك.

خرجت من السجن لأجد والدي مشلولا قعيد الفراش، ولم يعد لنا مصدر رزق بعد ذلك.. والدتي تركت المنزل لأنها لم تكن قادرة على رعاية والدي.. وكانت ترعاه الخادمة التي لم تتقاضى مرتبها منذ ستة شهور، ولم تترك الخادمة مهمتها في رعاية والدي حتى بعد خروجي من السجن.

ماذا أفعل وسط هذه الصراعات الرهيبة مع الحياة؟ اضطررت إلى العمل (منادي سيارات) ولكن ما كنت أحصل عليه من هذا العمل لم يكن يكفي ثمن الدواء لوالدي! ماذا أقول لكم بعد ذلك سوى أنني كنت أدعو الله تعالى أن يكشف هذه الغمة التي ظلت تلازمني.

أدركت أنني كنت مقصرا في حق الله تعالى وفي حق نفسي، فاتجهت إلى العبادة لعل الله سبحانه يخرجني من هذا الجحيم.. واظبت على أداء الصلوات فأحسست بشيء من الراحة النفسية بالرغم من الضائقة المالية التي كنت أعيشها مع والدي المشلول.. إلى أن جاء فرج الله عندما حضر شقيقي من الخارج بعد غيبة طويلة.

صمد شقيقي أمام تلك الصدمات، فكان صابرا قويا وحرص على علاج والدي، ويسر الله لنا وتعونا في عم مشروع تجاري صغير أبدأ من خلاله عملا شريفا.

إلى هنا انتهت القصة ولكن لم تنته معها معاناة كثير من الشباب الذين لم تهيئ لهم الأقدار أخا مسافرا أو كريما معاونا أو سبيلا للحياة شريفا، بل ربما خرجوا من السجون ليزاولوا نشاطهم ويكملوا مع السرقة مشوارهم ولتصلى أسرهم وأوطانهم جحيم جرائمهم.

وربما لو وجد هؤلاء أبا حانيا أو أما رؤوما أو أخا عطوفا لتغيرت معالم حياتهم ولربما كانوا أمثلة طيبة في العلم والعمل.. ولقد صدق من قال:

ليس اليتيم من انتهى أبواه *** من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً
إن اليتيم هو الذي تلقى له *** أمّا تخلّت أو أباً مشغولاً
اسلام ويب

Post: #625
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:00 AM
Parent: #624

كيف تطور نفسك
افترض أنك رأيت شخصا يتصبب عرقا وهو يحاول قطع إحدى الأشجار بمنشار صدئ، وحينما تسأله: ماذا تفعل يا رجل؟

- يرد عليك بحدة ونفاذ صبر: ألا ترى؟ إنني أحاول قطع هذه الشجرة.

- فتقول له: يبدو عليك الإرهاق التام، فكم من الوقت مضى عليك وأنت تحاول قطع هذه الشجرة؟

- فيقول: أكثر من خمس ساعات وأنا في هذه المهمة الشاقة.

- ولماذا لا تأخذ استراحة قصيرة تسن فيها هذا المنشار الصدئ الذي تستعمله؟ فلا شك أن ذلك سوف يجعلك تنتهي من هذا المهمة بسرعة أكبر.

- ليس عندي أي وقت أضيعه في سن هذا المنشار، فأنا مشغول.

ما رأيك أيها المؤمن، في هذا الإنسان الساذج الذي يأبى أن يوفر قليلا من الوقت يسن فيه منشاره الصدئ؛ لكي يستطيع إنجاز علمه بمجهود أقل وفي وقت أقصر؟ لا شك أنك تتهمه بالسذاجة وربما الغباء، ولكن اسمح لي أن أخبرك أن كثيرا من الناس مثل هذا الرحل، وعفوا: قد تكون منهم؛ فإننا في الغالب نبخل بقليل من الوقت على أنفسنا نشحذ فيه قدراتنا ونطور فيه من مهاراتنا لنكون أكثر قدرة على تحقيق أهدافنا، ومع أنه لا يوجد عصر من العصور السابقة قد توفرت في سبل اكتساب المهارات كعصرنا هذا، إلا أننا نحن المسلمين ما زلنا في واد والعالم كله في واد آخر!!

اعلم أيها المؤمن (أن الوقت الذي تستثمره في العناية بشحذ قدراتك هو أهم استثمار تقوم به في حياتك؛ لأنه استثمار فيك أنت وفي قدراتك على التعامل مع مشاكل الحياة المعقدة المتشابكة).

والمهارات التي يمكن أن تكتسبها لتجعلك أكثر قدرة على تحقيق أهدافك كثيرة، و من أمثلة هذه المهارات في هذا الجانب:

· الحصول على دورات في مجال الحاسب الآلي (الكمبيوتر).

· إتقان اللغة الإنجليزية.

· إتقان سرعة الكتابة على الحاسب الآلي.

أعط كل ذي حق حقه
إن الإنسان يجتاج إلى تحقيق التوازن فالجانب الإيماني والجانب الأسري والجانب المهني والصحي والمالي والجانب العلمي والثقافي لتحقيق النجاح .. وقد تقول بعد كل هذا: وكيف لي أن أحقق كل الأهداف معا؟ وهل أستطيع أن أوازن بين كل هذه الأدوار؟

أقول: بداية إن كل هذه الأمور لا غنى لك عنها، فكل الجوانب السابقة التي أوجبنا عليك أن تجد لك فيها أهدافا لا يكتمل ولا يتم النجاح الحقيقي إلا بها جميعا، يقول سلمان الفارسي رضي الله عنه: "إن لنفسك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولضيفك عليك حقا، وإن لأهلك عليك حقا، فأعط لكل ذي حق حقه"، ولما بلغ ذلك القول رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "صدق سلمان".

وهذه الأدوار متداخلة إلى حد كبير، حيث يؤثر كل دور في الآخر تلقائيا؛ لأنها معا تشكل حياتنا، فالحياة كلٌ لا يمكن تجزئته، والمشكلة فينا أننا منذ سن مبكرة تمت برمجتنا من خلال المدارس والجامعات على هذه العقلية الانفصالية التي ترى هذه الأدوار كلها كأجزاء منفصلة عن الحياة، فنحن في المدرسة مثلا ندرس موضوعات منفصلة تعالجها كتب منفصلة، فيحصل أحدنا على تقدير ممتاز في الرياضيات، ومقبول في الفيزياء، ولا نرى أن هناك أية علاقة بين المادتين، وبنفس العقلية نرى دورنا في العمل منفصلا عن دورنا في المنزل، ولا نرى أية صلة بينهما وبين أدوارنا في المجتمع أو في تطوير الذات.

فالمشكلة إذاً في الطريقة التي ننظر بها إلى المشكلة، فلا بد أن ندرك أولا أن مهمتنا ليست الجري ما بين الأدوار في تنازع بينها على ما نملك من وقت وطاقة، وإنما التوازن أن تعمل كل الأدوار متداخلة متزامنة في تناغم يحقق الكل، فالتوازن ليس: إما هذا...أو ذاك، إنه: هذا ...بالإضافة إلى...ذاك.

مفاتيح التوازن بين الأدوار:
1ـ أن تكون كل أدوارك تنبع من رسالتك:
فهذا أول مفتاح لعملية التوازن، أن ترى رسالتك في كل دور من هذه الأدوار، بحيث تكون جميعها نابعة حقيقة من رسالتك الشخصية، وهنا تصبح أدوارنا تلك كفروع ناضرة لشجرة باسقة لا يمكن فصلها عن بعضها، بل إنها تقوي بعضها البعض، وتتغذى جميعا من نفس الجذر.
تماما كما وصف الله عز وجل المؤمنين في تكاملهم وترابطهم فقال: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ)(الفتح: من الآية29)

فالمؤمن كمثل زرع أخرج فروعه، فنما وزاد سمكه ونمت هذه الفروع حتى استوت على سيقانها، فأصبحت الشجرة قوية صلبة يقوي بعض أجزائها بعضا، فهكذا أدوارك في الحياة إذا نبعث كلها من رسالتك الشخصية فإنك لا ترى أي انفصال بينها.

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ترى كل أدواره نابعة من رسالته الشخصية التي قال الله عز وجل عنها: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين".
ولذلك تجده صلى الله عليه وسلم كما كان رحمة للبشرية بقيادة الأمة ورفع راية الجهاد في سبيل الله، وإنشاء المجتمع، وتجييش الجيوش، فهو رحمة للبشرية في معاملته لزوجاته رضي الله عنهن، فهو يسابق عائشة ويمازحها، ويمضي في ذلك الأوقات، فهذا أيضا من رحمته صلى الله عليه وسلم بالعالمين؛ إذ يعلمهم كيف تكون العلاقة بين الرجل وزوجته.

فحينها تكون أدوارك وأهدافك كلها نابعة من رسالتك الشخصية فإنك تملك الطاقة والدافع القوي النابع من داخل ذاتك، فتستطيع أن تقوم بها معا، أما حين تنفصل تلك الأدوار عن رسالتك فلن يكون لها مثل ذلك الدافع؛ لأنها لا تتغذى من سخونة الذات من الداخل، تماما كنبتة الفول على قطعة القطن المبللة بالماء لا يمكن أن تستمر أكثر من أيام.

2- التركيز على المبادئ:
فعندما نركز على المبادئ تختفي عملية الفصل بين الأدوار المختلفة في حياتنا، إذ إن أدوارنا في هذه الحالة تصبح بمثابة روافد طبيعية لممارسة تلك المبادئ الصحيحة التي نبتناها، وتكون هذه الأدوار تحديات نثبت من خلالها تعدد أشكال تطبيق نفس المبادئ في المجالات المختلفة في حياتنا.

فالمبادئ التي تحقق النجاح في مجال الأعمال هي ذاتها التي تحقق النجاح في إدارة الأسرة، وفي القرن الخامس قبل الميلاد أصيب أحد الجنود المحترفين ـ وكان اسمه نيكوماشيدس ـ بالحزن والإحباط عندما وجد زميلا له قد ترقى إلى رتبة قائد الجيش، وكان كل ما يملكه هو تميزه في إدارة المنزل وإدارة فريق غنائي، فلما شكا ذلك إلى سقراط قال له: " أيًّا كان المكان الذي يرأسه الإنسان سوف ينجح في هذه الرئاسة ما دام أنه يعرف ما يريد، وقادر على القيام بمهنته، كن رئيسا ناجحا سواء كنت تقود أسرة أو مدينة أو جيشا".

لذلك فإن مهمة من يدير المنزل لا تختلف عن مهمة من يدير شركة كبيرة، إلا في الحجم فقط.

فإذا ركزت على تطبيق مبادئك فإنك ستتمكن من إحداث تفاعل بين أدوارك يوفر لك الكثير من الوقت والجهد، فمثلا إن مبدأ التفهم للطرف الآخر في التعاملات الإنسانية يوجد الثقة بين الأطراف سواء داخل العمل أو في الصداقة أو في الأسرة، وبه تستطيع أن تتعامل مع أحد أفراد الأسرة في حالة غضب، أو عميل غير مريح، أو رئيس كثير الطلبات أو مرءوس ناقم.

وبمثل نفس المنطق تستطيع أن تنمي نفسك صحيا وترعى أولادك في وقت واحد كأن تدعوهم مثلا إلى مشاركتك في لعب مباراة لكرة القدم، أو لممارسة السباحة معك أو لنزهة أسبوعية.

3- كتابة الأدوار كل أسبوع:
إن كتابة أدوارنا كل أسبوع يجعلها حاضرة في بؤرة تركيزنا باستمرار، ويوجد لها نصيبا في برنامجنا الأسبوعي، يقول أحد المديرين المشغولين: "خلال السبع عشرة سنة التي قضيتها مديرا ذهبت إلى الغداء مع الكثيرين، ولكن عندما كتبت أدواري في الحياة، جئت إلى دور الزوج، فاكتشفت أنني لم أخرج مع زوجتي للغداء مرة واحدة، مع أن علاقتي بها واحدة من أهم العلاقات في حياتي، ونتيجة لعملية التنظيم الأسبوعية بدأت في الاهتمام بهذا الدور، وخرجت معها للغداء، وكان من نتيجة ذلك أن أصبحنا أكثر التصاقا وقربا، وأصبح الاتصال بيننا أسهل؛ ما أدى إلى القيام بأعمال أخرى جعلتني زوجا أفضل، ومع كل مراجعة أسبوعية لعملية تنظيم وقتي أكتشف مزيدا من التقدم في هذه المهمة".
ــــــــــــــ
من كتاب "صناعة الهدف"
اسلام ويب

Post: #626
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:02 AM
Parent: #601

كان الموقف مؤثرًا، ومثيًرا للشفقة في ذات الوقت، مع احتراق القلب لما آل إليه حال الشباب محط آمال المستقبل، وذخيرة الغد، وعدة الأمة لملاقاة الأعادي والإحن.. لقد كان المشهد لصبي في مقتبل شبابه يبكي من كل قلبه، وبمنتهى الأسى والأسف لأن الفريق الذي يشجعه خسر في إحدى مبارياته حتى لقد انعقد لسانه عن الرد على المذيع الذي لفت انتباهه شدة بكاء الصبي فأسرع ليعرف سبب هذا البكاء المرير، ويحاول ترضيته بأنها ليست النهاية ولكن الصبي لم يستطع أن يتم الحديث وترك المحاور وذهب وهو يبكي بكاء مرا.

لم تكن هذه لقطة تمثيلية عرضت في مسلسل أو فيلم، ولا كانت صورة تخيلية تصورتها مخيلة الكاتب، وإنما صورة واقعية تبين مدى ما وصل إليه أبناؤنا، وثمرة غياب الدور التربوي في تردي الهمم وتفاهة الهموم بحيث يصبح فوز فريق على آخر هو منتهى الأماني وأعلى الغايات، وتصبح هزيمة الفريق من مثيرات الشجن ومستدرات الدموع.

إن هذه الصورة ليست هي الوحيدة ولا هي نادرة ولا شاذة بل إن قطاعات كبيرة، وأقول كبيرة، علقت قلوبها بالتوافه، وبكت على ما لا يستحق دمعة واحدة من عين مؤمنة.

وعلى الجانب الآخر كانت صورة مؤثرة أيضا لكنها مبهرة، ومثيرة للإعجاب والتقدير صبي في نفس عمر الصبي الباكي أيضا لكن في موقف مختلف تماما عن سابقه، فالبكاء هذه المرة كان في حلقة لختم القرآن الكريم حين بلغ الصبي المبارك سورة الإخلاص والمعوذات فخنقه البكاء، وسالت عبراته حتى أوقفته مرات عن متابعة القراءة، لقد كانت دموع الشكر لله على نعمته وتوفيقه بختم كتابه وحفظه، دموع الفرح بالطاعة والإحساس بعظمة الإنجاز بعد الجهد المضني والمتابعة الحثيثة، دموع العرفان بالجميل للشيخ المؤدب، والتوقير والتعظيم للوالد المربي، وبمجرد أن انتهى البطل الحقيقي من تلاوته، وفرغ من ختمته خر ساجدا لله شكرا، وسجد معه أبوه جزاهما الله خيرا، ثم قام الحافظ فقبل رأس شيخه ورأس والده، في مشهد ذرفت له عيون الحاضرين وحق لها أن تدمع.

لكن....شتان ما بين الصورتين، وما أبعد ما بين الصبيين، وما أعظم الفارق بين الهمتين.
وحتى لا يمر الأمر بدون فائدة نقول: إن هذه الهمم هي التي عليها تصاغ الأمم فقدر كل أمة على قدر همم أهلها، فإذا طغت همة الأول على همة الثاني فغلبت التفاهات على عظائم الأمور والمهمات سقطت الأمة ولاشك وضاعت بين الأمم ولعل هذا ما يفسر بعض ما نحن فيه من ضعف ووهن وذل وانكسار.

إن عودة إلى جيل النصر وأصحاب التمكين، وخير القرون، وجولة بين همم صبيانهم وشبابهم تبين سبب نصرهم، ومفتاح تمكينهم.. حين كان أبناء السابعة عشرة يقودون الجيوش ويسقطون العروش ويفتحون البلدان، وأبناء الرابعة عشرة و الخامسة عشرة يتطاولون بالوقوف على أطراف أصابعهم عند عرضهم على النبي صلى الله عليه وسلم خوفا أن يردهم ، ويبكون خوف فوات الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله رب العالمين.

ذكر الإمام بن حجر رحمه الله في كتاب الإصابة في معرفة الصحابة في ترجمة عمير بن أبي وقاص أخي سعد بن أبي وقاص عن سعد قال: رأيت أخي عمير بن أبي وقاص قبل أن يعرضنا رسول اللهr يوم بدر يتوارى فقلت: مالك يا أخي؟ قال: إني أخاف أن يراني رسول الله r فيستصغرني فيردني، وأنا أحب الخروج لعل الله أن يرزقني الشهادة. قال: فعرض على رسول الله r فاستصغره فرده فبكى، فأجازه، فكان سعد يقول: فكنت أعقد حمائل سيفه من صغره فقتل وهو ابن ست عشرة سنة.

الهموم بقدر الهمم
إن وجود هذه الهمم هو الذي يأتي بالنصر والرفعة والتمكين، أما استئثار التوافه بالتفكير، وطغيانها على القلوب والعقول فلا يأتي من ورائه إلا الذل والعار والتأخر والدمار وضياع الذكر بين الأمم مع الخسران المبين يوم الدين.

ويروي لنا التاريخ أن الصليبيين بعثوا بأحد جواسيسهم إلى أرض الأندلس المسلمة، وبينما الجاسوس يتجول في أراضي المسلمين إذا به يرى غلاما يبكي وأخر بجواره يطيب من خاطره، فسأله الجاسوس: ما الذي يبكي صاحبك؟ فقال الشاب: يبكي لأنه كان يصيب عشرة أسهم من عشرة في الرمي، لكنه اليوم أصاب تسعة من عشرة. فأرسل الجاسوس إلى الصليبيين يخبرهم: (( لن تستطيعوا هزيمة هؤلاء القوم فلا تغزوهم )).

ومرت الأعوام وتغيرت الأحوال وتبدلت معها الهمم والهموم، وجاء الجاسوس الصليبي إلى أرض المسلمين مرة أخرى، فرأى شابين أحدهما يبكي والآخر يطيب خاطره، فسأله الجاسوس: ما الذي يبكي صاحبك؟ فأجابه: إنه يبكي لأن فتاته التي يحبها قد هجرته إلى غيره. فأرسل الجاسوس إلى قومه: ((( أن اغزوهم الآن فإنهم مهزومون ))).
اسلام ويب

Post: #627
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:03 AM
Parent: #601

أرهقني هذا المراهق... أرهقني في تصرفاته... أرهقني في طريقة تفكيره... أرهقني... أرهقني... أرهقني كثيراً ما نسمع مثل هذه الجمل تتردد على الأذهان وأعتقد بأن الأسلوب المستخدم مع المراهق هو الذي أرهق المراهق، وأرهق الوالدين.



لابد وأن يعرف الآباء أن مرحلة المراهقة هي مرحلة انفصال المراهق بإرادته وعواطفه، وللوالدين دور كبير في تنشئة أبنائهم مرحلة المراهقة تحت ظل تنشئة إسلاميه صحيحة وعندما أتحدث عن المراهق فأنا أتحدث عن كلا الجنسين.



قوتان دافعتان
يحتاج المراهق إلى قوتين دافعتين يفجرهما الله في نفسه:

1: شدة الانفعال.

2: الحاجة إلى الاستقلال،
وهناك أساليب عملية للتنشئة الصحيحة، ينبغي التحري عن أصدقاء المراهق فهو أمر في غاية الأهمية، ولا يكون ذلك بالتجسس عليه.. بل مصادقته، والسؤال عن أصدقائه بأسلوب الدردشة، وأحياناً مصادقة أصدقائه والجلوس والتنزه معهم، وبذلك تستطيع أن تحتوي المراهق وتكسب في صفك أكبر مؤثر لابنك وهم أصدقاؤه. اكتشف إيجابيات ابنك.لا أعتقد أن أحداً يحب رئيسه أو مديره في العمل إذا كان ينتقده بشكل متواصل، وبعضهم يظن أن الموظف لا يستحق أن يُشكر على عمله الجيد؛ لأنه واجب عليه أصلاً، في ذات الوقت الذي يعتقد أنه يستحق اللوم على التقصير فيصبح 90% من حديث الرئيس الفاشل لوماً وتوجيهاً و أوامر أيضاً، نفس الشيء ينطبق على الآباء فالأولى أن تهتموا بإيجابيات أبنائكم مهما كانت صغيره في أنظاركم؛ فالعناية بـ 5% من الايجابيات للابن المراهق أو الفتاة المراهقة قد تتحول في المرات القادمة إلى 50%.

إذاً يكفي ملاحظات ونقدا لسلبيات وعيوب الأبناء، وتفكر معي قول الشاعر:

لسانَك لا تذكرْ به عورةَ امرئ * * * فكلُّك عوراتٌ وللناس ألسنُ




والأبناء أيضاً بشرٌ لهم ألسنة وأعين فاحصة تنتقد وتدقّق بكل مثالية وقساوة أحياناً، وإذا استمررنا على متابعة زلاتهم وعيوبهم فسوف يبادلوننا النظرة السلبية لتتبع العيوب واكتشاف التناقض بين المثالية التي تطلبها وحقيقة شخصيتك وتشوه بذلك الصورة المشرقة في أذهانهم، وعلى العكس إذا لاحظت حسناتهم سيتعلمون هذه الإيجابيات الموجودة في الآباء حينها يزداد تعلقهم في الآباء وتزداد خبرتهم، واستفادتهم منك.





التعبير عن المحبة

حب الأبناء محتاج دائماً للتعبير فلا تحرموا أنفسكم وتحرموا أبناءكم لذة هذا التعبير.... بالهدية مثلاً فالرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول: (تهادوا تحابوا). عبّر عن حبك لابنك/ابنتك بالثناء عليهم في غيابهم، وسيصلهم الحديث حتماً ولو بعد حين... عبّروا عن حبكم بطريقة مباشرة، فهم يحتاجون إلى سماع الكلام الجميل، فقد يبحثون عنه خارج البيت أو بطرق أخرى، خاصة بعدما وصلت إليه التقنية الحديثة من تطور؛ إذ يتبادل الأبناء رسائل الجوال على القنوات الفضائية وما فيها من خداع وكذب، فتصبح بذلك فضائح المراهقين والمراهقات على الهواء، وهذا ما لا يرضاه الإنسان الغيور على أبناء شعوبنا العربية المسلمة ستستخدم السحر العظيم عندما تغمر قلب ابنك أو ابنتك بالحنان حينما تأخذه بين ذراعيك شرط ألاّ يكون هناك سبب لذلك؛ فمبدأ الأرض مقابل السلام لا يجدي في تربية الأبناء.





الاعتراف برأي ابنك /ابنتك مهم جداً في الأمور الممكنة، فذلك يعزز ثقة واحترام المراهق في نفسه، ويجنبه كثيراً من المواقف التي يحاول فيها إثبات ذاته وقدراته، فالمراهق أو المراهقة عندما يضعان حلاً للمشكلة يكونان هم ألزم بها، وعندما يأتي ابنك أو ابنتك ليعترفا بأخطائهما لا تنصحوهما بطريقه مباشره مثلاً تقول له: أنت أخطأت، ويجب أن تفعل كذا وكذا!! انصحه بطريقة الحكايات، والأخذ والعطاء.





أخيراً فربما أكون قد طرحت حلولاً بسيطة ولا أعتقد أنها صعبة أو مستحيلة، بل إنها مأخوذة من أرض الواقع. نسأل الله لكم الذرية الصالحة والتوفيق والعمل الصالح لتنشئة إسلامية صحيحة

ــــــــــــــ
المصدر: رحمة الغامدي

Post: #628
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:06 AM
Parent: #601

تطالعنا الأخبار أن المشاريع الاستثمارية لم تعد فقط (شراء العقارات والأراضي والمضاربة في أسواق رأس المال)، ولكنها توسعت لتشمل كل ما هو جديد وغريب، حتى إنها امتدت لتشمل مؤسسة الزواج؛ خاصة في مجتمعاتنا العربية المسلمة؛ فهذا المشروع ينظر إلى مؤسسة الزواج على أساس نفعي، وذلك من خلال اختيار المرء شريكةَ الحياة (الزوجة) صاحبة الوظيفة والبحث عنها من خلال سوق العمل، ويصبح عامل «الوظيفة» أساساً لاختيار شريكة الحياة (الزوجة) ومقدَّماً على أيِّ اعتبارات أخرى، ومن ثَمَّ لم يعد البحث عن شريكة الحياة يجري من خلال الوسائل التقليدية (الأهل والمعارف)، بل بشكل ميكانيكي عن طريق مكاتب الزواج أو مواقع الزواج عبر الإنترنت؛ حيث يقوم الشاب بمَلْء استمارة برغباته.

لقد أصبحت هذه الظاهرة - الزواج من الموظفة - تشهد تنامياً في المجتمعات العربية المسلمة، بل زادت حدتها في السنوات العشر الأخيرة، فترى نصائح من حولك باختيار المرأة التي تعمل؛ بدعوى الظروف الاقتصادية الطاحنة وضرورة تعلُّم المرأة وإقحامها في مجال العمل حتى يكون راتبها - وإن قلَّ - سنداً لزوجها، واستخدام شعارات برَّاقة؛ مثل: تحقيق المساواة، والنظر إلى من يتزوج بغير العاملة بشفقة؛ لأنه سيصطدم بصخرة الواقع المتمثلة بكثرة احتياجات الأسرة.

ويسعى هذا المقال لتأمُّل آثار هذا المشروع النفعي (الزواج من صاحبة الوظيفة) الذي يمثِّل خرقاً لأسس ودعائم قيام منظومة الأسرة المسلمة – حتى لا نقع فريسة له – من خلال إبراز سِمَاته واختلافه عن المقاصد الأصلية للزواج في الإسلام (المشروع الأصلي) وعواقبه.

أولاً: المقاصد الأصلية للزواج في الإسلام وأسس قيام الأسرة المسلمة:

الأسرة في الإسلام - هذه المؤسسة المشتركة بين الرجل والمرأة - لا تقوم إلا وَفْق أسس وقواعد تقوِّمها وتدعم بنيانها وتضمن استمرارها، وهذه الأسس مبادئ يجب أن لا تتغير؛ لأنها الحصن الحصين الذي نحتمي به؛ فإذا كان النسل هو المقصد الأصلي من الزواج؛ فهناك مقاصد تبعية - إيجاد السكن النفسي والروحي - لا يحكمها منطق المتاجرة وحسابات الربح والخسارة المادية.

وعقد الزواج في الإسلام - الميثاق الغليظ - يرتِّب على الطرفين مسؤوليات متبادلة؛ فالزوج مسؤول عن زوجته والسكن إليها والرحمة بها والنفقة عليها وعلى أولادها {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء:٤٣]

ومهمة الزوجة لا تقل في عظمتها عن مهمة الرجل؛ فهي راعية في بيتها تدير شؤونه وتصون ممتلكاته وترعى أولادها.

وقد أمرنا الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحسن الاختيار عند الزواج لكلا الطرفين؛ فقال صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة: إذا نظر إليها سرَّته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته» أخرجه أبو داود.

وقال - صلى الله عليه وسلم - أيضاً: «تُنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها؛ فاظفرْ بذات الدين تربتْ يداك»، مشيراً إلى أن الأسس الأربعة التي ذكرها الحديث هي معايير الاختيار لشريكة الحياة (الزوجة)، ولكنها لا تجتمع كلها في الغالب، وإنما يختار الإنسان أولوياته من بينها.

فالإسلام يُعلي من شأن ذات الدين، وفي الوقت ذاته لا يرفض المقومات الثلاثة الأخرى، ولكنه يقدِّم الدين عليها. فلا مانع من أن تكون الفتاة متعلمة وعاملة، ولكن الأهم أن تكون ذات دين وخُلق؛ فقد تحصل الفتاة على أعلى الشهادات العلمية ولكنها لا تصلح للنهوض بمسؤولياتها بوصفها أماً أو زوجة ولا تعلم شؤون دينها وواجباتها.

والملاحظ أن بعض اختيارات الشباب هذه الأيام اختيارات فاسدة؛ لأنها تعتمد على اتِّباع الهوى، وتخل بأمر الدين في الاختيار - إهمال الناحية الدينية والأخلاقية – وتقدم عليه عوامل أخرى كالمال وهذا الاختيار المخل موجب للفشل بكل تأكيد؛ فالمال لا يستطيع بناء حياة زوجية سعيدة؛ فهو ليس كل شيء، ودعائم الحفاظ على العلاقة بين الرجل والمرأة في ظل مؤسسة الأسرة المسلمة ليست المصالح والمكاسب المادية؛ ولكنها المودة والرحمة، واختيار شريك الحياة لا يصح بأيِّ حال أن يقوم على أساس عامل واحد - المؤهل العلمي، والمنصب الوظيفي، والمستوى المادي - دون اعتبار بقية العوامل وإهمال الناحية الدينية والأخلاقية؛ فالبداية الحقيقية لحياة زوجية سعيدة تعتمد أساساً على الاختيار الجيد للطرفين، ويكون هذا الاختيار على أساس توافر الصفات المشتركة (التكافؤ: الاجتماعي، والعلمي، والثقافي، والاقتصادي).

بالتأكيد ليست هذه الصفات على درجة واحدة في الأهمية لدى كل شخص يتقدم للزواج، ولا يتوقع أن يجدها جميعاً في شريك حياته، ولكن مع ترتيب أولوياته يجب الحرص على عامل الدين في المقدمة، وعدم تقديم تنازلات فيه.

ثانياً: سِمَات المشروع النفعي واختلافه عن المقاصد الأصلية للزواج في الإسلام:

إن اختيار المرء شريكةَ حياته على أساس عامل واحد (البحث عن صاحبة الوظيفة) يجعل من عمل المرأة بنداً أساسياً في عقد الزواج كأنه أساس الارتباط، ويطرح للمرأة دوراً جديداً - دوراً زائداً - ليس فقط تدبير أمور المنزل ورعاية الأطفال في المجال الأول، ولكنها وسيلة لجلب المال، ومن ثم تصبح المرأة من خلال هذا (الزواج النفعي) نِدّاً للرجل؛ لأنها شريك في المشروع من خلال رأس مالها، وعند اختلال هذا الدور أو الفشل فيه قد ينهار المشروع.

إن هذا المشروع النفعي يمثِّل خرقاً لمنظومة الأسرة المسلمة؛ فهذا الشكل الجديد بوصفه أساس اختيار الزوجة يمثِّل تقبُّلاً لأفكار تحرير المرأة - نموذج العالم الغربي - ويجعل من الطرح النسوي والمناداة بالمساواة بين الجنسين - عقيدة أهل هذا المشروع - أمراً مطلوباً وملحّاً، بينما هذه المساواة تقع بين مختلفين، ومن ثم فلا وجود للمساواة هنا، وليست المساواة من خلال فرض أعباء زائدة على دور المرأة فتصبح التسوية بين مختلفين إضراراً بهما.

إننا نحتاج إلى تدارك ما يحققه هذا المشروع النفعي من خلل في الدور الوظيفي للمرأة بالإصلاح، وإلا فالفرق يتسع لأسس ودعائم منظومة الأسرة المسلمة ولطبيعة الأدوار، ويفتح أبواباً ضارة تهدِّد بانهيار الحياة الزوجية، ومنها:

1 - يجعل المرأة منافساً للرجل وليس مكملاً، فعندما تدرس الفتاة ما يدرسه الذكور، وتعمل المرأة بالمدة والراتب نفسهما؛ تصبح الزوجة وزوجها في صراع لإثبات الذات.

2 - تهجر المرأة دورها الأصلي والأساسي - البيت والأمومة - لانشغالها الطويل في الخارج، ويبقى البيت فارغاً من الراعي الحقيقي، بل يصبح النظر إلى دورها الأصلي كأنه إذلال وإهانة وليس فخراً.

3 - إذا شاركت المرأة الرجل في الإنفاق؛ فمن الطبيعي أن يشاركها الرجل في بعض أدوارها، وهذا ليس عيباً، ولكن إذا جرى التعاون بشكل ميكانيكي وسادت فيه روح الحقوق والواجبات؛ فإن مصيره المؤكد هو الفشل والتعاسة، وهذا ما يسعى إليه الطرح النسوي من دمج المرأة في المجتمع دمجاً كلياً ودمج الرجل في المنزل.

4 - تشير الإحصاءات إلى ارتفاع حالات الطلاق بين الشباب حديثي الزواج (المتزوج من المرأة العاملة).

ولذلك يعد هذا الزواج النفعي وهذا الفكر انتكاسة لأيِّ مشروع إيجابي لصالح المرأة المسلمة، وفشله يؤدي إلى تفكك الأسرة وإنهاء دورها شيئاً فشيئاً.

وختاماً أقول: إننا نريد مشروع زواج ناجح يقوم على أسس منظومة الأسرة المسلمة؛ فالرجل هو المكلف فطرةً وشرعاً بإقامة الأسرة، وفي الوقت ذاته لا نرفض أو ننكر دور المرأة وأهميته في مساعدة زوجها في ظل الظروف الاقتصادية الطاحنة؛ فالمرأة قادرة على الزواج مع التعلم والعمل، والمرأة المتعلمة أحسن للزواج من الجاهلة، ولا مانع من عمل المرأة في الأعمال الملائمة لها وفي خدمة المجتمع النسائي، لا إقحامها في أعمال خاصة بالرجال لا تتناسب مع خصائصها البيولوجية وتكوينها العاطفي، وبشرط ألا يعوق قيامها بدورها الأصلي والطبيعي (البيت والأمومة).

إننا لا نريد أن تكون المطالبة بمساعدة المرأة زوجها في (الإنفاق) بلاءً على الأسرة المسلمة – ظاهره الرحمة وباطنه العذاب – ولا أن يكون الارتباط بصاحبة الوظيفة هو أساس عقد الزواج؛ فيصبح زواجاً نفعياً ومن ثَمَّ تضيع الأصول ويفسد قيام الأسرة، ويصبح هذا الزواج نهاية للطريق لا بداية لحياة أسرية مستقرة وهادئة، بل يصبح المجتمع مجتمعاً بلا أسرة كما هي حال المجتمع الغربي.
اسلام ويب

Post: #629
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:07 AM
Parent: #601

يظل الإنسان بخير مادام بعيدا عن الفتن، إذا بدت إليه هرب منها، وفر عنها، وإذا رآها مقبلة عليه من بعيد أغلق على نفسه أبوابها، وأحكم سداد منافذها حتى لا تجد إليه سبيلا، فمثل هذا في عافية، قد أراح نفسه وطلب لها السلامة، والسلامة لا يعدلها شيء، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه.

فإذا ما طرق العبد أبواب الفتن وسبل الشهوة وتهاون في رد الشبهات، وإغلاق الأبواب أمام المغريات، انفتحت عليه أبواب البليات، فكم من قدم زلت بعد ثبوتها، وكم ممن ظن نفسه يحسن السباحة قد جرفه التيار فأغرقه في بحرها بعد أن كان زمانا على شاطئ السلامة، فما أشد طوفان الشهوات إذا انفتح بابُ ردِّه، وما أقوى سيلَ المغريات إذا انتقض بناءُ سدِّه.

فمن تعرض للفتن استشرفت له، ومن رعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ومن تساهل في الشبهات وقع في الحرام ولا بد.

وقد ضرب الله لنا مثلا على لسان رسوله كما في الحديث الصحيح عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام: [ضرب الله مثلا صراطا مستقيما، وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة، وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس، ادخلوا الصراط جميعا ولا تعوجوا، وداع يدعو من فوق الصراط، فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب، قال: ويحك، لا تفتحه؛ فإنك إن تفتحه تلجه . فالصراط الإسلام، والسوران حدود الله، والأبواب المفتحة محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب الله، والداعي من فوق الصراط واعظ الله في قلب كل مسلم].

فحدود الله تبارك وتعالى وحرماته جعل سبحانه عليها ستورا من الممنوعات والمكروهات، ولا يتوصل الإنسان إلى انتهاك المحرم حتى يرفع هذه الستور، وعند ذلك يقع في الممنوع وينتهك المحظور، ومن رفع الستر وفتح الباب ولج ولابد، والمعصوم من عصمه الله.

إن الفرار من الفتن يحمي صاحبه من مقارفة الذنوب، والمتجرئ على الشبهات وبدايات المحرمات غالبا ما يقع فيها، فيتمنى في آخر آمره ألَّو ترك الستر مرخيا وظل بعيدا عن البلاء.

لقد تذكرت كل ذلك وأنا أقرأ حال شاب كتب يستصرخ أهل المروءات ليجدوا له حلا لمصيبته، كان في صيانة وتعفف حتى سول له إبليس أن ينظر إلى صور العاريات ـ كان أول مرة من باب حب الاستطلاع لا غيرـ لكنه غرق في الوحل، ومنذ أول لحظة تعلق القلب بهذه البلية حتى صار يومه كله أمام النت يبحث عن الجديد والعجيب، والنفس لا تكاد تكف عن طلب المزيد، حتى فسدت عليه حياته، وتأخر في دراسته، وضعف بدنه، وكاد قلبه أن يتلف، وكلما أراد التوبة غلبته الشهوة فعاد إلى ما كان بل أشد.. فهل من مخرج يا أصحاب الهمم والبصائر؟..
إنها قصة شاب تتكرر مع المئات بل مع الآلاف من الشباب والشابات، ولو أغلقوا الباب من أوله لكانت السلامة.

وهذه فتاة ظنت نفسها داعية فدخلت أحد المنتديات تدعو إلى الله ـ على حد زعمها ـ (ولو بقي الأمر هكذا لكان جميلا).. ولكن ما كان لإبليس أن يتركها ويدعها وشأنها تدعو إلى ربها، فجرها في خطوات إبليسية لتفتح حوارا مع مشرف المنتدى ثم تكلمه على الماسينجر، ثم على التليفون، حتى تمكن من قلبها فلم تعد بعد تستغنى عن لقائه.. وبعد الدعوة صارت حبيسة الحب، وصريعة الهوى، وحبلا من حبائل إبليس، كما تقول هي نفسها عن نفسها.

إن الشيطان لا يترك أهل الاستقامة على استقامتهم بل يحاول معهم ولا ييأس منهم أبدا، ولو كان له أن ييأس من أحد لكان آدم عليه السلام نبي الله وأول خلقه وهو في جنة الخلد أولى بذلك، ولكن هيهات.

وطرق الشيطان متشعبة ووسائله لا نهاية لها، ولا يزال يحيك للناس ويزين لهم أنواع الفتن ويفتح عليهم مصاريعها بخبرة وإصرار وصبر وطول نفس، وعلمه بالنفس ومحبوباتها وخبايا زواياها وما يستهويها يجعله يدخل إليها من كل باب، فإذا انسد أمامه باب دخل من غيره، وربما فتح للعبد مائة باب من الخير ليوقعه في باب من الشر، فلعلها كانت القاصمة، وقد حذرنا الله من خطواته أشد التحذير: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (النور:21)

لقد ضل عابد بني إسرائيل بعد طول عبادة لأنه لم يدفع عن نفسه خطوات الشيطان فما زال به حتى زنى وقتل ثم لم يرض منه بذلك حتى كفر بالله رب العالمين: (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر:16)

ربما يعيش المرء زمانا بعيدا عن الشاشات ومنكراتها طالبا السلامة من فتنها ومحافظا على ضعف نفسه أمامها فيأتيه الشيطان فيزين له اقتناءها (لمعرفة أخبار الدنيا وأحوال العالم خصوصا أحوال المسلمين ليعيش معهم أتراحهم ويتعايش مع مشكلاتهم)، فما يزال به حتى يدخل الشاشة ذات الدش بيته، فيرى في البداية النشرات بمذيعاتها الفاتنات، وقد كان قلبه ينكر ذلك قديما فاعتاد عليه، ثم أخذه الشيطان إلى المباريات فقضى أمامها أوقاتا كان يضن بها قبل أن تضيع في مثل هذا، ثم بدأت نفسه تدعوه لمعرفة ما في الدنيا وأحوال الناس جميعا فيها فتحرك الروموت، ورويدا رويدا انزلقت القدم وراحت لذات الطاعات وخلفتها حسرات المعاصي فيا ليتها خطوة ما كانت.

إن الشيطان لا يقول للعبد قم فارتكب الفاحشة، وإنما يستدرجه بالنظرة تلو النظرة، حتى إذا هاجت النفس سعت وخططت وتآمرت للحصول على مرادها، ولو غض البصر في البداية لسلم الدين في النهاية.

إنها أول خطوة .. يزينها الشيطان فقد تنزلق بها الأقدام، ويقع صاحبها وقوعا لا يمكنه بعده القيام.

إن غلق أبواب الفتن والبعد عن بواعث المعصية، وأماكن الزلل ومثيرات الشهوة ونوازع الشر من علامات صحة العقل وكمال الإيمان.. ومن اقترب من الفتن بعدت عنه السلامة، وكان على شفا جرف هار يوشك أن ينهار به، ورب عبد أحسن الظن بنفسه، وغره علمه وعقله فأفرط في الثقة بما هو عليه من الديانة والصيانة فوكله الله إلى نفسه فكانت بداية الخذلان، واسمع إلى ابن الجوزي رحمه الله تعالى وهو يقول:

"من قارب الفتنة بعدت عنه السلامة، ومن ادعى الصبر وكل إلى نفسه، وربَّ نظرةٍ لم تناظِر. وأحق الأشياء بالضبط والقهر- اللسان والعين ـ؛ فإياك أن تغتر بعزمك على ترك الهوى مع مقاربة الفتنة؛ فإن الهوى مكايد، وكم من شجاع في صف الحرب اغتيل، فأتاه ما لم يحتسب ممن يأنف النظر إليه، وانظر حمزة ووحشي:
فَتَبَصَّـــــــرْ ولا تشــــــمْ كلَّ برقٍ *** رب برق فيـــه صـــواعقُ حَيْنِ
واغضضِ الطرفَ تَسْتَرح من غرام *** تكتسي فيه ثوب ذلٍّ وشين
فبــــلاء الفتى موافقــة النفــــــــ *** س وبدءُ الهوى طموح العين
اسلام ويب

Post: #630
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:10 AM
Parent: #629

تتمتع (الفضيلة) بجاذبية وقوة هائلتين بسبب التواصي الأممي بالتمسك بها عبر القرون، ومن هنا فإن من الصعب على أيِّ جهة مهما كانت أن تشرِّع ـ على نحو سافر ـ للكذب أو الرشوة أو الظلم...

ويرافق هذا شيء آخر مهم، هو انقضاء عهود طرح النظريات الكبرى في الغرب والشرق على حدٍّ سواء، وصار مدار الأمل والعمل على استثمــار وتوظيــف ما هو متوفر من أفكار ورؤى ومنهجيات ومعطيات ناجزة في تحسين أوضاع البشر وحل مشكلاتهم.

بمعنى آخر: أن الناس قد شبعوا من ادِّعاء التفوق وادِّعاء الإصلاح وادِّعاء الإشفاق عليهم، وباتوا يبحثون عن شيء ملموس تراه أعينهم، وتقبض عليه أيديهم... وهذا في الحقيقة يشكِّل بالنسبة إلينا تحدِّياً، كما يشكِّل فرصة:

إنه يشكِّل تحدِّياً؛ لأن المزيد من الكلام حول امتلاكنا لأفضل منهجية لإصلاح العالم لم يعد جذاباً؛ حيث إن الناس يسمعون مثل هذا الكلام من جهات كثيرة وهم يتطلعون الآن للبرهان العملي.
أمَّا أنه فرصة فلأنه يحرِّضنا على أن نبذل كل جهد ممكن في سبيل جعل مبادئنا وقيمنا تتجسد في بُنى ونماذج ونُظم ومعطيات تبرهن على عظمة ديننا وصواب منهجنا.

أخلاقيات إسلامية
والذي أودُّ أن أشير إليه ابتداء أن العالم يتجه نحو تلمُّس ما يحقق المصالح، ويدرأ المفاسد؛ بقطع النظر عن الدين أو الفلسفة أو المذهب الذي ينحدر منه، فالشرود عن منهج الله ـ تعالى ـ جعل البشر أشبه بالغرقى الذين يريدون أي شيء يمتد إليهم حتى ينقذهم من الغرق؛ بقطع النظر عن الجهة التي تمدُّ ذلك الشيء.

في إحدى الدول الغربية رأى شاب مسلم جارته النصرانية الطاعنة في السن وقد أثقلتها سلَّة حملت فيها ما اشترته من السوق من خضار وفاكهة، فأخذها منها حتى وضعها أمام منزلها، ولما تكرر ذلك منه جمعت ذات ليلة أبناءها وأحفادها ليقدِّموا له جميعاً الشكر والعرفان، وقد سأله أحد أحفادها: لماذا بادرت إلى مساعدة جدتي دون غيرك من الجيران والمارة؟ فقال الشاب: أنا مسلم، وإن ديني يؤكد كثيراً على تقديم المساعدة لكبار السن والضعفاء.
وهنا انهالت عليه الأسئلة حول الإسلام ـ والذي لا يعرفون عنه أي شيء ـ وأخذ صاحبنا في الشرح.. وكانت الثمرة إسلام تلك المرأة العجوز مع عدد من أبنائها وأحفادها.

ليت أمريكا كلها مثله
وفي إحدى الولايات الأمريكية كان هناك فتى مراهق سبَّب الكثير من الأذى لأمه بسبب تعاطيه المخدرات ومشاكساته لأبناء الحي، وقد تعرَّف الفتى على مجموعة من الشباب المسلم، وهداه الله للإسلام، وانقلب الفتى رأساً على عقب، وذهلت والدته من التغير الجذري الذي طرأ على ولدها؛ فما كان منها إلا أن ذهبت إلى كنيسة في الحي لتبشِّر القسيس هناك بصلاح ابنها ـ ظناً منها أنه سيفرح بذلك ـ فما كان منه إلا أن قال لها: انتبهي! المسلمون وضعوا خطة لأسلمة كل أمريكا! فما كان من المرأة إلا أن قالت: إذا صار كل الأمريكان مثل ابني فهذا فعلاً شيء عظيم!

اليوم وفي ظل الأزمة المالية التي تجتاح العالم ينادي الكثير من المصرفيين المسلمين وغير المسلمين بضرورة الاستفادة من الأسلوب الإسلامي في التمويل والذي يقوم على المشاركة عوضاً عن أخذ الربا والفائدة على الإقراض. وهناك من يتوقع ارتفاع الأموال التي تديرها البنوك الإسلامية ـ وهي اليوم في حدود مئتي مليار دولار ـ إلى ثلاثة أضعاف ما هي عليه اليوم، وقد أثبت النظام المصرفي الإسلامي أنه الأفضل والأكثر أماناً؛ ومن ثَمَّ فإن عدداً من البنوك العالمية الكبرى قد فتحت أقساماً فيها للتعامل المصرفي الإسلامي، وقد حققت نجاحات مقدرة.

ماذا يعني كل هذا؟
إنه يعني الأمرين الآتيين:
1 ـ إن تحسُّن أوضاع المسلمين في مجال السياسة والاقتصاد والاجتماع... هو الذي يقدِّم البرهان على عظمة دينهم، وهو الذي يحرِّض أبناء الملل والديانات الأخرى على تعلُّم الإسلام وفهمه والتفاعل مع أُطره وطروحاته.
وفي المقابل؛ فإن سوء أحوال المسلمين وتردِّي أوضاعهم يشكِّل أكبر قوة صدٍّ عن الإسلام وأكبر مساعد لأعدائه على تشويهه وإلحاق التُّهم الظالمة به؛ فالناس لا يستوعبون على نحو جيد فكرة الفصل بين المبادئ وأصحابها.

2 ـ هل نريد للناس أن يدخلوا في دين الله أفواجاً؟ إذن؛ فلنجتهد في بناء النماذج الناجحة؛ إن كل واحد منا يستطيع أن يجعل من نفسه نموذجاً يقدِّم الدليل على قدرة هذا الدين على العطاء المستمر: هذا نموذج في حسن المعاملة، وهذا نموذج في مساعدة الآخرين، وهذا نموذج في الجِدِّية والإنجاز، وهذا نموذج في المحافظة على الوقت، وهذا نموذج في اللطف والكياسة، وهذا نموذج في المبادرة للإصلاح..

إن النماذج تمتلك القوة على اختراق كل الحواجز لتؤثِّر في العقل الباطن، وتغيِّر ـ من ثَمَّ ـ المفاهيم والمشاعر. ليكن شعارنا في المرحلة المقبلة: الكثير من العمل، والقليل من الكلام.
والله ولي التوفيق.
ـــــــــــــــــــ
المصدر: د.عبد الكريم بكار "البيان: 257"

Post: #631
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:12 AM
Parent: #601

كثيرا ما نقرأ ونسمع عن قصص مؤسفة تتحدث عن العقوق الذي يسود العلاقات العائلية في بعض الأسر، وينتج عن هذا العقوق تصرفات مشينة تثير الغضب، ليس أعظمها رمي الوالدين (صاحبي الفضل على الإنسان بعد الله تعالى) في أي مركز لرعاية المسنين بل ربما تقاصر ذلك أمام صور مفزعة ومواقف مرعبة لا يتصور عقل الإنسان أحيانا وجودها بين البشر.

وإذا كان هذا موجودًا فإننا لابد وأن نؤكد أن هناك بصيصا من الأمل وقصصا أخرى تبعث على التفاؤل بأن الأمة ما زالت بخير، وأن المروءات لم تنته بعد من الدنيا، وما زال في الناس أصحاب الدين والخلق الذين يقابلون الإحسان بالإحسان في مواقف تأسر القلوب وتدهش النفوس في البر والإحسان إلى الوالدين.

وقصة الصراع الحاد بين "حيزان" الشيخ الكبير الطاعن في السن وأخيه والتي انتهت بخروج حيزان من المحكمة وهو ينتحب وقد بللت الدموع وجهه ولحيته تستحق أن نقف أمامها كثيرا.. فيا ترى ما الذي أبكاه؟ وما هي القضية التي رفعها هذا الشيخ الكبير على أخيه؟

القصة نشرتها جريدة الرياض وأنا أنقلها لكم ههنا بعد تطعيمها بتعليقات بعض القراء (التي وضعتها بين قوسين ليبقى أصل القصة كما هو) عساها تكون ذكرى لكل منا وعبرة ودرسا نتعلمه ونعود به إلى حظيرة البر إن كان حملنا يوما جناحُ العقوق أو غلب علينا يوما اندفاعُ الشباب، فأسأنا يوما إلى والدينا أو أحدهما.. تقول الجريدة:

يتذكر أهالي الأسياح (وهي قرية تبعد عن بريدة 90 كم) "حيزان الفهيدي" فيتذكرون تلك المحاكمة الجميلة بين شقيقين، والتي ربما تكون واحدة من أغرب الخصومات التي شهدتها المحاكم الشرعية في تاريخها.

المحاكمة التي بكى لها حيزان فبكى منها كل من سمع عنها، وتناولها خطباء الجوامع على المنابر جاعلين منها مضرب مثل للبر الحقيقي والتضحية الصادقة.

كانت الخصومة بين حيزان وشقيقه الوحيد (غالب). ولم يكن مصدر خلافهم على مال أو عقار، كانا يتنازعان على بقايا امرأة لا يتجاوز وزنها الحقيقي 20 كيلو جراما هي والدتهم المسنة التي لا تملك في هذه الدنيا سوى خاتم من النحاس في أصبع يدها (تزين به خنصر يدها اليمنى .. وإن كانت الشيخوخة قد رسمت صورتها على كفيها وعلى بقايا جسمها الذي هدّته السنون) .

كانت المرأة في رعاية ابنها الأكبر حيزان (وهو رجل قد انتصر البياض على السواد في لحيته واكتسح أغلب مساحاتها.. احدودب ظهره من آثار السنين، وتركت الأيام آثارها على سحنته وتضاريس جبينه) كان يعيش وحيدا (فلا زوجة ولا ولد.. ولا يشاركه السُكنى في ذلك المنزل إلا أمه.. التي لا ينشد من لحظات السعادة والفرح إلا تلك الابتسامة التي ترسمها على شفتيها حين تلتقي عيناه بعينيها.. ولا يشنف مسامعه ويطربه إلا صوتها المبحوح بوجع السنين وهي تناديه أو تلهج له بالدعاء.. لا يرى حيزان في هذه الدنيا سوى تلك المرأة التي حملته وأنجبته وأرضعته وغذته وسهرت عليه).

وعندما تقدمت بحيزان السن جاء شقيقه الآخر (غالب) الذي يسكن مدينة أخرى ليأخذها (أي أمه) حتى تعيش مع أسرته ويوفر لها الخدمة والرعاية المطلوبة. (بحجة أن أخاه قد كبر في السن، وليس لديه زوجة ولا أولاد، في حين أن غالبا معه زوجته وأولاده؛ فهو أقدر على رعايتها، خصوصا أنه يحبها كحب حيزان لها ولها عليه حق البر كما لأخيه تماما).

(أسقط في يد حيزان.. وتناوشته الأفكار، وكاد عقله يطيش؛ إذ كيف سيصبح ويمسي دون أن تكتحل مقلتاه برؤية أعظم وأجمل امرأة شاهدها في حياته؟ وكيف سيستنشق الهواء في منزلٍ لا يعبق برائحة أنفاسها؟ ومن هذا الذي سيخدمها مثلما يخدمها هو؟!)

رفض حيزان (بشدة) بحجة أنه لا زال قادرا على ذلك، وأن شيئا لا ينقصها. (وأصر غالب على أخذ والدته ليشارك هو الآخر في برها والعناية بها، وطالب شقيقه بالسماح له بأخذها معه).

اشتد بينهما الخلاف (ورغم توسط أهل الخير بينهما.. أصر كل منهما على أخذ والدته لخدمتها) مما وصل بالأمر في نهايته إلى باب مسدود استدعى تدخل المحكمة الشرعية لفض النزاع (خصوصا بعدما) قالها حيزان في حينها: "بيني وبينك حكم الله ياغالب" يقصد شقيقه.

توجها بعدها لمحكمة "الأسياح" لتتوالى الجلسات وتتحول إلى قضية رأي عام على مستوى المحافظة "أيهما يفوز بالرعاية".. وعندما لم يصلا إلى حل عن طريق تقارب وجهات النظر طلب القاضي إحضارها (الأم) للمحكمة لتحسم الأمر وتختار بنفسها من تريد.

في الجلسة المحددة جاءا بها يتناوبان حملها وكأنها طائر نزع ريشه، ووضعت أمام القاضي الذي وجه لها سؤالا لا تزال هي رغم تقدمها بالعمر تدرك كل أبعاده. "أيهما تختارين يا أم حيزان؟!!"

لم تكن الإجابة أفضل من كل محاولات تقريب وجهات النظر.. نظرت إليهما وأشارت إلى حيزان قالت: هذا (عيني هاذي) (وذاك عيني تلك) ليس عندي غير هذا يا صاحب الفضيلة.

هنا كان على القاضي أن يحكم بينهما بما تمليه مصلحتها، مما يعني أن تؤخذ من حيزان إلى منزل شقيقه.

في ذلك اليوم بكى حيزان حتى لتعتقد أنه لم يبق من دموع تغسل بقايا حزنه، وبكى لبكائه شقيقه، وخرجا يتناوبان حملها إلى السيارة التي ستقلها (يرحمها الله) إلى مسكنها الجديد. (انتهت القصة كما ذكرتها الجريدة).

إنها قصة بر في زماننا هذا وليست في زمان الصحابة ولا التابعين، لرجلين عرفا معنى الإحسان وأنه لا يجازيه إلا إحسان مثله.. وعرفا معنى قوله تعالى: "وبالوالدين إحسانا" فقاما ببعض حق أمهما عليهما فاستحقا ثناء الناس وبإذن الله جزاء رب الناس.

جزى الله حيزان وأخاه خيرا لبرهما بأمهما، فقد أعادانا مرة أخرى لعصور الخير والبر ، ورزقنا الله برا صادقا، لآبائنا وأمهاتنا أحياء وميتين.
اسلام ويب

Post: #632
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:14 AM
Parent: #601

مع العفاف يطيب الحديث، ولم لا والمعركة مع امرأة لا خلاق لها إذ سلكت هذه الدروب المشينة، ومع شيطان قال الله عنه: إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا، ومع نفس أمارة بالسوء {وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء}، ومع هوى متبع... إنها حقيقة الانتصار.

ما بين رجلين وامرأتين يبرز العفاف بوجهه المشرق، أكرم به من خلق، سجية طيبة، قدح معلى، ثمرة حلوة، رائحة زكية...تلكم معاشر الشباب هي معادلة العفاف.

قصتان رائعتان: رسالة من السلف وفعل من الخلف.. تلكم هي نتاج تربية القرآن. {والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت إيمانهم فإنهم غير ملومين}.

وقبل أن أذكر القصتين أقول إن الخير في هذه الأمة أولها وآخرها فقد ضرب لنا عطاء مثلا أشبه ما يكون بقصة يوسف بن يعقوب عليهما السلام ثم التقطه منه صاحبا قصتينا وهذه قصة عطاء:

خرج عطاء بن يسار وسليمان بن يسار حاجين من المدينة ومعهم أصحاب لهم، حتى إذا كانوا بالأبواء نزلوا منزلا لهم، فانطلق سليمان وأصحابه لبعض حاجتهم، وبقي عطاء قائما يصلي فدخلت عليه امرأة من الأعراب جميلة، فلما شعر بها عطاء ظن أن لها حاجة فخفف صلاته، فلما قضى صلاته قال لها: ألك حاجة؟

قالت: نعم.

فقال: ماهي؟

قالت: قم فأصب مني، فإني قد ودقت الفحل (أي رغبت في الرجال) ولا بعل لي.

فقال: إليك عني، لا تحرقيني ونفسك بالنار.

ونظر إلى المرأة الجميلة فجعلت تراوده عن نفسه وتأبى إلا ما تريد، فجعل عطاء يبكي ويقول : ويحك، إليك عني، إليك عني.

واشتد بكاؤه، فلما نظرت المرأة إليه وما دخله من البكاء والجزع بكت المرأة لبكائه.

فبينما هو كذلك إذ رجع سليمان بن يسار من حاجته، فلما نظر إلى عطاء يبكي، والمرأة بين يديه تبكي في ناحية البيت،بكى لبكائهما، لا يدري ما أبكاهما.

وجعل أصحابهما يأتون رجلا رجلا، كلما أتاهم رجل فرآهم يبكون جلس يبكي لبكائهم، لا يسألهم عن أمرهم حتى كثر البكاء، وعلا الصوت.

فلما رأت الأعرابية ذلك قامت فخرجت، وقام القوم فدخلوا، فلبث سليمان بعد ذلك وهو لا يسأل أخاه عن قصة المرأة إجلالا له وهيبة، ثم إنهما قدما مصر لبعض حاجتهما، فلبثا بها ما شاء الله،

فبينما عطاء ذات ليلة نائما استيقظ وهو يبكي فقال سليمان : ما يبكيك يا أخي؟

قال عطاء: رؤيا رأيتها الليلة.

قال سليمان: ما هي؟

قال عطاء: بشرط أن لا تخبر بها أحدا مادمت حيا.

قال سليمان: لك ما شرطت.

قال عطاء: رأيت يوسف النبي عليه السلام في النوم، فجئت أنظر إليه فيمن ينظر، فلما رأيت حسنه، بكيت فنظر إلي في الناس. فقال: ما يبكيك أيها الرجل ؟

قلت: بأبي أنت وأمي يا نبي الله، ذكرتك وامرأة العزيز وما ابتليت به من أمرها، وما لقيت من السجن، وفرقة الشيخ يعقوب فبكيت من ذلك، وجعلت أتعجب منه.

فقال يوسف عليه السلام : فهلا تعجب من صاحب المرأة البدوية بالأبواء؟

فعرفت الذي أراد، فبكيت واستيقظت باكيا.

فقال سليمان : أي أخي وما كان حال تلك المرأة؟

فقص عليه عطاء القصة، فما أخبر بها سليمان أحدًا حتى مات عطاء.

رسالة بالقول
وبعد عطاء أذكر أولى القصتين أولاهما رسالة بالقول.. وهي قصة لشاب عابد من الكوفة أوردها الزبيدي في كتابه "إتحاف السادة المتقين " وهاهو نصها:
قال سعيد أبو أحمد العابد رحمه الله: كان عندنا في الكوفة شاب متعبد لازم المسجد الجامع لا يفارقه، وكان حسن الوجه حسن السمت، فنظرت إليه امرأة ذات جمال وعقل فشغفت به، وطال ذلك عليها. فلما كان ذات يوم وقفت له على طريقه وهو يريد المسجد، فقالت له يافلان اسمع مني كلمة أكلمك بها ثم اعمل ما شئت. فمضي ولم يكلمها. ثم وقفت له بعد ذلك علي طريقه وهو يريد منزله فقالت له: يا فتي اسمع مني كلمات أكلمك بهن. قال: فأطرق مليا وقال لها: هذا موقف تهمة وأنا أكره أن أكون للتهمة موضعا. فقالت: والله ما وقفت موقفي هذا جهالة مني بأمرك، ولكن معاذ الله أن يتشوف العباد لمثل هذا مني، والذي حملني على أن ألقي في هذا الأمر نفسي معرفتي أن القليل من هذا عند الناس كثير، وأنتم معاشر العباد في مثل هذا القري يضركم أدني شيء، وجملة ما أكلمك به أن جوارحي مشغولة بك، فالله الله في أمري وأمرك. قال: فمضي الشاب إلى منزله فأراد أن يصلي فلم يعقل كيف يصلي، وأخذ قرطاسا وكتب كتابا وخرج من منزله، فإذا المرأة واقفة في موضعها، فالقي إليها الكتاب ورجع إلى منزله.

وكان في الكتاب: ((بسم الله الرحمن الرحيم... اعلمي أيتها المرأة أن الله تبارك وتعالى إذا عصاه مسلم ستره، فإذا عاد العبد في المعصية ستره، فإذا لبس ملابسها غضب الله عز وجل لنفسه غضبة تضيق منها السموات والأرض والجبال والشجر والدواب. فمن يطيق غضبه؟!

فإن كان ما ذكرت باطلا فإني أذكرك يوما تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن وتجثو الأمم لصولة الجبار العظيم.. وإني والله قد ضعفت عن إصلاح نفسي فكيف عن غيري. وإن كان ما ذكرت حقا فإني أدلك علي طبيب يداوي الكلوم الممرضة والأوجاع المومضة.. ذلك رب العالمين، فاقصديه على صدق المسألة، فأنا متشاغل عنك بقوله عز وجل: {وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدي الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور والله يقضي بالحق} . فأين المهرب من هذه الآية؟!.. والسلام)).

ثم جاءت بعد ذلك بأيام فوقفت على طريقه، فلما رآها من بعيد أراد الرجوع إلى منزله لئلا يراها. فقالت له: يا فتي لا ترجع فلا كان الملتقي بعد هذا إلا بين يدي الله عز وجل. وبكت بكاء كثيرا شديدًا، وقالت: أسأل الله الذي بيده مفاتيح قلبك أن يسهل ما عسر من أمرك. ثم تبعته فقالت: أمنن علي بموعظة أحملها عنك، وأوصني بوصية أعمل عليها. فقال لها الفتي: أوصيك بتقوى الله وحفظ نفسك واذكري قول الله عز وجل {وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار} قال: فأطرقت فبكت بكاءً شديدًا أشد من بكائها الأول، ثم ذهبت فلزمت بيتها، وأخذت في العبادة، فلم تزل كذلك حتى ماتت كمدًا. فكان الفتى يذكرها بعد ذلك ويبكي رحمة لها.

فانظر كيف عف هذا الفتى الكريم عن فتاة قصدته وتلهفت عليه؟ وانظر كيف خلد الله ذكره ورفع قدرهلما عف عن الحرام، وقارن بين هذه الحال وحاله لو أنه أطاع نفسه واتبع هواه ونال لذة عاجلة تنتهي لذتها وتبقى تبعتها.

ورسالة بالفعل
وأما الرسالة بالفعل فهي قصة لشاب من شباب الصحوة المباركة، شاب كان يمشي في شارع من شوارع الرياض اعترضت له فتاة من هؤلاء الفتيات الفارغات واللائي لا هم لهن إلا ارتياد الأسواق لاصطياد السذج من الشباب، رمت عليه ورقة فيها رقم هاتفها ـ وهذه يا فتيات الإسلام أول خطوات الشيطان، فماذا كان من هذا الشباب التقي؟

ما كان منه إلا أن أخذته الحمية والغيرة وغلبت مراقبة الله في قلبه على مناد الهوى وصوت الشيطان، فأخذ الورقة ومزقها ورماها في وجهها وقال: اتقي الله... ولسان حاله يقول:

قد هيؤوك لأمر لو فطنت له=فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل

فيا أيها الشاب: إذا لم تقدر أن تكون كعطاء فكن كعابد الكوفة أو كهذا الشاب الذي هو من أبناء عصرك، تحصن بالقرآن وافزع إلى الإيمان، وابتعد عن مواطن الفتن وسل الله الثبات: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (لأعراف:200)
اسلام ويب

Post: #633
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:17 AM
Parent: #601

قيدني يا أبي
قيدني يا أبي عنوان لقصة جميلة لشاب من الأنصار يستحق أن نسميه "شهيد العفاف"، ولا عجب فقد نصر الأنصار دين الله فليس كثيراً بعد ذلك أن ينتصروا على شهواتهم وعلى الشيطان.

تأملت هذه القصة كثيراً فجرت دمعتي على خدي أسىً وحسرةً على شباب أمتي قلت: وهل في زماننا مثل هذا الأنصاري؟؟!

سبحت في خيال حتى وردت عليّ قصة لشاب من شباب هذا العصر، هو هو، يحمل عفاف الأنصاري كأنهما يأكلان من جراب واحد.. ولم لا فهما ينهلان من معين واحد؟... فاقرأ معي القصتين.

قيدني يا أبي
أما قصة الأنصاري فقد عنونت لها بـ"قيدني يا أبي" وهذه خلاصتها:

أحبت امرأة من المدينة شابا من الأنصار، فأرسلت تشكو إليه حبها، وتسأله الزيارة وتدعوه إلى الفاحشة، وكانت ذات زوج ـ كما تفعل بعض النساء للأسف الشديد. فأرسل إليها:

إن الحرام سبيل لست أسلكه
ولا أمر به ما عشت في الناس
فابغ العفاف فإني لست متبعا
ما تشتهين فكوني منه في يأس
إني سأحفظ فيكم من يصونكمُ
فلا تكوني أخا جهل ووسواس
فلما قرأت الكتاب كتبت إليه:
دع عنك هذا الذي أصبحت تذكره
وصر إلى حاجتي يا أيها القاسي
دع التنسك إني لست ناسكة
وليس يدخل ما أبديت في رأسي
فأفشى ذلك إلى صديق له... لا ليواعدها ولا ليفجر بها ولا ليغدر بها ولكن يستشيره لعله يجد عنده مخرجا...
فقال له: لو بعثت إليها بعض أهلك فوعظتها وزجرتها رجوت أن تكف عنك.

فقال: والله لا فعلت ولا صرت للدنيا حديثا، وللعار في الدنيا خير من النار في الآخرة،:

العار في مدة الدنيا وقلتها
يفني ويبقى الذي في العار يؤذيني
والنار لا تنقضي ما دام بي رمق
ولست ذا ميتة منها فتفنيني
لكن سأصبر صبر الحر محتسبا
لعل ربي من الفردوس يدنيني
أمسك عنها فأرسلت إليه، والمحاولات ما زالت تتكرر: إما أن تزورني وإما أن أزورك؟
فأرسل إليها: أربعي أيتها المرأة على نفسك، ودعي عنك هذا الأمر.

فلما يئست منه لصلاحه وتقواه، ذهبت إلى امرأة كانت تعمل السحر، فجعلت لها الرغائب في تهييجه، فعملت لها فيه سحرا.

فبينما هو جالس ذات ليلة مع أبيه، خطر ذكرها في قلبه. يالله... لقد هاج له منها أمر لم يكن يعرفه، اختلط فقام من بين يدي أبيه مسرعا، وانظر إلى صنيعه وفعله بعد ذلك، قام إلى الصلاة واستعاذ وجعل يبكي، والأمر يزيد...

فقال له أبوه: يا بني ما قصتك؟! قال: يا أبتي أدركني بقيد فلا أرى إلا أني قد غلبت على عقلي، فجعل أبوه يبكي ويقول: يا بني حدثني بقصتك، فحدثه بالقصة فقام إليه وقيده وأدخله بيتا، فجعل يخور كما يخور الثور، ثم هدأ ساعة فإذا هو ميت، وإذا الدم يسيل من منخريه رحمه الله تعالى.

لقد رأيت صفوان:
وفي زماننا أيضا يبرز العفاف بوجهه المشرق، أكرم به من خلق، سجية طيبة، قدح معلى، ثمرة حلوة، رائحة زكية.

هي قصة لشاب من شباب هذه الأمة المباركة (خليفة ذاك الأنصاري) يقول صاحب القصة: خرجت إلى البر ذات يوم مع أهلي وأمي وأخواتي، قضينا فيه يوما كاملا، وفي آخر النهار اجتهدنا في حمل متاعنا وقد أخذ منا التعب مآخذه، أركبت الأهل وقفلنا راجعين إلى البيت، وعند دخولنا إلى المنزل كانت المفاجأة .. أختي ذات السادسة عشرة من عمرها فقدناها، رجعنا إلى ذلك المكان على عجل وقد بلغ منا الخوف والهلع مبلغه.. وفي ذلك المكان وجدنا شابا طلق المحيا سألناه والهلع يكاد يقتلنا: أما رأيت في هذا المكان من فتاة؟ فأطرق برأسه وقال: بلى!! وأشار إليها وقد حفظها لنا حتى رجعنا، والعجيب أنه وضعها خلفه حتى رجعنا إليه حتى لا ينظر إليها.

بكى الأهل من شدة الفرح.. أما أنا فتسمرت في مكاني وجعلت أتأمل محياه يعلوه الطهر والعفاف، فدار في مخيلتي وقد عدت أربعة عشر قرنا فوجدته أقرب الناس شبها في الطهر والعفاف بصفوان بن المعطل، فصرخت في أعماقي: لقد رأيت صفوان حقا، وحمدت الله أنه ما زال في أمتي أمثال ذلك العفيف.

شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
تعهدهم فأنبتهم نباتا
كريما طاب في الدنيا غصونا
هم وردوا الحياض مباركات
فسالت عندهم ماء معينا
إذا شهدوا الوغى كانوا كماة
يدكّون المعاقل والحصونا
و إن جن المساء فلا تراهم
من الإشفاق إلا ساجدينا
شباب لم تحطمه الليالي
و لم يُسلم إلى الخصم العرينا
و لم تشهدهم الأقداح يوما
وقد ملئوا نواديهم مجونا
و ما عرفوا الأغاني مائعات
و لكن العلا صيغت لحونا




ـــــــــــــــ
من شريط لخالد الصقعبي بتصرف

Post: #634
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:20 AM
Parent: #601

هل يعقل أن نلوم طفلا مصابا بلين العظام لأنه لا يستطيع استخدام ساقيه؟! وهل يحق لنا أن نحاسب أعمى لأنه ضل الطريق؟!

هذه الأسئلة طرحتها بعد حضوري جلسة اجتمع فيها بعض الشيوخ.. قال أحدهم: رأيت شابا صبغ شعره الطويل المسترسل بلون أزرق كلون المحيط، ووضع قرطا في أذنيه، وأطلق أجزاء من جانبي لحيته، فأصبحت لا أعلم انتماءاته، وهل هو إلى عالم الرجال أم النساء أقرب؟!

وفور سرد هذه الحادثة فكت قيود الألسنة، وفتحت نوافذ القلوب لتتدفق شلالات الشكوى، وبدلا من القصة الواحدة سمعت عشرات القصص أعرفها كلها عن ظهر قلب عن الشباب والموضة.. موضة في الملابس، في الأكل، في الكلام، في الرياضات وفي وسائل الترفيه والغناء والموسيقى، والتهمة دائما جاهزة: هذا الشباب خليط شيطاني، ضعيف الشخصية، ضعيف العزيمة، ضعيف البصر والبصيرة.. لماذا لم نكن كذلك؟!

واجهتهم بأسئلتي فسكتوا، فقلت لهم: أنا شابة، ومع ذلك فإنني معكم في كل ما ذكرتم إلا في شيء واحد، فحالة الضياع (والجري وراء كل موضة وصرعة) التي يمر بها الشباب اليوم ليست نبتا شيطانيا، بل هي محصلة طبيعية لتراث من الإهمال والعشوائية التي تمت معاملتنا بها، وإذا كان الأمر كذلك فنحن في حقيقة الأمر ضحايا ولسنا جناة.

إن ما ينبغي أن نسلم به اليوم هو أن ما نصفه بأنه تهافت شبابي على كل صرعة أو موضة -شرقية أو غربية- وصدم المجتمع بكل ما هو جديد وغريب على عاداته وتقاليده ليس في جوهره إلا سعيا من قبل هؤلاء الشباب لتكوين ثقافة فرعية خاصة بهم، وهي تلك الثقافة التي يصفها علم الاجتماع بأنها تقيم حاجزا فاصلا بين المراهقين والشباب من جهة، وبين عالم الكبار ولغتهم من جهة أخرى، وقد يحدث الانفصال بين الشباب والمجتمع بأسره، وثقافة الشباب الفرعية هي بهذا المعنى ثقافة مضادة تعبر عن تحد سافر للقيم والمعايير التي يعتبرها المجتمع أساس نظامه القائم، وهي أيضا ليست إلا شكلا من أشكال التمرد والرفض الذي يمارسه الشباب بدافع من عقلهم الجمعي ضد أوضاع تبعث من وجهة نظرهم على الإحباط.

الشباب إذن يمارس نوعا من الرفض للواقع الذي شكل الكبار معالمه، على مستوى السياسة والاقتصاد والأوضاع الاجتماعية سواء منها ما يتعلق ببناء الأسرة الداخلي، أو العلاقات الطبقية داخل المجتمع الصغير، أو آليات الحراك الاجتماعي داخل المجتمع الواسع الذي يعيش فيه (الدولة أو الوطن).. هو رفض لصور الفساد المالي والاقتصادي والأخلاقي التي صارت شعارا للعصر، ورفض لصور الخنوع والذل والاستسلام التي صارت شعارا للممارسة السياسية، ورفض للاستئساد الذي يمارسه الرجال على النساء والأغنياء على الفقراء والأقوياء على الضعفاء وأصحاب السلطة على الدهماء في المجتمع، ورفض للقسوة التي صارت شعارا عاما للعلاقات بين عربي وعربي ومسلم ومسلم.

وحسبما يقول أحد علماء الاجتماع الغربيين (بايونج شل بارك) فإن مثل هذه الثقافة الفرعية تكون أقرب للظهور في مجتمعات تتسم بالتغير السريع، وهو التغيير الذي لا يسمح بتوفر أرضية مشتركة بين الشباب ومن هم أكبر منهم سنا، ولا تسمح بوجود مساحات للتواصل.

والثقافة الفرعية التي تبدو لنا في شكل موضات أو تقليعات شبابية ليست في جوهرها إلا محاولات متخبطة لبناء واقع جديد ما زال مجهول المعالم، والمشكلة أن البناء يتم دون خطة ودون خبرة، ما يجعله تعقيدا للمشكلة الأصلية التي يتمرد الشباب عليها وليس حلا لها.

ولو أردنا أن نراجع الفترات التي ظهرت فيها الموضات الشبابية الكبرى مثل موضات الهيبز والإباحيين التي انتشرت في أنحاء أوربا، ووجدت أصداء لها في العالم العربي، في أواسط الستينيات من القرن الماضي، لوجدنا أنها كانت في حقيقتها رفضا للأجواء السياسية العامة التي كانت تعم العالم في عصر الحرب الباردة، وحالات الظلم والشراسة والوحشية التي أظهرها الإنسان بعدما بدأ يقطف ثمرات المدنية ، فأراد الشباب بهذه الحركة التمرد على هذه المدنية بالسعي نحو الغرق في عالم البدائية -والحيوانية- أحيانا.

وعلى المستوى الاجتماعي والإنساني، فقد تواكبت هذه الحركات في فترة الستينيات مع بداية التفسخ القوي في الأسرة الغربية ككيان اجتماعي يوفر للمنتمين إليه نوعا من الإشباع لاحتياجاته من الأمان والتواصل.

ولو أمعنا النظر فيما يحدث حاليا، لوجدنا أن الشباب اليوم يواجه مشهدا مفصليا، ويعاني من إحباطات سيطرة القطب الواحد على العالم، ويخشى عواقب ما يسمى بالعولمة التي بدأ يتجرع مرارتها على مستواه المحلي، في البطالة التي زادت معدلاتها مع السقوط المتوالي للكيانات الصناعية الصغيرة لصالح الكيانات الكبرى.

وفي مواجهة ذلك بدأت تبرز بين الشباب حركات التمرد المنغلقة على ذاتها مثل النازيين الجدد، وعبدة الشيطان، وجماعات الغياب عن المجتمع مثل من يطلق عليهم جماعة اكستيزي xtc الذين يعرفون باسم مخدر كيميائي شهير يتعاطونه في مهرجان ضخم بألمانيا.

وفي عالمنا العربي تنتقل هذه الموضات لأن لها مبرراتها، فالشباب يعاني من نفس الإحباطات على المستوى العالمي والإقليمي والوطني، ومؤسسة الأسرة بدأ يتسرب إليها ذات التفكك الذي أصاب الأسرة الغربية بتأثير بعض دعاة تطوير المرأة على النموذج الغربي، فلماذا إذن لا نعذره إذا انعزل وسعى لتكوين ثقافة فرعية بعد أن يئس من الثقافة التي يسعى الكبار إلى توريثها؟!

لست مع ذلك أرى أن الشباب معذورون إذا ضلوا وهم يرسمون معالم هذه الثقافة الوليدة، ولكن الحل الوحيد هو بتقديم التطعيم منذ الصغر، وأعني بذلك أن يعرف الشباب مقدما أن هناك منظومات للقيم الإنسانية هجرها الإنسان منذ زمن بعيد، ولو أنه عاد فطبقها فإن النجاح سيكون حليفه وحليف البشرية، ألا وهي الإسلام..
زينب بكر

Post: #635
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:21 AM
Parent: #601

الأسرة المثالية هي التي تساير نمو الفرد فتعامله في طفولته على أنه طفل فلا تحاول أن تقتحم طفولته فتعامله على أنه بلغ مرحلة الرجولة والكمال، بل ينبغي أن تهيئ له الفرصة لكي ينمو ويستمتع بكل مرحلة يمر بها في حياته.

والأسرة المستقرة الثابتة المطمئنة تعكس هذه الثقة، وذلك بالاطمئنان على حياة المراهق، فتشبع بذلك حاجته إلى الطمأنينة. وتهيئ له مناخا صحيا لنموه، ولهذا كان للوالدين أثرهما الفعال على سلوك أبنائهما.

والمناخ المضطرب داخل الأسرة يسئ إلى نمو المراهق، وينحو به نحو التمرد والثورة. وكذلك تزمت الوالد الشديد لآرائه يجعله بعيدا عن صداقة أبنائه، ويقيم بينه وبينهم الحدود والحواجز التي تحول بينه وبين فهمه لمظاهر نموهم الأساسية.

والشدة في التربية ودوام التوبيخ والعقاب تخرج لنا شابا معوقا نفسيا واجتماعيا، وقد دلت على ذلك حالات كثير من الشباب الذين أدركوا بعد بلوغهم سن الرشد ومبالغ الرجال أنهم ليسوا كبقية الشباب، فهم مهزوزون متأرجحون لا يحسنون اتخاذ القرارات ولا يجدون في أنفسهم ثقة لمواجهة المشكلات، بل وربما فكر بعضهم في الانتحار لشدة ما يجد في نفسه من اضطراب وعدم توافق مع الحياة.

فاقد الثقة
يقول أحد الشباب: أنا شاب في الخامسة والعشرين من عمري... حصلت على الشهادة الجامعية ثم التحقت بعمل في أحدى الوزارات. أشعر أنني غير موفق في عملي لأنني لست واثقا من نفسي ومن قدراتي.

ذهبت إلى طيب نفسي لكي يخلصني من هذا الشعور النقص، ومن خلال الأسئلة التي طرحها عليّ ذلك الطبيب جعلني أتذكّر أيام الطفولة القاسية التي عشتها في كنف والدي (سامحه الله).

تذكرّت أن والدي كان يبالغ في نقدي وتخويفي وضربي وعقابي وأحيانا كثيرة كان يتعمّد إهمالي وحبسي وسجني في إحدى حجرات المنزل، وإلى تهديدي بالطرد، لدرجة أنني لم أشعر في يوم ما بعطفه وحنانه.

ولا أخفي عليكم أن ذلك الأسلوب من التربية الخاطئة جعلني فاقد الثقة في نفسي وفي الآخرين، حاقدا على كل إنسان متميز في مجاله، أصبحت متمرسا على الوقيعة بين الناس.

والآن أشعر بخيبة الأمل في الأسلوب الذي تربيت عليه... وأحيانا أتساءل: لماذا لم يدرك أبي الأسلوب التربوي السليم الذي يصنع مني إنسانا سوياً؟ وفي أوقات كثيرة أشعر برغبة شديدة في الصراخ بأعلى صوتي لأقول للآباء والأمهات: ارحموا أبناءكم، وكونوا القدوة الحسنة لهم لكي يكونوا بعيدا عن المشاكل والأزمات النفسية.

أبي يقسو على.. وأمي تبكي من أجلي
كرهت والدي وأحببت أمي، لأن أبي كان يعاملني بقسوة شديدة وكانت أمي تبكي من أجلي... ويتكرر هذا المشهد كل يوم من إهانة بالألفاظ النابية والضرب المبرح. ولم تستطع والدتي أن تمنعه من الاستمرار في ممارسة تلك الإهانات المتكررة.

أصبحت غير متزن في انفعالاتي بحيث كنت أضحك لأية كلمة تبعث على السرور، كما كنت أحزن لأية كملة أخرى تسبب لي الاكتئاب.

اعتقدت أن جميع الآباء على شاكلة والدي، ولكنني وجدت زملائي في حالة نفسية سوية ويقبلون على الحياة ولهم تطلعات وطموحات لم أفكر فيها في يوم من الأيام.

وكانت السلوى في حياتي هي أمي المسكينة التي كانت تعوّضني عن كل تلك الإهانات بالكلمة الطيبة الرقيقة واللمسات الحانية.

كنت سريع الانفعال وبسبب ذلك تشاجرت مع أحد الزملاء، وفي لحظة انفعال سريعة تناولت حجرا وضربته على رأسه مما تسبب له في ارتجاج المخ وقرر الطبيب في المستشفى أن مدة العلاج سوف تستمر أكثر من شهر. وتم القبض عليّ، وحكمت المحكمة بسجني ثلاثة أشهر مع الشغل.

خرجت من السجن ضائعا في الحياة... وجدت والدي يقابلني بوابل من السباب؛ فخشيت أن يستمر ذلك المسلسل من الإهانات؛ فقررت الهرب من المنزل بعيدا عن جحيم والدي.

خرجت من المنزل هائما على وجهي لا أدري وجهتي أو إلي أين أذهب...تذكرت رفقاء السوء الذين وقعوا في مستنقع الفساد والجريمة؛ ولكني استعذت بالله من شياطين الإنس هؤلاء.. ولأنني لم أرغب في العودة مرة أخرى إلى السجن.

فكرت في الذهاب إلى خالي لكي يكون ملاذي، ولكنه لم يكن قادرا على تحمل نفقاتي ومصروفاتي فتراجعت عن الذهاب إليه... ففضلت العودة إلى المنزل لكي أكون بجوار أمي المسكينة وأتحمل العذاب اليومي. ولا أدري متى ينتهي هذا العذاب! ولا أتذكر في يوم من الأيام أنني عارضت أبي في رأي أو أنني أغضبته بقول أو فعل حتى هذه اللحظة.

إننا نقول للآباء:
إن الأبناء يحتاجون من الناحية النفسية في فترة المراهقة إلى الطمأنينة والشعور بالأمن الداخلي، والشعور بالانتماء الأسري والحياة الأسرية الآمنة المستقرة، والشعور بالحماية ضد العوائق و الأخطار والحرمان العاطفي الأسري، والشعور بالاستقلال والاعتماد على النفس مما يقلل انحرافات المراهقين وتهيئ لهم توافق سليما في حياتهم الاجتماعية، والقسوة في التربية آثارها مضرة وعواقبها وخيمة وأول من يكتوي بنارها هم الأبناء وكذلك الآباء أنفسهم .. فعليكم بالرفق أيها الآباء والمربون فما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيئ إلا شانه.
اسلام ويب

Post: #636
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:24 AM
Parent: #601

كتبت من قبل أن أول الحرب كلام، وأن الله تبارك وتعالى يحاسبنا على حصائد ألسنتنا - حتى التي لا نلقي لها بالاً، ولا نعيرها اهتماماً - وكتبت ألفت النظر إلى الشعارات المتحركة على السيارات، وأنها تعكس دلالات فكرية وعقيدية وأخلاقية عالية أو سافلة.. وكتبت عن أسماء المحلات والعطور والسيارات، وما تعنيه من إثارة وإساءة، وكتبت عن الشبان الذين يتحرك أحدهم حاملاً على صدره وظهره (وكابِهِ) كلمة ثور أو خنزير، أو جاموس، أو كلب، بخط عريض بارز، يظن ذلك تحضرًا، وحسن هندام.

هذه قائمة من الكلمات المرقومة على الثياب، التي يلبسها الشابات والشبان، وتحمل ألفاظًا بذيئة، أو معاني قميئة، أو إشارات دنيئة، مما رأيت، ومما قرأت، مما ينتشر في الأسواق والشوارع على الثياب وغيرها، ومما يرتبط بشكل مباشر بالإباحة الجنسية والوقاحة الذوقية التي تجرح نفس الكريم، وتحير عقل الحليم.

ولك أن تتخيل - أو أن تتوقع - فتاة متعلمة تجري على شاطئ من شواطئنا وقد حملت على ظهرها أو صدرها كلمة (أنا عاهرة) - أجلّك الله - أو جملة: أعطني قبلة، أو (أنا شهوانية أو مثيرة).

ولك أن تتخيل رجلاً محترمًا (ملء ثيابه) كتب على صدره: خنـزير أو ملحد أو صهيوني !!

هل تستبعد هذا ؟
رأيت بعيني والله.. وخذ عندك من هذه الألفاظ ذات البعد الرخيص، وتجدها مكتوبة على الملابس الملونة الرخيصة والغالية وغالبا بالإنجليزية ما معناه: عارية، عاهرة، فاجرة، لا تلمسني، take me خذني، follow me اتبعني، play boy إباحي!!

ومن الجمل والعبارات التي لها علاقة بالأديان: zion صهيوني، bible الكتاب المقدس، gospel الإنجيل، Theocracy كهنوت، Trinity الثالوث، Madona العذراء وهو اسم المغنية الإباحية الشهيرة، Brahman كاهن هندوسي، Christianity النصرانية، I am Jweish أنا يهودية، Church كنيسة، Saint قديس، Clergy man كاهن Atheist ملحد، Synagogue كنيس يهودي!!

ومن الكلمات التي لها علاقة بالخمر spirit أي مشروب كحولي، Brandy مشروب مسكر، Brew إعداد البيرة .

ومن عالم الحيوان: Sow خنـزيرة، Big، Bull ثور، Dog كلب.

ومن المذاهب المشبوهة: ماسوني 666 Mason / أو FFF من رموز عبدة الشيطان.

ومن أغرب ما يكتب على التي شيرتات : نحن نشتري الناس WE BUY PEOPLE، اشترني BUY ME، طفل للبيع BOY FOR SALE!!!

والرسوم أيضا
ليس هذا فقط - عزيزي القارئ - فالرسوم الغرامية المطبوعة على الثياب في غاية من جمال اللون، ودقة الأداء، ولفت النظر، لترى شابًا يحتضن فتاة، أو امرأة شبه عارية في وضع يفتن الصخر ويذيب الحديد، أو ثورًا من ثيران المصارعة شبه عار، أو رمزًا من رموز الوثنية كالصليب، أو الين يانغ، أو رأس المعزة رمز عبدة الشيطان، أو الجمجمة النارية على أرضية سوداء وحمراء، وهي من رموزهم أيضًا.

وكثيرًا ما يتسلل الصليب في تصميمات الملابس والبادجات التي تطرز عليها. فتراه بارزًا في لونه ووضعه، لتتأكد أنه لم يوضع في هذا الموضع مصادفة، بل إنهم - حتى في تصميمات الملابس - يحرصون على إدخال زي القساوسة الأوربيين ضمن ملابس الأطفال، وهذا لا يزال شائعًا إلى يومنا هذا يلحظه المتفحص، فمن المعلوم أن لبس كهان أوروبا هو - عادة - بدلة عادية تكون تحتها فانيلة سوداء بنصف رقبة، فيها من الأمام تحت الذقن قطعة بيضاء بعرض إصبعين. وقد لاحظت أنها منتشرة كثيرًا في ملابس الأطفال، مع بعض المصطلحات النصرانية المكتوبة تحتها.

ودعك من أسماء العطور التي منها: OPIUM وتعني أفيون، و POISON سم، و WILD متوحش أو بدائي و ECSTACY نشوة، و PROPHCY نبوءة .. و .. و ..

وما خفي كان أعظم
هذا - يا سادتي - الجانب المعلن، وما خفي فهو أعظم وأخطر، وأشد مكرًا، ومن نشر الشهوات، ودوس الأخلاق، ونبذ مكارم العادات، وخنـزرة البشر، وتدييثهم، تحت مسمى الانفتاح والتحضر. فعلى ماذا يدل هذا ؟!

- هل يدل صراحة على السعي لتطبيع الأمة مع الرذيلة ورموزها، لتعتاد العيون، وتتأقلم النفوس، وتنحسر الحمية، ويموت في القلب الإنكار ؟!

- هل يدل على أننا بلغنا مستوى من الانهزام النفسي والحضاري أمام الآخرين، جعلنا نقبل منهم أي لقمة ترمى لنا - كالمتسولين - حتى لو كانت مسمومة ملوثة بفيروسات الإيدز والدياثة؟!

- هل يدل على أن كبار الدعاة صاروا لا يساوون في سوق التأثير (مليم أحمر) وأن "المثقفين" قد تم تطويعهم، وتليين إرادتهم لدرجة يخرج منهم دعاة سافرون لهذه (البلايا الزرقاء)؟!

- هل يعني هذا أن هذا القرن الجديد سيدخل علينا ومطارق الشهوات تدق عقول الأمة، وتسحق إرادتها، لنتحول جميعًا إلى أمة ترقص "ديسكو"، وتدمن البحلقة في أجساد حسناوات "الفيديو كليب"، ثم لتغرق الشوارع بعد ذلك بالشبان والشابات الذين لا يتخلقون بخلق، ولا يتحلون بفضيلة، ولا يعرفون ما الحلال ولا الحرام، وما العفاف والانحراف ؟!!

- هل يعني نجاح أعداء العفة وأعداء الأديان - خصوصًا الإسلام - في فرض مناهجهم على القلوب والعقول، في البيت والشارع، والمدرسة والسوبر ماركت، والتلفزيون والنادي؟!

إن ما كان خياليًا في الأمة قد صار مألوفًا عاديًا، وما لم يكن يطوف بالخاطر قبل خمسين سنة لا ترد الآن بالخاطر مجرد مخالفته، وما نعده عفة الآن ربما يكون بعد خمسين سنة خيالاً لكونه رجعية وظلامية وتعفنًا. أيعقل هذا ؟!

ثم ماذا بعد؟!
هل سنتقدم ونكون من أهل القرن الحادي والعشرين، إذا ألقينا بالعفاف والإسلام وعزة الشرفاء تحت الأقدام؟!

لا والله .. بل سنبقى - كما نحن، أو حتى دون ما نحن عليه الآن، أمة من المتخلفين المتناحرين المستسلمين، فلا أخلاقنا حفظنا، ولا مروءاتنا أبقينا، ولا ديننا لزمنا ولا على آخرتنا عضضنا بالنواجذ.

واسألوا بانكوك وجزر الكاريبي والبرازيل وإندونيسيا وجمهوريات الاتحاد الساقط في روسيا.. وسنكون قد خسرنا الدنيا والآخرة.. ألا ذلك هو الخسران المبين !
الشيخ عبدالسلام البسيوني

Post: #637
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:25 AM
Parent: #601

مخـترع "الهوت ميل" شـاب مسـلم
ذكرت صحيفة الراية القطرية أن مخترع البريد الإلكتروني "الهوت ميل" ليس أمريكيا كما يتصور البعض، وإنما هندي مسلم، والبريد (hotmail) هوت ميل هو أكثر ما يستخدم من أنواع البريد حول العالم وهو تابع لشركة ميكروسوفت الأمريكية وهو ضمن بيئة "ويندوز التشغيلية".. وخلف هذا البريد الساخن قصة نجاح شخصية تستحق أن نذكرها وخصوصا كما يبدو من اسم صاحبها أنه مسلم.. فصاحب هذا الاختراع هو: صابر باتيا.
في عام 1988 قدم صابر إلى أمريكا للدراسة في جامعة ستنافورد وقد تخرج بامتياز مما أهله للعمل لدي إحدي شركات الإنترنت مبرمجا، وهناك تعرف علي شاب تخرج من نفس الجامعة يدعي: جاك سميث. وقد تناقشا كثيرا في كيفية تأسيس شركتهما للحاق بركب الإنترنت، وكانت مناقشاتهما تلك تتم ضمن الدائرة المغلقة الخاصة بالشركة التي يعملان بها، وحين اكتشفهما رئيسهما المباشر حذرهما من استعمال خدمة الشركة في المناقشات الخاصة..
عند ذلك فكر (صابر) بابتكار برنامج يوفر لكل إنسان بريده الخاص؛ وهكذا عمل سرا على اختراع البريد الساخن وأخرجه للجماهير عام 1996.
وبسرعة انتشر البرنامج بين مستخدمي الإنترنت لأنه وفر لهم أربع ميزات لا يمكن منافستها.. والمميزات هي كما يلي:
أن هذا البريد مجاني، وفردي، وسري، ومن الممكن استعماله من أي مكان في العالم.
ظهور بيل جيتس
وحين تجاوز عدد المشتركين في أول عام العشرة ملايين بدأ يثير غيرة (بيل جيتس) رئيس شركة ميكروسوفت وأغني رجل في العالم، وهكذا قررت ميكروسوفت شراء البريد الساخن وضمه إلى بيئة الويندوز التشغيلية..
وفي خريف 97 عرضت على صابر مبلغ (50 مليون دولار) غير أن صابر كان يعرف أهمية البرنامج والخدمة التي يقدمها فطلب 500 مليون دولار وبعد مفاوضات مرهقة استمرت حتى 98 وافق صابر على بيع البرنامج بـ (400 مليون دولار) على شرط أن يتم تعيينه كخبير في شركة ميكروسوفت.
واليوم وصل مستخدمو البريد الساخن إلى 90 مليون شخص، وينتسب إليه يوميا ما يقارب 3000 مستخدم حول العالم.
ابتكارات وأعمال خيرية
أما صابر فلم يتوقف عن عمله كمبرمج، بل ما زال يعمل ويبتكر، ومن آخر ابتكاراته برنامج يدعي (آرزو) يوفر بيئة آمنة للمتسوقين عبر الإنترنت وقد أصبح من الثراء والشهرة بحيث استضافه رئيس أمريكا السابق بيل كلينتون والرئيس شيراك ورئيس الوزراء الهندي بيهاري فاجباني.
وما يزيد من الإعجاب بشخصية صابر أنه ما إن استلم ثروته حتى بني العديد من المعاهد والمستشفيات، وقام بإعمار وبناء مساجد في بلاده، وساعد كثيرا من الطلاب المحرومين على إكمال تعليمهم (حتى إنه يقال إن ثروته انخفضت بسرعة إلى 100 مليون دولار).
إنها قصة نجاح شاب اعتمد على ذكائه وعقله ولم تخدعه مظاهر العظمة الأمريكية الجوفاء ولم يشعر بالدونية وهو يعيش وسط شباب أمريكا وعقول الغرب؛ فكل هذا لا يمنع من الابتكار والمنافسة طالما وجدت الهمة والعزيمة والمثابرة.. فليت شبابنا يتعلمون من صابر باتيا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصريون نقلا عن الراية القطرية

Post: #638
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:28 AM
Parent: #601

كف عن الشكوى وابدأ العمل
قارب الناس الوصول وأنت ما زلت واقفا تشكو.. منذ كم وأنت على هذا الحال؟!
عهدي بك تتبرم منذ زمن.. وما أرى لك جهدا في محاولة التغير والانتقال إلى حال أفضل.
أليس هذا حال كثير من شبابنا؟!
البعض منهم يشكو فعلا ما هو فيه ولكنه يكتفي بمجرد الشكوى ولا يحاول التقدم للأفضل.. فهو على هذا من سنين، ويمكن أن يبقى كذلك أيضا سنين أخر.
والبعض يشكو ما يظن أنه فيه وليس فيه حتى يقع فيه.. وهذه لا تقل خطورة عن سابقتها:
هذا يشكو من النساء والبنات.. إنهن في كل مكان.. ماذا أصنع؟!
في الشوارع، في المواصلات، في الجامعات، في العمل.. النساء البنات.. هكذا يردد حتى يصدق نفسه فيتساهل في النظرات أو السلامات أو الكلام ويقع فعلا في فتنة النساء.
وهذا يشكو من الوسوسة، وليس به شيء لكنه يخيل إليه حتى يوسوس.. بلاء.
وآخر يشكو الفقر وقلة المال وكيف نأتي به؟ ومن أين ؟ وما هي الوسيلة؟ وماذا سنفعل به؟ ثم يستيقظ ويده فارغة، ولكن قلبه قد امتلأ بحب المال. وصار المال فتنة كما قال صلى الله عليه وسلم: "لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال".
ورابع ما زال واقفا مكانه منذ بدأ الالتزام يتساءل أين الطريق؟ وكيف السبيل؟ كيف أطلب العلم. كيف أربي نفسي؟ وتمر سنوات بعد سنوات وهو ما زال في نفس المكان.
وخامسة هاجسها في الحجاب يا ترى تلبسه الآن أن تنتظر حتى يأتيها بن الحلال، ويا ترى هل سيكون حجاب السنة أم حجاب "الشوبنج سنتر" وبنات الزوات.
ويا ترى هل هي بالحجاب أجمل أو بدونه؟ حيرة تمتد لزمان.
وأخرى مشكلتها في فتى الأحلام كلما رأت شخصا على ما في مخيلتها عاشت الأحلام، وربما نصبت الشباك.. فيوما مع هذا وآخر مع ذاك. وفي النهاية.. الله أعلم بالنهاية.
كثيرة تلك الشواغل، ومتعددة تلك الأماني، ومتشعبة تلك الأهواء. لكن المشكلة أن الكل واقف في مكانه ولا أحد يبدأ العمل، ويسلك الطريق.
لا تقف مكتوف اليد، ولا تبقَ مشتت الفكر، وإياك أن تديم الشكوى: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، هذه قاعدة وأصل لا يتخلف فابدأ بعلاج نفسك، ومجاهدة هواك، وسلوك سبيل الحق؛ وستجد المعونة على قدر المؤونة، وكلما جاهدت واجتهدت سترى التوفيق والتيسير، ويزول عنك الهم وتنمحي عنك الوساوس وتنجلي عنك الأحزان.
"إن الذين يشكون الواقع وفقط لن يغيروه مطلقا، ولن يتغيروا هم أيضا بل سيظلون هكذا في وحل الفتنة ومستنقع العطالة والبطالة، يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدءوا العلاج.
إن صلاح القلب لا يكون بضربة حظ أو بمعجزة تأتي من السماء على عبد جالس ينتظر الفرج بلا عمل، وبلا حركة وبلا بذل سبب.. هذا لا يكون. لابد من العمل كما قال صلى الله عليه وسلم: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له". والله تعالى لا يأتي العبد حتى يكون العبد هو يأتيه أولا ويمشي إليه ويسلك الدرب للوصول إليه فعند ذلك يأتي المدد والتوفيق كما في الحديث القدسي الذي في مسند أحمد يقول تعالى: "يابن آدم قم غلي أمشِ إليك، وامش إلي أهرول إليك"
وفي الحديث الآخر المتفق عليه: "من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة".
إن الوصول إلى الله يحتاج منا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام المشاكل والهموم، واضعين أيدينا على خدودنا نشتكي إلى كل رائح وغاد، بل لابد من التحرك للعلاج.
فعاهد نفسك من الآن ألا تشتكي مطلقا.. كف عن الشكوى وابدأ بالعلاج ليعينك الله على الوصول إليه. اللهم بلغنا مما يرضيك آمالنا.. آمين.
ـــــــــــــــــــــــ
من كتاب: "أصول الوصول": بتصرف

Post: #639
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:30 AM
Parent: #601

لا تمكر.. فيمكر بك
بعض الناس يعيش في هذه الحياة يتعامل مع الناس بالمكر، يمكر مع زوجته، يمكر مع أصحابه، يمكر مع مديره وزميله في العمل، يمكر مع جيرانه ومن حوله، وربما رأى مكره يخيل على الخلق فيتعامل كذلك مع الخالق ظنا منه أن مكره يخيل على بره كما خال على الناس، وهذا ولوج في باب هلاك، وسلوك في وادي عطَب، وعدم علم بالله وجهل بعظيم مكره واستدراجه لأهل المكر والخديعة.

يقول الله تعالى: (وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ)(فاطر: من الآية43)، ويقول: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)(لأنفال: من الآية30)، ويقول: (أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) (لأعراف:99)، ويقول أيضا: (وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ)(النمل:50)

ويقول المصطفى الكريم عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم: " المكر والخديعة والخيانة في النار"(رواه الحاكم وصححه الألباني).



يقول الشيخ محمد حسين يعقوب في كتابه "أصول الوصول إلى الله تعالى" بعد أن ذكر هذه الآيات وأمثالها: "إن التأمل في هذه الآيات ومعاودة قراءتها بتأن وتدبر يغرس في القلب الخوف من المكر، فها هي عاقبة المكر تراها واضحة أمامك في الآيات وكأن الآيات تقول لك : إياك أن تمكر .. إياك."اهـ"



وما أكثر صور المكر في حياة الناس:

شاب يواعد فتاة يستدرجها بمعسول الكلام، ويتودد إليها بأساليب الهيام، ويحلف لها أغلظ الأيمان أنه لا يريد إلا الزواج، كل ذلك ليصل منها إلى مبتغاه فإذا حصل منها مراده نبذها نبذ الحذا ورماها رمي الكلاب. أما يخاف هذا أن يمكر به.



شخص يتحايل على أكل الربا، وأخذ الرشا، وأكل أموال الناس بالباطل، وهو يعلم أنه حرام ثم ترى المسبحة لا تفارق يده أو درج مكتبه، وربما يتصدق بنذر من هذا الحرام يظن أنه يرضي به ربه... بمن تمكر؟



وستجد من يشكو قسوة قلبه.. ثم يذهب ليشاهد المواقع الخليعة ويشتري الاسطوانات البائسة، ويؤجر الأفلام من محلات الفيديو.. ثم يزعم أنه يريد أن يلين قلبه من قسوته، سبحان الله!! من تخادع؟



كم من مريد للتوبة أو مدع لإرادتها وهو يحتفظ بكل ذكريات المعصية.. صور الفتاة التي كان يغازلها أو يخادعها وخطاباتها.. فربما احتاج يوما إليها.

اسطوانات المقاطع وأشرطة الأفلام مازالت موجودة عنده.. فلعله حن يوما إليها .

شرائط الأغاني والموسيقى مازالت عنده.. فمن يدري ربما بحث يوما فلا يجد مثلها.

بالله عليك ألا تعلم أن الله عالم بسرك ونجواك، ويراقب خلجات قلبك وأسرار نفسك؟



وأعظم من ذلك أن تُوغِل في المعاصي ثم تتزلف ببعض الطاعات تظن أن هذا مقابل ذاك، وهذه بتلك، وأن الحسنات يذهبن السيئات؛ فتحتال ببعض العلم على التجرؤ على المعصية وأنت تعلم أنك مخادع .

يقول ابن الجوزي رحمه الله في مثل أولئك: "ومن أقبح الذنوب التي قد أعد لها الجزاء العظيم، الإصرار على الذنب، ثم يصانع صاحبه باستغفار، وصلاة، وتعبد، وعنده أن المصانعة تنفع. وأعظم الخلق اغتراراً، من أتى ما يكرهه الله، وطلب منه ما يحبه هو، كما روي في الحديث: "والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني".

ثم بيّن ـ رحمه الله ـ أن ذلك نوع مكر فقال: "تصر على المعاصي وتصانع ببعض الطاعات، والله إن هذا لمكر".(اهـ من صيد الخاطر).



احذر ثارات المعاصي

لكن بمن تمكر، ومن تخادع؟ أما تخاف عقوبة المعاصي، وثارات الذنوب، وعواقب القبائح؟ أم غرك إمهال الله لك؟.. فاحذر فقد يكون ذلك مكرا، فكم من مغرور بإمهال العصاة لم يمهل.

يقول ابن الجوزي رحمه الله: "الواجب على العاقل أن يحذر مغبة المعاصي، فإن نارها تحت الرماد، وربما تأخرت العقوبة ثم فجأت، وربما جاءت مستعجلة"، فـ"قد تبغت العقوبات، وقد يؤخرها الحلم.. والعاقل من إذا فعل خطيئة بادرها بالتوبة، فكم مغرور بإمهال العصاة لم يمهل؟".



إن بعض الناس يغتر بطول ستر الله له، وبتأخر العقوبة على الذنب، أو بتتابع نعم الله عليه، ودوام العافية بسلامة المال والبدن، فيظن أنه مغفول عنه أو أنه مسامح، وما يدري أن العقوبة بالمرصاد وأنها ـ وإن تأخرت ـ لابد آتية.. ومن تأمل أفعال الباري سبحانه، رآها على قانون العدل، وشاهد الجزاء مرصداً، ولو بعد حين.. فلا ينبغي أن يغتر مسامح، فالجزاء قد يتأخر.



عقوبات معجلة

ولا يخلو العاصي من عقوبة معجلة قبل المؤجلة ـ إن فاتت التوبة ـ ولكن المذنب لا يحس لضعف البصيرة وقلة الفكر أو موات القلب، وهذه أيضا من العقوبات.. ومن جميل ما جاء في صيد الخاطر قول مؤلفه: "فكل ظالم معاقب في العاجل على ظلمه قبل الآجل، وكذلك كل مذنب ذنباً، وهو معنى قوله تعالى: (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ)، وربما رأى العاصي سلامة بدنه وماله فظن أن لا عقوبة، وغفلته عما عوقب به عقوبة. وقد قال الحكماء: المعصية بعد المعصية عقاب المعصية، والحسنة بعد الحسنة ثواب الحسنة.

وربما كان العقاب العاجل معنوياً كما قال بعض أحبار بني إسرائيل: يا رب كم أعصيك ولا تعاقبني ؟ فقيل له: كم أعاقبك وأنت لا تدري، أليس قد حرمتك حلاوة مناجاتي؟.

فمن تأمل هذا الجنس من المعاقبة وجده بالمرصاد، حتى قال وهب بن الورد وقد سئل: أيجد لذة الطاعة من يعصي؟ فقال: ولا من هم.

فرب شخص أطلق بصره فحرم اعتبار بصيرته، أو لسانه فحرمه الله صفاء قلبه، أو آثر شبهة في مطعمه فأظلم سره، وحرم قيام الليل وحلاوة المناجاة، إلى غير ذلك.

وهذا أمر يعرفه أهل محاسبة النفس، وأرباب البصائر ومن رزقهم الله الفهم.. قال الفضيل: إني لأعصي الله عز وجل فأعرف ذلك في خلق دابتي وجاريتي. وعن عثمان النيسابوري: أنه انقطع شسع نعله في مضيه إلى الجمعة فتعوق لإصلاحه ساعة، ثم قال: ما انقطع إلا لأني ما اغتسلت غسل الجمعة. وقال بعض السلف: تسامحت بلقمة فتناولتها فأنا اليوم من أربعين سنة إلى خلف!!. وهذه نتف تدل على ما وراءها.



فالله الله، والبواطنَ البواطن، والنياتِ النيات، فإن عليكم من الله عيناً ناظرة، وإياكم والاغترار بحلمه وكرمه، فكم قد استدرج، فكونوا على مراقبة، وانظروا في العواقب، واعرفوا عظمة الناهي. واحذروا من نفخة تحتقر، وشررة تستصغر فربما أحرقت بلداً. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
اسلام ويب

Post: #640
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:32 AM
Parent: #601

يعتقد البعض أن الحب الأول هو ظاهرة من ظواهر مرحلة المراهقة التي غالبـًا ما تتسم قراراتها بالانفعالية والحكم على الأشياء بظاهرها، وهو أيضـًا ما أجمع عليه الكثيرون ممن خاضوا تجربته من أنه لم يكن أكثر من وهم يحمل معه – في الغالب – كل عوامل الفشل منذ بدايته، ورغم ذلك تتكرر التجربة ملايين المرات مع ملايين الشباب رغم علم أغلبهم أن الحب الأول في حياة الملايين السابقين لم يكن سوى تجربة فاشلة خلفت وراءها جرحـًا ما اختزنته الذاكرة في ملف التجارب الأكثر إيلامـًا في حياة الإنسان..

ورغم العلم بأن مثل هذه العلاقات في معظمها ـ إن لم تكن كلها ـ محرمة شرعا إلا أننا يجب أن ننظر إليها على أنها أمر واقع وبلاء يحتاج إلى علاج، ولا بد عند العلاج من سماع وجهات نظر أصحاب المشكلة ثم نستمع إلى أهل العلم وأصحاب الرأي لنعلم كيفية العلاج.



نظرة الشباب

ترى كيف ينظر الشباب إلى الحب الأول؟

يقول "كامل" (24) سنة، جامعي: تقابلنا وتعارفنا وتسللت المشاعر الدافئة إلى قلوبنا فحركت عواطفنا وملأت كل فراغ، وأصبح الزواج حلمنا الذي نسعى لتحقيقه، ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي السفن، فسبقني لخطبتها شاب تم قبوله بكل ترحاب لثرائه وخلقه، ومنذ ذلك اليوم أصبحت وكأنني طيف عابر مر في حياتها، ولم يترك حتى ذكرى، فقد استبدلت حبيبـًا آخر بي دون أسف أو ندم، لذلك أصبحت أفقد الثقة في أي فتاة؛ بل أصبحت أفقد الثقة فيما يسمى بـ "الحب الأول".


ويقول "ماجد الراشد" (23) سنة: بالرغم من أن علاقتنا لم يقدر لها الاستمرار؛ لأن الفتاة التي أحببتها قد ارتضت غيري زوجـًا لها بحجة أنني وهي في سن واحدة والآخر يكبرها، إلا أن هذه الفتاة مازالت تعيش بداخلي، ولا أستطيع التفكير في غيرها؛ بل أحجب عيني عن رؤية من حولي من الفتيات، لذلك أتمنى اليوم الذي أشفى فيه منها، حتى أستطيع أن أمارس حياتي مثل أي شاب، وأنصح الشباب بأن يتجنب إقامة أية علاقات مع الفتيات ماداموا غير مؤهلين للزواج.


أما "عبد الحميد" (22) سنة، فيحكي قصة مختلفًا ونوعـًا مختلفـًا من الحب الذي ظل صامتـًا طوال ثلاث سنوات دون أن يعترف لها بهذا الحب، وكانت النظرات هي اللغة الوحيدة للتعبير عن المشاعر، ويقول: بالرغم من أن هذا الحال قد طال أجله، إلا أنني كنت دائمـًا على يقين بأن هذه العلاقة سيقدر لها الموت قبل الميلاد، والنهاية قبل البداية؛ لأنني مازلت طالبـًا وأمامي الطريق طويل حتى أبلغ ما أتمناه في حياتي العلمية والعملية، ولا شك أنها لا تستطيع انتظاري، ومن ثم فكرت في إنهاء هذه العلاقة، ويبدو أن هذا الخاطر قد راودها كما راودني، ومن ثم انتهينا في صمت كما بدأنا في صمت.


ويقول "سامي" (21) سنة: أحببتها عن بعد وحاولت كثيرًا التقرب إليها، ولكنني دائمـًا كنت أجد منها الصد والتمنع، وكان هذا الأمر يزيدني تعلقـًا وشغفـًا بها، ولكن بمرور الأيام أحسست بحبها لي ونشأت بيننا علاقة تمنيتها كثيرًا، ولكني في حقيقة الأمر أحسست بأن رصيد حبي لها لم يعد كما كان، وأصبحت زاهدًا في هذه العلاقة بعد أن كنت أتمناها، ولست أدري ما أسباب ذلك، علمـًا بأنني لا أحترم أي شاب ينظر للحب على أنه مجرد تسلية، ولكن يبدو أن ما عايشناه لم يكن حبـًا كما ظننا.


عقبات:


ويقول "عاصم" (22) سنة: جمعني القدر لأول مرة بفتاة تتمنى أن تكون زوجة لي، كما أصبحت أنا أيضـًا حلمـًا لها، ولكن وقف الأهل حجر عثرة في طريق تحقيق هذا الحلم، حيث لم يرتضوها زوجة لي، وزعموا أن هناك من هي أكثر منها جمالاً وخلقـًا، ولم يدركوا أن هذه الفتاة قد امتلكت ما لم تمتلكه غيرها وهي مشاعري وسعادتي، وأصبحت منذ ذلك الوقت واقعـًا أمام اختيارين كليهما مر، وهما إما أن أترك حبيبتي لأرضي أهلي، وإما أن أغضبهم وأتزوج منها، لذلك أعترف بأن هناك عيبـًا في الحب الأول إن لم يكن في المحبين، فهو فيمن يفسدون عليهم هذا الحب.



أما " راضي" فيتحدث عن الحب الأول من خلال تجارب الآخرين حيث يقول: نعم لم أخض تجربة عاطفية خاصة حتى الآن، ولكنني قد عشت تجارب الآخرين، والتي كان يقدر لها دائمـًا أن يموت فيها الحب قبل أن يكلل بالزواج، وذلك لأحد سببين، إما لعدم صدق المشاعر، حيث يكتشف أحد الطرفين (فجأة) أن ما حدث لم يكن حبـًا، وإنه فقط مجرد إعجاب، وإما أن يكون هذا الحب حقيقيـًا، ولكن تعترضه عواقب جمة، لذلك أتمنى أن أخوض هذه التجربة وأنا على ثقة من مشاعري وعلى ثقة بأنني قادر على إكمال مسيرتي مع من أحب.



وهم كبيــر

ولكن كيف يرى الكبار هذه التجربة؟ وكيف ينظرون إليها بعد أن مروا بها مع أنفسهم أو من خلال متابعتهم لغيرهم؟

يرى "حسني" (38) سنة أن ما يسمى بالحب الأول يمضي ولا يترك سوى الذكرى، ويقول: كنت أظن أن الحب دائمـًا لا يكون إلا للحبيب الأول، ولكن من خلال تجربتي في الحياة أدركت خطأ هذا الظن، فبعدما انتهت قصتي مع الفتاة الأولى في حياتي بالفشل، أصبحت أحلامي كلها باهتة، ولم يعد لي هدف أو طموح أسعى إليه، ولكن سرعان ما عدت لصوابي وأدركت أن الحياة لابد أن تستمر حتى لو رحل الحبيب، وبالفعل جمعني القدر بإنسان أخرى، خالط حبي لها الاحترام والتقدير وتزوجنا، وقد شفى الزواج جراح الحب الأول، ولم يعد له في حياتي سوى الذكرى.



أما "أسامة" (32) سنة، فيحسم الأمر من الوهلة الأولى ويرى أن الحب الأول وهم كبير، ويقول: عندما كنت طالبـًا في الجامعة تحركت مشاعري تجاه زميلة لي، وتوهمت أنها الحب الأول والأخير في حياتي، فكم تمنيت الحديث معها أو مجرد الجلوس بجوارها، وعندما وجدتها تتبادل أطراف الحديث مع أحد زملائي اشتد لهيب الغيرة بداخلي وانتابتني حالة من الضيق لا شفاء منها، ولكن سرعان ما انطفأت نيران هذه العاطفة عندما نضجت المشاعر، وتمكن العقل من مشاركة القلب في الاختيار.



آراء الخبراء والمختصين

انتقلنا إلى عدد من المختصين والخبراء نتعرف من خلال تجربتهم الشخصية وتخصصهم على رؤيتهم لـما يسمى "الحب الأول"..

يقول "د.أحمد المجدوب" المستشار الاجتماعي بمركز البحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: إن الظروف الاجتماعية والثقافية السائدة من انتشار الأفلام الرومانسية والأغاني العاطفية وشغف الشباب بها، قد جعل ما يسمى بالحب رغبة ملحة لديهم، لذلك نجد كثيرًا منهم يندفع في إشباع هذه الرغبة "بطرق غير مشروعة ولا مدروسة" بمعنى أن يسعى الشاب إلى خوض تجربة عاطفية دون أن يتأكد من صدق مشاعره، ودون أن يفكر إلى ما ستنتهي إليه هذه العاطفة، ومن ثم يكون مصيرها الفشل دائمـًا.


ولأن الحب الأول دائمـًا يبدأ في مرحلة المراهقة، والمشاعر حينها لا تزال في طور النمو، فإنه غالبـًا ما يكلل بالفشل؛ لأن المراهق يخوض التجربة بناء على خبرات ساذجة اكتسبها بطريقة سطحية، وبالرغم من فشل تجربة الحب الأول، إلا أنها تظل أكثر تعلقـًا بالذهن مهما تعددت التجارب فيما بعد، وذلك لأنها أول تجربة يمر بها الإنسان منتقلاً بها من الطفولة إلى الشباب.



ويضيف "د.المجدوب" أن هذه التجربة ربما تترك ذكرى ممتعة لعدم شعور الفرد بالمسؤولية الكاملة تجاهها، وربما تترك ذكرى مؤلمة تشكل عقبة في الحياة العاطفية فيما بعد.


ومن هنا يأتي دور الآباء، فلابد من خلق صداقة بينهم وبين الأبناء، وذلك من خلال أن يستعيد الآباء المراحل العمرية التي يمر بها الأبناء حتى تقترب المسافات فيما بينهم، ويتمكنوا من توجيه أبنائهم إلى السلوك الرشيد، لأنهم أدركوا من خلال تجاربهم الماضية أن الحب عاطفة لابد أن تكون دائمـا مرتبطة بالعقل، ولا يوجد ما يسمى بالحب من أجل الحب؛ لأن لكل شيء في الحياة هدفـًا؛ وأسمى أهداف الحب هو الزواج، كما يجب أن يدرك الشباب ممن تعرض لمثل هذا أنها تجربة، فإن فشلت فلابد من الاستفادة منها وليس فقط الرثاء عليها، فالإنسان بإرادته القوية يستطيع أن يصوغ حياته ويعيش ولو بعد فشل هذه التجربة.



الخيال العاطفي

وترى د. "أمينة كاظم" أستاذة علم النفس بجامعة عين شمس أن تجربة الحب الأول غالبـًا ما تكون معرضة للفشل؛ لأنها تبدأ في سن مبكرة وهي سن المراهقة، وهذه المرحلة تتسم بالرومانسية المفرطة والرغبة في إثبات الذات، وبالتالي نجد الشخص يندفع في مشاعره ويحاول إسقاط أحلامه على شخص يعتقد فيه الكمال، وغالبـًا ما يكون المظهر هو المقياس الأول في اختيار الحبيب، لذلك نجد كثيرًا من الشباب يعيشون قصص حب وهمية، وهي في الحقيقة لا تتعدى أن تكون حالة من الانبهار والإعجاب، كما أن هناك أمرًا مهمـًا في فشل الحب الأول وهو أنه غالبـًا ما يوجد عدم تكافؤ بين الشخصين من الناحية الاجتماعية والثقافية؛ لأن الخيال العاطفي يلعب دورًا كبيرًا في أول تجربة، حيث يخيل لكليهما أن الحب أقوى من أي فروق، ولكن سرعان ما تفصح الأيام عن حقيقة هذه المشاعر الوهمية؛ لأنه بمرور الوقت والانتقال إلى مرحلة الرشد تهدأ حدة الانفعالات، ويصبح الشاب في حالة من الاتزان الوجداني تمكنه من التفكير بعقلانية أكثر في أمور حياته سواء العاطفية أو غيرها، لذلك لابد أن يتروى الشباب في الحكم على مشاعرهم ويدركوا أن الحب مسؤولية كبيرة من أهم سماتها الصدق في المشاعر والأمانة مع الطرف الآخر.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المصدر: مجلة "الفتيان".

Post: #641
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:34 AM
Parent: #601

وصلتني هذه الرسالة عبر الإيميل الخاص بي، وعندما قرأتها أعجبني محتواها وأسعدني ما فيها من عبرة وتوجيه، وشدني أسلوب التوجيه فيها، فأحببت أن أنقل الرسالة إلى قارئي العزيز؛ عسى أن يقتدي بها وينفعه ما فيها من خير فأدخل في قول المصطفى الكريم: " الدال على الخير كفاعله"(صححه الشيخ الألباني والشيخ أحمد شاكر، رحمهما الله)، وقوله عليه الصلاة والسلام: " من دعا إلى هدى ، كان له من الأجر مثل أجور من تبعه ، لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا" (رواه مسلم)..

تقول الرسالة:

طفلي الصغير منذ مساء أمس وصحته ليست على ما يرام.. وعندما عدت مساء هذا اليوم من عملي قررت الذهاب به إلى المستشفى.. رغم التعب والإرهاق إلا أن التعب لأجله راحه.

حملته وذهبت.. كان المنتظرون كثيرين.. ربما نتأخر أكثر من ساعة.. أخذت رقماً للدخول على الطبيب وتوجهت للجلوس في غرفة الانتظار.

وجوه كثيرة مختلفة.. فيهم الصغير وفيهم الكبير.. الصمت يخيم على الجميع.

يوجد عدد من الكتيبات الصغيرة استأثر بها بعض الأخوة. أجلت طرفي في الحاضرين.. البعض مغمض العينين لا تعرف فيم يفكر..

وآخر يتابع نظرات الجميع.. والكثير تحس على وجوههم القلق والملل من الانتظار. يقطع السكون الطويل.. صوت المُنادي.. ينادي على صاح الرقم كذا.. الفرحة على وجه المُنادى عليه.. يسير بخطوات سريعة.. ثم يعود الصمت للجميع.

لفت نظري شاب في مقتبل العمر.. لا يعنيه أي شيء حوله.. لقد كان معه مصحف جيب صغير.. يقرأ فيه.. لا يرفع طرفه.. نظرت إليه ولم أفكر في حالة كثيراً..

لكنني عندما طال انتظاري عن ساعة كاملة تحول مجرد نظري إليه إلى تفكير عميق في أسلوب حياته ومحافظته على الوقت.

ساعة كاملة من عمري ماذا استفدت منها وأنا فارغ بلا عمل ولا شغل. بل انتظار ممل؟!

أذن المؤذن لصلاة المغرب.. ذهبنا للصلاة..

في مصلى المستشفى.. حاولت أن أكون بجوار صاحب المصحف.. وبعد أن أتممنا الصلاة سرت معه وأخبرته مباشرة بإعجابي به من محافظته على وقته.

وكان حديثه يتركز على كثرة الأوقات التي لا نستفيد منها إطلاقاً وهي أيام وليالٍ تنقضي من أعمارنا دون أن نحس أونندم.

قال إنه أخذ مصحف الجيب هذا منذ سنة واحدة فقط عندما حثه صديق له بالمحافظة على الوقت.

وأخبرني أنه يقرأ في الأوقات التي لا يستفاد منها كثيراً أضعاف ما يقرأ في المسجد أو في المنزل..

بل إن قراءته في المصحف زيادة على الأجر والمثوبة إن شاء الله تقطع عليه الملل والتوتر.. وأضاف محدثي قائلاً: إنه الآن في مكان الانتظار منذ ما يزيد على الساعة والنصف. وسألني: متى ستجد ساعة ونصف لتقرأ فيها القرآن ؟

تأملت.. كم من الأوقات تذهب سدى؟! وكم لحظة في حياتك تمر ولا تحسب لها حسابا؟! بل كم من شهر يمر عليك ولا تقرأ فيه القرآن؟!

أجلت ناظري.. وجدت أني محاسب والزمن ليس بيدي.. فماذا أنتظر؟

قطع تفكيري صوت المنُادي..

ذهبت إلى الطبيب بعد أن خرجت من المستشفى.. أسرعتُ إلى المكتبة.. اشتريتُ مصحفاً صغيراً.. قررتُ أن أحافظ على وقتي.

فكرت وأنا أضع المصحف في جيبي. كم من شخص سيفعل ذلك.. وكم من الأجر العظيم يكون للدال على ذلك..

أتمنى لك ضعف ما تتمناه لي .. لطفا و ليس أمرا (وما زال الكلام من الرسالة، وهو مني لك أيضا).. إن أعجبك محتوى الرسالة أعد إرسالها لمن تعرف؛ ليعم الخير و الفائدة.. و جزاك الله خيرا.

اللهم صل على محمد وآل محمد.

اللهم إن كان لك صفوة تدخلهم الجنة من غير حساب ولا عـقاب فاجعل قارئ رسالتي منهم..

· اللهم وفق مرسل هذه الرسالة، وأعنه على ذكرك وشكرك وطاعتك وحسن عبادتك، اللهم وفقه لما تحب وترضى، اللهم أحسن خاتمته، واجعل قبره روضة من رياض الجنة وكل من قرأها.

"انتهت الرسالة"
اسلام ويب

Post: #642
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:36 AM
Parent: #601

عليُّ الغرب.. وقصة إسلام عجيبة
وعلي الذي نقصده هو شاب من الشباب الغربي الضائع الذي يعيش حياة لا قيمة لها بل هي أشبه بحياة البهائم أو أسوأ، وهو كغيره من الشباب الذي لم يجد من يأخذ بيده إلى الطريق الحق، ويدعوه إلى دين العدل والخير والصدق.. عاش هكذا هائما لكنه كان على موعد مع لطف الله تعالى فهيأ له الأسباب التي غيرت حياته واستنقذه بها من عذاب الأبد، فهداه إلى الإسلام بعد رحلة من البحث ليست بالقصيرة.. فلما أسلم لم يرض أن يكون ككثير من المسلمين بلا فاعلية ولا أثر، ولم يرض أن يكون الرجل الصفر الذي لا قيمة له، بل قادته همته ليكون رقما ويكون ذا أثر، فأنشأ موقعا خاصا له بشبكة الإنترنت يحكي قصة إسلامه ويدعو التائهين إلى دينه الجديد دين الحق، ويثير هم النائمين من أبناء المسلمين ليعملوا لنشر دينهم ونصرة الحق الذي بين أيديهم، ويعرفوا قيمة الكنز الذي يملكونه والذي يتمنى كل تائه عنه أن ينال منه حظه فيكون من سعداء الدنيا والآخرة.

لا أريد أن أطيل عليك قارئي العزيز، ولكن أحب أن أتركك لتقرأ قصة إسلامه ففيها دروس كثيرة لكل متقاعس عن العمل للدين، ولكل مفرط يعطي صورة سلبية عن المسلمين.

والآن مع القصة:
يقول في بداية كلامه: السؤال رقم واحد هو: كيف تحولت إلى الإسلام؟
ويجيب بنفسه: حسنا هذه حكاية طويلة وسأعطيك النسخة المختصرة منها:
قبل الإسلام اعتدت على مصاحبة أشخاص سيئي العادات، وأعني تماما أشخاص سيئون، وعندما أفكر جيدا في الأمر أجد أنني لم أملك خيارا أفضل من هؤلاء الأصدقاء .. لقد كانت حقا تشكيلة عجيبة من الأشخاص!!! منهم الفتى المخادع، والفتى المجنون، والفتى الثرثار، ومنهم الفتى الغريب الأطوار، ومنهم اللص.. و.. و...

صديقي مسلم ياللعجب
وذات يوم دعاني أحد أفضل أصدقائي، والذي كان أسوأهم خلقا، إلى اللعب معه في دورة كرة سلة لمسلمين.
سألته: حسنا..هذا جيد من عسانا نعرف ويكون مسلما؟!! ( أي أنه كان لا يعرف أن صديقه هذا مسلما).
أخبرني أنه مسلم... قلت ماذا (بمنتهى العجب) أنت مسلم؟!!! وضحكت بملء فمي..

" سيد" (وهو اسم صديقه) مخترق القانون؟!!
سيد الذي للتو تم اعتقاله!!!
سيد!! الذي كان يعلمني كيف أغش في المدرسة!!
عجيب!! أنت مسلم؟! ماذا.. هل أنت جاد؟!!!
حسنا..أنا آسف...لكن أنت لست مسلما.. أنت تحاول خداعي.. من تخدع يا رجل؟!!!

في الحقيقة لم أستطع تصديقه...لذلك عندما ذهبت إلى بيته كان أعضاء فريق اللعب مجتمعين هناك، وكانوا يرتدون قبعات عليها لفظ الجلالة "الله" وكلمة الإسلام ...
ماذا...؟!!! يا إلهي ... كيف يكون هذا؟!! أشاهد هؤلاء الفتيان طول الوقت في المدرسة!! ليس لدي أدنى فكرة أنهم مسلمون.
مع كل الأمور التي رأيتهم يفعلونها لم أتصور أبدا أن لهم أي صلة بأي دين.

بعدها ذهبنا إلى دورة السلة، وعندما حانت الصلاة انصرف الفريق بعيدا... قالوا: دعونا نبرد بالخارج!
ـ نبرد؟! ألا تصلون يا شباب خمس مرات يوميا؟؟!!
- لا يا رجل هذا عادي!! يمكننا الذهاب للخارج.

بالنظر إلى سلوكهم اعتقدت أن الإسلام شيء من الثقافة أو ما شابه ذلك.. وبعد رؤيتي الطريقة التي يمارس بها هؤلاء الإسلام لم أجد أي رغبة في معرفة الإسلام... هل يمكن أن أصبح مسلما بعد هذا الذي رأيته منهم!!!!... بالطبع لا .

مع مرور الوقت أوقعني أصدقائي في المزيد والمزيد من المشاكل، أحيانا لا تبحث عن المشاكل ولكن المشاكل تبحث عنك... أحدهم أعتقل، والأخر تحت المراقبة.. و.. و... وتعرضت لإطلاق النار مرتين.

أي دين ألتزم.. للآن لا شيء.. لا شيء إطلاقا...
كنت أعبد الأصنام لقد كنت وثنيا.. ألبس قلادة من الخرافات حول عنقي!! معتقدا أن تلك القلادة تنفعني، ولكنها لم تنفع، لقد كنت تائها في عالم الجاهلية، عالم الجهل والإهمال، لم يعرض أحد عليّ الإسلام؛ ولذلك لم يكن لدي أي فكرة عن ماهيته.

أخيرا تحققت أن هذه الأوثان والقلادات لم تنفعني، لهذا قررت أن أبحث عن الحقيقة.. قلت لنفسي: "إذا وجدتها فسوف أغير حياتي"؛ لذا بدأت بالبحث في الأديان المختلفة وأساليب الحياة المتنوعة، واحدا تلو الآخر. وجدت أخطاء في الديانات المختلفة.

وحال وجدت خطأ في دين ما، كنت ألقيه جانبا.. ما أعنيه: إذا كان الدين من خالق كل شيء، من الله العظيم ذي القدرة المطلقة، لا يمكن القبول بالخطأ فيه، أو قبول بأن الرسالة تغيرت بفعل إنسان!! أو أن الإله قد قتل أو مات!! لم أقبل بهذا...

ولم أكن لأرضى بدين أكون فيه كرجل أعمى ينساق خلف رجل دين يظن أنه أقرب إلى الله منا جميعا، لا أعتقد هذا... بدأت أشعر باليأس يبدو أن جميع الأديان قد أهملت.

يوم الفرج:
وذات يوم أعطاني أحدهم فرصة ذهاب إلى أجد المخيمات الإسلامية. اعتقدت أن هذه فرصة جيدة للتعرف على دين الإسلام، وللأسف كان التوقيت غير مناسب، كان أبي في المستشفى وقد أخبرنا الأطباء بأن أيام حياته معدودة، أخبرتني أمي بضرورة بقائي معه لربما تكون هذه هي المرة الأخيرة التي أراه فيها، في البداية قررت البقاء، ولكن بعد ذلك غيرت رأيي لا أعرف لماذا، فلم يتبق إلا دين واحد لم أعرفه، ويجب أن أعرف ما هو، إنه الإسلام. ورغم أن رغبتي كانت ضد رغبة أسرتي إلا أنني قررت الذهاب.

أخذت صديقتي ذات الشعر الأرجواني وذهبنا إلى المخيم الإسلامي... صديقة ذات شعر أرجواني؟؟!! نعم.. ألم اقل لك أنني كنت تائها تماما.
على كل حال وصلنا إلى المخيم، كنت أسبب كثيرا من المشاكل، ولكثرة مشاكلي أرادوا طردي.. وللحقيقة فقد كنت سيئا جدا.

ولكن وبعد أن مللت من كثرة المشاكل هدأت ثم جلست، بدأت أسمع إلى المحاضرات وقد بدت مثيرة جدا، وقد بدأ المتحدث يتكلم عن أشياء لم أسمع بها من قبل... بدأت أقيم.. وأحلل.. وأسال.. ولأول مرة في حياتي بدأت أفكر.. نعم أفكر.. لقد كان هذا مذهلا حقا. كان كل شيء واضحا ومفهوما.
لقد قلت لنفسي من قبل: "أينما وجدت الحقيقة فسوف أتبعها"، وهاأنا قد وجدتها.. ولذلك قررت أن أدخل الإسلام، وخلال ساعات أصبحت مسلما!!

أخبرت صديقتي أن الأمر قد انتهى.. أصيبت بصدمة.
وعندما عدت للبيت أخبرت والدي أني أصبحت مسلما، وكذلك من في البيت.. وأصيبوا بصدمة.
وعندما أخبرت أصدقائي بأنني أصبحت مسلما اعتقدوا أنني ربما جننت، وصرخ بعضهم في وجهي: مجنون.. مجنون.. لقد جننت.

أعتقد أن السبب في كون المخيم مختلف أنه عزلني عن كل ملهيات الحياة؛ ففي الحياة العادية نكون مشغولين بأشياء كثيرة ومتنوعة، ولكن عندما تترك مشاغل الحياة جانبا وتتاح الفرصة الحقيقة للتفكير ويعرض عليك الإسلام كل ذلك يجعل للأمر معنى متكاملا.
هل تساءلت يوما : لماذا يتحول الكثير من السجناء إلى الإسلام؟!
لأن كل الملهيات والمشاغل انتهت... وليس لديهم شيء إلا التفكير والتفكّر.
وعندما عدت من المخيم كان الجميع يعتقدون أنني جننت.. لماذا؟! ولماذا لم يعتقدوا أنني مجنون عندما كنت أقدس الأحجار؟! عجيب أمرهم.

من أي الفريقين أنت؟
الحمد لله أنني مسلم من ذلك الوقت... الحمد لله.
لكن الآن انظر إلى الفرق بين هذين الصنفين من المسلمين الذين قابلتهم.
الصنف الأول: هم الذين عرفتهم في الدراسة، ولم يكونوا سوى تشكيلة من الأشخاص لا يمكن أن تميز لهم دين أو هوية.
الصنف الثاني: الذين قابلتهم في المخيم، والذين كانوا مسلمين حقا.
وانظر أي هذين الصنفين أثروا فيّ؟! وأيهم كان له تأثير إيجابي والأخر سلبي. ولاحظ.. كيف أنه لما قدم لي الإسلام بشكل صحيح أصبحت مسلما من اليوم التالي مباشرة.

لذلك إذا اعتبرت نفسك مسلما، وقدت التائهين من حولك، فكم سيكون أثرك. وأما إذا تناولت الجعة مع صديقك ثم أخذت في الحديث عن عظمة الإسلام فسوف يعتبرونك منافقا.

إن هناك كثيرا من الناس مثلي.. يريدون الحقيقة، وهم صادقون في ذلك، ولكنهم يحتاجون فقط لمن يقدمها لهم.

لقد هداك الله للإسلام ، إنها أعظم منحة يمكن أن تحصل عليها في حياتك، فهل تترك كل هذا كي تقلد الضالين من الناس؟!!! كيف يكون هذا؟!

لقد أشرت إلى نوعين من المسلمين، والأمر لك كي تقرر أي النوعين تكون. نعم سيكون أحد الخيارين أصعب من الآخر لكن عاقبته لا شك حسنة.

تعلمون أنه لا إكراه في دين الإسلام، لذلك فإن طريقة حياتنا نفسها هي التي تعبر عن الإسلام وتقدمه للناس.

سبحان الله...هؤلاء المسلمون الذين كانوا حولي وقرروا أن يكونوا نماذج سيئة للإسلام، ولم يعطوني الإسلام يوما.. ماذا سيقولون لله سبحانه يوم القيامة؟

وهكذا إذا أهملت في دينك فلن يكون أثر هذا عليك وحدك، بل أيضا على كل من يتعامل معك.. فهل تفهم ما أقول؟

آمل ذلك إن شاء الله.
إسلام ويب

Post: #643
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:38 AM
Parent: #601

إلى الله.. لا إلى رفقـاء السـوء


كل عالم بالله وعارف بطبيعة البشر يعلم أن كل إنسان مهما بلغ حرصه فإنه لا بد أن تصيبه غفلة أو تغلبه شهوة أو يتسلط عليه شيطانه فيوقعه في ذنب أو معصية، وربما طال أمد الغفلة أو طالت مقارفة الذنب واستعذب المرء الملذات.. ومع ذلك فمن أعظم فضائل الرحيم المنان والرءوف الرحمن، أنه فتح باب التوبة لمن سعى إليها وتشوف لها وطرق بابها، فما لم يغرغر العبد ولم تطلع الشمس من مغربها فالباب مفتوح غير موصود ولا مردود، بل يقبل الله التوبة إذا نصحت وأتى صاحبها بأسباب القبول "وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيئات ويعلم ما تفعلون".
فمهما كان الذنب ومهما بلغت الخطيئة ومهما كبرت المعصية فعفو الله أكبر منها، ورحمته أوسع كما قال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (الزمر:53)

والله عز وجل بلغ من تمام لطفه وعظيم رحمته بعباده وعطفه وكرمه أنه يفرح بتوبة العبد إذا تاب إليه ورجع وأناب أكثر مما يفرح من أيقن الهلاك ثم كتبت له النجاة كما جاء في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لله أفرح بتوبة أحدكم من رجل بأرض فلاة دوية مهلكة معه راحلته عليها زاده وطعامه وشرابه وما يصلحه فأضلها، فخرج في طلبها حتى إذا أدركه الموت، قال: أرجع إلى مكاني الذي أضللتها فيه فأموت فيه، فرجع إلى مكانه، فغلبته عينه فاستيقظ فإذا راحلته عند رأسه، عليها طعامه وشرابه وما يصلحه ". اللفظ للترمذي.

رفقاء السوء والتثبيط عن التوبة
وإذا كنا نتحدث عن التوبة ولزومها فإن من أعظم المثبطات عن التوبة وسبل الصد عنها رفقة السوء وصحبة الشر فإنهم عوائق في طريق التوبة: إما لأن صاحبهم يرغب عن التوبة خشية أن يفقد هذه الرفقة، خصوصا إذا لم يكن له صحبة سواهم.

وإما لأن شياطينهم تؤزُّهم على من تسول له نفسه مفارقتهم بالتوبة عما هم فيه من غيٍّ وضلال، وانحراف وانحلال؛ فما يزالون به يرغبونه عن الهدى و يزينون له المحال و الردى، فربما طاوعهم فمات على الكفر كحال أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فقد روى الإمام البخاري وغيره عن المسيب بن حزن قال: "لما حضرت أبا طالب الوفاة، جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال: (أي عم، قل لا إله إلا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله). فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبدالمطلب، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه، ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم: على ملة عبدالمطلب، وأبى أن يقول: لا إله إلا الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لأستغفرن لك ما لم أنه عنك). فأنزل الله: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}. وأنزل الله في أبي طالب، فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء}.

وهكذا دائما حال صحبة السوء في الصد عن سبيل الله، فكم من شاب عاش حينا من الدهر مع شلة فساد، ونظراء هوى، فلما هدى الله قلبه لنور الإيمان وأذاقه حلاوة التوبة والإحسان ورأى منه أصحابه عزوفا عن العصيان، واشتموا منه رائحة التخلي عما سلف وكان بدءوا يسخرون منه ويستهزئون بمقصده، ويذكرونه بالليالي الحمراء والأيام السوداء، والمواقف الغبراء، وبما يعلمونه من ماضيه الذي يعرفون عنه كل صغيرة وكبيرة فهذا رافقه في سفر وذاك عنده صور والثالث جالسك في استراحة:

تذكر كم ليلة سهرنا
في ظلها والزمان عيد
تذكر كم نغمة سمعنا
وأنت فينا راقص مريد
تذكر كم خمرة شربنا
من نشوها والشراب زيد
أين النساء التي عرفنا
وأنت فينا القائد المَجيد
أين القمارُ الذي لعبنا
وأنت فينا حاضر شهيد
أين الصلاة التي تركنا
والكفر في حقنا مَزِيد
كلٌّ كأن لم يكن تَقَضَّى
وأنت فينا الصالح الوحيد

فإذا كان الله قد ألقى التوبة في قلبك ووقف رفقاء الماضي منك هذا الموقف فلا تلتفت إليهم، وتوجه إلى ربك، وأخلص توبتك، فإن جاء منهم أحد معك فرفقة إلى الله ومحبة في الله بعد أن كانت رفقة إلى النار ومحبة في الشيطان، وإن لم يوافقوك واستمروا في غيهم وزادوا في سخريتهم واستهزائهم، فخل عنهم ولا تصغ سمعا إليهم، ودع الكلاب تنبح والقافلة تسير.
فما ضر نهر الفرات يوما=إن خاض بعض الكلاب فيه.

وتذكر أن أبا طالب لما أطاع رفاق السوء حرم التوفيق إلى دخول الإسلام.. وأن الطفيل الدوسي لو أطاع تحذير المشركين لما كان سببا هداية قومه دوس.. وأن سعدا لو خاف كلام الناس أو أن يعيروه بموت أمه بسبب إسلامه لارتد.
فلا يحملنك خوف مفارقة أصحابك، أو خشية كلامهم أن تنقطع عن الله، أو تتأخر عن التوبة، ولكن كن معهم كما كان ذو البجادين مع عمه "فقد كان يتيما في الصغر فكفله عمه، فنازعته نفسه إلى اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه كان ينتظر إسلام عمه، فلما نفذ صبره قال: ياعم طال انتظاري لإسلامك وما أرى منك نشاطا. فقال عمه: والله لئن أسلمت لأنتزعن كل ما أعطيتك، فصاح لسان الشوق: نظرة من محمد أحب إلى من الدنيا وما فيها.
فلما استعد للسير جرده عمه من الثياب، فناولته أمه بجادًا، فقطعه نصفين اتزر بأحدهما وارتدى بالآخر. وخرج إلى الهادي البشير والنور المبين.. وما هو إلا قليل حتى نادى منادي الجهاد فخرج مسرعا ففاز بالشهادة. فلما أرادوا أن يدفنوه نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه إلى قبره يمهد له لحده بيده الطاهرة الشريفة، وجعل يقول: "اللهم إني أمسيت عنه راضيا فارض عنه".
فما أعظم الفارق بين ذي البجادين وبين كل قليل الهمة مخنث العزم.. فافهم.

نسأل الله أن يرزقنا توبة نصوحا يرضى بها عنا في دنيانا وأخرانا.. آمين.
اسلام ويب

Post: #644
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:40 AM
Parent: #643

الغناء.. وأثره على قلوب سامعيه
هل هي ثورة؟! لو قلنا ذلك لما كان مستبعدا..
أما كونها ظاهرة فهي حقيقة لا يختلف عليه اثنان، وأمر واقع لا ينتطح فيه عنزان..
أعني بذلك ظاهرة انتشار الأغاني، والكليبات، والحفلات الموسيقية والغنائية في بلداننا وبين أبنائنا..
ولا شك أن أكثر المتعرضين لهذا البلاء، والمكتوين بهذا الابتلاء هم طائفة الشباب ومن دار حول الشباب سنا وعقلا.

وأثر الغناء على قلوب سامعيه مدمر، وكلما كان بلا هدف، وجله كذلك، أو كان فاحشا، وكثير منه يحتوي ذلك.. كلما كان أكثر تدميرا وأشد فتكا بقلب سامعه..

والشريعة الغراء إنما يكون حكمها على الشيء على حسب نفعه وضره، وعلى قدر ما يجلبه من مصالح أو مفاسد.. فقاعدة الشرع "لا ضرر ولا ضرار"، و"درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، والأمر إن كانت فيه بعض مصلحة ولكن كانت مفسدته أكبر منعه الشارع وحرمه كما جاء في الخمر: (يسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا)(البقرة: من الآية219).. فلما كان الإثم أكثر من النفع، والمفسدة أعظم من المصلحة جاء التحريم ومنع الشرع من استعمالها وشربها قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ) (المائدة:90،91).

وقد تحدث أهل العلم والفضل عن الغناء وأثره وما يحدثه في قلب سامعه وخلقه، وبعضهم تكلموا عن هذا الأثر قبل أن يتكلموا عن حكمه، ذلك أن من رأى الأثر وعرف قدر الضرر أمكنه أن يستخلص الحكم قبل أن يقرأه أو يسمعه؛ ولذلك أحببت هنا أن أسلك هذا المسلك وأبدأ بأثر الغناء أولا ثم بيان حكمه بعد ذلك؛ فهو أدعى للقبول وأقطع للعذر.. وهذه بعض الآثار لا كلها:

أولاً: الغناء يصد عن القرآن:
وهذا لا شك.. فالقرآن كلام الرحمن، والغناء كلام الشيطان، ولا يجتمع القرآنان في قلب إلا أخرج أحدهما صاحبه.
يقول ابن القيم رحمه الله: " الغناء من مكايد الشيطان ومصايده التي يكيد بها من قل نصيبه من العلم والعقل والدين ويفسد بها قلوب الجاهلين والمبطلين. يبعد به القلوب عن القرآن، ويجعلها عاكفة على الفسوق والعصيان. هو قرآن الشيطان، والحجاب الكثيف عن الرحمن".

ويقول أيضا واصفًا أهل الغناء: "قضوا حياتهم لذة وطربًا، واتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا. مزامير الشيطان أحب إليهم من استماع سور القرآن. لو سمع أحدهم القرآن من أوله إلى آخره لما حرك فيه ساكنًا، ولا أزعج له قاطنا. حتى إذا سمع قرآن الشيطان تفجرت ينابيع الوجد من قلبه على عينيه فجرت، وعلى أقدامه فرقصت وعلى يديه فطقطت وصفقت، وعلى سائر أعضائه فاهتزت وطربت، وعلى زفراته فتزايدت، وعلى ميزان أشواقه فاشتغلت".. وما أصدق ما قال الأول:
تلي الكتاب فأطرقوا لا خيفة... لكنه إطراق ساه لاهي
وأتى الغناء فكالحمير تناهقوا والله... ما رقصوا لأجل الله
دف ومزمار ونغمة شادن... فمتى رأيت عبادة بملاهي
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا... تقييده بأوامر ونواهي
سمعوا له رعدا وبرقا إذ حوى... زجرا وتخويفا بفعل مناهي
ورأوه أعظم قاطع للنفس عن... شهواتها يا ذبحها المتناهي
وأتى السماع موافقا أغراضها... فلأجل ذاك غدا عظيم الجاه
أين المساعد للهوى من قاطع... أسبابه عند الجهول الساهي
إن لم يكن خمر الجسوم فإنه... خمر العقول مماثل ومضاهي
فانظر إلى النشوان عند شرابه... وانظر إلى النشوان عند ملاهي
وانظر إلى تخريق ذا أثوابه... من بعد تمزيق الفؤاد اللاهي
واحكم بأي الخمرتين أحق بالـ... تحريم والتأثيم عند الله

فيا أيها المفتون، والبائع حظه من الله صفقة خاسر مغبون. هلا كانت هذه الأشجان عند سماع القرآن"؟!!.
ولقد صدق من قال:
حب الكتاب وحب ألحان الغناء .. .. في قلب عبد ليس يجتمعان
ثقل الكتاب عليهم لما رأوا .. .. تقييده بأوامر الرحمن
وللهو خف عليهم لما رأوا .. .. ما فيه من طرب ومن ألحان

ثانيًا: الغناء رقية الزنا:
قال الفضيل بن عياض: "الغناء رقية الزنا". أي أنه سبيله والداعي إليه والمرغب فيه.
وهذا كلام محكم سديد، وليس معناه أنه لا يزني إلا من كان سامعا للغناء والموسيقى، ولكن معناه أنه إنما يكثر الزنا في أهل هذا البلا، لأنه يهيج القلوب إليه، ويرغب النفوس فيه.. وهذا واقع مشاهد تدل عليه وقائع الناس.

ومن هنا قال يزيد بن الوليد لقومه بني أمية: "يا بني أمية، إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد الشهوة، ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعل المسكر، فإن كنتم لابد فاعلين فجنبوه النساء. فإن الغناء داعية الزنا".

ونزل الحطيئة الشاعر على رجل من العرب ومعه ابنته مليكة، فلما كان من الليل سمع غناء، فقال لصاحب الدار: كف هذا عني، قال: وما تكره من ذلك؟ فقال: "إن الغناء رائد من رادة الفجور، ولا أحب أن تسمعه هذه – يعني ابنته – فإن كففته وإلا خرجت عنك ".

ونزل يوما بقوم، فقال بعضهم لبعض تعلمون لسانه وأنه إذا هجاكم صارت سبة فيكم أبد الدهر.. فمشوا إليه فقالوا: قد نزلت خير منزل فانظر ما تحب فنأتيه وما تكره فنجنبك إياه. فقال: "جنبوني ندى مجالسكم، ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم، فإن الغناء رقية الزنا".

قال خالد بن عبد الرحمن: كنا في معسكر سليمان بن عبد الملك فسمع الغناء من الليل فأرسل لهم بكرة، فجيء بهم، فقال: "إن الفرس ليصهل فتستودق الرمكة، وإن الفحل ليهدر فتضبع الناقة، وإن التيس لينب فتستحرم له العنز، وإن الرجل ليغني فتشتاق إليه المرأة، ثم قال: اخصوهم، فقال عمر: هذه مثله، ولا تحل، فخلَّ سبيلهم. فخلى سبيلهم.

والرجل الغيور يجنب أهله سماع الغناء، فكم من حرة صارت بالغناء من البغايا، وكم من حرٍ أصبح به عبدًا للصبيان والصبايا، وكم من غيور تبدل به اسمًا قبيحًا بين البرايا، وكم من معافى تعرض له فحلَّت به أنواع البلايا ".
فسل ذا خبرة ينبيك عنه...... لتعلم كم خبايا في الزوايا

ثالثا: الغناء ينبت النفاق في القلب:
عن ابن مسعود قال: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء الزرع".
وروي مرفوعًا: "الغناء ينبت النفاق في القلب كما ينبت الماء البقل".
قال الضحاك: "الغناء مفسدة للقلب، مسخطة للرب".

وكتب عمر بن عبد العزيز لمؤدب ولده: "ليكن أول ما يعتقدون من أدبك بغض الملاهي التي مبدؤها من الشيطان وعاقبتها سخط الرحمن، فإنه بلغني عن الثقات من أهل العلم أن صوت المعازف واستماع الأغاني واللهج بها ينبت النفاق كما ينبت العشب على الماء ".

فيا سامع الأغاني هذا نصحي إليك، وهذه أدلة الدين بين يديك، فإن أطعت ربك وانتهيت فأعظم الله مثوبتك وهدى قلبك، وإن أبيت إلا الإصرار فقد قدمت فيك الاعتذار.
برئنا إلى الله من معشـــر.. .. بهم مـرض من سمـاع الغنا
وكم قلت يا قوم أنتم على .. .. شفـــــا جُرُفٍ ما به من بنا
شفا جرف تحته هـــــــوة .. .. إلى درك كـــــــم به من عنا
وتكرار ذا النصح منَّا لهم .. .. لنـــعـذر فيهـم إلى ربنـــــــا
فلما استهـــــانوا بتنبيــهنا .. .. رجعنا إلى الله في أمــــــرنا
فعشنا على سنة المصطفى .. .. وماتـوا على تنـــتنا تنـــــتنا
اسلام ويب

Post: #645
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:42 AM
Parent: #601

بدلا من قاعات الأفراح الكبرى وبطاقات الدعوة وحلم الفستان الأبيض، يحدث عقد القران داخل قسم الشرطة، وتمضي وقائع الزفاف في مكان ليس له علاقة بحلم الكوشة والفارس الأبيض‏!‏ إنه واقع مأساوي وتجربة أليمة عاشتها‏20‏ ألف فتاة حسب الإحصاءات والدراسات‏.‏

بحضور لفيف من الضباط والجنود تبدأ إذن مراسم الحفل البهيج، وبشهادة اثنين من المخبرين يتم عقد القران، وبإشارات الاستحسان من السادة المجرمين وفي وجود بعض الأشقياء والمسجلين خطر تتابعت وقائع ليلة العمر‏.‏ قد يبدو التعليق ساخرا لكن هذا هو الواقع المر الذي عاشته هؤلاء الفتيات اللاتي كتب عليهن إتمام أحلي لحظات العمر داخل أقسام الشرطة‏..‏ تنوعت الأسباب ومرارة الهم واحدة‏.‏

أحيانا يكون السبب هو الرغبة في وضع الأهل تحت الأمر الواقع، وذلك عندما تحب البنت زميلا لها في الجامعة وتواجه رفض الأسرة فتتزوجه عنوة، وأحيانا يقع هذا الزواج بأمر الضابط ويقبله الطرفان هروبا من السجن لارتكابهما فعلا مخلا‏.‏

وقد تذهب حواء لتنصب فخاخها حول شاب لقطة وتدعي اعتداءه عليها والتغرير بها فتأمر النيابة إما الزواج أو الحبس ويختار هو الحل الأول غالبا‏..‏ دراسة أجريت بالمركز القومي للبحوث تشير إلي أن معدل حدوث هذه الحالات بالوجه القبلي تجاوز المائة حالة‏..‏ في المدن تزداد من‏300‏ إلي‏400‏ حالة بلا ضمانات تذكر سوى مهر لا يتعدى حده الأدنى دائما‏25‏ قرشا‏.‏

ومن الوقائع الفعلية التي وقعت في هذا السياق حكاية الهانم الصغيرة التي وقعت في غرام سائقها الخاص وتركت أسرتها المرموقة وذهبت لتكمل حياتها مع هذا الرجل‏..‏ علم الأب فأبلغ الشرطة بحادثة اختطاف ابنته وفي حضور جميع الأطراف يفاجأ الأب بأن ابنته تؤكد أمام الجميع أنها تزوجت بإرادتها وأنها تحب زوجها الذي لم تتجاوز مؤهلاته الإعدادية وهي خريجة الجامعة‏.‏

نوع آخر من القضايا ينتهي بالزواج في قسم الشرطة لكن حواء هذه المرة هي التي تنصب شباكها لآدم لتجعله الفريسة وتجبره علي الزواج منها في القسم، السكرتيرة الحسناء أوقعت برجل الأعمال في شباكها حتى أقام معها علاقة ولكنها أخذت أدلتها لتقدمها للنيابة وبالفعل يتزوجها تحت ضغط الخوف من تلطيخ سمعته‏.

لكن هذه السكرتيرة لم تكن أذكي من تلك الفتاة التي أوقعت ابن الجيران عديم الخبرة في شباكها وأنوثتها حتى أصبح يتردد علي شقتها التي هي في الأصل تعمل بها خادمة ونشأت علاقة بينهما، لكن المفاجأة أن الشرطة تهاجم الشقة ببلاغ من مجهول ليتزوجها الفتي مع أول تهديد بالحبس من ضابط القسم‏.‏

مصدر بوزارة الداخلية يلاحظ أن معظم حالات الزواج التي تمت داخل قسم الشرطة كانت حسب متابعته بسبب الزواج العرفي، حيث تشعر الفتاة بعد فترة من الحياة بورقة عرفية أنها مهددة هي وطفلها بضياع مستقبلها فتلجأ إلي الشرطة للحصول علي الورقة الشرعية‏..‏ كذلك حالات الخطف والاعتداء، وذلك لإنقاذ الشرف، لكن هذه الحالات يفلت بها المعتدي من السجن بورقة الزواج ويطلق الفتاة بعد فترة قصيرة‏!!‏

المصدر يشير أيضا إلي أن نحو‏10‏ آلاف حالة زواج من هذا النوع تتم داخل أقسام الشرطة سنويا، ويمكن تقسيم هذه الحالات كالتالي‏: 78%‏ زواجا من فئات غير المثقفين‏، 14%‏ من متوسطي الثقافة، أما النسبة الباقية ‏8%‏ فهي للمثقفين‏.‏

ويوضح المصدر أنه يتم استدعاء مأذون المنطقة بطلب رسمي وحضور أهل الطرفين، وهناك حالات يتم فيها أخذ تعهد من أولياء الأمور بعدم التعرض للزوجين، إلا أن أغلب الحالات التي تتم في قسم الشرطة هي لفتيات هاربات من ذويهن ومعظمهن من الأقاليم والأرياف، حيث يحضرن للقاهرة باعتبارها العاصمة التي تشتهر بالازدحام ولا أحد فيها يعرف الآخر‏.‏

الأسباب
الدكتور أحمد المجدوب ـ المستشار والخبير الاجتماعي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية الجنائية يرجع هذه الظاهرة إلي حالة التفكك والضياع واللا توازن والبعد عن التعاليم الدينية والتقاليد الاجتماعية جراء الانكسار أمام الحضارات الأخرى والانبهار بمظاهرها، فأصبح التقليد الأعمى لكل ما هو غربي سبيلنا، وصارت الحرية لدينا غير منضبطة وتعني الفوضى العارمة في كل المجالات‏.‏

أضف إلي ذلك ما يعانيه الشباب الراغب في الزواج من مغالاة رهيبة في تكاليف مشروع تأسيس بيت الزوجية، حيث المهر والشبكة والخطوبة ومستلزمات العفش، في الوقت الذي يفتقدون فيه فرص العمل التي توفر لهم القدرة المالية، فضلا عما يشاهدونه من مظاهر إفساد أخلاقي في الشارع ووسائل الإعلام المختلفة خاصة الفضائيات التي تتنافس في تقديم العري، كل هذه العوامل تتضافر علي الشباب لتوقعهم فريسة سهلة للانحراف والجرائم‏.
‏ــــــــــــــــــــــــــ
هبة عبدالعزيز: الأهرام: 9/9/07

Post: #646
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:44 AM
Parent: #601

في الجرائم الجنسية من المجرم؟ ومن الضحية؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
أثارت تصريحات مفتي استراليا التي وصفت فيها المتبرجات بـ "اللحم العاري الذي يجذب إليه الذباب" حفيظة كثير من الدوائر المعنية بحقوق الإنسان في استراليا، كما أثارت هذه التصريحات حفيظة كثير من المنتسبين إلى الإسلام ولكن قلوبهم ومشاربهم غربية .

وقد تزامن ذلك مع حدوث واقعة يندى لها الجبين في عيد الفطر، حينما أقدمت فتاتان أرادتا أن تطبقا ما تسمعانه في وسائل الإعلام ليل نهار عن الجرأة المحمودة للفتاة ومزاحمتها الرجال في كل ميدان، فزاحمتا الرجال على شباك تذاكر السينما، وكان ذلك كافياً لكي تجتمع الكلاب على الفريسة.

وكان ما كان مما صورته كثير من مواقع الإنترنت التي يحررها محررون "متحررون" من دينهم أنه كان حفلة تحرش جنسي جماعي بكل النساء في الطرقات لا فرق بين متبرجة ومحجبة بل ولا منقبة، ولا فرق بين من تسير مع زوجها أو أبيها أو أخيها، ولم يقدموا تفسيراً واضحاً لعدم رصد أي محاولة دفع من الآباء والأزواج والإخوة عن أعراضهم في حالة صحة هذه الروايات التي لفقها هؤلاء لكي يسدوا الباب أمام أن تكون هذه الحوادث عبرة للفتاة المسلمة أن تعود على حجابها، وأن تهجر أماكن الفسق الفجور.

وقامت الدنيا
أقام القوم الدنيا ولم يقعدوها، ونحن معهم لو كانت هذه القومة من أجل الدعوة إلى منع مهيجات السعار الجنسي عن الشباب والفتيات ومنها السينما، ونحن معهم لو كانت الدعوة إلى عودة شبابنا وفتياتنا إلى الفضيلة فيلتزم هؤلاء بغض البصر، ويلتزمن أولئك بالحجاب.

وأما أن تتحول الدعوة إلى حماية حق الفتاة في الذهاب إلى السينما، بل ودخول الأفلام التي تفوح الإسقاطات الجنسية في إعلاناتها ثم المزاحمة على شباك التذاكر فلا. وعندما وجد بعض العقلاء الذين يقولون: إن اللوم يقع (ابتداء) على هؤلاء الفتيات، حذف دعاة الفتنة كلمة (ابتداء) أو ما في معناها وراحوا يصيحون ويشغبون: أنتم تلومون الضحية وتدافعون عن المجرم.

ريبة بمائة جلدة
وتزامن هذا أيضاً مع حكم أصدرته إحدى المحاكم السعودية في واقعة اغتصاب، رأى القوم فيه دليلاً آخر على أن المتشددين يعاقبون الفتاة الضحية، وخلاصة القصة أن "الفتاة المغتصبة كانت في موضع ريبة مع شاب فجاء سبعة آخرون فاغتصبوها".

وكان الحكم بجلد المغتصبين كل واحد ألف جلدة تعزيراً لكونهم غير محصنين، ولأن المحكمة قد رأت أن حد الحرابة لا ينطبق عليهم، وكما قضت بجلد المغتصبة وصديقها كل مائة جلدة لوجودهما في موطن ريبة، ورغم وضوح علة الحكم على المغتصبة إلا أن القوم راحوا يسخرون من هذا الحكم الذي يعاقب الضحية فيمايرون.

ميزان الحرية الشخصية
وفي واقع الأمر أن القوم يؤمنون بما يؤمن به أسيادهم في أوربا، ومن ثم يقيسون الأمور بهذا المقياس، وهو ميزان الحرية الشخصية الذي يعطي الفتاة الحرية ليس في التبرج فقط، بل وفي الزنى وفي الفجور، ومتى تبرجت المرأة فللرجل أن يتلذذ بالنظر إليها ما استطاع إلى ذلك سبيلاً؛ لأنها قد أباحت زينتها للناظرين، ومتى تحركت شهوته وطلب ما هو أكثر من مجرد النظر فعليه أن يستعين بحيل أبطال الأفلام العاطفية في الإيقاع بفرائسهم، وليكن حذر فإنه إن لم يحكم شباكه جيداً ربما يجد نفسه متهماً بتهمة تحرش جنسي يكون هو متهمها الأول والأخير، وإن وصل إلى مقصوده فأفسدها وأفسدته فهذا هو غاية المنى عندهم وليس في الأمر ثمة جريمة لكي يتحركوا من أجلها.
هذه هي شريعة الغرب التي فرضها القوم قانوناً حاكماً في بلاد المسلمين، وهاهم يريدون أن يفرضوها عرفاً قائماً في مجتمعاتهم.

حكم الله
ولا يخفى على من له أدنى إطلاع على دين الله أن الجرائم المتعلقة بالعرض في دين الله هي جريمة في حق الشرع ابتداءً، ثم إن كان أحد الطرفين غاصباً للآخر فهي جريمة جديدة من المغتصِب في حق المغتصَب، ولذلك فإن الزنى بتراضي الطرفين جريمة مشتركة بينهما، وكذا "الزنى الأصغر" بتراضي الطرفين مثل التبرج من المرأة والنظر من الرجل هي جريمة مشتركة، وأما التلصص على العورات فهو جريمة من مرتكبها في حق الله وفي حق المتلصص على عورته وهكذا.

مع أن هذه المسئولية في هذه الجرائم المشتركة شبه متساوية حيث سوى الشرع بين عقوبة الزاني والزانية، إلا أنك تلمح في تقديم الزانية على الزاني في قوله تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ )(النور: من الآية2). أن المرأة هي المنبع الذي إذا أصلح كان الصلاح على الرجل أسهل، وإذا فسد كانت الفتنة على الرجال أشد، مع أن هذا لا يبيح لهم الاستمتاع المحرم بمن أباحت نفسها فضلاًًًًًًًًً عمن لم تبح، وهذا هو الذي أراد مفتي استراليا أن ينبه الناس إليه أن اللحم العاري يجذب إليه الذباب، وأن اللحم المغطى لا يضره وجود الذباب من عدمه، فكانت غضبة القوم دفاعاً عن منهجهم الذي أشرنا إليه آنفاً، ولكنهم غلفوه بغلاف وجوب الدعوة بالحسنى وعدم تجريح الناس ومراعاة مشاعر المتبرجات، مع أن الرجل يعظ المسلمات اللاتي يحتجن إلى الترغيب في الطاعة والتنفير من المعصية، وتجريد مثل هذه الصور وضرب الأمثال هو نوع من ذلك كما قال -تعالى-: (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ )(الحجرات: من الآية12)، والقوم لا يحتجون على هذه الآية لأنهم لا يرون في تحريم الغيبة خطراً على منهجهم الغربي، ومن ثم يقبلون بمبدأ الترهيب منها عن طريق هذا التشبيه المنفر الذي نسج مفتي استراليا على منواله مثاله في التبرج.

وربما ثارت حفيظة القوم من ضرب المثل بالذباب لاسيما إذا كان الخطاب موجهاً لمن يعيشون في أوربا وأمريكا واستراليا الذين لا تكاد تجد في طرقاتهم ذبابة واحدة، وما درى القوم أن ذباب الأعراض أشد خطراً وأكثر قذارة من ذباب القمامة لو كانوا يعلمون!

مثال آخر
ولهذا السبب، ولأن القوم يعرفون لغة المال أكثر من معرفتهم بلغة العرض فسوف نضرب لهم مثلاً آخر يلتقي في معناه مع مثل مفتي استراليا، ويكون أكثر قرباً من عقول القوم.

من المتفق عليه بيننا نحن المسلمين وبين الغرب أن أكل مال الغير بالباطل من الأمور المنكرة في الجملة، ومع الاتفاق على إلحاق اللوم والذم والعقاب على آكل مال الغير بالباطل، إلا أن هناك أحوالاً يذم ويلام ويعاقب صاحب المال المعتدى عليه.

فهناك حالة "سفه" عند البعض تقابل بحالة "طمع وجشع" عند آخرين، وهذه تشبه حال التي تبيح عرضها سفهاً منها وعدم دراية بعاقبة ذلك في الدنيا والآخرة، ويجب أن يؤخذ على يدي كل من الطرفين.

وهناك حالة "إهمال" تقابل بحالة "نهب" عند آخرين والمهمل في حفظ ماله لم يتركه لغيره سفهاً، وإنما أغرى الغير عن طريق تركه لماله بغير حفظ كاف ولذلك أتى الشرع بقطع يد السارق ولم يأت بقطع يد المنتهب الذي يخطف الأشياء الغير محرزة مع استحقاقه للعقوبة في الجملة إلا أن صاحب المال شريك معه في الجريمة.

وإهمال المرأة في ستر نفسها أشد خطراً من إهمال الناس في حفظ أموالهم، لأنه لا يفسر عادة على أنه إهمال، بل على أنه دعوة إلى نفسها، ولذلك تجد أن معظم قضايا التحرش الجنسي والاغتصاب تدور حول امرأة تتيح جزءً من عرضها، بـأن تتزين للناظرين مثلاً، ويظن الظان أنها أباحت كل عرضها، أو تبيح عرضها لشخص ما فتتواجد في مواطن الريب فيظن الظان أنها لن تمانع من أباحته لغيره فتقع الكارثة، وإلى هذا أشار قوله تعالى: (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ)(الأحزاب: من الآية59).

وأما من حفظ ماله "الحفظ التام" ثم جاء من "دبر وتربص" واستولى عليه فهذه هي الجريمة التي يسأل عنها المجرم وحده، ولذلك جاءت عقوبتها في شرعنا قطع الأيدي الذي تشمئز منه نفس هؤلاء المعترضين على وصف حال المتبرجة مع الناظر إليها بحال "اللحم العاري مع الذباب".

ولذلك جاء الشرع بعقوبة مقررة على الزاني والزانية بالتراضي بينما تزداد العقوبة في حق المغتصب على تطبيق حد الحرابة عليه، إذا شهر من أجل ذلك سلاحاً، أو إلى تعزيره بما يراه القاضي رادعاً، وقد تقدمت الإشارة إلى حكم محكمة سعودية بجعل هذا التعزير ألف جلدة.

نصيحة واجبة
ولذلك - وعلى افتراض صدق الروايات التي تقول:إن التحرش الجنسي قد طال محجبات ومنقبات يسيرون مع الأزواج والآباء- نقول: إن هؤلاء مقصرون بالتواجد في أماكن النساء والفجور لاسيما في ذلك الوقت الذي يعلم الجميع ما يكون فيه من تحرش برضا الطرفين "كاللحم العاري مع الذباب".

ومع ذلك نحن لا ننكر وجود من يعتدي عليها بغير ما ذنب منها، كما لا ننكر وجود من يسرق ماله رغم حفظه له، وهذه وذلك يحب أن يعاملا معاملة المصاب الذي تتضافر الجهود في مواساته على مصابه المادي والأدبي، ولكن وكما أن وجود حوادث السرقة يجعل أصحاب الأموال يزدادون في حفظها، فكذلك وجود حوادث الاعتداء على الأعراض يجعل المرأة تزداد حفاظاً على عرضها.

وإذا كان العلمانيون بأخبارهم تلك يريدون منا أن نزهد في حجاب نسائنا من باب أنه لم يمنع من التحرش بهن، فإننا نقول لهم: لو صحت رواياتكم فإننا سوف نلزم المسلمات الصادقات بأعلى درجات الحجاب ألا وهو القرار في البيت (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى )(الأحزاب: من الآية33).

فالمسلمة إما أن تقر في بيتها وإما أن تخرج متقية بثيابها الذباب، وأما من أراد من الرجال والنساء أن يعيشوا حياة "اللحم العاري مع الذباب" فسنظل ندعوهم إلى النجاة رغم أنهم يدعوننا إلى النار (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ) (غافر:41)
ـــــــــــــــــــــ
بقلم: عبد المنعم الشحات

Post: #647
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:47 AM
Parent: #601

من استطاع منكم الباءة.. فليتزوج
في بدايات العمر وحينما يبدأ الشاب التفكير في موضوع الزواج يكون الغالب على العقل موضوع قضاء الوطر والمتعة والجانب والعاطفي.. وليس هذا مما يعاب ولا مما ينكر، ولكن مع بداية مشروع الزواج وتكوين الأسرة ووجود الأولاد يوقن الإنسان أن المسألة ليست مسألة لذة وفقط ولا متعة وقضاء وطر وانتهى الأمر وإنما يدرك المرء أن للزواج في الإسلام حكم عليا ومقاصد كبرى ومنافع للنفس والمجتمع تفوق ما يتخيله كثير من الشباب.

إن الزواج في الإسلام عبارة عن إقامة مؤسسة أسرية وهي بدورها تكون نواة في المجتمع، ولا يستمتع بالزواج ويتحمل مشاقه عن طيب نفس ورضى خاطر إلا رجل علم مقاصد الشريعة من وراء هذا البناء الذي يستحق وصف الطود العظيم ..

ومعرفة مقصود الله تعالى من الزواج يجعل الشباب أكثر إقبالا عليه ورغبة فيه وسعيا وراءه، ونحن هنا نذكر ببعض هذه الحكم والمقاصد ونبين بعضا من تلك الأهداف المرجوة من وراء الزواج ترغيبا للشباب ودعوة لهم أن يسارعوا إليه لينالوا بركته ومنافعه.. ومن هذه الأهداف والمقاصد والحكم:

أولا: طاعة الله ورسوله :
فقد شرع الله الزواج، وجعله شعيرة من شعائر دينه الحنيف الذي ارتضاه لعباده، وحثهم عليه ورغبهم فيه، وكذلك دعا إليه الرسول الكريم بسنته القولية والعملية، ودعا القرآن والسنة الشباب والرجال إليه فحثهم عليه، وحث أولياء المرأة على تزويجها الكفء الكريم وعدم عضلها وتأخير نكاحها
قال تعالى: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ)(النساء: من الآية3)، وقال سبحانه: (وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (النور:32)، وقال (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ)(النساء: من الآية25)

وأما السنة الفعلية فقد تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأسس بيتا وأقام أسرا، وأنجب ذرية وأنفق على أهله وعياله ليعلم الناس كيف يكون الأباء والأزواج مع زوجاتهم وأبنائهم.

وأما السنة القولية فمنها حديث ابن مسعود في الصحيحين قال صلى الله عليه وسلم: [يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء].
وفي صحيح البخاري وغيره: [إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض]

ثانيا: اتباعا لسنة النبي صلى الله عليه وسلم وهدي المرسلين:
فالزواج من هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام كما قال تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجاً وَذُرِّيَّةً )(الرعد: من الآية38)
قال الإمام القرطبي عند تفسيرها: "هذه الآية تدلّ على الترغيب في النكاح والحض عليه، وتنهى عن التَّبَتُّل، وهو ترك النكاح، وهذه سنّة المرسلين كما نصّت عليه هذه الآية، والسنّة واردة بمعناها؛ قال صلى الله عليه وسلم: "تزوّجوا فإني مكاثِر بكم الأمم " الحديث...

وقال صلوات الله وسلامه عليه كما في حديث الثلاثة المشهور: [أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني] متفق عليه.

فليس التبتل وترك الزواج من دين الإسلام في شيء بل جاء في صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها: [نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التبتل]
وفي الصحيحين من حديث سعد بن أبي وقاص قال: [رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل، ولو أذن له لاختصينا]
وفي مجمع الزوائد بسند حسن ـ كما قال الهيثمي ـ عن أنس قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة].
وروى الحسن عن معاذ أنه قال في مرض موته : زوجوني لا ألقى الله عزبا(انظر تلخيص الحبير)

والخلاصة أن الزواج من سنة نبينا الأمين وسنن إخوانه من المرسلين كما أخرج ابن أبي شيبة وأحمد والترمذي، عن أبي أيوب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من سنن المرسلين: التعطر والنكاح والسواك والختان » .

ثالثا: إعفاف النفس والزوجة وإشباع الغريزة والفطرة:
فقد خلق الله في الإنسان غريزة لا مفر له من الاستجابة لها، لأنها من أقوى الغرائز وأعنفها، وهي - إن لم تشبع - انتاب الإنسان القلق والاضطراب، والإسلام لا يقف حائلاً أمام الفطرة والغريزة، ولكنه يهيئ لها الطريقة الشريفة، والوسيلة النظيفة لإروائها وإشباعها بما يحقق للبدن هدوءه من الاضطراب، وللنفس سكونها من الصراع، وللنظر الكف عن التطلع إلى حرام، مع صيانة المجتمع وحفظ حقوق أهله.

ومن هنا كانت حكمة تشريع الزواج؛ فهو الطريق الطبيعي والسليم لمواجهة هذه الميول، وإشباع هذه الغريزة؛ فجعل الله الزوجة سكنا لزوجها وهو كذلك لها، فيسكن كل منهما لصاحبه ليروي ظمأه في ظلال من الحب والمودة والعفة والطهارة وفي رضا من الله ورضوان، فيسكن قلباهما عن الحرام وتسكن جوارحهما عن السقوط في حمأة الرذيلة وعن الانزلاق في مهاوي الخطيئة.. فالزواج يعين أصحابه على غض ا لبصر وحفظ الفرج وصيانة الدين وعفه النفس وكل هذا واضح من خلال وصية النبي صلوات الله وسلامه عليه للشباب بالزواج كما في حديث ابن مسعود الشهير: [يا معشر الشباب، من استطاع الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء].متفق عليه.

رابعا: تكثير عدد المسلمين، وإسعاد الرسول الأمين:
فقد ثبت عن رسولنا صلى الله عليه وسلم أنه يكاثر بأمته الأمم السابقة ويحب أن يكون أكثرهم تابعا، وقد حث المسلمين على التزوج وإنجاب الذرية الطيبة التي تستحق أن يفتخر بها يوم القيامة .

ففي سنن أبي داود والنسائي وصحيح الترغيب والترهيب عن معقل بن يسار قال: [جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب ومال إلا أنها لا تلد أفأتزوجها فنهاه، ثم أتاه الثانية فقال له مثل ذلك، ثم أتاه الثالثة، فقال له: تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم]

وفي صحيح سنن ابن ماجه عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: [النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينكح ومن لم يجد فعليه بالصيام فإن الصوم له وجاء ]

وذكر ابن أبي الدنيا في كتابه العيال: عن عمر رضي الله عنه قال: "ما آتي النساء لشهوة، ولولا الولد ما آتي النساء".
وعنه أيضا فيه: "إني لأكره نفسي على الجماع كي تخرج مني نسمة تسبح الله تعالى".

خامسا: طلبا لذرية تعمر الأرض وتعبد الرب:
قال البخاري في صحيحه: باب مَنْ طَلَبَ الْوَلَدَ لِلْجِهَادِ".. وذكر حديث أبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلام لأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ أَوْ تِسْعٍ وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ قل إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَقُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَلَمْ يَحْمِلْ مِنْهُنَّ إلا امْرَأَةٌ وَاحِدَةٌ جَاءَتْ بِشِقِّ رَجُلٍ.. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فُرْسَانًا أَجْمَعُونَ]

قال الإمام ابن حجر العسقلاني: قَوْله: (بَاب مِنْ طَلَبَ الْوَلَد لِلْجِهَادِ): أَيْ يَنْوِي عِنْد الْمُجَامَعَة حُصُول الْوَلَد لِيُجَاهِد فِي سَبِيل اللَّه فَيَحْصُل لَهُ بِذَلِكَ أَجْر وَإِنْ لَمْ يقَع ذَلِكَ.

وبوب البخاري أيضا ( بَاب طَلَب الْوَلَد ).. قال ابن حجر: "أَيْ بِالِاسْتِكْثَارِ مِنْ جِمَاع الزَّوْجَة ، أَوْ الْمُرَاد الْحَثّ عَلَى قَصْد الِاسْتِيلاد بِالْجِمَاعِ لا الاقْتِصَار عَلَى مُجَرَّد اللَّذَّة ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي حَدِيث الْبَاب صَرِيحًا لَكِنَّ الْبُخَارِيّ أَشَارَ إِلَى تَفْسِير الْكَيِّس كَمَا سَأَذْكُرُهُ . وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو عَمْرو النَّوْقَانِيّ فِي "كِتَاب مُعَاشَرَة الأَهْلِينَ" مِنْ وَجْه آخَر عَنْ مُحَارِب رَفَعَهُ قَالَ "اُطْلُبُوا الْوَلَد وَالْتَمِسُوهُ فَإِنَّهُ ثَمَرَة الْقُلُوب وَقُرَّة الْأَعْيُن، وَإِيَّاكُمْ وَالْعَاقِر" وَهُوَ مُرْسَل قَوِيّ الإِسْنَاد .

وقال الماوردي في كتاب نصيحة الملوك ص 66: "وأن ينوي في ذلك كله نية الولد، وأن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وينوي في الولد أن الله لعله يرزقه من يعبد الله ويوجده، و يجري على يديه صلاح الخلق، وإقامة الحق، وتأييد الصدق، ومنفعة العباد وعمارة البلاد".

سادسا: حماية المجتمع من الآثار المدمرة لترك الزواج:
فعدم الزواج لعدم القدرة يؤدي إلى العنوسة، والانصراف عنه إلى غيره يؤدي إلى شيوع الزنا والخنا ولكل منهما آثارها المدمرة على أصحابها وعلى المجتمع: فالعنوسة هم بالنهار وأرق بالليل وتكدير للخاطر وكسر للقلب وحرقة في النفس وحرمان من الفطرة في الرغبة في إطفاء غرائز الشهوة وإشباع غريزة الأبوة والأمومة وتكوين أسرة في مملكة خاصة وغيرها من الأمور التي لا يعرف آثارها إلا من عاناها.. هذا إذا تعفف الشاب أو الشابة ولم يسلك به مسالك الفساد..

وأما إن كانت الأخرى وتُرِك الزواج إلى ما حرم الله ففي ذلك هلاك هؤلاء ومجتمعاتهم، فتعصف بهم أمراض الهمجية والإباحية كالزهري والسيلان والإيدز والهربس ومرض التهاب الكبد الفيروسي وسرطان الفم واللسان وغيرها من الأمراض التي تئن من وطأتها المجتمعات المنحلة وتعاني من ويلاتها ما تعاني، بسبب انعتاق الناس فيها من رباط الزواج المقدس، واتجاههم إلى كل لون من ألوان الاتصال المحرّم والمشبوه.

سابعا: طلب ثواب الله تعالى:
ففي الزواج فضل من الله واسع؛ فهو عبادات متعددة في عبادة، وفي الزواج أبواب واسعة لثواب الله تعالى:

ففي إعفاف النفس والأهل صدقة (وفي بضع أحدكم صدقة)، وفي حسن معاشرة الأهل صدقة (خيركم خيركم لأهله)، وفي ملاطفة الأولاد وتربيتهم صدقة، وفي الصبر على السعي في طلب الرزق له ولأولاده صدقة، وفي النفقة على الأسرة صدقة، وحتى في الصبر على موت العيال صدقة، وكلها أمور ثوابها عظيم وأجرها عميم ولو لم يكن من منافع الزواج إلا طلب الأجر والثواب من الله لكان حريا بالعاقل أن يسارع إليه.

فيا معاشر الشباب هلموا إلى الخير الذي دعاكم إليه نبيكم: "فمن استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج "..
أسأل الله أن يرزقنا وأبناءنا وأبناء المسلمين العفة والصيانة .. آمين.
اسلام ويب

Post: #648
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:49 AM
Parent: #601

المرأة هي محور الاتزان في أي أمة، ومكانها من المجتمع المسلم وغيره تمامًا كمكان القلب من البدن، فكما أن القلب إذا صَحَّ صحَّ سائر الجسد، وإذا فسد فسَدَ سائر الجسد، فكذلك المرأة إذا صلحت صلح المجتمع، وإذا فسدت فسد المجتمع.
قال بعضهم: إن المرأة على ضعفها لتمتلك مجموعة من المواهب والإمكانات والطاقات التي تجعلها جديرة أن تبني أمة أو تهدم أمة.
وفي كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم عن النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أتيت أمة قط إلاَّ من قبل نسائهم".
وفي الترمذي: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء".

فإذا كان باستطاعة المرأة أن تبني أمة وتهدمها وتقيم أمة وتقعدها لم يكن غريبا أن يهتم بأمرها أعداء الإسلام اهتماما بالغا، ويحاربوا الإسلام في شخصها ليهدموه من خلال هدمها، وقد بذلوا في سبيل ذلك كل ما في وسعهم في حرب مسعورة لا هوادة فيها وصفها الشيخ "على الطنطاوي" ووصف القائمين عليها بقوله: "إنها عقول كبيرة جدًا، شريرة جدًّا، تمدها قوى قوية جدًّا، وأموال كثيرة جدًّا، كل ذلك مسخر لحرب الإسلام على خطط محكمة، والمسلمون أكثرهم غافلون: يجد أعداؤهم ويهزلون، ويسهر خصومهم وينامون، أولئك يحاربون صفًا واحدًا والمسلمون قد مزقت بينهم خلافات في الرأي ومطامع في الدنيا".

ولقد استطاع هؤلاء من خلال مكرهم الكبار أن يوهموا المرأة أنها في حرب مع الرجل الذي سلبها حريتها، واغتصبها حقوقها، وأنهم هم أولياؤها ونصراؤها في معركتها لنيل حريتها المطلقة وانتزاع حقوقها المهضومة من بين براثن هؤلاء الرجال المتوحشين الظالمين، وأقاموا لهم وكلاء في بلادنا (صنعوهم على أعينهم) ليقودوا المعركة من الداخل؛ ليكونوا أخبر بالواقع وأعلم بالحال، فقاموا بالمهمة خير قيام حتى كانوا أفسد من أوليائهم وأشد ضررا من أسيادهم.

لقد كانت أكبر أسلحة هؤلاء المفسدين في حربهم هي المخادعة؛ فدعوتهم ظاهرها الرحمة وباطنها كله عذاب، وحقيقتها كلها فساد، ولو علمت حواء حقيقة ما يحاك لها، وطبيعة ما يراد لها وبها ومنها لأعرضت عن هذه الدعوات أيما إعراض ولكن القوم خبثاء، فأظهروا خلاف ما يبطون، واستعملوا سياسة النَفَس الطويل ولم يستعجلوا قطف الثمار حتى انخدع بدعوتهم جم غفير وانقاد لهم قطيع ليس بالقليل الحقير، انخدع أكثرهم بالعبارات الرنانة والكلمات الطنانة مع الغفلة عند الكثيرات عن حقيقة تلك الدعوات.

ونحن نحاول هنا أن نرصد شيئا من حقيقة هذه الدعوة ونذرا من مرادات أهلها من خلال كلامهم على حسب قول القائل: "من لسانك أدينك"، تبصيرا للجاهلين، وتذكيرا للغافلين، وقياما بحق الله علينا في فضح هؤلاء الضالين المضلين.. فإن ظاهر مطالب القوم الشفقة على المرأة والسعي في مصلحتها والمناداة بإعطائها حريتها المسلوبة، وحقوقها المنهوبة، إلى آخر هذه النغمة المعروفة (مما كان بعضه حقا أريد به باطل)، لكنهم في نهاية الأمر أظهروا ما كانوا يبطنون، وأعلنوا ما كانوا يسرون، وانتهت مطالبهم إلى أمرين قد لا يكون لهما ثالث:
الأول: هدم الدين والتخلص منه كليا.
والثاني: نزع العفة والحياء والشرف عن المرأة والمناداة بالحرية الجنسية الكاملة لها.

هدم الدين
إن الذي يطالع كتابات هؤلاء الذين تصدروا أو صدروا أنفسهم للدفاع عن المرأة يجد أكثرهم في غير خندق الدين بل في خندق أعدائه، فكلامهم غمز ولمز في الدين وأهله، بل ربما زاد إلى الطعن الصريح والعداوة التامة للدين وأتباعه، فخصلة الجرأة على الإسلام ورموزه، والتطاول المزعج على ثوابته وقطعياته، تكاد تكون قاسمًا مشتركًا بين أولئك جميعًا، يتطرفون فيه إلى حدٍّ خطير، وبدرجة تُقهِم - بوضوح لا لبس فيه - أنهم لا يؤمنون بدين، ولا إله، ولا كتب سماوية، وإن تستروا عند الاضطرار بكلمات مطاطة موهمة، تنزاح إذا خلوا إلى شياطينهم، أو دارت رؤوسهم.

.. ونحن لا نتجنى عليهم ولا نقولهم ما لم يقولوه، بل هذه أقوالهم مسطرة بأيديهم وفي كتبهم:
فيرى هشام شرابي: "أن للدين دورًا في إعاقة التطور الاجتماعي، إذ يساهم في بلورة القيود الاجتماعية وما تحتويه من العادات والتقاليد". (أثر التكنولوجيا على المرأة العربية: بحث لحنان عواد، غير منشور)

وتذهب حنان عواد إلى: "أن معظم القوانين الحقوقية مستمدة من القوانين الدينية، التي تتميز باستاتيكية متناقضة مع كل العوامل الحضارية التي تبعث على التغيير، وأن الدين يقف حجر عثرة أمام عوامل التغيير التي تدخل بفعل تأثير التكنولوجيا، كما يلعب دورًا هامًا في تجميد حرية الأفراد. وأن الأفكار الدينية تتغلغل - بقسوة - داخل التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تعمل على تدعيم الأفكار التي تعرقل مسيرة المرأة الثورية، وتحد من حراكها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي". (أثر التكنولوجيا على المرأة العربية).

وهذه غادة السمان تنادي بإعتاق المرأة - ولو رسميًّا - من تشريعات "تثير التقزز (؟!)" - كبرت كلمة تخرج من أفواههم- كأن تضطر امرأة مثقفة تعول نفسها كأستاذة الجامعة إلى إحضار شقيقها الذي قد يكون معتوهًا أو أميًّا، وهي التي تنفق عليه، إلى دوائر الأمن، كي تمنحها السلطات إذنًا بالسفر، باعتباره وليًّا شرعيًّا.

وتقول بعد كلامها السابق: "في ظروف رسمية واجتماعية وفكرية كهذه، يستحيل نشوء علاقة إنسانية وبناءة، بين رجل وامرأة، خارج السرير وداخله.

وتقول فاطمة المرنيسي: هناك توافق في الآراء بين علماء الاجتماع - لا سيما النساء منهم - بأن الفكر السائد، كما تبرزه وتؤكده التقاليد الإسلامية والقبلية، يمثل أحد العناصر الهدَّامة التي تؤثر على مركز المرأة. (ما بعد الحجاب: 16)

وتعترض سلوى خماش على كون الأنبياء من الرجال دون النساء فتقول: "لا أفهم كامرأة علاقة الحيض والإنجاب وعدمه بتخصيص أو عدم تخصيص جنس دون آخر بالرسالات والتنبؤات، وقيادة الحروب، ونقصان الثواب".

وإذا كانت هذه تعترض على النبوات؛ فقد كان هناك من هو أعتى كفرًا منها، حيث تقول نوال السعداوي في كتابها "الوجه الخفي لحواء"؛ والذي ترجمه زوجها وطبع في بوسطن بأمريكا 1980م: "لماذا لا يكون الإله امرأة؟". (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا).

ويقول خليل أحمد خليل: "إن اعتبار المرأة سكنًا للرجل، وحرثًا له، والتفريق في الميراث، وحجب المرأة، وتعدد الزوجات - وغير ذلك من الأحكام النسائية - كلها صور غير مشرَّفة وغير مقبولة، بل تؤكد عبودية المرأة العربية وقهرها في تراثها ومجتمعات ومستقبلها".

لا حياء.. لا شرف.. لا عفة
وبعد كلام خليل أحمد خليل السابق ووصفه لأحكام الإسلام بأنها "غير مشرفة وغير مقبولة، وأنها تؤكد عبودية المرأة وقهرها"، حاولنا أن نفهم كيف تتحرر إذن من هذه العبودية فكان الرد من كلامه: "إن الحداثة العقلية تعني حق المرأة في التحرر الجنسي فهي سيدة جسدها".

وترى د. نجاح العطار- في دراستها عن وضع المرأة في سورية – "أن قضية الشرف هي القيد الأكبر الذي يشل من حركتها في المشاركة في كافة الميادين والنشاطات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.(Contemporary Cultural Anthropology:209).

ويقول عبد الهادي عباس: "إن المفارقة المرعبة تظهر عندما تُرى امرأة في كلية الطب أو الحقوق أو الهندسة، وهي تدرس أحدث النظريات، ومع ذلك تعيش على يقين أن جسدها عورة يجب أن تستر، وأن الشرف بالنسبة لها هو الحفاظ على هذه السترة دون أن يخطر ببالها أن تتمرد عليها".

وقد صرح بعضهم بكل وقاحة بأن الحجاب عودة فاشلة للتستر، والعباءة مادة لإخفاء الأعمال غير الشريفة، وهذا ما نشرته "مجلة المجتمع 13/2/1989م". نقلاً عن "الحوادث اللبنانية" عن إحدى داعيات التحرير حيث تقول: "يا للأسف، بعد هذه المدة من الكفاح من أجل نسف هذا التقليد الاجتماعي البالي، أفاجأ بأن العباءة تعود من جديد، خاصة وأن فتيات الجامعة بدأن في لبسها، يا للأسف: إنها ظاهرة خطيرة لا تهدف للتدين، بل إلى التستر من الأعمال غير الشريفة".

فانظر كيف يتحول العفاف إلى إسفاف، والطهر إلى عهر، والفضيلة إلى رذيلة، فهل بعد هذا ينخدع بدعوتهم منخدع، أو يقبل قولهم عاقل؟.

ألا أيها الغمـــر الذي غره الكِبْرُ.. ... ..ترديت من عــــالٍ وناسبك القَـعْــــرُ

تفكر طــــويلاً يا جهــولا ترادفت.. ... ..عليه المخازي فهي في متنه أسر

نبذت نفيس الـدر واخترت هذه.. ... ..ومن يكره الياقوت يعجـــبه البعــــر

فأصبحت مصــبوبًا عليه شـتائم.. ... ..كما كان مشبوبًا على قلبك الجمر

ألا يا نصــير الكفـــر ويلك فاتئــد.. ... ..ولا تنطـــح الصفوان يدفعـك الصخر

لقد ضل من أغراك بالسب والهجا.. ...كمـــا زل من أغـــواك نيته المـكــر

فما أنت في دعـــواك إلاَّ منافقٍ.. ... ..كأصحابك النَّوْكَى وهم في الورى كُثْرُ

فأنتم فساد الناس في كل أمة.. ... ..وجرثومة يضني بها الجسم والفكــرُ
اسلام ويب

Post: #649
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:50 AM
Parent: #601

لا يخرج التلاميذ عادة من الفصل للذهاب إلى المراحيض، لكن خلال الامتحانات السنوية يصاب بعضهم بـ «عدوى دورة المياه». وقد يتردد التلميذ أكثر من مرة على المرحاض، وتبدو حالته وحالة غيره من المصابين بهذه العدوى الظرفية كضحايا الأعراض النفسية التي تظهر جراء الضغط وشدة التوتر، في حين أن الحاجة التي يذهبون لقضائها هناك حولت دورات المياه إلى «مكتبات» تخبأ فيها الكتب والمقررات الدراسية لاستطلاعها كلما استعصى عليهم جواب.

وفي العادة أيضاً، لا يعتبر التلاميذ والطلبة الجامعيون الكتابة على الجسد فناً من الفنون الجميلة التي يمكن أن تفتح لهم باب الشهرة والمال والعمل، فهم عادة لا يفكرون في الكتابة على أجسادهم، على الأيادي والأذرع والسيقان، ولا يمارسون فنهم سوى في مواسم الصيف، متوسلين النجاح في مشوارهم التعليمي. ويوجد «فنانون» آخرون يتعاطون «النقش» على الخشب ويكتبون على المقاعد وأطراف الطاولات.

وتفضل الشريحة الواسعة من هذه الفئة من التلاميذ والطلاب التسلح بما يشبه الحرز، يعلّق حول العنق أو يشد إلى الخصر. ويملأ الحرز المزيف بأوراق ميكروسكوبية. وبسبب عناء المهمة، برز «نساخ» الغشاشين الذي دخل دورة الإنتاج التعليمية، واستعان بآلات التصوير لتصغير حجم الأوراق، ويسميها المغاربة « الحروزا» و«الحجابات»، كي يستجيب لارتفاع الطلب على خدماته.

ويترفع أصحاب محلات الآلات الناسخة في فصل الربيع وحتى منتصف الصيف عن زبائنهم العاديين الذين يقصدونهم لنسخ بضع وثائق إدارية أو شخصية، ويتملصون من تلبية طلباتهم، ومنهم من يبدأ العمل على نسخته الخاصة لـ «مقررات الغش» قبل فترة ارتفاع الطلب عليها، ثم يطلقون حملات لتسويق بضاعتهم مبكراً في المؤسسات التعليمية.

لكن هذه أنواع تقليدية للغش وأكثرها استخداماً، وهي بنظر الغشاشين المتمرسين تعود إلى العصر الحجري، أو يعتبرونها منتجاً صالحاً لاستهلاك الغشاشين الفقراء، ذلك أنهم ينعمون اليوم بطيبات عصر التكنولوجيا والهاتف النقال الذي جلب معه عصراً ذهبياً جديداً للغش.

وللغشاشين العصريين طقوسهم الخاصة، بعيداً من الفن ودورات المياه والنساخين، ففي الصيف خاصة تكسو القبعات رؤوس عدد كبير من التلاميذ، معلنة بداية صيف «غريب» الأطوار تقتصر حرارته على الرأس دون بقية الجسد الذي يلفه أصحابه بقماش كثير يتهدل على الأذرع أكماماً طويلة، وعلى السيقان سراويل ذات جيوب وثناياً ظاهرة وخفية، مستفيدين من تطور تقنية البلوتوث والساعات الإلكترونية والسماعات الدقيقة الحجم التي يفوق سعرها مائتي دولار، وكلها تمنح تحكماً أفضل في الحركات وتقدم الأجوبة الأقرب إلى الصحة أو الصحيحة تماماً.

وتسرب التكنولوجيا الامتحانات إلى خارج قاعات المؤسسات التعليمية، فيحل أسئلتها أشخاص عاكفون على الحواسيب أو الهواتف المحمولة أو المقررات فوق أسوار المؤسسات وحولها، يملون الإجابات أو يرسلونها مكتوبة من طريق SMS.

ألف حالة غش في عام واحد
وشاعت ظاهرة الغش بأشكالها التقليدية والعصرية في المغرب، وضبط منها في حالة تلبس نحو ألف حالة على المستوى الوطني السنة الماضية. واستشعر المسؤولون في قطاع التعليم والتربية الخطر المقبل من شيوع الغش كسلوك عادي نال من سمعة التعليم برمته، وأحبط الهمم التي تعمل بجد لـ«يتساوى» كدها مع الغشاشين الذين يستولون على المراتب الأولى أحياناً.

وتدرس الوزارة المعنية حالياً وضع استراتيجية خاصة لمكافحة الظاهرة وتطويقها خصوصاً أنها تطورت تقنياً وأصبحت عصية على المكافحة. وتملك الوزارة «دليلاً وطنياً» خاصاً للمشرفين المكلفين بالمراقبة خلال الامتحانات ينبههم إلى إجراءات تشديد المراقبة، كوضعية جلوس التلميذ المشبوهة، ويدلهم على الوضعية السليمة المانعة للغش. ويطالب الدليل المراقب بسحب الهاتف من صاحبه، ومنع الاحتفاظ بأي أوراق إضافية عدا أوراق الامتحان. وتعريض الغشاشين للتشهير في لوائح تعلق بأسمائهم، إلى جانب تحويلهم إلى المجالس التأديبية التي تحرمهم من التعلّم لمدة سنة.

وتجاوزت الإجراءات الجديدة الدليل، وامتدت إلى تفتيش الملابس قبل دخول القاعات، وبلغت الأجساد، خاصة الآذان التي توصل بها السماعات (السلكية واللاسلكية). وأصبحت البنات مضطرات للكشف عن آذانهن وسط تذمر كبير.

ويعلم خبراء التربية والتعليم أن مفعول هذه الإجراءات ظرفي لا يحل المشكل جذرياً، وهذا ما تحاول الاستراتيجية الجديدة أن تحله. وفي هذا السياق، نظَّمت بعض الأكاديميات حملة شعارها «المدرسة من دون غش» اعتمدت على قوافل طافت على المؤسسات التعليمية في مختلف المناطق للتعريف بمخاطر اللجوء إلى الغش على مستقبل التلاميذ والمجتمع.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة: 25ـ6ـ07

Post: #650
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:52 AM
Parent: #601

يُحكى أن مغنياً عزم على التوبة، فقيل له: عليك بصحبة الصوفية! فإنهم يعملون على إرادة الآخرة، والزهد في الدنيا، فصحبهم، فصاروا يستعملونه في السماع والإنشاد، ولا تكاد التوبة تنتهي إليه لتزاحمهم عليه، فترك ذاك المغني صحبتهم، وقال: أنا كنتُ تائباً ولا أدري.

هذه واقعة سطّرها يراع ابن القيم ـ رحمه الله، وهي تذكّرنا بالإغراق والمبالغة في النشيد هذه الأيام، والذي استحوذ على فئام من أهل النشيد، حتى أفضى الأمر عند بعضهم إلى محاكاة الغناء الماجن. فصاحَب بعض الإنشاد التكسّرُ والتأوه في الإلقاء، ومشابهة لحون الغناء المتهتك، واعتناء بعض المنشدين بجمال الصورة، وتنميق المظهر، وحلق شعر الوجه؛ بل أفضى الأمر إلى استعمال المعازف في ذاك النشيد المتفلت، ويضاف إلى ذلك تقنيات الصوت ومؤثراته، والتي جعلت الأسماع لا تكاد تميّز بين غناء المجون وهذا النشيد.

وقد ألمح ابن الجوزي إلى ذلك وحذّر من مغبة هذا الصنيع فقال: «ولما يئس إبليس، أن يسمع من المتعبدين شيئاً من الأصوات المحرمة كالعود، نظر إلى المعنى الحاصل بالعود، فدرجه في ضمن الغناء بغير العود وحسّنه لهم، وإنما مراده التدرج من شيء إلى شيء. والفقيه من نظر في الأسباب والنتائج، وتأمّل المقاصد».(تلبيس إبليس:249)

ـ والانهماك في كثير من هذه الأناشيد يورث عاطفة وانفعالاً عند بعض الناس، لكن دون بصيرة أو فقه، فهو يحِّرك المشاعر، ويؤجج العواطف. وقد استحوذ على الصوفية سماع القصائد فقلّ علمهم وعزّ فقههم، حتى قال سفيان الثوري: «أعزّ الخلق خمسة أنفس ـ وذكر منهم ـ: فقيه صوفي»(مدارج السالكين:2/330).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: «ولهذا غلب على منحرفة المتصوفة الاعتياض بسماع القصائد عن سماع القرآن، فإنه يعطيهم حركة حبّ من غير أن يكون ذلك تابعاً لعلم وتصديق.. وله تأثير من جهة التحريك والإزعاج لا من جهة العلم»(مجموع الفتاوى:2/42).

فالأجيال العاكفة على سماع النشيد لا تنال بذلك فقــهاً، ولا تحقق علماً بدين الله ـ تعالى ـ، وإنما هو ترنّم وتواجد، وانفعال عاطفي.

ـ والولع بسماع النشيد يزهّد في سماع القرآن العظيم، «ولذا تجد مَنْ أكثر مِنْ سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرهه»(اقتضاء الصراط:1/484)

وقد قال الإمام الشافعي: «خلّفت ببغداد شيئاً أحدثته الـزنادقة يسمونه التغبير، يصدون به الناس عن القرآن»(تلبيس إبليس 257)..
قال ابن تيمية ـ معلقاً على كلام الشافعي ـ: «وهذا من كمال معرفة الشافعي وعلمه بالدين، فإن القلب إذا تعوّد سماع القصائد والأبيات والتذَّ بها، حصل له نفور عن سماع القرآن والآيات، فيستغني بسماع الشيطان عن سماع الرحمن»(مجموع الفتاوى:10/532)

ويقول ـ في موطن آخر ـ: « فإن السكر بالأصوات المطربة قد يصير من جنس السكر بالأشربة المسكرة، فيصدهم عن ذكر الله وعن الصلاة، ويمنع قلوبهم حلاوة القرآن، وفهم معانيه، واتباعه، فيصيرون مضارعين للذين يشترون لهو الحديث ليضلوا عن سبيل الله...»(الفتاوي:10/43)

فالقلوب أوعية، فإن كان الوعاء مملوءاً بحبّ القصائد والأناشيد، فأين يقع حبّ القرآن وذكر الله ـ تعالى ـ في ذلك الوعاء؟!

وقال ابن الجوزي ـ في نقده الصوفية ـ: «وقد نشب حبّ السماع بقلوب خلق منهم، فآثروه على قراءة القرآن، ورقت قلوبهم عنده مما لا ترق عند القرآن، وما ذاك إلا لتمكن هوى باطن تمكن منه، وغلبة طبع...»(تلبيس إبليس:276)

ـ إن النشيد المنضبط بالضوابط الشرعية بديل محمود عن الأغاني الماجنة، لكن إذا وضع بتوازن في موضعه الصحيح، أما إذا أردنا أن نعرف الحكم الشرعي في ذلك النشيد المتفلت، فعلينا أن ننظر إلى مآلاته وعواقبه، وقد حرر شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيّم قاعدة في ذلك، وأعملاها على السماع المحدث، فكان مما قاله ابن القيم: "إذا أشكل على الناظر أو السالك حكم شيء: هل هو الإباحة أو التحريم؟ فلينظر إلى مفسدته وثمرته وغايته، فإن كان مشتملاً على مفسدة راجحة ظاهرة، فإنه يستحيل على الشارع الأمر بـه أو إباحته، بل العلم بتحريمه من شرعه قطعي. ولا سيما إذا كان طريقاً مفضياً إلى ما يغضب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- موصلاً إليه.

فكيف يظن بالحكيم الخبير أن يحرم مثل رأس الإبرة من المسكر؛ لأنه يسوق النفس إلى السكر الذي يسوقها إلى المحرمات، ثم يبيح ما هو أعظم منه سَوْقاً للنفوس إلى الحرام بكثير؟...» ـ إلى أن قال ـ: «... والذي شاهدناه ـ نحن وغيرنا ـ وعرفناه بالتجارب أن ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم، وفشت فيهم، واشتغلوا بها؛ إلا سلط الله عليهم العدو، وبُلوا بالقحط والجدب وولاة السوء. والعاقل يتأمل أحوال العالم وينظر، والله المستعان»(مدارج السالكين)

ـ هـذا النشيد المتهتك أنموذج من الترخص المتفلت في واقعـنا الحاضر، فقد ظهرت في الآونة الأخيرة توجهات ومؤلفات في التفـلت عن ضوابط الشرع، والتواثب على حرمات ـ الله عز وجل ـ مثل: حلق اللحية، وإباحة سماع الغناء، والتوسع في أنواع من المناكح والمكاسب والمطعومات دون التحقق من أحكام الشرع.

إضافة إلى ما هو أطم من ذلك كالتساهل في وسائل الشرك وذرائعه، وتهوين عقيدة الولاء والبراء، وغير ذلك.

وهذا الواقع يوجب على العلماء والدعاة أن يربّوا الأمة على أخذ الدين بقوة، والدعوة إلى التمسك بالسُّنة والعض عليها بالنواجذ، والحذر من تتبع الرخص والحيل المحرمة والأقوال الشاذة، وإحياء واعظ الله في قلوب أهل الإسلام، والتذكير بالوقوف بين يدي الجبار جل جلاله، الذي يعلم السر وأخفى، قال ـ عزَّ وجلَّ ـ: {بَلِ الإنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة: 14 - 15].
ــــــــــــــــــــــــــــ
عبد العزيز آل عبد اللطيف ـ البيان: 232

Post: #651
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:53 AM
Parent: #601

يتساءل الكبار عن ميول أبنائهم الاجتماعية بعد سن الطفولة ومقاربتهم للبلوغ: لماذا يزهد المراهقون في التأسي بالكبار؟ ويرفضون سلطتهم ظاهرا وباطنا؟ ولماذا يلجأ إلى جماعة الرفاق في تحديد ميوله وهواياته؟ وفي تحديد شكل ملابسه وهندامه؟ وفي كيفية قضاء وقت فراغه؟
هل يحتاج المراهقون ـ فعلا ـ إلى الرفقة أو الجماعة، بحيث لا يمكن الاستغناء عنهم، كضرورة صحية وتربوية؟ وما دور الرفقة في نمو شخصية المراهق؟ ولماذا يغترب مع رفقته وينزوي عن المجتمع وتظهر عليه علامات الجنوح أحيانا؟ ولماذا يمقت بعض المراهقين مجتمع الكبار ويثورون عليه، ويخرجون على أعرافه ويوجدون أعرافا خاصة بهم في التعامل والتخاطب، وأنماط اللباس وفي الاهتمامات والهوايات؟
هذه الأسئلة الكثيرة تكمن الإجابة عليها بمعرفة حالات النمو عند المراهقين وظروف هذا النمو الاجتماعية، والتي تتمثل في:

حالة المراهق وموقف الكبار:
يعيش المراهقون في حالة تبدل عضوي ومعرفي وانفعالي سريع ومتتابع، وهو تغير بلا شك يقرب الإنسان من الرجولة أو الأنوثة، أي من مجتمع الكبار، ويبعد به عن الطفولة، وهذا واضح في التحولات التي تطرأ على القدرات العقلية التي تؤهله للفهم، والمحاكمة العقلية، وتساعده في القدرة على البحث والنقاش، وإدراك وجهات نظر الآخرين. كما أنه واضح أيضا في التغيرات العضوية من الزيادة في الطول والوزن وظهور الشعر ونمو الأعضاء التناسلية.

كل ذلك يؤذن ببداية رجولته واكتماله، ولكن كثيرا من الكبار يرفضون ذلك ، أو لا يأبهون به، أو يصادمونه أحيانا. وهذا التصرف من الكبار يسئ إلى المراهق ويؤدي به إلى خيبة أمل، وشك، أو يؤدي به إلى معاندة الكبار، ونبذ سلطتهم، والارتماء في أحضان الرفقة، ويؤدي به أيضا إلى لضعف الارتباط أو عدم الاعتراف بأعراف الكبار، ونظمهم، بل وإلى الثورة عليها ومحاربتها باطنا أو ظاهرا.

المشاعر الجماعية:
حيث يحس المراهق بالحاجة إلى الانتماء إلى رفقة أو صحبة أو مجموعة تشاركه مشاعره، وتعيش مرحلته، يبث إليهم آماله وآلامه، وأفراحه وأتراحه، ويبثون إليه ذلك أيضا.. هذه الرفقة أو المجموعة تعنى بأحاسيسه ومطالبه، وتعمل لإشباعها، وقد تنجح وقد تخفق.. لكن هذه الرفقة ـ أحياناـ تخلص لبعضها، ولو في سبيل الشر، وتقوم على التعاون والتكامل فيما بينها. ولا يستغني معظم المراهقين عن هذه الرفقة، لأنها مطلب حيوي، وحاجة نفسية ملحة تقتضيها التغيرات الفجائية، والتحولات الجديدة والتي لا يجد المراهق الجواب عليها في حال عزلته وانزوائه، ولا يحسن التعامل معها بمفرده؛ فيلجأ إلى رفاقه أو أصحابه في مرحلته ومن أبناء سنه.

خصوصيات المراهق:
فهو يرى أنه ليس كالكبار، وخصوصا والديه الذين يفترقان عنه في السن افتراقا كبيرا. ويتجه المراهق إلى أساليب مختلفة في نمط هندامه وأسلوب حياته، وموضوعات اهتماماته، وفي أنواع الهوايات، وكيفيات قضاء وقت الفراغ.. وهو حساس لمقارنته بكبار السن ـ في هذا الجانب، وله منظار خاص لا ينتبه إليه كثير من الكبار.

تحقيق الذات:
إن محاولة تحقيق الذات وظيفة يمارسها الإنسان في شتى المراحل العمرية، كل مرحلة بما يناسبها، وتجتمع كلها في مفهوم واحد هو: أن الإنسان يقوم بالوظائف الملائمة لقدراته واستعداداته، ويمارس الأدوار المناسبة له، والمتوقعة منه، وينتج عن ذلك الشعور بالقيمة والأهمية والإحساس بجدية الحياة وغاياتها، أو ما يسمى تحقيق الذات.

والمراهق شاب يعيش مرحلة انتقال من الصبا إلى الرجولة مما يقتضي تغير موقعه ووظيفته الأسرية والاجتماعية: من حيث طبيعتها ومستواها ومقدارها.

والمراهق يبتغي تحقيق ذاته واختبار قدراته وتفريغ طاقاته، وهو يريد أن يبلو نفسه بممارسة الدور الاجتماعي، والقيام بالمسؤولية.. ومرحلته ومستوى نضجه يقتضيان رفض البطالة، ونبذ الهامشية الاجتماعية التي يفرضها الكبار عليه أحيانا. بل إن كثيرا من المراهقين يمقتون التبعية ويكرهون أن يكونوا عالة على غيرهم، إن شاء أعطاهم وإن شاء منعهم، وهم يسخرون داخل أنفسهم من هذا التعامل، كما أن مشاعر اللوم ومقت النفس تراودهم وهم يرون أنفسهم تبعا للكبار وعالة عليهم، وقد يموت هذا الإحساس أو يضعف إذا م يستغل في حينه، بتوجيهه الوجهة الصحيحة واستثماره في تربية المراهق وتهذيبه.

إن الحاجة إلى تحقيق الذات مطلب نفسي مهم للمراهق، ينبع من داخل نفسه، من أحاسيسه وهواجسه، ومشاعره المدعومة بالتحولات العضوية والمعرفية والانفعالية التي يمر بها جسده وعقله وانفعالاته. وهو لا يحس بالتنفيس عنها إلا إذا قام بالدور الاجتماعي المناسب، وتحمل المسؤولية، حسب مؤهلاته وقدراته وطاقاته.

لكن المجتمع الحديث غالبا ما يواجهه بنكران شديد، وإهمال بالغ. وغالبا ما تكون مشاعر ومواقف الكبارـ كالآباء والأمهات والمدرسين والأخوة الكبارـ مخيبة لآمال المراهقين قولا وعملا؛ فهم لا يأبهون بأن يحقق المراهق ذاته، من خلال استغلال طاقاته ومنحة للمسؤولية وعزو الوظائف المناسبة إليه.

بل إن الكبار ـ أحيانا ـ يسخرون من المراهقين، ويحتقرونهم أن يقوموا بمثل ذلك، ويتجه بعض الكبار إلى عدم الثقة بالمراهقين والمراهقات، وعدم الاطمئنان إلى ما يتولونه من أعمال، ويشعرونهم بذلك بطرق مباشرة أو غير مباشرة من خلال عزلهم عن ممارسة الأدوار المناسبة ومنعهم من تحمل المسؤولية، وصرف أعمال هامشية أو تكميلية إليهم أو أنشطة ترفيهية .

ويقوم الأعم الأغلب من الآباء بتوجيه أبنائهم إلى الدراسة وتفريغهم لذلك تماما، والاستغناء بذلك عن تكليفهم بأي أعمال أو مهمات تحقق ذاتيتهم، وتشعرهم بشيء من الاستقلالية وتبرز شخصياتهم، وتصقل قدراتهم الاجتماعية.

ويقوم النظام الاجتماعي والتربوي الحديث بتطويل فترة الطفولة والاعتماد على الغير حيث لا ينتهي الفرد من التعليم العام إلا في سن الثامنة عشر، ثم عليه أن يستمر في الجامعة إلى سن الثالثة والعشرين، وهو في كل ذلك تابع وعالة على المجتمع ماليا، واجتماعيا لا عمل له سوى الاستقبال فقط.

إن المجتمع بذلك يصادم متطلبات تلك المرحلة وحاجاتها الطبيعية مما يؤدي أحيانا إلى انحراف المراهق أو ضياعه أو سلبيته، أو إخفاقه في حياته، وفي أقل الحالات يؤدي إلى إهدار طاقاته وتعطيل قدراته .
وهكذا كلما اصطدمنا بالفطرة وبطبيعة النفس البشرية ارتفع معدل الوقوع في الانحراف.

إن هذا الكلام السابق يجعلنا نعترف بعظمة الإسلام حين اهتم بتحقيق ذاتية المسلم المراهق حين أمر بتعويد الطفل منذ صغره على العبادات والتأكيد على ذلك خصوصا حين اقتراب مرحلة المراهقة، ثم عند البلوغ يكلف الإنسان بالتكاليف الشرعية ويحمل مسؤولية نفسه في عباداته ومعاملاته وتصرفاته المختلفة.. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يأذن بالجهاد في سبيل الله وهو من أشق المهام وأصعبها لمن بلغ الحلم من الفتيان.. وهو ما يقودنا إلى الحديث عن أهمية العبادات في حياة المراهقين وهذا ما نعالجه في مقال آخر إن شاء الله، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اسلام ويب

Post: #652
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:56 AM
Parent: #601

الرجولة وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفيك إن كنت مادحا أن تصف إنسانا بالرجولة، أوأن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ. ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم، وترى مالا يخطر لك على بال، لكنك لاترى أبدا من يرضى بأن تنفى عنه الرجولة. ورغم اتفاق جميع الخلق على مكانة الرجولة إلا أن المسافة بين واقع الناس وبين الرجولة ليست مسافة قريبة، فالبون بين الواقع والدعوى شاسع، وواقع الناس يكذب ادعاءهم.
وفي عصر الحضارة والمدنية المعاصرة، عصر غزو الفضاء وحرب النجوم، عصر التقنية والاتصال، ارتقى الناس في عالم المادة، لكنهم انحطوا في عالم الأخلاق والقيم، صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض، تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا).
وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد، ورثوا منهم مساويء الأخلاق، وساروا وراءهم في لهاث وسعار، فلا للمدنية والحضارة أدركوا، ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا؛ فاندثرت الأخلاق والشيم مع عالم المادة، وصرنا بحاجة إلى تذكير الرجال بسمات الرجولة، وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالا لا صغارا ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكورة والرجولة من فوارق.
معنى الرجولة
الرجل: قد يطلق ويراد به الذكر: وهو ذلك النوع المقابل للأنثى، وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع كما قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر)، (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة).
وقد تطلق الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا.. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلا، وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى). فهي صفه لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها، وهي صفة أهل الوفاء مع الله الذين باعوا نفوسهم لربهم (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا). وصفة أهل المساجد الذين لم تشغلهم العوارض عن الذكر والآخرة (رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ). إنهم الأبرار الأطهار (فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ).
والذي يتتبع معنى الرجولة في القرآن الكريم والسنة النبوية يعلم أن أعظم من تتحقق فيهم سمات الرجولة الحقة هم الذين يستضيؤون بنور الإيمان ويحققون عبادة الرحمن ويلتزمون التقوى في صغير حياتهم وكبيرها كما قال تعالى: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، وعندما سئل عليه الصلاة والسلام: [من أكرم الناس؟ قال:"أتقاهم لله] (متفق عليه).
الرجولة بين المظهر والمضمون
الرجولة وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر، فرب إنسان أوتي بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال. فالرجولة مضمون قبل أن تكون مظهرًا، فابحث عن الجوهر ودع عنك المظهر؛ فإن أكثر الناس تأسرهم المظاهر ويسحرهم بريقها، فمن يُجلّونه ويقدرونه ليس بالضرورة أهلا للإجلال والتوقير، ومن يحتقرونه ويزدرونه قد يكون من أولياء الله وعباده الصالحين، وقد ثبت عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه قال: مر رجل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع. قال: ثم سكت، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: (ما تقولون في هذا؟) قالوا: حري إن خطب أن لا ينكح، وإن شفع أن لا يشفع، وإن قال أن لا يسمع. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا خير من ملء الأرض مثل هذا(. رواه البخاري، وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم على الله لأبره" (رواه مسلم).
مفاهيم خاطئة:
كثيرون هؤلاء الذين يحبون أن يمتدحوا بوصف الرجولة ولكن لايسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن هذه الأساليب:
1ـ محاولات إثبات الذات: التي غالبا ما يلجأ إليها الشباب المراهق، فيصر على رأيه ويتمسك به بشدة حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلبا بحد ذاته ظنا منه أن هذه هي الرجولة.
2 - التصلب في غير موطنه:والتمسك بالرأي وإن كان خاطئا، والتشبث بالمواقف والإصرار عليها وإن كانت على الباطل ظنا أن الرجولة ألا يعود الرجل في كلامه وألا يتخلى عن مواقفه وألا يتراجع عن قرار اتخذه وإن ظهر خطؤه أو عدم صحته.
3 - القسوة على الأهل: اعتقادا أن الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار، فتجد قسوة الزوج على زوجته والوالد على أولاده والرجل على كل من حوله.. مع أن أكمل الناس رجولة كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره صلى الله عليه وسلم.
ويوجد سوى ما ذكرنا أمور يحاول البعض إثبات رجولته بها رغم أنها لا تعلق لها بهذا الوصف إلا في ذهن صاحبها.. فمن ذلك: ظاهرة التدخين لدى الناشئة والصغار، أو مشي بعض الشباب مع الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن، أو التغيب عن البيوت لأوقات طويلة، أو إظهار القوة والرجولة من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين .. غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على اتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلالة.. والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها، فمالم تنطق حاله بذلك، ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط.
مقومات الرجولة
إن الرجولة نعت كريم لا يستحفه الإنسان حتى يستكمل مقوماته وتصف بمواصفاته، ومن هذه المقومات:
الإرادة وضبط النفس
وهو أول ميدان تتجلى فيه الرجولة أن ينتصر الإنسان على نفسه الأمارة بالسوء، فالرجل الحق هو الذي تدعوه نفسه للمعصية فيأبى، وتتحرك فيه الشهوة فيكبح جماحها، وتبدو أمامه الفتنة فلا يستجيب لها. فيقود نفسه ولا تقوده، ويملكها ولا تملكه وهذا أول ميادين الانتصار.. وأولى الناس بالثناء شاب نشأ في طاعة الله حيث تدعو الصبوة أترابه وأقرانه إلى مقارفة السوء والبحث عن الرذيلة، ورجل تهيأت له أبواب المعصية التي يتسابق الناس إلى فتحها أو كسرها؛ فتدعوه امرأة ذات منصب وجمال فيقول إني أخاف الله.
وإذا كان كل الناس يحسن الغضب والانتقام للنفس عند القدرة إلا أن الذي لايجيده إلا الرجال هو الحلم حين تطيش عقول السفهاء، والعفو حين ينتقم الأشداء، والإحسان عند القدرة وتمكن الاستيفاء؛ فاستحقوا المدح من الله {والْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} والثناء من رسوله كما في الحديث المتفق عليه:" لَيْسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ".
علو الهمة
وهي علامة الفحولة والرجولة وهي أن يستصغر المرء ما دون النهاية من معالي الأمور، ويعمل على الوصول إلى الكمال الممكن في العلم والعمل، وقد قالوا قديما: "الهمة نصف المروءة"، وقالوا: "إن الهمة مقدمة الأشياء فمن صلحت له همته وصدق فيها صلح له ما وراء ذلك من الأعمال".
أما غير الرجال فهممهم سافلة لا تنهض بهم إلى مفخرة، ومن سفلت همته بقي في حضيض طبعه محبوسا، وبقي قلبه عن الكمال مصدودًا منكوسا، اللهو عندهم أمنية وحياة يعيشون من أجلها، وينفقون الأموال في سبيلها، ويفنون أعمارهم ويبلون شبابهم في الانشغال بها. ليس يعنيهم كم ضاع من العمر والوقت مادام في اللهو والعبث، قد ودعوا حياة الجد وطلقوها طلاقا باتا، بل سخروا من الجادين واستعذبوا ماهم فيه من بطالة وعبث. تعلقت هممهم بأشكال وأحوال الفنانين الذين يعشقونهم، وقلوبهم بألوان الفرق التي يشجعونها، همة أحدهم بطنه ودينه هواه.
إنها صورة مخزية من صور دنو الهمة، وأشد منها خزيا أن تعنى الأمم باللهو وتنفق عليه الملايين، وأن تشغل أبناءها به.
إن رسالة الأمة أسمى من العبث واللهو؛ فهي حاملة الهداية والخير للبشرية أجمع، فكيف يكون اللهو واللعب هو ميدان افتخارها، وهي تنحر وتذبح، وتهان كرامتها وتمرغ بالتراب.
النخوة والعزة والإباء
فالرجال هم أهل الشجاعة والنخوة والإباء، وهم الذين تتسامى نفوسهم عن الذل والهوان. والراضي بالدون دني.
وقد كان للعرب الأوائل اعتناء بالشجاعة والنخوة، وكانت من مفاخرهم وأمجادهم. جاء في بلوغ الأرب: "والعرب لم تزل رماحهم متشابكة وأعمارهم في الحروب متهالكة، وسيوفهم متقارعة، قد رغبوا عن الحياة، وطيب اللذات... وكانوا يتمادحون بالموت، ويتهاجون به على الفراش ويقولون فيه: مات فلان حتف أنفه" حتى قد قال قائلهم:
إني لمن معشر أفنى أوائلهم .. ... .. قول الكماة : ألا أين المحامونا
لو كان في الألف منا واحد فدعوا.. .. من فارس؟ خالهم إياه يعنونا
ولا تراهم وإن جلت مصيبتهم .. ... .. مع البكاة على من مات ييكونا
فجاء الإسلام فربى أبناءه على الشجاعة والعزة والحمية، وهذب معانيها في نفوس أتباعه وضبطها فلم تعد عند أتباعه مجرد ميدان للفخر والخيلاء، بل هي ميدان لنصر للدين والذب عن حياضه. وجعل الجبن والهوان من شر ما ينقص الرجال كما قال صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شح هالع وجبن خالع" رواه أبو داود. وأخرج الشيخان واللفظ لمسلم عن أنس - رضي الله عنه- قال : " كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحسن الناس ، وكان أجود الناس ، وكان أشجع الناس..."
الوفاء:
والوفاء من شيم الرجال، التي يمدحون بها، كيف لا وقد كان أهل الشرك يفتخرون به قبل أن يستضيئوا بنور الإسلام، يقول أحدهم:
أَسُمَيَّ ويحكِ هل سمعتِ بغَدْرةٍ .. رُفع اللواءُ لنا بها في مجمعِ
إنا نَعْفُّ فلا نُريبُ حليفَنا .. ونَكُفُّ شُحَّ نفوسِنا في المطمعِ
وخير نموذج للوفاء لدى أهل الجاهلية ما فعله عبد الله بن جُدعان في حرب الفِجَار التي دارت بين كنانة وهوازن، إذ جاء حرب بن أمية إليه وقال له: احتبس قبلك سلاح هوازن، فقال له عبد الله: أبالغدر تأمرني يا حرب؟! والله لو أعلم أنه لا يبقي منها إلا سيف إلا ضُربت به، ولا رمح إلا طُعنت به ما أمسكت منها شيئاً.
وحين جاء النبي صلى الله عليه وسلم أنسى بخلقه ووفائه مكارم أهل الجاهلية. ومن أمثلة وفائه (عليه الصلاة والسلام) موقفه يوم الهجرة وإبقاء على رضي الله عنه لرد الأمانات إلى أهلها. وموقفه يوم الفتح من حين أعطى عثمان بن طلحة مفتاح الكعبة وقال: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء".
وحين تخلت الأمة عن أخلاق الرجال وساد فيها التهارج هوت وانهارت قواها حتى رثاها أعداؤها.
يقول كوندي - أحد الكتاب النصارى - حيث قال: "العرب هَوَوْا عندما نسوا فضائلهم التي جاؤوا بها ، وأصبحوا على قلب متقلب يميل الى الخفة والمرح والاسترسال بالشهوات".
وهناك مقومات أخرى كثيرة كالجود وسخاوة النفس، والإنصاف والتواضع في غير مذلة، وغيرها من كل خلق كريم وكل سجية حسنة كلما اكتملت في إنسان اكتمل باكتمالها رجولته. وهذا الكلام فأين العاملون؟
لقد كانت الرجولة إرثا يتوارثه الناس لا تعدو أن تكون بحاجة إلا إلى مجرد التهذيب والتوجيه، أما اليوم فقد أفسدت المدنية الناس، وقضت على معالم الرجولة في حياتهم، فنشكو إلى الله زمانا صرنا فيه بحاجة إلى التذكير بالشيم والمكارم وأخلاق الرجال.
اسلام ويب

Post: #653
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:57 AM
Parent: #601

الشباب هم عدة الأمة في حاضرها، ومعقد آمالها في مستقبلها، وهم وقودها في حربها وسلمها، وبفلاحهم يكون فلاح الأمة، وبضياعهم يكون ضياعها، لذا كان على الأمة أن تعدّهم إعدادًا حسنًا لحمل مسؤولية الأمة في غدها ومستقبلها.
وقد أدرك أعداء الإسلام أن قوة أي أمة تكمن في شبابها، فوجهوا سهامهم للنيل منهم، وأعملوا كل وسيلة لتخريب طاقاتهم، في وقت غاب فيه حماة الدين وتكالب أعداء الإسلام من كل حدب وصوب للقضاء على طاقات الأمة، والعمل على إفسادها، حتى حققوا ما أرادوا.
مشكلات متعددة
وعند تشخيص واقع شبابنا، نجد عددًا من المشاكل التي أصبحت تواجههم وتقف حائلاً أمام قيامهم بدورهم المنشود في خدمة الأمة وبناءها، ولعل من أهم هذه المشاكل:
أولا: ضياع الهوية الإسلامية، وذلك نتيجة سيطرة الإعلام اليهودي والغربي على الساحة العالمية، وما نتج عنه من تغلغل وغزو ثقافي استهدف عقيدة الأمة وتراثها، وذلك من خلال التشويه والتشكيك في عقيدتها ودينها، مُتبعًا في ذلك جملة من الوسائل منها:
· إضعاف العقيدة وزعزعة الإيمان عن طريق بث الصراعات الفكرية، وإثارة الشبهات، ونشر الأفكار والمبادئ الهدامة كالماسونية والبهائية والماركسية وغيرها.
· محاولة تجفيف المنابع الفكرية وتسميم الآبار المعرفية عبر رسائل الإعلام الرخيص.
· العمل على إفساد اللغة العربية والتهوين من شأنها،ووصفها بالقصور وعدم قدرتها على مواكبة تطور العصر، إضافة إلى نشر تعليم اللغات الأجنبية والترويج لها.
· العمل على تزييف التاريخ الإسلامي، والتشكيك في حوادثه وأخباره.
· العمل على إشغال المسلمين عامة والشباب منهم خاصة بالشهوات ووسائل الترفيه الفارغة، والتي تستهلك طاقات الأمة وأوقاتها فيما لا خير فيه.
· إفساد الأخلاق وإشاعة الفاحشة، وتشجيع الشباب والفتيات عليها تحت مسمى "التحرر" وإباحة الاختلاط والشذوذ الجنسي.
· استقطاب المرأة المسلمة، والتغرير بها، عن طريق دعاوى "تحرير المرأة" ومساواتها بالرجل.
· العمل على تجهيل العلم بحيث يفقد صلته بالخالق.
· العمل على "تغريب" الأمة عن دينها وطبعها بطابع المدنية الغربية.
ثانيا: غياب الوعي الديني والثقافي والسياسي، واستبدال ذلك بأفكار هدامة، وثقافات رخيصة تُمجد كل باطل وتافه، وتُعادي كل حق، ورافق ذلك ظهور ما يسمى بظاهرة "التحرير الفكري" الذي أخذ بَعْتَوِر كثيرًا من الشباب نتيجة اختلاطهم بمذاهب فكرية وتربوية مختلفة.
ثالثا: انتشار البطالة ضمن صفوف الشباب، نتيجة قلة فرص العمل المتاحة، وتدني الدخل الفردي مع انخفاض في مستوى المعيشة، كل ذلك دفع بدوره إلى بروز ظواهر جديدة بين الشباب كالفساد الأخلاقي والتحايل لتحصيل المال.. كما نتج عنه ظاهرة الهجرة وما رافقها من ترك الشباب لأوطانهم والبحث عن أماكن في بلاد الغرب تؤمن لهم العيش المناسب، هذا الوضع أدى في النهاية إلى ضياع الدين لدى كثير من الشباب المهاجر، إضافة إلى تفكك الروابط الأسرية والتحلل الخلقي.
رابعا: الثورة المعلوماتية والطفرة التحررية فيما يمكن أن نسميه بـ "ظاهرة الإنترنت"، فقد انتشرت شبكات "الإنترنت" في العديد بل في كل البلدان الإسلامية، والمتأمل يجد مفاسد عديدة ظهرت على أفواج الشباب ممن لم يُحسن استخدام هذه الوسيلة. ويكفي أن نذكر أن الإحصائيات تدل على أن نسبة 80 بالمائة ممن يدخلون مقاهي النت تقل أعمارهم عن 30 سنة، وأن أكثرهم يستخدمونه استخداما سيئا.
مصدر المشاكل
وإذا كانت تلك أهم المشاكل التي تواجه الشباب المسلم، فما هي الأسباب التي أدت إليها وساهمت في انتشارها وتفاقمها؟
لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي دفعت بالواقع الشبابي إلى أن يصل إلى ما وصل إليه، وأقتصر هنا على ذكر أربعة أسباب هي:
(‌أ) غياب القيادة الحكيمة والقدوة الصالحة، والتي تعمل على ملء طاقات الشباب بمثل الحق والعدل وتوجهها صوب جادة الرشاد والسداد، فكان لهذا الغياب القيادي دور بارز في ضياع طاقات الشباب، وتشتيت أفكارهم وابتعادهم عن شرع الله ومنهجه.
(‌ب) غياب الممارسة الشورية على كافة الصعد، ابتداءً بالأسرة وانتهاء بالدولة، وما رافق ذلك من مصادرة للرأي الآخر، وتغييب لثقافة الحوار، حيث نجد الأب في بيته مستبدًا برأيه، فهو صاحب القرار والمنفرد فيه أولاً وأخيرًا، والحال كذلك في كافة مرافق الحياة كالمدرسة والجامعة والمصنع والإدارة.. ونتج عن هذا الوضع تهميش الرأي الآخر أو مصادرته وربما محاربته مما جعل الشباب يشعرون بالتهميش وأنه لا دور لهم في صنع القرار أو الحياة عموما.
(‌ج) عدم استثمار أوقات الشباب بما فيه خيرهم وصلاحهم، فقد أضحى الوقت - وهو عنصر الحضارة الأساسي – المورد الأكثر تبديدًا وضياعًا في حياة الشاب المسلم، وأصبح فن "إدارة الوقت" من الأمور الغائبة عن تفكير وسلوك الشباب، واستبدل ذلك باللهو واللعب، كالجلوس خلف شاشات التلفاز ساعات طويلة لمشاهدة المباريات الرياضية والمسلسلات الفارغة والأفلام الهابطة.
(‌د) سيطرة وسائل الإعلام الرخيص كالتلفاز والفيديو وما رافق ذلك من انتشار المحطات الفضائية وشبكات الاتصال العالمية، والتي لعبت دورًا مهمًا في زعزعة إيمان الشباب بعقيدته ودينه، وزرعت فيه روح الخنوع والكسل والتساهل، ويممت وجه شطر التغريب والتحديث.
سبل العلاج
وإذا كان واقع الشباب المسلم على الصورة التي سبق الحديث عنها، فما هو السبيل الذي ينبغي السير فيه للخروج من هذا الواقع المؤلم؟
لا شك أن تجاوز هذا الواقع لابد فيه من تضافر كافة الجهود الفردية والجماعية لإصلاح أوضاع الشباب المسلم للخروج به من الحال التي آل إليها، والأخذ بيده إلى جادة الرشد والصواب، ولعل مما يساعد على ذلك:
1- العمل على إيجاد القيادات الرشيدة والحكيمة، والعاملة وفق شرع الله ومنهج نبيه، كحمل أمانة الأمة وإخراجها من المآل التي أفضت إليه.
2- توفير فرص العمل للشباب، والقضاء على البطالة، وفتح أبواب الإبداع أمامهم ليستطيعوا خدمة أنفسهم وأمتهم.
3- سد أبواب الفتن وطرائق الفساد وسبل الانحراف، واستغلال أجهزة الدول وخاصة الإعلام في توجيه الشباب ثقافيا وعلميا واجتماعيا بما يليق بأمة تحمل هم إصلاح نفسها أولا ثم إصلاح العالم كله
4- العمل على غرس عقيدة الإيمان بالله واليوم الآخر، مع زرع خوف الله ومراقبته في نفوس الشباب، وتربيتهم على الرغبة فيما عند الله من الأجر والثواب. إضافة إلى تزويد شباب اليوم ورجال الغد بالقيم الإسلامية التي تحافظ على أصالة أمتهم وتراثها، مع الدعوة إلى الانفتاح على تجارب الآخرين والاستفادة من كل ما فيه خير وصلاح.
5- العمل على ربط شباب الأمة بعلمائها وأصحاب الشأن فيها، وتنمية حب العلم والعمل في نفوسهم، والحرص على إبراز شخصية الشاب المسلم بصورة المسلم الحقيقي، الراغب في إعمار الكون .
وأخيرًا فإن ما نسعى إليه هو أن نربي شبابًا تقيًا ورعًا عالما مجاهدًا، بصيرا بأمور دينه ودنياه يعتز بهويته وانتمائه إلى إسلامه، وتراث أُمته، ويقود أمته بالعلم والدين لتستعيد مكانتها التي كانت تتبوؤها والتي خلقت من أجلها وهي قيادة الدنيا والأخذ بيد الخلق إلى سبيل السعادة في الدنيا والآخرة.
اسلام ويب

Post: #654
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 01:58 AM
Parent: #601

تقاليع غريبة ومشينة بدأت تظهر بين طلاب وطالبات الجامعة والمتصابين ، من أصحاب المال ، حيث يتحدثون الآن عن أنواع جديدة من الزواج لم نسمع بها من قبل ، وأقل ما يقال عنها: إنها فساد وانحلال خلقي وجريمة بكل المقاييس ، فهناك حالات زواج يقولون عنها زواج " الدم " أي يمزج الشاب والفتاة دميهما ، ليعلنا أنهما ارتبطا برباط مقدس يتيح لهما التصرف كزوجين ، وهناك زواج " الروح " هو تلاقي الأرواح والأجساد ، ثم زواج " الويك إند " عطلة نهاية الأسبوع ، أو زواج اليوم الواحد ، الذي لا يقتصر على الشباب ، بل يمتد إلى وسط رجال الأعمال .
قد يقول قائل : إن هذه الأنواع الشاذة من السلوكيات لم تنتشر كثيرًا بعد ، بين الشباب والفتيات ، ولم تصبح ظاهرة ، ولكنها موجودة بالفعل .

فساد خلقي :
ترفض سهى حسين (مهندسة) مبدأ وجود هذه الظاهرة الشاذة ، مشيرة إلى أن الله سبحانه وتعالى ميز الإنسان بالعقل وفضله به على سائر المخلوقات التي تسعى إلى إشباع غرائزها الشهوانية بغض النظر عن أي اعتبارات نفسية كانت أو أُسرية أو اجتماعية ، أما أن يتزوج الإنسان ليوم واحد بهدف قضاء شهوته ، فهو يتحول إلى ما يشبه الحيوانات فعلاً غريزة وهدفـًا ، وهذا كفيل بأن يدمر العلاقة الزوجية ، ويقوضها من أساسها .
ولذا أطالب الزوجات بأن يراعين أزواجهن وألا يهملن حياتهن العاطفية ؛ لأن ذلك يخلق جوًا من الحرمان عند الرجال ، فيبحثون عن تلك العاطفة المفقودة ، ولو ليوم واحد .
ويقول نور الدين عبد الحميد " موظف": أرفض تمامـًا مجرد فكرة هذا الزواج ؛ لأنه ببساطة شديدة يدمر الحياة الإنسانية .
ويتساءل : ما الداعي إلى هذا الزواج ؟ إن كان لمجرد إشباع الرغبة فما الفائدة منه ؟ وكيف لشخص سافر لقضاء حوائجه أن يتزوج لمجرد أنه يريد امرأة ليوم واحد ؟ فلماذا لا يأخذ زوجته معه ؟ إننا نقلد الغرب في هذا الأمر الذي لا فائدة منه .

زواج الدم :
وتطالب سهام مصطفى الطالبة في كلية الآداب ، الشباب والفتيات بضرورة البعد عن هذه التقاليع المشينة ، وتتعجب " كيف لإنسانة متعلمة على قدر من التربية والخلق ، والمفروض أنها تخاف الله ، أن تمارس الجنس مع شاب مدة يوم واحد، والادعاء بأنهما متزوجان دون علم الأهل؟ .
وتقول إن هذا الفعل سيكون دمارًا لها لأنها لم تعد بكرًا كما أنها وضعت نفسها في موضع الشبهات .
ويشير سعيد عبد العزيز " مدرس " إلى أن تأخر سن الزواج ، إضافة إلى العوامل المادية والظروف الاقتصادية الصعبة ، التي تواجه معظم الشباب لها تأثير كبير في ما نشاهده اليوم من انحراف في السلوك واعوجاج في الشخصية ، إضافة إلى الثقافة الغربية التي تفد إلينا عبر الفضائيات ، مما يدفع الشباب إلى التقليد الأعمى دون مراعاة لما يناسبنا ويناسب تقاليدنا وديننا ، وهذا في نظري زنا ، وأن اختلفت المسميات ، سواء أكان عرفيـًا أم بالدم أم بالروح ، أم ليوم واحد .
وترفض ريهام محمود الطالبة في كلية الطب ، أن تكون زوجة نهاية الأسبوع أو أيام العطلة فقط ، أو أي صورة أخرى ، غير الزواج الذي يرضاه والدها وترضاه الفطرة السليمة ، والزواج أساسه الاستقرار والعشرة الطيبة ، أما هذا الزواج فينتهي بمجرد زوال شهوة الطرفين ، وترى أن هذه التقاليع نجمت عن بعد الشباب عن الدين .

الزواج اتفاق :
وبالرغم من أن الأغلبية العظمى من الشباب ترفض هذا الزواج ، إلا أنه موجود بالفعل وله أنصار يدافعون عنه ويعتبرونه حلاً لمشكلاتهم العاطفية .
يقول : " س . ل . ع " رجل أعمال : أنا متزوج منذ 30 عامـًا ، وطوال هذه المدة لم تحاول زوجتي أن تتأقلم مع وضعي الجديد ، الذي يضطرني إلى السفر باستمرار ، ولذلك أتزوج بأخريات مدة يوم واحد ، وأتعجب من الذين يرفضون هذا الزواج ؛ لأنه بموافقة الطرفين ، وهذا مسجل في العقد ، الذي يتضمن هذا الشرط والمهر (المقابل المادي). الزواج نوع من الرضا والقبول بين الطرفين ، وهذا يساعدني كثيرًا في أداء عملي .
وتدافع " هدى .م " _أرملة وأم لثلاثة أولاد _عن هذه الفكرة قائلة : توفي زوجي منذ 3 سنوات ، وما زلت صغيرة وجميلة ، وإلى الآن لم يتقدم أحد لخطبتي ، وأنا على استعداد للقبول إذا جاءني شاب يطلبني للزواج مدة يوم واحد ، لأقضي معه يومـًا بعقد ، ولا تنسوا أنني بشر ولي متطلبات عاطفية .

رأي الدين :
ويقول الدكتور محمد زكي عبد المجيد ، الأستاذ في جامعة الأزهر : لابد أن يتوافر في الزواج شروط وأركان ، ومنها الإيجاب والقبول بين الطرفين وشاهد العقد ، والولي ، وإشهار هذا الزواج ، فإذا تحققت هذه الشروط كان زواجـًا شرعيـًا ، لكن زواج اليوم الواحد ، كغيره من ألوان الزواج الفاسدة ، وهو حرام ، ولا حجة لمن يقولون إن الزواج رضا وقبول ؛ لأنه قول غير صحيح ، والدين الإسلامي بريء منه ، الزواج الذي يقوم على تحقيق المتعة الجسدية مؤقتـًا بيوم واحد لا يمكن أن نقول إنه زواج .
ويطالب الشباب بأن يتمسكوا بعفتهم حتى ييسر الله لهم زواجـًا شرعيـًا ، ويدعوهم إلى التمسك بسنة المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأن يبتعدوا عن التقليد الأعمى .

ويقول الدكتور أحمد محمد الجداوي ، أستاذ علم النفس في جامعة الأزهر : إن الشباب في سن معينة يلجأ إلى التقليد الأعمى دون معرفة العواقب الناتجة عنه ، وغالبـًا ما يبدأ هذا التقليد في الجامعة ، وتبدأ معه علاقات الحب المشبوهة ، والتي تندفع فيها الفتاة بكل عواطفها تحت مسمى الحب ، والحب بريء منهم .
ويضيف قائلاً : إن الذين يقدمون على هذا الزواج المؤقت نوعان ، الأول : أولاد الطبقة ذات المستوى العالي " أولاد الذوات " ، والذين يذهبون لقضاء يوم في أي مكان سياحي بعيدًا عن البيت ، وبالتالي يصطحبون معهم الجنس الناعم ، ويتم الاتفاق على المدة والأجر ويزول العقد بزوال الشهوة .
والثاني : الطبقة الفقيرة ويقومون بهذا الزواج لإرضاء ضمائرهم وإقناع أنفسهم بأنهم لم يرتكبوا حرامـًا ، وإنما هو زواج ، هروبـًا من الظروف الصعبة وتقليدًا للغرب .
ويقول : إن هذه سلوكيات تحتاج إلى دراسة جادة ويتحمل المسجد والبيت والجامعة مسؤولية كبيرة تجاهها .
ــــــــــــــــ
المصدر: زهرة الخليج

Post: #655
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:00 AM
Parent: #601

حين طُلب من مراهقات وضع لائحة عن الأشخاص الذين يفضلن الحديث معهم، كانت المفاجأة أن الأم جاءت أخيراً. وأشارت هذه النتيجة «غير المتوقعة» لدراسة قام بها خبراء اجتماعيون إلى اختلال العلاقة بين الأم والابنة.

وبرّر العديد من المراهقات ذلك في كون «الأمهات لا ينصتن»، ما يجعل الأصدقاء ـ وحتى العالم الافتراضي الذي تنسجه خيوط الشبكة العنكبوتيةـ «الملاذ الأفضل» لتفريغ الشحنات والتعبير عما يراودهن.

ورأى أستاذ علم الاجتماع حسين العثمان الذي اشرف على الدراسة أنّ عدم إنصات الأمهات لبناتهن المراهقات يفسّر خشيتهن من أن يعرفن أشياء لا يرغبن بمعرفتها كتورط بناتهن في علاقات عاطفية، أو أن يضطررن للإجابة عن أسئلة ما زالت تعدّ من المحرمات بخاصّة الجنس.

ويضيف العثمان بأنّ هذا الأمر أشبه بـ «دفن الرأس في الرمال». فهو لا يفيد بل يزيد المشكلات تعقيداً مشيراً إلى أنّ «الحوار الإيجابي مع المراهقات يحميهن من الانزلاق في أتون الانحراف، لا سيما أنّ شلة الرفاق التي ستصبح مرجعيتهن غير مؤهلة أصلا للقيام بتلك المهمة التي تحتاج إلى خبرة وحكمة».

أمهات مشغولات
تقول إحدى المراهقات: «لا أتذكر أنني اشتركت مع أمي في حوار من أي نوع، كل ما تفعله من أجلي هو ترك المصروف بجانب المزهرية الخضراء». «هي لا تعلم أني أحتاج للتكلّم معها».. وتضيف أنها اختارت صديقتها شذى بديلاً متاحاً للاستشارة والاستماع. وأنهما تتحدثان معاً عن كل شيء: الموضة، الشبان، الدراسة، برامج التلفزيون، آخر الألبومات الغنائية، وعندما تصطدمان بما لا تعرفانه تلجآن الى الإنترنت الذي يجيب من دون «حرج أو تهرب».

أمّا مها وأعضاء شلتها فأجمعن أن «ماما دائماً مشغولة» على رغم أنهن اختلفن في تفسير أسباب الانشغال. تقول مها: «ماما أستاذة جامعية يستهلك عملها كل وقتها وأعصابها وبالتالي، فالمنزل بالنسبة إليها هو للراحة فقط».

أما سارة فتقول «ماما بتهلك بشغل البيت والتنظيف ورعاية إخوتي الخمسة ووالدي»، وهكذا فوالدتا مها وسارة مشغولتان بالعمل إما خارج المنزل أو داخله.

غير أن اللافت كان تفسير "ن.أ" لانشغال والدتها عن الاستماع إليها، إذ قالت «ماما مهووسة بقوامها، هي على أبواب الأربعين وهو أمر يثير قلقها». وتضيف: «تتردد أمي باستمرار على مراكز اللياقة البدنية والتجميل والأسواق لتبدو أصغر. أما أنا ففي آخر سلم اهتماماتها». وأجمعت فتيات الشلة أيضاً على «حبّ أمهاتهن» على رغم الاهمال المعنوي الذي يعانين منه.

الحوار ضرورة
ويلعب الحوار بين الأم وابنتها المراهقة دوراً أساسياً وفق تقريرات اختصاصيي علم النفس. فهو يقلّص فارق العمر بين جيلي الأمهات والبنات ويساعد البنات في تعزيز ثقتهن بأنفسهن ويحقق لهن الاستقلالية. كما أنّه يبقي الأمهات قريبات من بناتهن ومطلعات على مشكلاتهن وهمومهن، ما يمكّنهن من «التدخل السريع عند الحاجة».

ويعتقد الدكتور وليد شرف ـ أخصائي علم النفس ـ أنّ المراهقات يخسرن كثيراً بابتعادهن عن أمهاتهن. إذ أن القرب من الأم «يقدم الدعم النفسي للنمو، ويخفف من مشاعر الكبت والقلق والخوف».

ويحدد الدكتور شرف جملة مفاهيم خاطئة تعوق الحوار بين الأم وابنتها من أبرزها التعليقات الجارحة أو الاستهزاء بكلام المراهِقة، وكثرة مقاطعتها وعدم الاكتراث بها، وإصدار الأحكام المسبقة قبل الانتهاء من الحوار، والاتهام المباشر واللوم والتهكّم واستخدام الألفاظ النابية أثناء الحديث.

ويشدد شرف على أن «معطيات العصر المغرقة بالرقمية أثرت في العلاقة بين الأم وابنتها المشغولة بالكومبيوتر والهواتف» منبهاً الأمهات الى ضرورة أن تشعر الفتاة باستمرار بأن أسرتها هي ملاذها لمواجهة المشكلات التي تعترضها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحياة: ليلي خليفة

Post: #656
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:01 AM
Parent: #601

الصغير يكبر، والذي كنا بالأمس نحاول إسكاته، أصبحنا اليوم نفكر في سحب الكلمات من فيه، وصرنا نطرح على أنفسنا أسئلة عدة: لماذا لا يطلعنا على عالمه؟ وما هي الشعرة التي تفصلنا عنه؟
يقول البعض: إن علينا أن نظهر لهم الحب والحنان، لنحاول كسب ثقتهم، ويرى البعض بأن علينا أن نراقبهم عن قرب، وهناك أطروحات كثيرة، لكن أيها الحل الأمثل؟



تبدأ هذه الرحلة من كتمان الأسرار تحديدًا في سن المراهقة، وهو المقطع الذي يشكل أخطر مفترق طرق يمر به الشاب والفتاة. ونحن هنا نحاول وضع أيدينا على هذه القضية الشائكة وهي: لمن يبوح الأبناء بأسرارهم؟ ولماذا لا يبوحون بأسرارهم لأهليهم؟

خصائص المرحلة
يقول علماء الاجتماع إن الفجوة الموجودة بين الآباء والأبناء تبدأ بالاتساع بشكل كبير في سن المراهقة، ومن خصائص هذا العمر من الناحية النفسية أنه عمر غير مرتاح، قلق، متقلب. فالشاب الصغير لم يعد طفلاً، كما لم يصل بعد إلى مرحلة النضوج، أول ما يرفضه المراهق هو أن يقرر الآخرون بدلاً عنه، وهذا الشعور بـ (الأنا المجروحة) يسبب عنده الرفض والثورة والبعد، وعلى القائد في هذه المرحلة أن يتحلى باللين، كي لا يكسر شوكة المراهق، والقوة كي لا يخسره.



هذا العمر هو عمر العقل المفكر، عمر البحث عن البراهين، وبالتالي فالعمل والبحث الشخصي هو ما يعتقدون أنه يوصلهم، فالحقيقية ليست ما يقوله القائد، وإنما ما يكتشفه المراهق بنفسه، ومع ذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تفكير المراهق ليس متينًا، لذا يجب السماح له بالتفكير على قدر ما يستطيع ومرافقته في اكتشاف عالم الفكر اللامتناهي.. فهي تربية التفكير الذاتي ومناسبة الإنماء؛ فالخط التربوي في هذا العمر يتم من خلال تحليل الواقع، وصقله في تعابير واضحة وعملية.



على من تقع المسؤولية
وأما مسؤولية إخفاء المراهقين أسرارهم وعدم البوح بها إلى الأهل، فيرى الدكتور "ماهر أبو زنط" أن الجانب الأكبر منها يقع على الأبوين، ويجب على الوالدين السعي إلى التقرب من المراهق دون أن يمس هذا باحترامهما له، كما أن عليهما أن يظفرا بصداقته واكتساب ثقته حتى يتعود الابن على البوح والصراحة مع أبويه، وبهذا يظل الوالدان على دراية بما يواجهه المراهق فيواجهانه بالنصح والإرشاد ليكتمل واجب الآباء تجاه الأبناء.

أما المراهقون أنفسهم فلهم رأي آخر.. فيقول م.يوسف (16 عامًا): ربما الخوف من العقاب هو السبب، فمنذ صغري وأنا أسمع كلمات الزجر والنهي، فهذا عيب، وهذا حرام، وهذا ممنوع، وذاك لا يجوز...، فتأصل الخوف لدي منذ الطفولة، بأن ما أتحدث به قد يحرجني أما الأهل، فأضطر إلى أن أفتح باب قلبي إلى صديقي، وأخفي عن أبي وأمي ما أشعر به.

وعندما سئل أحد المراهقين (17 عامًا): لماذا لا يبوح الأبناء بأسرارهم؟ أجاب وقد علته مشاعر الغضب: أين هم الآباء أصلاً؟ همّهم توفير الشراب والطعام والملابس، والاحتياجات الأساسية لحياتنا، أما حاجاتنا النفسية فهي آخر ما يفكرون به.



ولا يختلف الأمر كثيرا بالنسبة للفتيات المراهقات عن الشباب في اتهام الأهل بالتقصير وعدم الاهتمام.. فتقول نجلاء (16 عامًا): إن أهلي لم يقوموا – ولو لمرة واحدة – بفتح باب الحوار معي، وأشعر أحيانا بأنهم يحاولون التهرب من الاستماع إليَّ.. وحاولت مرات كثيرة أن أفاتح أمي، لكنها كانت تتهرب مني. أما الشخص الذي تبوح نجلاء بأسرارها له فهو دفتر مذكراتها. فقالت: أسجل كل ما يخص حياتي في مذكرات يومية، وهو بالنسبة إليها البئر الذي تلقي فيه بكل أسرارها.

المراهقون في قفص الاتهام
وبعد أخذ آراء المراهقين كان لابد للاستماع لآراء الآباء ومعرفة وجهة نظرهم في تلك القضية.. يقول أحد الآباء (43 عامًا): أبناء اليوم جيل متفتح، متمرّد على الواقع بكل أشكاله، يهرب عندما يجد نفسه مضطرًا إلى الاعتراف بخطيئته؛ لذا ينأى بأسراره بعيدًا عن أهله، هذا ما قاله الأب.. أما زوجته الأم (35 عامًا)، فعلّقت على الموضوع قائلة:

أنا أم لولدين أحاورهما، وأحاول أن أزيد مساحة التفاهم بيننا، إلا أنني كلما اقتربت منهما، ابتعدا عني، وأشعر أحيانًا بأنهما يعيشان في عالم آخر غير العالم الذي أعيش فيه، وأراقبهما عن قرب لأعرف تفاصيل عالمهما الذي أشعر بأنه مليء بالأسرار التي لا يستطيعان البوح بها لي، ولا أعرف السبب، وأنا حائرة معهما.



أما أ.جابر (54 عامًا) فيشكو من تصرفات أبنائه الذين لا يسمحون له بالاقتراب من خصوصياتهم، ويقول: عندما أسمع أبنائي يتحدثون في موضوع ما، وأحاول مشاركتهم فيه، فإنهم إما أن يغيروه، أو يتوقفوا عن الحديث، وكأنني غريب عنهم، ولست والدهم.

وعن السبب تحدث جابر – وقد بدت عليه علامات الغضب -: مشكلة أبناء اليوم بأنهم يظنون أنفسهم أنهم أكثر وعيًا من أن يناقشهم الكبار.

علم النفس .. والتنشئة
وأما أساتذة علم النفس فقد أكدوا على لسان الدكتور عبد الله عسَّاف – رئيس قسم علم النفس في جامعة النجاح – أن سبب الفجوة هو الجو الذي أصبح يعيشه الأبناء والآباء، وهو عصر السرعة، والانفتاح. وأضاف: إن الأبناء لا يثقون برأي الآباء ويرون الآباء ليسوا على قدر من الوعي والمسؤولية في تحمّل الأسرار، وكذلك هناك من الأبناء من يخشى فضح أسراره خوفًا من العقاب، ولعل من الأسباب أيضًا: عدم عيش المراهق منذ الصغر في جو من المحبة والحنان مما يجعله يبحث عن بديل في الخارج، وهذا يشكل خطرًا كبيرًا على مستقبله، خاصة إذا سلك طريقًا غير صحيح، وكان بعيدًا عن الرقابة.



وأضاف د.عساف: إن الطفل عندما يبلغ سن المراهقة تطرأ عليه تغيرات فجائية في بداية النضوج، لقد جرت العادة في مجتمعاتنا العربية على تجنب الآباء الحديث إلى الأبناء عما يصيبهم في هذه السن من تغيرات؛ لذلك يجد المراهق نفسه حائرًا وقلقًا؛ إذ يلاحظ التغيرات النفسية والجسدية التي تصيبه، وهو لا يدري ما سر هذه التغيرات، فيحاول أن يستمد المعلومات فيما بينهم.



ويرى أساتذة علم النفس أن التغيرات الجسدية والنفسية التي تظهر على الطفل، وهو في سن المراهقة تجعله يشعر بالفرح أو الحزن، فالفرح ناتج عن شعوره بأنه مقبل على مرحلة الرجولة، أما الخوف فهو ناتج عن شعوره بالأعراض الطبيعية التي تصيبه، فهو يجهل أنها طبيعية أم لا، وهذا الجهل يجعله يخشى الكشف لوالديه عما يصيبه؛ ظنًّا منه أن سؤاله خارج عن نطاق الاحترام والأدب، ولكي يتدارك الأهل مثل هذه الأمور يجب أن يبدؤوا بشرح الأمور إلى المراهق بطريقة مبسطة، لكي لا يحصل على معلومات من الخارج ربما تكون خاطئة.



رأي التربية
وكان لمتخصصي التربية أيضا مشاركة في المشكلة حيث يقول الدكتور فواز عقل: إن مشكلة تربية المراهقين من المشاكل التي تؤرق الكثيرين من المتهمين بأمور التربية؛ إذ إن الأولاد يبقون حتى سن معينة، تحت قبضة الوالدين، لكنهما كثيرًا ما يسيئان استثمار هذه السيطرة، ليندما بعد خروج الولد عن دائرة قبضتهما.

وقال د.فواز: إن الأسباب وراء اتساع الفجوة بين الأبناء والأهل أسبابها كثيرة، فمنها مثلاً المشاكل النفسية التي يدخل بها الطفل، عندما يشاهد مثلاً خوفًا أو نزاعًا بين والديه، أو انشغالهما عنه بشؤونهما الخاصة، مثل هذه الأمور قادرة على صنع جدار سميك بين الأبناء المراهقين وأهلهم، وأيضًا هناك عناصر مؤثرة في تربية المراهق وسلوكه.. فمنها ما هو ذاتي، كالصفات الوراثية، والبنية النفسية والعقلية، ومنها ما هو محيطي، كسلوك الآباء والأقارب المنحرفين، والأصدقاء، والجو المدرسي، وأخيرًا وسائل الإعلام المختلفة.

ما العمل؟!
وبعد أن عرضنا وجهات نظر جميع الأطراف في هذه القضية الخطيرة كان لابد من السؤال الأهم وهو ما الحل وما العلاج؟
يقول الدكتور عبد الله عساف: إن التعامل مع فئة المراهقين في غاية الخطورة سواء كانوا بنين أو بنات، ولابد أن يكون هناك حذر في التعامل معهم، حتى لا تكون هناك ثغرات يستغلها المراهقون في سلوكياتهم الحياتية، ولابد من تقليص الفجوة بين الأبناء والأهل عن من خلال الاهتمام بالبعد النفسي للمراهق أو الشاب. والاهتمام بالبعد العاطفي كالحساسية والاضطرابات والقلق والصداقة والخصومة، وما شاكل ذلك من الحالات التي تعتري حياة المراهق والشاب.



بينما يرى دكتور التربية فواز عقل أن تقليص الفجوة يتم من خلال التوصيات العملية لتربية المراهقين تربية حوارية هادفة. ويوصي الآباء بضرورة إنشاء صداقة مع الولد، والابتعاد عما هو سائد في مجتمعات الشرق من أسلوب (العصا والخيزران)!.

إن من شأن هذه الصداقة أن تجعل الولد يشكو همومه إلى والديه – وهما الأعرف بما يصلحه – بدلاً من الالتجاء إلى الغرباء..كذلك من التوصيات، إظهار حبهم ومشاعرهم ورضاهم للأبناء، والابتعاد عن الاتهام وسوء الظن؛ إذ يلاحظ أن الولد عندما يرى نفسه متهمًا في المنزل، فإنه سيفقد الثقة بنفسه، ومن هنا ينبغي على الأب الذي يرى من ولده بادرة حسنة أن يستثمر الفرصة ويشجعه ويمتدحه معبرًا عن ذلك بفرحة، وإلى أن يقوم كل بدوره تبقى الفجوة والجدار آخذين بالاتساع.. فهل نستطيع إيقافهما وتلاشي خطرهما المحدق بنا؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الإسلام اليوم(12) بشار دراغمة

Post: #657
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:03 AM
Parent: #601

لا شك أن زي الفتاة ومظهرها دليل عفتها وطهارتها أو علامة على عكس ذلك، ومن خلال ما تلبسه المرأة يمكن في أكثر الأحوال الحكم على نوع ما تحمله من فكر وخلق.

ولا يستطيع أحد أن ينكر أن المرأة كلما كانت محتشمة في زيها متأدبه في مشيتها مع وقار في هيئتها كل ذلك ينم عن داخل نقي ومنبت زكي ونفس طاهرة، وبقدر ما يظهر ذلك على الفتاة بقدر ما تبتعد عنها همم اللئام وأفكار وأنظار الذئاب، وأطماع الكلاب، وتطلعات مرضى القلوب، ولصوص الأعراض.

والفتاة التي تتفنن في إظهار مفاتنها من خلال الموضات المثيرة التي تظهر أكثر مما تخفي سواء بإظهار مفاتن البدن من خلال لبس الأزياء العارية أو الضيقة التي تصف تقاطيع البدن أو الخفيفة التي تشف عما تحتها أو من خلال الموضات الصارخة والعجيبة والغريبة التي تلفت الانتباه وتعلق عين الناظر هذا كله يعرض الفتاة لأن يتعرض لها الفسقة ومرضى النفوس والقلوب .. وهي في ذات الوقت تعرض نفسها لخطر هي في غنى عنه.

والغريب أن فتياتنا وبناتنا بتن يلهثن وراء الموضات في سعار غريب ورغبة محمومة للبحث عن كل جديد حتى وإن كان يخالف شريعتنا وعقيدتنا بل وأعرافنا أيضا، وفي كثير من الأحيان تكون الحالة المادية للأسر لا تسمح بمثل هذا التطرف في اختيار الموضات الذي تصر عليه بناتنا وفتياتنا بحجة الظهور بالمظهر اللائق وعدم الإحراج أمام بقية البنات في المدارس أو الطالبات في الجامعة أو الزميلات في العمل..

ونظرة إلى واقع مدارسنا المتوسطة والثانوية وجامعاتنا وشوارع كثير من بلداننا مع إطلالة سريعة على ما تعرضه محلات الأزياء في أسواقنا تدلنا على واقعنا ومدى ما وصل إليه فكر نسائنا وبناتنا، وقد وصل الحال في بعض البلدان أنك لا تستطيع أن تفرق بينها وبين شوارع أوروبا وبلاد الغرب.. وهذا نذير شؤم أن يصل حال نسائنا يوما إلى ماوصل حال نسائهم إليه.

هذا الكلام أعلم أنه لا يعجب دعاة التحرر حملة لواء الاختلاط ودعوات المساواة .. وغيرها من المسميات المزيفة، الذين يرون في عفة المرأة ردة عن طريق الحرية وتخلفا عن طريق المدنية، وانتكاسا في المنظومة الفكرية!! وربما لا يعجب هذا الكلام أيضا بعض أخواتنا الفتيات ظنا منهن أن هذا افتئات على آرائهن الفكرية واختياراتهن التحررية، وحريتهن الشخصية. أو يرين أن الواقع على خلاف ما نقول وأن نظرتنا نظرة تشاؤمية أو مبالغا فيها..

ولذلك سنترك الكلام لمن سبقنا في هذا التحرر المزعوم ونال منه المطلوب وزيادة فكانت العاقبة ما أظهره استطلاع أجرته منظمة العفو الدولية في لندن، وشمل نحو 1000 رجل وامرأة، حيث كانت النتيجة أن السبب الأساسي لجرائم الاغتصاب التي يشهدها الشارع البريطاني، تعود لـ"عبث المرأة" و "لباسها الفاضح"، لتتحمل، بذلك، مسؤولية تعرضها للاعتداء.

وقد تفاجأ المشاركون في الاستطلاع بأن معظم جرائم الاغتصاب لا تتم من قبل غرباء كما كانوا يعتقدون، حيث تظهر الوقائع أن 80% من هذه الاعتداءات تحدث من قبل أصدقاء، أو أشخاص معروفين من قبل الضحايا.

وأعربت المشرفة على الاستطلاع كات ايلين، عن "قلقها الشديد" تجاه هذه الأرقام، مشيرة إلى ضرورة اتخاذ الحكومة البريطانية لخطوات تجاه هذه الجرائم. ولفتت إلى أن أغلبية المشاركين في الاستفتاء يعتقدون أنه توجد أكثر من 10 آلاف امرأة تتعرض للاغتصاب سنوياً، بينما يتجاوز الرقم الحقيقي لحالات الاغتصاب، بحسب الخبراء، الـ 50 ألف امرأة سنويا.

ومن النتائج التي خلص إليها الاستطلاع، اعتبار 30 % أن العديد من النساء يتحملن مسؤولية تعرضهن للاغتصاب لأسباب عدة منها اللباس الفاضح والمظهر المثير.(انتهى الخبر).

ومن هذا الاستفتاء نعلم أن هناك 137 حالة اغتصاب يوميا .. ولذلك ضج الغيورون وأصحاب العقول وأولياء الأمور في الغرب وضاقوا ذرعا بما وصل إليه حال المرأة هناك، وبدأ الكثيرون يطالبون باتخاذ إجراءات لإصلاح الأحوال في الوقت الذي يسعى أناس في بلادنا لنبدأ نحن الطريق من أوله بل من آخره إذ إن نهاية المرأة الغربية هو ما يريد دعاة السفور أن يكون بداية للمرأة المسلمة والعربية.

إن الله سبحانه لما كان أعلم بما يصلح العباد والبلاد والرجال والنساء، أمر المرأة أن تخفي مفاتنها وتستر نفسها عن كل من لا يحل له النظر إليها فقال لنبيه صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً" الأحزاب:59

فأمر الله المسلمة بالحجاب الذي هو علامة العفاف والطهارة يستر جميع بدنها، صفيقاًً لا يشف، فضفاضاً واسعاً لا يصف، لا يشبه ملابس الكافرات، ولا ملابس الرجال، وليس بزينة في نفسه، ولا بثوب شهرة.. فلا يلفت نظرا ولا يبعث على ريبة.. فإذا رأى منها أحد هذا الظاهر لم تطمح إليها عينه ولم يطمع فيها قلبه؛ فيحفظها حجابها ووقار ثيابها من التعرض للمعاكسات وسماع كلمات الغزل النابيات أوالتعرض لها بما هو أكبر من ذلك.

إن حجاب المرأة تشريف وتكريم لها، وليس تضييقا عليها، بل هو حلة جمالها وصفة كمالها، وهو أعظم دليل على إيمانها وسمو أخلاقها، وطاعة ربها واتباع نبيها "ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما".
اسلام ويب

Post: #658
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:05 AM
Parent: #601

يوسف وامرأة العزيز .. ودرس في العفة للشباب
شبابنا هم أبناؤنا وإخواننا وأحبابنا، كلنا يعلم ما يعانونه في شبابهم من مشكلات تواجههم في حياتهم.. ولعل مشكلةَ تأجج الشهوة في تلك الحقبة من العمر وانتشار دواعيها مع قلة مصارفها الحلال هي واحدة من أكبر هذه المشكلات، بل وأهمها لدى إخواننا الشباب..

وإذا كانت العفة مطلبًا شرعيًا واجتماعيًا ـ صيانة للدين وحفاظًا على المجتمع بحفظ أهم طبقة فيه ـ فلا يخفى صعوبة هذا المطلب في مثل زماننا، زمان الفضائيات والدشوش والكليبات والشبكات العنكبوتية والتي تتكاتف جميعًا لعولمة النمط الثقافي والاجتماعي الأمريكي خاصة والغربي عامة بما فيه من إباحية جنسية، وهدم للمنظومة الأخلاقية، ومغايرة للمفاهيم الإسلامية والشرقية.

وكل هذا يجب أن لا يحملنا على اليأس والاستسلام والرضا بالواقع، بل على العكس ينبغي أن يحث الهمم ويهيج على العمل لدرء الفتن وصيانة الشباب.
ويبقى الأمل في نفوسنا وحسن ظننا بشبابنا بابًا ندخل منه لدعوتهم لمجابهة الشهوات وعدم الرضوخ لها والوقوع في أسرها.

قصة يوسف
إننا حين نتحدث عن مواجهة الشهوة لا نتحدث عن أمر معجز يستحيل الحصول عليه، وإنما مطلب واقعي ممكن، وإن كان صعبًا. وقد قص علينا القرآن قصة من قصص الشباب مع الشهوة ليتخذ شبابنا منها قدوة وأسوة ودرسًا عمليًا في كيفية التعامل مع مثل هذه المواقف، ويتعرف على الأسباب المعينة على الخلاص من ورطاتها.

إن الواقع الذي عاشه يوسف عليه السلام هو في الحقيقة أشد من أي واقع يقابله شاب منا، فلقد تهيأت له كل أسباب الفاحشة ودواعيها :
فالشباب والقوة والشهوة متوفرة؛ فقد كان في عنفوان شبابه، وهو يحتاج لتصريف شهوته وهو عزب، ولا مصرف له حلال، وقد بذلت له ولم يسع إليها..
والمرأة جميلة؛ فهي زوجة العزيز ومثله لا يتزوج إلا بأجمل النساء.
ولا خوف من العقوبة؛ فالمرأة هي الطالبة والراغبة، وقد طلبت وأرادت بل وراودت، فكفته مؤنة التلميح أو التصريح بالرغبة.
وقد أغلقت الأبواب عليهما ليكونا في مأمن، ولترفع عنه حرج الخوف من الفضيحة.
ثم هو غريب في بلد لا يعرفه أحد؛ فلا خوف من أن يفتضح، وهو خادم وهي سيدته، فهو تحت سلطانها وقهرها، فيخاف إن لم يجبها أن يطوله أذاها.
وقد عانى عظم الفتنة وشدة الإغراء.. فالمرأة لا شك قد أعدت للأمر عدته وبيتته بليل وخططت له، فدخلت وأغلقت الأبواب كل الأبواب، وبدأت في المراودة، ومثل هذه لابد أنها تزينت بكل زينة وجمعت كل فتنة، فما ملك إلا الهرب، وأنقذه هذه المرة وجود سيده لدى الباب رغم أن ردة فعله كانت مخيبة للآمال.

تكرر الإغراء
لقد تكرر الموقف لا شك مرات، وقد هددته وتوعدته وخوفته بالسجن، ورأى جرأتها على زوجها وقدرتها على تنفيذ أمرها، وإصرارها على تحصيل مبتغاها في قضاء وطرها، والإعلان بذلك أمام النسوة في وقاحة وعدم حياء أو خوف، مع أمنها مكر زوجها؛ فهو كأكثر رجال هذه الطبقة لا يمثل الطهر والشرف كبير قيمة لديهم وهذا ظاهر من موقفه: {يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين}[يوسف:29].

لقد أعلنتها صريحة: {ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ولئن لم يفعل ما آمروه ليسجننَّ وليكونًا من الصاغرين}[يوسف:32]. فما وجد الصدّيق بعد كل هذا إلا أن يعتصم بالله، وأن يقدم رضًا الله على هوى النفس، بل ويرضى بالسجن (وأرجو أن نلاحظ ذلك) ترك اللذة والشهوة، وآثر عليها السجن بما فيه، وهو لا يدري متى سيخرج منه، ولعله لا يخرج أبدًا، لكنه كان أحب إليه من رغبة الشباب ولذة الحرام، فأطلقها صريحة: {رب السجن أحب إليَّ مما يدعونني إليه وإلا تصرف عني كيدهنَّ أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين}[يوسف:33].

إننا يا شباب نحتاج إلى استحضار هذا الموقف وأشباهه لنتخذه أنموذجًا يحتذى، ومثلاً يقتدى، ونتشبث بما تشبث به يوسف لننجو من أغلال الشهوة وذل المعصية.

قوارب النجاة:
لقد تمسك الصادق العفيف "يوسف" بأمور كانت سببًا بعد توفيق الله وحفظه في عصمته وصيانته، ولو تمسك بها كل واحد منا لبلغ بأمر الله بر الأمان كما بلغه يوسف:

أولها: خوف الله ومراقبته
لقد كان في خلوة لا يراه من البشر أحد، والضغوط كلها عليه، ومداخل الشيطان كثيره، فما بحث عن تبريرات، ولا استسلم لوخز الشهوات واستحضر في ذلك الموقف العظيم خوفه من الله تعالى ومراقبته له، وتعظيمه لحق الله تعالى فقال لما راودته بملء فيه: {معاذ الله}، {إنه لا يفلح الظالمون}.

وما أجمل هذا الخوف وما أجل عاقبته التي أخبر بها نبينا صلى الله عليه وسلم في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ومنهم: "...ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله...".

ثانيها: توفيق الله وحفظه لعبده:
فلما رأى الله تعالى منه صدقه وصبره صرف عنه السوء وصرفه هو عن السوء صيانة له وتكريما وجزاء على عفته: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].

ثالثها: فراره عن أسباب المعصية:
فلما رأى منها ما رأى، وخاف على نفسه فر منها وهرب إلى الباب يريد الخروج، وهي تمسك بتلابيبه وهو يشد نفسه وينازعها حتى قدت قميصه من شدة جذبها له وشدة هربه منها.

وهذا الفرار هو أعظم أسباب النجاة، فالفرار من الأسواق المختلطة، والفرار من المتنزهات، والفرار من الخلوة بالأجنبيات، وصيانة النظر عن رؤية المحرمات والعورات، والبعد عن مواقع الشهوة والعري في النت والفضائيات، كلها من أسباب الفرار بالدين من الفتن .. وخلاصتها غض الأبصار عن الوقوع في حمى الأخطار.

كل الحوادث مبدأهـــا من النظــر *** ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها *** كمبلغ السهم بين القــــــوس والوتر
يســــر مقلته ما ضــــــر مهجته *** لا مرحـــــبا بسرور جاء بالضرر

ومن صدق الفرار أن يفر الواحد منا من قرناء السوء الذين يذكرونه بالمعاصي، ويحدثونه عنها وعن سبلها ووسائلها وكيفية الوصول إليها، بل ويمدونه بها وييسرونها عليه،، فهؤلاء معرفتهم في الدنيا عار وفي الآخرة خزي وبوار .

ومن أراد السلامة فليلزم أهل التقى ومواطن الخير وأصحاب العبادة كما قال العالم لقاتل المائة نفس: "ودع أرضك هذه فإنها أرض سوء واذهب إلى أرض كذا فإن فيها قوما يعبدون الله تعالى فاعبد الله معهم".

رابعها: الدعاء والالتجاء إلى الله:
فقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها ويصرفها كيف يشاء، فهو سبحانه القادر أن يثبت قلبك ويصرف همم أهل السوء عنك، والتوفيق كله بيده، والخذلان أن يكلك إلى نفسك. وقد علم يوسف ذلك؛ فالتجأ إلى الحصن الحصين والركن الركين: {وإلا تصرف عني كيدهم أصب إليهنَّ وأكن من الجاهلين * فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهنَّ إنه هو السميع العليم}[يوسف:33، 34]. فإذا أردت العصمة فاعتصم بربك: {ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم}[آل عمران:101].

خامسها: تهويل خطر المعصية:
فقد رأى الكريم أن الفاحشة أمر عظيم وخطب جليل، وتجرؤ على حدود الله خطير، وتفكر في عقوبة الآخرة، فهانت عليه عقوبة الدنيا، فاختار السجن ومرارته على أن يلغ في عرض لا يحل له، أو أن يقضي وطرًا في غير محله: {قال رب السجن أحبُّ إلي مما يدعونني إليه}[يوسف:33].

سادسها: الاعتصام بالإيمان:
فالإيمان يصون أهله ويحمي أصحابه، ومن حفظ الله تعالى حفظه الله في دينه ودنياه وأهله وأخراه، وما عصم يوسف عليه السلام إلا الإيمان بربه وصدقه معه وإخلاصه له، وقد سجل الله له ذلك فقال: {إنه من عبادنا المخلصين}[يوسف:24].

الزواج أو الصوم:
لقد عالج رسول الله صلى الله عليه وسلم مشكلة الشهوة عمليًا بدعوة القادرين على سرعة إعفاف النفس، وكذلك الآباء على سرعة تزويج أبنائهم لرفع الحرج عنهم ودفع القلق وجلب الاستقرار النفسي والاجتماعي، فإن دعت الظروف وامتنعت القدرة فاللجوء إلى الصوم، فإنه يقطع الشهوة ويحطم جموح النفس: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج. ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".

تذكر عاقبة العفة:
وهو معين للشاب على هجر الفاحشة ومقاومة الشهوة الجامحة أن يتذكر عاقبة العفة الدنيوية والأخروية. فأهل العفة هم أهل ثناء الله وفلاح الآخرة: {قد أفلح من تزكى}[الأعلى:14]. {والذين هم لفروجهم حافظون.... أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}[المؤمنون:5].
وأهل العفة هم أهل المغفرة والأجر العظيم: {والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرًا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرًا عظيمًا}[الأحزاب:35].
وأهل العفة هم أهل الجنة: "من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".
ثم تذكر الإحساس بلذة الانتصار على النفس والشيطان، والتخلص من رقة المعصية ومذلة الذنب وكسرة النفس والقلب، وخوف عقوبة الآخرة.

وللأسرة دور أيضًا:
إننا ونحن ندعو شبابنا للعفة ومقاومة الشهوة لا ينبغي أن نغفل دورنا كآباء وولاة أمور، بل الواجب على الوالدين تيسير أسباب العفة للأبناء، ودفع غوائل الشهوة عنهم. فغرس الإيمان في القلوب بحسن التربية والتنشئة، وسد ذرائع الشهوة بإخراج آلات اللهو والإغراء من البيوت، والعلاقة الأخوية ورابطة الصداقة مع أبنائنا التي تحمي من قرناء السوء، وحسن الاستماع والإنصات لمشكلات الأبناء، مع البحث عن العلاج السليم دون التأنيب والاندفاع، مع فتح باب المصارحة لإيجاد أيسر الحلول من أقرب الطرق.. كلها معينات للأبناء، ولا تنسوا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته".

نسأل الله أن يصرف عن شباب المسلمين كل مكروه وسوء. والله خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
اسلام ويب

Post: #659
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:07 AM
Parent: #601

لم يستغرق الأمر لحظات.. فقد كانت سيارة الفتيات واقفة، وجاءت سيارة الشاب فصفت بجانبها مباشرة لينفتح زجاج النوافذ وتمتد يد الشاب بورقة تتلقفها اليد الناعمة ثم تنطلق سيارة الشاب تتبعها السيارة الأخرى.

لم يذهلني من المشهد أكثر من جرأة الطرفين الشديدة، ولم أتعجب فأنا أقرأ وأسمع عن انتشار المعاكسات بين الشباب والبنات.. ولكن حملني الموقف على الدراسة والكتابة والمتابعة للموضوع فكانت عجائب في زمن الغرائب.

ربما يعتقد البعض أن المعاكسة مرض تخطاه الزمن، ولكن المتابع يعلم أنه عاد بقوة إلى شوارعنا وبيوتنا وأسواقنا، وانتشر بين شبابنا وبناتنا انتشار النار في الهشيم، حتى صار ظاهرة في مجتمعاتنا وشيئا يملأ الأسماع والأبصار، تروى فيه وقائع تثيرالعجب، وتدمي القلب ، وتستوقف الحريص الغيور.

عواقب وخيمة
فالمعاكسات تعتبر واحدة من أعظم وسائل جلب الفساد وانتشار الفاحشة، بتيسير اللقاء الحرام، وما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما. وهي وسيلة من وسائل دمار الأسر وتضييع مستقبل الفتيات.. فكم من فتاة عرف عنها ذلك السلوك المشين فأغلقت على نفسها باب الزواج، وعن أخواتها، وربما عن إخوانها أيضًا. وكم من زوجة وقعت فريسة للمعاكسات فعلم زوجها فطلقها، وضاعت وضاع أولادها معها. والمعاكس لا يحسن الظن بأهله وزوجته فيما بعد، فكل حركة سيظنها تعاكس وكل كلمة أو مكالمة سيظنها مع رجل، كما كان يفعل هو بغيرها. فيضيع الاستقرار من الأسر وكأنها عقوبة من الله تعالى على فعلة السوء والتسلط على أعراض الناس.

ومن تتبع ما وقع من جراء المعاكسات من حوادث أليمة، وفواحش عظيمة، تحسر أيما تحسر على أحوال بنات المسلمين، وأدرك أن هذه المعاكسات وسيلة تغرير، وشباك صيد، يستهدف عرضهنَّ ويسود وجوههنَّ، ويتركهنَّ ضحايا في الزوايا، أو بائعات هوى ومنحرفات، سوسًا ينخر في جسد الأمة.

تفنن وتنوع
وقد تعددت طرق المعاكسات وتفنن فيها الشباب ـ بنوعيه ـ أيما تفنن، فبين غمز بالعين، أو همز ولمز باللسان، أو ابتسامة ناعمة، أو نكتة طريفة، أو تعليقة يظنها صاحبها ظريفة. وبين نظرة ناعسة، أو تسريحة ساحرة، أو عباءة ملفتة، أو مشية متكسرة متغنجة، أو ابتسامة موحية، أو عطر يسحر القلب قبل الأنف.

وأما الهواتف فهي البلاء المبين والخطر العظيم، فاتصالات عشوائية تبحث عن فريسة، أو إلقاء رقم من طرف ليلتقطه الطرف الآخر، لتبدأ رحلة العصيان والتي لا تنتهي على خير في أكثر وقائعها.

وقد استعيض عن الأخير بما يسمى خدمة "البلوتوث" الأسرع والأضمن والأكثر أمنًا وتقدمًا وتطورًا، علاوة على ما يرسل مع الرقم من لقطات فكاهية أو كلمات غرامية أو مقطوعات غنائية أو حتى صور إباحية وخلاعية.

وسل الشات في النت وغرف الدردشة تخبرك الخبر اليقين.

والبنات أيضا يعاكِسن
والعجيب في الأمر أن نسبة ليست بالقليلة من تلك المعاكسات تصدر عن فتيات يعاكسن الرجال، وبنات يشاغلن الشباب في الهواتف بمعسول الكلام وعبارات الغزل والتهتك، والغرض في البداية اللعب والتسلي أو تمضية وقت فراغ، أو سماع بعض كلمات الحب المحرومة من سماعها، أو حتى كلمات ماجنة لتفريغ شحنة كامنة، أو حتى بحثًا عن عريس الغفلة المختبئ وراء سماعة الهاتف أو النت؛ ولكن النهاية - في أغلب الأحيان ـ هي كما تحكى إحدى المعاكسات:

"كانت البداية مكالمة هاتفية عفوية.. تطورت إلى قصة حب وهمية.. أوهمني أنه يجنى وسيتقدم لخطبتي.. طلب رؤيتي .. رفضت.. هددني بالهجر.. بقطع العلاقة .. صعقت .. أرسلت له صورتي مع رسالة معطرة.. توالت الرسائل.. طلب مني أن أخرج معه.. رفضت بشدة.. هددني بالصورة والرسائل .. بصوتي في الهاتف – فقد كان يسجله – خرجت معه على أن أعود بأسرع وقت ممكن ومعي أغراضي كما وعدني.. لقد عدت ولكن ليتني ما خرجت وليتني ماعدت .. عدت وأنا أحمل العار والذل.. توسلت إليه أن يتزوجني ويسترني من الفضيحة.. فقال بكل سخرية واحتقار: إني لا أتزوج فاجرة.

وهكذا يتركها إلى مصيرها الأسود، ومستقبلها المظلم، ويذهب يبحث عن فريسة أخرى يفترسها ويلقي بها في الوحل.

الأسباب
لقد كان لهذه الظاهرة أسبابًا أدت لانتشارها وتأججها ومن أهم هذه الأسباب:-

أولا: الفراغ والبطالة
فمع انتشار البطالة ووجود الفراغ القاتل، والساعات الطويلة .. أصبحت كثير من أوقات شباب الإسلام ضائعة وساعاتهم طويلة وفارغة بلا عمل ولا وظيفة، ولا كسب ولا تحصيل ولا طاعة، فلما لم تجد ما يشغلها في الصالح المفيد شغلوها بالطالح الضار، فراحت ساعاتهم في المعصية واللهو، واللعب والحرام واللغو، ومعاكسة كل جنس نظيره.

وقد صدق أبو العتاهية حين قال:
إن الفراغ والشباب والجدة.. ... .. مفسدة للمرء أي مفسدة
فينبغي على شبابنا أن يعرفوا للوقت قيمته، ويشكروا لله نعمته، فإن الفراغ والصحة نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس.

واسمع إلى ابن مسعود رضي الله عنه يقول: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".
إذا ما مضى يوم ولم أصطنع يدا .. ... .. ولم أقتبس علمًا فما هو من عمري

فالقضاء على أوقات الفراغ في حياة الشباب ينبغي أن يكون من أول ما يوجه الآباء المصلحون عنايتهم له، ولا يشترط أن يقضي الشباب فراغه في الحفظ وتعلم العلم، بل كل حسب وجهته: (قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ)[البقرة:60] فمن كانت وجهته علمية فلينهل من منابع العلم، ومن كان له تميز في مجال فليذهب إلى ما يهواه طالما لا يتعارض وتعاليم ديننا الحنيف من تجارة نافعة، أو صناعة مفيدة، أو حرفة شريفة؛ حتى لا يندم على شبابه حين يسأل عنه فيما أفناه، وعن عمره فيما أبلاه، فتكون الإجابة: قضيته في معاكسة الفتيات والتشبيب بالمسلمات، والولوغ في الأعراض والحرمات. فما أعظم الندم ولات حين مندم.

ثانيا: ضعف الإيمان:
فأكثر شبابنا رقيق الديانة، قليل الإيمان، ليس له علاقة بالله تعصمه، ولا عبادة تشغله، ولا ورد من القرآن والذكر يؤنس وحشته، فلما أعرض عن الله آخاه الشيطان فاستوحش فذهب يبحث عن شيء يؤنس وحشته، ويُذهب عن القلب ظلمته، فما وجدها إلا في مغازلة الفتيات، وخبيث الكلمات، وسماع فاحش القول من الساقطات. يظن أن ذلك يسعد قلبه ويزيل وحشته، ويدخل عليه السعادة والسرور. ولا يعلم صاحبنا أن تلك الوحشة في النفس لن يزيلها إلا معرفة الله، وتلك الظلمة في القلب لا يرفعها إلا نور القرب من الله، وذلك الإصرار على المنكر لن يوقفه إلا الخوف من الله، والإحساس بمعية الله وقربه ومراقبته واطلاعه عليه.

فاعلم أن الله معك في خلواتك، وأنه يراك في حركاتك وسكناتك، وأنه يسمع سبحانه كل كلماتك، ويعلم مكنونات نفسك، ومرادات قلبك من وراء معاكساتك ومغازلاتك؛ فبماذا ستجيبه إذا وقفت بين يديه فسألك عن كل كلمة حرام وعن كل خطوة حرام وعن كل نظرة حرام وهمسة حرام ولمسة حرام.

(أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ)[الزخرف:80]. (... الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ * هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)[الجاثية: 28، 29].

ثالثا: رفقة السوء:
فكم قادت هذه الرفقة إلى بلاء وعناء، وصديق السوء لا يأتي من ورائه إلا الشر، فالطباع سراقة، والمرء على دين خليله.. ومن صادق معاكسًا فلابد يومًا أن يعاكس، ومن صاحبت مستهترة فلابد أن يصيبها شيء من استهتارها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد ريحا خبيثة"[متفق عليه].

والصديق المعاكس المتمرس في العلاقات المشبهوهة كنافخ الكير لا يهدأ له بال ولا يقر له قرار حتى يوقع صاحبه فيما هو واقع فيه.. فكم من صديق زين لصديقه معاكسة الفتيات، وكم من صاحبة أوقعت صاحبتها في مصيدة المغازلات، فتقترح عليها من تغازل وتعاكس، وربما تعطيها بعض الأرقام، ودروس في فنون الغزل والمعاكسة، حتى وقعت في براثن ذئب بشري، أو في ورطة لا مخرج منها إلا بعون الستير الحليم.

رابعا: النت ووسائل الإعلام
فما يعرض في إعلامنا أو على شاشاتنا أكثره عهر ودعوات فاضحة ومكشوفة لنزع الحياء وإشاعة الفحشاء، وتهييج للعواطف، وتأجيج للغرائز، وإثارة للشهوات.. أغاني ماجنة، وأفلام خليعة، وكليمات رقيعة، يجأر إلى الله منها العجوز الفاني ذي الإيمان، فكيف بالشباب الفائر قليل الدين وعديم القدرة على الزواج.

فإطلاق النظر في هذه القنوات أو المجلات أو المواقع العفنة في النت، كل ذلك من أعظم دواعي الفتنة، وإثارة الشهوة، ومما يهج النفس ويهيئوها للبحث عن المعاكسات والمكالمات، ويجعل في النفس جموحًا لتقبل دعوات الفساق، سواء في الهاتف أو غيره. وربما تعب الشاب من المكلمات وما روى غليله فيبحث أو تبحث هي عن علاقة محرمة. فكف البصر عن النظر إلى الحرام غلق لأعظم أبواب الفتنة، ودرء خطر المعاكسات، وصدق من قال:
كل الحوادث مبدأها من النظر .. ... .. ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة بلغت من قلب صاحبها .. ... .. كمبلغ السهم بين القوس الوتر
والعبد مادام ذا طرف يقلبــه .. ... .. بأعين الفيد موقوف على الخطر
يسر مقلته ما ضر مهحبتـه .. ... .. لا مرحبًا بسرور جاء بالضرر

خامسا: تعقيد الزواج وتأخيره وسهولة الحرام وتيسيره
فإن الباعث الأكبر على تلك البلية (أعني المعاكسات والمغازلات)، إنما هو الشهوة والفراغ، وفي الزواج المبكر حفظ للشباب والبنات، فيجد الشاب المنفذ الحلال لشهوته، ولا يجد فراغ العاطلين لانشغاله بأمور بيته وأولاده.
فإذا صُعِّب على أبنائنا طريق الحلال وسُهِّل لهم طريق الحرام ؛ فقل لي بربك ماذا تنتظر من الشباب والفتيات؟!.
إن الزواج عصمة لبناتنا وأعراضنا قبل أن يكون لأبنائنا، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغضن للبصر وأحصن للفرج...".

سادسا: تبرج النساء وغياب المحرم
قال أحد الشباب عندما سئل: لماذا تعاكس؟ قال: البنت هي السبب تخرج متزينة ومتعطرة متكسرة، ولا تريد أن يعاكسها أحد. هذا محال.
فالبنت هي التي تدعو الشباب لمعاكستها بطريقة لبسها ومشيها وزينتها وعطرها. وقد نهاها الشرع عن الخروج بمثل هذه الهيئة درءا للفتنة وصيانة للعرض.

كما وأن خروج المرأة وحدها مغر للكلاب النابحة والذئاب الجامحة بالتعرض لها. وقد ذكرت كتب الأدب أن امرأة خرجت لتطوف بالبيت فتعرض لها خليع من هؤلاء، فعادت إلى أخيها فقالت: تعال لتعلمني المناسك، فذهب معها وفي الطريق كان ذلك الشاب ينتظرها فلما رأى معها رجلا انخنس وذهب، فقالت المرأة بيتا يكتب بماء الذهب:
تعدو الذئاب على من لا كلاب له وتتقي مربض المستأسد الضاري

إن الشباب لا يتجرأ على التعرض للمرأة إلا إذا كانت وحدها بدون رجل يدفع عنها، ومن العجب أن يترك رجل زوجته أو ابنته أو أخته تذهب إلى السوق أو غيره وهو في بيته أو مع أصحابه.. ثم يبكي بعد ذلك على ضياع الأعراض.
إن الرجال الناظرين إلى النسا مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحوم أسودها ذهبت بلا عوض ولا أثمان

سابعا:كثرة الهواتف وضعف الرقابة
قالت إحداهنَّ يومًا: أبي وأمي هما السبب.. فثقتهما الزائدة بي فتحت لي الباب للمعاكسات والمغازلات والخروج دون علمهما، لا يعرفان ما أصنع، وقد كدت أهلك مرات ومرات. وهما في البيت لا يعرفان عني شيئًا.
فكل بنت من بناتنا معها جوالها الخاص بها، وفي غرفتها هاتف خاص، وربما تجلس الساعات الطوال مغلقة غرفتها ولا يدري أحد ماذا تصنع ولا مع من تتكلم.
ونحن لا نقول لك كن على أبنائك رجل مخابرات، ولكن لا تكن مغفلاً. والثقة الزائدة تضر أحيانًا خاصة مع البنات.

العلاج:
كل ما ذكرناه من أسباب فضده علاجه.. لكن الأمر يحتاج إلى مجهودات متكاتفة.. فلابد من شغل أوقات فراغ الشباب، وزيادة الجرعة الإيمانية، والتركيز على التوجهات الأخلاقية، وتوجيه الشباب لاختيار الصحبة الزاكية النقية، وتيسير الزواج على الشباب ومعالجة البطالة المتفشية، ووجود الرقابة المنضبطة.. ولابد من إصلاح وسائل الإعلام فهي أهم وسيلة لانتشار هذا الأمر أو الحد منه ومعالجته. مع وجود العقاب الرادع لمن تسول له نفسه الوقوع في المسلك المشين وإن الله ليزع بالسلطان مالا يزع بالقرآن.

همسة في أذن معاكس
اعلم أخي أن أشد الأذى أذى العرض، وإذا كنت لا ترضى أن يؤذيك أحد في أمك أو أختك أو ابنتك أو زوجتك، فكذلك كل الناس لا يرضى ذلك لأهله.
واعلم أيضا أنك كما تدين تدان: فمن وقع في عرض غيره ربما أوقع الله في عرضه غيره.. والأمر كما قال الإمام الشافعي رحمه الله:
يا هاتكًا حرم الرجال وقاطعا .. ... .. سبل المودة عشت غبر مكرم
لو كنت حـرًا من سلالة ماجد .. ... .. ما كنت هتاكًا لحــرمة مسلم
من يزن في بيت بألفي درهم .. ... .. في أهلـه يزنى بغــير الدرهم
إن الزنـــا دَيْنٌ إذا أقرضتــه .. ... .. كان الوفا في أهل بيتك فاعلم
اسلام ويب

Post: #660
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-01-2015, 02:08 AM
Parent: #601

الشباب هم قوة المجتمعات وعمادها، وصلاح أي مجتمع ـ بل أي أمة ـ مرتبط بل متوقف على صلاح شبابها، وهذه القاعدة تطرد فسادًا بعد ثبوتها في حال الصلاح، فالشباب للأمة كمثل القلب للبدن إذا صلح صلح الجسد كله وإذا فسد وانحرف انعكس ذلك على المجتمع كله.

وهناك معوقات تعصف بمسيرة الشباب، تعوق عملهم، وتهدر طاقتهم، بل وتغير وجهتهم.. مما يعود بالسلب عليهم وعلى مجتمعاتهم.. هذه المعوقات التي نقصدها هي عوامل الانحراف عند الشباب.. وقد تنوعت هذه المعوقات (داخلية وخارجية) وتعددت مصادرها وأسبابها بحيث من أفلت من أحدها وقع في حبائل غيرها، والمعصوم من عصمه الله. ومن أهم هذه الأسباب:
الفراغ:
روى الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس، الصحة والفراغ".
فبين النبي عليه الصلاة والسلام أن الفراغ نعمة في حق العبد إذا استعمله فيما يعود عليه بالنفع في دنياه وأخراه، أما إذا لم يغتنمه الشاب تحول من نعمة إلى نقمة، ومن منحة إلى محنة، ويصبح شبحًا مخيفًا يحول الشاب إلى ألعوبة بيد شياطين الجن والإنس.
إن الشباب والفراغ والجدة.. ... ..مفسدة للمرء أي مفسدة
وقد قرر علماء النفس والتربية في الغرب أن فراغ الشباب في تلك البلاد يعد واحدا من أكبر أسباب الجرائم فيها. وأجمعوا على أن الشاب إذا اختلى بنفسه أوقات فراغه وردت عليه الأفكار الحالمة، والهواجس السارحة، والأهواء الآثمة، والتخيلات الجنسية المثيرة، فلا يجد نفسه الأمارة إلا وقد تحركت وهاجت أمام هذه الموجة من التخيلات والأهواء والهواجس، فيتحرك لتحقيق خيالاته مما يحمله على الوقوع في كثير مما هو محظور.

وليس هذا مما ينفرد به شباب الغرب بل هو مما يشترك فيه شباب الدنيا بأسرها؛ ولذلك كان اغتنام أوقات الفراغ قبل الانشغال، واستغلال زمان الشباب قبل الهرم، والصحة قبل المرض، والحياة قبل الممات، من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته.

ورحم الله عبد الله بن مسعود صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "إني لأمقت الرجل أن أراه فارغًا، ليس في شيء من عمل الدنيا ولا عمل الآخرة".

التفكك الأسري:
الأسرة هي المحضن الذي ينبت فيه الشاب ويترعرع في كنفه، ولتأثيرها وضوح في صقل شخصية الشاب واكتمال شخصيته. والوالدان يعتبران القدوة الفعالة في نفس الشاب، فكما يعودانه يعتاد، وكما يعلمانه يتعلم، إن كانا صالحين نشأ صالحًا، وإن كانا فاسدين نشأ فاسدًا
وينشأ ناشئ الفتيان منا.. ... ..على ما كان عودُه أبوه

والتفكك الأسري من أكبر الأسباب التي تدفع إلى انحراف الشباب، فإذا وجد الشاب والفتاة أن الأبوان دائما الخلافات، فالأم في ناحية والأب في ناحية أخرى، أو أن الأب لا يأبه للبيت ولتربية أولاده.. فكل هذه الأمور تتسبب في القلق النفسي عند الطفل، ويشب على هذا القلق ثم يتجه إلى الانحراف من شرب للخمور، أو المخدرات لينسى مجتمعه الصغير "الأسرة" ويبحث له عن رفقة خارج الأسرة يكوّن بها مجتمعا آخر لعله يجد فيه ما لم يجده في أسرته. وهذه الرفقة لها دورها في تشكيل هذا الشاب صلاحا أو عكسه؛ كما سنبينه في العنوان التالي.

الرفقة السيئة:
لا شك أن الرفقة تقع في قاعدة الحاجات الاجتاعية فكل إنسان يحتاج الرفقة، لأن الرفقة حاجة نفسية متأصلة في النفس البشرية من يوم يبدأ يدرك ويفهم ما يدور حوله، فإذا صلحت الرفقة صلح الإنسان وإذا حدث العكس فسد الإنسان، ولذلك كان التوجيه النبوي في اختيار الأصدقاء والرفقاء في قوله عليه الصلاة والسلام : [مثل الجليس الصالح والسوء، كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك : إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير: إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحا خبيثة](متفق عليه)

فإذا صاحبت خيّراً حيا قلبك، وانشرح صدرك، واستنار فكرك، وبصّرك بعيوبك، وأعانك على الطاعة، ودلّك على أهل الخير.
وجليس الخير يذكرك بالله، ويحفظك في حضرتك ومغيبك، ويحافظ على سمعتك، ومجالس الخير تغشاها الرحمة وتحفّها الملائكة، وتتنزّل عليها السكينة، فاحرص على رفقة الطيبين المستقيمين، ولا تعد عيناك عنهم، فإنهم أمناء.

والحذر كل الحذر من رفيق السوء، فإنه يُفسد عليك دينك، ويخفي عنك عيوبك، يُحسّن لك القبيح، ويُقبّح لك الحسن، يجرّك إلى الرذيلة، ويباعدك من كل فضيلة، حتى يُجرّئك على فعل الموبقات والآثام، والصاحب ساحب، فقد يقودك إلى الفضيحة والخزي والعار، وليست الخطورة فقط في إيقاعك في التدخين أو الخمر أو المخدرات، بل الخطورة كل الخطورة في الأفكار المنحرفة والعقائد الضالة، فهذه أخطر وأشد من طغيان الشهوة؛ لأن زائغ العقيدة قد يستهين بشعائر الإسلام، ومحاسن الآداب، فهو لا يتورع عن المناكر، ولا يُؤتمن على المصالح، بل يُلبس الحق بالباطل، فهو ليس عضواً أشل، بل عضو مسموم يسري فساده كالهشيم في النار.
وفي الأثر: "إياك وقرين السوء فإنك به تُعرف".
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
وإن كنت في قوم فصاحب خيارهم ولا تصحب الأردى فتردى مع الردي

التأثير السلبي للإعلام:
إن للإعلام تأثيرا سلبيا على عقول الناس جميعًا كبيرهم وصغيرهم وقد تنوع الإعلام بين مرئي ومسموع كلها تقصف العقول قصفا وتخاطب غرائز الشباب خطابا مشبوبا، أججت معه العواطف وأثارت مكنونات النفوس وعرضت نماذج للقدوات غير صالحة مما أثر في شخصية الشباب، حتى أخذ كثير من الشباب يشكل ثقافته وشخصيته بالطريقة التي يحبها ويهواها.

والإعلام بشكل عام سلاح ذو حدين من الممكن أن يكون نافعًا للشاب، ومن الممكن أن يكون عاملاً من عوامل الانحراف، ولكن المشاهد في الواقع هو أن ماتعرضه وسائل إعلامنا بداية من أفلام الكارتون إلى الأفلام والمسلسلات الأجنبية البوليسية، أو الإثارة أو الرعب، مع التفصيل في مواطن الانحراف كالرقص والزنا وشرب المخدرات وجرائم السرقة، كل هذا ما هو إلا طريق للانحراف الفكري والسلوكي لدى شبابنا.

البيئة المحيطة بالشباب:
للبيئة تأثير خاص في الإنسان، فالإنسان كما يقال ابن بيئته، فإن تربى في بيئة تعتز بالفضيلة والأخلاق الحسنة، صار الإنسان يعتز بالفضيلة والأخلاق، وإن عاش في بيئة موبوءة بالسموم الأخلاقية والفكرية، أصبح كذلك، فالإنسان يؤثر ويتأثر.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه" والنفس الإنسانية قابلة للخير والشر، وعندها استعداد للاستقامة أو الانحراف والبيئة هي التي تعزز ذلك وتيسره
هي الأخلاق تنبت كالنبات.. ... ..إذا سقيت بماء المكرمـات
تقوم إذا تعهــدها المربـي.. ... ..على ساق الفضيلة مثمرات

وأكبر الأخطار على الشاب أن يعيش في بيئة يشوبها القلق والاضطرابات النفسية والسلوكية، سواء كانت بيئة البيت أو بيئة الشارع، فكل يؤثر في مجاله، لذلك يرى كثير من المربين: أن الإنسان منذ مراهقته يجب أن يهيأ له جو صالح في البيت أولاً ثم خارجه في المدرسة والشارع لأنه حتمًا سوف يتأثر بما يختلط به ويعايشه والبيت، والمدرسة، والشارع هي المحيط والبيئة التي تستغرق أكثر حياة الإنسان، فإذا صلحت هذه الأماكن صلح الإنسان.

هذه كانت بعض العوامل التي تساعد على انحراف الشباب، ذكرناها للتنبيه على خطرها والتصدي لمعالجتها ولينتبه أخواننا الشباب والمربون لها.. ونسأل الله لنا ولإخواننا الشباب الحفظ والسلامة.. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #661
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:21 AM
Parent: #601

تعتبر الثقافة الجنسية في أحد جوانبها جزءاً من الثقافة العامة والمهمة في ذات الوقت بالنسبة للشباب من الجنسين.. وهي ترتبط بالثقافة الاجتماعية السائدة والقيم الفكرية والتربوية والدينية في المجتمع؛ ومن ثم تختلف طريقة التثقيف الجنسي وكذا طريقة تناولها من مجتمع لآخر حسب هذه المؤثرات.


وقد مرت الثقافة الجنسية بمراحل وتطورات عديدة وفقاً لتركيبة المجتمع وظروفه وثقافته.. ولا تزال النظرة إلى هذا الموضوع مشوهة ومجانبة للصواب في أكثر مجتمعاتنا.. كما وأنها تحوي كثيرًا من الخرافات والمعلومات الخاطئة.. والتي تساهم بشكل مباشر أو غير مباشر في عدد من الاضطرابات الجنسية والنفسية والاجتماعية لدى الشباب.


ويعتقد البعض أن الثقافة الجنسية تتعارض مع الدين أو أنها تشجع الإباحية والتفلت الأخلاقي.. وهذا بالطبع غير صحيح على إطلاقه.. فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الصحابة كيف يختارون أزواجهم، وكيف يتعاملون مع نسائهم، بل وأيضا كيف يأتون أهليهم، وماذا يقولون عند الجماع، وربما في أكثر من ذلك كما في حديث المستحاضة وغيرها من المواقف المشهورة.. والفقه الإسلامي يتناول القضايا الجنسية بصراحة ووضوح وبشكل منطقي وعملي وأخلاقي وتربوي في آن واحد.



أمر لابد منه
والثقافة الجنسية في حد ذاتها أمر لابد منه؛ لأنه يتعلق بأمر فطري وبحاجة عضوية ونفسية ملحة، والإنسان إذا ما وصل إلى مرحلة معينة سيبدأ يبحث فيه ـ سواء علم من معه أو لم يعلموا ـ، ولكن الذي ينبغي أن يقال هو أن مسؤولية المجتمع بداية من الأسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع ككل هي في وصول تلك الثقافة الهامة ـ والخطيرة في نفس الوقت ـ بطريقة مدروسة ومرتبة يراعى فيها حال الشاب أو الشابة بحيث يتدرج فيها تدرجا يسمح له بالمعرفة والإدراك مع الحفاظ عليه من التشتت والانحراف، والعجيب أن ديننا الكريم يسمح بهذا ويعرضه في أنقى ثوب وأطهره، وهو مبثوث في كتب العلم وأبواب الفقه والتي كان يتعلمها أبناء المسلمين في سن مبكرة جدا... لكن يلاحظ في كتب أهل العلم ما يلاحظ في القرآن الكريم والسنة المطهرة من محافظة على الألفاظ والتلميح دون التصريح ـ قدر الطاقة ـ واستعمال عبارات غاية في الأدب ومؤدية للغرض في نفس الوقت، من مثل "أو لامستم النساء" ، "فأتوا حرثكم " "وقدموا لأنفسكم".. ومن مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم : "أقبل وأدبر واتق الحيضة والدبر"... إلى آخر هذه العبارات المغلفة بغلاف الأدب والوقار.



نقاط مهمة
ومن هنا أحببت أن أنبه كل ذي صلة على بعض نقاط تتعلق بتناول هذا الأمر:
أولا : إنما يتحدث في مثل هذه الأمور مع من يحتاجها، فقبل وصول الابن ـ ذكرا كان أو أنثى ـ لسن التمييز لا قيمة للكلام معه في مثل هذه الأمور، ودعك ممن يقول بوجوب تعليمها لابن سنتين أو من يدور حولها فوجهتهم تدل عليهم.



ثانيا: عرض هذه المسائل لكل إنسان بحسب حالته واحتياجه، فليس من يبدأ سن المراهقة ـ مثلا ـ كمن هو مقبل على الزواج بعد أيام .. هذا إذا كان عند أحدهم ما يحتاج للسؤال عنه أصلا، لأن القنوات والنت لم يدعا لأحد شيئا إلا من رحم الله.



ثالثا: تقديم جرعات مناسبة للأبناء تتناسب مع أعمارهم واحتياجاتهم ومن خلال مؤسسة الأسرة والمدرسة، حتى لا يكون الأمر مفاجأة عندما يشب الابن أو البنت، وهذه المرحلية في التثقيف مناسبة حتى يجد الابن ردودا على تساؤلاته المتعلقة بهذا الأمر وإلا سيطلبها من مصادر غير آمنة أو من خلال طرق غير مشروعة.. فكأن تقديم هذا النوع من المعلومات بهذه الصورة الممرحلة هو في الحقيقة جرعات مناعة وحماية للأبناء من خطوات الشياطين ومن إغواء المارقين.



رابعا: التمسك بأدب القرآن والسنة في الكلام في هذه الأمور قدر الطاقة، وهو الوصول للغاية المطلوبة بأكثر الطرق أدبا وتهذيبا فيتعلم الإنسان الجنس والأدب جميعا. وما زال الحياء شعبة من الإيمان إلى أن تقوم الساعة.



خامسا: الحذر من أن يكون هذا الموضوع هو كل هم الإنسان ومحور تفكيره، فالإفراط في مثل هذا له أضرار كثيرة ربما تخرج بصاحبها عن حد الاعتدال، بل وربما جره ذلك إلى البحث في مواطن الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، ومن سلم له دينه فقد أحسن الله به صنعا وأراد به خيرا، وإلا فما أكثر الهالكين فيها والضائعين، وكثير منهم إنما دخلها أول مرة إما خطآ وإما على سبيل التثقيف وأحيانا على من باب الفضول فكانت العاقبة خسرًا وصار الواحد منهم أو الواحدة كمثل الذبابة التي قالت: "من يدلني على العسل وله درهم، فلما وقعت فيه قالت من يخرجني منه وله أربعة دراهم".



أخيرا: أدب الجنس بكل ما فيه (ومرة أخرى بكل ما فيه) موجود في كتاب ربنا وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم وكتب سلفنا العامة كالتفسير وشروح الحديث، أو الخاصة كآداب العشرة وعشرة النساء واللقاء بين الزوجين على ضوء الكتاب والسنة، وغيرها كثير.. مما فيه الغنى عن مجلات الإثارة والفتنة، ومواقع الإباحة والخلاعة... ومن قرأ ما في المكتبة الإسلامية أغناه ذلك عن غيرها وحفظه عن الوقوع فيما حرم الله ووهبه ثقافة كاملة وطاهرة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يسري شاهين

Post: #662
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:23 AM
Parent: #601

تناولنا في مقال سابق موضوع تيسير الزواج وضرورته، وذكرنا بعض وسائل التيسير التي ينبغي الاعتناء بها وتفعيلها، وهنا نتناول موضوع الزواج المبكر، والحديث عن الزواج عموما من المواضيع التي يهتم بها الشباب، ولهم الحق في ذلك، وخاصة في مثل زماننا الذي كثرت فيه أنواع الفتن والمغريات، وصار الشاب يخاف على نفسه وسط تلك الأمواج العاتية، والأعاصير المدمرة.

وعندما نذكر الشباب في مثل هذه المواقع نقصد بهم الشباب الحريص على صحته وعافيته، وقبل ذلك على دينه وتقواه، ومراقبته لربه ومولاه.



وعندما نذكر الزواج المبكر لا نقصد به سنا معينا بقدر ما نريد من الشاب الانتباه لنفسه، فهو أعلم بها من غيره، فإن أحس أنه بلغ مبلغ الرجال، وصار يفكر و يميل إلى الجنس الآخر، وبدأت المشاعر والأحاسيس تتحرك في وجدانه إذا سمع صوتاً، أو رأى امرأة....فعليه المبادرة بتقوى الله وتذكر الزواج والسعي إليه، وطلب العون من ربه ومولاه، وخاصة إذا كان مستطيعا وقادرا، فالزواج المبكر يحل له الكثير من المشكلات التي ستواجهه، والعقبات التي تعترضه لو سلك طريقا آخر لإشباع رغبته وإرضاء فطرته.



ولكن تبقى المشكلة عندما يفقد الاستطاعة على الزواج، مع حاجته إليه، وهنا عليه اللجوء إلى خالقه سبحانه وتعالى أيضا، والصبر عن المعصية مهما كانت مغرية في ظاهرها، ثم الأخذ بالهدي النبوي الكريم، ووصيته للشباب، كما رواها ابن مسعود -رضي الله عنه- في قوله: ~( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم شباباً لا نجد شيئاً، فقال: يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء )~~متفق عليه.



والزواج المبكر ليس بدعة مذمومة، ولا عادة سيئة ممقوتة، وإن ندر أو ضعف في مجتمعات بعض الناس، فقد كان محبوباً مرغوباً عند أولئك الأصحاب الكرام رضي الله عنهم. ووجد من الصحابة الكرام من بكّر في زواجه.



**هل الزواج...شاغل؟***

وما يقال من أن الزواج المبكر يشغل عن التحصيل العلمي وعن الدراسة فلا يسلم بذلك، بل الصحيح العكس لأن الزواج تحصل به مزايا كثيرة، ومنها السكون والطمأنينة وراحة الضمير وقرة العين، وهذا مما يساعد الطالب على التحصيل لأنه إذا ارتاح ضميره وصفا فكره من القلق، فذلك يساعده على التحصيل.

وما يقال من أن الزواج المبكر يحمل الشاب مؤنة النفقة على الأولاد وعلى الزوجة إلى آخره. فليس بمسلم أيضاً؛ لأن الزواج تأتي معه البركة والخير، فهو طاعة لله ورسوله، والطاعة كلها خير. فإذا تزوج الشاب ممتثلاً أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومتحريًا لما وعد به من الخير وصدقت نيته فإن هذا الزواج يكون سبب خير له. والأرزاق بيد الله عز وجل: #{ وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلاَّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا }## [سورة هود: 6] ، فالذي يسر لك الزواج سييسر لك الرزق، لك ولأولادك #{ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ }## [سورة الأنعام: 51]، فالزواج لا يحمل الشاب فوق طاقته كما يتصوره البعض.

أما ما يتعللون به من العراقيل التي وضعت في طريق الزواج فهذه من تصرفات الناس السيئة.



**فوائد متعددة***

والزواج المبكر له فوائد متعددة، منها:

1- حصول الأولاد الذين تقر بهم العين، ويفرح بهم الأب قبل عجزه : قال تعالى: #{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ }## [سورة الفرقان: 74]، كما أن الأولاد شطر زينة الحياة الدنيا #{ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا }## [سورة الكهف: 46].



2- تكثير الأمة الإسلامية وتكثير المجتمع الإسلامي. والإنسان مطلوب منه أن يشارك في بناء المجتمع الإسلامي يقول ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ~( تزوجوا فإني مكاثر بكم يوم القيامة )~~رواه الترمذي وابن ماجه، وصححه الألباني، وفترة الشباب هي زمن النشاط والطاقة والعطاء .



3- صون الشباب من الانحراف والوقوع في الرذيلة.



4- حفظ أعراض المسلمين، وصون المجتمع الإسلامي من الآفات، والأمراض.



5- حصول الأمن والاستقرار، فالزواج المبكر يكبح جماح طاقة الشباب من الانحراف، ولو بقيت دون تصريف قد تؤدي إلى حصول ما لا تحمد عقباه.
اسلام ويب

Post: #663
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:24 AM
Parent: #601

لا شك أن قراءة المرء في سير الصالحين وعلى رأسهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، أمر لا يجادل مجادل في أهميته وضرورته، لكن قد يتساءل متسائل: وما قيمة تخصيص الحديث والبحث بالشباب دون سائر الصحابة؟

وهو تساؤل جدير بأن يجاب عليه، بأن ذلك له نتائج عدة منها:



1- أن الشاب قد يرى نفسه على حال من الصلاح والتقوى والعبادة أو الاجتهاد في طلب العلم الشرعي أو الجهاد في سبيل الله عز وجل، أو أي عمل آخر، ويرى أنه قد فاق أقرانه وأنه قد جاوز ما عليه كبار السن والرجال، فقد يكون ذلك مدخلاً للشيطان ليوقع في نفسه العُجب والبطر، وهذا عنوان الهلاك وبداية الضلال – حمانا الله منه - لكنه حين يقرأ سير القوم ويطلع على أحوالهم يدرك أنه مهما فعل فهناك من فاقه وسبقه فيحتقر نفسه وعمله ويتطلع للمزيد.

بل كيف يعجب الشاب بعمل ويدل به على مولاه سبحانه، وهو يعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لن ينجيه عمله كما قال: ( لن ينجي أحدًا منكم عمله. قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة، وسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) [رواه البخاري ومسلم].



2- أن قراءة السير والأمثلة الواقعية لها الأثر الفعال في النفوس، إذ هي نماذج أكثر رسوخًا وتأثيرًا، وليس أدل على ذلك من كثرة إيراد القرآن الكريم لقصص الأنبياء والأمم السابقة، وفيها النماذج الضالة للحذر منها، وفيها النماذج الخيرة للتأسي بها، كما ذكر القرآن قصة أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون، وقصة أصحاب الكهف، وأصحاب الأخدود.

وكما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة التائب من بني إسرائيل الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، وقصة أصحاب الغار، وقصة الغلام المؤمن، وغيرها كثير.



3- سيطرت على مجتمعات المسلمين النظرة الدونية للشباب واحتقارهم، واعتبارهم كالأطفال لا وزن لهم ولا قيمة، وهي قضية لن تحتاج إلى عناء لاكتشافها والتعرف عليها، فيكفيك لإدراك ذلك المشاركة في مناسبة اجتماعية، أو زيارة أحد الآباء في منزله، لتدرك من ذلك كيف ينظر المجتمع إلى الشباب ويتعامل معهم.

وينعكس أثر هذه النظرة على الشباب أنفسهم فيضعون أنفسهم حيث ينظر الناس إليهم ويطول أمد الطفولة والصبوة لديهم. لذا فإن قراءة الآباء لسير شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ستغير حتمًا من نظرتهم لأبنائهم وسترفع من تطلعهم، وقراءة الأبناء لهذه السير ستدفعهم إلى تجاوز هذه النظرة التي يواجههم بها المجتمع.



4- ورث المجتمع المسلم المعاصر اليوم ضمن تركة الهزيمة والتخلف مفاهيم تربوية غربية غريبة عليه وبعيدة عنه، وتحولت إلى جزء من تفكير الناس فانصرفوا عن المراجعة والمناقشة لهذه المفاهيم.

ومن ذلك النظرة للمراهق، إذ لا يرى علم النفس الغربي في المراهق إلا الطيش والخفة، ولا يعرف عنه إلا الانحراف والجنوح حين سيطر عليه مفهوم (أزمة المراهقة)، وانتقلت هذه العدوى إلى المسلمين وورثوها كما ورثوا غيرها.

والعجيب أنه في الوقت نفسه الذي بدأ علم النفس المعاصر يعيد نظرته للمراهق لا يزال كثير من الآباء المسلمين يعتبر ابنه معذورًا في كل ما يقارف ويفعل، إذ هو مراهق.

إن قراءة سير شباب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الذين يعيشون في هذه المرحلة التي يصفها هؤلاء بأنها سن المراهقة تعطي الدليل القاطع أن الجزء الأكبر من مشكلة المراهقين في مجتمعاتنا إنما هو نتاج وضع تربوي واجتماعي ومؤثرات معاصرة أكثر منه مرحلة ملازمة لكل من عاش هذا السن.

ونحن إذ نقول ذلك لا ننكر أن للمراهق طبيعته الخاصة، ومشكلاته التي ليست لغيره، لكن الأمر ليس كما يصوره علم النفس المعاصر، وكما يسيطر على نظرة الكثير من الآباء اليوم.

وما أجدرنا أن نلتزم الأسماء الشرعية فنعتبرها مرحلة (البلوغ) أو (التكليف الشرعي)، وفيها يجري على الشاب ما يجري على سائر الرجال.



5- من خصائص الشاب في هذه المرحلة (القابلية للاستهواء) فيتعلق الشاب بالنماذج ويعجب بها، ويستثمر الأعداء هذه الخصلة فيبرزون أمام الشباب العديد من النماذج التي تستهويهم وتأسرهم "وهذا الاستعداد الشديد للاستهواء في تلك المرحلة من العمر لم يخلقه الله عبثًا، ولم يخلقه ليكون مشكلة للإنسان ولا ليكون في ذاته مصدر خطر عليه، ولكنه – ككل ما أودع في الفطرة من الطاقات والاستعدادات – يؤدي مهمته في البناء السليم للنفس حين يوجه التوجيه الصالح".

لذا فإن العناية بإبراز هذه النماذج أمام الشاب يخدم جانبًا فطريًا مهمًا لديهم ويحميهم في الوقت نفسه ويوفر لهم البديل دون أبطال الرياضة والفن وغيرهم.



6- لقد قامت الصحوة الإسلامية اليوم بقدراتها المتواضعة بجهد تربوي رائع، فأخذت بأيدي الشباب وانتشلتهم من براثن المؤثرات الفاسدة، ولا تزال بحمد الله اليوم مؤسسات الصحوة التربوية تقدم لنا المزيد.

لكن نقص الخبرة وقلة الدراسات التربوية المتاحة تجعل المساحة المتاحة للاجتهاد والتجارب الشخصية تتجاوز مداها الفعلي.

ومن ذلك: أن كل مرب لا بد أن ترتسم في ذهنه صورة يتطلع للوصول بالشباب إليها، فكيف يتصور المربي حدود هذه الصورة؟ أو بعبارة أخرى: ما الهدف والمستوى الذي يريد الوصول إليه؟

إننا كثيرًا ما نصبح أسرى تجاربنا ومداركنا الشخصية، فيستمد كل مرب من تاريخه وتجاربه السابقة صورة يتطلع إليها، فيرى أنه حين يصل بطلابه إلى المرحلة التي وصل إليها زيد أو عمرو فقد بلغ الغاية.

ويرى أن القدر المرضي من الجدية هو ما وصل إليه فلان، وأن منتهى الصبر والتضحية هو ما بلغه فلان...إلخ.

إن استعراض نماذج من سير شباب الصحابة – رضوان الله عليهم – يساهم في رسم صور يتطلع المربون إلى الاقتراب منها بأنفسهم وبمن يقومون على تربيته وتوجيهه، وإن لم يصلوا بالضرورة إليها فإنها تظل تحفز همهم وتستثير عزائمهم، وفي ذلك تربية لهم وصقل لمواهبهم.



المصدر: شباب الصحابة رضي الله عنهم مواقف وعبر/محمد بن عبدالله الدويش، بتصرف.

Post: #664
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:25 AM
Parent: #601

القراءة عمل رائع جميل، يحبه الإنسان، ولا يصبر عنه إذا اعتاده وأدمنه، ونعم الإدمان في هذا المجال، فالقراءة هي من أهم المصادر الأساسية للمعرفة وهي وسيلة للتعليم والتعلم، وقد كانت أول كلمة نزلت من الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ } (العلق:1) ، لبيان فضيلة القراءة ومكانتها، وأنها يجب أن تكون باسم الله الخالق سبحانه.

ولكن ماذا يقرأ شبابنا هذه الأيام؟ الذي يظهر من خلال نتائج بعض الدراسات أن موضوعات القراءة التي يميل الطلاب إلى قراءتها تختلف من حقبة زمنية لأخرى، ومن دولة لأخرى، ومن مرحلة لأخرى، وتختلف وفقا للجنس (ذكر، أنثى) والتخصص، إلا أن ميول الطلاب القرائية كانت أكثر جدية في الماضي من الحاضر. واهتمام الطلاب بقراءة الموضوعات العلمية والسياسية والدينية يقل كلما اقتربنا من الوقت الحاضر.

وباستعراض بعض الدراسات العربية والأجنبية تظهر الفروق بين الطلاب العرب والأجانب، حيث تشكل القراءة جزءا أساسيا من العملية التعليمية في الدول الأجنبية حتى في الأعمار الصغيرة، ويشكل ارتياد المكتبة المدرسية والمكتبات العامة جزءا أساسيا من القراءة داخل المدرسة وخارجها. ويظهر كذلك الاختلاف في الميول القرائية بين الطلاب العرب والأجانب. وفي الوقت الذي يزداد فيه عدد القراء من الطلاب في دول العالم بتقدم العصر، يتناقص عددهم في الدول العربية.

وفي دراسة على عينة من الطالبات بعنوان: (ماذا يقرأ شبابنا في عصر العولمة) للتعرف على الاهتمامات القرائية لدى طالبات الجامعة، بينت أ.د. ريما سعد الجرف: أن 77% من طالبات الجامعة يقرأن المجلات النسائية الترفيهية. وقد أجريت الدراسة بكليتي اللغات والترجمة، والتربية بجامعة الملك سعود بالرياض، على 345 طالبة، تراوحت أعمارهن بين 18-22 عاما، وكانت نسبة الموضوعات على النحو التالي:



م

الموضوع

النسبة

1.

الزينة والأزياء

77%

2.

الموضوعات الفنية

66%

3.

الشعر

24%

4.

القصص

20%

5.

الصحة العامة

20%

6.

الموضوعات الدينية

4%

7.

الموضوعات التعليمية/التربوية

3%

8.

الموضوعات الأدبية

2.5%

9.

الموضوعات السياسية

2%

10.

الحاسب والتكنولوجيا

1.5%

11.

الموضوعات التاريخية

1%



من خلال تلك النسب نستطيع أن نتعرف على شبابنا، واهتماماتهم، التي أثرت في قرائتهم وثقافتهم، ومدى ضآلة الهمم التي يحملونها، ومدى عمق الجرح الذي لا تزال دماؤه تسيل.

هذه الدراسة تظهر لنا اهتمامات وانشغالات فئة من الشباب المتعلم، إذن كيف بمن هم دون ذلك؟!

وفي استبانة طبقت على طلاب إحدى الجامعات العربية ظهر أن 20% من الطلاب لا يقرؤون مطلقاً باستثناء مقرراتهم الدراسية، و20% يقرؤون مراجع في مجال اختصاصهم فقط، و26% يقرؤون أقل من ساعة يومياً، ونحو 35% يقرؤون بين ساعة وساعتين، و2% يقرؤون أكثر من أربع ساعات يومياً.

وجاء في تقرير التنمية في العالم العربي الصادر عن الأمم المتحدة عام 2002 أن إجمالي عدد الكتب المترجمة في الدول العربية مجتمعة هو 330 كتابا في العام. ويعادل هذا المجموع خمس ما تترجمه اليونان وهي دولة صغيرة لا يتجاوز عدد سكانها عشرة ملايين نسمة. وإذا علمنا أن عدد المجلات التي تطبع في الدول العربية مجتمعة لا يتجاوز 550 مجلة باللغة العربية و140 مجلة باللغة الإنجليزية، وجدنا في المقابل أن عدد المجلات في دولة مثل تايوان قد ارتفع من 3400 مجلة في عام 1988م إلى 5700 مجلة في الوقت الحاضر.

فمن يتحمل مسؤولية هذا كله، أليس الشباب هم الأمل الذي يبنى عليه الطموح، وتقوم على ساعده الأمم، وتصحو به من كبوتها؟!

إن الضغوط التي تتعرض لها دولنا العربية، والظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي تعيشها مجتمعاتنا تفرض على الشباب العربي تحصيل معلومات ومعارف متطورة تواكب التقدم العلمي والتقني وتلبي مطالب العصر المتطور السريع وتجعله قادرا على النهوض بالوطن والاضطلاع بمهام التنمية. وهذا لا يتأتى إلا بالتثقيف الذاتي عن طريق القراءة. فالقراءة هي أداة التعليم المستمر والتعليم مدى الحياة وأداة التنمية البشرية والاجتماعية.

فهل يعي ذلك شبابنا لعله يستطيع أن ينهض بأمته، التي لها مقومات السيادة والقيادة؟ هذا أملنا، والله الهادي إلى سواء السبيل، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #665
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:26 AM
Parent: #601

انطلاقا من قول الله تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)[التحريم:6]. وقول النبي صلى الله عليه وسلم~( ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)~~متفق عليه. اعتنى السلف الصالح بالشباب اعتناء واضحا بينا يظهر من خلال مواقفهم العظيمة، وآرائهم السديدة، وتربيتهم الناجحة، ومن ذلك:

أولاً: تربيتهم على العبادة:
من توحيد وصلاة وصيام...فقد كانوا يعلمونهم قول: لا إله إلا الله، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "حافظوا على أبنائكم في الصلاة، ثم تعوَّدوا الخير؛ فإن الخير بالعادة". و"كان عروة يأمر بنيه بالصيام إذا أطاقوه والصلاة إذا عقلوا". ولا مانع من إعطائهم الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة؛ فقد روت عائشة رضي الله عنها – أنهم كانوا يأخذون الصبيان من الكُتَّاب ليقوموا بهم في رمضان، ويرغبونهم في ذلك عن طريق الأطعمة الشهية، وكان بعض السلف يعطون الأطفال الهدايا التشجيعية على أداء الصلاة.

وروى البخاري ومسلم عن الربيِّع بنت مُعوِّذ قالت: ~( فكنا نصومه ونصوِّم صبياننا، ونجعل لهم اللعبة من العهن؛ فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناه ذلك حتى يكون عند الإفطار )~~.

**ثانياً: تربيتهم بالقدوة:***
فقد ذكر ابن الجوزي عن نفسه أنه كان يتأثر ببكاء بعض شيوخه أكثر من تأثره بعلمهم. وقال عتبة بن أبي سفيان لمؤدب ولده: "ليكن أول إصلاحك لولدي إصلاحك لنفسك؛ فإن عيونهم معقودة بك؛ فالحسن عندهم ما صنعتَ، والقبيح عندهم ما تركت".

ويحذر ابن مسكويه من ترك التربية للخدم خوفًا عليهم من أن يتأثروا بأخلاقهم وأفعالهم، وخاصة إذا كان الخدم غير ملتزمين بالإسلام أو أنهم غير مسلمين كما هو في زماننا الذي فشا فيه هذا الأمر وانتشر، وكم من القصص والأحداث التي ضُيع فيها الشباب نتيجة التساهل في هذا الجانب المهم .

**ثالثاً: تربيتهم على العلم والأدب والخير:***
وهذا من تمام القيام بالأمانة التي وليها الوالدان، جاء في الأثر: ما نحل والد ولدًا من نِحَل أفضل من أدب حسن.

كما أن السلف كانوا يقدمون الغالي والرخيص ليرغبوا الأطفال في العلم؛ فقد روى النضر بن شميل قال: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: قال لي أبي: يا بنيَّ! اطلب الحديث؛ فكلما سمعت حديثًا وحفظته فلك درهم. فطلبت الحديث على هذا.

وأرسل معاوية رضي الله عنه ابنه يزيد إلى عالم، فعلمه العربية وأنساب قريش والنجوم وأنساب الناس.

ولما دفع عبد الملك وُلْده إلى الشعبي يؤدبهم قال: علمهم الشعر يمجدوا وينجدوا، وحسِّن شعورهم تشتد رقابهم، وجالس بهم علية الرجال يناقضوهم الكلام.

ومن الأمور التي كان يعتني بها السلف الجرأة على طرح الأفكار، والمشاركة، ويكون هذا بمجالسة العقلاء الكبار ليكبر عقله وينضج تفكيره؛ فمن الخطأ أن يمنع الصغير من حضور مجالس أهل الخبرة والتجربة، وقد مر عمرو بن العاص رضي الله عنه على حلقة من قريش فقال: "ما لكم قد طرحتم هذه الأغيلمة؟ لا تفعلوا! أوسعوا لهم في المجلس، وأسمعوهم الحديث، وأفهموهم إياه؛ فإنهم صغار قوم أوشك أن يكونوا كبار قوم، وقد كنتم صغار قوم فأنتم اليوم كبار قوم".

بل كان ابن شهاب الزهري رحمه الله يشجع الصغار ويقول: "لا تحتقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم؛ فإن عمر بن الخطاب كان إذا نزل به الأمر المعضل دعا الفتيان فاستشارهم يتبع حدة عقولهم".

**رابعاً: الاعتناء بالموهوبين والمبدعين:***
قال ابن القيم رحمه الله: "إذا رأى الصبي وهو مستعد للفروسية وأسبابها من الركوب والرمي واللعب بالرمح وأنه لا نفاذ له من العلم ولم يخلق له، ومكنه من أسباب الفروسية والتمرن عليها فإنه أنفع له وللمسلمين".

ومن ذلك أن الصبي إذا كان ذا موهبة خطابية مثلا، فإن الأولى بمعلمه أن ينمي هذه الموهبة، وقد كان ابن الجوزي الواعظ من ثمار الشيخ أبي القاسم البلخي؛ فإنه علمه كلمات ثم أصعده المنبر فقالها وكان عمره ثلاث عشرة سنة، قال ابن الجوزي: وحزر الجمع يومئذ بخمسين ألفًا. وهو أول مجالسة رحمه الله.

وكانوا يحببون العلم إلى الصغار بالاحتفال بهم. قال أبو خبيب الكرابيسي: كان معنا ابن لأيوب السختياني في الكُتَّاب، فحذق الصبي، فأتينا منزلهم فوُضع له منبر فخطب عليه.

وقال يونس: حذق ابن لعبد الله بن الحسن فقال عبد الله: إن فلانًا قد حذق. فقال الحسن رضي الله عنه: كان الغلام إذا حذق قبل اليوم نحروا جزورًا وصنعوا طعامًا للناس.

**خامساً: الاعتناء بصحتهم:***
من ذلك أنه حرص صلى الله عليه وسلم على ألا يتعرض ابناه (الحسن والحسين) للشمس؛ فقد روى الحاكم من حديث فاطمة رضي الله عنها ~( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاها يومًا فقال: أين أبنائي؟ فقالت: ذهب بهما علي. فتوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدهما يلعبان في مشربة وبين أيديهما فضل من تمر. فقال: أيا علي ألا تقلب ابنيَّ قبل الحر؟)~~.

وعن عائشة رضي الله عنها: ~( أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحي مخاط أسامة، قالت عائشة دعني حتى أكون أنا الذي أفعل، قال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه)~~رواه الترمذي وابن حبان وحسنه الألباني.

ومن ذلك منع الصبي من الخروج وقت انتشار الشياطين حتى لا يؤذوه؛ فقد روى البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ~( وأكفتوا صبيانكم عند العشاء فإن للجن انتشارا)~~.
اسلام ويب

Post: #666
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:28 AM
Parent: #601

الزواج من المواضيع التي يفرح بها كل شاب وشابة، وذلك لتعلقه بشؤونهم المهمة، ولما يحس به الشباب من ألم وأمل، ألمٌ نتيجة تعقيد أمر مباح كالزواج، لا بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان، وأمل بأن يُوفق في زواج سعيد، فيجد من يقف بجواره في هذه الحياة المتلاطمة الأمواج، فيحافظ على نفسه من الغرق والسقوط، ويحس بطعم الحياة الجميل، عند إشباع فطرته بالطريق السليم، إلى جانب مصالح أخرى يحققها الزواج.

فالزواج يحقق المتعة والراحة في هذه الدنيا كما جاء في التوجيه النبوي الكريم: ( الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة )رواه مسلم، نعم فالصلاح شرط في المرأة حتى يسعد بها الرجل، كما أن الخلق والدين شرط في الرجل حتى تسعد به المرأة ( إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه )رواه البيهقي والترمذي، وحسنه الألباني.

والزواج شيء رائع جميل جاءت به الرسالات السماوية، وأيدته الفطر السليمة، وحث عليه العقلاء في كل أمة، ودعا إليه العلماء والوعاظ، وشجعه الآباء والأمهات.

والزواج يجلب السرور إلى الزوجين وغيرهما، ألا ترى ذلك المشهد الرائع الجميل من قبل تلك الأمهات والآباء وهم في سعادة وفرح وبهجة قبيل الزواج وبعده، ألم تشاهد تلك المواقف الرائعة وهم يدعون الآخرين في مشاركتهم فرحهم وأنسهم.

فلماذا تعسير الأمور وتعقيد الزواج، وتحطيم السعادة وإبعاد الفرحة، ولماذا تلك العوائق التي تصد الشباب عن الزواج، من غلاء المهور، والشروط الكثيرة المعقدة، والتي لم يرد بها شرع، ولا يقرها عقل، أو تلك الأعذار التي يدسها الشيطان ويروجها أتباعه.

فهل من وسائل تعين الشباب في الزواج وتيسيره، الشباب الذي يعاني من العزوبة وشدتها، ومن الفتن وكثرتها؟

نعم هناك بعض الوسائل التي نقترحها من خلال هذا المقال، سائلين الله أن تجد استجابة وقبولا، وتشجيعاً وتفعيلا:

1- العمل على الحد من ظاهرة غلاء المهور، وتيسيرها، ومراقبة الله عز وجل في ذلك.

2- تقليل مطالب الزواج ونفقاته، وتسهيل إجراءات الاحتفال بالزواج وعدم المبالغة.

3- إعانة الشباب ماديا، وذلك من خلال منح مالية، أو قروض خاصة بالزواج بعيدا عن الفوائد الربوية، وذلك من قبل المؤسسات الخيرية والصناديق الخاصة وكما هو موجود في بعض بلاد المسلمين.

4- إيجاد مشاريع خيرية خاصة بالزواج، ودعمها بكل وسائل الدعم المطلوبة.

5- الاعتناء بجانب التوعية والتوجيه من خلال وسائل الإعلام المختلفة، المرئية، والمقروءة، والمسموعة.

6- جعل موسم دعوي خاص بالزواج، كأسبوع قبل الإجازة الصيفية مثلاً، يتم فيه التركيز على التوعية في أمور الزواج وأهميته وفوائده الكثيرة، وندوات خاصة بالمقبلين على الزواج، وسبل تقوية العلاقة بين الزوجين.

7- دراسة أحوال الشباب غير القادرين على الزواج، من أجل الوصول إلى الحل المناسب، وإعانتهم في هذا الجانب.

8- اعتناء مراكز البحوث والمؤسسات العلمية والأكاديمية بمشاكل الشباب، والتي منها صعوبة الزواج، وإعداد البحوث النظرية والميدانية من أجل الخروج بتوصيات مفيدة ونافعة.

9- إيجاد مكاتب استشارية خيرية، وأخرى في المحاكم الشرعية للإصلاح الاجتماعي والأسري، والتوفيق بين الطرفين للزواج، ومعالجة مسائل الخلاف، والتقليل من ظاهرة الطلاق.

10- العمل على إيجاد أوقاف خيرية ثابتة يصرف ريعها على مساعدة الشباب للزواج.

11- منع المظاهر غير الطيبة التي بدأت تنتشر في بلاد المسلمين، من التبرج والسفور، واختلاط الرجال بالنساء في حفلات الزواج، والتحفظ من التصوير الذي نتجت منه مشكلات متعددة.

12- تفعيل مشاريع الزواج الجماعي من أجل تقليل المصاريف وإعانة المحتاجين.

13- التركيز على دور الآباء والأمهات وأهميته في تيسير الزواج، ونشر أخبار النماذج والقدوات في هذا المجال.

هذا وفي الختام نسأل الله لإخواننا الشباب، وأخواتنا الفتيات التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة.
اسلام ويب

Post: #667
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:29 AM
Parent: #601

شكلت الولاية على البلدان في عهد الخلفاء الراشدين ميدانًا بالغ الأهمية في عملية تنمية المجتمع الإسلامي، وذلك لأن الوالي كان يمثل الدولة الإسلامية، وتصرفاته وأعماله تعكس بطبيعة الحال السياسة التي تنتهجها الدولة في التعامل مع أبناء الولاية ورعاية مصالحهم.

وأبناء الولاية، أية ولاية، كانوا في السابق خاضعين لنظام آخر، سواء النظام الساساني كما في الأقاليم الشرقية. أم النظام البيزنطي كما في بلاد الشام ومصر وغيرها، وكان على الولاة إذن أن يثبتوا عمليًا أن النظام الإسلامي الذي يريدون الولاية باسمه إنما يمثل فتحًا لأهل البلاد، وأن هذا الفتح تنعكس آثاره الإيجابية في كل ناحية من نواحي المجتمع؛ النواحي الاقتصادية والاجتماعية، وأيضًا الناحية الخاصة بالعلاقة بين الوالي من جهة وأهل البلاد من جهة أخرى، وفوق كل هذا يمثل فتحًا من الناحية الدينية.


من السطور السابقة تتضح لنا الأهمية البالغة التي كانت ترتبط بالولاة في إطار تنمية المجتمع الإسلامي، ونرجع إلى التاريخ، ونعيد إلى الأذهان ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حينما أسند ولاية نجران إلى عمرو بن حزم الأنصاري، والذي كان آنذاك في العام السابع عشر من العمر، والذي نود أن نضيفه هنا هو طبيعة المهام التي كان على هذا الوالي أن يقوم بها، وحول هذه الجزئية تفيد المصادر بأن المهام الأساسية التي أنيطت به هي تعليم أهل نجران الإسلام، وأخذ الصدقات، ومعروف أن الصدقات التي كانت تجمع من القادرين في الولاية كان ينفق قسم منها في تنمية المجتمع المحلي وتقديم الخدمات الاجتماعية، والقسم المتبقي أو الفائض إن وجد كان يبعث به إلى المدينة العاصمة المركزية.


ومن الذين أسندت إليهم الولاية على البلدان وهم في طور الشباب عمير بن سعد الأنصاري، فقد أسند إليه الفاروق الولاية على دمشق والبثنية وحوران وحمص وقنسرين، والجزيرة، وإسناد الولاية لعمير بن سعد في هذه المناطق المتعددة تؤكد قدراته، وأيضًا تؤكد معرفة الفاروق لأبعاد هذه القدرات.

وقد بقي عمير بن سعد محل ثقة الفاروق حتى وفاة الأخير في أواخر سنة ثلاث وعشرين، مما يجزم بأن عميرًا كان يتمتع بالصفات التي تؤهله لكسب ثقة الخليفة الفاروق المعروف بمقاييسه الدقيقة للغاية، والذي لم يكن من أي من عماله، أيا كان، أن تشوب إدارته شائبة.

وقد يكون مناسبًا أن نشير إلى موقف حدث بين الفاروق من ناحية، والوالي عمير بن سعد من ناحية ثانية، وأعني بذلك الموقف الذي سأل فيه الخليفة عميرًا عن مبلغ الجباية الذي أحضره معه إلى المدينة المنورة، فقد رد عمير على هذا التساؤل قائلاً: الذي جبيته وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به.

وهذا يعني أن المبالغ التي تمت جبايتها قد أنفقت في عمليات تنموية لأهالي البلدان، التي يتولى إدارتها، ونتيجة لهذه الإجابة السديدة أمر الفاروق بتجديد ولاية عمير.

وهذا الموقف يقدم حقيقتين تتصلان بالتنمية، الأولى أن أموال كل إقليم، أو القسم الأكبر منها، كانت تنفق في المصالح التنموية الخاصة بالإقليم، حتى ولو استنفدت هذه المصالح كل أموال الجباية، والحقيقة الثانية أن هذه السياسة كانت تجد مساندة الخليفة، بل وتشجيعًا منه على انتهاجها.

وهذا الذي سارت عليه الدولة الإسلامية في التعامل مع الولايات التي قامت بفتحها يقدم صورة جديدة للتعامل مع أهل البلاد المفتوحة، جديدة من الناحيتين الاقتصادية والاجتماعية، فالمبالغ التي كانت تؤخذ لم تكن ثقيلة بحيث ترهق كاهل المواطنين، ثم إنها كانت توجه لتحقيق التنمية، وتقديم مختلف الخدمات لأهل الإقليم نفسه.

ولا شك أن هذه الصورة تعتبر مشرقة قياسًا بما كان يعامل به أهل البلاد من قبل النظم السابقة؛ الساسانية والبيزنطية.


عثمان وعبد الله بن كريز

ومن بين الولاة على الأقاليم من بين الشباب "عبد الله بن عامر بن كريز"، فقد أسند إليه الخليفة "عثمان"، أول عهده بالخلافة، الولاية على إقليم سجستان، وكان عبد الله آنذاك دون العشرين.

وفي هذه المناسبة يلزم أن نقول إن أول كتاب توجيهي بعث به الخليفة عثمان إلى ولاته جاء فيه: "... فإن الله أمر الأئمة أن يكونوا رعاة، ولم يتقدم إليهم أن يكون جباة، وأن صدر هذه الأمة خلقوا رعاة، لم يخلقوا جباة.. ألا وإن أعدل السيرة أن ينظروا في أمور المسلمين فيما عليهم، فتعطوهم ما لهم وتأخذوهم بما عليهم".

ويسترعى الانتباه في كتاب الخليفة عثمان كلمتان: هما كلمة رعاة وكلمة جباة، ومن هاتين الكلمتين يتأكد أن جوهر وظيفة الوالي هي رعايته لمصالح الرعية، وهذه الرعاية لا تتحقق إلا إذا شملت مختلف الجوانب التي تمس حياة الرعية، وفي المقدمة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، ولم يكن لهذه الجوانب أن تحظى بالرعاية إلا بالارتكاز على العمليات التنموية التي ترتفع بدخل الأفراد، وأيضًا تؤمن لهم الحاجات الاجتماعية.

لم تكن سجستان ولاية صغيرة، بل إنها كانت آنذاك أكبر وأهم من خراسان، ومع ثقل المهمة فقد برهن "عبد الله بن عامر" على القدرة الإدارية التي كان يتمتع بها مع أنه كان في باكورة شبابه راعيًا، نعم فقد سجل التاريخ لعبد الله أنه نجح نجاحًا كبيرًا في توطيد دعائم الحكم الإسلامي في "سجستان"، وجعل أهالي الولاية يرون في ولايته على بلدهم فتحًا، ولم يكن لمثل هذه النظرة أن تتحقق دون أن يستشعر أهالي البلاد الفرق الكبير بين ولاية عبد الله من ناحية، وولاية حكام الفرس السابقين من ناحية ثانية، ولم يكن لمثل هذا الفرق أن يظهر إلا من خلال ما قام به عبد الله من خدمات وعمليات تنموية لصالح أهالي الإقليم.

ونظرًا للنجاح الكبير الذي حققه عبد الله بن عامر في إدارة سجستان أسند إليه الخليفة عثمان ولاية البصرة، ثم ضم إليه ولاية الكوفة، وضم هاتين الولايتين الكبيرتين والهامتين تحت إدارته دليل قاطع على الكفاءة العالية التي كان يتحلى بها هذا الشاب الذي كان وقتها في منتصف العقد الثالث من العمر.


وفي الشمال الإفريقي، وابتداء من السنة الحادية والعشرين (641م) كان يوجد شاب آخر عهد إليه بالاستقرار في زويلة ومنطقتها، وذلك بهدف ترسيخ الإسلام في هذه المنطقة المتاخمة لمصر من الناحية الغربية، ذلك هو "عقبة بن نافع"، وقد استمر عقبة في مهمته هذه ومعه مجموعة من الشباب، وسجل لهم التاريخ أنهم نجحوا نجاحًا كبيرًا في إقناع الكثيرين من أبناء المنطقة باعتناق الإسلام ، وتاريخ عقبة بعد ذلك في فتوحات الإسلام لا يغفل عن أحد.


هؤلاء ثلاثة من الشباب أسندت إليهم الولاية على البلدان في عهد الراشدين، وقد آثرنا أن تكون ولاياتهم متباعدة حتى يكتسب الحكم على أدائهم صفة العموم، وكما اتضح فقد كان كل من الثلاثة موفقًا فيما أسند إليه، ولم يكن لهذا التوفيق أن يتحقق دون اكتساب محبة وولاء أهلي، وهذا المستوى من العلاقات لا يأتي من فراغ، بل يرتكز على قاعدة من أعمال الوالي في إطار مصالح أهل البلاد الاقتصادية والاجتماعية، وهؤلاء الولاة الثلاثة يمثلون الواجهة للعشرات، بل المئات والألوف من الشباب، إذ إن كل واحد منهم كان يستعين في تنفيذ أوامره وتحقيق خططه بآخرين من الشباب أيضًا، مما يؤكد أن العمليات التنموية المتنوعة والتي أنجزت في فترة الراشدين، سواء في الولايات التي أشرنا إليها، أم في الولايات الأخرى – هذه العمليات قد تحققت نتيجة لجهود الشباب، ولا نبالغ إذا قلنا إن الإسهام الكبير الذي قدمه الشباب في مختلف المجالات التنموية كان العمل الحاسم في النجاح الكبير الذي تحقق في كل أنحاء الدولة الإسلامية.


والله نسأل أن يوفق شباب المسلمين لحمل الأمانة، وأداء الرسالة، ونفع الأمة. آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #668
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:31 AM
Parent: #601

من مدرسة النبوة للشباب
1- تربية نبوية:

كان النصح وصالح التوجيه من حظوظ فاطمة من أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبناؤها الحسن والحسين يذهبان بأوفر سهم من عطف النبي صلى الله عليه وسلم ورفقه.. حتى لينزل من المنبر - وشأن المنبر في الإسلام جليل - ليصلح - صلوات الله وسلامه عليه - من ثياب الحسن والحسين؛ فقد كانا يتعثران فيها بطولها وهو يرى ذلك من منبره فلا يطيقه.

ولكن هذه الرحمة تغدو أدبًا وينقلب ذلك الرفق تربية فيها شيء من الشدة الضرورية عندما يأخذ الحسن والحسين تمرتين، إِي وربِّي تمرتين اثنتين من تمر الصدقة، ويرفع كل منهما تمرته إلى فمه، فينكر ذلك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم إنكارًا لا هوادة فيه، ويمد يده الشريفة إلى فيهما فيخرج هاتين التمرتين قبل أن يذيبهما اللعاب، ويأخذا طريقهما إلى جوفيهما، وهو يقول: "كخ كخ إنهما من تمر الصدقة التي لا تحل لمحمد ولا لآل محمد"!!

ويا ويل الناس مما يفعل بعض الأبناء، ثم لا يكون توجيه ولا تربية يكون الأبناء بهما قرة عين الآباء في الدنيا والآخرة..

وهل نتأمل تصرف الرجال من الحسن والحسين وهما في سن الأشبال، لنعرف اشتغالهما بمعالي الأمور، وحرصهما على أن تكون أعمال الآخرين رائدة صحيحة؟! فما أكثر الذين لا يلفت أنظارهم من ناشئتنا العزيزة إلا ما يدعو إلى السخرية والتنديد بالآخرين.

لقد رأى الحسن والحسين رجلاً يتوضأ فلا يحسن الوضوء، فأزمعا أن ينصحا الرجل لتصلح عبادته، ويحسن مفتاح دخوله إلى الصلاة، ولكن كيف؟!

إن من النصح ما يغضب ويثير إذا لم تنطلق إليه بوصايا الإسلام بالحكمة والرفق والموعظة الحسنة والمداخلة الذكية، ولقد كان ذلك في حساب ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن والحسين – رضي الله عنهما – وهما يتقدمان إلى الرجل فيقولان: إننا نتنازع أيُّنا أحسن وضوءًا، فهل لك أن تنظر إلى كل واحدٍ منا وهو يتوضأ فتحكم أيُّنا أصح وضوءًا؟!

وأبدى الرجل استعداده لما طلبا في فرح وغبطة بالنفوس الكبيرة وإن غلفتها أجسام ناشئة صغيرة!

وتوضأ الحسن فأحسن، وتوضأ الحسين فأصاب، ورأى الرجل ذلك فقال: بارك الله عليكما، والله إن وضوءكما لخير من وضوئي.

ولن أستطرد في تقديم الأمثال للناشئة العزيزة من شباب الحسن والحسين، فذلك مراد لا ينفد، ولكني أوثر مثالاً يعرف منه الأبناء والآباء على السواء كيف تثنى الأخلاق الفاضلة عنان الأعداء وتردهم أصدقاء خلصاء!!

قال الجرداني: عن عاصم بن المصطفى قال: دخلت المدينة فرأيت الحسين بن علي رضي الله عهما، وأعجبني سمته وهيأته وحسن رؤيته، فأثار مني الحسد ما كان يجنه صدري – يخفيه – من البغض لأبيه، فقلت: أنت ابن علي بن أبي طالب؟ قال: نعم. فبالغت في شتمه وشتم أبيه، فنظر إليَّ نظر عاطف رؤوف. ثم قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)[الأعراف:199-201].

ثم قال: خفض عليك الأمر، أستغفر الله لي ولك، إنك لو استعنتنا لأعناك، ولو استرشدتنا لأرشدناك!!
قال عاصم: فندمت على ما فرط مني.
فقال: لا تثريب عليك، يغفر الله لك وهو أرحم الراحمين.. أمِنْ أهل الشام أنت؟! قلت: نعم.
قال: حياك الله وعافاك، انبسط لنا في حوائجك وما يعرض لك، تجد عندنا أفضل ظنك إن شاء الله تعالى.
قال عاصم: فضاقت عليَّ الأرض بما رحبت، ووجدت أنها قد ساخت بي – هبطت – ثم تسللت عنه لواذًا، وما على الأرض أحد أحب إليَّ من أبيه ومنه.

2- شباب يقدمه فضله:
وإذا كان في الناس من يتوسل إلى المآرب بجاه القريب والصاحب، ويطلبها بغير أسبابها المشروعة، فإن الإسلام "قرآنًا وسنة" وسلوك أسوياء – يجعل العمل هو معراج السبق، والفضل سبيل التقدم على الأقران والنظراء.. وسنورد هنا النزر اليسير من شباب الإسلام لتكون تحت أنظار الذين يستوردون الأمثال من شرق وغرب، جاهلين روائع ذخائرنا في هذا ا لجانب وفي شتى جوانب المفاخر والكمالات.

قدم الرسول صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد، وقلده إمرة جيش كان من جنوده مشيخة المهاجرين والأنصار وذوي السابقة في الإسلام، إعلاء لمعنوية الحِب ابن الحِب، وتربية عملية لأصحاب النبي - صلوات الله وسلامه عليه – على السمع والطاعة في مرضاة الله تعالى.

وقدم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عبد الله بن العباس – رضي الله عنهما – على كبار الصحابة، إشادة بالعلم، وعرفانًا لأقدار الذين يرشحهم فضلهم من الشباب إلى التقديم والإعزاز والإيثار، بله الأكفاء الجديرين بكل تقدير وإكبار.. (وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا)[الأحقاف:19].

فليرتفع شبابنا بأنفسهم إلى مستوى الفضل والعلم حتى تتصل قافلة الأبرار عبر الأعصار، وحتى يشهد لهم بصالح عملهم، ونافع عملهم، كما كان يشهد الكبار لأمثالهم من قبل، فلقد أخر رسول الله صلى الله عليه وسلم رافع بن خديج عن غزوة بدر، وأذن له في الخروج إلى أحد، وهو حريص على الخروج مشغوف به، أكثر من شغف اللاهين بالخروج مع أشباههم إلى أماكن لا يكرمون بالتردد عليها.

وأصاب رافعًا رضي الله عنه جُرح يوم أحد من سهم أدركه في المعركة، فقال له الحفي الوفي صلى الله عليه وسلم: "أنا أشهد لك بها يوم القيامة". وهي شهادة ما أعلاها وما أغلاها.

وعاش رافع بن خديج، فلم يلق الله إلا في خلافة عبد الملك بن مروان الأموي، ما نقص جرحه عمره، ولا أدنى من أجله.

3- الشباب في القرآن والسنة:
ولشباب الخير في القرآن والسنة حديث جليل يدعو ناشئتنا إلى التشبث به والارتفاع بالعلم والعمل، وبالعقيدة والعبادة والسلوك إلى مستواه.. فلقد نوه القرآن الكريم بإيمان الشباب فقال: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً)[الكهف:13]. وقال تعالى: (فَمَا آمَنَ لِمُوسَى إِلا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلأِيْهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ)[يونس:83].

وخلّد غضبة إبراهيم – عليه السلام – على الوثنية وضيقه بالشرك وهو غض الشباب رقيق الإهاب فقال على لسان قوم إبراهيم: (سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ)[الأنبياء:60]. وحسب الشباب أن يسلكهم الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – في عداد السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله؛ فقال: "وشاب نشأ في طاعة الله".

4- الشباب في الفكر العربي:
والشباب في الفكر العربي يشغل حيزًا هو أحق به وأهله، ويرحم الله أبا العتاهية فهو يقول:
يا للشباب المرح التصابي.. ... ..روائح الجنة في الشباب

وينتقد أحمد شوقي الشباب في تردده عن المعالي فيقول:
شباب قُنَّع لا خير فيهم.. ... ..وبورك في الشباب الطامحينا

ويدعو الإمام الحسين الشباب للتعلق بالله دون الخلق فيقول:
اغنَ عن المخلوق بالخالق .. ... .. تغن عن الكاذب والصادق
واسترزق الرحمن من فضله.. ... .. فليس غير الله من رزاق
من ظـــــن أن الناس يغنونه .. ... .. فليس بالرحمن بالواثق

وقول الإمام الجليل عبد الله بن المبارك:
ما يفعل العبد بعز الغنى.. ... ..والعز كل العز للمتقي
من عرف الله ولم تغنه.. ... ..معرفة الله فذاك الشقي

وأخيرًا وليس بآخر إليكم أيها الشباب من قلب حريص على مصلحتكم:
ليت لو يسمع النصائح غـــرْ .. ... .. لم يجرب من الحياة أمــــورًا
نحن نعطيه خبرة قـــد بذلنا .. ... .. من نفيس العطاء فيها كثيرًا
فخذوا يا شباب منها ضيـــاء .. ... .. هو يجلو – لا غيرهُ – الديجورا
وأقيموا في نوره ما استطعتم.. ... ..عيشكم راضيًا سعيدًا نضيرًا
لا تدوروا في فكركم، لا تظنوا .. ... .. رأيكم وحده الصواب الأثيرا
الشيخ : معوض عوض إبراهيم-اسلام ويب

Post: #669
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:33 AM
Parent: #601

عزيزي الشاب،عزيزتي الشابة:من قدوتك؟
محمد: لويس فيجو لاعب البرتغال قدوتي
شيماء: ليس لي قدوة ولم أنظر لأحد كمثل أعلى
فاطمة: لنا في الرسول الأسوة الحسنة
د. حنان محمد
ارتفاع أسهم نجوم الفن والكرة نتيجة انتشار قيم الاستسهال وتقديس المال
د. عبد المنعم نجم
الشباب يحتاج للتذكير بقيمه وتراثه الفني بالأفذاذ والعلماء والصالحين
·إذا سألك أحد بلا سابق ترتيب: من قدوتك؟ كيف سيكون رد فعلك؟
·هل ستجيب بصدق لأنك تعرف قدوتك جيدًا.
.هل ستفكر في الإجابة المرضية الأقرب إلي الصواب حتى لو لم تكن حقيقية؟
·هل ستعتبر السؤال غير ذي أهمية ولا تفكر في إجابته من الأساس؟
·هل ستكون صريحًا .. وتقولها بلا مواربة: ليست لي قدوة؟
أيًا كانت إجابتك عزيزي الشاب .. وعزيزتي الشابة، فنحن نوجه السؤال، ونتمنى ألا يحار أحد منكم وهو يختار قدوته بشرط أن يحسن الاختيار.

رغم كل الظواهر السلبية التي يعيشها الشباب من حوله في ظل الغزو الثقافي الغربي للمجتمعات الإسلامية والعربية، وفي ظل انبهار الشباب بما يقدمه الغرب من تقدم تكنولوجي، وتقنيات حديثة في جميع المجالات، وفي ظل العصر الذي أصبحت الماديات هي التي تتحكم في مجريات الأمور، وفي ظل هذا كله نتساءل:
هل انجرف الشباب وراء بريق الحضارة الغربية، وما تحمله من تقدم علمي؟
هل أصبح صناع الحضارة الغربية هم قدوته؟ أم لا زال متمسكًا بعقيدته الإسلامية وبحضارته العربية؟؟

**الرسول قدوتنا***
تقول غادة محمد - كلية الآداب - إن قدوتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أحد غيره، وتقول :إن الشباب الآن أصبح أكثر وعيًا من ذي قبل والفضل يعود إلى الله بسبب الأحداث التي يمر بها العالم العربي والإسلامي.

وتتفق معها أختها فاطمة الزهراء محمد ثانوية عامة، وتقول: إن قدوتي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويقول رضوان مصطفي فتحي - كلية الحقوق جامعة عين شمس - :إن المسلمين يجب أن يتخذوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام قدوة ، بذلك يكسبون الدنيا والآخرة.

ويؤكد أحمد شاكر - كلية التربية جامعة عين شمس - أن السواد الأعظم من الشباب الآن يتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته قدوة.

تقول شيماء حسن ثانوية عامة: أنا ليس لي قدوة، ولم أنظر إلى أحد كمثل أعلى ولم أفكر أن أتخذ أحد قدوة.

وتتفق معها رانيا صالح وتقول: أنا ليس لي قدوة.

**فيجو قدوتي***
ويقول محمد متولي - دبلوم ثانوي صناعي - أنا قدوتي لويس فيجو لاعب البرتغال وريال مدريد الأسباني؛ لأنه لاعب ذو مهارة عالية، وأنا أحبه كثيرًا.

وتتفق مريم كمال - ثانوية عامة - مع الرأي السابق بأنه يجب أن يكون لكل إنسان قدوة يسير على دربه ويتخذه مثل أعلى، وقدوتي سيدنا علي رضي الله عنه لأنه أسلم صغيرًا واستطاع رغم صغر سنه أن يميز بين الحق والباطل.

وتقول سحر حامد - كلية الآداب قسم لغة عربية جامعة عين شمس - قدوتي طه حسين؛ لأنه تحدى إعاقته، ولم تعرقله إعاقته عن تحقيق ما يريد، بل كانت حافزًا له على التفوق حتى حصل على أعلى المناصب لذلك أنا أعتبره قدوة.

وتعتبر بسمة صلاح - ثانوية عامة - أن السادات قدوتها؛ لأنه قاد مصر في حرب التحرير حرب أكتوبر المجيد 73.

**أمي قدوتي***
الأم هي الأساس هكذا قال أحمد محمود محمد - كلية التجارة جامعة قناة السويس - عندما سألته عن قدوته فقال: إن الأم هي الأساس؛ لأن أي إنسان عندما يكبر يجد أمامه أمه رمزًا للحنان والعطف، ويكفي أن الجنة تحت أقدامها فكيف لا أتخذ من أمي قدوة لي؟.

وتتفق معه جيرا - كلية الآداب قسم حضارة جامعة عين شمس - وتقول قدوتي هي أمي لأنها مثالية.

**زويل قدوتي***
هكذا قالت آيات سيد عندما سألتها عن قدوتها فقالت: قدوتي أحمد زويل، وذلك لأنه عالم، وشرف مصر، ويكفي أنه حصل على جائزة نوبل.

ويتفق معها وائل مرعي عبد الله - كلية العلوم جامعة الزقازيق - ويقول: أنا أنظر إلى أحمد زويل كقدوة، وأريد أن أصبح مثله.

**نجوم الفن والكره***
تقول د. حنان محمد حسن أستاذة علم الاجتماع كلية الآداب جامعة عين شمس - لا نستطيع أن نجزم أن هناك غيابًا للقدوة بين الشباب، فهذه العمومية لا تلغي وجود استثناءات، بمعني إننا مع التقدم التكنولوجي وعصر السماوات المفتوحة، فهناك قدوة نحتذي بها، والقدوة لديها من السمات الإيجابية ما جعلها مصدرًا للإعجاب والارتباط بها، ولكن بصفة عامة مع التحولات الاقتصادية والاجتماعية ظهرت قيم واختفت قيم أخرى كنا في أشد الحاجة إليها.

فنجد قيما مثل حب العلم والتمسك بالتقاليد والعمل المنتج قد اختفت من حياتنا، وهناك أشياء حلت محلها مثل الاستسهال وتقديس المال، وبناءً على هذه المعايير أصبح الشباب يتخذ من نجوم الفن والكره والغناء قدوة له، ونسي هذا الشباب القدوة الحقيقية الموجودة في الصحابة والمفكرين وأساتذة الجامعة وغيرهم من القدوة الحسنة.

**انظر لمن يستحق***
أما د. عبد المنعم نجم - وكيل كلية أصول الدين جامعة الأزهر - فيقول: ليس هناك غياب للقدوة بين الشباب، ولكن الشباب يجب أن يعرف أنه غني بتراثه وبما له من ذخيرة في دينه، ولكن يحتاج بين الحين والآخر إلي التذكير والتنبيه على ماله وما عليه، ويحتاج إلي التذكير بالله، وبكتابه وسنة رسوله، لكي ينكشف له الضوء الإنساني السليم ليمشي فيه، وليبتعد عن الانحراف والميل ويظل مشدودًا إلي نداء ربه ونداء رسوله الكريم (صلى الله عليه وسلم) فلا يميل ولا ينخدع لدعايات الغرب ويتحصن بدينه الحنيف.

فلا ينظر إلي الغربيين كقدوة له، أو ينظر إلي أناس لا يستحقون أن يكونوا قدوته، وليعلم بأن عنده ما فيه الكفاية (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

ولكم أيضًا في صحابته الكرام؛ لأنهم تربوا في بيت النبوة وكان معلمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ولكم أيضًا في علماء المسلمين الذين قادوا الإنسانية لفترات طويلة إلي طريق التقدم والازدهار، فلهم الفضل فيما وصل إليه الغرب من تقدم وازدهار بالرغم من جحود الغرب لجهود علماء المسلمين.

اسلام ويب

Post: #670
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:35 AM
Parent: #601

هل نحن جيل عازف عن الزواج؟
وأنا أمسك بالريموت كنترول أقلب محطات القنوات الفضائية توقفت عند برنامج خصص إحدى حلقاته لمناقشة مشكلة "عزوف الشباب عن الزواج".. جذبني الموضوع فسمعت جداً قليلاً وغثاً كثيراً، فأحد الضيوف –وصفوه بأنه فيلسوف- مضى يمجد في العزوبة؛ فالأعزب عبقري، مبدع، مفيد للبشرية، والمتزوج إنسان نمطي، ذليل، منقاد لعادات مجتمعه، ليس في قدرته أن يضيف شيئا لحركة الحياة، وبناء على هذه الرؤية العجيبة التي لا تستند إلى دليل يرى "الفيلسوف" أن شباب اليوم عازفون لأنهم أكثر نضجا وإبداعا وعبقرية!.

ورغم يقيني أن عنوان الحلقة كان خاطئا منذ البداية، لأن الشباب في حقيقة الأمر ليسوا "عازفين" عن الزواج بقدر ما هم "عاجزون" عنه، إلا أنني أريد أن أثبت هنا أن بعضا من الدراسات الاجتماعية كشفت بالفعل عن قدر من "الرهبة" يشعر بها الشباب نحو الزواج، وهذه الرهبة تعد الدرجة الأولى في سلم العزوف إن لم نقطع عليها الطريق.

نحو فهم أفضل للشباب
أضرب مثلا هنا بدراسة أجرتها وزارة الصحة في سلطنة عمان خلال العام (2001) تحت عنوان "نحو فهم أفضل للشباب"، فماذا قالت هذه الدراسة؟.. قالت إن 45% من الشباب في عمر المراهقة يعانون من أوضاع نفسية صعبة، وعادة ما يكونون أسرى لحالات من الحزن والقلق والكآبة والإحباط، وترتفع هذه النسبة لدى الإناث، وبلغت نسبة التخوف من بناء الأسرة وتحمل مسؤولياتها 54%، كما بلغت نسبة التخوف من الجنس الآخر 48% خصوصا عند الفتيات (!!).

والواقع أن الصورة التي رسمتها هذه الدراسة للشاب المراهق العربي هي الوحدة وقلة المعرفة، فهو منكفئ على نفسه بهمومها وأشواقها، وأفراحها وأحزانها، خائف من الآخرين الذين يجهل كل شيء عنهم، فيما تخلى الكبار عن مسؤوليتهم التاريخية في تعريفه بنفسه وبالعالم والبشر من حوله، وأعتقد أن حالة التخوف من بناء الأسرة، ومن الجنس الآخر ليست إلا مظهرا من مظاهر هذا الخوف العام من الآخر والانكفاء على الذات.

هذه النتيجة تؤكدها بقية المعلومات التي قدمتها الدراسة، فعلى الرغم من أن ما يزيد على 90% من الشباب الذين تناولتهم الدراسة يزيد عمرهم على 15 عاما، إلا أن هؤلاء الشباب في هذا العمر فشلوا في التعرف على أجسامهم، فنصفهم فقط استطاع التعرف على التحولات الفسيولوجية التي تصاحب مرحلة البلوغ، وأقل من ثلثهم تعرف على بعض مظاهر البلوغ لدى الجنس الآخر، وعندما سألتهم الدراسة عن مصدر معلوماتهم في هذا المجال، كانت المفاجأة أن 48.9% منهم يستقون معلوماتهم من الأصدقاء، وتأتي الكتب والمجلات في المرتبة الثانية، في حين يعتبر الأبوان المصدر الأخير للثقافة الجنسية لدى الشباب.

إن أول حاجز يفصل بين الشباب وبين الزواج هو ذلك الجهل المطبق بملامح الرجولة والأنوثة وواجباتهما، وقد درج الآباء والأمهات جيلا بعد جيل على ضرب سور من الكتمان حول الثقافة الجنسية، فليس مسموحا للابن أن يسأل أو يسمع أو يتطلع إلى فهم ما يدور بجسده من تحولات، وإلا فإن العقاب، ونظرات الاستهجان والإبعاد ستكون نصيبه داخل أسرته.. وربما كان لهذا النمط من التعامل مبرراته المنطقية وآثاره الوجيهة على شيوع حالة من النظافة والطهارة والعفة في المجتمع لفترة طويلة من الزمان، ولكننا في عصرنا الحاضر لا ينبغي أن نغفل أننا أمام متغيرات ما عادت تسمح لنا بالثبات عند سياسات تربوية تجاوزها الزمن، فالشاب الذي تغلق أمامه الأبواب والنوافذ في المنزل، وتغلق دونه آذان وأفواه أبويه، يجد اليوم عشرات البدائل التي توفر له ثقافة بديلة ستضمن له حسب ظني أسباب الانحراف، لأنها ستأتي متلبسة بملامح ثقافة غربية أهدرت قيمة الزواج، واستبدلت الصديقة بالزوجة، والطفل المتبنى بأطفال الدم، وعلاقة المودة والرحمة بالعلاقات التي لا تعرف إلا لون الدولار.

ليس عزوفا بل عجزا
وإذا كنا نتحدث عن العزوف، فإنني أعود للتأكيد هنا أن القضية في الأساس ليست قضية عزوف، بقدر ما هي قضية عجز عن الزواج في ظل الترويج لثقافة استهلاكية جعلت من العروس سلعة، ومن إقامة الأسرة مشروعا اقتصاديا.

في ظل هذه الثقافة ارتفعت معدلات المهور إلى أرقام فلكية، وتزايدت الشروط حول مواصفات الشقة والأثاث والرقم الذي سيدون كمؤخر للصداق لأن هذا كله محل تفاخر ومباهاة اجتماعية، ولهذا فقد صار على زوج المستقبل أن يعمل حتى يبلغ سن الأربعين ليستطيع توفير الشقة، وأن يتورط في ديون ربما يورثها لأولاده ليوفر بقية المطالب.

ومع ارتفاع المطالب ارتفع سن زواج الرجل، وارتفع بالتالي سن الزواج للفتاة حتى أصبح طبيعيا اليوم أن تتزوج الفتيات فوق سن الثلاثين، في حين كانت العنوسة تبدأ من عمر الخامسة والعشرين وربما قبل ذلك منذ عدة سنوات.

أخطر ما في الأمر أن الارتفاع المستمر في سن الزواج المرتبط بالعجز عن الزواج يتواكب مع انخفاض مستمر في سن ممارسة الجنس في ظل انفتاح الأبواب أمام ثقافة جنسية سرية غير مرشدة ونابعة من جذور ثقافية لا يقبلها مجتمعنا.

إن قيام الأبوين بواجبهما في توفير هذه الثقافة الجنسية المضبوطة بضوابط الشرع، مع العودة إلى البساطة واليسر في إجراءات الزواج وشروطه شرطان رئيسان ليقدم الشباب على الزواج، سواء سمينا موقفهم الآن عزوفا أو عجزا.
زينب بكر-اسلام ويب

Post: #671
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:37 AM
Parent: #601

واجه شعورك بالنقص!
هل أنت تملك كل شيء؟ هل تحققت جميع الأهداف التي كنت تسعى جاهدًا للوصول إليها؟ وعندما يتحقق أحدها، هل تقف عند هذا الحد من الطموح أم أنك سترغب في تحقيق هدف آخر.. ثم آخر وآخر؟

ـ بالتأكيد أنت لا تملك كل شيء .. كما أنني لا أملك كل شيء .. ومن البديهي أن أحدًا لا يستطيع أن يملك كل شيء.. كما أن أحدًا لا يستطيع أن يقف عند حد معين من التطلع إلى الأفضل، وعندما لا نحصل على شيء ما مما نريد.. أو تقف عوائق في وجه تطلعاتنا.. قد نشعر بخيبة أمل.. ومن هنا يتولد شعورنا بالنقص وإن كان في معظم الحالات لا يستحق منا هذا العناء.

ـ إن الأشياء التي قد يقوم عليها الشعور بالنقص متنوعة.. متباينة.. فقد تكون ذات صلة بقصور عقلي، جسمي، معنوي، مادي، أو اجتماعي. وقد يتولد الشعور بالنقص من أمر ذي شأن كبير في عين الشخص وفي أعين الناس المحيطين به.. وقد يكون نابعًا من شعور مبالغ فيه عند الشخص.. فالأمر ذو شأن كبير في عين الشخص بينما ينظر إليه الآخرون بصورة طبيعية لا تحتمل وجود أي نقص فيه.. وفي كلتا الحالتين يعتبر الشعور بالنقص أمرًا طبيعيًا لدى البشر جميعًا ولا نستطيع النظر إليه على أنه أمر شاذ.. أو مرض نفسي كما ينظر إليه بعض الناس.. وعندما نؤمن بوجود نقص فينا نستطيع أن ننظر إلى النقص الموجود في الآخرين بصورة إيجابية، وذلك لأن الشاعر بالنقص هو ذلك الشخص الذي يخجل لأن فيه قصورًا ما يجعله مختلفًا عن غيره من الناس بطريقة غير مرغوب فيها.. ومن منا لا يحمل بين نواحي جسده أو عقله أو نفسه أو وضعه الاجتماعي قصورًا ما؟

كيفيه المواجهة
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نتغلب على شعورنا بالنقص؛ لنعيش في حالة تصالح بيننا وبين أنفسنا؟

ـ واجه شعورك بالنقص ولا تحاول التهرب منه بينك وبين نفسك أو بينك وبين المحيطين بك، وثق تمامًا بأنه ليس وحدك الشاعر بالنقص في أحد جوانب شخصيتك.

ضع الناحية التي تشعر بوجود نقص فيها نصب عينيك وابدأ بدراستها بكثير من الاهتمام والعناية للتوصل إلى الطريقة الأفضل لمواجهتها ومن ثم التغلب عليها.. أو التغلب على شعورك بها.

فإذا كان ما تشعر به من نقص يسهل تعديله والسمو به.. فتغلب على نقصك وقم بتعديله مبتدئًا بنفسك بقوة إرادتك.. ورسم الصورة التي ستكون عليها بعد تعديلك للنقص: يعطيك حافزًا للمثابرة والإصرار.. وبالتعديل ستشعر بحياة أفضل، وستعيش سعيدًا حتى إن لم تصل إلى المستوى الذي كنت تتطلع إليه.. معزيًا نفسك بأن هناك من هو أسوأ حالاً منك.. وأنك أفضل بكثير من أشخاص آخرين يحتل فيهم النقص حيزًا أكبر.. ويعيشون حياة مضطربة أكثر منك، وأن كل شخص في هذا الكون عرضة للتجربة والاختبار والابتلاء.. وكلٌّ يواجه مصاعبه بطريقته.. والحياة مليئة بالعبر.. بالتالي لا عجب من شعورك بالنقص.. فليس وحدك المبتلى، وثق بأن وضعك ليس الأسوأ على الإطلاق...

عشر ثوان!!
«هارولد أبوت» يعمل مديرًا لأحد المخازن في مدينة وبي.. يروي تجربته قائلاً: «في أحد أيام الربيع من عام 1934م كنت أتمشى في أحد الشوارع حين رأيت منظرًا خلال عشر ثوان.. لكنني خلال هذه الثواني العشر تعلمت كيف أعيش أكثر مما تعلمته في السنوات العشر السابقة.. منذ سنتين كنت أدير مخزن بقالة في مدينة وبي، وقد خسرت جميع مدخراتي وغرقت في ديون تحتاج إلى سبع سنوات من العمل لسدادها.. وقد أقفلت مخزني وذهبت إلى بنك التجار والصناعيين لاستدانة المال الكافي لانتقالي إلى مدينة كنساس للبحث عن عمل.. كنت أسير كرجل فقد ثقته بنفسه وشجاعته.. وفجأة رأيت رجلاً وقد بترت قدماه كان يجلس على مقعد يرتكز على عجلات ويزحف في الشارع بمساعدة قطع من الخشب أثبتها في كل يد.. التقيته بعد أن عبر الشارع وبدأ يرفع نفسه ليصعد إلى الرصيف. وفيما هو يفعل ذلك التقت عيناي عينيه فابتسم لي ابتسامة رائعة قائلاً: صباح الخير يا سيد إنه صباح جميل أليس كذلك؟ وفيما أنا واقف أنظر إليه عرفت كم أنا غني، فأنا أملك ساقين وأستطيع السير.. شعرت بالخجل من نفسي وقلت في نفسي: إذا كان هذا الرجل الفاقد لساقيه سعيدًا واثقًا من نفسه فكيف يجب أن أكون أنا بوجود ساقي؟ شعرت بالارتياح وكنت قد قررت أن أستلف مبلغ مائة دولار فقط من البنك فأصبح لدي الشجاعة الكافية لطلب مائتين، وكنت أنوي أن أقول إنني ذاهب إلى مدينة كنساس لأحاول العثور على عمل، أما الآن فسأقول بثقة إني أريد الذهاب لمدينة كنساس للحصول على عمل.. فحصلت على القرض وحصلت على العمل».

ـ وإذا لم تستطع الوصول إلى تعديل ما تشعر به من نقص أو لم تستطع الوصول إلى الدرجة التي كنت تطمح في الوصول إليها.. فهناك طريقة أخرى للتعديل وهي الامتياز بنواح أخرى موجودة بشخصك، وبذلك تكون قد تغلبت على النقص الموجود فيك بامتيازك في ناحية أخرى موجودة فيك تتميز بها عن باقي من هم حولك.. مثال ذلك، إن كنت طالبًا في إحدى المراحل ولم تستطع استيعاب مادة الرياضيات ـ على سبيل المثال ـ وحصلت على درجات متدنية مقارنة بزملائك، في الوقت الذي حصلت فيه على عدد من الميداليات والجوائز في مادة الرياضة مثلاً، فهذا يساعدك كثيرًا على التغلب على شعورك بالنقص في مادة الرياضيات. «بن فورستون» يحكي قصته التي حدثت عام 1939م كالتالي: «أردت قطع بعض القصب لزراعة الفول في حديقتي.. وضعت رزمة القصب في سيارتي وصعدت السيارة لأعود إلى المنزل. ولكن في أثناء عودتي انزلقت قصبة تحت عجلة السيارة وأنا أجتاز منعطفا خطرًا فتدهورت بي السيارة، وارتطمت بشجرة كبيرة، فأصيب العمود الفقري وأصبت بالشلل، كنت حينها في الـ24 من عمري، وما زلت منذ ذلك الحين لا أقدر على السير خطوة واحدة.. في البداية ثرت وغضبت ولعنت حظي العاثر ولكن بمرور الأيام اكتشفت أن غضبي وحزني لن يغيرا شيئًا، ورأيت كيف كان الناس لطفاء وكرماء معي، فأردت أن أكون بدوري كريمًا معهم.. لقد استطعت خلال أربع عشرة سنة أن أقرأ ما يزيد على 1400 كتاب فتحت أمامي آفاقًا جديدة، وأصبحت قادرًا على التطلع إلى العالم ومعرفة حقيقة القيم فيه، ونتيجة القراءة والمطالعة صرت أهتم بالسياسة والأمور العامة، وأخذت ألقي الخطب وأنا جالس على الكرسي المتحرك...» اليوم يشغل بن فورستون وهو ما زال كسيحًا كما كان منصب سكرتير الدولة في ولاية جورجيا.

ـ من جهة أخرى فإنك عندما تحاول تعديل النقص الذي يستحيل عليك تعديله، أو الوصول إلى هدف لم تخلق له، وتكافح من أجل شيء أنت تعلم مسبقًا بأنه لا يمكن تحقيقه، فإن هذا علامة من علامات الحمق، لأنك في النهاية ستصاب بخيبة أمل، وستفقد السيطرة على نفسك، وربما تصاب بنوع من الكآبة والضغوط النفسية التي تجلب لك القلق.. فيجب علينا أن نعلم أن بعض نقائصنا قد تكون قابلة للإصلاح والتعديل، في حين أن بعضًا منها قد يستحيل علينا تعديله، فإذا كان النقص الذي تراه في نفسك يستحيل تعديله أو تغييره فسلم به.. وطن نفسك عليه، ولا تخجل أبدًا.

الهروب من التبعة!
عندما تحاول أن ترفع من معنويات ذاتك لمواجهة النقص الذي بداخلك.. وعندما تحاول ألا تكون عرضة لانتقادات الآخرين.. واجه نقصك بشجاعة ولا تكن كالذين يحاولون تعديل النقص بالتهرب من التبعة.. وأقصد بذلك الأشخاص الذين عندما يقرون بوجود نقص ما فيهم أقروا به مكابرين مكرهين.. ويحاولون إرجاع هذا النقص لأمور اصطنعوها من خيالهم لأنهم يرفضون الانهزام أمام أنفسهم بالاعتراف بالنقص كأن يقول مثلاً.. إن النقص الموجود بشخصي هو نتيجة الظروف المحيطة بي والتي لم تكن في صالحي أبدًا.. أو هو أمر وراثي انتقل لي من الأجداد.. وهذا بسبب مرض خطير أصابني في مرحلة طفولتي ما زالت آثاره باقية.. أو بسبب ذاك الطبيب الذي لم يصل إلى تشخيص سليم لمرض كان قد أصابني.. وهذا خطأ بالتأكيد، وهو نوع من الهروب من النقص والفرار من المسؤولية الشخصية لتجنب انتقاد الناس وذمهم بدلاً من مواجهته وتعديله بالطريقة المناسبة أو التسليم به أمام نفسه وأمام الآخرين. فالإنسان الذي يستطيع مواجهة الحياة بشكل سليم يستطيع بالتأكيد خلق ظروف سعيدة حوله مبتدئًا بنفسه. فبإمكاننا السيطرة على الأسوأ.. وتعديل الظروف السيئة المحيطة بنا بدلاً من الاستسلام لها والتهرب من مواجهتها، فليست الظروف التي نمر بها سبب انهيارنا.. إنه أسلوب تفكيرنا بهذه الظروف، وما يفكره الإنسان بعقله وقلبه يكونه، وليس العبرة بما يحدث لك من أمور إنما العبرة بما تقوم به حيال ذلك. وكما قال «يوليوس روزنوالد»: «عندما تعطيك الحياة الليمون الحامض.. اصنع الليمونادة».

إن عدم مواجهتك النقص الذي تراه في نفسك يعني كبت شعورك به.. وخداع نفسك بأنك لا تشعر بنقص ذي أهمية، وأن غيرك من الناس ليس بأفضل منك، وأن ما وصلوا إليه ليس إلا بالصدفة، أو أن الظروف المحيطة بهم كانت أفضل من الظروف التي أحاطت بك. هذه النوعية من الأشخاص يسارعون في ملاحقة أخطاء الآخرين واستنكارها ولا يعترفون أبدًا بما يمتاز به الآخرون.. وهذا بلا شك أسلوب غير حميد يؤدي إلى نفور الناس منك. إلا أن كبت النقص يوقع الخلل في التناغم العقلي عند الشخص.. فبدلاً من لعن الظروف التي كانت كما تدعي سببًا للنقص فيك واجه تلك الظروف وتغلب عليها.. إن كنت بالفعل ترغب في اغتصاب النقص فيك...

اشترى أحد المزارعين في مدينة فلوريدا قطعة أرض من مشروع لتقسيم الأراضي، وعندما نال نصيبه منها وصل إليها ووصلت خيبة الأمل معه.. فالأرض غير صالحة للزراعة، ولا ينبت فيها غير شجر البلوط ولا تعيش فيها إلا الأفاعي السامة، وقف طويلاً يتأمل.. لقد دفع كل ما يملك من مال، وهذا ما ناله فماذا يفعل؟

وقبل أن تكمل القراءة لو كنت أنت من اشترى هذه الأرض فماذا كنت ستفعل؟

لقد قرر بعد تفكير أن يستفيد من تلك الأفاعي السامة، وأمام دهشة الجميع من جيرانه اليائسين بدأ تعليب لحم الأفاعي، وأنشأ مختبرًا لاستخلاص السم من الأفاعي وبيعه لمصانع الأدوية، حيث يتم تحويله إلى مضادات حيوية يعود عليه بربح وفير. كما كان يصور هذه الأفاعي ويطبع بطاقات لها توزع في المكتبات، وبلغ عدد السياح الذين يزورون مزرعته كل عام عشرين ألف سائح ليتفرجوا على الأفاعي والثعابين السامة.

إن بإمكان أي غبي أن يستفيد من أرباحه، ولكن الذكي فقط هو الذي يستطيع أن يستفيد من خسائره، فهو يحول الهزيمة إلى انتصار والنقص إلى الكمال.

في النهاية.. يبقى الإيمان بالله التعويض الأكثر توفرًا والأكثر استعمالاً من قبل الأكثرية، وكثير من الأشخاص حصلوا بالإيمان على السلوى والعزاء بعد أن سقطوا ضحايا الفشل أو النقص أو الحزن أو الخسارة.. وليس الدين كما يتوهم بعضنا ملجأ للضعفاء وغير المتعلمين فحسب، ولكنه الأمل الذي يتطلع إليه جميع الناس.

وختامًا أخي الشاب.. إذا لم تستطع أن تكون شجرة في قمة التل.. فكن شجيرة في الوادي.. كن أفضل شجيرة بجانب الينبوع.. وإذا لم تستطع أن تكون شجيرة فكن عشبًا وافخر بهذا العشب لأنه سيجعل الطريق زاهيًا..

وتذكر دائمًا.. بأن لا تلعن الظلام.. ولكن .. أشعل شمعة.
أميرة الهاشم *-اسلام ويب

Post: #672
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:39 AM
Parent: #601

تعتبر ممارسة العادة السرية "الاستمناء" واحدة من الظواهر السلبية في حياة بعض الشباب المسلم، والتي نحتاج معها لوقفة جادة توضح ما لهذه العادة من آثار ونتائج سلبية يتجاوز ضررها في الغالب الشخص إلى مجتمعه، وتأتي الخطورة الأكبر لهذه العادة لدى من يعتادون عليها ويعتبرونها الخلاص والحل الوحيد لحفظ النفس من الزنا.

ويصنف هؤلاء بأنهم مدمنون وهم مهددون بالكثير من الأعراض الصحية والنفسية إلى جانب الإثم الذي يوقعون فيه أنفسهم، وممارسة هذه العادة لا يغني النفس أبدا عن الزواج والانسياق وراء الشهوات فنجد من يمارسون هذه العادة بكثرة هم أكثر من يشاهدون الصور والمناظر الخليعة، وهم أكثر من ينساقون وراء المحرمات من اغتصاب ولواط، وهذا تدمير الشخص لنفسه وإضرار لمجتمعه.

وهنا يتضح للعاقل أن أهم وأنجع الحلول تفريغ هذه الطاقة في مكانها الصحيح وذلك بالتحصن والزواج الشرعي، ولقد صدق قول الشاعر حينما قال:
صاحب الشهوة عبد فإذا غلب الشهوة صار السيدا

عجز وندم!!
المشاكل الصحية والنفسية والاجتماعية التي أفرزتها ممارسة هذه العادة في مجتمعاتنا كثيرة، ومنها:

1-العجز الجنسي بشكل عام: حيث عرف من الشباب من يخافون من الإقدام على الزواج وأصبحوا يترددون على العيادات التخصصية بحثا عن علاج لمشكلاتهم الجنسية التي تتمثل في سرعة القذف، وضعف الانتصاب، وقلة الرغبة الجنسية، وأصبح البعض نتيجة لذلك يهرعون إلى المقويات الجنسية، ويغفلون آثارها الجانبية بحثا عما أضاعوه!.

2-سقوط المبادئ والقيم: المنساق خلف هذه العادة ضعيف الشخصية تجره شهوة من شهواته إلى الوقوع في الحرام ولو على حساب السمعة والصحة والدين والمبادئ.

3-الإنهاك والضعف العام: ومن ذلك إرهاق الأجهزة العصبية والعضلية، وآلام الركب والمفاصل. وتقول إحدى الدراسات الطبية: "إن مرة قذف واحدة تعادل مجهود من ركض ركضا متواصلا لمسافة عدة كيلومترات"، وللقياس على ذلك يمكن لمن يريد أن يتصور الأمر بواقعية أن يركض كيلو مترا واحدا ركضا متواصلا وليرَ النتيجة.

4-ضعف الذاكرة: حيث إن من يدمن هذه العادة يلاحظ عليه النسيان وعدم سرعة البديهة، ويؤثر ذلك على إنتاجه ومجهوده الفكري.

5-الشعور بالذنب والندم والحسرة: فرغم الشعور اللذيذ الذي ربما ينتاب الشاب حين القيام بهذه الفعلة والوصول إلى النشوة، إلا أنه سرعان ما تنقلب تلك المشاعر إلى إحساس بالذنب والحسرة.

طرق العلاج
للانتصار على هذه العادة فإن هناك عدة أمور يجب أن يتشبث بها من ابتلي، حتى تكون له حرزا ووقاية بإذن الله، ومن ذلك اللجوء إلى الله عز وجل والتقرب إليه بالواجبات والنوافل فإن من أقدم على الله حفظه وحفظ جوارحه وعصمه من الشيطان ووساوسه. وأهم الأسباب المعينة هو الزواج إن تيسر وهو سيكون بإذن الله عصمة وحافظا للدين والنفس، لذلك ينصح الدين الحنيف الشباب بالإسراع في الزواج.

ومن أنجع العلاجات الابتعاد عن أماكن اللهو والشهوات والاختلاط، وذلك باتقاء أماكن التجمعات المختلطة كالأسواق وغيرها إلا للضرورة القصوى وإن كان ولا بد فليتحرّ الرجال الأوقات التي يقل فيها وجود النساء في هذه التجمعات مثل الصباح أو بداية العصر وكذلك الأمر بالنسبة للنساء، وإذا حدث وتم مصادفة ما يفتن ليس للمرء أن ينظر إلى هذه الفتنة ويحدّق النظر فيها بل يجب غض البصر فورا لكي يبدل الله هذه الفتنة بلذة إيمان يجدها العبد في قلبه.

ومن أهم مسببات هذه العادة وغيرها من الفواحش مشاهدة الفضائيات حيث بات من الأمور القاطعة لدى الصغير والكبير والجاهل والمثقف مدى الإفساد والانحلال والمحرمات التي تبثها هذه القنوات بدء بالانحرافات العقدية ومرورًا بالإغراءات الجنسية والتي هي محور رسالتنا وانتهاء بدعاوى التحرر والإباحية وخرق حواجز الدين والعفة والحياء.

ومن أسباب السلامة أيضا تجنب الأوضاع التي تذكرك بهذه العادة أو الحاجة إليها، فإذا كان الشيطان يسول لك فعلها في أوقات الفراغ فاشغل نفسك بالمفيد والمباح، وإن كانت النزوة تأتيك في ساعات الوحدة فتجنبها وهكذا..، عندئذ إذا كنت ممن يدمنون عليها وتركتها فإنك ستفتخر بكل يوم قاومتها فيه.

وأخيرا سوف تكون أكثر سعادة و اعتزازا حينما تحسب الأسابيع التي مرت عليك ولم تفعلها وحينما يأتيك ذلك الشعور مرة أخرى طالبا إرضاءه يمكنك أن تقول لنفسك: " لقد قاومته كل هذه المدة الطويلة... أياما وأسابيع وإذا ما أخفقت الآن فسيضيع كل شيء".

الاستمناء من وجهة نظر شرعية
هي محرمة بلا شك والأدلة على ذلك قوله تعالى: ( والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ) والعادون هم الذين يتعدون حدود الله تعالى، ويدل على تحريمها أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس) رواه مسلم من حديث النواس بن سمعان ، وهذه العادة القبيحة تورث اكتئابا وضيقا في الصدر وشعورا بالإثم، ويكره فاعلها أشد الكراهية أن يعلم الذين يعرفونه أنه يمارسها، فهي من الإثم ، ويدل على تحريمها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ولو كانت هذه العادة القبيحة مباحة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها الشباب ، لأنها أيسر عليهم - لو كانت مباحة - من الصوم، ولكن لما كانت إثما ومعصية اختار لهم النبي صلى الله عليه وسلم الصوم، كما قالت عائشة رضي الله عنها ( ما خُير النبي صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما) فدل على أن العادة السرية إثم، ولهذا ترك النبي صلى الله عليه وسلم إرشاد الشباب إليها، ولقد رخص فيها الإمام أحمد رحمه الله فقط لمن خشي على نفسه الزنا أو الفاحشة وما عدا ذلك فيحرم واختار هذا القول شيخ الإسلام رحمه الله .

وأخير أخي الشاب سواء أكنت مدمنا على العادة السرية أم لم تكن، اعلم أن هناك الكثير من الآخرين ممن يكافحون هذا الإدمان بشتى الوسائل. فلا تكن ممن يثيرهم بنشر الصور العارية ولا تثر الآخرين بأن تكون سببا مباشرا أو غير مباشر في إثارة شهواتهم التي قد تنتهي بهم إلى الإدمان لا سمح الله أو تزيد من إدمانهم. تأكد أن هناك أناسًا هم أكثر حساسية منك تجاه الصور وكل ما يثير الغرائز. اتق الله خالق الكون في نفسك والآخرين ولا تكن سببا في تعاستهم.
محمد عبد الله الخامس-اسلام ويب

Post: #673
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:56 AM
Parent: #601

انتشر بين بعض فئات الشباب في الآونة الأخيرة ظاهرة الزواج العرفي ووجدوا فيه طريقا ملتويا للوصول لأغراض جنسية محضة وغلف هؤلاء الشباب هذا الطريق الملتوي وغير الشرعي بحجج وأسانيد واهية لم يقنعوا بها إلا أنفسهم ووجدوا في هذه الأسانيد الواهية ستارا دينيا يريحون خلفه ضمائرهم الغائبة، وفي حقيقة الأمر فقد وقع هؤلاء في الإثم بعينه.

والخطير في الأمر أن إحصائية جديدة أعلنتها وزارة الشؤون الاجتماعية المصرية كشفت أن 255 ألف طالب وطالبة في مصر اختاروا الزواج العرفي، أي بنسبة 17% من طلبة الجامعات البالغ عددهم 5.1 مليون، وهو ما يعني أن الظاهرة أصبحت تحتاج إلى تدخل عاجل.

في السطور التالية نناقش أبعاد هذه القضية وموقف الشرع منها.

عن مشروعية الزواج العرفي يقول الشيخ عطية صقر عضو لجنة الفتوى وأحد أبرز علماء الأزهر: يطلق الزواج العرفي على عقد الزواج الذي لم يوثق بوثيقة رسمية، وهو نوعان: نوع يكون مستوفيًا للأركان والشروط، ونوع لا يكون مستوفيًا لذلك.
النوع الأول: عقد صحيح شرعًا يحل به التمتع وتتقرر الحقوق للطرفين وللذرية الناتجة منهما، وكذلك التوارث، وكان هذا النظام هو السائد قبل أن توجد الأنظمة الحديثة التي توجب توثيق هذه العقود.
أما النوع الثاني: من الزواج العرفي فله صورتان: صورة يُكتفى فيها بتراضي الطرفين على الزواج دون أن يعلم بذلك أحد من شهود أو غيرهم، وصورة يكون العقد فيها لمدة معينة كشهر أو سنة، وهما باطلان باتفاق مذاهب السنة.
وإذا قلنا إن النوع الأول صحيح شرعًا تحل به المعاشرة الجنسية، لكن له أضرارا، وتترتب عليها أمور محرمة منها:
1- أن فيه مخالفة لأمر ولي الأمر، وطاعته واجبة فيما ليس بمعصية ويحقق مصلحة والله يقول: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) [النساء: 59].
2- كما أن عدم توثيقه يعرض حقها للضياع كالميراث الذي لا تسمع الدعوى به بدون وثيقة وكذلك يضيع حقها في الطلاق إذا أضيرت، ولا يصح أن تتزوج بغيره ما لم يطلقها، وربما يتمسك بها ولا يطلقها.
ومن أجل هذا وغيره كان الزواج العرفي الذي لم يوثق ممنوعاً شرعًا مع صحة التعاقد وحل التمتع به، فقد يكون الشيء صحيحًا ومع ذلك يكون حرامًا، كالذي يصلي في ثوب مسروق، فصلاته صحيحة ولكنها حرام من أجل سرقته ما يستر العورة لتصح الصلاة.
وكذلك لو حج من مال مسروق فإن الفريضة تسقط عنه، ومع ذلك فقد ارتكب إثماً كبيرًا من أجل السرقة

فاسد وباطل!!
ويعلق الدكتور نصر فريد واصل مفتي مصر السابق قائلا أن الزواج العرفي الذي يتم في الجامعات المصرية وغيرها من الأماكن فاسد وباطل ويخل بكل المبادئ والقيم الروحية ويؤدي إلي ضياع الأبناء وتشريدهم في المجتمع ولا تترتب عليه أي آثار شرعية..
ويشير د.أحمد عبد الغني عبد اللطيف الأستاذ بجامعة الأزهر من خلال بحثه عن الزواج العرفي من الناحية الدينية إلي أن هذا النوع من الزواج يعتبر نوعا من أنواع الزنا لأنه لم تكتمل فيه أركان النكاح وفيه مخالفة لحدود الله ورسوله.. فوجود الولي ركن أساسي من أركان النكاح وقد قال صلي الله عليه وسلم لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل وعدم وجود الولي يجعل الزواج باطلا أصلا ويدخله في حيز الزنا..

الموقف الاجتماعي
أما عن الموقف الاجتماعي من هذا الزواج فتقول الدكتورة مديحة مصطفي أستاذة تنظيم المجتمع بكلية الخدمة الاجتماعية جامعة حلوان إلي أن الزواج غير الرسمي "العرفي" هو ظاهرة عصرية يلتقي فيها الرجل بالمرأة تحت وثيقة ورقية عليها شاهدان لكنها ورقة ليست فيها قوة وثيقة الزواج لأن وثيقة الزواج شيء مقدس تحترمه المحاكم والمؤسسات الحكومية والمجتمع إلي جانب أن الزواج الحقيقي يعتمد علي الإعلان والإشهار وإعلام المجتمع به وهو تحصين للمرأة وصيانة لشرفها وحقوقها.

وبالإضافة إلي ذلك فإن الزواج العرفي تنتج عنه آثار اجتماعية سيئة أهمها ضياع حقوق الزوجة حيث أن دعواها بأي حق من حقوق الزوجية لا تسمع أمام القضاء إلا بوجود وثيقة الزواج الرسمية معها.. كما أن الأولاد الذين يأتون عن طريق الزواج العرفي قد يتعرضون لكثير من المتاعب التي تؤدي إلي ضياعهم وإنكار نسبهم.. وأن الزوجة قد تبقي معلقة لا تستطيع الزواج بأخر إذا تركها من تزوجها زواجا عرفيا دون أن يطلقها وانقطعت أخباره عنها بالإضافة إلي ذلك فإن الزواج العرفي كثيرا ما يكون وسيلة للتحايل على القوانين كأن يقصد به الحصول علي منافع مادية غير مشروعة مثل حصول الزوجة علي معاش ليس من حقها لو تزوجت زواجا رسميا..

أسباب عديدة
وفي دراسة أخري حول الإعلام والزواج العرفي قام بها د.أحمد يحيي عبد الحميد الأستاذ بكلية التربية جامعة قناة السويس أشار إلي أن الزواج العرفي يفتقد البيانات الدقيقة والمعلومات الصحيحة نظرا لأن هذا السلوك يتسم بطابع شخصي وخفي ولا يعلن عنه في المجتمع بالإضافة إلي أنه لا يقتصر علي فئة معينة أو طبقة دون أخري.

وقد أشارت بعض دراسات الحالة إلي أن هذه الظاهرة موجودة بين الشباب والكبار والفقراء والأغنياء والمتعلمين وغير المتعلمين... شباب الجامعات والعمال والموظفين ورجال الأعمال.. وهذا النوع من الزواج يتم شفاهة أو بعقد شخصي بوجود شاهدين دون أي ضوابط قانونية أو حقوق شرعية وخاصة للمرأة .

وأشارت الدراسات إلى أسباب أساسية تكمن وراء انتشار الزواج العرفي أهمها فقدان التكامل العاطفي داخل الأسرة نتيجة انشغال الأب والأم وعدم اهتمامهما بسلوك الأبناء وتركهم وسائل الإعلام وجماعات الرفاق لتشكيل ثقافتهم الجنسية والزواجية.. وكذلك الظروف الاقتصادية والمادية التي تحول دون إقامة زواج شرعي وتوفير متطلباته من مهر وشقة وأثاث وخلافه, والكبت والحرمان الثقافي إلي جانب الحرية غير المسئولة سواء في الأسرة أو المدرسة أو الجامعة وضعف التثقيف الديني الذي يقوم به الإعلام تجاه هذه المشكلة وبالإضافة إلي ذلك فهناك أيضا التناقض الواضح والازدواجية بين الرموز والقيادات الإعلامية والدينية نحو الاتفاق علي خطورة هذا النوع من الزواج علي المجتمع, وكذلك الانفتاح الإعلامي أو التبعية الثقافية الإعلامية في ظل ثورة الاتصالات وانعدام الرقابة وزيادة البحث عن المجهول من المعرفة الجنسية.. خاصة أن الثقافة الزواجية والأسرية لا تحظى بالقدر الكافي من اهتمام ورعاية من وسائل الإعلام علي اعتبار أنها من المحرمات الثقافية.

المواجهة
وتقول نوال المغربي مدير عام إدارة الأندية الثقافية والاجتماعية بوزارة الشئون الاجتماعية المصرية إن ندوة عقدتها الوزارة توصلت إلى عدة توصيات أهمها ضرورة التوعية المستمرة والحوار المفتوح مع أبنائنا وبناتنا لتحذيرهم من مخاطر الزواج العرفي وتوفير الرقابة الأسرية للتعرف علي كل ما يقوم به الأبناء في أوقات فراغهم وعلي جماعة الرفاق المحيطة بهم.

ولما كانت مشكلة الزواج العرفي هي إفراز العديد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية وأهمها مشكلة الإسكان فقد أوصت الندوة بالتكاتف لتوفير المسكن المناسب وخاصة مسكن الغرفة الواحدة بمرافقها، وكذلك ضرورة تنسيق الجهود بين الجهات والوزارات المعنية بقضايا الشباب وذلك بتفعيل دور مكاتب التوجيه الأسري بوزارة الشئون الاجتماعية.
وطالبت الندوة الجامعات والمؤسسات التعليمية المختلفة بأن تبادر بتوعية الشباب بمخاطر الزواج العرفي وبيان أنه مخالف للشرائع السماوية بكل المقاييس وبأن تشمل المقررات الدراسية توضيح أركان الزواج الصحيح بالإسلام والأديان السماوية الأخرى.
المهم في الأمر أن بعض شبابنا قد وقعوا في براثن هذه المشكلة (الفتيات علي وجه الخصوص) وتركهن الأزواج معلقات لا يستطعن أن يتزوجن ولا يعرفن مكان الزوج وأصبحت مشكلة مترتبة علي وضع خاطئ وهو الزواج العرفي وتحتاج إلي حل وهذا ما جعل المشرع المصري يسارع لمواجهة هذه المشكلة وذلك عن طريق ما يعرف حاليا في قانون الأحوال الشخصية الجديد بالطلاق العرفي.
القاهرة- خالد بركات-اسلام ويب

Post: #674
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 00:58 AM
Parent: #601

تعتبر مدينة مونتريال من اهم المدن الكوسموبوليتية في كندا والشمال الاميركي. فهي أشبه بتجمعات شعبية تضم كافة الاثنيات على اختلاف الوانها وأجناسها ولغاتها وثقافاتها. تتقاسم المجموعات احياءها وشوارعها ومناطقها حتى يبدو أن كلا منها "غيتو" خاص بهذه الفئة. حتى إن التسميات أصبحت ترتبط بالأصول: الحي الصيني, الايطالي, اليهودي, العربي وسواها.
هذا التنوع والتعدد الاثني, علاوة على أنه من طبيعة المجتمــع الكندي ومن أبرز خصائصه المميزة, "يفتح أسواق العمل أمام الجميع. لا فرق بين كندي وغير كندي طالما أن الغاية من توظيفه تعود بالفائدة لمصلحة المؤسسة وزيادة انتاجها وازدهار البلد وسعادة المواطنين", كما يقول غي دريدي أستاذ الاعداد والتدريب في جامعة "اوكام" والمتخصص بأحوال الأقليات المنظورة وتأهليها لولوج سوق العمل.
واللافت أن المؤسسات الكندية العامة والخاصة من مصارف ومدارس ومستشفيات ودوائر استقبال المهاجرين الجدد والمراكز التجارية الكبرى وغيرها, القائمة في المناطق التي تقطنها غالبية من ابناء الجاليات العربية, فتحت أخيراً أبوابها لتوظيف الشباب العربي من الجنسين استناداً إلى برنامج "تكافؤ الفرص والمساواة في العمل" الذي اقرته الحكومتان الفيدرالية والكيبيكية والذي ترافق مع حملة اعلانية في الصحف الاغترابية.
كان الشعور السائد من قبل في اوساط الشباب العرب وغيرهم من الاقليات المنظورة ان اصحاب العمل ينتهجون سياسة التمييز العنصري غير المعلنة, فكانت الباعث الاساسي لتفشي البطالة في صفوفهم ودفعهم قسراً الى اللجوء الى مكاتب المساعدات الاجتماعية او القبول ببعض الوظائف الوضيعة التي لا تمت بصلة الى تخصصهم العلمي او المهني. فعلى سبيل المثال كان الشباب العرب عند ملء استمارة التوظيف يتجنبون ذكر اللغة العربية الى جانب اللغتين الانكليزية والفرنسية الرسميتين في كندا والضروريتين كشرط من شروط العمل, تحاشياً لرفض طلباتهم او لكشف هويتهم. اما اليوم فيبدو ان الآية قد انقلبت الى حد بعيد واصبحت المؤسسات الكندية هي التي ترغب باستخدامهم لا بل باتـــت اضافــة اللغة العربية الى السيرة الذاتية امراً مطلوباً ومرجحاً. في هذا السياق تقول حفيظة لاروي وهي جزائرية تبــلــغ من العمر 25 عاماً وتعمــــل موظفة في "بنك رويــال" فرع مونتريال: "حينما تقدمت الى العمل كنت اخشى ان يحول اسمي ومظهري دون قبولي. الا انني فوجئت اثناء المقابلة الشخصية بسؤال عما اذا كنت احسن التكلم باللغة العربية من دون ان ادري ان الادارة كانت ترغب بتوظيف اشخاص يتكلمون هذه اللغة". وهذا الامر تؤكده أيضاً ليندا برونيه مسؤولة قسم التوظيف في "بنك لوريشن", فتقول: "سياسة المصرف تحتم علينا الاستعانة ببعض الموظفين العرب لأن لدينا الكثير من الزبائن العرب المقيمين في هذه المنطقة". وتضيف: "ان كثيراً من النساء والمتوسطين في الاعمار لا يجيدون استعمال احدى اللغتين الفرنسية او الانكليزية فيلجأون الى هؤلاء الموظفين لخدمتهم واتمام معاملاتهم".
في مجال آخر يتحدث حمزة يوسف وهو يمني (26 عاماً) ويعمل مسؤولاً عن لجـنة استقـبال المهاجرين واللاجئين الجدد, عن مهمة هذه اللجــنة التــي تتفرع منهـا لجنة اخرى تضم ثلاثة موظفين عرب فيقول: "نهتم بالوافدين العرب ونساعدهـم على إتمـام معاملاتهــم الضرورية كالحصول على بطاقات الضمان الاجتماعي والصحي وتسجيل ابنائهم في المدارس وإرشادهم الى مراكز التأهيل اللغوي والمهني ونزودهــم بمنشورات وكتيبات ومصورات تشتمل على عناوين وهواتف الوزرات والمؤسسات والدوائر الرسمية التي قد يحتاجون اليها". ويشير يوسف أيضاً الى ان بعض المدارس الحكومية يستعين بعدد من المترجمين العرب لحل بعض الاشكالات التي يتعرض اليها التلامذة من ابناء الجالية والتي تنشأ إجمالاً عن صعوبة التأقلم او التخلف المدرسي, وتعقد لأجلها اجتماعات مشتركة بين المترجمين والاساتذة والأهل في أوقات الدوام الرسمي أو بعده. كما ان مراكز الشرطة تستعين بمترجمين آخرين في اطار حملات التوعية التي تطلقها من حين لآخر بغية ارشاد الاهالي والطلاب لتجنب الاعمال المنافية للقانون وتزودهم بالمعلومات الكفيلة لحفظ ابنائهم من التعديات اما عبر رسائل مكتوبة باللغة العربية او عبر اجتماعات مشتركة.
يشار أيضاً الى ان وزارة التربية في كيبيك استحدثت منذ فترة من الزمن صفوفاً خاصة بتعليم اللغة العربية للاطفال في المدارس الحكومية المتواجدة في المناطق التي تسكنها غالبية عربية. ويشرف على تعليمهم اساتذة من العرب عينوا خصيصاً لهذه الغاية في اطار السياسة الرسمية الهادفة الى تسهيل تأقلم الناشئة واندماجهم في المجتمع الجديد الامر الذي يؤهل الطلاب العرب بعد تخرجهم بامتلاك ثلاث لغات ما يجعل فرص الاستخدام متاحة امامهم لولوج سوق العمل.
والى ذلك تتزايد اعداد الموظفين العرب في الكثير من المرافق الحكومية كالمطارات والجمارك ودوائر الضمان الاجتماعي والصحي ومكاتب العمل ودوائر الهجرة وغيرها فضلاً عن الجامعات والمؤسسات الخاصة التي تتصدر واجهاتها عبارة "نتكلم العربية".
وعلى رغم الاستطلاع الذي نشرته جريدة مونتريال في عددها الصادر في 22 شباط (فبراير) 2004 والذي جاء فيه "اصبحت اللغة العربية احدى اللغات المتداولة في سوق العمل الكندي", فإن الباحث الجامعي غي دريدي, وان اعتبر هذا الاختراق مؤشراً جيداً, الا انه بحسب رأيه لا يتناسب مع حجم الجاليات العربية من جهة ولا مع الكفاءات العربية التي ما زال وجودها "هزيلاً في معظم الدوائر الرسمية لا سيما في المناصب الرفيعة منها".
مكاتب التوظيف الكندية تنتظر ناطقين باللغة العربية.
مونتريال - علي حويلي
ــــــــ
الحياة 2004/04/6

Post: #675
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:01 AM
Parent: #601

- الجري وراء الأهواء والشهوات يؤدي إلى الضياع والفشل والإحباط، والحيرة بين نوازع الفضيلة ومغريات النفس.
- التربية الأخلاقية في الإسلام تقوم على أساس من قوة العقيدة والالتزام والعرض والمناقشة والإقناع، وتتوجه إلى عقول الشباب قبل عواطفهم، وتخلق توازناً بين الغرائز والحاجات، وتوجد انسجاماً للفرد مع ذاته.
- تشتيت الشباب بين المعايير والقيم الدينية وتقليد المدنية الغربية يخلق صراعاً واضطراباً نفسياً في حياتهم.
- السعادة حلم البشرية ينشدها الإنسان بشتى الطرق وفي كل مكان، لكنه يعود بعد عناء طويل خالي الوفاض إلاّ من مشاعر القلق والتذمّر والفشل والضياع.
- الإيمان ينبوع الحب الدائم يمدّ الشباب بالأمان والأمل والطاقة على المثابرة والنجاح وتحقيق الغايات الكبرى في الحياة.

**مشكلات الشباب وقضايا المجتمع:***
تشكل قضايا الشباب الجزء الأكبر من قضايا المجتمعات المعاصرة على اختلاف أنظمتها واتجاهاتها ومستوياتها، ومشكلات الشباب تستأثر باهتمام المربين وعلماء النفس والاجتماع والمفكرين على تنوع انتماءاتهم، وهذا بسبب ما يعاني الشباب من متاعب وهموم واضطرابات اجتماعية ونفسية خطيرة. فالشباب يشكلون نسبة عالية من السكان في المجتمعات العربية والإسلامية والدول النامية، وهم أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالواقع ومتغيراته ومعطيات البيئة الحياتية المادية والمعنوية من فكر وقيم ومشاعر وسلوك...
والحقيقة أن الشباب أكثر انفعالاً وتفاعلاً في المجتمع، وأكثر استعداداً للانجرار وراء مغريات الحياة والانحراف والشذوذ والإصابة بالاضطرابات النفسية والتأثر بالاتجاهات الجديدة والتقليد الأعمى. وقد بينت الدراسات الاجتماعية والنفسية وجود علاقة جدلية بين ارتفاع نسبة الانحراف والشذوذ في أوساط الشباب وبين طبيعة البنية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية للمجتمع، كما نلاحظ في المجتمعات المتقدمة صناعياً مثلاً. وبالعكس نلاحظ انخفاض هذه الظاهرة في المجتمعات التي تسمى (محافظة) التي تسودها المبادئ الدينية والقيم والأخلاق والفضيلة كما في المجتمعات الإسلامية.
لذلك نجد أن طبيعة الواقع الاجتماعي (الاقتصادي والفكري والنفسي والتربوي والبيئي) تلعب دوراً أساسياً في تحديد طبيعة الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الشباب. فهذه العوامل تؤثر بفعّالية في تكوين أنماط السلوك واتجاهات الفكر وسقف المعاناة النفسية والمادية للغالبية العظمى من الشباب، وهذا يبين لنا أن معالجة قضايا الشباب لا يمكن أن تتم إلاّ عبر المعالجة الشاملة لقضايا المجتمع التي تشمل مشكلات وواقع الأسر والمؤسسات التعليمية التي تلعب دوراً أساسياً في تنشئة الشباب ورعايتهم وتكوينهم العقلي والنفسي والجسمي عبر دراسات علمية ورؤية واعية وعميقة لقضايا المجتمع ومشكلات الشباب (العلم والعمل والصحة والأمراض النفسية والتدخين والمخدرات والجرائم ومرض الشذوذ "السيدا") وغيرها من القضايا التي تواجه المجتمعات المعاصرة عامة والإسلامية خاصة بسبب ما تخلفه من آثار سلبية نفسية وعاطفية في نفوس الشباب، وصعوبات في التنمية والتطور في المجتمع.
**غرائز الشباب بين الأهواء والواقع: ***
مع بداية مرحلة المراهقة تبرز بقوة عند الشاب دوافع الشهوات والأهواء، وتتوقّد الأحلام والمخيّلات، وتتأجّج مظاهر الحيوية والنشاط في نفسه، ويتحدّد كثير من أهدافه من خلال شهواته وغرائزه، وترسم له مخيلته الطرق للوصول إليها، فيخترق الحواجز والممنوعات التي يواجهها، وتصبح قواه العقلية ضعيفة التأثير في مجرى حياته، بينما تسيطر عليه مشاعر الأنانية وحب الذات وتغليب مصلحته الشخصية على مصلحة المجتمع، وتنقلب المفاهيم والقيم في عقليته، وتصبح رغباته هي أساس الفضيلة والنظام والتقدم الاجتماعي. يصور جان جاك روسو هذه الحقيقة في كتابه (أميل) بقوله: (... إن الفضيلة كما يقولون هي حب النظام، لكن هل يستطيع هذا الحب أن يغلّب النظام على مسرّتي الخاصة؟ وهل هو سبب كافٍ لتفضيل النظام على متعتي... فالرذيلة يمكن أن تصبح هي حب النظام لكن بوجه مختلف...).
ولاشك في أن الجري وراء الرغبات والشهوات بكل الوسائل يأخذ من حياة الشاب وقتاً طويلاً، وكثرة التفكير في أهوائه يصرفه عن الاهتمام بالدراسة والقضايا المهمّة في الحياة. وفي النهاية يضيع منه كل شيء، فلا هو أشبع رغباته، ولا استفاد من فرص الحياة في العمل والتعلّم وبناء شخصيته وكيانه الاجتماعي.
فالمجتمع يغري الشاب ويعرض أمامه مغريات الحياة، في الوقت ذاته يصدّه عنها ويمنعه من الوصول إليها. وهذا يزيد عناءه ومعاناته وسخطه وتمرّده وشعوره بأن الواقع ظلمه، وحال بينه وبين حقوقه في متع الحياة، فيولّد هذا الشعور الاضطراب النفسي والقلق والتوتر والاكتئاب والإحباط... وقد يعيش الشاب حالة من التناقض الصارخ والصراع الداخلي والانفصام، في محاولته الفاشلة للتوفيق بين شهواته ومتعه وبين قيمه الدينية والأخلاقية. وقد يعمد إلى التلفيق لتبرير تصرفاته المسيئة للمجتمع، وينزلق أكثر فأكثر إلى طريق الخطيئة ويغرق في عواصف الحياة التي قد تورده المهالك.
لكن الشاب المسلم الذي توفرت له تربية إسلامية أخلاقية صحيحة، وتمكّن الإيمان من قلبه، فإنه يصرفه بقوة عن الانحراف، ويمنعه من الانجراف وراء غرائزه وشهواته، ويقيه من آثار الحيرة والقلق والاضطرابات النفسية. فالشاب المؤمن يشبع رغباته بطرق مشروعة وفي أجواء من الأمان والسعادة والكرامة، وتسيطر على نفسه الراحة والاطمئنان والرضى والسكينة.
فالتربية الإسلامية وقوة الإيمان تحصّن الشاب من عواصف الحياة وبراكينها واضطراباتها، ويسير بكل عزيمة وجد ومثابرة، دون كلل ولا يأس، حتى النهاية لتحقيق أهدافه النبيلة وطموحاته المشروعة في الحياة.
**طموح الشباب والسعادة المفقودة:***
السعادة حلم كل إنسان في الحياة، يطلبها الكثير في بداية شبابهم بكل الطرق وفي كل مكان، ثم يعودون في نهاية المطاف (بخفي حنين). فيجرّبون ألوان المتع والمباهج والرفاهية والغنى، لكن يعودون في النهاية محمّلين بمزيد من الهموم وأثقال من مشاعر الضيق والتوتر والتذمر واليأس، وقد يدفع بعضهم إلى الانتحار للتخلص من الحياة.
لقد بينت الدراسات أن الشباب في أوروبا وأمريكا يعانون كثيرا من الشقاء والتعاسة والاكتئاب، وخاصة شباب (السويد) التي يعيش سكانها بما يشبه حياة الأحلام، قال عنهم أحد الباحثين (أهل الجنة ليسوا سعداء). وقال (ويلسون) عن الحياة في نيويورك: (إنها غطاء جميل لحالة من التعاسة والشقاء). فالسعادة ليست بالغنى وكثرة المال والرفاهية والجاه، فهي غالباً لا تورّث سوى الهم والتعب والحسرة والطمع والشراهة للمزيد.
السعادة لا تنبع إلاّ من أعماق الفرد، وتشع على جوارحه سروراً وفي نفسه طمأنينة، وتشرح صدره ويعيش في راحة ضمير وقناعة ورضى بقضاء الله وقدره. وهذه السعادة الحقيقية لا تتحقّق إلاّ بالإيمان الصادق العميق الذي يكبح جماح النفس وينظّم الغرائز ويخلق توازنا بين حاجات الشاب ومتطلبات الواقع.
الجري وراء السعادة عن طريق المتع ينحرف بالفطرة إلى دروب الانحراف والمعاصي، ويصبح الشاب أسيراً لأهوائه وحب الذات والجشع والغرور، ويعيش حالة من الصراع بين إرضاء غرائزه أو إرضاء المجتمع، ويحرم نفسه السكون وراحة الضمير والاستقرار.
وقد يعتقد أغلب الشباب أن السعادة في الحب، لكن الحب الذي يفهمه الشاب اليوم هو الحب المادي المرتبط بالجنس والشهوات والمتع المادية، وجميعها تتمحور حول حب الذات وإرضاء النفس.
أما الحب الحقيقي الذي يولّد السعادة في النفس، فهو الحب الروحي الطاهر الخالي من المصالح المادية، بهذا المعنى يحب المؤمن كل شيء لوجه الله تعالى. فالحب حاجة أساسية في حياة البشرية وخاصة الشباب، وبفقدانه يخسر الكثير من الدوافع والطاقة للاستمرار في الحياة ومواجهة العقبات والتغلّب على الصعوبات بفعّالية وتحقيق طموحاته المشروعة وغاياته الكبرى في المستقبل.
وبينت الأبحاث النفسية أن من يفتقد الحب والحنان ودفء الرعاية والاهتمام في الأسرة والمدرسة والمجتمع، يعجز عن منحها للآخرين، ويصبح أكثر عرضة للانحراف من غيره من الشباب، وذلك خلال محاولاته العشوائية في البحث عما ينقصه من مشاعر ...
**الإيمان منبع الأمان:***
الإيمان مصدر الأمان يجعل الشباب يحصر تفكيره في رضا ربه وطاعته واجتناب معاصيه، ومنفعة الناس تصبح غايته الكبرى، فيحقّق السعادة لنفسه والفوز في الدنيا والآخرة، رغم ما يخسره من متعة عابرة أو منفعة عاجلة وكبحٍ لشهوة طاغية. فالإيمان خير علاج للاضطرابات النفسية والوحدة والخوف، وهي أمراض تجعل الإنسان يفقد الأمل في الحياة وقد تؤدي به إلى الانتحار. يقول الدكتور "موريس جوبتهيل" مدير الصحة العقلية في نيويورك: "إن مرض الإحساس بالوحدة من أهم العوامل الأساسية للاضطرابات النفسية".
والشك والشرك بالله هما مصدر الخوف والقلق للإنسان حول حاضره ومستقبله وجزعه من الفقر والمرض والكوارث والموت. يقول الفيلسوف ابن مسكويه: "إن الخوف من الموت ليس يعرض إلاّ لمن لا يدري حقيقة الموت ولا يعلم أين تصير نفسه، أو أن العالم سيبقى موجوداً وهو ليس موجودا فيه، أو لأنه يظن أن للموت ألماً عظيماً، أو لأنه يعتقد عقوبة تحل به بعد الموت، أو لأنه يأسف على ما يخلّفه من المال والمقتنيات."
أما المؤمن فيشعر يقيناً أن الله معه وعنايته ترافقه أينما كان، فلا يشعر بالوحدة واليأس والقنوط. يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "وهو معكم أينما كنتم.." سورة الحديد 4 . ويقول تعالى في الحديث القدسي:" أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني".
ويبين الدكتور فرانك لوفاخ (عالم النفس الألماني) هذه الحالة، فيقول: "مهما بلغ شعورك بالوحدة فاعلم أنك لست وحيداً، فإذا كنت تسير على جانب في الطريق، فكن على يقين أن الله يحفظك برعايته".
فالصلاة والدعاء تبعث السكينة في نفس الشاب المؤمن، وتمدّه بالعزيمة والثقة بالنفس واطمئنان القلب والأمل في الحياة والرضا بقضاء الله وقدره، وهذه جميعها تؤدي إلى السعادة الحقيقية. فقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من سعادة المرء استخارته ربه ورضاه بما قضى، ومن شقاء المرء تركه الاستخارة وعدم رضاه بعد القضاء". رواه الترمذي وأحمد والبزار بروايات مختلفة.
فالأمل والرجاء هما الدافع القوي إلى الحياة، والجد والمثابرة والصبر لتحقيق الأهداف الكبرى في الحياة، والتقدم والنجاح. "فما أضيق العيش لولا فسحة الأمل".
وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم تقدم لنا نموذجاً ومثلاً أعلى، نحتذي به في الصبر والتحمل والعمل الجاد والمثابرة لتحقيق الرسالات العظمى، رغم كل الصعاب الهائلة التي واجهته والأذى والاضطهاد الذي تعرض له. فالإيمان أيضاً ينبوع الحب الذي لا ينضب "حب الطبيعة، حب الحياة، حب الموت، حب الناس..الخ". فالحب يخلّص الإنسان من مشاعر الحسد والحقد والكراهية والشح والأذى وهو دليل الإيمان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لن تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولن تؤمنوا حتى تحابوا".
وهذا يتم من خلال التربية الإسلامية الصحيحة التي لها الأثر الأكبر في تقوية الإيمان وتكوين الضمير، الذي هو ركيزة الأخلاق، فلا بد للضمير من الخوف ولكن يجب أن يكون الخوف من الله تعالى وحده. والتربية الإسلامية ترسخ الإيمان في قلوب الشباب وتدرّبهم على ضبط النفس وتنظيم الرغبات وتقوية الإرادة والقدرة على التحكم والسيطرة على النفس، عند الغضب وهيجان الأهواء وهذه تدل على قوة الإيمان وحقيقته، كما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم " ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب" الحديث رواه الشيخان.
ـــــ
مراجع البحث:
1-زاد المعاد، ابن قيم الجوزية
2-إحياء علوم الدين، الإمام أبو حامد الغزالي.
3-الإيمان والحياة، الدكتور يوسف القرضاوي.
4-الإنسان بين المادية والإسلام، محمد قطب.
5-ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، أبو الحسن الندوي.
6-التربية الإسلامية، الدكتور محمد رمضان البوطي.
7-أصول التربية، الدكتور علي عبد الواحد وافي.
8-الإنسان ذلك المجهول، إليكسس كاريل.
9-دع القلق ودع الحياة، ديل كارنيجي.
مصطفي الصوفي-اسلام ويب

Post: #676
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:03 AM
Parent: #601

عندما يصل الانحراف إلى مداه ويؤتى ثماره الخبيثة يبدأ المجتمع في استشعار الخطر القادم فترتفع الأصوات مطالبة بوقفة حازمة وشجاعة ويطالب الجميع بضرورة الضرب بيد من حديد واستعمال أقصى وأقسى العقوبات ضد المنحرفين حتى تختفى هذه الجرائم الاجتماعية الخطيرة.
وإذا كنا نحن في مقدمة المطالبين بهذه الوقفة الحازمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب والانحراف بشتى صوره.. إلا أننا نتساءل: هل يعتبر هذا هو الحل الوحيد أم أن هناك إطارًا اجتماعيًّا ومناخًا عامًّا يجب أن يكون سائدًا منذ البداية؟
وما هي ملامح هذا المناخ؟ وما هي الأسباب الحقيقية والعوامل التي تحول دون وجوده؟
يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية السابق: بصفة عامة الفرد الفاضل نتاج مجتمع فاضل، فنحن أبناء مجتمعنا نتلقى من الأسرة والمدرسة والبيئة والقدوات الموجودة حولنا ومن المسجد.. كل هذه المصادر تربينا وتشكل سلوكياتنا، فإذا أرادنا مجتمعًا فاضلاً أفراده فاضلون، لابد أن ندقق فيما تقدم هذه الجهات المؤثرة ونحاسب أنفسنا حسابًا عسيرًا.. ونحن لا نفعل هذا، فالأسرة لا ترعى أولادها.. حيث ينشغل الوالدان بالعمل ويتركان أولادهما للتليفزيون وزملاء الشارع أو النادي .. والمدرسة.. المدرس نفسه قدوة سيئة وبعضهم يتحدث عن غرامياته في الفصل، فهناك تسيب إداري وأخلاقي.. كل إمكاناتنا التربوية والتثقيفية تبنى مجتمعًا غير إسلامي.. فالإعلام دومًا يتحدث عن الفن الذي تحرر من وصاية الدين والأخلاق.. والمذيعة لا تظهر محجبة.. تلك هي القدوات التي نقدمها للشباب بقصد وعمد وتخطيط.. ثم نبكي على هذه الظواهر.
أما الدكتورة إجلال خليفة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة فتقول: الإعلام يدعو إلى الرذيلة ويحث على الفحشاء.. فترى في كل الأغاني والأفلام.. سمة المرأة الرئيسية.. راقصة في معظم المستويات وكل شرائح المجتمع حتى الخادم والخادمة.. الإعلانات كلها رقص.. كل شيء يرقص حتى برامج الأطفال.. والتليفزيون بالذات يقتحم على الناس بيوتهم وأصبح قدوة وأبًا ثالثًا، بل إنه أصبح في كثير من البيوت المربي الوحيد للأولاد، فلنتق الله في أطفالنا وشبابنا.. لماذا لا يعبر الفن عن الأنشطة الإنسانية ككل؟! لماذا نركز على الغريزة الجنسية فقط، نغفل الفطرة الطيبة؟ لماذا لا نرى الدين إلا في المناسبات رغم أن الدين هو الحياة ويجب أن يشمل كل سلوكياتنا ويهذب كل جوانب حياتنا؟!!
لقد جعل الله تعالى صناعة الكلمة قسمين: "كلمة طيبة وكلمة خبيثة".. والإعلام للأسف يقدم 0.5% كلمة طيبة، والباقي كلمات خبيثة، وأنا لست ضد أو مع أحد.. لكن إذا حللناها سنجد معظم ما يقدم ينافي الحياء ويخل بالآداب العامة.. لقد أدرك أعداء الإسلام أن الكلمة أخطر من الصاروخ؛ لأنها تشكل الإنسان وتستعمره وتحوله من منتج إلى شرير معتد، ومن أجل ذلك تنفق الملايين على الإذاعات الموجهة لإفساد الشباب.. فالإعلام هو الاستعمار الحديث.. كل الدول الحديثة عندها إذاعات موجهة للاستحواذ على مشاعر الشعوب وعقليتها.. فيرسلون جيوشًا من الكلمات عبر الأثير سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.. إذا لم نوجهها هنا ونحمي الناس بكلمة طيبة فسوف تحقق أهدافها.
أما الدكتور كمال الدين حسين، بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة، فيرى أن: الظواهر الاجتماعية إفراز لبنية اجتماعية تعاني من الانفصام؛ فالأب اليوم لم يعد النموذج القدوة في البيت من خلال عجزه الاقتصادي عن تلبية احتياجات الأسرة.. الأبناء فقدوا الأمان والدفء الأسري لانشغال الأبوين في ملاحقة تلبية الاحتياجات الدنيوية.. ناهيك عما يتلقاه الأطفال من الأجهزة الإعلامية وما يشاهدونه من مثيرات عن طريق الإعلانات أو الأعمال الدرامية دون المستوى والتي تبعد عن مناقشة المشاكل الحقيقية للواقع أو من خلال الصحافة التي تحاول أن تجمل كل الأشياء بدون مراعاة للصدق ومن غير منطق ولا موضوعية، الأمر الذي يفقدها كل مصداقية مما يؤدي بالضرورة إلى خلق أجيال تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. واختلال المعايير أو اختلال في السلوك والممارسة.

**ما هو الحل؟***
وعن المنهاج السليم لتنشئة الطفل تتحدث الدكتورة إنشراح الشال فتقول: لقد حدد الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا كيفية التنشئة السوية للطفل.. فقد بدأ التعهد بتربيته من مرحلة مبكرة تسبق وجوده على الأرض سعيًّا لإيجاد الأسرة التي تحميه من الانحراف فأوصى باختيار الزوجة الصالحة " فاظفر بذات الدين تربت يداك "، كما أكد على قبول الخاطب الصالح: "إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..". كما أرشدنا إلى ضرورة الانضباط الخلقي بكل معانيه حتى يكون الأبوان قدوة في مجال العفة والالتزام الديني والخلقي. فأكد على ضرورة استئذان الطفل على أبويه قبل البلوغ في أوقات ثلاثة وهي فترة النوم من بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر ووقت القيلولة ظهرًا، حيث يغلب أن يكون الأبوان قد نزعا ثيابهما. أو تكون الأم في وضع لا يجوز أن يراها فيه الطفل، فإذا بلغ الطفل الحلم وجب أن يستأذن في كل الأوقات.
كما علمنا القرآن الكريم كذلك الاحتشام في اللبس وعدم إظهار المفاتن لعدم إثارة الفتنة، والتحشم في الألفاظ والحديث، وأوصانا النبي r بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فقال: "و فرقوا بين أولادكم في المضاجع".
بهذا ينشأ الطفل على الحياء وتأخذ الغريزة الجنسية مسارها الطبيعي في التكون والظهور، ويكون الطفل أقل تجاوبًا مع صور الانحراف التي لا يخلو منها أي مجتمع.. ولكني أنادي بضرورة تكاتف المؤسسات التربوية المشتركة في تنشئة الطفل حتى لا أبني من ناحية وغيري يهدم من ناحية أخرى على الأقل تلك التي تقتحم علينا بيوتنا كالتليفزيون. فمتى نتقي الله في أطفالنا وشبابنا وهم مستقبل هذه الأمة؟!
ـــــ
مجلة "هاجر" ع 25 بتصرف.

Post: #894
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 01:30 AM
Parent: #676

حين يتوهم أهل الدنيا أن اللذة والنعيم في الأموال والنساء وفي البيت الجميل والفراش الوثير، فإن جنة المؤمن في محرابه ، ولذته في مناجاته لربه سبحانه وتعالى حين يقوم فيترك فراشًا وثيرًا وزوجة حسناء، ويلقي عن نفسه التعب والكسل ليجيب نداء ربه وهو يدعوه: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً)، يا أيها الملتف في ثيابه المستدفئ في فراشه: قم فإنك على موعد مع ربك وخالقك، وهو ينادي على محبيه: من يدعوني فأستجيب له؟ من يسألني فأعطيه؟ من يستغفرني فأغفر له.هؤلاء هم أهل الله المحبون له على الحقيقة
قيام الليل .. وما أدراك ما قيام الليل ؟
سنة عظيمة أضعناها، ولذة عجيبة ولكننا ما تذوقناها، وجنة للمؤمنين في هذه الحياة ولكننا ما دخلناها ولا رأيناها .

لله قوم أخلصوا في حبه فأحبهم واختارهم خداما

قوم إذا جن الظلام عليهم قاموا هنالك سجدا وقياما

يتلذذون بذكره في ليلهم ونهارهم لا يبرحون صياما
قيام الليل مدرسة تتربى فيها النفوس، وتهذب فيها الأخلاق، وتزكى فيها القلوب .
قيام الليل عمل شاق وجهاد عظيم لا يستطيعه من الرجال إلا الأبطال الأطهار، ولا من النساء إلا القانتات الأبرار.. (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران:17) .
قيام الليل دأب الصالحين قبلنا، ومكفرة لسيئاتنا، وقربة لنا إلى ربنا، ومطردة للداء عن أجسادنا.
لماذا الحديث عن قيام الليل
الحديث عن قيام الليل له أسباب كثيرة ..
أولها: أنه بداية الطريق لإعادة بناء الأمة، وتأهيلها مرة أخرى لقيادة العالم وسيادته وريادته .. فبهذا الأمر ربى الله تعالى الرعيل الأول وجهزهم لتحمل مشاق الرسالة والقيام بأمر الدعوة؛ لأن العبد إذا قام الليل طهر قلبه، وإذا طهر القلب فلن تجد منه إلا السمع والطاعة.
ولذلك لن تعجب إذا علمت أن الله افترض على المسلمين قيام الليل قبل أن تنزل الأحكام وقبل أن تفرض الفرائض وقبل فرض الصلوات الخمس كما جاء في حديث حكيم بن حزام أنه جاء إلى السيدة عائشة رضي الله عنها يسأل عن قيام النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ سورة المزمل؟ قال: بلى، قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً (سنة كاملة) وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل في آخر هذه السورة التخفيف فصار قيام الليل تطوعًَا بعد فريضة .
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن قيام الليل كان فريضة في أول الأمر على النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه سنة كاملة حتى نسخ الله هذا في آخر السورة.
فطهارة القلب وزكاة النفس لا تكون إلا بقيام الليل .ولهذا وجدنا بعد الأمر بقيام الليل الحديث عن المهام الجسام التي يعد الله لها نبيه صلى الله عليه وسلم حين يقول الله تعالى: (إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا).

الثاني: تبدل أحوالنا عن أحوال السلف، وانقلاب ليالينا إلى لهو ولعب وتفريط في الأعمار وتضييع للأوقات.. وبدلا من أن تقضى ساعات الليل في صلاة ومناجاة لله صار الأعم الأغلب يقضيها في معاص أضاعت على المسلمين دينهم.
وغاب عن الكثير منا حديث أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ينزل ربنا عز وجل كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر، فيقول: من يدعوني فأستجيب له ؟ من يسألني فأعطيه ؟ من يستغفرني فأغفر له؟".(رواه الجماعة) .
وعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: " أقرب ما يكون العبد من ربه في جوف الليل الآخر، فإن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن " .
الثالث: هو قسوة في القلوب، وجفاف وجفاء في الباطن طفح على الظاهر فأورث النفوس عدم تلذذ بالقرآن والآيات، وعدم تأثر بالمواعظ والبينات، ومن كان هذا حاله فلا بد له أن يقوم الليل ليسأل ربه أن يمن عليه بقلب خاشع رقيق فما استجيبت الدعوات في وقت بمثل ما استجيبت بالأسحار.
الرابع: رغبة في إحياء سنة من سنن النبي صلوات الله وسلامه عليه، تركها الناس ورغبوا عنها، وفي إحياء سننه أجر عظيم وثواب كبير.
قيام الليل في القرآن
لقد تنوعت صور دعوة القرآن المسلمين لقيام الليل ما بين الأمر به، وبيان فضله، وامتداح أهله، وعاقبة أصحابه ترغيبًا وتحبيبا، وهذه الآيات منها المدني والمكي:
فأمر الله به في سورة المزمل كما سبق، وفي سورة الإسراء: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً)(الإسراء:78، 79).
قال الحسن ومجاهد: أي أن القيام في حق النبي نافلة؛ لأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو في حق المسلمين فريضة، فقالا: لابد من قيام الليل ولو ركعتين في السحر .
وفي سورة ق قال تعالى: (فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ) (ق:39، 40) .
وفي وصف أهل الإيمان امتدح الحق تبارك وتعالى المتقين المحسنين داعيا للاقتداء بهم فقال عز وجل: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(الذريات:15 - 18).
وقال : (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً * وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّداً وَقِيَاماً)(الفرقان:63، 64) . فجعل من صفات عباده الذين شرفهم بنسبتهم إليه أنهم يبيتون ليلهم سجدًا وقيامًا.
وفي بيان ما أعد للقائمين من الجزاء والنعيم قال تعالى: (إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(السجدة:15 - 17) . وكل هذه السور مكية باتفاق المفسرين.
أما السور المدنية فقد تابع الله فيها التنبيه على تلك الشعيرة العظيمة كما في قوله سبحانه: (الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران: 17) .
وقال أيضا: (لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)(آل عمران:113) .
وفي سورة الإنسان قال تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً)(الإنسان:25، 26) .
القيام في السنة
لقد تواطأت أدلة السنة المطهرة مع أدلة الكتاب العزيز في الدعوة لهذه الفضيلة العظيمة وحث المؤمنين عليها، وكان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله هو الحادي لأمته في اقتفاء أثره، فقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل".
ولذلك كان عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما يقول: "لأن أصلي في جوف الليل ركعة أحبُّ إليَّ من أن أصلي بالنهار عشر ركعات".
وعندما هاجر المصطفى صلى الله عليه وسلم إلى المدينة كان أول ما كلمهم أن أمرهم بقيام الليل، قال: "أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصلُّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام " .
وكان صلوات الله عليه وسلامه يتعهد المسلمين ويحثهم على قيام الليل، فعن أبيّ بن كعب رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مضى ثلثا الليل نادى بأعلى صوته: أيها الناس اذكروا الله، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة، جاء الموت بما فيه". وطرق عليا وفاطمة رضي الله عنهما ليلا وقال: ألا تصليان؟".
وقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: " نعم الرجل عبد الله لو كان يصلي من الليل". قال سالم بن عبد الله: فكان ابن عمر بعد ذلك لا ينام من الليل إلا قليلاً.

وقال لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: " يا عبد الله لا تكن كفلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل ".
وفي وصية جبريل للنبي الأمين صلى الله عليه وسلم قال: "يا محمد، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه الليل، وعزه استغناؤه عن الناس" .
والنساء أيضا
ولم يقتصر الأمر بقيام الليل على الرجال فحسب وإنما أيضا دعيت إليه المسلمات.. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً قام من الليل فصلى وأيقظ امرأته، فإن أبت نضح في وجهها الماء، ورحم الله امرأة قامت من الليل فصلت وأيقظت زوجها، فإن أبى نضحت في وجهه الماء".(رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح) .
وعنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أيقظ الرجل أهله من الليل فصليا ركعتين جميعًا كُتبا من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات " .
وذكر أن العبد إذا فعل ذلك أو فعلته امرأته ضحك الله من فعلهما. وفي المسند: "إذا ضحك الله من عبد فلا حساب عليه".
مقدار قيام الليل:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل أحد عشر ركعة، أو ثلاث عشر ركعة، ولا يزيد على ذلك، وكان يقول: " صلاة الرجل مثنى مثنى"، وروت عنه السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: "فصلى أربعًا، لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم صلى أربعًا لا تسل عن طولهنَّ وحسنهنَّ، ثم أوتر بثلاث .

وصدق والله القائل:
وفينا رســول الله يتـلـو كـتابه إذا انشق معروفٌ من الصبح ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا بــه مــوقـنـاتٌ أن مــا قــال واقـــع
يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا اسـتثـقـلـت بالمشركين المضاجع
هذا هديه صلوات الله وسلامه عليه، وكل إنسان يفعل ما تيسر له قدر استطاعته، والمقصود هو وجود قيام الليل وإحياء تلك السُّنَّة فيصلي العبد ما شاء ثم إذا تعب نام. وفي الحديث: " ليصل أحدكم نشاطه، فإذا كسل أو فتر فليرقد"، وقال: "خذوا من الأعمال ما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا".(رواه البخاري ومسلم) .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيام الليل، ورغب فيه حتى قال: "عليكم بصلاة الليل ولو ركعة".
وقال رضي الله عنه: ذكرت قيام الليل فقال بعضهم: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نصفه، ثلثه، ربعه، فواق حلب ناقة، فواق حلب شاة". والفواق: هو مقدار ما يرفع الحالب يده عن الضرع ثم يعيدها إليه ، وقيل مدة الحلب ... والمقصود أنها مدة قصيرة.
وقال صلى الله عليه وسلم: "من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين". يعني الذين يوفون أجرهم بالقناطير. (رواه أبو داود، ابن خزيمة وهو في صحيح الجامع).
من الأسباب الميسِّرة لقيام الليل
ذكر أبو حامد الغزالي أسباباً ظاهرة وأخرى باطنة ميسرة لقيام الليل:
فأما الأسباب الظاهرة فأربعة أمور:
الأول: ألا يكثر الأكل فيكثر الشرب، فيغلبه النوم، ويثقل عليه القيام.
الثاني: ألا يتعب نفسه بالنهار بما لا فائدة فيه.
الثالث: ألا يترك القيلولة بالنهار فإنها تعين على القيام.
الرابع: ألا يرتكب الأوزار بالنهار فيحرم القيام بالليل.لما سأل شاب الحسن البصري رحمه الله فقال لا أستطيع قيام الليل؟قال كبلتك خطاياك.
وأما الأسباب الباطنة فأربعة أمور:
الأول: سلامة القلب عن الحقد على المسلمين، وعن البدع وعن فضول الدنيا.
الثاني: خوف غالب يلزم القلب مع قصر الأمل.
الثالث: أن يعرف فضل قيام الليل.
الرابع: وهو أشرف البواعث: الحب لله، وقوة الإيمان بأنه في قيامه لا يتكلم بحرف إلا وهو مناج ربه.
وأخيرا:
يا رجال الليل جـدوا رب داع لا يــرد
لا يقــوم اللــــيل إلا من له عزم وجد
اسلام ويب

Post: #677
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:06 AM
Parent: #601

البطالة .. قنبلة موقوتة
مثل بقية دول العالم، فإن البطالة تمثل مشكلة حقيقية تعاني منها المجتمعات العربية والإسلامية.. غير أن مؤشرها البياني الذي يتجه بانتظام نحو الأعلى -وسط غياب معلومات حقيقية عن حجم المشكلة وأسبابها- يجعل منها مرضا مستعصيا على العلاج يصيب بصورة خاصة معسكر الشباب.
في مصر.. ورغم التجارب التنموية الرائدة التي بدأت مع بداية القرن العشرين المنصرم إلا أن مؤشر البطالة واقف عند مستوى معين هو 11% حسب الإعلانات الحكومية، و20% حسب تقديرات مراكز الأبحاث الخاصة، وفي الحالتين فالنسبة مرتفعة وخطيرة، غير أن الفارق بين الرقمين يشير إلى أن القضاء على هذه المشكلة لن يكون في المستقبل القريب طالما أن المهتمين بها لم يستطيعوا بداية الاتفاق على حجمها.
والشباب العربي يعاني اليوم أنواعا من البطالة، أبسطها هو "البطالة الصريحة" التي يعجز فيها الشاب عن العثور على عمل نافع بأجر مناسب، وأبشع صورها هو "البطالة المقنعة" التي يحصل فيها الشاب على وظيفة لا هي نافعة للمجتمع، ولا هي تدر عليه العائد الذي يجزيه ويكافئ جهده الذي بذله طوال عقد ونصف من التعليم، وبين هذين النوعين هناك البطالة الموسمية والبطالة التكنولوجية، وهما نوعان بدآ في الظهور مع تبلور ملامح العولمة.
ولكننا لا نريد أن نستغرق في التحليل السياسي والاقتصادي للبطالة ووسائل القضاء عليها، بل نريد أن نتوقف عند آثارها الاجتماعية وأسباب زيادتها وانتشارها، وهنا يمكننا أن نرصد الأخطار الاجتماعية التالية:
1. زعزعة الانتماء للوطن والولاء للدولة، وذلك لأن الحاجة إلى العمل من أجل الغذاء والكساء تقع على رأس هرم الحاجات الاجتماعية الأساسية، ومن وجهة نظر أي شاب فإن الوطن الذي لا تتوفر فيه هذه الاحتياجات الأساسية، والدولة التي تعجز عن حل هذه المشكلة لا يستحقان الانتماء لهما والتضحية من أجلهما.
2. اهتزاز السلام الاجتماعي، فالشاب الذي يعاني من البطالة لن يمنع نفسه من "ممارسة" الحقد والكراهية تجاه أولئك الذين حصلوا على فرصة عمل، فضلا عن أولئك الأثرياء الذين يركبون السيارات الفارهة وتملأ صورهم الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية.
3. انتشار الجريمة، فمعروف عالميا وفي دراسات الاجتماع الجنائي أن هناك عددا من الجرائم المرتبطة بزيادة البطالة، وعلى رأسها السرقة بأنواعها [نشل، سطو، سرقة بالإكراه] والقتل، إضافة إلى جرائم التهريب والاحتيال، فضلا عن الجرائم الجنسية والأخلاقية لشباب عاجز عن الزواج، وانتشار تعاطي المخدرات، وهو ما يؤدي في النهاية إلى شيوع مناخ عام يمتهن القوانين والأنظمة المعمول بها في المجتمع.
4. البطالة تربة خصبة للتطرف والأفكار الهدامة، فالعاطل عن العمل الناقم على المجتمع مستعد لتقبل أكثر الأفكار تطرفا وانحرافا، وإن ارتدت ثياب الدين -وهو برئ منها- أو ثياب الإلحاد، ويكفي أن نذكر أن الشيوعية الماركسية حين أرادت تربة صالحة لدعوتها لم تجد أفضل من معاناة العمال، وظروف العمل القاسية.
5. تباطؤ معدلات التنمية في المجتمع، لأن شريحة كبيرة منه لم يتم استغلالها في عمل نافع وبقيت تشكل عبئا على الدولة وعلى أسرها لتوفير الطعام والكساء ووسائل الترفيه لها لقتل الوقت.
6. تراجع النظر إلى التعليم باعتباره قيمة تستحق العناء، وشيوع مفاهيم أخرى تقوم على "الفهلوة" والتحايل، وبالتالي تفاقم ظاهرة التسرب من التعليم وتزايد معدلات الأمية، وهو ما يصب بدوره في زيادة حدة مشكلة البطالة ليصبح الأمر أشبه بحلقة مفرغة.
***
أريد أن أنطلق من هذه النقطة الأخيرة لأقول إن جزءا كبيرا من مشكلة البطالة يعود إلى الخلل في السياسات التعليمية التي تتبعها الدول العربية، ولأوضح ذلك بمثال عملي.. فالمجتمع المصري لم يعرف البطالة كمشكلة ملحة إلا في عام 66 مع تزايد أعداد خريجي الجامعات والمعاهد العليا والمتوسطة في حين كانت المعاناة محدودة قبل أن يصبح التعليم مشروعا قوميا للدولة بعد ثورة يوليو.. فما السبب؟
السبب هو أن الدولة اتبعت شيئا فشيئا سياسة خاطئة بإصرارها على تعيين كل الخريجين، مع استمرارها في تصوير التعليم للناس على أنه حل لمشكلة البطالة، والنتيجة أن كثيرا من الفقراء وأبناء الطبقات الدنيا في المجتمع دفعوا بأبنائهم إلى المؤسسات التعليمية ليضمنوا لهم وظيفة سهلة، وبدأت الجامعات تعمل دون خطة لتخرج كل عام آلاف الخريجين في تخصصات لا يحتاج المجتمع إليها، واستمرت الدولة ملتزمة بتوظيفهم في تخصصات لا علاقة لهم بها، ولا قدرة لهم على إفادة المجتمع من خلالها.
ما حاجة المجتمع المصري -على سبيل المثال- إلى نصف مليون محامٍ معظمهم ليس في مكتبه قضية واحدة، وكثير منهم يئس من مزاولة المهنة فتركها ليعمل "جرسونا" في مقهى أو مطعم سياحي؟!
وما حاجة المجتمع لملايين من خريجي التجارة في بلد يعاني من كساد وأزمة اقتصادية مزمنة؟
وما الحاجة المجتمع للآلاف سنويا من خريجي كليات الآداب، في حين لا يجد الواحد من هؤلاء شركة أو مؤسسة تحتاج إلى تخصصه؟
ببساطة شديدة نحن -الشباب- نحتاج إلى خطة فورية لمواجهة البطالة تركز بصورة أساسية على ركيزتين:
· الأولى: وضع سياسة واضحة ورشيدة للتعليم في أوطاننا العربية تضمن أن تخرج الجامعات للمجتمع الكوادر التي يحتاج إليها في التخصصات المطلوبة وبالأعداد المطلوبة.
· الثانية: أن تبدأ الدول العربية فورا بخطة "للتدريب التحويلي"، وهي خطة تهدف إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عن طريق تدريب شباب الخريجين على مهارات وتخصصات جديدة تحتاج إليها مجتمعاتهم لتسهل لهم الحصول على فرصة عمل..
وبغير ذلك فإن الشباب سيبقى كما هو الآن.. قنبلة موقوتة..
الشبكة الإسلامية- خاص

Post: #678
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:08 AM
Parent: #601

ما إن ينتهي الطالب من عناء امتحانات الثانوية حتى يبدأ بالتفكير في كيفية الالتحاق بالجامعة، وأي الكليات ينبغي أن يلج، وأي تخصص يختار؟ هل يمسك بناصية طريق التدريس فيصبح معلمًا أم يختار علوم الإدارة لأنه يحبذ العمل الإداري ؟ أترى الطب أفضل أم الحاسب الآلي ؟ أفكار وأسئلة وأراء ومقترحات ...
فترة عصيبة يمر بها الطالب قبل أن يقرر التخصص الذي سيختاره في الجامعة وقلق وتردد يلازمان الكثير ومما يزيد الأمر سوء هو عدم وضوح الهدف والرؤية بالنسبة للشاب .
أخي الشاب لنفكر سويا ونحاول إزالة هذه الحيرة والوصول إلى أفضل الخيارات الممكنة .
**حدد أهدافك وطبيعة العمل الذي تريده***
إن جميع السنوات التي قضيتها في التعليم وهي اثنتا عشرة سنة أو أكثر ما هي إلا مقدمة للسنوات القادمة الحاسمة والتي يترتب عليها بإذن الله غالبا مسار حياتك العملية بناء على طبيعة ما تختاره في هذه الدراسة فإما أن تحقق طموحك وما تصبوا إليه في حياتك وإما أن تتنقل بين مجالات عديدة بحثا عن الأفضل فيضيع جهدك ووقتك دون أن تصبو إلى ما تريد.
إذا لا بد من الخلوة بنفسك لتفكر فيما أنت مقدم عليه وماذا يجب عليك وما مدى رضاك عن نفسك، ولتحدد هدفك بوضوح لأنه له أصل دور كبير في نجاحك وليكن ضمن أهدافك خدمة هذا الدين ورفعة كلمته بكل ما تستطيعه من إمكانات واعلم أن الشخص الذي يسير بلا هدف لن يصل إلى شيء وربما تعب من أول الطريق فترك التعليم وتأفف منه وعليه فاسأل نفسك هل أنت إنسان هادي تحب الانفراد ؟ هل تمتعك الحركة الدائمة أو ترغب في العمل المكتبي؟ هل تفضل العمل الأكاديمي أم العمل الإنتاجي؟
وهكذا اسأل نفسك حتى تستطيع في النهاية تحديد ما تريده بوضوح تام.

**اعرف قدراتك وإمكاناتك ***

إن مما يعينك على اختيار الكلية والتخصص المناسب معرفتك بقدرتك الذهنية والبدينة لذا أعطِ نفسك ما يناسبها ولا تبخسها حقها ولا تختار السهل لترتاح وكن طموحا مقداما وفي نفس الوقت لا تقحمها فيما لا تستطيعه فتتبعها بما لا فائدة منه.

**احرص على جمع المعلومات الكافية ***

إن جمع المعلومات الكافية والوافية يعطيك تصورا واضحا للمجالات المتاحة لك بحيث تستطيع بناء رأيك واختيارها على أساس صحيح وكلما كانت المعلومات صحيحة كان الاختيار نافعا وهذا يتطلب منك أمورا عدة منها جمع المعلومات من المصادر الأصلية ودع عنك ما يذكره ويتناقله الأصدقاء وما يتحدث به الناس.
قم بزيارة الجامعات بنفسك واطلع على أقسامها وما تحتويه وتفهم جيد ما يؤهل إليه كل قسم منها وما تدرسه فيه فزيارتك هذه لها من الفوائد الشيء الكثير منها التعرف على طبيعة الجامعات ومبانيها ومنها اللقاء بالمسؤولين والحديث معهم وتأهيل نفسك للالتحاق بها وألفة المكان وغير ذلك من الفوائد فإن بعض الطلاب قد يخفق في دراسته خاصة في أيامه الأولى لعدم تأقلمه مع المكان الجديد والنظام المتغير.
وفي أثناء جمعك للمعلومات لا تهمل وسائل الاتصال الحديثة فإن فيها خير كثير ونفع عظيم وبإمكانك عن طريقها توفير كثير من الجهد والوقت والتعب.

**لا تجعل الأحداث والمواقف تؤثر عليك***

لا تربط اختيارك لكلية ما أو تخصص معين بناء على ما حدث للآخرين فإن نجاح فلان في تخصص ما أو عدم توفيقه لا يستلزم حصول ذلك لك فكن واثقا في نفسك شجاعا في اتخاذ القرار ولا تهضم نفسك حقها ولا تبخسا ثقتها ودعك عنك الانهزامية والاعتماد على الآخرين والاتكال عليهم وعلى آرائهم وقراراتهم ولا تتكلف في كل ما سبق وكن وسطا فإن خير الأمور الوسط أما التكلف في البحث والتأمل والتفكر والتقصي فإنه يعود عليك بالضرر فتأمل .

**المشاورة وأخذ الآراء ***
إن استقلال الإنسان برأيه واعتماده على نفسه لا يعني إهمال آراء الآخرين ومقترحاتهم وتجاربهم فإن ضم خبرات الآخرين يعينك على اتخاذ القرار الصائب بإذن الله كما أنها تساهم في تكوين شخصية الإنسان.
فإذا انتهيت من جمع المعلومات وتحديد الأهداف ومعرفة القدرات قم باختيار مبدئي للتخصص الذي تريد ا لالتحاق به ثم اعرض ما اتخذته من قرار على أهل الرأي والمشورة وابدأ بوالديك فإنهم أعلم بك وأحرص عليك ثم بعدهم أهل الاختصاص من أفراد المجتمع والمسؤولين وممن تتلمذت عليهم ولا يحملك التكاسل أو الحياء على التفريط في ذلك فإنه لهم اطلاع على ما لم تطلع عليه .
**تراجع عند الخطأ ***
كن مرنا عند المشورة وأخذ أراء الآخرين بحيث إذا ظهر لك وجه الخطأ في اختيارك فعليك بالمبادرة إلى إصلاحه والتراجع ولا تحاول الجدال والدفاع عن رأيك بلا فائدة فإن ورود الخطأ في الاختيار في هذه المرحلة أمر محتمل ووارد وعدم التراجع عنه قد يكلف الكثير في المستقبل.
وإذا ما استقر رأيك على أمر ما وأقره أهل المشورة فعليك بالاستخارة وتقرب إلى الله بها واسأله أن يشرح صدرك ويوفقك للخير فإن الاستخارة لها دور عظيم فيما تقدم عليه في أمور حياتك ثم بادر بالتسجيل ولا تتردد وتتكاسل وتتقاعس ولا تسوف وتؤجل وكن حازما في أمورك ولا تنتظر مساعدة الآخرين وقضاء حوائجك.
**التفاؤل والرضى أمران أساسيان ***
وأنت تسير إلى الجامعة عليك بالتفاؤل فإنه من هديه صلى الله عليه وسلم فقد ورد في الحديث وكان يعجبه الفأل" والتفاؤل الذي تحتاجه هو المبني على أساس صحيح وليس على أوهام يتعلق بها الإنسان ليترك الجد والعمل فكن متفائلا بمستقبل طيب بإذن الله يعينك ذلك على الوصول إلى ما تريد.
وإذا ما تعثر التحاقك بما كنت ترجوه وتأمله فكن راضيا بقضاء الله وقدره تكسب السعادة في الدنيا والأجر يوم القيامة واستحضر دائما حديث النبي صلى الله عليه وسلم "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ولو اجتمعت على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف"

وأخيرا اعلم أن وضوح الأهداف وربطها بالشرع المطهر والتعلق بالله جل وعلا وإخلاص النية له من أكبر أسباب السعادة في الدنيا والآخرة فأخلص نيتك واصدق مع ربك وتعلق به واطلب منه المعونة والغوث، وتذكر أن التقوى من أسباب الفلاح وفيها مفاتيح الرزق "ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه " وتذكر قوله تعالى " ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا" تجد السعادة بإذن الله تعالى.
أشرف سلامة-اسلام ويب

Post: #679
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:11 AM
Parent: #601

الحياة تافهة عندما يجد الشاب نفسه بلا ضابط ، وفكره بلا محتوى ، وحياته بلا هدف ، ولا معنى ، مرحلة الشاب مرحلة حرجة ومنعطف حاد ، فالمرء يفترسه عاملا الفراغ وغموض الهدف ، فيسلبان الشاب فترة ذهبية من حياته ، يؤسس فيها القواعد الأولى لحياة هادفة قد تكون منطلقاً لآفاق أوسع .

فالهدف لابد من وضوحه ، وعندما نسأل عن الهدف لا نذهب بعيداً ، فكتاب الله بين أيدينا يقول فيه عز وجل : ((ومَا خَلَقْتُ الجِنَّ والإنسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ)) فتحقيق غاية العبودية بمفهومها الشامل هو الغاية والهدف في الحياة .

هل تكفي مجرد المعرفة؟
علمنا الهدف فهل يكفي ذلك للوصول إليه ، لا أظن أن هناك إجابة تزاحم قولنا بأنه لابد من علم ومعرفة دقيقة بواقعنا ، لكي نسير على بصيرة ، فعندما ننظر من حولنا نرى غزواً فكرياً خطيراً قد استشرى واستفحل خطره ونحن لاهون عنه غافلون ، فهو يسلك طرقاً خفية حتى ينفث سمومه ، ولا تدري الأمة إلا وقد ضاعت شخصيتها ، وزالت معاني أصالتها وقوتها ، سرى ذلك الغزو في جسد الأمة وترك بصماته على كلى جزء من هذا الجسد ، وما كان ذلك السريان إلا نتيجة لـ :
1- الفراغ الذي ملأ أوقات أفراد الأمة شيباً وشباناً ، نساء ورجالاً .

2- ضعف الإيمان في قلوب أفراد الأمة ، إلا من عصم ربك ، وقليل ما هم .

3- غلبة الجهل المتراكم حتى في الطبقات التي تدعي العلم وحمل الشهادات .

4- قلة التربية الصحيحة السليمة للنشىء في البيت أو المدرسة ، أو أجهزة الإعلام ، أو أجهزة الترفيه أو الشارع .

سؤال مؤرق!!
إخواني الشباب، يا أمل الأمة : ننظر إلى حالنا فلا نرى ما يرضاه ذوو الهمم العالية من مخلصي هذه الأمة مما يجعل سؤالاً يؤرق أجفاننا وهو: ما منشأ ذلك الحال؟.
ولا يختلف اثنان على براءة ما نعتقده من ذلك ، فعقيدتنا تدعونا إلى الصلاح والإصلاح ، واستغلال جميع الأسباب النافعة التي ترقي بنا وتعلينا ، علمنا ذلك وإدراكنا لواقع أمتنا يوجب علينا مضاعفة جدنا ونشاطنا ، ولا نكون كمن رأى حال الأمة وحرج موقفهم فتخلى عنها كالجبناء ، والتفت إلى حضارات ومدنيات بُنيت على الكفر والإلحاد ، مزخرف ظاهرها خراب باطنها .

إن الأمة تريد منا شباباً عالمين عاملين وإلا فنحن في أمية من نوع آخر ليست هي الجهل بالقراءة بل هي الجهل بالتزام ما نعتقده ونعلمه ونقرؤه التزاماً عملياً في كل شؤون حياتنا في : المنزل ، المكتب ، الشارع ، المصنع...

إخواني: عليكم تلقى الآمال ومنكم يطلب الكثير، فالطريق طويل والصعاب فوق ما نتصور ولكن قال تعالى: ((إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ ويُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ)) ((الله ولي الذين امنوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إلَى النُّورِ والَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إلَى الظُّلُمَاتِ)) .
ــــــــــ
مجلة البيان

Post: #680
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:15 AM
Parent: #601

يعتبر الشباب من أهم شرائح المجتمع وعماد الأمة ومكمن طاقتها المبدعة وقوتها الواعدة. ومشكلات الشباب محور المشكلات الاجتماعية، وحلها هو المدخل إلى حلّ مشكلات المجتمع وبنائه وتقدمه. وإفساد المجتمع والوطن وتخريب الدين يبدأ من إفساد فئة الشباب وحرفهم عن الطريق القويم بشتى الطرق والأساليب والمغريات.
والإسلام يعي هذه الحقيقة ومدى خطورتها على الأمة والدين لذلك اهتم بقطاع الشباب، وتوجهت التربية الإسلامية إلى عقولهم ونفوسهم وعواطفهم من أجل رعايتهم وتربيتهم تربية صالحة، وتلبية حاجاتهم ورغباتهم المادية والنفسية المشروعة، ووقايتهم من الفساد والانحراف. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلّم أن مقام الشاب الصالح عند الله تعالى يعادل مقام الإمام العادل يوم القيامة في حديثه عن السبعة الذين يظلهم الله في ظلّه ، منهم " إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله .." (1).
ظاهرة الجنوح والانحراف عند الشباب تعتبر من أبرز المشكلات التي تعاني منها المجتمعات في العالم. بما تخلّفه من تأثيرات نفسية واجتماعية على شخصية الشاب وما تتركه من آثار سلبية وخطيرة على المجتمع في مجالات الجريمة والسرقة وانتشار المخدرات والفساد والانحلال الخلقي. وتجد المؤسسات الاجتماعية والدينية نفسها مضطرة للتصدي لهذه الانحرافات وقمعها وتحمل مسؤولية معالجة أسبابها والوقاية منها .

الجنوح والانحراف وعوامله :
يوضح علم الاجتماع أن الجنوح نموذج من السلوك الاجتماعي, يقوم المنحرف من خلاله بتصرفات مخالفة للقوانين الاجتماعية والأعراف والقيم السائدة في المجتمع, ويسيء به إلى نفسه وأسرته ومجتمعه. يبدأ الجنوح غالباً عند الأحداث الذين تتراوح أعمارهم بين 12 - 18 سنة، وهي بداية فترة المراهقة التي تعتبر من أخطر مراحل العمر في حياة الإنسان. وتؤكد الدراسات النفسية والاجتماعية على أهمية دور التربية الصالحة للشاب منذ الطفولة في كنف الأسرة ثم المدرسة، فإذا تلقى الشاب منذ صغره رعاية وتربية جيدة ينشأ إنساناً صالحاً، وإن كانت تربيته سيئة تظهر لديه ظواهر الانحرافات في وقت مبكر.

أسباب جنوح الأحداث
تتعدّد عوامل وأسباب جنوح الأحداث وانحراف سلوكهم الاجتماعي، منها:
ـ عوامل اجتماعية:
بعض الأسر تدفع بأبنائها إلى سوق العمل لساعات طويلة خلال اليوم, فيغيبون عن البيت أو المدرسة بعيداً عن الرعاية والمتابعة، مما يفتح أمام الأطفال أبواباً واسعة للانحراف والقيام بالأعمال والسلوكيات الطائشة والمتهورة والانغماس في الشذوذ الأخلاقي والاجتماعي، فالطفل يتأثر بسهولة بالبيئة المحيطة به، وينجرّ وراء رفاق السوء إذا لم يلق الرعاية والمتابعة المستمرة.
وقد بينت الدراسات أن الجنوح جمعي وليس فرديا. فالشاب لا يقوم بتنفيذ أعمال منحرفة كالسرقة والنشل وعمليات التهريب وغيرها بمفرده، بل بعمليات جماعية شبه منظمة على شكل عصابات أو شلّة بالتعاون مع أقرانه. من هنا تأتي أهمية الرفقة الصالحة للشاب واختياره لأصحابه من أهل الصفات الحميدة.
ومن أسباب الانحراف الإدمان على السكر وتعاطي المخدرات من قبل ربّ الأسرة. كما أن الهروب والتسرّب من المدرسة ومن البيت, وعدم شغل أوقات فراغه بنشاطات وفعاليات مفيدة (رياضية - أدبية - ثقافية - ... الخ ), يؤدي إلى ظهور الشذوذ والانحراف النفسي والأخلاقي والخروج على قيم المجتمع عند الشاب .

ـ عوامل بيئية:
منها تفكّك الأسرة والنزاعات الدائمة بين الوالدين, أو فقدان الأب في الأسرة، أو وجود زوجة الأب الذي يؤدي هذا إلى إهمال الأولاد. وممارسة القمع والقسوة تدفع الناشئة من الشباب إلى الهروب المستمر من البيت واللجوء إلى الشوارع والزوايا السيئة، فيتعلّم منها بسهولة العادات والقيم غير الأخلاقية.

ـ عوامل نفسية:
كثيراً ما تؤدي مشاعر الإحباط واليأس وخيبة الأمل, نتيجة الفقر والعوز والحاجة في الأسرة إلى انحراف الشباب واتباع السلوكيات السيئة، مثل السرقة لشراء ما يسد حاجته من الملابس والألعاب ووسائل الترفيه، وأحياناً شح ّ الوالدين وبخلهما وتقتيرهما بالمصروف على أبنائهما. فالشاب ضمن هذه الأجواء الأسرية سيعاني من الحرمان المادي والعاطفي والرعاية والحب والحنان والعطف والتربية الحسنة. وهي من الضرورات النفسية الأساسية التي يجب أن تتوفر في الأسرة , لينشأ الشاب نشأة صالحة, تقيه مخاطر الجنوح والشذوذ الاجتماعي .
وتتنوع مظاهر الجنوح عند الشاب فيبدي عدائية مفرطة تجاه محيطه الأسري ووسطه الاجتماعي على شكل تجاوزات مستمرة وتمرد وعصيان للأوامر والتوجيهات. ويقوم بالاعتداء على حقوق وأملاك الآخرين . ويفتعل العراك والنزاعات مع أقرانه ويلحق الأذى بهم. وتبلغ عدوانيته حدّ تحطيم ممتلكات غيره, وإشعال النار في المنزل . ومن أهم نتائج الجنوح الإخفاق في المدرسة. لأنه يؤدي إلى إهمال الشاب لواجباته المدرسية ويدفعه إلى التحايل والكذب والتعويض عن هذا الفشل باتباع أساليب غير مشروعة لإثبات وجوده في المجتمع . ويشيع بين الشباب الجانحين ظاهرة الإدمان على التدخين والكحول والمخدرات . ويتميز الجانحون بضياع رغباتهم وعدم وضوح غاياتهم في الحياة وعدم قدرتهم على تحديد ما يريدون .

الوقاية والعلاج :
أصبحت اضطرابات السلوك الاجتماعي عند الشباب مشكلة اجتماعية حقيقية تحتاج إلى كثير من البحث والدراسة والعقلانية والتأنّي والوعي والثقافة والاستعانة بأصول التربية الإسلامية وعلم النفس التربوي وطرائقه, لمعالجة هذه المشكلة من خلال تضافر جهود المؤسّسات الاجتماعية والتربوية (الأسرة - المدرسة - المسجد - ... ) لأن هذه المؤسّسات بالأساس تتحمل مسؤولية انحراف وجنوح الأولاد منذ البداية . فالأسرة المهملة التي تعاني من الأزمات والمشكلات, والمدرسة التي يسود فيها ظاهرة التعليم بالقوة والصرامة والعنف . والمجتمع الذي يمارس القمع والاضطهاد ويفرض القيود الصارمة على الشباب . تجعلهم يشعرون بالظلم والقهر والضياع نتيجة الإحساس بفقدان الحرية والمسؤولية والقيمة الاجتماعية. فيتحول الشاب إلى شخص عدواني مشاكس يعمل على الانتقام لذاته وشخصيته المفقودة بالأساليب المنحرفة . ومعالجة مظاهر الانحراف عند الشباب يحتاج إلى تكوين رؤيا شاملة وعميقة. وفق معايير وأسس, تستند على أصول التربية الإسلامية , وتحليلات علم النفس التربوي الحديثة, لفهم مشكلات الشباب ومعاناتهم ومعرفة دوافعهم للانحراف. ودفعهم للالتزام بالانضباط السلوكي والقوانين والأنظمة, ومعايير القيم الاجتماعية والدينية ولتحقيق هذه الأهداف, يجب تحقيق التفاعل البنّاء مع الشباب وكسب ثقتهم ومحبتهم , وإبعادهم عن مشاعر وأجواء العنف والخوف والقلق والتوتر والنفور والضياع . وإلا فإن أسلوب الترهيب والعقاب لا يشكل سوى حلّ آنيٍّ مؤقتٍ, يختفي ويتلاشى باختفاء مؤثراته .
أما القناعة والتجاوب الذاتي, فتشكل ضمانة لاستمرار التزام الشاب وتطوير وترسيخ دافعية الانضباط الإيجابي لديه. فيكتسب من خلالها سلوكاً جديداً, موافقاً لقيم المجتمع وأخلاقه . والتربية الإسلامية تقوم بالأساس على مبدأ الحوار والإقناع والأسلوب الحسن ، من قوله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن " (2). وللأسرة دور أساسي في تكوين شخصية الشاب النفسية والسلوكية من خلال التربية الصالحة وغرس المفاهيم والقيم الحسنة وتقديم الرعاية والحب والاهتمام والتوجيه اللازم . وإلا فإن أوضاع ومشكلات الأسرة ، خاصة الفقر والبطالة والانحلال الخلقي والنزاعات داخل الأسرة, تؤدي إلى ضياع الشباب وانحرافهم وشذوذهم والتمرد على القانون الاجتماعي . دفاعاً عن الذات, ضد ما يشعرون به من ظلم اجتماعي وقهر وحرمان .
ـ الوقاية من الانحراف أهم وسائل معالجة ظاهرة جنوح الأحداث عن طريق الفهم الواعي الثقافي والاجتماعي والديني واعتبار الأبوة والأمومة رسالة مقدسة ومسؤولية عظيمة يجب أن تؤديها الأسرة على أكمل وجه . وكما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "كلّكم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيته " (3) .
كما يجب على المؤسسات التربوية والاجتماعية والدينية , الاهتمام جيداً بعالم الشباب ورعايتهم وتطويرثقافتهم وشغل أوقات فراغهم بنشاطات متعددة (رحلات - نوادي - جمعيات - رياضة - أدب - علوم - بحث - فنون ... الخ ) مما يتلاءم مع ميولهم ويشبع حاجاتهم ورغباتهم المشروعة. فاستئصال أسباب الجنوح منذ البداية هو الأساس في معالجة هذه الظاهرة لتأمين حياة أفضل للشباب , في أحضان أسرة صالحة ومستوى معيشي جيد وتكوين أسرة عاملة ومتعلمة ومسؤولة, تشكل ضمانة له من الانحراف.
وغياب الشاب عن البيت بسبب الدراسة والتعلم والنشاطات الاجتماعية والفنية المختلفة أمر جيد؛ إذ يبقى تحت رعاية مؤسسات تربوية صالحة. تحلّ محل الأسرة خلال فترة الغياب عن البيت. أما غيابه لساعات طويلة, بسبب الحاجة المادية وانخراطه في العمل بعمر مبكر وتركه الدراسة, فهو أمر سيء له نتائجه الخطيرة . فأجواء العمل غير سليمة وغير تربوية, تنعدم فيها الرعاية والاهتمام الصحيح. وتصبح مرتعاً للعلاقات المشبوهة مع ربّ العمل أو رفاق السوء ومن ثم الانحراف والجنوح .
فالوقاية من انحراف الشباب, تحتاج إلى إجراءات حازمة لمعالجتها من جذورها وذلك بتحسين الأوضاع المعيشية للأسر الفقيرة وانتفاء الحاجة إلى العمل المبكر . وفرض التعليم الإلزامي في المرحلة التعليمية الأساسية.
وتوفير ظروف صحية وسليمة لمتابعتهم الدراسة وإيجاد اهتمامات قيميّة سامية وغايات نبيلة يعملون من أجل تحقيقها .

كلمة أخيرة
ثمة كلمة لا بد منها تخاطب عقول الشباب . وهي أن قوة إيمان الشاب ورسوخ العقيدة الإسلامية في نفسه ووعيه هي الأساس في تحديد مساراته واتجاهاته في الحياة. ووقايته من الانحرافات والشذوذ والبقاء على الطريق الصحيح والصمود أمام مغريات الحياة وعواصفها ومواجهة المخطّطات المشبوهة التي تستهدف تخريب عقول الشباب وإفسادهم من أجل تقويض المجتمع الإسلامي وانحلاله وهدم أسسه .
فالإيمان يمدّ الشاب بالقوة اللاّزمة على الصمود والمواجهة والتحمل والصبر على المكاره ومقاومة الشهوات وحب المتع الدنيوية والجري وراءها ، بهدف الحصول على مرضاة الله تعالى والفوز بوعده وجزائه للصابرين , وتجنب معصية الله تعالى وارتكاب المحرّمات والخوف من عقابه تعالى . وليكن شعار الشاب المسلم قوله تعالى : (ومن يتقِ الله يجعلْ له مخرجاً ويرزقْه من حيث لا يحتسب) (4) .

ـــمصطفى الصوفيــــ-اسلام ويب
هوامش :
(1) رواه البخاري ومسلم في صحيحهما .
(2) سورة النحل الآية/ 125/ .
(3) رواه مسلم في صحيحه .
(4) سورة الطلاق الآ

Post: #681
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:21 AM
Parent: #601

عندما نتناول موضوع رعاية الشباب، نجد أنه يُمثل واجباً يتبناه أولو الأمر من الآباء والمسؤولين والهيئات والمؤسسات الوطنية، بهدف توجيه طاقات الشباب بما يعود عليهم بالنفع، وما يُقلل من الاضطرابات السلوكية بينهم، ويحقق الاستقرار الاجتماعي المنشود بينهم وبين ذويهم وبين أبناء المجتمع كافة.

ورعاية الشباب تعد واجباً ذاتياً يجب أن يدركه الشباب أنفسهم، إذ إنه عادة ما تكون خصائصهم النفسية والعقلية في مرحلة الشباب، تمكنهم من إدراك الواقع الاجتماعي الذي يعايشونه، وما تتطلبه الحياة الجادة المستقرة منهم من بذل وعطاء، ما دامت تتوافر أمامهم الفرص الكافية، لاستغلال طاقاتهم وإشباع رغباتهم وحاجاتهم.

أهمية رعاية الشباب
تعد ميادين رعاية الشباب مجالاً مهماً في حياة الشباب حيث إنها:
1 - تمكن الشباب من تنمية الذات، كما تمكنهم من القدرة على تحمل المسؤولية والتبعات، من منطلق إدراكهم لقدراتهم واستعداداتهم، وكيفية استغلال هذه الطاقات فيما يعود بالنفع عليهم.
2 - تعتبر الأساس للتوجيه المهني والتأهيل العلمي للحياة الاجتماعية والاقتصادية المنتجة، بغية استقرار حياتهم واستقرار حياتهم واستشعارهم الأمن الاجتماعي، ومواصلة ركب الحياة.
3 -تحقق للشباب الرعاية الجسمية والنفسية والعقلية الصحيحة، ومن ثم الإنتاجية الفاعلة.
4 - تتيح أمامهم فرص ممارسة المواقف العلمية، والمسؤوليات التي تنمي الالتزام والضبط والاتزان الاجتماعي، وبذلك تقلل من الانحرافات والاضطرابات بينهم وبين المجتمع الذي يعايشونه.
5 - كما أنها تعد الشباب لبناء الثروة الوطنية التي يمكن أن توجه وتستغل لما فيه خير المجتمع في جوانبه الاقتصادية والثقافية والاجتماعية.

رعاية الشباب ضرورة اجتماعية
من هذا يتبين أن رعاية الشباب تمثل ضرورة اجتماعية، لأن قوة المجتمع وتماسكه وسلامة بنيانه والعلاقات السائدة فيه، تتطلب إعداد جيل من الشباب يتمسك بعقيدته ويعتز بتراثه، ويلتزم بالضوابط الدينية الاجتماعية، ويحافظ على العادات والتقاليد الإيجابية الصالحة، ويُساهم مساهمة إيجابية عند تعليمه، وفي عمله وفي أوقات جده وأوقات فراغه، لدفع عجلة التقدم في وطنه نحو الغد والهدف المرغوب.
ومن أهم ما يواجه الشباب بصفة عامة في حياتهم مشكلة كيفية الاستفادة من أوقات الفراغ، حيث إنها تمثل أهمية بالغة في عالمنا المعاصر، حيث يحتاج توجيه الشباب المسلم إلى نشاط مخطط يعود بالنفع عليهم وعلى أوطانهم، إذ إن وقت الفراغ ليس وقت عبث، بل هو سلوك يجب أن يتسم بالجدية، ويستثمر بوسائل فعالة تعمل على تحقيق الصحة النفسية للشباب وتقلل من الاضطرابات السلوكية بينهم، ويعمل على زيادة الانتاج المتوقع منهم.

والشباب لو ترك لطبيعته الخيرة لاستغل وقت فراغه في نشاط إيجابي بناء، في حين أنه قد يتعرض لعوامل بيئية اجتماعية محلية أو واردة تؤدي إلى توجيهه إلى نشاط سلبي هدام، خاصة وقد انتشرت وسائط كالإنترنت وغيره، ما يتيح فرصا لا تستغل لصالح الشباب، ومع زيادة تكاليف وأعباء الحياة العصرية المعاصرة، ونتيجة للتقدم التقني وما صاحبه من مشكلات اقتصادية واجتماعية، فإن الشباب المعاصر يواجه مشكلات تتصل بكيفية استغلال طاقاتهم وتوجيهها، فهم في حاجة إلى توجيه وإرشاد نحو قضاء وقت الجد والفراغ وشغلها بنشاط بناء.

مشكلة وقت الفراغ
ومشكلة وقت الفراغ من أبرز المشكلات المعاصرة التي تواجه الشباب المسلم، وهي من المشكلات التي يجب على المسؤولين في المجتمعات العربية والإسلامية إيجاد حلول لها، لأنها تُمثل مشكلة الكثير من الشباب، وعدم إيجاد الحلول الإيجابية لمشكلات الفراغ بين الشباب تؤدي إلى زيادة الجنوح والجريمة في أوساط الشباب، في حين أنه عند توافر أنشطة وقت الفراغ والأنشطة الترويحية بين الشباب، تقل نسبة الجنوح بينهم إضافة إلى أن توجيه وإرشاد الشباب نحو الاستثمار الأمثل لأوقات الفراغ- في ضوء المسموح به أخلاقياً ودينياً- ما ينمي الشخصية المتكاملة للشباب من النواحي الجسمية والعقلية والاجتماعية والانفعالية والدينية، بحيث يتحقق التوافق النفسي لهم، خاصة الشباب المسلم في وقتنا المعاصر يواجه مشكلات عديدة، وأنواء عاصفة، تحتاج إلى توجيه وإرشاد متكامل ومتجدد، لتمكينهم من التغلب على هذه المشكلات، وتجنيبهم الخوض في معاركها.

واجب المسؤولين
ومن واجب المسؤولين البحث عن السلبيات والانحرافات التي قد تواجه الشباب المسلم في وقتنا المعاصر، إذ إن عدم إحكام الرقابة، وإتاحة فرص اللهو والعبث أمام الشباب، والابتعاد عن الجدية والأعمال المثمرة النافعة والاستثمار الأمثل لأوقات العمل المثمرة والفراغ الذي يستغل لصالحهم قد يؤدي إلى مخاطر اجتماعية لا تقتصر على الإضرار بالشباب وحدهم ، بل تتعدى أضرارها إلى المجتمع بجوانبه البشرية والمادية والمعنوية.
وللحديث بقية بمشيئة الله، ونسأل الله أن يجنبنا جميعا الزلل، وأن يرشدنا إلى طريق الاستقامة والرشاد، حتى يعم الخير أمتنا الإسلامية جمعاء، مصداقا لقوله تعالى: (وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقًا).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين...
الرياض- دكتور عبد المجيد منصور-اسلام ويب

Post: #682
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:23 AM
Parent: #601

"أطفال اليوم رجال الغد" كثيرًا ما رددنا هذه العبارة على مسامع أبنائنا وطلابنا، ولم نكن لننتبه بأن طبيعة الغاب تقول لنا: قد تستطيع أن تداعب صغار النمور، ولكنك لا تستطيع أن تلاعب النمور، ومن هنا تبدأ المعضلة التي لا نكترث لها بل نغذيها دون أ ن نشعر- وربما نشعر- فتنمو حواسنا الخمس غير آبهين بالأشواك تخدش أقدامنا في بساتيننا التي ما ظننّا" أن تبيد هذه أبداً" ودون أن ندرك خطر هذا السرطان الذي داهم كياننا رذاذاً بداية وفيضانا نهاية.

ويخرج منا السؤال- على سبيل التوبيخ- ماذا بأيدينا أن نفعل؟! نقذفه في وجوه بعضنا ، ونتراشقه في جلساتنا دون وعي منّا بأن السؤال- في مثل هذه الحالة- هو توبيخ للأنا أكثر منه إدانة للآخر، وهذا ما يوجب علينا إعادة طرح السؤال من جديد، ولكن عبر هيكلية جديدة تتشكل معالمها على النحو التالي: ماذا يجب علينا أن نفعل؟ دون أن ننسى- أو نتناسى- بأن النمور الصغيرة ليست قططاً وأنها تكبر شيئاً فشيئاً، وقد لا نملك القدرة على الاقتراب منها، بعد أن كنّا - في يوم من الأيام - نقضي وقتاً ممتعاً بمداعبتها.

وللوقوف على مشاكل الناشئة ومحاولة تحليل واقعهم واستشراف مداهم، كان لنا هذه اللقاءات مع بعض الآباء والأبناء، وكذلك المختصين المخلصين الذين يتعاملون مع فئة الشباب ويحتكون بهم عن كثب.

الأسرة نقطة الارتكاز والانطلاق
الطالب إبراهيم سعد وهو طالب في الصف الثاني الثانوي ويحضر نفسه لتقديم امتحان الشهادة الثانوية العامة (التوجيهي)، يرى أن الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي يعيشها الطالب هي التي تؤثر عليه بشكل كبير من خلال سعيه لتعويض النقص المادي والنفسي الذي يعيشه جراء أوضاعه.
وهذا ما أكده السيد خيمس زهران المكنى بـ(أبو محمد) وهو أب لثلاثة أولاد وبنتين في العقد الخامس من عمره، وقد رأى أن للأسرة دوراً كبيراً يكمن في غرس المبادئ الدينية التي تكفل للأبناء حياة سوية نفسياً واجتماعياً واقتصادياً.

بين الماضي والحاضر
وعندما تطرقنا مع السيد خميس للفروق الأساسية بين الشباب في الزمن الماضي والشباب في الوقت الحالي، أشار إلى أن الجيل القديم كان متحملاً للمسؤولية بشكل أكبر، إضافة إلى الشعور القوي بالانتماء للوطن والمحافظة على مرافقه العامة، وكذلك الشعور بقيمة العلم واستطاعته- أي العلم- تحقيق طموح الشباب.

في حين رأى أنّ الجيل الحالي وبسبب تغير الظروف الحضارية بشكل عام وخصوصاً الثورة العلمية التقنية المتمثلة بثورة الاتصالات بشتى أشكالها، والتي أدت إلى التسيب وفقدان الشباب للشعور بالمسؤولية، والتقليل من قيمة القيم الاجتماعية مع اتباع ذلك الانتقاص من القيمة الحالية والمستقبلية للتعليم، وذلك لشعور الشاب المسبق بعدم جدوى التعليم في زمن بطالة العاملين والمتعلمين.

وحمّل الأستاذ علي عبد الله معلم مادة الفيزياء الأسرة المسؤولية الكبرى، حيث قال بأن كلاً من الأسرة والمدرسة يتحمل المسؤولية تجاه الناشئة، ولكن الأسرة تتحمل العبء الأكبر من ناحية طبيعية، وذلك للارتباط الطبيعي والعاطفي للفرد بأسرته، وأما المدرسة فهي ذات دور تكميلي إذ يتمثل في بلورة شخصية الفرد بشكل صحيح، وإكسابها بريقاً ولمعاناً أكبر، من خلال ترسيخ المفاهيم الإنسانية في داخل الفرد، أو قمع وتحجيم المفاهيم المضادة للقيم الإنسانية.

توثيق الارتباط بالعادات
ويرى الطالب أحمد خليل وهو طالب في الجامعة الأردنية أن الأسرة هي اللبنة الأولى والأساس في تشكيل شخصية الفرد المسلم وتزويده بالأخلاق والمبادئ والمعارف العامة، وبالتالي فإن نوع التربية التي يتعرض لها الفرد هي في الأصل انعكاس عن واقع أسرته وبيئته المنزلية والاجتماعية.

وعند سؤالنا عن دور الأسرة الذي يجب أن تقوم به وتفعّله أجاب قائلاً: بأن دور الأسرة يكمن في تعليم الطفل منذ الصغر العادات والتقاليد العربية والأخلاق الإسلامية من خلال ربطه بالله عز وجل، وعن طريق الصلاة، لينشأ بعد ذاك شاباً قوياً مؤمناً، إضافة إلى الاهتمام بالجانب الفكري والثقافي للفرد، وكذلك صقل مواهبه وشخصيته وتعليمه الاعتماد على نفسه وحلّ المشكلات التي تعترضه بطريقة عقلانية ومنطقية والاستفادة من كافة التطورات التكنولوجية مثل الإنترنت الستالايت واستغلالها تربوياً.

غياب القدوة
وتكمن معاناة الشاب حسب رأي المدرس علي عبد الله في غياب القدوة التي تحاكي فطرة الشاب، إضافة إلى الجهل بحقيقة وجوده كإنسان وموقعه على هذه الأرض ودوره فيها، وكذلك الجهل بالنظر إلى الآخرين، والجهل في عملية الصرف العاطفي.
ويرى الأستاذ علي عبد الله أن الأنظمة التعليمية الحديثة قد ساهمت في احترام الإنسان وتقديره، إلا أن الإفرازات السلبية لهذه الأنظمة يعود إلى المادة الدراسية من جهة وإلى عدم تفعيل القوانين الرادعة للطلاب المستهترين من جهة أخرى.

الاغتراب
ويرى السيد خميس زهران أن الشاب في هذه الأيام يشعر بأنه غير مقبول في المجتمع بسبب ما يحمله من مبادئ وتصرفات خاطئة وفوضوية تجعله يسيء الأدب لمن حوله، وبالتالي نبذه من قبل محيطه الاجتماعي (المدرسة أو الحارة) الذي يأخذ الشاب بالنقمة عليه.
وبحرارة تحدث الأستاذ علي عبد الله عن السلبيات الكبيرة التي تعاني منها المؤسسة التربوية التعليمية في الواقع الميداني من خلال سوء استغلال الأنظمة والقوانين التربوية والتعليمية الحديثة من مثل النجاح التلقائي في المرحلة الأساسية ( من الصف الأول إلى الصف العاشر) ومنع العقاب البدني.
كما يرى أن سلبيات الطالب تكمن في جهله العام وعدم المبادرة للتخلص من هذا الجهل من قبل بعض الطلاب، وعدم استغلال الفرصة التي قد تُهيأ له من أجل التخلص أو التقليل من هذا الجهل، وكما أنّ هنالك طالبًا سلبيًا ، ففي المقابل يوجد- أيضا- معلم سلبي إذا لم يدرك هذا المعلم الدور الكبير الذي يقوم به وكذلك الأمانة والمسؤولية الملقاة على عاتقه.
أما الطالب إبراهيم سعد فقد ذهب إلى أن النظام المدرسي الجديد شجع على اللامبالاة، وأن الإدارة المدرسية هي المسؤولة الأولى عن هذا التردي الأخلاقي العام في المدارس، وكونها الأقرب ميدانياً والأكثر اطلاعاً على أحوال الطلاب وظروفهم ومستوياتهم التربوية والتعليمية.

مرحلة جديدة ومخاطر أكبر
يشير الطالب أحمد خليل إلى أن المرحلة الجامعية هي الأخطر على الشاب الذي يكون من الطبقة المتوسطة والفقيرة، ذلك لأنه يختلط في هذه المرحلة بفئات عديدة وشرائح متنوعة من المجتمع، كما يحتك بطبقات جديدة خاصة الطبقة البرجوازية، وهذه الطبقة تملك من أسباب الرفاهية أكثر من غيرها، ما يجعل أصحابها يمارسون هواياتهم ويحققون رغباتهم ويلفتون الأنظار إليهم بطرق عدّة، ما يدفع بالشاب الفقير، ضعيف الشخصية والفكر إلى تقليدهم، ومحاولة الولوج إلى هذا العالم الذي لا يملك مقوماته من ناحية، ووسائل الحماية من عثراته التي قد تكلف هذا الشاب مستقبله من ناحية أخرى.
ويستمر الطالب أحمد خليل وهو طالب على أبواب التخرج- بالحديث عن أقرانه الذين يصبون جلّ اهتماماتهم وأحاديثهم عن المستقبل وعن الرغبة في الدخول إلى المرحلة العملية، والتحاق كل شاب بمركزه الوظيفي الذي يتناسب وشهادته الجامعية، والبدء ببناء اللبنات الأساسية في حياة أيّ شاب، كالزواج وبناء بيت واقتناء سيارة وما إلى ذلك من رغبات الشباب العامة.

تقنية إضاعة الوقت
لقد أصبحت مقاهي الإنترنت وسيلة شائعة لقضاء وقت الفراغ فيها، وذلك لعدة أسباب بينها لنا السيد ذويب صاحب مقهى (ساحة الإنترنت) في وسط العاصمة (عمان) إذ قال: إنّ استخدام الإنترنت من خلال المقاهي أقل تكلفة وأكثر ضبطاً واستغلالا للوقت، إضافة إلى الجو العام الذي يشيعه المقهى في نفوس رواده من خلال خلق جو أكثر دفئاً وقرباً من شبكة الإنترنت، جوّ عام مفعم بالحركة والنشاط والمساعدة، إضافة إلى تبادل الآراء والمشورة بين الرواد.
هذا ويرى السيد ذويب أن مقاهي الإنترنت، ساهمت في خلق علاقات صداقة بين أصحاب هذه المقاهي أو مديرها وبين روادها وكذلك بين رواد المقاهي أنفسهم، ويقر بأن أغلبية مستخدمي الإنترنت لا يستفيدون من الشبكة بشكل جيد وخلاق، وإنما يستعملونها ويستغلونها لأغراض رؤية المواقع الإباحية والألعاب والمحادثة، ويتوقف السيد ذويب عند المحادثة قائلاً : إن السواد الأعظم يلجؤون إلى المحادثة، وهم من الشباب بالطبع- من أجل التسلية وقضاء الوقت، والبعض من أجل البحث عن عمل أو سفر للخارج أو ما شابه ذلك، وكذلك من أجل الهروب من الضغوط النفسية والمشاكل التي يواجهونها في أسرهم أو أماكن عملهم.

ويحرص ذويب على أن يكون رواد مقهاه من الذين يبحثون عن الفائدة أو قضاء أوقات الفراغ بشكل إيجابي، ويقوم بمنع أي شخص يحاول استغلال الشبكة لرؤية مواقع إباحية، وذلك لأن السيد ذويب يقدر مهنته ويحترمها، بل يرى أن مقاهي الإنترنت يجب أن تكون مواقع محترمة تحمل رسالة اجتماعية وفكرية، وأن تكون عبارة عن نموذج مصغر للمراكز الثقافية ترتقي بمستوى روادها في شتى المجالات.
ويطرح ذويب فكرة مفادها أن يكون هناك تجمع أو نقابة لأصحاب مقاهي الإنترنت، وألا تبقى هذه المقاهي عشوائية في عملها وتنافسها غير الواعي والذي لا يلحق الضرر إلا بأصحاب المقاهي أنفسهم، والسعي إلى الرقي بمستوى الرواد وسمعة هذه الأماكن كمواقع حضارية إيجابية لا سلبية في جسم المجتمع.
فيما يوضح سامر البوريني وهو صاحب محل ألبسة التقيناه في مقهى (ساحة الإنترنت) سالف الذكر- أن معظم مستخدمي شبكة الإنترنت يستخدمونها بشكل سلبي غير فعال، وأن 20% فقط هم الذين يستفيدون من هذه الشبكة في أعمالهم العملية والتعليمية.
وقد أكد سامر على أهمية مقاهي الإنترنت ودورها الحضاري، إلا أنه أشار إلى أخطار الإنترنت والستالايت على الفتاة العربية، والتي لوثت هذه التقنيات شخصيتها وأفقدتها ميزاتها المعروفة.
ونتيجة لذلك فقد طالب السيد سامر أن تكون هناك رقابة وحماية للجيل، بحيث تقوم على هذه الرقابة الدوائر والمؤسسات الحكومية، وتضع القوانين التي من شأنها أن تحد من أضرار شبكة الإنترنت.

المنتديات الثقافية
إن ثورة الاتصالات الحديثة (الستالايت والإنترنت) لم تؤثر على حياة الأفراد فقط، بل وعلى مؤسسات حكومية وأهلية أيضاً، وفي هذا الصدد التقينا مع عماد أبو ردن رئيس منتدى الرصيفة الثقافي الاجتماعي الذي أشار إلى التأثير الملحوظ لثورة الاتصالات الحديثة على المنتديات، وذلك من خلال قلة الحضور والمتابعة للفعاليات الأدبية والثقافية والاستعاضة عنها ببرامج الفضائيات والمواقع المختلفة على شبكة الإنترنت.
وأكد عماد أبو ردن على أهمية المنتديات الثقافية باعتبارها مؤسسات تحاول قدر الإمكان استقطاب الشباب الناشئة، والرقي بهم فكرياً وثقافياً من خلال الأمسيات والندوات المختلفة، ورعاية مواهبهم المتعددة، إضافة إلى المحاضرات الإرشادية والتوجيهية، وذلك من أجل توعية الشباب من أخطار التدخين والإدمان على المخدرات وضرورة مكافحة الإيدز والأمراض السارية وما شابه من مواضيع تمسّ المجتمع بشكل مباشر.
وأكد أبو ردن ضرورة الرقيّ بالمنتديات الثقافية والاستفادة من التقنيات العلمية الحديثة وتجاوز الطرق التقليدية، وذلك من خلال دعم المنتديات مادياً، وتزويدها بأجهزة الكمبيوتر وشبكة الإنترنت بحيث يتم المباشرة عليها من قبل الهيئات الإدارية للمنتديات، لما في ذلك من فائدة للشباب وجذب لهم إلى هذه الأماكن الفكرية والثقافية والاجتماعية المهمة بدلاً من مقاهي الإنترنت التي يتوخى معظمها الربح المادي فقط.

تطلعات
من خلال اللقاءات والحوارات السابقة نجد أن الجميع يقرّ بالمشكلات المتعددة والمزدوجة التي تواجه هذا الجيل من الناشئة والشباب، إلا أن الجميع في ذات الوقت يتطلعون إلى تفعيل دور الأسرة المحوري والجوهري، وكذلك دور المدرسة المغيب، إضافة إلى دور الأماكن الدينية التاريخي، كما دعا الجميع إلى الاستفادة من تقنيات الاتصالات الحديثة المختلفة من خلال الاستخدام الصحيح لها، والرقابة القانونية والذاتية من خلال إشاعة الوعي والحسّ الأخلاقي والديني لدى الشباب، إضافة إلى تفعيل دور المنتديات الثقافية والاجتماعية وذلك من أجل إعادة صياغة الناشئة من جديد وتوجيههم الوجهة السليمة، ليكونوا بحق رجال الغد الذين ينيرون لنا طريق المستقبل المشرق والمزدهر .
عمان- أحمد أبو حليوه-اسلام ويب

Post: #683
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:25 AM
Parent: #601

إن الزواج في نظر الإسلام شريعة وسنة ، وربما وصل إلى الفريضة في بعض الأحيان ، وقد شرع الزواج من أجل العفة وحفظ النسل واستقرار المجتمع ، فإعفاف النفس وصونها من أفضل ما تقرب به المتقربون إلى الله تعالى .كما لا يخفى ما في ترك الزواج من الآثار النفسية السيئة على كل من الرجل والمرأة .

سكن وراحة..رحمة ومودة
ويهيئ الزواج لكل من الرجال والنساء متعة من أعظم متع الدنيا ، وهذه المتعة تنقسم إلى قسمين : سكن وراحة نفسية ، وإمتاع ولذة جسدية ، قال تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(الروم/21) .
والسكن إلى المرأة يشمل سكن النفس وسكن الجسم ، كما أن المودة والرحمة من أجمل المشاعر . فالمتع الجسدية والنفسية تعمل عملها في نفس الإنسان وفكره وقواه النفسية والبدنية فيشعر بالرضا والسعادة والراحة النفسية والجسدية ، حيث تتصرف طاقته وغريزته بأنظف الطرق وأطهرها ، أما تصريف الشهوة خلال قناة غير شرعية فتكون متعته محدودة توجد بوجود اللذائذ الحسية ، وتنتهي بانتهائها ، ويأتي بعد ذلك شعور بالاحتقار والازدراء والامتهان ، وتلك المشاعر غالبـًا ما تولد العقد النفسية والانحلال الخلقي وضعف الوازع وهوان النفس ، أما مشاعر الأزواج فإنها تورث الحب والرحمة وسمو النفس وحياة الضمير والقلب ، وإحساس الزوج بالمسؤولية تجاه الأسرة ينمي قدرته على القيام بالواجب ، ويجعل له هدفـًا ساميـًا ، وهو إسعاد أسرته وحمايتها ، والسعي من أجل متطلباتها ، فيبذل جهده ويزيد من إنتاجه ، مما يعود على المجتمع بالنفع.

ومن حكم الزواج وفوائده ، بلوغ الكمال الإنساني ، فالرجل لا يبلغ كماله الإنساني إلا في ظل الزواج الشرعي الذي تتوزع فيه الحقوق والواجبات توزيعـًا ربانيـًا قائمـًا على العدل والإحسان والرحمة لا توزيعـًا عشوائيـًا قائمـًا على الأثرة وحب الذات .

ناقوس الخطر يدق :
بالرغم مما عددناه من فوائد دينية واجتماعية ونفسية للزواج إلا أن مجتمعنا اليوم يشهد عزوفـًا ملحوظـًا عن الزواج مما أدى إلى تفشي ظاهرة العنوسة التي أصبحت تهدد استقرار المجتمع ، ولكن هناك عدة عوامل أدت إلى نشوء العنوسة ، يأتي في مقدمتها الجانب الاقتصادي ، فبتزايد أعداد السكان في جميع البلدان مع تراجع فرص الحصول على عمل مناسب وانتشار البطالة ، أصبح الشاب عاجزًا عن توفير متطلبات الزواج ، إضافة إلى المبالغة في المهور وتكاليف الزواج .

فالوعي الاجتماعي غير السليم يجعل للزواج احتياجات مادية مرهقة تدفع الشاب إلى الفرار وتكون النتيجة ضررًا يلحق بالطرفين ؛ فالشعور بالقناعة أحيانـًا يكون معدومـًا لدى الفتيات برغم تقدم أعمارهنَّ ، فالزواج لا يتم عادة إلا بمصاريف باهظة بدءًا من حفل الزواج إلى الأثاث الفاخر الذي يكون مصدرًا لتباهي الزوجات بجودته وماركته المعروفة . كل هذا يجعل تكاليف الزواج تفوق ما يمكن أن يكسبه الشاب في عشر سنوات ، وبالتالي فإن الهروب من الزواج أصبح هو الحل !

الجدير بالذكر أنه انتشرت أيضـًا في الآونة الأخيرة دعوات تندد بالزواج المبكر وأضراره النفسية والاجتماعية ، وعقدت الندوات والمؤتمرات الدولية ، وسنت التشريعات من خلال منظمات حقوق الإنسان ، وقد غالى بعضها إلى حد تجريم الزواج المبكر ، وقد لاقت تلك الدعوات قبولاً في مجتمعنا .

أيضـًا وسائل الإعلام وعلى رأسها التليفزيون والسينما أثرت تأثيرًا عميقـًا في نظرة الشباب إلى الزواج ، حيث كثيرًا ما تصوره على أنه قيد يعوق انطلاق الشباب وتقدمهم ، فأصبح القادرون على توفير نفقات الزواج في فترة قصيرة يصرفون اهتمامهم إلى اقتناء السيارة الفاخرة ، أو تغيير الهاتف النقال أو السفر والسياحة والتنزه ، وأصبح الشاب يعتبر الزواج عائقـًا عن تحقيق هذه الأمور ، فيدفع عن ذهنه أي تفكير في الارتباط .

كذلك الفتيات تصور لهن وسائل الإعلام أحيانـًا الزواج على أنه تبعية وقتل لقدراتهنَّ وإبداعاتهنَّ وأنهنَّ لن يستطعن أن ينجزن شيئـًا من طموحاتهنَّ في ظل مؤسسة الزواج ، فتتمنع الفتاة حتى تلحق بركب العنوسة .
وكذلك تفضيل الفتاة لوثيقة الدراسة على وثيقة الزواج جعلها تنصرف إلى استكمال الدراسة والحصول على الماجستير والدكتوراه وترفض الارتباط إلا بعد الحصول على مركز علمي معين أو منصب يُناسب مؤهلاتها ، مما يجعل سنوات عمرها تضيع ، وما أن تفيق حتى تجد نفسها وقد أصبحت عانسـًا .

العنوسة في الإحصائيات
بلغت نسبة العنوسة في مختلف البلدان العربية معدلات خيالية باتت مقلقة للشعوب والحكومات على حد سواء .
ففي منطقة الخليج أكدت إحصائية صادرة عن وزارة التخطيط السعودية أن ظاهرة العنوسة امتدت لتشمل حوالي ثلث عدد الفتيات السعوديات اللائي في سن الزواج ، وأن عدد الفتيات اللائي لم يتزوجن أو تجاوزن سن الزواج اجتماعيـًا - وهو (30) عامـًا - قد بلغ حتى نهاية 1999م حوالي مليون و(529) ألفـًا ، و(418) فتاة ، وذلك بسبب غلاء المهور والتكاليف الباهظة .
جدير بالذكر أن حالات الطلاق قد ارتفعت في الخليج بنسبة كبيرة حسبما أكد تقرير لوكالة أنباء الشرق الأوسط ، حيث بلغت نسبة الطلاق في البحرين (34 في المئة) ، وفي الكويت (29 في المئة) ، وفي قطر (38 في المئة) ، وفي الإمارات (37 في المئة) .
وتشير الإحصائيات الرسمية في مصر إلى أن عدد الفتيات العانسات يصل إلى أربعة ملايين فتاة ، بالإضافة إلى مليون فتاة فاتهنَّ قطار الزواج !

وأكد تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء وجود نحو تسعة ملايين شاب وفتاة في عداد العوانس والعانسات ، وترجع أسباب العنوسة في مصر إلى عجز معظم الشباب عن تأثيث مسكن الزوجية ، وكذلك إلى انصراف الشباب إلى الزواج من أجنبيات للحصول على جنسية بلد أجنبي أو لرخص تكاليفه.

وننتقل من مصر إلى العراق ، حيث أفادت إحصائية نشرت في العراق أن مليون امرأة تتراوح أعمارهن بين (35) و (43) عامـًا غير مرتبطات في مجتمع يعاني من ظروف اقتصادية صعبة ، فبسبب الحظر المفروض على الشعب العراقي منذ أكثر من عشر سنوات ، تشكل نفقات الزواج عبئـًا كبيرًا على الشباب العراقيين، خصوصـًا مع ارتفاع أجور السكن وغلاء المهور .

وفي سوريا تشير الإحصائيات إلى أن نصف الشباب السوريين في سن الزواج عازفون عنه أو تأخروا بسبب ضعف قدراتهم المادية وعدم توافر المساكن وغير ذلك ، وأصبح موضوع الزواج في سوريا صعبـًا للغاية بسبب ارتفاع أسعار الشقق السكنية مقارنـًا بدخل الفرد الذي يبلغ متوسطه (42) دولارًا شهريـًا ، في حين وصل أعلى راتب شهري في الدولة إلى ما يوازي (210) دولارات شهريـًا.
وفي لبنان نجد أن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة منذ سنوات تسببت في هجرة ثلث الشباب اللبناني أو أكثر ، ومن تبقى منهم يعاني أزمات السكن والعمل والبطالة ، وهذا كله يؤدي إلى ازدياد أعداد الشباب غير المتزوجين .

وفي ليبيا يمر الزواج في المجتمع الليبي بمراحل مختلفة وفق عادات وتقاليد تتطلب صرف أموال طائلة لإتمامها ، يعجز الكثير من الشباب عن القيام بتلبيتها ، علاوة على الغلاء في المهور الذي يصل إلى (15 ألف دولار) ، بالإضافة إلى تحمل كافة تكاليف إعداد المسكن وتجهيزه مما يثقل كاهل الشاب بمسؤولية تجعله يحجم عن الزواج ، مما يؤدي إلى تفشي العنوسة .
وفي المغرب تجاوز الشباب والفتيات سن الزواج ، ويعزى الكثير من السلبيات والانحرافات هناك إلى العنوسة .

وقفة للمراجعة والحسابات :
لا يخفى على أحد ما تؤدي إليه العنوسة من أخطار جسيمة تحيط بالمجتمع ، مما يستدعي بالمقابل تضافر الجهود والتعاون بين الأطراف لتقليص نسبة العنوسة المرتفعة .
فأولاً تكون المبادرة على مستوى الأفراد بحيث تكون لديهم قناعة بأهمية التيسير في الزواج وعدم التمسك بالعادات والتقاليد ، فالآباء والأمهات في الوقت الذي يشكون فيه من تقدم أعمار بناتهن ، عندما يأتيهم خاطب يفرضون عليه شروطـًا تكاد تكون تعجيزية بالنسبة له ، مما يدفعه إلى الفرار ، ولكن إذا تفهمت الأسر الوضع الحقيقي للشباب وغلاء المعيشة وصعوبة الحصول على سكن فسيسود نوع من التعاون بين الطرفين ويستطيع الشاب تأسيس أسرة .
وقد أدركت الدول والمؤسسات مدى خطورة هذه الظاهرة ، وبدأت في إيجاد الحلول لتقليص العنوسة .
ففي الكويت قامت مجموعة من رجال الأعمال ومسؤولي الجمعيات الخيرية والأهلية بالإعلان عن تأسيس صندوق للزواج يستهدف التوفيق بين الراغبين من الجنسين في الزواج ، وتقديم القروض المالية اللازمة على أن تكون بدون فوائد ، وعلى أقساط قليلة ومريحة .
وفي الإمارات تم إنشاء مشروع برعاية الدولة يُمنح من خلاله الشاب الإماراتي (70) ألف درهم عند زواجه من مواطنة إماراتية تحفيزًا للشباب ، وقد تمت آلاف الزيجات من خلال هذا المشروع .
ونظم الاتحاد العام لشباب العراق في منتصف شهر أكتوبر الماضي حفل زواج جماعيـًا شمل (974) من الشباب والشابات .
وفي سوريا شارك (24) شابـًا وشابة في عرس جماعي أقيم برعاية وزارة الثقافة في أول بادرة من نوعها لتشجيع الشباب على الزواج .
وفي مصر أشار الدكتور " أحمد محمود " الأستاذ بكلية الدراسات الإسلامية والعربية بجامعة الأزهر إلى ضرورة إعمال آليات التكافل الاجتماعي في الإسلام عن طريق الأثرياء ورجال الأعمال .
ويشدد الشيخ "منصور الرفاعي " وكيل الأوقاف السابق على ضرورة إنشاء صندوق للزواج في مصر أسوة بصندوق التكافل الاجتماعي ؛ ومن المتصور أن يسير عمل الصندوق في ثلاثة محاور :
المحور الأول : محور التوعية في المساجد ونوادي الشباب ووسائل الإعلام ، وفي المصانع والاتحادات العمالية .
أما المحور الثاني فيتمثل في البحث الاجتماعي ودراسة الأسباب الاجتماعية للمشكلة ، واقتراح الأساليب الملائمة للعلاج .
ومن خلال المحور الثالث يتم إنشاء المساكن وتشكيل لجنة لوضع تخطيط وتصميم لمساكن المتزوجين حديثـًا بأقل تكلفة .
فبجهود الحكومات والمؤسسات والأفراد أيضـًا يمكن تقليص العنوسة وتفادي آثارها الخطيرة على المجتمع .
فالعوانس في الغالب يسيطر عليهنَّ شعور بالتمزق والطيش وضعف الوازع والرغبة في الهدم ؛ لأنهنَّ حرمن من نعمة الزواج والأولاد ، ولذلك جاء الإسلام بالقضاء على هذه الظاهرة الخطيرة فأمر بتزويج العوانس والأرامل ، حيث قال الله تعالى : (وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)(النور/32) . والأيم هي التي مات عنها زوجها ، والأمر هنا للمسلمين عامة وأولي الأمر خاصة ، فحرمان المرأة من نعمة الزوج ربما يخلق منها امرأة ناقصة عقليـًا وخُلقيـًا وفكريـًا ، ويكون هذا بظلم من المجتمع وهو الذي سيجني ثماره .
أحمد الشاهد-اسلام ويب

Post: #684
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:26 AM
Parent: #601

ليس هناك من يرضى بأن يصفه أحد بعدم الرجولة ، وليس هناك من لا يعتز بأن يصفه الناس بالرجولة ، وليس هناك أبوان لا يتمنيان أن يوصف ابنهما بالرجولة، وليس هناك فتاة لا تتمنى أن يكون فتى أحلامها رجلاً .
كيف يرى الشباب الرجولة ؟ وما مفهومهم عنها ؟ وما رؤية الخبراء لمفهوم الرجولة ؟
كل هذه أسئلة يجيب عنها هذا التحقيق .
يقول سمير أبو علي - طالب - : أظن أن الشاب حينما يصل إلى سن البلوغ يصبح رجلاً ، بمعنى أن الرجولة تتحدد بالسن ، يعني من تجاوز (17) سنة ، يصبح رجلاً أو يمكن أن تقاس الرجولة بالموقف ، وهناك من يفرض عليه أن يكون رجلاً في حالة موت الأب مثلاً ، أو الظروف المادية ، ولذلك المسألة في رأيي ليست لها محددات معينة .
ويقول سامي السويلم : الرجولة هي المسؤولية ، والرجل هو الذي يتحمل مسؤولية نفسه المادية والأخلاقية .
أما سامح الغرباوي - طالب بكلية الطب - فيقول : الرجل هو من يستطيع أن يحيا كما يحب ولا يقبل أي قيود أو ضغوط ، ويتصرف بعقله ، ولا يقبل وصاية أحد على أفكاره أو تصرفاته .
يقول وليد المناوي : الرجولة مسؤولية ويجب أن نعرف كيف نتعامل مع الآخرين من منطلق هذه المسؤولية .
الرجولة أدب واحترام للآخرين ، ويجب الأخذ بها بعد عرضها على المقاييس الدينية .
والرجولة شهامة وضمير وأخلاق والتزام .

المعنى الحقيقي غائب
يقول أحمد الشاهين : الرجولة تعني احترام الذات واحترام الغير، وأن يكون الإنسان على قدر من المسؤولية وألاحظ أن هذا المعنى غائب عن الشباب اليوم ، فكثير منهم منشغل بمتابعة آخر خطوط الموضة والجري وراء البنات ، وتقليد الممثلين والمطربين تقليدًا أعمى ، وأحيانـًا يضرب الشاب أخته وزوجته بدعوى أنه رجل ، وهذا لا يمت للرجولة بصلة !!
ويقول إيهاب الزهوي - 18 سنة - : أرى أن الرجولة هي الوقوف بجانب الصديق في وقت الشدة ، والبعض يرى أن تحقيق الرجولة يمكن أن يتم عن طريق شرب السجائر وتجريب كل شيء ، وهذا فهم خاطئ ؛ لأن السجائر مضيعة للصحة والمال .

الرجولة تضحية
تقول أم مشعل - أمٌ لخمسة أبناء - : إن كثيرًا من شباب الجيل لا يفهمون الرجولة فهمـًا صحيحـًا ، فابني الأكبر كان يساعدني في شراء مستلزمات البيت ويحملها عني إلى السيارة وعندما كبر قليلاً رفض مساعدتي ، وقال كيف أحمل مثل هذه الأشياء بدعوى أنه أصبح رجلاً ؟!! وكذلك لا يرضى أن أقول اهتم بدراستك أو لا تصاحب فلانـًا ؛ لأنه أصبح رجلاً ، فكيف يُوجه من أمه ؟! حتى أنه أصبح يرفع صوته أحيانـًا ، فهل هذه هي الرجولة ؟

الرجولة في القرآن الكريم
يؤكد الدكتور حسن الشافعي - رئيس الجامعة الإسلامية العالمية - أن الرجولة كلمة لها مدلولات ينبغي أن يعيشها ويتدبرها كل شاب ، وإذا أردنا التعرف على هذه المدلولات فإننا نحاول أن نستعرض المواطن التي يذكر فيها اللفظ في القرآن الكريم .
فقد استخدم القرآن الكريم كلمة الرجولة للدلالة على كمال الإيمان والتضحية ، فالرجل دليل على كمال الإيمان والتضحية ، فالرجل في هذا المعنى هو الذي صدق إيمانه وضحى في سبيل هذا الإيمان ، قال تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)(الأحزاب/23) .
كما أن الاستخدام الثاني للفظ كان في إشارة إلى أن الرجال هم عميقو الإيمان الذين لم تشغلهم عوارض الدنيا الزائلة عن الآخرة .يقول الله تعالى:(في بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ)(النور/36 ، 37) .
وفي الاستخدام الثالث للفظ أشار إلى أن الرجل هو الذي يجهر بالحق ويناصر الضعفاء فقال تعالى : (وَقَالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ…)(غافر/28) .

والشباب في كل عصر هم الشباب ، ولكن ينقص البعض منهم التربية الصحيحة وفهم الحياة ومعرفة هدفه فيها ، وهذه الأشياء لا تتحقق من تلقاء نفسها ، بل لابد من دور للأسرة أولاً ، ثم مؤسسة التعليم ، فالمسؤولية في رأيي ترجع للأجيال الحالية لأنها لا تقوم بدورها الكامل في ترسيخ الأخلاق وبناء الجيل القادم ، وهناك من الشباب من يفهم الرجولة على أنها تحكم في الأخت وضرب للزوجة ، وكان من الأفضل أن نرى هذه الرجولة المبكرة في عمله وتفكيره وخلقه .
مر عمر على ثلة من الصبيان يلعبون فخافوا ، بقي صبي منهم في مكانه ، هو " عبد الله بن الزبير " فسأله عمر : لِمَ لم تفعل كأصحابك ؟ فقال : يا أمير المؤمنين لم أفعل ذنبـًا فأخافك ، ولم تكن الطريق ضيقة فأوسع لك .
ودخل غلام عربي على خليفة أموي يتكلم باسم قومه ، فقال له : ليتقدم من هو أسن منك ، فقال : يا أمير المؤمنين ، لو كان التقدم بالسن لكان في الأمة من هو أولى منك بالخلافة .

أولئك لعمري الصغار الكبار ، وفي دنيانا ما أكثر الكبار الصغار ، والرجولة ليست بالسن ولا بالجسم ولا بالمال ولا بالجاه ، إنما الرجولة قوة نفسية تحمل صاحبها على معالي الأمور وتبعده عن سفاسفها ، فهي بإيجاز : قوة الخُلق .
وإن خير ما تقوم به دولة لشعبها ، وأعظم ما يقوم عليه منهج تعليمي ، وأفضل ما تتعاون عليه أدوات التوجيه كلها من صحافة وإذاعة ومسرح وخيالة ومسجد ومدرسة ، هو صناعة هذه الرجولة وتربية هذا الطراز من الرجال .
ولن تترعرع الرجولة الفارعة ويتربى الرجال الصالحون إلا في ظلال العقائد الراسخة والفضائل الثابتة ، أما في ظلال الشك المحطم والإلحاد الكافر والانحلال السافر فلن توجد رجولة صحيحة ، ولم ترى الدنيا الرجولة في أحلى صورها وأكمل معانيها كما رأتها في تلك النماذج الكريمة التي صنعها الإسلام على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مثل أسامة بن زيد ، الذي قاد جيشـًا في سن السادسة عشرة ، وعلي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أول فدائي في الإسلام ، وأول من أسلم من الصبيان ، وسمرة بن جندب ، ورافع بن خديج، وقد قتلا أبا جهل أعدى أعداء الإسلام ، وكانا في الخامسة عشرة من عمريهما .

وترى الدكتورة ملك زرارة - أستاذة الفقه - أن الرجولة ليست كلمة أوصفة تطلق على الشاب لمجرد أنه بلغ سنا معينة ، وإنما هي تحمل كافة المسؤولية الشرعية التي خاطب بها الله عز وجل الصبي فبمجرد بلوغ الصبي يجب أن يتحمل كافة المسؤولية ، ولا يعتمد على أبويه ، وإنما يبذل ما شاء الله له من جهد في أوقات الفراغ حتى يرفع عن كاهل والديه بعض الأعباء التي تثقلهم إلى جانب أن يدرك ويعلم مسؤولياته سواء في الدراسة أو غيرها ، والثقة الشرعية المطلقة في الوفاء بحق الوالدين وبرهما وطاعتهما داخل البيت .

والرجولة أن يقدم على الزواج كما أمر الله تعالى في حدود قدرته المادية دون أن يلزم المرأة وأولياءها بشروط تخرج بالزواج إلى حد البطلان ، كما هو قائم الآن في كثير من صور الأنكحة الباطلة التي يشترط فيها الرجل مسؤولية الإنفاق على عاتقه ويسقط مسؤولية إعداد المسكن الشرعي وشواهد ذلك كثيرة .
وتضيف الدكتورة ملك : إن الرجولة أصبحت في عصرنا الحاضر كالغراب الأبيض لا نجدها إلا في قلة قليلة من شبابنا الذي مازال متمسكـًا بجوهر الإسلام .

ويقول الدكتور أحمد عبد الرحمن - أستاذ علم الأخلاق - : إن المسألة تتفاوت حسب البيئة والمهنة والمستوى الاجتماعي والمنطقة الجغرافية ، ففي زماننا كانت هناك نماذج تحملت المسؤولية فطلبة الجامعات كانوا يقومون بأعمال البناء والسباكة والكهرباء، فهذه هي الرجولة ، والإحساس بالمسؤولية والنهوض بها والتصدي لها ليس مسؤولية نفسه فقط ، وإنما مسؤولية أهله فيؤدي واجباته في المواقف المختلفة ، فالرجل مكلف بالسعي لطلب العيش ومن الرجولة أن يتصدى للخطأ ولا يخاف في الله لومة لائم ، وأن يكون قائدًا في عمله شجاعـًا في الحق يواجه الخطأ بالحق والقيم الأخلاقية ، لديه غيرة على دينه وقيمه ومبادئه ووطنه ، فمن لا ينفعل لانتهاك كل ذلك فأجهزة الرجولة عنده معطلة .

فهم خاطئ
وعن أسباب الفهم الخاطئ للرجولة لدى بعض الشباب تقول الدكتورة ملك زرارة :إن هناك مجموعة من الأسباب التي خلقت الميوعة ، فغابت الرجولة ، منها غياب دور الأم التي فرضت عليها مبادئ وقواعد التحرر الاقتصادي ، خاصة بعد أن أسقط الرجل عن كاهله مسؤولية القوامة ، وليس الغياب هنا بالمفهوم المادي ، وإنما هو الغياب المعنوي ، فالأم تعتقد خطأ أن المال يحقق لها ولأولادها الأمان والاطمئنان لنجد بعض مضي سنوات شابـًا ضائعـًا مستهترًا وفاشلاً ، لن نجد بين هؤلاء الشباب إلا قلة قليلة احتفظت الأم بمسؤوليتها تجاههم ، ولم يمنعها عملها من القيام برعاية أبنائها غاب الأب أو حضر فهي قائمة بالمسؤولية المزدوجة ، وأيضـًا النظام العام المتكامل تربويـًا في مجالات التعليم والثقافة .
ويضيف الدكتور أحمد عبد الرحمن : إن الوراثة لها دور مهم ، فهناك الوراثة الاجتماعية ، وهي التربية بمعناها الواسع في كافة المؤسسات التربوية البيت والمدرسة والمسجد والنادي والقدوة سواء في الواقع أو في الكتب ، فأنا لا أنسى أول كتاب قرأته عن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - حيث تأثرت به أيما تأثير .
ــــــــــ
أحمد الشاهد-اسلام ويب

Post: #685
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:28 AM
Parent: #601

الشباب هم عماد كل أمة وسبيل نهضتها ، وهم عضلاتها المفتولة للبناء في سلمها ووقود حربها التي لم تنته بعد مع عدوها ، وهم الدروع التي تتحصن بها ضد من تسول له نفسه المساس بأمنها وتكديره .. وهم الأمل كذلك .. وفي مقابل ذلك هم الهدف الذي يصوب الأعداء سهام مكرهم للنيل منهم ومنها .. وأسلحتهم في ذلك ووسائلهم متعددة .. وأهمها وأخطرها (الإعلام) الذي تطور في هذا العصر بخطوات متسارعة مذهلة ، وغدت وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتلفزيون وكتاب ومجلة ومسرح و… وأخيرًا الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) ، هي القوة المهيمنة على عقول وأفكار الناس عمومًا والشباب على وجه الخصوص .

وعن الواقع المؤلم لشبابنا الذي يكتوي بنار إعلام محطم للقيم يقول د. عباس محجوب في كتابه (مشكلات الشباب .. الحلول المطروحة والحل الإسلامي):
يمارس الإعلام في البلاد الإسلامية العربية - بوعي ، وبدون وعي أحيانًا - دورًا توجيهيًا مدمرًا ، بسبب أكثر ما يعانيه الشباب من تناقض بين قيم التربية التي تدرس له ، ثم ما يأتي الإعلام لنقضه وتشكيكه فيه ، الأمر الذي يوقعه في صراع نفسي وفكري ، فالصحافة لا تتورع أن تنشر حديثًا دينيًا عميقًا في صفحة ، وتنشر في الصفحة المقابلة لها صورة لحسناء فاتنة عارية أو شبه عارية.

وبينما تقابل صحفات الدول "الأيديولوجية" الخبر لتعيد نشره وفق رأيها ومعتقدها وتفسيرها للأمر ، تأخذ صحافتنا الخبر ذاته من وكالات الأنباء لتنشره ، دون تفكير فيه أحيانًا ، حتى أصبحت الوكالات تدس لهم أخبارًا يعلمون أنها ستنشر كما هي ، ولأنّ صحافتنا في مجملها تعاني عجزًا في المادة ، وقصورًا في تقديم الجديد المبتكر ، فإنها - وبغياب الفكرة والهدف من إنشائها - تقدم كل شيء متناقض ، ولا تلتزم بفكر ، ولا تعمل لهدف إلا الكسب المادي _ كما هو واقع الكثير الغالب _ لذلك كله تجد المقالات التي تشكك في القيم الأساسية ، وتدعو إلى الفجور ، وترضى - باسم الحرية - كل شيء حتى بعض ما يسيء إلى هيبة الدولة وأمنها وأسرارها.

وكذلك الحال في الإذاعتين المسموعة والمرئية ؛ فكلتاهما تستقطب الناس جميعًا ؛ المتعلمين وغير المتعلمين ، غير أن تأثير الإذاعة المرئية "التلفزيون" أعظم خطرًا ، وأبعد أثرًا في عقول الناس وآرائهم بعامة والشباب بخاصة .

والجهازان يعانيان من الإفلاس في الفكر والبرامج النافعة ، ويعتمدان على التمثيل الهابط ، والمعالجات التي لا تتصل بالواقع ، والمشكلات التي لا تعاني منها الدول التي تبث منها، إلا في القليل النادر، وكان الأولى كما يقول د. محجوب : على أجهزة الإعلام أن تشارك في تربية الشباب وبناء الأجيال ليكونوا رجالاً وصنّاعًا ومنتجين ، وليكونوا قوة بناء وحماية لدولهم ، وليكونوا علماء لا يعيشون على فتات الأمم ، ومساوئها في العادات والتقاليد والاهتمامات التي لا تحتاج إلى جهد وعلم في الحياة.

والشباب في مرحلة المراهقة مهيؤون أكثر من غيرهم لتقمص الشخصيات التن ي تنسخها أفكار وخيالات الكتاب ، وتزينها إبداعاتهم وتنفذها براعة الممثلين وتقمصهم ، وقبل ذلك تنسخ قوالبها سياسة تلك الوسيلة الإعلامية ، فرأينا الأوضاع مقلوبة : فالأقزام يتعملقون، والهوامش يُشار إليهم بالبنان ، والتوافه هم الأكثر جاذبية ويسيل لعاب الأمنيات نحوهم ، وفي مقابل ذلك لا نرى أثرًا للعمالقة ؛ وإذا ما ذُكروا فإما تهمّش أدوارهم أو تشوه صورتهم ، وما تزال صورة المعلمين وعلماء الدين على شاشات التلفاز أو السينما تثير الاشمئزاز والسخرية ، فذهبت هيبة الدين واللغة والتقاليد، وتحطمت الأخلاق والقيم بتحطيم هذه الشخصيات وتشويهها .. وقد أصاب هؤلاء الماكرون الشباب في مقتل حينما غيّبوا قدوتهم التي ينبغي لهم أن يقتدوا بها بل وشوهوها ومسخوها فأصبحت مثار سخرية وتندّر .. فإلى من يلجأ الشباب إذن ليكون قدوته ؟

لا بد أن يتجه إلى من يُزينهم الإعلام ويفرضهم فرضًا ليقتدي به المراهق الحائر ، فإذا تفرست في أزياء الشباب ترى عجبًا ، فهذا يعلّق لاعبا علقه ، وذاك يزيّن قميصه بصورة ممثل أو ممثلة لا فرق ! حتى أزياء غير المسلمين التي تحمل أعلام دولهم لا يجد الشباب حرجًا أن يرتديها ، ولو كان فيها الصليب النصراني أو الصليب النازي المعقوف ، وأصبحت لا تفرق بين جنس الشباب أذكر هو أم أُنثى لتشابه الحركات والأزياء ، وما كان بالأمس غريبًا وعجيبًا أضحى اليوم شائعًا بل الغريب ألا يُجارى .

ويفصل د. عباس محجوب بين ما يخططه غيرنا لشبابهم وما يكابده شبابنا من تجهيل وتسطيح لأفكارهم إعلاميًا ، فيقول : تقوم أجهزة الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة في الدول ذات الأيديولوجيات والأفكار بدور رائد في توجيه الشباب وتثقيفه وإشباعه بالعقيدة التي تؤمن بها وربط حياته بتلك الأيديولوجية التي تنطلق منها في فكرها وسياستها واقتصادها وشؤون حياتها جميعًا .

وأضاف د. محجوب : إن لوسائل الإعلام من الخطورة في عصرنا ما قلل من دور البيت والمدرسة في تربية النشء وتوجيه الشباب ، وذلك بما تملكه من وسائل الاتصال الجماهيرية المختلفة التي تقتحم البيوت والمؤسسات والمنتديات ، سواء أكانت إذاعة أم تلفازًا أم صحافة، وكل هذه الوسائل تفرض نفسها على الناس ، وتؤثر تأثيرات مباشرة ، وتجتذب أكبر عدد منهم ، ولكنها مع ذلك كله عاجزة عن أن تقدم للناس ما تثرى به حياتهم وفكرهم ، وللشباب ما يرضي طموحاتهم للثقافة والمعرفة والترفيه ، وذلك لأنها تعتمد على برامج مستوردة لمجتمعات تختلف عنا في عاداتها، وطرائق حياتها، ومشكلاتها التي تعالجها ، والحلول التي تقدمها للمشكلات ؛ هذا في غير الجوانب العلمية غير الموجهة لخدمة أغراض أخرى.

وكان من آثار ذلك ظهور أنواع الانحرافات في صفوف الشباب بسبب ما شاهدوا في فيلم أو تمثيلية ؛ حيث إن المادة المقدمة لا تميز بين جرائم القتل والاغتصاب والسرقة والمخدرات ، وبين المواد القليلة المتصلة بالنواحي العلمية. كما أن الصلة مفقودة بين أجهزة الإعلام والتربية ومنظمات الشباب باعتبارها مكملة لبعضها ومتممة.

أو يحاكي ..
وبالطبع ستكون أحلام الشباب متناسبة مع أفكارهم الجديدة وأقصى ما يتمنون أن يكونوا مثل من يقتدون بهم ، فلو سألت شابًا عن أحلامه وطموحاته لن يكون غريبًا أن تكون إجابته المباشرة أو غير المباشرة ، الظاهرة أو التي لا يصرح بها، وهي في دواخل نفسه : أتمنى أن أصبح مثل لاعب القرن(الذي سقط في أتون المخدرات ولم يخرج منها حتى الآن و رغم سقوطه الأخلاقي المدوي أعلن العالم أنه لاعب القرن ؟! ويتمنى كذلك أن يكون مثل عازف الجيتار الفلاني أو المصور العلاني .. حتى الشخصيات التاريخية الواجب الاقتداء بها لا بد أن تكون مثل بونابرت أو تشرشل أو حتى هتلر و.. واختفت أو تشوهت صورة هارون الرشيد وطارق بن زياد بعد أن نسجت حولها من لوازم الإثارة والجاذبية ، فالإمام فلان لا بد أن يعشق، وإلا فما فائدة الجنس الناعم في الفيلم أو ما يسمى البطلة!!

أما عن الغرائز والمشاعر فحدث ولا حرج _ لا سيما غريزة الجنس ـ حيث الشاب في قمة القوة والعنفوان ، وفي حالة ضاغطة تبحث عن طريق للتفريغ . وقد ساهمت وسائل الإعلام مساهمة خطيرة في استثارة غريزة الجنس لدى المراهق ، ولم تدع وسيلة شيطانية إلا وأتت بها لتدخل مخادع الشباب وتصب الزيت على موقد غريزة الجنس الغائرة لديهم عن طريق الأفلام الداعرة والمشاهد الملتهبة والقصص الغرامية التي يشترك فيها الكتاب والقصة وقصيدة الشعر وخشبة المسرح والتلفاز والسينما .. إلخ .

ومما زاد الطين بلة والجرح إيلامًا أن منافذ الخير والرعاية لهؤلاء الحيارى تقلصت ، فسدت أمام الشباب والمراهقين طرق الحلال وضيّق عليهم ارتيادها، وزادت البطالة المشكلة تعقيدًا ، فأنى لشباب في مرحلة حساسة أن يتزوج وهو لا يستطيع أن يعول نفسه ، وخاصة أن الفتيات والمرشحات للزواج لهن فارس أحلام في خيالهن يردن أن يخطفهن ، ليس على صهوة جواد بل سيارة آخر موديل وشهر عسل في أوروبا.

ومع غياب التوجيه والإرشاد أو قلته في خضم اللهو والفساد المتراكم لا بد أن ينزلق الشباب ويقع في الفخ الذي نصّبه الأعداء ،بل وسعّروا نيران الغريزة الجنسية عن طريق الإعلام، وآخر البلايا ما تبثه شبكة الإنترنت من إباحية بصورة لا تكاد تتخيل ، تدع المرء حيران ، وصاحب الهم يزداد همًا ، ماذا نفعل أمام هذا الإعصار الهائج الذي لا يُبقي في طريقه ولا يذر خلية حية إلا أصابها ، إلا ما رحم ربي.

إحصاءات
ورغم ما تفرضه الدول من رقابة فقد أحكم الشر قبضته ، ونالت سهامه من هدفها، وهو الشباب ، والإحصاءات تصدق ذلك :
ففي إحصائية عن مشاهدة الفيديو جرت بلبنان تبين أن مشاهدة الأفلام الاجتماعية والعاطفية حازت على الدرجة الأولى ، وحلت الأفلام البوليسية المرتبة الثانية ، وما أدراك ما الأفلام البوليسية ، حيث هي كما عبر أحد خبراء الإعلام بأنها تؤثر كثيرًا على سلوك المراهقين والأطفال والنساء، وقال : " إذا كانت السينما من خلال الأفلام مدرسة لتعليم الإجرام ، فإن التلفزيون جامعة يتلقى فيها الناشئة فنون العنف ليخرجوا عتاة في الإجرام" ..

وجاء في تقرير من الولايات المتحدة: أن 49 في المئة من نزلاء مؤسسة عقابية (عدد من أُجريت عليهم الدراسة 110) أعطتهم السينما الرغبة في حمل السلاح ، و 12 - 21 في المئة أعطتهم الرغبة في السرقة ومقاتلة الشرطة ..

ودراسة ثالثة أُجريت على 252 فتاة منحرفة بين سن 14 - 18 سنة تبين أن 25 في المئة منهن مارسن الجنس نتيجة مشاهدتهن لقطات جنسية مثيرة بالسينما و41 في المئة قادتهن المشاهد إلى الحفلات الصاخبة والمسارح الليلية و4 في المئة هربن من المدرسة لمشاهدة الأفلام و17 في المئة تركن المنزل لخلاف مع الأهل حول ذهابهن إلى السينما .. كما جاء في تقرير الهيئة الصحية العالمية عن انحراف الأحداث على لسان أحد القضاة الفرنسيين العاملين في ميدان الأحداث " لا يخالجني أي تردد أن لبعض الأفلام وخاصة البوليسية المثيرة معظم الأثر الضار على غالبية حالات الانحراف لدى الأحداث" ..

الإنترنت
أما عن مخاطر شبكة الإنترنت على الشباب فيكفي أنهم أكثر مرتاديها ، بعد أن تعددت وسائل الإغواء والإغراء ، فأصبح لدى الشباب خصوصية الاتصال بالفتيات إن لم يكن مسموحًا في المنزل ففي النادي أو المقهى أو غيرها ، وأصبح التعارف المشبوه هو شعار مزيف يردده الكثيرون، وأعجب ما يقال وينادي به تحت ستار الحرية البراق " دع الشباب يتعرف ويتصفح ويغوص فنحن في زمن الإنترنت" و… ولم يكذِّب الشباب خبرًا فانطلق من عقاله .. فما نتوقع وما نتيجة هذه المعادلة مراهقة + حرية +غياب وعي ورقابة ؟؟!!

ويكفي أن ندلل على النتيجة بآخر إحصاء أظهر أن واحدًا من بين كل خمسة من المراهقين الأمريكيين الذين اعتادوا الدخول إلى شبكة الإنترنت تلقوا محاولات غير مرغوبة لاستدراجهم لممارسة الجنس عبر شبكة المعلومات الدولية.

وأبلغ 19 بالمائة من 1500 من الشباب شملهم الإحصاء تتراوح أعمارهم بين العاشرة والسابعة عشرة عن محاولات لاستدراجهم لممارسة الجنس يعتقد أنها صدرت عن بالغين . وتعرف هذه المحاولات بأنها دعوات للانخراط في ممارسات جنسية أو حديث جنسي أو الإدلاء بمعلومات جنسية خاصة.

وكتب كمبرلي ميتشيل (من مركز أبحاث الجريمة ضد الأطفال بجامعة نيوهامشاير في دورام) يقول : " من منظور المخاطر .. الفتيات والشباب الأكبر سنًا ( من 14 إلى 17 عامًا) كانوا أكثر عرضة للاستدراج ، وكانت النسبة أعلى لدى الشباب الذين يعانون من المشاكل . كما ازدادت النسبة بين من يستخدمون الإنترنت أكثر ويشتركون في غرف الحوار ( أو الثرثرة) .. أو يتحدثون إلى الغرباء عبر الإنترنت أو يستخدمون الإنترنت من بيوت غير بيوتهم.

وفي إنجلترا ،الإمبراطورية التي غابت عنهاالشمس، ومن خلال استجواب 1344 شخصية اختصاصية حول العلاقة بين السينما وانحراف الناشئة - أجاب ستمائة منهم بوجود علاقة بين انحراف الأحداث والسينما ، هذا ناهيك عن بعض الدراسات الغربية حول بعض السرقات الكبيرة تبين أن الدافع إليها كان تردد الأحداث بشكل متكرر في قاعات السينما .. وليس عجبا أن يأتي ذلك من الغرب ، وإنما العجب أن تنبري إحدى المدارس ويتفتق ذهن عمالقة التربية فيها فيأتوا بما لم يأتِ به الأوائل ، فيضمنون امتحان اللغة العربية سؤالاً : تخيل نفسك تسطو على بنك لسرقته ماذا نفعل ؟!!

بل نحن ماذا نفعل أمام هذه المشكلة التي تتفرع وتتعقد يومًا بعد يوم ، وبعد هذا الواقع الأليم لإعلامنا الذي يكتوي بناره شبابنا الحائر ، هل من أمل في الإصلاح أم نركب مع المنهزمين والإمعات الذين يجدفون بمجداف ليس في الإمكان أبدع مما كان ؟..

كلا لا بد أن نبدأ ، ولكنها ليست بداية من الفراغ ، بل عندنا حجر الأساس الذي يغري بالإصرار على تكملة البناء، ثم لا بد من التخطيط من جديد لإعلامنا.

أهمية التخطيط
وعن أهمية التخطيط الإعلامي يقول د. عباس محجوب : لما كان لوسائل الإعلام تأثيرها المعروف في تكوين اتجاهات الشباب وأفكارهم كان التخطيط أمرًا لازمًا ، وليس ذلك التخطيط الذي يوزع عدد الأغاني بالتساوي بين المطربين ، وعدد التمثيليات الفكاهية والعاطفية .. إلى آخر ذلك ، ولكن التخطيط الذي يعمل على تكوين الاتجاهات السليمة ، والعادات المرغوبة ، والتدريب العقلي ، والمعرفة المتنامية ، والتخطيط المرتبط بفلسفة التربية والثقافة التي تعمل الدولة لها . ولا يمنع التخطيط مراعاة تحقيق أهداف الإعلام في الترفيه عن الناس ، وتثقيفهم ، ولكن يمكن أداء ذلك كله بأن يكون الترفيه هدفًا يحمل مضمونًا للسامع والمشاهد.

وعن أهمية نشر القيم والثقافة ، قال د. محجوب :
للإعلام قدرة على نشر القيم وتدعيمها في الشباب ؛ ليس عن طريق الوعظ والإرشاد ؛ بل عن طريق التطبيق العملي لقيم الدين والثقافة، وربط الأعمال المقدمة لخدمة الأخلاق والمثل ، وإيجاد القيادات الشابة من المبرزين منهم في دينهم وسلوكهم كنماذج حية لهم ، بالإضافة إلى نشر التراث والتعريف به ، وتخليصه مما نسب إليه ، وتوجيه الشباب ليخدم دينه وثقافته بنشره بين الناس ، والمشاركة في كل عمل يحقق تلك الأهداف .

ويمكن للإعلام إبراز كل عمل يقوم به الشباب في مجال التعليم ومحو الأمية ، والمواسم الثقافية ، والأعياد القومية ، والمسابقات الفردية والجماعية ليكون ذلك كله حافزًا إلى مزيد من الإبداع والاجتهاد.

ويقتضي هذا أن تقوم أجهزة الإعلام بتقديم المناهج الدراسية مسموعة ومرئية للمراحل المختلفة ، بل وتتيح فرصًا أكبر للشباب بالمشاركة في تقديم البرامج المختلفة ، وخاصة من أظهروا مواهب في الأدب ، أو التمثيل ، أو الإلقاء ، أو غير ذلك من المواهب التي تحتاج إلى صقل وتوجيه وتشجيع.

ذاك هو الواقع وهذا هو المأمول ، ويبقى السؤال الحائر الذي تزداد الإجابة عليه غموضًا مع تغوّل الإعلام وهيجانه في عصر العولمة التي ما ابتدعت إلا لتصيب الإسلام وأهله في مقتل وشبابه بالذات .. الخطب جلل .. ومقال كهذا أهون من أن يجيب عن التساؤل " ماذا يفعل الشباب أمام غول الإعلام .. والمسؤولية كما هي مضاعفة فهي مشتركة .. فالكل مطلوب منه أن يأخذ بطرف منها لنعود ونقول بالفم الملآن " شبابنا هم عدتنا وعتادنا وهم أملنا وضياؤنا" وسلمت يا شباب .
جاد الكريم المطاوعي-اسلام ويب

Post: #686
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:30 AM
Parent: #601

من جحيم.. إلى جحيم !

هكذا قالت صديقتي بصوت متهدج ، وابتسامة مغتصبة وعينين تجمعت على سطحهما قطرات دموع جاهدت لابتلاعها ، فكانت تزدري ريقها بصعوبة ،وتحاول الظهور بمظهر المتماسكة ،وهي ترد على مشاطرتي لها بعد طلاقها من زوج لم تمكث في بيته أكثر من عام !

لم أستفسر منها عن أسباب الطلاق ، فقد كنت أعلمها تقريبًا مسبقًا ، إذ تعددت خلال ذلك العام محاولاتنا وأزواجنا لإصلاح ذات بين صديقتي وزوجها ..

وللحق كانت هي أحرص على استمرار حياتها ، وكلما كان لفظ الطلاق يتردد في إحدى جلسات التحكيم والإصلاح كانت تهز رأسها ، وكأنها تطرد هاجسًا مخيفًا ، أو خاطرًا مزعجًا ، فقد كانت تريد أن تظل زوجة مهما كلفها ذلك من عناء نفسي ، وكبدها من تنازلات ، كانت تريد أن تنفض عن كاهلها اللقب البغيض " عانس " ، وتحمل لقب " زوجة " ؛ حتى لو كان زواجها على فوهة بركان نوحتى لو كان رجلها لا يرعى فيها إلا ولا ذمة !

ولا أحسبها إلا محقة ، فما قاسته في بيت أبيها من عنت ، واضطهاد ، وتحقير جعلها تتحين أية فرصة للخروج من كهف العنوسة ولو إلى كهف أضيق وأظلم .

كنت موضع شكواها.. وكثيرًا ما استودعتني مواقف تؤكد أن والديها وأشقاءها كانوا يعاملونها بفظاظة ، وغلظة ، ويعيرونها بعنوستها ، ويشعرونها بأنها ضيف ثقيل طال مكوثه عند من ضجروا منه ، ولم يجدوا بُدّاً من مواجهته بضجرهم وتضررهم .

بكاؤها المتشنج كان يمزق قلبي ، ولا أملك إلا الدعاء .. مقترنًا بالسعي لتزويج هذه الفتاة الطيبة .. المتدينة .. الخلوقة .. المتعلمة.

نعم فلم يكن يعيب صديقتي إن اعتبرنا خلق الله - والعياذ به - عيبًا سوى شكلها ، وإن كانت خفيفة الظل .. خفيضة الصوت .. خيرة إلى أبعد حد ، وكم رشحت لها .. ورشحت صديقاتنا الأخريات راغبين في الزواج يضاهونها سنًا وعلمًا ، وكان هؤلاء يجيئون لرؤيتها.. ويذهبون بلا عودة ، فتقول هي بأسى : لا تتعبي نفسك .. أعرف أنني لا أروق لأي رجل .. مهما كان دميمًا ، ثم تنخرط في بكاء شديد ، وتقول بلهجة متشنجة : " الحمد لله على عطائه .. أنا لم أخلق نفسي .. فلماذا يعاقبونني على ما لم أرتكب ؟ ولماذا تلام الفتاة إن رفضت رجلاً لا يروق لها شكلا ؟ - ويلتمس العذر لأي شاب يرفض الاقتران بمثلي مهما تعددت عيوبه هو ؟!".
كان حالها يؤرقني .. وكثيرًا ما تحدثت إلى أمها ، وشقيقتيها المتزوجتين بشأنها ، فكانت أمها تبدي أسفها وتقول لي : " وماذا بيدي يا ابنتي .. فاض بي ! " . وتقول شقيقتاها بلا مبالاة : " وماذا تنتظرين منا وزوجانا يعيراننا بها ؟ " . وتردف صغراهما : " تصوري .. زوجي يقول عن ابنتنا التي تشبه خالتها : يا خوفي أن ترث شكلها .. وحظها أيضًا " !

أسمعهن .. وأنصحهن .. ولكن دون أن يتوقف نزيف المأساة في قلب صديقتي ذات الأربعين عامًا ، التي ما إن تقدم لها أرمل في الخامسة والخمسين حتى وافقت دون تردد ، وكذلك فعلت أسرتها .. لم يتحروا .. ولم يسألوا عنه ، وتم الزواج لتظهر الحقيقة رويدًا .. الزوج بخيل جدًا .. لا يحافظ على الصلاة ، يعتبر الاهتمام بالنظافة الشخصية إسرافًا في استعمال الماء والصابون ، يسيء معاملة أسرتها ، ويلمح لهم في كل مناسبة بأنه ذو يد عليا عليهم ، فقد أنقذ ابنتهم من العنوسة !.

كل هذا وأكثر ، وهي راضية ، لا تشكو إلا حينما يفيض الكيل تشكو أملا في إصلاحه ، وليس رغبة في الانفصال عنه ، ويمر العام ليطلقها هو ؛ لأنه - على حد قوله - " مل من كثرة شكواها ، ولا يجد مبررًا للإبقاء عليها ، فهي ليست "ست الحسن والجمال ".

فشلت محاولات صديقتي لإثنائه عن قراره ، فاضطرت للرضوخ ، وعادت إلى بيت أسرتها مرة أخرى تحمل لقبًا جديدًا " مطلقة " ، عادت محملة بآثار تجربة مريرة .. بغيضة تضيف إلى معاناتها السابقة تلالاً من العناء ، وتضيف إلى عمرها عامًا بعشرات الأعوام ، وتحفر على وجهها الحزين أخاديد تجعله يبدو كوجه عجوز في السبعين أو أكثر .

كان بوسع صديقتي أن تفعل الكثير لتتجاوز عنوستها ، وكم نصحتها ، واقترحت عليها ما يملأ فراغها ، وحاولت أن أبث فيها ثقة تستحقها - بالفعل - وألفت نظرها إلى ما تملكه من فهم حرمت منها جميلات كثيرات ، ولكنها كانت مسجونة داخل خندق الإحساس الحاد بأنها غير مرغوبة .

وكان من حولها يزيدون هذا الإحساس وطأة ؛ حتى فقدت القدرة على التفكير في غير هدف واحد : أن تصبح زوجة .. بأي مقابل ولأي رجل !

وتحقق هدفها لتصبح مرفوضة مرتين ، مرة لعنوستها وأخرى لطلاقها !

ترى كم بيننا من مرفوضات .. منبوذات بلا ذنب ؟ كم بيننا من مشروعات زوجات صالحات ، ولكنهن ضحايا لخلل قيمي .. وعسر اقتصادي .. وتفريط عقدي وتخبط سياسي ؟.

كم بيننا من حاملات للقب يرضين به ، ويحاولن التكيف معه ، ولكن الآخرين ، بل أقرب الأقربين لهن ، يدفعونهن بتصرفات تكاد أن تكون جرائم إنسانية إلى محاولة الهرب من اللقب .. الجحيم .. إلى جحيم أشد استعارًا.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #687
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:32 AM
Parent: #601

ابنة صديقتي خمرية اللون ، وسيمة الملامح ، وابنها أشقر.
عندما زرتها آخر مرة وأثنيت على جمال طفليها قالت بأسي: خسارة كان نفسي البنت تكون بيضاء ، أما الولد فليس مشكلة ؛ سيتزوج حتى لو كان زنجيا.
استغربت قولها: وكان ردي عليها لا يخفي استنكاري إذ قلت لها: ما دمت متيقنة من أن ابنك سيتزوج حتى لو كان زنجيا فثقي بأن من زوج الزنجي سيرزق ابنتك أيضا بالزوج الصالح.
غادرت بيتها والسؤال يدق في رأسي: ما الذي منح بياض البشرة كل هذه المكانة؟
ما الذي جعل السمراء في ذيل قائمة المرغوبات للزواج؟ وجعل شبابنا الملتزم وغير الملتزم يبحث عن العروس الشقراء أو البيضاء علي الأقل ؟
ولماذا صارت إعلانات كريمات تفتيح البشرة التي يكتشف الأطباء مزيدا من مخاطرها كل يوم ، تضرب علي وتر الفتاة السمراء الحزينة التي تخشى فوات فرصتها في الزواج ، وعندما تستعمل كريم التفتيح يتساقط حولها المعجبون؟
الغربيات بيضاوات ….وهذا يلخص الإجابة عن تلك الأسئلة كلها وغيرها.
فقد صادرنا هويتنا ، وأوصدنا أبواب خصوصية ثقافتنا ، وحبسنا تفرد عقيدتنا في أركان الإسلام الخمس ، واستوردنا كل شيء : الملبس ، الطعام ، القيم ، بشرة النساء اللاتي يرقدن تحت شمسنا طيلة شهور الشتاء ليكتسبن اللون البرونزي الذي تخجل بناتنا منه.
المقارنة بين البيضاء والسمراء قديمة في المثل الشعبي والأدبيات القديمة.والجديد أن يتحول الأمر إلي أزمة فتصبح سمرة البشرة وصمة ، ويكتسب تغيير خلق الله مشروعية زائفة باعتباره وسيلة الفتاة السمراء الوحيدة للحصول علي صيد ..
عفوا …. زوج.
نور الهدي سعد-اسلام ويب

Post: #688
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:35 AM
Parent: #601

رسالة إلى شاب
الحمد لله تعالى وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واقتفى أثره ..وبعد
أخي الحبيب زهرة الدنيا وأمل الأمة : هذه رسالة للشيخ الدويش توجه بها إلى إخوانه الشباب قرأتها فأعجبتني فأحببت أن تشاركني في قراءتها لعل الله تعالى أن ينفعني وإياك بما جاء فيها ، ويجعلها سببا في عودتنا إلى طريق الله المستقيم .. آمين .

قال الشيخ .. حفظه الله : السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد :
فأحييك أخي الشاب بتحية الإسلام، تحية أهل الجنة، تحية خص الله تبارك وتعالى بها هذه الأمة: وكلي أمل أن تتفضل بقراءة وجهة نظري بكل تجرد وموضوعية؛ وأحسب حينئذ أن نقاط الاتفاق بيني وبينك ستكون أكثر من نقاط الاختلاف، وأن اختلافك معي في قضية من القضايا لا يعني إهمال وإلغاء جميع ما توافقني عليه.

أتمنى أن تفكر بموضوعية وإنصاف وتجيب على هذه الأسئلة بصوت خافت لا يسمعه غيرك، أجب عليها في نفسك بكل صراحة، ولن يجنى مرارة التستر على العيوب والمخادعة إلا من يخادع نفسه.

أي العبوديتين تختار؟
تأمل في هذا الإنسان وحياته، مرة يلم به مرض، ومرة يصيبه جوع، مرة يضيق صدره … بينما تراه فتياً نشيطاً، يتحدث بملء فيه، ويعلو صوته وصياحه إذا به يصاب بفيروس لا تراه عينه المجردة فيتحول ذلك الإنسان صاحب القوة والحيوية إلى جسم ممدد طريح الفراش، ل اتكاد تميز صوته، ولا يستطيع حراكاً .

يملك المال ويوغل في الثراء، فما يلبث أن تصيبه كارثة تحوله إلى أسير لديونه، وإذا به في طرفة عين قد انقلب من قمة الثراء إلى حضيض الفقر والحاجة والفاقة.

إنها أمارة نقصه وضعفه وهكذا شاء الله أن يكون المخلوق كذلك، لذا فلابد أن يكون المخلوق عبداً، فإما أن يكون عبداً لله يخضع له ويستجيب لأمره، وإما أن يبتلى بعبودية ماسواه، أرأيت كيف يسجد ويركع بعض الناس لأحجار نحتوها بأيديهم؟ أرأيت كيف يتعبد النصارى بخرافات سطروها بأقلامهم وألغوا لأجلها عقولهم وألبابهم؟

من الشاذ؟
إن العالم الفسيح من حولنا بأرضه وسمائه ونجومه وأفلاكه، وكل صغير وكبير ندركه أو لا ندركه، كل ذلك يسجد ويخضع لخالقه تبارك وتعالى، ويلهج بالتسبيح له عز وجل. { يسبح له السموات والأرض ومن فيهن ، وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورًا}
والظل الذي نتقي به لهيب الشمس المحرقة يتفيأ ذات الشمال واليمين ساجداً لله تبارك وتعالى.
بل هذه الشمس التي نراها كل يوم، تعلن خضوعها وسجودها لخالقها، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم "فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فتستأذن فيؤذن لها.."
فما بال الإنسان بعد ذلك؟ ما باله يستنكف ويستكبر على خالقه؟ بل ما باله يتمرد على نظام الحياة أجمع؟ وماذا عساه يساوي في هذا الكون؟ وأين مكانه في هذا العالم الفسيح؟

فمن الشاذ والغريب حينئذٍ؟ ومن الذي يسبح ضد التيار؟ أهو المسلم القانت الساجد المسبح لله تبارك وتعالى فيتجاوب مع هذا الكون الخاضع لربه؟ أم هو الذي يتمرد على خالقه، ويستنكف عن طريق الهداية، فيستظل ويختبئ حين يواقع المعصية وراء حائط يسبح ويسجد لربه، والسيارة والهاتف والقلم… وسائر ما ييسر له طريق المعصية يخضع لمولاه ويسبح ويسجد له.

فالذي يسلك طريق الهداية يسير وفق السنة التي يسير عليها الكون أجمع، أما الذين يتنكبون طريق الهداية فيعيشون تناقضاً في حياتهم، ليس مع الكون الأرحب الواسع بل مع ذواتهم وأنفسهم، فأجسادهم وأعضاؤهم تخضع لله.

أسرى ولكن لايشعرون ..
أرأيت أتباع الشهوات والغارقين في أوحالها؟ أتظن أنهم يعيشون السعادة؟
إنهم أسرى وعبيد لهذه الشهوة المحرمة تأمرهم فيطيعون، وتنهاهم فينتهون، ولسكرهم في لذتهم لا يدركون ما هم فيه، وهاهو أحدهم لا يجد شبهاً لنفسه وحاله إلا بأهل الجنون، فرحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
قـالوا جننت بمن تهوى فقلت لهم.. ... .. العشق أعظـم مما بالمجــانين
العشق لايستفيق الدهر صـاحبه .. ... .. وإنما يصرع المجنون في الحين

إن أحدهم يقدم ما يملك فداء لمن يعشقه ويحبه، بل قد ينحر دينه قرباناً بين يدي معشوقه، وهاهو أحدهم يعبر عن ذلك:
رهبان مدين والذين عهدتــهم .. ... .. يبكون من حذر العذاب قعوداً
لو يسمعون كما سمعت كلامها .. ... .. خروا لعزة ركعاً وسجــوداً

ويستغرق المعشوق فؤاد من يعشقه فلا يبقى فيه مكان للبحث عن رضا مولاه، بل قد يصبح رضا الله مرتبة دون رضا معشوقه، كما قال هذا الشقي عن محبوبه -عافانا الله :
سلم يا راحـة العليـل .. ... .. ويا شفـا المدنف النحيل
رضاك أشهى إلي فؤادي.. ... .. من رحمة الخالق الجليل

ولو أدرك أتباع الشهوات اللاهثون وراءها مرادهم، فسرعان ما تنتهي حياتهم، وتنتهي معها المتعة ويبقى دفع الثمن الباهظ الذي لا يمكن أن يقارن بحال بتلك الشهوة العاجلة واللذة الفانية، وهاهو الناصح الأمين صلى الله عليه وسلم يخبرنا عن ذلك فيقول : " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة ثم يقال: هل رأيت خيراً قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول:لا والله يارب، ويؤتى بأشد الناس بؤساً في الدنيا من أهل الجنة، فيقال له: ياابن آدم: هل رأيت بؤساً قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط" .
فالدنيا كلها ومتاعها وشهواتها تنسى في غمسة واحدة في العذاب، فكيف بما بعد ذلك؟

ماذا تنتظر؟
أعرف أن الشاب الغافل ليست هذه أول كلمة يسمعها، وأنه قد مرت به مواقف عدة دعته للتفكير في التوبة والرجوع إلى الله، لكن السؤال الذي لم أجد له إجابة مقنعة إلى الآن هو: لماذا الإصرار على الخطيئة؟ ولماذا التردد في سلوك سبيل الصالحين؟
انظر إلى من حولك، إلى من هو في سنك وعمرك، ممن هداهم الله فأقبلوا على طريق الصلاح والتقوى، وانظر إلى من كان له تاريخ في الغفلة والصبوة، فنهض وعاد إلى مولاه، إنهم بشر مثلك، ولهم شهوات وتنازعهم غرائز، وتعرض لهم الفتن وتشرع أبوابها أمام ناظريهم، فما بالهم ينتصرون على أنفسهم؟ وما الذي يجعلهم يستطيعون وأنت لاتستطيع؟ ولم ينتصرون وتنهزم أنت؟ بل ربما أنت أقوى شخصية من أحدهم، وأكثر ذكاء من الآخر وفطنة؛ إن الذي جعل هؤلاء ينتصرون على أنفسهم يمكن أن يجعلك كذلك.

فهلا سلكت أنت الطريق وأقبلت إلى ربك؟!
واعلم بأن الله يفرح بتوبة عبده حين يتوب إليه أشد من فرح رجل كان في صحراء على دابة فأضاعها وعليها طعامه وشرابه، ونام تحت شجرة ينتظر الموت فلما استيقظ وجدها عند رأسه، فقال من شدة الفرح ـ اللهم أنت عبدي وأنا ربك ـ أخطأ من شدة الفرح .. ففرح الله بتوبة عبده أشد من فرح هذا الرجل بدابته، فأقبل عليه، واتخذ القرار الحاسم ولا تتردد.

أيهما أكثر رجولة؟
صفة الرجولة صفة يحبها جميع الناس، ونفي الرجولة عن أحد تهمة جارحة يرفضها المرء ولو كانت جميع صفات الرجولة معدومة لديه.

أيهما أكثر رجولة وأقوى شخصية؟ الشاب الذي تقعد به نفسه عن فعل ما أمره به مولاه فتنتصر عليه، أم الشاب الذي يجتاز العقبات، ويستجيب لأمر ربه ولو كان شاقاً على نفسه؟

أيهما أكثر رجولة وأقوى شخصية الشاب الذي يسير وراء غرائزه وشهواته، ويستجيب لنفسه في كل ما تدعوه إليه وتدفعه له؟ أم الآخر الذي يملك الغرائز والشهوات، وتدعوه نفسه وتدفعه إليها، لكنه يكبح جماحها ويضبطها، ويقول لها: ليس من حقك أن تتمتعي بكل ما تريدين، فثمة عاقبة وخيمة للسير في هذا الطريق، وثمة عاقبة حميدة لمن يمنع نفسه عن الحرام؟ وهو وإن ترك الشهوة العاجلة فهو يعلم أن نهايتها في الدنيا مؤلمة، إما مرض عضال، أو فضيحة تنغص حياته، أو مصيبة أو كارثة، وحين ينجو من عذاب الدنيا لن ينجو من عذاب الآخرة إلا أن يمن الله عليه بعفوه.
أما الامتناع عنها فعاقبته السعادة في الدنيا والنعيم المقيم في الآخرة .

إن أشجع قرار، وأولى قرار يتخذه الإنسان هو أن يغير مجرى حياته، ويسلك في قطار الصالحين الأخيار. فأتمنى أن نكون شجعانا وجريئين؛ فنتخذ هذا القرار.
اسلام ويب

Post: #689
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:46 AM
Parent: #601

القراءة احتلت ولا تزال تحتل حيزاً كبيراً بما تقدمه من خدمة معرفية هائلة لمرتاديها من الصعب جداً أن يجدوها في غيرها وأجمع الخبراء المختصون بنسبة 78% على أنها تكاد تكون المصدر الوحيد للثقافة. وعلى مر الأزمان عرفنا أن الشباب يوليها من الاهتمام درجة لا بأس بها لكنها أقل بكثير عن قارئي الفئات العمرية الأخرى،ومع هذه الحقبة التكنولوجية الهائلة والتي تتصدرها الانترنت ثمة ضعف ملحوظ على إقبال الشباب على القراءة بشكل أكبر إذ انهم يعتقدون أن هناك بدائل لها قد تتوافر على الشبكة. فتحت باب التحقيق بدايةً من عند المحور الأساس وهم الشباب : حيث أكد خالد الزرقان -طالب جامعي-على أن" القراءة لها نصيب وافر لدينا نحن معشر الشباب لكنه بالتأكيد أقل من غيرنا لأنها تلتهم الوقت، وإلا لماذا سمي الشباب شباباً إذا كان سيقضي وقته كله في القراءة !
أما حمد الشمري - طالب جامعي- فيقول بأنه يقرأ في جميع المجالات و لكن دون التعمق بالشكل المطلوب.
و يبتسم عبد الله العتيبي-طالب ثانوي قبل أن يدلي بقوله:
" بالتأكيد أنتم تقصدون بالقراءة القراءة الجانبية أي غير الإلزامية،ولذلك أحببت أن أوضح أنني لا أجد الوقت الكافي حتى أقرأ ما أنا ملزم به فهو الأولى فبأي وجه حق يطالبونني بالأقل أهمية؟"
قراءة رخيصة
يعتقد البعض أنه لا توجد فائدة من محاولة حث الشاب على المطالعة لأنه و إن قرأ فسيتجه إلى رخيص المواضيع و أتفهها وتساندهم في ذلك الإحصائية التي تنص على المواضيع التي يقرئها الشباب:كتب معرفية ضخمة: 16% .قصص:(ضعيفة المضمون): 37%. صحف و مجلات:(مواضيع ضعيفة): 35%.صحف و مجلات:(مواضيع جـادة): 18 %.
وفي تفصيل أكبر وجدنا أن الاهتمام بالأدب و الفنون لدى الشباب أكبر من غيره فسألنا بعض الشباب حيال ذلك فأجاب سعيد الحارث:
" نهتم بالأدب والفنون بشكل أكبر لأنهما يتميزان بالجمال و بالخفة و السلاسة في القراءة حيث أن هناك العديد من المحفزات التي تدفع الشاب لقراءتهما"
وقد كان للآباء رأيهم الخاص حيال هذه الإشكالية فقال السيد صالح المسلم-أب لثلاثة أطفال-":
"الحظ في أبنائي عدم توجههم للقراءة كما كنت أود لهم،فأنا ولله الحمد أوفر لهم الكتب والصحف من جميع الأنواع و الأصناف لكن وكما قال المثل تجري الرياح بما لا تشتهي السفن.
أما السيد سلطان التمامي - أب لأربعة أولاد فيؤكد أن أبنائه يقبلون على القراءة والمطالعة بشكل يومي حيث أن المرء على ما نشأ عليه" وأنا أنشأتهم على ذلك فباتت القراءة لديهم كنوع من أنواع الترفيه و الأنس".
فيما يرى السيد سامي الطيار-أب لأبن واحد- أن العتب لا يقع على الشاب وحده في عدم قراءته بل يقع أيضاً على الأسرة التي لا تحترم الكتاب ووسائل القراءة الأخرى وتعتبرها شيئاً جانبياً،وبالطبع سيكون الشاب قد نشأ والكتاب بعيد أشد البعد عنه.
مجتمع لا يقرأ!
تفاجأنا عندما أخبرنا أستاذ علم النفس و الاجتماع:عبد الله العنزي وبكل ثقة:
المجتمع بأكمله لا يقرأ القراءة الصحيحة منهم إلا ما نسبته 38% أما البقية فإما قراءته مجرد تصفح أو لأنه ملزم بالقراءة لامتحانٍ ما وما إلى ذلك من الأسباب، أما القراءة الصحيحة المركزة و التي يريد بها الشخص التثقيف و المعرفة المحضة فأصحابها وكما سبق و أسلفت لا يتجاوزون تلك النسبة من عدد سكان المجتمع والشباب قد لا يتجاوز نصيبهم من تلك الفئة القارئة 11%.
إذاً من الجدير بنا قبل أن نوجه و نرشد الشباب إلى أهمية القراءة لمواكبة هذا الزمن الذي يحتاج إلى ثقافة كبيرة علينا إرشاد بقية فئات المجتمع إلى ذلك والشاب وبكل تأكيد سيلحظ هذا الاهتمام من قبل غيره وتفوقهم عليه عندها سيعيد التفكير في مسألة القراءة.
الرياض - أسامة عبد الرحمن الأنصاري

Post: #690
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:49 AM
Parent: #601

أخي الشاب.. دع العنف وابدأ بالسلام
ما أكثر قضايا الشباب ، لا سيما قضية العنف الشبابي الذي لم يعد حكرًا على المجتمعات الأجنبية ، بل طال مجتمعنا الإسلامي ، وانتشر بصورة مقلقةاسترعت اهتمام المعنيين بشؤون الشباب ، وأقضّت مضاجع أولي الأمر ، فشمر الباحثون عن ساعد الجد، وأقيمت مؤتمرات وندوات كان عنف الشباب أهم ما يطرح فيها .. منها ندوة نظمتها الجمعية الخيرية بالعوامية بمحافظة قطيف السعودية، وهدفت إلى التوعية بخطورة العنف في المجتمع من الناحية الأمنية والاقتصادية والنفسية والاجتماعية ، وتبصير أولياء الأمور بأهمية دور العلم في معالجة السلوك العدواني ، واستغلال طاقة الشباب والمراهقين في الاتجاهات المفيدة ، عبر توضيح بعض الجوانب النفسية والاجتماعية والبيولوجية التي تساهم في تشكل العنف في المجتمع.
وقد تحدث في الندوة الدكتور عبد الستار إبراهيم ( خبير في العلوم النفسية) عن تناول الجوانب النفسية ، والاجتماعية ، والفسيولوجية للعنف، والأساليب السيكولوجية لضبطه ، فقال: " إن الأفراد يتعلمون السلوك العدواني (العنف درجة مرتفعة من العدوان) أثناء تفاعلاتهم مع محيطهم الاجتماعي ، كالوالدين مثلاً "، وقد أشار إلى نوعين من العدوان : عدوان إيجابي ، وهو بمثابة الطاقة التي من خلالها يحقق الفرد أهدافه دون أن يتسبب في أذى غيره ، من خلال تأكيد الذات مثلاً ، بينما النوع الثاني: عدوان سلبي ، هدفه إحداث الأذى للغير ، كالاعتداء اللفظي ، والجسدي ، أو الاعتداء على ممتلكات الآخرين .
التعامل مع السلوك العُنفي
أما طرق التعامل مع السلوك العُنفي فقد طرح الدكتور عبد الستار مجموعة من الوسائل التي تعين المرء على الحد من عنفه، أو من عنف الآخرين ، وهذه الوسائل هي:
1ـ لا تقابل العنف بالعنف ، لأن هذا يصعد من دائرة العنف ( العنف والعنف المضاد).
2ـ غيّر حوارك الذاتي (حديث النفس للنفس ) بهدف تغيير مجرى التفكير ، فالأفكار إما أن تزيد الغضب ، وبالتالي تهيئة الفرد للعنف أو العدوان ، وإما أن تقلل منه ، فتتراجع احتمالات العنف أو المبادرة العدوانية ، فقد نغضب لأننا نفسر تصرفات الآخرين بطريقة غير إيجابية ، لذلك المطلوب هو تدريب أنفسنا على تغيير طريقة التفكير هذه ؛ بحيث نجد تفسيرات أخرى لا تغضبنا، بل لنجد مبررات لتصرفات الآخرين تخفف من غضبنا.
3ـ مارس الاسترخاء ، والتخيل الذهني ، فلهما فوائد جمة ، فهما يحدان من التوتر الجسمي (كخفض نبضات القلب ، والضغط الشرياني ، ومعدل التنفس ، والتوتر العضلي) المصاحب عادة لانفعال الغضب.
4ـ درّب أطفالك أثناء التنشئة الاجتماعية على البدائل السلوكية ، أي أن يتعلم الطفل كيف يحل مشاكله بطرق متعددة ، وليس بأساليب جامدة لا تقبل التعدد.
5ـ إلجأ للمعالجين النفسيين ، إذا ما تعذرت عليك الحلول الذاتية ، والاجتماعية ( الجماعية ) للحد من مشكلة العنف ، فلدى الاختصاصيين النفسيين وسائلهم الخاصة التي تسهل على الشخص العنيف تدريب نفسه على مكافحة سلوكه العنفي أو العدواني.
6ـ تتبع أسباب العنف في الواقع الاجتماعي بهدف إبعاد الفرد عن مصادر العنف البيئية ، أو الحد من شدة هذه المصادر لكيلا تؤدي للمزيد من العدوان.
كما أشار الرائد راشد الليفان (شرطة محافظة قطيف) إلى التقويم الصحيح للسلوك من قبل الأسرة ـ التي تلعب دورًا في النشأة الاجتماعية السليمة ـ وذلك لمنع الجريمة أو السلوك المنحرف في المجتمع ، فكون الصلة بين الوالدين والأطفال متقاربة ، لا متنافرة ؛ فإنها تعزز المشاعر الطيبة بين الآباء والأبناء ، كما أنه من المفيد جدًا أن يتعاون المواطن مع الجهات الأمنية للسيطرة على المظاهر العنفية بهدف إحداث حالة أمنية بين المواطنين .
وقد تفاعل الجمهور الذي حضر الندوة مع المتحدثين ، بما ينم عن وعيهم بأهمية وضرورة السيطرة على العنف باعتباره ظاهرة مقيتة .
وقد حظيَ الجانب النفسي والاجتماعي المتعلق بالعنف باهتمام الكثير من أسئلة الحاضرين ، ومما يذكر أن محمد حمد الصويغ ( مدير جريدة اليوم) قدم مداخلة تصب في الاتجاه الذي يرى أن عنف الشباب مرتبط بعدة أمور: سوء التربية ، والفقر ، وافتراق الزوجين ، وعدم وجود عائل لبعض الشباب ، وكثرة عرض أفلام العنف على التلفزيون، سيما بعد توافر القنوات الفضائية ، وضعف الوازع الديني وتعاطي المخدرات، والكحول، ورفاق السوء، كما يذهب إلى الاعتقاد بأن تفشي العنف مرتبط بوجود البطالة في المجتمع.
ويمكن القول بشكل عام: إن عقد مثل هذه الندوة بمثابة خطوة على طريق الحد من العنف واستثمار كل الطاقات العلمية والمهنية ذات العلاقة للحد أو (على الأضعف) التقليل من الظواهر غير المرغوبة.
[جاد الكريم المطاوعي-اسلام ويب

Post: #691
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-02-2015, 01:52 AM
Parent: #690

كانت هذه وصية من الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى أوصى بها أبناءه الشباب في بداية إحدى الإجازات الصيفية فقال:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فبمناسبة الإجازة الحالية فإنه يسرني أن أوصي الشباب خاصة ، والمسلمين عامة بتقوى الله عز وجل أينما كانوا ، واستغلال هذه الإجازة فيما يُرضي الله عنهم ، ويعينهم على أسباب السعادة والنجاة ، ومن ذلك شغل هذه الإجازة بمراجعة الدروس الماضية ، والمذاكرة فيها مع الزملاء لتثبيتها والاستفادة منها في العقيدة والأخلاق والعمل.
كما أوصي جميع الشباب بشغل هذه الإجازة بالاستكثار من قراءة القرآن الكريم وتدبره ، وحفظ ما تيسر منه ؛ لأن هذا الكتاب العظيم هو مصدر السعادة لجميع المسلمين ، وهو ينبوع الخير ومنبع الهدى ، أنزله الله تبيانا لكل شيء ، وهدى ورحمة وبشرى للمؤمنين ، وجعله سبحانه هاديا للتي هي أقوم ، ورغّب عباده في تلاوته وتدبر معانيه كما قال تعالى frown emoticon أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)[محمد/24] ، وقال تعالى : (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ)[ص/29] ، وقال عز وجل : (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ)(الإسراء/9].
فنصيحتي للشباب ولجميع المسلمين أن يكثروا من تلاوته وتدبر معانيه ، وأن يتدارسوه بينهم للعلم والاستفادة ، وأن يعملوا به أينما كانوا ، كما أوصي جميع المسلمين بالعناية بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحفظ ما تيسَّر منها ، ولا سيما في هذه الإجازة مع العمل بمقتضاها ، لأنها الأصل الثاني من أصول الشريعة .
كما أوصي جميع الشباب بالحذر من السفر إلى بلاد غير المسلمين ؛ لما في ذلك من الخطر على عقيدتهم وأخلاقهم ؛ ولأن بلاد المسلمين في أشد الحاجة إلى بقائهم فيها للتوجيه والإرشاد والتناصح والتعاون على البر والتقوى والتواصي بينهم بالحق والصبر عليه .
وأوصي جميع المدرسين في هذه الإجازة باستغلالها في إقامة الحلقات العلمية في المساجد والمحاضرات والندوات لشدة الحاجة إلى ذلك ، كما أوصيهم بالتجول جميعا للدعوة إلى الله في البلدان المحتاجة لذلك حسب الإمكان ، وزيارة المراكز الإسلامية والأقليات الإسلامية في الخارج للدعوة والتوجيه ، وتعليم المسلمين ما يجهلون من دينهم وتشجيعهم على التعاون فيما بينهم ، والتواصي بالحق والصبر عليه ، وتشجيع الطلبة الموجودين هناك على التمسك بدينهم والعناية بما ابتعثوا من أجله ، والحذر من أسباب الانحراف .
وأسأل الله أن يوفق المسلمين شيبا وشبانا ، وأساتذة وطلابا ، وعلماء وعامة ، لكل ما فيه صلاحهم وسعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، إنه جواد كريم .
اسلام ويب

Post: #692
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:14 AM
Parent: #601

ويل للمطففين
التطفيف خلق ذميم، ذمه الله تعالى في القرآن وتوعد أهله بالعذاب إن لم يتركوه، وخصلة سوء كانت في قوم أرسل الله إليهم رسولا ليدعوهم للإيمان به، وترك ما هم عليه من هذه الفعلة القبيحة فلما أبوا أهلكهم بسوء فعلهم وللكافرين أمثالها، وما هي من الظالمين ببعيد.
قال تعالى : {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ [1] الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ [2] وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ [3] أَلَا يَظُنُّ أُولَٰئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ [4] لِيَوْمٍ عَظِيمٍ [5] يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ [6]} (المطففون:1ـ6).

وسبب نزول السورة كما أخرج النسائي وابن ماجة عن ابن عباس قال: لما قدم النبي صلى اللّه عليه وسلم المدينة كانوا من أخبث الناس كيلاً، فأنزل اللّه تعالى: {ويل للمطفِّفين} فحسنوا الكيل بعد ذلك". وقال القرطبي رحمه الله: وقال قوم: نزلت في رجل يعرف بأبي جهينة، واسمه عمرو؛ كان له صاعان يأخذ بأحدهما، ويعطي بالآخر.

معنى التطفيف:
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله : والمراد بالتطفيف ههنا البخس في المكيال والميزان، إما بالازدياد إن اقتضى من الناس، وإما النقصان إن قضاهم.
أي أنه إذا أخذ لنفسه أخذ أكثر من حقه، وإذا أعطى أعطى أقل من الواجب.. كما قال تعالى: {إذا اكتالوا على الناس يستوفون} أي يأخذون حقهم بالوافي والزائد، {وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون} أي ينقصون.

والتطفيف الذي ذكر في الآيات إنما هو التطفيف في المكيلات والموزونات لأنه كان أكثر استعمالات القوم وقتئذ.. غير أن جماعة من العلماء ذهبوا إلى أن التطفيف يدخل في كل الحقوق بل وحتى في العبادات؛ قال الإمام القرطبي: "وقال آخرون: التطفيف في الكيل والوزن والوضوء والصلاة والحديث. وقال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف. وروى عن سالم ابن أبي الجعد قال: الصلاة بمكيال، فمن أوفى أوفي له، ومن طفف فقد علمتم ما قال الله عز وجل في ذلك {ويل للمطففين}". قال النابلسي: ويلحق بالوزن والكيل ما أشبههما من المقاييس والمعايير التي يتعامل بها الناس.

وذهب البعض إلى أن كل تصرف يؤدي إلى أن يأخذ الإنسان أكثر من حقه أو أن يعطي لصاحب الحق أقل من حقه فهو تطفيف.. فمثلا رجل يبيع بضاعة رديئة ثم هو يطبع عليها مطبوعات على أنها صنعت في بلد كذا ليبيعها بسعر أكبر مما ينبغي هو من المطففين.. ورجل يحقن النباتات بهرمونات أو مكسبات طعم أو ألوان لتظهر على خلاف حقيقتها فهو غاش ومطفف، ورجل يحقن الدجاج المذبوح بالماء ليثقل وزنه وليبيعه بأكثر من ثمنه مطفف غشاش.

وإذا سلمنا بأن التطفيف هو استيفاء الحق من الناس عند الأخذ، والإنقاص والإخسار عند العطاء؛ فإن كثيرا منا يكون قد وقع في هذه المصيبة التي يعدها ابن حجر العسقلاني كبيرة من الكبائر.
فالزوج الذي يريد من زوجته أن توفيه حقوقه كاملة غير منقوصة، وهو في ذات الوقت مفرط في أداء واجباته نحوها، ومقصر في إعطائها كامل حقوقها هو في الحقيقة من المطففين، وكذلك هي إن انعكس الحال.
والأب الذي لا يقوم بحقوق أولاده في التربية والتعليم والنفقة ورعاية شؤونهم ثم يريد منهم أن يقوموا هم بحق البر له كاملا غير منقوص هو من المطففين.
والموظف الذي يذهب في الصباح ليوقع للحضور ثم ينصرف ليأتي آخر النهار يوقع انصرافا، أو الموظف الذي ينام في العمل أو يتكاسل عن أداء ما طلب منه، ثم في آخر الشهر يريد أن يأخذ راتبه كاملا مكملا بل وينزعج إذا وجد نقصا.. هو في الحقيقة أيضا من المطففين.
وقد يجمع الإنسان بين أكثر من نوع من التطفيف في آن واحد فيكون زوجا مطففا، وأبا مطففا، وموظفا مطففا.. والمعصوم من عصمه الله.

الأمر بالعدل في الميزان:
وقد أمر الله تعالى عباده في العديد من الآيات بالوزن بالقسط والعدل، ونهاهم ضمنا ولفظا عن الظلم والحيف، والتطفيف في الكيل فقال سبحانه : {وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها}.. وقال في السورة الإسراء: {وأوفوا الكيل إذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك خير وأحسن تأويلا}، وقال في سورة الرحمن: {والسماء رفعاها ووضع الميزان . ألا تطغوا في الميزان . وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان}، وقال في سورة الشعراء: {أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين وزنوا بالقسطاس المستقيم ولا بتخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}.

عقوبة المطففين:
اعلم أن التطفيف كبيرة من الكبائر، وهو أكل لأموال الناس بالباطل، وهو كسب خبيث يدل على حقارة نفس فاعله ودناءتها، وهو مال حرام فإذا تصدق به صاحبه لم يتقبل منه وإذا خلفه وراءه كان زاده إلى النار.. وقد توعد الله أصحابه بعقوبات في الدنيا والآخرة نكتفي بذكر اثنتين لكل:

أما في الدنيا
الأول: يعاقب الله عليه في الدنيا بالقحط والجدب وجور السلطان:
فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:[يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ، لَمْ تَظْهَر الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ](ابن ماجه).

وأما الثاني: فهو تعرضهم لمقت الله وعذابه
كما فعل الله بمدين قوم شعيب حين أرسله إليهم، وكان التطفيف فاشيا فيهم، فدعاهم لعبادة الله وترك هذا العمل القبيح وقال: {وياقوم أفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين}(هود: 85)، {فكذبوه فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}(العنكبوت:37 .. وقد ذكر الله قصتهم في القرآن ليعتبر أولوا الأبصار، وإلا .. فـ {ما هي من الظالمين ببعيد}.

وعقوبتان في الآخرة:
وكما عاقب الله المطففين بعقوبتين في الدنيا، كذلك عاقبهم في الآخرة بعقوبتين:
الأولى: ذكرها الله في أول سورة المطففين وهي قوله: {ويل للمطففين}.. والويل: هو العذاب الأليم، وقيل هو واد في قعر جهنم يسيل فيه صديد أهل النار. وقال بعض المفسرين: هو واد في جهنم، لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من شدة حره، نعوذ بالله منه.

والعقوبة الثانية: ذكرها ابن مسعود رضي الله عنه حين قال: "القتل في سبيل الله يكفر الذنوب كلها إلا الأمانة.. ثم قال: يؤتى بالعبد يوم القيامة ـ وإن قتل في سبيل الله ـ فيقال له: أدِ أمانتك، فيقول: أي ربي، كيف قد ذهبت الدنيا؟ قال: فيقال: انطلقوا به إلى الهاوية، فينطلق به إلى الهاوية، وتمثل له أمانته كهيئتها يوم دفعت إليه فيراها فيعرفها، فيهوي في أثرها حتى يدركها، فيحملها على منكبيه، حتى إذا نظر أنه خارج زلت عن منكبيه فهوي يهوي في أثرها أبد الآبدين.. ثم قال: الصلاة أمانة، والوضوء أمانة، والوزن أمانة، والكيل أمانة، وأشياء عدها، وأشد ذلك الودائع".
قال الراوي عن ابن مسعود: فأتيت البراء بن عازب، فقلت: ألا ترى ما قال ابن مسعود؟ قال: كذا وكذا، قال: صدق، أما سمعت الله يقول: {إِنّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}.

إن دين الله عقيدة، وشريعة، وأخلاق، وعبادات، ومعاملات، وهو دين يشمل حياة الناس كلها. فالإسلام عقيدة في القلب، وعبادة في المسجد، ومعاملة في البيت وفي السوق.. الإسلام في المصنع، وفي المكتب، وفي المدرسة، وفي كل زاوية من زوايا الحياة.. هذا هو الإسلام الذي أرسل الله به رسله وخاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.. فـ {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين}.
اسلام ويب

Post: #693
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:17 AM
Parent: #601

ﻣَﻦْ ﻟِﻲ ﺑـﺼَﺎﻟِـﺤَـﺔٍ ﺗَـﻘَـﺮُّ ﺑـﺒَـﻴْـﺘِـﻬَﺎ
ﻭَﺗُـﻘِـﺮُّ ﻋَـﻴْﻦَ ﺷَﺮِﻳﻜِﻬَﺎ ؟ ﻧِﻌْﻢَ ﺍﻟﺴَّﻜَﻦ
ْ
ﺩَﻭْﻣًﺎ ﺗُـﻘِـﻴﻢُ ﺻَﻼﺗَﻬَﺎ ﻭَﻓُـﺮُﻭﺿَﻬَﺎ
ﻟﻠﻪِ ﺧَﺎﺷِﻌَﺔً ، ﻭَﺗَﻌْﻤَﻞُ ﺑﺎﻟﺴُّـﻨَﻦ
ْ
ﺟُـﺒﻠَﺖْ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻹِﺣْﺴَﺎﻥِ ، ﺗَﺸْﺤَﺬُ ﻫِـﻤَّﺔ
ً
ﻭَﺗُـﻘِـﻴﻞُ ﻋَـﺜْﺮَﺓَ ﻣَﻦْ ﺗَـﺨَﺎﺫَﻝَ ﻭَﺍﺭْﺗَﻜَﻦ
ْ
ﻣَﻠَﻚَ ﺍﻟْﺤَـﻴَﺎﺀُ ﺯِﻣَﺎﻣَﻬَﺎ ﻣُـﺘَﻤَﻜِّـﻨً

ﻓَـﺘَﺄَﺩَّﺑَﺖْ ﺑﺎﻟﺴَّﻤْﺖِ ﻭَﺍﻟْﺨُـﻠُﻖِ ﺍﻟْﺤَـﺴَﻦ
ْ
ﻣَﻦْ ﻟِﻲ ﺑـﻠُﺆْﻟُﺆَﺓٍ ﻳَﺪُﻭﻡُ ﺑَﺮِﻳﻘُﻬَﺎ
ﻓِﻲ ﺧِـﺪْﺭَﻫَﺎ ﻣِﻦْ ﻣَﻬْﺪِﻫَﺎ ﺣَـﺘَّﻰ ﺍﻟْﻜَـﻔَﻦْ ؟
ﻓُـﻄِـﺮَﺕْ ﻋَـﻠَﻰٰ ﺣُﺐ ﺍﻟﺘَّﺴَﺘُّﺮِ ﻋِـﻔَّـﺔ
ً
ﻋَﻦْ ﺃَﻋْﻴُﻦِ ﺍﻟﺴُّﺮَّﺍﻕِ ﻓِﻲ ﺯَﻣَﻦِ ﺍﻟْﻔِـﺘَﻦ
ْ
ﻣَﻦْ ﻟِﻲ ﺑﻤُﺨْﻠِﺼَﺔِ ﺍﻟْﻔُﺆَﺍﺩِ ، ﺣَـﻔِـﻴﻈَـﺔ
ٍ
ﻟِﻠْﻐَـﻴْﺐ ، ﺗُﻮﻓِﻲ ﺑﺎﻟْﻌُﻬُﻮﺩِ ﻭَﺗُﺆْﺗَـﻤَﻦْ ؟
ﻣَـﺨْﻤُﻮﻣَﺔِ ﺍﻟْﻘَﻠْﺐ ﺍﻟﺴَّﻠِﻴﻢِ ، ﻧَـﻘِـﻴَّﺔ
ٍ
ﺭَﻗْـﺮَﺍﻗَـﺔِ ﺍﻹِﺣْﺴَﺎﺱِ ﺗَﻬْﻤِﺲُ ﺑﺎﻟْﺤَـﺴَﻦ
ْ
ﻟَﻴْﺴَﺖْ ﺑﻤُـﺰْﻋِﺠَﺔٍ ﻭَﻻ ﺛَـﺮْﺛَﺎﺭَﺓ
ٍ
- ﻗَـﻄْﻌًﺎ - ﻭَﻻ ﺑَـﻜْـﻤَـﺎﺀَ ﺗَﺮْﻛَﻦُ ﻟِﻠْﻮَﺳَﻦ
ْ
ﻣَﻦْ ﻟِﻲ ﺑـﻬَﺎﺩِﺋَﺔِ ﺍﻟﻄِّـﺒَﺎﻉِ ، ﺭَﺯِﻳـﻨَﺔ
ٍ
ﺫَﺍﺕِ ﺍﻋْـﺘِﺪَﺍﻝٍ ﻋِﻨْﺪَ ﻓَﺮْﺡٍ ﺃَﻭْ ﺣَـﺰَﻥْ ؟
ﺗَـﺮْﺿَﻰٰ ﺑﻤَـﺎ ﻗَﺴَﻢَ ﺍﻟﺮَّﺣِـﻴﻢُ ، ﺻَﺒُﻮﺭَﺓ
ٍ
ﻧِﻌْﻢَ ﺍﻟْﻤُـﻌِـﻴﻦُ ﻟَﺪَﻯ ﺍﻟْﺸَّﺪَﺍﺋِﺪِ ﻭَﺍﻟْﻤِـﺤَﻦ
ْ
ﻣَﻦْ ﻟِﻲ ﺑـﺜَﺎﺑـﺘَﺔٍ ﻋَﻠَﻰٰ ﻧَـﻬْﺞٍ ﺻَـﻔَ

ﻣِﻦْ ﻛُﻞِّ ﺃَﺻْﻨَﺎﻑِ ﺍﻟﺘَّﺤَـﺰُّﺏ ﻭَﺍﻟﻨَّـﺘَﻦْ ؟
ﻗَـﺒَﻀَﺖْ ﻋَـﻠَﻰٰ ﺟَـﻤْﺮِ ﺍﻟْﻬُـﺪَﻯٰ ﻭَﺗَﺤَﺼَّﻨَﺖ
ْ
ﻓِﻲ ﻏُـﺮْﺑَﺔٍ ﻋَﻦْ ﺯَﻳْﻒِ ﺃَﻃْـﻴَﺎﻑِ ﺍﻟْﻔِـﺘَﻦ
ْ
ﻋَﻠِﻤَﺖْ ﺃُﺻُﻮﻝَ ﻋَـﻘِـﻴﺪَﺓٍ ﻓَـﺘَـﻤَـﺴَّﻜَﺖ
ْ
ﺑﺎﻟْﻮَﺣْﻲِ ، ﻟَﻴْﺲَ ﺑـﺮَﺃْﻱِ ﺷَـﻴْﺦٍ ﻣُـﻔْـﺘَـﺘَﻦ
ْ
ﻟﻠﻪِ ﺩَﺭُّ ﻣَﻦِ ﺍﺳْـﺘَـﻘَﺎﻣَﺖْ ! ﺃَﺣْـﺴَـﻨَﺖ
ْ
ﺻُـﻨْﻌًﺎ ﻟِـﻨُـﺼْـﺮَﺓِ ﺩِﻳـﻨِـﻬَﺎ ﺛُﻢَّ ﺍﻟْﻮَﻃَﻦ
ْ
ﺑـﺎﻟﻠﻪِ ﻳَﺎ ﺃَﻫْﻞَ ﺍﻟﺘُّـﻘَﻰٰ ﻭَﺃُﻭﻟِﻲ ﺍﻟﻨُّـﻬَﻰٰ
ﻣِﻦْ ﻣَـﻐْـﺮِﺏٍ ﺣَـﺘَّﻰ ﺍﻟْﻌِـﺮَﺍﻕِ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﻴَﻤَﻦ
ْ
ﻛَﻴْﻒَ ﺍﻟﺴَّـﺒـﻴﻞُ ﺇِﻟَﻰٰ ﻣُـﺮَﺍﺩِﻱ ﻋَﺎﺟﻼً ؟
ﻓَﺎﻟْﻌُﻤْﺮُ ﻳَﻤْﻀِﻲ ﺑﺎﻟﺸَّـﺒَﺎﺏ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟْﻜَﻔَﻦ
ْ
ﺇِﻥْ ﻛَﺎﻥَ ﻣَﺎ ﺃَﺭْﺟُـﻮﻩُ ﺣَـﻘًّﺎ ﻭَﺍﻗِـﻌًﺎ
ﻛَﻴْﻒَ ﺍﻟﺴَّـﺒـﻴﻞُ ﺇِﻟَـﻴْـﻪِ ﻳَﺎ ﺃَﻫْـﻞَ ﺍﻟْﻔِـﻄَﻦْ ؟
ﺃَﻡْ ﺃَﻧَّﻬَﺎ ﺃَﺣْـﻼﻡُ ﻗَـﻠْﺐٍ ﻏَﺎﻓِﻞ
ٍ
ﻋَﻦْ ﻭَﺍﻗِـﻊِ ﺍﻟﻨِّﺴْﻮَﺍﻥِ ﻓِﻲ ﻫَـٰﺬَﺍ ﺍﻟﺰَّﻣَﻦ
ْ ؟
* * * * * * *
ﻟﻠﻪِ ﺃَﺷْـﻜُـﻮ ﻭِﺣْـﺪَﺗِﻲ ﻓِﻲ ﻏُـﺮْﺑَـﺘِﻲ
ﻭَﻟَﻬِـﻴﺐَ ﺷَﻮْﻗِﻲ ﻟِﻸَﻧِـﻴﺲِ ﺍﻟْﻤُـﺆْﺗَـﻤَﻦ
ْ
ﺃَﺧْـﻄُﻮ ﻋَﻠَﻰٰ ﺷَﻮْﻙِ ﺍﻟْﻌَـﻔَﺎﻑِ ﻣُـﺠَﺎﻫِﺪًﺍ
ﻭَﺃَﻋُﻮﺫُ ﺑﺎﻟﺮَّﺣْﻤَﻦِ ﻣِﻦْ ﺷَـﺮِّ ﺍﻟْﻔِـﺘَﻦ
ْ
ﻣِﻦْ ﺷَﺮِّ ﻋَﺎﺭِﻳَﺔِ ﺍﻟْﺤَـﻴَﺎﺀِ ﻭَﺇِﻥْ ﺗَﻜُﻦ
ْ
ﻓِﻲ ﺍﻷَﺻْﻞِ ﻛَﺎﺳِـﻴَﺔً ﻟِﺄَﻋْﻀَﺎﺀِ ﺍﻟْﺒَﺪَﻥ
ْ
ﻳَﺎ ﻭَﻳْـﺤَـﻬَﺎ !! ﺧَـﺮَّﺍﺟَـﺔٌ ﻭَﻟَّﺎﺟَـﺔ
ٌ
ﺑﺎﻟْﻘَـﻮْﻝِ ﺗَـﺨْـﻀَﻊُ ﻟِﻠْﻤَـﺮِﻳـﺾِ ﺍﻟْﻤُـﻔْـﺘَـﺘَﻦ
ْ
ﺗَﻬْﻮَﻯ ﺍﻟﺘَّﻈَﺎﻫُﺮَ ﻓِﻲ ﻣَـﻴَﺎﺩِﻳﻦِ ﺍﻟْﺨَـﻨَ

ﻭَﻫُـﺘَﺎﻓُـﻬَﺎ ﺑـﺴُـﻘُﻮﻁِ ﺃَﺟْـﻨَﺎﺩِ ﺍﻟْﻮَﻃَﻦ
ْ
ﻻ ﻓَـﺮْﻕَ ﻋِـﻨْﺪِﻱ ﺑَـﻴْﻦَ ﺗِﻠْﻚَ ﻭَﻣَﻦْ ﻣَـﺸَﺖ
ْ
ﺑَـﻴْﻦَ ﺍﻟﺮِّﺟَﺎﻝِ ﺗَـﻤِـﻴﻞُ ﻣَـﻴْﻼً ﻛَﺎﻟْﻔَـﻨَﻦ
ْ
ﻗَﺪْ ﻋَـﻄَّـﺮَﺕْ ﺛَﻮْﺑًﺎ ﺭَﻗِـﻴﻘًﺎ ﺿَـﻴِّـﻘًﺎ
ﻣِﻦْ ﻓَـﺮْﻁِ ﺿِـﻴﻖِ ﺍﻟﺜَّﻮْﺏ ﻳُﻈْﻬِﺮُ ﻣَﺎ ﺑَـﻄَﻦ
ْ
ﺗَـﺒًّﺎ ﻟَـﻬَـﺎ ! ﻫَـﻞْ ﺗَـﺸْﺘَﻬِﻲ ﺃَﻥْ ﺗُﺸْﺘَﻬَﻰٰ؟ !
ﻻ ﻏَﺮْﻭَ ﺗَـﻔْـﺨَـﺮُ ﺃَﻧَّﻬَﺎ ﻟَـﻢْ ﺗـُﺨْـﺘَـﺘَﻦ
ْ
ﻭَ ﺍﻟﻠﻪِ ، ﻟَﻮْ ﻋُﺮِﺿَﺖْ ﻋَﻠَﻲَّ ﺭَﺧِـﻴﺼَﺔ
ً
ﻟَﺮَﺩَﺩﺗُّﻬَﺎ ، ﺃُﻑٍّ ﻟِـﺨَـﻀْﺮَﺍﺀِ ﺍﻟﺪِّﻣَﻦ
ْ
ﺣَـﺘَّﻰٰ ﻭَﺇِﻥْ ﺿُﺮِﺏَ ﺍﻟْﻤِـﺜَﺎﻝُ ﺑـﺤُـﺴْﻨِﻬَﺎ
ﻓَـﻐَﺪًﺍ ﻳَـﺰُﻭﻝُ، ﻭَﻳُـﻘْﻠَﺐُ ﺍﻟْﻤَـﺜَﻞُ ﺍﻟْﺤَـﺴَﻦ
ْ
ﺣَـﺘْﻤًﺎ ﺳَـﺘَﺄْ ﻛُﻠُﻬَﺎ ﺍﻟْﻌُـﻴُﻮﻥُ ﻓَـﻘَﺪْ ﻏَﺪَﺕ
ْ
ﻛَـﻸً ﻣُـﺒَﺎﺣًﺎ ﻟِﻠْﺠَـﻤِـﻴﻊِ ﺑﻼ ﺛَﻤَﻦ
ْ
ﻳَﺎ ﻗَﻠْﺐُ ﻻ ﻳَـﻐْـﺮُﺭْﻙَ ﺣُﺴْﻦٌ ﺯَﺍﺋِﻒ
ٌ
ﻭَﺍﻇْـﻔَﺮْ ﺑﺬَﺍﺕِ ﺍﻟﺪِّﻳﻦِ ﺗَـﻨْﺞُ ﻣِﻦَ ﺍﻟْﻔَـﺘَﻦ
منقول

Post: #694
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:18 AM
Parent: #601

النشأة في طاعة الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن مرحلة الشباب هي أهم مرحلة من مراحل العمر بالنسبة لكل واحد منا ، بل إن الدول إنما تقوم نهضتها ورفعتها على سواعد وعقول وإقدام الشباب.
فيا أيها الشاب:
أنت نبض الحياة يرفل بالطهر ... ودنـيــــا تعــبـد ونقـــاء

وأمــان تفــتر في كل صــدر وهي ترنو لفجرها الوضاء

يـا أخي أنت شــعلة الحق لا يخبو لظاها في زحمة الأنواء

كم عيــون ترنــو إليـك وكم تهفو قلوب مكلومة الأحشاء

وبلاد غذتك من شهدها الذاكي ترجّي الغـداة حسـن الوفـاء

أرضعت قلبك الإباء فأرضـع فجـرهـا يـوم بعثها بالدماء

يا شباب إن الشمس لا تملأ النهار في آخره كما تملؤه في أوله...
ولهذا فإن المسؤولية عن هذه الفترة من العمر عظيمة وسيسأل كل منا: "عن شبابه فيما أبلاه " .
وهذه وصية الرسول صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا قبل خمس: ...وشبابك قبل هرمك".
ولقد قال القرآن الكريم عن أصحاب الكهف: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آَمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى (13)}. ( الكهف ).

وهل نصرت الدعوات وانتشرت الرسالات إلا على أيدي الشباب؟ قال الله تعالى واصفا من آمنوا بموسى عليه السلام: {فَمَا آَمَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ}.
وهل كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إلا شبابا؟ كانوا هم النقباء والحواريين والأنصار والمهاجرين والعلماء والمعلمين.
ارجع إلى دار الأرقم وانظر من تراه فيها سترى شبابا ، فهناك الرسول ، أبوبكر ، وعثمان ، وعلي ، الزبير ، طلحة ، عمار ، مصعب ، أبوعبيدة ، بلال ، صهيب ، ابن مسعود ، خباب بن الأرت. وهذه أمثلة من شبابهم:

علي بن أبي طالب:
حمى الإسلام في شخص الرسول صلى الله عليه وسلم حين نام مكانه وهو يعلم أن بالباب رجالا لا يطلبون إلا رأس النائم في هذا المكان.
كان أول من أسلم من الصبيان ترعرع وتربى في بيت النبوة والرسالة ، فلما بلغ مبلغ الشباب قال له البني صلى الله عليه وسلم: "أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ إلا أنه لا نبي بعدي".
إنه من قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم:"إن الجنة لتشتاق إلى ثلاثة علي وعمار وسلمان".
وقال فيه : "لأعطين الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه " وذلك في خيبر.
إنه الذي قتل في بدر خمسة عشر رجلا من قريش، وقتل يوم الأحزاب عمرو بن ود كبش الكتيبة الذي كبر المسلمون لقتله.
إنه علي الذي عوتب في ترك وقاية ظهره فقال: إن أمكنت عدوي من ظهري فلا أبقى الله عليه إن أبقى عليّ.

معاذ بن جبل:
ذلك الشاب الذي أحبه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له: " يا معاذ والله إني لأحبك..."
إنه العالم الذي يأتي يوم القيامة سابقا أهل العلم لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن معاذ بن جبل أمام العلماء رتوة". وقال فيه أيضا : " أعلم أمتي بالحلال والحرام معاذ بن جبل".
قال عنه ابن مسعود رضي الله عنه: إن معاذ بن جبل كان أمة، إنما كنا نشبهه بإبراهيم عليه السلام.
إنه الحافظ المتقن لكتاب الله تعالى حتى قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم : "استقرئوا القرآن من أربعة: ابن مسعود، وسالم مولى حذيفة، وأبي بن كعب، ومعاذ بن جبل".
يقول عمر رضى الله عنه: لولا معاذ بن جبل لهلك عمر.
كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا تحدثوا وفيهم معاذ بن جبل نظروا إليه هيبة له.
كان قائد الميمنة في أجنادين فقام في الناس خطيبا فقال: يا معشر المسلمين اشروا أنفسكم اليوم لله، فإنكم إن هزمتموهم اليوم كانت لكم هذه البلاد دار إسلام أبدا مع رضوان الله والثواب العظيم. وكتب الله النصر للمسلمين.
وقبل إحدى المعارك مع الروم كان في الوفد المفاوض للروم فقال له الروم:
ارجع إلى أصحابك فوالله إنا لنرجو أن نُفِرَّكم في الجبال غدا، فقال رضي الله عنه: أما الجبال فلا، ولكن والله لتقتلنا عن آخرنا أو لنخرجنكم من أرضكم أذلة وأنتم صاغرون. وكان ما أخبرهم به رضي الله عنه وأرضاه.
ويوم جاءه الموت ...؟؟ كان يقول مخاطبا ربه عز وجل: اخنق خنقك فوعزتك لقد علمت أني أحبك ...
هذه الحياة المليئة بالعلم والجهاد والدعوة والعبادة لله عز وجل مات صاحبها وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة!!.

إن هؤلاء من يصدق فيهم قول الشاعر:
شباب ذللوا سبل المعالي.. ... .. وما عرفوا سوى الإسلام دينا

تعهدهــم فأنبـــتهم نبـــاتا .. ... . كريما طاب في الدنيا غصونا

هم وردوا الحياض مباركات .. ... . فسالت عندهم مــاء معـينا

إذا شهدوا الوغى كانوا كماة .. ... يدكـــون المعـــاقل والحصونا

وإن جــن المساء فلا تراهم .. .... من الإشـفاق إلا ســاجدينا

شباب لم تحطــمه الليالــى .. ... ولم يسلم الى الخصم العرينا

........

كذلك أخــرج الإسلام قومي .. ... ..شبابا مخلصـــا حـــرا أمـينا

وعلمه الكـــرامة كيف تبـنى .. ... . فيأبى أن يقيـّــد أو يهــــونا

ومن هؤلاء الشباب عبدالله بن الزبير رضي الله عنه:
قال الذهبي:عداده في صغار الصحابة وإن كان كبيرا في العلم والشرف والجهاد والعبادة.
ومَن مِثله؟ حنكه الرسول صلى الله عليه وسلم بريقه حين ولد ونشأ بين الزبير حواري رسول الله وأسماء ذات النطاقين وجده الصديق وخالته عائشة. كان صواما للنهار قواما لليل. وكانوا يسمونه حمامة المسجد.
إنه الذي بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن سبع سنين. قال عثمان بن طلحه: كان ابن الزبير لا ينازع في ثلاثة: شجاعة وعبادة وبلاغة. وكان إذا صلى فكأنه خشبة منصوبة.
في السادسة والعشرين من عمره يشهد فتح إفريقية مع عبدالله بن ابي السرح في ولاية عثمان رضي الله عنه فيقوم بعمل من أعظم الأعمال قتل قائد جيش الأعداء جرجير حين هجموا على المسلمين في 120 ألفا والمسلمون عشرون ألفا ، فلما قتل ابن الزبير قائدهم نزلت بهم الهزيمة وانتصر المسلمون ودخل الإسلام إفريقية فلله دره ، قال عنه الذهبي رحمه الله: كان يضرب بشجاعته المثل.
هؤلاء هم الشباب الذين تحتاج الأمة إلى أمثالهم اليوم كي تنفض عنها غبار الذل وتنزع ثوب المهانة.
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم أسد تخلف بعدها أشبالا
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #695
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:18 AM
Parent: #601

الذنوب قدر واقع لا بد منه؛ لأن الأرض مليئة بأسباب الذنب، من شيطان لا هم له إلا غواية البشر والقعود لهم بكل صراط، ونفس أمارة بالسوء، وهوى مضل عن سبيل الله، مردٍ في أنواع المهالك، إلى شياطين الإنس الذين يميلون بالناس إلى الشهوات ميلا عظيما، ويوعدون ويصدون عن سبيل الله من آمن يبغونها عوجا، فمهما اتخذ الإنسان الحيطة والوقاية والحذر من الذنوب فإنه غير سالم منها؛ لأنها قدر واقع لا يمكن دفعها بالكلية، كما لا يمكن دفع الأمراض العضوية بالكلية مهما تخذنا من أسباب الحيطة، فالذنوب من قدر الله تعالى، وكل إنسان مكتوب عليه حظه منها كما كتب عليه حظه من المرض.
قال تعالى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ}، قال طاووس: "ما رأيت أشبه باللمم مما قال أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا، أدرك ذلك لا محالة، فزنا العين: النظر، وزنا اللسان: النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه" [رواه البخاري].

ولكن هذا لا يعني التراخي والتهاون مع الذنوب وركوبها في كل خاطرة وسانحة بدعوى أنها قدر وواقع لا مفر منه. كما لا يمنع من مكافحة الذنب وعلاجه والتخلص منه ومن آثاره، لأنه كما يمكن الاحتياط من المرض العضوي، كذلك يمكن الاحتياط من الذنب، وكما أن للمرض علاجا، فكذا للذنب علاجا، ولأن المرض إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك البدن، وكذا الذنب إذا ترك بدون علاج تفاقم وأهلك الروح، وهلاك الروح أشد من هلاك البدن.
والشرع حين يذكر أن الذنب حقيقة مقدرة على البشر، لا يفوته أن يذكر فضل المدافعين له والمتحامين منه.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ} [الأعراف:201]
ويقول -عليه الصلاة والسلام-: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" [الترمذي، صحيح الجامع: 4515]
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال -صلى الله عليه وسلم-:"مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ إِلا وَلَهُ ذَنْبٌ يَعْتادُهُ الْفَيْنَةَ بَعْدَ الْفَيْنَةِ، أَوْ ذَنْبٌ هُوَ مُقِيمٌ عَلَيْهِ لا يُفَارِقُهُ حَتَّى يُفَارِقَ الدنيا، إِنَّ الْمُؤْمِنَ خُلِقَ مُفْتَنًا تَوَّابًا نَسِيًّا إِذَا ذُكِّرَ ذَكَرَ". [رواه الطبراني، صحيح الجامع: 5735].

قال المناوي: "(ما من عبد مؤمن إلا وله ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة) أي الحين بعد الحين والساعة بعد الساعة، يقال: لقيته فينة والفينة (أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه أبداً حتى يفارق الدنيا، إن المؤمن خلق مفتناً) أي ممتحناً، يمتحنه اللّه بالبلاء والذنوب مرة بعد أخرى، والمفتن الممتحن الذي فتن كثيراً (تواباً نسياً إذا ذكر ذكر) أي يتوب ثم ينسى فيعود ثم يتذكر فيتوب".
يروى أنه لما شرب قدامة بن عبد الله الخمر متأولا جلد، فكاد اليأس يدب في قلبه فأرسل إليه عمر يقول: قال تعالى: {حم تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} ما أدري أي ذنبيك أعظم، استحلالك للخمر أولا؟ أم يأسك من رحمة الله ثانيا؟.

وهذا منهج إسلامي إيماني، يمنح العاصين الفرصة للعودة مرة أخرى إلى رحاب الطاعة، ويغلق دونهم أبواب اليأس، ويزرع الأمل في نفوسهم .. جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله! إني وجدت امرأة في بستان، ففعلت بها كل شيء، غير أني لم أجامعها، قبلتها ولزمتها، ولم أفعل غير ذلك، فافعل بي ما شئت، فلم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- شيئاً، فذهب الرجل، فقال عمر: لقد ستر الله عليه، لو ستر على نفسه، فأتبعه رسول الله بصره ثم قال: "ردوه علي"، فردوه عليه، فقرأ عليه: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ} فقال معاذ: يا رسول الله أله وحده، أم للناس كافة؟ فقال: "بل للناس كافة" [مسلم]
وعن أبي بكر -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "ما من عبد يذنب ذنبا، فيتوضأ فيحسن الطُهور، ثم يقوم فيصلي ركعتين، ثم يستغفر الله بذلك الذنب إلا غفر الله له" [أحمد، صحيح الجامع 5738].

إن من الأخطاء الّتي تسرّبت إلينا من شطحات فكر البعض: طلب الوصول إلى حالة السّلامة الكاملة من الذّنوب، وهذا محال. لأنّ جنس الذّنب لا يسلم منه بشر، وكون المؤمن يجعل هذا غايته فهو يطلب المستحيل، فالله تعالى خلق الإنسان في هذه الحياة وجعل له أجلاً يكتسب فيه الصّالحات، فمن قدم على الله بميزان حسنات راجح فهو النّاجي إن شاء الله تعالى، بغضّ النّظر عمّا وقع فيه من السّيّئات إذا كان موحّداً .
وإنّ النّاظر إلى النّصوص الشرعية يدرك بجلاء أنّ مراد الله تعالى من العبد ليس مجرّد السّلامة من المخالفة، بل المراد بقاء العلاقة بين العبد وربّه، فيطيعه العبد فيُؤجر، ويذنب فيستغفر، وينعم عليه فيشكر، ويقتّر عليه فيدعوه ويطلب منه، ويضيّق أكثر فيلجأ ويضطر، وهكذا.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم" [ صحيح الجامع: 7074].
قال الطِّيبي: "ليس الحديث تسلية للمنهمكين في الذنوب كما يتوهمه أهل الغرة بالله؛ فإن الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم إنما بعثوا ليردعوا الناس عن غشيان الذنوب، بل بيان لعفو الله تعالى، وتجاوزه عن المذنبين؛ ليرغبوا في التوبة".

ولهذا كان النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- مع سلامته من الذّنوب يكثر من أن يستغفر، إمّا لرؤيته تقصيراً من نفسه في حقّ ما يرى من نعمة الله عليه، أو لأنّه يرى من نفسه تقصيراً في الذّكر خصوصاً عندما يدخل الخلاء أو نحو ذلك .
أي أنه -صلى الله عليه وسلم- يحقّق الإرادة القدسيّة في أن يستمرّ العبد في طلب المغفرة من الله تعالى، كبيان أنّه لا يسلم عبد ما من جنس التّقصير الّذي يوجب طلب المغفرة، إمّا تقصيراً عن الأكمل في نظرهم كما في حقّ الأنبياء، أو وقوعاً في الذّنب كما في حقّ غيرهم .
ولذلك قال -صلى الله عليه وسلم-: "سددوا وقاربوا وأبشروا، واعلموا أنه لن يدخل أحدكم الجنة عمله ولا أنا إلا أن يتغمدني الله بمغفرة ورحمة" [متفق عليه] ففيه معنىً لطيف يقطع الطّمع على المؤمن أن يبلغ حقيقة التّديّن التامة والقيام بحقوق الله تعالى، بل المطالبة أن يسدّد العبد وأن يقارب فكأنّ الإصابة غير ممكنة، ولكن كلّما كان سهم العبد أقرب إلى الإصابة فهو أقرب للسّلامة.

وعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أنّ رجلاً أذنب ذنباً فقال: أي ربّ أذنبت ذنباً فاغفر لي، فقال: عبدي أذنب ذنباً فعلم أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به، قد غفرت لعبدي، ثمّ أذنب ذنباً آخر، فقال: ربّ إنّي عملت ذنباً فاغفر لي، فقال: علم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به قد غفرت لعبدي، ثمّ عمل ذنباً آخر فقال: ربّ إنّي عملت ذنباً آخر فاغفر لي، فقال الله تبارك وتعالى: علم عبدي أنّ له ربّاً يغفر الذّنب ويأخذ به، أشهدكم أنّي قد غفرت لعبدي فليعمل ما شاء" [البخاري ومسلم]
وفي المستدرك أنّ النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- جاءه رجل فقال: يا رسول الله أحدنا يذنب، قال: "يُكتب عليه"، قال: ثمّ يستغفر منه، قال: "يُغفر له ويُتاب عليه"، قال: فيعود فيذنب، قال: "يُكتب عليه"، قال: ثمّ يستغفر منه ويتوب، قال: "يُغفر له ويُتاب عليه، ولا يملّ الله حتّى تملّوا" [المستدرك 1 / 59 وصحّحه ووافقه الذّهبي]
وعن عليّ -رضي الله عنه- قال: "خياركم كلّ مفتّن توّاب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: فإن عاد؟ قال: يستغفر الله ويتوب، قيل: حتّى متى؟ قال: حتّى يكون الشّيطان هو المحسور".
وقيل للحسن: ألا يستحي أحدنا من ربّه يستغفر من ذنوبه ثمّ يعود ثمّ يستغفر ثمّ يعود، فقال: ودّ الشّيطان لو ظفر منكم بهذه، فلا تملّوا من الاستغفار.
د / خالد سعد النجار

Post: #696
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:19 AM
Parent: #601

الإنصات فن له معايير جودة، وله مقومات وإمكانيات، لا يعرفُها كثير من الناس .. قد تكون متحدث جيد، ولكن في نفس الوقت قد لا تعرف كيف تستمع للآخرين، وكيف تقرأ حركات الشفاه وتعبيرات الوجه، وكيف تتمكن من فك شفرة نبرات الصوت والولوج ببحر من أمامك.

الإنصات الجيد سلوك حضاري، وهو أحد عناصر عمليه اتصالك الصحيح مع من حولك .. أن تصغي لمحدثك، يعني أن تقدم الاهتمام والتقدير لما يطرحه من أفكار وقضايا، حتى لو كان يختلف معك في الآراء، ولا تندهش حينما ترى محدثك يرتاح إليك، ويهتم بما تطرحه عليه. وهذا هو السر في أن الخطباء يهتمون في توجيه نظراتهم، والكلام إلى من يصغي إليهم جيداً، ويتلقى الأفكار منهم بكل اهتمام. أضف إلى ذلك أنَّ الإنصات الجيَّد يمنح صاحبه نوعًا من الهيبة، ويجعله يبدو في أعين الناس أكثر حكمةً وذكاءً. فضلا عن أن مَنْ يتحلى بقوة الإصغاء ويدرب نفسه على إتقانه يضمن حواراً راقياً واعترافاً حقيقياً بالآخر.

الطريق من هنا
• الإنصات الفعال غير الاستماع، ويعني: «الاستماع باهتمام وبالجوارح كلها» من خلال ملامح الوجه، ولغة الجسد، والرسائل الإيجابية التي يبعثها المنصت المنتبه للمتكلم .. أي يطبق المثل القائل: «كلي آذان صاغية».
• هناك سلوكيات ودية للمنصت الجيد أثناء الاستماع منها: الابتسامة، والبشاشة، وهز الرأس، وإظهار التلهف، واستخدام الإشارات، والنظر إلى المتحدث مع تجنب تركيز النظر إلى عينيه.
• دع الآخر يهتم بمبادلتك الحديث فلا تحاول قراءة أفكاره علناً، واجعل ملامح وجهك تبدو مهتمة من خلال حركة الرأس وتعابير العينين ( الدهشة، التعجب.. )، وابق على تواصل دائم في النظرات معه، فهكذا تساعده على الاسترسال في الكلام وتشعره بأهميته.
• لا تهمل المشاعر غير اللفظية للمتحدث، كاحمرار الوجه ورفع الصوت ولغة العيون.
• استمع، ركز، ثم ناقش! فبهذا يكون نقاشك غنياً ومهنياً وعلى طريقة حوارية دقيقة، وتجعل المتحدث إليك يشعر بالارتياح وبأنك تريد الاستماع إليه، وتهتم بقضيته.
• إذا حضرت في وسط الحديث لا تتدخل مباشرة فيكون كلامك ثقيل الظل، بل انتظر حتى يستأنف الموضوع ويتم إخبارك به، ومن ثم استأذن لتأخذ دورك في الكلام.
• من أهم مقومات فن الإصغاء عدم مقاطعة المتحدث، ومقاومة الرغبة الفورية في التحدث .. فالمقاطعة المتكررة تعطي انطباعاً سيئاً عنك في المجموعة، وتغضب الآخر وتجعله غير سعيد بالتحدث إليك، حتى ولو كنت تقاطع لتكمل جملة الشخص المتكلم نفسه.
• ليس من اللائق أبداً أن تكرر عبارة: ( ماذا قلت؟ )، أو ( ماذا كنت تقول؟ ) فهذا يعني عدم التركيز معه.
• إذا كنت تعتقد بأن انشغالك في تجهيز ردود على كلام محدثك وسرحانك ولو لبرهات قصيرة يمر من دون ملاحظته فاعتقادك خاطئ، لأن عينيك سرعان ما تكشف ذلك بسهولة.

• نستطيع أن نتعرف على الأفراد الذين لا يتمتعون بإنصات جيد من خلال سلوكيات واتجاهات معينة:

التركيز على مظهر المتحدث وملبسه، التظاهر بالإنصات وهو على عكس ذلك، الامتعاض إذا كان يحتاج الموضوع إلى تركيز وجهد، صياغة الردود والاستجابات خلال حديث المتحدث، وأخيراً الاعتقاد بمعرفة ما يدور في رأس المتحدث.
• أن تتحلى بروح الدعابة شيء جميل، لكن لا تسرف بها كثيراً بينما الآخر يتحدث، أو تحولها إلى سخرية، فهذا يفقدك أهميتك ويجعل الآخرين لا يحملونك على محمل الجد.
• لا تستخف بكلام الآخر أو توجه إليه عبارات مثل: ( ما أسخف كلامك )، ( بديهي ما تقول فكلنا نعرفه ).
• لا تنتقد المتحدث بطريقة كلامه أو تجرحه أمام مجموعة.
• احترم مشاعر المتحدث مهما كانت ولا توبخه.

تصرفات مرفوضة :
• هناك بعض التصرفات غير اللائقة التي يجب تجنبها أثناء تحدث أحدهم إلينا منها:

- العبوس.
- المشي أو إدارة الظهر له.
- السكوت التام والتجرد من أي تعابير.
- قضم الأظفار، أو قصها، أو تنظيفها. العبث بالشعر.
- مشاهدة التلفزيون، أو اللعب على الكمبيوتر، أو اللهو بأشياء أخرى.
- النظر إلى الساعة بشكل متكرر، أو الظهور بمظهر الملول الذي نفد صبره.
- قراءة جريدة أو مجلة.
- التثاؤب المتكرر أو النوم في مكاننا.
- النظر في كل مكان خارج إطار الحدث ( السماء، السقف، النافذة، الأغراض من حولنا...).
- الضحك لأنك تذكرت أمراً آخر.

- وأخيراً .. لابد أن تعلم أن الإنسان ابن حاجته ومصلحته، فحينما تنصت لمحدثك من أجل أن تتعلم منه الأشياء التي تفيدك في حياتك، فإنك سوف تفعل ذلك وبإتقان، ولذلك أنصت لتتعلم وليس بالضرورة لتنتقد الآخرين.
د/ خالد سعد النجار

Post: #697
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:20 AM
Parent: #601

تمرّ بالمؤمن وبالأمّة فترات من التحديات البالغة والصعاب الجمّة لا يمكن مواجهتها ولا تجاوزها إلا برصيد وافر من الصبر العملي واليقين المبدئي ، وهذا الرصيد يرشّح أهله لنيل درجة الأستاذية الاجتماعية ، وهو ما تؤكدّه السنة الربانية التي رسمتها الآية الكريمة { وجعلنا منهم أئمّة يهدون بأمرنا لمّا صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون } (سورة السجدة 24)، فصاغ العلماء هذه السنة صياغة جميلة بقولهم: " بالصبر واليقين تُنال الإمامة في الدين " ، وكيف ترنو أبصار المؤمنين إلى قيادة ركب البشرية بشرع الله وتهفو أفئدتهم إلى ذلك إذا لم يُثبتوا في واقعهم الدعوي والشخصي والاجتماعي جدارتهم لذلك عبر الصمود الواعي والثقة الكاملة في صحّة المرجعية والمنهج وحتميّة المآل ؟.

ومواجهة الباطل المنتفخ في ساحة التحدّي والظلم شيء آخر غير التناول النظري في قاعات الدرس وحلقات المساجد ، ولم يستحقّ الأنبياء الكرام وبعدهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلة القيادة الروحية والاجتماعية للبشرية إلاّ بعد أن جسّدوا القيم التي يبشّرون بها في حركة التدافع الاجتماعي وما تستصحبه من ألوان العنت والتضييق ، فما خارت عزائمهم ولا تسلّل الوهن إلى دعوتهم ورؤيتهم ، فلمّا صدقوا الله صدقهم ، وأجرى سنّة النصر والتمكين بعد الابتلاء والتمحيص.

عُدّة الصبر :
إن الصبر الذي يبدئ فيه القرآن ويُعيد يشتمل على معاني امتلاك اللبّ والعقل ورباطة الجأش في ساعات المحن الشديدة والتحدّي البالغ ، فهو ضدّ الطيش والخور ، ويشير إلى تحمّل المؤمنين للعنت النفسي والمادي ، بصوره الإيجابية منها والسلبية ، كالثبات في ساحة المواجهة العسكرية والفكرية والسياسية والحضارية ، وتحمّل مرارة حملات التشويه والانتقاص ، والاستمرار في النهج السلمي رغم إغراءات السلاح والتصعيد العنيف أثناء النزاعات الداخلية التي تُلمّ بالمجتمع ، وقد ضرب الرسول صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في كلّ هذه المجالات في مكّة والمدينة ، ولولا صبره الكبير الطويل ما استطاع امتلاك قلوب القرشيّين في نهاية المطاف رغم ما أصابه منهم من أشكال الأذى التي كانت لتستدرجه لحمل السلاح في وجه قومه لولا توفيق الله تعالى الذي أفرغ عليه صبرًا وحبّب إليه الخيارات السلمية الأكثر جدوى ، وذلك ما يظهر في عرض ملك الجبال عليه أن يطبق الخشبين على مناوئيه فأعرض عن الثأر والانتقام ومال إلى الطريق الطويل المضمون العواقب وقال: " أرجو أن يخرج الله عزّ وجلّ من أصلابهم من يعبده ولا يشرك به شيئا " (رواه البخاري ومسلم).

أمّا في المدينة المنوّرة فكان على الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يواجه المشركين المتربّصين بالإسلام وأهله من القبائل العربية والدولة الرومانية ويتيقّظ في ذات الوقت للمنافقين المتواجدين داخل الصفّ الاسلامي ، المتظاهرين بالانتماء العقيدي إليه بينما هم يجوسون خلاله بأنواع المكر والكيد ، ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم يعرفهم إلا أنه ظل إلى حين وفاته يصبر عليهم ، وكان يمكنه أن يقضي عليهم لكنه خشي قول الناس: إن محمدا يقتل أصحابه ، وإنه لأمر جلل ان يتحمّل الصحابة مثل هذا الواقع ، لكن هذا ما أًمروا به " فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل " سورة الأحقاف 35
وكان القرآن الكريم يذكّرهم برصيد التجربة عند من خاضوا بتوفيق وسداد تجربة حمل الرسالة : { وكأيّن من نبيّ قاتل معه ربّيّون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين . وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبّت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين } (سورة آل عمران 146-147).

تحمّل ورثة الأنبياء من حملة الرسالة بصبر جميل كلّ ما أصابهم في سبيل الله ، فحفظهم الله من كلّ أنواع الهزّات النفسية المهلكة كالوهن والضعف والاستكانة ، أي من الاستسلام للواقع المرير ومن الهزيمة النفسية التي تفضي إلى الانسحاب من ميدان المواجهة والدعوة والتدافع ، ومن الملفت أنهم لم يُلقوا باللائمة على العدوّ الخارجي بل اشتغلوا بالإقبال على الله وتزكية النفوس بالتوبة ليستحقّوا تنزّل النصر من عند الله.
ولهذا كان شعار العصبة المؤمنة دائما أمام أقوامهم المخالفين لهم { ولنصبرنّ على ما آذيتمونا } ( سورة ابراهيم 12).
يؤثرون تحمّل الأذى على الفتنة الداخلية التي لا تفيد الأمة والدعوة في شيء ، بهذا انتصروا..وباليقين كلّلوا نصرهم.

ذخيرة اليقين:
إذا كان الصبر يشير إلى الناحية العملية السلوكية عند الفرد والأمة فإن اليقين هو معيار القلوب و العقول ، يتناول الجانب الفكري المبدئي ، وهو الثقة الكاملة في أحقية الرسالة وسلامة المنهج وحتمية النصر والتمكين ، فالصفّ الاسلامي لا يساوره ريب في أنه على الحق طالما أنه مستمسك بوحي السماء وأن الله ناصره لا محالة ، لا يبرح مربّع اليقين مهما انتفخ الباطل وانتفش ، ومهما بدت علامات الضعف على الجماعة المؤمنة في حالات الضراء ، لأنّ الحق حقٌ دائما ، ولو اغترّ المغترّون في وقت من الأوقات بهذا الباطل وقوّته وسطوته وتبرّجه ، وإنما يحزّ في نفوس المؤمنين ما يكون عليه بعضهم من التباس بين حق أبلج وبين الباطل وهو سافر ، عندما تعمل الشائعات والتلاعب النفسي والمصالح القريبة فعلها فتصيب بعض الرموز فيكونون فتنة لبعض المخلصين وأصحاب التديّن العاطفي ، يظهر يقين المؤمنين عند غلبة الشبهات أحيانا وغلبة الشهوات أحيانا أخرى ، أما المتسلحون باليقين فلا يزيدهم التحدي الكبير إلا عزيمة وإصرارا وثباتا : {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم ايمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } (سورة آل عمران 173).

ليس هذا كلامًا من الماضي، بل هو معالم إيمانية تهدي السالكين لطريق نصرة الدين وخدمة الأمة في كلّ زمان ، يبقى غضّا طريّا مهما تباعدت الأحقاب واختلفت الأمصار ، أكّدت الأحداث جدواه مرّة بعد مرّة كلّما واجه المسلمون حالات العدوان والتحدّي ، وجرّبه الدعاة والمصلحون والدعاة وقادة الفكر والرأي واستيقنوه ، فكم ذلّل اليقين من صعاب وكم مكّن الصبر المؤمنين من تحقيق النصر والفوز في ظروف اليأس والقنوط .
اسلام ويب

Post: #698
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:21 AM
Parent: #601

ألهاني التكاثر!
أعتبرُ هذا اعترافاً شخصياً وليس تصرُّفاً في لفظ الآية القرآنية الكريمة!
أعتبره تأسِّياً بفعل الفاروق العظيم -رضي الله عنه- حين سمع حديث: "الِاسْتِئْذَانُ ثَلَاثٌ ، فَإِنْ أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارْجِعْ"، فقال: (أَخَفِيَ هَذَا عَلَيَّ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؟ أَلْهَانِي عَنْهُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ!) (البخاري ومسلم).

أيُّ تواضعٍ وإنحاءٍ على الذات يملكه ذلك الأشم المبشَّر بالجنة؟ وأيُّ صفْقٍ في الأسواق كان يُلهيه؟ وهو الذي مات ولم يخلف بعده ما يُتنازع عليه!
ربنا يُحدِّثنا عن الدنيا وأنها: {لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ} (20:الحديد)، ويُحذِّرنا من الالتهاء بالتكاثر حتى يصل بنا الأمر إلى خسارة الحياة حين نترك الكثير الذي خَوَّلنا وراءنا ظهرياً، ونجيء الله فرادى كما خلقنا أول مرة!
الله يُخاطبنا ويُحذِّرنا.
أما نحن فيتحدث بعضنا إلى بعضٍ حديث الاعتراف؛ لأننا شركاء في هذا الحجاب الكثيف الشاغل الملهي! ولا أحد منا خليق بأن يوبخ غيره فهو أولى بالتوبيخ..

أسائل نفسي الجاهلة: فيم أقضي ما تبقى من عمري؟
-أبحث عن المزيد من المتابعين في الشبكات الاجتماعية؛ بحجة أنني أقصد صناعة التأثير والتغيير الإيجابي.. والله أعلم بالحقيقة!
لم أسع يوماً لشراء متابعين، ولكني أسعد بزيادتهم في حسابي "التويتري"، و"الانستقرامي"، و"اليوتيوبي"، وأنظر إلى (الرقم) وكأنه المعيار الدَّال على مدى الأهمية في الحياة!

-كما أنظر إلى الزيادة في حسابي البنكي على أن هذا ليس مما تتعلق به نفسي، فالفتن تتفاوت من إنسان لآخر؛ ففتنة فلان المال، وفتنة آخر النساء، وفتنة ثالث الأتباع، وفتنة رابع الأولاد، وفتنة خامس المنصب، وفتنة سادس التكثُّر بالعلم والمعرفة و...
-أتزوَّد من المعلومات بالقراءة والسماع والتحفظ والمتابعة.. وكأن المهم هو (كم) المعلومات المخزونة في ذاكرتي وهي بالطبع قليلة، ولكني لا أتساءل عن نوع هذه المعلومات ولا عن مدى انتفاعي بها، وهل صارت من العلم النافع لديّ أم هي من العلم الذي يتباهى به عند الأقران، أم هي من العلم الذي هو حجة الله على الإنسان؟

-أريد أن أتفوق في برنامجي على زميلي، ولو كنت أدري أنه خير مني، وأكثر صدقاً، وأوسع مادةً، وأعرف بحاجات الناس!
-وأريد أن أستأثر بقدْرٍ من اهتمام الناس وحديثهم وتعليقهم يفوق ما لغيري، ولو كان الأمر لا يضيف جديداً، ولا يصنع مفيداً ولا يَسُدّ فراغاً.
معظم اهتماماتي واهتمامات مَنْ أعرف تدور حول (كم)، وهذا يعني الولع بالكثرة والتكاثر، وليس بالكيف، والجودة، والصفاء، والإخلاص، والموافقة للسُّنة، وما يريده الله.

(كم) عندك من المؤلفات؟ كثير.. لكن ما القيمة المضافة الخالدة التي تُشكِّلها هذه الكتب؟
(كم) عندك من المتابعين؟ مئات الآلاف أو ملايين، ولكن ما غناؤها عند الملمات؟ وماذا تعني المتابعة؟ وما قدر نفعك لها؟ وما قدر نفعها لك؟ ولو بتبادل دعوة أو نصحٍ خالص أو نية مؤاخاة في الله سالمة من حظوظ الدنيا..
كم لديك من الأصدقاء؟ وكم قابلت منهم اليوم؟ وكان الأوْلى بالسؤال: نوع الأصدقاء، وماذا تُقدِّم لهم، وماذا يُقدِّمون لك؟ وعلى أيِّ أساس بنيت هذه الصداقة؟ فـ{الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} (67:الزخرف).

(كم) عدد أولادك؟ ليس هذا هو السؤال.. بل ماذا تلقوا من التربية، والقدوة، وطيب المطعم؟ وإلى ماذا صاروا؟ هل هم صالحون قريبون من ربهم؟ هل أضافوا شيئاً ذا بال للحياة؟ هل خدموا أمتهم؟ هل يحملون همومها؟ هل أشبعناهم عاطفةً وبراً؟ وأوسعناهم حلماً وصبراً؟ وأتبعناهم دعاءً وذكراً؟
(كم) زوجة عندك؟ وكان الأجدر أن تسألني عن تدفق عاطفتي وأدائي للحقوق، وتوازني، وعدلي، وقدرتي على العطاء والتربية، وتحمل المشكلات، والتوفيق بين مختلف الواجبات، وفي كافة الظروف..

القليل الذي تؤدي شكره ولا يشغلك عن الله خير من كثير يُلهي ويُطغي، ويصنع (ازدحاماً) داخل النفس وفي ميدان الحياة حتى إذا وقف المرء بين يدي ربه لصلاة مكتوبة تشتت قلبه في أودية كثيرة، وحضرته صنوف شتَّى من الأشغال الصغيرة والكبيرة والخواطر والتكليفات، وصار يستعجل الخلاص من صلاته قبل أن ينسى؛ ليُكلِّم فلاناً ويُرسل لعلان، ويذهب لزيد، ويُنسِّق مع عبيد، ويؤكد على شيء ويُنَفّهَ ويلغي شيئاً.. فتتقاسم صلاته -على وجازتها وقصرها- مئات الأعمال!

وبهذا تنتهي حياتنا قبل أن تبدأ؛ لأنها أصبحت تنفيذاً لمتطلبات يومية عادية رتيبة.
ولو استحضرت معنى الحياة وأهميتها وأهمية أن أعيشها مع الله لكان لي شأن آخر، ولكنه حب الحياة وطول الأمل!

د. سلمان بن فهد العودة

Post: #699
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:22 AM
Parent: #698

الإيثار خير دثار، وأفضل شعار، ودليل على رسوخ الإيمان والثقة بما عند الرحمن، وهو علامة حب المرء لإخوانه، وبرهان على سلامة النفس من دغل الأثرة والجشع والأنانية، فالمؤمن الحقيقي والمحب والصادق لإخوانه هو الذي يجود بما في يديه وهو محتاج إليه، يجوع ليشبع غيره، ويكد ليرتاح إخوانه، ويسهر لينام أحبابه.
«الإيثار» هو تقديم المرء غيره على نفسه فيما هو في حاجة إليه من أمور الدنيا، ويقابله الأثرة التي هي استبداد المرء بالفضل واستحواذه عليه دون غيره.
والإيثار أعلى درجات المعاملة مع الناس، ويليه العدل وهو اختصاص كل فرد بحقه، وأسوأ درجات المعاملة الأثرة.
والإيثار يرفع المجتمع إلى قمة الأمن، لأن أفراده ارتفعوا عن حظوظهم الدنيوية، وآثر بها كل منهم أخاه، فهو لا يفكر في أن يستوفي حقه كاملاً فضلاً عن التفكير في الأثرة والاستبداد.

قال تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: ٩]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ -رضي الله عَنْهُ- أَنَّ رَجُلا أَتَى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم- فَبَعَثَ إِلَى نِسَائِهِ، فَقُلْنَ مَا مَعَنَا إِلا الْمَاءُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: «مَنْ يَضُمُّ أَوْ يُضِيفُ هَذَا» فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ أَنَا، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَكْرِمِى ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَتْ: مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِى، فَقَالَ هَيِّئِى طَعَامَكِ، وَأَصْبِحِى سِرَاجَكِ، وَنَوِّمِى صِبْيَانَكِ إِذَا أَرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا وَأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا وَنَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأَنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فَأَطْفَأَتْهُ فَجَعَلا يُرِيَانِهِ أَنَّهُمَا يَأْكُلانِ فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ «ضَحِكَ الله اللَّيْلَةَ أَوْ عَجِبَ مِنْ فَعَالِكُمَا» فَأَنْزَلَ الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩].
ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثا جماعيا كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم، وبهذا البذل السخي، وبهذه المشاركة الرضية، وبهذا التسابق إلى الإيواء واحتمال الأعباء، حتى ليروى أنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة لأن عدد الراغبين في الإيواء المتزاحمين عليه أكثر من عدد المهاجرين!.

قال ابن القيم: "فتأمل سر التقدير، حيث قدر الحكيم الخبير سبحانه استئثار الناس على الأنصار بالدنيا وهم أهل الإيثار ليجازيهم على إيثارهم إخوانهم في الدنيا على نفوسهم بالمنازل العالية في جنات عدن على الناس فتظهر حينئذ فضيلة إيثارهم ودرجته، ويغبطهم من استأثر عليهم بالدنيا أعظم غبطة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم، فإذا رأيت الناس يستأثرون عليك مع كونك من أهل الإيثار فاعلم أنه لخير يراد بك".
وقال -رحمه الله تعالى- أيضا: "والإيثار أن تؤثر الخلق على نفسك، فيما لا يحرم عليك دينا، ولا يقطع عليك طريقا، ولا يفسد عليك وقتا".
يعني أن تقدمهم على نفسك في مصالحهم، كأن تطعمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرى، وتسقيهم وتظمأ، بحيث لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب ضرر أو إتلاف لا يجوز في الدين، مثل أن تؤثرهم بمالك وتقعد كَلا مضطرا مستشرفا للناس أو سائلا، وكذلك إيثارهم بكل ما يحرمه على المؤثر دينه، فإنه سفه وعجز يذم المؤثر به عند الله وعند الناس «ولا يقطع عليك طريقا» أي لا يقطع عليك طريق الطلب والمسير إلى الله تعالى، مثل أن تؤثر جليسك على ذكرك وتوجهك وجمعيتك على الله. فتكون قد آثرته على الله وآثرت بنصيبك من الله ما لا يستحق الإيثار. فيكون مثلك كمثل مسافر سائر على الطريق لقيه رجل فاستوقفه وأخذ يحدثه ويلهيه حتى فاته الرفاق، وهذا حال أكثر الخلق مع الصادق السائر إلى الله تعالى فإيثارهم عليه عين الغبن، وما أكثر المؤثرين على الله تعالى غيره، وما أقل المؤثرين الله على غيره.

وكذلك الإيثار بما يفسد على المؤثر وقته قبيح أيضا. مثل أن يؤثر بوقته ويفرق قلبه في طلب خلفه، أو يؤثر بأمر قد جمع قلبه وهمه على الله، فيفرق قلبه عليه بعد جمعيته ويشتت خاطره، فهذا أيضا إيثار غير محمود.
وكذلك الإيثار باشتغال القلب والفكر في مهماتهم ومصالحهم التي لا تتعين عليك على الفكر النافع واشتغال القلب بالله، ونظائر ذلك لا تخفى بل ذلك حال الخلق والغالب عليهم.
وكل سبب يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثر به أحدا، فإن آثرت به فإنما تؤثر الشيطان على الله وأنت لا تعلم، وتأمل أحوال أكثر الخلق في إيثارهم على الله من يضرهم إيثارهم له ولا ينفعهم، وأي جهالة وسفه فوق هذا؟

ومن هذا المنطلق تكلم الفقهاء في الإيثار بالقرب وقالوا إنه مكروه أو حرام، كمن يؤثر بالصف الأول في الصلاة غيره ويتأخر هو أو يؤثره بقربه من الإمام يوم الجمعة أو يؤثر غيره بالأذان والإقامة أو يؤثره بعلم يحرمه نفسه ويرفعه عليه فيفوز به دونه.
وتكلموا في إيثار عائشة - رضي الله عنها - لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بدفنه عند رسول الله في حجرتها وأجابوا عنه بأن الميت ينقطع عمله بموته ،فلا يتصور في حقه الإيثار بالقرب بعد الموت، إذ لا تقرب في حق الميت وإنما هذا إيثار بمسكن شريف فاضل لمن هو أولى به منها فالإيثار به قربة إلى الله عز وجل للمؤثر والله أعلم.

ولا يستطاع الإيثار إلا بثلاثة أشياء: تعظيم الحقوق، ومقت الشح، والرغبة في مكارم الأخلاق.

«الأول»: تعظيم الحقوق، فإن من عظمت الحقوق عنده قام بواجبها ورعاها حق رعايتها واستعظم إضاعتها وعلم أنه إن لم يبلغ درجة الإيثار لم يؤدها كما ينبغي فيجعل إيثاره احتياطا لأدائها.
«الثاني»: مقت الشح، فإنه إذا مقته وأبغضه التزم الإيثار، فإنه يرى أنه لا خلاص له من هذا المقت البغيض إلا بالإيثار.
«الثالث»: الرغبة في مكارم الأخلاق، وبحسب رغبته فيها يكون إيثاره، لأن الإيثار أفضل درجات مكارم الأخلاق.
أقوال مأثورة
• عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: أتى علينا زمان وما يرى أحد منا أنه أحق بالدينار والدرهم من أخيه المسلم، وإنا في زمان الدينار والدرهم أحب إلينا من أخينا المسلم.
• قال يحيى بن معاذ الرازي: عجبت من رجل يرائي بعلمه الناس وهم خلق مثله، ومن رجل بقي له مال ورب العزة يستقرضه، ورجل رغب في محبة مخلوق والله يدعو إلى محبته ثم تلا {وَاللّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [يونس: ٢٥].
• قال محمد بن واسع: ما رددت أحدا عن حاجة أقدر على قضائها، ولو كان ذهاب مالي.
• قال ابن تيمية: الإيثار مع الخصاصة أكمل من مجرد التصدق مع المحبة، فإنه ليس كل متصدق محبا مؤثرا، ولا كل متصدق يكون به خصاصة، بل قد يتصدق بما يحب مع اكتفائه ببعضه مع محبة لا تبلغ به الخصاصة.
• قال ابن القيم: فالمحب وصفه الإيثار، والمدعي طبعه الاستئثار.
من لنا بمثل هؤلاء
• قال منصور الغضاري: شاهدت الحافظ عبد الغني المقدسي في الغلاء بمصر ثلاث ليال يؤثر بعشائه ويطوى.
• اشتهى الربيع بن خثيم حلواء، فلما صُنعت دعا بالفقراء فأكلوا، فقال أهله: أتعبتنا ولم تأكل، فقال: وهل أكل غيري؟!
• قال عباس بن دهقان: ما خرج أحد من الدنيا كما دخلها إلا بشر بن الحارث، فإنه أتاه رجل في مرضه فشكا إليه الحاجة، فنزع قميصه وأعطاه إياه، واستعار ثوبا فمات فيه.
• قال حماد بن أبي حنيفة: إن مولاة كانت لداود الطائي تخدمه، قالت: لو طبخت لك دسما تأكله؟ فقال: وددت. فطبخت له دسما ثم أتته به، فقال لها، ما فعل أيتام بني فلان؟ قالت: على حالهم. قال: اذهبي بهذا إليهم، فقالت: أنت لم تأكل أدما منذ كذا وكذا. فقال: إن هذا إذا أكلوه صار إلى العرش، وإذا أكلته صار إلى الحُش.
• عن أبي الحسن الأنطاكي: أنه اجتمع عنده نيف وثلاثون نفسا ولهم أرغفة معدودة لم تُشبع جميعهم، فكسروا الأرغفة وأطفأوا السراج وجلسوا للطعام، فلما رفع فإذا الطعام بحاله، ولم يأكل أحد منه شيئا، إيثارا لصاحبه على نفسه.
• عن مسعر قال: شوي لنافع بن جبير دجاجة، فجاء سائل فأعطاها إياه، فقال له إنسان في ذلك، فقال: إني أبغي ما هو خير منها.
اسلام ويب

Post: #700
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:23 AM
Parent: #601

إذا كان "شق تمرة" ..
يبعدنا عن النار،

و"صدقة" ..
تطفئ غضب الرب،

و"كلمتان" ..
تثقل ميزان أعمالنا:
"سبحان الله وبحمده،
سبحان الله العظيم"

و"صيام يوم" ..
يبعدنا سبعين عاماً عن النار،

و"وضوء" ..
يزيل من جوارحنا الخطايا،

و"حسنة" ..
تتضاعف لعشر أضعاف،

فـ لماذا يعتقد البعض ..
أن "الجنة" بعيدة المنال؟

🌼همسة_تفاؤل🌼

Post: #701
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:24 AM
Parent: #601

قصص الانبياء
2- ﻫﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ
ﻧﺒﺬﺓ :
ﺃﺭﺳﻞ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻡ ﻋﺎﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺑﺎﻷﺣﻘﺎﻑ، ﻭﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﻮﻳﺎﺀ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺍﻟﺒﻨﻴﺎﻥ ﻭﺁﺗﺎﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻜﺜﻴﺮ ﻣﻦ ﺭﺯﻗﻪ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺸﻜﺮﻭﺍ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﺁﺗﺎﻫﻢ ﻭﻋﺒﺪﻭﺍ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ ﻓﺄﺭﺳﻞ ﻟﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮﺩﺍ ﻧﺒﻴﺎ ﻣﺒﺸﺮﺍ، ﻛﺎﻥ ﺣﻜﻴﻤﺎ ﻭﻟﻜﻨﻬﻢ ﻛﺬﺑﻮﻩ ﻭﺁﺫﻭﻩ ﻓﺠﺎﺀ ﻋﻘﺎﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺃﻫﻠﻜﻬﻢ ﺑﺮﻳﺢ ﺻﺮﺻﺮ ﻋﺎﺗﻴﺔ ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺳﺒﻊ ﻟﻴﺎﻝ ﻭﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ
ﺳﻴﺮﺗﻪ :
ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻸﺻﻨﺎﻡ :
ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺑﺘﻠﻌﺖ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻴﺎﻩ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ ﺍﻟﺬﻱ ﺃﻏﺮﻕ ﻣﻦ ﻛﻔﺮ ﺑﻨﻮﺡ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ، ﻗﺎﻡ ﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﻣﻌﻪ ﻭﻧﺠﻰ ﺑﻌﻤﺎﺭﺓ ﺍﻷﺭﺽ . ﻓﻜﺎﻥ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻮﻗﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ . ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺑﻴﻨﻬﻢ ﻛﺎﻓﺮ ﻭﺍﺣﺪ . ﻭﻣﺮﺕ ﺳﻨﻮﺍﺕ ﻭﺳﻨﻮﺍﺕ . ﻣﺎﺕ ﺍﻵﺑﺎﺀ ﻭﺍﻷﺑﻨﺎﺀ ﻭﺟﺎﺀ ﺃﺑﻨﺎﺀ ﺍﻷﺑﻨﺎﺀ . ﻧﺴﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻭﺻﻴﺔ ﻧﻮﺡ، ﻭﻋﺎﺩﺕ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ . ﺍﻧﺤﺮﻑ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺓ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ، ﻭﺗﻢ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﻨﻔﺲ ﺍﻟﺨﺪﻋﺔ ﺍﻟﻘﺪﻳﻤﺔ .
ﻗﺎﻝ ﺃﺣﻔﺎﺩ ﻗﻮﻡ ﻧﻮﺡ : ﻻ ﻧﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﻧﻨﺴﻰ ﺁﺑﺎﺋﻨﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻧﺠﺎﻫﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺍﻟﻄﻮﻓﺎﻥ . ﻭﺻﻨﻌﻮﺍ ﻟﻠﻨﺎﺟﻴﻦ ﺗﻤﺎﺛﻴﻞ ﻟﻴﺬﻛﺮﻭﻫﻢ ﺑﻬﺎ، ﻭﺗﻄﻮﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﻌﻈﻴﻢ ﺟﻴﻼ ﺑﻌﺪ ﺟﻴﻞ، ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻷﻣﺮ ﻳﻨﻘﻠﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻌﺒﺎﺩﺓ، ﻭﺇﺫﺍ ﺑﺎﻟﺘﻤﺎﺛﻴﻞ ﺗﺘﺤﻮﻝ ﺏﻣﻜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﻴﻄﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﺁﻟﻬﺔ ﻣﻊ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﻋﺎﺩﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﺗﺸﻜﻮ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﻼﻡ ﻣﺮﺓ ﺛﺎﻧﻴﺔ . ﻭﺃﺭﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﻴﺪﻧﺎ ﻫﻮﺩﺍ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﻣﻪ .
ﺇﺭﺳﺎﻝ ﻫﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ :
ﻛﺎﻥ " ﻫﻮﺩ " ﻣﻦ ﻗﺒﻴﻠﺔ ﺍﺳﻤﻬﺎ " ﻋﺎﺩ " ﻭﻛﺎﻧﺖ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺒﻴﻠﺔ ﺗﺴﻜﻦ ﻣﻜﺎﻧﺎ ﻳﺴﻤﻰ ﺍﻷﺣﻘﺎﻑ .. ﻭﻫﻮ ﺻﺤﺮﺍﺀ ﺗﻤﺘﻠﺊ ﺑﺎﻟﺮﻣﺎﻝ، ﻭﺗﻄﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺤﺮ . ﺃﻣﺎ ﻣﺴﺎﻛﻨﻬﻢ ﻓﻜﺎﻧﺖ ﺧﻴﺎﻣﺎ ﻛﺒﻴﺮﺓ ﻟﻬﺎ ﺃﻋﻤﺪﺓ ﺷﺪﻳﺪﺓ ﺍﻟﻀﺨﺎﻣﺔ ﻭﺍﻻﺭﺗﻔﺎﻉ، ﻭﻛﺎﻥ ﻗﻮﻡ ﻋﺎﺩ ﺃﻋﻈﻢ ﺃﻫﻞ ﺯﻣﺎﻧﻬﻢ ﻓﻲ ﻗﻮﺓ ﺍﻷﺟﺴﺎﻡ، ﻭﺍﻟﻄﻮﻝ ﻭﺍﻟﺸﺪﺓ .. ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ ﻭﺃﻗﻮﻳﺎﺀ، ﻓﻜﺎﻧﻮﺍ ﻳﺘﻔﺎﺧﺮﻭﻥ ﺑﻘﻮﺗﻬﻢ . ﻓﻠﻢ ﻳﻜﻦ ﻓﻲ ﺯﻣﺎﻧﻬﻢ ﺃﺣﺪ ﻓﻲ ﻗﻮﺗﻬﻢ . ﻭﺭﻏﻢ ﺿﺨﺎﻣﺔ ﺃﺟﺴﺎﻣﻬﻢ، ﻛﺎﻧﺖ ﻟﻬﻢ ﻋﻘﻮﻝ ﻣﻈﻠﻤﺔ . ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻳﻌﺒﺪﻭﻥ ﺍﻷﺻﻨﺎﻡ، ﻭﻳﺪﺍﻓﻌﻮﻥ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭﻳﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ﻣﻦ ﺃﺟﻠﻬﺎ، ﻭﻳﺘﻬﻤﻮﻥ ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻭﻳﺴﺨﺮﻭﻥ ﻣﻨﻪ . ﻭﻛﺎﻥ ﺍﻟﻤﻔﺮﻭﺽ، ﻣﺎ ﺩﺍﻣﻮﺍ ﻗﺪ ﺍﻋﺘﺮﻓﻮﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﺷﺪ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﻮﺓ، ﺃﻥ ﻳﺮﻭﺍ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻬﻢ ﻫﻮ ﺃﺷﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﻗﻮﺓ .
ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻫﻮﺩ ﻧﻔﺲ ﺍﻟﻜﻠﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻘﻮﻟﻬﺎ ﻛﻞ ﺭﺳﻮﻝ . ﻻ ﺗﺘﻐﻴﺮ ﻭﻻ ﺗﻨﻘﺺ ﻭﻻ ﺗﺘﺮﺩﺩ ﻭﻻ ﺗﺨﺎﻑ ﻭﻻ ﺗﺘﺮﺍﺟﻊ . ﻛﻠﻤﺔ ﻭﺍﺣﺪﺓ ﻫﻲ ﺍﻟﺸﺠﺎﻋﺔ ﻛﻠﻬﺎ، ﻭﻫﻲ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺣﺪﻩ ( ﻳَﺎ ﻗَﻮْﻡِ ﺍﻋْﺒُﺪُﻭﺍْ ﺍﻟﻠّﻪَ ﻣَﺎ ﻟَﻜُﻢ ﻣِّﻦْ ﺇِﻟَـﻪٍ ﻏَﻴْﺮُﻩُ ﺃَﻓَﻼَ ﺗَﺘَّﻘُﻮﻥَ ) .
ﻭﺳﺄﻟﻪ ﻗﻮﻣﻪ : ﻫﻞ ﺗﺮﻳﺪ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺳﻴﺪﺍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺑﺪﻋﻮﺗﻚ؟ ﻭﺃﻱ ﺃﺟﺮ ﺗﺮﻳﺪﻩ؟
ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻈﻨﻮﻥ ﺍﻟﺴﺌﻴﺔ ﺗﺘﻜﺮﺭ ﻋﻠﻰ ﺃﻟﺴﻨﺔ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﻋﻨﺪﻣﺎ ﻳﺪﻋﻮﻫﻢ ﻧﺒﻴﻬﻢ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ . ﻓﻌﻘﻮﻟﻬﻢ ﺍﻟﺼﻐﻴﺮﺓ ﻻ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺪﻧﻴﻮﻳﺔ . ﻭﻻ ﻳﻔﻜﺮﻭﺍ ﺇﻻ ﺑﺎﻟﻤﺠﺪ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ .
ﺃﻓﻬﻤﻬﻢ ﻫﻮﺩ ﺃﻥ ﺃﺟﺮﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ، ﺇﻧﻪ ﻻ ﻳﺮﻳﺪ ﻣﻨﻬﻢ ﺷﻴﺌﺎ ﻏﻴﺮ ﺃﻥ ﻳﻐﺴﻠﻮﺍ ﻋﻘﻮﻟﻬﻢ ﻓﻲ ﻧﻮﺭ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ . ﺣﺪﺛﻬﻢ ﻋﻦ ﻧﻌﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻬﻢ، ﻛﻴﻒ ﺟﻌﻠﻬﻢ ﺧﻠﻔﺎﺀ ﻟﻘﻮﻡ ﻧﻮﺡ، ﻛﻴﻒ ﺃﻋﻄﺎﻫﻢ ﺑﺴﻄﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﺴﻢ، ﻭﺷﺪﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺒﺄﺱ، ﻛﻴﻒ ﺃﺳﻜﻨﻬﻢ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻤﻨﺢ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻭﺍﻟﺰﺭﻉ . ﻛﻴﻒ ﺃﺭﺳﻞ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺤﻴﻰ ﺑﻪ ﺍﻷﺭﺽ . ﻭﺗﻠﻔﺖ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﺣﻮﻟﻬﻢ ﻓﻮﺟﺪﻭﺍ ﺃﻧﻬﻢ ﺃﻗﻮﻯ ﻣﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ، ﻭﺃﺻﺎﺑﺘﻬﻢ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ ﻭﺯﺍﺩﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﺩ .
ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻬﻮﺩ : ﻛﻴﻒ ﺗﺘﻬﻢ ﺁﻟﻬﺘﻨﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺟﺪﻧﺎ ﺁﺑﺎﺀﻧﺎ ﻳﻌﺒﺪﻭﻧﻬﺎ؟
ﻗﺎﻝ ﻫﻮﺩ : ﻛﺎﻥ ﺁﺑﺎﺅﻛﻢ ﻣﺨﻄﺌﻴﻦ .
ﻗﺎﻝ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ : ﻫﻞ ﺗﻘﻮﻝ ﻳﺎ ﻫﻮﺩ ﺇﻧﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﻧﻤﻮﺕ ﻭﻧﺼﺒﺢ ﺗﺮﺍﺑﺎ ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ، ﺳﻨﻌﻮﺩ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ؟
ﻗﺎﻝ ﻫﻮﺩ : ﺳﺘﻌﻮﺩﻭﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻳﺴﺄﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻛﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻓﻴﻜﻢ ﻋﻤﺎ ﻓﻌﻞ .
ﺍﻧﻔﺠﺮﺕ ﺍﻟﻀﺤﻜﺎﺕ ﺑﻌﺪ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﻤﻠﺔ ﺍﻷﺧﻴﺮﺓ . ﻣﺎ ﺃﻏﺮﺏ ﺍﺩﻋﺎﺀ ﻫﻮﺩ . ﻫﻜﺬﺍ ﺗﻬﺎﻣﺲ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ . ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻳﻤﻮﺕ، ﻓﺈﺫﺍ ﻣﺎﺕ ﺗﺤﻠﻞ ﺟﺴﺪﻩ، ﻓﺈﺫﺍ ﺗﺤﻠﻞ ﺟﺴﺪﻩ ﺗﺤﻮﻝ ﺇﻟﻰ ﺗﺮﺍﺏ، ﺛﻢ ﻳﻬﺐ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ ﻭﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ . ﻛﻴﻒ ﻳﻌﻮﺩ ﻫﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﺇﻟﻰ ﺃﺻﻠﻪ؟ ! ﺛﻢ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺟﻮﺩ ﻳﻮﻡ ﻟﻠﻘﻴﺎﻣﺔ؟ ﻟﻤﺎﺫﺍ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻷﻣﻮﺍﺕ ﻣﻦ ﻣﻮﺗﻬﻢ؟
ﺍﺳﺘﻘﺒﻞ ﻫﻮﺩ ﻛﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺳﺌﻠﺔ ﺑﺼﺒﺮ ﻛﺮﻳﻢ .. ﺛﻢ ﺑﺪﺃ ﻳﺤﺪﺙ ﻗﻮﻣﻪ ﻋﻦ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ .. ﺃﻓﻬﻤﻬﻢ ﺃﻥ ﺇﻳﻤﺎﻥ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺑﺎﻵﺧﺮﺓ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻌﺪﻝ ﺍﻟﻠﻪ، ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻫﻲ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﻨﺎﺱ . ﻗﺎﻝ ﻟﻬﻢ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻟﻪ ﻛﻞ ﻧﺒﻲ ﻋﻦ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ . ﺇﻥ ﺣﻜﻤﺔ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ ﺍﻟﻤﺪﺑﺮ ﻻ ﺗﻜﺘﻤﻞ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺑﺪﺀ ﺍﻟﺨﻠﻖ، ﺛﻢ ﺍﻧﺘﻬﺎﺀ ﺣﻴﺎﺓ ﺍﻟﻤﺨﻠﻮﻗﻴﻦ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﺭﺽ . ﺇﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﺧﺘﺒﺎﺭ، ﻳﺘﻢ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﺑﻌﺪﻫﺎ . ﻓﻠﻴﺴﺖ ﺗﺼﺮﻓﺎﺕ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﺣﺪﺓ، ﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﻈﻠﻢ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﻘﺘﻞ، ﻭﻫﻨﺎﻙ ﻣﻦ ﻳﻌﺘﺪﻱ .. ﻭﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻳﺬﻫﺒﻮﻥ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻘﺎﺏ، ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻣﺎ ﻧﺮﻯ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻳﻦ ﻳﺘﻤﺘﻌﻮﻥ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺑﺎﻻﺣﺘﺮﺍﻡ ﻭﺍﻟﺴﻠﻄﺔ . ﺃﻳﻦ ﺗﺬﻫﺐ ﺷﻜﺎﺓ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﻳﺬﻫﺐ ﺃﻟﻢ ﺍﻟﻤﻀﻄﻬﺪﻳﻦ؟ ﻫﻞ ﻳﺪﻓﻦ ﻣﻌﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﻤﻮﺕ؟
ﺇﻥ ﺍﻟﻌﺪﺍﻟﺔ ﺗﻘﺘﻀﻲ ﻭﺟﻮﺩ ﻳﻮﻡ ﻟﻠﻘﻴﺎﻣﺔ . ﺇﻥ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﻻ ﻳﻨﺘﺼﺮ ﺩﺍﺋﻤﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ . ﺃﺣﻴﺎﻧﺎ ﻳﻨﻈﻢ ﺍﻟﺸﺮ ﺟﻴﻮﺷﻪ ﻭﻳﻘﺘﻞ ﺣﻤﻠﺔ ﺍﻟﺨﻴﺮ . ﻫﻞ ﺗﺬﻫﺐ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﻳﻤﺔ ﺑﻐﻴﺮ ﻋﻘﺎﺏ؟
ﺇﻥ ﻇﻠﻤﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻳﺘﺄﻛﺪ ﻟﻮ ﺍﻓﺘﺮﺿﻨﺎ ﺃﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻟﻦ ﻳﺠﺊ . ﻭﻟﻘﺪ ﺣﺮﻡ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻋﻠﻰ ﻧﻔﺴﻪ ﻭﺟﻌﻠﻪ ﻣﺤﺮﻣﺎ ﺑﻴﻦ ﻋﺒﺎﺩﻩ . ﻭﻣﻦ ﺗﻤﺎﻡ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺟﻮﺩ ﻳﻮﻡ ﻟﻠﻘﻴﺎﻣﺔ ﻭﺍﻟﺤﺴﺎﺏ ﻭﺍﻟﺠﺰﺍﺀ . ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﻫﻮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺗﻌﺎﺩ ﻓﻴﻪ ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﻘﻀﺎﻳﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﺃﻣﺎﻡ ﺍﻟﺨﺎﻟﻖ، ﻭﻳﻌﺎﺩ ﻧﻈﺮﻫﺎ ﻣﺮﺓ ﺃﺧﺮﻯ . ﻭﻳﺤﻜﻢ ﻓﻴﻬﺎ ﺭﺏ ﺍﻟﻌﺎﻟﻤﻴﻦ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ . ﻫﺬﻩ ﻫﻲ ﺍﻟﻀﺮﻭﺭﺓ ﺍﻷﻭﻟﻰ ﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﻌﺪﺍﻟﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﺫﺍﺗﻪ .
ﻭﺛﻤﺔ ﺿﺮﻭﺭﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻟﻴﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ، ﻭﻫﻲ ﺗﺘﺼﻞ ﺑﺴﻠﻮﻙ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻧﻔﺴﻪ . ﺇﻥ ﺍﻻﻋﺘﻘﺎﺩ ﺑﻴﻮﻡ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺒﻌﺚ ﺍﻷﺟﺴﺎﺩ، ﻭﺍﻟﻮﻗﻮﻑ ﻟﻠﺤﺴﺎﺏ، ﺛﻢ ﺗﻠﻘﻲ ﺍﻟﺜﻮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻘﺎﺏ، ﻭﺩﺧﻮﻝ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺎﺭ، ﻫﺬﺍ ﺷﻲﺀ ﻣﻦ ﺷﺄﻧﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻠﻖ ﺃﻧﻈﺎﺭ ﺍﻟﺒﺸﺮ ﻭﻗﻠﻮﺑﻬﻢ ﺑﻌﺎﻟﻢ ﺃﺧﺮ ﺑﻌﺪ ﻋﺎﻟﻢ ﺍﻷﺭﺽ، ﻓﻼ ﺗﺴﺘﺒﺪ ﺑﻬﻢ ﺿﺮﻭﺭﺍﺕ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ، ﻭﻻ ﻳﺴﺘﻌﺒﺪﻫﻢ ﺍﻟﻄﻤﻊ، ﻭﻻ ﺗﺘﻤﻠﻜﻬﻢ ﺍﻷﻧﺎﻧﻴﺔ، ﻭﻻ ﻳﻘﻠﻘﻬﻢ ﺃﻧﻬﻢ ﻟﻢ ﻳﺤﻘﻘﻮﺍ ﺟﺰﺍﺀ ﺳﻌﻴﻬﻢ ﻓﻲ ﻋﻤﺮﻫﻢ ﺍﻟﻘﺼﻴﺮ ﺍﻟﻤﺤﺪﻭﺩ، ﻭﺑﺬﻟﻚ ﻳﺴﻤﻮ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻄﻴﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻖ ﻣﻨﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺮﻭﺡ ﺍﻟﺬﻱ ﻧﻔﺨﻪ ﺭﺑﻪ ﻓﻴﻪ . ﻭﻟﻌﻞ ﻣﻔﺘﺮﻕ ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﺘﺼﻮﺭﺍﺕ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻗﻴﻤﻬﺎ ﻭﻣﻮﺍﺯﻳﻨﻬﺎ، ﻭﺍﻟﺘﻌﻠﻖ ﺑﻘﻴﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﻌﻠﻴﺎ، ﻭﺍﻻﻧﻄﻼﻕ ﺍﻟﻼﺋﻖ ﺑﺎﻹﻧﺴﺎﻥ، ﻳﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﻴﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ .
ﺣﺪﺛﻬﻢ ﻫﻮﺩ ﺑﻬﺬﺍ ﻛﻠﻪ ﻓﺎﺳﺘﻤﻌﻮﺍ ﺇﻟﻴﻪ ﻭﻛﺬﺑﻮﻩ . ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ﻫﻴﻬﺎﺕ ﻫﻴﻬﺎﺕ .. ﻭﺍﺳﺘﻐﺮﺑﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﺒﻌﺚ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﺒﻮﺭ، ﺍﺳﺘﻐﺮﺑﻮﺍ ﺃﻥ ﻳﻌﻴﺪ ﺍﻟﻠﻪ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺑﻌﺪ ﺗﺤﻮﻟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ، ﺭﻏﻢ ﺃﻧﻪ ﺧﻠﻘﻪ ﻣﻦ ﻗﺒﻞ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ . ﻭﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﻘﺎﻳﻴﺲ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ، ﻛﺎﻥ ﻳﻨﺒﻐﻲ ﺃﻥ ﻳﺤﺲ ﺍﻟﻤﻜﺬﺑﻮﻥ ﻟﻠﺒﻌﺚ ﺃﻥ ﺇﻋﺎﺩﺓ ﺧﻠﻖ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﻭﺍﻟﻌﻈﺎﻡ ﺃﺳﻬﻞ ﻣﻦ ﺧﻠﻘﻪ ﺍﻷﻭﻝ . ﻟﻘﺪ ﺑﺪﺃ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﻓﺄﻱ ﺻﻌﻮﺑﺔ ﻓﻲ ﺇﻋﺎﺩﺗﻪ؟ ! ﺇﻥ ﺍﻟﺼﻌﻮﺑﺔ - ﻃﺒﻘﺎ ﻟﻠﻤﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ - ﺗﻜﻤﻦ ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ . ﻭﻟﻴﺲ ﺍﻟﻤﻘﻴﺎﺱ ﺍﻟﺒﺸﺮﻱ ﻏﻴﺮ ﻣﻘﻴﺎﺱٍ ﺑﺸﺮﻱ ﻳﻨﻄﺒﻖ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﺃﻣﺎ ﺍﻟﻠﻪ، ﻓﻠﻴﺴﺖ ﻫﻨﺎﻙ ﺃﻣﻮﺭ ﺻﻌﺒﺔ ﺃﻭ ﺳﻬﻠﺔ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ، ﺗﺠﺮﻱ ﺍﻷﻣﻮﺭ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﺇﻟﻴﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ ﺑﻤﺠﺮﺩ ﺍﻷﻣﺮ .
ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻸ ﻣﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﻫﻮﺩ :
ﻳﺮﻭﻱ ﺍﻟﻤﻮﻟﻰ ﻋﺰﻝ ﻭﺟﻞ ﻣﻮﻗﻒ ﺍﻟﻤﻸ ( ﻭﻫﻢ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ) ﻣﻦ ﺩﻋﻮﺓ ﻫﻮﺩ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ . ﺳﻨﺮﻯ ﻫﺆﻻﺀ ﺍﻟﻤﻸ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻗﺼﺺ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ . ﺳﻨﺮﻯ ﺭﺅﺳﺎﺀ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﻭﺃﻏﻨﻴﺎﺋﻬﻢ ﻭﻣﺘﺮﻓﻴﻬﻢ ﻳﻘﻔﻮﻥ ﺿﺪ ﺍﻷﻧﺒﻴﺎﺀ . ﻳﺼﻔﻬﻢ ﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﺑﻘﻮﻟﻪ : ( ﻭَﺃَﺗْﺮَﻓْﻨَﺎﻫُﻢْ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺤَﻴَﺎﺓِ ﺍﻟﺪُّﻧْﻴَﺎ ) ﻣﻦ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺜﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ ﻭﺍﻟﺘﺮﻑ، ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﺤﺮﺹ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻤﺮﺍﺭ ﺍﻟﻤﺼﺎﻟﺢ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ . ﻭﻣﻦ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻟﺜﺮﺍﺀ ﻭﺍﻟﻐﻨﻰ ﻭﺍﻟﺘﺮﻑ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ، ﻳﻮﻟﺪ ﺍﻟﻜﺒﺮﻳﺎﺀ . ﻭﻳﻠﺘﻔﺖ ﺍﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﻓﻲ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺇﻟﻰ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻭﻳﺘﺴﺎﺀﻟﻮﻥ : ﺃﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻨﺒﻲ ﺑﺸﺮﺍ ﻣﺜﻠﻨﺎ، ﻳﺄﻛﻞ ﻣﻤﺎ ﻧﺄﻛﻞ، ﻭﻳﺸﺮﺏ ﻣﻤﺎ ﻧﺸﺮﺏ؟ ﺑﻞ ﻟﻌﻠﻪ ﺑﻔﻘﺮﻩ ﻳﺄﻛﻞ ﺃﻗﻞ ﻣﻤﺎ ﻧﺄﻛﻞ، ﻭﻳﺸﺮﺏ ﻓﻲ ﺃﻛﻮﺍﺏ ﺻﺪﺋﺔ، ﻭﻧﺤﻦ ﻧﺸﺮﺏ ﻓﻲ ﺃﻛﻮﺍﺏ ﺍﻟﺬﻫﺐ ﻭﺍﻟﻔﻀﺔ .. ﻛﻴﻒ ﻳﺪﻋﻲ ﺃﻧﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﻧﺤﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ؟ ﻫﺬﺍ ﺑﺸﺮ .. ﻛﻴﻒ ﻧﻄﻴﻊ ﺑﺸﺮﺍ ﻣﺜﻠﻨﺎ؟ ﺛﻢ .. ﻟﻤﺎﺫﺍ ﺍﺧﺘﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﺸﺮﺍ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻟﻴﻮﺣﻰ ﺇﻟﻴﻪ؟
ﻗﺎﻝ ﺭﺅﺳﺎﺀ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ : ﺃﻟﻴﺲ ﻏﺮﻳﺒﺎ ﺃﻥ ﻳﺨﺘﺎﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﺑﺸﺮﺍ ﻭﻳﻮﺣﻲ ﺇﻟﻴﻪ؟ !
ﺗﺴﺎﺋﻞ ﻫﻮ : ﻣﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﻐﺮﻳﺐ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ؟ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ ﺑﻜﻢ ﻗﺪ ﺃﺭﺳﻠﻨﻲ ﺇﻟﻴﻜﻢ ﻷﺣﺬﺭﻛﻢ . ﺇﻥ ﺳﻔﻴﻨﺔ ﻧﻮﺡ، ﻭﻗﺼﺔ ﻧﻮﺡ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺒﻌﻴﺪﺓ ﻋﻨﻜﻢ، ﻻ ﺗﻨﺴﻮﺍ ﻣﺎ ﺣﺪﺙ، ﻟﻘﺪ ﻫﻠﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﺳﻴﻬﻠﻚ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﻜﻔﺮﻭﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ ﺩﺍﺋﻤﺎ، ﻣﻬﻤﺎ ﻳﻜﻮﻧﻮﺍ ﺃﻗﻮﻳﺎﺀ .
ﻗﺎﻝ ﺭﺅﺳﺎﺀ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ : ﻣﻦ ﺍﻟﺬﻱ ﺳﻴﻬﻠﻜﻨﺎ ﻳﺎ ﻫﻮﺩ؟
ﻗﺎﻝ ﻫﻮﺩ : ﺍﻟﻠﻪ .
ﻗﺎﻝ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻭﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ : ﺳﺘﻨﺠﻴﻨﺎ ﺁﻟﻬﺘﻨﺎ .
ﻭﺃﻓﻬﻤﻬﻢ ﻫﻮﺩ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻵﻟﻬﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﺒﺪﻭﻧﻬﺎ ﻟﺘﻘﺮﺑﻬﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﻠﻪ، ﻫﻲ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﻌﺪﻫﻢ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ . ﺃﻓﻬﻤﻬﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﻭﺣﺪﻩ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻨﺠﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ، ﻭﺃﻥ ﺃﻱ ﻗﻮﺓ ﺃﺧﺮﻯ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻻ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺗﻀﺮ ﺃﻭ ﺗﻨﻔﻊ .
ﻭﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﺑﻴﻦ ﻫﻮﺩ ﻭﻗﻮﻣﻪ . ﻭﻛﻠﻤﺎ ﺍﺳﺘﻤﺮ ﺍﻟﺼﺮﺍﻉ ﻭﻣﺮﺕ ﺍﻷﻳﺎﻡ، ﺯﺍﺩ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﺍﺳﺘﻜﺒﺎﺭﺍ ﻭﻋﻨﺎﺩﺍ ﻭﻃﻐﻴﺎﻧﺎ ﻭﺗﻜﺬﻳﺒﺎ ﻟﻨﺒﻴﻬﻢ . ﻭﺑﺪﺀﻭﺍ ﻳﺘﻬﻤﻮﻥ " ﻫﻮﺩﺍ " ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﺑﺄﻧﻪ ﺳﻔﻴﻪ ﻣﺠﻨﻮﻥ .
ﻗﺎﻟﻮﺍ ﻟﻪ ﻳﻮﻣﺎ : ﻟﻘﺪ ﻓﻬﻤﻨﺎ ﺍﻵﻥ ﺳﺮ ﺟﻨﻮﻧﻚ . ﺇﻧﻚ ﺗﺴﺐ ﺁﻟﻬﺘﻨﺎ ﻭﻗﺪ ﻏﻀﺒﺖ ﺁﻟﻬﺘﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ، ﻭﺑﺴﺒﺐ ﻏﻀﺒﻬﺎ ﺻﺮﺕ ﻣﺠﻨﻮﻧﺎ .
ﺍﻧﻈﺮﻭﺍ ﻟﻠﺴﺬﺍﺟﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﺻﻞ ﺇﻟﻴﻬﺎ ﺗﻔﻜﻴﺮﻫﻢ . ﺇﻧﻬﻢ ﻳﻈﻨﻮﻥ ﺃﻥ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﻟﻬﺎ ﻗﻮﻯ ﻋﻠﻰ ﻣﻦ ﺻﻨﻌﻬﺎ . ﻟﻬﺎ ﺗﺄﺛﻴﺮ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻣﻊ ﺃﻧﺎ ﻻ ﺗﺴﻤﻊ ﻭﻻ ﺗﺮﻯ ﻭﻻ ﺗﻨﻄﻖ . ﻟﻢ ﻳﺘﻮﻗﻒ ﻫﻮﺩ ﻋﻨﺪ ﻫﺬﻳﺎﻧﻬﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻐﻀﺒﻪ ﺃﻥ ﻳﻈﻨﻮﺍ ﺑﻪ ﺍﻟﺠﻨﻮﻥ ﻭﺍﻟﻬﺬﻳﺎﻥ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺗﻮﻗﻒ ﻋﻨﺪ ﻗﻮﻟﻬﻢ : ( ﻭَﻣَﺎ ﻧَﺤْﻦُ ﺑِﺘَﺎﺭِﻛِﻲ ﺁﻟِﻬَﺘِﻨَﺎ ﻋَﻦ ﻗَﻮْﻟِﻚَ ﻭَﻣَﺎ ﻧَﺤْﻦُ ﻟَﻚَ ﺑِﻤُﺆْﻣِﻨِﻴﻦَ ) .
ﺑﻌﺪ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻬﻮﺩ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﺤﺪﻱ . ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﻮﺟﻪ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺪﻩ . ﻟﻢ ﻳﺒﻖ ﺃﻣﺎﻣﻪ ﺇﻻ ﺇﻧﺬﺍﺭ ﺃﺧﻴﺮ ﻳﻨﻄﻮﻱ ﻋﻠﻰ ﻭﻋﻴﺪ ﻟﻠﻤﻜﺬﺑﻴﻦ ﻭﺗﻬﺪﻳﺪﺍ ﻟﻬﻢ .. ﻭﺗﺤﺪﺙ ﻫﻮﺩ :
ﺇِﻥ ﻧَّﻘُﻮﻝُ ﺇِﻻَّ ﺍﻋْﺘَﺮَﺍﻙَ ﺑَﻌْﺾُ ﺁﻟِﻬَﺘِﻨَﺎ ﺑِﺴُﻮَﺀٍ ﻗَﺎﻝَ ﺇِﻧِّﻲ ﺃُﺷْﻬِﺪُ ﺍﻟﻠّﻪِ ﻭَﺍﺷْﻬَﺪُﻭﺍْ ﺃَﻧِّﻲ ﺑَﺮِﻱﺀٌ ﻣِّﻤَّﺎ ﺗُﺸْﺮِﻛُﻮﻥَ ( 54 ) ﻣِﻦ ﺩُﻭﻧِﻪِ ﻓَﻜِﻴﺪُﻭﻧِﻲ ﺟَﻤِﻴﻌًﺎ ﺛُﻢَّ ﻻَ ﺗُﻨﻈِﺮُﻭﻥِ ( 55 ) ﺇِﻧِّﻲ ﺗَﻮَﻛَّﻠْﺖُ ﻋَﻠَﻰ ﺍﻟﻠّﻪِ ﺭَﺑِّﻲ ﻭَﺭَﺑِّﻜُﻢ ﻣَّﺎ ﻣِﻦ ﺩَﺁﺑَّﺔٍ ﺇِﻻَّ ﻫُﻮَ ﺁﺧِﺬٌ ﺑِﻨَﺎﺻِﻴَﺘِﻬَﺎ ﺇِﻥَّ ﺭَﺑِّﻲ ﻋَﻠَﻰ ﺻِﺮَﺍﻁٍ ﻣُّﺴْﺘَﻘِﻴﻢٍ ( 56 ) ﻓَﺈِﻥ ﺗَﻮَﻟَّﻮْﺍْ ﻓَﻘَﺪْ ﺃَﺑْﻠَﻐْﺘُﻜُﻢ ﻣَّﺎ ﺃُﺭْﺳِﻠْﺖُ ﺑِﻪِ ﺇِﻟَﻴْﻜُﻢْ ﻭَﻳَﺴْﺘَﺨْﻠِﻒُ ﺭَﺑِّﻲ ﻗَﻮْﻣًﺎ ﻏَﻴْﺮَﻛُﻢْ ﻭَﻻَ ﺗَﻀُﺮُّﻭﻧَﻪُ ﺷَﻴْﺌًﺎ ﺇِﻥَّ ﺭَﺑِّﻲ ﻋَﻠَﻰَ ﻛُﻞِّ ﺷَﻲْﺀٍ ﺣَﻔِﻴﻆٌ ( 57 ) ( ﻫﻮﺩ )
ﺇﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﻟﻴﺸﻌﺮ ﺑﺎﻟﺪﻫﺸﺔ ﻟﻬﺬﻩ ﺍﻟﺠﺮﺃﺓ ﻓﻲ ﺍﻟﺤﻖ . ﺭﺟﻞ ﻭﺍﺣﺪ ﻳﻮﺍﺟﻪ ﻗﻮﻣﺎ ﻏﻼﻇﺎ ﺷﺪﺍﺩﺍ ﻭﺣﻤﻘﻰ . ﻳﺘﺼﻮﺭﻭﻥ ﺃﻥ ﺃﺻﻨﺎﻡ ﺍﻟﺤﺠﺎﺭﺓ ﺗﺴﺘﻄﻴﻊ ﺍﻹﻳﺬﺍﺀ . ﺇﻧﺴﺎﻥ ﺑﻤﻔﺮﺩﻩ ﻳﻘﻒ ﺿﺪ ﺟﺒﺎﺭﻳﻦ ﻓﻴﺴﻔﻪ ﻋﻘﻴﺪﺗﻬﻢ، ﻭﻳﺘﺒﺮﺃ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻣﻦ ﺁﻟﻬﺘﻬﻢ، ﻭﻳﺘﺤﺪﺍﻫﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﻴﺪﻭﺍ ﻟﻪ ﺑﻐﻴﺮ ﺇﺑﻄﺎﺀ ﺃﻭ ﺇﻫﻤﺎﻝ، ﻓﻬﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﺘﻠﻘﻲ ﻛﻴﺪﻫﻢ، ﻭﻫﻮ ﻋﻠﻰ ﺍﺳﺘﻌﺪﺍﺩ ﻟﺤﺮﺑﻬﻢ ﻓﻘﺪ ﺗﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻫﻮ ﺍﻟﻘﻮﻱ ﺑﺤﻖ، ﻭﻫﻮ ﺍﻵﺧﺬ ﺑﻨﺎﺻﻴﺔ ﻛﻞ ﺩﺍﺑﺔ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ . ﺳﻮﺍﺀ ﺍﻟﺪﻭﺍﺏ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺃﻭ ﺩﻭﺍﺏ ﺍﻟﻮﺣﻮﺵ ﺃﻭ ﺍﻟﺤﻴﻮﺍﻥ . ﻻ ﺷﻲﺀ ﻳﻌﺠﺰ ﺍﻟﻠﻪ .
ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻹﻳﻤﺎﻥ ﺑﺎﻟﻠﻪ، ﻭﺍﻟﺜﻘﺔ ﺑﻮﻋﺪﻩ، ﻭﺍﻻﻃﻤﺌﻨﺎﻥ ﺇﻟﻰ ﻧﺼﺮﻩ .. ﻳﺨﺎﻃﺐ ﻫﻮﺩ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ . ﻭﻫﻮ ﻳﻔﻌﻞ ﺫﻟﻚ ﺭﻏﻢ ﻭﺣﺪﺗﻪ ﻭﺿﻌﻔﻪ، ﻷﻧﻪ ﻳﻘﻒ ﻣﻊ ﺍﻷﻣﻦ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﻲ ﻭﻳﺒﻠﻎ ﻋﻦ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﻫﻮ ﻓﻲ ﺣﺪﻳﺜﻪ ﻳﻔﻬﻢ ﻗﻮﻣﻪ ﺃﻧﻪ ﺃﺩﻯ ﺍﻷﻣﺎﻧﺔ، ﻭﺑﻠﻎ ﺍﻟﺮﺳﺎﻟﺔ . ﻓﺈﻥ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺴﺘﺨﻠﻒ ﺍﻟﻠﻪ ﻗﻮﻣﺎ ﻏﻴﺮﻫﻢ، ﺳﻮﻑ ﻳﺴﺘﺒﺪﻝ ﺑﻬﻢ ﻗﻮﻣﺎ ﺁﺧﺮﻳﻦ . ﻭﻫﺬﺍ ﻣﻌﻨﺎﻩ ﺃﻥ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻨﺘﻈﺮﻭﺍ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ .
ﻫﻼﻙ ﻋﺎﺩ :
ﻭﻫﻜﺬﺍ ﺃﻋﻠﻦ ﻫﻮﺩ ﻟﻬﻢ ﺑﺮﺍﺀﺗﻪ ﻣﻨﻬﻢ ﻭﻣﻦ ﺁﻟﻬﺘﻬﻢ . ﻭﺗﻮﻛﻞ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﻠﻘﻪ، ﻭﺃﺩﺭﻙ ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﻭﺍﻗﻊ ﺑﻤﻦ ﻛﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﻣﻪ . ﻫﺬﺍ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﻣﻦ ﻗﻮﺍﻧﻴﻦ ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ . ﻳﻌﺬﺏ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ، ﻣﻬﻤﺎ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﺃﻗﻮﻳﺎﺀ ﺃﻭ ﺃﻏﻨﻴﺎﺀ ﺃﻭ ﺟﺒﺎﺑﺮﺓ ﺃﻭ ﻋﻤﺎﻟﻘﺔ .
ﺍﻧﺘﻈﺮ ﻫﻮﺩ ﻭﺍﻧﺘﻈﺮ ﻗﻮﻣﻪ ﻭﻋﺪ ﺍﻟﻠﻪ . ﻭﺑﺪﺃ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ . ﻟﻢ ﺗﻌﺪ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ ﺗﻤﻄﺮ . ﻭﻫﺮﻉ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﺇﻟﻴﻪ . ﻣﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﻳﺎ ﻫﻮﺩ؟ ﻗﺎﻝ ﻫﻮﺩ : ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻏﺎﺿﺐ ﻋﻠﻴﻜﻢ، ﻭﻟﻮ ﺁﻣﻨﺘﻢ ﻓﺴﻮﻑ ﻳﺮﺿﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻨﻜﻢ ﻭﻳﺮﺳﻞ ﺍﻟﻤﻄﺮ ﻓﻴﺰﻳﺪﻛﻢ ﻗﻮﺓ ﺇﻟﻰ ﻗﻮﺗﻜﻢ . ﻭﺳﺨﺮ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﻣﻨﻪ ﻭﺯﺍﺩﻭﺍ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﻨﺎﺩ ﻭﺍﻟﺴﺨﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﻜﻔﺮ . ﻭﺯﺍﺩ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ، ﻭﺍﺻﻔﺮﺕ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﺍﻟﺨﻀﺮﺍﺀ ﻭﻣﺎﺕ ﺍﻟﺰﺭﻉ . ﻭﺟﺎﺀ ﻳﻮﻡ ﻓﺈﺫﺍ ﺳﺤﺎﺏ ﻋﻈﻴﻢ ﻳﻤﻸ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ . ﻭﻓﺮﺡ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﻭﺧﺮﺟﻮﺍ ﻣﻦ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻳﻘﻮﻟﻮﻥ : ( ﻫَﺬَﺍ ﻋَﺎﺭِﺽٌ ﻣُّﻤْﻄِﺮُﻧَﺎ ) .
ﺗﻐﻴﺮ ﺍﻟﺠﻮ ﻓﺠﺄﺓ . ﻣﻦ ﺍﻟﺠﻔﺎﻑ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﻭﺍﻟﺤﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺒﺮﺩ ﺍﻟﺸﺪﻳﺪ ﺍﻟﻘﺎﺭﺱ . ﺑﺪﺃﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺗﻬﺐ . ﺍﺭﺗﻌﺶ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﺍﺭﺗﻌﺸﺖ ﺍﻷﺷﺠﺎﺭ ﻭﺍﻟﻨﺒﺎﺗﺎﺕ ﻭﺍﻟﺮﺟﺎﻝ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﻭﺍﻟﺨﻴﺎﻡ . ﻭﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺍﻟﺮﻳﺢ . ﻟﻴﻠﺔ ﺑﻌﺪ ﻟﻴﻠﺔ، ﻭﻳﻮﻣﺎ ﺑﻌﺪ ﻳﻮﻡ . ﻛﻞ ﺳﺎﻋﺔ ﻛﺎﻧﺖ ﺑﺮﻭﺩﺗﻬﺎ ﺗﺰﺩﺍﺩ . ﻭﺑﺪﺃ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﻳﻔﺮﻭﻥ، ﺃﺳﺮﻋﻮﺍ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ ﻭﺍﺧﺘﺒﺌﻮﺍ ﺩﺍﺧﻠﻬﺎ، ﺍﺷﺘﺪ ﻫﺒﻮﺏ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻭﺍﻗﺘﻠﻌﺖ ﺍﻟﺨﻴﺎﻡ، ﻭﺍﺧﺘﺒﺌﻮﺍ ﺗﺤﺖ ﺍﻷﻏﻄﻴﺔ، ﻓﺎﺷﺘﺪ ﻫﺒﻮﺏ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻭﺗﻄﺎﻳﺮﺕ ﺍﻷﻏﻄﻴﺔ . ﻛﺎﻧﺖ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﺗﻤﺰﻕ ﺍﻟﻤﻼﺑﺲ ﻭﺗﻤﺰﻕ ﺍﻟﺠﻠﺪ ﻭﺗﻨﻔﺬ ﻣﻦ ﻓﺘﺤﺎﺕ ﺍﻟﺠﺴﻢ ﻭﺗﺪﻣﺮﻩ . ﻻ ﺗﻜﺎﺩ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﺗﻤﺲ ﺷﻴﺌﺎ ﺇﻻ ﻗﺘﻠﺘﻪ ﻭﺩﻣﺮﺗﻪ، ﻭﺟﻌﻠﺘﻪ ﻛﺎﻟﺮﻣﻴﻢ .
ﺍﺳﺘﻤﺮﺕ ﺍﻟﺮﻳﺎﺡ ﻣﺴﻠﻄﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺳﺒﻊ ﻟﻴﺎﻝ ﻭﺛﻤﺎﻧﻴﺔ ﺃﻳﺎﻡ ﻟﻢ ﺗﺮ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻣﺜﻠﻬﺎ ﻗﻂ . ﺛﻢ ﺗﻮﻗﻔﺖ ﺍﻟﺮﻳﺢ ﺑﺈﺫﻥ ﺭﺑﻬﺎ . ﻟﻢ ﻳﻌﺪ ﺑﺎﻗﻴﺎ ﻣﻤﻦ ﻛﻔﺮ ﻣﻦ ﻗﻮﻡ ﻫﻮﺩ ﺇﻻ ﻣﺎ ﻳﺒﻘﻰ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺨﻞ ﺍﻟﻤﻴﺖ . ﻣﺠﺮﺩ ﻏﻼﻑ ﺧﺎﺭﺟﻲ ﻻ ﺗﻜﺎﺩ ﺗﻀﻊ ﻳﺪﻙ ﻋﻠﻴﻪ ﺣﺘﻰ ﻳﺘﻄﺎﻳﺮ ﺫﺭﺍﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﻬﻮﺍﺀ .
ﻧﺠﺎ ﻫﻮﺩ ﻭﻣﻦ ﺁﻣﻦ ﻣﻌﻪ .. ﻭﻫﻠﻚ ﺍﻟﺠﺒﺎﺑﺮﺓ .. ﻭﻫﺬﻩ ﻧﻬﺎﻳﺔ ﻋﺎﺩﻟﺔ ﻟﻤﻦ ﻳﺘﺤﺪﻯ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﻳﺴﺘﻜﺒﺮ ﻋﻦ ﻋﺒﺎﺩﺗﻪ.
منقول

Post: #702
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:46 AM
Parent: #701

البَغْي معناه طلب الِاسْتِعْلَاءَ في الأرض بِغير حق ، وهو خُلُق ذميم يَجُرُّ خَلْفَهُ جملة أخرى من الأخلاق الذميمة مِثْلَ الكذب و الكبر و الظلم و الفساد ، ومِنْ ثَمَّ عَدَّه العلماء من الكبائر الباطنة ، ومعلوم أَنَّها أعظم من كبائر الجوارح لِعِظَمِ مفسدتها وسوء أثرها ودوامه، لذا كان الذَّمُّ عليها أعظم مِن الذَّمِّ على السرقة و شرب الخمر أعاذنا الله وَإِيَّاكُمْ مِنْها .

و من الشواهد على خطورة البغي ما خاطب الله تعالى به البغاة فى أي مكان كانوا وفى أي زمان وُجدُوا، قال سبحانه مُنَبِّهًا و مُحَذِّرًا: {يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ} والمعنى: يا أيها الغافلون أَمَا كفاكم بَغْياً على المستضعفين منكم اغترارا بقوتكم وكبريائكم، إِنَّما بغيكم فى الحقيقة على أنفسكم، لِأَنَّ عاقبته الوخيمة عائدة إليكم. وفى ذلك إشارة صريحة إلى أَنَّ البغي مجزىّ عليه فى الدنيا والآخرة، والمعنى نفسه جاء صريحا في الحديث الشريف :"ما مِنْ ذنب أَجْدَرُ- أَيْ: أَحَقُّ وَأَوْلَى - أَنْ يُعَجِّلَ اللَّهُ لصاحبه العقوبة في الدنيا - مع ما يُدَّخَرُ له في الآخرة - مِنَ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ".

و السبب في تخصيص هاتين الخصلتين أَنَّ فاعلهما ارتكب ما تطابقت الكتب السماوية على النهي عنه. وقد حفظ لنا التاريخ أسماء عدد من أَهْلُ الْبَغْيِ الذين عاجلهم الله بعقوبة بغيهم ، منهم على سبيل المثال قارون الذي خَسَفَ الله به الأرض ، و كان مِنْ صور بَغْيِهِ تشويه صورة الشرفاء المخلصين الذين يأمرون بالقسط ، فقد ذكرت كتب التفسير : أَنَّه جَعَلَ لِامْرَأَةٍ من البغايا أَجْرًا على أَنْ تَقْذِفَ موسى عليه السلام!!.
وقد تكلَّم الحكماء والبلغاء في وصف عاقبة البَغْي بجُمَلٍ بَلِيغَةٍ بَدِيعَةٍ تُصوِّر في الأذهان شقاء المتصف به، كأنَّها تقول له هذا عدوُّك فانظر ماذا تصنع، فمن أقوالهم:
مَنْ سَلَّ سَيْفَ البَغْيِ قُتِلَ به ، ومن حفر بِئْرًا لِأَخِيهِ وَقَعَ فيها، ومن أوقد نار الفتنة كان وقوداً لها، البغي مرتعه وخيمٌ، على الباغي تدور الدَّوائر ، ما أعطى البغي أحدا شيئا إلا أخذ منه أضعافه، سَمِين البغي مهزول ووالي الْغَدْرِ معزول .. وليس البغي في ذلك فريدًا وحيدًا، بل له إخْوةٌ يشتركون معه في تعجيل العقوبة ، فمن إخْوته نَكْث الْعَهْدِ ومنها أيضا الْمَكْرُ و سأكتفي بالإشارة إليه في الكلمات التالية :

الْمَكْر هو صرف الغَيْرِ عمَّا يقصده بنوع من الْحِيلَة، و هو أيضا اسم لكل فعل يقصد فاعله في باطنه خلاف ما يقتضيه ظاهره ، وقد دلت النصوص على سوء عاقبة المتخلق بهذا الخلق الذميم ، منها قوله تعالى { وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ} أَيْ: وما يَعُودُ وَبَالُ ذلك إِلَّا عليهم أَنفسهم دون غيرهم ، وفي تفسير القرطبي أَنَّ رجلا قال لابن عباس: إِنِّي أَجِدُ في التوراة: من حفر لأخيه حفرة وقع فيها؟. فقال له ابن عباس: فَإِنِّي أُوجِدُكَ في القرآن ذلك. قال: وأين؟ قال: فاقرأ (ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله) . ومنها قوله تعالى: {وكذلك جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها، وما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وما يَشْعُرُونَ} والْأَكَابِرُ جَمْعُ الْأَكْبَرِ ، والمراد بهم: مَنْ يقاومون دعوة الإصلاح ويعادون المصلحين من الرسل وورثتهم، خَصَّهُمْ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمْ أَقْدَرُ على الفساد و المكر واستتباع الناس لهم. قال المفسرون : نزلت في مجرمي مكة حين أَجْلَسُوا على كل طريقٍ مِنْ طُرُقِها أَرْبَعَةَ نَفَرٍ لِيَصْرِفُوا النَّاسَ عن الْإِيمَانِ بِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، يقولون لكل غاد ورائح: إِيَّاكَ وهذا الرَّجُل فَإِنَّهُ كاهنٌ ساحرٌ كَذَّابٌ ، كما فَعَلَ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأُمَمِ السَّالِفَةِ بِأَنْبِيَائِهِمْ.!!. قُلْتُ : وكما يفعله مَنْ بعدهم - إلى يومنا هذا - بنفس الطريقة، ولنفس الأسباب ، فمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارحَةِ إِنَّها سُنَّة جارية . وواضح أَنَّ الكبر النفسي - وما اعتاده الأكابر من الخصوصية بين الْأَتْبَاعِ - مِنْ أسباب تزيين الباطل في نفوسهم، ووقوفهم من الحق والدين موقف العداء.

إِنَّ التاريخ يشهد و نصوص الوحي تنطق و الواقع يؤكد أَنَّ أَهْلَ الْبَغْيِ والمكر –كما يقول العلامة السعدي (المتوفى سنة 1376هـ) في تفسيره - كَذَبَةٌ مزورون، استبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، و رَدَّ الله كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم إلا انتظار ما يَحِلُّ بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين، التي لا تُغَيَّرُ وَلَا تُبَدَّلُ ، أَنَّ كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أَنْ يَحِلَّ به نقمته، و تُسْلَبُ عنه نعمته، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء، ما فعل بأولئك. انتهى كلامه رحمه الله.
اللَّهُمَّ إِنَّا نسألك التوفيق والسداد فإِنَّك إِذا وَفَّقْتَ أَلْهَمْتَ ، ونعوذ بك من الخزي و الخذلان فإِنَّك إِذا خَذَلْتَ أَعْمَيتَ
د / أحمد عبد المجيد مكي-اسلام ويب

Post: #703
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:48 AM
Parent: #702

ثلاث مهلكات
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى أتباعه وآله وصحبه.. وبعد
فقد روى الإمام الطبراني والبزار بسند حسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه](رواه البزار والطبراني وحسنه الألباني).

وهذا الكلام قاله عليه الصلاة والسلام في معرض التنبيه والتحذير؛ ذلك لأن هذه الثلاث هي عوامل الهلاك في الدنيا والخسران في الآخرة، لأنها أخلاق تميت القلب، وتضعف الإيمان، وتزرع النفاق والرياء، وتؤجج نيران الحقد والعدوة والبغضاء، وتسبب للمجتمع الشقاء الدائم، والفتن الماحقة، وتؤدي إلى سفك الدماء، وقطع وشائج الأرحام، واستحلال المحارم والآثام.

أولا الشح المطاع:
فالشح المطاع: هو تلك الصفة المذمومة الخطيرة التي أحلت بالأمم السابقة الكوارث والذل والهوان، وكانت سببا في هلاكهم، وقطع آثارهم.. وقد قال صلى الله عليه وسلم: [اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماء بعضهم، واستحلوا محارمهم](رواه مسلم).

والشح هو مجموعة من الرذائل الخُلقية التي أجمعت العقول السليمة والشرائع على ذمها والتنفير منها، والتحذير من عواقبها المدمرة المهلكة، وفي مقدمتها الحقد والبخل والحسد، وما ابتلى امرؤ بالشح إلا أصبح جرثومة شر وفساد في المجتمع، ومصدر فتنة وبلاء على الأمة كلها؛ فالشحيح بخيل حقير النفس، يتطلع إلى ما في أيدي الناس، ويبخل بما عنده، ويتكالب على جمع المال والحطام ويحرم منه نفسه وأهله وأولاده، وهو حسود حقود، يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ويتمنى زوال النعم عن غيره، ويغلي صدره بالحقد، كلما رأى رجلا قد تفضل الله عليه وأحسن إليه.

ومن هنا تحدث الفتن والخصومات، وتنشأ الشرور والعداوات، وتنقطع حبال المودة والإخاء، وتقوى أسباب الكراهية والعداء، وقد قال صلى الله عليه وسلم: [إياكم واشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا](صحيح سنن أبي داود)، وقال صلى الله عليه وسلم أيضا: [الشحيح لا يدخل الجنة](رواه الطبراني عن ابن عمر وهو ضعيف)..

ومكافحة الشح تكون بالتعود على الكرم والجود والسخاء، وسلامة الصدر من الغل والحقد والحسد والبغضاء، والرضا بقضاء الله وقدره، والزهد فيما في أيدي الناس، والتخلق بالشجاعة والإقدام، وبذل النفس والمال في سبيل الذود عن الكرامة والعرض والدين.

ثانيا: الهوى المتبع
أما الهوى المتبع، فهو ميل النفس إلى شهواتها، واتباعها لنزواتها، وإيثارها جانب المعاصي والملذات والفجور، بحيث يكون الإنسان تابعا لهواه، وعبدا لشيطانه، وقد خاف رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمته من اتباع الأهواء، وخشي عليها شهوات الغي والضلال، فقال عليه الصلاة والسلام: [إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم، ومضلات الهوى](صحيح الترغيب)
واتباع الهوى يورث ضعفا في الدين، ورقة في العقيدة، ووهنا في الخُلق، ونزوعا إلى الخطايا والآثام، وعدم التورع عن مقارفة الحرام.
والهوى المتبع إله مزيف، عبده الناس منذ القدم، واتخذوه ربا يسمع قوله، ويطاع أمره، ويتبع وحيه

واتباع الهوى، يصد عن الحق، ويبعد عن الهدى، وقديما كان الهوى مانعا للناس من الاستجابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ودافعا لهم إلى السير في عماية الباطل والضلال. قال الله تعالى: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله}(القصص ). وقال تعالى لنبيه داود عليه السلام: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله} (ص ).

ولذلك يجب على المسلم أن يتجرد من أهوائه، وأن يصدر في أقواله وأفعاله عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم، بأن يتقيد بآداب الشرع، وأحكام الدين، بحيث يكون جميع أهوائه ورغباته تابعة لسنن الحق وطرق الهدى والصواب، قال صلى الله عليه وسلم: [لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به](حسنه ابن حجر وصححه النووي).

ثالثا: إعجاب المرء بنفسه
وأما إعجاب المرء بنفسه، (أو برأيه) كما في الرواية الأخرى.. فهو الرضى عنها، والاعتداد بها، وهذا يجر إلى الفخر والتكبر، والعزة بالإثم، والبغي بغير الحق.

وإعجاب المرء بنفسه، واتكاله على رأيه، معناه الاستبداد بالأمور، ورفض النصح والمشورة، ومدافعة الحق، ومن ثم الوقوع في الباطل، واتباع الأهواء.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [بينما رجلٌ يمشي في حلةٍ، تعجبُه نفسُه، مرجِّلٌ جمتَه ، إذ خسف اللهُ به، فهو يتجلجلُ إلى يومِ القيامةِ](رواه البخاري عن أبي هريرة)

فاتقوا الله عباد الله وطهروا قلوبكم من الشح والبخل، وخالفوا النفس والهوى والشيطان، واتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، واحذروا التكبر والإعجاب بالنفس والاعتداد بالرأي، وبذلك تنجون بأنفسكم، وتنجو معكم الأمة من عوامل الهلاك وأسباب الشقاء، ويتطهر المجتمع من العداوة والبغضاء، وتصفو الحياة من مكدرات الهوى والشهوات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د.محمد نور المراغي

Post: #724
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 00:51 AM
Parent: #702

جميل أن ترى ذلك الشاب وقد بدت عليه أمارات الخير والصلاح ، والعز والفلاح ، أطلق لحيته ، ورفع ثوبه فوق كعبه ، وتمسك بسنة حبيبه صلى الله عليه وسلم فيما يرى الناس ، فعُرف بينهم بجميل أدبه ، وحُسن سمتِه ...اختار من الجلساء أحسنَهم ، وغشى مجالس أفضلِهم ...إلخ ، ولكن الأجمل من هذا كله أن يكون باطنه أجمل من ظاهره ، وخلواته أصدق مع الله تعالى من علانيته ....
أقول هذا لأن هناك من الشباب من هاتفني والعَبَرات منه تسابق العبارات ،قد تكدر خاطره ، وضاق صدره ، يشكو ذنوباً اقترفها ، ومعاص قد ألفها إذا غابت عنه أعين البشر ، قنواتٌ فضائية سلبت منهم الألباب ، ومواقعُ إباحيّة كانت عن طاعة الله أعظم حجاب ، ومشافهاتٌ إلكترونية اختبأوا معها خلف أسماء مستعارة ، فاجترأوا على المحرمات ، وتعدوا على الخصوصيات ، ولربما اعتدوا على محارم الآخرين وأعراضهم.
أخي الشاب : إياك إياك أن يكون الله تعالى أهون الناظرين إليك ، تخالف أوامره ، وتستجيب للشيطان وداعيه ، يقول سحنون رحمه الله: " إياك أن تكون عدوا لإبليس في العلانية صديقا له في السر"... إن هذه الذنوب التي تكون في الخلوات من أعظم المهلكات ، ومحرقةٌ للحسنات ، جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :"لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله عز وجل هباءً منثوراً، " قال ثوبان : يا رسول الله صِفهم لنا ،جَلِّهم لنا أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم ، قال :" أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها !! ".
أترضى لنفسك يا رعاك الله أن تكون واحداً من هؤلاء المحرومين الذين كان حظهم من أعمالهم التعب والمشقة ، والآخرون في فضائل الله يتقلبون، ومن عظيم ما أعده ينهلون ؟!.
لقد مدح الله تعالى عباده الذين يعظمونه ويخشونه خصوصا إذا غابوا عن أعين الناس: {إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ،وأسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور} (إذا أغلقت دونك الباب وأسدلت على نافذتك الستار وغابت عنك أعين البشر ، فتذكر مَنْ لا تخفى عليه خافية ، تذكر من يرى ويسمع دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، جل شأنه وتقدس سلطانه ، أخشى بارك الله فيك أن تَزِلَّ بك القدم بعد ثوبتها ، وأن تنحرف عن الطريق بعد أن ذقت حلاوته ، واشرأب قلبك بلذته ، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى:
"أجمع العارفون بالله أن ذنوب الخلوات هي أصل الانتكاسات، وأن عبادات الخفاء هي أعظم أسباب الثبات"، فهل يفرط موفق بصيد اقتنصه ، وكنز نادر حَصَّله ؟ احذر سلمك الله ، فقد تكون تلك الهفوات المخفية سبباً لتعلق القلب بها حتى لا يقوى على مفارقتها فيختم له بها فيندم ولات ساعة مندم يقول ابن رجب الحنبلي عليه رحمة الله : "خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطلع عليها الناس" .
فالله الله بإصلاح الخلوات ، والصدق مع رب البريات ، لنجد بذلك اللذة في المناجاة ، والإجابة للدعوات
(وتذكروا أن الله تعالى { يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور} ، وكونوا كهؤلاء الصالحين الذين تذكروا اطلاع الله عليهم فامتنعوا من المعاصي، هذه امرأة يراودها رجل ويقول لها إننا في مكان لا يرانا فيه أحد فتقول: فأين الله؟ { ألم يعلم بأن الله يرى }
د / زيد بن عبد الله القرون

Post: #704
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:49 AM
Parent: #701

من مقومات المجتمع المسلم ودعائم نهضته ودليل خيريته أن تتصف سلوكيات أفراده بقيم وأخلاق تضمن لهم حياة يسودها الحب والتراحم والتعاون والتسامح والإيثار والبذل والعطاء، وحب الخير للغير .. فلا قيمة لحياة ولا سعادة ولا راحة لإنسان يعيش في مجتمع تسوء فيه الأخلاق، وتضمحل فيه القيم، ويسود الشر بديلاً عن الخير، وتطغى الرذيلة، وتتلاشى الفضيلة، وتمتلئ القلوب بالحقد والغل والحسد والضغائن، وتظهر فساد ذات البين وسوء الظن، وتضعف أواصر المحبة والأخوة والتعاون والتسامح من حياة الأفراد. والله جلا وعلا عندما خلق الخلق دلهم على أسباب سعادتهم في الحياة الدنيا والآخرة، وحذرهم من طرق الفساد والضلال والانحراف، قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل:97].

أخوك هو نفسك
قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] فمن بصائر القرآن وأنواره في البناء التربوي والاجتماعي أن مكانة الأخ المسلم هي مكانة النفس.
قال تعالى: {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[النور:12] والمرء غالبا يظن بنفسه خيرا، فالمقصود هنا: (ظنوا بإخوانهم)، والمعنى: كما لا يحب الإنسان أن يظن به غيره إلا خيراً، كذلك يجب أن يظن الأمر ذاته بغيره، فلا يظن به سوءا، ولا يتكلم عنه إلا خيراً، كما لا يحب أن يتكلم أحدٌ عنه إلا بالخير .. قال الطبري: "وهذا عتاب من الله تعالى ذكره أهل الإيمان به فيما وقع في أنفسهم من إرجاف من أرجف في أمر عائشة بما أرجف به، يقول لهم تعالى ذكره: هلا أيها الناس إذ سمعتم ما قال أهل الإفك في عائشة ظن المؤمنون منكم والمؤمنات بأنفسهم خيرا .. وقال: {بأنفسهم}، لأن أهل الإسلام كلهم بمنزلة نفس واحدة، لأنهم أهل ملة واحدة".
وقال تعالى: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} [النور:61] والإنسان إذا دخل على بيت أحد من الناس فإنه يسلم عليهم، وليس على نفسه، فقد قال الله في البداية: {لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}[النور:27] فجعل الله أهل البيوت بمثابة الأنفس، وقد روى الطبري عن الحسن وابن زيد في قوله: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} قال: إذا دخل المسلِّمُ سُلِّم عليه، كمثل قوله: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) إنما هو: لا تقتل أخاك المسلم.

وقال تعالى: {وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُم}[الحجرات:11] والإنسان عندما يلمز لا يمكن أن يلمز نفسه إنما يلمز غيره، إلا أن الله جعل الغير بمثابة النفس، ولذا قال الطبري: "وقوله {وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ} يقول تعالى ذكره: ولا يغتب بعضكم بعضا أيها المؤمنون، ولا يطعن بعضكم على بعض .. فجعل اللامز أخاه لامزاً نفسه، لأن المؤمنين كرجل واحد فيما يلزم بعضهم لبعض من تحسين أمره، وطلب صلاحه، ومحبته الخير".
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا وفصله، ففي صحيح مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه قال رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وآله وسلم-: "مثل الْمؤمنينَ في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الْجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الْجسد بالسهر والحمى".
وفي البخاري عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

حب الخير للغير
كان أنس بن مالك رضي الله عنه إذا أصبح دهن يده بدهن طيب لمصافحة إخوانه.
ومن سلامة صدر ابن عباس رضي الله عنهما أنه شتمه رجل فرد عليه قائلًا: "أتشتمني وفيّ ثلاث خصال؛ إني لا آتي على آية إلاّ تمنيت أن جميع الناس يعلمون منها ما أعلم، ولا سمعت بقاضٍ عادل إلاّ فرحت ودعوت له وليس لي عنده قضية، ولا سمعت بالغيث في بلد إلاّ حمدت الله وفرحت، وليس لي ناقة ولا شاة".
قال أبو سليمان الدارني: "إني لأضع اللقمة في فم أخٍ من إخواني فأجد طعمها في حلقي".
وقال محمد بن مناذر: "كنت أمشي مع الخليل بن أحمد فانقطع شسعي فخلع نعله، فقلت ما تصنع؟! قال أواسيك في الحفاء" أي لا يريد أن يمشي منتعلًا وأخوه بلا نعل.
وقال مجاهد: "صحبت ابن عمر أريد أن أخدمه، فكان هو الذي يخدمني".
ونقل الإمام المناوي عن أحدهم قوله: "لي ثلاثين سنة في الاستغفار عن قولي الحمد لله، وذلك أنه وقع ببغداد حريق، فاستقبلني رجل فقال نجا حانوتك، فقلت الحمد لله. فمذ قلتها وأنا نادم، حيث أردت لنفسي خيراً دون المسلمين".

أخوة العلماء الربانيين
قال الفاروق عمر رضي الله عنه: "ما حاججت أحدًا إلاّ وتمنيت أن يكون الحق على لسانه".
وهذا الشافعي رحمه الله يقول عنه يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة ثم افترقنا، ولقيني فأخذ بيدي ثم قال: يا أبا موسى ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
وكان الشافعي حينما يحدث عن أحمد - وهو من تلاميذه - فلا يسميه تكريمًا له، وإنما يقول: حدثنا الثقة من أصحابنا أو أخبرنا الثقة من أصحابنا".

ويذكر الإمام أحمد عن ابن راهويه وكان يخالفه في أمور فيقول: "لم يعبر الجسر إلى خرسان مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضًا"
وكان الوزير ابن هبيرة رحمه الله، ممن نال العلم والفقه والوزارة معاً، وكان له مجلس حافل بالعلماء من أرباب المذاهب الأربعة، وبينما هو في مجلسه إذ ذكر مسألة من مفردات الإمام أحمد -يعني أن الإمام أحمد تفرد في هذه المسألة عن الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة-، فقام فقيه من فقهاء المالكية يقال له أبو محمد الأشيري فقال: بل قال بهذا الإمام مالك، فقال ابن هبيرة: "هذه الكتب" وأحضرها، وإذا هي تنص على أن هذه المسألة من مفردات الإمام أحمد، فقال أبو محمد الأشيري: بل قال بذلك الإمام مالك، فتكلم العلماء الذين حضروا هذا المجلس، فقالوا: بل هي من مفردات الإمام أحمد، قال: بل قال بذلك الإمام مالك، فغضب ابن هبيرة وقال: أبهيمة أنت؟، أما تسمع هؤلاء العلماء يصرحون بأنها من مفردات الإمام أحمد، والكتب شاهدة بذلك، ثم أنت تصر على قولك.
فتفرق المجلس، فلما انعقد المجلس في اليوم الثاني جاء الفقيه المالكي وحضر كأن شيئاً لم يكن، وجاء ابن هبيرة، وجاء العلماء، فأراد القارئ على عادته أن يقرأ ثم يعلق الوزير ابن هبيرة، فقال له: قف، فإن الفقيه الأشيري قد بدر منه ما بدر بالأمس، وحملني ذلك على أن قلت له ما قلت، فليقل لي كما قلت له، فلست بخير منكم، ولا أنا إلا كأحدكم، فضج المجلس بالبكاء، وتأثروا جداً من هذه الأخلاق العالية الرفيعة، وارتفعت الأصوات بالدعاء والثناء، وجعل هذا الخصم الأشيري يعتذر ويقول: أنا المذنب، أنا الأولى بالاعتذار، والوزير ابن هبيرة يقول: القصاص القصاص، فتوفق أحد العلماء وقال: يا مولانا إذا أبى القصاص فالفداء، فقال الوزير له: حكمه يحكم بما شاء، احكم بما تريد، فقال هذا الفقيه: نعمك علي كثيرة فأي حكم بقي لي، فقال: قد جعل الله لك الحكم علينا بما ألجأتنا به إلى الافتيات عليك، فقال: عليّ بقية دين منذ كنت بالشام، فقال الوزير ابن هبيرة: يعطى مائة دينار لإبراء ذمته وذمتي، فأحضر له المال، وقال له ابن هبيرة: عفا الله عنك وعني، وغفر الله لك ولي".
د/ خالد سعد النجار-اسلام ويب

Post: #705
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:51 AM
Parent: #701

في كل مرة أعايش فيها محنة تتكرر المشاعر ذاتها، وكأنني لا أتعلم من تجاربي!

ليس أنا فحسب بل جنس ذلك الإنسان العجيب في عجلته وسرعة تحوّله وغفلته حال السعة، ويأسه وتبرمه حال العسر والشدة، وصدق الله إذ يقول: {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوسًا} (83) سورة الإسراء.

ينظر إلى حالة الضيق التي يمر بها وكأنها سرمد لا يزول، وينسى ما كان عليه قبلها من الفسحة والفيض والخير، ولا يستطيع تخيُّل ما سيأتي بعدها من الرَّوح والفرج.

إن اليسر هو الأصل، وإنما يستخرج الله ببعض الشدائد منَّا ألواناً من العبوديات؛ غفلنا عنها حين سبحنا في تيار الحياة الرخي، فأراد بلطفه أن يسمع نجوانا وشكوانا، وأن يرى قلوبنا الموجوعة، وأن تترطَّب عيوننا ببعض الدمع الذي جفَّ في مآقينا!

أعرف العسر الذي مرَّ بي أو يمر وأقاسي مرارته وحرارته وقسوته، ولكني لا أحتسب ولا أدري من أين يأتيني الفرج، فربي يرزقني من حيث لا أحتسب، واليسر يأتي متنكّراً ويطرق الباب كغريب!

ومن هنا ذكر الله العسر معرَّفاً، وذكر اليسر منكَّراً فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} (6،5) سورة الشرح، ربط الآية الأولى بما قبلها بالفاء؛ لأنها تعقيب على معاناة الرسول الكريم ووعد خاص له بالتيسير، أما الآية الثانية فجاءت مطلقة وقاعدة عامة لكل من ينتظر اليسر من الله تقول له: إن اليسر موجود وقائم وليس قادماً أو منتظراً فحسب فهو (مَعَ) العسر وهو بعده أيضاً..

إنه يسر الرضا والصبر، ومن رُزق الرضا فلا يبالي بما وراءه، وكان عمر -رضي الله عنه- يقول: «الغِنَى والفقر مطيَّتان، والله ما أُبالي أيُّهما ركبت!».

وجاء كثيراً في القرآن ذم من يعبد الله على (حَرْفٍ) أي: على حال واحدة، فإذا تغيَّرت ترك ما كان عليه.

رضيت في حبك الأيام جائرة فعلقم الدهر إن أرضاك كالعذب!

إنه يسر العطايا المغلفة يبعثها الله إلينا بصورة لا نتوقعها لتسوقنا بلطف إلى رحابه، وتساعدنا على معرفة جوانب ضعفنا، وتضع أقدامنا حيث كان يجب أن تكون.

إنه الألم الموجع الذي يُعلّمنا أن نقف مع الضعيف قبل أن نجري الحسابات ونلمح الأرباح والخسائر والمصالح الوقتية، فمن جرّب وقْع الظلم حَرِيٌّ به أن يكره قليله وكثيره، وأن ينأى بنفسه عن مظنته، وأن يواسي المظلوم ولو بكلمة طيبة أو دعوة صالحة..

وكما يقول الشاعر:

لَعَمْرِي لَقُدْمًا عَضَّنِي الْجُوعُ عَضَّةً فَآلَيْتُ أَلَّا أَمْنَعَ الدَّهْرَ جَائِعَا!

إنه اللهب المقدَّس يأتي على كل الأصباغ والمظاهر الصورية التي نتزين بها وندَّعيها ولا يبقي لنا إلا الحقيقة المجرَّدة نقف أمامها بلا تزييف.. هكذا نحن بمخاوفنا وأوهامنا، وحساباتنا الناقصة واستعجالنا، وتشاؤمنا ويأسنا..

إنه الميزان القسط الذي تطيش عنده ادّعاءات، وتخور صداقات، وتثبت أخرى تقول لك: إن الدنيا لا تزال بخير، والطيبون فيها كثير!

إنه محاولة الدفع بالجهد البشري الضعيف، فلا تحتقر شيئاً مهما قلّ، وعليك البدء وعلى الله التمام {وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا} ((25) سورة مريم)، إلى جنب التوكل على الحيِّ الذي لا يموت، ولا يعجزه كرب أن يكشفه، ولا هَمٌّ أن يرفعه، ولا بلاء أن يدفعه.

إنه انتظار الفرج من مؤمن تشرَّب قلبه الثقة بما عند الله، وكانت ثقته بما عند الله أعظم من ثقته بما عند نفسه، وانتظار الفرج إيمان وعبادة!

بالأمس كنت مع من تحب، وكنت فيما تحب، وأنت الآن محروم فلا تبتئس، سيعود إليك وتعود إليه بأفضل مما كان، فتنفس هواء الأمل، واستعد لفرحة الوصال، ولا تسمح لشِبَاك اليأس أن تلتف عليك.

إذا رأيْتَ الوَداعَ فاصبِرْ ولا يَهُمَّنَّكَ البِعادُ

وانتظِرِ العَوْدَ مِن قَريبٍ فإنَّ قَلْبَ الوَداعِ عادُوا



{فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} ((36) سورة الشورى)، صدق الله العظيم.
د / سلمان العودة

Post: #706
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:53 AM
Parent: #701

- حب الحياة فطرة ، والمؤمن يكره الموت غالبًا، وفي الحديث القدسي: «..المؤمنُ يكره الموتَ، وأنا أكرهُ مَساءَتَه» (أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
وقالت عائشة رضي الله عنها: «كلنا نكره الموت» (أخرجه البخاري، ومسلم).
ولكن يجب أن يكون حب الله ورسوله أقوى وأشد..
- من حب الحياة الإحسان إلى الأبناء.
وكما قيل:
لقد زاد الحياةَ إليَّ حُبًّا *** بناتي إنَّهنَّ من الضِّعافِ
مخافةَ أن يذقن الفقرَ بعدي *** وأن يشربنَ رَنْقًا غير صافِ

الإحسان إلى الوالدين، وهما أوسط أبواب الجنة.
الإحسان إلى الزوجة، وبناء الأسرة الصالحة.
الإحسان إلى الضعفاء والمساكين والمرضى والغرباء والمعوزين.. وما أكثرهم في العالم، وفي العالم المسلم خاصة!

- إن الزواج استجابة لغريزة فطرية، ولكنك ترضي ربك، وتقتدي برسولك صلى الله عليه وسلم، وتنفع مسلمة، وتفيد صاحب البيت الذي تستأجره، وصاحب البقالة التي إلى جوارك، وتعزِّز العائلة التي صاهرتها، وتتيح عملًا لسائق أو خادمة في أحيان كثيرة، وتنفع صاحب السيارة، وتتدرَّب على تحمل المسؤوليات، وقد تنجب ذرية، تكون ذكرًا لك في الأرض، ورفعة لك في السماء.

- إن الرفض المطلق للحياة ومشاريعها لا يصنع شيئًا، والمشاركة هي الأفضل والأبقى والأتقى.
والله تعالى جعل الليل والنهار خلفة لـمَن أراد أن يذكَّر أو أراد شكورًا.
فكم في الحياة من فرص التعبد والاقتراب من الله، ومناجاته، وإشباع العقل والقلب والروح بذكره، وتسبيحه، وتلاوة كتابه، والتدرُّب على القيام، والصلاة، والاستحضار والخشوع، وهذه مقامات جليلة، يرفع الله بها عباده المصطَفين الأخيار، ولذا أحبوا الحياة من أجل صف الأقدام بين يدي الملك العلَّام في جنح الظلام، ومن أجل ظمأ الهواجر في اليوم الصائف، بعيد ما بين الطرفين، ومن أجل بذل المعروف والنَّدى، وكف الأذى، وتدارك النفس من آفاتها وعيوبها الباطنة قبل الظاهرة.

- طول الحياة يسمح لك بتجديد النية، وتصحيح المقصد، وقد يغلب على الشاب حب الظهور، أو الاستعجال، أو الإعجاب بالنفس، أو ما سوى ذلك من الشهوات الخفية، وكم من قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته، وإنما الأعمالُ بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى.
وكان بعض السلف يقول: «طلبنا العلم لغير الله، فأَبَى إلا أن يكون لله».
أن يمهلك الله حتى تسدِّد، وتقارب، وتحاول، وتتسع تجربتك، وتعطي الأشياء مقدارها، دون غلو أو اجحاف، وتصحِّح نواياك ومقاصدك التي يراها الله ولا يراها الناس؛ فهو من فضل الله عليك.

- بينما جهاد الإحسان إلى الناس لا يفتقر إلى نية، كما ذكر أهل العلم، أن تغيث ذا الحاجة الملهوف، أو تعين صانعًا، أو تصنع لأخرقَ، أو تسقي أخاك من مائك، أو تميط شوكًا عن طريق الناس.. فذلك كله من الخير الممدوح عند الله، حتى لو لم تحضرك فيه نية، وما ذلك إلا تسهيلًا لفعله، وتحفيزًا إليه دون تردد.

- التوازن إذًا بين صناعة الموت في ميدانها وبشرطها ونيتها، وهي الاستثناء الذي لابد منه لحفظ الأمة وديانتها وحياتها، وبين صناعة الحياة التي هي المشروع الأصل الذي نضحِّي من أجله ونحميه، فتلك قضية تربوية وأخلاقية، يجب أن يقف عندها الشاب المخلص لنفسه ولأمته طويلًا، قبل أن يتخذ قرار وجهته!

- الأب الحاني، والصديق الوفي، والأستاذ المشفق، والخطيب الموفَّق، كلهم عون على بناء الحياة، وتجنب المغامرات غير المحسوبة، التي قد يندفع إليها شاب لم تكتمل خبرته، ولم تنضج تجربته، ولا زال في مدارج الحياة الأولى، وربما سبقت إليه فكرة، فتشبَّع بها، ولم ير غيرها، حتى لم يعد في عقله وقلبه متسع إلا لمشروعه الوحيد، الذي يظنه قضاءً على كل المشكلات، وحلًّا لكل المعضلات.
ولو أنه أقبل على برامج الحياة الإيجابية، وتلمَّس مقعده منها؛ لوجد من وراء ذلك خيرًا كثيرًا، والموفَّق مَن وفَّقه الله، والله يحول بين المرء وقلبه، وإليه المصير.
د / سلمان العودة

Post: #707
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:55 AM
Parent: #701

ظُلْمُ الْعِبَاد سَبَبُ خراب البلاد
الأدلّة على تحريم الظُّلم مِنَ القرآن والسّنّة كثيرة لَا تُحْصَى، ويكفي أنَّ الله سُبْحَانَهُ حَرَّمَهُ على نَفسه وجعله مُحَرَّمًا بَين عباده، وأخبر سبحانه أنّه أرسل رسله وأنزل كتبه ليقوم الناس بالقسط ، وهو العدل الذي قامت به السموات والأرض، كما يشير إِلى ذلك قوله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد: 25)، وما ذلك إِلَّا لِأَنَّ الظلم سببٌ لخراب العمران، وزوال الدُّوَل، وفناء الأمم، ووقوع الفوضى، وغموض المستقبل.
وقد حَذَّرَنَا علماء الْمِلَّةِ -على مر العصور– من النتيجة الحتمية للظلم ، وَنَبَّهَوا على المفاسد النَّاشِئَةِ مِنْ ذلك، و من هؤلاء العلماء- على سبيل المثال لا الحصر-الْإِمَامُ الماوردي (المتوفى سنة 450هـ) الذي يقول :

" إِنَّ مما تصلح به حالُ الدنيا: قاعدة العدل الشامل الذي يدعو إلى الأُلفة، ويبعث على الطاعة، وتَعْمُر به البلاد، وتنمو به الأموال، ويكبر معه النَّسْل، ويأمن به السلطان، وليس شيءٌ أسرع في خراب الأرض، ولا أفسد لضمائر الخلق من الجَوْر؛ لأنه ليس يقف على حدٍّ، ولا ينتهي إلى غاية".

إِذا انتقلنا إِلى شيخ الإسلام ابن تيمية (المتوفى سنة 728هـ) نجده يقرر أنَّ العدل الذي يتوصل الناس إِليه بعقولهم يحمي مجتمعهم من السقوط وإنْ كانوا كفارا، في حين أنَّ المجتمع الذي يرعى الظلم أو يغض الطرف عنه يسقط ولا بد وإنْ كان مُسْلِمًا، و نَصٌّ عبارته : " وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإنْ لم تشترك في إثم، ولهذا قيل: إِنَّ الله يقيم الدولة العادلة وإنْ كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإنْ كانت مسلمة. ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام. .. وذلك أنَّ العدل نظام كلِّ شيء، فإذا أُقيم أمر الدنيا بعدلٍ قامت، وإنْ لم يكن لصاحبها في الآخرة من خَلاق، ومتى لم تَقُمْ بعدلٍ لم تَقُمْ، وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يُجزى به في الآخِرة" وقد كرر رحمه الله هذا المعنى في أكثر مِنْ موضع مِنْ مجموع فتاواه.

أما الْعَلَّامَة ابن خلدون- أحد رواد علم الاجتماع ، توفى سنة 808هـ - فقد تناول أثر الظلم وعواقبه على المجتمع في مواضع كثيرة مِنْ كتابه "ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب... " ، لدرجة أنَّه خصص له فصلا كاملا بعنوان "الظلم مُؤْذِنٌ بخراب العمران" افتتحه بقوله:

" اعْلَمْ أَنَّ العدوان على النّاس في أموالهم ذاهب بآمالهم في تحصيلها واكتسابها، لِمَا يرونه حينئذ مِنْ أَنَّ غايتها ومصيرها انتهابها من أيديهم، وإذا ذهبت آمالهم في اكتسابها وتحصيلها انقبضت أيديهم عن السّعي في ذلك ..... والعمران ووفوره ورواج أسواقه إنّما هو بالأعمال وسعي النّاس في المصالح والمكاسب ذاهبين وجائين، فإذا قعد النّاس عن المعاش وانقبضت أيديهم عن المكاسب كسدت أسواق العمران وانتفضت الأحوال و تفرق النّاس في الآفاق، فخفّ ساكن القطر وخلت دياره واختلّ باختلاله حال الدّولة والسّلطان ".
وقد استفاض رحمه الله في بيان أنواع الظلم و بَيَّنَ أَنَّهَا لا تقتصر فقط على الظلم المادي المحسوس و إِنَّمَا تمتد لتشمل الظلم النفسي و المعنوي الذي قد يكون أقسى وَقْعًا وأشد أَثَرًا.

وما قرره هؤلاء الائمة إِنَّما هو قانون عام في البشرية و سُنَّةَ من سُنَنِ الله في سائر الْأُمَمِ لا تتبدل، وهي أنَّ الظالمين في النهاية لا يفلحون وإنْ بدت ظواهر الأمور أحيانا في غير هذا الاتجاه، وقد تواطأت نصوص عِدَّة على تقرير هذه السُنَّةَ، أكتفي منها بنصين اثنين فقط ، أَمَّا الأول فقوله تعالى :{ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ، إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} (القصص: 37)، والمعنى : سوف تعلمون هل العاقبة الحسنى في الدنيا -بالنصر والظفر والتأييد-للعادل الذي يضع الأمور في موضعها، أو للظالم الذي إنْ وجد بعض مقاصده أولا استدراجا، فلا يفوز أبدا بالعقبى الحميدة، وإِنَّما غاية أمره انقطاع أثره وسوء ذكره ؟ .

وأَمَّا النَّصُّ الثاني فقوله تعالى : {وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ} (هود: 117).
والمعنى كما يقول المفسرون: أنَّ الله تعالى لا ينزل عذاب الاستئصال على مجرد كون القوم مشركين أو كافرين، وهم مصلحون في المعاملات فيما بينهم، أو في أمورهم الاجتماعية، يتعاطون الحقّ فيما بينهم، ولا يضمون إلى شركهم فسادا آخر، ولكن ينزل العذاب إذا أساءوا في المعاملات، وسعوا في الإيذاء والظلم، كما فعل قوم شعيب، وقوم هود، وقوم فرعون، وقوم لوط. ويؤيده أنّ الأمم تبقى مع الكفر، ولا تبقى مع الظّلم، وإن كان عذاب الشّرك في الآخرة أصعب.

والخلاصة أنَّ صلاح حياة الناس لا يكون إلا بالعدل، ولا يتنافى هذا أَبَدًا مع الشدة والقوة والحزم، أَمَّا الشدة أو القوة وحدها في غياب العدل فلا تبني مجتمعاً ولا تصلح وضعاً ولا تؤسس حكماً. وقد طُبِّقَ العدل على الأرض زَمَانًا فآتَى أُكُلَهُ واجتنى القاصي والداني ثَمَرَه ، ومن المواقف التي يذكرها التاريخ ما ذكره الْإِمَامُ جلال الدين السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء": أنَّ والي خُرَاسَان الْجراح بْن عَبْد اللَّهِ الْحكمِي كتب رسالة إلى عمر بن عبد العزيز يشتكي أهلها ، جاء فيها: إِنَّ أهل خراسان قومٌ ساءت رعيتهم، و إِنَّه لا يصلحهم إلا السيف والسوط ، فإنْ رأى أمير المؤمنين أنْ يأذن في ذلك. فكتب إليه عمر: أما بعد، فقد بلغني كتابك تذكر إِنَّ أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وأنَّه لا يصلحهم إلا السيف والسوط، فقد كذبت، بل يصلحهم العدل والحق، فابْسُط ذلك فيهم. والسلام. وعمر بن عبد العزيز هذا – كما يذكر ابن الجوزي في مناقبه- هو الذي ضرب على النقود في زمانه عبارة: " أَمَرَ الله بالوفاء والعدل".

اللهُمَّ، مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَشَقَّ علينا، فَاشْقُقْ عليه، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِنا شَيْئًا فَرَفَقَ بِنا، فَارْفُقْ به، آمين آمين.
د/ أحمد عبد المجيد مكي

Post: #708
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:57 AM
Parent: #701

مما لاشك فيه أن أصل الحياة الطيبة في الدنيا وأساس السعادة في الآخرة هو الإيمان مع العمل الصالح ، يقول الله تبارك وتعالى: :{مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (97، سورة النحل).ويقول سبحانه:{ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ} (من الآية40، سورة غافر).
هذا الإيمان الذي بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أركانه في حديث جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: " أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره"، هو الذي يجلب لصاحبه السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يزينه بزينة الإيمان ، في الحديث الذي رواه النسائي وصححه الألباني عن قيس بن عباد قال:صلى عمار بن ياسر بالقوم صلاة أخفَّها فكأنهم أنكروها، فقال: ألم أتم الركوع والسجود؟ قالوا: بلى، قال: أما إني دعوت فيها بدعاء كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو به: "اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي، وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، وَكَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ، وَقُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بِالْقَضَاءِ، وَبَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَلَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ، وَفِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِين".

وإذا رزق العبد الإيمان والاستقامة فإنها أعظم كرامة فليجتهد في المحافظة عليها وليكثر من دعاء ربه أن يرزقه الثبات كما كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث الذي روته الترمذي وغيره عن أنس رضي الله عنه قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكْثِرُ أَنْ يَقُولَ: "يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ" فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ آمَنَّا بِكَ وَبِمَا جِئْتَ بِهِ فَهَلْ تَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: "نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ".

وهذا ابن مسعود رضي الله عنه يسأل الله تعالى الإيمان الذي لا يرتد –أي الإيمان المستمر الدائم الذي لا يزول- ويسأله النعيم الذي لا ينفد، وكان ذلك في صلاته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر.. كما ثبت ذلك من حديث زر بن حُبيش عن ابن مسعود قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد وهو بين أبي بكر وعمر وإذا ابن مسعود يصلي، وإذا هو يقرأ النساء، فانتهى إلى رأس المائة فجعل ابن مسعود يدعو وهو قائم يصلي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "سل تعطه، سل تعطه" ثم قال: "من سره أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه بقراءة بن أم عبد" فلما أصبح غدا إليه أبو بكر رضي الله عنه ليبشره وقال له: ما سألت الله البارحة؟ قال: قلت: "اللهم إني أسألك إيماناً لا يرتد ونعيماً لا ينفد ومرافقة محمد في أعلى جنة الخلد" ثم جاء عمر رضي الله عنه فقيل له: إن أبا بكر قد سبقك، قال: يرحم الله أبا بكر ما سبقته إلى خير قط إلا سبقني إليه.

الإيمان والسعادة
لقد سجل الله في القرآن الكريم أن السعادة قرين الإيمان.
يقول الله جل وعلا: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}(الأنعام:82).
الأمن في قلوبهم وحياتهم ودنياهم وآخرتهم؛ ولذلك فإن المؤمنين كلما صح إيمانهم؛ قويت قلوبهم، وتمت سعادتهم.
وما أصاب الإنسان من نقص ذلك {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ}(الشورى:30).
الأستاذ "بودلي"رجل غربي، عاش في الصحراء الغربية بين الأعراب وارتدى زيهم، وأكل طعامهم، واشترى قطيعاً من الغنم يرعاه في الصحراء.
وكتب كتاباً عن الرسول صلى الله عليه وسلم اسمه: (الرسول) .
عاش التجربة الغربية، وعاش التجربة الإسلامية عند مسلمين بسطاء عاديين، ليسوا علماء، ولا متخصصين ولا طلبة علم، إنهم رعاة في الصحراء فماذا يقول؟.

يقول: تعلمتُ من عرب الصحراء، كيف أتغلب على القلق؟
فهم يؤمنون بالقضاء والقدر، فيعيشون أوقاتهم بأمان، لكنهم لا يقفون مكتوفي الأيدي إزاء الكوارث التي يمكن أن تحل بهم.
يقول: هبت ذات يوم ريح عاصفة صحراوية رملية، فأهلكت كثيراً من الغنم, وألقت ببعضها في الرمال، ولما هدأت العاصفة كنتُ في غاية الانفعال والتأثر، بينما وجدت هؤلاء الأعراب يركض بعضهم إلى بعض، وينادي بعضهم بعضاً، وهم يضحكون، ويهتفون بأغانيهم المعتاد، ويحمدون الله فيقولون: الحمد لله لقد بقي 40% من الأغنام لم تصب بأذى.
ولما رأوا تأثري؛ قالوا لي: إن الغضب والانفعال لا يصنع شيئاً، وهذا أمر كتبه الله وقدره وقضاه.
يقول: ومع ذلك وجدتهم يحاولون جهدهم أن يتخلصوا من آثار الكارثة، وأن يعالجوها بقدر الإمكان.

فهم يؤمنون بالقضاء والقدر، ولكن لا يفهمون أن القضاء والقدر معناه الاستسلام، وترك العمل، وترك الأسباب.
يقول: وسافرت معهم ذات مرة بسيارة في الصحراء، وفي وسط الصحراء القاحلة توقفنا، فإذا بإحدى العجلات (إطار السيارة) قد انفجرت؛ فغضبت!
فقالوا لي: الغضب لا يصنع شيئاً.
ومشت السيارة قليلاً على ثلاث عجلات، ثم توقفت؛ لنكتشف بعد ذلك أن الوقود قد انتهى!
ووجدتهم ينزلون من السيارة ويدعونها جانباً، ثم يسيرون على أقدامهم، ويتقافزون مثل الظباء، بروح عالي، وسرور وبهجة وأنس، وهم يتناشدون الأشعار، ويتحدثون معي.
يقول هذا الرجل:
لقد أقنعتني الأعوام السبعة التي قضيتها في الصحراء أن الملتاثين، ومرضى النفوس، والسكيرين والمعربدين في أوروبا وأمريكا، ما هم إلا ضحايا المدنية الغربية، التي تتخذ من السرعة أساساً لها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا إيمانا لا يرتد ونعيما لا ينفد ومرافقة محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى جنة الخلد.


اسلام ويب

Post: #709
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 01:59 AM
Parent: #701

ليس عجبا أن يفوق امرؤ أخاه في علم أو خبرة أو في أي مجال من مجالات الحياة، كما أنه ليس من المستهجن أن يسعى الأدنى للحاق بالأعلى، وأن يبذل جهده للتفوق عليه، في حدود ابتغاء رضا الله، والسلامة من آفات الكبر والعجب والرياء، وبقيد طهارة المشاعر القلبية، ونقاء العلاقات الأخوية، وبضابط الإنصاف، والعدل في التقويم، للنفس وللآخرين بحيث يؤدي ذلك كله في النتيجة إلى تحقيق مصلحة إسلامية عليا، بعيدا عن هوى النفس وتقديس الذات.
حين تتفشى المنافسة الشريفة تكون وقودا للهمم، ومحرضا على البذل المتواصل، وسبيلا لتوجيه الأبصار إلى أعمال الخير، التي يفجر التنافس فيها مزيدا من الخير للفرد والمجتمع، حتى يصبح الفرد من هذه الأمة يتطلع دائما إلى الأسمى، وكيف يرضى بالدون؟! وهو الذي يطمح أن يجعله الله للمتقين إماما، وهو الذي يتطلع إلى الفردوس الأعلى وصحبة النبيين والشهداء والصالحين، وهو الذي يرجو أن يكون من السابقين بالخيرات:{ أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)} (المؤمنون) ، {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} (البقرة 148)، { خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ (26)} (المطففين).
ومن ذلك التنافس الشريف ما جاء في الحديث الشريف عن القائم والمنفق: "لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن، فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثلما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالا، فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل" (البخاري).
يقول ابن حجر: (وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة وأطلق الحسد عليها مجازا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود...).

ومن صور ذلك التنافس الشريف المسابقة إلى صور من العبادة قد لا يصبر على المداومة عليها إلا السابقون، وذلك كالأذان والصف الأول والتبكير إلى الصلوات، والحرص على جماعتي العشاء والفجر قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا"(البخاري).
ومن الصور العملية لذلك التنافس الشريف ما يكون بين الأنداد من التسابق في الخير، كالذي كان من المسابقة في البر بين أبي بكر وعمر رضي الله عنهما، ومن ذلك أنهما سمعا ثناء رسول الله صلى الله عليه وسلم على قراءة ابن مسعود، بقوله: "من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأه من ابن أم عبد". فبادر عمر ليلا لينقل البشرى لابن مسعود، فقال ابن مسعود: ما جاء بك هذه الساعة؟ قال عمر جئت لأبشرك بما قال رسو الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود: قد سبقك أبو بكر رضي الله عنه قال عمر: إن يفعل فإنه سباق بالخيرات، ما استبقنا خيرا قط إلا سبقنا إليها أبو بكر.
ومثل هذه الصورة تكررت عندما طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من صحابته أن يتصدقوا، يقول عمر: ووافق ذلك عندي مالا فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله، عندئذ قال عمر: لا أسبقه إلى شيء أبدا.

هكذا يكون التنافس بين الأنداد بحب واحترام، وليس بالحقد والامتهان، أما التنافس غير الشريف فيبدأ فيما بيَّنه النووي في شرح مسلم: قال العلماء: التنافس إلى الشيء المسابقة إليه، وكراهة أخذ غيرك إياه وهو أول درجات الحسد. وأما الحسد فهو تمني زوال النعمة.
ومثل ذلك ما بينه ابن حجر: (والتنافس من المنافسة: وهي الرغبة في الشيء، ومحبة الانفراد به، والمغالبة عليه)، وفي موضع آخر قال عن الحسد: (الحسد تمني الشخص زوال النعمة عن مستحق لها أعم من أن يسعى في ذلك أولا فإن سعى كان باغيا، وإن لم يسع في ذلك، ولا أظهره، ولا تسبب في تأكيد أسباب الكراهة التي نهي المسلم عنها في حق المسلم، نظر فإن كان المانع له من ذلك العجز بحيث لو تمكن لفعل، فهذا مأزور. وإن كان المانع له من ذلك التقوى، فقد يعذر، لأنه لا يستطيع دفع الخواطر النفسانية، فيكفيه في مجاهدتها أن لا يعمل بها، ولا يعزم على العمل بها).
وأحيانا تصيب الإنسان مشاعر لا يملك مدافعتها، فأقل ما يعمله إيقافها عند حد الأمان ،فعن الحسن البصري قال: ما من آدمي إلا وفيه الحسد، فمن لم يجاوز ذلك إلى البغي والظلم، لم يتبعه منه شيء.

ويوضح القرطبي الحسد المذموم بقوله: فالمذموم أن تتمنى زوال نعمة الله عن أخيك المسلم، وسواء تمنيت مع ذلك أن تعود إليك أو لا.. وإنما كان مذموما لأن فيه تسفيه الحق سبحانه، وأنه أنعم على من لا يستحق.
وهذا التنافس الذي قد يؤول إلى الحسد، هو الذي توقعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فتحت على المسلمين فارس والروم فقال: "تتنافسون ثم تتحاسدون، ثم تتدابرون ثم تتباغضون..." وهو المنهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تحسسوا ولا تجسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا".
وأخشى ما يخافه المرء على نفسه، أن ينزلق إلى التنافس في المعاصي أو التنافس على الدنيا وزينتها، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته من هذا المنزلق فقال: "إني فرطكم، وأنا شهيد عليكم، وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن، وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".
ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسارعة الناس عندما علموا بقدوم أبي عبيدة بأموال من اليمن قال لهم: "فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا، كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها، كما تنافسوها، وتلهيكم كما ألهتهم".

إن مجتمعا شأنه التنافس الشريف، يتسابق فيه الأطفال ليشاركوا في القتال، وتتسابق فيه النسوة لخدمة المجاهدين، ويتبارى فيه الناس فيما يحفظون من كتاب الله، وفيما يعملون به من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحين يفقد مثل هذا الجو النظيف، يكون التنافس في الاستكثار من المتاع، وفي التهافت على كل جديد، حتى يصيب أحدهم انتفاشة جوفاء، إن هو حاز على شيء من الدنيا، لم يسبقه إليه غيره.
والأخطر من هذا كله تنافس الكسالى والبليدين، الذين ينتظرون أن تصب نعم الله عليهم صبا، رغم بلادتهم وضعف هممهم، وإن لم تغمرهم هذه النعم وهم قاعدون، حركتهم همة الشر للكيد لمن يعملون، والتشفي بمن يفوقهم، والحسد لمن سبقهم، والحقد على من أنعم الله عليه مما لم ينعم عليهم، وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر. والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا. أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم". والسلام الحقيقي هو الارتياح القلبي المتبادل، وما التحية إلا مظهرا من مظاهره.

وحين يشيع مجال التنافس في الخيرات، لا يتطلع المرء إلا للحاق بمن يفوقه ورعا وعبادة، ودعوة وجهادا.
والذين يمدون أعينهم إلى ما متع الله به بعض خلقه، فتحدثهم أنفسهم أن يسابقوهم في الاشتغال بالتكاثر من النعم، أو بالنظر إليهم نظرة الحسد المقيت، يردهم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى من أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فإنه أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".
ومن أقوال العلماء التي استشهد بها النووي في فهم الحديث: قال ابن جرير وغيره: هذا حديث جامع لأنواع الخير، لأن الإنسان إذا رأى من فضل عليه في الدنيا، طلبت نفسه مثل ذلك، واستصغر ما عنده من نعمة الله تعالى، وحرص على الازدياد، ليلحق بذلك أو يقاربه، هذا هو الموجود في غالب الناس، وأما إذا نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها، ظهرت له نعمة الله تعالى عليه، فشكرها، وتواضع، وفعل فيه الخير. وهذا الصنف من الناس أشار اليه النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل : أي الناس أفضل؟ قال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان قالوا: صدوق اللسان نعرفه فما مخموم القلب ؟ قال هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

ولا يكتمل الإيمان في قلب من انجرف به التنافس غير الشريف إلى الحسد كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد".
وللحسد عواقب وخيمة على الحاسد قبل غيره، وفي بيان بعض عواقب الحسد يقول القرطبي: والحسد مذموم، وصاحبه مغموم، وهو يأكل الحسنات.. وقال الحسن: ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من حاسد، نَفَس دائم، وحزن لازم، وعبرة لا تنفد. وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: لا تعادوا نعم الله، قيل له: ومن يعادي نعم الله؟ قال: الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله.
وما شرعت الاستعاذة من شر حاسد إذا حسد إلا لما يدفعه إليه تنافسه غير الشريف: من كيد، ومكر، وحيلة، ووقيعة، وما ذنب المحسود إلا أن الله فضله ببعض نعمه، أو وفقه لاغتنام وقته وقدراته، إلى أن حاز قدم السبق، وصار محط الأنظار. يقول الشوكاني: ومعنى إذا حسد: إذا أظهر ما في نفسه من الحسد، وعمل بمقتضاه، وحمله الحسد على إيقاع الشر بالمحسود.

قد تتكرر قصة ابني آدم: {إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآَخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ..} والسعيد من ثبته الله على ألا يقابل الإساءة بالإساءة كما فعل ابن آدم الأول حين قال : {لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ}. وتتكرر القصة في أبناء آدم حسدا على دنيا، أو غيرة من صلاح وهمة أو غير ذلك.

ومن أقبح الحسد: ما يكون من المنعمين والسباقين في كثير من مجالات الحياة، وكأنما يريدون احتكارها لأنفسهم. يقول صاحب الظلال: (إنه لمن ألأم الحسد: أن يحسد ذو النعمة الموهوب، لقد يحسد المحروم ويكون الحسد منه رذيلة، أما أن يحسد المغمور بالنعمة فهذا هو الشر الأصيل العميق).
ومن أبواب السقوط في التنافس غير الشريف ما يكون بين الأنداد والمتشابهين من علماء الفن الواحد، أو المهنة الواحدة، أو المنزلة الاجتماعية، أو المرتبة الإدارية.. حيث يتتبع كل واحد سقطات الآخر، بدلا من أن يعمل الفكر والجهد لتقديم الأنفع والأصلح والأبدع .
ويشخص ابن قدامة المقدسي هذا المرض فيقول: (تعلم أن النفس قد جبلت على حب الرفعة، فهي لا تحب أن يعلوها جنسها، فإذا علا عليها شق عليها، وكرهته، وأحبت زوال ذلك ليقع التساوي، وهذا أمر مركوز في الطباع فأما إن أحب أن يسبق أقرانه، ويطلع على ما لم يدركوه، فإنه لا يأثم بذلك، لأنه لم يؤثر زوال ما عندهم عنهم، بل أحب الارتفاع عنهم، ليزيد حظه عند ربه).

والأمر خطير يحتاج إلى ضبط المشاعر، وتنقية القلب وإخلاص القصد لئلا يخرج هذا التنافس عن الحد المحمود إلى الحسد والتباغض.
ومن بشرى رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحاب التنافس الشريف، والبراءة من التحاسد: أن أول زمرة يدخلون الجنة "قلوبهم على قلب رجل واحد، لا تباغض بينهم ولا تحاسد".
ولا يمكن أن يتماسك مجتمع الساعين لاستئناف المجتمع الإسلامي الكبير، ما لم يتطهر مجتمعهم الصغير الناشئ من الكيد والتحاسد، وما لم يستنزف جهودهم التنافس في الخيرات.

محمود الخزندار - رحمه الله

Post: #710
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:01 AM
Parent: #709

بين الحق والباطل
قال الله تعالى:{هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [التوبة: 33].
وقال الله تعالى:{وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} [الإسراء: 81].
وقال الله تعالى:{ وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ(2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ(3) } [العصر].
إن العلم نوعان:
العلم بالله.. والعلم بدينه.
فأما العلم بالله فهو العلم بذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.
وأما العلم بدينه فمرتبتان:
الأولى: العلم بدينه الأمري الشرعي، المتضمن أمره ونهيه، وما أحله وما حرمه، وهو الصراط المستقيم الموصل إليه.
الثانية: العلم بدينه الجزائي، المتضمن ثوابه وعقابه، ويدخل فيه العلم بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.
والحق: هو الصراط المستقيم الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم، وهو يتضمن: معرفة الحق، وإيثاره، وتقديمه على غيره، ومحبته، والانقياد له، والدعوة إليه، والصبر عليه، وجهاد أعدائه، وما سواه فهو صراط أهل الباطل، أهل الغضب والضلال، كما قال سبحانه:{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (7)} [الفاتحة].

فالطرق ثلاثة:

الأول: طريق الرسول صلى الله عليه وسلم وما جاء به، وهي طريق من عرف الحق وعمل به.
الثاني: طريق أهل الغضب، وهي طريق من عرف الحق وعانده كاليهود.
الثالث: طريق أهل الضلال، وهي طريق من عرف الحق وضل عنه.
وسنة الله عزَّ وجلَّ سير الحق تدريجياً شيئاً فشيئاً، يظهر ويرتفع مستواه كالنبات ينمو شيئاً فشيئاً.
فلا نستعجل ظهوره، بل نصبر ونستمر حتى ينتشر الحق ويرتفع مستواه بما يشاء، كما أيد الأنبياء والرسل، وأظهر دينهم، وخذل أعداءهم.

وإذا اشتدت الأمور والأحوال نثبت على الحق، ولا نخالف الأوامر ولا نغير الترتيب، فالله يسمع ويرى ويعلم ما يفعله أهل الحق، وما يفعله أهل الباطل.
فأبو بكر رضي الله عنه لما توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وارتدت العرب، لم يغير شيئاً أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأنفذ جيش أسامة مع شدة الأحوال، وبعث الجيوش لحرب المرتدين مع شدة الأحوال، فكان نصر الله، وعاد الناس إلى الدين.

والنصر والتأييد يأتي تدريجياً، وأحياناً يتأخر لحكمة حتى يقول الناس متى نصر الله؟.
فلا نيأس ولا نمل، بل نستمر وندعو الله وننتظر الفرج، فتلك سنة الله:{ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ} [البقرة: 214].
فلا بدَّ مع الدعوة والعمل من الدعاء.
ولكن الأمة لما تركت الجهد والعمل لم تجد لذة الدعاء والمناجاة، وجاء الشك في الدعاء، وهذا مرض كبير، وإذا قمنا بجهد الدعوة فالله عزَّ وجلَّ يعطينا قوة الدعاء، ولذة المناجاة.

وقد عرض الله عزَّ وجلَّ الأمانة على السموات والأرض والجبال فأبت حملها، وأشفقت منها، وحملها الإنسان فيما بينه وبين ربه، وفيما بينه وبين الخلق، فإن قام بها أثابه الله، وإن فرط فيها عاقبه الله.
فكل إنسان متحمل أمانة نفسه بأن يحملها على طاعة الله، واجتناب معصيته، ومتحمل أمانة أهله، ومتحمل أمانة الأمة بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد انقسم الناس في تحمل الأمانة إلى ثلاثة أصناف:
الأول: الذين تحملوا الأمانة ظاهراً وباطناً، وهم المؤمنون والمؤمنات، وهم درجات.
الثاني: الذين تحملوا الأمانة ظاهراً، وضيعوها باطناً، وهم المنافقون والمنافقات.
الثالث: الذين فرطوا في الأمانة، فلم يتحملوها لا ظاهراً ولا باطناً، وهم المشركون والمشركات.
فهؤلاء والمنافقون والمنافقات ضيعوا الأمانة؛ لأنهم كفروا بالله وأشركوا به.
وقد وعد الله الصنف الأول الذين تحملوا الأمانة بالتوبة والمغفرة، وتوعد الصنفين بعدهم، الذين ضيعوا الأمانة بالعذاب الأليم فقال سبحانه:{ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا (72) لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا (73) } [الأحزاب].
ومن رحمة الله بالخلق وعنايته بهم أن بعث إليهم الرسل تبين الحق وتميزه من الباطل، بحيث يصير مشهوداً للقلب كشهود العين للمرئيات، وهذه المرتبة هي حجة الله على خلقه، والتي لا يعذب أحداً ولا يضله إلا بعد وصوله إليها كما قال سبحانه: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }[التوبة: 115].

فهذا الإضلال عقوبة من الله لهم حين بين لهم الحق فلم يقبلوه، فعاقبهم بأن أضلهم عن الهدى، وما أضل الله أحداً قط إلا بعد هذا البيان، كما قال سبحانه:{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [الصف: 5].

وهذا البيان نوعان:
بيان بالآيات المسموعة المتلوة.. وبيان بالآيات المشهودة المرئية.
وكلاهما أدلة على توحيد الله، وصدق ما أخبرت به رسله عنه.
وهذا البيان الذي بعث الله به رسله، وجعله إليهم وإلى العلماء من بعدهم، وبعد ذلك يضل الله من يشاء، ويهدي من يشاء كما قال سبحانه:{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [إبراهيم: 4].
فالرسل تبين الحق.. والله يضل من يشاء.. ويهدي من يشاء.
والكلام له لفظ ومعنى، وله نسبة إلى الأذن والقلب.

والسماع له ثلاث مراتب:

فسماع لفظه حظ الأذن.. وسماع حقيقة معناه حظ القلب.. وسماع القبول والإجابة حظ العقل.
فالكفار يسمعون الألفاظ التي هي حظ الأذن فقط كما قال سبحانه:{ وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آَنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (16) وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ (17) } [محمد].
فهذا السماع لا يفيد السامع إلا قيام الحجة عليه.
وسماع الحق لفظه ومعناه وقبوله خاص بمن أراد الله هدايته كما قال سبحانه:{ وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ (17) الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ (18) } [الزمر].

وسنة الله التي لا تتبدل أن الحق إذا جاء زهق الباطل، فالباطل لا يمكن أن يثبت للحق كما قال سبحانه: {وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}[الإسراء: 81].
وإن ظهور الباطل وبقاءه منتفشاً فترة من الزمن.. ليس معناه أن الله تاركه.. أو أنه من القوة بحيث لا يغلب.. أو بحيث يضر الحق ضرراً باقياً قاضياً.
وإن ذهاب الحق مبتلى في معركة من المعارك وبقاءه ضعيف الحول والقوة فترة من الزمن.. ليس معناه أن الله جافيه أو ناسيه.. أو أنه متروك للباطل يقتله ويرديه.
كلا.. إنما هي حكمة وتدبير من الحكيم الخبير هنا وهناك.
يملي سبحانه للباطل ليمضي إلى نهاية الطريق، وليرتكب أبشع الآثام وليحمل أثقل الأوزار، ولينال أشد العذاب باستحقاق:{وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [آل عمران: 178].

فالله عزَّ وجلَّ يملي للظالم حتى يزداد طغيانه، ويترادف كفرانه، حتى إذا أخذه أخذه أخذ عزيز مقتدر، فليحذر الظالمون من الإمهال، ولا يظنوا أن يفوتوا الكبير المتعال كما قال سبحانه:{وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102].
ويبتلي سبحانه الحق؛ ليميز الخبيث من الطيب، ويعظم الأجر لمن يمضي مع الابتلاء ويثبت:{ فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآَخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 74].

والإيمان والكفر.. والهدى والضلال.. لا تتعلق بالبراهين والأدلة على الحق.. فالحق برهان ذاته.. وله من السلطان على القلب البشري ما يجعله يقبله، ويخضع له، ويؤثره، ولكن المعوقات الأخرى هي التي تحول بين القلب والحق من الهوى والشهوات، والشبهات، وحب الدنيا، والعادات ونحو ذلك.
وقد ركب الله سبحانه في كل إنسان نفسين:
نفساً أمارة.. ونفساً مطمئنة.
وهما متعاديتان، فكل ما خف على هذه ثقل على الأخرى، وكل ما التذت به هذه تألمت به الأخرى.
فليس على النفس الأمارة أشق من العمل لله.. وليس على النفس المطمئنة أشق من العمل لغير الله.
والملك مع هذه عن يمنة القلب، والشيطان مع تلك يسرة القلب.
فالباطل كله مع الشيطان والأمارة.. والحق كله مع الملك والمطمئنة، والحروب مستمرة دول وسجال، والنصر مع الصبر.
موسوعة فقه القلوب للشيخ التويجري

Post: #711
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:06 AM
Parent: #701

الأخلاق الكريمة مشترك إنساني أطبقت الشرائع على تطلبه والثناء عليه وفضيلة السعي في تحصيله. وهو جزء أساس وضروري من مضمون الرسالات حتى قال صاحب الرسالة الخاتمة –صلى الله عليه وسلم-: " إِنَّمَا بُعِثْتُ لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ" (الموطأ والبيهقي والحاكم بلفظ "صالح الأخلاق").
وها هنا حصر يدل على تعاظم أهمية الأخلاق ورسوخها.
ولا أجدني محتاجاً إلى الاسترسال في هذا المطلب؛ لأنه مما أجمع عليه الناس فحتى الذين يحاربون الأخلاق أو يمارسون نقيضها؛ يعترفون بألسنتهم بقيمتها العالية ومكانها الرفيع!
وقد يتكلف المرء الخلق في حال ما .. اعتياداً وتدريباً وهذا جيد.
وفي الأثر عن أبي الدرداء، ويروى مرفوعاً: "إِنَّمَا العِلمُ بِالتَّعلُّمِ والحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ وَمَن يَتَحَرّ الخيرَ يُعْطَه ومن يَتوقَّ الشر يُوقه" (الخطيب البغدادي في تاريخه بسند حسن وابن عساكر في تاريخه).
لكن من المذموم جداً أن يتظاهر المرء بالخلق استغفالاً للآخرين واستجلاباً لمصلحة أو مداراة لظرف خاص.

إن المحك الحقيقي للخلق الكريم هو الدأب والديمومة؛ ولذا قيل عن السفر: إنه يسفر عن أخلاق الرجال.
فالخلق الحق يتجلى في البيت حين يتعامل المرء مع زوجه سنوات طوالاً في العسر واليسر والمنشط والمكره ويحاول أن يظل ممسكاً بزمام نفسه متحلياً بالصبر معرضاً عن اللغو متسامحاً كريماً فالخلق الصادق يبين على محك الزوجية والأسرة.
وهكذا في الصحبة حين يكون الصاحب وفياً لا تغيره الأحوال.
وما أندر الأوفياء!
يا أوفياء وما أحلى الوفاء على.....تقلب الدهر من مُعط ومستلب
أفديكمُ عصبةً لله قد خلصت.....فما تَغَيَّرُ في خصب ولا جدب

وما أكثر الذين يظن المرء أنهم عدته للدهر فإذا هم عون للشدائد عليه.
كما قال ابن صمادح:
وزهَّدني في الناس معرفتي بهم.....وطُول اختباري صاحباً بعد صاحبِ
فلم تُرِني الأيامُ خِلّاً يسرُّني.... .مباديه إلا ساءني في العواقبِ
ولا قلت أرجوه لكشف مصيبة.....من الدهر إلا كان إحدى المصائب

وتظل الحياة تجمل وتطيب بكم أيها الأوفياء الأخفياء الذين آليتم على أنفسكم ألا تغيركم الأحداث ولا تهزكم العواصف!.
فلله أنتم ما أندركم!
وما أطيب معدنكم!
فطول الصحبة والزمالة والاختلاط تكشف متانة الأخلاق من سطحيتها .

وثمة محك آخر يكشف عن صدق الأخلاق من كذبها، وهو:

القوة والقدرة:

فالضعيف قد يبدو حسن الخلق هادئ الطبع مسالماً ليس لأن هذا من طبعه ولكن لأنه يعجز ...!
وفي هذا يقول المتنبي:
والظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عـــفة فلعلة لا يظــلم

ولعل المتنبي أخذ هذا القول من قول أرسطو: الظلم من طبع النفوس، وإنما يصدها عن ذلك إحدى علتين: علة دينية، أو علة سياسية لخوف الانتقام.

وقد قرأت في كتاب "الفروع" (1/535) لابن مفلح كلاماً منقولاً عن ابن الجوزي يضرب في صميم الهدف حيث يقول: رَأَيْت جَمَاعَةً مِنْ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ يَعْمَلُونَ عَمَلَ الْعَوَامّ، فَإِذَا صَلَّى الْحَنْبَلِيُّ فِي مَسْجِدِ شَافِعِيٍّ وَلَمْ يَجْهَرْ غَضِبَت الشَّافِعِيَّةُ، وَإِذَا صَلَّى شَافِعِيٌّ فِي مَسْجِدِ حَنْبَلِيٍّ وَجَهَرَ غَضِبَتْ الْحَنَابِلَةُ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، وَالْعَصَبِيَّةُ فِيهَا مُجَرَّدُ هَوًى يَمْنَعُ مِنْهُ الْعِلْم قَالَ ابْنُ عَقِيلٍ:
رَأَيْت النَّاسَ لَا يَعْصِمُهُمْ مِنْ الظُّلْمِ إلَّا الْعَجْزُ. وَلَا أَقُولُ الْعَوَامُّ، بَلْ الْعُلَمَاءُ، كَانَتْ أَيْدِي الْحَنَابِلَةِ مَبْسُوطَةً فِي أَيَّامِ ابْنِ يُوسُفَ، فَكَانُوا يَتَسَلَّطُونَ بِالْبَغْيِ عَلَى أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ فِي الْفُرُوعِ، حَتَّى لَا يُمَكِّنُوهُمْ مِنْ الْجَهْرِ وَالْقُنُوتِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ، فَلَمَّا جَاءَتْ أَيَّامُ النَّظَّامِ وَمَاتَ ابْنُ يُوسُفَ وَزَالَتْ شَوْكَةُ الْحَنَابِلَةِ اسْتَطَالَ عَلَيْهِمْ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ اسْتِطَالَةَ السَّلَاطِينِ الظَّلَمَةِ، فَاسْتَعْدَوْا بِالسِّجْنِ، وَآذَوْا الْعَوَامَّ بِالسِّعَايَاتِ، وَالْفُقَهَاءَ بِالنَّبْزِ بِالتَّجْسِيمِ، قَالَ: فَتَدَبَّرْت أَمْرَ الْفَرِيقَيْنِ، فَإِذَا بِهِمْ لَمْ تَعْمَلْ فِيهِمْ آدَابُ الْعِلْمِ، وَهَلْ هَذِهِ [الْأَفْعَالُ] إلَّا أَفْعَال الْأَجْنَادِ يَصُولُونَ فِي دَوْلَتِهِمْ، وَيَلْزَمُونَ الْمَسَاجِدَ فِي بَطَالَتِهِمْ " انْتَهَى مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ .
وهذا لعمر الله كلام مجرِّب عركته الليالي وخبر الناس وخبزهم!

ففي القوة تتبين الأخلاق فإذا حافظ المرء في سلطانه أو غناه أو مجده أو قدرته على مكارم الأخلاق وحفظ الود والتزم التواضع وعفا عن المسيء كان ذلك دليلاً على شرف نفسه وطيب محتده وكرم عنصره...
ومن لي بمثل هذا!
من الذي لا يغيره المنصب؟! أو الغنى الطارئ؟! أو الشهرة؟!

والمحك الثالث: هو الاختلاف.
فجل الناس يتخلقون مع نظرائهم ومشاكليهم وأصحابهم وموافقيهم إذ هو هنا مصلحة متبادلة لكن حين يقع الاختلاف في الرأي أو الموقف أو الاجتهاد أو التنازع على أمرٍ، فكرياً كان أو مادياً تنكشف دخيلة الإنسان وتبدو حقيقته.
فهذا شريف عزيز يحافظ على هدوئه واتزانه ويعبر عن اختلافه بلغة واضحة ولكنها راقية ليس فيها طعن ولا تشهير ولا تذرع بالقول المسف ولا اتهام ولا تجريح ولا استعلاء ولا استعداء؛ لأن الخلق يحجز صاحبه عن كل هذا ... فيدار الحديث مع تباين الرأي على ضبط النفس، وتحكيم العقل، ودفع نزوة الانفعال المرذول التي لا تدل على أكثر من نقص صاحبها وعجزه عن إلجامها.
وآخر يفلت زمامه، فيتهم ويجرح ويتقوّل ويسخر ويزدري ويجعل لنفسه الحسنى ولغيره السوأى وتنهار حصونه الأخلاقية أمام غضبة في غير محلها.
ويتطور به الحال إلى اختراع الأقاويل وادعاء ما لا حقيقة له، اللهث وراء الأغلوطات وتحريف الكلم عن مواضعه
وهكذا يكون الالتزام الأخلاقي في امتحان أمام أزمة الاختلاف.
وحين يقول الناس: (الاختلاف لا يفسد للود قضية) فهذا معنى حسن في ظاهره لكن العبرة بالامتثال الواقعي الحي وليس بالتنظير المجرد.
وقد سمعت يوماً بيتين من الشعر العامي تفيضان رقة وعذوبة، يقول قائلها:

على رفيقي ما يتغضب حجاجي.....إن قال:قم.سو الغرض، قمت أسويه
أدرى رفيقي مثل ضو السراج..... أقل نسناس من الريح يطفيه!

ثم علمت أن قائلها انتهك الحرمات، وتجرأ على الدم الحرام، فما أوسع الفرق بين اللغة الرقيقة مع ( الرفيق )، ولغة السلاح مع المخالف!
وقد كنت حيناً من الدهر أرقب بعض الشباب المتدين حين يختلفون فأقرأ من رديء القول وشططه ما تدمع له العين ويحزن القلب من التسفيه والشتم والتسارع إلى الرمي بالبدعة والفسق والكفر والخيانة ...
وكنت أقول لنفسي: متى تنتهي هذه النزعات المريضة؟!
متى نرتقي إلى المستوى الأخلاقي الجدير بأمة اصطفاها الله وفضلها؟
متى نتمثل قيم القرآن والسنة في ضبط العلاقة حتى مع الأعداء: (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى)؟
متى ندرك أن بعض دوافعنا مزاجية عاطفية تنطلق من ذواتنا وإن تلبست بلبوس الغيرة الدينية؟!
متى..؟ متى..؟ ...

ثم تأملت مسالك بعض الكتبة ممن ينظر إليهم على أنهم (نخب مثقفة) وليسوا عامة أو دهماء؛ فوجدتها لا تختلف, إن لم تكن أسوأ وأكثر ازدواجية وأقل حياء.
فهناك شعور كامن يشجع على الانقضاض والافتراس ( نحن هنا في غابة ) والروح العدوانية في حالة تربص, وبمجرد ظهور نزعة اختلاف فكري أو سياسي تزول قشرة التمظهر ونبدو بعضنا مع بعض أشد ضراوة مما نحن عليه مع أعدائنا الحقيقيين .
وهنا أجدني مرة أخرى متسائلاً:

متى نتعلم أن نختلف ونحافظ على علاقاتنا, بل على الصورة التي نريد أن يأخذها الآخرون عنا؟!
متى نحول نظرياتنا الأخلاقية إلى برنامج عمل واقعي؛ يستمر معنا في حياتنا كلها مهما طال اتصالنا ببعض؟ ويستمر معنا حين نكون أقوياء, حين نرتقي إلى مناصب إدارية, أو مواقع إعلامية, أو وجاهة اجتماعية, أو منزلة تجارية!
ويستمر معنا حين نختلف فلا نطيح بعلاقاتنا ولا نسكت على الخطأ أو الرأي المختلف: { وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} .
وبالصراحة ... أقول هذا القول ... فيحرن القلم ويتباطأ ... ويقول: أأنت كذلك؟
فأقول: لا, ولكني أعدك بأني سأحاول, ومهما تكرر الفشل ... سأحاول.
والسلام
سلمان بن فهد العودة - الإسلام اليوم

Post: #712
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:11 AM
Parent: #701

القرآن الكريم هو أصل الأخلاق الإسلامية , والإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك . والأخلاق في الإسلام قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة , سياسية واجتماعية وقانونية وتربوية. وغاية الأخلاق في الإسلام بناء مفهوم (( التقوى )) الذي يجعل أداء العمل الطيب واجباً محتماً ويجعل تجنب العمل الضار واجباً محتماً، ويجعل الخوف من الله أقوى .

فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير.
ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام هو ( ثبات القيم ) وبالتالي (ثبات الأخلاق) وإن الالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية فإذا زالت فكرة الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، ذلك انه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه .
والإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين.

وفي النص القرآني نجد أن كلمة (خُلُق) قد وردت مرتين :
الأولى : في رد قوم هود عليه السلام عندما دعاهم لعدم التعلق بالدنيا والتطاول بالعمران، وأن يعبدوا الله فذلك أقوم وافضل لهم . فأجابوه وفق ما جاء في الآية الكريمة { إِنْ هَذَا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ(137) } (الشعراء).
فردهم هذا يتضمن مقولة مفادها : أن هذا الذي جئتنا به، هو سنة وعادة قوم سبقوك في الظهور، وادّعوا مثل دعواك.
وفي تلمس معاني هذه الآية الكريمة يتبين لنا أن دعوة الأنبياء والرسل كانت دوما تعتمد خطاً واحدا في منهاجها الأخلاقي الذي يقود إلى صلاح المجتمعات، وصلاح الأفراد.

الثانية : في قوله تعالى : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ(4) }(القلم).
جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه ، وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها. وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان ! للنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقاً.. وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة.
فدلت الآية على أن المتصف بما في القرآن من مكارم الأخلاق أنه يكون على خلق عظيم وذلك لعظم ما في القرآن من مكارم الأخلاق , فمن ذلك قوله تعالى:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنسَوْا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ(237)} (البقرة).
فانظر ما في هذه الآية من الحض على مكارم الأخلاق من الأمر بالعفو والنهي عن نسيان الفضل.

وقال تعالى:{ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(2)} (المائدة).
فانظر ما في هذه الآيات من مكارم الأخلاق والأمر بأن تعامل من عصى الله فيك بأن تطيع الله فيه. وقال تعال: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا(36)} (النساء).
فهذه الآية تأمر بالإحسان إلى المحتاجين والضعفاء .

وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ(90)} (النحل )
وقال تعالى:{ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ(151)} (الأنعام ).
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا(58)} (النساء )
وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ(12)}(الحجرات).

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على ما يدعو إليه القرآن من مكارم الأخلاق ومحاسن العادات.
فعنوان الأخلاق الإسلامية استمد منه الرحمة, الرحمة من الإنسان لأخيه الإنسان، والرحمة من الإنسان للحيوان فلا يجهده أو يحمله فوق طاقته.
والرحمة تكون من الإنسان للطبيعة فلا يعبث بثرواتها التي هي خيرات أمده الله بها.
فالأخلاق الإسلامية ينبوع رحمة يوصل إلى الفضيلة مما يثمر سعادة عامة شاملة لكل أبناء المجتمعات .
فالخلق كلهم عباد الله. وتبدو الحاجة اليوم أكثر منها في أي وقت مضى للالتزام بالخلق القرآني.

الكلم الطيب

Post: #713
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:12 AM
Parent: #712

(التزكية هي تلك الرحلة الطويلة والشاقة لإقامة النفس على الحق وفطامها عن الهوى والباطل، حتى تكون رهن إشارة الوحي والتنزيل بكل رضا وإذعان.
وهي الخطوة الأولى للسير على طريق التغيير. فهي بمثابة بناء ذلك الإنسان المؤهل لإجراء التغيير ... فيفجر الطاقات الكامنة. ويوظفها في إنشاء الحياة الطبية والحضارة الشامخة ... بعد أن انتصر على معركته الأولى مع نفسه..وأصلح تلك المضغة التي إن صلحت صلح الجسد كله، ألا وهي القلب ).

(فالتزكية تعني أن أسلك السبيل الذي يخلصني من كبريائي .. ويخلصني من أنانيتي .. ومن الأحقاد والضغائن .. ومن تعشُّق الدنيا التي وصفها الله بأنها فانية وبأنها عرض زائل ... وأن أجعل من قلبي مرآة لحب خالد باقٍ ، بعد مسح حب عَرَض الحياة الدنيا الفاني ).

ويقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: (إن تغيير النفس وإصلاحها ينبغي أن ينطلق من تصحيح معتقداتها على أساس توحيد الخالق..وتصحيح قناعاتها ومفاهيمها عن الكون والحياة والإنسان والتاريخ والفرد والمجتمع.. والمرأة والرجل..والدين والحكم..
ومن هنا وجدنا الاستخراب (الاستعمار) حين دخل بلاد المسلمين؛ جعل همَّه الأكبر في تغيير مفاهيمها وأفكارها عن طريق التعليم والثقافة والإعلام.. فيغرس في الأذهان:

أن الدين لا علاقة له بالسياسة..وأن الدين لا علاقة له بالأخلاق..وأن الحرية فوق القيم..وأن المرأة مساوية تماماً للرجل..وأن الأزياء - وما يتعلق بها من أمور - خاضعة للعرف والتقاليد لا للشرع..).

فإذا وثقت النفس أنها بدأت تستوي على الطريق الصحيح؛ فإنها تكون مهيئة حينئذٍ للإصلاح ودعوة غيرها انطلاقاً من قاعدة: (أصلح نفسك وادع غيرك).
• كن أنت قدوة لأهلك وجيرانك وأصحابك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الأعلى والقدوة الحسنة لأمته في كل شيء.

وكذلك تجسدت القدوة الصالحة في صحابته أجمعين ومن تبعهم بإحسان، وبتلك القدوة انتشر الإسلام شرقاً و غرباً.
ووصل الإسلام إلى كثير من البقاع على أيدي تجار مسلمين، ودعاة صادقين، جعلوا من أنفسهم القدوة والصورة الحسنة للإسلام.
فهل نحن صورة صادقة للإسلام؟

هل نعطي الآخرين من غير المسلمين الذين يفدون إلى بلادنا، صورة المسلم الصادق الأمين، الذي لا يكذب ولا يغش ولا يخدع، ولا يأكل أموال المسلمين، ويحافظ على أعراضهم وعهودهم، يفي بالوعد ولا يقول: ((سيأتي في الموعد إن شاء الله)) وهو يعلم في حقيقة نفسه أنه سيخلف هذا الموعد، ولن يأتي أبداً؛ حتى جعلنا - للأسف - هذه الكلمة مثار تهكم واستهزاء من الأجانب في بلادنا!!.
ورحم الله الشاعر الذي يوبخ أولئك الذين يعلّمون غيرهم بما لا يفعلونه فيقول:
فـيـا أيـهــا الـرجــلُ المـعـلِّـمُ غـيــرَهُ هــــلَّا لـنـفـسـكَ كــــان ذا الـتـعـلـيـمُ
تصِفُ الدواءَ لذي السقام وذي الضنا كـيـمـا يـصــحُّ بـــه وأنـــت سـقـيــمُ
ابــدَأْ بنفـسِـــكَ فانْهَـهَـا عـــن غـيِّـهـا فــإذا انـتـهـتْ عـنــهُ فـأنــتَ حـكـيـمُ
فهنــاك يُقـبَـلُ مــا وعـظـتَ ويُقـتـدى بـالـعـلـم مــنــكَ ويـنــفــعُ الـتـعـلـيـمُ

ذكر الجاحظ أن عقبة بن أبي سفيان لما دفع ولده إلى المؤدِّب قال له:(ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح بني إصلاح نفسك..فإن أعينهم معقودة بعينك..فالحسنُ عندهم ما استحسنت..والقبيحُ عندهم ما استقبحت..وعلّمهم سير الحكماء وأخلاق الأدباء..وكن لهم كالطبيب الذي لا يعمل بالدواء حتى يعرف الداء).
ويقول سفيان الثوري في وصاياه لعلي بن الحسن:(يا أخي! عليك بتقوى الله، ولسان صادق، ونية خالصة، وأعمال صالحة, ليس فيها غش ولا خدعة، فإن الله يراك وإن لم تكن تراه، وهو معك أينما كنت، ولا يخفى عليه شيء من أمرك.
لا تخدع الله فيخدعك ويخلع منك الإيمان وأنت لا تشعر، ولا تمكرن بأحد من المسلمين المكر السيِّئ, فإنه لا يحيق المكر السيئ إلا بأهله..ولا تبغينَّ على أحد من المسلمين، فإن الله تعالى يقول:{يَأَيُّهَا النَّاسُ إنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ } (يونس: 23)
وأحسنْ سريرتك يُحسن الله علانيتك.

وأصلح فيما بينك وبين الله، يُصلح الله فيما بينك وبين الناس..واعمل لآخرتك، يكفيك الله أمر دنياك.
بعْ دنياك بآخرتك تربحهما جميعاً، ولاتبعْ آخرتك بدنياك فتخسرهما جميعاً..عليك بالصدق في المواطن كلها، وإياك والكذب والخيانة ومجالسة أصحابها، فإنها وزرٌ كلها..وإيّاك والعُجْب، فإن العمل الصالح لا يرفع وفيه عُجب ..ولا تأخذن دينك إلا ممن هو مشفقٌ على دينه، كمثل طبيب به داء لا يستطيع أن يعالج داء نفسه وينصح لنفسه، فكيف يعالج داء الناس و ينصح لهم؟!...)).

ثانياً : سنن التغير في الكون:

تذكر يا أخي أن هناك سنناً كونية في التغيير لا تتبدل على مر العصور لأنها السنن الإلهية. ومن هذه السنن:
1- التغيير ضروري حتى تستقيم الحياة وتطهر الأرض من الظالمين:قال تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بَخَلْقٍ جَدِيدٍ} (9 ).
2- التغيير مرهون بسلوكيات البشر، قال تعالى:{ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ } (الرعد: 11)
3- التغيير إلى الأسوأ مرتبط بظلم العباد (الإساءة): قال تعالى: { وَكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمَاً ءَاخَرِينَ} (الأنبياء:11).
4-التغيير إلى الأحسن مرهون بعمل الصالحات (الإحسان):قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحَاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَوٰةً طَيِّبَةً وَلَتَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بَأَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل :97).

5- أن الإحسان والإساءة يدوران في خلل الهوى والضلال قال تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاىَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكَاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيٰمَةِ أَعْمَى} (طه :123 - 124).
وقال تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى * وءَاثَرَ الحَيَوٰةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ المَأْوَى * وَأمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى} (النازعات :37 - 41).

6- التغيير أداة تمحيص وابتلاء لتمييز الصالحين من عباده:قال تعالى: {الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُواْ أَن يَقُولُواْ ءَامَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ } (العنكبوت:1-2).
وقال تعالى: {وَتِلْكَ الَأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ } (آل عمران :140).

ثالثاً : مفهوم التغيير:

يقول الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في شرح مفهوم التغيير:إنهما تغييران لا ثالث لهما :
أحدهما: يتعلق بعالم المادة الذي من حولنا. وقد تكفل الله عزَّ وجلَّ به، وحمَّل ذاته العلية هذا التغيير.
التغيير الثاني: يتعلق بالنفس الإنسانية، من حيث تعلق هذه النفس بالله عزَّ وجلَّ. وهذا هو التغيير الذي حمَّل اللهُ الإنسانَ مسؤوليته.
فكأن الله عزَّ وجلَّ يقول: يا بن آدم عليك أن تعود إلى نفسك، فتقيم علاقتك معي على النهج الذي تقتضيه فطرتك .. وعلى النهج الذي تقتضيه ربوبيتي .. أضمن لك أن أغيِّر الدنيا من حولك .. وأخضعها لسلطانك وحكمك..
ألم تسمعوا جيداً إلى قوله تعالى: { وَقَاَل الَّذِينَ كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّن أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إٍلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ * وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ} (إبراهيم: 13 – 14).
هذا هو قرار الله في إخضاع المادة لهؤلاء المؤمنين، ثم أعطانا القانون فقال:{ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ}(إبراهيم :14).
أنا سأُخضعُ الدنيا لهؤلاء الناس..ولسوف أجعل أنظمة الكون تدور على رغائبهم طبق قانون كلما تكرر، تكرر هذا العطاء. وعبَّر عن هذا القانون بكلمة أخّاذة جامعة فقال: { ذَلِكَ} - أي هذا القانون يتكرر وليس حالة عابرة: { لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ }.

من الشباب من يريد استعجال النتائج .. يقول: عملنا .. وعملنا، ولم نرَ نتيجة بعد!!.
فكأنه يريد أن يعمل اليوم .. ويحصد نتائج عمله في الغد.
ولكن سنن الله في الكون غير ذلك .. فقد أرسى الله الحياة على الارتقاء والتدرّج .. فلا الشمس تشرق فجأة .. ولا النبتة تظهر فجأة .. وكذلك حال الدين.
ولقد استعجل بعض الصحابة النتائج. فماذا أجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال: " والذي نفسه بيده ليتمنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من حضرموت إلى اليمن..أو من اليمن إلى حضرموت..لا يخشى إلا الله و الذئب على غنمه .. ولكنكم تستعجلون "!!.
فهكذا الحياة .. صعود تارة..وهبوط تارة أخرى..عقبات وعراقيل..وهضاب وسفوح..إلى أن تصل إلى غايتك في هذه الحياة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(كتاب همسة في أذن شباب)

Post: #714
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:14 AM
Parent: #701

الحلم .. البضاعة التي لا تبور
ذات يوم بينما كان الأب يلمع سيارته الأنيقة، فوجئ بابنه ذي الست سنوات يكتب عليها بخدوش مسمار التقطه من الأرض على حين غفلة من أبيه، وفي قمة غضبه واندفاعه أخذ الأب بيد ابنه وضربه عليها عدة مرات بدون أن يشعر أنه كان يستخدم للعقاب قضيبا حديديا ضخما.
كانت ثورة الأب عارمة فالسيارة جديدة وتخريب الابن كان غير متوقع، لهذا كانت الضربات قاسية وقوية مما أدى إلى بتر أصابع الابن في المستشفى لاحقا، وتحول العقاب إلى مأساة خاصة عندما كانت براءة الطفل تتألم ويسأل المسكين أباه: «متى ستنمو أصابعي ثانية يا أبي؟»
هذا السؤال كان يمزق قلب الأب ويحرقه حسرة وندما .. ترك الأب المستشفى عائدا للبيت وتوجه إلى السيارة وبدأ يركلها بقدمه عدة مرات حتى أعياه التعب فجلس بجوارها يجفف دموعه ثم إذا به ينظر إلى جانب السيارة المخدوش فوجد ابنه كان قد كتب: «أحبك يا أبي».

الحِلْم هو الإمْهَال بتأخير العقاب المستحقِّ، ولا يصحُّ الحِلْم إلَّا ممَّن يقدر على العقوبة. والوَقَار هو السكينة والهدوء وتجنب الطَّيش عند الغضب، مأخوذ مِن الوَقْر وهو: الحِمْل. وأمَّا الأَنَاة فهي التَّأنِّي في الأمور وعدم العجلة، وألَّا يأخذ الإنسان الأمور بظاهرها فيتعجَّل ويحْكُم على الشَّيء قبل أن يتمهل فيه وينظر.
ولقد ووصف الله تعالى نفسه بالحِلْم، وسمَّى نفسه الحليم، فقال تعال: {وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً} [الأحزاب:51] قال الإمام أبو حامد الغزالي: "الحليم هو الذي يشاهد معصية العصاة، ويرى مخالفة الأمْر، ثم لا يستفزُّه غضبٌ، ولا يعتريه غيظ، ولا يحمله على المشاركة إلى الانتقام، مع غاية الاقتدار".

عن عبد الرحمن بن جبير -رضي الله عنه- قال: "أتى النبي -صلى الله عليه وسلم- شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا [أي: متكئًا على عصا] حتى قام بين يدي النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قُسِّمَت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم [لأهلكَتْهم] أَلَهُ من توبة؟
فقال -صلى الله عليه وسلم-: "هل أسلمت؟" قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله.
قال -صلى الله عليه وسلم-: "تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات"
قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟
قال عليه الصلاة والسلام: "نعم، وغدراتك وفجراتك".
فقال: الله أكبر، الله أكبر ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يُردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار [مسند البزار].

وقال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} [الإسراء:44] وإذا ورد لفظ الحلم فعلم أن العبد مستحق للعقوبة، والعقوبة هنا لترك الذكر، وفي حديث وصية نوح: (وأوصيك بسبحان الله وبحمده، فإنها صلاة كل شيء، وبها يرزق الخلق) [مسند أحمد] فالمفترض أن ترك التسبيح لا يرزق العبد معه، ولكنه لطف الله تعالى الحليم الغفور.
كما تعددت الآيات التي تدعو المسلمين إلى التَّحلِّي بهذا الخُلُق النَّبيل، وعدم المعاملة بالمثل ومقابلة الإساءة بالإساءة، والحثِّ على الدَّفع بالتي هي أحسن، والتَّرغيب في الصَّفح عن الأذى والعفو عن الإساءة.

قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134] فأركان الحلم ثلاثة كما ورد بالآية، لا يوصف المرء بالحلم إلا إذا استوعبها .. فالحلم دليل رجاحة العقل واتزان النفس، وعلي النقيض فإن التهور والاندفاع والطيش والهوى والعجلة دليل خفة العقل وسفه النفس.
ولم ينعت الله تعالى الأنبياء بأقلَّ مِن الحِلْم وذلك لعزّة وجوده، فقال تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [التَّوبة:114] {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ} [هود:75].

وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال -صلى الله عليه وسلم-:"التَّأنِّي مِن الله، والعجلة مِن الشَّيطان، وما أحدٌ أكثر معاذير مِن الله، وما مِن شيءٍ أحبُّ إلى الله مِن الحِلْم" [صحيح الجامع]
وقال - صلى الله عليه وسلم - لأشجِّ عبد القيس: "إنَّ فيك لخصلتين يحبُّهما الله: الحِلْم والأَنَاة" [رواه مسلم]
وقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة".
وقال عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه: "ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك، ولكنَّ الخير أن يَكْثُر علمك ويَعْظُم حلمك، وأن لا تباهي النَّاس بعبادة الله، وإذا أحسنت: حمدت الله تعالى، وإذا أسأت: استغفرت الله تعالى".
وقال أيضا: "من لانتْ كلمتُه وجبتْ محبتُه، وحلمك على السفيه يكثر أنصارك عليه".
وقال معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: "لا يبلغ العبد مبلغ الرَّأي حتى يغلب حِلْمُه جهله، وصبرُه شهوته، ولا يبلغ ذلك إلَّا بقوَّة الحِلْم".

فكم من اندفاعة في غير موضعها أورثت حزناً طويلا!
وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة!
تذكر دائما أن تعطي فرصة لنفسك وأن تهدأ قبل أن تتخذ قرارا قد تندم عليه مدى الحياة!!
واعلم بأن الحلم يرفع المرء ولو كان وضيعا، ويؤلف القلوب ولو كانت متنافرة، ويزيل العداوة والحسد ولو كان مستحكما، وكفي بالحلم فضلا أن عواقبه محمودة، والندامة منه مفقودة.
والحليم لا ينتصف من جاهل أبدا .. كان الأحنف بن قيس يقول: مَن لم يصبر على كلمة سمع كلمات، ورُبَّ غيظٍ قد تجرَّعته مخافة ما هو أشدُّ منه، وأنشد:

رضيت ببعض الذُّل خوف جميعه كذلك بعض الشَّرِّ أهونُ مِن بعض

وعن حفص بن غياث قال: كنت جالسًا عند جعفر بن محمد، ورجل يشكو رجلًا عنده، قال لي كذا، وفعل لي كذا، فقال له جعفر: مَن أكرمك فأكرمه، ومَن استخفَّ بك فأكرم نفسك عنه.
وقال رجل لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: والله لأتفرَّغنَّ لك، قال: هنالك وقعت في الشُّغل، قال: كأنَّك تهدِّدني، والله لئن قلت لي كلمة لأقولنَّ لك عشرًا، فقال عمرو: وأنت والله لئن قلتَ لي عشرًا لم أقلْ لك واحدة.

إن الحلم يحفظ على نفس الرجل عزتها وكرامتها وحشمتها، ويرفعها عن مجاراة السفلة والسوقة، ويكثر أهل الخير من حوله .. قال معاوية رضي الله عنه لعَرابة بن أوس: بم سدت قومك يا عرابة؟ قال: "يا أمير المؤمنين كنت أحلم على جاهلهم، وأعطي سائلهم، وأسعى في قضاء حوائجهم".
فعادة البشر أنهم يكرهون جافي الطبع، ولا يجتمعون حول من يأخذه الغضب لأدنى هفوة إلا أن يساقوا إليه سوقاً أو يحتاجون إليه ضرورة.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #715
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:17 AM
Parent: #701

الحمد لله الأول، والآخر، الظاهر، والباطن؛ الأول فليس قبله شيء، و الآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء ، والباطن فليس دونه شيء. والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء، وسيد المرسلين سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم، الحمد لله القائل في محكم التنزيل : {اقرأ باسم ربك الذي خلق؛ خلق الإنسان من علق} .
أما بعد :

فإن (الإيجابية) و(السلبية) كلمتان شاع استعمالهما في الأزمنة الأخيرة استعمالاً كثيراً على كافة المستويات؛ يستعملهما الصحفيون، والمؤلفون، وعامة الناس، فتجدهم يقولون هذه (ظاهرة إيجابية) وتلك (ظاهرة سلبية) و(فلان إيجابي) و(فلان سلبي). ولا نعلم لهاتين الكلمتين مدلولاً شرعيا، لكن كما قيل: لا مشاحة في الاصطلاح. فالألفاظ أوعية للمعاني .

الإيجابية : تحمل معاني التجاوب، والتفاعل، والعطاء، والمساهمة، والاقتراح البنَّاء. والشخص الإيجابي : هو الفرد، الحي، المتحرك، المتفاعل مع الوسط الذي يعيش فيه .

والسلبية : تحمل معاني التقوقع، والانزواء، والبلادة، والانغلاق.
والشخص السلبي: هو الفرد البليد، الذي يدور حول نفسه، لا تتجاوز اهتماماته أرنبة أنفه، ولا يمد يده إلى الآخرين، ولا يخطو إلى الأمام .
وهذا التصنيف، أمر مشهور في القديم والحديث، فإن الله قسم الأخلاق، كما قسم الأرزاق. لكن الذي يهمنا، في هذا المقام، واقع الشباب المسلم الذين انتظموا في سلك الدعوة إلى الله، وحُسبوا من شباب الصحوة الإسلامية، فقد يصاب الشاب بداء السلبية، ويفقد مزية الإيجابية دون أن يشعر. تضمه حلقة ذكر، فيظن نفسه إيجابياً ويرى أقرانه في الشوارع، لا يشهدون ما يشهد، فيقول : هؤلاء سلبيون، وأنا الإيجابي.

فلا يسوغ أن نخدع أنفسنا، ونغش ذواتنا، بل علينا أن نتأكد بصورة حقيقيةٍ، من واقعنا وحالنا.
إننا حين نرصد هاتين الظاهرتين (الإيجابية)، و(السلبية)، في حياة المؤمنين، فإننا نجد أمثلة نادرة لقوم منَّ الله تعالى عليهم بالإيمان الفاعل، المتحرك، الذي نسميه في مصطلحنا المعاصر(الإيجابية). ومن تلكم الأمثلة :

أولاً :قصة مؤمن القرية

قال: الله عز وجل:{وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ} لنتأمل حال هذا الرجل الداعية، من خلال عدة وقفات :
الوقفة الأولى :(وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ) جاء من مكان بعيد؛ لم يمنعه بُعد المكان أن يأتي ليبلغ دعوته، وينشر معتقده، فقد جاء من أقصا المدينة! فلم يقل: الشُّقة بعيدة، والمسافة طويلة، والأمر صعب، بل اطرح جميع هذه المعوقات. هذه واحدة.

والوقفة الثانية: إنه جاء (يَسْعَى) ولم يأتي ماشياً! فإن ما قام في قلبه من الحماس، والحمية، والحركة، والرغبة، في نقل ما عنده إلى الآخرين، حمله على أن يسعى.

الوقفة الثالثة : (من أقصا المدينة) وعادةً، لا سيما في الأزمنة السابقة، لا يسكن أقصا المدينة إلا بسطاء الناس، وضعفاؤهم، وفقراؤهم، فلم يمنعه ما هو عليه من شظف العيش ودنو المنزلة الاجتماعية، من أن يجهر بدعوته .

الوقفة الرابعة : {قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}كلمة ً صريحةً، واضحةً، صرخ بها بين ظهراني قومه. ولربما كان هذا الإنسان قبل أن يمن الله تعالى عليه بالإيمان، لا يقوى أن يرفع طرفه إلى الملأ من قومه، مما يجد في نفسه من الشعور بالذلة والمهانة، فهو ليس من علية القوم، يعيش في قصر في قلب البلد، لا وإنما يعيش في ضواحيه، وأطرافه وكما قال بعض المفسرين: أنه كان يعمل (إسكافاً) وهي مهنة بسيطة دنيئة. لكن الإيمان الذي وقر في قلبه، حمله على أن يشعر بعزة الإيمان، واستعلائه، فيصيح بين ظهراني قومه، قائلاً: {يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}، دون سابق ممارسة، واعتياد. وإنما يتكلم الإنسان، ويمتلك الشجاعة الأدبية، لما يقوم في قلبه من الإيمان العميق بالحق الذي يعتقده. فلماذا نتلجلج أحياناً؟ ولماذا نتلكأ؟ ولماذا نحجم؟ إن هذا ناتج عن ضعف الإيمان، وبرودة المعاني التي نعتقدها، أما إذا حَيَت في قلوبنا هذه المعاني، فإنها ستظهر على فلتات اللسان، وحركة الأبدان، للتعبير عنها.

الوقفة الخامسة :{اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ}: هاهو يناظرهم، ويجادلهم، ويشير إلى بعض نقاط الخلاف بين قومه وبين أولئك الرسل الكرام الذين أرسلوا إليهم، ثم يسوق الحجج العقلية، والفطرية، فيقول:{وَمَا لِي لاَ أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً إِن يُرِدْنِ الرَّحْمَن بِضُرٍّ لاَّ تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلاَ يُنقِذُونِ إِنِّي إِذًا لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ}
هذا مثال لمؤمن حمله إيمانه الحق الصادق، على أن يجهر بدعوته، لا يجمجم، ولا يهمهم، وإنما يأتي بها صريحة، واضحة، بينة، في منتديات الناس. إيمان فاعل، إيمان ناشط، إيمان واعٍ؛ يدرك تبعاتها، وآثارها، وما سوف تجر عليه من مسؤوليات، لكن ذلك لم يمنعه ولهذا قال ذلك الكلام بين ظهراني قومه، ونادى بملأ فيه :{إِنِّي آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ }فقتله قومه شر قتله، حتى ذكر بعض التابعين الذين يروون عن أهل الكتاب أن قومه وطئوه بأقدامهم حتى قضوا عليه، وقيل إنهم قطعوه إرباً.

ولكن القصة لم تنتهِ عند هذا الحد ! يظل الإيمان الفاعل يحمل صاحبه على النصح للآخرين، قائماً، فبعد أن بُشِّر:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ}! سبحان الله! حتى بعد الموت، والفوز بالجنة، لا يزال في قلبه الشعور بالرغبة في العطاء، الرغبة في البذل، والنصح للآخرين . ولم يشأ أن يتشفى بهم، أو يجعل ذلك ذريعةً للنيل منهم، وإنما تمنى من سويداء قلبه أن يعلم قومه بعاقبته، لعل ذلك يحملهم على أن يقبلوا نصحه. قال قتادة: لا تلقى المؤمن إلا ناصحا، لا تلقاه غاشا؛ لما عاين من كرامة الله. وقال ابن عباس: نصح قومه في حياته بقوله: "يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ"، وبعد مماته في قوله: " يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ. بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ"رواه ابن أبي حاتم.
قال ابن كثير رحمه الله: (ومقصوده: أنهم لو اطلعوا على ما حصل من هذا الثواب، والجزاء، والنعيم المقيم، لقادهم ذلك إلى اتباع الرسل، فرحمه الله ورضي عنه، فلقد كان حريصا على هداية قومه).

ثانياً : قصة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه:
كان يتحاشى، ويحاذر أن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم، بسبب تحذير قريش. فلما سمعه، وأدرك صدقه، بعقله، وثاقب نظره، وفطرته السليمة، آمن. ولكن الرجل لم يكتم إيمانه في قبيلته (دوس)، ولم ينكفئ على نفسه، دون أن يكون له أثر. وإنما طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل له آية. فلما أقبل على قومه، جعل الله له نورا ً بين عينيه. فسأل الله تعالى أن تكون في غير هذا الموضع، حتى لا يظنها قومه مُثله. فكانت في رأس سوطه. فلما جاءه أبوه قال: إليك عني، ما أنا منك، ولا أنت مني! وصنع ذلك مع زوجه، وقبيلته. فقالوا: ماذا أصابك؟ قال: إني ءامنت بالله، فإما أن تؤمنوا بما آمنت به، أو أفارقكم. فلم يزل بهم حتى وافقوه.
وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر، ومعه سبعون من قبيلته دوس! رجل واحد يأتي بسبعين رجلاً، منهم أبو هريرة!.

فلو لم يكن من فضائله، رضي الله عنه، إلا أن أسلم على يديه أبو هريرة، رضي الله عنه، لكفى. كفى أن أبا هريرة، أكثر الصحابة رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حسنة من حسنات هذا المؤمن الفاعل النشيط، الذي وقر الإيمان في قلبه، فظهر على أعماله وسلوكه.
وللحديث بقية حول هذه الظاهرة إن شاء الله ويسر، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وصف الظاهرة
اسمحوا لي الآن بعد عرض هذين المثلين الإيجابيين، أن أعرض لوصف مظاهر السلبية، التي صارت تتفشى في مجتمعات كثير من الشباب الصالحين هذه الأوقات. فقد كان الشباب في مطلع هذه الصحوة المباركة، فيهم من القوة، والبذل، والتضحية، بالأوقات، والحماس للدعوة إلى الله عز وجل، ما هو مضرب المثل. وكانوا قلة يواجهون باللوم، والتقريع، وإطلاق ألقاب السوء عليهم. فلم يزالوا صابرين، ناصحين، باذلين، حتى فتح الله على أيديهم، وكثر المهتدون بسببهم. ثم بتنا نرى جموعاً من الشباب، يحبون الخير، ويشهدون مجالسه، ولكنهم أقل عطاءً، وأضعف إنتاجاً، وأثرهم في المجتمع ضعيف. أصيبوا بداء (السلبية).

وهذه الظاهرة تنشأ عبر خطوات؛ فتجد الشاب يعيش في مرحلة ما قبل الاستقامة حياةً ممتلئة، فعالة، مؤثرة، تضج بالعطاء، والحيوية، والذهاب، والإياب، والانشغال، لكن في مجال الباطل، والغفلة، واللهو؛ رحلات متتابعة، سفريات، وزيارات، ومشاريع كثيرة جداً. ثم يلتزم الشاب، ويجد طعم الراحة الإيمانية، وتتساقط عنه همومه، وإشكالاته، ويحس بالخفة النفسية. وهذه مرحلة طبيعية، وفرح إيماني صحيح. لكن بعضهم يسيطر عليه شعور بالانسحاب من الحياة العامة، والعيش في جو مغلق محدود، لا يتناسب من حيث العطاء مع وضعه السابق، إذا به يعود منغلقاً على نفسه، مطأطأ الرأس، خافت الصوت، لا ينتج، ولا يبذل. ويصدق عليه المثل القائل: (جبَّار في الجاهلية خوار في الإسلام)
ثم تجد أن هذا الشاب الذي أصيب بهذا الداء داء (السلبية) يطمئن نفسه ببعض المسكنات، فيقول: هاأناذا أساهم مع الشباب في حضور بعض الأنشطة، وهاأناذا أحضر مناسبات الخير، وإذا دعيت أجبت. ويعتقد أنه بهذه المساهمات المحدودة، البسيطة قد أدى ما عليه. يشعر بالاكتفاء، والامتلاء. وهذا في الحقيقة داء.

ليس المقصود أن تكون رقما فقط، ، كلا! إنك حينما اهتديت إلى الله عز وجل، بات المطلوب منك أن تحمل غيرك، كما حملك غيرك، وأن تكون فاعلاً، مؤثراً، كما كنت قبل ذلك، لا أن تملأ المجالس، ويكون دورك فقط الدور الحضوري.
ثم لا يلبث صاحبنا أن تنشأ عنده اهتمامات جانبية، تافهة، تكون هي شغله الشاغل. وقد يتعدى الأمر إلى خطر أكبر، فيقع في الفتور، إذا طال عليه الأمد كما قال الله عز وجل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}(الحديد:16)، فيقسو قلبه، وتموت أحاسيسه، وانفعالاته الإيمانية، ولا يستجيب لما كان يستجيب له من قبل. وربما أفضى به ذلك إلى الردة، والانتكاسة، كما نسمع بين الوقت والآخر: إن فلاناً أصابه شيء، وانتكس والعياذ بالله.

وربما ابتلي هذا الإنسان السلبي، بمرض آخر خطير، وهو (حب النقد) و(توزيع التهم) و(الانشغال بتجريح الآخرين). فإنك، غالباً، لا تجد من يشتغل بالنقد، والتجريح، والوقيعة في الناس، ولاسيما الدعاة، والعلماء، إلا الفارغين. فالفارغون الذين ليس عندهم عمل، ولا دعوة، ولا طلب علم، ولا حسبة، شغلهم الشاغل أن يتكئ أحدهم على أريكته، ويشير بأصبعه السبابة، قائلاً: هذا صح، وهذا خطأ! وفلان أصاب، وفلان أخطأ! وربما لم يبلغ بعد أن يحسن تلاوة الفاتحة، أو يحفظ باباً من العلم .
السلبية في البيت
ففي البيت، ليس له تميز ، ولا أثر؛ لا يأمر بالمعروف، ولا ينهي عن المنكر. وربما قصر في الحقوق الواجبة عليه من البر والصلة. لا يميز أهله بينه، وبين أخيه غير المستقيم، بل قد يفوقه بعض إخوانه في نفع أهله. وربما لا يقوم بتعليمهم ما يتعلم، ولا يجلب لهم الأشرطة، ولا الكتيبات، ولا يجلس معهم، ولا يحدثهم بأحاديث إيمانية، ولا يناصحهم ولا يسألهم عن مجريات أمورهم. فهذا لاشك أنه نوع من السلبية.
وليستذكر كل واحد الآن، ماذا يصنع في بيته ؟ هل أنت شعلة مضيئة ؟ هل أنت زهرة فواحة، تنشر أريجها، وعبقها في كل ركن من أركان البيت ؟ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "خيركم، خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي"رواه الترمذي. فلماذا نحرص على الخير خارج بيوتنا، ونهمل بيوتنا، وهي ألصق بنا، وأولى ببرنا، وعطائنا ؟ ! لا شك أن هذا يكشف خللاً في التربية، والتدين.

السلبية مع الزملاء
في المدرسة، أو الكلية، تجد علاقة هذا الإنسان المصاب بداء السلبية، مع زملائه علاقةً عادية في أحسن أحوالها، لا قدوة، ولا أخلاق، ولا تميز. فالمفترض في من يحمل بين جنبيه إيماناً دافقاً، أن يكون بين زملائه، الذين هم أصلاً مهياؤن لطلب العلم، داعية، ومذكراً، وأن يباشرهم، و يتعرف على أحوالهم، ويدعوهم إلى الله، ويربيهم، ويتبادل معهم الخبرات، والمعلومات. يعطي هذا شريطاً، ويهدي لهذا كتيباً، ويتفقد حال هذا، ويزور ذاك في بيته. إلى غير ذلك من صور التفاعل الإيجابي، لا أن يقعد ويحتل كرسياً في الفصل، دون أن يكون له أثر. وربما اجتاح الميدان غيره من دعاة السوء، واللهو، والعبث، فصاروا هم المقدمين، الذين لهم الكلمة النافذة، الذين يوجهون مناشط الفصل، ومناشط المدرسة، وبرامج الكلية، وهو يتفرج، لا يحرك ساكناً، لا يقدم ولا يؤخر. كما قيل :
ويقضى الأمر حين تغيب تيم ولا يستأذنون وهم شهود
سائل نفسك: حين تكون عضواً في جمعية النشاط المدرسي، أو برامج النشاط التي تقام في الكليات، والجامعات، هل أنت تقدم الأفكار، والاقتراحات، والملاحظات، والمبادرات؟ فإن هذا لون من ألوان التفاعل و الإيجابية، أم تكتفي بالحضور الصامت؟

السلبية في المسجد والحي
تجد هذا الشاب الموصوف بالسلبية، لا ثقل له بين جماعة مسجده، ولا اعتبار. نكرة من النكرات، لا يعرفه أحد ! لأنه لا يبذل نفسه، ولا يسعى في حاجة المسجد، ولا يساعد جماعته، ولا يعظ، ولا ينصح، بل يأتي ليصلي، ثم ينصرف سريعاً، كأنه عابر سبيل. بل إنك تجد أحيانا ً بعض العامة يبذل في هذا المجال بذلاً عظيما ؛ إذا جاء شهر رمضان، رأيت طائفة من الناس يشتغل في تهيئة المسجد، لصلاة التراويح، والعناية بالصوت، والإضاءة، وغير ذلك، وصاحبنا لا ناقة له، ولا جمل.
سائل نفسك :حين تكون منتمياً لحلقة تحفيظ القرآن في المسجد، هل أنت على صلة بزملائك، تناصحهم، وترشدهم، وتثبتهم، وتحضهم على المواصلة في الحفظ؟ وسائل نفسك : ما هو دورك حيال قضايا المجتمع ؟ أنت عضو في هذا المجتمع، عضو في هذا البلد، هل تشعر بالاهتمامات على المستوى العام؟ وهل تحاول أن تصلح إذا سمعت بمنكر، فتسعى في إزالته بالطرق المناسبة ؟ وإذا سمعت بمعروف شاركت فيه وأيدت ؟ أم أنك تكتفي فقط بتلقي الأخبار، و تحليلها وينتهي دورك؟

أسباب السلبية
لماذا يقع بعض الشباب في السلبية؟ ما هو السبب الذي جرهم إلى ذلك، مع أن المنطلق كان صحيحا ؟ هذا يرجع في الحقيقة إلى عدة أسباب منها :
أولاً: عدم الفهم الصحيح للعقيدة الإسلامية:
كأن يتصور أن الدخول في عقد الإيمان، يعني أن يكون حاله حال دراويش الصوفية، الذين يقبعون في الزوايا، والتكايا. ولا ريب أن هذا فهم خاطئ أساساً. فالعقيدة الإسلامية عقيدة تقوم على الإيمان الصحيح بالله عز وجل، وما يقتضي ذلك من الدعوة إليه، والصبر على الأذى فيه. قال تعالى:{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}وتواصوا : صيغة مفاعلة، أي أوصى بعضهم بعضاً. فعلى كل واحد أن يصحح معتقده، ويفهم دينه على الوجه الصحيح .

ثانياً: اعتقاد الإنسان أن من شروط الإيجابية حصول الكمال:
وهذا عذر مشهور يعلق عليه كثير من الناس تقصيرهم، وتقاعسهم. يقول أحدهم: ومن أنا حتى أفعل كذا، ويتواضع، ويتمسكن، ويقول ما عندي من العلم، وما عندي من الإيمان، وما عندي من التقوى، حتى أفعل كذا، وكذا ! هذا ليس تواضعاً شرعياً، وإنما هو تواضع بارد مذموم. نعم لا تتكلم بما لا تعلم، بل تكلم بما تعلم. ولو تأملت لوجدت أن ما تعرف خيراً كثيراً، تملك أن تدعو إليه. وفي نفس الوقت، اسعَ لتكميل علمك، وعملك، وكلما زاد علمك وعملك زادت مسئوليتك، وفضلك.

ثالثاً: دعوى أن المبادرة، مدعاة للرياء:
هذه حيلة شيطانية، تحول بين الإنسان وبين العمل الصالح. إذا صلحت نيتك الأولى لم يضرك ما قد يقع من ثناء الناس، أو حصول مغنم، بادر في هذا المشروع الطيب، وكن رأساً فيه، فإذا رأيت من هو أولى منك، فكن عوناً له. ولكن لا يجوز أن ينظر بعضنا إلى بعض، ونقول: (من يعلق الجرس)؟ كل منا مطالبٌ أن يعمل قدر وسعه، فلا يتعلل الإنسان بهذه العلل المقعدة.

رابعاً: التربية الرخوة:
قد يتربى بعض الشباب على منهج تطغى فيه الوسائل على الغايات، فلا يتربى على منهج جاد، بل يُنشَّأ على برامج خفيفة، بسيطة، ليس فيها حزم، ولا صبر، ولا جلد، ولا ثني ركب. لابد من الصبر، والمصابرة في تحصيل العلم، والتربية، والدعوة.
كثير من الشباب يدخل في سلك الصالحين بواسطة ما يسمى (الأناشيد الإسلامية) والبرامج المشوقة، والجذابة، وأنا لا أعترض على التدرج، بشرط أن يكون هذا الأسلوب أسلوباً ملتزماً بالضوابط الشرعية، ولمرحلة مؤقتة. ولا يجوز بحال، أن يُستمَر عليه، وأن يكبر الشاب وهو لا يعيش إلا على صدح الأناشيد، والمسرحيات، والرياضة، والسباحة، والرحلات، ونحو ذلك، ويستثقل حضور مجالس العلم، وحفظ كتاب الله . إن هذا المنهج الرخو يخرِّج أفراداً لا يقوون بعد ذلك على المواصلة، ويكونون سلبيين، ولا يملكون رؤيةً واضحة. فيجب أن نفرق بين الوسائل و الغايات. هذا في الحقيقة منافٍ للمنهج النبوي في التربية. المنهج النبوي منهج جاد، متين، قوي، وفي نفس الوقت ميسر، رفيق.

الختام
لابد أن نفتش في أنفسنا، لعل بعض الشباب، لازال يعيش على ذكريات الطفولة! قد كبرت يا عبد الله!
قد رشحوك لأمر لو فطنت له فاربأ بنفسك أن ترعى مع الهمل
هذه كلمات، أرجوا أن تنبه أذهانكم إلى هذه القضية الخطيرة وأن يراجع كل امرئ نفسه ويرى حظه من القيام بأمر الإيمان. فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك، ففي العمر متسع، فارجع، وصحح المسار من جديد.
هذا، واسأل الله سبحانه وتعالى للجميع التوفيق، والهدى، والسداد.
وصلى الله، و سلم وبارك على عبده ونبيه محمد، وعلى آله، وصحبه، أجمعين.
الشيخ الدكتور أحمد بن عبد الرحمن القاضي

Post: #716
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:19 AM
Parent: #701

الأخلاق.. مشترك إنساني عام من القيم والفضائل التي جبل الله الناس عليها، فأصناف البشرية كلها تعترف بالمعاني الفاضلة والأخلاق العالية، وأصول هذه الأخلاق قدر متفق عليه، بل هناك فلسفة خاصة للأخلاق والفضائل في كل أمة وتراث وعصر وثقافة، فالصدق والكرم والوفاء والعدل والصبر والتسامح معانٍ محمودة في كل القيم الإنسانية، وفي مقابل ذلك معانٍ مذمومة فيها: كالكذب والظلم والزور والعقوق والبخل وغيرها.

وهذا معنى أصالة الأخلاق وعظمتها وقوتها وسيادتها الفعلية على منظومة القيم الإنسانية، وذلك معنى فطرية الأخلاق، فالفطرة فيها أصول الأخلاق التي يحتاجها الإنسان، حتى إن الجاهلية الأولى كان العرب فيها يمتدحون مكارم الأخلاق، ويعدونها دليلاً على عقل الرجل وسيادته، فكانوا يمدحون الصدق والأمانة والكرم والشجاعة وغيرها .

ولو قرأت في تراث كل أمة فستجد عندها قدراً معروفاً من أصول الأخلاق لا تختلف فيه لبقاء الفطرة في عناصرها، وذلك معنىً من معاني حديث الصحيحين: " كل مولود يولد على الفطرة "، ولقد جاءت الرسالات السماوية لتذكي المعاني الفطرية، وتؤكد القيم المشتركة بين بني الإنسان، وتزيدها وضوحاً، وتحث الناس على فعلها، وتعدهم بالأجر والثواب، وتحذرهم من تركها بالوعيد والعقاب، وجاءت أيضا هذه الشرائع السماوية لتضع الأطر المحددة لتطبيقات هذه الأخلاق، وبهذا نفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق " أخرجه أحمد ، فكأن المعنى والله أعلم أن صالح الأخلاق موجودة في الفطرة فجاء البيان النبوي ليتممها، فبذلك تكتمل للإنسان أخلاقه الفطرية، مع الأخلاق المكتسبة التي يتعلمها من الشرائع السماوية.

والأخلاق من تزكية النفوس، فحقيقة الأخلاق في داخل النفس، وإنما السلوك العملي تعبير مباشر عن ذلك، ونتيجة له، ولذلك إذا كان القلب فاسداً لا يستطيع الإنسان أن يستمر في التظاهر والمجادلة بالأخلاق السطحية، فبعض الناس قد يتكلفون الأخلاق، لكن ذلك لن يدوم إن لم يكن ذلك نابعاً من اعتراف داخلي بقيمة هذه الأخلاق وحب لها، ومثل ذلك الخلق المؤقت، يعني أن في النفس ضعفاً أخلاقياً تنكشف النفس فيه لأدنى امتحان، يقول الحسن البصري: "ما أخفى رجل شيئا إلا ظهر على فلتات لسانه وقسمات وجهه" .
والشاعر الجاهلي زهير بن أبي سلمى يقرر هذا المعنى، فيقول:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلم

فالأخلاق القوية الحقيقية وعاء يستوعب حياة الإنسان كلها، فتتبين الأخلاق القوية بالدأب والصبر والمداومة وإتمام الخلق، يقول أبو حامد الغزالي: "إن أخلاق الإنسان الحقيقية هي أخلاقه بالمنـزل" . أي: لمداومته على حسن الخلق والتلطف حتى في بيته.
وعند الإنجليز مثل يقول:" إن الملِكَ لن يكون ملكاً في كل وقت". أي أنه في بيته ومكانه الخاص سيبدو بسيطاً ضعيفاً، ربما يستفزه أي شيء، وربما يتشاجر لأجل أتفه قضية.

وقوة الأخلاق تبدو حين نختلف، وهناك من يستخدم أخلاق القوة للضرب تحت الحزام كما يقولون، واستخدام نقاط الضعف والفجور في الخصومة، فيطيح بكل القيم الأخلاقية لأدنى اختلاف، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن من آية المنافق أنه " إذا خاصم فجر "، لكن قوة الأخلاق في العفو والعفة عن نقاط الضعف، وقول الحق حتى على النفس {يَا اَيُّهَا الَّذِينَ امَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى اَنْفُسِكُمْ } .

وقوة الأخلاق تبدو أيضاً عند الانشغال الشديد والفراغ، فيفقد الإنسان هدوءه وتتوتر أعصابه، فيظهر أولو العزم من أصحاب الأخلاق رابطي الجأش، فلا يقولون إلا خيراً، كما كان يفعل نبينا صلى الله عليه وسلم حين يجر أحد الأعراب رداءه فيظهر الأثر على صفحة عنقه، أو يتكلم عليه أحد المنافقين، أو يطالبه بدين أحد اليهود، ولقد أجمل القرآن وصف خلقه فقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم }.

وإننا نجد اليوم كثيرين يتحدثون عن الأخلاق، وقد يلقون برامج ومحاضرات ودورات، ويكتبون كتباً، لكن حين تنظر إلى الممارسات تجد بعداً عن هذا التنظير، أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن هناك فجوة بين ما يدعو إليه وبين ما يفعله.
وقوة الأخلاق هي أيضا القوة الخلقية الداخلية في صفاء النفس وصدقها، وهذا معنى عظيم من معاني الأخلاق، ولا يتحدث عنه أصحاب فلسفة الأخلاق؛ لأنه شيء لا يقاس إلا بميزان الصدق وصلاح الضمير.. هل رأى أحد يوماً وجهاً يشعّ بالأخلاق، بالبسمة، وبأبعد من ذلك.. بالصدق؟
إنه وجه النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا عبد الله بن سلام -وكان يهودياً- يقول: "لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة انجفل الناس إليه، فكنت فيمن جاءه، فلما رأيت وجهه واستبنته علمت أن وجهه ليس بوجه كذاب" أخرجه الترمذي وابن ماجه .

وقوة الأخلاق هي في الحكمة ووضع الأمور في مواضعها، ولذلك أقول: إن فقه الموازنات من أهم وأعظم الأنواع الفقهية التي يحتاج إليها الناس كلهم جميعاً، والأخذ بالأهم، وعدم تضخيم شيء على حساب آخر، مما يبعث جوا من الأخطاء والممارسات البعيدة عن الشرع، وإن استظلت بظلاله، ولذلك يقول الله عز وجل: { الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ اَحْسَنَه } ، فلم يقل: "حسنه"، وقال: { فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِهَا } .

وقوة الأخلاق في العدل وترك الظلم، وإشاعة ذلك في حقل العلم والمعرفة، وحقل التجارة والصناعة، وحقل السياسة، وحقل السلوك والتعامل الاجتماعي، وكل الحقول الأخرى. كل ذلك لن يحصل إلا بالمجاهدة: { وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا } والمحاسبة: {وَلَا اُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَة } ، ودعم الجوانب الفطرية في الإنسان وتوجيهها لخلق الخير والبر.
هذه هي القوة الحقيقية: قوة الأخلاق. أما القوة الموهومة: أخلاق القوة فهي مهترئة سريعة الزوال، وإذا صار الإنسان قوياً فتسلط على الناس واستطال عليهم وظلمهم فإنه في داخله وفي حقيقته ضعيف، لا يثق حتى بنفسه، وإن بدا للناس عكس ذلك، وإذا قوي الإنسان وأصبحت له شوكة وسلطة كان ذلك امتحاناً عسيراً لقوته الحقيقية، قوة أخلاقه، وأما العاجز الذي لا يستبد فذلك ضعف عند الله وعند الناس.

إن قوة الأخلاق تغلب أخلاق القوة، وإن سخط الناس أو رضوا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول:" ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ". قال ذلك تصحيحاً للمفاهيم المشوهة المشوشة عند الناس حول القوة. فليس القوي الذي يقاتل ويصارع، وإنما القوي الذي يملك نفسه عند القتال والصراع، ويخالق الناس بخلق حسن.

د/ سلمان العودة

Post: #717
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:22 AM
Parent: #701

التوفيق .. رزق الأبرار
العبد المؤمن في حله وترحالة لا يستغني إطلاقا عن معية الله تعالى وهدايته ومدده، وهذا عين الفلاح الذي يقابله الخذلان والبوار جراء سخط العزيز الجبار على أهل الضلال، فالله جل شأنه إذا غضب على عبد لا يبالي به في أي واد هلك، وفي الحديث النبوي الشريف: "إِنَّكَ إِن تَكِلنِي إلى نفْسي تَكِلنِي إلى ضَعْفٍ، وَعَوْرَةٍ، وَذَنْبٍ، وَخَطِيئَةٍ، وَإِنِّي لا أَثِقُ إِلا بِرحمتِكَ، فَاغْفِرْ لِي ذُنوبِي كُلَّهَا، إِنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إِلا أنتَ، وَتُبْ عليَّ إِنَّكَ أنتَ التَّوَّابُ الرَّحيمُ" [رواه أحمد (5 /191) عن زيد بن ثابت].
قال أبو داود للإمام أحمد بن حنبل: جمعت هذا العلم لله؟ فقال: "لله عزيز، ولكن حبب إلى أمر ففعلته" .. وتلك إشارة جامعة لنعمة «التوفيق» الذي هو من أجل نعم رب العالمين لعباده المخلصين.

والتوفيق جعل الشيء وفقا لآخر، أي طبقا له، ولذلك عرفوه بأنه خَلْق القدرة الداعية إلى الخير والطاعة، وقال الراغب: "والاتفاق مطابقة فعل الإنسان القدر، ويقال ذلك في الخير والشر، يقال: اتفق لفلان خير، واتفق له شر. والتوفيق نحوه لكنه يختص في التعارف بالخير دون الشر".

وحقيقة «التوفيق» إمداد الله تعالى العبد بعونه وإعانته وتسديده وتيسير أموره وتسخير الأسباب المعينة عليها.
والتوفيق بيده سبحانه هو لا بيد من سواه. وأعظم التوفيق: التوفيق إلى الحق وقبوله، وإلى الخير والعمل به، وتلك نعمة لا يملكها إلا رب العباد، ومقلب القلوب والأبصار، والذي يحول بين المرء وقلبه .. قال تعالى: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ} [هود:88] فالله تعالى يوفّق من يشاء، ويخذل من يشاء ..

التوفيق: فَضْل لأنَّهُ إعانة. وأما الخذلان: فهو سلب الإعانة .. التوفيق إعطَاءٌ، مَنٌّ، كَرَمٌ، .. وأما الخذلان فهو عَدْلٌ وسلبٌ.
وعن أبي سليمان الضَّبِّي، قال: "كانت تجيئنا كتب عمر بن عبد العزيز إلى خراسان فيها الأمر والنهي فيكتب في آخرها: وما كنت في ذلك إلا كما قال العبد الصالح: {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بْاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

وأما قوله تعالى: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} أي لا يوفقهم للإيمان، مثل قوله: {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالمين}، {والله لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} .. فالهداية المنفية: هداية التوفيق، أما هداية البيان والإرشاد فهذه موجودة، فالله هدى كل النّاس مؤمنهم وكافرهم ببيان معالم طريق الخير من طريق الشر.. أما هداية التوفيق والإيمان فهي خاصة بالمؤمنين.

حتى فتنة الدجال آخر الزمان لا ينجو منها إلا أهل التوفيق الذين لا يغترون ولا ينخدعون بما معه من الدلائل المكذوبة، مع ما سبق لهم من العلم بحاله، ولهذا يقول المؤمن الذي يقتله الدجال ثم يحييه: "ما ازددت فيك إلا بصيرة ".
بل إن دخول الجنَّة بسبب الأعمال، ثمّ التوفِيق للأعمال والهداية للإخلاص فيها، وقبولها برحمة اللَّه تعالى وفضله.
وجاء في الحديث الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم: "إذا أراد الله بعبدٍ خيرا استعمله" قالوا: يا رسول الله، وكيف يستعمله؟ قال:"يوفقه لعمل صالح قبل الموت ثم يقبضه عليه" [أحمد والترمذي].
قال المناوي: "وتفريغ المحل شرط لدخول غيث الرحمة، فمتى لم يفرغ المحل لم يصادف الغيث محلاً قابلاً للنزول، وهذا كمن أصلح أرضه لقبول الزرع ثم يبذر .. فإذا طهر العبد تعرض لنفحات رياح الرحمة ونزول الغيث في أوانه، وحينئذ يكون جديراً بحصول الغلة " [فيض القدير].

ومن أَسماء الله تعالى الحسنى «الباسِط» فهو الذي يَبْسُطُ الرزق لعباده بجُوده ورحمته، ويوسّعه عليهم ببالغ حكمته، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ:39] {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ} [الشورى:27].
لذلك ندعوه بدعاء المسألة كما ورد عند أحمد وصححه الألباني من حديث عَبْدِ اللَّهِ الزُّرَقِيِّ -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو: "اللَّهُمَّ لاَ قَابِضَ لِمَا بَسَطْتَ، وَلاَ بَاسِطَ لِمَا قَبَضْتَ، وَلاَ هَادِىَ لِمَا أَضْلَلْتَ، وَلاَ مُضِلَّ لِمَنْ هَدَيْتَ، وَلاَ مُعْطِىَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلاَ مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلاَ مُقَرِّبَ لِمَا بَاعَدْتَ، وَلاَ مُبَاعِدَ لِمَا قَرَّبْتَ، وأعوذ بك مِنْ شَرِّ مَا أَعْطَيْتَنَا وَشَرِّ مَا مَنَعْتَ منا".

أما دعاء العبادة فهو أثر الإيمان باسمه "الباسط" على الموحد، فأعلاه بسط الإيمان حيث يفرح بتوفيق الله، ويثق في وعده بالنجاة، وأن رحمته واسعة مبسوطة على العباد، فيبادر العبد إلى الزيادة الإيمانية المستمرة بإقباله عليه جل شأنه، فالله يقبض القلوب بإعراضها، ويبسطها بإقبالها، والبسط الحقيقي من جهة التوفيق الإلهي للعبد في بلوغه درجة الإيمان، فالبسط على هذا نور ينبسط على القلب يخلقه اللَّه فيه، قال تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [التغابن:11].
والله عز وجل قرن بسط الرزق بالإيمان، فقال عز من قائل: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [لأعراف:96].

وباب التوفيق الأعظم هو التبرؤ من حولك وقوتك .. فإن العبد لا حَوْلَ له ولا قوة إلا بالله, فإنْ نسيَ ذلك وتعلق بغير الله, أو أُعجِب بنفسه, فَرَآها أهلاً للنجاح على وجهِ الاستقلال والتشبث بالأسباب وحدها, خابَ وخسِرَ في سَعْيِه, ويُخْشى أن يُعَجِّلَ اللهُ عقوبتَه، لِيُرِيَه خَيْبَتَهُ وعجزة قبل موتِه والعياذ بالله.

أما الدعاء فهو من أعظم الأسباب لحيازة التوفيق، خاصة إذا اقترن بالتوكل على الله تعالى وبذل الداعي الوسائل التي تقربه من محبة الله تعالى، وفي الحديث القدسي الصحيح: "فإذا أحْبَبْتُهُ, كُنتُ سَمْعَهُ الذي يسمع به, وبَصَرَه الذي يُبصِرُ به، ويده التي يبطش بها, وَرِجْلَه التي يمشي بها, وإن سَأَلني لأُعْطِيَنَّه، ولَئِن استعاذني لأُعِيذَنَّه" [رواه البخاري]
والعلماء أجمعوا على أن التوفيق أن لا يكلك الله إلى نفسك، وأن الخذلان هو أن يخلي بينك وبين نفسك.
قَالَ غِذَاء بْنُ عِيَاضٍ رحمه الله: "مَنْ اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الْهَوَى وَاتِّبَاعُ الشَّهَوَاتِ، انْقَطَعَتْ عَنْهُ مَوَادُّ التَّوْفِيقِ".
وقيل لحكيم: ما الشيء الذي لا يستغني عنه المرء في كل حال؟ فقال: "التوفيق .. من حرم التوفيق، فأقطع ما يكون إذا اجتهد".

وقال شقيق بن إبراهيم: أغلق باب التوفيق على الخلق من ستة أشياء: اشتغالهم بالنعمة عن شكرها. ورغبتهم في العلم وتركهم العمل. والمسارعة إلى الذنب وتأخير التوبة. والاغترار بالصالحين وترك الاقتداء بأفعالهم. وإدبار الدنيا عنهم وهم يتبعونها. وإقبال الآخرة عليهم وهم معرضون عنها.
يقول الشيخ الشعراوي: "وهكذا نعلم أن هناك فرقاً بين العمل؛ وبين التوفيق في العمل؛ لأن جوارحك قد تنشغل بالعمل؛ ولكن النية قد تكون غير خالصة؛ عندئذ لا يأتي التوفيق من الله. أما إن أقبلت على العمل؛ وفي نيتك أن يوفقك الله سبحانه لتؤدي هذا العمل بإخلاص؛ فستجد الله تعالى يصوِّب لك أيَّ خطأ تقع فيه؛ وستنجز العمل بإتقان وتشعر بجمال الإتقان، وفي الجمال جلال".
فعلينا معاشر المسلمين أن نبتهل ونتضرع إلى ربنا أن يُثبتنا، وأن لا يزيغنا، وأن لا يُحوِّل قلوبنا إلا لما يرضيه جل وعلا .. فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل إنسان قلبه بين أصبعين من أصابع الرحمن جل وعلا يصرفه كيف يشاء .. فيا مقلب القلوب، مثبت من شاء، ومضل من شاء، وهادي من شاء، ومضل من شاء، ثبت قلوبنا على دينك، ولذا أثنى جل وعلا على عباده الراسخين في العلم بأنهم يقولون: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا} إلى أن قال عنهم: {رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً} [آل عمران: 7- 8].
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب ( د / خالد سعد النجار )

Post: #718
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:24 AM
Parent: #701

هناك أشخاصٌ مرنون، أينما حلوا وأينما جلسوا يأنَسون ويؤنسون، يألفون ويؤلفون، ينبسطون مع من حولهم، لا تشعر أنهم غرباء، لا تحس بفوقية في سلوكهم، ولا انزواءٍ في تصرفاتهم، يتصرفون على سجيتهم في أدب وتواضع، وفي المقابل هناك أناس تشعر أن حياتهم مصطنعة كلها تصنع وتكلف وأمثال هؤلاء هم أبعد الناس عن كسب قلوب من حولهم ، وقد نهى الشرع الحنيف عن التكلف والتصنع وإظهار الإنسان وجها آخر غير حقيقته، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:(نهينا عن التكلف)رواه البخاري.
وقال الله تعالى {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ}.قال السعدي: أن أدعي أمرا ليس لي، وأقفو ما ليس لي به علم، لا أتبع إلا ما يوحى إليَّ.
وعن أسماء رضي الله عنها أن امرأة قالت: يا رسول الله إن لي ضرة فهل علي جناح إن تشبعت من زوجي غير الذي يعطيني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " متفق عليه.
قال النووي رحمه الله تعالى: المتشبع: هو الذي يظهر الشبع وليس بشبعان، ومعناها هنا أنه يظهر أنه حصل له فضيلة وليست حاصلة ولابس ثوبي زور أي: ذي زور وهو الذي يزور على الناس بأن يتزي بزي أهل الزهد أو العلم أو الثروة ليغتر به الناس وليس هو بتلك الصفة وقيل غير ذلك والله أعلم.
إن من سمات الصالحين أنهم لا يقولون ولا يفعلون ولا يتصفون بشيء ليس له حقيقةً راسخة في قلوبهم، فلا يظهرون للناس صالح أفعالهم ويخفون قبيحها، و لقد كان السلف يسترون أحوالهم وينصحون بترك التصنع.
صور من التصنع:
نظر عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى شاب نكس رأسه، فقال: يا هذا ارفع رأسك؛ فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب؛ فمن أظهر للناس خشوعاً فوق ما في قلبه فإنما أظهر نفاقاً على نفاق.
عن كهمس بن الحسن: أن رجلاً تنفس عند عمر كأنه يتحازن فلكزه عمر " أو قال: فلكمه ".
الرياء من التصنع: الرياء الأصغر ومثاله التصنع للمخلوق وعدم الإخلاص لله تعالى في العبادة بل يعمل لحظ نفسه تارة ولطلب الدنيا تارة أخرى.
ومن صور التصنع ما يحدث في حفلات الزواج وغيرها من الحفلات من تكلف في الملابس ووسائل التجميل وغيره من المظاهر الفارغة حتى إنه في بعض المجتمعات إذا حضرت المرأة حفلا بفستان وأقيم حفل آخر في نفس الأسبوع فإن من الطقوس أن تشتري فستانا آخر ؛ إذ من العيب أن تلبس نفس الفستان مرتين، فهل هذا إلا الإسراف والسفه والتكلف؟!!.
أخيرا أيها الأحبة لنتذكر أن الله تعالى لا تخفى عليه خافية وهو يعلم السر وأخفى { إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (43)} (سورة الأنفال).وقال تعالى: { يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ (19) } ( سورة غافر). وقد كان الصالحون يقولون ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية.
وصدق زهير:
ومهما تكنْ عند امرئٍ من خليقةٍ وإنْ خَالَها تَخْفي على الناس تُعْلَمِ
إذا علم العبد هذه الحقيقة فإنه سيبتعد عن التصنع للمخلوق، أو اكتساب محمدة عند الناس، أو محبة مدح من الخلق، أو أي معنى من هذه المعاني، سوى التقرب إلى الله، ولنتذكر وقوفنا بين يدي الله يوم القيامة { يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ (10)} (سورة الطارق).
اسلام ويب

Post: #719
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:26 AM
Parent: #701

لا تكتئب
ما زلنا نتأمل أسماء ربنا وصفاته لنحبه حبًا لا يتزعزع، تعالوا اليوم نتأمل مغفرة الله، وعفو الله، وتوبة الله على عباده.

أحيانًا نمر بظروف صعبة فنتذكر قول الله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30]، نفتش في أعمالنا فنرى أننا أخطأنا في حق الله كثيرًا، نندم حينئذ، وهذا الندم أمر مطلوب حتى يدفعنا إلى التوبة الجادة، هذا الندم ينبغي أن يكون إحساساً مؤقتاً يدفعنا فوراً إلى إصلاح أخطائنا بإيجابية وحسن ظن بالله، أنه سيعيننا ويقبل منا توبتنا، ويعطينا فرصة أخرى لتصويب أوضاعنا.

لكن أحيانًا تسير الأمور مع الواحد منا بطريقة مختلفة، فبدلاً من هذه الإيجابية وحسن الظن بالله يتجمد عند مرحلة الندم، واجترار الذكريات وجلد الذات ومقت النفس، فتفسد نفسه وتتكدر، ويبدأ يشعر بأن هذا البلاء عقوبة محضة لا رحمة فيها, قاصمة الظهر التي ليس بعدها قائمة! لأن الله تعالى بعدما أعطاه فرصاً في الماضي فلم يستغلها قد مقته وسخط عليه ولن يعطيه فرصة أخرى!

ثم يتسرب إليه الشعور بالجفوة بينه وبين ربه سبحانه وتعالى! يحس بأن الباب قد أغلق والدعاء قد رُدَّ والشقاوة قد ضربت عليه ما امتدت به الحياة!

أخي، أختي احذر! هذه مكيدة من الشيطان، بل هي من أخطر مكايده! فهو يجعلك تتوهم في البداية أن لوم نفسك بهذا الشكل مطلوب لأنه اعتراف بالذنب لكن الشيطان أوقفك عند مرحلة اللوم والندم وجعلك تبالغ فيها ليقودك إلى توهم شيء خطير للغاية! تتوهم قسوة القدر ومن قدره سبحانه! وفي هذه اللحظة من سوء الظن ستحس بالضياع المخيف!

أنت عندما يشتد بلاؤك تشكو بثك وحزنك إلى الله، عندما تنقطع بك السبل وتغلق دونك الأبواب، فإنك لا تجد ملجأ ولا منجى إلا إلى الله، فإذا قنَّطك الشيطان من رحمة الله وأوهمك أن بلاءك عقوبة محضة ومقت من الله، فإلى أين تفر؟ وإلى من تلتجيء؟ وإلى من تتضرع؟ ومن ترجو؟ ستحس بالضياع المخيف وهذا ما يريده الشيطان لك! طُرِد من رحمة الله فلا يحب أن يرى مرحومين أو طامعين في رحمة الله!

أخي، أختي: لاحظ أن الشيطان لن يأتيك من باب التشكيك في مغفرة الله هكذا مباشرة، لن يقول لك: الله ليس غفورًا رحيمًا، هذه محاولة فاشلة بوضوح، لكنه سيأتيك من باب آخر! سيقول لك: الله غفور، لكنك لا تستحق مغفرته لأنه أعطاك فرصًا في الماضي ولم تستغلها، الله تواب، لكن أنت طبيعتك سيئة غير مؤهلة للإصلاح، الله عفو لكن أنت أفشل من أن تفعل ما تستحق به عفوه.

ماذا يريد الشيطان من هذا؟ يريد أن يوقعك في الاكتئاب! الاكتئابِ الذي يشل إرادتك عن إصلاح وضعك والعودة إلى ربك ؟ هناك مصطلحات علمية توصف بها أعراض الاكتئاب المرضي، منها الشعور العميق بالحزن وشعور مبالغ فيه بالذنب (exaggerated sense of guilt)، وانعدامِ القيمة (worthlessness)، ونقصُ الدافعية (lack of motivation)

الشيطان يجمدك عند مرحلة الإحساس بالذنب ويجعل التفكير بالذنب يسيطر عليك بطريقة وسواسية، ويُشعرك أنك عديم القيمة غير قابل للإصلاح، غير قابل لأن تكون من عباد الله الصالحين، ليشل إرادتك للطاعة ودافعيتك للتغيير وهجر المعصية، ولتفقد السعادة والفرح بربك ومولاك سبحانه وتعالى. لا يريد لك أن تحب ربك!

إخواني: إن الولد الذي يعاقبه أبوه يحب أباه إذا علم أن هذه عقوبة دافعُها محبة أبيه له وحرصه على مصلحته, أما إن ظن أن أباه يعاقبه بدافع الكراهية فإن قلبه سيقسو تجاه أبيه، ولله المثل الأعلى لا تسمح للشعور بأن البلاء عقوبة محضة لاتسمح له أن يغزو قلبك، بل استحضر صورة الأب الذي يفرك أذن ولده المخطئ، فإذا طأطأ الولد رأسه ضمه أبوه إلى صدره وأغدق عليه من حنانه ولله المثل الأعلى.

فاعتصم بحبل حسن الظن بالله التواب العفو الغفور، إنه تعالى أرحم من أن يتربص بذنوب عباده المؤمنين فيبطش بهم ويخرجهم من رحمته ويحرمهم فرصة أخرى في الحديث الذي رواه مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عن ربه عز وجل قال: «أذنب عبدٌ ذنبًا، فقال: اللهم اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال : أيْ رب اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنبًا، فعلم أن له ربا يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك».

طبعًا لا يوحي الله تعالى إلى عبد أن أذنب وسأغفر لك.
فمعنى الحديث أنه قد سبق في مشيئة الله أن العبد مهما عمل إن كان في كل مرة يتوب بصدق ويعزم على عدم فعل المعصية، فإن الله تواب سيبقى يتوب عليه، غفور سيغفر له، عفو سيعفو عنه وهو يعلم سبحانه أن هذا العبد التائب سيذنب في المستقبل.

أخي: لا تقنط من رحمة الله أن يعينك على التقرب إليه والتمتع بالحظوة عنده.
إذا جاءك الشيطان فقال لك: أنت لا تستحق رحمة الله.
فقل: نعم، أنا لا أستحقها لكنه تعالى سيرحمني لأنه أكرم من أن يعامل عباده بما يستحقونه!
إن قال لك الشيطان: لن يعطيك الله فرصة أخرى فقد نجاك من قبل ولم تحفظ المعروف.
فقل: بلا، سيعطيني وينجيني، فهو العفو الغفور.

إذا قال لك الشيطان: إن الله يبتليك عقوبة لأنه يكرهك.
فقل له: بل يبتليني ليطهرني ويربيني.
إذا قال لك: أنت أحط من أن تستأهل رحمة الله.
فقل له: رحمة الله أوسع من أن تضيق عني ولا تشملني.

عبد الله الذي يتحدث إليكم الآن! تفكر أثناء أسره في ماضيه وأيقن أنه قصر في حق الله كثيرًا، كان الله سبحانه وتعالى قد أعطاه فرصًا وابتلاه ابتلاءات أخف ليصحو من سهوته، خاصة فيما يتعلق بترتيب الأولويات في حياته وأعمال القلوب، لكن هذا العبد الضعيف عاد إلى الأخطاء ذاتها، فجاء هذا البلاء الأشد، ندم وتألم وخاف من أن هذه العقوبة ستطول وتشتد ولربما تتجاوز استطاعته وتحمله، فزاد هذا من ألمه وندمه..

ثم شاء الله تعالى أن يقرأ صاحبكم حديثًا عظيمًا قرأه من قبل، لكنه هذه المرة جاء حبل نجاة من الله وبلسمًا لجراحه! الحديث (رواه مسلم)، وفيه أن الله عز وجل يُشفِّع بعض خلقه في إخراج أناس من النار الخير فيهم قليل جدًا، ومع ذلك رحمة الله ستشمل من هم دونهم أيضًا، فيقول الله عز وجل: «شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون، ولم يبق إلا أرحم الراحمين»، سبحان الله! يخرج ربنا سبحانه وتعالى أناسًا بعدما طهرهم بالنار ويدخلهم الجنة برحمته لا بأعمالهم.

هز هذا الموضع من الحديث كياني وأيقظني، ونجاني من الاكتئاب الذي كان الشيطان يحاول إيقاعي فيه.
قلت لنفسي: نعم أخطأت لكنْ أحسِب أن الله جعلني خيرًا من هؤلاء الذين أخرجهم، فإن كانت رحمة الله شملتهم فستشملني في الدنيا والآخرة، فانقذفت في قلبي دفعة كبيرة من محبة الله والاطمئنان إلى رحمته.

إخواني وأخواتي: الله تعالى أرحم بكثير مما قد يهيئ لنا الشيطان في لحظات اليأس {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].

الخلاصة .. : لا تدع الشيطان يوقعك في الاكتئاب، بل حول ندمك إلى قوة إيجابية للتقرب من الله التواب العفو الغفور.
إياد قنيبي – موقع الفرقان

Post: #720
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:28 AM
Parent: #701

حين يكون الحديث عن خليل الرحمن ومن خلال القرآن، فإنه حديث يأخذ بالألباب، ومجلسٌ كهذا لا يُراد منه الإحاطة بحديث القرآن عنه، ولكن هي إشارة إلى آيةٍ واحدة فقط، جاءت ضمن تزكية الله له بقوله: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، وهنا ينبغي لقارئ القرآن أن يطرح السؤال التالي: ما القلب السليم؟ الذي أثنى الله به على خليله إبراهيم؟
وأقرب ما قيل في ذلك ما ذكره ابن القيم رحمه الله حين قال: "هو الذي قد سَلِم من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه، ومن كل شبهة تُعارِض خبره، فسَلِم من عبودية ما سواه، وسَلِم من تحكيم غير رسوله، فسَلِم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله، في خوفه ورجائه، والتوكل عليه، والإنابة إليه، والذُّل له، وإيثار مرضاته في كل حال، والتباعد من سخطه بكل طريق"(إغاثة اللهفان: ص: [7]).
وإبراهيم عليه السلام الذي جعله الله إمامًا كان نقيّ السريرة، سليم القلب، شهد الله له بذلك: {إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الصافات:84]، ولا شك أن إبراهيم عليه السلام الذي رأينا بعض صفاته وأفعاله وبلاءه، لا شك أنه يحمل قلبًا سليمًا خَيِّرًا.
لم ينقل عنه أنه دعا على أحد من أعدائه، برغم الأذى الذي ناله، بل المنقول دعاؤه لهم: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [إبراهيم من الآية:36]، أما دعاؤه للمؤمنين فما أكثره في القرآن والسنة، ودعاؤه لأهل مكة بالبركة مشهورٌ معروف، حتى إننا نرى أثره اليوم.
ومما يظهر سلامة قلبه عليه السلام دعاؤه لأبيه حتى تبيّن له أنه عدوٌّ لله، فلمّا تبيّن أنه عدوٌّ لله تبرّأ منه.
ومن تأمَّل سيرته وجد سلامة قلبه عليه السلام في حواراته ومناقشاته وبُعْده عن حَظِّ النَّفس، فقد كان يدرك عليه السلام ما لسلامة القلب من الأثر، بل كان ذلك همه؛ ولهذا لمّا دعا قال: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء:78-98]، وكلنا نحتاج إلى ذلك يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم..
فيا معاشر الدعاة والمربّين! ربُّوا الأجيال على طهارة القلوب وسلامتها من أدوائها، من الغِل والحسد والبغي حتى على الخصوم! وأقول: بعض المنتسبين إلى الدعوة والعلم -هداهم الله- يُربُّون أجيالًا على الحقد والبغض، يُلوِّثون قلوب الناشئة ببُغض علمائهم ودعاة الإسلام الذين بين أظهرهم، فليتهم يسيرون مع إخوانهم من المسلمين بسيرة إبراهيم مع أعدائه!
لم يُؤْثَر عنه عليه السلام أنه دعا على أحدٍ من قومه، بل تجد منه الدُّعاء بالهداية، والرغبة في استقامتهم، تجد عِفّة اللسان، تجد الحكمة.
فانظر إلى قلبك أخا الإسلام! فأنت وحدك دون الناس من يُبصِره! قد ينظر الناس إلى هيئتِك، إلى عملك، إلى تصرّفاتك، إلى سلوكك، لكنهم لا يرون ما انطوى عليه قلبك، فانظر أنت إلى قلبك وفتشه، هل فيه غِش؟ هل فيه حِقد؟ هل فيه مرض؟ قبل أن يجيء العرض على ربك الذي لا تخفى عليه خافية {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} [الطارق:9] هناك {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ} [العاديات:10].
واعلم أن سلامة القلب غُنمٍ لك في العاجل والآجل، ولقد رأيتُ عددًا من الناس ممن عُرِفوا بمسامحة الناس وسلامة الصدر، رأيتهم يعيشون في راحة بالٍ وسعادةٍ وهناء.
والمقصود فتش قلبك، وانظر حالك، وحذارِ حذارِ من أن تنطوي نفسك على الحِقد والغِل والحسد وأمراض القلب وأدوائها، فإنها قد تقضي على صاحبها في الدنيا، فما بالك في الآخرة؟ ولن ينجو في الآخرة إلا من أتى الله بقلبٍ سليم، أسأل الله أن يجعلني وإيَّاكم منهم.
ناصر بن سليمان العمر – موقع المسلم

Post: #721
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:29 AM
Parent: #720

العيدُ يوم جديد يُفيضُ على الحياة معنى جديدا لمْ يكُ حاضرا فيها منْ قبل، فالعيدُ يوم واحد يختلفُ عنْ باقي الأيام، وزمن قصير قدْ يُقضى فيه ما لا يكونُ في عمر طويل، وهذا منْ فضل الله على الناس يوم شرع لهم الأعياد وجعلها موضع اتفاق بينهم، وهي أعياد شرعية تجيءُ بعد مواسم فاضلة فيها البركاتُ والرحمات؛ فما أعظم فضل الله على عباده حين جعل توديعهم للمواسم في يومي عيد لا مثيل لهما؛ فقدْ جاءا بوحي رباني على النبي الخاتم صلى الله عليه وسلم ولذا اتصلا بالسماء في معانيهما الجميلة واتصفا بخير مشهود للفرد والمجتمع.

ولأن العيد يحوي كثيرًا منْ القيم النبيلة يفرحُ به الجميع؛ فلكل واحد فيه مطلب وأمنية يسعى في تحقيقها اقتباسا منْ خيراته، غير أن أسمى المطالب ما كان خالصا لوجه الله ونافعا للكافة دون تحجير على رغبات الأفراد مادامتْ شرعية ومقبولة؛ إذْ لا يخلو فكر منْ غاية ولا تنفك نفس عنْ بُغية.

ومن المعاني التي يأتي بها العيد: معنى اللحمة والوحدة وشعور الجسد الواحد؛ فكمْ نحنُ بحاجة للتلاحم على مستوى الأمة الكبيرة وعلى مستوى الأقطار المختلفة فما دونها، ومنْ أعظم صوره أنْ يكون المرجعُ الأعلى للتحاكم وحل الخلافات واحدا، ومنْ اللحمة أنْ لا يبخس الحاكمُ حقوق شعبه وألا يتكاسل الشعبُ عنْ أداء حقوق ولاة الأمر والأمة، ومنها فتحُ الباب والقلب والعقل لأي رأي سديد أوْ قول وجيه بلا تثريب أوْ عقاب، وألا تُظلم فئات بسبب إقليمي أوْ اجتماعي أوْ طائفي مع مراعاة أحكام الشريعة ومقتضيات المصلحة العامة، ومن أجل تعميم الحرص على وحدة الصف بمقتضى الشريعة المطهرة.

وأي حلم لذيذ ذاك الذي يقودُ لتوحيد المجاهدين في البلدان المحتلة تحت راية شرعية واحدة ولغاية سامية مشتركة تتلخصُ في طرد المعتدي وتحكيم أمر الله، وما أجمل أنْ يصير العيدُ يوما لرأب صدع الأسر وإصلاح ذات البين وإعادة معنى السكن للحياة الزوجية المتعثرة.

ومن معاني العيد: معنى الرحمة والرفق، وما أسعد المجتمع إذْ يتراحمُ أهلُه، فكمْ بيننا منْ فقير ومعوز لا يجدُ قوت بعض يومه ولا يعرفُ جوابا يسكتُ بكاء صغاره، وبالرحمة الفطرية لا يبقى على ظهرها فقير يتضورُ وفينا منْ يعيشُ في بحبوحة باذخة لا يمكنُ تصورها فضلا عنْ تصويرها، وفي مجتمع المسلمين أيتام فقدوا العائل بحنانه ونصحه وحدبه، ومع ما للمؤسسات المعنية منْ جهود مباركة إلا أن كفالة اليتيم ورحمته والإحسان إليه وجبر كسره فضائل نعرفُها لكننا قدْ ننساها على أرض الواقع.

وفينا أرامل ومطلقات ينهشُ الوقتُ نضارتهن وتقتلُ أنظارُ الناس البقية الباقية منْ سعادتهن، ومع كثرة جمعيات الزواج وعظم بركتها إلا أن الالتفات لهذين الصنفين من النساء معدوم أو محدود حتى باتا نهبا لغير الجادين من الرجال في سوق التجربة وموت المروءة، وفي السجون والمعتقلات أناس حُرموا فرحة العيد وأنس القرب من الأهل؛ حيثُ تمنعُ القضبانُ البهجة من الزيارة؛ ويزحفُ اليومُ على المظلوم منهم بتثاقل كليل طويل لمْ ينجل بصبح عدل أوْ فجر شهامة.

وليس للعيد مذاق بلا وحدة ولحمة ؟ وأي جمال لعيد بلا تسامح ورحمة ؟ ومنْ خير التلاحم ما ترعاه وسائلُ الإعلام والتوجيه؛ فهلْ ستنضجُ منابرُنا الثقافية لتعين على الاتحاد ؟ وهلْ سنرى يدا "تشتري حسن الثناء بفعالها" تعيدُ للإعلام توازنه وترحمُ مجتمعنا ممنْ يحاولُ تجريده من دينه وتبديل قيمه وتشطير أهله ؟ وهل سنعيشُ تلاحما شعبيا ورسميا في سبيل إشاعة معاني الرحمة واللحمة في المجتمع حتى لا تقوم قائمة للسوء أيا كان لبوسه؛ وحتى ننعم بثمار دعوة نبي الله إبراهيم دون إفساد مجاهر أوْ تنغيص غال أوْ غواية وسيلة أوْ غثاثة مرجف؟

ألا يكونُ فينا رجال ونساء يحملون هم المجتمع في كل طبقاته وفئاته للإصلاح والبناء والتطوير، ولو طال الزمانُ وتطاول الباطل، فللحق دوما بعد الخفوت ظهور وبعد الذهاب أوبة، وليس بعزيز على الله أنْ يرتقي العملُ الاجتماعيُ المباركُ ليدخل كل حي وحارة وبيت حاملاً معه بذور الرحمة وجذور اللحمة لننطلق إلى أفق رحب من العمل والتصحيح.
أحمد بن عبد المحسن العساف

Post: #722
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-03-2015, 02:31 AM
Parent: #721

الأخلاق من حيث اللغة هي جمع (خُلُق)، وهي ما يصدر عن الإنسان من أفعال أو أقوال بصورة إرادية أو غير إرادية، وهي (أثقل ما يوضع في الميزان يوم القيامة) (أحمد) وهي تكتسب وتنمى، ولم تخل حضارة من الحضارات السابقة من الكلام عن الأخلاق، وعلاقتها بالإنسان، فالحضارة المصرية القديمة تحدثت عن الفضائل والأخلاق، وعن أهميتهما بالنسبة للفرد والمجتمع، وكذلك الحضارة الصينية واليونانية، ثم جاء الإسلام ليتمم هذا البناء الأخلاقى للإنسان، وقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة عملية لنا في حسن خلقه وطيب سيرته، تمثل ذلك في أقواله وأفعاله، كيف لا وقد أرسله ربه رحمة للعالمين، كيف لا وقد وصفه الله بقوله: (وإنك لعلى خلق عظيم) [القلم:4] ووصفته زوجته أم المؤمين خديجة وهي أعرف الناس به فقالت: (إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) (البخاري) وكَانَ صلى الله عليه وسلم (أَحْسَنَ النَّاسِ وَأَشْجَعَ النَّاسِ وَأَجْوَدَ النَّاسِ) (البخاري) وكان يحب التواضع ويحث عليه ويقول: (مَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلا رَفَعَهُ اللَّهُ) (مسلم). ويقول: (وَإِنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَد،ٍ وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ) (مسلم).
ويأتي لفظ (الخلق) أو (الأخلاق) أو الصيغ التي تنبثق عنهما وصفاً لفكر الإنسان وسلوكه دون غيره من المخلوقات؛ لأن الإنسان هو المخلوق الوحيد الذى منحه الله طاقات متميزة من الإدراك والتفكير وحرية الإرادة، لذا جاء سلوكه مرتبطاً بفكره، ومتوافقاً مع ما يدين به من اعتقاد.
وهناك العديد من الوسائل والطرق - ذكرها العلماء – تساعد المسلم في تحسين أخلاقه، يدور مدارها على التدريب والمجاهدة، حتى تصبح هذه الأخلاق صفة من صفاته.
وتظهر ثمرة الأخلاق الحسنة في القيم والمبادئ التي تقود الإنسان إلى السلوك الحسن والأهداف العالية، التي يتحرك بها الإنسان في تعاملاته مع أبناء مجتمعه، نحو تحقيق أسمى المعاني، وأكمل الأهداف العامة والخاصة، والتي تتمثل في جميع شؤون حياته.
والأخلاق منها المحمود، ومنها المذموم، والمحمودة هي التي أمرنا الشارع بها، ولها صور كثيرة يصعب حصرها، منها على سبيل المثال: الرحمة، والكرم، والعفة، والصبر، ومساعدة الآخرين في قضاء حوائجهم، وغيرها، والأخلاق المذمومة هي التي نهانا الإسلام عنها، وهي تكاد تكون عكس المحمودة، ويندرج تحت كل خلق من الأخلاق بشقيها (المحمودة والمذمومة) العديد من الفروع والصفات.
وكل خلق من الأخلاق المحمودة هو في حقيقته توسط بين طرفي الإفراط والتفريط، وهما مذمومان، فكل شيء زاد عن حده ينقلب إلى ضده. فعلى سبيل المثال فإن خُلُق السخاء هو وسط بين البخل والإسراف. أما الأخلاق المذمومة فأصلها ينحصر في حب الشهوة بأنواعها التي تقود إلى الظلم والجور، وفي الجهل الذي يقود إلى الخطأ في الحكم أو التصور.
وقد حث الإسلام على مكارم الأخلاق، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) (الموطأ)، والمتمسك بالأخلاق الحسنة هو من أقرب الناس منزلة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، كما جاء في الحديث: (إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً) (الترمذي).
ويتمثل حسن الخلق في أبسط صوره في بسط الوجه للناس، وكف الأذى عنهم، قال صلى الله عليه وسلم: (تَبَسُّمُكَ فِي وَجْهِ أَخِيكَ لَكَ صَدَقَةٌ) (الترمذي) وقال: (الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ) (البخاري).
وتتصف أخلاق الإسلام بالشمول، فهي تشمل كافة جوانب حياة الإنسان، فصاحب الخلق ينسجم في عبادته مع ربه، وفي تعامله مع نفسه ومع غيره، فلا يظلم نفسه، ولا يجور أو يتعدى على غيره، بل يعامل الناس جميعاً بالصدق والإنصاف، منطلقاً من القيم والمبادئ التي أمره الله بها، ولا فرق في ذلك بين تعامله مع من يحب، أو مع من يكره، قال تعالى: (وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة: 8]، فمن العدل أن يتحلى الإنسان بالإنصاف في حكمه على أقوال الناس أو أفعالهم، سواء صدرت هذه الأعمال ممن يحب أو ممن يكره، وينبغي على المسلم كذلك أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، فيقبل من تصرفاتهم وأقوالهم ما يقبل من نفسه، ولا يبرر لنفسه من المواقف والأفعال مالا يمكنه أن يبرر لغيره. وتتصف أخلاق الإسلام كذلك بالواقعية، فالله تعالى لم يكلفنا بأكثر مما نطيق، قال تعالى: (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها) [البقرة:286]. وقال صلى الله عليه وسلم: (مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ وَاخْتِلاَفُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ) (مسلم). والخطأ أمر طبيعي في حياة المسلم، فـ(كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون) (ابن ماجه) فمن حصل منه الخطأ أو التقصير فعليه الاستغفار والتوبة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم والليلة أكثر من سبعين مرة) (البخاري)، وجاء في بعض الروايات (مئة مرة)، وقال عليه الصلاة والسلام: (وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ) (مسلم).
وهناك صلة وثيقة بين إيمان الإنسان واعتقاده وبين سلوكه وأخلاقه، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين) [التوبة: 119] وجاء في الحديث الشريف: (ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع) (متفق عليه) فالعبادات ينبغي أن يكون لها آثارها الأخلاقية، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، والزكاة تطهرهم وتزكيهم، والحج لا رفث فيه ولا فسوق، ولا جدال. والأخلاق شرط لصحة المعاملات، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تاكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم) [النساء:29] وفي الحديث الشريف: (من غشنا فليس منا) (مسلم). وذلك باعتبار أن الإسلام دين يسعى لتنظيم حياة الناس بعضهم مع بعض. ومما ينبغي التذكير به في هذا المقام أن التمسك بالأخلاق الإسلامية ينبغي أن يكون قولاً وفعلا، لا أن يكون مجرد تنظير، فكما هو معلوم أن هناك فرق كبير بين أن يجيد الإنسان الكلام عن التقوى أو الخشوع أو الورع، وبين أن يكون متصفاً بهذه الصفات. وفرق كبير كذلك بين من يتكلم عن أخلاق الإسلام كالصدق، وبين أن يمارسه في حياته، ومن الأمثلة على ذلك ما يتعلق برحمة اليتيم، ففرق بين من يتحدث عن رحمة اليتيم، وبين من يرحمه ويعطف عليه قولاً وفعلاً، وحول هذا المعنى يقول ابن خلدون في تاريخه: والفرق بين الحال والعلم في العقائد فرق ما بين القول والاتصاف، وشرحه أن كثيراً من الناس يعلم أن رحمة اليتيم والمسكين قربة إلى الله تعالى مندوب إليها، ويقول بذلك ويعترف به، ويذكر مأخذه من الشريعة، وهو لو رأى يتيماً أو مسكيناً من أبناء المستضعفين لفر عنه واستنكف أن يباشره، فضلاً عن التمسح عليه للرحمة، وما بعد ذلك من مقامات العطف والحنو والصدقة فهذا إنما حصل له من رحمة اليتيم مقام العلم، ولم يحصل له مقام الحال والاتصاف، ومن الناس من يحصل له مع مقام العلم والاعتراف بأن رحمة المسكين قربة إلى الله تعالى مقام آخر أعلى من الأول وهو الاتصاف بالرحمة وحصول ملكتها فمتى رأى يتيماً أو مسكيناً بادر إليه ومسح عليه، والتمس الثواب في الشفقة عليه.
وينبغي على المسلم أن يتدرب على تحسين سلوكه مع الناس كلِّهِم، لاستجلاب مودتهم ونيل محبتهم، ولتحقيق ذلك ينبغي أن يُظهر البشاشة لكلِّ أحدٍ، ويبدأ في التدرب على هذا الخلق منذ الصغر، فالصبي المميز يمكن تأديبه وتعليمه السلوك الطيب والأخلاق الحميدة، والبداية تكون في تعلم الإنصات وحسن الاستماع، وهي سبيل المخلصين الصادقين، فينبغي أن يتعلم الطفل أن مرضاة الله هي مراده منذ أيامه الأولى، وأن يتربى على أن يكون الأجر والثواب هو مطلوبه من أعماله وأقواله، وأن يحرص على كل عمل يوصله إلى مرضاة الله، ومن سنن هذا الكون التي كتبها الله على الإنسان سنة التدرج في كل شيء، ومن هنا فقد كانت التوبة هي أول درجات السلوك، ثم الدعاء بالاستقامة والثبات، ثم الشعور الدائم بالافتقار إلى الله تعالى والصدق في اللجوء إليه.
اسلام ويب ( د. عبدالله عطا محمد عمر )

Post: #723
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-04-2015, 01:45 AM
Parent: #701

مُثُل عليا في السلوك الإداري
عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول في بيتي هذا: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم، فارفق به"[رواه مسلم].

كان للسلوك الإداري في العهد الأول للحكم الإسلامي أثر عظيم في إقامة الدولة على أساس متين يشد بعضه بعضا، وأهم ما كان يتميز به السهر على مصالح الأمة، ورعاية العدل بين أبنائها، والقضاء على أسباب الفساد، لا فرق بين شريف ووضيع، وسرعة البت في الأمور حتى لا يستعصى علاجها بتواليها من غير حسم، والتحرر من الأثرة وحب الذات.
كان ذلك تطبيقا أمينا لقوله تعالي: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}((90) سورة النحل).
وقوله: {اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}((8) سورة المائدة)، وقوله: {كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}(الصف: 3))، إلى غير ذلك من النصوص التي توجب العدل والإحسان، والمساواة بين أصحاب الحقوق في القضاء والعطاء والقصاص وصدق الكلمة والوفاء بالمعهد.

الرسول صلى الله عليه وسلم يوزع المسؤوليات علي ذويها
الرسول صلى الله عليه وسلم كان يوزع المسؤوليات على أهلها، ويحذرهم من التفريط فيها، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، وكلكم راع ومسؤول عن رعيته"(متفق عليه)، وتراه يسوي بين الحاكم والمحكوم والشريف والوضيع في تنفيذ حدود الله.
عن عائشة - رضي الله عنها - أن قريشا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يكلم فيها رسول الله صلي الله عليه وسلم: فكلمه أسامة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حد من حدود الله؟!" ثم قام فاختطب، ثم قال: "إنما أهلك الذين من قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها"(متفق عليه).

عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يصور مسؤولية الحاكم:
قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مصوراً مسئوولية الحاكم في أمته: "إنما مثل العرب كمثل جمل أنف أتبع قائده، فلينظر قائده أين يقود؟ أما أنا فورب الكعبة لأحملكنم على الطريق والجمل، والأنف وهو الذي اشتكى من الحلقة التي أدخلت فيه لإخضاعه في القيادة، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم مشبهاً المؤمن به: "المؤمن كالجمل الأنف كلما قيد انقاد" وذلك للوجع الذي به، فهو ذلول منقاد.

وهكذا كان العرب في عهده أمة مطواعة، إذا أمرت ائتمرت وإذا نهيت انتهت، لما تعلمته من الآداب الإسلامية والأخلاق النبوية، وبما تركته فيهم عملية الزجر والردع من أبي بكر -رضي الله عنه- للمرتدين ومانعي الزكاة بعد الهزة الكبرى التي أصابت المسلمين لفراق رسول الله صلي الله عليه وسلم، والمقصود من كلام الفاروق - رضي الله عنه -، أن قائد الأمة المطيعة مسؤول أعظم مسؤولية عن سلامة أمته ورخائها وطمأنينتها على مستقبلها، فعليه أن يسوسها برفق وأن يقودها إلى سبيل الأمن والعزة والكرامة، والطمأنينة على مصالحها، بما يعد لها من أسباب القوة والمنعة التي ترهب العدو وتردعه، وتضمن لها السلامة من كيد الكائدين، ومكر الماكرين، ومسؤول عمن يختارهم لها من الحكام القادرين الصابرين المستيقظين الحريصين على مصالحها، الباطشين بمن يعبث بها، ولم يكتف أمير المؤمنين بذلك، بل أقسم على أن يحمل الأمة العربية على الطريق الأقوى الذي لا عوج فيه، ولا عثرات يصعب التغلب عليها، وقد بر بقسمة -رضي الله عنه- فقد قاد الأمة فأطاعته وأخلصت له، وتوسعت جيوشها في عهده في الفتوحات شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً، حتى اتسعت رقعة البلاد المستظلة بظل الإسلام، الناعمة بأمنه وسلامه، الناطقة بوجدانية الرحمن الرحيم، المؤمنة بشرعية القرآن السالكة منهاجه المستقيم، كذلك يفعل القائد لأمته العظيمة.

إسناد الوظائف الإدارية:
وهو ما يعبر عنه بـ " وضع الرجل المناسب في المكان المناسب": وكان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم لا يسند الوظائف الإدارية، على اختلاف مستوياتها وتخصصاتها، إلا لمن تثبت قدراتهم الإدارية، وملكاتهم الذهنية وخبراتهم المكتسبة، وصفاتهم الأخلاقية حتى يتسنى لهم النهوض بما يناط بهم من الأعمال. وكان ينهى عن إسناد هذه المناصب إلى من يشك في قدرتهم من الرجال، ويروي أن رجلا سأله، متى تقوم الساعة فقال له: "إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة. قال: وكيف إضاعتها؟ قال: إذا وسد الأمر لغير أهله، فانتظر الساعة".
كما نهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ العواطف والروابط الشخصية، معياراً للاستحقاق في شغل المناصب ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما -، قال: قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: "من استعمل رجلا من عصابة - أي اختار رجلا لعمل عام أو شارك في اختياره- وفيهم من هو أرضي لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين"[الجامع الصغير: ج 2 ص 278)].

وطلب أبو ذر الغفاري من الرسول صلى الله عليه وسلم يوما أن يعينه واليا على إحدى الولايات، فوجده الرسول -صلى الله عليه وسلم- غير مستوف للشروط الخاصة بهذه الولاية أو أن هناك من هو أحق منه بها فأبى عليه ذلك. وقال له: "يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها"[رواه مسلم].
ويقول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في معيار الاختيار لشغل المناصب، أو للترقي إلى المناصب الأعلى: "الرجل وقِدَمُه، والرجل وبلاؤه"؛ كما يقول علي -رضي الله عنه-: "قيمة كل امرئ ما يحسن".

ويري الماوردي في كتاب "أدب الوزير" أن نجاح العمل الإداري لا يتوقف على كثرة من يعهد إليهم بأدائه، بل يتوقف على صلاحية من يختار لهذا الأداء فيقول: "إن رجاء -أي نجاح- الأعمال ليس بكثرة الأعوان، ولكن بصالحي الإخوان".
ثم يقول: "الوجه الذي يستقيم تدبير الوزير في أمرهم- يقصد عماله- من قد عرف أن له من الرأي والقوة، ما يحتاج إليه، إلى أن يقول: "اقتصر من الأعوان بحسب حاجتك إليهم، ولا تستكثر منهم لتكثر بهم، فلن يخلو الاستكثار من تنافر يقع به الخلل، أو ارتفاق يتشاكل به العمل، وليكن أعوانك وفق عملك، فإنه أنظم للشمل، وأجمع للعمل، وأبعث على النصح" ويطابق ذلك القول مبدأ من المبادئ في الإدارة، ويقصد به تقدير احتياجات الأجهزة الإدارية من العاملين على اختلاف تخصصاتهم ومستوياتهم الوظيفية في ضوء القياس العملي لحجم العمل في الجهاز، ومعدلات الأداء.

ضغط الإنفاق وعدم الإسراف
حرص الخلفاء وغيرهم من حكام المسلمين على تجنب الإسراف في الإنفاق من مال الدولة، حتى إن عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه -، كان يحث على الكتابة بأقلام دقيقة، لتصغير المساحات التي تشغلها الكتابة، للاقتصاد فيما يستهلك من صحائف الكتابة ومن المداد، فقد كتب إلى عماله يقوله: "إذا كتبتم فأرقوا الأقلام، وأقلوا الكلام، واقتصروا على المعاني، وقاربوا بين الحروف، واكتفوا من القراطيس -أي صحائف الكتابة- بالقليل".
وحدث أن قيل له: "ما بال هذه الطوامير -وهو نوع فسيح من صحائف الكتابة- التي تكتب بالقلم الجليل ويمد فيها وهي من بيت مال المسلمين" فكتب إلى العمال: "لا تكتبوا في طومار، ولا يمد فيه".
وكان جعفر بن يحيي - رضي الله عنه - يقول لكتابه: "إن استطعتم أن يكون كلامكم كله مثل التوقيع فافعلوا".
وكان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لا يأخذ من بيت المال إلا قوته وقوت عياله، وكسوته وكسوتهم للشتاء والصيف، ودابتين لجهاده وحوائجه وصلاته وحجه، هذا بالنسبة لنفسه، أما عماله، فكان يرى أن الراتب حق لكل منهم، يأخذه لو كان غنيا، ثم يتصدق به إذا شاء، وكان يرزق العامل منهم بحسب حاجته، والبلد الذي يعيش فيه، وقد شرح الماوردي تقدير العطاء للجند بقوله: "إن تقدير العطاء يعتبر بالكفاية، أي بما يكفي الشخص جميع طلباته... وأن الكفاية معتبرة من ثلاثة أوجه: أحدها عدد من يعول من الذراري والمماليك، والثاني عدد ما يرتبطه من الخيل والدواب، والثالث الموضع الذي يحله من حيث الغلا والرخص".

المحاسبة على الكسب غير المشروع
كان النبي صلى الله عليه وسلم يستوفي الحساب على عماله، ويحاسبهم على ما جمعوه من زكاة وغيرها، وما أنفقوه، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي حميد الساعدي، أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بعث واليا على صدقات الأزد، فلما جاء إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمسك بعض ما معه وقال: هذا لكم وهذا لي هدية، فقال صلي الله عليه وسلم: "ألا جلست في بيت أبيك وأمك حتى تأتيك هديتك إن كنت صادقا"، ثم قال: "ما لي أستعمل الرجل منكم فيقول: هذا لكم وهذا لي هدية؟ ألا جلس في بيت أمه ليهدى له؟ والذي نفسي بيده لا يأخذ منكم أحد شيئا بغير حق إلا أتى الله يحمله، فلا يأتين أحدكم ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر (تصيح) ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه ثم قال: اللهم هل بلغت" هذا منهاج من مناهج الحق والعدل التي سارت عليها الدولة الإسلامية في فجر نشأتها، فعز بها شأنها، وانتظم كل شيء فيها، وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يقبل من بعض عماله، دعواهم أنهم ربحوا من التجارة، وقال لهم: "إنا بعثناكم ولاة، ولم نبعثكم تجاراً".

وعلم أن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- عامله على مصر كثرت أمواله ومتاعه وعبيده وخيله، ولم تكن له تلك الثروة حين ولاه مصر، فسأل عن ذلك فذكر أن ثروته من التجارة بمصر، فلم يقتنع عمر - رضي الله عنه -، وأودع ما زاد من ماله في بيت المال، ومر ببناء يبنى بحجارة وجص في المدينة فسأل: لمن هذا؟ فذكروا له أبا هريرة -رضي الله عنه- عامله على البحرين، فلما ناقشه في مصدر ثروته، قال: إن خيله تناسلت، وسهامه تلاحقت، وإنه اتجر، فقال له: "لا يحل لوال أن يتجر في سلطانه " أي في نطاق اختصاصه الوظيفي، ثم قال له: "انظر رأس مالك ورزقك أي راتبك فخذه واجعل ماعدا ذلك في بيت المال". وكذلك فعل مع عماله في ولايات أخرى.

فمتى نعود إلي ينابيع ديننا الحنيف لنرتوي منها ونقوى بها على أعدائنا.

الخضري عبد المنعم السيد - المختار الإسلامي

Post: #725
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 00:55 AM
Parent: #701

أين زادك للرحيل
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.. أما بعد:
أخي الكريم: ما أحوجنا إلى وقفة متأملة.. مع حقيقة الموت.. تلك الحقيقة المرّة التي يرحل بها الإنسان من حياة إلى أخرى.. ومن دار إلى دار.
تلك الحقيقة التي حيّرت العقول.. وحطّمت أماني الخلود.. وأجبرت الناس على اختلاف منازلهم أن يروا الحياة محطة عابرة.. لا خلود فيها ولا قرار.
ففريق منهم أدرك سرّ الحياة.. فآمن بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمدٍ نبياً ورسولاً، وعلم من دينه أن الحياة رحلة ابتلاء، يعبرها المؤمن مسافراً إلى ربه، يرجو زاداً يبلغه إليه سالماً غانماً.
وفريق منهم أدرك تفاهة الحياة، وقصرها، واندثارها، بَيْدَ أنه ضلّ الطريق، فاتخذها قراراً، ورضي بها منزلاً، ولم يعمل لزاد رحلته حسابا! فهو في تناقض واضطراب، وتضادٍّ وعذاب.
أخي الكريم: فمن أي الفريقين أنت؟ وهل أعددت زاداً للرحيل؟
أنت عابر سبيل
فرسول الله صلى الله عليه وسلم يوصيك أن تكون كذلك، ويقول: "كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " (رواه البخاري)، وابن عمر رضي الله عنهما الذي وجه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم
هذه الوصية يقول: ( إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك ) (رواه البخاري).
أخي: وسواء عددت نفسك من العابرين لسبيل الحياة أم عددت نفسك من المخلّدين المقيمين.. فأنت في النهاية سترحل ! وفي سائر الحالات أنت عابرها ! فمُنى الخلود.. كالظل الزائل.. {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مّن قَبلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ } (الأنبياء:34).
هكذا خلق الله الحياة.. وهكذا أرادها.. {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (26) وَيَبَقَى وَجْهُ رَبِكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ } (الرحمن:27،26).
الكل وإن طالت الأعمار راحل، وبريق الدنيا مهما لمع زائل، وعمودها مهما استقام مائل.

ألا أيها الناسي ليوم رحيله *** أراك عن الموت المفرق لاهيا
ولا ترعوي بالظاعنين إلى البلى *** وقد تركوا الدنيا جميعاً كما هيا
ولم يخرجوا إلا بقطن وخرقة *** وما عمروا من منزل ظل خاويا
وهم في بطون الأرض صرعى جفاهم *** صديق وخلّ كان قبل موافيا
وأنت غداً أو بعده في جوارهم *** وحيداً فريداً في المقابر ثاويا
جفاك الذي قد كنت ترجو وداده *** ولم تر إنساناً بعهدك وافيا
فكن مستعداً للحمام فإنه *** قريب ودع عنك المنى والأمانيا

دخل رجل على أبي ذر فجعل يقلب بصره في بيته، فقال: يا أبا ذر، أين متاعكم؟ قال: ( إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا )، قال: إنه لا بد لك من متاع ما دمت هاهنا، قال: ( إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه ).
فتأمل أخي في هذا الفقه النبيه إذ قال أبو ذر: ( إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه !) فالمنزل الدنيا.. وصاحبها هو الله، وقد قال الله تعالى: {إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخرةَ هِي دَارُ الْقَرَارِ } (غافر:39)، وهل يزين عاقل محطة عبور هو يدرك أنه عن قريب سيتركها؟!.
ودخلوا على بعض الصالحين، فقلبوا بصرهم في بيته، فقالوا له: إنا نرى بيتك بيت رجل مرتحل، أمرتحل؟، فقال: لا، أطرد طرداً.
وقال عمر بن عبد العزيز: ( إن الدنيا ليست بدار قراركم، كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها منها الظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ).
وأحسن منه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " مالي وللدنيا إنما مثلي ومثل الدنيا كمثل راكب قال في ظل شجرة ثم راح وتركها " (رواه الترمذي وأحمد).

أخي: أنت معنيّ بالرحيل على كل حال، أيامك تسوقك إليه، وخطواتك تقبل بك عليه، وأنت في الحياة مجبور على العبور، وخاضع لموت مقدور.
موتك فاصل بين حياة وحياة.. وليس هو نهاية المطاف.. بل هو نقلة تسير بك إلى عالم جديد.. عالم البرزخ بما فيه من هول القبر وسؤاله.. وهول البعث وأحواله.. وطول الحساب وجلاله..
{أَفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْنَاكُم عَبَثاً وَأنكُمْ إلَينْاَ لا تُرْجَعُونَ } (المؤمنون:115).
لأجل فهم هذه الحقيقة أخي بعث الله النبيين والرسل، كلهم اتفقوا على بيان هذه الحقيقة لقولهم: {يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاع وَإنَّ الآخِرةَ هَيَ دَارُ الْقَرَارِ } (غافر:39).
لا تغفل فإنك لم تخلق سدى، وإذا رأيت الناس قد سخّروا فِطنَتَهم للدنيا، فاستعمل فِطْنَتك في الآخرة.. تفكر في رحيلك.. واجعل همك كل همك في معادك.. تذكر أن الموت يأتي على غرة.. وأعدّ لفجأته حساباً !
تفكر في لحظة احتضارك.. بم قد يختم لك.. وكيف يكون وقتها حالك !
تأمل في الناس وقد تمايلت بحملك أكتافهم.. إذ حملوك.. فأقبروك ودفنوك وودعوك.. ولم يملك لك أحدهم نفعاً ولا ضراً.. كيف ستلاقي يومها ربك؟! كيف ستدخل عالم البرزخ وحدك؟! كيف تجيب؟! وهل ستسعد وقتها أم تخيب؟!
اعرض أعمالك وانظر ماذا قدمت.. {بَلِ الإنسانُ عَلَى نَفْسِهِ بصيِرة } (القيامة:14).

قال ابن الجوزي رحمه الله في نصيحته لابنه: ( ومن تفكر في الدنيا قبل أن يوجد رأى مدة طويلة، فإذا تفكر فيها بعد أن يخرج منها رأى مدة طويلة، وعلم أن اللبث في القبور طويل فإذا تفكر في يوم القيامة علم أنه خمسون ألف سنة، فإذا تفكر في اللبث في الجنة والنار علم أنه لا نهاية له، فإذا عاد إلى النظر في مقدار بقائه في الدنيا فرضنا ستين سنة مثلاً فإنه يمضي منها ثلاثون سنة في النوم ونحو من خمس عشرة من الصبا، فإذا حسب الباقي كان أكثره الشهوات والمطاعم والمكاسب، فإذا خلص ما للآخرة وجد فيه من الرياء والغفلة كثيراً، فبماذا تشتري الحياة الأبدية؟ وإنما الثمن هذه الساعات !! ) (لفتة الكبد لابن الجوزي:16).
أجل أخي هي ساعات معدودات.. تحملك وتسوقك وتطوي بك مراحل الطريق.. وكلما انقضت ساعة انقضت مرحلة..

نسير إلى الآجال في كل لحظة *** وأيامنا تطوى وهن مراحلُ
ولم أر مثل الموت حقاً كأنه *** إذا ما تخطته الأماني باطلُ
وما أقبح التفريط في زمن الصبا *** فكيف به والشيب للرأس شاملُ
ترحل من الدنيا بزاد من التقى *** فعمرك أيام وهن قلائلُ
وكتب بعض السلف إلى أخ له: ( يا أخي يُخيل لك أنك مقيم، بل أنت دائب السير، تُساق مع ذلك سوقاً حثيثاً، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك، وما مضى من عمرك، فليس بكار عليك حتى يكر عليك يوم التغابن ).
زادك في هذا الرحيل
أخي.. يا من أيقن قلبك بطول السفر، وعلمت أنك إلى الله عائد ومحتضر، لا تناقض بأعمالك يقينك، ولا تدع الغفلة تنخره وتضعفه، حتى تنسيك زادك ومعادك.
فإن أقواماً أنستهم الغفلة زاد الرحل فقال الله لهم عند القدوم عليه: {لَقَدْ كُنتَ فيِ غَفْلَةٍ مّنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَومَ حَدِيِد } (ق:22).
قال الفضيل بن عياض لرجل: ( كم أتت عليك؟ ) قال: ستون سنة، قال: ( فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ )، فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون. فقال الفضيل: ( أتعرف تفسيره !؟ تقول: أنا لله عبد وإليه راجع، فمن علم أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسؤول، ومن علم أنه مسؤول، فليٌعِدّ للسؤال جواباً ). فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: ( يسيرة ). قال: ما هي؟
قال: ( تحسن فيما بقي يُغفر لك ما مضى، فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وبما بقي ).
وأنت أخي أيضاً عبد لله.. وعائد إليه.. {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِح إلى رَبِكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ } (الانشقاق:6).. أحسن فيما بقي يغفر الله لك ما مضى.. ربك حليم غفور.. تواب كريم.. يحب التائبين.. ويبدل سيئاتهم حسنات.. ويعفو عن الخطايا والزلات..
فبادر أخي.. بتوبة صادقة مع الله.. أظهر له فيها عزمك على طاعته.. وندمك إلى معصيته.. وحبك لدينه.. واسأله برحمته فإنه لا أحد أرحم منه.. وبإحسانه ونعمه.. وبين له ضعف حيلتك.. وشدة افتقارك إليه.. واعلم مهما كانت ذنوبك.. فهو يغفر الذنوب جميعاً.

أسرع أخي بالتوبة.. فإنه زاد الرحيل الأول.. وبدونها لن تظفر بزاد. بادر قبل بغتة المنية.. وحلول الحسرة والعذاب !
{قًل يَا عِباديَ الَّذينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا من رّحْمة الله إنَّ الله يَغْفرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأنيُبوا إلى رَبِكُمْ وَأسْلُموا لهُ مِن قَبْلِ أن يَأتَيِكُمُ الْعَذَابُ ثُمّ لا تُنصَرُونَ (54) وَاتَّبعُوا أحْسَنَ مَا أُنزَلَ إِلَيَكُم مّن رَّبّكُم من قَبل أَن يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ بَغْتَةً وَأنتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أن تَقُولَ نَفْس يَا حَسْرتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ في جَنبِ الله وَإن كُنتُ لَمنَ السَّاخِرِينَ (56) أو تَقُولَ لَو أَنّ الله هَدَاني لَكُنتُ َمنَ المُتَّقِينَ (56) أوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَو أَنَّ ليِ كرّة فَأكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } (الزمر:53-57).
أخي.. الإنابة الإنابة.. قبل غلق باب الإجابة.. الإفاقة الإفاقة فقد قرب وقت الفاقة. ما أحسن قلق التواب.. ما أحلى قدوم الغياب ! ما أجمل وقوفهم بالباب !
أسأت ولم أحسن وجئتك تائباً *** وأنى لعبد من مواليه مهربُ
يؤمل غفراناً فإن خاب ظنه *** فما أحد منه على الأرض أخيبُ
أخي.. غدك قريب.. فانظر ما قدمت له.. {يَا أيُهَا الْذيِنَ آمَنُوا اتَّقُوا الله ولْتَنظُرْ نَفْس مَّا قَدَّمتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا الله إنَّ الله خَبِير بِمَا تَعْمَلُونَ } (الحشر:18).
قال ابن كثير رحمه الله: {ولتَنَظُر نَفْس مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ }أي: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.. واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية ) (تفسير القرآن العظيم:4/365).
قال إبراهيم التميمي رحمه الله: ( مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها، وأشرب من أنهارها، ثم مثلت نفسي في النار آكل من زقومها، وأشرب من صديدها، وأعالج سلاسلها وأغلالها، فقلت لنفسي أي نفس: أي شيء تريدين؟ قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحاً. قال: قلت: فأنت في الأمنية فاعملي ).

واعلم أخي أن خير زادك في الرحيل هو زاد التقوى.. {وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى }، وهي: اسم جامع لكل ما يحبه ويرضاه من القيام بفرائضه، والتزام أوامره، واجتناب نواهيه، والمسارعة إلى محابه.
فصحح أخي مسارك.. وابذل جهدك لمعرفة حقيقة أعمالك.. أين تصرف نظراتك؟ وأين تخطو خطواتك؟ وبم تتكلم لفظاتك؟ وما هي آمالك وخطراتك؟
يا غافل القلب عن ذكر المنيات *** عما قليل ستثوى بين أموات
فاذكر محلك من قبل الحلول به *** وتب إلى الله من لهو ولذات
إن الحمام له وقت إلى أجل *** فاذكر مصائب أيام وساعات
لا تطمئن إلى الدنيا وزينتها *** قد حان للموت يا ذا اللب أن يأت

يقول ابن القيم رحمه الله: ( إن الغافل عن الاستعداد للقاء ربه والتزود لمعاده بمنزلة النائم بل أسوأ حالاً منه، فإن العاقل يعلم وعد الله ووعيده.. لكن يحجبه عن حقيقة الإدراك، ويقعده عن الاستدراك سنة القلب وهي غفلته التي رقد فيها فطال رقوده.. وانغمس في غمار الشهوات، واستولت عليه العادات.. ومخالطة أهل البطالات.. ورضي بالتشبه بأهل إضاعة الأوقات، فهو في رقاده مع النائمين.. فمتى انكشف عن قلبه سنة الغفلة بِزَجرَة من زواجر الحق في قلبه، استجاب فيها لواعظ الله في قلب عبده المؤمن.. ورأى سرعة انقضاء الدنيا.. فنهض في ذلك الضوء على ساق عزمه قائلاً: {يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطتُ فيِ جَنبِ اللهِ }، فاستقبل بقية عمره مستدركاً بها ما فات، مُحيياً بها ما أمات، مستقبلاً بها ما تقدم له من العثرات ) (الروح لابن القيم:223).

فاجعل أخي التقوى زادك.. واحذر الغفلة فإنها تنسيك حقيقة سفرك.. وتغريك بزخرف الدنيا وتمنيك بالإقامة الزائفة..
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

أبو الحسن بن محمد الفقيه - دار ابن خزيمة

Post: #726
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 00:57 AM
Parent: #701

عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ، تَغْدُوا خِمَاصاً وَتَرُوْحُ بِطَاناً" رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي المُسْنَدِ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ فِي السُّنَنِ، وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيْحِهِ، وَرَوَاهُ الحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيْثٌ حَسَنٌ صَحِيْحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الوَجْهِ.
وَمَعْنَى: تَغْدُوْ خِمَاصاً. تَذْهَبُ أَوَّلَ النَّهَارِ خَالِيَةً بُطُوْنُهَا مِنْ شِدَّةِ الجُوْعِ. وَتَرُوْحُ بِطَاناً. تَعُوْدُ آخِرَ النَّهَارِ مُمْتَلِئَةً بُطُوْنُهَا لِأَنَّهَا قَدْ شَبِعَتْ.
قَالَ الإِمَامُ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبَ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِ جَامِعِ العُلُوْمِ وَالحِكَمِ: هَذَا الحَدِيْثُ أَصْلٌ فِي التَّوَكُّلِ ؛ إِذْ هُوَ مِنَ الأُمُوْرِ الَّتِيْ يُسْتَجْلَبُ بِهَا الرِّزْقُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا 2 وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُۚ وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُهُۥٓۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَٰلِغُ أَمۡرِهِۦۚ قَدۡ جَعَلَ ٱللَّهُ لِكُلِّ شَيۡءٖ قَدۡرٗا}(٣ الطَّلَاقِ).

رَوَى الإِمَامُ الطَّبَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيْرِهِ (جَامِعُ البَيَانِ عَنْ تَأْوِيْلِ آيِ القُرْآنِ) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: إِنَّ أَكْبَرَ آيَةٍ فِي القُرْآنِ تَفْوِيْضاً: {وَمَن يَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسۡبُه}. وَمِنْ هُنَا يُسْتَشَفُّ مَعْنَى التَّوَكُّلِ وَتُعْرَفُ حَقِيْقَتُهُ.

فَمَعْنَاهُ صِدْقُ الِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى بِتَفْوِيْضِ الأَمْرِ إِلَيْهِ؛ فَهُوَ مُدَبِّرُ الأَمْرِ، وَلَهُ الخَلْقُ، وَهُوَ العَلِيْمُ: {أَلَا يَعۡلَمُ مَنۡ خَلَقَ وَهُوَ ٱللَّطِيفُ ٱلۡخَبِيرُ}(المُلْكِ:14).
وَقَالَ القُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيْرِهِ: التَّوَكُّلُ الِاعْتِمَادُ عَلَى اللَّهِ مَعَ إِظْهَارِ العَجْزِ. انْتَهَى.

فَالعَبْدُ مَهْمَا أُوْتِيَ مِنْ قُوَّةٍ فَإِنَّهُ مُفْتَقِرٌ وَمُحْتَاجٌ إِلَى الغَنِيِّ الحَمِيْدِ الَّذِيْ خَلَقَهُ: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ أَنتُمُ ٱلۡفُقَرَآءُ إِلَى ٱللَّهِۖ وَٱللَّهُ هُوَ ٱلۡغَنِيُّ ٱلۡحَمِيدُ}(فَاِطر:15}. وَمَا أَحْسَنَ قَوْلَ الإِمَامِ سَهْلِ بن عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ؛ حَيْثُ وَضَّحَ مَعْنَى التَّوَكُّلِ بِقَوْلِهِ: "التَّوَكُّلُ أَنْ يَكُوْنَ العَبْدُ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ كَالمَيِّتِ بَيْنَ يَدَيِ الغَاسِلِ يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يُرِيْدُ". رَوَاهُ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شُعَبِ الإِيْمَانِ.

فهَذِهِ غَايَةُ التَّسْلِيْمِ المُطْلَقِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ، وَهَذَا مِنَ الإِيْمَانِ بِهِ، وَالعَبْدُ بِهَذَا يَجْلِبُ لِنَفْسِهِ مَحَبَّةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ: {فَإِذَا عَزَمۡتَ فَتَوَكَّلۡ عَلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلۡمُتَوَكِّلِينَ} ١٥٩ آلَ عِمْرَانَ. وَهُوَ مِنْ صِفَاتِ المُؤْمِنِيْنَ: {وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡيَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ} (١٢٢ آلَ عِمْرَانَ).

وَلِبَيَانِ مَكَانَةِ هَذِهِ العِبَادَةِ العَظِيْمَةِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَهَا فِي مَوَاضِعَ كَثِيْرَةٍ مِنْ كِتَابِهِ المَجِيْدِ، فَهِيَ حَالُ الأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، فَهَذَا نُوْحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: {وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ نُوحٍ إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيۡكُم مَّقَامِي وَتَذۡكِيرِي بِ‍َٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَعَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡتُ فَأَجۡمِعُوٓاْ أَمۡرَكُمۡ وَشُرَكَآءَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُنۡ أَمۡرُكُمۡ عَلَيۡكُمۡ غُمَّةٗ ثُمَّ ٱقۡضُوٓاْ إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ} ٧١ يُوْنُسَ.

قَالَ بَعْضُ العُلَمَاءِ: وَإِنَّمَا خَصَّ نُوْحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا المَقَامَ بِالتَّوَكُّلِ مَعَ أَنَّهُ مُتَوَكِّلٌ فِي جَمِيْعِ أَحْوَالِهِ لِيُبَيِّنَ لِقَوْمِهِ أَنَّ اللَّهَ كَافِيْهِ أَمْرَهُمْ، فَهُمْ لَوِ اجْتَمَعُوا هُمْ وَشُرَكَاؤُهُمْ عَلَى أَذَاهُ فَلَنْ يُمْكِنَهُمْ ذَلِكَ؛ فَاللَّهُ حَامِيْهِ. وَهَذَا مُوْسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْمُرُ قَوْمَهُ بِالتَّوَكُّلِ، وَقَدْ نَالُوا مَا نَالُوا مِنَ الأَذَى مِنْ فِرْعَوْنَ وَجُنُوْدِهِ: {وَقَالَ مُوسَىٰ يَٰقَوۡمِ إِن كُنتُمۡ ءَامَنتُم بِٱللَّهِ فَعَلَيۡهِ تَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّسۡلِمِين . فَقَالُواْ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ . وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِين} (سورة يُوْنُسَ). وَهَذَا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَيِّدُ المُتَوَكِّلِيْنَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ وَعَنْ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ: {ٱ لَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُواْ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِيمَٰنٗا وَقَالُواْ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِيلُ ١٧٣ فَٱنقَلَبُواْ بِنِعۡمَةٖ مِّنَ ٱللَّهِ وَفَضۡلٖ لَّمۡ يَمۡسَسۡهُمۡ سُوٓءٞ وَٱتَّبَعُواْ رِضۡوَٰنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَظِيمٍ} (آلَ عِمْرَانَ:١٧٤). رَوَى الإِمَامُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيْحِهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ. قَالَهَا إِبْرَاهِيْمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِيْنَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِيْنَ قَالُوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيْمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيْلُ}.

وَلَا يَتَعَارَضُ التَّوَكُّلُ مَعَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ، وَفِي الحَدِيْثِ إِشَارَةٌ لِهَذَا؛ فَالطَّيْرُ الجَائِعَةُ تَبْحَثُ عَنْ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا فَتَجِدُ مَا قَدَّرَهُ اللَّهُ لَهَا، فَالعَالِمُ لَا يَكُوْنُ عَالِماً إِلَّا إِذَا جَلَسَ مَعَ العُلَمَاءِ وَنَظَرَ فِي الكُتُبِ، وَالمَحْظُوْرُ الِاعْتِمَادُ عَلَى الأَسْبَابِ، أَمَّا الأَخْذُ بِهَا مَعَ الِاعْتِقَادِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى بِيَدِهِ الرِّزْقُ فَهَذَا هُوَ المَطْلُوْبُ، وَهُوَ الَّذِيْ حَثَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ، أَمَّا مُجَرَّدُ اللَّفْظِ بِالتَوَّكُّلِ دُوْنَ الأَخْذِ بِالأَسْبَابِ فَمَمْنُوْعٌ، وَهُوَ التَّوَاكُلُ، وَهُوَ لَا يُجْزِئُ، كَمَا أَنَّ التَّلَفُّظَ بِالإِيْمَانِ دُوْنَ العَمَلِ لَا يُجْزِئُ. ذَكَرَ الإِمَامُ البَيْهَقِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي شُعَبِ الإِيْمَانِ أَنَّ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرَّ بِأَهْلِ اليَمَنِ فَقَالَ: مَا أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ. فَقَالَ: بَلْ أَنْتُمُ المُتَّكِلُوْنَ. أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِالمُتَوَكِّلِيْنَ؟ رَجُلٌ أَلْقَى حَبَّةً فِي الأَرْضِ ثُمَّ تَوَكَّلَ عَلَى رَبِّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: كَانَ أَهْلُ اليَمَنِ يَحُجُّوْنَ وَلَا يَتَزَوَّدُوْنَ، وَيَقُوْلُوْنَ: نَحْنُ المُتَوَكِّلُوْنَ. فَإِذَا قَدِمُوا مَكَّةَ سَأَلُوا النَّاسَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيۡرَ ٱلزَّادِ ٱلتَّقۡوَىٰۖ}(البَقَرَةِ:١٩٧). رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
وَقَالَ الإِمَامُ سَعِيْدُ بن جُبَيْرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: التَّوَكُّلُ جِمَاعُ الإِيْمَانِ. وَقَالَ الإِمَامُ التُّسْتَرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الطَّعْنُ فِي الحَرَكَةِ (يَعْنِيْ السَّعْيَ) طَعْنٌ فِي السُّنَّةِ، وَالطَّعْنُ فِي التَّوَكُّلِ طَعْنٌ فِي الإِيْمَانِ؛ فَالتَّوَكُّلُ إِيْمَانُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالحَرَكَةُ سُنَّتُهُ، فَمَنْ عَمِلَ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَتْرُكَنَّ سُنَّتَهُ.

وَلْيُعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى نَصْرِنَا عَلَى أَعْدَائِنَا مِنْ دُوْنِ مُقَدِّمَاتٍ، وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الأَمْرَ فَقَالَ تَعَالَى: {ذَٰلِكَۖ وَلَوۡ يَشَآءُ ٱللَّهُ لَٱنتَصَرَ مِنۡهُمۡ وَلَٰكِن لِّيَبۡلُوَاْ بَعۡضَكُم بِبَعۡضٖ}(مُحَمَّدٍ:3).
فَالنَّصْرُ لَهُ أَسْبَابٌ وَكَذَلِكَ الهَزِيْمَةُ، فَمِنْ أَسْبَابِ النَّصْرِ بَعْدَ الِالْتِزَامِ بِشَرْعِ اللَّهِ القِتَالُ لِإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ، فَيَا مَنْ تُجَاهِدُوْنَ فِي سَبِيْلِ اللَّهِ فِي كل مكان تَوَكَّلُوا عَلَى مَنْ عِنْدَهُ النَّصْرُ: {وَمَا ٱلنَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۚ}(الأَنْفَالِ:10).

وَمَنْ أَرَادَ الرِّزْقَ فَلْيَتَوَكَّلْ عَلَى الرَّزَّاقِ، وَقَدْ قَرَأَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِيْ ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هَذِهِ الآيَةَ: {وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجۡعَل لَّهُۥ مَخۡرَجٗا وَيَرۡزُقۡهُ مِنۡ حَيۡثُ لَا يَحۡتَسِبُ} ثُمَّ قَالَ:"يَا أَبَا ذَرٍّ، لَوْ أَنَّ النَّاسَ أَخَذُوا بِهَا لَكَفَتْهُمْ" رَوَاهُ الإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ، وَالنَّسَائِيُّ فِي السُّنَنِ الكُبْرَى، وَابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ، وَرَوَاهُ الحَاكِمُ فِي المُسْتَدْرَكِ وَصَحَّحَهُ، وَقَالَ الإِمَامُ شِهَابُ الدِّيْنِ البُوْصِيْرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي مِصْبَاحِ الزُّجَاجَةِ فِي زَوَائِدِ ابْنِ مَاجَهْ: هَذَا إِسْنَادٌ رجَالُهُ ثِقَاتٌ، إِلَّا أَنَّهُ مُنْقَطِعٌ ؛ أَبُوْ السَّلِيْلِ لَمْ يُدْرِكْ أَبَا ذَرٍّ، قَالَهُ فِي التَّهْذِيْبِ. إِلَى آخِرِ كَلَامِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ. وَهَذَا الحَدِيْثُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيْفاً لِهَذِهِ العِلَّةِ إِلَّا أَنَّهُ يَصِحُّ الِاسْتِشْهَادُ بِهِ هُنَا ؛ فَقَدِ اسْتَشْهَدَ الأَئِمَّةُ العُلَمَاءُ بِهِ فِي فَضَائِلِ الأَعْمَالِ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ كَمَا بَيَّنَ العُلَمَاءُ، وَقَدِ اسْتَشْهَدَ بِهِ أَئِمَّةٌ كِبَارٌ مِنْ جَهَابِذَةِ عِلْمِ الحَدِيْثِ، كَالإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ رَوَاهُ فِي كِتَابِ الزُّهْدِ، وَاسْتَشْهَدَ بِهِ الإِمَامُ ابْنُ تَيْمِيَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الفَتَاوَى.

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنَ المُتَوَكِّلِيْنَ عَلَيْكَ حَقَّ التَّوَكُّلِ، وَأَغْنِنَا بِفَضْلِكَ عَنْ مَنْ سِوَاكَ، وَانْصُرِ المُجَاهِدِيْنَ فِي سَبِيْلِكَ فِي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
أَحْمَدَ بن نَوَّافٍ المِجْلَادِ القَطَرِيِّ الضَّرِيْرِ

Post: #727
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 00:59 AM
Parent: #701

هي إطلالة على البيت النبوي، ذلك البيت الذي أذهب الله عنه الرجس وطهّره تطهيرًا، إطلالة من كوّة فتحتها أمّنا عائشة رضي الله عنها حينما توارد عليها السؤال من عدد من التابعين: "ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته إذا كان عندك؟" إنه تساؤل عن هذه الشخصية العامة كيف تكون في هذه الحالة الخاصة، كيف يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يعيش خارج بيته متصديًا لقضايا الأمة، متحمّلاً لأعبائها، فإذا دخل بيته، وأغلق بابه وخلا بأهله فكيف يكون؟ وماذا يصنع؟

ولقد تلقّت عائشة رضي الله عنها السؤال بحفاوة واهتمام، وأشرعت نافذة على بيت النبوة؛ لنرى منها النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الحالة الخاصة في بيته ومع أهله، فإذا هي تصفه بهذا الوصف الوجيز البليغ.

قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته ألين الناس، وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكًا بسّامًا، وما كان إلاّ بشرًا من البشر، كان يكون في مهنة أهله -يعني خدمة أهله- يخصف نعله، ويخيط ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه، ويعمل في بيته كما يعمل أحدكم في بيته، فإذا أحضرت الصلاة خرج إلى الصلاة، ولا رأيته ضرب بيده امرأة ولا خادمًا".

إنها باقة معطرة من الصفات النبوية أحسنت أمُّنا عائشة رضي الله عنها وصفها في هذه الجمل الوجيزة بهذا البيان البليغ، وبقي أن نفتح أبصار البصائر على معانٍ عظام.

1- "ما كان إلاّ بشرًا من البشر" لا أحسب أن عائشة كانت تقرر بشريّة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه ليس ملكًا بل بشرًا رسولاً، ولكنها كانت تقرر معنى أخص من ذلك، وهو بشريّته في التعامل الأسري بحيث إنه صلى الله عليه وسلم يدخل بيته ليس على أنه القائد أو الزعيم أو الإمام، ولكن على أنه الزوج ليعيش حياة السكن الزوجي مع أهله، لتجتمع معاني العظمة المحمدية في عظمة التعامل الزوجي، وأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يعيش في بيته سمته الذي يلقى به الناس، ولكن يعيش بساطة الحياة الأسرية وعفويتها، فلا ترى فيه زوجه إلاّ الزوج الوادّ الرحيم، وهو صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم وإمام البشرية، والعظيم لا تمتلئ الأعين من النظر إليه مهابة وإجلالاً، ولكنه يعيش في بيته ومع أهله زوجاً أولاً.

كم ننسى هذا المعنى النبوي العظيم حينما نصطحب معنا إلى بيوتنا المعاني والألقاب الخارجية؛ ليعيش أحدنا في بيته على أنه صاحب السعادة أو الفضيلة، مع أن هذه ألقاب تخلع عند الباب ليعود، ومن كان كذلك بشراً من البشر.

2- "كان يكون في مهنة أهله" يثب إلى ذهني سؤال ثاقب يقول: وهل كانت أمُّنا عائشة تشكو كثرة العمل ومشتتة حتى يكون عمل النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها معونتها وخدمتها؟ أما كانت حجرتها متقاربة الجدر صغيرة، المساحة، بحيث لم يتجاوز طولها عشرة أذرع، وعرضها سبعة أذرع (5 أمتار* 3.5) وأما العمل فيها فقد كانت تنقضي الشهران بتمامها وما أوقد فيها نار لطعام يُصنع، فهل ثمة عمل يحتاج إلى جهد، فضلاً عن أن يحتاج إلى معونة بحيث يكون النبي صلى الله عليه وسلم في بيته مشغولاً بمهنة أهله؟

إن الجواب عن هذا التساؤل: أن نبيك صلى الله عليه وسلم ما كان يصنع ما يصنع لكثرة الشغل وجهد العمل، ولكن هناك معنى أعمق، وهو المواساة والإشعار بالمشاركة التامة في الحياة الزوجية ، وتحقيق أحد معاني السكن إلى الزوجة {لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} [الروم من الآية:21]، ولم يقل لتسكنوا معها.

إن هذه الأعمال اليسيرة في المنـزل تصل إلى قلب الزوجة مشفوعة بمذكرة تفسيرية تضج بمعاني الحب والمودة والرحمة، وتشعر الزوجة بالدنو القريب إلى زوجها، والامتزاج الروحي والعاطفي، كون الرجل في مهنة أهله، وأي عمل وعلى أي صفة رسالة حياة تقول: هويتنا جميعاً كما هي حياتنا جميعاً، وإن معاني الالتحام الزوجي تنسجها هذه اللمسات المعبرة، فيكبر في عين زوجته بقدر تواضعه، ويعظم في نفسها بقدر بساطته.

3- إننا نطل من هذه النافذة على البيت، فنراه صغيراً في مساحته، بسيطاً في متاعه، ولكن الخلق النبوي العظيم جعله وعاءً كبيراً مترعاً بالأنس والبهجة، ترنّ فيه الضحكات، وتشرق البسمات، ويتدفق ينبوعاً غامراً من السعادة والإبهاج "كان رجلاً من رجالكم إلاّ أنه كان ضحّاكاً بسّاماً".

ليس في بيت النبوة التواقر المتكلّف، ولا التزمّت المقيت، ولا تجهّم العبوس، ولكنه حبور الضحك وإيناس التبسم، ومتعة الحياة الطيبة التي تملأ البيت حبرة وسروراً، حتى كأنما يعيش أهله في زاوية من الجنة .

4- إن هذا الفن الراقي في التعامل الزوجي، والمبادرة من الزوج إلى المشاركة المعبرة والأنس المبهج سوف يجعله يحتل المساحة الأكبر من قلب زوجته ووجدانها. إن هذا التعامل الرفيع يجعل لحضوره فرحة وأنساً، ولغيابه وحشة وفقداً، وسيكون من المرأة بمكان.

إن على الذين يشتكون برودة الحياة الزوجية وجفافها أن يتعلموا من هذا الدرس النبوي: أن الدماء تتدفق حارة في حياتهم بمثل هذه اللمسات الساحرة، حينها لن يبقى في قلب المرأة ووجدانها مساحة شاغرة؛ فقد ملأ ذلك كله زوج أشعرها بالمشاركة الحقيقية في الحياة، ولوّن يومها بالبسمات.

5- يبهرنا هذا التوازن في الحياة النبوية فقد كان -صلى الله عليه وسلم مع الناس أكثرهم تبسماً، وفي بيته أيضاً ضحوكاً بسّاماً، وكان مع الناس كالريح المرسلة بالخير، وفي بيته في مهنة أهله، وكان خير الناس للناس، وخيرهم لأهله.

إن هذا التوازن يفتقد عند أناس يبذلون المجاملات الرقيقة بسخاء في تعاملهم العام، ولكنهم يخزنون عبوس وجوههم وقترة نفوسهم لزوجاتهم، فلا يرين إلا قتامة التجهم، وملالة التضجر، مع أنهم أولى الناس ببشره وحسن خلقه، أما نبينا صلى الله عليه وسلم فقد وسع الناس بحسن خلقه، وكان أهل بيته أسعد الناس بهذا الخلق.
عبد الوهاب الطريري – طريق الإسلام

Post: #728
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:01 AM
Parent: #701

للعبادة أثر كبير في بناء الشباب جسمانياً ونفسياً وأخلاقياً واجتماعياً , فهي تدريب عملي على الإخلاص والإتقان والإجادة والتميز , فالعبادة شعور دائم بوجود الله وإيقاظ مستمر للضمير والوجدان ,وللعبادة آثار وقائية، وأخرى علاجية؛ تتمثّل في إنقاذ المتعبِّد من التعقيد واليأس والشعور بالذنب وتفاهة الذات، لأن وقوف الإنسان بين يدي الله تعالى، واسـتمرار العلاقة به؛ يشـعره بقربه من مالك الوجود، وحبِّه له، وعطفه عليه، كما يشعره بقيمته الإنسانية، وعلو قدره.
فالصلاة التي هي أهم الأركان في الإسلام بعد توحيد الله تعالى نجد أنها من أعظم وسائل تزكية النفوس، قال تعالى : { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ(45)} (العنكبوت) .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه، قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَجَاءَهُ رَجُلٌ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَىَّ ، قَالَ : وَلَمْ يَسْأَلْهُ عَنْهُ ، قَالَ : وَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ ، فَصَلَّى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا قَضَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الصَّلاَةَ ، قَامَ إِلَيْهِ الرَّجُلُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنِّي أَصَبْتُ حَدًّا ، فَأَقِمْ فِيَّ كِتَابَ اللهِ ، قَالَ : "أَلَيْسَ قَدْ صَلَّيْتَ مَعَنَا ؟ قَالَ : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِنَّ اللهَ قَدْ غَفَرَ لَكَ ذَنْبَكَ ، أَوْ قَالَ : حَدَّكَ".(أخرجه البُخَارِي ومسلم).
فكأن حقيقة الصلاة أنها تزكية للنفس وتطهير لها من الأخلاق الرديئة والصفات السيئة, لذا حرص النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتخذ من العبادات فرصة للتدريب على السلوكيات الطيبة , فلقد كان صلى الله عليه وسلم يحرص على أن تكون صفوف الصلاة منتظمة وأن يقف المسلمون في الصلاة متكاتفين متساوين وأن يلين كل واحد لأخيه ولا يتركوا بينهم فرجة للشيطان , عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ , أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَقِيمُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّمَا تَصُفُّونَ بِصُفُوفِ الْمَلاَئِكَةِ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ وَلِينُوا فِي أَيْدِي إِخْوَانِكُمْ وَلاَ تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ". (أخرجه أحمد وغيره).
وطبيعي أن ذلك التدريب على النظام والتلاحم والتواصل لا يكون داخل الصلاة أو داخل المسجد وفقط بل لا بد أن يمتد أثره خارج الصلاة وفي العلاقات والمعاملات .

عن عبد الله بن أبي رافع عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه سئل عن قول الله عز وجل (الذين هم في صلاتهم خاشعون) قال الخشوع في القلب وأن تلين كتفك للمرء المسلم وأن لا تلتفت في صلاتك.
وهنالك آثار نفسية عظيمة للصلاة، فعندما يتم المؤمن خشوع الصلاة فإن ذلك يساعده على التأمل والتركيز والذي هو أهم طريقة لمعالجة التوتر والإرهاق العصبي. كذلك الصلاة علاج ناجع للغضب والتسرع والتهور فهي تعلم الإنسان كيف يكون هادئاً وخاشعاً وخاضعاً لله عز وجل وتعلمه الصبر والتواضع. هذه الأشياء تؤثر بشكل جيد على الجملة العصبية وعلى عمل القلب وتنظيم ضرباته وتدفق الدم خلاله.(عبد الدائم الكحيل : روائع الإعجاز النفسي في القرآن والسنة 47).
لذا فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم الآباء على تعويد وتدريب أبناءهم الصغار على الصلاة , والحزم معهم إذا كبروا في هذا الأمر , عَنْ شُعَيْبٍ ، عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْروٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مُرُوا أَبْنَاءَكُمْ بِالصَّلاَةِ لِسَبْعِ سِنِينَ ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا لِعَشْرِ سِنِينَ ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ" (أخرجه أحمد وأبو داود).
كان الحسن البصري يقول : يقول يا ابن آدم أي شيء يعز عليك من دينك إذا هانت عليك صلاتك و أنت أول ما تسأل عنها يوم القيامة.
و قال حاتم الأصم : فاتتني مرة صلاة الجماعة فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده و لو مات لي ولد لعزاني أكثر من عشرة آلاف إنسان لأن مصيبة الدين عند الناس أهون من مصيبة الدنيا ! .
لا يُصنع الأبطال إلا *** في مساجدنا الفساح
في روضة القرآن في *** ظل الأحاديث الصحاح
شعب بغير عقيدة *** ورق يذريه الرياح
من خان حي على الصلاة * * * يخون حي على الكفاح
والصيام غايته العظمى تحقيق التقوى كما قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ((183) سورة البقرة).
ولا تتم التقوى عند العبد إلا إذا حسن خلقه مع خلق الله تعالى ، ولهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الوصية بالتقوى والوصية بحسن الخلق , فعنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اتَّقِ اللهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ". (أخرجه أحمد وغيره) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"الصِّيَامُ جُنَّةٌ ، فَإِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ صَائِمًا ، فَلاَ يَرْفُثْ ، وَلاَ يَجْهَلْ ، فَإِنِ امْرُؤٌ قَاتَلَهُ أَوْ شَاتَمَهُ ، فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ ، إِنِّي صَائِمٌ". (البُخاري ومسلم) .
فللصيام قدرة فائقة على علاج الاضطرابات النفسية القوية مثل الفصام!! حيث يقدم الصوم للدماغ وخلايا المخ استراحة جيدة، وبنفس الوقت يقوم بتطهير خلايا الجسم من السموم، وهذا ينعكس إيجابياً على استقرار الوضع النفسي لدى الصائم.
حتى إننا نجد أن كثيراً من علماء النفس يعالجون مرضاهم النفسيين بالصيام فقط وقد حصلوا على نتائج مبهرة وناجحة! ولذلك يعتبر الصوم هو الدواء الناجع لكثير من الأمراض النفسية المزمنة مثل مرض الفصام والاكتئاب والقلق والإحباط. (عبد الدائم الكحيل : روائع الإعجاز النفسي في القرآن والسنة 56).

والزكاة كذلك هي عبادة وفريضة وهي أيضا وسيلة من أعظم وسائل تطهير النفس من البخل والشح والأنانية، وزرع معاني الفضيلة والألفة والرحمة والشفقة، ولهذا قال الله عز وجل:{ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} ((103)التوبة).
لذا فإن الصدقة لا تقبل إذا صحبها وتبعها من وأذى ومعايرة , قال تعالى : {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (262) قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ (263) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (264)} (سورة البقرة).
أما الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام فإننا نرى له أثرا عجيبا في إصلاح الأخلاق وتهذيب السلوك كيف لا والله عز وجل يقول: { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ (197)} (سورة البقرة).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ ، فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ حَتَّى يَرْجِعَ ، رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ". (أحمد والبُخاري).
ولو أن المسلمين استلهموا هذه الروح واستشعروا هذه الغاية من عباداتهم في كل أحوالهم لتحسنت الأخلاق كثيرا ولنعم المجتمع المسلم بعلاقات ملؤها الحب والمودة والرحمة ولابتعدوا عن سفاسف الأخلاق ومذمومها .
إذ أن العبادة تعمل دائماً على تطهير الذات الإنسانية من كل تلك المعوقات، وتساهم بإنقاذها من مختلف الأمراض النفسية والأخلاقية، وتسعى لأن يكون المحتوى الداخلي مطابقاً للمظهر والسلوك الخارجي، لإزالة التناقض والتوتر الداخلي، ولتحقيق انسجام كامل بين الشخصية، وبين القيم والمبادئ الحياتية السامية.
كما تعمل على غرس حبّ الكمال والتسامي الّذي يدفع الإنسان إلى التعالي، وتوجيه نظره إلى المثل الأعلى المتحقق في الكمالات الإلهية، والقيم الروحية السامية .
فالإنسان عندما يتعبّد إنّما يعبِّر عن حقيقة الموقف الإنساني أمام بارئه، وعلاقة الإنسانية به، ليعيش الإنسانية كلّها متمثلة في إنسانيته المتوجهة إلى بارئها.
ولقد ربط الله تعالى في كتابه الكريم ربطاً وثيقاً متلازماً بين الإيمان قولاً والإيمان تطبيقاً وعملاً , قال تعالى : { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277)} (سورة البقرة).
فالعبادة لا تكون وسيلة للتربية إلا إذا ارتبطت بالسلوك والخلق , قال تعالى : { لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (177)} (سورة البقرة).
وقال تعالى : {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)} (سورة العصر).
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلاَتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا ، غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهاَ بِلِسَانِهَا ، قَالَ : "هِيَ فِي النَّارِ" ، قَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، فَإِنَّ فُلاَنَةَ يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلاَتِهَا ، وَأَنَّهَا تَصَدَّقُ باِلأَثْوَارِ مِنَ الأَقِطِ وَلاَ تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : "هِيَ فِي الْجَنَّةِ". (أخرجه أحمد والبُخاري في الأدب المفرد).
ولقد عرف الرسول الإفلاس الحقيقي بأنه ليس إفلاس المال والمادة بل هو إفلاس الخلق والتصرف , عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: "هَلْ تَدْرُونَ مَنِ الْمُفْلِسُ؟" قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا يَا رَسُولَ اللهِ مَنْ لاَ دِرْهَمَ لَهُ وَلاَ مَتَاعَ ، قَالَ : "إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَيَامٍ وَصَلاَةٍ وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ عِرْضَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، فَيُقْعَدُ فَيَقْتَصُّ هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ". (أخرجه أحمد ومسلم وغيرهما).
وقال الإمام علي رضي الله عنه : ليست الصلاة قيامك وقعودك ، إنما الصلاة إخلاصك ، وأن تريد بها الله وحده.
لذا فقد طبق السلف الصالح هذه المفاهيم في تربيتهم لأولادهم , فقد ربوهم على تطبيق العبادات وتحويلها إلى سلوك وتقوى وإخلاص وإتقان , فهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك. وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بأن تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها.
يقول الشاعر:
إن الغصون إذا قوَّمْتَها اعتدلت * * *ولا يلين إذا قوَّمْتَه الخشبُ
وكما قال صالح بن عبد القدوس:
وإن من أدبته في الصبا * * * كالعود يسقى الماء في غرسه
حتى تراه ناظراً مورقا * * * بعد الذي قد كان من يبسه
فعلينا أن نربي الشباب على حسن إتقان العبادة لأنها الطريق الموصلة إلى حسن إتقان العمل وإلى طيب التخلق بالخلق الفاضل الكريم.
د. بدر عبد الحميد هميسه

Post: #729
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:03 AM
Parent: #701

تعظيم الله تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فإن الله تعالى لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا من أجل تحقيق أسمى الغايات ألا وهي عبادته سبحانه وتحكيم شرعه ، ولا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم المعبود ؛ فقد ذكر المناوي في تعريف العبادة أنها فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه . وقيل أي العبادة هي تعظيم الله وامتثال أوامره. فمن هذا التعريف تتضح أهمية تعظيم الله ، وأنها العبادة التي خلقنا الله لتحقيقها .

ولقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في بيان فضل تعظيم الله ؛ فمنها قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5 ) ، قال القرطبي رحمه الله : ثم الآية الرابعة جعلها الله بينه وبين عبده ؛ لأنها تضمنت تذلل العبد لربه وطلب الاستعانة منه ؛ وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى.
ومنها قوله تعالى في معرض ذكر صفات عباده المؤمنين : { وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } ( الرعد : 22 ) ، قال ابن جرير الطبري رحمه الله : ابتغاء وجه ربهم أي طلب تعظيم الله وتنزيهاً له أن يخالف في أمره أو يأتي أمراً كره إتيانه فيعصيه به.
ومنها قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام مع قومه : { مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } ( نوح : 13 ) ، قال أبو السعود : أي ما لكم لا تؤملون له تعالى توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه.
ومنها قوله تعالى لما ذكر قصة أصحاب الجنة : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } ( القلم : 28 ) ، قال الثعالبي : قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه.

ومنها حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه حيث قال : أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ! جُهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونُهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا ؛ فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « ويحك أتدري ما تقول ؟ » ، وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : "ويحك إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك .. ".(رواه أبو داوود وضعفه الألباني)؛ فالأعرابي لما قال : ( فإنا نستشفع بالله عليك ) جعل الله في مقام الشافع عند رسوله ، وهذا تنقيص من قدره جل وعلا ؛ ولهذا سبَّح الرسول صلى الله عليه وسلم ونبَّه الأعرابي إلى هذا الخطأ الفادح لما قال :« ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن شأن الله أعظم من ذلك » إلى آخر الحديث .
ولكي نتصور أخي الكريم حقيقة التعظيم فإن علينا أن نتفكر في هذا المثال : انظر إلى حال رفقاء الملوك والأمراء والرؤساء إلا من رحم الله تجد أحدهم لا يستطيع أن يرد لهذا الملك أو لهذا الرئيس أمراً ولا أن يرتكب نهياً حتى وإن كان هذا الأمر والنهي يضره في بدنه أو ماله أو أهله ، وعندما نسأله عن سر هذه الطاعة العمياء نجد أن تعظيمه لهذا الرئيس هو السبب الحقيقي لهذه الطاعة .

إذاً فالتعظيم يولِّد في النفس الخوف من المعظَّم . ولهذا ما فتئ علماء الأمة يجتهدون في تذكير الناس بمسألة تعظيم الله ؛ فها هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يصنف كتاب التوحيد ، ويقرر فيه مسائل العقيدة ثم يختم كتابه بأبواب عديدة كلها تتعلق بتعظيم الله ، مثل : باب فيمن لم يقنع بالحلف بالله باب التسمي بقاضي القضاة باب احترام أسماء الله باب لا يرد من سأل بالله باب قوله : { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ( الزمر : 67 ) . وهذا آخر باب ذكره الشيخ في كتابه القيم .
لكن هل نحن معظمون لله أم لا ؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن ننظر إلى حالنا عند الإقدام على فعل طاعة من الطاعات : هل نؤديها رغبة ورهبة ، خوفاً وطمعاً ؟ أم أن الطاعة أصبحت عادة من العادات نعملها كل يوم دون استشعار الهدف من أدائها ؟ وهل المرأة حين تلبس الحجاب الشرعي تلبسه لأنه شرعٌ من الله أم أنه تراث وتقاليد ؟ كذلك ننظر إلى حالنا عند فعل المعصية : هل نحس كأننا تحت جبل يكاد أن يسقط علينا أم كذبابة وقعت على أنف أحدنا فقال بها هكذا ؟ كذلك لننظر إلى حالنا أثناء أداء الصلاة والقيام لرب العالمين هل نستشعر عظمة من نقابله فنخشع في صلاتنا أم تشغلنا الأفكار والهواجس ؟ وهل إذا قابلنا ملكاً من ملوك الدنيا صنعنا عنده مثل ما نصنع في صلاتنا ؟ إذا أجبنا عن هذه التساؤلات بكل تجرد فسنعرف يقيناً هل نحن معظمون لله أم لا ؟أخي الكريم ! لنتأمل حال أولئك المعظمين لله تعالى عند قيامهم للصلاة ، فقد قال مجاهد رحمه الله : كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو أن يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسياً ما دام في صلاته ، وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه ، وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها .

وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خدَّيه على لحيته . وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه ... وهذا غيض من فيض من أخبار وأحوال أولئك المعظمين لله ، اللهم كما رزقتهم تعظيمك فارزقنا إياه يا سميع الدعاء .

بل إن من العجيب أن كفار قريش كان في قلوبهم شيءٌ من تعظيم الله ، وإليك بعض الشواهد على ذلك :

1 - قصة عتبة بن ربيعة حينما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فواتح سورة فصلت فلما بلغ قوله تعالى : {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } ( فصلت : 13 ) ، وضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله والرحم ليسكتن.
2 - قصة جبير بن مطعم أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ } ( الطور : 35-37 ) كاد قلبي أن يطير .
3 - كان الرسول صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وحوله صناديد قريش فقرأ عليهم سورة النجم فلما وصل إلى السجدة في آخر السورة سجد فسجدوا معه.

فهذه الشواهد تدل على أن كفار قريش رغم كفرهم وإشراكهم كان في قلوبهم شيء من تعظيم الله . قال شيخ الإسلام : « والمشركون ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه ولكن كانوا يعبدون معه آلهةً أخرى ».
أخي الكريم ! إن عدم تعظيم الله في القلوب سيُسأل عنه كل فرد منا ؛ فلا بد من المحاسبة والمراجعة وتقويم النفس والنظر في علاقتنا بربنا جل وعلا .

ولعل من أعظم أسباب عدم تعظيم الله ما يلي :
1 - الوقوع في المعاصي ، وهذه هي المعضلة ، وهي السبب في كل بلاء ومحنة وبعد عن الله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله : « وكفى بالعاصي عقوبةً أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ، ويهون عليه حقه ، ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفُّون به كما هان عليه أمره واستخف به » ، وقال بشر بن الحارث : لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله .
2 - التساهل في أوامر الله ؛ فتجد كثيراً من الناس لا يؤدون العبادات على الوجه المطلوب ؛ فلو كانوا يعظمون الله حق التعظيم لعظموا أمره كذلك .
3 - عدم تدبر القرآن حال قراءته ، وعدم الوقوف عند وعده ووعيده ، وأصبح همُّ القارئ آخر السورة فحسب دون اعتبار للهدف الذي أُنزل من أجله القرآن . قال تعالى { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ( ص: (29 .
4 - الغفلة عن ذكر الله فتجد أحدنا في المستشفيات أو في إحدى الدوائر الحكومية جالساً على كرسي الانتظار زمناً طويلاً وهو لا يذكر الله ولا يسبحه ولا يكبره ؛ حتى وإن سبح وكبر فهو لا يعي معنى هذا التسبيح وهذا التكبير ، وهذه مشكلة لا بد أن نعالجها في نفوسنا .
5 - النظر فيما حرم الله تعالى ؛ فالنظر الحرام يولد في القلب القسوة والجفاء ، وهذا لا يتأتى مع التعظيم ؛ لأن التعظيم لا يكون إلا من قلب خاضع خاشع لين مقبل على الله بكليته .
ولهذا فلا عجب أن يكون السلف الصالح رضوان الله عليهم من أشد الناس تعظيماً لله ؛ لأنهم أحرص الناس على طاعته وأبعدهم عن معصيته . قال القنوجي : وهم أي السلف الصالح أشد تعظيماً لله وتنزيهاً له عما لا يليق بحاله . وقال ابن منده في كتاب الإيمان : والعباد يتفاضلون في الإيمان على قدر تعظيم الله في القلوب والإجلال له ، والمراقبة لله في السر والعلانية .

أخي الكريم ! وبعد هذا كله فحريٌ بنا أن نتطرق إلى الأمور المعينة على تعظيم الله وهي كثيرة ولله الحمد ؛ ولكن قبل أن نذكرها ننبه إلى نقطة مهمة وهي أن المسلم إذا أراد أن يكون ممن يعظم الله حق التعظيم ، فلا بد من وجود نية صادقة تدفعه دفعاً للوصول إلى هذه الغاية ، وأن يكون حرصه على تعظيم الله نابعاً من استشعاره لأهمية التعظيم ، وأن يريد بعمله وجه الله تعالى لا أن يمدحه الناس ويثنوا عليه .

أما الأمور المعينة على تعظيم الله فنذكر منها :
1 - تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى ؛ فالعبد كلما تقرب إلى ربه بأنواع العبادات وأصناف القرُبات عظُم في قلبه أمر الله ؛ فتراه مسارعاً لفعل الطاعات مبتعداً عن المعاصي والسيئات . قال شيخ الإسلام : « وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ».
2 -التدبر الدقيق للقرآن الكريم وما فيه من حِكم وأحكام ، والنظر فيما فيه من الدروس والعبر ، وأن نتدبر في الآيات التي تتحدث عن خلق الله وبديع صنعه ، والآيات التي تتحدث عن عقوبته وشديد بطشه ، وآيات الوعد والوعيد ، فإن تدبر القرآن يؤثر في القلب ولا شك ، ويُذكي فيه عظمة الخالق والخوف منه . قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم صاحب حاشية الروض رحمه الله : بل قراءة آية بتدبر وتفهُّم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهُّم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة الإيمان ، وهكذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده ، حتى إنه ليردد الآية إلى الصباح ، وهذا هو أصل صلاح القلب ، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع في التدبر .

3 - التفكر في خلق السماوات والأرض ؛ فإن الناظر فيها ليدهش من بديع صنعها وعظيم خلقها واتساعها ؛ ومع هذا فهو لا يرى فيها شقوقاً ولا فطوراً قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } ( الملك : 3-4 ) .
ولهذا أثنى الله على عباده الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ؛ قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ( آل عمران: 190-191 ).

ومن الأحاديث الدالة على عظمة السماوات ما رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : « ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ». فهذا الحديث يبين عظمة السماوات وعظمة الكرسي والعرش ؛ ونحن بني آدم لا نساوي شيئاً أمام هذه المخلوقات العظيمة ، ومع ذلك يقول الله تعالى في السماء والأرض : {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } ( فصلت : 11 ) ، قال الشوكاني : أي أتينا أمرك منقادين ؛ فيا سبحان الله ! كيف بالإنسان هذا الضعيف الذليل يتكبر ويتبجح ويقارع جبار السماوات والأرض بالمعاصي والآثام ؟ ! نسأل الله السلامة والعافية .

4 - النظر في حال من غبر ؛ فلقد عاش على هذه الأرض أقوام وشعوب أعطاهم الله بسطة في الجسم وقوة في البدن لم يعطها أمة من الأمم ولكنها كفرت بالله وكذبت بالرسل ؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ودمرهم تدميراً ؛ فها هم قوم عاد الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟ ! أهلكهم الله { بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ( الحاقة : 6-7 ) ، وها هم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين أهلكهم الله بالصيحة {فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ( هود : 67 ) ، فالله سبحانه لم يتكلف في عذاب هذه الأمم ولم يكن له سبحانه أن يتكلف ؛ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ؛ فما بالنا نحن الأضعف والأقل قوة وبطشاً لا نخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب أولئك ؟.
5 - الدعاء : وهو أنفع الأدوية وأقوى الأسباب متى ما حضر القلب وصدقت النية ؛ فإن الله لا يخيب من رجاه قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ }(البقرة :186) .
فاللهم إنا نسألك تعظيمك والخوف منك ، وأن تمن علينا بتوبة صادقة تعيننا على طاعتك واجتناب معصيتك .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
أديب بن محمد المحيذيف – مجلة البيان

Post: #730
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:05 AM
Parent: #701

هذه هي الدنيا
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه وبعد:
فقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم بالسوق والناس عن جانبيه فمر بجدي أسك (صغير الأذن) ميت، فتناوله فأخذ بأذنه، ثم قال: " أيكم يحب أن يكون هذا له بدرهم؟ " قالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ ثم قال: " أتحبون أنه لكم؟ " قالوا: والله لو كان حياً كان عيباً، إنه أسك فكيف وهو ميت؟! فقال: " فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم " (رواه مسلم).
هذه هي حقيقة الدنيا التي تهافت الناس عليها وتنافسوا وتصارعوا من أجلها، وأشربت نفوسهم حبها والركون إليها.
أصبح الكثير من الناس لا يحب ولا يكره إلا من أجل الدنيا، مع أن الأصل أن يكون الولاء البراء لله وفي الله، وهذا الانشغال بالدنيا عن الآخرة هو الجهل العظيم والخطب الجسيم.

ولقد وصف الله الدنيا فبين حقيقتها وضرب لذلك المثل فقال:
{وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }(العنكبوت:64)، وقال تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ }(يونس:24).

(فلله در رجال عرفوا لماذا خلقوا، ومن أجل أي شيء وجدوا. فأين نحن اليوم من رجال الأمس؟ أولئك الرجال الذين رغبوا فيما عند الله والدار الآخرة، تركوا الدنيا في كامل زينتها وأبهى حلتها، وأقبلوا على ربهم ـ سبحانه ـ راجين مغفرته ورضوانه، تركوا الفاني وأقبلوا على الباقي، أتعلم لماذا؟ لأنهم عرفوا الحق من الباطل، عرفوا ما ينفعهم وما يضرهم، قال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً }(الأحزاب:23)، أولئك الذين اعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله الذين عرفوا الله حق معرفته، فلم يخشوا أحدا إلا الله، والله أحق أن يخشى، صدقوا مع الله فصدقهم الله عز وجل، إذا عملوا فلله، وإذا أحبوا فلله، وإذا أبغضوا ففي الله، أعمالهم وأقوالهم خالصة لله دون سواه.

أمّا من ركنوا إلى الدنيا وأحبوا أهلها، وزهدوا في الآخرة وبقائها فأولئك محبتهم وعداؤهم وولاؤهم من أجل الدنيا، وأهلها، ومناصبها، وما يحصلون عليه من كراس، ومراتب، ودرجات، فكانت المفاجآت أن حلت بهم النكبات، ودارت عليهم الدائرات، وجعل الله بأسهم بينهم شديدا، فإذا اجتمعوا أظهروا خلاف ما يبطنون، وإذا تفرّقوا أكل بعضهم بعضا، قال الله تعالى: {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين }(الزخرف:67)، وما حصل كل ذلك إلا لبعدهم عن منهج الله القويم، وانحرافهم عن صراطه المستقيم، فضلوا وغووا وركنوا إلى ما لم يؤمروا به، فاتبعوا الهوى والشهوات، وحصلت بينهم المنافسات على المناصب الكاذبات، فلا إله إلا رب الأرض والسموات، كل من أولئك يريد البقاء له وله وحده، وكأنه لم يخلق إلا للبقاء والخلود في هذه الدنيا وعمارتها، والله تعالى يقول في محكم التنزيل: {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }(آل عمران:185)، ويقول تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ }(الأنبياء:34-35)، وقال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون }(الذاريات:56)، هذه هي والله الغاية السامية التي من أجلها خلق الله الخلق، خلقهم من أجل العبادة، عبادته وحده، لا شريك له في ذلك فهو سبحانه المستحق للعبادة دون سواه، فهل عقل ذلك كثير من الناس؟ وكل ما عدا العبادة فهو وسيلة لا غاية، وعجبا لمن بدّل الغاية إلى وسيلة والوسيلة إلى غاية، فلا حول ولا قوة إلا بالله).

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم تفاهة الدنيا وحقارتها فقال صلى الله عليه وسلم: " الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه وعالماً ومتعلماً " (رواه الترمذي وهو حديث حسن)، وقال عليه الصلاة والسلام: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح).

فهذه هي حقيقة الدنيا التي يطلبها ويخطب ودها كثير من الناس كما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم ، فهي مبغوضة، ساقطة لا تساوي ولا تعدل عند الله جناح بعوضة، وكم يساوي جناح البعوضة في موازين الناس؟ قال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ }(الحديد:20)، يحذر المولى عز وجل عباده من الانجراف في مزالق الحياة الغادرة، أو اتخاذها وطناً وسكناً ، ويبين أنها غادرة ماكرة ما لجأ إليها أحد أو رجاها من دون الله إلا خذلته، وتخلت عنه؛ فهي حقيرة عند الله عز وجل كحقارة الميتة عند الناس، وإنما جعلها الله فتنة للعباد؛ ليرى الصابر والشاكر، والمغتنم لأوقاته لما فيه رضا ربه سبحانه، ممن عكف عليها وانشغل بها عما خلق له من عبادة الله تعالى، فلا يستوي الفريقان عند الله أبداً، قال تعالى: {فريق في الجنة وفريق في السعير }(الشورى:7) وقال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ (19) وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ (20) وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ (21) وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ }(فاطر:19-22)، الأعمى هو من ضل عن منهج الله تعالى وركن إلى الدنيا واطمأن لأنه عاش في هذه الدنيا أعمى وفي الآخرة أعمى وأضل سبيلاً، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (126) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى }(طه:124-127).

وأما من باع الدنيا واشترى الآخرة فهو البصير المبصر العارف تمام المعرفة لم خلق، وهذا حق معلوم لا ينكره إلا جاهل أو فاقد عقل، قال صلى الله عليه وسلم: " أبشروا وأمّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم " (متفق عليه)، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء " (رواه مسلم)، وهذا تحذير آخر من نبي الرحمة والهدى لأمته من الركون إلى الدنيا أو الاستئناس بها، والانخراط في سلك اللاهين المحبين لها ولزخرفها وزينتها، والحذر كل الحذر من الانجراف وراء مغريات الحياة الزائفة.

فكم ضاع بسبب حب الدنيا والاغترار بها من حقوق، وكم قطعت أرحام ، وكم قامت حروب قضت على الأخضر واليابس، وكم وكم مع أن الله تعالى ينادي: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ }(فاطر:5)، ولأن الدنيا أصبحت هي الشغل الشاغل الذي ملأ قلوب كثير من الناس اليوم، فقد انتشرت بينهم أمراض القلوب من حسد، وحقد وكذب، وبغضاء، وشحناء، وغيرها من الأمراض التي سادت بين أولئك الناس.

لقد أنسى كثيرا من الناس حب الدنيا والتشاغل بها طاعة الله عز وجل والخوف منه، ألا يعقل أولئك قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما لي وللدنيا؟ ما أنا إلا كراكب، استظل تحت شجرة ثم راح وتركها وتركها؟ " (رواه الترمذي، وهو حسن صحيح)، وقال صلى الله عليه وسلم: " ليس الغنى من كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس" (متفق عليه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لتؤدنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء، من الشاة القرناء " (رواه مسلم)، وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله ليملي للظالم، فإذا أخذه لم يفلته " ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد }(هود:102) (متفق عليه).
وهذه هي النتيجة الحتمية لكل ظالم، ولا مناص عنها ولا مفر منها، والجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان، وما ربك بظلام للعبيد ـ حاشا وكلا ـ ولكن الناس أنفسهم يظلمون.

(وكان الواجب على المؤمن تجاه الدنيا ودناءتها ألا ينظر إلى من هو فوقه وأعلى منه منزلة، بل ينظر إلى من هو دونه، حتى لا يزدري نعمة الله عليه فيقع في الإثم والمعصية، أمّا في أمور الدين والآخرة ففي ذلك فليتنافس المتنافسون بلا حقد، ولا حسد، ولا كراهية، ولا تقاطع، ولا تدابر. فلو ترك الناس بعضهم بعضا بما أنعم الله على كل منهم لساد الحب، والفرح، والإخاء، ولعم الأمن والسلام، والرخاء لأن: {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ }(الجمعة:4)، ولكن لما لم يدخل الإيمان قلوب الكثير منهم استساغوا ذلك الفضل من الله على بعضهم البعض، بل تجرّعوا الغصص والآهات، وطغت عليهم الحضارة المادية الزائفة بكل ما تعنيه الكلمة من معان، فأصبح الصراع والقتال من أجل متاع الدنيا الزائل، فإلى الله المهرب والملتجأ، وهو حسبنا ونعم الوكيل.

فلنتق الله عباد الله، ولنعلم أننا ما خلقنا وما وجدنا على هذه البسيطة إلا لعبادة الواحد الديان الذي له ملك السموات والأرض، وبيده خزائن كل شيء، وعلينا أن نتسابق ونتسارع إلى جنة الخلد وملك لا يبلى، جنة عرضها كعرض السموات والأرض، أعدها الله للمتقين الذين آمنوا بالله ورسله، قال صلى الله عليه وسلم: " من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل، ألا إنّ سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة " (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن)، فأين المشمرون؟ وأين المشترون؟ وأين المتقون؟.

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة " (متفق عليه)، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: " الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر " (رواه مسلم).، ودونك يا من أحببت الدنيا وزينتها، وركنت إليها، وقاتلت من أجلها، واهتممت بالمناصب والشياخة، والكراسي والرياسة، أقول: دونك هذا الحديث الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بأنعم أهل الدنيا من أهل النار يوم القيامة، فيصبغ في النار صبغة، ثم يقال: يا ابن آدم هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك نعيم قط؟ فيقول لا الله يا رب، ويؤتى بأشد الناس بؤسا في الدنيا من أهل الجنة، فيصبغ في الجنة، فيقال له: يا بن آدم هل رأيت بؤسا قط؟ هل مر بك شدة قط؟ فيقول: لا الله ما مر بي بؤس قط، ولا رأيت شدة قط " (رواه مسلم).
فيا بشرى من اشترى الآخرة بالدنيا، ويا حسرة من اشترى الدنيا بالآخرة ).
إسلام ويب

Post: #731
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:07 AM
Parent: #730

القلب وعاء يحتاج إلى الرعاية لما قد يعتريه من صنوف الدرن والغبش التي تذهب بنضارته وتشل حيويته، وهو لب الجسد الذي بصلاحه يصلح الجسد كله، لذلك كان حقه في الرعاية آكد ومزيد وصله بالاهتمام زائدا، والكلمات النورانية والنصائح الجلية من أنفع الوسائل للقلب، ومن أعظم وسائل ثباته، وهل مشكلة القلب إلا في تقلبه، فاللهم يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك.

قال أحد الصالحين: عليك يا أخي بمحاربة الشيطان وقهره، وذلك لخصلتين:
( أحدهما ) أنه عدو مضل مبين، لا مطمع فيه بمصالحة واتقاء شره أبدا، لأنه لا يرضيه ويقنعه إلا هلاكك أصلا، فلا وجه إذا للأمن من هذا العدو والغفلة عنه، قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ} [يس:60] وقال تعالى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} [فاطر:6].

( والخصلة الثانية ) أنه مجبول على عداوتك، ومنتصب لمحاربتك، في الليل والنهار يرميك بسهامه، وأنت غافل عنه، ثم هو له مع جميع المؤمنين عداوة عامة، ومع المجتهد في العبادة والعلم عداوة خاصة، ومعه عليك أعوان: نفسك الأمارة بالسوء، والهوى، والدنيا، وهو فارغ وأنت مشغول، وهو يراك وأنت لا تراه، وأنت تنساه وهو لا ينساك، فإذا لابد من محاربته وقهره وإلا فلا تأمن الفساد والهلاك والدمار، ومحاربته بالاستعاذة بالله والإكثار من ذكره.

عباد الله .. سيصحو السكران من سكره، حين لا يمكنه تلافي أمره، وسيندم المضيع على تضيعه، إذا قابله أمر صنيعه، وسيقصر الأمل من أمله وقت هجوم أجله، وتعذر الزيادة في عمله، والخروج من بين ماله وأهله .. هنالك يستحيل حلو العيش مرا، وينقلب عرف الأمر نكرا، ويعلم جامع الحطام الذي أضاع به أوقاته أن الباقيات الصالحات أبقى ذكرا وأنفع ذخرا، ليس في ظل الدنيا ولا على هذه الحياة تعويل.

كيف يطمع عاقل في الإقامة بدار الرحيل؟، كيف يضحك من هو محفوف بموجبات البكاء والعويل؟، أسمعنا الناصح فتصاممنا، وأيقظنا الغير فتناومنا، ورضينا بالحياة الدنيا من الآخرة، واشترينا ما يفنى بما يبقى، فتلك إذا صفقة خاسرة.
أين الآذان الواعية، أين الأعين الباكية، قول بلا فعال وأمر بلا امتثال، رسل ملك الموت في كل نفس تدنوا إلى أنفسنا، وأجساد أحبتنا تحت أطباق الثرى هامدة .. قد أوحشت منهم ديارهم، ودرست رسومهم وآثارهم، وتقطعت بالبلاء أوصالهم، ومحت أيدي الحوادث والقبور محاسن تلك الصور، وأطبقت عليهم ظلمات تلك الحفر، فلا شمس فيها ولا نور ولا قمر، ونحن عما قريب إلى ما صاروا إليه صائرون، وبالكأس الذي شربوا منه شاربون، ثم مع هذا اليقين إلى دار الغرور راكنون.

عباد الله .. انتهزوا فرص الزمان، قبل تعذر الإمكان، قبل أن تنقل من اسم مازال إلى خبر كان ، فانتبه يا من نظنه صاح وإذا هو سكران.
عباد الله .. كيف يثق بالحياة مَن المنية تقفوا إثره وتقف له في دربه، كيف يرجو راحة الدنيا من لا راحة له دون لقاء ربه .. تالله لو كانت الدنيا صافية المشارب من كل شائب، ميسرة المطالب لكل صالب، باقية علينا لا يسلبها منا سالب، لكان الزاهد فيها هو اللبيب الصائب، لأنها تشغل عن الله، والنعم إذا أشغلت عن المنعم كانت من المصائب.

عباد الله .. لقد تراكمت عليكم الذنوب، وأنتم في غيكم ولهوكم في دنياكم مشتغلون، أحاطت بكم البلايا من كل جانب ولستم لإصلاح أنفسكم تجنحون، كلما أوضح لكم الواعظ طريق الهداية تعاميتم فلا أنتم بالكروب معتبرون ولا من البلايا منزجرون، أما سمعتم قول الله جل وعلا: {فَذَرْنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} [القلم:44-45] وقوله تعالى: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:3] وقوله عز وجل: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} [المؤمنون: 55-56].

روي عن على بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه قال: "لا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة لطول الأمل، ويقول في الدنيا بقول الزاهدين، ويعمل فيها عمل الراغبين، إن أعطي من الدنيا لم يشبع، وإن منع منها لم يقنع، ويأمر الناس بما لا يأتيه، يحب الصالحين ولا يعمل أعمالهم، ويبغض المسيئين وهو منهم، يكره الموت لكثرة ذنوبه، ويقيم على ما يكره له الموت، إن سقم ظل نادما، وإن صح أمن لاهيا، تغلبه نفسه على ما يظن ولا يغلبها على ما يستيقن، ولا يثق من الرزق بما ضمن له، ولا يعمل من العمل بما فرض عليه، إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط وحزن، فهو من الذنب في حال النعمة والمحنة موقر، يطلب الزيادة ولا يشكر، ويتكلف من الناس مالا يؤمر، ويضيع الموت ولا يبادر الفوت، يستكبر من معصية غيره ما يسهل أكثره من نفسه، مزاهر اللهو مع الأغنياء أحب إليه من الذكر مع الفقراء، يحكم على غيره لنفسه ولا يحكم عليها لغيره".

أخي انظر في نفسك هل تجدها عاملة بمقتضى هدي سيد المرسلين؟ هل أتيت بالصلاة على الوجه الأكمل واجتنبت المعاصي المنافية للدين؟ هل أديت الزكاة كاملة مكملة بيقين؟ هل تجد في نفسك حياء من الله رب العالمين؟ هل أنت سالم من الكذب والخيانة والاحتيال؟ هل أنت سالم من الرياء في أقوالك وأعمالك؟ هل أنت سالم من الربا في معاملاتك؟ هل أنت سالم من المداهنة والنفاق؟ هل أنت سالم من الغيبة والنميمة والبهت واللعن وسيء القول؟.

هل أنت سالم من الغش في بيعك وشرائك وسائر تصرفاتك؟ هل أنت صائن لسانك عن ما يضرك من الأقوال والأعمال؟ هل أنت سالم من الكبر والإعجاب وقطيعة الرحم والعقوق؟ هل أنت سالم من أذية الجار؟ هل قلبك لين رحيم ترحم المسكين وتكرم اليتيم؟ فعليك أن تتفقد نفسك بدقة، وتعالج ما بك من هذه الأمراض المهلكات فإنها أشد ضررا وفتكا من أمراض البدن.
يا أخي التوبة التوبة قبل أن تصل إليك النوبة، الإنابة الإنابة قبل أن يغلق باب الإجابة، الإفاقة الإفاقة فيا قرب وقت الفاقة، إنما الدنيا سوق للتجر ومجلس وعظ للزجر وليل صيف قريب الفجر، المكنة مزنة صيف، الفرصة زورة طيف، الصحة رقدة ضيف، الغرة نقدة زيف، البدار البدار فالوقت سيف.

يا غافلا عن مصيره، يا واقفا في تقصيره، سبقك أهل العزائم وأنت في اليقظة نائم، قف على الباب وقوف نادم، ونكس رأس الذل وقل أنا ظالم، وناد في الأسحار مذنب وواجم، وتشبه بالقوم وإن لم تكن منهم وزاحم، وابعث بريح الزفرات سحاب دمع ساجم، قم في الدجى نادبا، وقف على الباب تائبا، واستدرك من العمر ذاهبا، ودع اللهو والهوى جانبا، وإذا لاح الغرور رأى راهبا، وطلق الدنيا إن كنت للأخرى طالبا.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #732
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:09 AM
Parent: #701

أسمى مراتب محبة الله تعالى أن يتفقد العبد أوامره سبحانه فيأتيها ومناهيه فيجافيها .. أن يتجاوب العبد مع نداءات الله تعالى له حين يناديه ويدعوه فيلبيه .. أن يأتي إليه بحب طمعا في جنته قبل الخوف من ناره .. أن يستجيب استجابة فريدة كاستجابة الرعيل الأول من السلف الصالح، حين دعاهم الله في أكثر من موقف فكان منهم أعاجيب لا تنم إلا على صدق المحبة: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً} {فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} .. نداءات خالدات وتصرفات نيرات نعيشها لحظات لعلها تجلو قسوة القلوب وتنير ظلمة العقول.

ألا تحبون أن يغفر الله لكم
قال تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور:22]
قال ابن كثير: "وهذه الآية نزلت في الصديق، حين حلف ألا ينفع مِسْطَح بن أثاثة بنافعة بعدما قال في عائشة ما قال [أي إبان حادثة الإفك].. فلما أنزل الله براءة أم المؤمنين عائشة، وطابت النفوس المؤمنة واستقرت، وتاب الله على من كان تكلم من المؤمنين في ذلك، وأقيم الحد على من أقيم عليه - شرع تبارك وتعالى، وله الفضل والمنة، يعطف الصديق على قريبه ونسيبه، وهو مسطح بن أثاثة، فإنه كان ابن خالة الصديق، وكان مسكينا لا مال له إلا ما ينفق عليه أبو بكر رضي الله عنه، وكان من المهاجرين في سبيل الله، وقد ولق ولقة تاب الله عليه منها، وضرب الحد عليها.

وكان الصديق، رضي الله عنه، معروفا بالمعروف، له الفضل والأيادي على الأقارب والأجانب. فلما نزلت هذه الآية إلى قوله: {أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} أي: فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تغفر عن المذنب إليك نغفر لك، وكما تصفح نصفح عنك. فعند ذلك قال الصديق: بلى، والله إنا نحب - يا ربنا - أن تغفر لنا. ثم رجع إلى مسطح ما كان يصله من النفقة، وقال: والله لا أنزعها منه أبدا، في مقابلة ما كان قال: والله لا أنفعه بنافعة أبدا، فلهذا كان الصديق هو الصديق رضي الله عنه وعن بنته".

وفي بعض الروايات أن الصديق رضي الله عنه أنفقَ عليه ضعف ما كان ينفق عليه من قبل.
{أُوْلُوا الْفَضْلِ} أي في الدين، وهذه شهادة من الله جلّ جلاله لِسيّدنا الصِّديق؛ الذي ما طلعَت شمس على رجل بعد نبيّ أفضل من أبي بكر، وهذا ما قالهُ بعض العلماء إنَّه أفضل الصحابة على الإطلاق.
{أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} خاطبه الله تعالى بصيغة الجمع تعظيما لشأنه وتكريما لقدره .. قال الإمام الفخر الرازي رحمه الله: فانْظر إلى الشخص الذي كنَّاهُ الله سبحانه وتعالى مع جلاله بِصيغة الجمع، كيف يكون علُوّ شأنه عند الله؟
إنه الإيمان الصادق الذي حول الإساءة إلى إحسان، والإعراض إلى رغبة عارمة في المغفرة، وهكذا يصنع الإيمان بالمرء من الأعاجيب التي يقف الإنسان أمامها مشدوها وتجاه أحداثها مبهورا.

القرض الحسن
قال تعالى: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ} [الحديد:11]
قال ابن كثير: "عن عبد اللّه بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية: {مَن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ} قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول اللّه، وإن اللّه ليريد منا القرض؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال: أرني يدك يا رسول اللّه، قال: فناوله يده، قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي، وله حائط فيه ستمائة نخلة، وأم الدحداح فيه وعيالها، قال: فجاء أبو الدحداح، فناداها: يا أم الدحداح، قالت: لبيك، قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عزَّ وجلَّ.

وفي رواية أنها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح، ونقلت منه متاعها وصبيانها، وإن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: "كم من عِذْق رَدَاح في الجنة لأبي الدحداح" .. العذق: القنو من النخل، والعنقود من العنب، ورداح: ضخم، مخصب.
هكذا يكون رد الفعل، ويكون الرجال، ويكون الشوق إلى البذل في غير تردد ولا استجابة لرغبات النفس الطامحة للشح وإمساك المال .. هكذا كانوا، ولذلك أتت منهم الأعاجيب التي فتحوا بها قلاع الجبابرة وأملاك الأكاسرة والقياصرة، ونشروا التوحيد، وعبّدوا الناس لرب الناس، فرضي الله عنهم أجمعين.

فهل أنتم منتهون
قال تعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ} [المائدة:91]
روي أنه لما نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [النساء:43] قال عمر رضي الله عنه: "اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا"، فلما نزلت هذه الآية قال عمر: "انتهينا يا رب" وأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- مناديه أن ينادي في سكك المدينة، ألا إن الخمر قد حرمت; فكسرت الدنان، وأريقت الخمر حتى جرت في سكك المدينة.
يقول الشيخ سفر الحوالي: "في أمريكا حرمت الخمر سنوات؛ ثم اضطرت أن تبيحها لما رأت انهماك الناس وإقبالهم عليها في المصانع وفي البيوت، فالدستور الأمريكي لم يتغير فيه إلا مادتين فقط مدة عمر هذا الدستور، هما: المادة التي حرمت الخمر، والمادة التي ألغت التحريم، وبقية الأمور ثابتة.

ومن الغرائب عن الشيوعيين - وهم الذين يتزعمون الجبهة الشرقية - ما جاء في كتاب ميخائيل جورباتشوف «إعادة البناء» يقول - فيما معنى كلامه-: إن الخمر فتكت بشبابنا، ونريد أن نقضي على مشكلة الخمور والإدمان، وقد بذلنا جهوداً في ذلك، وقد اقترح البعض عدة تشريعات لمنع الخمر، وقد فكرنا في ذلك، ولكن هذا لا يجدي؛ لأنه ما إن فُكِّرَ في اتخاذ هذا الإجراء حتى انتشرت صناعة الخمور الجوفية، فصنعوها في البيوت، إذاً فلا فائدة من ذلك .. فالقضية ليست قضية وعي، ولا قضية ثقافة، ولا قضية أن الناس يرون شعارات براقة فيتركون ما حرم الله، إنما المسألة مسألة إيمان وقع في القلوب".

الخشوع لله
قال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:16]
عن ابن مسعود رضي الله عنه: ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربعُ سنين.
وعن ابن عباس رضي الله عنه: استبطأ قلوب المؤمنين فعاتبهم على رأس ثلاث عشرة سنة من نزول القرآن .
وقيل: كثر المزاح في بعض شباب الصحابة فنزلت.
وعن أبي بكر رضي الله عنه: إنَّ هذه الآية قُرئت بين يديه، وعنده قوم من أهل اليمامة، فبكوا بكاءً شديداً، فنظر إليهم فقال: «هكذا كنا حتى قست قلوبنا».

وهذه الآية أيضاً كانت سبب توبة الفُضيل بن عياض .. يقول ابن عساكر في سبب توبته: كان الفضيل شاطراً، يقطع الطريق في مفازة، بين «أبيورد ومرو»؛ فربما كان ينتمي إلى أبيورد، وقيل كان يقطع على أبيورد وسرخس، وكان سبب توبته أنه عشق جاريةً، فبينما هو يرتقي الجدران إليها سمع قارئاً يتلو {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد16]، فقال: يا رب قد آن؛ فرجع فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها رفقة سابلة، فقال بعضهم لبعض: نرحل الليلة، وقال قوم: بل نبقى هنا حتى نصبح؛ فإنَّ «فضيلاً» على الطريق يقطع علينا، ولما كان الله سبحانه قد أراد هدايته {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ الله يَهْدِي مَن يَشَاءُ} فقد تاب الفضيل وأمّنهم، وجاور الحرم حتى مات. وقيل إنه قال: ففكرتُ وقلتُ: أنا أسعى بالليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني، وما أرى الذي ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إنني قد تُبْتُ إليك وجعلت توبتي مجاورة بيتك.

وقال عنه «إبراهيم بن الأشعث»: ما رأيت أحداً كان خوف الله في صدره أعظم من الفضيل، كان إذا ذكر الله أو ذُكر عنده أو سمع القرآن ظهر به من الخوف والحزن وفاضت عيناه وبكى حتى يرحمه من يحضره، وكان دائم الحزن شديد الفكرة، ما رأيت يريد إلا الله بعلمه وعمله، وأخذه وعطائه، ومنعه وبذله، وبغضه وحبه، وخصاله كلها غيره، كنا إذا خرجنا معه في جنازة لا يزال يعظ ويذكّر ويبكي، كأنه مودع أصحابه، ذاهب إلى الآخرة، حتى يبلغ المقابر، فيجلس مكانه بين الموتى من الحزن والبكاء، حتى يقوم وكأنه رجع من الآخرة يخبر عنها.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #733
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:11 AM
Parent: #701

وإذا الجحيم سعرت
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد خلق الله تعالى النار وجعلها مقراً لأعدائه المخالفين لأمره، وملأها من غضبه وسخطه وأودعها أنواعاً من العذاب الذي لا يطاق، وحذر عباده وبين لهم السبل المنجية منها لئلا يكون لهم حجة بعد ذلك، وعلى الرغم من كل هذا التحذير من النار إلا أن البعض من الناس ممن قل علمهم وقصر نظرهم على هذه الدنيا أبوا إلا المخالفة والعناد والتمرد على مولاهم ومعصيته جهلاً منهم بحق ربهم عليهم، وجهلاً منهم بحقيقة النار التي توعدهم الله بها، فما هي هذه النار؟ وما صفتها؟
إنها كما قال الله تعالى عنها: {نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ }[التحريم:6] قيل: يا رسول الله أهي مثل حجارة الدنيا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنها حجارة كالجبال ".

وقال صلى الله عليه وسلم: " ناركم هذه التي يوقد ابن آدم جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم "، قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: " فإنها فُضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها " (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بجهنم يوم القيامة ولها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها " (رواه مسلم).

وروي عن كعب الأحبار أنه قال: ( والذي نفس كعب بيده لو كنت بالمشرق والنار بالمغرب ثم كُشف عنها لخرج دماغك من منخريك من شدة حرها! فيا قوم هل لكم بهذا قرار؟ أم لكم على هذا صبر؟ يا قوم إن طاعة الله أهون عليكم والله من هذا العذاب فأطيعوه ) أ. هـ.
طعام أهلها الزقوم وشرابهم الحميم. قال صلى الله عليه وسلم: " لو أن قطرة من الزقوم قطرت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم فكيف بمن يكون طعامه " (رواه الترمذي وقال حسن صحيح).

وأهل النار في عذاب دائم، لا راحة ولا نوم، ولا قرار لهم، بل من عذاب إلى عذاب قال صلى الله عليه وسلم: " إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً " (رواه مسلم).
وهم مع ذلك يتمنون الموت فلا يموتون! قد اسودت وجوههم، وأُعميت أبصارهم وأبكمت ألسنتهم، وقصمت ظهورهم وكسرت عظامهم {يُرِيدُونَ أَن يَخْرُجُواْ مِنَ النَّارِ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنْهَا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ }(المائدة:37). {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ }(النساء:56).

يقول الحسن: ( تنضجهم في اليوم سبعين ألف مرة ). لباس أهلها من نار، {سَرَابِيلُهُم مِّن قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمْ النَّارُ }(إبراهيم:50) وشرابهم وطعامهم من نار {وَسُقُوا مَاء حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءهُمْ }(محمد:15).
قال ابن الجوزي رحمه الله في وصف النار: ( هي دار خص أهلها بالبعاد، وحرموا لذة المنى والإسعاد، بُدلت وضاءة وجوههم بالسواد، وضربوا بمقامع أقوى من الأطواد، عليها ملائكة غلاظ شداد، لو رأيتهم في الحميم يسرحون وعلى الزمهرير يطرحون، فحزنُهم دائم فلا يفرحون، مقامهم دائم فلا يبرحون أبد الآباد، عليها ملائكة غلاظ شداد، توبيخهم أعظم من العذاب، تأسفهم أقوى من المصاب، يبكون على تضييع أوقات الشباب وكلما جاد البكاء زاد، عليها ملائكة غلاظ شداد، يا حسرتهم لغضب الخالق، يا محنتهم لعظم البوائق، يا فضيحتهم بين الخلائق، أين كسبهم للحطام؟ أين سعيهم في الآثام؟ أين تتبعهم لزلات الأنام؟ كأنه أضغاث أحلام، ثم أحرقت تلك الأجساد، وكلما أحرقت تعاد، عليها ملائكة غلاظ شداد ) أ. هـ.
فتأمل أخي الكريم حال أولئك التعساء وهم يتقلبون في أنواع العذاب ويعانون في جهنم ما لا تطيقه الجبال، وما يفتت ذكره الأكباد ولا تسأل عما يعانونه من ثقل السلاسل والأغلال {إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ }(غافر:71)، وقال تعالى: {ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ }(الحاقة:32).
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( تُسلسل في دبره حتى تخرج من منخريه حتى لا يقدر أن يقوم على رجليه ثم ينظمون فيها كما يُنظم الجراد في العود حين يُشوى ).

أرأيت أخي حال أهل النار وما هم فيه من الشقاء، فليتصور العبد نفسه لو كان منهم - نسأل الله أن لا نكون منهم - ليتصور نفسه عندما يؤمر به إلى جهنم عندما ينظر إلى الصراط ودقته وهوله وعظيم خطره وهو ينظر إلى الزالين والزالات من بين يديه ومن خلفه وقد تنكست هاماتهم وارتفعت على الصراط أرجلهم وثارت إليهم النار بطلبتها، وهم بالويل ينادون وبينما ينظر اليهم مرعوباً خائفاً أن تتبعهم لم يشعر إلا وقد زلت قدمه عن الصراط فطار عقله ثم زلت الأخرى فتنكست هامته، فلم يشعر إلا والكلوب قد دخل في جلده ولحمه، فجذب به وبادرت إليه النار ثائرة غضبانة لغضب ربها، فهي تجذبه وهو ينادي: ويلي ويلي حتى إذا صار في جوفها التحمت عليه بحريقها فتورم أول ما ألقي فيها، ثم لم يلبث أن تقطر بدنه وتساقط لحمه، وتكسرت عظامه، وهو ينادي ولا يُرحم ويتمنى أن يعود ليتوب فلا يجاب نداؤه:{يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ }(الرحمن:44). فيطلب الراحة بين الحميم وبين النار، فلا راحة ولا سكون أبداً.

فلما اشتد به الكرب والعطش وبلغ منه المجهود ذكر الجنان فهاجت غصة من فؤاده إلى حلقه أسفاً على فوات جوار الله عز وجل وحزناً على نعيم الجنة الذي أضاعه بنفسه بسبب الذنوب والمعاصي، ففزع إلى الله بالنداء بأن يرده إلى الدنيا ليعمل صالحاً فمكث عنه دهراً طويلاً لا يجيبه هواناً به، ثم ناداه بعد ذلك بالخيبة منه أن {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ }(المؤمنون:108) ثم أراد أن يزيده إياساً وحسرة فأطبق أبواب النار عليه وعلى أعدائه فيها فيا إياسه ويا إياس سكان جهنم حين سمعوا وقع أبوابها تطبق عليهم، فعلموا عند ذلك أن الله عز وجل إنما أطبقها لئلا يخرج منها أحد أبداً، فتقطعت قلوبهم إياساً وانقطع الرجاء منهم أن لا فرج أبداً، ولا مخرج منها، ولا محيص من عذاب الله عز وجل أبداً، خلودٌ فلا موت. وعذابٌ لا زوال له عن أبدانهم، وأحزان لا تنقضي، وسقم لا يبرأ، وقيود لا تحل، وأغلال لا تفك أبداً وعطش لا يروون بعده أبداً، لا يُرحم بكاؤهم، ولا يُجاب دعاؤهم، ولا تقبل توبتهم فهم في عذاب دائم وهوان لا ينقطع، ثم يبعث الله بعد ذلك الملائكة بأطباق من نار ومسامير من نار، وعمد من نار، فتطبق عليهم بتلك الأطباق وتشد بتلك المسامير، وتمد بتلك العمد، فلا يبقى فيها خلل يدخل فيها روح ولا يخرج منه غم، وينساهم الرحمن بعد ذلك {نَسُواْ اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ }(التوبة:67) فذلك قوله تعالى: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ (8) فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ }(الهمزة:9،8) ينادون الله ويدعونه ليخفف عنهم هذا العذاب فيجيبهم بعد مدة {اخْسَؤُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ )(المؤمنون:108).

قال الحسن: ( هذا هو آخر كلام يتكلم به أهل النار وما بعد ذلك إلا الزفير والشهيق وعواء كعواء الكلاب... )، فما أشقى والله هذه الحياة وما أشقى أصحابها - نسأل الله أن لا نكون منهم - وما أعظمها والله من خسارة لا تجبر أبداً، ويا حسرةً والله على عقول تسمع بكل هذا العذاب وهذا الشقاء وتؤمن به ثم لا تبالي به ولا تهرب منه بل تسعى إليه برضاها واختيارها.

فيا أخي الحبيب: يا من تعصي الله تصور نفسك لو كنت من أهل النار؟ هل سترضى بشيء من هذا العذاب؟ لا أعتقد ذلك، إذاً فتب إلى الله وارجع عما يكرهه وتقرب إليه بالأعمال الصالحة عسى أن يرضى عنك، وابك من خشيته عسى أن يرحمك ويقيل عثراتك، فإن الخطر عظيم والبدن ضعيف، والموت منك قريب، والله جل جلاله مطلع عليك ويراك فاستح منه وأجِلَّه ولا تستخف بنظره إليك، ولا تستهين بمعصيته ولا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى عظمة من تعصيه وهو الله جل جلاله وتقدست أسماؤه، واملأ قلبك من خشيته قبل أن يأخذك بغتة، ولا تتعرض له وتبارزه بالمعاصي فإنك لا طاقة لك بغضبه ولا قوة لك بعذابه، ولا صبر لك على عقابه، فتدارك نفسك قبل لقائه لعله أن يرحمك ويتجاوز عنك، فكأنك بالموت قد نزل بك وحينها لا ينفعك ندم ولا استدراك ما مضى.

وفقني الله وإياك لما يحب ويرضى ونجانا بعفوه وكرمه من أليم عقابه وعظيم سخطه.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

اسلام ويب - دار ابن خزيمة

Post: #734
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:13 AM
Parent: #701

الأمانة.. بين الصيانة والخيانة
روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال: كفى بالله شهيدا، قال فأئتني بالكفيل، قال: كفى بالله كفيلا، قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله، فلم يجد مركبا، فأخذ خشبة فنقرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها، ثم أتى بها إلى البحر فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال: والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف دينار راشدا).

هذا الحديث ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ليبين لأمته أهمية الأمانة والوفاء، ويربي فيهم هذا الخلق الجميل كما يربي أتباعه دائما على خير السجايا، وأنبل الشمائل، وأحسن الأخلاق.

والأمانة عظيم في الدين قدرها، وكبير ـ عند الله ـ شأنها، وجليل بين الناس أثرها.. ولذلك جاء الأمر من الله برعايتها وتحقيقها.. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ۚ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}(النساء: 58) وقال سبحانه: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ}(البقرة:283)
ونهى عن الخيانة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ}(الأنفال:27).
وجعل أعظم علامات الإيمان وصفات المؤمنين مراعاة الأمانة وحفظها {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(المؤمنون:8)، وأعاد الآية نفسها في وصف أهل الصلاة أهل الإيمان في سورة المعارج {وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ}(المعارج:32).

وأعظم آية في بيان مكانة الأمانة وعظم منزلتها قوله عز وجل: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}(الأحزاب:72).
فانظر كيف أشفقت السموات والأرض والجبال من حمل الأمانة، وخفن من عواقب حملها لما يترتب على التقصير في ذلك من النكال والعذاب الأليم.

الأمانة في السنة:
وفي السنة المطهرة نَسْجٌ على منوال القرآن.. فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن خيانة الأمانة ليست من صفات أهل الإيمان الطاهرين وإنما هي من صفة المنافقين الخائنين.. فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال صلى الله عليه وسلم: [آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان].

وفي حديث عبدالله بن عمرو قال عليه السلام: [أربعٌ من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خلةٌ منهن كانت فيه خلةٌ من نفاقٍ حتى يدعَها: إذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر](متفق عليه).

ونهى أن تكون الخيانة في خلق المسلم حتى وإن خانه غيره.. كما روى ذلك أبو داود والترمذي عن أبي هريرة عن سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام: [أد الأمانة لمن ائتمنك ولا تخن من خانك](قال الترمذي حسن غريب.. وضعفه جماعة).

وأخبر عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات أن ذهاب الإيمان مع ذهاب الأمانة، وأن ذهاب الدين مع خيانة العهد.. فقد روى الإمام أحمد وأبو يعلى عن أنس قال: ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال: [لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له](حسنه ابن حجر والمنذري)..

معنى الأمانة:
ربما يظن من سمع حديث الرجلين في أول المقال أن مفهوم الأمانة يقتصر فقط على حفظ الودائع وردها عند طلب أصحابها.. ولعمري.. إن هذا لمن الأمانة ولكنه جزء يسير من أجزائها الكثيرة، وصورة واحدة من صورها الوفيرة: فالأمانة في الإسلام حقيقتها أوسع وأكبر، ومفهومها أضخم وأشمل.. فهي تشمل كل أمر يوكل إلى المسلم حفظه والقيام به، وكل مسئولية تقع على عاتقه سواء من أمر الدنيا أو من أمر الآخرة، سواء من التكاليف الشرعية أو من الوظائف الدنيوية، سواء من حقوق الله تعالى أو حقوق عباده.

ومن أعظم الأمانات التي تحملها المسلم أمانة توحيد الله وإفراده بالعبادة وإخلاص العمل له.. وإن الشرك به أو الكفر من أعظم الظلم وأشد الخيانات.

والإيمان بالرسول عليه الصلاة والسلام واتباع سنته والتزام أخلاقه وسيرته، والسير على منهجه وطريق صحابته أمانة، وترك ذلك والتخبط في طرق البدع الضلال والغواية خيانة.

وتحكيم شرع الله وحكمه أمانة على الأمة حكامها ومحكوميها، وترك ذلك وتحكيم غيره من القوانين الأرضية والأعراف الجاهلية خيانة وأي خيانة.

والعبادات كلها من وضوء وصلاة، وصيام وزكاة، وحج لبيت الله.. كلها أمانات من أداها كما أمر فقد أدى الأمانة، ومن ضيعها أو فرط فيها أو انتقصها فقد خان بقدر ما ضيع.. {فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون}.. وإن أعظم الناس سرقة الذي يسرق من صلاته. أي لا يقيمها كما أمر..

كما وأن أمور السلوك والأخلاق (من صدق ووفاء، وبر وصلة، وحلم وأمانة، وغيرها) كل ذلك من الأمانات فمن تركها إلى الكذب والغدر والقطيعة والجهل والزنا والقتل فقد ضيع وفرط وخان.

وإن الزوجة أمانة، والأولاد أمانة والمرأة في بيت قيمها أمانة في حجابها وعفافها وحشمتها وبعدها عن الرجال، وفي قرارها في بيتها وبعدها عن مواطن الخلطة والافتتان.. كل ذلك أمانة وتضييعه خيانة.

ومن أعظم الأمانات التي يغفلها المسلمون أو عنها يتغافلون "الوظائف العامة" بداية من أعلى وظيفة في الأمة وهي الرئاسة وولاية الأمر إلى أقل وظيفة فيها مرورا بالوزراء والمدراء والرؤساء الأقسام إلى أصغر موظف.. أقول لهم جميعا كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته].

فمن الأمانة أن يقوموا بواجباتهم، ويتحملوا مسئولياتهم، ويكونوا عند حسن الظن بهم، وينصحوا لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، فيسهلوا على العباد، وييسروا أمورهم وينجزوا معاملاتهم دون تسويف أو تعسير، ولا يغلقوا دونهم الأبواب فإنها خيانة للوظيفة وخيانة للأمة وخيانة لله ولرسوله.. "ومن أغلق بابه دون حوائج الناس أغلق الله بابه دون حاجته" والجزاء من جنس العمل.

الأمانة مصدر الفلاح
إن مقياس حضارة الأمم، ومعيار رقيها وتقدمها إنما هو بنزاهة أفرادها، وأمانة أبنائها، فإذا استشرى فيها الغدر وسادتها الخيانة والمكر، اختل أمرها، وتصدع بنيانها، وسقطت في مهاوي الردى والضياع.
وإن ما تعانيه كثير من المجتمعات من خيانة وفساد إداري ووظيفي ومالي واجتماعي واقتصادي وغير ذلك من صور الفساد إنما هو بسبب رفع الأمانة من بينهم.

إضاعة الأمانة:
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن ضياع الأمانة مؤذن بقيام القيامة، وأن في آخر الزمان يقل بين الناس الوفاء وترفع الأمانة من بينهم كما روى ذلك مسلم في صحيحه عن حذيفة رضي الله عنه: أن الأمانة نزلت في جذر قلوب الرجال. ثم نزل القرآن. فعلموا من القرآن وعلموا من السنة. ثم حدثنا عن رفع الأمانة قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه. فيظل أثرها مثل الوكت. ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه. فيظل أثرها مثل المجل. كجمر دحرجته على رجلك. فنفط فتراه منتبرا وليس فيه شيء ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله.. فيصبح الناس يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال: إن في بني فلان رجلا أمينا. حتى يقال للرجل: ما أجلده! ما أظرفه! ما أعقله! وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان. ولقد أتى علي زمان وما أبالي أيكم بايعت. لئن كان مسلما ليردنه علي دينه. ولئن كان نصرانيا أو يهوديا ليردنه على ساعيه. وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا وفلانا.

وارتفاع الأمانة وتضييعها مؤذن بقيام الساعة وهو علامة على قربها.. ففي صحيح البخاري: [بينما النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في مجلسٍ يُحدِّثُ القومَ، جاءه أعرابيٌّ فقال: متى الساعةُ؟... قال: إذا ضُيِّعَتِ الأمانةُ فانتظِرِ الساعةَ. قال: كيف إضاعتُها؟ قال: إذا وُسِّد الأمرُ إلى غيرِ أهلِه فانتظِرِ الساعةَ].
إسلام ويب

Post: #735
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:16 AM
Parent: #734

تعظيم الله تعالى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فإن الله تعالى لم يخلق الخلق ولم يرسل الرسل ولم ينزل الكتب إلا من أجل تحقيق أسمى الغايات ألا وهي عبادته سبحانه وتحكيم شرعه ، ولا يمكن أن تصل العبادة إلى أعلى كمالها إلا بتعظيم المعبود ؛ فقد ذكر المناوي في تعريف العبادة أنها فعل المكلف على خلاف هوى نفسه تعظيماً لربه . وقيل أي العبادة هي تعظيم الله وامتثال أوامره. فمن هذا التعريف تتضح أهمية تعظيم الله ، وأنها العبادة التي خلقنا الله لتحقيقها .

ولقد جاءت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة في بيان فضل تعظيم الله ؛ فمنها قوله تعالى : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ( الفاتحة : 5 ) ، قال القرطبي رحمه الله عن هذه الآية : جعلها الله بينه وبين عبده ؛ لأنها تضمنت تذلل العبد لربه وطلب الاستعانة منه ؛ وذلك يتضمن تعظيم الله تعالى.

ومنها قوله تعالى في معرض ذكر صفات عباده المؤمنين : {وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِراًّ وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ } ( الرعد : 22 ) ، قال ابن جرير الطبري رحمه الله : ابتغاء وجه ربهم أي طلب تعظيم الله وتنزيهاً له أن يخالف في أمره أو يأتي أمراً كره إتيانه فيعصيه به.
ومنها قوله تعالى في قصة نوح عليه السلام مع قومه : {مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً } ( نوح : 13 ) ، قال أبو السعود : أي ما لكم لا تؤملون له تعالى توقيراً أي تعظيماً لمن عبده وأطاعه.

ومنها قوله تعالى لما ذكر قصة أصحاب الجنة : { قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ } ( القلم : 28 ) ، قال الثعالبي : قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه.
ومنها حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه حيث قال : أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أعرابي ، فقال : يا رسول الله ! جُهدت الأنفس ، وضاعت العيال ، ونُهكت الأموال ، وهلكت الأنعام ، فاستسق الله لنا ؛ فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ويحك أتدري ما تقول ؟ " ، وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ، ثم قال : "ويحك إنه لا يُستشفع بالله على أحد من خلقه ، شأن الله أعظم من ذلك .. ".(رواه أبو داوود وضعفه الألباني)؛ فالأعرابي لما قال : ( فإنا نستشفع بالله عليك ) جعل الله في مقام الشافع عند رسوله ، وهذا تنقيص من قدره جل وعلا ؛ ولهذا سبَّح الرسول صلى الله عليه وسلم ونبَّه الأعرابي إلى هذا الخطأ الفادح لما قال :« ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن شأن الله أعظم من ذلك » إلى آخر الحديث .

ولكي نتصور أخي الكريم حقيقة التعظيم فإن علينا أن نتفكر في هذا المثال : انظر إلى حال رفقاء الملوك والأمراء والرؤساء إلا من رحم الله تجد أحدهم لا يستطيع أن يرد لهذا الملك أو لهذا الرئيس أمراً ولا أن يرتكب نهياً حتى وإن كان هذا الأمر والنهي يضره في بدنه أو ماله أو أهله ، وعندما نسأله عن سر هذه الطاعة العمياء نجد أن تعظيمه لهذا الرئيس هو السبب الحقيقي لهذه الطاعة .

إذاً فالتعظيم يولِّد في النفس الخوف من المعظَّم . ولهذا ما فتئ علماء الأمة يجتهدون في تذكير الناس بمسألة تعظيم الله ؛ فها هو شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله يصنف كتاب التوحيد ، ويقرر فيه مسائل العقيدة ثم يختم كتابه بأبواب عديدة كلها تتعلق بتعظيم الله ، مثل : باب فيمن لم يقنع بالحلف بالله باب التسمي بقاضي القضاة باب احترام أسماء الله باب لا يرد من سأل بالله باب قوله : {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ } ( الزمر : 67 ) . وهذا آخر باب ذكره الشيخ في كتابه القيم .

لكن هل نحن معظمون لله أم لا ؟ للإجابة عن هذا التساؤل لا بد أن ننظر إلى حالنا عند الإقدام على فعل طاعة من الطاعات : هل نؤديها رغبة ورهبة ، خوفاً وطمعاً ؟ أم أن الطاعة أصبحت عادة من العادات نعملها كل يوم دون استشعار الهدف من أدائها ؟ وهل المرأة حين تلبس الحجاب الشرعي تلبسه لأنه شرعٌ من الله أم أنه تراث وتقاليد ؟ كذلك ننظر إلى حالنا عند فعل المعصية : هل نحس كأننا تحت جبل يكاد أن يسقط علينا أم كذبابة وقعت على أنف أحدنا فقال بها هكذا ؟ كذلك لننظر إلى حالنا أثناء أداء الصلاة والقيام لرب العالمين هل نستشعر عظمة من نقابله فنخشع في صلاتنا أم تشغلنا الأفكار والهواجس ؟ وهل إذا قابلنا ملكاً من ملوك الدنيا صنعنا عنده مثل ما نصنع في صلاتنا ؟ إذا أجبنا عن هذه التساؤلات بكل تجرد فسنعرف يقيناً هل نحن معظمون لله أم لا ؟.

أخي الكريم ! لنتأمل حال أولئك المعظمين لله تعالى عند قيامهم للصلاة ، فقد قال مجاهد رحمه الله : كان إذا قام أحدهم يصلي يهاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء ، أو أن يلتفت أو يقلب الحصى ، أو يعبث بشيء أو يحدث نفسه من شأن الدنيا إلا ناسياً ما دام في صلاته ، وكان ابن الزبير إذا قام في الصلاة كأنه عود من الخشوع ، وكان يسجد فأتى المنجنيق فأخذ طائفة من ثوبه وهو في الصلاة لا يرفع رأسه ، وكان مسلمة بن بشار يصلي في المسجد فانهدم طائفة منه فقام الناس وهو في الصلاة لم يشعر . وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إذا حضرت الصلاة يتزلزل ويتلون وجهه ، فقيل له : ما لك ؟ فقال : جاء والله وقت أمانة عرضها الله على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملتها .
وكان سعيد التنوخي إذا صلى لم تنقطع الدموع من خدَّيه على لحيته . وكان شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إذا دخل في الصلاة ترتعد أعضاؤه ... وهذا غيض من فيض من أخبار وأحوال أولئك المعظمين لله ، اللهم كما رزقتهم تعظيمك فارزقنا إياه يا سميع الدعاء .

بل إن من العجيب أن كفار قريش كان في قلوبهم شيءٌ من تعظيم الله ، وإليك بعض الشواهد على ذلك :
1 - قصة عتبة بن ربيعة حينما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم فواتح سورة فصلت فلما بلغ قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } ( فصلت : 13 ) ، وضع يده على فم رسول الله صلى الله عليه وسلم وناشده الله والرحم ليسكتن [11] .

2 - قصة جبير بن مطعم أنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ في المغرب بالطور ، فلما بلغ هذه الآية : { أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بَل لاَّ يُوقِنُونَ * أَمْ عِندَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ المُسَيْطِرُونَ } ( الطور : 35-37 ) كاد قلبي أن يطير .
3 - كان الرسول صلى الله عليه وسلم عند الكعبة وحوله صناديد قريش فقرأ عليهم سورة النجم فلما وصل إلى السجدة في آخر السورة سجد فسجدوا معه.

فهذه الشواهد تدل على أن كفار قريش رغم كفرهم وإشراكهم كان في قلوبهم شيء من تعظيم الله . قال شيخ الإسلام : « والمشركون ما كانوا ينكرون عبادة الله وتعظيمه ولكن كانوا يعبدون معه آلهةً أخرى ».
أخي الكريم ! إن عدم تعظيم الله في القلوب سيُسأل عنه كل فرد منا ؛ فلا بد من المحاسبة والمراجعة وتقويم النفس والنظر في علاقتنا بربنا جل وعلا.
وللحديث بقية إن شاء الله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
نتكلم عن أهم أسباب تعظيم الله وأهم أسباب عدم تعظيمه سبحانه والتي نبدأ بها وهي:

1- الوقوع في المعاصي ، وهذه هي المعضلة ، وهي السبب في كل بلاء ومحنة وبُعد عن الله تعالى . قال ابن القيم رحمه الله : « وكفى بالعاصي عقوبةً أن يضمحل من قلبه تعظيم الله جل جلاله وتعظيم حرماته ، ويهون عليه حقه ، ومن بعض عقوبة هذا أن يرفع الله عز وجل مهابته من قلوب الخلق ويهون عليهم ويستخفُّون به كما هان عليه أمره واستخف به » ، وقال بشر بن الحارث : لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله .

2 - التساهل في أوامر الله ؛ فتجد كثيراً من الناس لا يؤدون العبادات على الوجه المطلوب ؛ فلو كانوا يعظمون الله حق التعظيم لعظموا أمره كذلك .

3 - عدم تدبر القرآن حال قراءته ، وعدم الوقوف عند وعده ووعيده ، وأصبح همُّ القارئ آخر السورة فحسب دون اعتبار للهدف الذي أُنزل من أجله القرآن .قال تعالى { كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ } ( ص: 29) .
4 - الغفلة عن ذكر الله فتجد أحدنا في المستشفيات أو في إحدى الدوائر الحكومية جالساً على كرسي الانتظار زمناً طويلاً وهو لا يذكر الله ولا يسبحه ولا يكبره ؛ حتى وإن سبح وكبر فهو لا يعي معنى هذا التسبيح وهذا التكبير ، وهذه مشكلة لا بد أن نعالجها في نفوسنا .

5 - النظر فيما حرم الله تعالى ؛ فالنظر الحرام يولد في القلب القسوة والجفاء ، وهذا لا يتأتى مع التعظيم ؛ لأن التعظيم لا يكون إلا من قلب خاضع خاشع لين مقبل على الله بكليته .

ولهذا فلا عجب أن يكون السلف الصالح رضوان الله عليهم من أشد الناس تعظيماً لله ؛ لأنهم أحرص الناس على طاعته وأبعدهم عن معصيته . قال القنوجي : وهم أي السلف الصالح أشد تعظيماً لله وتنزيهاً له عما لا يليق بحاله. وقال ابن منده في كتاب الإيمان : والعباد يتفاضلون في الإيمان على قدر تعظيم الله في القلوب والإجلال له ، والمراقبة لله في السر والعلانية.
أخي الكريم ! وبعد هذا كله فحريٌ بنا أن نتطرق إلى الأمور المعينة على تعظيم الله وهي كثيرة ولله الحمد ؛ ولكن قبل أن نذكرها ننبه إلى نقطة مهمة وهي أن المسلم إذا أراد أن يكون ممن يعظم الله حق التعظيم ، فلا بد من وجود نية صادقة تدفعه دفعاً للوصول إلى هذه الغاية ، وأن يكون حرصه على تعظيم الله نابعاً من استشعاره لأهمية التعظيم ، وأن يريد بعمله وجه الله تعالى لا أن يمدحه الناس ويثنوا عليه .

أما الأمور المعينة على تعظيم الله فنذكر منها :
1 - تحقيق العبودية الكاملة لله تعالى ؛ فالعبد كلما تقرب إلى ربه بأنواع العبادات وأصناف القرُبات عظُم في قلبه أمر الله ؛ فتراه مسارعاً لفعل الطاعات مبتعداً عن المعاصي والسيئات . قال شيخ الإسلام : « وكلما ازداد العبد تحقيقاً للعبودية ازداد كماله وعلت درجته ».

2 - التدبر الدقيق للقرآن الكريم وما فيه من حِكم وأحكام ، والنظر فيما فيه من الدروس والعبر ، وأن نتدبر في الآيات التي تتحدث عن خلق الله وبديع صنعه ، والآيات التي تتحدث عن عقوبته وشديد بطشه ، وآيات الوعد والوعيد ، فإن تدبر القرآن يؤثر في القلب ولا شك ، ويُذكي فيه عظمة الخالق والخوف منه . قال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم صاحب حاشية الروض رحمه الله : بل قراءة آية بتدبر وتفهُّم خير من قراءة ختمة بغير تدبر وتفهُّم ، وأنفع للقلب وأدعى إلى حصول الإيمان وذوق حلاوة الإيمان ، وهكذا قراءة النبي صلى الله عليه وسلم والسلف من بعده ، حتى إنه ليردد الآية إلى الصباح ، وهذا هو أصل صلاح القلب ، ومن مكائد الشيطان تنفير عباد الله من تدبر القرآن لعلمه أن الهدى واقع في التدبر.

3 - التفكر في خلق السماوات والأرض ؛ فإن الناظر فيها ليدهش من بديع صنعها وعظيم خلقها واتساعها ؛ ومع هذا فهو لا يرى فيها شقوقاً ولا فطوراً قال تعالى : { الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ البَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُورٍ * ثُمَّ ارْجِعِ البَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ البَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } ( الملك : 3-4 ) .
ولهذا أثنى الله على عباده الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض ؛ قال تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُوْلِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } ) آل عمران:190-191) .

ومن الأحاديث الدالة على عظمة السماوات ما رواه أبو ذر الغفاري رضي الله عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة ". فهذا الحديث يبين عظمة السماوات وعظمة الكرسي والعرش ؛ ونحن بني آدم لا نساوي شيئاً أمام هذه المخلوقات العظيمة ، ومع ذلك يقول الله تعالى في السماء والأرض : { ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ } ( فصلت : 11 ) ، قال الشوكاني : أي أتينا أمرك منقادين ؛ فيا سبحان الله ! كيف بالإنسان هذا الضعيف الذليل يتكبر ويتبجح ويقارع جبار السماوات والأرض بالمعاصي والآثام ؟ ! نسأل الله السلامة والعافية .

4 - النظر في حال من غبر ؛ فلقد عاش على هذه الأرض أقوام وشعوب أعطاهم الله بسطة في الجسم وقوة في البدن لم يعطها أمة من الأمم ولكنها كفرت بالله وكذبت بالرسل ؛ فأذاقها الله لباس الجوع والخوف ودمرهم تدميراً ؛ فها هم قوم عاد الذين قالوا : من أشد منا قوة ؟ ! أهلكهم الله {بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى القَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ } ( الحاقة : 6-7 ) ، وقوم ثمود الذين كانوا ينحتون من الجبال بيوتاً فارهين أهلكهم الله بالصيحة { فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ } ( هود : 67 ) ، فالله سبحانه لم يتكلف في عذاب هذه الأمم ولم يكن له سبحانه أن يتكلف ؛ إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ؛ فما بالنا نحن الأضعف والأقل قوة وبطشاً لا نخشى أن يصيبنا مثل ما أصاب أولئك ؟.

5 - الدعاء : وهو أنفع الأدوية وأقوى الأسباب متى ما حضر القلب وصدقت النية ؛ فإن الله لا يخيب من رجاه قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ }(البقرة:186).
فاللهم إنا نسألك تعظيمك والخوف منك ، وأن تمن علينا بتوبة صادقة تعيننا على طاعتك واجتناب معصيتك .
والله أعلم ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

أديب بن محمد المحيذيف – ( مجلة البيان )

Post: #736
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:18 AM
Parent: #701

عمار المساجد
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء، وسيد المرسلين، نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
في الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله - فذكر منهم -رجل قلبه معلق بالمساجد ".

لما آثر طاعة الله تعالى، وغلب عليه حبه، صار قلبه معلقاً بالمساجد، ملتفتاً إليها يحبها ويألفها، لأنه يجد فيها حلاوة القربة، ولذة العبادة، وأنس الطاعة، ينشرح فيها صدره، وتطيب نفسه، وتقرّ عينه. فهو لا يحب الخروج منها، وإذا خرج تعلق قلبه بها حتى يعود إليها.

وهذا إنما يحصل لمن ملك نفسه وقادها إلى طاعة الله جل وعلا فانقادت له.
فلا يقصر نفسه على محبة بقاع العبادة إلا من خالف هواه، وقدم عليه محبة مولاه، جل في علاه.
أما من غلبته نفسه الأمّارة بالسوء فقلبه معلق بالجلوس في الطرقات، والمشي في الأسواق، محب لمواضع اللهو واللعب، وأماكن التجارة واكتساب الأموال.

فضل المساجد:
إن المساجد بيوت الله جل وعلا، وهي خير بقاع الأرض، وأحب البلاد إلى الله تعالى، أضافها إلى نفسه تشريفاً لها، تعلقت بها قلوب المحبين لله عز وجل، لنسبتها إلى محبوبهم، وانقطعت إلى ملازمتها لاظهار ذكره فيها، فأين يذهب المحبون عن بيوت مولاهم؟! قلوب المحبين ببيوت محبوبهم متعلقة، وأقدام العابدين إلى بيون معبودهم مترددة، تلك: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ }(النور:36-38).

وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة، رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحملتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده ".

فضل التبكير إلى الصلاة:
كم في المبادرة والتبكير إلى صلاة الجماعة في المسجد من الأجر العظيم فمن ذلك:

1 - أن الجالس قبل الصلاة في المسجد انتظاراً لتلك الصلاة هو في صلاة - أي له ثوابها - مادامت الصلاة تحبسه. ففي الصحيحين عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه لما أخر صلاة العشاء الآخرة ثم خرج فصلّى بهم، قال لهم: "إنكم لم تزالوا في صلاة ما انتظرتم الصلاة ". وفي الصحيحين أيضاً من حديث أبي هريرة أن رسول الله قال: " ولا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ".

2 - أن الملائكة تدعوا له ما دام في انتظار الصلاة، ففي الحديث: " ومن ينتظر الصلاة صلّت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له وارحمه ". وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه مالم يحدث اللهم اغفر له، اللهم ارحمه ".

قوله: " مصلاه ": المراد به موضع الصلاة التي صلاها في المسجد دون البيت كما يدل عليه آخر الحديث.
أما المرأة فقال أهل العلم: ( لو صلت في مسجد بيتها، وجلست فيه تنتظر الصلاة فهي داخلة في هذا المعنى إذا كان يحبسها عن قيامها لأشغالها انتظار الصلاة ).

3 - أن المبكر يتمكن من أداء السنة الراتبة - في صلاتي الفجر والظهر - ويصلي نافلة في غيرهما ففي الصحيحين عن عبدالله بن مغفل المزني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " بين كل أذانين صلاة قالها ثلاثاً قال في الثالثة لمن شاء ".

4 - أن المبكر للصلاة يمكنه استغلال ذلك الوقت لقراءة القرآن فقد لا يتيسر له ذلك في أوقات آخر.
5 - أن هذا الوقت من مواطن إجابة ففي الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الدعاء لا يُرد بين الأذان والإقامة فادعوا ".

6 - أنه يدرك الصف الأول، ويصلي قريباً من الإمام، عن يمينه، في الحديث: " إن الله وملائكته يصلون على الصف الأول ".
7 - أنه يدرك التكبيرة الأولى مع الإمام، والتأمين معه، ويحصل له فضل صلاة الجماعة.

فضل البقاء في المسجد انتظاراً للصلاة الأخرى:
في جلوس المرء في المسجد بعد الصلاة انتظاراً لصلاة أخرى فضل عظيم وأجر كبير، فمن ذلك:
1 - أنه في صلاة لما سبق في الحديث: " لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة ".

2 - وهو من نوع الرباط في سبيل الله للحديث: " وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط " (أخرجه مسلم)، قال ابن رجب: ( وهذا أفضل من الجلوس قبل الصلاة لانتظارها، فإن الجالس لانتظار الصلاة ليؤديها ثم يذهب تقصر مدة انتظاره، بخلاف من صلى صلاة ثم جلس ينتظر أخرى فإن مدته تطول، فإن كان كلما صلّى صلاة جلس ينتظر ما بعدها استغرق عمره بالطاعة، وكان ذلك بمنزلة الرباط في سبيل الله عز وجل ).

3 - أنه تصلي عليه الملائكة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: " مُنتظر الصلاة من بعد الصلاة كفارس اشتد به فرسه في سبيل الله على كشحة تصلي عليه ملائكة الله مالم يحدث أو يقوم وهو في الرباط الأكبر ".

4 - أنه سبب لتكفير السيئات ورفع الدرجات ففي الحديث: " ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ " فذكر منها: " وانتظار الصلاة بعد الصلاة " (أخرجه مسلم). وفي الحديث: " الكفارات: مشي الأقدام إلى الجماعات، والجلوس في المساجد بعد الصلوات، وإسباغ الوضوء في المكروهات ".

قال ابن رجب: يدخل في قوله: " والجلوس في المساجد بعد الصلوات " الجلوس للذكر والقراءة وسماع العلم وتعليمه ونحو ذلك، لا سيما بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، فإن النصوص قد وردت بفضل ذلك، وهو شبيه بمن جلس ينتظر صلاة أخرى لأنه قد قضى ما جاء المسجد لأجله من الصلاة وجلس ينتظر طاعة أخرى. أ. هـ.

عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من صلّى الفجر ثم جلس في مصلاه صلت عليه الملائكة وصلاتهم عليه اللهم اغفر له اللهم ارحمه ".
قال ابن رجب: ( وإنما كان ملازمة المسجد مكفراً للذنوب لأنه فيه مجاهدة النفس، وكفاً لها عن أهوائها فإنها تميل إلى الانتشار في الأرض لابتغاء الكسب، أو لمجالسة الناس ومحادثتهم، أو للتنزه في الدور الأنيقة والمساكن الحسنة ومواطن النزه ونحو ذلك، فمن حبس نفسه في المساجد على الطاعة فهو مرابط لها في سبيل الله، مخالف لهواها وذلك من أفضل أنواع الصبر والجهاد ).
وهذا الجنس - أعني ما يؤلم النفس ويخالف هواها - فيه كفارة للذنوب وإن كان لا صنع فيه للعبد كالمرض ونحوه فكيف بما كان حاصلاً عن فعل العبد واختياره إذا قصد به التقرب إلى الله عز وجل؟! فإن هذا من نوع الجهاد في سبيل الله الذي يقتضي تكفير الذنوب كلها. أ. هـ.

السلف وعمارة المساجد:
1 - قال ابن جريج: كان المسجد فراش عطاء عشرين سنة، وكان من أحسن الناس صلاة.
2 - كان زياد مولى ابن عباس - أحد العباد الصالحين - يلازم مسجد المدينة فسمعوه يوماً يعاتب نفسه ويقول لها: أين تريدين أن تذهبي! إلى أحسن من هذا المسجد!! تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان.
3 - قال سعيد بن المسيب: ( ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد ).
4 - قال ربيعة بن يزيد: ( ما أذن المؤذن لصلاة الظهر منذ أربعين سنة إلا وأنا في المسجد إلا أن أكون مريضاً أو مسافراً ).
5 - قال يحيى بن معين: ( لم يفت الزوال في المسجد يحيى بن سعيد أربعين سنة ).
الجوار المبارك:
في الحديث: " إن الله لينادي يوم القيامة: أين جيراني، أين جيراني؟ فتقول الملائكة: ربنا! ومن ينبغي أن يجاورك؟ فيقول: أين عمّار المساجد ".
اللهم اجعلنا من عمار المساجد المحافظين على الصلاة فيها، وارزقنا اللهم الإخلاص في القول والعمل، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين وآله وصحبه أجمعين

عبد القيوم السحيباني - دار القاسم

Post: #737
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:20 AM
Parent: #701

من منازل الصالحين: الصبر
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،، أما بعد:
فمن المنازل التي حققها الصالحون من عباد الله، منزلة الصبر؛ التي امتدحها الله تعالى في كتابه، وأمر بها، وحث عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا.. }الآية (آل عمران:200) وقال: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } (الزمر:10) وقال: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور } (الشورى:43) وقال تعالى عن عبده ونبيه أيوب عليه السلام: {إنا وجدناه صابرً نعم العبد إنه أواب } (ص:44).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الصبر ضياء " (رواه مسلم) وقال: " من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاءً خيراً من الصبر " (متفق عليه) وقال: " عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له " (رواه مسلم).

قال أهل العلم: الصبر نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر.
والصبر ثلاثة أنواع:
1- صبر على طاعة الله:
وبخاصة العبادات التي تصعب على النفوس بسبب الكسل كالصلاة، أو بسبب البخل كالزكاة، أو بسببهما جميعاً كالحج والجهاد. ولتحقيق هذا النوع العظيم من الصبر، ينبغي على العبد بعض الوظائف المعينة والميسرة له، وهي:
* الاستعانة بالله: واعتقاد أنه تعالى هو المُصبّر للعبد. وإخلاص النية له تعالى، بأن يكون الباعث للعبد على الصبر هو محبة الله، وإرادة وجهه، والتقرب إليه.

* التخلص من دواعي الفتور وأسبابه ، بألا يغفل عن الله ولا يتكاسل عن تحقيق الآداب والسنن فهي بمثابة المروضات للنفس، والممهدات لها لأداء الفرائض والواجبات، وبخاصة مع تعليق الفكر دائماً بأجر الصابرين الذي ادخره الله لهم.
* تذكر أن الصبر في هذا المجال يصبح مع الوقت سهلاً تتعود النفس عليه، لأنه مع الإخلاص يتحقق بإذن الله عون الله للعبد، وتصبيره على ما كان يستثقله، كما قال تعالى: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } (العنكبوت:69).
فهذه الوظائف إذ قام بها العبد، فإنها كفيلة بإذن الله أن تساعده على التحلي بالصبر على طاعة الله، ولزومها والثبات عليها.

2- صبر عن معصية الله:
وهو أشد ما يكون العبد حاجة إليه، وبخاصة إذا تيسرت أسباب المعصية، وغاب الرقيب من البشر. وكلما كان الفعل الممنوع مما يتيسر فعله، كمعاصي اللسان من الغيبة والكذب ونحوهما، كان الصبر عليه أثقل.
مثاله: أن ترى الإنسان إذا لبس الحرير أو الذهب استنكرت ذلك. ويغتاب أكثر نهاره، فلا تستنكر ذلك. لكن العبد لم يُترك سدى فقد حباه ربه الحليم بكل ما يصلحه، فما ترك داء يصيب عبده إلا أنزل له شفاءً، لذلك كان لهذا النوع من قلة الصبر عن المعاصي ما يعالجه، ويعين الإنسان على تحقيقه. وقبل وصف علاج هذا الداء، نذكر وصفاً لحال بعض عباد الله الصالحين في صبرهم عن المعاصي، وقد توفرت لهم كل أسباب مواقعتها، لكنهم بتوفيق الله ثم بإخلاصهم لله نجوا من الوقوع فيها.

فأفضل عباد الله أنبياؤه، ففيهم القدوة كما قال تعالى: {أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده} (الأنعام:90) لذلك نحاول أن نرى صورة عملية لهذا النوع من الصبر الثقيل على النفس والصعب عليها، ومن خلال موقف نبي الله يوسف عليه السلام، وقد عُرضت له الفتنة وتيسرت كل أسبابها.

يقول ابن القيم رحمه الله عن موقف يوسف وعظيم صبره عليه السلام: ( وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها أكمل من صبره على إلقاء إخوته في الجب، وبيعه، وتفريقهم بينه وبين أبيه، فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية، فصبر اختياره، ورضى ومحاربة للنفس، ولا سيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة، فإنه كان شاباً، وداعية الشباب إليها قوية، وعزباً ليس له ما يعوضه ويرد شهوته، وغريباً، والغريب لا يستحيي في بلد غربته مما يستحي منه من بين أصحابه ومعارفه وأهله، ومملوكاً والمملوك أيضاً ليس وازعه كوازع الحر، والمرأة جميلة، وذات منصب وهي سيدته وقد غاب الرقيب، وهي الداعية له إلى نفسها، والحريصة على ذلك أشد الحرص. ومع ذلك توعدته إن لم يفعل، بالسجن والصَغَار، ومع هذه الدواعي كلها، صبر اختياراً وإيثاراً لما عند الله، وأين هذا من صبره في الجب على ما ليس من كسبه ) (مدارج السالكين:2/156).

وعودة إلى الحديث عن علاج قلة الصبر عن المعاصي، فنذكر مثالاً لما يصلح علاجهاً لمن لم يستطع الصبر عن شهوة اتيان النساء، التي غلبته بحيث لا يملك فرجه، ولا عينه ولا قلبه وعلاجه كالتالي:

1- مواظبة الصوم، وتقليل الطعام قدر الإمكان فإن ذلك كاسر لهيجان الشهوة، مما يساعد من صبره قليل.

2- قطع الأسباب المهيجة لتلك الشهوة، فإنما تهيج بالنظر وتتحرك، فدواء ذلك كف البصر عن الوقوع على الصور المشتهاة، وما أكثر انتشارها في هذا الزمان، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس. ومن أسبابه الاختلاط بالنساء، والتساهل في الحديث معهن، ومصافحتهن أو الخلوة بهن، وقطع هذا السبب بمقاطعة أماكن وجود النساء، كالأسواق، وعدم الاسترسال في الحديث معهن، واجتناب لمسهن نهائياً بمصافحة أو غيرها.

3-تسلية النفس بالمباح مما تشتهيه النفس، وهذه الشهوة لا يكسرها مثل النكاح، والقاعدة التي يجب أن يستحضرها الإنسان دائماً، هي أن كل ما يشتهيه الطبع من الحرام، ففي المباحات ما يغني عنه بحمد الله تعالى، مما يريح النفس من عناء الآثار التي تتركها المعصية في نفس العاصي أو أحواله عموماً بل الأكثر من ذلك أن العبد يؤجر على فعل المباح إذا قصد به التعفف، والابتعاد عن الحرام، وهذا من عظيم فضل الله على عباده، ييسر النعمة ويأجر عليها، ففي حديث النبي صلى الله عليه وسلم: " وفي بضع أحدكم صدقة ". قالوا: يا رسول الله، يأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال: " أرأيتم لو وضعها في الحرام كان عليه وزر، فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر " (رواه مسلم).

3- صبر على ابتلاء الله وامتحانه:
بأنواع المصائب من أمراض، ونقص في الأموال والأنفس، وهذا كله مما لا كسب للإنسان، بل فعل الله بالعبد امتحاناً وتمحيصاً وتطهيراً. والصبر على هذا النوع من المقدورات من أعلى المقامات، لأن سنده اليقين في ثواب الله، وحسن عوضه، وأنه أرحم الراحمين لا يفعل ذلك بعبده إلا لحكمة يعلمها، وإلا لمصلحة ذلك العبد إما عاجلاً أو آجلاً. وما دامت هذه الابتلاءات ليست من كسب العبد، ولا حيلة له فيها أو معها، فالأفضل له الصبر عليها، واحتساب مشقتها على الله تعالى. والنصوص في فضل هذا النوع من الصبر كثيرة، ومواقف الصالحين من عباد الله في هذا الخصوص عديدة دالة على عظم يقينهم في وعد الله، وانتظارهم ثوابه جل وعلا.

فقد روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفّر الله عز وجل بها عنه، حتى الشوكة يشاكها " (متفق عليه). ومن حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يارسول الله أي الناس أشد بلاءً؟ قال: " الأنبياء ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل من الناس، يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلابة زيد في بلائه، وإن كان في دينه رقة خُفف عنه، وما يزال البلاء بالعبد حتى يمشي على الأرض، وليس عليه خطيئة " (رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح).

ومن المواقف التي تؤنس العبد، ما يروى من سيرة بعض العلماء والصالحين، فقد روى ثابت البناني قال: ( مات عبدالله بن مطرف، فخرج مطرف على قومه في ثياب حسنة، وقد تطيب فغضبوا وقالوا: يموت عبدالله، ثم تخرج في ثياب من هذه مدهناً؟ قال: أفأستكين لها، وقد وعدني ربي تبارك وتعالى ثلاث خصال، كل خصلة منها أحب إليّ من الدنيا وما فيها، ثم تلا قوله تعالى: {الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون } (البقرة،157:156). وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( من إجلال ومعرفة حقه، ألا تشكو وجعك، ولا تذكر مصيبتك ).

وقال رجل للإمام أحمد رحمه الله: كيف تجدك يا أبا عبدالله؟ قال: بخير في عافية، فقال له: حممت (أي أصبت بالحمى) البارحة؟ قال: إذا قلت لك: أنا في عافية فحسبك، ولاتخرجني إلى ما أكره.
وعن هشام بن عروة قال: سقط أخي محمد وأمه بنت الحكيم بن العاص من أعلى سطح في اصطبل الوليد، فضربته الدواب بقوائمها فقتلته، فأتى عروة رجل يعزيه، فقال: إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها، قال: بل أعزيك بمحمد ابنك قال: وما له؟ فأخبره: فقال: اللهم أخذت عضواً وتركت أعضاء، وأخذت ابناً وتركت أبناء. فلما قدم المدينة أتاه ابن المنكدر، فقال: كيف كنت؟ قال: لقد لقينا من سفرنا هذا نصباً ) (السير:4/434).

فلتحصيل هذه المنزلة العظيمة، منزلة الصبر بجميع أنواعه، فليشمر المشمرون، للدخول في زمرة عباد الله المخلصين.. الأنبياء، والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.

من طرق تحقيق منزلة الصبر

لما لهذه المنزلة من المكانة في الدين، ولما غلب على سلف هذه الأمة، علمائها وصالحيها، من التحلي بها والتواصي بها، يجدر أن نتعرف على الأسباب المعينة على التحلي بالصبر، لأنه دواء لكثير من العلل والأمراض النفسية بل والعضوية كذلك. ولكنه دواء احتاج إلى قوة في النفس والإرادة لتحمله، لأنه محتف بمرارة الدواء، وكذلك يشق على كثير من الناس، إلا من وفقه الله تعالى. فالصبر من الأدوية التي أنزلها الله تعالى لكثير الأدواء، وقدر به الشفاء، وهو وإن كان شاقاً كما سبق فإن تحصيله يمكن إذا تحقق أمران هما العلم والعمل.
فكل مرض يحتاج إلى علم وعمل يليق به خاص به، ومن الأمثلة العملية على ذلك: إذا افتقر المرء إلى الصبر عن شهوة الجماع، وهذا أكثر شيوعاً في الناس، وقد غلبت عليه بحيث لا يملك فرجه ولا عينه ولا قلبه، فعلاج ذلك بثلاثة أشياء:

أحدها: المواظبة على الصوم والتقليل من الطعام وهذا من أعظم ما يحمل النفس على الصبر لأن فيه حبساً لها عن المباح، فتكون بعد ذلك أحبس عن المحرم والممنوع.

الثاني: تسلية النفس بالمباح من جنس المشتهى، وذلك بالنكاح. وها هنا قاعدة، وهي: أن كل ما يشتهيه الطبع من الحرام، ففي المباحات غنية عنه. وهذا هو العلاج الأنفع لأكثر الناس.

الثالث: قطع الأسباب المهيجة لتلك الشهوة، وأهمها النظر، والنظر يقع بالعين وبالقلب، والقلب محرك للشهوة، فدواء هذا الاحتراز عن مظان وقوع البصر على الصور المشتهاة لأن النظر سهم من سهام ابليس.
فهذه الأشياء الثلاثة تجمع العلم والعمل، العلم بالوسائل المشروعة، والطرق الشرعية بتهذيب النفس، والعمل على تحقيق تلك الوسائل، وبذلك يستعان - بعد الله تعالى - على تحمل الصبر، وفيه تحقيق حسنيين هما:
1- طاعة الله بالصبر على المكاره والتكاليف وبالصبر عن المعاصي.
2- ثواب الله الذي ذكره في كتابه بقوله: {إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب } (الزمر:10)، وقوله: {ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون } (النحل:96).
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اسلام ويب - موقع كلمات

Post: #738
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:22 AM
Parent: #701

المراقبة الذاتية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
في الحديث: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لأعلمن أقواماً من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباءً منثوراً "، قيل: يا رسول الله صفهم لنا، جلّهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم؟ قال: " أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم قوم إذا خلو بمحارم الله انتهكوها ".

قد يبتعد الإنسان عن المعاصي والذنوب إذا كان يحضره الناس، وعلى مشهد منهم، لكنه إذا خلا بنفسه، وغاب عن أعين الناس، أطلق لنفسه العنان، فاقترف السيئات، وارتكب المنكرات، {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرَاً بَصِيراً }(الإسراء:17) {وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ }(البقرة: 74).

بل إن الإنسان ليقع في ذنب، لو كان بحضرته طفل لامتنع من الوقوع فيه، فصار حياؤه من هذا الطفل أشد من حيائه من الله جل وعلا، أتراه - في هذه الحالة - مستحضراً قول الله تعالى: {أَوَلاَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ }(البقرة:77 ) { أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ }(التوبة: 78).

ويحك يا هذا، إن كانت جراءتك على معصية الله لاعتقاد أن الله لا يراك، فما أعظم كفرك، وإن كان علمك باطلاعه عليك، فما أشد وقاحتك، وأقل حياءك!! {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً }(النساء:108).

من أعجب الأشياء أن تعرف الله ثم تعصيه، وتعلم قدر غضبه ثم تعرض له، وتعرف شدة عقابه ثم لا تطلب السلامة منه، وتذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تهرب منها ولا تطلب الأنس بطاعته.
قال قتادة: ( ابن آدم، والله إن عليك لشهوداً غير متهمة في بدنك، فراقبهم، واتق الله في سرك وعلانيتك، فإنه لا يخفى عليه خافية، الظلمة عنده ضوء، والسر عنده علانية، فمن استطاع أن يموت وهو بالله حسن الظن فليفعل، ولا قوة إلا بالله ).
{وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلَا أَبْصَارُكُمْ وَلَا جُلُودُكُمْ وَلَكِن ظَنَنتُمْ أَنَّ اللَّهَ لَا يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ (22) وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُم مِّنْ الْخَاسِرِينَ }(فصلت:23،22).

قال ابن الأعرابي: ( آخر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد ).
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ }(ق:16).

إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل *** خلوت ولكن قل عليّ رقيبُ

ولا تحسبنّ الله يغفل ساعةً *** ولا أن ما نخفيه عنه يغيبُ

إن تقوى الله في الغيب، وخشيته في السر، دليل كمال الإيمان، وسبب حصول الغفران، ودخول الجنان، بها ينال العبد كريم الأجر وكبيره {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ }(يس:11) {إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ }(الملك:12) {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ (31) هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ وَجَاء بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ (33) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (34) لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ } (ق:31-35).

وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " أسألك خشيتك في الغيب والشهادة ". والمعنى أن العبد يخشى الله سراً وعلانية، ظاهراً وباطناً، فإن أكثر الناس قد يخشى الله في العلانية وفي الشهادة، ولكن الشأن خشية الله في الغيب إذا غاب عن أعين الناس فقد مدح الله من خافه بالغيب.

وكان بكر المزني يدعو لإخوانه: ( زهّدنا الله وإياكم في الحرام، زهادة من أمكنه الحرام والذنب في الخلوة فعلم أن الله يراه فتركه ).
وقال بعضهم: ( ليس الخائف من بكى فعصر عينيه، إنما الخائف من ترك ما اشتهى من الحرام إذا قدر عليه ).
إذا السر والإعلان في المؤمن استويا *** فقد عزّ في الدارين واستوجب الثنا

فإن خالف الإعلان سراً فما له *** على سعيه فضل سوى الكدّ والعنا

الأمور الموجبة لخشية الله عز وجل
1- قوة الإيمان بوعده على الطاعة ووعيده على المعاصي.
2- النظر في شدة بطشه وانتقامه وسطوته وقهره، وذلك يوجب للعبد ترك التعرض لمخالفته، كما قال الحسن: ( ابن آدم، هل لك طاقة بمحاربة الله، فإن من عصاه فقد حاربه ).
وقال بعضهم: ( عجبت من ضعيف يعصي قوياً ).

3- قوة المراقبة لله، والعلم بأنه شاهد رقيب على قلوب عباده وأعمالهم، وأنه مع عباده حيث كانوا فإن من علم أن الله يراه حيث كان، وأنه مطلع على باطنه وظاهره وسره وعلانيته، واستحضر ذلك في خلواته، أوجب له ذلك ترك المعاصي في السر.
قال وهب بن الورد: ( خف الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه قدر قربه منك ). وقال: ( اتق الله أن يكون أهون الناظرين إليك ).

4- استحضار معاني صفات الله تعالى، ومن صفاته ( السمع، والبصر، والعلم )، فكيف تعصي من يسمعك، ويبصرك ويعلم حالك؟!.. فإذا استحضر العبد معاني هذه الصفات، قوي عنده الحياء، فيستحي من ربه أن يسمع منه ما يكره، أو يراه على ما يكره، أو يخفي في سريرته ما يمقته عليه، فتبقى أقواله وحركاته وخواطره موزونة بميزان الشرع غير مهملة ولا مرسلة تحت حكم الطبيعة والهوى.
قال ابن رجب: ( فتقوى الله في السر، هي علامة كمال الإيمان، ولها تأثير عظيم في إلقاء الله لصاحبها الثناء في قلوب المؤمنين ).
قال أبو الدرداء: ( ليتق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر، يخلو بمعاصي الله، فيلقي الله له البغض في قلوب المؤمنين ).
وقال سليمان التيمي: ( إن الرجل ليصيب الذنب في السر، فيصبح وعليه مذلته ).
وقال غيره: ( إن العبد ليذنب الذنب فيما بينه وبين الله ثم يجيء إلى إخوانه فيرون أثر ذلك الذنب عليه ).
وهذا أعظم الأدلة على وجود الإله الحق، المجازي بذرات الأعمال في الدنيا قبل الآخرة، ولا يضيع عنده عمل عامل، ولا ينفع من قدرته حجاب ولا استتار.

فالسعيد من أصلح ما بينه وبين الله، فإنه من أصلح ما بينه وبين الله، أصلح الله ما بينه وبين الخلق، ومن التمس محامد الناس بسخط الله عاد حامده من الناس ذاماً له.

ومن أعجب ما روي في هذا، ما روي عن أبي جعفر السائح قال: ( كان حبيب أبو محمد تاجراً يكري الدراهم، فمر ذات يوم بصبيان يلعبون، فقال بعضهم لبعض: قد جاء آكل الربا. فنكس رأسه، وقال: يا رب، أفشيت سري إلى الصبيان. فرجع فجمع ماله كله، وقال: يا رب، إني أسير، وإني قد اشتريت نفسي منك بهذا المال فأعتقني، فلما أصبح تصدق بالمال كله، وأخذ في العبادة، ثم مرّ ذات يوم بأولئك الصبيان، فلما رأوه قال بعضهم لبعض: اسكتوا فقد جاء حبيب العابد. فبكى، وقال: يا رب، أنت تذم مرة وتحمد مرة، وكله من عندك ).

قال سفيان الثوري: ( إن اتقيت الله كفاك الناس، وإن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من الله شيئاً ). وودّع ابن عون رجلاً فقال: ( عليك بتقوى الله، فإن المتقي ليست عليه وحشة ).
قال زيد بن أسلم: ( كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ).
نسأل الله عز وجل أن يرزقنا خشيته في الغيب والشهادة، وفي السر والعلانية.

عبدالقيوم السحيباني

Post: #739
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:24 AM
Parent: #738

إذا كان يؤذيك حر الصيف
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
أخي الكريم: إن في تقلب الليل والنهار وتحول الفصول عبرة وعظة لنا، كما قال ربنا تبارك وتعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَارِ }(النور:44) وقال جلّ شأنه: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً }(الفرقان:62) قال بعض السلف: من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ( أي فرصة للاعتذار والاستغفار) ومن عجز عن النهار كان له في الليل مستعتب.
وإذا كان مثل هذا في الليل والنهار، فهو أيضاً في تعاقب الفصول التي هي أيام وليال.. فإن فيها عبرة للمعتبرين، وذكرى للمتذكرين، جعلنا الله وإياك منهم.

أخي الحبيب: حديثي إليك في هذه الأسطر عن فصل من هذه الفصول، ولعلك عرفته من خلال العنوان ، نعم.. إنه فصل الصيف.. هذا الفصل الذي يذكّر حرّه بأمور كثيرة، منها:

تذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: " اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب آكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم ".. فالمؤمن يتذكر النار، عند رؤيته لأمور كثيرة: منها تذكره لها كلما لفحته رياح الصيف وألهبت وجهه الناعم بحرها.. ويقول في نفسه: إذا كان هذا من نفس جهنم فكيف بجهنم نفسها؟؟!! عياذاً بالله تعالى منها.

وإذا كنا أخي الحبيب لا نحتمل نار الدنيا وهي جزء من تسعة وستين جزءاً من نار الآخرة، فما الشأن في نار الآخرة؟؟!! ولذا قال بعض السلف: لو أخرج أهل النار منها إلى نار الدنيا لقالوا فيها ألفي عام. يعني أنهم ينامون فيها ويرونها برداً.

ومن ذلك: تذكر أحوال السلف الصالح رحمهم الله الذين كانت قلوبهم حية.. نعم أخي.. فكل ما يرونه ويشاهدونه في الدنيا يذكرهم بالآخرة.. ومن ذلك أن بعض السلف كان إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى وتذكر أمنية أهل النار حينما يشتهون الماء، فيحال بينهم وبينه، ويقولون لأهل الجنة: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ } (الأعراف:50).

ومن ذلك، أن بعض السلف كان إذا دخل الحمام في الصيف وشعر بحر المكان تذكر النار، وتذكر يوم تطبق النار على من فيها وتوصد عليهم، ويقال لهم: خلود فلا موت، فإذا خرجوا من الحمام أحدث ذلك التذكر لهم عبادة.

ومن ذلك أيضاً، أن بعض الصالحين صبّ على رأسه ماء من الحمام فوجده شديد الحر، فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } (الحج: 29) فلا إله إلا الله ما أشد تذكرهم.. وما أعظم اعتبارهم!! ورأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قوماً في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى، ثم أنشد:

من كان حين تصيب الشمس جبهته *** أو الغبار، يخاف الشين والشعثا

ويألف الظلّ كي تبقي بشاشته *** فسوف يسكن يوماً راغماً جدثا

في ظلّ مقفرة غبراء مظلمة *** يطيل تحت الثرى في غمّها اللبثا

تجهّزي بجهاز تبلغين به *** يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حرّ الظهيرة، يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة.

أخي الحبيب: وليس هذا فحسب! فهم رضي الله عنهم رغم انعدام وسائل التكييف والراحة ـ التي ننعم بها في زماننا والحمد لله ـ إلا أن ذلك لم يقطعهم عن طاعة من الطاعات، مهما كانت مشقتها على النفس، ومن تلك الطاعات التي كانت لا تنقطع في مثل هذه الحال: الجهاد في سبيل الله تعالى، ولعل أول ما يخطر في بالك تلك الغزوة العظيمة غزوة تبوك، التي خرج فيها سيد الخلق ـ بأبي هو وأمي ـ صلى الله عليه وسلم ، ومعه أصحابه رضي الله عنهم في شدة الحر، والتي لم تمنعهم عن النفير في الجهاد، لأنهم صدقوا ما عاهدوا الله عليه، ولكنها منعت المنافقين الذين قالوا كما أخبر الله عنهم {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ} (التوبة:81) فجاءهم الجواب المناسب لمقالتهم: {قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة:81) أما من تخلف من الصحابة الصادقين بغير عذر، فقد تاب الله عليهم بعد ذلك.

أخي الحبيب: بعضنا يعجز عن مجاهدة نفسه على القيام ببعض الطاعات، وهو منطرح على فراشه الوثير تحت المكيف، آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده من ألوان الطعام الشيء الكثير، ومع ذلك يتثاقل عن صلاة الفجر جماعةً مع المسلمين، أو يتكاسل عن القيام بحقوق الوالدين، وصلة الأرحام.. إلى غيرها من أبواب الخير، أو يظن بمثل هؤلاء أن يجاهدوا أعداء الأمة وهم لم يستطيعوا جهاد أنفسهم؟؟!!.

ومن ذلك أيضاً حرصهم على الصيام في الصيف لعظيم ثوابه، ولهذا كان معاذ بن جبل وغيره من السلف رضي الله عنهم يتأسف عند موته على.. أتدري على ماذا؟ أتظنه أسف عن قصر لم يشيّده؟! أم تراه أسف على صفقة تجارية لم يربحها؟! أم على امرأة حسناء لم ينكحها؟! كلا، لا هذا ولا ذاك.. بل أسف على ظمأ الهواجر.. ولهذا كان بعض الصالحين يحرص على صيام أشد أيام الصيف حرا، فيقال له في ذلك، فيقول: إن السعر إذا رخص، اشتراه كل أحد وهذا ـ وربي ـ من علو الهمة.

فيا عبدالله: جاهد نفسك على هذه الطاعة العظيمة، التي اختصها الله سبحانه من بين العبادات بقوله: " الصوم لي وأنا أجزي به " كما في الصحيحين، جاهدها ولو يوماً في كل عشرة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وإن ألم العطش في اليوم الحار سيذهب في أول شربة ماء، أما أجره فأرجو الله تعالى أن تناله بل وتسرّ به يوم يقال في الدار الآخرة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} (الحاقة:24)، ويوم ينادي الصائمون ليقال لهم ادخلوا من باب الريان.

أخي: إن صيام الفرض يشترك معك فيه كل رجل من المسلمين، فأين همتك العالية؟ أين همتك التي لا ترضى بالوقوف عند الفرض في أعمال الخير؟ أين سلفك الصالح مع حرصهم على إتقان الفرائض لم يكونوا يتوقفون عندها، بل سمت هممهم إلى الذروة في المسابقة إلى الخيرات، لأنهم يعلمون أن سلعة الله ـ وهي الجنة ـ غالية، وأن دخولها وإن كان لن يتم إلا برحمة الله تعالى، إلا أن العمل سبب لذلك:
ومن يطلب الحسناء لم يغله المهر

أخي الحبيب: إن بعض الناس ربما هرب في الإجازة الصيفية من الحر الشديد الذي يصطبغ به جو الجزيرة العربية، ربما هرب إلى أماكن باردة، أو معتدلة، وهذا لا محذور فيه ـ إذا كان ذلك السفر مضبوطاً بضوابط الشرع ـ إلا أن الملاحظ أن بعض الناس هداهم الله ـ يظن أنه بسفره للخارج قد خرج عن مراقبة الله.. فتراه يقتحم النار بأفعاله، نظر محرّم.. سماع محرّم.. مراقص، مشروبات محرّمة.. فواحش ـ والعياذ بالله ـ فإلى أولئك الفارين من الحر، والواقعين في أسباب غضب الرب جل جلاله يقال لهم: إلى أين تفرون؟ ومن أي شيء تهربون؟ إن المنافقين عصوا الله تعالى بجلوسهم في ظلال المدينة هرباً من الحرّ، وتركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم في حرّ الرمضاء استعداداً لقتال العدو، فياليتكم ـ معاشر الفارّين ـ تحولون هروبكم من الحر خارج البلاد إلى جهاد في سبيل الدعوة إلى الله تعالى، ونشر الإسلام بصورته الصحيحة، كما خرج قدوتكم وحبيبكم صلى الله عليه وسلم للجهاد وقتال أعداء الله، ونشر الإسلام بين الناس، ليسعدوا به كما سعدت به أنت، وسعد به أهلك وعشيرتك.

إن الجهاد الذي نطالبك به، لا يحتاج إلى حمل السلاح الثقيل ! ولا يحتاج إلى خبرة بأساليب الحرب! بل هو جهاد، بالقدوة الحسنة التي تترجمها بأخلاق الإسلام، والبعد عن المحرمات، وجهاد بالكلمة الطيبة، في دعوة من تلاقيه من الناس ـ في أي أرض تذهب إليها ـ مسلماً كان أم كافراً، كل حسب ما يناسبه.

ولعلك تعتذر بأنك لست من حملة العلم الشرعي! أو لست من الدعاة! وما هذا ـ أيها الحبيب ـ بعذر، فمكاتب دعوة الجاليات منتشرة في كل مكان، وفيها كتب نافعة لأغلب لغات أهل العالم، وهل يكلفك ـ أيها الغيّور على دينك ـ الذهاب إليها لتأخذ معك بعض الكتب أو الأشرطة التي تناسب لغة البلد التي ستسافر إليها؟ لتكون بذلك داعية خير، ورسول سلام، وحامل دعوة، وما يدريك! فلعل الله تعالى أن يهدي على يديك أحداً في سفرتك هذه إلى الإسلام، فهو ـ والله ـ خير لك من الدنيا وما فيها، وغير خاف عليك أن كل عمل صالح يعمله ذلك الذي اهتدى على يديك، فسيكون في ميزان حسناتك.

أخي.. رعاك الله: تمتع بما أحل الله لك، من وسائل تكييف، وراحة، وسفر، ولكن.. إياك أن تكون ممن يهرب من حر الدنيا ويقع بسبب التعرض للحر الأكبر في نار جهنم أعاذنا الله وإياك والمسلمين منها، وتذكر ـ حفظك الله ـ أنك بخير عظيم ما دمت تحمل همّ الدعوة إلى دينك ولو بإهداء كتيب أو إيصال شريط، ولا يكن ذلك الهندوسي القابع في زوايا بعض المزارع أو تلك الراهبة التي تعيش في غابات أفريقيا، لا يكن هؤلاء خيراً منا في الدعوة، مع أنهم يدعون إلى أديانهم الباطلة، ونحن ندعو ـ وبكلفة قليلة ـ إلى خير الأديان وخاتمتها وأكملها.

أسأل الله تعالى أن يحفظك وأن يبارك فيك أينما كنت، وأن يعيذنا وإياك من أسباب غضبه، وأليم عقابه، وأن يجعلنا جميعاً من الدعاة إلى سبيله على بصيرة.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
دار القاسم

Post: #740
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:26 AM
Parent: #701

لا تكذب على الأطفال
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد:
الكذب على الأطفال خطأ كبير يقع فيه الآباء، وهم لا يدركون فداحته وتأثيره على تعود الأبناء على الكذب، وهو يزرع في قلوبهم البريئة الطاهرة الحقد والكراهية لمن يكذب عليهم، ثم يصير الكذب عادة لهم تعلموها من الكبار.

فينبغي الحذر من الكذب عليهم بحجة أنهم صغار لا يفهمون، أو لا يدركون، بل هم يحسون ويدركون ويتأثرون، ويقلدون في نفس الوقت، وقد جاء عن عبد الله بن عامر أنه قال: دعتني أمي يوماً، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: ها، تعال أعطيك، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "وما أردت أن تعطيه؟" قالت: أعطيه تمراً، فقال لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أما إنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة".
قال صاحب عون المعبود: "وفي الحديث أن ما يتفوه به الناس للأطفال عند البكاء مثلاً بكلمات هزلاً أو كذباً بإعطاء شيء أو بتخويف من شيء حرامٌ داخل في الكذب".

من السهل على المرء أن يتكلّم كثيراً عن أصول التربية ومنهاجها وضروراتها، ومن الممكن جدّاً تحديد القيم الفاضلة والمباديء السامية التي ينبغي غرسها في نفوس الناشئة، لكن في المقابل يصعب جدّاً الارتقاء بالدور التربوي ليكون قدوةً قبل أن يكون إرشاداً، وعملاً قبل أن يكون قولاً، وواقعاً قبل أن يكون مُثُلاً نظريّة.

هذا هو المعنى العميق الذي انطوى تحت مظلّة الموقف النبوي سالف الذكر؛ فإنّ المربّي -سواءٌ أكان والداً في البيت، أو معلّماً في المدرسة، أو ناشطاً في حقلٍ دعوي، أو شيخاً في الحلقة- تحت المجهر دائماً من قِبَل المتربّين خصوصاً عندما يكونون في المراحل العمرية المبكرة.

وما دام الأمر كذلك، فإن أي فعلٍ يصدر من المربّين إنما هو بمثابة التوجيه الفعلي للمتلّقي، الذي لو تعارض عنده قول المربّي وفعله فلعلّه أن يُقدّم الفعل لاشعوريّاً، لذلك كان على المربّين استشعار خطورة الأمر والتنبّه لقول الله تعالى: { يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون} (الصف:2-3).

ولربما ظنّ البعض أن المسألة أهون من ذلك، وأن الأمر ليس سوى كذبة صغيرة، لكنّ الطرف الآخر لا ينظر إليها كذلك، خصوصاً وأن الأطفال يحبون المحاكاة من تلقاء أنفسهم، فينشأون على هذا الخلق الذميم.

ويظهر الأثر المدمّر للكذب على الأطفال في صورة فقدان الطفل للثقة بأبويه جرّاء عدم التزامهما بالوعد المقطوع، الأمر الذي يجعله يشكّك في أي وعدٍ مستقبلي صادرٍ منهما، وحبل الثقة بين الوالد والولد إذا انقطع فإنه يصعب وصله.

ومن اللطائف التي ينبغي التوجيه إليها -غير ما تقدّم-، عدم استخدام المعاريض والتورية أثناء التعامل مع الأطفال إلا على أضيق نطاق؛ والتورية هي النطق بالكلمة أو الجملة يكون لها معنى قريب يرتسم في ذهن المتلقّي ومعنى بعيد يقصده القائل، والسبب في المنع هو أن الأطفال لا ينظرون إليها إلا كحيلة أو كذبة، ولا يفهمون حقيقتها.

وانظر إلى ما أورده صاحب المدخل حيث قال: "وقد ورد فيمن انفلتت دابته فلم يقدر على إمساكها فأراها المخلاة، فتأتي على أن العلف فيها، فيمسكها، أنها تكتب عليه كذبة يحاسب عليها يوم القيامة، مع أنه معذور في ذلك؛ لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن إضاعة المال، وفعله ذلك من باب صيانته،ألا ترى إلى البخاري -رحمه الله- لما رحل من بلاده إلى بعض الشيوخ ليسمع عليه الحديث، فلما أن جلس عنده جاء صغير ليقع من موضع، فقبض الشيخ يده، لكي يظن الصبي أن في يده شيئاً يعطيه إياه، ليأتي فيأخذ ما فيها، فقام البخاري -رضي الله عنه- وتركه، ولم يسمع عليه شيئاً؛ لأنه رأى أن ذلك كذباً وقدحاً في الرواية عنه". فهذا البخاري -كما ترى- يترك السماع من محدث كبير، لأنه أوهم الصبي أنه يريد أن يعطيه شيئاً، ولم يعطه، فما بالك بمن يكذب على الأطفال ليل نهار!.

فتربية الأبناء وتنشئتهم على الصدق وهم صغار، مسئولية كبيرة على الآباء، لا بد أن يدركوا ذلك.. فما الحال إذا كان الأب هو نفسه الذي يكذب على الابن؟! يعده يقول له: سأشتري لك كذا وكذا، مرة بعد مرة، ولم يفِ بشيء من ذلك، سنذهب إلى المكان الفلاني الصباح، فيظل الابن ليلته يفكر في الرحلة في الطلعة في زيارة عمه أو خاله أو قريبه بفرح ولهفة شديدة، ثم يصحو مبكراً قبل والده، يصبح فيتفاجأ أن ذلك الكلام لم يكن صدقاً ولم يفِ الأب بما قال، فيصدم الولد، ويتألم، وخاصة إذا تكرر هذا التصرف الأرعن من الوالد، وخاصة إن لم يبدِ الأب السبب والعذر الذي جعله يتخلف.

فقل لي بالله عليك - أيها الفاضل - كيف نتصرف مع الأطفال بهذه الطريقة، ونأمل منهم بعد ذلك أن يتربوا على الصدق، ويحبوا الصدق؟! وصدق الشاعر القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

فالأب معلم، والأم كذلك، ومتى أخطأ الأب أو الأم، قلدهما الابن، وتأثر بهما في تصرفاتهما وأخطائهما، وصدق الشاعر حين قال:
وإذا المعلم ساء لحظ بصيرةٍ جاءت على يده البصائرُ حولا

فإياكم إياكم والكذب على الأطفال، فإنهم مرآة بيضاء، يظهر فيها كل ما ننقش فيها، وهم أمانة في أعناقنا، فلنؤدِ الأمانة، ولنعمل على وقايتهم من النار، كما قال الله -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}(6) (سورة التحريم)
موقع إمام المسجد

Post: #741
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:28 AM
Parent: #701

الاهتمام بأمر المسلمين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وسيد ولد آدم أجمعين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد:
فإن رابطة الدين هي أعظم وأقوى الروابط على الإطلاق، فهي أقوى من رابطة النسب التي تنفك بمجرد النفخ في الصور: { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ (101)} ( المؤمنون ).
وهي كذلك أقوى من رابطة الجوار التي تنفك بالموت ، وأقوى من رابطة المصالح التي تنقطع باختلاف المصالح حتى إن الأخ قد يقتل أخاه إذا تعارضت المصالح وما خبر ابني آدم منا ببعيد.

أما رابطة الدين فإنها لا تنفك أبدا { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} ( الحجرات من الآية 10).
إن هذه الرابطة لا يقطعها ما يقطع بقية الروابط فهي مستمرة حتى في يوم القيامة: { الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67)} (الزخرف).

وإذا دخل المؤمنون الجنة فقد أخبر الله عنهم بقوله: { وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47)} (الحجر).
ومن حقوق هذه الرابطة الإيمانية أن يهتم المسلم بشأن إخوانه المسلمين وإن اختلفت الأوطان وتعددت اللغات وتباعدت الأجساد، هذا الاهتمام الذي يدفع العبد للعمل من أجلهم ، لنفعهم لنصرتهم ، لنجدتهم ، لرفع الضيم والظلم عنهم.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى".
ويقول صلى الله عليه وسلم: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ".

وقد كان اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالمسلمين متجليا في كل حياته ، فحين أتاه قوم من مضر عليهم علامات الفقر فهم حفاة الأقدام ممزقوا الثياب ليس لديهم من حطام الدنيا شيء تغير وجهه وحعل يدخل ويخرج مهموما حزينا ثم صعد المنبر فحرض المؤمنين على الصدقة لكفاية هؤلاء الفقراء فقال: " تصدق رجل من درهمه ، من ديناره من صاع بره ، من صاع تمره ، ولو بشق تمرة " فجاء رجل بصرة تعجز عنها يده وتتابع الناس ، عندئذ تهلل وجهه وعاد إليه إشراقه وتبسمه.

كما مكث شهرا يدعو للمستضعفين من المسلمين الذين يعانون إيذاء المشركين واضطهادهم ، وكان يقول في دعائه: " اللهم أنج الوليد بن الوليد وعياش بن ربيعة وسلمة بن هشام ، اللهم أنج المستضعفين من المسلمين ".
وبلغ من اهتمامه بأمر المسلمين أنه كان يتحمل عمن مات منهم دينه حين وسع الله عليه فكان يقول: " أنا أولى بالمسلمين من أنفسهم ، فمن مات وعليه دين فعلينا قضاؤه ، ومن ترك مالا فلورثته".

وكان يعود المرضى ويدعو لهم ويشهد جنازة من مات ، ويهتم بشأن اليتامى والأرامل ، بل كان يهتم بشأن الأفراد من أمته.
أتاه سلمان الفارسي رضي الله عنه يخبره أن أهله كاتبوه على غرس نخل وعلى ذهب يدفعه إليهم خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين في شأنه وقال: "إن أخاكم قد كاتب يهود على مال وعلى غرس" ، فقام المسلمون يتبادرون حتى دفعوا ذلك كله عن سلمان وبقي منه وزن نواة أو نواتين من الذهب فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمان وأمره أن يتجر وشارك معه بيده في غرس النخل فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم عددا من النخل الذي ألزم أهل سلمان وأولياؤه سلمان بغرسه.

وحين علم بوفاة المرأة السوداء التي كانت تقم المسجد ولم يخبره الصحابة ليشاركهم دفنها والصلاة عليها عاتبهم وذهب إلى قبرها فصلى عليها ودعا لها.

وعلى نهجه سار أصحابه رضي الله عنهم وأرضاهم فكانوا كالجسد الواحد لا يطمع فيهم عدوهم ولا تغيب أخبار المسلمين عنهم ، حتى إن رجلا كعمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو خليفة للمسلمين يقول: والله لو عثرت بغلة بالعراق لخشيت أن يسألني الله عنها: لِمَ لَمْ تسو لها الطريق؟.
وقبل وفاته بأيام قلائل يقول : لئن أبقاني الله لأعملن رأيا للمسلمين لا تحتاج فيه بعدي أيم ( وهي المرأة التي لا زوج لها) إلى رجل. لكنه مات قبل أن يتم ما عزم عليه.

أما صلاح الدين فكان اهتمامه بأمر المسلمين عجيبا يدل على إيمانه واستشعاره هذه الرابطة حتى إنه لما عوتب لأنه لا يضحك قال: كيف أضحك والقدس أسير؟.
فكان يحمل هم القدس وكونها تحت الاحتلال الصليبي ونتيجة حمله هذا الهم أعد العدة وأخذ بالأسباب حتى كان اليوم الموعود الذي أراد الله أن يكون تطهير بيت المقدس على يدي من حمل همه.

والمقصود يا أيها الحبيب أن المسلم يشعر بارتباطه بإخوانه المسلمين في كل مكان فيتألم لآلامهم ويفرح لأفراحهم ويبذل ما يستطيع لتفريج كرباتهم وأقل أحواله أنه لا يغفل عن الدعاء لإخوانه بظهر الغيب ، فهل أنت كذلك؟ هل تهتم بأمور المسلمين؟ هل تتذكرهم بدعواتك؟ هل تحمل هم أمتك؟.
اسلام ويب

Post: #742
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:30 AM
Parent: #701

قوت القلوب
القلوب بأنوارها الإيمانية لا بضرباتها العضلية، ونور القلوب هو محك الإيمان وهمّ أهل الإحسان، فبنور القلب تضيء الحياة كلها، ولما كانت الحكمة من أجلِّ مفاتيح استنارة القلوب حرص عليها الأخيار وتتبعها الفضلاء في كل زمان ومكان، فهي الكنز الثمين الذي تشد له الرحال ويبذل فيه الغالي والنفيس، فسعادة القلب المستنير لا يعدلها سعادة، وهداية القلوب أعظم هداية، فاللهم نور بالحق قلوبنا، وثبتنا على الحق المبين.

أجمل خريطة للدنيا هي التي رسمها مهندسو الحكماء الذين يعرفون الفرق الحقيقي بين العمران والخراب، وبين متين الأساس ومن شيد على شفا جرف هار .. مهندسون خبرتهم منبثقة من التجارب، وبصيرتهم استنارت من مشكاة الحكمة، وهم أجدر الناس على وصف الطريق، وتحديد علاماته وعقباته.

يقول ابن الجوزي رحمه الله:
من تفكر في عواقب الدنيا، أخذ الحذر، ومن أيقن بطول الطريق تأهب للسفر.
ما أعجب أمرك يا من يوقن بأمر ثم ينساه، ويتحقق ضرر حال ثم يغشاه {وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ} [الأحزاب:37].
تغلبك نفسك على ما تظن، ولا تغلبها على ما تستيقن.
أعجب العجائب: سرورك بغرورك، وسهوك في لهوك، عما قد خبئ لك.
تغتر بصحتك وتنسى دنو السقم، وتفرح بعافيتك غافلاً عن قرب الألم.
لقد أراك مصرع غيرك مصرعك، وأبدى مضجع سواك - قبل الممات - مضجعك.
وقد شغلك نيل لذاتك، عن ذكر خراب ذاتك:

كأنّك لم تسمع بأخبار من مضى ... ولم تر في الباقين ما يصنع الدهر!
فإن كنت لا تدري فتلك ديارهم ... محاها مجال الرّيح بعدك والقبر!

كم رأيت صاحب منزل ما نزل لحده، حتى نزل!. [أي نزل إيمانه ودرجته]
وكم شاهدت والي قصر، وليه عدوه لما عُزل!.
فيا من كل لحظة إلى هذا يسري، وفعله فعل من لا يفهم ولا يدري ...
كيف تنام العين وهي قريرة ؟ ... ولم تدر من أيّ المحلين تنزل؟" [صيد الخاطر، لابن الجوزي].

فقوله –رحمه الله-: (وكم شاهدت والي قصر، وليه عدوه لما عُزل!) .. فهذا من نكد الدنيا، فالنفس تفرح بالمنصب وحين يعزل صاحبها تحس بمرارة أضعاف لذة وفرحة يوم توليه.

قال سليمان بن يزيد العدوي:
عَجَبًا لأَمْنِكَ وَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ * وَلِفَقْدِ إِلْفٍ لا تَزَالُ تَرَوَّعُ
أَفَقَدْ رَضِيتَ بِأَنْ تُعَلَّلَ بِالْمُنَى * وَإِلَى الْمَنِيَّةِ كُلُّ يَوْمٍ تُدْفَعُ
لا تَخْدَعَنَّكَ بَعْدَ طُولِ تَجَارِبٍ * دُنْيَا تَكَشَّفُ لِلْبَلاءِ وَتَصْرَعُ
أَحْلامُ نَوْمٍ أَوْ كَظِلٍّ زَائِلٍ * إِنَّ اللَّبِيبَ بِمِثْلِهَا لا يُخْدَعُ
وَتَزَوَّدَنَّ لِيَوْمِ فَقْرِكَ دَائِبًا * أَلِغَيْرِ نَفْسِكَ لا أَبَا لَكَ تَجْمَعُ

وخير الفرح: الفرح بالفضائل وإن زهد فيها الناس، وتكالبوا على الدينار والدرهم، واستعاضوا بالفاني عن الباقي، فمن لم يجد متعته في الخيرات فلن يجدها في الشهوات والملذات.

قال ابن عباد صاحب الوزارتين: "ما كنت أظن أن في الدنيا حلاوة تعدل حلاوة الوزارة حتى حضرت مجلسا لأبي القاسم الطبراني وأبي بكر الجعابي فدارت بينهما مناظرة، فكان الطبراني يغلبه بحفظه والجعابي يغلبه بدهائه، ولم يفصل لأحدهما على الآخر، حتى قال أبو بكر الجعابي: عندي حديث ليس في الدنيا إلا عندي.
قال له الطبراني: وما هو؟
قال: حدثنا أبو أحمد الحاكم حدثنا سليمان بن أحمد .. وساق حديثا .. فقال له الطبراني: أنا سليمان بن أحمد .. خذه مني عاليا!
قال: فخجل الجعابي .. ووددتُ أنه لم تكن لي الوزارة، وأني فرحت كفرح الطبراني".

ومن شؤم العبد أن يأتي ربه يوم القيامة وقلبه خالي الوفاض من نور الإيمان، فأمثال هؤلاء في شدة من حسابهم كما كانوا في الدنيا في شدة شهواتهم، فظلمة القلب عُسرة لا تدانيها عسرة، وشدة لا تشابهها شدة.
قال تعالى: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى وَالَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُواْ لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْاْ بِهِ أُوْلَـئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:18] قال إبراهيم النخعي: "سُوء الحساب: أن يحاسبَ الرجلُ بذنبه كلّه لا يغفر له منه شيء".

وعَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ الْمَازِنِيِّ، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي مَعَ ابْنِ عُمَرَ، آخِذٌ بِيَدِهِ، إِذْ عَرَضَ رَجُلٌ فَقَالَ: كَيْفَ سَمِعْتَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي النَّجْوَى فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ، فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْترُهُ: فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنوبِهِ، وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَليْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هؤُلاَءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلاَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الظَّالِمِينَ". [البخاري].

قال الغزالي - رحمه اللّه تعالى-: وهذا إنما يرجى لعبد مؤمن، ستر على الناس عيوبهم، واحتمل في حق نفسه تقصيرهم، ولم يذكرهم في غيبتهم بما يكرهون، فهو جدير بأن يجازى بذلك.

اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #743
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:32 AM
Parent: #701

فضل العبادة في زمن الفتن
الحمد لله الهادي إلى سواء السبيل ، والصلاة والسلام على البشير النذير ، وعلى آله وصحبه الأخيار الميامين ، وبعد:
فإن أكثر الناس في أزمنة الفتن ينشغلون بها ، ويخوضون كثيرا فيها إما بالفعل والمشاركة وإما بالقول والتحليل وغير ذلك ، لكن قليلا من الناس من ينشغل في أوقات الفتن بإصلاح قلبه وتزكية نفسه بمزيد إقبال على الله تعالى وجمع القلب عليه والتوجه إليه سبحانه بأنواع القربات والطاعات.

يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى:
(إن الفتن والمشقة البالغة ستقع حتى يخف الدين ويقل الاعتناء به ، ولا يبقى لأحد اعتناء إلا بأمر دنياه ومعاشه وما يتعلق به ، ومن ثم عظم قدر العبادة أيام الفتنة).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " العبادة في الهرج كهجرة إلي". (رواه مسلم).
والهرج هو وقت الفتن والفوضى واختلاط الأمور وشيوع القتل ، فتكون العبادة في هذه الأجواء الصعبة كهجرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ولا شك أن الفضل الوارد في هذا الحديث لمن عبد الله في أوقات الفتن فضل عظيم جدا ؛ فإن الهجرة إلى الله ورسوله من أعظم الأعمال التي يرجو بها أصحابها الخير ، ويكفيك في بيان هذا الفضل أن الله تعالى يقول: { لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)}(سورة الحديد).
ويقول سبحانه: { فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)} (سورة آل عمران).

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لولا الهجرة لكنت امرءا من الأنصار".
وقال صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص رضي الله عنه: " أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله".
إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الواردة في الكتاب والسنة تبين فضل الهجرة وأجرها، هذا الأجر يدركه من انشغل بعبادة ربه في أوقات الفتن.

ومما يزيد الأمر إيضاحا أن أدلة الشرع قد دلت على أن الفضل يتضاعف لمن عبد الله تعالى في أوقات الغفلات ، انظر إلى حال الناس في الأسواق سترى أن أكثرهم ينشغلون ببيع وشراء وربما انشغل البعض بحلف كاذب أو غش أو تدليس وغير ذلك من المخالفات ، في مثل هذا الجو من يذكر ربه ويعبده بأنواع القربات يتضاعف أجره ، قال الله تعالى ممتدحا أمثال هؤلاء: { رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)} (سورة النور).

وفي الحديث الذي رواه النسائي: "إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة جاء مناد فنادى بصوت يسمع الخلائق: سيعلم الجمع من أولى بالكرم ، ليقم الذين لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ، فيقومون وهم قليل ، ثم يحاسب الله سائر الخلائق".

ولعل علي بن المديني كان ينظر إلى هذا المعنى حين قال: (ما قام أحد بالإسلام بعد رسول الله ما قام أحمد بن حنبل ، فقيل له: يا أبا الحسن ولا أبو بكر الصديق؟ قال: إن أبا بكر كان له أصحاب وأعوان ، وأحمد بن حنبل لم يكن له أعوان ولا أصحاب).
ولا تظنن أن ابن المديني يُفضل أحمد بن حنبل رحمه الله على أبي بكر رضي الله عنه ، فإن الصحابي أفضل من كل من جاء بعده كما قال ابن المبارك حين سئل عن المقارنة بين أمير المؤمنين عمر بن العزيز وأمير المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه فقال: غبار في أنف معاوية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز.

ومما يدل أيضا على فضل التعبد في أوقات الغفلات والفتن قوله صلى الله عليه وسلم: " فإن من ورائكم أيام الصبر ، الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله".

وليكن معلوما ومستقرا في نفوس المؤمنين أن تسلط الظالمين وأهل الباطل على المؤمنين لا يدوم ولا يستقر بل لابد من زواله والتمكين للمؤمنين ، بهذا نطقت أدلة الشرع المبين:

{ كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (21)} (سورة المجادلة).
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56)} (سورة النور).
{فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (17)} (سورة الرعد).
وغيرها من الأدلة ، لكن يسيء التعامل مع هذه الأدلة فريقان:

الأول يتواكل ولا يعمل ويترك الأخذ بالأسباب المستطاعة وهو يظن أن التمكين سيأتيه لا محالة وهو فهم خاطئ لسنن الله تعالى التي لا تحابي ولا تجامل.
والثاني يستعجل فيرتكب من الأفعال ما يجر على الأمة الويلات ويدخلها في أتون صراعات لم تستعد لها.

فعليك أخي الحبيب بالتعبد لله تعالى في أوقات الفتن ، والأخذ بالأسباب والعمل لنصرة هذا الدين ، { وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (21)} (سورة يوسف).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #744
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:35 AM
Parent: #701

الإساءة إلى الناس فن !!
نعم هي فن يتقنه كل من تخلى عن الأخلاق الكريمة والصفات النبيلة الجميلة ، فكل فن من الفنون له أصوله ومقوماته وقواعده ، لكن الإساءة إلى الآخرين تحتاج التخلي عن الأصول عن القواعد عن الأدب والحياء ، والتحلي بنوع من السفاهة وسوء الأدب.
ولهذا تجد من أدمن الإساءة إلى الناس مرة بالسخرية منهم ومرة بالغيبة ومرة بقبيح القول ومرة بتتبع العورات والنقائص لينشرها بين الناس، تجد هذا الصنف من أسافل الناس وأجهلهم وأبعدهم عن التحلي بمكارم الأخلاق.

إن الله تعالى قد أمرنا أن نكون من المحسنين في كل شيء : { وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (195) }(سورة البقرة).
وإساءة الواحد منا في الحقيقة ترجع إليه كما قال الله تعالى: { إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا } (الإسراء: 7).
(أي: فإليها ترجع الإِسَاءة لِمَا يتوجَّه إليها مِن العقاب، فرغَّب في الإحسان، وحذَّر مِن الإِسَاءة).
وقال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ } (الجاثية: 15).
قال الشيخ السعدي رحمه الله: (وفي هذا حثٌّ على فعل الخير، وترك الشَّرِّ، وانتفاع العاملين، بأعمالهم الحسنة، وضررهم بأعمالهم السَّيِّئة).

وقال بعض السَّلف: (ما أحسنتُ إلى أحدٍ، وما أسأتُ إلى أحدٍ، وإنَّما أحسنتُ إلى نفسي، وأسأتُ إلى نفسي).
ومن أجل هذا المعنى قيل: (مَن رضي لنفسه بالإِسَاءة، شهد على نفسه بالرَّداءة والدَّناءة).

وقال محمود الوراق:

إني وهبت لظالمي ظلمي وغفرت له ذاك على علمي

ورأيته أسدى إلي يدا لما أبان بجهله حلمي

رجعت إساءته عليه وإحــساني إلى نفسي

وغدوت ذا أجر ومحمدة وغدا بكسب الظلم والإثم

وكأنما الإحسان كان له وأنا المسيء في الحكم

وما زال يظلمني وأرحمه حتى رثيت له من الظلم

وتزداد الإساءة قبحا وذما إذا كانت متوجهة إلى من يتأكد على المرء أن يحسن إليه كالوالدين ؛ ولهذا قرن النبي صلى الله عليه وسلم الإساءة إلى الوالدين بأعظم ذنب على الإطلاق وهو الشرك فقال: " أَلَا أنبِّئكم بأكبر الكبائر؟ ثلاثًا. قالوا: بلى، يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين ".

وإن من العجيب أن الإساءة تمنع العبد من الشفاعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يكون اللَّعَّانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة ". وذلك لأن اللَّعن إساءة ، بل من أبلغ الإسَاءة ، والشَّفاعة إحسان ، فالمسيء في هذه الدَّار باللَّعن ، سلبه الله الإحسان في الأخرى بالشَّفاعة ، فإنَّ الإنسان إنَّما يحصد ما يزرع ، والإِسَاءة مانعة مِن الشَّفاعة التي هي إحسان.

الوسائل المعينة على ترك الإِسَاءة:

1- الحِلْم:
قال تعالى: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ} [المؤمنون: 96].
قال السعدي: (أي: إذا أَسَاء إليك أعداؤك بالقول والفعل، فلا تقابلهم بالإِسَاءة، مع أنَّه يجوز معاقبة المسيء بمثل إساءته، ولكن ادفع إساءتهم إليك بالإحسان منك إليهم، فإنَّ ذلك فَضْلٌ منك على المسيء. ومِن مصالح ذلك: أنَّه تَخِفُّ الإِسَاءة عنك في الحال، وفي المستقبل، وأنَّه أَدْعَى لجلب المسيء إلى الحقِّ، وأقرب إلى ندمه وأسفه، ورجوعه بالتَّوبة عمَّا فعل، وليتَّصف العافي بصفة الإحسان، ويقهر بذلك عدوَّه الشَّيطان، وليستوجب الثَّواب مِن الرَّبِّ) .

2- الاستغفار:
عن علي رضي الله عنه قال: (ليس الخير أن يَكْثُر مالك وولدك، ولكن الخير أن يَكْثُر علمك، ويَعْظُم حلمك، وأن تباهي النَّاس بعبادة ربِّك، فإن أَحْسَنت حَمَدت الله، وإن أسأت استغفرت الله) .

3- معرفة أنَّ في ترك الإِسَاءة رجاحة النَّفس، وراحة القلب:
قال القاضي المهدي: (ولو لم يكن في الصَّفح -وترك الإِسَاءة- خَصْلَةٌ تُحمَد إلَّا رجاحة النَّفس ووَدَاع القلب، لكان الواجب على العاقل أن لا يكدِّر وقته بالدُّخول في أخلاق البهائم...) .

4- حُسْن الظَّنِّ بالله.
عن معمر، قال: (تلا الحسن: " وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ " [فصِّلت: 23] فقال: إنَّما عَمِل النَّاس على قَدْر ظنونهم بربِّهم؛ فأمَّا المؤمن فأَحْسَن بالله الظَّنَّ، فأَحْسَن العمل؛ وأمَّا الكافر والمنافق فأساءا الظَّنَّ، فأساءا العمل).

5- قِصَر الأمل:
إذ طول الأمل مدعاة إلى الإساءة ، عن الحسن رحمه الله: (ما أطال عبدٌ الأمل إلَّا أَسَاء العمل).

نسأل الله أن يقينا مساوئ الأخلاق ، وأن يوفقنا والمسلمين لكل خير ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

إسلام ويب

Post: #745
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-05-2015, 01:37 AM
Parent: #701

نعمة الاستخلاف في الأرض والعيش في أرجائها والمشي في مناكبها فتنة وابتلاء، وليس أعظم من فتنة النعماء وامتحان السراء، لأن الرخاء ينسي، والمتاع يُلهي، والثراء يطغي، في دنيا مستطابة في ذوقها، معجبة في منظرها، مؤنقة في مظهرها، الفتنة بها حاصلة، وعدم السلامة منها غالبة، قال صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها، فينظر كيف تعملون، فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء، فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء» [رواه مسلم].
قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ}[الملك:2] أي ليبلوكم أيكم له أطوع، وإلى مرضاته أسرع، وعن محارمه أورع.

يقول على الطنطاوي رحمه الله: ثلاثون سنة ما خرجت منها إلا بشيء واحد، هو أني رأيت الحياة كمائدة القمار، فمن الناس من يخسر ماله ويخرج ينفض كفه، ومنهم من يخرج مثقلا بأموال غيره التي ربحها، ومنهم من يقوم على الطريق يمسح الأحذية، ومن يمد إليه حذاءه ليمسحه له، ومن ينام على السرير، ومن يسهر في الشارع يحرس النائم، ومن يأخذ التسعة من غير عمل، ومن يكد ويدأب فلا يبلغ الواحد، وعالم يخضع لجاهل، وجاهل يترأس العلماء، ورأيت المال والعلم والخلق والشهادات قسما وهبات، فرب غني لا علم عنده، وعالم لا مال لديه، وصاحب شهادات ليس بصاحب علم، وذي علم ليس بذي شهادات، ورب مالك أخلاق لا يملك معها شيئا، ومالك لكل شيء ولكن لا أخلاق له، ورأيت في مدرسي المدارس من هو أعلم من رئيس الجامعة، وبين موظفي الوزارة من هو أفضل من الوزير .. ولكنه الحظ، أو هي حكمة الله لا يعلم سرها إلا هو، ابتلانا بخفائها لينظر: أنرضى أم نسخط.

من الذي أمننا في الدور؟ من الذي أرخى علينا الستور؟ من الذي صرف عنا البلايا والشرور، والفتنة حولنا تدور؟ أليس هو الرحيم الغفور؟ فما لنا قد كثرت منا العثار، وقل منا الاعتبار والادكار؟ ما لنا لبسنا ثوب العصيان والغفلة والنسيان؟ غرنا بالله الغرور، برجاء رحمته عن خوف نقمته، وبرجاء عفوه عن رهبة سطوته.

عن ابن السماك يحدث قال: بينما صياد في الدهر الأول يصطاد السمك، إذ رمى بشبكة في البحر فخرج فيها جمجمة إنسان، فجعل الصياد ينظر إليها ويبكي، ويقول: عزيز فلم تترك لعزك، غني فلم تترك لغناك، فقير فلم تترك لفقرك، جواد فلم تترك لجودك، شديد فلم تترك لشدتك، عالم فلم تترك لعلمك .. يردد هذا الكلام ويبكي.
ولدتك إذ ولدتك أمك باكيا ... والقوم حولك يضحكون سرورا
فاعمل ليوم تكون فيه إذا بكوا ... في يوم موتك ضاحكا مسرورا

كلكم يبكي لنفسه
كان بالبصرة عابد حضرته الوفاة .. فجلس أهله يبكون حوله فقال لهم أجلسوني, فأجلسوه فأقبل عليهم وقال لأبيه: يا أبت ما الذي أبكاك؟ قال: يا بني ذكرت فقدك وانفرادي بعدك. فالتفت إلى أمه, وقال: يا أماه ما الذي أبكاك؟ قالت: لتجرعي مرارة ثكلك, فالتفت إلى الزوجة, وقال: ما الذي أبكاك؟ قالت: لفقد برك وحاجتي لغيرك, فالتفت إلى أولاده, وقال: ما الذي أبكاكم؟ قالوا: لذل اليتم والهوان من بعدك, فعند ذلك نظر إليهم وبكى.
فقالوا له: ما يبكيك أنت؟ قال أبكي لأني رأيت كلا منكم يبكى لنفسه لا لي. أما فيكم من بكى لطول سفري؟ أما فيكم من بكى لقلة زادي؟ أما فيكم من بكى لمضجعي في التراب؟ أما فيكم من بكى لما ألقاه من سوء الحساب؟ أما فيكم من بكى لموقفي بين يدي رب الأرباب؟ ثم سقط على وجهه فحركوه, فإذا هو ميت.

ملوك الدنيا
قال معاوية -رضي الله عنه- عند موته لمن حوله: أجلسوني .. فأجلسوه .. فجلس يذكر الله, ثم بكى، وقال: الآن يا معاوية، جئت تذكر ربك بعد الانحطام والانهدام, أما كان هذا وغض الشباب نضير ريان؟! ثم بكى وقال: يا رب, يا رب, ارحم الشيخ العاصي ذا القلب القاسي .. اللهم أقل العثرة، واغفر الزلة، وجد بحلمك على من لم يرج غيرك، ولا وثق بأحد سواك .. ثم فاضت روحه رضي الله عنه.

ويروى أن الخليفة عبد الملك بن مروان لما أحس بالموت قال: ارفعوني على شرف, ففعل ذلك, فتنسم الروح, ثم قال: يا دنيا ما أطيبك! إن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنا منك لفي غرور!.

ولما أحتضر أمير المؤمنين هشام بن عبد الملك, نظر إلى أهله يبكون حوله فقال: جاء هشام إليكم بالدنيا وجئتم له بالبكاء, ترك لكم ما جمع وتركتم له ما حمل, ما أعظم مصيبة هشام إن لم يرحمه الله.

ولما مرض هارون الرشيد ويئس الأطباء من شفائه، وأحس بدنو أجله، قال: أحضروا لي أكفانا فأحضروا له، فاختار منها واحدا .. ثم قال: احفروا لي قبرا .. فحفروا له .. فنظر إلى القبر وقال: ما أغنى عني مالية ... هلك عني سلطانيه!

وحينما حضر الخليفة المأمون الموت قال: أنزلوني من على السرير. فأنزلوه على الأرض، فوضع خده على التراب، وقال: يا من لا يزول ملكه .. ارحم من قد زال ملكه.
وقال المعتصم عند موته :لو علمت أن عمري قصير هكذا ما فعلت ... !

إنه الموت
قال مطرف: إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيما لا موت فيه.
وقال الحسن: فضح الموت الدنيا فلم يترك فيها لذي لب فرحا.
وقال سفيان: لو أن البهائم تعقل من الموت ما تعقلون ما أكلتم منها سمينا.
وقال الأوزاعي: جئت إلى بيروت أرابط فيها، فلقيت سوداء عند المقابر، فقلت لها: يا سوداء، أين العمارة؟ قالت: أنت في العمارة، وإن أردت الخراب فبين يديك.

همة ترقيك
يقول على الطنطاوي: وجدت على نضد إبريقا من البلور الصافي طويل العنق واسع البطن، فيه نحلة قد دخلت ولم تستطع الخروج، فهي تتحفز وتتجمع وتثب متقدمة بقوة وبأس، فيضرب الزجاج رأسها ويردها، فتعاود الكرة وهي لا تبصر الجدار وإنما تبصر ما وراءه، فتحسب أنه ليس بينها وبين الفضاء حجاب. فجعلت أنظر إليها وهي تعمل دائبة، كلما ضربت مرة عادت تحاول أخرى لا تقف ولا تستريح، حتى عددت عليها أكثر من أربعين مرة، تجد الصدمة كل مرة فلا تعتبر ولا تدرك الحقيقة، ولا ترفع رأسها لتبصر الطريق وتعلم أن سبيل الفضاء وباب الحرية هو من «فوق» لا عن يمين ولا عن شمال.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #746
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:08 AM
Parent: #701

مَنْ يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ..سنة لا تتخلف أبدا
المقصود بالسُّنَّة هنا: القانون العام الذي يحكم أفعال البشر وسلوكهم ، ويتسم هذا القانون بالثبات والاطراد، ويدل على اطراده أن الله تعالى قصّ علينا قصص الأمم السابقة وما حلّ بها لنتعظ ونعتبر، قال تعالى : { وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلا سُنَّةَ الأوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلا} (سورة فاطر الآية 43 ).

قال العلامة السعدي (المتوفى: 1376هـ) في تفسيرها : فمكرهم إنما يعود عليهم، وقد أبان الله لعباده ، أنهم – أي أهل الباطل - كذبة في ذلك مزورون، فاستبان خزيهم، وظهرت فضيحتهم، وتبين قصدهم السيئ، فعاد مكرهم في نحورهم، ورد الله كيدهم في صدورهم. فلم يبق لهم إلا انتظار ما يحل بهم من العذاب، الذي هو سنة الله في الأولين، التي لا تبدل ولا تغير، أن كل من سار في الظلم والعناد والاستكبار على العباد، أن يحل به نقمته، وتسلب عنه نعمته، فَلْيَتَرَّقب هؤلاء، ما فعل بأولئك. انتهى كلامه رحمه الله.

ويتصف هذا القانون أيضا بالعموم أي يسري حكمه على الجميع دون محاباة ولا تمييز ، قال تعالى : {لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ } (سورة النساء من الآية 124), والمعنى: لَيْسَ الأمر بالأماني التي هي أحاديث النفس المجردة عن العمل ، ولكن من يعمل سوءاً يلق جزاءه ؛ لأن الجزاء - بحسب سنّة الله تعالى- أثر طبيعي للعمل لا يتخلف عنه . وبناء عليه فمجرد الانتساب إلى أي دين كان، لا يفيد شيئا إن لم يأت الإنسان ببرهان على صحة دعواه، فالأعمال تصدق الدعوى أو تكذبها .

ومن السنن الإلهية في الناس قوله تعالى {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: 18] ومعناها: مَنْ أراد الله إهانته فلن يُكرمه أحد، لا بنصرته ولا بالشفاعة له، فلا كرامة إلا بإكرام الله، ولا عزة إلا بعزة الله، لأن الأمور كلها بيده ، وهذا النص جزء من آية كريمة تسمى آية سجود المخلوقات ، وقد أكثر ابن القيم رحمه الله من الاستشهاد بهذا النص على عقوبة وآثار الذنوب والمعاصي في أكثر من موضع من كتابه الداء والدواء ، المسمى أيضا الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ،وقد جاءت هذه المواضع متناثرة ، وهَا أَنَا ذَا أجمعها لإخواني القراء مع بعض الزيادات والتوضيحات ، ولكن قبل أَنْ أسوقها أذكرك أخي القارئ بأَنَّ من كبائر الذنوب : الكذب والافتراء والبهتان و الكبر و الظلم و الفساد وقتل النفس بغير حق . وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التفريق بين البهيمة ووليدها ، ورأى أطفالا يلعبون بعصفور صغير و أُمُّهُ تحاول أنْ تأخذه منهم فقال النبي للصبية: "من فجع هذه بولدها؟ ردوا عليها ولدها" !!.

والآن إِلى كلام ابن القيم رحمه الله :

- من آثار الذنوب والمعاصي: أَنَّهُ ينسلخ من القلب استقباحها، فتصير له عادة، فلا يَسْتَقْبِحُ مِنْ نَفْسِهِ رؤية الناس له، ولا كلامهم فيه. وهذا عند أرباب الفسوق هو غاية التهتك وتمام اللذة، حتى يفتخر أحدهم بالمعصية، ويحدث بها من لم يعلم أنه عملها،.وهذا الضرب من الناس لا يعافون، وتسد عليهم طريق التوبة، وتغلق عنهم أبوابها في الغالب.

- ومنها: أَنَّ كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل. فالعلو في الأرض بالفساد، ميراث عن قوم فرعون. والتكبر والتجبر ميراث عن قوم هود. فالعاصي لابس ثياب بعض هذه الأمم، وهم أعداء الله.

- ومنها: أَنَّ المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه. قال الحسن البصري: هانوا عليه فعصَوه، ولو عزّوا عليه لَعَصَمهم، وإذا هان العبد على الله لم يكرمه أحد، كما قال الله تعالى: {ومن يهن الله فما له من مكرم} ، وفي الحديث: " وَجُعِلَ الذُّلُّ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي". وإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ في الظاهر لحاجتهم إليهم أو خوفا من شرهم، فهم في قلوبهم أحقر شيء وأهونه.

- ومنها : أَنْ يرفع الله عز وجل مهابته ـ أي العاصي ـ من قلوب الخلق، ويهون عليهم، ويستخفون به، كما هان عليه أمره واستخف به، فعلى قدر محبة العبد لله يحبه الناس، وعلى قدر خوفه من الله يخافه الخلق، وعلى قدر تعظيمه لله وحرماته يعظمه الناس، وكيف ينتهك عبد حرمات الله، ويطمع أن لا ينتهك الناس حرماته أم كيف يهون عليه حق الله ولا يهونه الله على الناس؟ أم كيف يستخف بمعاصي الله ولا يستخف به الخلق؟ وقد أشار سبحانه إلى هذا في كتابه عند ذكر عقوبات الذنوب، وأنه أركس أربابها بما كسبوا، وغطى على قلوبهم، وطبع عليها بذنوبهم، وأنه نسيهم كما نسوه، وأهانهم كما أهانوا دينه، وضيعهم كما ضيعوا أمره، ولهذا قال تعالى في آية سجود المخلوقات له: {ومن يهن الله فما له من مكرم} [سورة الحج: 18].

- ومنها: أَنَّ غيره من الناس والدواب يعود عليه شؤم ذنبه، فيحترق هو وغيره بشؤم الذنوب والظلم. فلا يكفيه عقاب ذنبه، حتى يلعنه من لا ذنب له. وكان أبو هريرة يقول: إن الْحُبَارَى لتموت في وكرها من ظلم الظالم. والْحُبَارَى نوع من الطيور ،قال ذلك حين سمع رجلاَ يقول: إن الظالم لا يضر إلا نفسه. وقالها مرة أخرى حين سمع آخر يقول: كل شاة معلقة برجلها.

- ومنها: أَنَّ المعصية تورث الذل ولابد؛ لذا كان من دعاء بعض السلف: اللهم أعزني بطاعتك ولا تذلني بمعصيتك. قال الحسن البصري: إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهَملَجَتْ بهم البراذين، إنَّ ذل المعصية لا يفارق قلوبهم، أبى اللهُ إلا أن يُذِلَّ من عصاه. ومعنى الهملجة: أي حسن سير الدابة في سرعة وبخترة. والبراذين من الخيل: ما كان من غير نتاج العرب.

- ومن عقوباتها: أنها تعمي بصيرة القلب، وتطمس نوره، وتسد طرق العلم، وتحجب مواد الهداية. وقد قال مالك للشافعي لمّا اجتمع به: إني أرى الله قد ألقى على قلبك نورًا، فلا تطفئه بظلمة المعصية. ولا يزال هذا النور يضعف ويضمحلّ، وظلام المعصية يقوى، حتى يصير القلب في مثل الليل البهيم. فكم من مَهْلكٍ يسقط فيه، وهو لا يبصره ، كأعمى خرجِ بالليل في طريق ذات مهالك ومعاطب. فيا عزّةَ السلامة، ويا سرعةَ العطب! ثم تقوى تلك الظلمات، وتفيض من القلب إلى الجوارح، فيغشى الوجهَ منها سوادٌ بحسب قوتها وتزايدها !!.

- ومن عقوباتها: أنها تجعل صاحبَها من السِّفْلة بعد أن كان مُهَيًّأ لأن يكون من العِلْية. فإنّ الله خلق خلقَه قسمين: عِلية وسِفلة، وجعل أهل طاعته أكرمَ خلقه عليه، وأهلَ معصيته أهونَ خلقه عليه ، وجعل العزّة لهؤلاء ، والذلّة والصغار لهؤلاء. فكلّما عمل العبد معصيةً نزل إلى أسفل درجة، ولا يزال في نزول حتى يكون من الأسفلين. وكلّما عمل طاعة ارتفع بها درجة، ولا يزال في ارتفاع حتى يكون من الأعلَين. وها هنا أمر وهو أنّ العبد قد ينزل نزولًا بعيدًا أبعدَ مما بين المشرق والمغرب ومما بين السماء والأرض، فلا يفي صعودُه ألفَ درجة بهذا النزول الواحد، كما في الصحيح : "إنّ العبد لَيتكلّم بالكلمة الواحدة، لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في النار أبعدَ مما بين المشرق والمغرب".

فأيُّ صعود يوازي هذه النَّزْلَةَ ؟.انتهى كلام ابن القيم ملخصا ومرتبا ، اللهم ياعزيز لا تذلنا بين خلقك ولا بين يديك ، آمين.
اسلام ويب ( أحمد عبد المجيد مكي )

Post: #747
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:10 AM
Parent: #701

الجنة دار النعيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الحديث عن الجنة من أعظم أسباب الاستقامة وصلاح القلوب ، والحديث عن الجن لا يُمل ، وكيف يمل الحديث عن دار بناها الله بيده ، وجعلها مقرا لأحبابه ، وملأها من رحمته وكرامته ورضوانه ، ووصف نعيمها بالفوز العظيم ، ومُلكها بالملك الكبير ، وأودعها جميع الخير بحذافيره ، أهلها يحيون فلا يموتون ، وينعمون فلا يبأسون ، ويشبون فلا يهرمون ، ويصحون فلا يمرضون؟.

وهل أقض مضاجع العابدين ، وأسهر ليل المتقين ، وأرَّق الصالحين إلا خوفهم أن يُحرموا دخولها؟ وهل عاش الأنبياء والمرسلون وأتباعهم من المؤمنين إلا وهم يسألون الله الجنة؟.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم لرجل " كيف تقول في الصلاة؟ " قال: أتشهد ، وأقول: اللهم إني أسألك الجنة وأعوذ بك من النار، أما إني لا أحسن دندنتك ولا دندنة معاذ. فقال صلى الله عليه وسلم: " حولها ندندن ".
إنها الجنة عظيمة في اتساعها أنيقة في بنائها عجيبة في منازلها ودرجاته.

أما اتساعها فيدل على عظمته قول الله تعالى: { سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (21) } ( الحديد ).
وقوله تعالى: { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) } (آل عمران ).

وإليك هذه الأحاديث التي تبين لك سعة الجنة:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنَّ في الجنَّةِ مائةَ درجةٍ ، أعدَّها اللهُ للمجاهدين في سبيلِ اللهِ ، ما بين الدَّرجتَيْن كما بين السَّماءِ والأرضِ...".

وأعجب من ذلك ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن نصيب آخر رجل يدخل الجنة فقال: " آخرُ مَن يدخلُ الجنَّةَ ، رجلٌ يمشي على الصِّراطِ ، فهوَ يمشي مرَّةً ، ويكبو مرَّةً ، وتسفعُهُ النَّارُ مرَّةً ، فإذا جاوزَها التفتَ إليها ، فقال : تباركَ الَّذي نجَّاني منكَ ، لقد أعطاني اللهُ شيئًا ما أعطاهُ أحدًا مِن الأوَّلينَ والآخرينَ ، فتُرْفَعُ لهُ شجرةٌ ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدْنِنِي مِن هذهِ الشَّجرةِ فلأستَظِلَّ بظِلِّها ، وأشربَ مِن مائِها ، فيقولُ اللهُ : يا ابنَ آدمَ لعلِّي إن أعطيتُكَها سألْتَنِي غيرَها ؟ فيقولُ : لا يا ربِّ ، ويُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فيستَظِلَّ بظلِّها ، ويشربَ من مائِها ، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ أُخرَى ، هيَ أحسنُ مِن الأُولَى ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدْنِنِي من هذهِ ، لأشربَ من مائِها ، وأستَظِلَّ بظلِّها ، لا أسألُكَ غيرَها ! فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهِدْني أن لا تسألَني غيرَها ؟ فيقولُ لعلِّي إن أدنَيتُكَ منها تسألْني غيرَها ؟ فيُعاهدُهُ أن لا يسألَهُ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فيستَظِلَّ بظلِّها ، ويشربَ من مائِها ، ثمَّ تُرْفَعُ لهُ شجرةٌ عندَ بابِ الجنَّةِ ، هيَ أحسنُ من الأُوليَيْنِ ، فيقولُ : أيْ ربِّ ! أَدْنِنِي مِن هذهِ ، فلأستَظِلَّ بظلِّها ، وأشربَ من مائِها ، لا أسألُكَ غيرَها ! فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ألَم تُعاهدْني أن لا تسألَني غيرَها ؟ قال : بلَى يا ربِّ ، أدْنِنِي مِن هذهِ لا أسألُكَ غيرَها ، وربُّهُ يعذرُهُ ، لأنَّهُ يرَى ما لا صبرَ لهُ عليهِ ، فيُدنيهِ منها ، فإذا أدناهُ منها سمِعَ أصواتَ أهلِ الجنَّةِ ، فيقولُ : أيْ ربِّ أدخِلْنِيها ، فيقولُ : يا ابنَ آدمَ ما يَصريني منكَ ؟(أي يقطع المسألة بيني وبينك) أيُرضيكَ أن أُعطيَكَ الدُّنيا ومثلَها معها ؟ فيقولُ : أيْ ربِّ أتستَهزئُ منِّي وأنتَ ربُّ العالمينَ ؟ فيقولُ : إنِّي لا أستَهزئُ منكَ ولكنِّي على ما أشاءُ قادرٌ".

و حين تقرأ هذا الحديث أو تسمعه قد يرد على ذهنك سؤال مهم:
إذا كان هذا نصيب آخر رجل يدخل الجنة، فكيف يكون نصيب أعلاهم منزلة؟
هذا السؤال سأله نبي الله موسى عليه السلام وكان الجواب من الله تعالى: " أولئك الذين أردت غرست كرامتهم بيدي وختمت عليها . فلم تر عين ولم تسمع أذن ولم يخطر على قلب بشر" . قال:"ومصداقه في كتاب الله عز وجل : { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين } (السجدة / من الآية - 17 ).

نعم إن الجنة لواسعة جدا حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " في الجنَّةِ خَيمةٌ من لؤلؤةٍ مجوَّفةٍ . عرضُها ستُّونَ ميلًا . في كلِّ زاويةٍ منها أَهلٌ . ما يرونَ الآخرينَ . يطوفُ عليهِمُ المؤمنُ".

هذه الخيمة فما بالك بالقصر؟

وقال صلى الله عليه وسلم: " إنَّ في الجنَّةِ لشجرةً ، يسيرُ الرَّاكبُ في ظلِّها مائةَ عامٍ لا يقطعُها".

وأبواب الجنة عظيمة تدل على مدى سعة الجنة ، فقد خطب عتبة بن غزوان رضي الله عنه فقال: " ولقد ذُكر لنا أنَّ ما بين مِصراعَين من مصاريعِ الجنةِ مسيرةُ أربعين سنةً . وليأتينَّ عليها يومٌ وهو كظيظٌ من الزحامِ".

فإذا عرفت أن مسيرة اليوم والليلة تعادل 75 كيلو متر تقريبا فإن عرض باب من أبواب الجنة يزيد على مليون كيلو متر ، وللجنة ثمانية أبواب .

أما بناؤها فإنه لا يخطر على بال فقد سأل بعض الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن بناء الجنة فقال: " لبِنةٌ من فضَّةٍ ولبنةٌ من ذَهَبٍ ، وملاطُها المسكُ الأذفرُ ، وحصباؤُها اللُّؤلؤُ والياقوتُ ، وتُربتُها الزَّعفرانُ مَن دخلَها ينعَمُ ولا يبأسُ ، ويخلدُ ولا يموتُ ، لا تبلَى ثيابُهُم ، ولا يفنى شَبابُهُم...".

سبحان الله ما أعجب هذا البناء وأحسنه ، لبنة من فضة ولبنة من ذهب والطين الذي يوضع بينهما من المسك الخالص ، والحصى على الأرض الياقوت واللؤلؤ ، لكن لم العجب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر". قال النبي صلى الله عليه وسلم: " فاقرءوا إن شئتم: { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون}".
لحديثنا بقية إن شاء الله ، نسأل الله أن يدخلنا الجنة بغير حساب ولا عذاب.
والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #748
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:13 AM
Parent: #701

ثلاثية .. العجز والكسل والوهن
العجز هو وجود إرادة للفعل مع عدم وجود قدرة لإنجازه، أما الكسل فهو انتفاء تلك الإرادة .. فأي فعل هو اجتماع الإرادة مع القدرة، فالإنسان إذا توافرت له الإرادة، فقد خرج من دائرة الكسل، فإذا كان عنده القدرة فقد خرج من دائرة العجز .

وإذا أصيب المرء بالعجز والكسل؛ فاغسل يديك منه .. فالكسل يُفوِّت علينا الفرص التي يصعب تعويضها، ويحرمنا من تحقيق ما نرغب فيه، وبالكسل تتراكم الأعمال حتى يصل المرء إلى العجز عن القيام بها، ومن بذر بذرة «لَيْتَ»، نبتت له شجرة «لعل»، يقطف فيها ثمر «الخيبة والندامة» .. قال الإمام الراغب رحمه الله: "من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى".

ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فَقَدَ الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق.
ولقد ذم الله تعالى الكسل، فقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنفِرُواْ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38 – 39].
بل عد سبحانه الكسل من صفات المنافقين، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً} [النساء: 71 – 72].
وعن أنس - رضي الله عنه – قال –صلى الله عليه وسلم-: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل، والبخل والجبن، وضلع الدين وغلبة الرجال» [متفق عليه].

للطب رأي
من طريف الدراسات الطبية عن الكسل، ما أثبتته دراسة جديدة أن الكسل أكثر خطورة من التدخين، بعد أن تبين أن عدد من يقضي عليهم الكسل في (هونج كونج) أكبر من عدد من يقضي عليهم التدخين. وأظهرت الدراسة التي أجريت على سكان (هونج كونج) الذين توفوا في عمر يزيد عن 35 عاما عام 1998 أن عدم القيام بأي نشاط بدني أدى إلى وفاة أكثر من 6400 شخص في العام، مقارنة بأكثر من 5700 شخص توفوا بسبب التدخين.

وجاء في الدراسة التي نشرتها صحيفة (ساوث تشاينا مورننغ بوست) أنه تم توجيه الأسئلة لأقارب حوالي 24079 شخصا توفوا عام 1998 حول قيام المتوفين بأية نشاطات بدنية خلال العقد الذي سبق وفاتهم. ونقلت الصحيفة عن البروفيسور (لام تاي هينج) رئيس قسم صحة المجتمع في جامعة (هونج كونج) الذي أشرف على الدراسة: "لقد حسبنا أن حوالي 20% من الوفيات التي حدثت لأشخاص في هونج كونج بعد سن 35 عاماً يمكن أن تعزى إلى عدم قيامهم بأي نشاط بدني. ويصل ذلك إلى 6450شخصاً".

وأضاف أن الوفيات التي سببها الكسل تفوق تلك التي سببها التدخين والتي وصلت إلى 5270( عام 1998)، وتبين للباحثين أن خطر وفاة البالغين الذين لا يمارسون الرياضة بسبب الإصابة بالسرطان ترتفع بنسبة 45% عند الرجال و 28% عند النساء.
بل إن التغلب على الكسل أولى خطوات الوقاية من الاكتئاب والتوتر لأنها ترفع قدرة الإنسان على المقاومة النابعة من سعادته، وإحساسه بالقدرة على الخروج من الدوائر الصغيرة، وأنه قادر على هزم الحصار الروتيني حوله، وبالتالي الانتصار على الأمراض.

الطريق من هنا
• من الطبيعي أنه قد تمر على الإنسان أحوال يفتر فيها عزمه، وتخور قواه النفسية، ويحتاج إلى تجديد العزم، وشحذ الهمة، وإنعاش الأمل في غدٍ أفضل، وسيجد ما يبحث عنه في حسن التوكل على الله، والترحال بين الأفكار والبلدان، وتشارك الهموم مع من يهتم به.
• لكل نفس آلية خاصة لإدارة ذاتها، فابحث لنفسك عن آلية تجابه الوهن، وبإدارتك الناجحة لنفسك تكون قادراً على تخطي حواجز الوخم، وقمع الكسل وهنيئاً لك.

• ابحث عن أهداف مقنعة وابنِ حياتك حولها .. يمكن للعديد من العوامل أن تُسهم في كَسَلك. لكن يبقى النقص في الرغبة للإنجازات أهم العوامل التي تثبط عزيمتك. فإذا لم تكن تتحرك باتجاه شيء يثيرك، فمن الصعب أن تعزز جهودك، وتتغلب على كسلك.

• الحل يبدأ بما نسميه «البداية الصغيرة» حتى لا نقول كلاما كبيرا يؤدي إلى مزيد من الإحباط.. البداية الصغيرة تعني أن تختار من أعمالك المتراكمة عملاً واحدا.. هكذا بالتحديد عملا واحدا، وليس أكثر، ثم تحدد ساعتين يوميا -أيضا ساعتين فقط - ولا تستصغر الساعتين أو العمل الواحد .. وتبدأ في وضع خطة زمنية لإنجاز هذا العمل، ولنفرض أنه سيحتاج إلى عشر ساعات، فيكون المطلوب هو خمسة أيام لإنجازه.
وهكذا حتى يتم إنجاز العمل الأول، فتنتقل بهدوء إلى عمل ثان أكبر قليلا، بعدد ساعات أكبر في اليوم، بعدد أيام أكبر، بنفس الطريقة السابقة....وهكذا إلى عمل ثالث ورابع.

بهذه الطريقة ستجد أن حياتك ستنظم ووقتك سيرتب، لأنك ستتعود هذا الأسلوب في الإنجاز الهادئ المتدرج المنظم، ولا تنظر إلى أعمالك المتراكمة وتقول: ماذا ستفعل ساعتان في إنجاز كل هذه الأشياء؟ فالحقيقة الآن أنك لا تنجر شيئا على الإطلاق، ولا تحصل أي دقيقة عمل، وحياتك كلها غير منظمة.. فلننظم جزءًا من حياتنا، ولنبدأ بداية صغيرة، وبعدها سننظم حياتنا كلها، وسننجز كل أعمالنا بإذن الله تعالى.

• من قال إن حياتنا يجب أن تكون مقصورة فقط على ما نحب؟! وهل إذا جاء يوم رأيت فيه أن في صلاة الفجر ثقلا عليك ستتملص منها؟ أم أنك ستجاهد نفسك للقيام بما هو مطلوب منك مرة بحب، ومرة من منطلق الالتزام.

• الشفافية ومراجعة النفس ومتابعة التطورات في الحياة جهد مهم، ولابد أن ينال فاعله عظيم المثوبة.

• ندب الحظ والتولول على النفس طريقة قديمة يتقنها الكسالى بكل احتراف، فلابد إذاً من صياغة النفس لمقاومة ودمغ التثاؤب أو الشعور به.

• ينبغي أن نسقط العبارات التالية من قاموس حياتنا:
o لقد فاتني القطار!
o لم يعد في العمر متسع.. لقد شخت وتعذّر القيام بذلك.
o ما فائدة العمل الآن.. لقد ضاعت فرص كثيرة.. إنّ الحظّ يعاكسني دائماً.
o لقد سبقني إلى ذلك كثيرون.. لم يعد لي مكان.
o جرّبت وفشلت لا داعي لتكرار التجربة.
علينا أن نستبدل تلك العبارات بالعبارة التالية: «هناك دائماً وقت للعمل قبل الموت».

• اجعل قلبك دائم الثأر من عدوه الذي يستحثه على الخمول .. أيقظ في داخلك نداء الانتباه والنشاط، ولا تتنازل عن تثبيت دعائمه، وإياك أن تُبقى خزانة أعمالك وإنجازاتك فارغة.

• من الحالات التي قد يصاب بها المرء بعد إنجازه للأعمال - وخصوصاً تلك التي يبذل فيها جهداً كبيراً- الفتور والتراخي عن مواصلة بذل الجهد، وبالتالي الوقوع في الفراغ، والانخداع بالوقت. وهذه من الحالات التي ينبغي للجادين الانتباه إليها، لتلافي الوقوع في براثنها.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #749
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:15 AM
Parent: #701

إنها الجنة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:
فعن حنظلة رضي الله عنه قال: لقِيني أبو بكرٍ فقال : كيف أنت يا حنظلةُ ؟! قلت : نافق حنظلةُ . قال : سبحان اللهِ ! ما تقول ؟ قلتُ : نكون عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . يُذكِّرنا بالنار والجنةِ . حتى كأنا رأي عَينٍ . فإذا خرجنا من عند رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ، عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ . فنسِينا كثيرًا . قال أبو بكرٍ : فواللهِ إنا لنلقى مثل هذا! . فانطلقتُ أنا وأبو بكرٍ ، حتى دخلْنا على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ . قلتُ : نافق حنظلةُ يا رسولَ اللهِ ! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: " وما ذاك ؟ " قلتُ : يا رسولَ اللهِ ! نكون عندك ، تُذكِّرُنا بالنارِ والجنةِ . حتى كأنا رأى عَينٍ . فإذا خرجْنا من عندِك ، عافَسْنا الأزواجَ والأولادَ والضَّيعاتِ . نسينا كثيرًا . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: " والذي نفسي بيده ! إن لو تدومون على ما تكونون عندي ، وفي الذِّكر ، لصافحتْكم الملائكةُ على فُرشِكم وفي طرقِكم . ولكن ، يا حنظلةُ ! ساعةٌ وساعةٌ ". ثلاثَ مراتٍ.(رواه مسلم).

فانظر كيف أن الصحابي الجليل حنظلة رضي الله عنه يخبر أنهم حين يسمعون حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الجنة فكأنهم يرونها ، ولعل هذا ما يفسر استهانتهم بأي شيء من حطام الدنيا إذا كان الثمن الجنة.
لقد استشعر الصحابة رضي الله عنهم غلو السلعة المعروضة عليهم فبذلوا في سبيلها النفوس والأموال والأوقات والراحة ، وآثروا هذه الجنة على كل شيء.

ولهذا فإن من أهم أدوية القلوب وأسباب إزالة الغفلة عنها التذكير بالجنة ونعيمها ، وهذا هو المسلك الذي سلكه النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته ، وهذا ما أخبرت به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: (إنما نزل أول ما نزل منه سورة من المفصل فيها ذكر الجنة والنار حتى إذا ثاب الناس إلى الإسلام نزل الحلال والحرام ، ولو نزل أول شيء لا تشربوا الخمر لقالوا : لا ندع الخمر أبدا ، ولو نزل لا تزنوا لقالوا : لا ندع الزنا أبدا ، لقد نزل بمكة على محمد صلى الله عليه وسلم وإني لجارية ألعب :{بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر} وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده).

وقد وجدنا أثر هذه التربية في حياة الصحابة رضي الله عنهم ، فحين تنظر إلى ربيعة بن كعب الأسلمي وهو شاب يبلغ ثمانية عشر عاما ، لا يجد ما يؤيه سوى مسجد الرسول وليس عنده من الدنيا شيء فقد كان من أهل الصُّفة وهو يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فيسأله النبي صلى الله عليه وسلم: "سلني" فقال : مرافقتَكَ في الجنَّةِ ، قالَ: "أوَ غيرَ ذلِكَ". قال: هوَ ذاكَ، قالَ: "فأعنِّي على نفسِكَ بِكثرةِ السُّجودِ".

أتصور لو إنسانا آخر في مثل حال هذا الشاب لطلب شيئا من الدنيا كبيت أو زوجة أو وظيفة ، لكنه تفكر فوجد أن الجنة لا يعدلها شيء وهي باقية لا تفنى ، وهل هذا إلا نتاج تربية؟!.

ثم انظر إلى هذه المرأة التي كانت تصرع فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ لي، قال : " إن شِئتِ صبرتِ ولك الجنَّةُ، وإن شِئتِ دعَوتُ اللهَ أن يُعافيَكِ " . فقالتْ : أصبِرُ، فقالتْ : إني أتَكَشَّفُ، فادْعُ اللهَ أنْ لا أتَكَشَّفَ، فدَعا لها.
عند المقارنة بين الجنة وغيرها لا يوجد مجال للتفكير ولا للمقارنة فالاختيار هو الجنة.

بل انظر إلى أصحاب بيعة العقبة الثانية حين اشترط عليهم النبي صلى الله عليه وسلم شروطا شديدة حيث قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تبايعُوني على السَّمعِ والطاعةِ في النَّشاطِ والكسلِ والنفقةِ في العُسرِ واليُسرِ ، وعلى الأمرِ بالمعروف والنهي عنِ المنكرِ ، وأن تقولوا في اللهِ لا تخافون في اللهِ لومةَ لائمٍ ، وعلى أن تنصُروني فتمنعُوني إذا قدمتُ عليكم مما تمنعون منه أنفسَكم وأزواجَكم وأبناءَكم ولكم الجنَّةُ " فقاموا إليه فبايعوه وأخذ بيده أسعدُ بنُ زُرارةَ وهو من أصغرِهم فقال : رُويدًا يا أهلَ يثربَ فإنا لم نضربْ أكبادَ الإبلِ إلا ونحن نعلمُ أنه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وأنَّ إخراجَه اليومَ مفارقةُ العربِ كافَّةً ، وقتلُ خيارِكم ، وأنْ تعضَّكم السُّيوفُ ، فإما أنتم قومٌ تصبرون على ذلك وأجرُكم على اللهِ ، وإما أنتم قومٌ تخافون من أنفسِكم جبينةً فبيِّنوا ذلك فهو عذرٌ لكم عند اللهِ ، قالوا : أمِطْ عنا يا أسعدُ ؛ فواللهِ لا ندعُ هذه البيعةَ أبدًا ولا نُسلبَها أبدًا ، فقاموا إليه فبايعوه فأخذ عليهم وشرطَ ويُعطيهم على ذلك الجنةَ.

وانظر إلى عبد الله بن رواحة رضي الله عنه وهو ذاهب للقتال في سبيل الله تعالى ، ماذا يريد؟ وبماذا يرد على الناس حين قالوا له ولمن معه من الجيش : صحبكم الله ودفع عنكم ، وردكم إلينا صالحين؟ فقال عبدالله بن رواحة :
لكنني أسأل الرحمن مغفرة * وضربة ذات فرغ تقذف الزبدا

أو طعنة بيدي حران مجهزة * بحربة تنفذ الأحشاء والكبدا

حتى يقال إذا مروا على جدثي * أرشده الله من غاز وقد رشدا

ولما تولى إمرة الجيش عقر ناقته وقاتل حتى قتل وكان يقول:

يا حبذا الجنة واقترابها * طيبة وبارد شرابها

وانظر إلى عمير بن الحمام رضي الله عنه حين كان في الصف يوم بدر والنبي صلى الله عليه وسلم يحرض المؤمنين على القتال ويقول: "قوموا إلى جنةٍ عرضُها السماواتُ والأرضُ " فيقول عُمَيرُ بنُ الحمامِ الأنصاريُّ : يا رسولَ اللهِ ! جنةٌ عرضُها السماواتُ والأرضُ ؟ قال " نعم" قال : بخٍ بخٍ . فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما يحملك على قولِك بخٍ بخٍ " قال : لا واللهِ يا رسولَ اللهِ إلاَّ رجاءةَ أن أكون من أهلِها . قال: " فإنك من أهلِها " فأخرج تمراتٍ من قرنِه (أي جيبه) . فجعل يأكل منهنَّ . ثم قال : لئن أنا حَييتُ حتى آكلَ تمراتي هذه ، إنها لحياةٌ طويلةٌ . فرمى بما كان معه من التمرِ . ثم قاتل حتى قُتِلِ .
فحين يسمعون عن الجنة لا يصبرون بل يبذلون كل ما يستطيعون للفوز بها.

وعجيب أمر بي الدحداح رضي الله عنه وأمر زوجته فقد تعلقوا بالجنة تعلقا عجيبا يدل عليه ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين قال: إنَّ رجلًا قال يا رسولَ اللهِ إنَّ لفلانٍ نخلةً وأنا أُقيمُ نخلي بها فمُرْه أن يعطيَني إياها حتى أُقيم حائطي بها، فقال له النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : "أَعْطِها إياه بنخلةٍ في الجنةِ " فأبى، وأتاه أبو الدَّحداحِ فقال: بِعْني نخلَك بحائطي ( أي بستانه)قال:ففعل ، قال: فأتى النبي صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: يا رسولَ اللهِ إني قد ابتعتُ النخلةَ بحائطي فاجعلْها له فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : "كم من عَذقٍ دوَّاحٍ لأبي الدَّحداحِ في الجنةِ "مِرارًا ، فأتى امرأتَه فقال : يا أمَّ الدَّحداحِ اخرُجي من الحائطِ فإني بعتُه بنخلةٍ في الجنةِ فقالت: قد ربحتِ البيعُ أو كلمةً نحوها.

وبستان أبي الدحداح كان به ستمائة نخلة بذلها كلها في مقابل نخلة في الجنة ، ورضيت بذلك امرأته واعتبرته بيعا رابحا وهو كذلك.
إنهم حين يجدون طريقا موصلا إلى الجنة التي تعلقت بها قلوبهم فإنهم يتسابقون ولا يتأخرون انظرلما ندب رسول الله المسلمين إلى الخروج إلى عير قريش فأسرعوا، قال خيثمة بن الحارث لابنه سعد: إنه لا بد لأحدنا من أن يقيم فآثرني بالخروج وأقم مع نسائك، فأبى سعد وقال: لو كان غير الجنة آثرتك به؛ إني أرجو الشهادة في وجهي هذا، فاستهما فخرج سهم سعد فخرج مع رسول الله إلى غزوة بدر فاستشهد يومئذ.

أيها الحبيب إن الأمثلة كثيرة جدا وإنما أردنا فقط الإشارة إلى شدة تعلهم بالجنة وبذلهم في سبيل الفوز بها النفس والولد والمال.
فهل يشتاق قلبك إلى الجنة؟ وهل يحن إليها؟ وهل تؤثر أمر الله على هوى نفسك طلبا للجنة؟ وهل تقيم الفرائض وتجنب النواهي والمحرمات طمعا في الجنة؟

أخي كيف تعلقك بالجنة وماذا تعلم عن نعيمها؟.

نسأل الله الكريم أن يرزقنا الجنة بغير سابقة حساب ولا عذاب ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #750
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:18 AM
Parent: #701

إنها صيحة تحذير أطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الدنيا حلوةٌ خضرةٌ . وإن اللهَ مستخلفُكم فيها . فينظرُ كيف تعملون . فاتقوا الدنيا واتقوا النساءَ . فإن أولَ فتنةِ بني إسرائيلَ كانت في النساءِ"(رواه مسلم).

إن الله تعالى قد خلق الذكر والأنثى وجعل في كل منهما ميلا إلى الآخر، وشهوة وغريزة تجذبه إليه ، وقد جعل سبحانه الزواج هو الوسيلة المشروعة والمباحة لإشباع هذه الرغبة وقضاء الحاجة من الطرف الآخر ، قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (21)} (الروم).
وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (29) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (30) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (31)}(المعارج).

والفتنة بالمرأة من أعظم الفتن التي يتعرض لها الإنسان ، فحين تحدث القرآن عن الشهوات التي زينت للإنسان قال الله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}(آل عمران).
قال القرطبي رحمه الله تعالى: (قوله تعالى: "من النساء" بدأ بهن لكثرة تشوف النفوس إليهن؛ لأنهن حبائل الشيطان وفتنة الرجال. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء"(أخرجه البخاري ومسلم). ففتنة النساء أشد من جميع الأشياء).أ.هـ

وأكثر الناس إنما يؤْتَون من قبل الفتنة بالنساء ، وانظر إلى تفسير بعض السلف للضعف البشري الوارد في قوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا (28)} ( سورة النساء).
فقد قال طاووس رحمه الله في تفسيرها: أي ضعيفا في أمر النساء ، لا يكون الإنسان في شيء أضعف منه في النساء.
وقال سفيان الثوري رحمه الله تعالى: المرأة تمر بالرجل فلا يملك نفسه عن النظر إليها ، ولا ينتفع بها ، فأي شيء أضعف من هذا؟

دور الأعداء في إشعال فتنة النساء
لئن كان للشيطان حظ كبير من فتنة النساء وإغواء الرجال بهن ، فإن للأعداء دورا قد لا يقل خطرا عن دور الشيطان ، هذا الدور الذي حذر الله عباده المؤمنين منه فقال: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا } ( النساء : 27 ) ، قال مُجاهد رحمه الله في تفسيرِ هذه الآية : أن تكونوا مثلهم ، تزنُونَ كما يزنُون .
وأخبرنا الله سبحانه وتعالى عن محبتِهم لشيوع الفواحش فينا ، فتوعَّدَهُم قائلاً : {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }(النور : 19 ) .

(لقد أدرك أعداءُ هذا الدين عظيمَ أثر فتنة النِّساء ، ودورَها في سقوطِ الأُمَّةِ وانحلالها ، فكانَت قضيَّةُ المرأة الخنجرَ المسمومَ الذي طعنُوا به أُمَّةَ الإسلام ، فإذا بها تتغيَّرُ معالِمُها وتتشوَّهُ هويتُهَا حتى صارَ المُنكرُ معروفاً والمعروفُ مُنكراً ، وصارتِ النظرةُ الغربيَّةُ للمرأة : هي النظرة المثالية ، الدالة على المدنيَّةِ والرُّقِيِّ ، ورحمَ الله حَسَّانَ بن عَطِيَّةَ إذ قال : ( مَا أُتِيَت أُمَّةٌ قَطُّ إلا مِن قِبَلِ نِسَائِهِم) .
ولا يصعُب على من يعرف شريعة الله تعالى ، إذا نظر في أعمال هؤلاء الفُجَّار أن يستنتج أنَّهم عَمِلُوا على مُناقَضَةِ الشريعةِ ومُعاندَتِها شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع :

فبينما نادَت شريعة الحكيم الخبير بتحريم الزنا وجعلته جريمة من الجرائم الكُبرى التي تُوجِبُ أليمَ العقابِ ، جعلها هؤلاء من الحُرِّياتِ الشَّخصيَّة ، التي تتكفل قوانينهم بحمايَتِها.

وبينما سَمَّت الشريعةُ الفواحشَ قاذوراتٍ وأوساخ ، فقد سمَّاها هؤلاءِ علاقاتٍ عاطفيَّةً (رومانسيَّةً) ليخفَّ وقعُها على الأسماعِ .
وبينما جعلت الشريعةُ الحجابَ علامةَ الإيمانِ وسِمَةَ الطهارة وشعارَ العِفَّةِ والسترِ ، وجعلت التبرُّجَ كبيرةً وفاحشةً من أفعالِ الجاهليَّةِ ، جعلَ هؤلاء الحجابَ علامةَ التخلُّف والجُمُود والرجعيَّةِ ونعتُوه بأشنعِ الأوصاف ، وجعلوا التبرُّجَ تحضُّرَاً ورقياً ، وطائفةٌ منهم علِمَت مشقَّة طريق مُحاربة الحجابِ الشرعيِّ ، فمسختهُ في صُورةٍ تستهوي فتياتِ العصر ، وأملَوا لَهُنَّ : أنَّ الحجابَ لا يتعارضُ مع الأناقَةِ والجمالِ.

وبينَمَا حثَّتِ الشريعةُ على الزَّواجِ ويسَّرَت سُبُلَهُ ، وضعَ هؤلاء أمامَهُ الحواجِزَ ونصبُوا في طريقِه العراقيلَ ، فصارت سُبُل الزواجِ طويلةً وعرةً ، وسُبُل الزِّنَا والفاحشةِ مُذلَّلةً ميسورَةً .

وبينما جاءتِ الشريعةُ بتحريم النَّظرِ إلى النساء الأجنبياتِ ومُصافحتهنَّ والخلوةِ بهنَّ ، وتحريمِ الاختلاط المستهترِ بين الرِّجال والنساء ، جاء هؤلاء الفجار بكسرِ كُلِّ حاجزٍ بين الرِّجالِ والنساءِ ، فأشاعُوا الاختلاطَ في أماكنِ العملِ والجامعاتِ ، فيا لله كم من مجلسٍ بين شبابٍ وفتيات تعلو فيه الضحكات وتثارُ فيه الشهوات ، وكم من خلوة بين شابٍّ وفتاة تتبادل فيها المغازلات والقبلات ، ويُعصَى فيها ربُّ الأرض والسماوات ، وذلك كُلُّه تحت ستارِ التعليمِ الجامعيِّ المتحضر ، وربما انطلَى على بعضِ السُّذَّجِ أن هذا من الاختلاطِ الذي لا يمنعُه الشَّرعُ ، ولا شكَّ بأن من استحلَّ هذا النَّوع من الاختلاطِ لا يعرفُ الدينَ الذي جاءَ به محمدٌ صلى الله عليه وسلم .

وبينما حَرَصتِ الشريعةُ على خُمُود ذكرِ الفاحشة في المُجتمع ، وعُلُوِّ ذكر العفَّةِ والطهارةِ والفضيلةِ ؛ جيَّشَ هؤلاء وسائلَ الإعلام من فضائياتٍ ومواقعَ إلكترونيَّةٍ ومجلاتٍ لتزيين الفاحشَةِ وإشاعةِ الرذيلةِ حتى يصيرَ ذكرُهَا بل النظرُ إليها أمراً مألوفاً ، فتلك أفلامٌ ومسلسلاتٌ رومانسية تدعُو إلى العلاقات الجنسيَّة المُحرَّمةِ ، يتلقَّى الشبابُ والشابات منها دروساً في أساليبِ العُهرِ والفُجُور والإغراء ، وهذه أغاني العشقِ والغرام تخدِشُ حياء العفيفاتِ وتُنبِتُ النفاق في القلوب وحُبَّ الفاحشة والمحرمات ، ويصير دعاةُ الزنا من المغنيين والمغنيات والممثلين والممثلات نجوماً وأبطالاً وقُدُوات ! .

وبينما جاءت الشريعة بالحثِّ الأكيدِ على الغيرةِ على الأعراض ، وبذلِ الغالي والنفيسِ في سبيل صيانتِهَا ؛ عملِ هؤلاء الفُجَّارُ على وأدِ الغَيرةِ من قُلُوب الرِّجالِ ، حتى فشتِ الدِّياثةُ ، فالفتاة تخرجُ مُتطيِّبة متبرِّجَةً على مرأى أبيها وهو لا يُحرِّكُ ساكناً ، والزوجةُ صارت دُميةً يتباهى الرجل بجمالها وزينتها أمامَ أصحابِه ، وبعضُ من بلغت به الدياثةُ مبلغها يحاربُ ابنته أو زوجتَهُ إذا التزَمَتِ بالحجابِ الشرعيِّ ويمنعُهَا من الخُرُوج به .

وبالجملة : فإنَّ المسلم المعاصر لا يحتاجُ إلى مُكابدَةٍ وعناء ليعلم أنَّها حملَةٌ مسعورةٌ وحربٌ شعواء ، يقودُهَا إبليسُ وأولياؤه .
والسؤال الذي يطرح نفسه : لماذا كل هذا ؟!

والجواب : أن المصدرَ الرئيس لقوة كل أُمَّةٍ هو في تميُّز هويتها عن سائرِ الأمم ، وهؤلاءِ يُريدُون منَّا – كما قال مجاهد رحمه الله – أن نكونَ مثلَهُم ، نزني كما يزنُون ، وإذا صِرنَا مثلَهُم لم تَعُد لنا هوية تُميِّزُنا عنهُم ، وضاعتِ أمتنا في دوامة الأُمَم الكافِرَة ، نعوذُ بحولِ الله وقوته من ذلك .

ثمَّ إن هؤلاء الكُفَّار يُدركُون أنَّ العمل على نشرِ الفواحش والفسقِ هو الوسيلةُ السهلةُ التي يستطيعون بها قيادة الأمة نحو ما يشاؤونَ من أهدافٍ ، كما قال قائلهم : " كأسٌ وغانيةٌ يفعلانِ بالأُمَّةِ المحمديَّةِ ما لا يفعلُه ألفُ مدفع ودبابةٍ ، فأغرِقُوها في حُبِّ المادة والشهوات " .
ويقول أحد حاخامات اليهود – عليهم لعائن الله المتتابعة إلى يوم القيامة – : " شعبُنَا محافظٌ مؤمن ولكن علينا أن نُشجِّعَ الانحلالَ في المُجتَمَعات غيرِ اليهودِيَّةِ فيعُمَّ الكُفرُ والفسادُ وتضعف الروابطُ المتينة التي تعتبر أهمَّ مقومات الشعوب فيسهل علينا السيطرةُ عليها وتوجيهها كيفما نريد) .( بشارة الشباب بما جاء في غض البصر من الثواب).

فهلا رجعنا إلى ديننا والتزمت نساؤنا شرع الله بالمحافظة على الحجاب والعفة وترك الاختلاط ، وهلا جعل الشباب بينهم وبين هذه الفتنة سياجا من الفضيلة والعفة يقي الأمة ويلات هذه الفواحش وعقوباتها؟!.

نسأل الله تعالى أن يحفظنا والمسلمين وأن يقينا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #751
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:20 AM
Parent: #750

«بطر النعمة» من أبشع أنواع البطر وأشدها على النفس وأسوءها عاقبة ومذمة، خاصة وأن صاحبه انقطعت عنه الحجة وسقطت منه المعذرة، فصدور العصيان ممن هو في غاية الإنعام أقبح القبائح وغاية الخسران، وقد كان الأولى بالمتنعمين لزوم عتبة الشكر والاستمساك بعروة الحمد، ولكنها النفس الدنيئة التي تعلقت بالدنيا واطمأنت لها حتى تناست يوم الجزاء.

قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ} [الواقعة:45] تعليلٌ لابتلائِهم بما ذُكِرَ من العذابِ أي إنَّهم كانُوا قبلَ ما ذُكِرَ من سُوءِ العذابِ في الدُّنيا منعّمينَ بأنواعِ النعمِ من المآكلِ والمشاربِ والمساكنِ الطيبةِ والمقاماتِ الكريمةِ منهمكينَ في الشهواتِ فلا جرمَ عُذبُوا بنقائضِها.[تفسير أبي السعود: 6/262].
قال السعدي أي: قد ألهتهم دنياهم، وعملوا لها، وتنعموا وتمتعوا بها، فألهاهم الأمل عن إحسان العمل، فهذا هو الترف الذي ذمهم الله عليه.[تفسير السعدي: 1/834].

وقال تعالى: {وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا} [المزمل: 11] النَّعْمَةِ: الترفُّه، فطلبُ اللذات والتنعُّم شَغَلهم عن التبتُّل حتى افترقت قلوبُهم وأرواحهم، وأشركوا مع الله غيره. [البحر المديد: 6/442]
قال ابن عاشور في التحرير والتنوير: توبيخا لهم بأنهم كذبوا لغرورهم وبطرهم بسعة حالهم، وتهديدا لهم بأن الذي قال {ذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ} سيزيل عنهم ذلك التنعم. وفي هذا الوصف تعريض بالتهكم، لأنهم كانوا يعدون سعة العيش ووفرة المال كمالا، وكانوا يعيرون الذين آمنوا بالخصاصة قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ، وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ}[المطففين: 29-30]،وجعلهم ذوي النعمة -المفتوحة النون- للإشارة إلى قصارى حظهم في هذه الحياة هي النعمة، أي الانطلاق في العيش بلا ضيق، والاستظلال بالبيوت والجنات، والإقبال على لذيذ الطعوم ولذائذ الانبساط إلى النساء والخمر والميسر، وهم معرضون عن كمالات النفس ولذة الاهتداء والمعرفة، قال تعالى: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً} [الفرقان:44].

والإنسان متى استرسل مع لذاته وشهواته ربما ارتكب من الحماقات ما هو أشبه بالجنون، وقديما قالوا: «إذا جاء الترف أصاب الحضارة التلف» .. ففي أوروبا نجد الأسبان قد أدمنوا ما يعرف بمصارعة الثيران حيث يبرزون شجاعتهم أمام ثيران ضخمة وخزا بالسيوف على مرأى ومسمع من جمعيات الرفق بالحيوان التي صدعونا بشعاراتها، بل للأسبان يوما في العام تجري الثيران في الشوارع والطرقات ويتعرض لها الشباب في مهرجان كارثي لا يثمر سوى آلاف الجرحى وربما القتلى، كما يحتفل الأسبان كل عام ولمدة أسبوع كامل بمهرجان الطماطم، حيث يتراشق أكثر من أربعين ألف شخص في مقاطعة «فالنسيا» بالطماطم فيتلفون في معاركهم الهزلية تلك نحوا من مائة طن منها.

وفي سويسرا مهرجان للبصل يقام في شهر نوفمبر من كل عام، يتفنن فيه المشاركون في تصميم أشكال فنية بديعة من البصل، وفي كافة الدول الأوروبية أقيمت فنادق للكلاب ومنهم من وهب ثروته لكلبه، وفي عالمنا العرب تسرب إلينا بعض الهوس بموسوعة الأرقام القياسية ولأننا لا باع لنا في دنيا العلوم والتكنولوجيا والاختراعات فصرنا نسمع أن أكبر طبق تبولة أو بقلاوة، وأكبر صينية كبة، وأكبر سلة فواكه، وأكبر قِدْرة فول وغيرها.

وإن تعجب فلك أن تعجب مما جاء في تقرير نشرته منظمة الأغذية والزراعة العالمية «فاو» أن الجفاف والحرب في شرق أفريقيا خلفا أكثر من عشرين مليون شخص وهم في حاجة ماسة للمعونات الغذائية الطارئة. وأضافت أن 6500 شخص يموتون يوميا في أفريقيا بسبب الجوع، وأن مائة مليون طفل يعاني من الجوع في هذه القارة الغنية بالثروات. ومن المفارقات التي أظهرها التقرير أن أعداد البدناء في العالم تجاوز الآن المليار نسمة، وهي نفس أعداد من يعانون من سوء التغذية!!.

ولذلك لم يذكر القرآن الكريم الترف إلا في موضع الذم، لأنه بريد الجحود قال تعالى: {بَلْ مَتَّعْتُ هَؤُلاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى جَاءَهُمُ الْحَقُّ وَرَسُولٌ مُبِينٌ وَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ} [الزخرف:26-30] {وَلَكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءهُمْ حَتَّى نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْماً بُوراً} [الفرقان:18].

فالإغراق في التنعُّم والتَّرف سبب لِنُزول بلاء الله وعقابه، والحرمان من النَّصر والظفر؛ {حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ} [المؤمنون: 64 – 65]، {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ} [الأنبياء: 11- 13].

وأصحاب الترف أصحب رأي معوج وحقائق مقلوبة ومنطق سقيم، فيستدلون بالنعمة على محبة الله لهم رغم معصيتهم وعنادهم، قال تعالى" {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلَادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ}[سبأ: 34 – 35] ولذلك رد الله عليهم: {قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَاء الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} [سبأ:36-37]
بل إنهم لا يقتصرون في غيهم على أنفسهم بل هم دعاة فتنة وخراب، قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً} [الإسراء:16].

وقال تعالى: {وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الْآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ وَلَئِنْ أَطَعْتُم بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَّخَاسِرُونَ أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ إِذَا مِتُّمْ وَكُنتُمْ تُرَاباً وَعِظَاماً أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً وَمَا نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ} [المؤمنون:33-38].

والترف داء الأمم على مر الزمان، وهو الداء العضال والمرض القتال، الذي يحول المرء إلى وحش كاسر لا هم له إلا شهوته ولذته، فتموت نخوته وتضمحل غيرته وتفتر همته، فإن استَشرى الترف في أُمَّة، ذهب بعزِّها، وأورثها كسلاً وخمولاً، ورُكونًا إلى الدنيا، ومحبَّة لها، وحِرصًا عليها، فلا يُرتجى منها نفعٌ، ولا يُنتظر منها دفاعٌ عن الحق. قال تعالى: {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ}[هود: 116].

ومن كنوز الوصايا النبوية قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إياك والتنعم فإن عباد الله ليسوا بالمتنعمين" [رواه أحمد]
ورغم أن الترف شيد على الغنى وبني على بحبوحة العيش لكنه ليس بلازم له، فكم من غني يتقي في ماله ربه ويصل به رحمه، وكم من فقير نهم لتحصيل الملذات وإن غرق في الديون أو امتدت يداه للحرام .. قال - صلى الله عليه وسلم-: "لا بأس بالغنى لمن اتقى والصحة لمن اتقى خير من الغنى وطيب النفس من النعيم". قال محمد بن كعب: الغني إذا اتقى آتاه اللّه أجره مرتين لأنه امتحنه فوجده صادقاً وليس من امتحن كمن لا يمتحن.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #752
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:22 AM
Parent: #701

النُّصْرَةُ بالضعفاء سَهْمٌ لا يُنْسَى وَوَعْدٌ لَا يَخِيبُ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فالنُّصْرَةُ : هي طلب النصر والعون. والأسباب التي يحصل بها النصر نوعان:
النوع الأول : أسباب مادية ملموسة, وهذا النوع هو المشار إِليه في قوله تعالى :{وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } أي: وَأَعِدُّوا لأعدائكم كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع الأسلحة والآلات ونحو ذلك مما يعين على قتالهم.

ويلاحظ أَنَّ هذا النوع هو الذي يغلب على قلوب أكثر الخلق, ويعلّقون به وحده حصول النصر والرزق, وفي هذا من قِصَرَ النظر وضعف الإيمان وقلّة الثقة بوعد الله وكفايته ما الله به عليم.
فالنصر ليس بكثرة عَدَدٍ ولا عُدَدٍ ، وإِنَّما هو بيد الله الواحد القهار، الذي يخذل مَنْ يريد خذلانهم مهما بلغوا مِنْ الكثرة والقوة، ، وفي هذا تنبيه لنا ألَّا نعتمد على الأسباب مهما بلغت ، فما هي الا طمأنينة للقلوب وتَثْبِيتًا لها على الخير والحق ، أَمَّا النصر الحقيقي الذي لا معارض له فهو من عند الله ، كما قال جل شأنه: {وَمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}.

ولهذا أدب الله عز وجل صحابة نَبِيِّهِ -وهم خيار الخلق- حين أُعْجِبَ بعضهم بكثرتهم في غزوة حنين حتى قال قائلهم: « لَنْ نُغْلَبَ اليوم عَنْ قِلَّةٍ »، فَوُكِلُوا إِلَى هذه الكلمة، فَكَانت الْهَزِيمَة فِي الِابْتِدَاءِ ، وفر معظم المسلمين من الميدان, واشتدت عليهم الأزمة حتى ضاقت عليهم الأرض- على رحبها وسعتها- ثم ولوا منهزمين، إِلَّا رسول الله فإِنَّه ثبت ولم يَفِرّ، وصمد ولم يتخاذل، بل كان يدعو ربه بدعائه الخاشع قائلا: « اللَّهُمَّ أَنْتَ عَضُدِي وَأَنْتَ نَصِيرِي بِكَ أَحُولُ وَبِكَ أَصُولُ وَبِكَ أقاتل »،
فلما زال الْعُجْبُ عن الصحابة وعرفوا ضعفهم، أنزل الله السكينة عليهم ، وأنزل جنودا من عنده يثبتونهم ويبشرونهم حتى تحقق النصر.

وأمّا النوع الثاني: فهو الأسباب المعنويّة, وهي قوّة التوكل على الله, وكمال الثقة به, وقوّة التوجّه إليه والطلب منه. وهذه الأمور تقوى جدّاً من الضعفاء العاجزين الذين ألجأتهم الضرورة إلى أن يعلموا حقّ العلم أنّ كفايتهم ورزقهم ونصرهم من عند الله, وأنّهم في غاية العجز, فتنكسر بذلك قلوبهم, وتتوجّه إلى الله ثقة فيه وطمعا في فضله وبرّه, ورجاء لما في يديه الكريمتين.
فيُنْزِل الله لهم من نصره ورزقه ما لا يدركه القادرون, بل وييسّر للقادرين بسببهم من أسباب النصر والرزق ما لم يخطر لهم ببال, ولا دار لهم يوما في خيال.

والسر في ذلك أَنَّ لِلَّهِ جنود السماوات والأرض ، جميعها في ملكه، وتحت تدبيره وقهره، وهي لفرط كثرتها لا يعلم حقيقتها و عددها و قدرتها الا هو سبحانه ، فهو وحده الذي يكشف عما يريد الكشف عنه من أمرها، في الوقت الذي يريد و بالطريقة والهيئة التي يريدها ، لذا فهي غيب ،كما قال تعالى : { وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ وَمَا هِيَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْبَشَرِ} (المدثر: 31).

وقد يَعْجَبُ الإنسان حين يعلم أَنَّ مِنْ هذه الجنود :الضعفاء والمرضي وذوي الاحتياجات الخاصة، ولولا ورود النصوص الصحيحة في ذلك لكان الأمر محور جدل وأخذ و رَدٍّ ، أسوق من هذه النصوص اثنين:

الأول : ما رواه الامام البخاري في كِتَاب الجِهَادِ وَالسِّيَرِ من صحيحه- بَاب: مَنِ اسْتَعَانَ بِالضُّعَفَاءِ وَالصَّالِحِينَ فِي الْحَرْب - عن مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: رَأَى سَعْد بن أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ لَهُ فَضْلًا عَلَى مَنْ دُونَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ".
أراد صلى الله عليه وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة .

والسؤال الذي قد يتبادر الى الذهن: ماهي المنزلة التي أراد سعد أَنْ يتميز بها عن إِخوانه؟
نجد الجواب شافيا و تتضح لنا الصورة كاملة حين نضم الروايات بعضها إِلى بعض ، ففي رواية الامام عَبْد الرَّزَّاقِ: قال سعد يا رسول الله: أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره؟ فَذَكَرَ الحديث، وعلى هذا فالمراد بالفضل -كما يقول الحافظ ابن حجر -إرادة الزيادة من الغنيمة ، فأعلمه صلى الله عليه وسلم أَنَّ سهام المقاتلة سواء، فإنْ كان القوي يترجح بفضل شجاعته فإِنَّ الضعيف يترجح بفضل دعائه وإخلاصه.
و الاستفهام في الحديث للتقرير، أي ليس النصر وإدرار الرزق إلا ببركتهم ، فأبرزه في صورة الاستفهام ليدل على مزيد التقرير والتوبيخ.

الثاني- ما رواه الامام أحمد و الترمذي عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَبْغُونِي ضُعَفَاءَكُمْ، فَإِنَّكُمْ إِنَّمَا تُرْزَقُونَ وَتُنْصَرُونَ بِضُعَفَائِكُمْ ".
ومعنى « أَبْغُونِي» أي اطْلُبُوا رِضَايَ فِي ضُعَفَائِكُمْ، وتقربوا إِلَيَّ بالتقرب إليهم وتفقد حالهم وحفظ حقوقهم والإحسان إليهم قولا وفعلا واستنصارا بهم، فهم الأحَقُّ بمجالستي، وبالقرب مني.

ومعنى إِنَّما تنصرون وترزقون بضعفائكم: أي إِنَّما تُمَكَّنون من الانتفاع بما أخرجنا لكم و تعانون على عدوكم ويدفع عنكم البلاء والأذى بسبب وجود ضعفائكم بين أظهركم ، أو بسبب رعايتكم لهم أو ببركة دعائهم ، وذلك لأنهم أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خضوعا في العبادة لجلاء قلوبهم عن التعلق بزخرف الدنيا ، ومن هنا استدل بعض العلماء على استحباب إخراج الشيوخ والصبيان في صلاة الاستسقاء، فالضعيف إذا رأى عجزه وعدم قوته تبرأ عن الحول والقوة بإخلاص، ورق قلبه واستكان لربه وتضرع إليه فيستجيب الله دعاءه ويحقق له رجاءه، وكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله ، بخلاف القوي فإنه يظن أنه إنما يغلب الرجال بقوته، فيكله الله الى نفسه على قدر عجبه، ويكون ذلك سَبَبًا للخذلان .

والمقصود بالضعفاء : مَنْ يكون ضعفه في بدنه (المرض الجسماني ) أو في نفسه (المرض الذهني والنفسي ) أو في حاله (الفقر وقلة ذات اليد ) ، والنصوص تشمل الأنواع الثلاثة ، فإِنْ قيل بأَنَّ المقصود بالضعفاء هم من يستضعفهم الناس لفقرهم ورثاثتهم ، لأنهم هم الذين يستطيعون الدعاء والصلاة ، كما في رواية النسائي: قال صلى الله عليه وسلم: " إِنما ينصُر الله هذه الأمةَ بضعيفها: بدعوتِهم، وصلاتِهم، وإِخلاصهم".

فالجواب أَنَّ الدعاء والصلاة والاخلاص قد تتحقق في النوعين الآخرين، ليس من المريض نفسه و إِنَّمَا مِمَّنْ يقوم على رعايته ، فكم من مريض يتضرع أهله إلى الله وتنكسر له قلوبهم أكثر من صاحب المرض ذاته.

الجمع بين التوكل واليقين وبين الأخذ بالأسباب :

قد يظن القارئ الكريم أَنَّ هناك تعارضا بين النصوص السابقة وبين النصوص التي تمدح المؤمن القوي وتأمره بالأخذ بالقوة والاستعداد للأعداء ، وعند التأمل نجد أَنَّه لا تعارض، إذ المراد أَنَّه متى تمكن المسلم من الأخذ بأسباب القوة المادية وتيسرت له فعليه أنْ يسارع ولا يفرط ولا يقصر.

وقد ورد الجمع بين الأمرين في قول الله عز وجل لنبيه: { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ } (الحجر :99).

والمعنى: استمر في جميع الأوقات على التقرب إلى الله بأنواع العبادات البدنية والمالية والقلبية، حتى يأتيك الموت، وأنت على ذلك ، وقد امتثل أمر ربه - بأبي هو وأمي- صلى الله عليه وسلم - ، فلم يزل دائبا في العبادة بجميع أنواعها حتى أتاه اليقين،
كما جمع النبي الكريم بين الأمرين في قوله "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ، وَأَحَبُّ إِلى اللَّه مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ. وفي كلٍّ خَيْرٌ. احْرِصْ على ما يَنْفَعُكَ، واسْتَعِنْ بالله ولا تَعْجَز..."

فقوله: « احْرِصْ على ما ينفعك» أمر بكل سبب ديني ودنيوي، بل أمر بالجد والاجتهاد فيه والحرص عليه، نية وهمة، فعلاً وتدبيراً.
وقوله: «واستعن بالله» أمر بالاعتماد التام على الله في جلب المصالح ودفع المضار، مع الثقة التامة في تحقيق ذلك.
أَمَّا إِذا لم يتمكن المسلم من الجمع بين الأمرين-كأن حبسه المرض في نفسه أو غيره - فعليه خفض الجناح ورقة القلب والانكسار بمشاهدة جلال الجبار.

والخلاصة أَنَّ قلب العبد وجوارحه في حالة استنفار تام في ذات الله، الجوارح تستفرغ الوسع في الأسباب حتى يحس صاحبها من نفسه أنَّه لا مزيد ، والقلب يستجلب رضا الله وعونه وثقته ورجاءه والطمع فيه ، فإِنْ حدث وقعدت به الأسباب فليتحرك بقلبه الى الله ، فإِنَّ الله منجز له ما وعد، و ليس هذا فحسب بل ربما تَفَجَّرَتْ ينابيع الحكمة من قلبه على لسانه .

فلنحرص على تذكير الضعفاء وذويهم بهذه الْمِنَّةِ، وأن يقبلوا من الله صدقته ، وألَّا يستصغروا جهودهم ، فدعاؤهم لا يقل تأثيرا في الأعداء عن تأثير الأسباب المادية من أسلحة وعتاد.
اللهم أَصْلِحْ لنا شَأْنَنَا كُلَّهُ، ولا تَكِلْنَا إِلى أَنْفُسِنَا طَرْفَةَ عَيْنٍ، ولا إِلى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِكَ. آمين
إسلام ويب - أحمد عبد المجيد مكى

Post: #753
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:24 AM
Parent: #701

السداد في القول من شيم الأبرار، وشعار الأطهار، وتوفيق من العزيز القهار، القائم على كل نفس بما كسبت، وهو ثمرة مجاهدة طويلة، ومذاكرة للعلم مديدة، فالعلم يهذب المنطق ويجلو الفكرة ويسدد البيان، فالحمد لله الذي خلق فهدى وأنعم فأجزل النعم.

يقول الله تبارك وتعالى في كتابه الحكيم مخاطبا عباده المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ أَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 69-70]، ويقول سبحانه: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً} [النساء:9]
هاتان الآيتان الكريمتان اختصتا بمصطلح قرآني وأدب رباني لم يرد في غيرهما من آيات الذكر الحكيم، وهو خلق «السداد في القول».

وفي اللغة: السداد والسدد: الاستقامة. والسَّدادُ: إصابةُ القَصد. وهو مأخوذ من تسديد السهم ليصاب به الغرض. قال ابن فارس: "ومن ذلك السَّديد، ذُو السَّداد، أي الاستقامة كأنّه لا ثُلْمة فيه". فالسداد بالمعنى العام هو التوفيق للصواب وإصابة القصد في القول والعمل.
غير أننا إذا تأملنا نصي ورود المصطلح نلاحظ أنهما يشتركان في أمور هي:

- ارتباط السداد بالقول في الآيتين معا.
- الدعوة إلى القول السديد مسبوقة في النصين بالدعوة إلى التقوى.
- أن المأمور بالسداد هم المؤمنون لا غيرهم.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا} أي: في كل ما تأتون وما تذرون، لاسيما في ارتكاب ما يكرهه {قَوْلاً سَدِيداً} أي: قويماً حقاً صواباً.

قال القاشاني: السداد: في القول، الذي هو الصدق والصواب، هو مادة كل سعادة، وأصل كل كمال؛ لأنه من صفاء القلب، وصفاؤه يستدعي جميع الكمالات، وهو وإن كان داخلاً في التقوى المأمور بها، لأنه اجتناب من رذيلة الكذب، مندرج تحت التزكية التي عبر عنها بالتقوى، لكنه أفرد بالذكر للفضيلة، كأنه جنس برأسه، كما خص جبريل وميكائيل من الملائكة.

والقول يكون بابا عظيما من أبواب الخير ويكون كذلك من أبواب الشر. وفي الحديث: "وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم" [أحمد والترمذي] فبالقول السديد تشيع الفضائل والحقائق بين الناس فيرغبون في التخلق بها، وبالقول السيئ تشيع الضلالات والتمويهات فيغتر الناس بها ويحسبون أنهم يحسنون صنعا.

{يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} فجعل صلاحَ الأعمال وغفران الذنوب متوقفاً على سداد القول. وذكر {لَكُمْ} مع فعلي {يُصْلِحْ} {يَغْفِرْ} للدلالة على العناية بالمتقين أصحاب القول السديد كما في قوله تعالى: {أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ} [الشرح: 1].

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (والطاعة بذاتها فوز عظيم. فهي استقامة على نهج الله. والاستقامة على نهج الله مريحة مطمئنة. والاهتداء إلى الطريق المستقيم الواضح سعادة بذاته، ولو لم يكن وراءه جزاء سواه. وليس الذي يسير في الطريق الممهود المنير وكل ما حوله من خلق الله يتجاوب معه ويتعاون كالذي يسير في الطريق المقلقل المظلم وكل ما حوله من خلق الله يعاديه ويصادمه ويؤذيه! فطاعة الله ورسوله تحمل جزاءها في ذاتها؛ وهي الفوز العظيم، قبل يوم الحساب وقبل الفوز بالنعيم. أما نعيم الآخرة فهو فضل زائد على جزاء الطاعة. فضل من كرم الله وفيضه بلا مقابل. والله يرزق من يشاء بغير حساب). [في ظلال القرآن].

قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ" [أحمد] فالتحرّي في المنطق منهج الصادقين، وطريقة المؤمنين الصالحين، ومن علامات فضل الإنسان وصلاحه: «صلاحُ قوله وفعله»، ومن لم يعتنِ بما يقول ويعاتب نفسه على زلات لسانه فهو ناقص الدين والعقل والتجربة.

قال أبو جعفر محمد بن يعقوب: كل صواب من القول ورث فعلا صحيحا فهو حكمة.

ومن الأدعية التي يرجى نفعها في هذا الأمر ما علمه النبي -صلى الله عليه وسلم- عليا -رضي الله عنه- أن يدعو به: "اللهم اهدني وسددني، واذكر بالهدى هدايتك الطريق، وبالسداد سداد السهم". وفي رواية: "اللهم إني أسألك الهدى والسداد" [مسلم].

قال القاضي: أمره بأن يسأل اللّه الهداية والسداد، وأن يكون في ذلك مخطراً بباله أن المطلوب هداية كهداية من ركب متن الطريق وأخذ في المنهج المستقيم، وسداداً كسداد السهم نحو الغرض، والمعنى أن يكون في سؤاله طالباً غاية الهدى ونهاية السداد.

نماذج طيبة

كان الخليل بن أحمد الفراهيدي رحمه الله رجلاً صالحًا عاقلاً، وقورًا كاملاً، مفرط الذكاء، وأكثر ما كان من صفاته بعد سيادته في العلم وانقطاعه له ما كان من زهده وورعه؛ إذ كان متقللاً من الدنيا جدًّا، متقشفًا متعبدًا، صبورًا على خشونة العيش وضيقه، وكان يقول: "إني لأغلق عليَّ بابي فما يجاوزه همي".

وليس أدل على ذلك مما حكاه عنه تلميذه النضر بن شميل حيث قال: "أقام الخليل في خُصٍّ من أخصاص البصرة، لا يقدرُ على فَلْسَيْنِ، وأصحابه يكسبون بعلمه الأموال" أي كان الناس يأكلون الدنيا بعلمه - رحمه الله -، كان بعضهم إذا أخذوا العلم عنه قربهم الحاكم وصاروا من حاشيته.

أرسل الأمير إلى الخليل بن أحمد الفراهيدي - رحمه الله - ليخبره إن كان يريد منه أن يصله بشيء، فقال له الخليل: "أنا مستغنٍ عنك بالذي أغناك عني".. فانظر إلى بليغ قوله وسداد رأيه رحمه الله.

ومن حكايات زهده أن سليمان بن عليٍّ والي البصرة وجَّه إليه يلتمس منه الشخوص إليه وتأديب أولاده نظير راتب يُجرِيه عليه، فأخرج الخليل إلى رسول سليمان خبزًا يابسًا، وقال: ما عندي غيره، وما دمت أجده فلا حاجة لي في سليمان. فقال الرسول: فماذا أبلغه عنك؟ فأنشأ يقول:

أبلغ سليمان أني عنـه في سعـةٍ *** وفي غِنًى غير أني لسـت ذا مـالِ

سخي بنفسيَ أني لا أرى أحـدًا *** يموت هزلاً ولا يبقي على حـالِ

والفقر في النفس لا في المال نعرفه *** ومثل ذاك الغنى في النفس لا المـالِ

فالرزق عن قَدَرٍ لا العجز ينقصـه *** ولا يزيـدك فيه حَـْولُ محتـال

فقطع عنه سليمان الراتب، فقال الخليل:

إن الذي شقَّ فمي ضامن *** للـرزق حتى يتوفـاني

حرمتني خيرًا قليلاً فما *** زادك في مالك حرمـاني

فبلغت سليمان، فأقامته وأقعدته، وكتب إلى الخليل يعتذر إليه، وأضعف راتبه، فقال الخليل:

وزَلَّة يكثر الشيطان إن ذكرت *** منها التعـجب جاءت من سليمـانا

لا تعجبَنَّ لخيرٍ زلَّ عن يـده *** فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا

اسلام ويب (د. خالد سعد النجار )

Post: #754
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:27 AM
Parent: #701

الثقة بنصر الله
تظهر حقيقة اليقين بالله في مراحل الضعف، إذ ليس صاحب اليقين مَن تنفرج أساريره وينشرح صدره ويتهلل وجهه حين يرى قوة الإسلام وعزة أهله وبشائر نصره، وإنما يكون اليقين لصاحب الثقة بالله مهما حلك الظلام، واشتد الضيق، واجتمعت الكروب، وتكالبت الأمم، لأن أمله بالله كبير ويقينه بأن العاقبة للمتقين، وأن المستقبل لهذا الدين.

ولأن المجاهد يسعى لإقامة دين الله في الأرض، فإن سبيله إلى ذلك الصبر واليقين، يقول ابن القيم: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين ثم تلا قوله تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآَيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24)} (السجدة).
وأهم ما يؤتاه المرء اليقين، كما في الحديث: "وسلوا الله اليقين والمعافاة، فإنه لم يؤت أحد بعد اليقين خيرا من المعافاة"(صحيح الجامع، صححه الألباني).

ولا تهلك هذه الأمة إلا حين يبخل أبناؤها بتقديم الجهود المتاحة لنصرتها، ثم يتجرعون كؤوس الأمل بلا عمل، لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل"(صحيح الجامع،حسنه الألباني).

ولأن الله وحده هو عالم الغيب فلا ندري متى النصر؟ ولا نعلم أين الخير؟ ولكن الذي نعلمه أن أمتنا أمة خير بإذن الله يرجى لها النصر من الله ولو بعد حين، ويشير رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بقوله: "مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره"(صحيح الجامع، صحيح).

ولا ندري على يد أي جيل يكشف الله الغمة، ويرفع شأن هذه الأمة ولكن الذي ندريه أن سنة الله في الكون كما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة"(صحيح الجامع، حديث حسن).

لقد جاءت بشائر كثيرة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تجدد الأمل وتثبت اليقين، منها وعد الله بأن يبلغ ملك الأمة المشارق والمغارب ومازالت هناك بقاع لم تقع تحت المسلمين، ولابد أن يفتحها الإسلام، كما في الحديث:
"إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها"(رواه مسلم).

فإذا عرفنا أن الأصل في الإسلام العلو والسيادة والتمكين، فلا نستيئس من ضعف المسلمين حينا من الدهر، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الإسلام يعلو ولا يعلى"(صحيح الجامع، حديث حسن).

وقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم باستمرار زيادة الإسلام: " ولا يزال الإسلام يزيد وينقص الشرك وأهله، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورا، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي، حتى يبلغ هذه الدين مبلغ هذا النجم" (صحيح الجامع، صحيح).

فالأمل باق، وامتداد سلطان المسلمين مستمر بإذن الله .

وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببشريات تذيب كل يأس، وتدفع كل قنوط، وتثبت كل صاحب محنة، وتريح قلب كل فاقد للأمل بأبناء هذا الدين، حين لا يجد بصيص أمل يلمع له حيث قال: "بشر هذه الأمة بالسناء والدين والرفعة والنصر والتمكين في الأرض.... ".

والجهاد مستمر إلى يوم القيامة، والطائفة الظاهرة على الحق لا يضرها من خذلها، وهي مستمرة حتى يأتي أمر الله، وفي ذلك يقول: " لن يبرح هذا الدين قائما، يقاتل عليه عصابة من المسلمين حتى تقوم الساعة" (رواه مسلم).

والمقياس عند الله غير مقياس البشر، إن الله يجعل من الضعف قوة ، وذلك واضح من التأمل في قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم" (صحيح سنن النسائي للألباني).

إن ذلك المسلم المسوق بالأغلال، المحبوس في الأقبية، الملاحق في كل مكان، الفاقد للسلاح، الفقير المعدم، بدعوته وصلاته وإخلاصه ينصر الله هذه الأمة، رغم كل صور الضعف التي تمثلت فيه، وكما أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رب أشعث مدفوع بالأبواب لو أقسم الله على الله لأبره"(رواه مسلم).

قد نرى القوة اليوم بيد أعدائنا والغلبة لهم علينا... ولكن لا ننسى أن الله هو المتصرف بهذا الكون، وعينه لا تغفل عن عباده المؤمنين، ولن يرضى لهم دوام الذلة واستمرار القهر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الميزان بيد الرحمن، يرفع أقواما، ويضع آخرين"(صحيح الجامع، صحيح).

ولابد أن يرفعنا بعد أن وضعنا، إذا رأى منا صدق السعي لمرضاته.

وفي كل قرن يعيد الله اليقين إلى نفوس الأمة، بأن يجعل فيها سباقين في الخير، لا يبالون بالمحن، يتأسى الناس بهم كما في الحديث: " في كل قرن من أمتي سابقون " (صحيح الجامع، حسن).
كما يجعل في الأمة من يصحح لها المفاهيم، ويسير بها على الجادة، ويقودها إلى الهداية، ويجدد لها أمر دينها، وقد بشر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها " (رواه أبو داود وصححه الألباني). فإما أن يأتي الفرج على أيدي السابقين، وإما أن يأتي على أيدي المجددين، ولكن الكرب لا يدوم.

وجميع أعداء الإسلام واقعون في دائرة تهديد الله لهم بالحرب، ومن كان الله حربا عليه فلا خوف منه ولا أمل باستمرار سلطانه علينا كما جاء في الحديث القدسي: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب... " (رواه البخاري).

فلنتواص بالصبر على البلاء، والثبات إذا وقع القضاء، ولنكن بشير خير، ولا نكونن نذير شر، ولنقل للمتشائمين بعد طول انتظار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه حينما اشتكوا من كثرة البلاء وشدته: " والله ليتمن الله هذا الأمر.... ولكنكم تستعجلون ".

إن الثقة التي يريدها الرب سبحانه وتعالى من عباده هي الثقة التي تحققت في أم موسى عمليا حين قال عنها: { فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (من الآية:7) وهكذا ألقته في اليم ولم تخف ولم تحزن، مع أن اليم خطير على الطفل الرضيع عادة، وكتب الله له النجاة، وتلقى فرعون الطفل الرضيع، ولم يخف من كفالته في قصره، لأن الطفل الرضيع لا يخيف من رباه عادة، فكان هلاك فرعون على يديه، وهكذا تجري عجائب قدر الله...

وقد حدَّث رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ثلاثة أصناف من الناس لا خير فيهم: "ثلاثة لا تسأل عنهم.. ورجل في شك من أمر الله، والقنوط من رحمة الله .." (صحيح الجامع، صحيح).

ولذلك فإن الأمة التي نخرها الشك، ونهشها القنوط لا يرجى خيرها ما لم تستعد الثقة واليقين بنصر رب العالمين.
إن عقيدة الإيمان بالقدر مصدر من مصادر الثقة بأن العاقبة للمتقين، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لكل شيئ حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمان، حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه " (صحيح الجامع، صحيح).

ليست المسألة مسألة تخلف وعد الله حاشاه سبحانه ولكنها مسألة التوقيت المقدور، والأجل المحدود، الذي لا يتقدم لاستعجال متعجل، ولا يتأخر لهوى كسول، ولذلك كان عمر بن عبدالعزيز كثيرا ما يدعوا: [ اللهم رضني بقضائك، وبارك لي في قدرك، حتى لا أحب تعجيل شيئ أخرته، ولا تأخير شيئ عجلته]. وبهذه النفسية تزول ظاهرة الاستعجال، ويطمئن القلب بأن العاقبة للمتقين.

ولئن مرت الأمة بفترات ضعف فلا ننس أنها تقادير الله ، الذي يقدر على إعادة عز ضاع، واسترجاع سيادة مضت، وشأن البشر الصعود والنزول، كما في الحديث: " مثل المؤمن مثل السنبلة، تميل أحيانا وتقوم أحيانا" (صحيح الجامع، صحيح). المهم أنها تقوم يوما ما، وتلك سنة كونية وهذا اليوم آت لا محالة إذا توفرت الأسباب.

وهكذا مضت سنة الله في الأمم، كما في الحديث " عرضت علي الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهيط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد... ". ومع ذلك استمرت الدعوة، وستبقى مهما لقيت من الضعف في بعض الأزمان، ولن يعيب النبيَّ الذي ليس معه أحد أنه لم يهتد على يديه أحد، رغم بذله جهده في دعوته، كما لا يعيب المجاهد ألا يصل إلى النصر، رغم طول جهاده، إنما يعيبنا التقصير في أخذ الأسباب، والبخل بالجهد المستطاع وإن قل والباقي تعهد به الله حين يشاء.

ولما يخشاه الشهداء على من بعدهم من الأحياء من ضعف الثقة المفضي إلى الزهد بالجهاد، أو اليأس من ثماره، يقولون لربهم سبحانه وتعالى: " من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة نرزق، لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكلوا عند الحرب، فقال الله سبحانه: أنا أبلغهم عنكم ... " (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

فلابد لليل أن ينجلي، ولابد للغثاء أن يذهب جفاء، ولابد لما ينفع الناس أن يمكث في الأرض، ويمضي قدر رب العالمين في أن تكون العاقبة للمتقين.
محمود الخزندار رحمه الله

Post: #755
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:29 AM
Parent: #701

المداراة نصف العقل
لم يخلق الله سبحانه البشر متشابهين في كل شيء، لابد من اختلاف بينهم ولو كانت المقارنة بين التوأمين، وإن أشد ما تجد من اختلاف ما يكون بين الطباع والآراء والقناعات والعقول.

إذا كان الأمر كذلك وكان الاختلاف سنة كونية ماضية فلابد من التعامل بنوع من العقل والحكمة لا سيما عند الاختلاف.

ولا بأس أن تبذل شيئا من دنياك من أجل صلاح دنياك أو آخرتك أو صلاحهما معا، وهذا ما يسميه العلماء بالمداراة، كما ذكروا أيضا أن المداراة هي الملاينة والملاطفة، وفي تعريف آخر هي خفض الجناح للناس، ولين الكلام لهم، وترك الإغلاظ لهم في القول، والمداراة الدفع برفق.

والفرق المهم جدا بين المداراة المندوبة والمداهنة الممنوعة هو أن المداراة تكون ببذل الدنيا لصلاح الدنيا والدين أما المداهنة فهي بذل الدين لإصلاح الدنيا.

قال الحسن البصري: (كانوا يقولون: المدَاراة نصف العقل، وأنا أقول هي العقل كلُّه).

وعن وُهيب بن الورد قال: ( قلت لوهب بن مُنبِّه: إني أريد أن أعتزل الناس. فقال لي: لا بدَّ لك من الناس وللناس منك؛ لك إليهم حوائج، ولهم إليك حوائج، ولكن كن فيهم أصم سميعًا، أعمى بصيرًا، سكوتًا نطوقًا).

ويقول محمد بن الحنفية، قال: (ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف، من لا يجد من معاشرته بدًّا، حتى يجعل الله له فرجًا، أو قال: مخرجًا).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه، قال: (إنا لنكشر في وجوه أقوام ونضحك إليهم، وإنَّ قلوبنا لتلعنهم).
وعنه أيضًا رضي الله عنه قال لزوجته: (إذا غضبت فَـرَضيِّني، وإذا غضبت رضيتك، فإذا لم نكن هكذا ما أسرع ما نفترق).

وقال معاوية رضي الله عنه: (لو أنَّ بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، قيل: وكيف؟ قال: لأنهم إن مدُّوها خلَّيتها، وإن خلَّوْا مددتها).

أغمض عيني عن صديقي كأنني . . . لديه بما يأتي من القبح جاهل
وما بي جهل غير أن خليقتي . . . تطيق احتمال الكره فيما أحاول
متى ما يربني مفصل فقطعته . . . بقيت ومالي في نهوضي مفاصل
ولكن أداريه ، وإن صح شدني . . . فإن هو أعيا كان فيه تحامل

عن عروة بن الزبير، أنَّ عائشة أخبرته أنَّه استأذن على النَّبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقال صلى الله عليه وسلم: "ائذنوا له، فبئس ابن العشيرة أو بئس أخو العشيرة. فلما دخل ألان له الكلام. فقلت له: يا رسول الله، قلت ما قلت، ثم ألنت له في القول. فقال: أي عائشة، إنَّ شرَّ الناس منزلةً عند الله من تركه- أو ودعه- الناس اتقاء فحشه" (رواه البخاري ومسلم).

قال المناوي رحمه الله : (أي لأجل قبح فعله وقوله، أو لأجل اتقاء فحشه، أي: مجاوزة الحدِّ الشرعي قولًا أو فعلًا، وهذا أصل في ندب المدَاراة إذا ترتب عليها دفع ضرٍّ، أو جلب نفع، بخلاف المداهنة فحرامٌ مطلقًا، إذ هي بذل الدين لصلاح الدنيا، والمدَاراة بذل الدنيا لصلاح دين أو دنيا، بنحو رفقٍ بجاهلٍ في تعليم، وبفاسقٍ في نهيٍ عن منكر، وترك إغلاظ وتألُّف، ونحوها مطلوبةٌ محبوبةٌ إن ترتب عليها نفع، فإن لم يترتب عليها نفع، بأن لم يتقِ شرَّه بها كما هو معروف في بعض الأنام فلا تشرع).

وقال صلى الله عليه وسلم: "استوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنهنَّ خلقن من ضِلع، وإنَّ أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا".(رواه البخاري ومسلم).

قال ابن حجر رحمه الله: (وفي الحديث الندب إلى المدَاراة لاستمالة النفوس، وتألف القلوب، وفيه سياسة النساء بأخذ العفو منهنَّ، والصبر على عوجهنَّ، وأنَّ من رام تقويمهنَّ فاته الانتفاع بهن، مع أنه لا غنى للإنسان عن امرأة يسكن إليها، ويستعين بها على معاشه، فكأنَّه قال: الاستمتاع بها لا يتمُّ إلا بالصبر عليها).

وقال صلى الله عليه وسلم:"يا أيها الناس اتقوا الله، وإنْ أُمِّر عليكم عبد حبشي مجدَّع، فاسمعوا له وأطيعوا، ما أقام لكم كتاب الله".(الترمذي وقال حسن صحيح).

قال المباركفوري: (فيه حثٌّ على المدَاراة، والموافقة مع الولاة، وعلى التحرز عما يثير الفتنة، ويؤدي إلى اختلاف الكلمة).

مداراة الأعداء للحذر من شرهم :

قال الماوردي - رحمه الله تعالى - : (إذا كان للإنسان عدو وقد استحكمت شحناؤه ، واستوعرت سراؤه ، واستخشنت ضراؤه ، فهو يتربص بدوائر السوء انتهاز فرصة ويتجرع بمهانة العجز مرارة غصة ، فإذا ظفر بنائبة ساعدها ، وإذا شاهد نعمة عاندها ، فالبعد عن هذا حذرا أسلم ، والكف عنه متاركة أغنم ، لأنه لا يسلم من عواقب شره ، ولا يفلت من غوائل مكره إلا بالبعد عنه أو مداراته . وقد قال لقمان لابنه : يا بني ، كذب من قال إن الشر بالشر يطفأ ، فإن كان صادقا فليوقد نارين ، ولينظر هل تطفىء إحداهما الأخرى ، وإنما يطفىء الخير الشر كما يطفىء الماء النار .

وأما إذا كان هذا العدو لئيم الطبع خبيث الأصل فمثل هذا لا يستقبح الشر ، ولا يكف عن المكروه فهذا حاله أطم وضرره أعم ولا سلامة من مثله إلا بالبعد عنه والانقباض ، ولا خلاص منه إلا بالصفح والإعراض لأنه كالسبع الضاري في سوارح الغنم وكالنار بطبع لا يزول ، وجوهر لا يتغير).

قال الله سبحانه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى} [طه: 43-47].
قال ابن كثير: (هذه الآية فيها عبرة عظيمة، وهو أن فرعون في غاية العتو والاستكبار، وموسى صفوة الله من خلقه إذ ذاك، ومع هذا أُمر ألا يخاطب فرعون إلا بالملاطفة واللين).

هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #756
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:31 AM
Parent: #701

يعمل الملاحدة والماديون وأذنابهم في خطط خبيثة ماكرة على هدم صرح الأخلاق، من خلال دعوى أنَّ الأخلاق أمور اعتبارية نسبية لا ثبات لها، تختلف من مكان إلى مكان، ومن زمان إلى زمان، ومن أمة إلى أمة.
فالذي يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب من الشعوب، لا يعتبر منافيًا للأخلاق عند شعب آخر، وبعض ما كان مستنكرًا فيما مضى قد يعتبر مستحسنًا في عصر آخر، فالأخلاق عند هؤلاء مفاهيم اعتبارية تتواضع عليها الأمم والشعوب، وليس لها ثبات في حقيقتها.

وإنَّ أسباب الغلط أو المغالطة عند أصحاب فكرة نسبية الأخلاق، ترجع إلى ثلاثة:

الأول: تعميمهم اسم الأخلاق على أنواع كثيرة من السلوك الإنساني، فلم يميزوا الظواهر الخلقية، عن الظواهر الجمالية والأدبية، وعن العادات والتقاليد الاجتماعية، وعن التعاليم والأحكام المدنية أو الدينية البحتة، فحشروا مفردات كل هذه الأمور تحت عنوان الأخلاق، فأفضى ذلك بهم إلى الخطأ الأكبر، وهو حكمهم على الأخلاق بأنها أمور اعتبارية نسبية.

الثاني: أنهم جعلوا مفاهيم الناس عن الأخلاق مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، مع أنَّ في كثير من هذه المفاهيم أخطاء فادحة، وفسادًا كبيرًا، يرجع إلى تحكم الأهواء والشهوات والعادات والتقاليد فيها، ويرجع أيضًا إلى أمور أخرى غير ذلك، والتحري العلمي يطلب من الباحثين أن يتتبعوا جوهر الحقيقة، حيث توجد الحقيقة، لا أن يحكموا عليها من خلال وجهة نظر الناس إليها، فكل الحقائق عرضة لأن يثبتها مثبتون، وينكرها منكرون، ويتشكك بها متشككون، ويتلاعب فيها متلاعبون، ومع ذلك تبقى على ثباتها، لا تؤثر عليها آراء الناس فيها.

الثالث: اعتمادهم على أفكارهم وضمائرهم فقط، وجعلها المقياس الوحيد الذي تقاس به الأخلاق.

أما مفاهيم الإسلام فإنها... قد ميزت الأخلاق عما سواها، وميزت السلوك الأخلاقي عن سائر أنواع السلوك الإنساني، فلم تعمم تعميمًا فاسدًا، ولم تدخل في مفردات الأخلاق ما ليس منها، وهي أيضًا لم تعتمد على مفاهيم الناس المختلفة، ولم تتخذها مصدرًا يرجع إليه في الحكم الأخلاقي، وأما العقل والضمير فإنها لم تهملهما وإنما قرنتهما بعاصم يردهما إلى الصواب كلما أخطأ سبيل الحق والهداية والرشاد، وهذا العاصم هو الوحي الذي نزل بدين الله لعباده، وشرائعه لخلقه، وتعاليمه التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها؛ لأنهَّا تنزيل من عزيز حكيم، وقد بلغها رسله.

أما صورتها المثلى المحفوظة من التغيير فهي ما ثبت في نصوص الشريعة الإسلامية، المنزلة على رسول الله محمد صلوات الله وسلاماته عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.

فمن تبصَّر بالأصول العامة للأخلاق في المفاهيم الإسلامية، وتبصر بأنَّ الأخلاق الإسلامية مقترنة بالوصايا والأوامر والنواهي الربانية، وتبصر بأنَّ هذه الوصايا والأوامر والنواهي محفوفة بقانون الجزاء الإلهي بالثواب العقاب، فإنَّه لابد أن يظهر له بجلاء أنَّ الأخلاق الإسلامية هي حقائق في ذاتها، وهي ثابتة مادام نظام الكون ونظام الحياة ونظام الخير والشر أمورًا مستمرة ثابتة، وهي ضمن المفاهيم الإسلامية الصحيحة غير قابلة للتغير ولا للتبدل من شعب إلى شعب، ولا من زمان إلى زمان.

أما الأمة الإسلامية فهي أمة واحدة، وهي لا تتواضع فيما بينها على مفاهيم تخالف المفاهيم التي بينها الإسلام، والتي أوضحها في شرائعه ووصاياه.

وإذا رجعنا إلى مفردات الأخلاق الإسلامية وجدنا أنَّ كلَّ واحدة منها - ضمن شروطها وقيودها وضوابطها - ذات حقيقة ثابتة، وهي غير قابلة في المنطق السليم للتحول من حسن إلى قبيح، أو من قبيح إلى حسن.

إنَّ حسنها حسن في كلِّ زمان، وقبيحها قبيح في كلِّ زمان، ولا يؤثر على حقيقتها أن تتواضع بعض الأمم على تقبيح الحسن منها، أو تحسين القبيح، تأثرًا بالأهواء، أو بالشهوات، أو بالتقاليد العمياء.

إنَّ الإسلام يقرر أنَّ حبَّ الحقِّ وكراهية الباطل فضيلة خلقية، ويقرر أنَّ كراهية الحقِّ وحبَّ الباطل رذيلة خلقية، فهل يشكُّ أحد سويٌّ عاقل في أنَّ هذه الحقيقة حقيقة ثابتة غير قابلة للتحول ولا للتغير، وإن تواضع على خلافها جماعة ذات أهواء؟! وهكذا سائر الأمثلة الأخلاقية الإسلامية .

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
( الأخلاق الإسلامية للميداني بتصرف يسير).

Post: #757
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:32 AM
Parent: #701

(أدرك أعداء المسلمين الحقائق عن مكارم الأخلاق، فعملوا على إفساد أخلاق المسلمين بكلِّ ما أوتوا من مكر ودهاء، وبكلِّ ما أوتوا من وسائل مادية وشياطين إغواء، ليبعثروا قواهم المتماسكة بالأخلاق الإسلامية العظيمة، وليفتتوا وحدتهم التي كانت مثل الجبل الراسخ الصلب قوة، ومثل الجنة الوارفة المثمرة خضرة وبهاء وثمرًا وماء.
إن أعداء المسلمين قد عرفوا أن الأخلاق الإسلامية في أفراد المسلمين تمثل معاقد القوة، فجندوا لغزو هذه المعاقد وكسرها جيوش الفساد والفتنة.

ولقد كان غزوهم للأخلاق الإسلامية من عدة جبهات:

1- لقد عرفوا أن النبع الأساسي الذي يزود الإنسان المسلم بالأخلاق الإسلامية العظيمة، إنما هو الإيمان بالله واليوم الآخر، فصمموا على أن يكسروا مجاري هذا النبع العظيم، ويسدوا عيونه، ويقطعوا شرايينه.

2- وعرفوا أن تفهم مصادر الشريعة الإسلامية تفهمًا سليمًا هو الذي يمدُّ نبع الإيمان بما يتطلبه من معارف، فمكروا بالعلوم الإسلامية، وبالدراسات المتعلقة بها مكرًا بالغًا، وذلك ما بين حجب لها تارة، وتلاعب بمفاهيمها أخرى، وتشويه لها أو جحود ومضايقة لروادها ومبلغيها، كلُّ ذلك في حرب مستمرة لا تعرف كللًا ولا مللًا.

3- وعرفوا قيمة الإفساد العملي التطبيقي، فوجهوا جنودهم لغمس أبناء المسلمين في بيئات مشحونة بالانحلال الخلقي، بغية إصابتهم بالرذائل الخلقية عن طريق العدوى، وسراية الفساد بقوة تأثير البيئة، واستمراء الشهوات المرتبطة برذائل الأخلاق.

4- وعرفوا قيمة إفساد المفاهيم والأفكار، فجندوا جيوش المضللين الفكريين، الذين يحملون إلى أبناء المسلمين الأفكار والمفاهيم والفلسفات الباطلة، ضمن واردات المعارف المادية الصحيحة، ذات المنجزات الحضارية المدهشة، وعن طريق هذا الغزو الفكري الخطير يدخلون السم في الدسم.

من أقوال أعداء الإسلام والمسلمين:

1- جاء في خطاب... (صموئيل زويمر) رئيس إرسالية التبشير في البحرين منذ أوائل القرن العشرين الميلادي، الذي خطب به في مؤتمر القدس التبشيري، الذي انعقد برئاسته سنة (1953م) ما يلي:

... ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإن في هذا هداية لهم وتكريمًا، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقًا لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية، وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه وتهنئكم دول المسيحية والمسيحيون جميعًا كل التهنئة...!!.

2- وجاء في نشرة المشرق الأعظم الماسوني الفرنسي لسنة (1923م) ما يلي:

... وبغية التفريق بين الفرد وأسرته عليكم أن تنتزعوا الأخلاق من أسسها، لأن النفوس تميل إلى قطع روابط الأسرة والاقتراب من الأمور المحرمة، لأنها تفضل الثرثرة في المقاهي على القيام بتبعات الأسرة...

3- وجاء في البروتوكول الثاني من المقررات اليهودية السرية ما يلي:

... إن الطبقات المتعلمة ستختال زهوًا أمام أنفسها بعلمها، وستأخذ جزافًا في مزاولة المعرفة التي حصلتها من العلم الذي قدمه إليها وكلاؤنا، رغبة في تربية عقولهم حسب الاتجاه الذي توخيناه.
ولا تتصوروا أن كلماتنا جوفاء، ولاحظوا هنا أن نجاح (دارون) و(ماركس) و(نيتشه) والأثر غير الأخلاقي لاتجاه هذه العلوم في الفكر الأممي -أي عند غير اليهود- سيكون واضحًا لنا على التأكيد!!.

4- وجاء في البيان الشيوعي الذي أصدره معلم الشيوعية الأول اليهودي (كارل ماركس) ورفيقه (انجلز) ما يلي:
إن القوانين والقواعد الأخلاقية والأديان أوهام بورجوازية تتستر خلفها مصالح برجوازية!!).

أما طريقة دهاة التضليل لهدم الأبنية الأخلاقية فهي تتلخص بما يلي:

1- أن يقنعوا الأجيال بأن الأخلاق نسبية اعتبارية لا ثبات لها، وليس لها حقائق ثابتة في ذاتها، فهي خاضعة للتبدل والتغير.
2- أن يستغلوا بخبث بعض النظريات الفلسفية التي من شأنها تقليل قيمة الأخلاق في نفوس الناس، إذ تقيمها على أسس واهنة ضعيفة، أو على شفا جرف هار!! ومتى قامت في نفوس الناس على مثل ذلك تداعت الأبنية الأخلاقية التقليدية، ثم انهارت، وحلت محلها أنانيات فوضوية، تعتمد على القوة والحيلة، والإباحية المطلقة لكلِّ شيء مستطاع، فلا خير إلا ما تدعمه القوة، ولا شر إلا ما تضعف القوة عن تحقيقه.

3- أن يلفقوا من عند أنفسهم نظريات فلسفية يخدعون بها الناس، لاسيما الناشئون منهم، ويستغلون فيهم رغبات المراهقة بالتمرد على الحقِّ والواجب، تطلعًا لمجد موهوم، وقد تطول فترة المراهقة عند بعض الناشئين، حتى تكتسح عمر الشباب منهم، وجزءًا من عمر الكهولة، وسبب ذلك الاستسلام التام لعواطف طور المراهقة، ووجود المغذيات الشيطانية الخبيثة، وضعف التربية الإسلامية أو انعدامها. ومتى وجدت هذه الظروف المواتية لنمو الشر، فليس من البعيد أن يصير الإنسان شيخًا في سنه وجسمه ويبقى مراهقًا في عقله ونفسه.

4- اتخاذ الوسائل العملية التطبيقية لإفساد أخلاق الأمم، وأهمها الغمس في بيئات موبوءة بالأخلاق الفاسدة، حتى تكون الانحرافات عادات مستطابات .
الأخلاق الإسلامية / عبد الرحمن الميداني

Post: #758
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:35 AM
Parent: #701

الاستقامة سبيل السلامة
"أعظم الكرامة لزوم الاستقامة" كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، فالاستقامة منهج جليل ومعنى نبيل، وطريق واضح قويم، وهي أقصر السبل للحق المبين.

والاستقامة من المعاني الجليلة الجامعة كالبر والمروءة والإحسان والمعروف .. لذلك نجد تعريفاتها تتنوع فقال عمر -رضي الله عنه-: "أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب". وقال الربيع بن خيثم رحمه الله: "الإعراض عما سوى الله". ولكي لا يأخذ البعض هذه المفاهيم ويجنحوا للتكلف والتشدد نجد شيخ الإسلام الهروي رحمه الله يعرفها بقوله: "الاجتهاد في اقتصاد".

عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: إن معاذ بن جبل أراد سفراً فقال: يا رسول الله، أوصني؟ قال: "اعبد الله لا تشرك به شيئاً". قال: يا رسول الله، زدني. قال: "إذا أسأت فأحسن". قال: يا رسول الله، زد. قال: "استقم ولتحسن خلقك". [صحيح: رواه الحاكم ووافقه الذهبي].

قال السِّرِّي السَّقطي - رحمه الله تعالى -: "خمس من كن فيه فهو شجاع بطل: استقامة على أمر الله ليس فيها روغان. واجتهاد ليس معه سهو. وتيقظ ليس معه غفلة. ومراقبة الله في السر والجهر ليس معه رياء. ومراقبة الموت بالتأهب" [الحلية:10/117].

مراتب الاستقامة

باب الاستقامة الدعاء والتضرع، والسعيد من وفقه الله تعالى، ولذلك أمرنا الوهاب المنان بقراءة الفاتحة في كل ركعة، لما فيها من سؤال الصراط المستقيم المخالف لأصحاب الجحيم. وقال تعالى في شأن موسى وأخيه عليهما السلام: {قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} [يونس:89].

أما سبيل الاستقامة فهو لزوم معالم وشعائر الدين الباطنة والظاهرة، العقدية والعملية، فعن سفيان بن عبد الله الثقفي -رضي الله عنه- قال: قلتُ: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً غيرك، قال: "قل آمنتُ بالله ثم استقم". [مسلم] ..
قال ابن عاشور: {ثم} للتراخي الرتبي: وهو الارتقاء والتدرج، فإن مراعاة الاستقامة أشق من حصول الإيمان لاحتياجها إلى تكرر مراقبة النفس، فأما الإيمان فالنظر يقتضيه واعتقاده يحصل دفعة لا يحتاج إلى تجديد ملاحظة.

قال ابن القيم في «الوابل الصيب»: "الأمر الذي يستقيم به القلب تعظيم الأمر والنهي، وهو ناشئ عن تعظيم الآمر الناهي، فإن الله تعالى ذم من لا يعظم أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَاراً} [نوح:13]".
أما آفات وكبوات الطريق من التقصير والتفريط فليس لها إلا الاستغفار، قال تعالى: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت:6] فالإنسان عرضة للنقص لكن يجبر ذلك بالاستغفار لله الواحد القهار.

الاستقامة الدين كله

الاستقامة ركن عظيم يشمل الدين كله، لذلك قصرت همم الخلق أن يمسكوا بكافة أطرافه، فعَنْ عمر بن الخطاب -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "لَوْ صَلَّيْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْحَنَايَا، وَصُمْتُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَالْأُوْتَارِ، ثُمَّ كَانَ الِاثْنَانِ أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ الْوَاحِدِ، لَمْ تَبْلُغُوا الاسْتِقَامَةَ "أي الاستقامة الكاملة، وكأنه أخذ هذا المعنى من قول النبي صلى الله عليه وسلم:

"استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن" [رواه أحمد].
قال المناوي: استقيموا على الطريق الحسنى وسددوا وقاربوا فإنكم لن تطيقوا الإحاطة في الأعمال، ولابد للمخلوق من تقصير وملال، وكأن القصد به تنبيه المكلف على رؤية التقصير وتحريضه على الجد لئلا يتكل على عمله، ولهذا قال القاضي: "أخبرهم بعد الأمر بذلك أنهم لا يقدرون على إيفاء حقه والبلوغ إلى غايته لئلا يغفلوا عنه، فكأنه يقول لا تتكلفوا على ما تأتون به ولا تيأسوا من رحمة الله ربكم فيما تذرون عجزاً وقصوراً لا تقصيراً".

"واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة" أي فإن لم تطيقوا ما أمرتم به من الاستقامة فحق عليكم أن تلزموا بعضها وهو «الصلاة» الجامعة لكل عبادة من قراءة وتسبيح وتكبير وتهليل، وإمساك عن كلام البشر والمفطرات، وهي معراج المؤمن ومقربته إلى جناب حضرة الأقدس، فالزموها وأقيموا حدودها لاسيما مقدمتها التي هي شطر الإيمان فحافظوا عليها فإنه لا يحافظ عليه إلا مؤمن راسخ القدم في التقوى. ‌

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم" [مسلم] وهذا في المستحبات لا الوجبات التي قد تسقط مع العجز.
ولذلك قيل: "الاستقامة لا يطيقها إلاَّ الأكابر لأنَّها الخروج عن المعهودات، ومفارقة الرُّسوم والعادات، وهي الخصلة الَّتي بها كملت المحاسن".
عن خارجة بن مصعب، قال: "صحبت عبد الله بن عون أربعاً وعشرين سنة، فما أعلم أن الملائكة كتبت عليه خطيئة!" [سير أعلام النبلاء 6/366]
وقال الإمام ابن دقيق العيد -رحمه الله-: "ما تكلمت كلمة، ولا فعلت فعلاً، إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله - عز وجل –". [طبقات الشافعية 9/212].

ثمرات وخيرات

قال تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ الله} [القصص:50] فإن لم يكن في الاستقامة إلا طمأنينة النفس وصلاح الأحوال لكفى، بل يبشر الله عباده المستقيمين على دينه بأعظم بشارة تتمناها النفس، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [فصلت:30-32] أي تتنزل عليهم الملائكة عند الموت وعند الخروج من القبر.

وذكر (التنزل) هنا للتنويه بشأن المؤمنين أن الملائكة ينزلون من علوياتهم لأجلهم، فأما أعداء الله فيجدون الملائكة حاضرين في المحشر يزعونهم ولا يتنزلون لأجلهم {وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ} [فصلت:19] فثبت للمؤمنين بهذا كرامة ككرامة الأنبياء والمرسلين.

{أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} ولما كان الخوف مما يتوقع من المكروه أعظم من الحزن على الفائت قَدَّمه، ثم لما وقع الأمن لهم، بشروا بما يؤولون إليه من دخول الجنة، فحصل لهم من الأمن التام والسرور العظيم بما فعلوا من الخير.

قال محمد بن علي الترمذي: تتنزل عليهم ملائكة الرحمة، عند مفارقة الأرواح الأبدان، ألا تخافوا سلب الإيمان، ولا تحزنوا على ما كان من العصيان، وأبشروا بدخول الجنان، التي تُوعدون في سالف الأزمان {وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ} [الروم:44]

وقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأحقاف:13-14] فنفى عنهم الخوف من المستقبل، والحزن على ما سلف ومضى، ووعدهم صدقا الجنة. وقوله: {أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} تدل على الاختصاص بالجنة ولم يقل (أولئك في الجنة، أو أولئك لهم الجنة).

نصيحة غالية

قال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْاْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود:112] فذكر سبحانه شيئين بعد الاستقامة: لزوم التوبة ومجافاة الطغيان، لأن الذي يعرض للعبد ويحرفه عن الاستقامة إما الذنب وإما البدعة أو الغلو.

فالحمد لله الذي هدانا لشرعه القويم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا} [الأنعام:161] .. (قِيَمًا) أي: أي معتدلاً مستقيماً لا عوج فيه، ولا غلو فيه ولا جفاء، ولا جحود فيه ولا جمود، ولا إفراط ولا تفريط، ولا اعوجاج، إنما هو أمر مستقيم شرع معتدل، وسط في كل شيء.

اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #759
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:37 AM
Parent: #701

لا تلعن شيئا
من أخطر آفات السلوك التسرع والاندفاع في الحكم على الآخرين، وأن ننصب من أنفسنا قضاة نحكم باستحقاق هذا أو ذاك رحمة الله أو لعنته، والمتأمل يجد أن مجافاة الإسلام لهذه الآفة تنبع من منافاتها لطبيعة الإيمان الصادق الذي من أخص خصائصه الرفق بالخلق، فالمؤمن قلبه معلق بالله يرتشف من رحيق رحمته ما يرحم به الآخرين، ومن عذب رأفته وعطفه ما يبر به من حوله وبهذا ينسجم الإيمان مع كل معاني الرفق والعطف وينفر من كل غلظة وفظاظة وجحود.

واللعنة بمعناها الشامل المتضمن الطرد من رحمة الله تعالى تمثل أحد مظاهر هذا الاندفاع المذموم الذي تصدى له النبي صلى الله عليه وسلم في منهجه التربوي بالعديد من المناهي والتوجيهات، فيقول عليه أفضل الصلاة والسلام:

" إني لم أبعث لعانا و إنما بعثت رحمة " [مسلم]
" ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء " [الترمذي]
" لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا " [مسلم]
" لا يكون المؤمن لعانا " [الترمذي]
" لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار" [الترمذي]

أي لا تدعوا على الناس بما يبعدهم الله من رحمته إما صريحا كما تقولون «لعنة الله عليه» أو كناية كما تقولون «غضب الله عليه» أو «أدخله الله النار»

وعن زيد بن أسلم أن عبد الملك بن مروان بعث إلى أم الدرداء بأنجاد [جمع نجد وهو متاع البيت الذي يزينه من فرش ونمارق وستور] من عنده فلما أن كان ذات ليلة قام عبد الملك من الليل فدعا خادمه فكأنه أبطأ عليه فلعنه فلما أصبح قالت له أم الدرداء: سمعتك الليلة لعنت خادمك حين دعوته، سمعت أبا الدرداء رضي الله عنه يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة " [مسلم].

( شفعاء ) أي لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار ( ولا شهداء ) أي لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات، وقيل لا يرزقون الشهادة في سبيل الله.

وعن ثابت بن الضحاك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لعن المؤمن كقتله .. ) [البخاري]
أي في التحريم أو العقاب أو الإبعاد، إذ اللعنة إبعاد من الرحمة، والقتل يبعد من الحياة الحسية.

ولعل في هذه الكثرة من الأحاديث النبوية ما يؤكد على خطورة أمر اللعنة، وضرر المجازفة الحمقاء في طرد الآخرين من رحمة الله في غرس معاني الكره والنفرة في الوقت الذي ينبغي أن يكون فيه المجتمع الإيماني متماسكا برباط المودة والحب، أفراده كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا.

بل تتجلى جدية الرسول صلى الله عليه وسلم في نزع جذور هذه الآفة من النفوس في أكثر من موقف مع أصحابه الكرام فتارة مرشدا وتارة مستنكرا وتارة معاقبا.

فعن جرموزا الهجيمي قال: قلت يا رسول الله أوصني قال: " أوصيك أن لا تكون لعانا " [أحمد] ‌أي أن لا تلعن معصوماً ، فيحرم لعن المعصوم المعين فإن اللعنة تعود على اللاعن ، وصيغة المبالغة هنا غير مرادة.

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لعن فإن كان لذلك أهلا وإلا رجعت إلى قائلها " [أبو داود].

قال المناوي: ( إن العبد إذا لعن شيئاً ) آدميا أو غيره بأن دعا عليه بالطرد والبعد عن رحمة اللّه تعالى ( صعدت اللعنة إلى السماء ) لتدخلها ( فتغلق أبواب السماء دونها ) لأنها لا تفتح إلا لعمل صالح { إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه} [فاطر:10]( ثم تهبط ) أي تنزل ( إلى الأرض ) لتصل إلى سِجِّين ( فتغلق أبوابها دونها ) أي تمنع من النزول ( ثم تأخذ يميناً وشمالاً ) أي تتحير فلا تدري أين تذهب ( فإذا لم تجد مساغاً ) أي مسلكاً وسبيلاً تنتهي إليه لمحل تستقر فيه ( رجعت إلى الذي لُعن إن كان لذلك ) أي اللعنة ( أهلاً ) رجعت إليه فصار مطروداً مبعوداً فإن لم يكن أهلاً لها ( رجعت ) بإذن ربها ( إلى قائلها ) لأن اللعن طرد عن رحمة اللّه، فمن طرد ما هو أهل لرحمته عن رحمته فهو بالطرد والإبعاد عنها أحق وأجدر، ومحصول الحديث التحذير من لعن من لا يستوجب اللعنة والوعيد عليه بأن يرجع اللعن إليه{ إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار} [النور: 44] [فيض القدير].

وعن ابن عباس أن رجلا لعن الريح عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " لا تلعن الريح فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه " [الترمذي].

وعن زيد بن خالد الجهني قال: لعن رجل ديكا صاح عند النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "لا تلعنه فإنه يدعو إلى الصلاة " [أحمد] أي إلى قيام الليل بصياحه فيه ومن أعان على طاعة يستحق المدح لا الذم.

وقال الحليمي: فيه دليل على أن كل من استفيد منه خير لا ينبغي أن يسب ولا يستهان به، بل حقه الإكرام والشكر ويتلقى بالإحسان، وليس في معنى دعاء الديك إلى الصلاة أنه يقول بصراحة صلوا أو حانت الصلاة بل معناه أن العادة جرت بأنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال فطرة فطره اللّه عليها فيذكر الناس بصراخه الصلاة ولا تجوز الصلاة بصراخه من غير دلالة سواه إلا ممن جرب منه ما لا يخلف فيصير ذلك له إشارة [فيض القدير].

وعن عمران بن حصين رضي الله عنه قال بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " خذوا ما عليها ودعوها فإنها ملعونة " ، قال عمران فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. [مسلم]
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #760
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:39 AM
Parent: #701

مواقف ليست من الغيبة
الغيبة من أشد آفات النفس الخبيثة، فهي تسبب العداوة والبغضاء والتقاطع والتدابر بين الناس، وتشغل المرء بعيوب الخلق وتُنسيه الانشغال بعيوبه، كما أنها اعتراض ضمني على قدر الله تعالى في خلقه.

وقد فشت آفة الغيبة في الناس فلا يكاد يخلو منها بر ولا فاجر ولا عالم ولا جاهل إلا من رحم الله تعالى، بل قد تمكن الشيطان في التدخل في هذه الجهة وأجلب بخليه ورجله من هذه الوجوه.

ولا يخفى على كل عاقل ما في كثرة مخالطة الناس من تفشي الغيبة، خاصة وأن وقعها على النفس سار، لاسيما إذا كان المغتاب مكروها أو عدواً، فإن سلم المخالط من القول بالغيبة لم يسلم من المشاركة فيها، وإن سلم من المشاركة فيها، لم يسلم من السكوت عليها وضرورة إنكارها لمن كان في مجلس غيبة، وإلا فيفارق ذلك المجلس إن لم يستطع الإنكار، وإن لم يقدر على مفارقة المجلس اشتغل بذكر أو غيره.

لقد تساهل الناس في الغيبة لأنها بطبيعتها سهلة لينة لا تكلف مشقة سوى تحريك اللسان في الفم لاسيما إذا كان المستغاب عدواً لمن في المجلس أو لبعضهم لأنهم يتشفون بذكر معايبه ويتلذذون بما يسمعون عنه من سوء ويذكر به من نقص، كما يتلذذ الظمآن بالماء البارد ليطفي به حرارة جوفه ويبل به صداه.
لكنها في الحقيقة انتقام عاجز وسلاح في يد جبان لأن المغتاب دائماً ينهزم عندما يعلم بحضور المستغاب أو أحد محبيه وربما أبدل هجاءه بمدح وذمه بثناء.

وحد الغيبة بينه ـ صلى الله عليه وسلم - في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته".
لكن ليس هذا على إطلاقه، بل ذكر العلماء من الأمور التي ليست بغيبة ست حالات، جمعها محمد بن عُوجان في أبيات شهيرة:
القدح ليس بغيبة في ستة ... متظلمٍ ومعرف ومحذر
ومجاهر فسقا ومستفت ومن ... طلب الإعانة في إزالة منكر

- (الأول): التظلُّم، فيجوز للمظلوم أن يتظلَّم إلى السلطان والقاضي، وغيرهما ممَّن له ولاية، أو قدرة على إنصافه من ظالمه فيقول: "ظلمني فلان بكذا".
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَشْكُو جَارَهُ، فَقَالَ له: «اذْهَبْ فَاصْبِرْ» فَأَتَاهُ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا، فَقَالَ: «اذْهَبْ فَاطْرَحْ مَتَاعَكَ فِي الطَّرِيقِ» فَطَرَحَ مَتَاعَهُ فِي الطَّرِيقِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَسْأَلُونَهُ فَيُخْبِرُهُمْ خَبَرَهُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَلْعَنُونَهُ: فَعَلَ اللَّهُ بِهِ، وَفَعَلَ، وَفَعَلَ، فَجَاءَ إِلَيْهِ جَارُهُ فَقَالَ لَهُ: ارْجِعْ لَا تَرَى مِنِّي شَيْئًا تَكْرَهُهُ [أبو داود].

-(الثاني): التعريف، فإذا كان الإنسان معروفاً بلقب، كالأعمش (سليمان بن مهران أبو محمد) والأعرج (عبد الرحمن بن هرمز، وهو من أشهر الرواة عن أبي هريرة)، والأصم، والأعمى، والأعور (مسلم بن كيسان) والأحول (عاصم بن سليمان) .. وغيرهم، جاز تعريفهم بذلك، ويحرم إطلاقه على جهة التنقيص، ولو أمكن تعريفه بغير ذلك كان أولى.

بل وجد في المحدثين من نسب إلى أمه وهو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي المشهور بـ (إسماعيل بن عُليه)، وكان يقول من نسبني إلى أمي فقد اغتابني، ولكن علماء الحديث ذكروه بأمه لشرفه، لأن إسماعيل بن إبراهيم في الرواة كثير.

وكان ابن معين رحمه الله أحد الحراس الأشداء الأقوياء لسنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولَكَمْ أضرَّ بالكذابين والمغفلين وتوجعوا منه كثيراً! ومع ذلك كان لا يفتأ أن يقذف بالسهام إليهم، ولا يعبأ بنكيرهم ولا بكلامهم. .. قيل له يوماً: ألا تخشى أن يكون هؤلاء الذين تكلمت فيهم خصماءك عند الله يوم القيامة؟ فقال لهم: لأن يكون هؤلاء خصمائي أحبَّ إلي من أن يكون الرسول –صلى الله عليه وسلم- خصمي، يقول لي: «لِمَ لَمْ تَذُبَّ الكذِبَ عن سنتي؟»
وهذا بعكس حديث عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبيّ صلى الله عليه وسلم: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا. [قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً]، فقالَ: "لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ !" لأن الكلام هنا في معرض التنقيص.

-(الثالث): تحذير المسلمين من الشر ونصيحتهم، وذلك من وجوه: منها جرح المجروحين من الرواة والشهود، وذلك جائز بإجماع المسلمين، بل واجب للحاجة، ولذلك صح عن شعبة بن الحجاج أنه كان يأتي عمران بن حُدَيرٍ ويقول له: «تعال نغتاب في الله ساعة» أي نذكر مساوئ أصحاب الحديث، كقول علماء الجرح والتعديل عن الرواة: هذا مدلس، وهذا مختلط، وهذا وضاع أو كذاب.

ومنها المشاورة في مصاهرة إنسان، أو مشاركته، أو إيداعه، أو معاملته، أو غير ذلك، أو مجاورته ويجب على المشاوَر ألاَّ يخفي حاله، بل يذكر المساوئ التي فيه بنية النصيحة، ومنها إذا رأى متفقهاً يتردّد إلى مبتدع، أو فاسق يأخذ عنه العلم، وخاف أن يتضرر المتفقه بذلك، فعليه نصيحته ببيان حاله، بشرط أن يقصد النصيحة، وهذا ممّا يُغلط فيه، وقد يحمل المتكلم بذلك الحسد، ويُلبس الشيطان عليه ذلك، ويُخيل إليه أنه نصيحة فليفطن لذلك، ومنها أن يكون له ولاية، لا يقوم بها على وجهها: إما بأن لا يكون صالحاً لها، وإما بأن يكون فاسقاً، ونحو ذلك، فيجب ذكر ذلك، لمن له عليه ولاية عامة ليزيلها، ويولي من يصلح، أو يعلم ذلك منه ليعامله بمقتضى حاله، ولا يغتر به، وأن يسعى إلى أن يحثه على الاستقامة أو يستبدل به.

- (الرابع): أن يكون مجاهراً بفسقه أو بدعته كالمجاهر بشرب الخمر، وجباية الأموال ظلماً، وتولي الأمور الباطلة، فيجوز ذكره بما يُجاهر به، ويحرم ذكره بغيره من العيوب، إلا أن يكون لجوازه سبب آخر مما ذكرناه.

- (الخامس): الاستفتاء، فيقول للمفتي: ظلمني أبي، أو أخي، أو زوجي، أو فلان بكذا، فهل له ذلك؟ وما طريقي في الخلاص منه، وتحصيل حقي، ودفع الظُّلم؟ ونحو ذلك، فهذا جائز للحاجة، ولكن الأحوط والأفضل أن يقول: ما تقول في رجل أو شخص، أو زوج، كان من أمره كذا؟ فإنه يحصل به الغرض من غير تعيين، ومع ذلك فالتعيين جائز، كما في حديث هند أَنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ فَقَالَ:"خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ".

لكن هناك فرق بين القضاء والاستفتاء، فالقضاء ملزم عكس الفتوى فهي غير ملزمة، والقاضي لابد أن يسمع من الطرفين، عكس المستفتي فإنه يفتي بناء على حكاية الواحد وظاهر الكلام.

فعن زينب بنت أبي سلمة، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: "إنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذ منه شيئا فإنما أقطع له قطعة من النار".

- (السادس): الاستعانة على تغيير المنكر، وردّ العاصي إلى الصواب، فيقول لِمَن يرجو قدرته على إزالة المنكر: فلان يعمل كذا، فازجره عنه، ونحو ذلك، ويكون مقصوده التوصل إلى إزالة المنكر، فإن لم يقصد ذلك كان حراما.
هذا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #761
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:43 AM
Parent: #701

المغبونون

الحمد لله على نعمائه والشكر له على توفيقه وامتنانه، والصلاة والسلام على عبده ورسوله، وعلى آله وأصحابه.
أما بعد:

أخي الكريم: إنه لا يخلو أحدٌ من البشر إلا وهو مغبون، فذاك مغبون في بيعه، وذاك في وقته، وآخر في ذكره وعبادته لله، وآخر...،وآخر.. ولكن الموفق من استيقظ من رقاده, وانتبه لما هو واقع فيه من الغبن، وإن أعظم شيءٍ يغبن فيه الإنسان هو الصحة والفراغ.

فقد جاء في صحيح البخاري، عن ابن عباس - رضي الله عنه - قال: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".

قال ابن بطال "معنى الحديث أن المرء لا يكون فارغاً حتى يكون مكْفّيِاً صحيح البدن, فمن حصل له ذلك فليحرص على أن لا يغبن بأن يترك شكر الله على ما أنعم به عليه, ومن شكره امتثال أوامره واجتناب نواهيه, فمن فرط في ذلك فهو المغبون". (فتح الباري:11/230).

عبد الله: تأمل في قوله- صلى الله عليه وسلم - حين قال:"كثير من الناس" فإنه يشير إلى أن الذي يوفق للعمل الصالح, و استغلال أوقات الصحة والفراغ إنما هم قليل، أما أكثر الناس فهم في غبن أي في خسارة وفي ضياع.

قال ابن الجوزي - رحمه الله تعالى ـ : "قد يكون الإنسان صحيحاً ولا يكون متفرغاً لشغله بالمعاش, وقد يكون مستغنياً ولا يكون صحيحاً, فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون, وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة, فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط, ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون, فالفراغ يعقبه الشغل, والصحة يعقبها السقم, ولو لم يكن إلا الهرم كما قيل:


يسر الفتى طول السلامة والبقا *** فكيف ترى طول السلامة يَفعَلُ

يُـرَدُّ الفتى بعـد اعـتدال وصحة *** ينــوء إذا رام الـقـيـــام ويحـمـل

أخي الكريم:قال المفسرون: "المغبون من غبن أهله ومنازله في الجنة, ويظهر يومئذ غبن كل كافر بترك الإيمان, وغبن كل مؤمن بتقصيره في الإحسان وتضييعه الأيام".

وقال الحسن وقتادة: "بلغنا أن التغابن في ثلاثة أصناف: رجل علم علماً فعلمه وضيعه هو ولم يعمل به فشقي به, وعمل به من تعلمه منه فنجا به, ورجل اكتسب مالاً من وجوه يسأل عنها وشح عليه, وفرط في طاعة ربه بسببه, ولم يعمل فيه خيراً وتركه لوارثه , فعمل ذلك الوارث فيه بطاعة ربه, ورجل كان له عبد فعمل العبد بطاعة ربه فسعد, وعمل السيد بمعصية ربه فشقي". (تفسير القرطبي :18/137).

قال معاذ الرازي: "المغبون من عطل أيامه بالبطالات وسلط جوارحه على الهلكات ومات قبل إفاقته من الجنايات" (كتاب الزهد الكبير (2/295) البيهقي).

أخي الكريم: "إنه من استرسل مع نفسه الأمارة بالسوء ، الخالدة إلى الراحة فترك المحافظة على الحدود والمواظبة على الطاعة فقد غبن". (فتح الباري (11/231).

عبد الله : إنه "لا يعرف قدر هاتين النعمتين كثير من الناس, حيث لا يكسبون فيهما من الأعمال إلا كفاية ما يحتاجون إليه في معادهم, فيندمون على تضييع أعمارهم عند زوالها ولا ينفعهم الندم, قال تعالى: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ}" (9سورة التغابن). (تحفة الأحوذي: 6/485).

أخي الكريم: إنه من صاحب الصالحين, وجالسهم, واكتسب ودهم, فإنه الرابح، وإن الذي خسر ود أصحابه الصالحين وفاته حبهم له فذلك هو المغبون حق اليقين، ولله در من قال في معنى هذا الأدب:

"ما ذاقت النفس على شهوة ألذ من حب صديق أمين، ومن فاته ود أخ صالح فذلك المغبون حق اليقين" (فيض القدير:2/291).

عبد الله: إنه لا ينبغي لعاقل أن يضيع ساعات لليله ونهاره في ما لا ينفع عند الله – عز وجل- وإنه من ضيع هذه الساعات التي هي عمره فهو والله المغبون.

فعن عمارة بن عمر بن العلاء قال: سمعت عمر بن ذر يقول: "اعملوا لأنفسكم- رحمكم الله- في هذا الليل وسواده, فإن المغبون من غبن خير الليل والنهار, والمحروم من حرم خيرهما, وإنما جعلا سبيلاً للمؤمنين إلى طاعة ربهم, ووبالاً على الآخرين للغفلة عن أنفسهم, فأحيوا لله أنفسكم بذكره, فإنما تحيا القلوب بذكر الله, كم من قائم في هذا الليل قد اغتبط بقيامه في حفرته, وكم من نائم في هذا الليل قد ندم على طول نومه عندما يرى من كرامة الله-عز وجل-للعابدين غداً, فاغتنموا ممر الساعات والليالي والأيام رحمكم الله. (حلية الأولياء: 5/109).

وعن ثابت بن الضحاك قال عند قوله تعالى:{وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}(9 سورة المنافقون). يقول ومن يلهه ماله وأولاده عن ذكر الله فأولئك هم الخاسرون يقول: "هم المغبونون حظوظهم من كرامة الله ورحمته". (تفسير الطبري:18/117).

واعلم عبد الله أنه لن يضيع وقته إلا مغبون بل إنه محروم، وإن إضاعة الوقت هي أشد من الموت فقد قال ابن القيم -رحمه الله- عند كلامه على إضاعة الوقت وأنه أشد من الموت قال: "إضاعة الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة, والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها".

أخي المسلم: كم من العمر يمضي في غير طاعة الله؟! وكم من الساعات تنقضي في اللهو والعبث؟! فعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ".

عبد الله: كم من الأيام قد مضت في اللعب واللهو؟! ونحن نفرح بأنها تمضي ولم نتذكر أنها تقربنا إلى آجالنا، ولله در القائل:

إنـا لـنـفـــرح بالأيـام نـقـطـعـهـــا *** وكـل يوم مضى يدني من الأجل

فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهدا ً *** فإنما الربح والخسران في العمل

وانظر إلى هذا الشاعر اللبيب الفطن الذكي حينما دعاه الملك ليصف قصره, فعلم أنه في لهو ولعب، وأن عمره قد مضى في ضياع, ولم يستغل عمره كما أراد الله-جل جلاله-.فقال:

عـش مـا بـدا لك سـالـماً *** في ظل شاهقة الـقـصـور

يسـعى عليك بما اشتهيــ*** يت لدى الرواح مع البكـور

فإذا النـفــوس تـقـعـقعـت *** في ضيق حشرجة الصدور

فـهنــاك تـعــلـم مـوقــنـاً *** مـا كـنــت إلاّ فـي غـــرورِ

أسأل الله العلي القدير أن يوفقنا لطاعته والعمل في مرضاته, وأن يوفقنا لاستغلال أوقاتنا, وأعمارنا, وصحتنا, وفراغنا, إنه جواد كريم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.

موقع إمام المسجد

Post: #762
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:45 AM
Parent: #701

مجاهدة النفس
الحمد لله رب العالمين، أمر بالجهاد وجعله فريضة على جميع العباد، بحسب الاستطاعة والاستعداد، يقول تعالى: {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ }(الحج:78). وهذا أمر لعموم المسلمين بالجهاد، كل عليه واجب منه حسب استطاعته، فقد أمرهم أن يجاهدوا فيه حق جهاده كما أمرهم أن يتقوه حق تقاته..

والجهاد أربع مراتب:

أولها: جهاد النفس. ثانيها: جهاد الشيطان. وثالثها: جهاد الكفار. ورابعها: جهاد المنافقين.

والأصل والأساس هو جهاد النفس. فإن العبد ما لم يجاهد نفسه أولاً فيبدأ بها ويلزمها بفعل ما أمرت به وترك ما نهيت عنه لم يمكنه جهاد عدوه الخارجي مع ترك العدو الداخلي، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: " المجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه ".

وكان صلى الله عليه وسلم يقول في خطبة الحاجة: " ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ".
وقال للحصين بن عبيد: " أسلم حتى أعلمك كلمات ينفعك الله بها "، فأسلم، فقال: " قل اللهم ألهمني رشدي وقني شر نفسي ".

فمن لم يَسلم من شر نفسه لم يصل إلى الله تعالى؛ لأنها تحول بينه وبين الوصول إليه، والناس قسمان:

قسم ظفرت به نفسه فملكته وأهلكته وصار مطيعاً لها.

وقسم ظفر بنفسه فقهرها حتى صارت مطيعة له، وقد ذكر الله القِسمين في قوله تعالى: {فَأَمَّا مَن طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى }(النازعات:37-41).

فالنفس تدعو إلى الطغيان وإيثار الحياة الدنيا، والرب يأمر عبده بخوفه ونهي النفس عن الهوى، والعبد إما أن يجيب داعي النفس فيهلك، أو يجيب داعي الرب فينجو، والنفس تأمر بالشح وعدم الإنفاق في سبيل الله، والرب يدعو إلى الإنفاق في سبيله فيقول سبحانه: {وَأَنفِقُوا خَيْرًا لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }(التغابن:16).

فالنفس قد تسمح بالملايين في سبيل البذخ والإسراف، ولا تسمح بالقرش للفقير والمحتاج، تكون تارة أمّارة بالسوء، وتارة لوّامة تلوم صاحبها بعد الوقوع في السوء، وتارة مطمئنة وهي التي تسكن إلى طاعة الله ومحبته وذكره، فكونها مطمئنة وصف مدح، وكونها أمّارة بالسوء وصف ذم لها، وكونها لوامة ينقسم إلى المدح والذم.

وجهاد النفس يكون بمحاسبتها ومخالفتها. وفي الحديث: " الكيّس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني " ومعنى: دان نفسه: حاسبها..

وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوا أنفسكم قبل أن توزنوا، فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم. وتزينوا للعرض الأكبر، {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ }(الحاقة:18).

وقال ميمون بن مهران: ( لا يكون العبد تقياً حتى يكون لنفسه أشد محاسبةً من الشريك لشريكه ).
ولهذا قيل: ( النفس كالشريك الخوّان إن لم تحاسبه ذهب بمالك ).
وكتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى بعض عماله: ( حاسب نفسك في الرخاء قبل حساب الشدة، فإن من حاسب نفسه في الرخاء قبل حساب الشدة عاد أمره إلى الرضا والغبطة، ومن ألهته حياته، وشغلته أهواؤه عاد أمره إلى الندامة والحسرة ).

وقال الحسن: ( وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة، ويعين الإنسان على محاسبة نفسه معرفته أنه كلما اجتهد فيها اليوم استراح منها غداً إذا صار الحساب إلى غيره، وكلما أهملها اليوم اشتد عليه الحساب غداً، وأنه إذا حاسبها اليوم ربح سكنى الفردوس غداً، وإذا أهملها اليوم فخسارته بدخول النار غداً ).

فحق العاقل الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه في حركاتها، وسكناتها، وخطواتها، وخطراتها..
ويظهر التغابن بين من حاسب نفسه اليوم ومن أهملها يوم القيامة: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا }(آل عمران:30).

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله: ( جهاد النفس أربع مراتب:

أحدها: أن تجاهدها على تعلم الهدى ودين الحق الذي لا فلاح لها ولا سعادة في معاشها ومعادها إلا به. ومتى فاتها علمه شقيت في الدارين.

الثانية: أن تجاهدها على العمل به بعد علمه، وإلا فمجرد العلم بلا عمل إن لم يضرها لم ينفعها.

الثالثة: أن تجاهدها على الدعوة إليه وتعليمه من لا يعلمه. وإلا كان من الذين يكتمون ما أنزل الله من الهدى والبينات، ولا ينفعه علمه، ولا ينجيه من عذاب الله.

الرابعة: أن يجاهدها على الصبر على مشاق الدعوة إلى الله وأذى الخلق، ويتحمل ذلك كله لله ) انتهى كلامه رحمه الله.

فإذا استكمل هذه المراتب الأربع صار من الربانيين، فإن السلف مجمعون على أن العالم لا يستحق أن يسمى ربانياً حتى يعرف الحق، ويعمل به ويعلمه، فمن علم وعمل وعلم فذلك يدعي عظيماً في ملكوت السموات. وفي وصية لقمان لابنه قال: ( يا بني، إن الإيمان قائد والعمل سائق والنفس حزون، فإن فتر سائقها ضلت عن الطريق، وإن فتر قائدها حزنت، فإذا اجتمعا استقامت ).

إن النفس إذا أطمعت طمعت، وإذا فوضت إليها أساءت، وإذا حملتها على أمر الله صلحت، وإذا تركت الأمر إليها فسدت، فاحذر نفسك، واتهمها على دينك، وأنزلها منزلة من لا حاجة له فيها، ولا بد له منها، وإن الحكيم يذل نفسه بالمكاره حتى تعترف بالحق، وإن الأحمق يخير نفسه في الأخلاق فما أحبت منها أحب، وما كرهت منها كره.

لا شك أن النفس تكره مشقة الطاعة، وإن كانت تعقب لذة دائمة. وتحب لذة الراحة، وإن كانت تعقب حسرة وندامة. فهي تكره قيام الليل وصيام النهار، وتكره التبكير في الذهاب إلى المسجد، فكم من شخص يجلس الساعات في المقاهي والأسواق ويبخل بالدقائق القليلة يجلسها في المسجد، تكره إنفاق المال في طاعة الله، تكره الجهاد في سبيل الله. كما قال تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ }(البقرة:216).

تكره الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الله، تكره القيام بالإصلاح بين الناس، وهكذا ما من طاعة إلا وللنفس منها موقف الممانع المعارض، فإن أنت أطعتها أهلكتك وخسرتها، كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ }(الزمر:15).

إن أنت أطعتها فقد ظلمتها، حيث عرضتها لسخط الله وعقابه، وأهنتها وأنت تظن أنك قد أكرمتها حيث أعطيتها ما تشتهي وأرحتها من عناء العمل ومشقته فحرمتها من الثواب.

نسأل الله تعالى أن يقينا شر أنفسنا، وأن يصلحنا ويصلح بنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #763
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:47 AM
Parent: #701

إن القرآن كلام الله الذي أنزله ليعمل به ويكون منهاج حياة للناس، ولا شك أن قراءة القرآن قربة وطاعة من أحب الطاعات إلى الله، لكن مما لا شك فيه أيضا أن القراءة بغير فهم ولا تدبر ليست هي المقصودة، بل المقصود الأكبر أن يقوم القارئ بتحديق ناظر قلبه إلى معاني القرآن وجمع الفكر على تدبره وتعقله، وإجالة الخاطر في أسراره وحِكَمه.

القرآن يدعونا إلى التدبر:

إن الله دعانا لتدبر كتابه وتأمل معانيه وأسراره: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلْبَابِ) [ص:29].

وقد نعى القرآن على أولئك الذين لا يتدبرون القرآن ولا يستنبطون معانيه: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً * وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء:82، 83].

الناس عند سماع القرآن أنواع:

قال تعالى في آياته المشهودة: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) [ق:36، 37].

قال ابن القيم – رحمه الله -: "الناسُ ثلاثةٌ: رجلٌ قلبُه ميتٌ، فذلك الذي لا قلبَ له، فهذا ليست الآية ذكرى في حقه.

الثاني: رجلٌ له قلب حيٌّ مستعدٌّ، لكنه غير مستمعٍ للآيات المتلُوةِ، التي يخبر بها الله عن الآيات المشهودة، إما لعدم وُرُودها، أو لوصولها إليه وقلبه مشغول عنها بغيرها، فهو غائب القلب ليس حاضرًا، فهذا أيضًا لا تحصُلُ له الذكرى، مع استعداده ووجود قلبه.

والثالث: رجلٌ حيُّ القلب مستعدٌّ، تُليت عليه الآيات، فأصغى بسمعه، وألقى السمع، وأحضر قلبه، ولم يشغلْه بغير فهم ما يسمعُهُ، فهو شاهدُ القلب، مُلقي السَّمع، فهذا القِسمُ هو الذي ينتفع بالآيات المتلوَّة والمشهودة.

فالأول: بمنزلة الأعمى الذي لا يُبصر.

والثاني: بمنزلة البصير الطَّامح ببصره إلى غير جهة المنظور إليه، فكلاهما لا يراه.

والثالث: بمنزلة البصير الذي قد حدَّق إلى جهة المنظور، وأتبعه بصره، وقابله على توسُّطٍ من البُعد والقربِ، فهذا هو الذي يراه.

فسبحان من جعل كلامه شفاءً لما في الصدور.

فاعلم أن الرجل قد يكونُ له قلبٌ وقَّادٌ، مليءٌ باستخراج العبر واستنباط الحكم، فهذا قلبه يُوقعه على التذكُّر والاعتبار، فإذا سمع الآيات كانت له نُورًا على نور، وهؤلاء أكملُ خلق الله، وأعظمهم إيمانًا وبصيرةً، حتى كأنَّ الذي أخبرهم به الرسول مشاهدٌ لهم، لكن لم يشعُرُوا بتفاصيله وأنواعه، حتى قيل: إن مثل حالِ الصِّدِّيق مع النبي صلى الله عليه وسلم، كمثل رجلين دخلا دارًا، فرأى أحدهما تفاصيل ما فيها وجزئيَّاته، والآخر وقعت يدُهُ على ما في الدار ولم ير تفاصيلَهُ ولا جُزئياته، لكن علم أن فيها أمورًا عظيمة، لم يدرك بصره تفاصيلها، ثم خرجا فسأله عمَّا رأى في الدار، فجعل كُلما أخبره بشيء صدَّقهن لما عنده من شواهد، وهذه أعلى الدرجات الصديقية، ولا تستبعد أن يَمُنَّ الله المنان على عبدٍ بمثل هذا الإيمان، فإن فضل الله لا يدخل تحت حصرٍ ولا حُسبان.

فصاحبُ هذا القلب إذا سمع الآيات وفي قلبه نورٌ من البصيرة، ازداد بها نورًا إلى نوره. فإن لم يكن للعبد مثل هذا القلب فألقى السمع وشهد قلبُهُ ولم يغب حصل له التذكُّرُ أيضًا: (فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) [البقرة:265]، والوابلُ والطَّلُّ في جميع الأعمال وآثارها وموجباتها. وأهل الجنة سابقون مقرَّبون وأصحابُ يمين وبينهما في درجات التفضيل ما بينهما.

الرسول صلى الله عليه وسلم يتدبر القرآن:

عن حذيفة رضي الله عنه قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة. ثم مضى، فقلت: يصلي بها في ركعة؛ فمضى. ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها. يقرأ مترسلاً، إذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبَّح، وإذا مرَّ بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ". [مسلم].

وبكى صلى الله عليه وسلم حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟

وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

السلف الصالح يتدبرون القرآن:

كان ابن عباسٍ رضي الله عنهما يقول: "ركعتان في تفكرٍ خيرٌ من قيام ليلة بلا قلب".

وكان الفضيل – رحمه الله – يقول: "إنما نزل القرآن ليُعمل به فاتخذ الناس قراءته عملاً. قيل: كيف العمل به؟ قال: ليحلوا حلاله، ويحرموا حرامه، ويأتمروا بأوامره، وينتهوا عن نواهيه، ويقفوا عند عجائبه".

وعمليًا كان منهم من يقوم بآية واحدة يرددها طيلة الليل يتفكر في معانيها ويتدبرها. ولم يكن همهم مجرد ختم القرآن؛ بل القراءة بتدبر وتفهم.. عن محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".

من ثمار التدبر:

اعلم رعاك الله أن العبد إذا وفق لتدبر آيات الله تعالى فاز بالخير العميم، يقول ابن القيم – رحمه الله -:

"فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.

وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه.

فهذه ..أمور ضروري للعبد معرفتها. ومشاهدتها ومطالعتها. فتشهده الآخرة حتى كأنه فيها، وتغيبه عن الدنيا حتى كأنه ليس فيها. وتميز له بين الحق والباطل في كل ما اختلف فيه العالم. فتريه الحق حقا، والباطل باطلا. وتعطيه فرقانا ونورا يفرق به بين الهدى والضلال. والغي والرشاد. وتعطيه قوة في قلبه، وحياة وسعة وانشراحا وبهجة وسرورا. فيصبر في شأن والناس في شأن آخر.

فإن معاني القرآن دائرة على التوحيد وبراهينه، والعلم بالله وما له من أوصاف الكمال، وما ينزه عنه من سمات النقص، وعلى الإيمان بالرسل، وذكر براهين صدقهم، وأدلة صحة نبوتهم. والتعريف بحقوقهم، وحقوق مرسلهم. وعلى الإيمان بملائكته، وهم رسله في خلقه وأمره، وتدبيرهم الأمور بإذنه ومشيئته، وما جعلوا عليه من أمر العالم العلوي والسفلي، وما يختص بالنوع الإنساني منهم، من حين يستقر في رحم أمه إلى يوم يوافي ربه ويقدم عليه. وعلى الإيمان باليوم الآخر وما أعد الله فيه لأوليائه من دار النعيم المطلق، التي لا يشعرون فيها بألم ولا نكد وتنغيص. وما أعد لأعدائه من دار العقاب الوبيل، التي لا يخالطها سرور ولا رخاء ولا راحة ولا فرح. وتفاصيل ذلك أتم تفصيل وأبينه. وعلى تفاصيل الأمر والنهي، والشرع والقدر، والحلال والحرام، والمواعظ والعبر، والقصص والأمثال، والأسباب والحكم، والمبادئ والغايات، في خلقه وأمره.

فلا تزال معانيه تنهض العبد إلى ربه بالوعد الجميل، وتحذره وتخوفه بوعيده من العذاب الوبيل، وتحثه على التضمر والتخفف للقاء اليوم الثقيل. وتهديه في ظلم الآراء والمذاهب إلى سواء السبيل. وتصده عن اقتحام طرق البدع والأضاليل، وتبعثه على الازدياد من النعم بشكر ربه الجليل. وتبصره بحدود الحلال والحرام، وتوقفه عليها لئلا يتعداها فيقع في العناء الطويل. وتثبت قلبه عن الزيغ والميل عن الحق والتحويل. وتسهل عليه الأمور الصعاب والعقبات الشاقة غاية التسهيل. وتناديه كلما فترت عزماته، وونى في سيره: تقدم الركب وفاتك الدليل. فاللحاق اللحاق، والرحيل الرحيل. وتحدو به وتسير أمامه سير الدليل. وكلما خرج عليه كمين من كمائن العدو، أو قاطع من قطاع الطريق نادته: الحذر الحذر! فاعتصم بالله، واستعن به، وقل: حسبي الله ونعم الوكيل.

وفي تأمل القرآن وتدبره، وتفهمه، أضعاف ما ذكرنا من الحكم والفوائد.
ماهر السيد-اسلام ويب

Post: #764
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:49 AM
Parent: #701

الجاذبية الأخلاقية
استوقفني حَدَثَان مِنْ أحداث السيرة العطرة وجدت فيهما فوائد كثيرة وعِبراً جليلة، ولطالما سألت الله لي ولإخواني أَنْ يوفقنا للعمل بما اشتملا عليه.. ولأَنَّ الحَدَثَين وردا في كتب السنة الصحيحة فَلَنْ أسردهما بطولهما، وإِنَّمَا سأقف على محل الشاهد مِنْهُما.
الحَدَث الأول: حين جاء جبريل عَليه السَّلَامُ إلى النَّبِيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم في غار حراء وضمَّه إلى صدره وأمره بالقراءة، عاد النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بعدها إلى بيته مرتعداً يرجف فؤاده، وهو يقول لخديجة رضي الله عنها - بعد أَنْ قَصَّ عليها الخبر -: «لقد خَشِيتُ على نفسي». فقالت له تلك الكلمات الخالدات: «كَلَّا، أَبْشِرْ، فَوَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً؛ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وتصدُق الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ (أي: تنفق على الضعيف، واليتيم وذي العيال.)، وتكسب المعدوم (أي تعاون الفقير وتتبرع بالمال لمن عدمه.)، وَتُقْرِي الضَّيْفَ (أي تكرمه.) ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبَ الحق (ما ينزل بالإِنسان من حوادث ومصائب.)».

الحَدَث الثاني: حين خرج أبو بكر مُهَاجِراً نحو أرض الحبشة ليلحق بمن سبقه إليها من المسلمين، لقيه رجل من المشركين يقال له ابْنُ الدَّغِنَةِ فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي. قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ (أَيْ مُجِيرٌ أمنع من يؤذيك)، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ. فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلاً يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ. فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ، وَآمَنُوا أَبَا بَكْرٍ... إلخ.

إِذا تأملنا هَذَيْنِ الوصفين وجدنا العديد مِن الفوائد التربوية والنفسية والاجتماعية والخُلُقية التي ترتقي بالْإِنْسان إلى أقصى درجات الكمال البشري الممكن والمعبَّر به في وصف أبي بكر بقوله: «لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ»، كما تمنعه تلك الفوائد من السقوط الاجتماعي والنفسي المعبَّر عنه في كلام خديجة - رضي الله عنها - بالخزي، والْخِزْي كما عرفه العلماء هو شُعور مؤلم يسبِّبه الإحساس بالذنب أو الإحراج أو عدم الأهميَّة أو العار.. وسأكتفي بالإشارة إلى بعض الفوائد الخُلُقية، مُرْجِئاً الحديث عن الفوائد التربوية والنفسية لمناسبة أخرى، فأقول مُسْتَعِيناً بِاللَّهِ:

- الجاذبية الأرضيّة هي القوَّة التي ينجذب بها جسم ما نحو مركز الأرض دون اتِّصال بينهما، وعكسها انعدام الوزن، فهو الحالة التي يخفّ بها الإحساسُ بالوزن نظراً لانعدام الجاذبيّة. ولا تقتصر الجاذبية وانعدام الوزن على الأشياء المحسوسة والملموسة فقط، فهناك الجاذبية الأخلاقية والتي تعني القوَّة التي ينجذب بها شخص ما أو جماعة نحو سلوك حسن بِإِرَادَةٍ حرة دون تأثير مادي مِنْ صاحب السلوك، كما أَنَّ انعدام الوزن في عالم الأخلاق يعني انعدام تأثير الشخص في الوسط المحيط نظراً لانعدام جاذبيّته.

وبالتأمل في الحدثين المذكورين نجد أَنَّهما يؤسسان لقانون الجاذبية الأخلاقية، ويؤكدان أَنَّ لهذه الجاذبية مَعَالِمَ ومنارات ظاهرة واضحة كمَعَالِم الْأَرْضِ وَالْبِنَاءِ، وعلى كل مَنْ أراد أَنْ يكون جذاباً أَنْ يقصد هذه المعالم ويسعى إليها، أذكر منها الثلاثة التالية:
المَعْلَمُ الأول: السيرة الحسنة :
من الواضح أَنَّ الأوصاف التي وَصَفَ بها الرجلُ أبا بكر هي عين الأوصاف التي وصفت بها السيدة خديجة رسول الله، وأَنَّ هناك تطابقاً تاماً بين الوصفين، فعلى أي شيء يدل هذا التوافق؟
إِنَّهُ مِنْ جِهَة يدل على ائتلاف الروحين - روح الصادق والصدّيق -، كما يدل على عظيم فضل أبي بكر واتصافه بالصفات البالغة في أنواع الكمال؛ ومِنْ جِهَة أخرى يدل على ضرورة توافر هذه الأوصاف كلها أو جلها في حياة الْقُدْوَات والدعاة ومَنْ أَرَادَ قيادة الناس، بل وفي حياة أفراد المجتمع كافة من جهة أخرى، كما أنَّك إِذا أمعنت النظر في هذه الأوصاف وَجَدْتَهَا تشمل أصول مكارم الأخلاق؛ لأنّ الإحسان إِمَّا إلى الأقارب أو إلى الأجانب، وإِمَّا بالبدن أو بالمال، وإِمَّا على مَنْ يستقل بأمره أو مَنْ لا يستقل، وذلك كله مجموع في الوصفين، مِمَّا جعل النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه قبل البعثة عَلَمين في محيطهما الاجتماعي.
وقد عاب الله على أهل قريش حين لم يستجيبوا لدعوة رسوله، وتساءل سبحانه - تَعَجّباً واسْتَنْكاراً -: لماذا لم يستجيبوا لمحمد؟! هَلْ لأنّهم لا يعرفونه؟! لذا فهم في حاجة إلى وقت حتى يسألوا عَنْ أصله وفصله وعَنْ خلقه وسلوكه؟! لا، ليس الأمر كذلك، فهذا احتمال مستبعد تماماً؛ لأنّهم يعرفونه معرفة تامة - صغيرهم وكبيرهم -، يعرفون شخصه ويعرفون نسبه، ويعرفون - أكثر مِنْ أي أحد - صفاته، يعرفون مِنْه كل خلق جميل، ويعرفون صدقه وأمانته حتى كانوا يسمونه قبل البعثة “الأمين”، فَلِمَ لَا يصدقونه حين جاءهم بالحق العظيم والصدق المبين؟.. لذلك استنكر الله عليهم هذا السلوك العجيب في قوله تعالى: {أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ} [المؤمنون: 69].

فالسيرة الطيبة والأفعال الحميدة والأخلاق الزاكية تجعل صاحبها قدوة طيبة وأسوة حسنة لغيره، ويكون بها كالكتاب المفتوح يقرأ فيه الناس المعاني الجميلة والنبيلة فيقبلون عليها وينجذبون إليها.. ومعلوم أنّ التأثر بالأفعال والسلوك أبلغ وأكثر مِنْ التأثر بالكلام فقط، ولم ينسَ الحكماء أنْ يُضَمِّنوا هذا المعنى في أقوالهم، فقالوا: «عَمَل رَجُلٍ في أَلْفِ رَجُلٍ خَيْرٌ مِن كلام أَلْفِ رَجُلٍ في رَجُلٍ».
وفي التنزيل الحميد موقف يختصر لنا المسافة ويعطينا المعنى في ألطف إشارة، حين قال الْفَتَيَانِ ليوسف - عليه السلام -: «نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين»، وكان هذا الطلب مِنْهما بعد أنْ أُعْجِبَا بصلاحه وسلوكه مع أهل السجن وحُسن معاملته لهم. ومِنْ وجوه الإحسان التي كان يمارسها - على ما يذكر الإمام القرطبي -: «أَنَّهُ كَانَ يَعُودُ الْمَرْضَى وَيُدَاوِيهِمْ، فكَانَ إِذَا مَرِضَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ السِّجْنِ قَامَ بِهِ، وَإِذَا ضَاقَ وَسَّعَ لَهُ، وَإِذَا احْتَاجَ جَمَعَ لَهُ»، ويضيف ابن كثير «وَكَانَ يُوسُفُ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَدِ اشْتُهِرَ فِي السِّجْنِ بِالْجُودِ وَالْأَمَانَةِ وَصِدْقِ الْحَدِيثِ، وَحُسْنِ السَّمْتِ وَكَثْرَةِ الْعِبَادَةِ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَمَعْرِفَةِ التَّعْبِيرِ وَالْإِحْسَانِ إِلَى أهل السجن وعيادة مَرْضَاهُمْ وَالْقِيَامِ بِحُقُوقِهِمْ. وَلَمَّا دَخَلَ هَذَانِ الْفَتَيَانِ إِلَى السِّجْنِ، تَآلَفَا بِهِ وَأَحَبَّاهُ حُبّاً شَدِيداً، وَقَالَا لَهُ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَحْبَبْنَاكَ حُبّاً زَائِداً».

المَعْلَمُ الثاني: الإيجابية والتحرك لمواجهة المشكلات اليومية الحياتية:
مِنْ أهم الأمور التي تُعِينُ على جذب الآخرين نحو شَخْصٍ ما: أنْ يكون عملياً، يَقِلُّ الكلام لديه، في حين تكْثُرُ الأساليب العملية التي تعالج المشكلات المعاصرة المحيطة به على نحو فعال وحاسم، يظهر ذلك بوضوح مِنْ الوَصْفين المشار إليهما، فخديجة - رضي الله عنها - لَمْ تَقُلْ للنبي: وماذا تخشى وقد أَلْقَيْت فيهم خُطْبَةً بَلِيغَةً جَزِلَةً. والذي وصف أبا بكر لم يقل له: لماذا يخرجك قومك وأنت من أشعر (أنسب أو أعرف العرب بشعرها وأنسابها) العرب وأفصحها لساناً؟ إنَّما ذَكَرَا صِفَاتٍ عملية واقعية. ولا يخفى أنَّ ديننا هو دين العمل وأنَّ أكثر الأمور اقتراناً وتساوقاً في القرآن الكريم: الإيمان والعمل الصالح، وكان مِمَّا نهت عنه الشريعة وكرهته وحذرت مِنْه: “القيل والقال”، أي فضول القَوْل والاشتغال بما لا يعني مِنْ أقاويل الناس.

ولا ريب في أَنَّنا سنرتكب خطأ فادحاً حين نظن أَنَّنا نستطيع جذب الآخرين إلى أخلاقنا بمجرد أَنْ نتحدث إليهم عَبْر مكبرات الصوت ونحن قابعون في أبراجنا العاجية، دون أَنْ نوجد حُلُولاً – أو نشارك في إيجاد حُلُول - لمشكلاتهم اليومية الحياتية المختلفة - مثل الفقر والجريمة والْأُمِّيَّة والمرض والبطالة -، وهذا يقتضي الحرص على المخالطة التي لا بُدَّ منها، بل إنَّ هذا الواجب أصبح أشد تَحَتُّماً في زماننا مِنْ أيِّ زمان مضى بعد أَنْ اتسع العمران وضاقت الصدور ونَمَتْ مساحة الشخصي والذاتي على حساب المجتمعي والعام، فخدمة الإسلام لا تكون مِنْ خلال مديحه ولا مِنْ خلال الخطب الرنانة حول إنجازاته، وإنَّما مِنْ خلال الارتقاء بالواقع وتحسين أوضاع أفراد المجتمع..

وقد عاب القرآن الكريم في بداية الدعوة على أهل مكة أَنَّهم كانوا لا يهتمون بما يمكن أَنْ نُسميه بمصطلح العصر المشترك الإنساني، فهاجمهم في عقر دارهم في قوله تعالى: «كَلَّا. بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ. وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ»، فهم لا يكرمون اليتيم الصغير الذي فقد أباه واحتاج إلى مَنْ يُجْبِرُ خاطره ويُحْسِنُ إليه، كما أَنَّهم لا يتواصون على إطعام المحاويج مِن المساكين والفقراء؛ ما يوحي بضرورة توجيه الأنظار إلى الواجب الاجتماعي وإلى العمل العام.

المَعْلَمُ الثالث: التصوّر الصحيح لعلاقة الإنسان بالإنسان:
نحن لا نعلم على وجه التحديد مَنْ هم الذين كانوا ينالون هذه الألوان مِنْ البر والإحسان، حيث لم يُشِرْ أي من النصّين مِنْ قريب أو بعيد إليهم، ولم يتكلّف أحد من الشراح والمفسرين تعيينهم أو تحديد أسماء بعضهم، فليس في ذلك فائدة تُذْكَر، والشيء المؤكد أَنَّهم كانوا ممن يعيشون مع النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه في نفس الحيز المكاني، وقد حرص النبي وصاحبه كل الحرص على إحسان المعاملة معهم ومشاركتهم شعورهم، وهذا يعني أَنَّ مستقبل البشرية سيظل مَرْهُوناً بأمرين أساسيين: حُسْنُ علاقتها بالله جل وعلا، وحُسْنُ العلاقة بين الإنسان والإنسان أيّاً كانت العقائد والتوجهات.
فالله جلّ وعلا بقدرته وحكمته لم يخلق شخصين - منذ نشأة الحياة وإلى أَنْ تقوم الساعة - متشابهين في الشكل والمعنى أو المظهر والجوهر، بل حتى في أطراف الأصابع التي هي مِنْ عظيم قدرته، يشير إلى ذلك قوله تعالى: «بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ»، ومِنْ وجوه التفسير فيها: نحن قادرون على تسوية تلك الخطوط الدقيقة في الأصابع والتي تختلف بين إنسان وإنسان اختلاف الوجوه والأصوات واللهجات، مِمَّا يجعل الإنسان في نهاية المطاف شخصية مستقلة تتولّد عند اجتماعها واختلاطها بغيرها ألوانٌ مِن الاختلاف يستحيل القضاء عليها قَضَاءً تاماً، والمطلوب أَنْ يتجاوز بنو البشر - ولو في المحيط الجغرافي الواحد على الأقل - هذه الاختلافات حتى يتحقق المقصد من الحياة، وهو العمارة والعبادة. ومِنْ عجيب ما استنبطه العلماء من الوصفين المشار إليهما: أَنَّ مَنْ كانت فيه منفعة متعدية لا يُمَكَّن مِنْ الانتقال عن البلد الذي هو فيه إلى غيره بغير ضرورة راجحة. وقد صدقوا، فَهَؤُلَاءِ للناس كالجبال الرواسي للأرض.
اللهم إنّا نسألك إيماناً في حُسْن خُلُق، وصَلَاحاً يَتْبَعُهُ فلاح.. آمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

أحمد عبدالمجيد مكي

Post: #765
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:52 AM
Parent: #701

الدَّين هم وعلاج
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، وبعد:

فقد جلس علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – يوماً متأملاً أشد مخلوقات الله – سبحانه – فقال : " أشدّ خلق ربك عشرة : الجبال ، والحديد ينحت الجبال ، والنار تأكل الحديد ، والماء يطفئ النار ، والسحاب المسخر بين السماء والأرض يحمل الماء ، والريح تُقِلُّ السحاب ، والإنسان يتقي الريح بيده ويذهب فيها لحاجته ، والسُّكْر يغلب الإنسان ، والنوم يغلب السكر ، والهم يمنع النوم ، فأشد خلق ربك الهم ". (رواه الطبراني في الأوسط وقال الهيثمي : رجاله ثقات).

فالهمُّ من أشد ما يفتك بصحة المرء ورشده ، ولذا كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يستعيذ بالله منه دوماً ، ففي صحيح البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: " كنت أخدم النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا نزل فكنت أسمعه كثيراً يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن وضلع الدين وقهر الرجال ".

والهموم تتنوع وتختلف ، ومن أشد الهموم وطأة على المرء همُّ الدين ، فمن الأمثلة السائرة عند العرب في ذلك قولهم :

لا همَّ إلا همُّ الدَّين ، وقولهم : الدَّينَ ولو درهم ( أي : احذر ) ، وكان يقال : الَّدين ينقص من الدِّين والحسب ، ويقال : الدَّين همٌّ بالليل ومذلة بالنهار ، ويقال : إياكم والدَّين فإن أوله همّ وآخره حرب ، ويقال : الدَّين رق ، فليختر أحدكم أين يضع رقه ، وكان يقال : الأذلة أربعة : النمام والكذاب والفقير والمديان ، ويقال : حرية المسلم كرامته، وذله دَيْنه، وعذابه سوء خلقه، وقال عمر بن عبد العزيز: الدَّين وقر طالما حمله الكرام، وبث أحدهم معاناته مع الدَّيْن شعراً فقال :

ألا ليت النهار يعود يومــــاً فإن الصبح يأتي بالهمـوم
حـوائـج ما نطيق لها قضاءً ولا دفعاً وروعاتُ الغريم

إن الإسلام قد شدد في مسألة الدين تشديداً يحمل المرء على عدم الاقتراب منه إلا عند الضرورة القصوى ؛ إذ الدين مانع من مغفرة الذنب وإن كانت الخاتمة شهادة في سبيل الله ، ففي صحيح مسلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قام في أصحابه فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال ، فقام رجل فقال : يا رسول الله أرأيت إن قُتلت في سبيل الله أتُكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله : " نعم ، إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر " ، ثم قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : " كيف قلت ؟ " ، قال : أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي ؟ فقال رسول الله : "نعم ، وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدَّين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك " ، بل ذلك من أعظم الذنوب بعد الكبائر ، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : " إن أعظم الذنوب عند الله أن يلقاه بها عبد بعد الكبائر التي نهى الله عنها أن يموت رجل وعليه دين لا يدع له قضاءً " (رواه أحمد وأبو داود وسكت عنه).

والدَّين مما قد يعاقب عليه في القبر فعن جابر بن عبد الله قال : توفي رجل فغسلناه وكفناه وحنطناه ثم أتينا به رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليصلي عليه ، فقلنا : تصلي عليه ؟ فخطا خطوة ثم قال: " أعليه دين ؟ " قلنا : ديناران ، فانصرف ، فتحملهما أبو قتادة ، فأتيناه ، فقال : أبو قتادة : الديناران عليّ ، فقال رسول الله : " قد أوفى الله حقَّ الغريم وبرئ منهما الميت ؟ قال : نعم ، فصلى عليه ، ثم قال بعد ذلك بيومين : " ما فعل الديناران ؟ " قلت : إنما مات أمس ، قال : فعاد إليه من الغد فقال : قد قضيتها ، فقال رسول الله : الآن بردت جلدته ". (رواه أحمد وصححه الحاكم وحسنه المنذري).

ونفس المؤمن محبوسة عن الكرامة حتى يقضى دينه ، يقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – : " نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه " (رواه الترمذي وحسنه البغوي) ، وقضاء الديون في الآخرة بالحسنات والسيئات، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : "ومن مات وعليه دين فليس بالدينار والدرهم، لكن بالحسنات والسيئات ".( رواه أحمد وصححه الألباني) .

ودخول الجنة معلق بقضاء الدين ، فقد قال محمد بن عبد الله بن جحش – رضي الله عنه – : كان رسول – صلى الله عليه وسلم – قاعداً حيث توضع الجنائز فرفع رأسه قِبَل السماء ثم خفض بصره فوضع يده على جبهته فقال : "سبحان الله سبحان الله ما أنزل من التشديد " قال : فعرفنا وسكتنا حتى إذا كان الغد سألت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقلنا : ما التشديد الذي نزل ؟ قال : " في الدَّين ، والذي نفسي بيده لو قتل رجل في سبيل الله ثم عاش ثم قتل ثم عاش ثم قتل وعليه دين ما دخل الجنة حتى يقضى دينه ".(رواه النسائي وصححه الحاكم وحسنه الألباني) ، وقال أبو هريرة – رضي الله عنه – : " من كان عليه دين ، فأيسر به فلم يقضه فهو كآكل السحت " (رواه عبد الرزاق).

وكل ذلك مما جعل النبي – صلى الله عليه وسلم – على كمال شفقته ورحمته يدع الصلاة على الميت إن كان عليه دين قبل أن يكثر المال في الدولة الإسلامية ليكون السداد منها .
فهذه النصوص المخيفة تحمل المرء على التحرز من الديون وإن يُسرت له وزينت في دعايات المصارف ودور التمويل والتقسيط .

إن المتأمل للهدي الإسلامي الشامل لجوانب الحياة في تعامله مع همِّ الدين يجد الدواء الناجع لهذا الداء دفعاً له قبل وقوعه ، ورفعاً له بعد الوقوع ، وحسماً لأثره عند القضاء وبعده ، أما الإجراءات الوقائية المانعة من الدين ، فهي التحذير من الدين وبيان خطره كما تقدم ، ومنها :

الاقتصاد وحسن التدبير

إذ أكثر الديون تصرف في الكمالات ، كما قال الله – تعالى – : {وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا} [الإسراء : 29]، وذلك يستلزم ضبط المصروف وحسن تقسيمه ، وعدم الانصياع لبهرج الدعاية والإعلان ، والتخلص من العادات السيئة وإن جرى بها العمل في المجتمع وعدم مجاراتهم في عاداتهم المباحة إن لم تطق ، كذبح الخراف للضيوف وإن كلفته ديناً ، ومن حسن التدبير ترك التسجيل لدى المحلات لئلا يتساهل في الشراء ويقع في الدين ، ومن حسن التدبير إبقاء جزء من المال للظروف الطارئة كما كان هدي النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ إذ يقول : " لو كان لي مثل أحد ذهباً ما يسرني ألا يمر علي ثلاث وعندي منه شيء إلا شيئاً أرصده لدين ". (رواه البخاري ومسلم واللفظ للبخاري).

ومنها:طلب تلمس البركة في الأرزاق.

ومنها أن يعوّد المرء نفسه وأهله على عدم الاستجابة للرغبات النفسية في تحقيق كل ما تريد ، والقناعة بما رزقوا ، فقد مرّ جابر على عمر بن الخطاب بلحم قد اشتراه بدرهم فقال له عمر : ما هذا ؟ قال : اشتريت بدرهم ، قال : كلما اشتهيت شيئاً اشتريته .

وما عولج الطمع بمثل اليأس :

إذا غـلا شـيء عـلـيّ تركـتــه فيكون أرخص ما يكون إذا غلا


فإن اضطر إلى الدَّين اضطرار فماذا عليه ؟ هذا ما نجيب عنه في مقالنا القادم إن شاء الله تعالى، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسزله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

في المقال السابق عن الدين بينا كيف أن الشرع الحنيف حث المؤمنين على تجنب الدين قدر المستطاع ، كما بينا بعض الأضرار المترتبة على الدين ، لكن قد يضطر العبد إلى الاستدانة فإن اضطر اضطراراً إلى الدين فعليه بما يلي :

1- الصدق في نية الوفاء والعزم عليه :

فبهذه النية يسلم المرء من مغبة الدين وخطره ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم– : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها ، أدى الله عنه ، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله ". (رواه البخاري ومسلم) .

وروى النسائي وابن حبان في صحيحه مرفوعاً : "ما من أحد يدان ديناً يعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أدى الله عنه في الدنيا " . وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : " من داين بدين وفي نفسه قضاؤه فمات تجاوز الله عنه وأرضى غريمه بما شاء ، ومن داين بدين وليس في نفسه وفاؤه فمات اقتص لغريمه منه يوم القيامة ". (رواه الطبراني في الكبير وثبته المباركفوري).

وبهذه النية يعان المرء في قضاء دينه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله مع الدائن حتى يقضي دينه مالم يكن فيما يكره الله ". (رواه الدارمي وحسنه المنذري وابن حجر).

وهذه النية لا تكون صادقة إلا بفعل الأسباب الممكنة في السداد وإن كانت قليلة لا تقوم بتغطية الدين ، فمن ذلك : توثقة الدين وكتابته في الوصية ( والوصية حينئذٍ واجبة ) ورهن المبيع به ، وإعطاء المدين الدائن الفائض من المال عن حاجته وإن كان قليلاً ، ومنها : الاقتصاد في النفقة ؛ لينفضل ما يكون به السداد ، وقد كان هذا منهج الصحابة في قضاء الدين كما فعل جابر بن عبد الله وابن الزبير في ديون والديهما ، كما روى ذلك البخاري في صحيحه .

2- حسن الظن بالله والاستعانة به

فالله عند ظن عبده به ، وقد أوصى الزبير بن العوام ابنه عبد الله بقضاء دينه وقال له : " يا بني إن عجزت عنه في شيء فاستعن عليه بمولاي " فقال له : " يا أبةِ من مولاك ؟ " فقال : " الله "، قال عبد الله : " فو الله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه دينه فيقضيه " رواه البخاري .

3- ذكر الله ودعاؤه

فمن ذلك دعاء يونس عليه السلام ، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم – : " دعوة ذي النون إذ دعاه وهو في بطن الحوت لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ، فإنه لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له ". (رواه الترمذي وصححه الحاكم) ، ومنها دعاء الكرب الذي يدعو به النبي – صلى الله عليه وسلم – كما قال ابن عباس : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب : " لا إله إلا الله العظيم الحليم ، لا إله إلا الله رب العرش العظيم ، لا إله إلا الله رب السماوات والأرض ورب العرش الكريم ". (رواه البخاري ومسلم).
ومنها لزوم الاستغفار ، فقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : "من لزم الاستغفار جعل الله من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا ، ورزقه من حيث لا يحتسب " . (رواه أبو داود وسكت عنه) . ومنها قول : " لا حول ولا قوة إلا بالله " ، فقد قال مكحول : " من قال لا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ من الله إلا إليه كشف الله عنه سبعين باباً من الضر أدناهن الفقر ".( رواه الترمذي وصححه الألباني).

وهناك أدعية خاصة بقضاء الدين ، ومنها :

ما روى أبو داود وسكت عنه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دخل ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له أبو أمامة ، فقال : يا أبا أمامة ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ فقال : هموم لزمتني وديون يا رسول الله ، قال : أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك ؟ قال : قلت : بلى يا رسول الله ، قال :

"قل إذا أصبحت وإذا أمسيت : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل ، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال ". قال : ففعلت ذلك ، فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني .

ومنها ما رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم وحسنه الألباني أن علي بن أبي طالب قال لرجل جاء يطلب أن يعينه في دينه ، فقال له : ألا أعلمك كلمات علمنيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كان عليك مثل جبل صبير (جبل في اليمن) ديناً لأداه الله عنك ، قل : "اللهم اكفني بحلالك عن حرامك، وأغنني بفضلك عمن سواك ".

ومنها ما رواه الطبراني في الصغير وجوّده المنذري وحسنه الألباني أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لمعاذ : "ألا أعلمك دعاء تدعو به لو كان عليك مثل جبل أحد ديناً لأداه الله عنك؟ ، قل : يا معاذ : اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير ، رحمن الدنيا والآخرة ورحيمهما تعطيهما من تشاء وتمنعهما من تشاء ارحمني رحمةً تغنيني بها عن رحمة من سواك " .

4-الحرص على الأسباب الجالبة للرزق

كبر الوالدين وصلة الأرحام ، والإحسان إلى الضعفاء وسؤال البركة ، فقد روى البخاري في صحيحه عن جابر أخبر أن أباه قتل يوم أحد شهيداً ، وقال : وعليه دين ، فاشتد الغرماء في حقوقهم فأتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم فسألهم أن يقبلوا تمر حائطي ( بستاني ) ، ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي حائطي وقال : سنغدو عليك ، فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجَدَدتُّها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها " .

5- توسيط الوجهاء للشفاعة في إسقاط الدين أو بعضه

كما فعل النبي – صلى الله عليه وسلم – مع جابر .
فإذا حلَّ الدين فإن الإسلام قد حض على حسن الوفاء ، وذلك بأدائه في موعده المحدد ، والزيادة عليه كرماً من المدين دون طلب من الدائن أو شرط ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رجلاً أتى النبي – صلى الله عليه وسلم – يتقاضاه بعيراً ، فقال النبي : "أعطوه" ، فقالوا : ما نجد إلا سناً أفضل من سنه ، فقال رسول الله : " أعطوه فإن من خيار الناس أحسنهم قضاءً " فقال الرجل : أوفيتني أوفاك الله ، رواه البخاري ومسلم بنحوه . بهذا التعامل الراقي يحسم هم الدين وينقلب محمدة للإنسان .

ولئن كان النصح مزجى للمدين ، فللدائن حظ منه ، وهذه رسالة إليه :

أخي الدائن ! إني موصيك بأربع فاحفظها وعها ، تغْنم وتسلم :

الأولى : إياك أن يحملك حب المال على استغلال ظروف الناس وحاجتهم فتزيد في الأسعار زيادة لا تقبل فتنزع البركة من بيعتك .

الثانية : الدَّين إرفاق فإياك أن تلوثه بالحرام كالربا والتحايل عليه .

الثالثة : لا تفوّت فضيلة إنظار المدين ، وإسقاط الدين كله أو بعضه عنه ، فقد تجاوز الله عن مذنب كان يتجاوز عن المعسرين كما ثبت ذلك في صحيح البخاري .

الرابعة : إياك والفجر في الخصومة ، بأن تعتدي في خصومتك لمدينك فتشتكيه وأنت تعلم عسرته أو تدعو على ولده أو زوجه أو قريب أو تتلفظ عليهم أمام الناس .

وتذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – دعا بالرحمة لمن كان سمحاً في قضائه كما ثبت ذلك في صحيح البخاري.


نسأل الله أن يقضي الدين عن كل مدين ، وأن يغني المسلمين من فضله ؛ إنه جواد كريم ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
محمد بن عبد الله السحيم

Post: #766
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:53 AM
Parent: #701

الإحسان عبادة الأبرار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

فإن الإحسان مشتق من «الحُسن» الذي هو الجمال والبهاء لكل ما يصدر من العبد من خطرات ونبرات وتصرفات، وهو أعلى مقامات الرفعة الإنسانية ، والمفتاح السحري لكل أزماتها وجسر سعادتها الأبدية، وكفى الإحسان شرفا أن البشرية جمعاء اتفقت على حبه ومدحه وأجمعت على كره ضده من كافة صنوف الإساءة، ولذلك أولى الإسلام الإحسان عناية بالغة وجعله أسمى هدف تصبو إليه نفوس العابدين، وهو طريق الوصول لمحبة الله تعالى ومعيته ورحمته، بل ورؤيته يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، في جنة الخلد، في مقعد صدق عند مليك مقتدر.

من أبلغ الأقوال في الإحسان قول من أوتي جوامع الكلم – صلى الله عليه وسلم-: «أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ» (البخاري ومسلم).

ففي هذه الكلمات النبوية الجامعة من مقتضيات المراقبة والخشية والإنابة والإتقان والاتباع وصفاء السريرة .. ما فيه صلاح الدنيا والآخرة. فبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الإحسان على مرتبتين متفاوتتين :

(أعلاهما) عبادة الله كأنك تراه، وهذا «مقام المشاهدة»، وهو أن يعمل العبد على مقتضى مشاهدته لله تعالى بقلبه حيث يتنور القلب بالإيمان وتنفذ البصيرة في العرفان حتى يصير الغيب كالعيان، وهذا هو حقيقة مقام الإحسان. ولذلك لما خطب عروة إِلَى ابن عمر ابنته وهما في الطواف لم يجبه بشيء، ثم رآه بعد ذلك فاعتذر إِلَيْهِ، وقال: «كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا».(الحلية، أبو نعيم).

الثاني: «مقام المراقبة» وهو أن يعمل العبد على استحضار مشاهدة الله إياه واطلاعه عليه وقربه منه، فإذا استحضر العبد هذا في عمله وعمل عليه فهو مخلص لله تعالى؛ لأن استحضاره ذلك في عمله يمنعه من الالتفات إلى غير الله تعالى وإرادته بالعمل، قال الحارث المحاسبي: «أوائل المراقبة علم القلب بقرب الرب»، وقال بعض السَّلف: «من عمل لله عَلَى المشاهدة فهو عارف، ومن عمل عَلَى مشاهدة الله إياه فهو مخلص».

ويتفاوت أهل هذين المقامين بحسب نفوذ البصائر ؛ لذلك قال النووي –رحمه الله-: (وهذا القدر من الحديث أصل عظيم من أصول الدين، وقاعدة مهمة من قواعد المسلمين، وهو عمدة الصديقين، وبغية السالكين، وكنز العارفين، ودأب الصالحين).

وقالوا أيضا في الإحسان: «فعل الخيرات على أكمل وجه». «تحسين الظاهر والباطن». «الإتيان بغاية ما يمكن من تحسين العمل المأمور به، ولا يترك شيئاً مما أمر به». «امتلاء القلب بحقيقة الألوهية كأنه يشاهد الله عياناً». «مراعاة الخشوع والخضوع».

وبالجملة فالإحسان هو الذي خُلقنا من أجله، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} ثم بيّن الحكمة فقال: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} (الملك:2).

والإحسان ذروة الأعمال، وهو أن تقدم الفعل من غير عوض سابق، بل يساء إليك ولا يسعك إلا أن تقدم الإحسان، كما فعل يوسف الصديق عليه السلام {يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ سَبْعٌ شِدَادٌ يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (يوسف: 46-48)فعاملهم بالإحسان فلم يعبر لهم الرؤيا فقط بل أعطاهم الحَل معه {فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ}.

بل إن الذي يستلفت النظر في قصة يوسف عليه السلام كثرة تكرار صفة الإحسان، فكان محسنا مع ربه ومع الناس –وهما متلازمان- فقد سمى الله قصته {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَـذَا الْقُرْآنَ} (يوسف:3)أي من أحسنه.

ورتب على الإحسان إيتاءه الحكم والعلم مع الشباب {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:22).

ووصفه السجناء بذلك {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:36).

وبه مكنه الله تعالى في الأرض {وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:56).

وقال له إخوته وهم لا يعرفونه {قَالُواْ يَا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنَا مَكَانَهُ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:78).

وقال عن نفسه وأخيه {قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وَهَـذَا أَخِي قَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف:90).

ثم أثنى على ربه بإحسانه إليه {وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ مِن بَعْدِ أَن نَّزغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِّمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} (يوسف:100).

فلم يذهب إحسانه سدى، فكل إحسان يفعله العبد حتى فيمن لا يستحقون لابد أن يكافئه عليه الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} (الرحمن:60)فاصنع المعروف في أهله وفي غير أهله، فإن صادف أهله فهو أهله، وإن لم يصادف أهله فأنت أهله.

والإحسان خير مكانة يتبوأها العبد لأنه إن أساء وسعه بعده الإيمان ثم الإسلام، أما من يعيشون على الحد الأدنى للإسلام فهو مع النقص مهدد بكفر الاعتقاد أو كفر النعمة.

قال ابن تيمية: (جعل النبي صلى الله عليه وسلم الدين ثلاث درجات: أعلاها الإحسان، وأوسطها الإيمان، ويليه الإسلام. فكل محسن مؤمن، وكل مؤمن مسلم، وليس كل مؤمن محسنا، ولا كل مسلم مؤمنا ..)، ثم قال: (وأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإيمان، والإيمان أعم من جهة نفسه، وأخص من جهة أصحابه من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين).

وخلق الإحسان يتسع ليشمل القول والعمل والعبادات والمعاملات .. فهو إكسير الحياة الذي يحيلها طيبة متآلفة، لذلك جعل الله تعالى رحمته ومحبته جائزة المحسنين {وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (آل عمران:134){إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (الأعراف:56).

كما أن القلوب جبلت على حب من أحسن إليها، ولذلك قال –صلى الله عليه وسلم-: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن» (الترمذي)
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم*** فطالما استعبد الإنسان إحسان

وأعظم ثمرات الإحسان قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} (يونس:26)الحُسْنَى: أي البالغة الحسن في كل شيء، من جهة الكمال والجمال، وهي الجنة، وقد ثبت عن النبي في صحيح مسلم تفسير الزيادة المذكورة في هذه الآية الكريمة بأنها النظر إلى وجه الله الكريم في الجنة، ولا يخفى ما بين هذا الجزاء وذلك الإحسان من المناسبة، فالمحسنون الذين عبدوا الله كأنهم يرونه، جزاهم على ذلك العمل النظر إليه عياناً في الآخرة {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}(الرحمن:60)وعكس هذا ما أخبر الله به عن الكفار في الآخرة بقوله: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} (المطففين:15) {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى}(النجم:31).

إن الإحسان هو الأمارة الدالة على الفوز والنجاة. فمن كان من أهل السعادة، عَمِل عَمَل المحسنين، ومن كان من أهل الشقاء عمل عمل المسيئين. فهو طريقك وهدفك ومحل كدك ونصبك .. روى الطبراني عن أبي سلمة عن معاذ –رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله أوصني. قال: «اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، واذكر الله عند كل حجر وعند كل شجر، وإذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة، السر بالسر والعلانية بالعلانية» (حسن لغيره، الألباني).

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المحسنين ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلىالله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #767
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 01:56 AM
Parent: #701

الحجب بين العبد وبين الله
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على محمد صلى الله عليه وسلم فهذه الحجب العشرة بين العبد وربه:

1- الحجاب الأول: الجهل بالله:
ألّا تعرفه.. فمن عرف الله أحبه.. وما عرفه من لم يحبه.. وما أحب قط من لم يعرفه.. لذلك كان أهل السنة فعلا طلبة العلم حقا هم أولياء الله الذين يحبهم ويحبونه.. لأنك كلما عرفت الله أكثر أحببته أكثر..
قال شعيب خطيب الأنبياء لقومه: {واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود } (هود:90).
وقال ربك جلّ جلاله: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّا }(مريم:96).
إن أغلظ الحجب هو الجهل بالله وألا تعرفه.. فالمرء عدو ما يجهل..
إن الذين لا يعرفون الله يعصونه.
من لا يعرفون الله يكرهونه.
من لا يعرفون الله يعبدون الشيطان من دونه.
ولذلك كان نداء الله بالعلم أولاً: { فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات }(محمد:19).
فالدواء أن تعرف الله حق المعرفة.. فإذا عرفته معرفة حقيقية فعند ذلك تعيش حقيقة التوبة.

2- الحجاب الثاني: البدعة:
فمن ابتدع حجب عن الله ببدعته.. فتكون بدعته حجابا بينه وبين الله حتى يتخلص منها.. قال صلى الله عليه وسلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "(متفق عليه).
والعمل الصالح له شرطان:
الإخلاص: أن يكون لوجه الله وحده لا شريك له.

والمتابعة: أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
ودون هذين الشرطين لا يسمى صالحاً.. فلا يصعد إلى الله.. لأنه إنما يصعد إليه العمل الطيب الصالح.. فتكون البدعة حجاباً تمنع وصول العمل إلى الله.. وبالتالي تمنع وصول العبد.. فتكون حجاباً بين العبد وبين الرب.. لأن المبتدع إنما عبد على هواه.. لا على مراد مولاه.. فهو حجاب بينه وبين الله.. من خلال ما ابتدع مما لم يشرّع الله.. فالعامل للصالحات يمهد لنفسه.. أما المبتدع فإنه شرّ من العاصي.

3- الحجاب الثالث: الكبائر الباطنة:
وهي كثيرة كالخيلاء.. والفخر.. والكبر.. والغرور.. هذه الكبائر الباطنة أكبر من الكبائر الظاهرة.. أعظم من الزنا وشرب الخمر والسرقة.. هذه الكبائر الباطنة إذا وقعت في القلب.. كانت حجاباً بين قلب العبد وبين الرب.
ذلك أن الطريق إلى الله إنما تقطع بالقلوب.. ولا تقطع بالأقدام.. والمعاصي القلبية قطاع الطريق.
يقول ابن القيّم رحمه الله تعالى: ( وقد تستولي النفس على العمل الصالح.. فتصيره جنداً لها.. فتصول به وتطغى.. فترى العبد: أطوع ما يكون.. أزهد ما يكون.. وهو عن الله أبعد ما يكون.. ) فتأمل..!!

4- الحجاب الرابع: حجاب أهل الكبائر الظاهرة:
كالسرقة.. وشرب الخمر.. وسائر الكبائر..
إخوتاه.. يجب أن نفقه في هذا المقام.. أنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.. والإصرار هو الثبات على المخالفة.. والعزم على المعاودة.. وقد تكون هناك معصية صغيرة فتكبر بعدة أشياء وهي ستة:

(1) بالإصرار والمواظبة:

مثاله: رجل ينظر إلى النساء.. والعين تزني وزناها النظر.. لكن زنا النظر أصغر من زنا الفرج.. ولكن مع الإصرار والمواظبة.. تصبح كبيرة.. إنه مصر على ألا يغض بصره.. وأن يواظب على إطلاق بصره في المحرمات.. فلا صغيرة مع الإصرار..

(2) استصغار الذنب:

مثاله: تقول لأحد المدخنين: اتق الله.. التدخين حرام.. ولقد كبر سنك.. يعني قد صارت فيك عدة آفات: أولها: أنه قد دب الشيب في رأسك. ثانياً: أنك ذو لحية. ثالثاً: أنك فقير.
فهذه كلها يجب أن تردعك عن التدخين.. فقال: هذه معصية صغيرة.

(3) السرور بالذنب:

فتجد الواحد منهم يقع في المعصية.. ويسعد بذلك.. أو يتظاهر بالسعادة.. وهذا السرور بالذنب أكبر من الذنب.. فتراه فرحاً بسوء صنيعه.. كيف سب هذا؟؟.. وسفك دم هذا؟.. مع أن " سباب المسلم فسوق وقتاله كفر". ( البخاري).
أو أن يفرح بغواية فتاة شريفة.. وكيف استطاع أن يشهر بها.. مع أن الله يقول: {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم }(النور:19).
انتبه.. سرورك بالذنب أعظم من الذنب.

(4) أن يتهاون بستر الله عليه:

قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: ( يا صاحب الذنب لا تأمن سوء عاقبته.. ولما يتبع الذنب أعظم من الذنب إذا عملته.. قلة حيائك ممن على اليمين وعلى الشمال ـ وأنت على الذنب ـ أعظم من الذنب.. وضحكك وأنت لا تدري ما الله صانع بك أعظم من الذنب.. وفرحك بالذنب إذا ظفرت به أعظم من الذنب.. وخوفك من الريح إذا حركت ستر بابك ـ وأنت على الذنب ـ ولا يضطرب فؤادك من نظر الله إليك أعظم من الذنب ).

(5) المجاهرة:

أن يبيت الرجل يعصي.. والله يستره.. فيحدث بالذنب.. فيهتك ستر الله عليه.. يجيء في اليوم التالي ليحدث بما عصى وما عمل!!.. فالله ستره.. وهو يهتك ستر الله عليه.
قال صلى الله عليه وسلم: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين.. وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله عليه فيقول: يا فلان عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عليه ". ( البخاري).

(6) أن يكون رأساً يقتدى به:

فهذا مدير مصنع.. أو مدير مدرسة أو كلية.. أو شخصية مشهورة.. ثم يبدأ في التدخين.. فيبدأ باقي المجموعة في التدخين مثله.. ثم بعدها يبدأ في تدخين المخدرات.. فيبدأ الآخرون يحذون حذوه.
هكذا فتاة قد تبدأ لبس البنطلون الضيق يتحول بعدها الموضوع إلى اتجاه عام.
وهكذا يكون الحال إذا كنت ممن يُقتدى بهم.. فينطبق عليك الحديث القائل: " من سنّ في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها من بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء ". (مسلم).

وللحديث بقية وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
مستفاد من كلام الإمام ابن القيم

Post: #768
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:00 AM
Parent: #701

من أسباب محبة الله للعبد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين، وبعد:
قال الإمام ابن القيم - رحمه الله - عن المحبة:

( المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها شخص العاملون، وإلى علمها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبون، وبروح نسيمها تروح العابدون، وهي قوت القلوب، وغذاء الأرواح، وقرة العيون وهي الحياة التي من حرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي من عدمه حلت بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام، تالله لقد ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب ).

وليس الشأن أن تحب الله تعالى، فأنت في كل نَفَس وفي كل حركة وسكون في نومك ويقظتك مغمور بنعم الله تعالى : { وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ } ( النحل: 53)، فالمؤمنون يحبون ربهم تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ } ( البقرة:165) ولكن الشأن أن يحبك الله تعالى كما قال تبارك وتعالى عن بعض عباده: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ } ( المائدة:54)، فكيف يمكن أن يترقى العبد من درجة المحب إلى المحبوب؟ وما هي الأسباب التي تعينه على الوصول إلى هذه الرتبة العالية؟

لقد أجاب على ذلك الأئمة ومنهم الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى وذكر لذلك أسبابا منها:

السبب الأول: قراءة القرآن بتدبر وتفهم لمعانيه، وما أريد به

كتدبر الكتاب الذي يحفظه العبد ويشرحه ليتفهم مراد صاحبه منه.

و ينبغي حين تقرأ القرآن أن تستشعر أن الله تعالى يكلمك ويخاطبك وقد أثر عن بعض السلف قوله:من أحب أن يكلمه الله تعالى فليقرأ القرآن.

وتلاوة القرآن هي في حقيقتها مناجاة بين العبد وربه، قال الإمام النووي رحمه الله: ( أول ما يجب على القارىء، أن يستحضر في نفسه أنه يناجي الله تعالى ).

فيتدبر العبد كلام الله تعالى وإذا وفق لفهم معانيه حمد الله تعالى على هذه النعمة العظيمة، قال ابن الجوزي رحمه الله: ( ينبغي لتالي القرآن العظيم أن ينظر كيف لطف الله تعالى بخلقه في إيصاله معاني كلامه إلى أفهامهم وأن يعلم أن ما يقرأه ليس من كلام البشر، وأن يستحضر عظمة المتكلم سبحانه، بتدبر كلامه ).

إن السابقين من هذه الأمة أنزلزا القرآن منزلته اللائقة به كما قال الحسن بن على رضي الله عنهما: ( إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم فكانوا يتدبرونها بالليل، ويتفقدونها في النهار ).

ولهذا فإن رجلاً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم استجلب محبة الله بتلاوة سورة واحدة وتدبرها ومحبتها، هي سورة الإخلاص التي فيها صفة الرحمن جل وعلا فظل يرددها في صلاتة، فلما سُئل عن ذلك قال: ( لأنها صفة الرحمن، وأنا أحب أن أقرأها ) فقال النبي صلى الله عليه وسلم"أخبروه أن الله يحبه " (البخاري).

وليس المقصود من تلاوة القرآن مجرد القراءة بلا فهم ولا تدبر، إنما المقصود من القراءة هو التدبر، وإن لم يحصل التدبر إلا بترديد الآية فليرددها كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
فقد قام النبي صلى الله عليه وسلم ليلة بآية يرددها: {إن تُعَذّبهُم فَإِنّهُم عِبَادُكَ وَإن تَغفِر لَهُم فَإنّكَ أنتَ العَزِيز الحَكيمُ }(المائدة:118).

وقامت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بآية ترددا وتبكي وهي قوله تعالى: { فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ} (الطور:27)

وقام تميم الداري رضي الله عنه بآية وهي قوله تعالى: {أَم حَسِبَ الّذِينَ اجتَرَحُوا السّيِئَاتِ أن نّجعَلَهُم كَالّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَوَآءً مّحيَاهُم وَمَمَاتُهُم سَآءَ مَا يَحكُمُون }(الجاثية:21).

السبب الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض:

فإنها من أعظم أسباب الفوز بمحبة الرب جل وعلا.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة سبحانه وتعالى" من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشىء أحب إلي مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه "(البخاري).

وقد بين هذا الحديث صنفين من الناجين الفائزين.
الصنف الأول: المحب لله وهو مؤد لفرائض الله، وقافٌ عند حدوده.
الصنف الثاني: المحبوب من الله وهو الذي يتقرب إلى الله بعد الفرائض بالنوافل. وقد ذكر العلامة ابن القيم رحمه الله أن هذا السبب موصل إلى درجة المحبوبية بعد المحبة ، بمعنى أنه يصير بهذا محبوبا لله تعالى.

وقد ذكر العلامة ابن رجب رحمه الله أن أولياء الله المقربين قسمان ، فقال عن القسم الثاني: (من تقرب إلى الله تعالى بعد أداء الفرائض بالنوافل، وهم أهل درجة السابقين المقربين، لأنهم تقربوا إلى الله بعد الفرائض بالاجتهاد في نوافل الطاعات، والإنكاف عن دقائق المكروهات بالورع، وذلك يوجب للعبد محبة الله كما قال تعالى في الحديث القدسي:"لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه "فمن أحبه الله رزقه محبته وطاعته والحظوة عنده ).
والنوافل التي يتقرب بها العبد إلى الله تعالى هي الزيادة المشروعة من جنس أنواع الفرائض كالصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة.

السبب الثالث: دوام ذكر الله تعالى على كل حال

بالسان والقلب والعمل والحال، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من الذكر.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله عز وجل يقول: أنا مع عبدي ما ذكرني وتحركت بي شفتاه "(صحيح ابن ماجه للألباني).
وقال الله تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ }(البقرة:152).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قد سبق المُفردون "قالوا: ومن المفردون يا رسول الله؟ قال:" الذاكرون الله كثيراً والذاكرات "(مسلم).

ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن شرائعَ الإسلامِ قد كثُرت عليَّ فأنبئني منها بشيءٍ أتشبثُ به قال: "لا يزالُ لسانُك رطبًا من ذكرِ اللهِ عزَّ وجلَّ".(صحيح سنن ابن ماجة للألبني) وقد فهم الصحابة رضوان الله عليهم تلك الوصية وفقهوا معناها الثمين حتى إن أبا الدرداء رض الله عنه قيل له: ( إن رجلاً أعتق مائة نسمة. قال: إن مائة نسمة من مال رجل كثير، وأفضل من ذلك إيمان ملزوم بالليل والنهار وأن لا يزال لسان أحدكم رطباً من ذكر الله عز وجل ).
وكان يقول: ( الذين لا تزال ألسنتهم رطبة من ذكر الله يدخل أحدهم الجنة وهو يضحك).

السبب الرابع: إيثار ما يحبه سبحانه على ما تحبه عند غلبات الهوى والتسنم إلى محابه وإن صعب المرتقى
يقول ابن القيم في شرح هذه العبارة: ( إيثار رضى الله على رضى غيره، وإن عظمت فيه المحن، وثقلت فيه المؤن، وضعف عنه الطول والبدن ).

وقال رحمه الله: ( إيثار رضى الله عز وجل على غيره، وهو يريد أن يفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلق، وهي درجة الإيثار وأعلاها للرسل عليهم صلوات الله وسلامه، وأعلاها لأولى العزم منهم، وأعلاها لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم).

وهذا كله لا يكون إلا لثلاثة:
1 ـ قهر هوى النفس.
2 ـ مخالفة هوى النفس.
3 ـ مجاهدة الشيطان وأوليائه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( يحتاج المسلم إلى أن يخاف الله وينهي النفس عن الهوى، ونفس الهوى والشهوة لا يعاقب عليه، بل على اتباعه والعمل به، فإذا كانت النفس تهوى وهو ينهاها، كان نهيه عبادة لله، وعملاً صالحاً ).

السبب الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته

ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة، فمن عرف الله بأسمائه وأفعاله، أحبه لا محالة.

قال ابن القيم رحمه الله: ( لا يوصف بالمعرفة إلا من كان عالماً بالله وبالطريق الموصل إلى الله، وبآفاتها وقواطعها، وله حال مع الله تشهد له بالمعرفة. فالعارف هو من عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله، ثم صدق الله في معاملته، ثم أخلص له في قصده ونيته ).

فمن جحد الصفات فقد هدم أساس الإسلام والإيمان، وأتلف شجرة الإحسان فضلاً عن أن يكون من أهل العرفان.

ومن أوَّل الصفات فكأنما يتهم البيان النبوي للرسالة بالتقصير إذ لا يمكن أن يترك النبي صلى الله عليه وسلم أهم أبواب الإيمان بحاجه إلى إيضاح وإفصاح من غيره لإظهار المراد المقصود الذى لم تبينه العبادات في النصوص.
وثبت عن النبي صلى اللّه عليه وسلم أنه قال:" إن للهِ تسعةً وتسعين اسمًا ، مائةً إلا واحدًا ، مَن أحصاها دخلَ الجنةَ "(البخاري).

فالمحبة هي ثمرة معرفة أسماء الله وصفاته واعتقاد جماله وكماله وجلاله، والاعتراف بإحسانه وإنعامه .
ونكمل حديثنا عن بعض الأسباب الأخرى الجالبة لمحبة الرب جل وعلا في مقال قادم إن شاء الله، والحمد لله رب العالمين.
الحمد لله نشر في الكون آيات عظمته،وأفاض على عباده من خيراته ونعمته،أحمده سبحانه أكرم عباده المؤمنين الصالحين برحمته ومحبته ووعدهم رضوانه وجنته،وأشكره سبحانه شكراً عظيماً يليق بعظمته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أرجو بها نيل رحمته ومحبته،وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله بلغ رسالته وأدى أمانته ونصح لأمته صلى الله عليه وعلى آله وصحابته.أما بعد:

تكلمنا في مقال سابق عن بعض الأسباب التي ينال بها العبد محبة ربه ومولاه، وفي هذا المقال نكمل الحديث حول أسباب أخرى للفوز بهذه المحبة، ومنها:

السبب السادس: مشاهدة بره سبحانه وإحسانه، وآلائه ونعمه الباطنة والظاهرة فإنها داعية إلى محبته

إن العبد أسير الإحسان؛ فالإنعام والبر واللطف، معاني تسترق مشاعره، وتستولي على أحاسيسه، وتدفعه إلى محبة من يسدي إليه النعمة ويهدي إليه المعروف. والناس مجبولون على محبة من يحسن إليهم
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم فطالما استعبد الناس إحسان
ولا منعم على الحقيقة ولا محسن إلا الله، هذه دلالة العقل الصريح والنقل الصحيح وأنواع إحسانه لا يحيط بها حصر: {وإِن تَعُدُوا نِعمَتَ اللّهِ لاَ تُحصُوهَآ إنّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ }(إبراهيم:34).

فلا محبوب في الحقيقة عند ذوي البصائر إلا الله تعالى، ولا مستحق للمحبة كلها سواه، وإنما يحب غيره تبعا لمحبته سبحانه، وصور إحسانه ومظاهرها أجل من أن يحيط بها العبد، يقول ابن القيم رحمه الله: (لا أحد أعظم إحسانًا من الله سبحانه، فإن إحسانه على عبده في كل نَفَس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان، فضلاً عن أنواعه أو عن أفراده، ويكفي أن من بعض أنواعه نعمة النَّفَس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنه يتنفس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفس، وكل نفس نعمة منه سبحانه، فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم أربعة وعشرين ألف نعمة، فما الظن بما فوق ذلك وأعظم منه: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا} [النحل: 18]، هذا إلى ما يصرف عنه من المضرات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور به بأكثرها أصلاً، والله سبحانه يكلؤه ( يحفظه) منها بالليل والنهار كما قال تعالى: {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء:42]).

وقال -رحمه الله- موضحًا عظيم إحسان الله إلى عباده في كل مراحل حياتهم:

(الرزق والأجل قرينان مضمونان. فما دام الأجل باقيًا، كان الرزق آتيا، وإذا سد عليك بحكمته طريقًا من طرقه، فتح لك برحمته طريقًا أنفع لك منه. فتأمّل حال الجنين يأتيه غذاؤه... من طريق واحدة وهو السرّة (الحبل السرّي)، فلما خرج من بطن الأم، وانقطعت تلك الطريق، فتح له طريقين اثنين، وأجرى له فيهما رزقًا أطيب وألذ من الأول، لبنًا خالصًا سائغًا. فإذا تمت مدة الرضاع، وانقطعت الطريقان بالفطام، فتح طرقًا أربع أكمل منها: طعامان وشرابان، فالطعامان من الحيوان والنبات، والشرابان من المياه والألبان، وما يُضاف إليهما من المنافع والملاذ. فإذا مات انقطعت عنه هذه الطرق الأربعة. لكنه سبحانه فتح له -إن كان سعيدًا- طرقًا ثمانية، وهي أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها يشاء).

وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى استشعار هذا المعنى فقال:
"إنَّ يمينَ اللهِ مَلْأَى لا يغيضُها نفقةٌ ، سحَّاءُ الليلَ والنهارَ ، أرأيتم ما أنفق منذُ خلق السماواتِ والأرضِ ، فإنَّهُ لم ينقص ما في يمينِه..." ( البخاري). وكان يقول إذا أصبح وإذا أمسى: "أبوء لك بنعمتك علي...".
فإذا تفكر العبد في هذا المعنى امتلأ قلبه بحب ربه واندفعت جوارحه لطاعته والتقرب إليه بما يحب فأحبه ربه تبارك وتعالى.

السبب السابع: وهو من أعجبها: انكسار القلب بكليته، بين يدي الله تعالى، وليس في التعبير عن المعنى غير الأسماء والعبارات.

والانكسار بمعنى الخشوع، وهو الذل والسكون.
قال تعالى: {وَخَشَعَتِ الأَصوَاتُ لِلرّحمَنِ فَلاَ تَسمَعُ إِلا هَمساً }(طه:108).
وقال ابن القيم: ( الحق أن الخشوع معنى يلتئم من التعظيم والمحبة والذل والانكسار ).

ويقول ابن رجب رحمه الله عن الخشوع: (أصله لين القلب ورقته، وخضوعه وانكساره وحرقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء؛ لأنها تابعة له، كما قال صلى الله عليه وسلم: "... أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً ... "(رواه البخاري ومسلم). وكان صلى الله عليه وسلم يقول في ركوعه في الصلاة: "...خَشَعَ لَكَ سَمْعِي وَبَصَرِي وَمُخِّي وَعَظْمِي...". (رواه مسلم).

وقد كان للسلف في الخشوع بين يدي الله أحوال عجيبة، تدل على ما كانت عليه قلوبهم من الصفاء والنقاء.
كان عبدالله بن الزبير رضي الله عنهما إذا قام في الصلاة كأنه عود، من الخشوع، وكان يسجد فتنزل العصافير على ظهره لا تحسبه إلا جذع نخلة أو شجرة.

وكان علي بن الحسين رضي الله عنهما إذا توضأ اصفّر لونه، فقيل له: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ قال: ( أتدرون بين يدي من أريد أن أقوم؟ ).

السبب الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.
قال تعالى: {تَتَجافى جُنُوبُهُم عَنِ المَضاجِعِ يَدعون ربهم خوفاً وَطَمَعاً وَمِمّا رَزَقناهُم يُنفِقُونَ }(السجدة:16).
إن أصحاب الليل هم بلا شك من أهل المحبة، بل هم من أشرف أهل المحبة، لأن قيامهم في الليل بين يدي اللّه تعالى يجمعُ لهم جلّ أسباب المحبة التي سبق ذكرها.

ولهذا فلا عجب أن ينزل أمين السماء جبريل عليه السلام على أمين الأرض محمد صلى اللّه عليه وسلم ويقول له: " واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس " (السلسلة الصحيحة).

يقول الحسن البصري رحمه اللّه: ( لم أجد من العبادة شيئاً أشد من الصلاة في جوف الليل فقيل له: ما بال المتجهدين من أحسن الناس وجوهاً؟ فقال: لأنهم خلوا بالرحمن فألبسهم من نوره ).
قوم أقاموا للإله نفوسهم فكسا وجوههم الكريمة نورا

السبب التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر، ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام وعلمت أن فيه مزيداً لحالك ومنفعة لغيرك.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" قال الله عز وجل: وجبت محبتي للمتحابين فيّ، ووجبت محبتي للمتجالسين فيّ، ووجبت محبتي للمتزاورين فيّ "(صححه الألباني).

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" أوثق عرى الإيمان أن تحب في اللّه وتبغض في الله " (السلسلة الصحيحة).
فمحبة المسلم لأخيه المسلم في الله، ثمرة لصدق الإيمان وحسن الخلق وهي سياج واق، ويحفظ الله به قلب العبد، ويشد فيه الإيمان حتى لا يتفلت أو يضعف.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى . فأرصد الله له ، على مدرجته ، ملكا . فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخا لي في هذه القرية . قال : هل لك عليه من نعمة تربها ؟ قال : لا . غير أني أحببته في الله عز وجل . قال : فإني رسول الله إليك ، بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه" ( مسلم ).

السبب العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل

فالقلب إذا فسد فلن يجد المرء فائدة فيما يصلحه من شؤون دنياه ولن يجد نفعاً أو كسباً في أخراه. قال تعالى: {يَومَ لَا يَنفَعُ مَالٌ ولاَ بَنُوُنَ إِلاّ مَن أَتَى اللهَ بِقَلبٍ سَلِيمٍ }(الشعراء:88).
وقد عرفت أيها الكريم أن فساد القلب يؤدي إلى فساد البدن كما في الحديث" ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح البدن كله، وإذا فسدت فسد البدن كله، ألا وهي القلب". (البخاري).

قال ابن تيمية رحمه الله: (فأخبر أن صلاح القلب مستلزم لصلاح سائر الجسد ، وفساده مستلزم لفساده ، فإذا رأى ظاهر الجسد فاسدا غير صالح علم أن القلب ليس بصالح بل فاسد ، ويمتنع فساد الظاهر مع صلاح الباطن كما يمتنع صلاح الظاهر مع فساد الباطن إذ كان صلاح الظاهر وفساده ملازما لصلاح الباطن وفساده) .

فالله الله في السرائر فإن لها أثرا على الظاهر، قال عثمان رضي الله عنه: ما أسر أحد سريرة إلا أظهرها الله عز وجل على صفحات وجهه وفلتات لسانه. وقال ابن عقيل في الفنون : للإيمان روائح ولوائح لا تخفى على اطلاع مكلف بالتلمح للمتفرس ، وقل أن يضمر مضمر شيئا إلا وظهر مع الزمان على فلتات لسانه وصفحات وجهه.

نسأل الله أن يصلح سرائرنا وعلانيتنا، وأن يرزقنا حبه،إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

إسلام ويب

Post: #769
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:03 AM
Parent: #701

لا تعسروا
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالحنيفية السمحة وجعل الشريعة يسرا كلها فقال :{ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ }، غير أن بعض الناس قد ينحرفون عن هذا الهدي فيشددون على أنفسهم أو على غيرهم سواء في أمر الدنيا أو الدين، لذلك كان حديثنا في هذا المقال عن التعسير والتشديد.

ومعنى التعسيرأن يشدِّد الإنسان على نفسه أو غيره في أمر الدِّين بالزِّيادة على المشروع، أو في أمر الدُّنيا بترك الأَيْسَر ما لم يكن إثما.

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أخبروا كأنهم تقالُّوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر. قال أحدهم: أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا. وقال آخر: أنا أصوم الدهر ولا أفطر. وقال آخر: أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدًا. فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم، فقال: "أنتم الذين قلتم كذا وكذا، أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأرقد، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني". ( رواه البخاري).

قال ابن تيمية معلقًا على هذا الحديث: (والأحاديث الموافقة لهذا كثيرة في بيان أنَّ سنته : التي هي الاقتصاد في العبادة، وفي ترك الشهوات؛ خير من رهبانية النصارى، التي هي: ترك عامة الشهوات من النكاح وغيره، والغلو في العبادات صومًا وصلاة) ( اقتضاء الصراط المستقيم).

وقال ابن حجر: (قوله: إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، فيه إشارة إلى رد ما بنوا عليه أمرهم من أن المغفور له لا يحتاج إلى مزيد في العبادة بخلاف غيره فأعلمهم أنَّه مع كونه يبالغ في التشديد في العبادة أخشى لله وأتقى من الذين يشددون وإنما كان كذلك لأنَّ المشدد لا يأمن من الملل بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره وخير العمل ما داوم عليه صاحبه) ( فتح الباري).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي -صلَّى الله عليه وآله وسلِّم- قال: "مَن نفَّس عن مؤمن كربةً مِن كرب الدُّنيا، نفَّس الله عنه كربةً مِن كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسرٍ، يسَّر الله عليه في الدُّنيا والآخرة. ومَن ستر مسلمًا، ستره الله في الدُّنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومَن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا، سهَّل الله له به طريقًا إلى الجنَّة، وما اجتمع قومٌ في بيت مِن بيوت الله، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلَّا نزلت عليهم السَّكينة، وغشيتهم الرَّحمة، وحفَّتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومَن بطَّأ به عمله لم يسرع به نسبه" ( رواه مسلم).

قال ابن رجب: (هذا -أيضًا- يدلُّ على أنَّ الإعسار قد يحصل في الآخرة، وقد وصف الله يوم القيامة بأنَّه يوم عسير، وأنَّه على الكافرين غير يسير، فدلَّ على أنَّه يسير على غيرهم، وقال: {وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} (الفرقان: 26).

والتَّيسير على المعْسِر في الدُّنيا مِن جهة المال يكون بأحد أمرين:
إمَّا بإنظاره إلى الميْسَرة، وذلك واجب، كما قال تعالى:{ وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ }[البقرة: 280]، وتارة بالوضع عنه إن كان غريمًا، وإلَّا فبإعطائه ما يزول به إعساره، وكلاهما له فضل عظيم) ( جامع العلوم والحكم).
عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يسِّروا ولا تعسِّروا، وبشِّروا ولا تنفِّروا" ( البخاري ومسلم).

قال النَّووي: (جمع في هذه الألفاظ بين الشَّيء وضدِّه؛ لأنَّه قد يفعلهما في وقتين، فلو اقتصر على ((يسِّروا)) لصدق ذلك على مَن يسَّر مرَّةً أو مرَّات، وعَسَّر في معظم الحالات، فإذا قال: ((ولا تعسِّروا)) انتفى التَّعْسِير في جميع الأحوال مِن جميع وجوهه، وهذا هو المطلوب، وكذا يقال في: ((يسِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوعا ولا تختلفا)) لأنَّهما قد يتطاوعان في وقت، ويختلفان في وقت، وقد يتطاوعان في شيء، ويختلفان في شيء.

وفي هذا الحديث الأمر بالتَّبشير بفضل الله، وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، والنَّهي عن التَّنْفِير بذكر التَّخويف، وأنواع الوعيد محضة مِن غير ضمِّها إلى التَّبشير. وفيه تأليف مَن قَرُب إسلامه، وترك التَّشديد عليهم، وكذلك مَن قارب البلوغ مِن الصِّبيان ومَن بلغ، ومَن تاب مِن المعاصي، كلُّهم يُتَلطَّف بهم، ويُدرَجون في أنواع الطَّاعة قليلًا قليلًا، وقد كانت أمور الإسلام في التَّكليف على التَّدريج، فمتى يسَّر على الدَّاخل في الطَّاعة -أو المريد للدُّخول فيها- سَهُلَت عليه، وكانت عاقبته -غالبًا- التَّزايد منها، ومتى عَسُرت عليه أوشك أن لا يدخل فيها، وإن دَخَل أوشك أن لا يدوم، أو لا يَسْتَحْلِيَها...) ( شرح النووي على مسلم).

وعن أبي هريرة قال: "قام أعرابيٌّ فبال في المسجد، فتناوله النَّاس، فقال لهم النَّبي صلى الله عليه وسلم: دعوه، وأريقوا على بوله سجلًا مِن ماء، أو ذَنُوبًا مِن ماء، فإنَّما بُعِثتُم ميسِّرين، ولم تُبْعَثوا معسِّرين" ( البخاري).
قال العيني: (فيه مراعاة التَّيسير على الجاهل، والتَّألف للقلوب).
وأولى الناس بالتيسير الداعية إلى الله؛ اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك المفتي عليه أن يراعي التيسير ورفع الحرج عن الناس.

يقول ابن العربي: (إذا جاء السَّائل عن مسألة، فوجدتم له مَخْلَصًا فيها، فلا تسألوه عن شيء، وإن لم تجدوا له مَخْلصًا فحينئذ اسألوه عن تصرُّف أحواله وأقواله ونيَّته، عسى أن يكون له مَخْلصًا).

قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه -وقد دخل في القائلة-: (يا أبت، على ما تقيل وقد تداركت عليك المظالم، لعلَّ الموت يدركك في منامك، وأنت لم تقضِ دأب نفسك ممَّا ورد عليك! قال: فشدَّد عليه، قال: فلمَّا كان اليوم الثَّاني فعل به مثل ذلك، قال عمر: يا بنيَّ، إنَّ نفسي مطيَّتي، وإن لم أرفق بها لم تبلِّغني، يا بنيَّ، لو شاء الله عزَّ وجلَّ أن ينزِّل القرآن جملةً واحدةً لفعل، نزَّل الآية بعد الآية حتى إبطاء ذلك في قلوبهم، يا بنيَّ، إنِّي لم أجد الحقحقة (أي شدة السير) تردُّ إلى خيرٍ).

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: لـمَّا ذكر شيئًا مِن مكائد الشَّيطان، قال بعض السَّلف: ما أمر الله تعالى بأمرٍ إلَّا وللشَّيطان فيه نزغتان، إمَّا إلى تفريط وتقصير، وإمَّا إلى مجاوزةٍ وغلوٍّ، ولا يبالي بأيِّها ظَفَر، وقد اقتطع أكثر النَّاس -إلَّا القليل- في هذين الواديين: وادي التَّقصير، ووادي المجاوزة والتَّعدِّي. والقليل منهم الثَّابت على الصِّراط الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه).
وقال ابن حجر: (لا يتعمَّق أحدٌ في الأعمال الدِّينيَّة، ويترك الرِّفق إلَّا عجز وانقطع، فيُغْلَب).

التفريق بين طلب الأكمل في العبادة والتنطع فيها:

مما لا شك فيه أن العبد الذي يطلب الدرجات العلى والنعيم المقيم لابد أن يجتهد ويتعب ويترقى في مراتب الكمال الإيماني والتعبدي وغيره لكن هناك فرقا بين هذا التطلع للكمال وببين التشدد، فعن أبي هريرة عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الدِّين يُسْرٌ، ولن يُشادَّ الدِّين أحدٌ إلَّا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة والرَّوحة وشيء مِن الدلجة" ( البخاري ومسلم، والدلجة سير الليل).
قال ابن المنِير: (في هذا الحديث عَلَمٌ مِن أعلام النُّبوَّة؛ فقد رأينا ورأى النَّاس قبلنا أنَّ كلَّ متنطِّعٍ في الدِّين ينقطع، وليس المراد منع طلب الأكمل في العبادة، فإنَّه مِن الأمور المحمودة، بل منع الإفراط المؤدِّي إلى الملَال أو المبالغة في التَّطوع المفضي إلى ترك الأفضل أو إخراج الفرض عن وقته، كمن بات يصلِّي اللَّيل كلَّه، ويُغَالِب النَّوم إلى أن غلبته عيناه في آخر اللَّيل، فنام عن صلاة الصُّبح في الجماعة، أو إلى أن خرج الوقت المختار، أو إلى أن طلعت الشَّمس فخرج وقت الفريضة).
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للاستزادة موسوعة نضرة النعيم

Post: #770
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:05 AM
Parent: #701

يطير فرحاً حينما يمسكها بيده.. ويزداد نشوة حينما يقبلها بفمه..! يستوحش لفقدها.. ويأنس لقربها.. أسعد لحظاته حينما يخلو بها.. وأشقى ساعاته حينما يفارقها.. تحدد أصدقاءه وأماكن جلوسه.. قد ينحرف بسببها.. قد يرتكب المحرمات لأجلها، بل قد يموت بتأثيرها..؟ إنها السيجارة!!! إذا فلنضعها في قفص الاتهام!!.

عبــرة!!

شاب في الخامسة والعشرين من عمره، ابتلي بشرب الدخان لعدة سنوات.. وذات يوم أدخل المستشفى بسبب ألم مفاجئ وهبوط في القلب.. ووضع عدة أيام بغرفة العناية المركزة تحت مراقبة الأجهزة الطبية المتطورة، حيث أن الطبيب المشرف على علاجه أصدر أوامره لهيئة التمريض بعدم إدخال الدخان للمذكور لأنه السبب الرئيسي لمرضه، وتفتيش الزوار خوفاً من تسلل الدخان له خفية..
تحسنت صحته وبدأ يستعيد نشاطه.. إلا أنه لم يتقيد أخيراً بتعليمات الأطباء، حيث عاد إلى التدخين، وفي أحد الأيام فقد هذا الشاب.. بحثوا عنه فوجدوه في أحد الحمامات وقد فارق الحياة وبيده سيجارة!!.

مكونـات السيجـارة

تتكون السيجارة من عدة مركبات يصل عددها إلى أكثر من 200 مركب وأشدها ضرراً، وأعظمها خطراً النيكوتين، حيث يوجد منه من 1 – 2 مليجرام في كل سيجارة، وأضراره هي:
1- أن النيكوتين يؤثر على أنسجة الجسم.
2- أن جراماً واحداً منه يكفي لقتل عشرة كلاب من الحجم الكبير دفعة واحدة.
3- أن حقنة منه تقدر بسنتيمتر مكعب كافية لقتل حصان قوي في لحظات قليلة.
4- أن 50 مليجراما منه تقتل الإنسان إذا حقنت عن طريق الوريد.

التدخيـن هـلاك للديـن

حيث يبتعد المدخن عن أماكن الخير والصلاح فنجده يتوارى من الناس من سوء رائحته، بل قد يكون سبباً في ارتكاب بعض المحرمات، ناهيك عن كونه محرماً شرعاً، والله تعالى يقول: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } (الأعراف: 157).

هـلاك الصحـة

حيث يؤدي إلى الإصابة بضعف النسل، وضعف في جهاز المناعة، والتهاب الجلد، والسرطان في الرئة، والحنجرة والشفة، والذبحة الصدرية، والسل الرئوي، والبلغم وضيق النفس، وهذا إهلاك للنفس والله تعالى يقول: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً }(النساء:29).

يا من يريد دمار صحته *** ويهوى الموت منتحراً بلا سكين
لا تيأس فإن ذلك واجد *** كـل الـذي يـــرجــوه بـــالتدخيــن

هـلاك للمـال

حيث يؤدي إلى إنفاق المال في المحرم، بل فيما يضر، وهذا ما سيسأل عنه يوم القيامة حيث سيسأل " عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه".
ولا عجب في ذلك فالذي يتناول 10 سجائر يومياً ينفق 1000 ريال سنوياً، في حين أنه لا ينفق عشره صدقة لوجه الله.

ماذا قال العلماء عن التدخيـن؟؟

قال الشيخ ابن باز رحمه الله: ( والدخان لا يجوز شربه، ولا بيعه، ولا التجارة فيه كالخمر، والواجب على من كان يشربه أو يتجر فيه البدار بالتوبة والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما مضى والعزم على أن لا يعود في ذلك ).

وقال ابن عثيمين رحمه الله: ( فنصيحتي لإخواني المسلمين الذين ابتلوا بشربه أن يستعينوا بالله عز وجل ويعقدوا العزم على تركه، وفي العزيمة الصادقة مع الاستعانة بالله ورجاء ثوابه، والهرب من عقابه، ففي ذلك كله معونة على الإقلاع عنه ).

ماذا قال الأطباء عن التدخين؟

يقول الدكتور/ كليفورد أندرسون: ( لقد دلت الإحصاءات التي قامت بها جمعية السرطان الأمريكية أن الانقطاع يفيد ويقلل خطر الإصابة بالسرطان بمعدل النصف.. ومن المحقق أن الذين لا يدخنون هم أقل الناس تعرضاً للإصابة بهذا المرض ).
ويقول الدكتور/ كنعان الجابي: ( لقد مضى على معالجتي للسرطان 25 عاماً فلم يأتني مصاب بسرطان الحنجرة إلا مدخن ).
وجاء في تقرير الكلية الملكية للأطباء بلندن: "إن تدخين السجائر في العصر الحديث يسبب من الوفيات ما كانت تسببه أشد الأوبئة خطراً في العصور السابقة.. وجاء فيه أن 95% من مرضى شرايين الساقين هم من المدخنين".
ويكفيك أن تعلم أن الوفيات بسبب التدخين تفوق الوفيات بسبب الحروب.

معلومـات تهمـك

1- إن ضحايا التدخين في العالم لا يقلون عن مليونين ونصف المليون شخص.
2- إن السجائر التي تورد إلى دول العالم الثالث أكثر ضرراً من غيرها بسبب احتوائها على كمية أكبر من القطران والنيكوتين.
3- إن التدخين هو العتبة الأولى في طريق المخدرات.
4- إن المدخن شخص عاجز بالمفهوم الرياضي.
5- إن المدخن شخص غير مرغوب فيه اجتماعياً.

تسـاؤلات صريحـة

1- هل تصنف الدخان من الطيبات؟ أم من الخبائث؟
2- هل تبدأ باسم الله حين تشرب الدخان؟ أو تحمده حين تنتهي؟
3- هل هناك مأكول أو مشروب حينما تنتهي منه تطؤه بحذائك.؟
4- هل تشرب الدخان في بيت من بيوت الله؟
5- هل حققت من الدخان مكسبا ماديا أو صحيا أو اجتماعيا؟
6- ما هو موقفك حينما ترى أحد أبنائك أو إخوانك يدخن؟

متى ستقلع عن التدخين؟

أخـي الحبيب: وبعد هذا كله ألم تفكر في الإقلاع عن التدخين؟! ستقول كعادتك بلى!
وأقول متى ستقلع عنه إذاً؟
ستقول غدا أو بعد غد، أو بعد ذلك سأحاول الإقلاع عنه.. إذا أنت لم تقتنع بما قرأته آنفاً بل ستستمر على التدخين، ولن تقلع عنه أبداً!!
ستقول لا!! إنني مقتنع تماماً بما مضى، ولكن صعب عليَّ الخلاص منه وأخشى ألا أستمر على تركه..!!
إذاً ما الحل أخـي الحبيب؟.. هل سنقف معك في طريق مسدود؟

ستقول لا لم يصل الأمر إلى هذا الحد.. إذاً ما العمل؟

ربما تقول: "لعلي أسلك طريقاً آخر أنجو من أضرار التدخين سأتحول إلى الغليون أو الشيشة ونحوها، فلعلها أقل ضرراً وأهون خطراً، وأقول لك: ما أنت إلا كالمستجير من الرمضاء بالنار، أما علمت أن ما مضى ذكره من أضرار التدخين ينطبق على الشيشة والغليون وغيرها، ربما ستقول إذاً سأنتقل إلى نوع خفيف من السجائر التي تحتوي على كمية قليلة من النيكوتين والقطران وهذه خدعة كبرى، قد ثبت ضررها وعدم جدواها، وذلك لأن هذا سبب لتدخين أكبر عدد من السجائر، وهذا يؤدي إلى امتصاص المزيد من النيكوتين والقطران، وهذا يحدث بطريقة لا إرادية، فهل نلجأ إلى هذا الحل إذاً؟"

إذاً مـا الحـل؟

ليس هناك حل أيها الأخ الحبيب إلا أن تترك الدخان فوراً وتهجره بلا رجعة فعشمي بك كبير، وهمتك أكبر من أن تعجز عن الفكاك من أسر سيجارة حقيرة، وليس تركه بذاك الأمر الكبير العسير إذا صاحَبَهُ عزيمة صادقة وهمة عالية وإرادة قوية.

من الأمور المعينة على ترك التدخين
1- الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه.
2- الرغبة الصادقة والعزيمة الأكيدة والإرادة القوية في الإقلاع عنه.
3- خطط لطريقة تقلع فيها عن التدخين كأن يكون تدريجياً أو فورياً.
4- أخبر أصدقاءك ومن حولك أنك ستقلع أو أقلعت عن التدخين.
5- لا ترتاد الأماكن التي يكثر فيها التدخين.
6- استعمل السواك أو اللبان (العلك) إذا وجدت حنيناً للتدخين.
7- أكثر من شرب الماء والعصير لتخفيف تركيز النيكوتين بالدم.
8- حاول زيارة طبيب مختص تستشيره.
9- غاز ثاني أكسيد الكربون سينخفض من جسمك بعد يومين من الإقلاع عن التدخين.
10- تذكر أنك الآن أقلعت عن التدخين وأضراره وانظر لنفسك أنك شخص غير مدخن.

ولغير المدخنين همسة

أخـي الحبيب: أحمد الله سبحانه وتعالى على أن عافاك من هذا البلاء وسلمت من أضراره، ولكن بقي أن تعلم أن أولئك المدخنين كانوا من قبل أناسا أصحاء لا يشربون الدخان، بل إن بعضهم يكرهه كرهاً شديداً، ومع ذلك وقعوا في ما هم عليه الآن، وما ذاك إلا أنهم تساهلوا في بعض الأمور التي تؤدي إلى الوقوع في التدخين ومنها:

1- العبث بالدخان.
2- شربه مجاملة أو حياء.
3- شربه بدعوى التجربة.
4- الجلوس في أماكن يشرب فيها الدخان.
5- الاغترار بفعل المشاهير لهذه العادة السيئة.

نسأل الله أن يتوب علينا وعليك وأن يوفقنا وإياك لترك المحرمات واجتنابها والإقبال على الله تعالى بطاعته، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
صيد الفوائد

Post: #771
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:08 AM
Parent: #701

حتى يظل القلب حيا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، أما بعد:
فإن القلب هو جوهر الحياة في الإنسان، فبحسب حياته وسلامته ونقائه، تكون حياة الإنسان وسلامته ونقاؤه، وهذه الحقيقة كما تدل عليها الشواهد الشرعية تقررها النظريات العلمية والفلسفية في سائر المِلل عبر التاريخ.
ومن هنا فإن المسلم الحكيم هو من يفتش عن أسباب صلاح قلبه، وأسباب قوته وعافيته؛ لأنه يدرك أنه متى امتلك قلبًا سليمًا من الآفات؛ فقد امتلك الحياة وامتلك نقاءها وجمالها.

وهذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيّن أنّ السلامة والصلاح في الإنسان مرتبطة بصلاح قلبه فيقول: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي: القلب".

أخي الكريم: إن قلبك هو مفتاح السعادة والغنى، ووعاء السلامة والهدى، ومصدر القوة والرضى، ولَحرصك على صفائه ونقائه، أهم بكثير من حرصك على الهواء والطعام. فكيف تجعل قلبك سليمًا نابضًا بالإيمان والحياة؟.

أولًا: كن صاحب عقيدة

فتوحيد الله -جلّ وعلا- نور يملأ القلوب، ويبصِّرها، ويقويها، فهو مادة حياته، وأساس قوته وسلامته، ولا حياة للقلب إلا بالإيمان بالله -جلّ وعلا- ذلك الإيمان الذي يصنع الطمأنينة في القلوب، والسكينة في النفوس؛ لأنه يولِّد فيها من التوكل على الله ما يهوِّن أمامها الصِّعاب:{وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ} (الطلاق: 3)، ويولِّد فيها من الثقة بالله، واليقين به ما تزول به الهموم والغموم والأحزان، ويولِّد فيها من البصيرة والهدى ما يجعلها أكثر ثباتًا، وقدرة على مواجهة الصِّعاب، كما قال -تعالى-: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (التغابن: 11).

فالإيمان بالله -جلّ وعلا- نور يسري في قلب المؤمن، يضيء له الطريق، ويمكنه من الثبات عليه؛ فيرى به الأشياء على حقيقتها: القبيح قبيحًا، والحسن حسنًا.

أخي الكريم: اعلم أن السعادة والحياة الطيبة في الحياة لا تقوم إلا على أساس واحد هو: الهدى. كما قال -تعالى-: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا (124)} (طه).
ثم اعلم أن محل الهدى هو القلب، وأنّ هذا المحل لا يمكنه حمل الهدى إلا إذا كان فيه من الإيمان واليقين ما يؤهله لذلك؛ ولهذا قال -تعالى-: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} (التغابن: 11).

ومن هنا فإن تحقيق الهداية مشروط بتحقيق العقيدة الصحيحة، والإيمان النقي من شوائب الشرك بالله، وعلى قدر معرفة المؤمن بربّه، ويقينه به، تكون بصيرته وخشيته وهدايته كما قال -تعالى-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} (فاطر: 28).

وإذا تأملت أخي في تأثر القلوب بذكر الله، ووجلها من الله، وجدت ذلك التأثر لا يحصل إلا للقلوب المؤمنة، كما قال -تعالى-: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}(الرعد: 28)، فعطف -سبحانه- في هذه الآية اطمئنان القلوب بالذكر على الإيمان، وهو ما يدل على أن قلب المؤمن أعقل حين سماع ذكر الله؛ للمعاني التي يتضمنها الذكر، وهو ما يجعله متأثرًا به، وأبصر بالآيات والحقائق الغيبية؛ لذلك، إذا ذكر العبد الله، أبصر عيب نفسه وأبصر عظمة الله، وأبصر قدرته ورحمته وصفاته العليا، وأبصر تقصير نفسه، وضعفها؛ فأورثته بصيرة قلبه ذلك التأثر الحاصل حين سماع ذكر الله، بعكس ضعيف الإيمان الذي مات إحساس قلبه، فلا يسمع ولا يعقل كما قال -تعالى-: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا}(الأعراف: 179)، وكما قال – تعالى ـ: {أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد: 24) ، وكما قال -تعالى-: {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}(الحج: 46).

فقلب المؤمن قلب عاقل، لا تخدعه مظاهر الأشياء لأنه لا يرى بعينه فقط، وإنما بقلبه أيضًا، ... ولأن قلب المؤمن منور بتوحيد الله؛ فإنه أعقل بالآيات الكونية والشرعية، ولذلك قال – تعالى ـ: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} (الأنفال: 2).

قال الشيخ عبد الرحمن السّعدي: (فوصف الله المؤمنين بهذه الصفات المتضمنة للقيام بأصول الدين وفروعه، وظاهره وباطنه، فإنه وصفهم بالإيمان به إيمانًا: ظهرت آثاره في عقائدهم، وأقوالهم، وأعمالهم الظاهرة والباطنة، وأنه مع ثبوت الإيمان في قلوب - يزداد إيمانهم كلما تليت عليهم آيات الله، ويزداد خوفهم ووجلهم كلما ذكر الله؛ وهم في قلوبهم وسرهم متوكلون على الله). (التوضيح والبيان لشجرة الإيمان ص15).

ثانيًا: فرِغ قلبك من الشواغل والأخلاط

أخي إن الإيمان بالله -جلّ وعلا-، والتوكل عليه، واليقين به كل ذلك يولِّد في القلب قوة، وبصيرة وعقلًا يزن بها الأمور، ويحقق بها الهدى ليعيش آمنًا من شرور الغي وطرق الردى. لكن سنة الله اقتضت أن يظل المؤمن في تنازع، ومكابدة ليظل قلبه ثابتًا على الإيمان والتقوى، لكن المؤمن مهما كانت قوة إيمانه؛ فلابد له من غفوة وضعف، فإنما سمي القلب لشدة تقلبه، وعدم ثباته على حاله، كما قال الشاعر:

وما سمي الإنسان إلا لنسيه *** ولا القلب إلا أنه يتقلب

وأحسن منه قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنما سمي القلب من تقلّبه، إنما مثل القلب مثل ريشة بالفلاة، تعلّقت في أصل شجرة، يقلّبها الريح ظهرًا لبطن". وهذا التقليب الذي هو أخص صفات القلب، هو منشأ كون الإنسان موصوفًا بالظلم والغدر والخطأ؛ فإنه متقلب في أحواله، متغير في صفاته، تغلبه الشهوة، كما تلتبس عليه الأمور بالشبهة، ويطغى عليه النسيان كما يتمادى به الهوى والطغيان، ويغره المتاع، كما تقهره الطباع، فهو لسبب أو لآخر متقلب في طبعه.

1- تطهير القلوب بالتوبة:

وهذا التقلب في الإنسان، ما خلقه الله -جل وعلا- إلا ليبتليه بخطئه كما يبتليه بصوابه، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "والذي نفسي بيده! لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله، فيغفر لهم".
وليطلعه على رحمته إذا هو تبصَّر بذنبه وعاد إلى الله تائبًا طائعًا، ومن هنا أخي لابد أن تعلم أنك في كل وقت وحين في حاجة إلى تجديد التوبة والإكثار من الاستغفار؛ فإنهما يطهران القلب من شوائب المعاصي وآثارها وسوادها، ولهذا أوصى الله -جل وعلا- عباده المؤمنين بالتوبة، وجعلها أساس فلاحهم فقال: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}(النور: 31).

وفي الحديث قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: "تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا، لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض، والآخر أسود مربدًّا كالكوز مجخيًا لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أشرب من هواه".
رأيت الذنوب تميت القلوب *** وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب *** وخير لنفسك عصيانها

أخي الكريم: فإذا علمت أن الذنوب تمرض القلوب، وتطمس بصيرتها، وتعطل عقلها، فاحرص على تطهير قلبك من أمراض المعاصي باجتنابها، وملازمة التوبة والاستغفار لإبطال مضراتها، فإن قوة قلبك وسلامته مرهونة بصفائه ونقائه، وإنما ينقى قلبك بثلاثة أشياء:

الأول: بالتوبة إلى الله، والاستغفار من الذنب.

الثاني: بالإكثار من الحسنات، فإنهن يذهبن السيئات، كما قال – تعالى ـ {وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}(هود: 114).

الثالث: الحرص على أسباب المغفرة، كالصلاة، والنوافل، والوضوء، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، والعمرة والحج، ونحو ذلك من موجبات المغفرة المبسوطة في كتب الفضائل والسلوك.
فقد أوصى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- معاذًا فقال له: "اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن".
ونكمل في مقال آخر إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على النبي محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
نكمل في هذا المقال ما بدأناه من حديث عن ذلك، ومن هذه الأسباب:

- تطهير القلب من الأمراض:

فإن طهارة القلب من أمراضه، وخلوّه من أعراضها، هو أعظم أسباب قوته ولينه ورقته وخشوعه، وصاحبه هو خير الناس وأحبهم إلى الله، كما في الحديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- : حين سأله بعض أصحابه رضي الله عنهم فقالوا: يا نبي الله من خير الناس؟ قال: "ذو القلب المخموم، واللسان الصادق"، فقالوا: يا نبي الله! قد عرفنا اللسان الصادق، فما القلب المخموم؟ قال: "هو التقي النقي، الذي لا إثم فيه، ولا بغي ولا حسد"، قالوا: يا رسول الله! فمن على أثره؟ قال: "الذى يشنأ (يبغض)الدنيا، ويحب الآخرة". قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله، فمن على أثره؟، قال: "مؤمن في خلق حسن".

فها هنا بيّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- طريق نقاء القلوب وحقيقتها، وجمع بيانه ثلاث صفات هي: اجتناب الإثم، والبغي، والحسد.
فهذه الصفات هي من أخطر أمراض القلوب، والتي ما أصابت قلبًا إلا ملأته سوءًا، وظلمة، وطمست نوره وأضعفت بصيرته.

وإذا كانت الآثام تنكت نكتات سوداء في القلوب، فإن الحسد يأكل حسناتها الموجبة لنقائها كما تأكل النار الحطب.
"والحسد هو: تمني زوال نعمة المحسود، أو هو البغض والكراهية لما يراه من حسن حال المحسود، وهو طبع لئيم يسكن القلوب الضعيفة الميتة مهما كان شأن أصحابها،فلربما وجدت المرء قد ملك من صفات الحسن، وأسباب الملك ما لم يملكه غيره؛ لكنه لغلبة طبعه الحاسد لا يحب رؤية النعمة على غيره".

أخي الكريم: واعلم أن الحسد هو من الاعتراض على حكم الله -سبحانه-، كما قيل: "من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يدخله حسد".

وقد قيل: "مَا رَأَيْتُ ظَالِمًا أَشْبَهَ بِمَظْلُومٍ مِنَ الْحَاسِدِ ، حُزْنٌ لازِمٌ ، وَنَفَسٌ دَائِمٌ ، وَعَقْلٌ هَائِمٌ ، وَحَسْرَةٌ لا تَنْقَضِي ".

وإذا تأملت في قول الله -جلّ وعلا-: {وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}(الفلق: 5)، علمت أن الحسد طبع غالبًا ما يتسلل إلى القلوب، لكن القلوب الحية بالإيمان تبصر شعاعه، فتعكسه وتطرده وترده خائبًا، لكن القلوب الضعيفة تستجيب.
قال ابن تيمية: (ما خلا جسد من حسد، ولكن اللئيم يبديه والكريم يخفيه).

قال النبي - صلى الله عليه وسلم ـ: "لا تقاطعوا، ولا تدابروا، ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث".

واعلم أخي أن الحسد كما يوجب قسوة القلب، ولؤم الطبع، وفساد الأخلاق، فهو يعطل القلب من اكتساب أعظم الثواب؛ إذ القلب الخالي من الحسد مملوء ولابد بالخير؛ فلا تجد صاحبه إلا يحدث نفسه بفعل الخيرات، وإن عجز عنها، قد سارت به نيته الصافية، وحبه لنفع العباد، ما لم تسر الصلوات والقربات بالعباد!.
وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكلّ امرئ ما نوى".

أخي: فإن رُمت القلب الطاهر، فوطن نفسك على الصبر، وجاهد نفسك في بذل النفع للعباد، تُحسن إلى من أساء إليك، وتصل من قطعك، وتعطي من منعك، وتسامح من آذاك، في الحديث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم ـ : "المؤمن الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم".

فكما أن تطهير قلبك من الحسد يوجب لك النقاء والسلامة، فهكذا صبرك على الحسود، واحتمالك لأذاه، وإحسانك إليه، يوجب لك الخيرية والراحة والنصر، كما يمتص حسد الحاسد ويرده، فإن الغالب في الناس أن الإحسان يمتلك قلوبهم، ويردهم إلى رشدهم.

كما قال الشاعر:
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم *** فطالما استعبد الإنسان إحسان

وأحسن منه قول الله -جل وعلا-: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت: 34).

أغن قلبك بالقناعة:

فإن الحرص يسبب الفقر للقلب، ويحدث فيه فاقة لا يسدّها شيء أبدًا، أما القناعة والرضى بما كتبه الله من الرزق؛ فيوجب للقلب الغنى، ويولِّد فيه الطمأنينة والسكينة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم- لأبي ذر: "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى؟" قال: قلت: نعم يا رسول الله! قال: "فترى قلة المال هو الفقر؟" قلت: نعم يا رسول الله! قال: "إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب".

والقناعة متى سكنت القلوب، أصابها الخير كله، وسلِمت من آفات الشح والحرص والبخل، وهي من أخطر الأمراض الفتاكة قال -تعالى-: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (التغابن: 16).

وعن جابر - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ: "واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم، واستحلوا محارمهم".
والشح: هو شدة الحرص.

ومن ينفق الأيام في جمع ماله *** مخافة فقر فالذي فعل الفقر

أخي الكريم: واعلم أن العناية بمقويات القلب وأسباب عافيته أكثر من أن تحصر في هذه الكلمات ولكن عليك بكثرة ذكر الله بعد أداء فرائضه؛ فإنه أعظم عون لك على طهارة قلبك، فإنك إن داومت على ذكر الله تسبيحًا، واستغفارًا، وتهليلاً، وتكبيرًا، وجدت أثر ذلك واضحًا على قلبك، فإن زدت حرصًا على الصيام واجتنبت كثرة النوم والأكل والكلام والضحك؛ نلت عافية قلبك وسلامته.
وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
القسم العلمي - دار بن خزيمة

Post: #772
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:11 AM
Parent: #701

أين هم الآخرة؟
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله المصطفى الأمين وعى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:

يعيش المؤمن الداعية كثيرا من الهموم، وربما كان تكاثر الهموم سبباً لتشتيت القلب عن الهدف، ولصرف الهمة إلى مشاغل أهل الدنيا واهتماماتهم فتزول الميزة وينعدم التميز وتختلط الموازين.

إن من هوان أمر الدنيا أن جعلها الله لا تدوم لأحد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:" إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه" (صحيح الجامع). وإنما هي أيام يداولها الله بين الناس، فيرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز أقواما ويذل آخرين لتحقيق حكمة الله في ابتلاء العباد.

إن الله يعطي الدينا المؤمن والكافر ولا يعطي الدين إلا لمن يحب. وقد تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبدالله بن عمرو حين رآه يصلح جدار بيته ويطينه فأراد أن يخلي قلبه من التعلق بالدنيا وأن يذكره بقرب الأجل للاستعداد له فقال صلى الله عليه وسلم: " ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك ". (صحيح الجامع). ليجعل الآخرة همه والاستعداد لها شغله فإذا بالغ امرؤ في الانصراف عن إعمار الدنيا والسعي فيها فيحتاج إلى لفته من نوع آخر { ولا تنس نصيبك من الدنيا } بحيث يبقى على جادة القصد والتوازن.

وإن العبد المحفوف بالنعيم قد يكون مستدرجاً لمزيد من المسؤولية والعذاب وهو لا يدري " إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج ". (صحيح الجامع). فلا تحزن على ما فاتك منها، ولا تمدن عينيك إلى ما أوتي الناس من الدنيا فربما كانوا لا يحسدون عليها إذا لم يؤدوا حقها.

والخطورة في أن تكون هذه النعم الأجر العاجل ليحرم صاحبها الأجر الآجل حيث يكون في أشد الحاجة لما يرجح كفة حسناته، لذلك طيب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاطر أصحابه حين ذكروا نعيم الروم والفرس فقال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " (البخاري).

وغالب حال الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: " أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة " (صحيح الجامع)، وذلك لقلة الشاكرين، وكما قال ربنا عزوجل : { من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا }.

وكل نعمة مهما صغرت ، عليها حساب ومسؤولية. فالمسكين من لم يقم بحقها لا من حرم منها في الدنيا ، إن اول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له : "ألم نصحّ لك جسمك ونرويك من الماء البارد؟". (صحيح الجامع).

ولذلك كان من علامة طريق الجنة أنه محفوف بالبلاء، ولا يهون البلاء إلا على من جعل الآخرة همه " حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات " (مسلم).

وإن مسؤولية المسلم الذي يقدر الله حق قدره أن يوحد همه فيفكر في المآل والمصير لا أن يصرف كل جهده وفكره ووقته في صغائر الأمور وتوافهها. وبقدر ما يكون لله في قلب العبد من توقير وإجلال ورهبة يكون للعبد عند الله من الأجر والمنزلة " من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده ". (صحيح الجامع).

ومن كان دائم التفكير في رضي الله فإنه لا تشغله النعمة ولا يعميه البلاء، ومن كان مع الله في اليسر كان الله له في العسر " تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة ". (صحيح الجامع).

ومثل هذا الحال يقتضي من المؤمن أن يكون دائم الرقابة لله والحياء منه أكثر مما يحتاط ويستحي من البشر " ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت ". (صحيح الجامع). والإحسان " أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ".

والمهتم بآخرته إذا ذكر بخطئه فإنه سريع الفيئة قريب الرجعة " إذا ذكرتم بالله فانتهوا ". (صحيح الجامع).
والذي يخاف الله في الدنيا ويحذر معصيته ويحتاط لأمر آخرته فذلك هو الآمن يوم القيامة قال الله تعالى في الحديث القدسي : " وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين. إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمنته يوم أجمع عبادي ". (صحيح الجامع).

والمهتم بآخرته يفكر فيما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار، وقد جعل الله مدار المسؤولية على انبعاث إرادة الإنسان إلى الطاعة أو المعصية لذلك قال صلى الله عليه وسلم: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك ". (أخرجه البخاري)، واذا صدق المرء في مجاهدة نفسه يسر الله له السبيل { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى }.
والمهتم بآخرته لا يرى الدنيا دار قرار لشعوره بقرب الرحيل إلى دار الخلود قال صلى الله عليه وسلم : " قال لي جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه" (صحيح الجامع).

ولذلك كان مما تعجب منه صلى الله عليه وسلم انفتاح أبوب الخير وغفلة الإنسان عنها وملاحقة الفتن للمرء وعدم فراره منها: " ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها " (أخرجه الترمذي)، بينما يكون المهتم بآخرته شديد الحرص على اتقاء المنكرات، والمسارعة في الخيرات.

وحال المهتم لأمر آخرته التخفف من العلائق والزهد بالصوارف " كن في الدنيا كأنك غريب او عابر سبيل" (أخرجه البخاري). والجدية في الحياة علامة مميزة للراغب الراهب " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا ". (صحيح البخاري).

والهمة في العمل علامة صدق الاستعداد للآخرة والخوف من الله، وذلك ما مثله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الجنة ". (صحيح الجامع). أما من كان سفره طويلا، وانطلاقه متأخرا، وحركته بطيئة، وهمته ضعيفة فلن يبلغ مراده، ولن يصل إلى مقصوده.

ومن أهم ما يورثه الاهتمام بأمر الآخرة أن يزيح الله عن القلب باقي الهموم ليصفو القلب لله وإن كان في بحر من الابتلاءات. قال صلى الله عليه وسلم " من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من احوال الدنيا لم يبال الله في اي أوديتها هلك ". (صحيح الجامع).

و " من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله, ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له". (صحيح الجامع).
فتجارة الآخرة لا تبور، والتهافت على الدنيا لا يغير المقدور، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمود الخزندار ـ رحمه الله ـ

Post: #773
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-06-2015, 02:14 AM
Parent: #701

بركـة البكـور
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد:
تتميز شخصية المسلم بأنها شخصية جامعة لكل خصال الخير، فهي مؤمنة عالمة، قوية، شجاعة، متجردة، صبورة، مجاهدة، رحيمة، حريصة على كل ما ينفعها، مستعينة بالله -تعالى-، غير عاجزة ولا كسولة.. وهلم جرا..
وإنّ من محاسن هذه الشريعة المطهرة: مراعاة جانب بركة البكور في مواضع كثيرة من أحكامها:
منها: البكور في المحافظة على الجانب العبادي كالصلوات وغيرها.
ومنها: البكور في المحافظة على الجانب العلمي كطلب العلم وتحصيله وقراءة القرآن والأذكار.
ومنها: البكور في المحافظة على جانب المعاملات الأخلاقية كالبيع والشراء وغيرهما.
ومنها: التنصيص والدعاء لهذه الأمة في بكورها لنيل خيري الدنيا والآخرة.

فهذه المواطن وغيرها في الشريعة المطهرة توحي بأهمية بركة البكور لما فيه من إقامة الدين والدنيا، ولأن أعمار هذه الأمة المحمدية الإسلامية تتراوح بين الستين إلى السبعين، فحرصت الشريعة على إشغال هذا الجانب المهم في شخصية المسلم؛ ليأخذ بجانب الأهم فالمهم حسبما يوفق له من أعمال الخير والصلاح في الدنيا والآخرة.

أهمية بركة البكور:

1- أنها سبب في سعادة العبد في الدنيا والآخرة..

قال العلامة ابن رجب الحنبلي -رحمه الله-:
(لما سمع القوم قول الله -عز وجل-: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} (48) سورة المائدة، وقوله: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ} (21) سورة الحديد، فهموا أن المراد من ذلك: أن يجتهد كل واحد منهم أن يكون هو السابق لغيره إلى هذه الكرامة، والمسارع إلى بلوغ هذه الدرجة العالية.. فكان تنافسهم في درجات الآخرة واستباقهم إليها، ثم جاء من بعدهم قوم فعكسوا الأمر، فصار تنافسهم في الدنيا الدنيئة وحظوظها الفانية) (لطائف المعارف).

2- أنها سبب لاغتنام الأوقات وعدم تضييعها:

قال -صلى الله عليه وسلم-: "بادروا بالأعمال الصالحة: فستكون فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمناً، ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل".(رواه مسلم)وقال -صلى الله عليه وسلم-: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ". (رواه البخاري).

ثانياً: مواضع ومواطن البكور وفضائلها في الإسلام.. أهمها:

1- الدعاء لهذه الأمة بالبركة في بكورها:

كما في حديث صخر بن وداعة الغامدي قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "اللهم بارك لأمتي في بكورها"(أبو داود وصححه الألباني). وكان إذا بعث سرية أو جيشاً بعثهم من أول النهار، وكان صخر تاجراً فكان يبعث تجارته أول النهار، فأثرى وكثر ماله).

2- المحافظة على الصلوات في جماعة:

قال -تعالى-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} (238) سورة البقرة.
وقال ابن مسعود-رضي الله عنه: سألت النبي -صلى الله عليه وسلم- أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها".(البخاري ومسلم).
وعن أبي هريرة -رضي الله- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-:"أثقل الصلاة على المنافق العشاء والفجر". (البخاري).
وعن أوس بن أوس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من غسل واغتسل يوم الجمعة، وبكر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت، كان له بكل خطوة يخطوها صيام سنة وقيامها، وذلك على الله يسير".(صحيح الترغيب).

3- التبكير في قراءة القرآن العظيم وحفظه:

قال -تعالى-: {..وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} (78) سورة الإسراء. وقال -تعالى-: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ} (17) سورة القمر.قال ابن سعدي -رحمه الله-: ( وقرآن الفجر) أي صلاة الفجر، وسميت قرآناً لمشروعية إطالة القرآن فيها أطول من غيرها، ولفضل القراءة فيها، حيث شهدها الله وملائكة الليل والنهار).

وعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "تعاهدوا هذا القرآن، فوالذي نفس محمدٍ بيده لهو أشد تفلّتاً من الإبل في عقلها".(البخاري ومسلم).وأفضل مراجعة ومعاهدة للقرآن في الأوقات التي يسودها الهدوء والراحة التامة، وأجلُّ ذلك في الأسحار إلى أول النهار، وهو البكور الذي ذكره النبي -صلى الله عليه وسلم-. وعن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من نام عن حزبه من الليل أو عن شيء منه فقرأه ما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر كتب الله له كأنما قرأه من الليل".(مسلم).

4-التبكير والحرص والمواظبة على أذكار اليوم والليلة:

قال -تعالى-: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} (152) سورة البقرة. وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسير في طريق مكة، فمر على جبل يقال له جمدان، فقال: "سيروا، هذا جمدان، سبق المفرِّدون". قيل: وما المفردون يا رسول الله ؟ قال: "الذاكرون الله كثيراً والذاكرات".(مسلم). وقال -صلى الله عليه وسلم-: "ما عمل ابن آدم عملاً أنجى له من عذاب الله من ذكر الله".(صحيح الجامع).
ومما يدل على الاهتمام والحرص على المبادرة في اغتنام الأوقات في الخيرات من السنّة أيضاً جميع الأذكار والأقوال الواردة في الصباح وعند الاستيقاظ من النوم.

5- التبكير في تلقي العلم وتحصيله:

عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "طلب العلم فريضة على كل مسلم".(ابن ماجة وغيره، وصححه الأباني).وقال مسلم -رحمه الله- في صحيحه: قال يحي بن أبي كثير: (لا يُنال العلم براحة الجسد).
قال الشاعر:
لولا المشقة ساد الناس كلهم الجـود يفقر والإقـدام قتّال

قال ابن القيم -رحمه الله-: (لا ينال العلم إلا بهجر اللذات، وتطليق الراحة، قال إبراهيم الحربي: أجمع عقلاء كل أمة أن النعيم لا يدرك بالنعيم، ومن آثر الراحة فاتته الراحة، فما لصاحب اللذات، وما لدرجة ورثة الأنبياء!!).(مفتاح دار السعادة).
قال ابن المديني -رحمه الله-: قيل للشعبي: من أين لك هذا العلم كله؟
قال: بنفي الاعتماد (أي الاعتماد على الغير)، والسير في البلاد، وصبر كصبر الحمار، وبكور كبكور الغراب).

من خلال هذا العرض الأخير لهذا البحث يثبت لنا: أن في البكور بركة وزيادة ونماء لخيري الدنيا والآخرة، وأنه ينبغي لكل مسلم أن يحشد همته ويقوي إرادته للمسابقة لفعل الأعمال الصالحة في كل الأوقات، وخاصة في بداية النهار، وهو أول الفجر لصلاتها وقراءة القرآن بعدها وقراءة الأذكار، ثم التوجه لبقية الأعمال الدنيوية والدينية النافعة له في معاشه ومعاده. ونختم هذا البحث بقول ابن القيم-رحمه الله-:

(ونوم الصبحة يمنع الرزق، لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها، وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جداً بالبدن لإرخائه البدن، وإفساده للعضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسراً وعِيّاً وضعفاً...).
والحمد لله رب العالمين.
إمام المسجد

Post: #774
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:10 AM
Parent: #701

لا تزكوا أنفسكم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين ولا عدوان إلا على الظالمين، وبعد:
فأولى الأشياء بالتعهد والمراقبة ومحاولة الإصلاح نفسك التي بين جنبيك، إذ تدور نجاة العبد على مدى صلاح نفسه وتقواها.

والمؤمن في هذه الحياة لا يرى نفسه بمعنى أنه لا يرى لنفسه فضلا، بل يرى نفسه أهلا للمقت في ذات الله عز وجل؛ ولهذا فهو لا يزكي نفسه ولا يمدحها ولا يعجب بها.

والقرآن يحذر من تزكية النفس، بمعنى مدحها والثناء عليها، كما قال تعالى: {هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى } (النجم - 32) وذم القرآن اليهود والنصارى الذين زكوا أنفسهم، فقال: { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا }(النساء - 49)
وذلك أنهم قالوا، كما حكى عنهم القرآن: {نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ } ورد عليهم ربنا تبارك وتعالى بقوله : {قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}(المائدة - 18).

ولا يجوز لمن يعمل الصالحات أن يذكرها بعد الفراغ منها، إلا تحديثا بنعمة ربه عليه: { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ } (الضحى- 11) ، أو ليرغب غيره فيقتدي به: "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها"، أو دفاعا عن نفسه أمام اتهام ألصق به وهو منه برئ، أو لغير ذلك من الأسباب الباعثة، وهذا مشروع لمن قوى باطنه في المعرفة بالله، وعدم الالتفات إلى ما سواه، وأمن على نفسه من تسلل آفتي العجب والرياء، ولم يكن قصده اكتساب محمدة الناس والمنزلة عندهم، وقل من يسلم من ذلك.. والله المستعان.

فليحذر المسلم من إعجابه بنفسه، وما يقدمه من حسنات وصالحات، واعتقاده أنه وحده المفلح، وغيره من الخاسرين، أو أنه وجماعته هم "الفرقة الناجية" وكل المسلمين من الهالكين، أو أنهم وحدهم "الطائفة المنصورة" وغيرهم من المخذولين!.

إن هذه النظرة إلى النفس هي "العجب المهلك"، وتلك النظرة إلى المسلمين هي "الاحتقار المردي".
وفي الحديث الصحيح: "إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم".
روى الحديث بضم الكاف وبفتحها، ومعنى الضم: أنه هو "أهلكهم"، بمعنى أسرعهم وأشدهم هلاكا، لغروره بنفسه، وإعجابه بعمله، واحتقاره لغيره.

ومعنى الرواية بالفتح "أهلكهم": أنه الذي تسبب ـ هو وأمثاله ـ في هلاكهم، بالاستعلاء عليهم، وتيئيسهم من روح الله.
قال الإمام النووي: "وهذا النهي لمن قال ذلك، عجبا بنفسه، وتصاغرا للناس، وارتفاعا عليهم، فهذا هو الحرام. وأما من قاله لما يرى في الناس من نقص في أمر دينهم، وقاله تحزنا عليهم، وعلى الدين، فلا بأس به. فكذا فسره العلماء وفصلوه، وممن قاله من الأئمة الأعلام: مالك بن أنس، والخطابي، والحميدي، وآخرون.

وفي الحديث الصحيح الآخر: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم" فمن حق المسلم على المسلم: ألا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، وكيف يحقر الإنسان أخاه، وهما فرعان من أصل واحد؟.

المخلص يتهم نفسه بالتفريط

إن المخلص يتهم نفسه دائما بالتفريط في جنب الله، والتقصير في أداء الواجبات، ولا يسيطر على قلبه الغرور بالعمل والإعجاب بالنفس، بل هو دائما يخشى من سيئاته ألا تغفر، ويخاف على حسناته ألا تقبل، وقد بكى بعض الصالحين في مرضه بكاء شديدا، فقال بعض عواده: كيف تبكي؟ وأنت قد صمت وقمت، وجاهدت وتصدقت، وحججت واعتمرت، وعلمت وذكرت؟ فقال: وما يدريني أن شيئا منها في ميزاني؟ وأنها مقبولة عند ربي؟ والله تعالى يقول: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (المائدة - 27).

ومن تمام الإخلاص: ألا يفسد العمل بعد تمامه بالإعجاب به، والاطمئنان إليه، والزهو به، وهذا يعميه عما فيه من خلل قد شابه، أو دخل أصابه، والشأن في المؤمن أن يكون بعد أداء العمل خائفا أن يكون قد قصر فيه أو أخل به من حيث يشعر أو لا يشعر، ولهذا يخشى ألا يقبل منه، والله تعالى يقول: { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ }.

ومن الكلمات النيرة المنسوبة إلى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قوله: سيئة تسوؤك خير عند الله من حسنة تعجبك!.
وقد أخذ هذا المعنى ابن عطاء الله السكندري في "حكمه" فقال: ربما فتح الله لك باب الطاعة وما فتح لك باب القبول، وربما قدر عليك المعصية، فكانت سببا في الوصول، معصية أورثت ذلا وافتقارا، خير من طاعة أورثت عجبا واستكبارا!.

ولهذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من العجب وجعله من "المهلكات"، فروى عنه ابن عمر: "ثلاث مهلكات، وثلاث منجيات.. فأما المهلكات، فشح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه".
وقد حكى لنا القرآن ما حدث للمسلمين في غزوة حنين، فقد نصرهم الله في بدر وهم أذلة، ونصرهم في الخندق بعد أن زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وظنوا بالله الظنون، وزلزلوا زلزالا شديدا، ونصرهم في خيبر وفي فتح مكة، ولكنهم في حنين أعجبتهم كثرتهم، فلم تغن عنهم شيئا، حتى رجعوا إلى الله، وعرفوا أن النصر من عنده، يقول تعالى: {لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ(25) ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا...} ( التوبة 25، 26).

والمؤمن البصير هو الذي يكل أمره كله إلى الله، فيوقن أن التوفيق إلى الصالحات ليس إلا من فضله: { وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ } ( هود – 88)، والهداية ليست إلا منه: { مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)} (الكهف).

نسأل الله صلاح قلوبنا والنجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للمزيد كتاب: النية والإخلاص للشيخ القرضاوي حفظه الله

Post: #775
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:12 AM
Parent: #701

علاة الهمم وبناء الأمم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:

ففي قرن وبعض قرن، وثب المسلمون وثبةً ملأوا بها الأرض قوة وبأساً، وحكمةً وعلماً، ونوراً وهداية، وهاضوا الممالك، وركزوا ألويتهم في قلب آسيا، وهامات أفريقيا، وأطراف أوروبا، وتركوا دينهم وشريعتهم ولغتهم، وعلمهم وأدبهم تدين لها القلوب، وتتقلب بها الألسنة، وتحقق فيهم النموذج الفريد، والمثل الأعلى للبشرية، وأنهم خير أمة أخرجت للناس بعد أن كانوا طرائق قدداً، لا نظام ولا قوام ولا علم ولا شريعة.

فما سبب ذلك؟

لا شك أن هناك جملة من الأسباب ولعل واحدا من أهم هذه الأسباب الهمة العالية التي تجعل العبد بقدميه على الأرض وروحه وقلبه معلقا بالله تعالى وجنة عرضها السموات والأرض.

إن الهمة العالية هي سلم الرقي إلى الكمال الممكن في كل أبواب الخير، وهي من وسائل خلاص المسلمين مما هم فيه اليوم. لا سيما الهمة في باب العلم والجهاد، اللذين هما سبب ارتفاع الدرجات، فمن تحلى بها لان له كل صعب، واستطاع أن يعيد هذه الأمة إلى الحياة مهما ضمرت فيها معاني الإيمان، إذ أن همم الرجال تزيل الجبال .

همم الأحرار تحيي الرمما نفخة الأبرار تحيي الأمما

إن أصحاب الهمة العالية فحسب هم الذين يقومون على البذل في سبيل المقصد الأعلى، وهم الذين يبدلون أفكار العالم، ويغيرون مجرى الحياة بجهادهم وتضحياتهم. لا المولعين "بإحراز الترقيات الدنيوية، ويجاهدون في سبيليها ليل نهار، ولا يقبلون في السوق إلا على من يساومهم بأثمان مرتفعة، وما بلغوا من تعلقهم بالدعوة إلى الاستعداد للتضحية في سبيلها بمنافعهم، بل ولا بمجرد إمكانيات منافعهم، فإذا كنتم ترجون معتمدين على هذه العاطفة الباردة للتضحية أن تتغلبوا في الحرب على أولئك المفسدين في الأرض الذين يضحون بالملايين من الجنيهات كل يوم في سبيل غايتهم الباطلة، فما ذلك إلا حماقة.

إن أصحاب الهمم العالية هم القلة التي تنقذ المواقف، وهم الصفوة التي تباشر مهمة الانتشال السريع من وحل الوهن، ووهدة الإحباط.

لا تنظرن إلى العباس من صغر في السن وانظر إلى المجد الذي شادا

إن النجوم نجوم الأفق أصغرها في العين أذهبها في الجو إصعادا

ولقد تواردت نصوص القرآن الكريم والسنة الشريفة على حث المؤمنين على ارتياد معالي الأمور والتسابق في الخيرات، وتحذيرهم من سقوط الهمة، وتنوعت أساليب القرآن الكريم في ذلك:

فمنها:

ذم ساقطي الهمة، وتصويرهم في أبشع صورة:

كما قص الله علينا من قول موسى عليه السلام لقومه:{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ}. وقال تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}.

وذم الله تعالى المنافقين المتخلفين عن الجهاد لسقوط همتهم وقناعتهم بالدون، فقال تعالى في شأنهم:{رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ الْخَوَالِفِ}. وبيَّن سبحانه أنهم لسقوط همتهم قعدوا عن الجهاد فقال:{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ}. وشنع عز وجل على الذين يؤثرون الحياة الدنيا على الآخرة، ويجعلونها أكبر هممهم، وغاية علمهم، باعتبار هذا الإيثار من أسوأ مظاهر خسة الهمة وبين أن هذا الركون إلى الدنيا تسفل ونزول يترفع عنه المؤمن:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ}.

ثناؤه على أصحاب الهمم العالية

وأثنى الله تعالى على أصحاب الهمم العالية، وفي طليعتهم الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام وفي مقدمتهم أولو العزم من الرسل، وعلى رأسهم خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم:{فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ } وقد تجلت همتهم العالية في مثابرتهم وجهادهم ودعوتهم إلى الله عز وجل، كما ذكره الله عز وجل في قصص الأنبياء لنوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.

ولقد ذكر الله تعالى أوليائه الذين كبرت همتهم بوصف الرجال في مواطن البأس والجلد والعزيمة والثبات على الطاعة والقوة في دين الله فقال عز وجل : {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}. وقال سبحانه :{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} ، وقال تعالى: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا}.

ولقد أمر الله تعالى المؤمنين بالهمة العالية والتنافس في الخيرات فقال عز وجل: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } وقال تعالى:{وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}. وقال: {فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ}. وقال: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}. وقال تعالى:{لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا}.

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من العجز والكسل، وقال لأصحابه: "إن الله تعالى يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها".

وبين النبي صلى الله عليه وسلم أن أكمل حالات المؤمن ألا يكون له هم إلا الاستعداد للآخرة ، فقال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الآخرة همه، جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه، جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".

وعامة نصوص الترغيب والترهيب في الوحيين الشريفين إنما ترمي إلى توليد قوة دافعة تحرك قلب المؤمن، وتوجهه إلى إقامة الطاعات، وتجنب المعاصي والمخالفات، وإلى بعث الهمة وتحريكها، واستحثاثها للتنافس في الخيرات.
قال صلى الله عليه وسلم : "إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه أوسط الجنة، وأعلى الجنة، وفوقه عرش الرحمن، ومنه تفجر أنهار الجنة".

ونكمل حديثنا عن هذه الصفة الكريمة والخلق النبيل في مقال قادم بإن الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد والحمد لله رب العالمين.
شيء من آثار علو الهمة فنقول:

إن من سجايا الإسلام التحلي بعلو الهمة وذلك يجلب خيراً غير مجذوذ، ويجري في العروق دم الشهامة والركض في ميدان العلم والعمل.
إن التحلي بعلو الهمة يسلب سفاسف الآمال والأعمال، ويجتث شجرة الذل والهوان، والتملق والمداهنة ، قال الشنقدي:

وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متحول
أديم مطال الجوع حتى أميته وأصرف عنه الذكر صفحاً فأذهل
وأستف ترب الأرض كي لا يرى له علي من الطول امرؤ متطول

ولا يظنن ظان أننا عندما نتحدث عن علو همة أسلافنا العظام يعني الانطواء في الماضي وقطع الصلة بالحاضر والمستقبل، وإلا صرنا كالترجمان الذي يتوقف أمام الآثار ويشيد بالماضي فحسب، دون أن يقدم شيئاً للحاضر.
ولا يظنن ظان أننا بهذا الحديث عن علو همة سلفنا الصالح، وعن مجدهم وعزهم أننا نرجع إلى الوراء في زمن تتسابق فيه الأمم نحو المستقبل، فإن اقتداءنا بخير أمةٍ أخرجت للناس هو ترق وصعود وارتفاع إلى مستوى ذلك الجيل الفريد الذي لم تعرف البشرية له نظيراً، وإن إبراز هذه النماذج أقرب طريق إلى إيقاظ الهمم نحو إصلاح هذه الأمة التي لا يصلح آخرها إلا بما صلح به أولها قال تعالى: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ }. وباب المجد والمكرمات لم يزل مفتوحاً يرحب بكل راغب:

إذا أعجبتك خصال امرئ فكنه يكن منه ما يعجبك
فليس لدى المجد والمكرمات إذا جئتها حاجب يحجبك

فيا من يروم ولوج هذا الباب واجه الحقائق، وتبصر موقع قدمك، ولا تفزع إلى انتظار خراب العالم على أمل أن ينهض المسلمون على أنقاضه، ولا تهرب إلى افتراض حصول خوارق للسنن التي لا تحابي من لا يحترمها، قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. وتذكر يوم بدر حين خرج ثلاثة من الأنصار فقالوا: والله لا نطعن في أحسابهم ولا أنسابهم، ولكن أخرج لنا أكفاءنا من قريش، فأخرج لهم علياً وحمزة وأبا سفيان بن الحارث فقتلوهم وكذلك الناس دوماً ، تحب المكافأة حتى إذ هم يُقتلون، والقرشية اليوم تتمثل في الصروح العلمية، والمجامع الأدبية، والمؤسسات الصحفية والمعاهد السياسية والدور الوثائقية، والشركات الصناعية، والقاعات المصرفية، وعلى دعاة الإسلام اليوم أن ينطلقوا منها للمبارزة.

هذا زمان لا توسط عنده يبغى المغامر عالياً وجليلا
كن سابقاً فيه أو ابق بمعزل ليس التوسط للنبوغ سبيلا

وأنت أنت أيها المصلح المرتقب، والمجدد المنتظر، ستخرج إلى الحياة بإذن الله مهما حاول الفرعون أن يتقيك، ومهما وأد من الصبية كي يبدل وعد الله الذي لا يخلف، قد تكون الآن كامناً في ضمير الغيب، أو حقيقة في عالم الشهادة، قد تكون رضيعاً في المهد، أو لعلك نشئت تقرأ الآن هذه السطور:

أنت نشء وكلامي شعل عل شدوي مضرم حريقا
ليس في قلبي إلا أن أرى قطرة فيك غدت بحراً عميقا
لا عرى الروح هدوء ولتكن بحياة الكد والكدح خليقا

إن أمتك المسلمة تترقب منك جذبة عمرية توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة، وتنتظر منك صيحة أيوبية تغرس بذرة الأمل في بيداء اليأس وعلى قدر المئونة تأتي من الله المعونة، فاستعن بالله ولا تعجز.

قد نهضنا للمعالي ومضى عنا الجمود
ورسمناها خطى للـ ـعز والنصر تعود
فتقدم يا أخا الإسـ ـلام قد سار الجنود
ومضوا للمسجد إن المجد بالعزم يعود

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"مثل أمتي مثل المطر لا يدري آخره خير أم أوله "وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرساً، يستعملهم فيه بطاعته إلى يوم القيامة".

وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله زوي لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي يبلغ ملكها ما زوي لي منها".
وقال صلى الله عليه وسلم: "ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يبقى بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزاً يعزل الله به الإسلام، وذلاً يذل به الكفر".
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمدٍ وآله وصحبه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بتصرف يسير من كتاب علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل المقدم

Post: #776
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:14 AM
Parent: #701

نماذج من الترويح في العصر النبوي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن سار على هداه، وبعد:
فقد تكلمنا في مقالين سابقين عن الترويح في الإسلام، وفي مقالنا هذا نبرز صورا من الترويح في العصر النبوي، مبينين أهداف هذا الترويح.

أولاً: أهداف الترويح في العصر النبوي

إن مما ينبغي ملاحظته في المناشط الترويحية التي كانت تزاول في المجتمع الإسلامي الأول، أنها كانت تستهدف في غايتها النهائية عددًا من المقاصد الأخروية والأهداف الدنيوية، ولم تكن هذه الممارسات الترويحية بهدف الترويح فحسب، بل يصاحب ذلك أهداف سامية أخرى، ومن ذلك:

أ) تربية أفراد المجتمع المسلم على الجد، وتهيئتهم لخدمة الإسلام من خلال ممارسة المناشط الترويحية، مثل: التدرب على المنازلة في الحرب، والرمي، وركوب الخيل، وهذا واضح في الحديث الذي أخرجه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل التي قد أضمرت(أي قل علفها وصارت قادرة على الجري) من الحفياء(بداية السباق)، وكان أمدها (نهاية السباق) ثنية الوداع. وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق، وكان ابن عمر فيمن سابق بها.

وكذلك في الحديث الذي يرويه مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم -وهو على المنبر- يقول: { وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة}، "ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي ". قال النووي رحمه الله: ( وفي الحديث فضيلة الرمي والمناضلة، والاعتناء بذلك بنية الجهاد في سبيل الله تعالى، والمراد بهذا كله التمرن على القتال والتدرب والتحذق فيه، ورياضة الأعضاء ).

ب) التودد إلى أفراد المجتمع المسلم، وتحبيبهم في الإسلام، كما في مشاركته صلى الله عليه وسلم مع بعض أصحابه رضي الله عنهم في الرمي بالنبال، ففي الحديث الذي يرويه سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على قوم من أسلم يتناضلون بالسوق، فقال: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميًا، وأنا مع بني فلان -لأحد الفريقين- فأمسكوا بأيديهم، فقال: ما لهم ؟ قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان ؟ قال: ارموا وأنا معكم كلكم ".

جـ) العمل على تحقيق الترابط الأسري وتقويته، والتحبب إلى الزوجة، ومصداق ذلك ما ورد في مسابقته صلى الله عليه وسلم لزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها.. فعنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فقال لها: "تعالي حتى أسابقك" ، قالت: فسابقته فسبقته. وخرجت معه بعد ذلك في سفر آخر فنزلنا منزلاً، فقال: "تعالي حتى أسابقك"، قالت: فسبقني، فضرب بين كتفي، وقال: "هذه بتيك". وفي الحديث الذي أخرجه الدارمي أنه صلى الله عليه وسلم قال:" كل شيء يلهو به الرجل باطل إلا رمي الرجل بقوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، فإنهن من الحق ".

د) إعداد الإنسان المؤمن القوي بدنيًا ونفسيًا واجتماعيًا، وذلك تحقيقًا لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير... ".

هـ) إظهار الفسحة في الدين، وإبراز محاسن الإسلام وسماحته وتيسيره في مراعاة النفس واستعداداتها، ففي الحديث الذي أخرجه أحمد في المسند، أن عائشة رضي الله عنها، قالت: إنها كانت تلعب بالبنات، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بصواحبي يلعبن معي، وقالت رضي الله عنها إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يومئذ: "لتعلم يهود أن في ديننا فسحة، إني بعثت بحنيفية سمحة".

و) إزالة ما قد يعتري المسلم من هم في هذه الحياة الدنيا، ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ما على أحدكم إذا ألح به همه أن يتقلد قوسه فينفي به همه " "رواه الطبراني في الصغير". والحديث يفيد اتخاذ ما يزيل الهم بوسيلة من وسائل الترويح المشروعة كتقلد القوس.

ومما يــؤكد خيـريــة الهــدف من وراء مـزاولة الترويح في عــصر الصحابة رضي الله عنهم، أنه لم ينــقل وقــوع اختــلاف أو تشاحن بينهم أثناء الممــارسات الترويحيــة التي كانوا يقومون بها أو بعدها.

ومن هنا ينبغي للمسلم استحضار هذه الأهداف عند العزم على ممارسة أي جانب من جوانب الترويح، أو حين ممارسته للترويح بشتى أنواعه المشروعة، ولا بد من استصحاب النية الصالحة التي من خلالها يطلب الاقتداء بهدي الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام عليهم رضوان الله، لينال بذلك الأجر في الآخرة والمنفعة الدنيوية، ففي الحديث المتفق عليه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى...".

ثانيًا: نماذج من الترويح في العصر النبوي

تقدم الحديث عن أن معظم الكتب التي تناولت الترويح في وقتنا المعاصر لم تعن بذكر الأنشطة الترويحية التي كان يمارسها أفراد المجتمع المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكأن مجتمع الصحابة خال من الممارسات الترويحية، في حين تشير العديد من المواقف والحوادث إلى وجود مثل هذه الممارسات الترويحية في المجتمع الإسلامي الأول.

وليس هذا فحسب، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يمارس بعض الأنشطة الترويحية مع زوجه، ومع الأطفال، ومع عامة الصحابة رضوان الله عليهم، كما كان يحث على ممارسة بعضها الآخر، وينظم بعض الأنشطة الترويحية بنفسه.. وسنعرض نماذج من الممارسات الترويحية التي كان الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم يزاولونها في حياتهم اليومية.

وما ذكرت هنا إلا ليعلم وجودها من جانب، وليعلم أن هذا الإسلام شامل بتعاليمه كافة جوانب الإنسان المسلم، فلقد تعددت المناشط الترويحية التي كانت تمارس في المجتمع الأول، ومنها ما يلي:

أ- المسابقة بالأقدام:

وهي رياضة بدنية منشطة للجسم بشكل عام، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يسابق بعض أصحابه، كما سابق زوجه عائشة رضي الله عنها، وشجع على ممارسة هذا النشاط الترويحي بين الصحابة، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فنزلنا منزلاً، فقال: "تعالي حتى أسابقك... "إلخ الحديث.

ولقد كان صلى الله عليه وسلم ينظم مثل هذه المسابقة بالأقدام بين الأطفال، ففي الحديث أن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يَصُفُّ عبد الله وعبيد الله وكثيرًا من بني العباس، ثم يقول: من سبق إليّ فله كذا وكذا، قال: فيتسابقون إليه، فيقعون على ظهره وصدره، فيقبلهم ويلزمُهُم".

وكانت المسابقـة بالأقــدام أمــرًا معتادًا بين الصحابة رضي الله عنهم، فعندما رجع الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه من غزوة تبوك، قالت الأنصار: السباق، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن شئتم". فكأن الأنصار يستأذنون النبي صلى الله عليه وسلم في المسابقة فيما بينهم، وأذن لهم كما جاء في حديث سلمة بن الأكوع في قصة رجوعهم أنه قال: ( ... وكــان رجــل من الأنصــار لا يُســبق شدًّا، قال: فجعل يقــول: ألا مسابق إلى المدينة ؟ هل من مسابق ؟ فجعل يعيد ذلك، قال: فلما سمعت كلامه قــلت: أما تُكْــرِم كــريمًا ولا تَهابُ شريفًا، قال: لا، إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: قلت: يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل، قال: "إن شئت" ، قال: قلت: اذْهَبْ إليك، وثنيتُ ِرجْلَيَّ فَطَفَرْتُ فعدوت... فسبقته إلى المدينة .

وعند البيهقي رحمه الله أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما، قال: سابقني عمر بن الخطاب رضي الله عنه فسبقته، فقلت: سبقتك ورب الكعبة، ثم سبقني فقــال: وسبقــتك ورب الكعبة.

ب- الفروسية والمسابقة بالإبل:

ومن ذلك عقد السباق بين الخيل، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم ينظم ذلك بنفسه، فلقـد ثبت في الحديث الصحيح عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سابق بالخيل ، وكان صلى الله عليه وسلم يعطي السابق في مثل هذه المسابقات جائزة على فوزه، ففي الحديث الذي أخرجه الإمام أحمد، أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: " سبّق النبي صلى الله عليه وسلم بين الخيل وأعطى السابق ".

كما سابق الرسول صلى الله عليه وسلم على الإبل، فعند البخاري أن أنسًا رضي الله عنه قال: ( كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى العَضْباء لا تُسبق، فجاء أعرابي على قعود فسبقها، فشق على المسلمين، فلما رأى ما في وجوههم، قالوا: يا رسول الله سُبقت العضباء، قال:" إن حقًا على الله أن لا يرتفع من الدنيا شيء إلا وضعه ". وفي ذلك التصرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم التواضع الجم، والأدب الرفيع، ولا غرو في ذلك فهو القدوة في الأخلاق والسلوك عليه الصلاة والسلام.

وهذه المسابقات على الخيل والإبل مما شاع وكثرت ممارسته في عهده صلى الله عليه وسلم وبين الصحابة رضـــوان الله عليــهم، فــقد روى ابن أبي شــيبة أنهم كــانوا يســابقون على الخيــل والـركــاب وعلى أقدامهم.

جـ- المصارعة:

وهي من أشهر أنواع الرياضة البدنية في الإسلام، ولقد كانت تمارس من قبل أفراد المجتمع في الجاهلية، وكانت حلبة المصارعة تحتل جانبًا من جوانب سوق عكاظ، الذي كانت قبائل العرب تقيمه كل عام، ويعد أكبر سوق يتجمعون فيه سنويًا. ولقد بلغ ولوع العرب بالمصارعة أن كانوا يتجمعون لمشاهدتها في أسواقهم السنوية، وكان من أشهر المصارعين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل إسلامه... فجاء الإسلام وأقر هذه الممارسة الترويحية بين أفراد المجتمع، بعد أن هذب أساليبها واستبعد منها ما لا يليق.

فلم تكن المصارعة فيما سبق على الصورة الحالية وما تحمله من وحشية وتجاوز أخلاقي وسلوكي. ولقد مارس النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرياضة، ففي سنن أبي داود " أن رُكانة صارع النبي صلى الله عليه وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ". وكان ذلك الموقف سببًا في إسلام ركانة رضي الله عنه.

ولقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم صارع أفرادًا آخرين غير ركانة منهم: أبوالأسود الجمحي، وكان شديدًا قويًا.. كما كان صغار الصحابة رضوان الله عليهم يتصارعون فيما بينهم، فقد صارع الحسنُ الحسينَ رضي الله عنهما بمرأى من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

د- الرمي:

ويكون بالسهام، وهذا الأمر يعد من أكثر الألعاب التي كان شباب الصحابة وشيوخهم يمارسونها، ويحثون على تعلمها، وكيف لا يكون ذلك والرسول صلى الله عليه وسلم مارسها وحث على تعلمها، بل وحذر مَنْ تعلّمها ونَسِيَها بالإثم، ففي الحديث:" من تعلم الرمي ثم تركه فليس منا".

وكتب عمر الفــاروق رضي الله عنه إلى أبي عبيـــدة عـامر ابن الجراح رضي الله عنه: ( أن علموا غلمانكم العوم، ومقاتلتكم الرمي ) ، وروى الهيثمي ( أن أنسًا كان يجلس ويطرح له فراش ويجلس عليه، ويرمي ولدُه بين يديه، فخرج يومًا وهم يرمون، فقال: يا بني بئس ما ترمون، ثم أخذ القوس فرمى فما أخطأ القرطاس ). وقال مصعب بن سعــد رضــي الله عنه: كان سعد بن أبي وقاص يقول: ( عليكم بالرمي فإنه خير لهوكم ).

هـ- السباحة:

وهذا نوع آخر من الممارسات الترويحية، التي كانت موجودة في العصر الإسلامي الأول، ولقد بلغت العناية بها لدى عامة المسلمين مبلغًا كبيرًا، وورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: "كل شيء ليس من ذكر فهو لغو ولهو أو سهو، إلا من أربع خصال: مشي الرجل بين الغرضين، وتأديبه فرسه، وملاعبته أهله، وتعلم السباحة ". وهذا الفاروق يوصي عماله بتعليم أولادهم السباحة، فكتب إلى أمير الشام ( ... وعلموا صبيانكم الكتابة والسباحة ).

وكانت العرب في الجاهلية وأول الإسلام تطلق لقب ( الكامل ) على من يحسن الكتابة والعوم والرمي. وقد اجتمعت هذه الخصال في أسيد بن حضير وسعد بن عبادة رضي الله عنهما.

ولقد ألف السيوطي رحمه الله، وهو من علماء القرن التاسع الهجري، كتابًا في فضل السباحة جمع فيه الآثار التي وردت في فضل السباحة والحث عليها.

و- حمل الأثقال:

وهذه الرياضة لها دور كبير في تقوية عضلات الساقين واليدين والفخذين والبطن، ولم ينكر الرسول صلى الله عليه وسلم على من يمارس هذا المنشط الترويحي لما فيه من جوانب ترويحية وإجمام للنفس، إضافة إلى دورها في تقوية البدن لملاقاة الأعداء ومنازلتهم. ولقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم شبابًا يرفعون حجرًا ليروا الأشد منهم، فلم ينكر عليهم. ومن المعلوم -أن عدم إنكاره صلى الله عليه وسلم- عليهم فيه إقرار على ما كانوا يفعلونه، ولو كان في ذلك محذور شرعي لنهاهم عليه الصلاة والسلام.

كما ورد في الخبر أن ابن عباس رضي الله عنهما مر بقوم يرفعون حجرًا ولم ينكر عليهم، فبعد أن مر بهم قال: ما شأنهم ؟ فقيل له: ينظرون أيهم أقوى، فقال ابن عباس: عمال الله أقوى من هؤلاء .

ز- وسائل ترويحية أُخَر:

وهي عديدة مثل: اللعب بالرماح والحراب، فعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: " رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يسترني بردائه، وأنا أنــظر إلى الحبـــشة يلعبـــون في المســـجد حتى أكون أنا الذي أســـأم، فاقدروا قدر الجــارية الحــديثــة السـن، الحريصة على اللهو ".

ومن الوسائل الترويحية كذلك: الصيد بالرماح والسهام، والصيد بالطيور والكلاب المعلمة وهذه للكبار خاصة.

حـ- ألعاب خاصة بالأطفال:

مثل المراجيح، فعند الإمام أحمد في المسـند أن عـائشة رضي الله عنها كانت تلعب بالأرجوحة قالت: "... فلما قدمنا المدينة جاءتني نسوة وأنا ألعب في أرجوحة ...".

ومن ألعاب الأطفال كذلك اللعب بالبنات ( العرائس ) فعن عائشة أنها قالت: " كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم، وكان لي صواحب يلعبن معي، فكان رسول الله إذا دخل يَتَقَمَّعن منه، فيُسرِّبُهن إليّ فيلعبن معي ".

وعند أبي داود أن عائشة قالت: " قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك أو خيبر وفي سهوتها ستر، فهبت ريح فكشفت ناحية الستر عن بنات لعائشة ( لُعَب)، فقال: ما هذا يا عائشة ؟ قالت: بناتي.. ورأى بينهن فرسًا له جناحان من رقاع، فقــال: ما هذا الذي أرى وسطهن ؟ قالت: فرس، قال: وما هذا الذي عـليه ؟ قـالت: جناحان، قال: فرس له جناحان! قالت: أما سمعت أن لسليمان خيلاً لها أجنحة، قالت: فضحك حتى رأيت نواجذه ".

وهناك ألعاب أخرى، ولا شك أن ما ذكر من مناشط ترويحية تعد أصولاً للترويح، ويمكن أن ينبثق من كل منشط العشرات من الألعاب والمسابقات بأشكال وأنواع مختلفة تتناسب والوسائل الحديثة في وقتـنا المعـاصر، طـالمــا كانت منضـبطة بالضـوابط الشرعية التي تقدمت الإشارة إليها. وهذا ما تم بالفعل، حيث واصل المسلمون تطوير الكثير من هذه الممارسات الترويحية وفق تطور كل عصر يعيشونه.
د عبد الله ناصر السدحان

Post: #777
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:18 AM
Parent: #701

نظرة الإسلام للترويح
يعد الترويح في الإسلام أمرًا مشروعًا، بل ومطلوبًا، طالما أنه في إطاره الشرعي السليم المنضبط بحدود الشرع التي لا تخرجه -أي الترويح- عن حجمه الطبيعي في قائمة حاجات النفس البشرية.. فالإسلام دين الفطرة، ولا يُتصور أن يتصادم مع الفطرة، أو الغرائز البشرية في حالتها السوية.

ومن هنا فقد أجاز الإسلام النشاط الترويحي الذي يعين الفــرد المســلم على تحمــل مشــاق الحيـاة وصعــابــها، شــريــطــة ألا تتعارض تلك الأنشطة مع شيء من شرائع الإسلام، أو يكون فيها إشغال عن عبادة مفروضة،

والأصل في ذلك الحديث الذي يرويه حنظلة رضي الله عنه حيث يقول: لقيني أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقال: كيف أنت يا حنظلة ؟ قال: قلت: نافق حنظلة! قال: سبحان الله! ما تقول ؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى وكأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا، قال أبوبكر: فو الله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلـقت أنا وأبـو بكر الصديق حتى دخلنا علـى رســول الله صلى الله عليه وسلم، قلــت: نافــق حنظــلة يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك ؟ " قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة حتى كأنّا رأيُ عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، فنسيــنا كــثيـرًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده أن لو تَدُومُون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فُرُشِكم وفي طُرِقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة ثلاث مرات ".

ولا شك أن إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لتأثر نفس حنظلة رضي الله عنه المؤمنة وتقلبها بين مجالات الجد وأنماط العبادات من جهة، وبين متطلبات النفس من مرح وانبساط من جهة أخرى، هو اعتراف ودليل سماوي على اعتبار الترويح والترفيه، وأنه من كمالات النفس ولوازمها الأساسية لأداء حقوق الخالق والمخلوق.

كما أكدت السنة مبدأ الترويح في الإسلام، ومن ذلك ما ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، الذي رواه الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: " يا عبد الله ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل ؟" قال: بلى يا رسول الله، قال: "فلا تفعل، صم وأفطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا، وإن لزوجك عليك حقًا".

وكذلك مما يؤكد على مراعاة الإسلام لمبدأ الترويح في حياة المسلم، الأثر الذي يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله: " روحوا القلوب ساعة وساعة" (ضعفه الألباني في ضعيف الجامع).

ومن الآثار المؤكدة لمبدأ الترويح في الإسلام ما يروى عن علي رضي الله عنه: ( أجموا هذه القلوب، والتمسوا لها طرائف الحكــمة، فــإنها تمــل كمــا تمــل الأبــدان )، ومــا يــروى عــن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: ( أريحوا القلوب، فإن القلب إذا أكره عمي ).

وهكذا كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياتهم العادية، فيعطون أنفسهم حقوقها من الراحة والترفيه، ففي الأثر الذي يرويه البخاري: ( كان أصحابه صلى الله عليه وسلم يتبادحون بالبطيخ، فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال ).

وفي هذه الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم، والآثار الواردة عن الصحابة رضوان الله عليهم، دلالة على مراعاة الإسلام لحق النفس في الراحة، وإعطائها حقها من ذلك، طالما أنه ضمن الإطار الشرعي، وداخل الحدود المقبولة اجتماعيًا.

والإســلام حـين يــقر الجانب الترويحي في حيـــاة المسلم، فهو ينطلق من مراعاته للفـطرة البشــرية، والغرائز التي أودعها الله في النفس البشرية، ويتعامل مع واقع الإنسان وظروفه، وليس معنى ذلك الرضا بواقع الإنسان أيًا كان، بل هو يراعي طبيعة الإنسان الضعيفة، وحقيقة واقعها اليومي والحياتي الذي تعيشه.

والمنطلق الآخر الذي تنطلق منه مشروعية الترويح في الإسلام هو: شمولية هذا الدين بتشريعاته لجميع جوانب حياة الإنسان: الجسمية، والروحية، والعقلية، والنفسية، والاجتماعية، والغريزية، فالشمول أحد خصائص هذا الدين العظيم وميزاته.

ومن هنا اعترف الإسلام، انطلاقًا من واقعيته وشموليته، بحق البدن في أخذ نصيبه من الراحة والاستجمام، كما اعترف بحق الروح في أن تنال حظها من الترويح والترفيه، ليقوي كل منهما الآخر على تحقيق العبودية لله بمعناها الشامل.

ومما لا شك فيه أن الأصل في الترويح أن يتلازم مع وقت الفراغ ويمارس فيه، كما يجب أن يكونا متعادلين في الكمية، فلا يطغى أحدهما على الآخر.. فزيادة وقت الفراغ في حياة الإنسان وتركه دون استغلال يحوله إلى مشكلة، وزيادة الترويح على أوقات الفراغ يحوله إلى لهو ولعب.

لذا نجد أن ( الإسلام يُقوِّم عمر الإنسان في هذه الحياة الدنيا بأنه أسمى وأغــلى من أن تضيع فقــراته بين لـهو عابث سخيف لا قيمة له، ولعب باطل لا يأتي من ورائه بمنفعة دنيوية عظيمة ولا أخروية نبيلة، فهو مسؤولية في عنق المسلم يحاسب عليه يوم القيامة ).

وهذا ما جعل الصحابي الجليل معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول: إني أحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.. وكذا ما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه في قوله: إني لأستجم لقلبي بالشيء من اللهو، ليكون أقوى لي على الحق. وهذا يعني أن الترويح يمكن أن يكون له بعد تعبدي إذا احتسبه الإنسان قربة لله، أو ليتقوى به على الطاعة.

وعلى ذلك تصبح جميع حياة المسلم تعبدية ما دامت مقترنة بالنية الصالحة، حتى في الجماع مع الزوجة، فلقد ورد في الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: " ... وفي بضع أحدكم صدقة، قالوا: يا رسول الله أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ فقال: أرأيتم لو وضعها في الحرام أليس كان يكون عليه وزر ؟ قالوا: بلى، قال: فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر ".
عبد الله بن ناصر السدحان

Post: #778
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:20 AM
Parent: #701

الترويح في الإسلام: معناه وآثاره
الحمد لله الذي أحل لنا الطيبات، وحرم علينا الخبائث، وجاء التكليف الإلهي في حدود الوسع، وغاية التقوى ما يقع تحت الاستطاعة، قال تعالى: {فاتقوا الله ما استطعتم } (التغابن:16)، ولم يجعل علينا في الدين من حرج، فالضرورات تبيح المحظورات، لأن التكليف والعبادة لتهذيب الإنسان والارتقاء به، وليس لتعذيبه وقهره وحرمانه، كما جعل للحياة معنى تتمحور حوله، وللإنسان هدفًا متيقنًا، وأملاً يسعى إليه ويسعد به، ويشكل حماية له من السقوط ووقاية من مصائب الدنيا، فأصبحت المتعة تتحقق في الإنجاز، وغايته تحقيق العبودية والفوز برضى الله، الذي يعني النعيم المقيم والمتع الخالدة، التي تهون عندها سائر المتع واللذائذ الموقوتة والعارضة.

والصلاة والسلام على الرحمة المهداة والنعمة المسداة، الذي كانت من أهداف رسالته للبشرية وضع إصرها والأغلال التي كانت عليها وتخليصها من العنت، قال تعالى: {الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبًا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم } (الأعراف:157)، وقال تعالى: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم } (الحجرات:7)، فكانت حلاوة الإيمان والانضباط بقيمه ومتعه فوق كل حلاوة ومتعة وراحة، وكانت عذوبته وقاية من السقوط في حمأة الغريزة، وقدرة على تحمل سائر المشاق وأنواع العذاب.
أما بعد:

فالترويح وسيلة تربوية، بل لعله من أكثر الوسائل التربوية فاعلية، لأنه يتم بعيدًا عن التوتر والقلق والتكيف على أوضاع معينة.. إنه التربية والتعليم الذاتي، من خلال اغتنام مجالات ومساحات الراحة الجسمية والرضى النفسي وأعلى درجات القابلية للاختيار.

وبالإمكان القول: إن قياس مردود التعليم، واكتساب المهارات المعرفية والسلوكية والوجدانية من خلال ابتكار وسائل لإيصالها في أوقات الترويح والنشاط الذهني، دفع القائمين على شأن التعليم إلى تكسير حواجز المدارس وقوالبها ووسائلها التقليدية، وبدأوا يفكرون بأشكال جديدة من هياكل المدارس الممتعة، التي تمنح الطالب قدرًا من التحرر من القوالب والأشكال التي قد تسبب انسدادًا وإعاقة للمعرفة، إلى درجة أصبحت معها مجالات الترويح وميادينه، ووسائل الترفيه وألعابه، هي الموقع الأهم لاكتشاف ميول الطالب ومواهبه واهتماماته، التي تعين على ترسيم مستقبله أو قراءة مستقبله من خلال الأنشطة الترويحية.

لذلك نقول: تبقى الإشكالية في فلسفة الترويح وكيفية بناء حس المتعة والسعادة، فليس دقيقًا ولا صحيحًا أن الترويح هو نوع من الساعات الضائعة، وكسر للحواجز، وانعتاق من القيم.

فقد تكون المشكلة ابتداءً في قراءة الإنسان محل الترويح وهدفه، وفي عدم القدرة أثناء التفكير بموضوع الترفيه أو الترويح على إدراك حاجات الإنسان الأصلية وقابلياته، وخصائصه وأهدافه، ووظيفته أو رسالته في الحياة. ذلك أن القراءة المخطئة للإنسان تؤدي إلى اضطراب النسب التي تتشكل منها الكينونة البشرية، وبالتالي ينعكس ذلك على فلسفة الترويح وأدواته ووسائله وأهدافه.

فهل الإنسان كتلة من الغرائز والشهوات فقط حتى يجيء الترويح أو الترفيه إزالة للعوائق والممنوعات، وفتحًا للباب على مصراعيه أمام المتع الرخيصة والرفه الآثم، باسم الشأن الشخصي والحرية الشخصية، ولو أدى ذلك إلى الشذوذ والانحراف، التي أصبحت تعج بصورها الحضارة المادية وأصبحت إشكاليتها الحقيقية وجاءت وسائل الترويح استهدافًا للإنسان ذاته، استهداف صحته وسعادته وأسرته وعقله، وتدمير طاقاته وعلاقاته الاجتماعية ؟.

أم أن الإنسان عقل وعاطفة، ونفس وروح، وفطرة وغريزة، وذات ومجتمع، وأن وسائل الترويح لا بد أن تؤصل وتتأسس بحيث تكون مستجيبة لكل معطى بقدره أو مطلب يشكل حاجة أصلية للإنسان؟.

معنى الترويح

يدور معنى كلمة الترويح في أصلها اللغوي على السعة والانبساط، وإزالة التعب، ورجوع النشاط إلى الإنسان، وإدخال السرور على النفس بعد العناء، ويقال: رجل أريحي، أي واسع الخلق نشيط.. وأراح الرجل، أي: رجعت له نفسه بعد الإعياء. وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يا بلال أقم الصلاة أرحنا بها ".

وتتعدد تعريفات المختصين للترويح وتتابين باختلاف نظرة من يقوم بتعريفه.. ومن هذه التعاريف أن الترويح هو:

- إعادة إنعاش الروح وإحياء القوة بعد تعب.

- إدخال السرور على النفس.

- نشاط ذو فائدة ما، يمارس اختياريًا أثناء وقت الفراغ، بدافع ذاتي من الرضا الشخصي الذي ينتج عنه.

- النشاط الذي يختاره الفرد ليمارسه في وقت فراغه.

- مزاولة أي نشاط في وقت الفراغ، بهدف إدخال السرور على النفس، دون انتظار أي مكافأة.

ويمكننا تحديد مفهوم أدق لمصطلح الترويح من المنظور الشرعي بأنه: ( نشاط هادف وممتع للإنسان، يمارسه اختياريًا وبرغبة ذاتية، وبوسائل وأشكال عديدة مباحة شرعًا، ويتم في أوقات الفراغ).

من آثار الترويح

يكتسب الترويح أهميته من الآثار المترتبة عليه، فمن الآثار التي ينتجــها الترويــح تكــون الدوافــع لدراسته والاهتمام به، ومما يلاحظ في معظم الدراسات أنها تربط دائمًا بين الانحراف والترويح، وكأن الترويح لا يولّد إلا انحرافًا، أو كأنما الانحراف نتيجة لازمة من نتائج الترويح، وخاصية أساس من خصائصه، وليس ذلك بصحيح، فبقدر ما يحمل الترويح من آثار سلبية، فهو في الوقت نفسه ينتج لنا آثارًا إيجابية، بل إن إيجابياته أكبر وأسهل تحصيلاً لمن يوفقه الله إلى ذلك، وبخاصة إذا تعاملنا معه وفق النظرة الشرعية بضوابطها وأهدافها التي سترد لاحقًا.

أولاً: الآثار الإيجابية المترتبة على الترويح:

هناك العديد من الآثار الإيجابية المصاحبة للعملية الترويحية بشتى صورها وأشكالها، إلا أننا نجد أن لكل شكل من الأشكال، ولكل منشط من المناشط الترويحية المختلفة التي يمارسها الإنسان فوائد محددة، ومن ذلك:

1) إشباع الحاجات الجسمية للفرد: ويتم ذلك بممارسة الرياضة البدنية وليس بمشاهدتها فقط، كما يحدث بين نسبة كبيرة من أفراد المجتمع، حيث تؤدى ممارسة الرياضة البدنية بشتى أنواعها غالبًا إلى إزالة التوترات العضلية وتنشيط الدورة الدموية، وتحسين أداء الأجهزة الرئيسة بالجسم، كالجهاز التنفسي والهضمي، إضافة إلى اكتساب قوام معتدل.

2) إشباع الحاجات الاجتماعية للفرد: فمن المعلوم أن معظم الأنشطة الترويحية تتم بشكل جماعي، وهذا يساعد الفرد حين ممارستها على اكتساب الروح الجماعية والتعاون والانسجام والقدرة على التكيف مع الآخرين، وهذا يؤدي إلى تكون علاقات اجتماعية ناجحة مع الآخرين وإلى نمو اجتماعي متوازن.

3) إشباع الحاجات العلمية والعقلية للفرد: وهذا يتأتى من خلال الأنشطة الترويحية الابتكارية التي يمارسها الفرد في حياته اليومية، فهذه الأنشطة تؤدي في الغالب إلى تنمية القدرات العقــلية والتفاعل الإيجابي مع المواقف المختلفة، كما تساعد هذه الأنشطة الترويحية الابتكارية على تطوير القدرة الإدراكية والاستيعابية للمواقف المختلفة.

4) قد تكون الأنشطة الترويحية عاملاً مساعدًا في رسم مهنة المستقبل للفرد، من خلال تنمية مهاراته وقدراته التي غالبًا ما تبدأ بهواية يمارسها الفرد في حياته اليومية، ثم ينميها ويطورها، حتى تنتهي بمهنة يحترفها في المستقبل.

5) تساعد الأنشطة الترويحية على اكتشاف العديد من السجايا والأخلاق والطباع التي يحملها الأفراد، إذ غالبًا ما يكون الفرد على سجيته ودون تصنع أو تكلف في أثناء ممارسته للترويح.

6) الأنشطة الترويحية قد تكون منشطة للحركة الاقتصادية في المجتمع، من خلال جعل الأنشطة والبرامج الترويحية موارد استثمارية، وبخاصة إذا تم التعامل معها وفقًا للنظرة الشرعية للترويح، وإلا أصبحت ذات آثار سلبية.

7) تساعد الأنشطة الترويحية على إحداث مزيد من الترابط الأسري بين أفراد الأسرة الواحدة حين ممارستها بشكل جماعي، وبشرط أن تكون تلك الأنشطة ذات صبغة إيجابية تفاعلية، أما إذا كانت البرامج الترويحية سلبية أو استقبالية محضة، مثل: مشاهدة التلفزيون فقط، فهذه الممارسات الترويحية قد تؤدي إلى عكس النتائج الإيجابية المتوقعة، فكلما ارتفعت نسبة المشاركة بين أفراد الأسرة في الأنشطة الترويحية أدى ذلك إلى مزيد من التماسك الأسري.

8) تؤدي الأنشطة الترويحية -إذا أحسن الإنسان استثمارها وممارستـها بشكــل إيجــابي- إلى زيــادة الإنتاجيـة لديــه، إذ تعد هذه الأوقات فرصة لالتقاط الأنفاس، والترويح فيها، مما ينعكس بأثره الإيجابي على فعاليات الفرد ونشاطه وحيويته حال عودته للعمل.

ثانيًا: الآثار السلبية المترتبة على الترويح:

1) يرى كثير من الباحثين أن الترويح عامل رئيس في انحراف الأحداث، ويؤدي دورًا لا يستهان به في حياتهم، ويستندون في ذلك إلى العديد من الدراسات والأبحاث التي تربط بين الانحراف من جانب ومتغيرات الترويح، وهذه المتغيرات يقصد بها مكان الترويح، وزمانه، والمشاركين فيه.

2) يؤدي الترويح إذا تم استغلاله بشكل سلبي إلى وجود حالة من الملل في حياة الفرد، إذ لا يُتصور حياة لا يمارس فيها عمل، لا للدنيا ولا للآخرة، وهذا الملل ينقل الفرد إلى حالة من القلق.

3) ممــارسـة الأفــراد أو المجتمـعات للتــرويح بشكل كبـيـر قد يدفع بالمجتمع إلى وضع استهلاكي ضار، إذ تنصرف نسبة كبيرة من موارده إلى جوانب كمالية زائدة عن حاجته، إذ ممارسه الترويح في الغالب تنصبغ بالصفة الاستهلاكية غير المنضبطة ماديًا.

4) بعض الأنشطة الترويحية تؤدي إلى تغيرات اجتماعية ذات صبغة سالبة، فمنها على سبيل المثال ما أحدثه التلفاز في أنماط الاجتماعات العائلية والأسرية، فلم تعد تجمعات الناس مع وجود التلفاز ذات طبيعة جماعية كما كانت ســابقًا، فهو يوحدهم شكليًا ولكنه من الناحية السيكولوجية يفرق ويقــطـع الصـلات بينـــهم، وهذا التجــمع المــادي الجســدي لا يكفي لتحقيق التقارب الاجتماعي.

وتلـك الآثار المتــرتــبة على التــرويــح، سـواء الإيجابي منها أو السلبي، تتضافر عدة جهات في صنعها في حياة الأفراد، فلكل من الأسرة، والمدرسة، والمجتمع بشكل عام دور في هذه الآثار، فنجد أن من مهام الأسرة التربوية لأفرادها تعليم أبنائها كيفية الاستفادة من الترويح، والعمل على استثماره الاستثمار الصحيح، واستغلاله في ممارسة الأنشطة الإيجابية الابتكارية، بالإضافة إلى تهيئة الوسائل الترويحية المناسبة لهم من الناحية العمرية والشرعية والتربوية، ومشاركة الأبوين للأبناء في الترويح. وبذلك نستطيع أن نضمن وجود الآثار الإيجابية له وتجاوز آثاره السلبية، وبخاصة أن العديد من الدراسات تؤكد أنه كلما زادت ممارسات أفراد الأسرة الواحدة مع بعضهم البعض للأنشطة الترويحية كان ذلك محدثًا لمزيد من الترابط الأسري بين أفرادها.

أما المدرسة فدورها لا يمكن إغفاله في تربية الطلاب على حسن التعامل الأمثل مع الترويح وتحقيق الآثار الإيجابية من خلال ممارسة الأنشطة الترويحية الإيجابية والابتكارية، وتهيئة الظروف المكانية والزمانية المناسبة لتحقيق ذلك للطلاب.

أما المجتمع بشكل عام، فدوره في صنع تلك الآثار الإيجابية للترويح يتحقق من خلال إيجاد المناخ الترويحي السليم، بتهيئة وسائل الترويح الإيجابية المتمشية مع نظم المجتمع وقواعده، وإيجاد الأماكن الترويحية المأمونة التي تعمل على جذب أفراد المجتمع لها، وكل ذلك يتأتى بمراعاة الضوابط الشرعية عند تهيئة تلك الوسائل الترويحية والأماكن الخاصة بها، أو حين استجلاب أي نوع مستحدث من الممارسات الترويحية.

العوامل المؤدية إلى التباين في ممارسة الترويح:

تختلف الأنشطة الترويحية التي يمارسها الأفراد بتأثير من متغيرات عدة، كما أن دوافع ممارسة الترويح وأسبابه تختلف من فرد إلى آخر، وأبرز تلك العوامل المسببة لذلك التباين ما يلي:

أ- الجنس: تختلف الأنشطة الترويحية باختلاف الجنس، فالذكر له أنشطة ترويحية تناسبه، كما أن للأنثى، أنشطة أخرى تناسبها، فالذكور يميلون إلى الأنشطة ذات الطابع البدني التنافسي، في حين تقبل الإناث على النشاطات الترويحية الهادئة التي تمارس غالبًا في المنزل أو مع الصديقات. ومنشأ هذا التباين في الأنشطة الترويحية طبيعة كل منهما، ويظهر هذا الاختلاف بشكل جلي وواضح في المجتمعات المسلمة التي تراعي ذلك الأمر.

ب- العمر: يؤثر العمر في تحديد نوع النشاط الترويحي، فالأطفال لهم أنشطتهم الخاصة، وفي الغالب أنها ذات طابع حركي مستمر ومتواصل، في حين تكثر الأنشطة الثقافية والقراءة والرحلات بين البالغين، بينما تمتاز أنشطة فئة الشباب بالتنوع، إلا أن الجانب الرياضي والرحلات البرية تطغى عليها.

جـ- المستوى التعليمي: يتدخل المستوى التعليمي بشكل كبير في تحديد النشاط الترويحي الذي يمارسه الأفراد خلال أوقات فراغهم، فالقرءاة مثلاً سنجدها تكثر بين ذوي المستويات التعليمية المرتفعة.

د- المستوى الاقتصادي للأفراد: يؤثر هذا العامل من خلال القدرة على تهيئة وتوفير الوسائل والأدوات التي من خلالها يمارس الفرد الأنشطة الترويحية، فالرحلات الخارجية والسفر والسياحة قد لا تتحقق لأصحاب الدخول المنخفضة.

هـ- مقدار وقت الفراغ: وهذا العامل يؤثر بشكل كبير وأساس في تحديد نوعية النشاط الترويحي، إذ هناك من الناس من ينصرف عن ممارسة نشاط معين لأنه يحتاج إلى وقت فراغ كبير قد لا يتوفر له.

و- مكان الترويح ونوعية المشاركين: إذ غالبًا ما يتأثر الفرد بمن حوله ويندمج معهم في ممارسة النشاط الترويحي لمجرد أنه يشاهد غيره يمارسه.

ز- المستوى الاقتصادي والمادي للمجتمع: لكل مرحلة من مراحل نمو المجتمع الاقتصادية ما يناسبها من الأنشطة الترويحية، فإن كان المجتمع يمر بمرحلة تدهور اقتصادي فهذا الوضع الاقتصادي المتردي سيجعله يمارس أنشطة ترويحية تختلف عن الأنشطة الترويحية التي سيمارسها حين ظهور تحسن اقتصادي ورخاء مادي، فمقدار الدخل السنوي للأفراد، ومستوى المعيشة للمجتمع بشكل عام، له أثره في بروز أنشطة ترويحية والتركيز عليها دون غيرها.

حـ- خصوصية المجتمع العقدية والثقافية: إن طبيعة المجتمع وخصائصه العقدية والثقافية التي تميزه عن المجتمعات الأخرى، لها دور كبير ومهم في تحديد نوعية الأنشطة الترويحية التي يمارسها أفراده، ولا يمكن إغفال دورها في ظهـور أنشطـة ترويحية تتـناسب وطبيـعة ذلك المجتــمع، كما تؤدي هذه الخصوصية للمجتمع إلى اختفاء أنشطة ترويحية أخرى، وسيرد الحديث مفصلاً عن هذا الجانب المهم في مبحث مستقل بإذن الله تعالـى.
الشيخ/ عبد الله ناصر السدحان

Post: #779
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:23 AM
Parent: #701

حتى يثقل ميزانك
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، محمد بن عبد الله الصادق الأمين، وعلى آله وصحبه الغر الميامين، والتابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:

فإن من أعظم ما يرجو به العبد الفوز والنجاة يوم القيامة حسن الخلق؛ ذلك أن الخلق الحسن من أعظم الأعمال التي تثقل بها الموازين يوم القيامة كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما من شيء أثقل في الميزان من حسن الخلق"
هكذا يبين النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث فضل التحلي بالأخلاق الحسنة، فذكر أن حسن الخلق أثقل شيء في ميزان العبد يوم القيامة.

الرسول أحسن الناس خُلُقا

ولقد كان التحلي بحسن الخلق من أخلاق الأنبياء والرسل، وفي مقدمتهم نبينا محمد الذي وصفه ربه بقوله: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} سورة القلم(4)..
ولما سئلت أم المؤمنين عائشة ــ رضي الله عنها ــ عن خلقه -صلى الله عليه وسلم- قالت: "كان خلقه القرآن" أي متخلقاً بأخلاق القرآن فعلاً لما يجب ويستحب فعله، وتاركاً لما يحرم ويكره فعله، فكان عاملاً بالأوامر مجتنباً للزواجر..

وهذا أنس أحد الذين تشرفوا بخدمته صلى الله عليه وسلم- يقص علينا بعضاً من أخلاقه فيقول كما في صحيح مسلم: "خدمت النبي -صلى الله عليه وسلم- عشر سنين والله ما قال لي أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا، وهلا فعلت كذا"، زاد الترمذي: "وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحسن الناس خلقاً، وما مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عَرَق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

من صفات المتقين

كما أن التحلي بحسن الخلق من صفات عباد الله المتقين، كما أخبر الله بذلك، فقال تعالى: {وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}، فكل هذه الأعمال المذكورة في الآية من الأخلاق الحسنة.

من ثمرات حسن الخلق

إن التحلي بالأخلاق الحسنة يترتب عليه الخير العميم في الدنيا والآخرة كما بينته الأدلة الشرعية
فقد سئل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أكثر ما يدخل الناس الجنة، فقال: "تقوى الله، وحسن الخلق".

قال ابن القيم-رحمه الله-: "جمع النبي -صلى الله عليه وسلم- بين تقوى الله وحسن الخلق؛ لأن تقوى الله تصلح ما بين العبد وبين ربه, وحسن الخلق يصلح ما بينه وبين خلقه. فتقوى الله توجب له محبة الله, وحسن الخلق يدعو الناس إلى محبته".

وقد ضمن النبي صلى الله عليه وسلم لمن حسن خلقه سكنى أعالي الجنان؛ فقال: "..وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه".

كما أن التحلي بحسن الخلق هو سبيل إلى تحقيق التقوى، ولذلك فقد أوصى النبي –صلى الله عليه وسلم- بذلك؛ كما في وصيته لمعاذ-رضي الله عنه-، : "اتق الله حيثما كنت، وأتبعِ السيئة الحسنةَ تمحُها، وخالق الناس بخلق حسن".

قال ابن رجب -رحمه الله-: "هذه من خصال التقوى، ولا تتم التقوى إلا به -أي مخالقة الناس بالخلق الحسن-، وإنما أفردها بالذكر للحاجة إلى بيانه؛ فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله دون حقوق عباده، فنص له على الأمر بإحسان العشرة للناس، فإنه كان قد بعثه إلى اليمن معلماً لهم ومفهماً وقاضياً، ومن كان كذلك فإنه يحتاج إلى مخالقة الناس بخلق حسن ما لا يحتاج إليه غيره ممن لا حاجة للناس به ولا يخالطهم، وكثيراً ما يغلب على من يعتني بالقيام بحقوق الله، والانعكاف على محبته وخشيته وطاعته إهمال حقوق العباد بالكلية أو التقصير فيها، والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيزٌ جداً لا يقوى عليه إلا الكُمَّلُ من الأنبياء والصديقين".

وصاحب الخلق الحسن مع الإيمان هو من خير الناس فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: قلنا : يا نبي الله من خير الناس ؟ قال : "ذو القلب المخموم ، واللسان الصادق" . قال : يا نبي الله : قد عرفنا اللسان الصادق فما القلب المخموم ؟ قال : "التقي النقي الذي لا إثم فيه ، ولا بغي ، ولا حسد" . قال : قلنا يا رسول الله ، فمن على أثره ؟ قال : "الذي يشنأ الدنيا ، ويحب الآخرة". قلنا ما نعرف هذا فينا إلا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فمن على أثره ؟ قال : "مؤمن في خلق حسن" . قلنا : أما هذه ففينا.

كما أن التحلي بالخلق الحسن مما يقرب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- في الجنة؛ فعن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً".

ولأن حسن الخلق يجمع خلال الخير فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر في دعائه من سؤال الله الهداية لأحسن الأخلاق، كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن علي بن أبي طالب عن رسول الله أنه كان إذا قام من الليل، وفيه: "... واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت".

ويكون حسن الخلق ببذل السلام، وكف الأذى، وطلاقة الوجه، وسعة الصدر، وكظم الغيظ، والعفو عمن ظلمك، ووصل من قطعك، وغير ذلك من الخصال الحميدة، فعن عبد الله بن المبارك ــ رحمه الله ــ قال: "هو بسط الوجه، وبذل المعروف، وكف الأذى".

وسئل سلام بن أبي مطيع عن حسن الخلق فأنشد:
تـراه إذا ما جئتـه متهـللاً *** كأنك تعطيه الذي أنت سائله
ولو لم يكن في كفه غير روحه *** لجـاد بها فليتـق الله سائلـه
هو البحر من أيِّ النواحي أتيته *** فلُجّته المعروف والجود ساحله.

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق وأن يزيننا بزينة الإيمان وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #780
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:25 AM
Parent: #701

الرجوع إلى الحق فضيلة
الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خير الورى وسيد البشر محمد بن عبد الله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار ما تعاقب الليل والنهار، صلاة وسلاماً أبديين متعاقبين ما دامت السماوات والأرضين، أما بعد:

فالإنسان بشر، يعتريه الخطأ والنسيان، والضعف والقوة، ويقع منه الخطأ والمعصية، وليس ذلك عيبا، ولكن العيب هو التمادي فيه، أما إذا عرف الحق ورجع إليه فهذه منقبة له، لحديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" (رواه ابن ماجة والدارمي وحسنه الألباني).

والمطالع لسير السلف الصالح رضي الله عنهم يجدهم ممن قلَّت أخطاؤهم، ومع ذلك فهم أحق الناس بأن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ}[الأعراف: 201]، هذه المبادرة إلى التوبة، وتلك المسارعة إلى الرجوع للحق، هي ولا شك خير من التمادي في الباطل استجابة لأهواء النفوس، ونزعات الشياطين، وتكبراً عن الاعتراف بالخطأ لاسيما عند الخصومات.

اختلاف الطبائع عند كثير من الناس:

كثيراً ما تكون الطبائع التي لم تُهذّب سبباً من أسباب زلة القدم، والوقوع في بعض الخصومات، والجدال، ومن المعلوم أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف اختلافاً كبيراً بيِّناً، فمنهم السهل ومنهم الحزن، ومنهم المتواضع ومنهم المتكبر، ومنهم سريع الغضب قريب الرجوع إلى الحق، فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه.
لكن مما لا شك فيه أن خيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة، وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة، الذي لا يكاد يقر بخطأ، أو يعترف بذنب، فيبدي الأسف، أو يبادر بالاعتذار، فنفسه الأمارة بالسوء قد غلبته وقهرته فلم تدع له مجالاً لسرعة الرجوع إلى الحق.

أخي في الله: اضبط عواطفك، وعد إلى الحق بسرعة، فحبل الخيرية بيدك أيها المؤمن، وما عليك إلا أن تضبط عواطفك فلا تغضب ولا تسيء، وإن لم تتمالك نفسك فلا يطل عليك الأمد، ويتراكم على قلبك الران، وإنما تفيء إلى دائرة الحق بسرعة، وترجع إلى جادة الصواب على عجل.

ولم يخل مجتمع من المجتمعات من الخصومات والجدل، والنزاع مع خلق الله عز وجل، قد يكون مع أهله وزوجته وأبنائه، أو مع جيرانه، فعليه أن يلزم الحلم والصفح فإنهما صفتان عظيمتان، وقد امتدح الله عز وجل العافين عن الناس فقال: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}[آل عمران: 134]، وقال: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}[الشورى: 40]، وتعرض الأعمال يوميّ الاثنين والخميس فيغفر لكل مؤمن إلا المتخاصمين لحديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً إلا رجلاً كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا" (رواه مسلم).

والمتوقع من المؤمن الصادق أنه يسرع في الرجوع والعفو والصفح، ويسابق إلى الصلح، أما من يلجُّ في الخصومة، ويغرق في التمادي فقد ثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" (البخاري ومسلم)، وفسره الإمام النووي رحمه الله فقال: "(الألد) شديد الخصومة، مأخوذ من لديدي الوادي وهما جانباه، لأنه كلما احتج عليه بحجة أخذ في جانب آخر، (الخصم) الحاذق بالخصومة، والمذموم هو الخصومة بالباطل في رفع حق، أو إثبات باطل".

بل إن من صفات المنافق أنه: إذا خاصم فجر لحديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (البخاري ومسلم)، والفجور الميل عن الحق، والاحتيال في رده، وكم يكون عظيماً ذلك الذي يذل للمؤمنين، ويؤوب إلى الرشد، ويعجل إلى ربه، ويرجع ليرضى عنه.

ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه مثلاً رفيعاً في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة رضي الله عنه بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، فعن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: "حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله مما قالوا، فأنزل الله: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ}[النور: 11] العشر الآيات كلها في براءتي، فقال أبو بكر الصديق - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه -: "والله لا أنفق على مسطح شيئاً أبداً بعد الذي قال لعائشة"، فأنزل الله: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى}[النور: 22] الآية، قال أبو بكر: بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال: والله لا أنزعها عنه أبداً" (البخاري).

الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل:

وليس العيب الوقوع في الخطأ إذ "كل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون"، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ، والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مُفتّحة تدعونا لسرعة التوبة فعن أبي موسى رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها" (مسلم)، وتستطيع تجاوز العقبة بأن تكون صريحاً مع نفسك، وتعترف بخطئك، وهذه بداية طريق التوبة والرجوع إلى الله، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه، وإذا كان ربنا يدعونا إلى سعة رحمته، ويقابل ضعفنا وإساءتنا بإحسانه، فما الذي يؤخرنا عن إصلاح أنفسنا، وما الذي يحول بيننا وبين الرجعة السريعة، والتوبة النصوح؟ وقد جاء في الحديث القدسي الذي يرويه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إلي شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإن تقرب إلي ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة". (البخاري).

أيها العبد المؤمن بادر بالتوبة إلى الله عز وجل، وإياك ثم إياك والتسويف.

إن الذي يحول دون التعجيل بالتوبة هو الوقوع في قيد الإصرار، ولقد بوب الإمام البخاري رحمه الله أحد أبواب كتاب الإيمان بقوله: "باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر، وما يُحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: {وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[آل عمران: 135]"، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله على هذا الباب: "وكأن المصنف لمّح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعاً قال: "ويل للمصرّين الذي يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون" أي: يعلمون أن من تاب تاب الله عليه، ثم لا يستغفرون، قاله مجاهد وغيره"، وصورة الإصرار هي العزم على معاودة الذنب، وعدم الإقلاع بالتوبة إلى الله منه، والله أعلم.
فهل يختار المؤمن مصير الويل والهلاك أم يقاوم هواه ويستعلي على نزوات الشيطان لينطلق من قيدها ساعياً إلى رحمة الله؟ فإذا أسأت فأحسن، وإذا أذنبت فاستغفر؛ لعل عملك يشهد لك بالسرعة في طاعة الله، وإذا أخطأت في حق أحد فبادر بالاعتذار، قبل فوات الأوان، وقبل أن تصل الروح إلى الحلقوم، عند ذلك لا ينفع الندم قال الله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ *وَأَنتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنكُمْ وَلَكِن لَّا تُبْصِرُونَ}[الواقعة: 83-85].

أخي في الله: أما ذكرت أنك ميت، وأن الموت لا مفر منه.

هو الموت ما منه ملاذٌ ومهرب *** متى حط ذا عن نعشه ذاك يركب

نؤمـل آمـالاً و نبغي نتاجها *** وعلَّ الـردى عمَّا نرجيه أقرب

إلى الله نشكـو قسوة في قلوبنا *** وفي كل يوم واعظ الموت يندب

نسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه على كل شيء قدير، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

إمام المسجد

Post: #781
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:29 AM
Parent: #701

غدًا تشرق الشمس
ذكر «ونستون تشرشل» في كتابه «شماعة القدر» قصة عجيبة وقعت للقائد الشهير «مونتغمري» وهو يغادر إنجلترا متوجهًا إلى إفريقيا لتولي قيادة الجيش الثامن وبرُفقته في السيارة رئيس الأركان القائدُ «إسماي» وكان «مونتغمري» يحدثه أثناء الطريق وبنوع من الإعجاب عن جندي كانت له مغامرات جريئة وحيلٌ ، وكرَّس وقته وحياته لعمله, وقضى سنوات طويلة في الدراسة وتطوير ملكاته الجسدية والعقلية، ثم ابتسم له الحظ وتذوق طعم النجاح, وسنحت له الفرصة ليكون قائدًا عظيمًا بعد أن أحرز النصر لجيشه وأصبح مشهورًا وقائدًا عالميًا، ثم تغير الحظ فجأة وانقلبت حياته رأسًا على عقب، وهزم هزيمة قاضية حطمته ودونت اسمه في قائمة القادة العسكريين الفاشلين.

استاء «إسماي» مما سمع فاعترض على «مونتغمري» قائلًا: لكن الوضع يختلف ولا يصلح أن نتعامل مع كل الأمور من منظور سيئ، إننا نشكل جيشًا رائعًا في الشرق الأوسط وما يحدث هناك لا يعني أنك مقدم على كارثة.
عندها انتفض «مونتغمري» وجلس منتصبًا وصاح به ماذا ؟ ماذا تقصد ؟
إني كنت أتحدث عن «روميل».

لقد كان «مونتغمري» ذاهبًا لمواجهة واقع خطير, ويتضح ذلك إذا علمنا أن «روميل» لم يكن قد هُزم حتى تلك اللحظة في أية معركة من المعارك التي خاضها.

أما الوضعُ في ساحة المعركة فكان كالتالي: كان الجيش البريطاني يواجه الكثيرَ من المشكلات، وهُزم أكثر من مرة على يد «رومل» مما اضطره للانسحاب والتقهقُرِ فأصاب الجيشَ الإحباطُ وانخفاضُ الروح المعنوية إلى أن وصل «مونتغمري» فحقق النصر التاريخي في معركة العلمين, وهزم القائد الألماني الكبير «رومل».
لقد كان «مونتغمري» يمتلك توجهًا ذهنيًا إيجابيًا وتفاؤلًا كبيرًا كان أهم أسلحته في هذه المعركة الحاسمة في تاريخ البشرية.

إن التفاؤل يعني الإصرارَ على التقدم دائمًا رغم المُعوقات ويعني الإصرارَ على التحرر من المُقلِقات المُتوَهَّمَة والتعالي على الشعور بعدم الأمان والإحباط, إنه الإصرار على الحفاظ على النظرة الإيجابية والتمسكُ بالأمل بغض النظر عن صعوبة الظروف الخارجية.

إن امتلاك الإنسان للتفاؤل والتوجه الذهني الإيجابي يجعل تفكيره أشبه ما يكون بفرشة ألوان يُمكنها أن تلون كل شيء في حياته بألوان مُبهِجة مليئةٍ بالحيوية وتصنع من الواقع الكئيب تحفةً فنية. فالمتفائلُ يذوق طعم النصر قبل حدوثه والمتشائمُ يتجرع مرارة الهزيمة قبل وقوعها, بل ربما يتجرع مرارة هزيمة لن تقع أصلًا.

إن الفارق بين العقبة والفرصة يكمن في الزاوية التي ننظر من خلالها للأمور، فالمتفائل يرى في كل مشكلة فرصة، بينما المتشائم يرى في كل فرصة مشكلة.

والحياة بطبيعتها تصيب كُلاًّ من المتفائل والمتشائم بنفس المآسي والآلام, وتضع أمامهما نفسَ العقبات، ولكن المتفائل يواجهها بشكل أفضل وينهض بسرعة من أية هزيمة, ثم يبدأ الكرة من جديد، بينما المتشائم يستسلم من أول مواجهة ويسجن نفسه في بَوتقةِ اليأس والإِحباط والتعاسة وتحطيم الذات والمشاعر السلبية.

إن أخطر ما يواجه أي إنسان أن يقوم بهزيمة نفسه بنفسه من خلال تشبُّعه بتفكير سلبي متشائم، فلكل منا في هذه الحياة معركته الخاصة والمشاكل والتحديات وحتى الأعداء الذين يجب عليه أن ينتصر عليهم، وأقوى وأكبر سلاح بعد الإيمان بالله هو امتلاك روح إيجابية متفائلة بالنجاح والنصر ومليئة بالأمل المشرق.

إننا يمكن أن نعرف إن كنا نمشي في طريق النجاح أم لا من خلال المشكلات التي نواجهها, لأن طريق النجاح دائمًا يكون صعودًا إلى الأعلى, فإذا وجد الإنسان أنه يسير في طريق ليس فيه مشكلات فهذا دليل على أن طريقه لا يؤدي إلى شيء.

لقد أثبت الكثير من الدراسات الحديثة حقيقة مُهمة, وهي أن امتلاك التفاؤل أكثرُ أهمية في حياة الشخص من تعليمه وخبراته الخاصة وأمواله وكل نجاحاته السابقة التي حققها، وهي بكل تأكيد أهم من مظهره الخاص، والأمر الأكثر أهمية الذي أثبتته هذه الدراسات أن التفاؤل صفة يمكن اكتسابُها.

يقول الشاعر:
وإني لأرجو الله حتى كأنني أرى بجميل الظنّ ما الله صانعُ

ففي غزوة الأحزاب حين أحدقت بالمسلمين الأخطار من كل جانب، كما قال تعالى: {وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا}(الأحزاب:10)، في تلك الظروف اعترضت حفر الخندق صخرةٌ شديدة عجز عنها المسلمون, وهنا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم دروسًا في التفاؤل بالغد المشرق، ضرب الصخرة فانفلقت فقال: "الله أكبر، قصور الروم، ورب الكعبة، ثم ضرب أخرى فوقعت فلقة فقال: الله أكبر، أعطيت قصور فارس، ورب الكعبة". وأما المنافقون فقالوا: يعدنا محمد بكنوز قصور فارس والروم وأحدنا لا يأمن على خلائه.
وبعد أعوام قليلة صدق ما وعد الله ورسوله وكذب المنافقون وفتحت قصور فارس والروم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جريدة المصريون

Post: #782
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:33 AM
Parent: #781

الحذر من النار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
في الحديث: " مَثَلي كمثل رجل استوقد ناراً فلما أضاءت ما حولها جعل الفراش وهذا الدواب التي في النار يقعن فيها، وجعل يحجزهن ويغلبنه فيتفحَّمن فيها، قال: ذلكم مَثَلي ومثلكم، أنا آخذ بحجزكم عن النار، هلم عن النار، هلم عن النار، فتغلبوني تُقحمون فيها " (رواه مسلم).

هلم عن النار:

نار الله الموقدة، نار أُوقد عليها ألف سنة حتى احمرَّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى ابيضَّت، ثم أوقد عليها ألف سنة حتى اسودَّت، فهي سوداء مظلمة.
هلم عن النار:
نار حامية، "نار الدنيا جزء من سبعين جزءاً من حر جهنم قالوا: والله إن كانت لكافية يا رسول الله، قال: " فإنها فُضِّلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلها مثل حرها " (رواه مسلم).

هلم عن النار:

ذكر النبي صلى الله عليه وسلم النار فتعوّذ منها، وأشاح بوجهه، ثم ذكر النار فتعوّذ منها، وأشاح بوجهه، ثم قال: "اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم تجد فبكلمة طيبة " (رواه البخاري).

هلم عن النار:

نار أهون أهلها عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه، كما يغلي المرجل ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً، وإنه لأهونهم عذاباً.

نار يؤتى بها يوم القيامة " لها سبعون ألف زمام وسبعون ألف ملك يجرونها " (رواه الترمذي).

هلم عن النار:

قال الحسن: أذكرك الله، إلا ما رحمت نفسك، فإنك قد حذرت ناراً لا تطفأ، يهوي فيها من صار إليها، ويتردد بين أطباقها قرين شيطان، ولزيق حجر، يتلهب في جهنم شعلها {وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ } (فاطر:36).

هلم عن النار:

{ فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى (14) لَا يَصْلَاهَا إِلَّا الْأَشْقَى } (الليل:15،14)، نار حرها شديد، وقعرها بعيد، وشرابها الصديد، ومقامعها حديد. نار لو أن حجراً قُذف به فيها لهوى سبعين خريفاً قبل أن يبلغ قعرها.
تفـر مـن الهجـير وتـتـقـيـه *** فهلا عـن جهنم قد فررتا

ولست تطيق أهونها عذاباً *** ولو كنت الحديد بها لذبتا

هلم عن النار:

" من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئها، ومواقيتها، وركوعها، وسجودها، يراها حقاً لله عليه، حُرم على النار " (رواه أحمد).
" من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر وأربع بعدها حرمه الله على النار " (رواه الترمذي).
"من استجار من النار ثلاث مرات، قالت النار: اللهم أجره من النار " (رواه الترمذي).

هلم عن النار:

" حرمت النار على عين دمعت أو بكت من خشية الله، وحرمت النار على عين سهرت في سبيل الله " (رواه أحمد).
" ما من عبد مؤمن يخرج من عينيه دموع - وإن كان مثل رأس الذباب - من خشية الله، ثم تصيب شيئاً من حر وجهه، إلا حرمه الله على النار " (رواه ابن ماجة).
" حرمت النار على عين غَضَّت عن محارم الله، أو عين فقئت في سبيل الله عز وجل" (رواه الدارمي).
"من اغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار " (رواه البخاري).
قال عبد الواحد بن زيد: ( يا إخوتاه، ألا تبكون خوفاً من النار؟ ألا إنه من بكى خوفاً من النار أعاذه الله ).

هلم عن النار:

" ليقفن أحدكم بين يدي الله ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له، ثم ليقولن له: ألم أوتك مالاً؟ فليقولن: بلى. ثم ليقولن: ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى. فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة " (رواه البخاري).

هلم عن النار:

نارٌ طعام أهلها الزقوم، وما أدراك ما الزقوم؟ {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ } (الدخان:43-46)، {إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُؤُوسُ الشَّيَاطِينِ (65) فَإِنَّهُمْ لَآكِلُونَ مِنْهَا فَمَالِؤُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ (66) ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْباً مِّنْ حَمِيمٍ (67) ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ } (الصافات:64-68).

هلم عن النار:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني امرأة معها ابنتان تسأل، فلم تجد عندي شيئاً غير تمرة فأعطيتها إياها فقسمتها بين ابنتيها ولم تأكل منها، ثم قامت فخرجت، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم علينا فأخبرته، فقال: " من ابتلي من هذه البنات بشيء كن له ستراً من النار " (رواه البخاري).

هلم عن النار:

" حرم على النار كل هين، لين، سهل، قريب من الناس " (رواه أحمد).
" ثلاث من كن فيه حرم على النار، وحرمت النار عليه: إيمان بالله، وحب الله، وأن يلقى في النار فيحرق أحب اليه من أن يرجع في الكفر " (رواه أحمد).

هلم عن النار:

عن النعمان بن بشير قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: "أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، فما زال يقولها حتى لو كان في مقامي هذا لسمعه أهل السوق، حتى سقطت خميصة كانت عليه عند رجليه " (سنن الدارمي).
قال ابن مهدي: ( كنت أرمق سفيان في الليلة بعد الليلة، ينهض مرعوباً ينادي: النار، النار، شغلني ذكر النار عن النوم والشهوات ).

هلم عن النار:

قال وهب بن منبه: ( أما أهل النار الذين هم أهلها، فهم في النار لا يهدؤون، ولا ينامون، ولا يموتون، ويمشون على النار، ويجلسون على النار، ويشربون من صديد أهل النار، ويأكلون من زقوم النار، فُرشهم نار، وقُمصهم نار وقطران، وتغشى وجوههم النار، وجميع أهل النار في سلاسل بأيدي الخزنة أطرافها، يجذبونهم مقبلين ومدبرين، فيسيل صديدهم إلى حفر في النار فذلك شرابهم ).

هلم عن النار:

لن تنجو من النار يا عبد الله إلا بتوحيد الله عز في علاه {إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ } (المائدة:72). {وَلاَ تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَّدْحُوراً }(الإسراء:39).
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئاً دخل النار " (رواه مسلم).
{رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً (65) إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرّاً وَمُقَاماً }(الفرقان:66،65).
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبدالقيوم السحيباني

Post: #783
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:36 AM
Parent: #701

الخمر أم الخبائث
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه،، وبعد:

فقد قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبَّد فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له: إنا ندعوك للشهادة فانطلق مع جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام وباطية خمر فقالت: إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع عليّ، أو تشرب كأسا من هذه الخمرة، أو تقتل هذا الغلام، قال: فاسقني كأسا فسقته كأسا، قال: زيديني، فلم يرم حتى وقع عليها، وقتل النفس، فاجتنبوا الخمر؛ فإنها والله لا يجتمع الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يُخرج أحدهما صاحبه.

فشرب الخمر في ديننا كبيرة من كبائر الذنوب وإثم من أعظم الآثام و بالإضافة إلى أنه كبيرة من كبائر الذنوب فإنه ينحط بصاحبه إلى أسفل دركات مساوئ الأخلاق.
يقول الجاحظ :
أكثر ما يجب على المتطلع إلى السمو تجنب السكر، لأن السكر من الشراب يثير النفس الشهوانية ويقويها ويحملها على التهتك، وارتكاب الفواحش والمجاهرة بها، وذلك أن الإنسان إنما يرتدع عن القبائح بالعقل والتمييز، فإذا سكر عدم ذلك الذي كان يردعه عن الفعل القبيح، فلا يبالي أن يرتكب كل ما كان يتجنب في صحوه، فأولى الأشياء لمن طلب العفة هجر الشراب بالجملة، ويتجنب مجالس المجاهرين بالشراب والسكر والخلاعة، ولا يظنن أنه إذا حضر تلك المجالس واقتصر على اليسير من الشراب لم يستضر به، فإن هذا غلط وذلك أن من يحضر مجالس الشراب ليس تنقاد له نفسه إلى القناعة بيسير الشراب، بل إن حضر مجالس الشرب وكان في غاية العفة تاركاً للشرب متمتعاً بالورع حملته شهوته على التشبه بأهل المجلس وتاقت نفسه إلى التهتك. ا. هـ.

وانظر إلى هذا الصحابي الجليل العاقل الحازم حمزة بن عبدالمطلب رضي الله عنه حين شرب الخمر حتى سكر – قبل أن تحرم الخمر – فقد قام إلى ناقتين لعلي بن أبي طالب فقطع أسنمتها وبقر خواصرهما وأخذ من أكبادهما، وهذا في ذاته عدوان لا يحل له، وما كان له أن يفعل لولا أنه شرب حتى سكر، ثم إنه ارتكب أعظم من هذا حين جاءه الرسول صلى الله عليه وسلم يلومه فنظر حمزة إليه وإلى عليّ وقال: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سكران. وما كان لحمزة أن يتكلم بمثل هذا لو لم يسكر.
وقد حرم الله سبحانه وتعالى الخمر فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91)}.(المائدة).

وقال أنس بن مالك رضي الله عنه: كنت ساقي القوم في منزل أبي طلحة، وكان خمرهم يؤمئذ الفضيخ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديا ينادي:"ألا وإن الخمر قد حرمت"، قال: فقال لي أبو طلحة: اخرج فأهرقها فخرجت فهرقتها، فجرت في سكك المدينة، فقال بعض القوم قد قتل قوم وهي في بطونهم فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}.(المائدة).

الترهيب من شرب الخمر في السنة:

ورد في سنة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من الأحاديث التي ينهى فيها عن الخمر بل وصل الأمر إلى لعن من شربها. فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها، والمحمولة إليه". (رواه البخاري).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن". (متفق عليه).


وقال صلى الله عليه وسلم: "من زنى وشرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع القميص من رأسه". (أخرجه الحاكم على شرط مسلم).

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم: "لا تشرب الخمر، فإنها مفتاح كل شر". (رواه ابن ماجه).

العقلاء يجتنبون الخمر

قالت عائشة رضي الله عنها: حرم أبوبكر رضي الله عنه الخمر على نفسه فلم يشربها في الجاهلية ولا في الإسلام، وذلك أنه مر برجل سكران يضع يده في العذرة – البراز – ويدنيها من فيه فإذا وجد ريحها صرف عنها فقال: إن هذا لا يدري ما يصنع فحرمها.

وقال الأبشيهي رحمه الله:

ممن ترك الخمر في الجاهلية عبدالله بن جدعان، وكان جوادا من سادات قريش وذلك أنه شرب مع أمية بن أبي الصلت الثقفي فضربه على عينه فأصبحت عين أمية مخضرة يخاف عليها الذهاب فقال له عبدالله: ما بال عينك؟ فألح عليه فقال: أولست ضاربها بالأمس؟ فقال عبدالله: أو بلغ مني الشراب ما أبلغ معه هذا؟ لا أشربها بعد اليوم ثم دفع له عشرة آلاف درهم. وقال: الخمر عليّ حرام، لا أذوقها بعد اليوم أبداً.

وممن حرمها في الجاهلية أيضا قيس بن عاصم وحدث له مرة أنه سكر فجعل يتناول القمر ويقول: والله لا أبرح حتى أنزله ثم يثب الوثبة بعد الوثبة ويقع على وجهه فلما أصبح وأفاق قال: مالي هكذا؟ فأخبروه بالقصة، فقال: ولا أشربها أبداً، ومن هؤلاء أيضا العباس بن مرداس وقد قيل له: لم تركت الخمر وهي تزيد في سماحتك؟ فقال: أكره أن أصبح سيد قومي وأمسي سفيههم.

وقال الأبشيهي أيضاً:
استلقى سكران على الطريق فجاء كلب فلحس شفتيه فقال: خدمك بنوك ولا عدموك، فبال على وجهه فقال: وماء حار أيضا بارك الله فيك.

وهكذا أيها الحبيب فإن الخمر تذهب العقل وتجعل مدمنها في صفوف الفاسقين والسفهاء وتزري بهم وتحط من شأنهم، ولو رأى هذا السكران نفسه وأفعاله حين يسكر لدفعه احترامه لنفسه إلى نبذها والإقلاع عنها، فكيف وشربها كبيرة من الكبائر.
نسأل الله تعالى أن يهدينا والمسلمين سواء السبيل، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #784
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:39 AM
Parent: #701

لماذا تذهب إلى الصلوات متأخرا؟

الحمد للّه وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
فقد اعتاد كثير من المصلين التأخر عند حضورهم إلى المساجد، فإذا نظرت إلى أعداد الحاضرين عند الإقامة لم تجد في كثير من المساجد سوى عدد قليل، ثم يتوافد المصلون أثناء الصلاة، وعند الانصراف منها تراهم عدة صفوف مسبوقين رغم انتظار المؤذن بين الأذان و الإقامة وقتا كافيا لتجمع الناس.

ومما لا شك فيه أن هذا التأخر يفوِّت عليهم خيراً كثيراً ،وسنبين في هذ المقال بعض الخيرات التي تفوت على هؤلاء المتأخرين، ومنها:

أولاً: ترك السكينة و الوقار

فقد روى أبو هريرة أن النبي صلى اللّه عليه و سلم قال: " إذا سمعتم الإقامة فامشوا وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا" (متفق عليه). فالجري الذي يفعله المتأخرون يفوت السكينة والوقار، ويدخلون الصلاة على حالة من التعب وشدة تردد النفس بحيث يؤثر ذلك في خشوعهم.

ثانياً: فوات استغفار الملائكة

فوات استغفار الملائكة وجريان أجر الصلاة على من ينتظر الصلاة في المسجد قبل الإقامة، وكونه في حكم المصلي، فعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه، عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم قال: "صلاة الجميع تزيد على صلاته في بيته ، وصلاته في سوقه ، خمسا وعشرين درجة ، فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن ، وأتى المسجد ، لا يريد إلا الصلاة ، لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة ، وحط عنه خطيئة ، حتى يدخل المسجد ، وإذا دخل المسجد ، كان في صلاة ما كانت تحبسه ، وتصلي عليه الملائكة ، ما دام في مجلسه الذي يصلي فيه : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه ، ما لم يحدث فيه " (رواه البخاري)، وفي رواية: " لا يزال أحدكم في صلاة ما دامت الصلاة تحبسه ".

ثالثاً: فوات فضل وأجر الصف الأول غالباً

فقد قال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: " لو يعلم الناس ما في النداء و الصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير - أي التبكير - لاستبقوا إليه ". (متفق عليه).

و قال صلى اللَّه عليه وسلم: " خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها" (رواه مسلم). يضاف إلى ذلك فوات إدراك ميمنة الصف، فعن عائشة رضي اللّه عنها قالت: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: "إن اللّه و ملائكته يصلون على ميامن الصفوف". (رواه أبو داود وابن ماجه).

رابعاً: تضييع السنن الراتبة القبلية

كسنة الفجر وسنة الظهر، وقد روى مسلم عن عائشة رضي اللّه عنها، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها ". وكان النبي صلى اللّه عليه وسلم يصلي قبل الظهر ركعتين، وأحياناً أربعا ، كما رواه الترمذي عن علي وعائشة، وورد عن أم حبيبة رضي الله عنها مرفوعاً: "من صلى قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً حرمه الّله على النار ".( رواه الترمذي).

خامساً: تضييع وقت من أوقات إجابة الدعاء

وهو ما بين الأذان والإقامة، فقد روى أبو داود والترمذي وحسنه، أن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: " الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة ".

أخيرا أخي الحبيب: إن التبكير إلى الصلاة والاهتمام بها دليل على أن صاحبها ممن تعلق قلبه بالمساجد وحينئذ يكون ممن يظلهم اللّه يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله كما ورد في الحديث المتفق عليه، أما التأخر فإنه يفوت الاشتغال بالذكر والدعاء وقراءة ما تيسر من القرآن، فيصلي هذا المتأخر وقلبه منشغل بهمومه وأحزانه، فلا يقبل على صلاته ولا يحضر فيها قلبه.

وقد يزداد التأخر بحيث تضيع على العبد صلاة الجماعة، وقد يتلاعب به الشيطان فيهمل حتى يخرج وقت الصلاة فيكون ممن قال الله فيهم" { فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) } (الماعون) أو ممن قال فيهم النبي صلى اللّه عليه و سلم: " لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم اللّه ". (رواه مسلم).

نسأل الله تعال أن يوفقنا والمسلمين لكل خير، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

إسلام ويب

Post: #785
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 01:41 AM
Parent: #701

ركائز لتعزيز أخلاقنا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
أحبتنا الكرام: إن حياة الأمة الإسلامية مشابهة لحياة كل الأمم من حيث أنها تكمن في ديمومة تمسكها بمثلها العليا، وأخلاقها المثلى التي ترسم لها غاياتها في الحياة، فتحفزها للثبات على المبادئ التي عاشت وضحَّت من أجلها الأجيال المتلاحقة، وعلى البحث عما يعززها ويقويها، أو الثورة على كل ما يخالف الدين والفطر السوية السليمة، وصدق القائل:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وكل من يحاول أن يخالف ذلك فينكس أخلاقها، ويأتي بزبالة الأمم والمجتمعات قاصداً غرسها بين أبناء الأمة؛ فأولئك هم الأعداء، وهذا شأنهم وسبيلهم؛ ولذا كان لزاماً على الأمة أفراداً، ومؤسسات، وحكومات أن تقف سداً منيعاً ضد كل من يريد خدش أخلاقها وقيمها، أو مسها بسوء كائنا ًمن كان.

وحيث أن الحرب ضد ديننا وإيماننا وأخلاقنا حرب شعواء، سخّر فيها الأعداء كل إمكاناتهم وقدراتهم حتى نخرج من عز الشرف إلى ذل الشهوات، ومن دائرة الفضيلة إلى مستنقع الرذيلة؛ كان لا بد من التنبه لذلك الأمر، والتمسك الشديد بالأخلاق الإسلامية السامية.

وإذا كان هناك من وضع أسسا نظرية للأخلاق، نابعة من عقله البشري المحدود، فقد وضع الله لنا القيم الثابتة، والأخلاق الراسخة من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وحثنا الإسلام على الكثير والكثير من مكارم الأخلاق التي منها على سبيل المثال لا الحصر: الصدق، والأمانة، والحلم، والأناة، والشجاعة، والمروءة، والمودة، والصبر، والإحسان، والتروي، والاعتدال، والكرم، والإيثار، والرفق، والعدل، والحياء، والشكر، وحفظ اللسان، والعفة، والوفاء، والشورى، والتواضع، والعزة، والستر، والعفو، والتعاون، والرحمة، والبر، والقناعة، والرضا؛ فكان لابد لهذه الأخلاق من ناصر ينصرها، وقوة تدعمها، وعزيمة تفعلها، وركائز تعززها؛ حتى تصبح ممارسة طبيعية تحيا بها الأمة والمجتمع، وإن أهم تلك الركائز المطلوبة:

الركيزة الأولى : الإيمان بالله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم:
بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي؛ فإنه ما من خير ينتفع به الناس، ويرغبون به، إلا وقد دلهم شرع الله عليه، وأمرهم به، وما من شر يكرهه الناس ويسخطونه؛ إلا وقد حذرهم الله منه، رأفة منه سبحانه وتعالى ورحمة وقد جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إنه لم يكن نبي قبلي إلا كان حقاً عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم، وينذرهم شر ما يعلمه لهم. " ( رواه مسلم).

والأخلاق الفاضلة من صميم أوامر الله ورسوله، حث الله ورسوله على التزامها، ومثال ذلك ما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق".(رواه أحمد). والنصوص الواردة في الترغيب بها، وترك ما يضادها ويخالفها، كثيرة لا تحصى، ومن ذلك نهيه سبحانه عن الوقوع في الكبائر كشرب الخمر، والزنا، وأكل المال الحرام، وقتل النفس المحرمة وغيره.

وقد رغَّب النبي عليه الصلاة والسلام في التزام الأخلاق الفاضلة، وذكر أنها سبب لدخول الجنة، والقرب منه صلى الله عليه وسلم فيها، ولذلك ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة؟ قال:"تقوى الله، وحسن الخلق".(البخاري في الأدب المفرد).

وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:"إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً، وإن أبغضكم إليَّ، وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة: الثرثارون، والمتشدقون، والمتفيهقون، قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارين، والمتشدقين، فما المتفيهقون؟ قال: المتكبرون".( الترمذي وصححه الألباني).

الركيزة الثانية : تقوية الوازع الديني، والتخويف من سوء الأخلاق:
الوازع الديني يُلزِم الشخص بمعرفة حدود الحلال والحرام، وأن يكون لديه من الخوف والجزع من الله سبحانه وتعالى ما يردعه من الوقوع في المخالفة والمحظور، ويبعده عن الانزلاق في مهاوي الفتن والشهوات، ويجعل لديه دافعاً كي يتعلم مسؤولياته، ونستطيع أن نقول حقيقة: إن الوازع الديني له دور كبير جداً في هذا الجانب، فإن الصلاة وهي أجل العبادات تؤدي المحافظة عليها إلى ابتعاد العبد عن الفواحش والنفرة من المعاصي:(وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)(العنكبوت).

الركيزة الثالثة: الخطاب الديني، وأثره في تعزيز الأخلاق:
ولعل من أبرز أنواع الخطاب الديني: خطبة الجمعة، والدروس المنهجية سواء في المدارس، أو في المساجد، والمحاضرات العامة على تنوع موضوعاتها، والمواعظ ، والمناسبات العامة، والاحتفالات، والمؤتمرات، والبرامج الإذاعية والتلفازية وغيرها.
ويقوم الوعظ والإرشاد الديني بدور محوري في محاربة كل أنواع الانحلال الخلقي في المجتمع الإسلامي، حيث يقع على عاتق الدعاة في كل حين عبء التغيير للمنكر مع الأمر بالمعروف كأصل من أصول الإسلام التي أمر بها يقول الحق سبحانه وتعالى: {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}(لقمان:23)، وفي هذا المعنى نذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه".(رواه مسلم).

كما حذّر الإسلام من أن عدم تغيير المنكرات يعم بسببه العذاب كل المجتمع إن لم يحاولوا تغييره، ويمثل الانحلال الخلقي شقين كبيرين يتمثل أحدهما: في ترك المأمورات كالواجبات والمستحبات من الفضائل الأخلاقية، وأما الأخر فيكون في فعل المنهيات كالوقوع في المحرمات، وقبائح الأخلاق.

الركيزة الرابعة: وسائل الإعلام ودورها في تعزيز الأخلاق:
أينما وجد إعلام هادف، وجد مجتمع ذو فضيلة وأخلاق سامية، وعلى العكس تماماً فأي مجتمع له إعلام ساقط في محتواه ورسالته التي يقدمها تجد مجتمعاً يغلب عليه الانحلال الخلقي، والبعد الديني ، والتأثر بالحضارة الزائفة، ولما كان الإعلام بهذا الخطر الشديد، استغله أعداء الأمة الإسلامية في جعله سلاحاً يستخدمه القاصي والداني، بل جعلوه حاجة عصرية لا يستغني عنها الإنسان، والذي يشاهده الجميع من خلال هذه الوسائل لا يجد إلا إعلاماً بعيداً عن كل خلق وفضيلة، لا يربي إلا على إثارة الشهوات، وترك الفضائل، وتعليم الجريمة إلا ما رحم ربك والله المستعان.

الركيزة الخامسة: تجفيف منابع الفساد وما يدعو إلى الانحلال والرذيلة:
ولما كان الفساد والمنكر يظهر بصورة تشتهيها النفوس الضعيفة، وتستسيغها القلوب الفارغة؛ فتنخدع بها، وذلك مصداقاً لما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات".(رواه مسلم).

وأنجع علاج وأنفعه هو ما كان للمنكر والباطل صاداً ورادعاً، ولأهله داعياً وناصحاً، وإن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن.

الركيزة السادسة: التعاون على البر والتقوى والتواصي بالحق:
النصيحة هي من أهم ركائز هذا الدين، فقد جعلها النبي صلى الله عليه وسلم الدين كله، بقوله صلى الله عليه وسلم: "الدين النصيحة". لما لها من أثر في تقويم السلوك، وتهذيب الأخلاق، وتسوية المعوجين الذين يحيدون عن الحق والصراط المستقيم، قال المناوي رحمه الله: "بالنصيحة يحصل التحابب والائتلاف، وبضدها يكون التباغض والاختلاف" فيض القدير (6/268). وقال رحمه الله: "وأقصى موجبات التحابب أن يرى الإنسان لأخيه ما يراه لنفسه" ثم نقل قول العلماء: "ما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة".

ولعل الجامع الرئيس لهذه الركائز كلها هو عملية التربية، فمن خلالها نستطيع غرس كل الركائز السابقة وغيرها.
هذا والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

إمام المسجد

Post: #786
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 06:10 PM
Parent: #701

تذكر ساعة الاحتضار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد:
فإن من أعظم أسباب شفاء القلوب وصلاحها الإكثار من ذكر الموت واستحضار ساعة الاحتضار وخروج الروح، ولهذا كان التوجيه النبوي الكريم: " أكثروا ذكر هاذم اللذات ، يعني الموت".
فيا أيها الحبيب هل أكثرت من ذكر هذه الساعة وتفكرت في حالك عندها؟.
وهل أعددت للموت عدته؟
ثم هل تفكرت فيما بعد الموت من وحشة القبور وظلمتها وضيقها وسؤال الملكين فيها؟ وهل تأملت في أهوال الحشر والنشور؟
أعد على فكرك أسلاف الأمم *** وقف على ما في القبور من رمم
ونادهم أين القوي منكم *** والقاهر أم أين الضعيف المهتضم
تفاضلت أوصافهم فوق الثرى *** ثم تساوت تحته كل قدم

لكن التفاوت هناك على حسب الأعمال، نسأل الله تعالى الستر والعافية.

لحظات المحتضرين:
إن لحظات الاحتضار في حقيقتها هي اختصار لحياة الإنسان كلها؛ فمن الثابت المشاهد أن العبد يموت على ما عاش عليه، لهذا اختلفت جدا أحوال المحتضرين ، فلو نظرت إلى أحوال الصحابة عند موتهم لوجدت ثباتا من عند الله تعالى وفرحا بقدوم الموت لأنه يقربهم من لقاء الله تعالى.

هذا بلال بن رباح مؤذن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حضرته الوفاة وبكت زوجته وقالت: واحزاناه، قال لها: بل واطرباه، غدا نلقى الأحبة محمدا وحزبه.

وهذا إمام العلماء ومقامهم معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول وهو يعالج السكرات: مرحبا بالموت حبيب جاء على فاقة.

وهذا عمر بن عبدالعزيز رحمه الله، عند موته يقول: أجلسوني، فأجلسوه، فقال: أنا الذي أمرتني فقصّرت، ونهيتني فعصيت، ولكن لا إله إلا الله، ثم رفع رأسه فأحدّ النظر. فقالوا له: إنك لتنظر نظراً شديداً يا أمير المؤمنين. قال: إني أرى حضرة ما هم بإنس ولا جن ثم قبض رحمه الله وسمعوا تالياً يتلو: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ }(القصص:83).

وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى يحتضر وهو يقرأ قول الله تعالى:{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرٍ }(القمر:55،54).

وعلى الجانب الآخر تجد من يقال له: قل لا إله إلا الله، فيغني، أو يقول: أين الطريق إلى حمام منجاب، أو يقول: هو كافر بلا إله إلا الله، أو يموت وهو سكران أو يسب دين الله تعالى، ولقد رأينا بأعيننا من يموت على خشبة المسرح وهو يعزف ويغني، نسأل الله أن يختم لنا بخير.

كيف نستعد للموت؟
أخي الحبيب إذا عرفت أن لحظة الاحتضار هي اختصار لحياتك كلها، وأنها لحظة امتحان، وأن الموت حتم لازم، ليس منه بد ولا منه مفر، فينبغي أن تكون مستعدا لتلك اللحظات متزودا بالتقوى ليوم المعاد، فكيف نستعد للموت؟!
أولا: اجتناب المنهيات
فاجتنب أخي الكريم ما نهاك الله عنه، وجاهد نفسك بالابتعاد عن الشهوات والشبهات واعلم أن الله جل وعلا يغار على محارمه. فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المرء ما حرم الله عليه ".
وقد توعد الله جل وعلا من تعدى حدوده وانتهك حرماته بالفتنة والعذاب. فقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }(النور:63).

ثانيا: أداء الفرائض والواجبات
ولا تتجلى حقيقة إيمان العبد إلا بأداء ما افترضه الله عليه، ومن ذلك الصلاة والزكاة والصيام والحج لمن استطاع إليه سبيلاً، فهذه هي ثوابت الإسلام وأركانه. فعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان ".
فمن حافظ على هذه الفرائض وأداها على الوجه الذي يليق كما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد جمع خصال الخير والفضل، وكان له ذلك أكبر عون على سكرات الموت ووحشة القبر وأثابه الله على ذلك أجراً عظيماً.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله دلني على عمل إذا عملته، دخلت الجنة، قال: " تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان "، قال: والذي نفسي بيده، لا أزيد على هذا فلمّا ولّى، قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة فلينظر إلى هذا ".

ثالثا: محاسبة النفس، والاعتبار بمن مات
أخي الكريم: ومما يعلي الهمة، ويدفع النفس إلى الاستعداد للموت، محاسبة النفس والاعتبار بمن قد مضى ومات.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزن فإنه أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية ).
ولذا ينبغي للعبد أن يحاسب نفسه كل وقت وحين على أداء الفرائض، واجتناب النواهي وأين قضى يومه، ومن أين اكتسب ماله، وفيم أنفقه، وماذا بطش بيده وأين سارت رجله، وماذا رأت عيناه وماذا سمعت أذنه؟
فمتى كان العبد شديد المحاسبة لنفسه، مداوماً على التوبة والاستغفار مما يجده من التقصير والتفريط في جنب الله، كان أقرب إلى الثبات عند الموت، وأبعد عن الفتنة وشدة البلاء.

وفي نفس الوقت يتعظ بمن قد مات ووضع في قبره ويزور القبور فيتذكر بها الآخرة، قال سفيان: ( من أكثر من ذكر القبر وجده روضة من رياض الجنة، ومن غفل عن ذكره وجده حفرة من حفر النار ).
وقال حاتم الأصم: ( من مرّ بالمقابر فلم يتفكر لنفسه ولم يدع لهم فقد خان نفسه وخانهم ). ولذلك فقد رغب رسول الله صلى الله عليه وسلم في زيارة القبور لما لها من أثر بليغ على النفوس. فعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ".

وروي عن داود الطائي أنه مرّ على امرأة تبكي على قبر وهي تقول:
عدمت الحياة ولا نلتها *** إذا كنت في القبر قد لحدوكا
فكيف أذوق طعم الكرى *** وأنت بيمناك قد وسدوكا
ثم قالت: يا ابناه ليت شعري بأي خديك بدأ الدود؟ فصعق داود مكانه وخرّ مغشياً عليه.
فأكثر أخي الكريم، من ذكر هادم اللذات، واعلم أنه آت لا محالة، واستعد للحساب وامتحان القبر.

رابعا: المداومة على النوافل
ومن ذلك الحرص على النوافل والأذكار، وأعمال الخير وبذل المعروف، والتخلق بالخلق الحسن مع الناس، فإنه ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من الخلق الحسن.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كل معروف صدقة ".
وقال صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشام منه فلا يرى إلا ما قدّم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا الله ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة ".

وعن عبدالرحمن بن عبدالله بن سابط قال: لما حضر أبا بكر الصديق الموت دعا عمر فقال له: ( اتق الله يا عمر، واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضته، وإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في دار الدنيا وثقله عليهم وحق لميزان يوضع فيه الحق غداً أن يكون ثقيلاً ).

نسأل الله أن يقيل العثرات ويغفر الزلات ويتجاوز عن الخطيئات ويحسن الخواتيم وأن يجعل آخر كلامنا في الدنيا لا إله إلا الله.
اسلام ويب

Post: #788
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 00:46 AM
Parent: #701

وعظ القلوب بكلام علام الغيوب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين، أما بعد:
لا بد أن تكون الموعظة مصاحبة للقلب الذي يتقلب بين حين وآخر، ولا بد للمؤمن أن يوطن نفسه على حضور مجالس الوعظ ففي ذلك ثبات له بإذن الله وإغاظة للشيطان الذي هو قريب من الواحد بعيد عن الجماعة، وقلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

"اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ". فإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأمن على نفسه فكيف بنا نحن خاصة مع تلاطم أمواج الفتن في هذا الزمان، وإن القرآن الكريم من أكبر المواعظ الذي توعظ بها القلوب كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} (57) (يونس).

ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس مع أصحابه ليعظهم ويذكّرهم ويرغّبهم ويرهّبهم بهذا القرآن العظيم، قال أبو هريرة رضي الله عنه: قلنا يا رسول الله، ما لنا إذا كنا عندك رقّت قلوبنا وزهدنا في الدنيا وكنا من أهل الآخرة، فإذا خرجنا من عندك وآنسنا أهلنا وأولادنا أنكرنا أنفسنا ولهونا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لو أنكم إذا خرجتم من عندي كنتم على حالكم ذلكم لزارتكم الملائكة في بيوتكم ".

والقرآن يرقق القلوب بل يرقق الحجر، قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ }(البقرة:74). وقال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ }(الحشر:21).
يخبر الله تعالى عن عظمة القرآن وفضله وجلاله، وأنه لو خوطب به صم الجبال لتصدّعت من خشية الله. فهذه حال الجبال وهي الحجارة الصلبة، وهذه رقتها وخشيتها وتدكدكها من جلال الله ربّها وعظمته وخشيته.
فيا عجباً من مضغة لحم كانت أقسى من هذه الجبال تخاف من سطوة الجبار وبطشه، فلا ترعوي ولا ترتدع، وتسمع آيات الله تتلى عليها فلا تلين ولا تخشع ولا تنيب، فليس بمستنكر على الله عز وجل، ولا يخالف حكمته أن يخلق لها ناراً تذيبها إذا لم تلن بكلامه وزواجره ومواعظه، فمن لم يلن قلبه لله في هذه الدار، ولم ينب إليه ولم يذبه بحبه والبكاء من خشيته، فليتمتع قليلاً، فإن أمامه الملين الأعظم، وسيردّ إلى عالم الغيب والشهادة فيرى ويعلم.

فيا أيها الغافل عن تدبّر القرآن! إلى متى هذه الغفلة؟ قل لي وتكلم، حنانيك بادر بصالح الأعمال قبل أن تندم.
نشـكـو إلى الله القلـوب التي قـسـت *** وران عليها كسب تلك المآثم

من خشية المولى هوى الجبل الذي *** بالطور ولانت قسوة الأحجار
أولـم يـئـن وقــت الخــشـــوع فــلا *** تغـرن الحــياة ســوى مغرار

ورقة القلب تنشأ عن الذكر والقرآن لأن ذلك يوجب خشوع القلب وصلاحه ورقته ويذهب بالغفلة عنه قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ }(الأنفال:2)، وقال تعالى: {وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ (34) الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ }(الحج:35،34)، وقال تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ }(الحديد:16)، وقال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }(الزمر:23).

بذكر الله ترتاح القلوب *** ودنيانا بذكراه تطيب

ولكن لم يتعظ بهذه الموعظة إلا القليل من الناس الذين رقت قلوبهم للقرآن واستجابوا لنداء الرحمن كما أخبر تعالى بقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ }(ق:37).

قال خبّاب بن الأرت رحمه الله لرجل: تقرب إلى الله تعالى ما استطعت، واعلم أنك لن تتقرب إليه بشيء هو أحب إليه من كلامه.
وقال عثمان بن عفان: من أحب القرآن أحب الله ورسوله، فمن أحب شيئاً أكثر من ذكره، ولا شيء عند المحبين أحلى من كلام محبوبهم، فهو لذة قلوبهم وغاية مطلوبهم، كما قال بعض السلف: ( إذا أردت أن تعرف قدرك عند الله فانظر إلى قدر القرآن عندك ).
وكان بعضهم يكثر من تلاوة القرآن ثم اشتغل عنه بغيره فرأى في المنام قائلاً يقول له:
إن كنت تزعم حبي *** فلم جفوت كتابي؟
أما تأملت ما فيه من عبر *** وما فيه من لذيذ خطابي

ولم يكونوا يقرؤونه ليقال إنهم يقرؤونه ولا يهذّونه هذّ الشعر كما الناس يفعلون، وإنما كانوا يتدبرون معانيه ويتأثرون بألفاظه فيحركون به قلوبهم ويرسلون به مدامعهم يتأملون عبره ويعيشون أنداءه ويسرحون طرف أفئدتهم في خمائله ويطلقون أكف الحب في كنوزه.

وليس الذي يجري في العين ماؤها *** ولكنها روح تسيل فتقطُرُ

ويستحب البكاء عند تلاوة القرآن، وهو صفة العارفين وشعار عباد الله الصالحين، قال الله تعالى في وصف الخاشعين من عباده عند تلاوة كتابه: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُّتَشَابِهاً مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ }(الزمر:23).

سمعـتك يا قــرآن والليل غافـل *** سريت تهز القلب سبحان من أسرى
فتحنا بك الدنيا فأشرق صبحها *** وطفنا ربــوع الكـــون نملؤها أجـرا

وقد كان صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلون كتاب الله ويتأثرون يآياته فتلين جلودهم، وتدمع عيونهم وتخشع قلوبهم، فيرفعون أكفهم إلى ربهم ضارعين يسألونه قبول الأعمال ويرجونه غفران الزلات، ويتشوقون الى ما عنده من النعيم المقيم.

روي أن أبا بكر رضي الله عنه ابتنى مسجداً بفناء داره فكان يصلي فيه ويقرأ القرآن فيتقصف عليه نساء المشركين وأبناؤهم وهم يتعجبون منه وينظرون إليه، وكان رجلاً بكّاءً لا يملك دموعه إذا قرأ.. وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يصلي بالناس فبكى في قراءته حتى انقطعت قراءته وسمع نحيبه من وراء ثلاثة صفوف.
وكان عمر أيضاً إذا اجتمع الصحابة قال: يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فيندفع أبو موسى يقرأ بصوته الجميل وهم يبكون.
وإني ليبكيني سماع كلامه *** فكيف بعيني لو رأت شخصه بدا
تلا ذكر مولاه فحنّ حنينه *** وشــوق قلــوب العـارفـين تجـددا

وللأسف لما فسدت أمزجة كثير من المتأخرين عن سماع كلام رب العالمين، ظهرت التربية معوجة والفطرة منكوسة، والأفهام سقيمة.

ولا صلاح للأفراد ولا للمجتمعات والدول إلا بالعودة إلى كتاب الله تعالى الذي فيه الهدى والصلاح والعز والشرف: { لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (10)} (الأنبياء).

نسأل الله الكريم أن يجعلنا جميعا من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب - موقع كلمات

Post: #789
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 00:49 AM
Parent: #701

الرفق خلق الإسلام
الحمد لله يعطي على الرفق ما لا يعطي على غيره، والصلاة والسلام على رسول الله البر الرفيق بأمته، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه واتبع سنته، وبعد:

عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:
"من أعطي حظه من الرفق، فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق، فقد حرم حظه من الخير".

لا تكاد ساحة من ساحات الإسلام إلا وللرفق فيها النصيب الأكبر والحظ الأوفر، سواء على مستوى التشريع الفقهي أو في جانب العلاقات الاجتماعية أو في المعاملة حتى مع الخصوم والأعداء أو في غيرها من المواطن، هذا فضلا عن أنه تعالى عرف نفسه لعباده بأنه الرفيق الذي يحب الرفق، وكان رسوله -صلى الله عليه وسلم- نبراسا في هذا الشأن ما لم تنتهك حرمة من حرمات الله.

كل هذا الارتباط الوثيق بين الإسلام والرفق جعل منه بحق دين الرحمة والسماحة مهما تعسف المغرضون في وصمه بالعنف والإرهاب.

إن الرفق ضد العنف وهو لين الجانب واللطف في أخذ الأمر بأحسن الوجوه وأيسرها، قال تعالى: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ، وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ، فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ } (آل عمران: 159) فالناس في حاجة إلى كنف رحيم وإلى رعاية فائقة وإلى بشاشة سمحة وإلى ود يسعهم وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم .. في حاجة إلى قلب كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء ويحمل همومهم ولا يعنيهم بهمه ويجدون عنده دائما الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والود والرضاء ...وهكذا كان قلب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهكذا كانت حياته مع الناس.

وقال عز وجل: { وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ } (الشعراء:21) (فهو اللين والتواضع والرفق في صورة حسية مجسمة، صورة خفض الجناح كما يخفض الطائر جناحيه حين يهم بالهبوط وكذلك كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع المؤمنين طوال حياته).

وقال أيضا: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً }(الفرقان:63) الهون: مصدر الهين وهو من السكينة والوقار، أي: يمشون حلماء متواضعين، وقيل لا يتكبرون على الناس.

وقوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: " من أعطي حظه من الرفق " أي نصيبه منه، " فقد أعطي حظه من الخير، ومن حرم حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير" إذ به تنال المطالب الأخروية والدنيوية وبفوته يفوتان،

وقال في اللمعات:
يعني أن نصيب الرجل من الخير على قدر نصيبه من الرفق، وحرمانه منه على قدر حرمانه منه، ولهذا قال نسطور لما بعث صاحبيه ليدعوا الملك إلى دين عيسى وأمرهما بالرفق فخالفا وأغلظا عليه فحبسهما وآذاهما فقال لهما نسطور: مثلكما كالمرأة التي لم تلد قط فولدت بعد ما كبرت فأحبت أن تعجل شبابه لتنتفع به فحملت على معدته ما لا يطيق فقتلته .

والنصوص النبوية عديدة ومتنوعة في تأكيد هذا المعنى، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله ". ‌وفيه فضل الرفق وشرفه، ومن ثم قيل: الرفق في الأمور كالمسك في العطور.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله ". أي لين الجانب بالقول والفعل والأخذ بالأسهل والدفع بالأخف وقوله ( في الأمر كله ) في أمر الدين وأمر الدنيا، حتى في معاملة المرء نفسه، ويتأكد ذلك في معاشرة من لا بد للإنسان من معاشرته كزوجته وخادمه وولده، فالرفق محبوب مطلوب مرغوب، وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف مثله من الشر.

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله رفيق يحب الرفق ويرضاه ويعين عليه ما لا يعين على العنف ".
وقال: " إن الله تعالى رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف ". فقوله: ( إن تعالى اللّه رفيق ) أي لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فيكلفهم فوق طاقتهم، بل يسامحهم ويلطف بهم ( يحب الرفق ) لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل، أي يحب أن يرفق بعضكم ببعض ( ويعطي عليه ) في الدنيا من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد وفي العقبى من الثواب الجزيل ( مالا يعطي على العنف ) وكل ما في الرفق من الخير ففي العنف من الشر مثله . وقد نبه به على وطاءة الأخلاق وحسن المعاملة وكمال المجاملة ووصف اللّه سبحانه وتعالى بالرفق إرشاداً وحثاً لنا على تحري الرفق في كل أمر.

وقال -صلى الله عليه وسلم- لعائشة -رضي الله عنها-: " عليك بالرفق إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه ". لأن به تسهل الأمور، وبه يتصل بعضها ببعض، وبه يجتمع ما تشتت ويأتلف ما تنافر وتبدد ويرجع إلى المأوى ما شذ وهو مؤلف للجماعات جامع للطاعات، ومنه أخذ أنه ينبغي للعالم إذا رأى من يخل بواجب أو يفعل محرماً أن يترفق في إرشاده ويتلطف به .وقال -صلى الله عليه وسلم:"ما أعطي أهل بيت الرفق إلا نفعهم ".
وقال: " إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق ". وذلك بأن يرفق بعضهم ببعض،والرفق لين الجانب واللطف والأخذ بالأسهل وحسن الصنيع.

قال الغزالي: الرفق محمود وضده العنف والحدة والعنف ينتجه الغضب والفظاظة، والرفق واللين ينتجهما حسن الخلق والسلامة، والرفق ثمرة لا يثمرها إلا حسن الخلق ولا يحسن الخلق إلا بضبط قوة الغضب وقوة الشهوة وحفظهما على حد الاعتدال ولذلك أثنى المصطفى -صلى الله عليه وسلم- على الرفق وبالغ فيه .
وقال ابن عمر: العلم زين والتقوى كرم والصبر خير مركب، وزين الإيمان العلم وزين العلم الرفق وخير القول ما صدقه الفعل .
وعن حبيب بن حجر القيسي قال: كان يقال ما أحسن الإيمان يزينه العلم، وما أحسن العلم يزينه العمل، وما أحسن العمل يزينه الرفق، وما أضيف شيء إلى شيء أزين من حلم إلى علم .

وعن جابر -رضي الله عنه- قال: الرفق رأس الحكمة .

وعن ابن عباس قال: لو كان الرفق رجلاَ كان اسمه ميموناَ، ولو كان الخرق رجلاَ كان اسمه مشؤوماَ .

وقال جرير:الرفق في المعيشة خير من كثير التجارة .

وعن إبراهيم بن سعيد الجوهري قال: وقف رجل بين يدي المأمون قد جنى جناية، فقال له والله لأقتلنك فقال الرجل يا أمير المؤمنين تأن على فإن الرفق نصف العفو، قال: فكيف وقد حلفت لأقتلنك؟ قال: يا أمير المؤمنين لان تلقى الله حانثا، خير لك من أن تلقاه قاتلا، فخلى سبيله.

وعن نصر بن علي قال: دخلت على المتوكل فإذا هو يمدح الرفق فأكثر، فقلت: يا أمير المؤمنين أنشدني الأصمعي:

ولم أرى مثل الرفق في لينه أخـرج العذراء من خدرهـا

من يستعن بالرفق في أمـره يستخرج الحية من جحرها


فقال يا غلام الدواة والقرطاس فكتبهما.

وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب ( د. خالد سعد النجار )

Post: #790
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 00:51 AM
Parent: #701

مفسدات القلب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "إلا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب ". (رواه البخاري وسلم).
وإذا كان ربنا تبارك وتعالى قد علق نجاة العبد يوم القيامة على سلامة القلب كما قال: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ 88 إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)} (الشعراء).

فحري بالعبد أن يجتنب كل ما من شأنه أن يفسد عليه قلبه، ولهذا ننقل لكم من كلام الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى ما يبين أعظم وأهم أسباب فساد القلب.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: وأما مفسدات القلب الخمسة فهي التي أشار إليها من كثرة الخلطة، والتمني، والتعلق بغير الله، والشبع، والمنام. فهذه الخمسة من أكبر مفسدات القلب.

المفسد الأول: كثرة المخالطة:

فأما ما تؤثره كثرة الخلطة: فامتلاء القلب من دخان أنفاس بني آدم حتى يسود، ويوجب له تشتتا وتفرقا وهما وغما، وضعفا، وحملا لما يعجز عن حمله من مؤنة قرناء السوء، وإضاعة مصالحه، والاشتغال عنها بهم وبأمورهم، وتقسم فكره في أودية مطالبهم وإراداتهم. فماذا يبقى منه لله والدار الآخرة؟
هذا، وكم جلبت خلطة الناس من نقمة، ودفعت من نعمة، وأنزلت من محنة، وعطلت من منحة، وأحلت من رزية، وأوقعت في بلية. وهل آفة الناس إلا الناس؟

وهذه الخلطة التي تكون على نوع مودة في الدنيا، وقضاء وطر بعضهم من بعض، تنقلب إذا حقت الحقائق عداوة، ويعض المخلط عليها يديه ندما، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءنِي }(الفرقان:27-29).

وقال تعالى: {الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }(الزخرف:67)، وقال خليله إبراهيم لقومه: {إِنَّمَا اتَّخَذْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَّوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُم بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُم بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُم مِّن نَّاصِرِينَ }(العنكبوت:25)، وهذا شأن كل مشتركين في غرض يتوادون ما داموا متساعدين على حصوله، فإذا انقطع ذلك الغرض، أعقب ندامة وحزناً وألماً وانقلبت تلك المودة بغضاً ولعنة، وذماً من بعضهم لبعض.
والضابط النافع في أمر الخلطة: أن يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعة، والأعياد والحج، وتعلم العلم، والجهاد، والنصيحة، ويعتزلهم في الشر وفضول المباحات.

فإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشر، ولم يمكنه اعتزالهم: فالحذر الحذر أن يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنهم لابد أن يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر. ولكن أذى يعقبه عز ومحبة له، وتعظيم وثناء عليه منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين، وموافقتهم يعقبها ذل وبغض له، ومقت، وذم منهم، ومن المؤمنين، ومن رب العالمين. فالصبر على أذاهم خير وأحسن عاقبة، وأحمد مآلا.

وان دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعة لله إن أمكنه.

المفسد الثاني من مفسدات القلب: ركوبه بحر التمني:

وهو بحر لا ساحل له. وهو البحر الذي يركبه مفاليس العالم، كما قيل: إن المنى رأس أموال المفاليس.
فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة، والخيالات الباطلة، تتلاعب براكبه كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، وهي بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همة تنال بها الحقائق الخارجية، بل اعتاضت عنها بالأماني الذهنية.


وكل بحسب حاله: من متمن للقدرة والسلطان، وللضرب في الأرض والتطواف في البلدان، أو للأموال والأثمان، أو للنسوان والمردان، فيمثل المتمني صورة مطلوبه في نفسه وقد فاز بوصولها والتذ بالظفر بها، فبينا هو على هذا الحال، إذ استيقظ فإذا يده والحصير!!.

وصاحب الهمة العلية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره. فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خداع وغرور.
وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم متمني الخير، وربما جعل أجره في بعض الأشياء كأجر فاعله.

المفسد الثالث من مفسدات القلب: التعلق بغير الله تبارك وتعالى:

وهذا أعظم مفسداته على الإطلاق، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله وكله الله إلى ما تعلق به. وخذله من جهة ما تعلق به، وفاته تحصيل مقصوده من الله عز وجل بتعلقه بغيره، والتفاته إلى سواه. فلا على نصيبه من الله حصل، ولا إلى ما أمَّله ممن تعلق به وصل. قال الله تعالى:

{وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً (81) كَلَّا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً }(مريم:82،81) وقال تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنصَرُونَ (74) لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَهُمْ لَهُمْ جُندٌ مُّحْضَرُونَ }(يس:75،74).

فأعظم الناس خذلانا من تعلق بغير الله. فإن ما فاته من مصالحه وسعادته وفلاحه أعظم مما حصل له ممن تعلق به، وهو معرض للزوال والفوات. ومثل المتعلق بغير الله: كمثل المستظل من الحر والبرد ببيت العنكبوت، أوهن البيوت.
وبالجملة: فأساس الشرك وقاعدته التي بني عليها: التعلق بغير الله. ولصاحبه الذم والخذلان، كما قال تعالى: {لاَّ تَجْعَل مَعَ اللّهِ إِلَـهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَّخْذُولاً }(الإسراء:22) مذموما لا حامد لك، مخذولا لا ناصر لك. إذ قد يكون بعض الناس مقهوراً محموداً كالذي قهر بباطل، وقد يكون مذموماً منصوراً كالذي قهر وتسلط بباطل، وقد يكون محموداً منصوراً كالذي تمكن وملك بحق. والمشرك المتعلق بغير الله قسمه أردأ الأقسام الأربعة، لا محمود ولا منصور.

المفسد الرابع من مفسدات القلب: الطعام:

والمفسد له من ذلك نوعان:
أحدهما: ما يفسده لعينه وذاته كالمحرمات. وهي نوعان:

محرمات لحق الله: كالميتة والدم، ولحم الخنزير، وذي الناب من السباع والمخلب من الطير.

ومحرمات لحق العباد: كالمسروق والمغصوب والمنهوب، وما أخذ بغير رضا صاحبه، إما قهرا وإما حياء وتذمما.
والثاني: ما يفسده بقدره وتعدي حده، كالإسراف في الحلال، والشبع المفرط، فإنه يثقله عن الطاعات، ويشغله بمزاولة مؤنة البطنة ومحاولتها حتى يظفر بها، فإذا ظفر بها شغله بمزاولة تصرفها ووقاية ضررها، والتأذي بثقلها، وقوى عليه مواد الشهوة، وطرق مجاري الشيطان ووسعها، فإنه يجري من ابن آدم مجرى الدم. فالصوم يضيق مجاريه ويسد طرقه، والشبع يطرقها ويوسعها.

ومن أكل كثيرا شرب كثيرا فنام كثيرا فخسر كثيرا. وفي الحديث المشهور: " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه. فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه " (رواه الترمذي وأحمد والحاكم وصححه ا لألبا ني).

المفسد الخامس: كثرة النوم:

فإنه يميت القلب، ويثقل البدن، ويضيع الوقت، ويورث كثرة الغفلة والكسل. ومنه المكروه جدا، ومنه الضار غير النافع للبدن. وأنفع النوم: ما كان عند شدة الحاجة إليه. ونوم أول الليل أحمد وأنفع من آخره، ونوم وسط النهار أنفع من طرفيه. وكلما قرب النوم من الطرفين قل نفعه، وكثر ضرره، ولاسيما نوم العصر. والنوم أول النهار إلا لسهران.

ومن المكروه عندهم: النوم بين صلاة الصبح وطلوع الشمس؟ فإنه وقت غنيمة، وللسير ذلك الوقت عند السالكين مزية عظيمة حتى لو ساروا طول ليلهم لم يسمحوا بالقعود عن السير ذلك الوقت حتى تطلع الشمس، فإنه أول النهار ومفتاحه، ووقت نزول الأرزاق، وحصول القسم، وحلول البركة. ومنه ينشأ النهار، وينسحب حكم جميعه علي حكم تلك الحصة. فينبغي أن يكون نومها كنوم المضطر.

بالجملة فأعدل النوم وأنفعه: نوم نصف الليل الأول، وسدسه الأخير، وهو مقدار ثماني ساعات. وهذا أعدل النوم عند الأطباء، وما زاد عليه أو نقص منه أثر عندهم في الطبيعة انحرافا بحسبه.
ومن النوم الذي لا ينفع أيضا: النوم أول الليل، عقيب غروب الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهه. فهو مكروه شرعا وطبعا.

نسأل الله تعالى أن يصلح قلوبنا وأن يجنبنا أسباب الردى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #791
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 00:54 AM
Parent: #701

يا أهلاه صلوا صلوا
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
في الحديث:
عن ثابت قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أصابت أهله خصاصة نادى أهله: "يا أهلاه، صلوا صلوا " والخصاصة: الفقر والحاجة إلى الشيء.

قال ابن مفلح: ( الظاهر أنه مرسل جيد الإسناد، ولهذا المعنى شاهد في الصحيحين في الكسوف)،(وقد ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة ).
( ويدل على نفس المعنى أنه كان إذا أهمه أمر فزع إلى الصلاة، ولما قال رجلٌ من خُزاعةَ : لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فاستَرَحْتُ، فكأنهم عابوا ذلك عليه، فقال : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم - يقولُ : "أَقِمِ الصلاةَ يا بلالُ ! أَرِحْنا بها").

قال الله عز وجل: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِين } (البقرة:45).
وقال جلّ وعلا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ }(البقرة:153).
أمر الله تعالى عباده أن يستعينوا بالصلاة على كل أمر من أمور دنياهم وآخرتهم، ولم يخص بالاستعانة بها شيئاً دون شيء.
فقال: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }وإنما بدأ بالصبر قبلها لأن الإيمان، وجميع الفرائض والنوافل لا تتم إلا بالصبر.
ثم قال: {وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ } وهم المنكسرة قلوبهم إجلالاً لله، ورهبةً منه، فشهد لمن خفت عليه، أن يقيمها له، أنه من الخاشعين.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر صلّى. أي إذا اشتد عليه أمر، أو نزل به هم، أو أصابه غم، أو وقع به كرب، قام إلى الصلاة لأن الصلاة مُعينة على دفع جميع النوائب، بإعانة الخالق جل وعلا، الذي قُصد بها الإقبال عليه، والتقرب إليه، فمن أقبل على مولاه حاطه وكفاه، لأنه أعرض عن كل ما سواه، وقصد الرب جل في علاه، والله تعالى لا يخيب عبداً رجاه.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بأهله الضيق أمرهم بالصلاة، ثم قرأ: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ }طه:132]. يعني إذا أقمت الصلاة أتاك الرزق من حيث لا تحتسب، كما قال الله تعالى: { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:3،2].

وقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ }[الذاريات:56-58].

وفي الحديث القدسي يقول الله سبحانه: (يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى وأسد فقرك، وإن لم تفعل ملأت صدرك شغلاً ولم أسد فقرك ).

والصلاة سبب في طرد الهلع عن صاحبها، فلا يكون هلوعاً، شحيحاً، بخيلاً، ضجوراً، جزوعاً، ضيق القلب، شديد الحرص، قليل الصبر {إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً (19) إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً (20) وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً (21) إِلَّا الْمُصَلِّينَ (22) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ { (المعارج:19-23).

وما زال مفزع المؤمنين، عند كل مهم من أمر الدنيا والآخرة، إلى مناجاة ربهم في الصلاة، آدم فمن دونه من الأنبياء.
قال ثابت: ( وكانت الأنبياء صلوات الله عليهم إذا نزل بهم أمر فزعوا إلى الصلاة ).
كذلك أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الصلاة عماد الدين، فكيف لا يفزع المؤمنون إلى الصلاة، وهي عماد الدين.
قال المروزي: ( وأمر الله عباده أن يأتموا بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأمرهم محمد صلى الله عليه وسلم إذا رأوا الآيات التي يخافون فيها العذاب أن يفزعوا إلى الصلاة، فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، فإذا انكسفت فافزعوا إلى الصلاة ".
وفزع هو إلى الصلاة، ولا نعلم طاعة يدفع الله بها العذاب مثل الصلاة، فصلّى عند الكسوف بزيادة في الركوع، وبكى في سجوده، وتضرع ).

وكانت أم كلثوم بنت عقبة من المهاجرات الأول، غُشي على زوجها عبدالرحمن ابن عوف غشية حتى ظنوا أنه فاضت نفسه فيها، فخرجت أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة.

وذكروا أن ابن عباس نُعي إليه أخوه قثم وهو في سفر فاسترجع، ثم تنحى عن الطريق فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ }(البقرة:45).

قال ابن القيّم: ( وأما الصلاة، فشأنها في تفريح القلب وتقويته، وشرحه وابتهاجه ولذته أكبر شأن، وفيها من اتصال القلب والروح بالله، وقربه والتنعم بذكره، والابتهاج بمناجاته، والوقوف بين يديه، واستعمال جميع البدن وقواه وآلاته في عبوديته، وإعطاء كل عضو حظه منها، واشتغاله عن التعلق بالخلق وملابستهم ومحاوراتهم، وانجذاب قوى قلبه وجوارحه إلى ربه وفاطره، وراحته من عدوه حالة الصلاة - ما صارت به من أكبر الأدوية والمفرحات والأغذية التي لا تلائم إلا القلوب الصحيحة ).

فالصلاة من أكبر العون على تحصيل مصالح الدنيا والآخرة، ودفع مفاسد الدنيا والآخرة، وهي منهاة عن الإثم، ودافعة لأدواء القلوب، ومطردة للداء عن الجسد، ومنورة للقلب، ومبيضة للوجه، ومنشطة للجوارح والنفس، وجالبة للرزق، ودافعة للظلم، وناصرة للمظلوم، وقامعة لأخلاط الشهوات، ونافعة في كثير من أوجاع البطن.

وبالجملة فلها تأثير عجيب في حفظ صحة البدن والقلب، وقواهما، ودفع المواد الرديئة عنهما، وما ابتلي رجلان بعاهة أو داء أو محنة أو بلية إلا كان حظ المصلي منها أقل، وعاقبته أسلم.

وللصلاة تأثير عجيب في دفع شرور الدنيا، ولا سيما إذا أعطيت حقها من التكميل ظاهراً وباطناً، فما استدفعت شرور الدنيا والآخرة، ولا استجلبت مصالحهما، بمثل الصلاة.

وسر ذلك أن الصلاة صلة العبد بربه عز وجل، وعلى قدر صلة العبد بريه عز وجل تفتح عليه من الخيرات أبوابها، وتقطع عنه من الشرور أسبابها، وتفيض عليه مواد التوفيق من ربه عز وجل، والعافية والصحة، والغنيمة والغنى، والراحة والنعيم، والأفراح والمسرات، كلها محضرة لديه، ومسارعة إليه.

والله نسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

عبد القيوم السحيباني

Post: #1110
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-04-2015, 01:59 PM
Parent: #791

من أشد الغبن وأجهل الجهل أن يهتم المرء بالفاني على حساب الباقي، وبالترحال عن الحل، وبالزوال عن الخلد .. والدنيا جبلت على الفناء، .. فما حلوها صاف، وما نعيمها خال، بل لابد من المنغصات، ولا مفر من العقبات والكبوات.
هذا وليس المقصود من أحاديث ذم الدنيا أن نُعقّد على الناس أمورهم ومعايشهم، حتى ترى الرجل الذي منّ الله عليه بشيء من متاع الدنيا وبسطة الرزق يجلس في مثل هذه المحاضرات مكسوف البال، مطأطئ الرأس، وكأنه المقصود بالكلام، أو كأنه ارتكب جرما يستحي منه .. وهذا تقدير فاحش وفهم قاصر، فما ذكر أهل الفضل مناقص الدنيا إلا للاعتبار، وتذكرة لمن كان بها منهمكا، وفي هواها منغمسا، ولحبها شغوفا ولآخرته عبوسا، وكأن له مع الخلد في حطامها موعدا ولفراقها مجانبا.

وما زال النجباء يزرعون ويتاجرون ويعمرون، وفي كل مضمار خير لهم سبق، وفي كل بر لهم يد، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لكن معقد القضية وملخص الأمر أن أهل الصلاح جعلوا الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم وشتان بين الفريقين.
وحول هذا المعنى يقول يونس بن ميسرة الجيلاني: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد اللّه تعالى أوثق منك بما في يديك، وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون ذامّك ومادحك في الحقّ سواء".

هذه هي حقيقة الدنيا .. إقبال وإدبار، فرح وحزن, شدة ورخاء, سقم وعافية، إلا أن الله تعالى لطيف بعباده، رحيم بخلقه، فتح لهم باباً يتنفسون منه الرحمة، وتنزل منه على قلوبهم السكينة والطمأنينة، ألا وهو: الأنس به والتعلق بجنابه جل وعلا .. فلا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه.. {وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ} [العنكبوت/64] أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ: {لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ} [البلد/4].
قال بعض السلف: "الدنيا دنيئة، وأدنى منها قلب من يحبّها".
وروي عن عليّ رضي اللّه عنه: "الدنيا جيفة، فمن أرادها فليصبر على مزاحمة الكلاب".
ويقول أبو العلاء المعري: "الدنيا إذا أقبلت بلت، وإذا أدبرت برت، وإذا حلت أوحلت، وإذا جلت أوجلت، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات".
وإنما تهلك الدنيا صاحبها كمدا وغما لأنها إذا أقبلت عليه خلعوا عليه مِن صفات الكمال ما ليس فِيه أصلا، فإذا أدبرت عنه الدنيا لا يسأل عنه سائل.

يقول الأديب إبراهيم عبد القادر المازني: "قد أعرف لماذا أقرأ، وما يستهويني من الكتب ويُغريني بالاطلاع، فإنَّ أقلَّ ما في ذلك أنه نقلة إلى عالم غير دنيانا الحافلة بالمنغِّصات المائجة بالمتعبات، ولكني والله لا أدري لماذا أكتب؟ ولست أراني أفدت شيئًا، ولا لي أملٌ في شيء، وأحسبَنِي بين الكتَّاب الوحيد الذي يعيش بلا أمل جاد أو طمع مستحث؛ بل لعلِّي الكاتب الوحيد الذي يعتقد أنَّ الدنيا لا تخسر شيئًا - وقد تكسب - إذا خلتْ رقعتها من الأدباء والشعراء، واعتقادي هذا فرع من أصل أعمَّ وأشْمل، هو أنَّ الدنيا لا تنقص إذا قضت الحياة نفسُها نَحبها، فلا إنسان، ولا حياة، ولا نبات، وقد تغير زمن كنت فيه مجنونًا كشيللي [تأتي بمعنى سخرية لعدم فهم الشيء أو عدم الاستطاعة على فعله]، فالآن صار جنوني بهوان الحياة وغرور الإنسان، وعبث العيش كله، وما لقيتُ نعماءَ أو أصابَنِي ضرَّاء إلا قلت كما قال سليمان بن داود: (باطل الأباطيل، الكل باطل)؛ حتَّى لقد هممت أن أسمِّي كتابًا لي: (باطل الأباطيل)، كما سميت آخر (قبض الريح)، وثالثًا (حصاد الهشيم)، فليس إيثاري لهذه الأسماء عن تواضع كما توهم البعض، بل عن نُزُوع إلى الاستخفاف حتى بالنفس، وعن شعور قوي بمرارة الهوان الذي أجده لهذه الحياة وكل مظاهرها".

يقول الشيخ عائض القرني: "إذا كانت الحياة في البساط والسياط والسلطة والسطوة، فأين أصحابها بعد موتهم {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98]؟ .. عاصر الشافعي خمسة ملوك، عاشوا أغنياء وهو فقير، هم في حشمٍ وخدم وهو في غربة وعزلة، بقي وذهبوا، ذكر ونسوا، عاش وماتوا؛ لأنه أمات الدنيا في حياته، وأحيا الآخرة قبل وفاته، وهم أشربوا في قلوبهم عجل العاجلة، وأخروا في بطاقة أعمالهم الآخرة، ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف".

وفي مقدمة كتاب ذم الدنيا من (إحياء علوم) الدين كتب أبو حامد الغزالي يقول: "الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتها سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي فرارة عن طلابها شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سُنّة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة، فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها واتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، فهي خداعة مكارة طيارة فرارة، لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها، وشوشت عليهم مناظم أسبابها، وكشفت لهم عن مكنون عجائبها، فأذاقتهم قواتل سمامها، ورشقتهم بصوائب سهامها، بينما أصحابها منها في سرور وإنعام، إذ ولت عنهم كأنها أضغاث أحلام، ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد، ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد، إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس، تُمنى أصحابها سرورا، وتعدهم غرورا، حتى يأملون كثيرا ويبنون قصورا، فتصبح قصورهم قبورا، وجمعهم بورا، وسعيهم هباء منثورا، ودعاؤهم ثبورا، هذه صفتها، وكان أمر الله قدرا مقدورا".

ويقول أيضا: "إن الفائزين المقربين هم علماء الآخرة ولهم علامات: فمنها أن لا يطلب الدنيا بعلمه، فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها وانصرامها، وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها، ويعلم أنهما متضادتان، وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، وأنهما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى، وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر، وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ، فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر".

وقال بعض الحكماء: "انظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، ولا تتأملها تأمل العاشق الْوَامِقِ بها".
وسئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن الدنيا فقال: "تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ".
وسأل بعض خلفاء بني العباس جليسا له عن الدنيا فقال: "إذا أقبلت أدبرت".
وقال عمرو بن عبيد: "الدنيا أمد والآخرة أبد".
وقال أَنُوشِرْوَانَ: "إن أحببت أن لا تغتم فلا تقتن ما به تهتم".

ولما قتل بَزَرْجَمْهَرُ وجد في جيب قميصه رقعة فيها مكتوب: "إذا لم يكن جد ففيم الكد، وإن لم يكن للأمر دوام ففيم السرور، وإذا لم يرد الله دوام ملك ففيم الحيلة".
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: "إن الدنيا ليست بدار قراركم، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها الظعن عنها، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، إنما الدنيا كفيء ظلال، قلص فذهب، بينا ابن آدم في الدنيا ينافس وهو قرير العين إذ دعاه الله بقدره ورماه بيوم حتفه فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه .. إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنها تسر قليلا وتحزن طويلا".
د/ خالد سعد النجار

Post: #792
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 00:56 AM
Parent: #701

حديث مع النفس
• يا نفس، إذا كانت الهداية إلى الله مصروفة، والاستقامة على مشيئته موقوفة، والعاقبة مغيبة، والإرادة غير مغالبة، فلا تُعجبي بإيمانك وعملك وصلاتك وصومك وجميع قربك، فإن ذلك وإن كان من كسبك فإنه من خلق ربك وفضله الدارِّ عليك وخيره، فمهما افتخرت بذلك كنت كالمفتخرة بمتاع غيرها وربما سُلب عنك فعاد قلبك من الخير أخلى من جوف البعير، فكم من روضة أمست وزهرها يانع عميم فأصبحت وزهرها يابس هشيم، إذ هبت عليها الريح العقيم، كذلك العبد يمسي وقلبه بطاعة الله مشرق سليم فيصبح وهو بمعصية الله مظلم سقيم، ذلك فعل العزيز الحليم الخلاق العليم.

• يا نفس، مالك من صبر على النار، نوم بالليل وباطل بالنهار وترجين أن تدخلي الجنة هيهات هيهات، متى العمل فاستيقظي يا نفس ويحك، واحذري حذرا يهيج عبرتي ونحيبي، وتجهزي بجهاز تبلغين به شاطئ الأمان، فلم ينل المطيعون ما نالوا من حلول الجنان ورضا الرحمن إلا بتعب الأبدان، والقيام لله بحقه في المنشط والمكره.

• يا نفس، ما أصعب الانتقال من البصر إلى العمى، وأصعب منه الضلالة بعد الهدى، والمعصية بعد التقى، كم من وجوه خاشعة وقعت على قصص أعمالها (عاملة ناصبة تصلى نارا حامية)، وكم من شارف مركبه ساحل النجاة فلما هم أن يرتقي لعب به موج فغرق الخلق كلهم تحت هذا الخطر، فقلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، ما العجب ممن هلك كيف هلك إنما العجب ممن نجا كيف نجا.

• يا نفس، كيف يوفق لحسن الخاتمة من أغفل الله سبحانه قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا؟! فبعيد من قلبه بعيد من الله تعالى، غافل عنه متعبد لهواه أسير لشهواته، لسانه يابس عن ذكره، وجوارحه معطلة عن طاعته مشتغلة بمعصيته فبعيد عن هذا أن يوفق للخاتمة بالحسنى.

• يا نفس، أما الورعون فقد جدوا، وأما الخائفون فقد استعدوا، وأما الصالحون فقد فرحوا وراحوا وأما الواعظون فقد نصحوا وصاحوا، العلم لا يحصل إلا بالنصب، والمال لا يجمع إلا بالتعب، فإن حرصت على الخلاص فاعلمي أنه من عزم بادر ومن هم ثابر، ولا ينال العز والمفاخر من كان في الصف الآخر.
• يا نفس، بادري بالأوقات قبل انصرامها واجتهدي في حراسة ليالي الحياة وأيامها، فكأنك بالقبور وقد تشققت وبالأمور وقد تحققت وبوجوه المتقين وقد أشرقت وبرؤوس العصاة وقد أطرقت قال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُوا رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} (السجدة:12).

• يا نفس، أما لك في الصالحين أسوة:
- كان عامر بن عبد الله بن قيس التابعي قد جعل عليه كل يوم ألف ركعة فلا ينصرف منها إلا وقد انتفخت قدماه وساقاه ثم يقول لنفسه: "يا نفس، بهذا أمرت ولهذا خلقت يوشك أن يذهب العناء، يا نفس إنما أريد إكرامك غدا، والله لأعملن بك عملا حتى لا يأخذ بالحق منك نصيب، قومي يا مأوى كل سوء فوعزة ربك لأزحفن بك زحف البعير، ولئن استطعت أن لا يمس الأرض من زهمك لأفعلن، ثم يتلوى كما تتلوى الحية على المقلى، ثم يقوم فينادى: اللهم إن النار قد منعتني من النوم فاغفر لي".

- وكان زياد بن زياد مولى ابن عياش يخاصم نفسه في المسجد فيقول: "اجلسي، تريدين الخروج؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد، انظري إلى ما فيه. تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان ودار فلان، ما لك من الطعام يا نفس إلا هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب إلا هذين الثوبين، وما لك من النساء إلا هذه العجوز".

- وقال الجنيد: أرقت ليلة وفقدت حلاوة وردي ثم اضطجعت لأنام فتمايلت حيطان البيت وكاد السقف أن يسقط فخرجت فإذا برجل ملتف بعباءة مطروح في الطريق، فقال إلي الساعة، قلت موعد قال: بلى، سألت محرك القلوب أن يحرك قلبك، قلت: قد فعل، قال: متى يصير داء النفس دواءها؟، قلت: إذا خالف هواها، قال: يا نفس اسمعي أجبتك به مرات فأبيت إلا أن تسمعيه من الجنيد ثم انصرف.

- وقال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في النار أعالج أغلالها وسمومها، آكل من المثخن وأشرب من زمهريرها: فقلت: يا نفس إيش تشتهين؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فأعمل عملا أنجو به من هذا العقاب، ومثلت نفسي في الجنة مع حورها، ألبس من سندسها وإستبرقها وحريرها، قلت: يا نفس إيش تشتهين؟ قالت: أرجع إلى الدنيا فاعمل عملا ازداد فيه من هذا الثواب، قلت: فأنت في الدنيا وفي الأمنية فاعملي.
- وكان معروف الكرخي يضرب نفسه ويقول: يا نفس، كم تبكين، أخلصي وتخلصي.

- وقال عبد الرحمن بن مهدي: أدركت امرأة لا أقدم عليها رجلا ولا امرأة ممن أدركت، كانت إذا أصبحت قالت: يا نفس هذا اليوم ساعديني يومي هذا فلعلك لا ترين بياض يوم أبدا، وإذا أمست قالت: يا نفس هذه الليلة ساعديني ليلتي هذه فلعلك لا ترين ظلمة ليلة أبدا، فما زالت تخدع وتدفع يومها بليلتها وليلتها بنهارها حتى ماتت على ذلك.

- وعن مسمع بن عاصم المسمعي قال: كانت بالبحرين امرأة عابدة يقال لها: «منيفة» فكانت إذا هجم الليل عليها، قالت: بخ بخ يا نفس، قد جاء سرور المؤمن، فتتحزم وتلبس وتقوم إلى محرابها فكأنها الجذع القائم حتى تصبح، فإذا أصبحت وأمكنت الصلاة فإنما هي في صلاة حتى ينادى بالعصر فإذا صلت العصر هجعت إلى غروب الشمس، فكان هذا دأبها، فقيل لها: لو جعلت هذه النومة في الليل كان أهدأ لبدنك. فقالت: لا والله لا أنام في ظلمة الليل ما دمت في الدنيا، فمكثت كذلك أربعين سنة.
وكيف تحب أن تدعى حكيما وأنت لكل ما تهوى ركوب

وتضحـك دائـما ظهرا لـبطن وتذكـر ما عـملـت فلا تتوب

ـــــــــــــــــــــــــــــ

د. خالد سعد النجار

Post: #793
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:00 AM
Parent: #701

القواعد الذهبية في أدب الخلاف
الحمد لله الذي لا إله إلا هو له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، والصلاة والسلام على النبي الكريم الذي كان يستفتح صلاته بقوله: " اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السماوات والأرض ، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم". وعلى آله وأصحابه ومن سار على هداهم من أهل الحق والدين إلى يوم البعث والنشور. أما بعد:

فهذه قواعد جمعتها في الأدب الواجب على أهل الإسلام عند الاختلاف عملا بقوله سبحانه وتعالى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِن شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} (الشورى: 10)، وقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59). وقوله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ" (آل عمران: 103). أسأل الله أن ينفع بها عباده المؤمنين في مشارق الأرض ومغاربها، وقد جعلناها مختصرة موجزة ليسهل جمعها، ولا يعسر على طالب العلم التوسع فيها، وفهمها.

القواعد الذهبية لماذا؟

قد يسأل سائل لماذا سميت هذه القواعد بالقواعد الذهبية؟

والجواب: أن القاعدة الواحدة منها أفضل لطالب العلم ومبتغي الحق من اكتساب الألوف من دنانير الذهب، ذكر الإمام ابن كثير -رحمه الله- في ترجمته لحبر هذه الأمة وأعلمها بكتاب الله، وهو عبد الله بن عباس رضي الله عنه هذا الخبر:
وقال بعضهم أوصى ابن عباس بكلمات خير من الخيل الدهم، وقال: (لا تكَلَّمن فيما لا يعنيك حتى تجد له موضعًا، ولا تُمار سفيهًا ولا حليمًا فإن الحليم يغلبك، والسفيه يزدريك، ولا تَذْكُرَنَّ أخاك إذا توارى عنك إلا بمثل الذي تحب أن يتكلم فيك إذا تواريت عنه، واعمل عمل من يعلم أنه مجزي بالإحسان مأخوذ بالإجرام). فقال ابن عباس: (كلمة منه خير من عشرة آلاف). البداية والنهاية (308/8).
وهذه الكلمات من ابن عباس رضي الله عنهما قواعد في الأخلاق، وآداب الجدال لا تقدر بمال.

أولاً: قواعد عامة في الخلاف

1 - ما لا يتطرق إليه الخلل ثلاثة:

كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وإجماع الصحابة، وما سوى ذلك ليس بمعصوم: الأصول التي يتطرق إليها الخلل والتي يجب الرجوع إليها عند كل خلاف هي كتاب الله سبحانه وتعالى، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الثابتة الصحيحة، ثم ما علم يقينًا أن أمة الإسلام جميعها اجتمعت عليه، وما سوى هذه الأصول الثلاثة فليس بمعصوم من الخطأ.

ويترتب على القاعدة السابقة ما يلي:

أ - لا يجوز لأحد أن يخرج عن المقطوع دلالته من كتاب الله، وسنة رسوله، وما علم يقينًا أن الأمة قد أجمعت عليه.
ب - ظني الدلالة من الكتاب والسنة يرد إلى المقطوع، والمتشابه يرد إلى المحكم؛ لقوله تعالى: {هُوَ الَّذِيَ أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ} (آل عمران: 7).

جـ - ما تنازع فيه المسلمون يجب أن يردوا الخلاف فيه إلى كلام الله، وكلام رسوله، عملاً بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء: 59).

2 - رد المعلوم من الدين ضرورة كفر:

لا يجوز الخلاف في حكم من الأحكام المقطوع بها في الإسلام، والمقطوع به هو المجمع عليه إجماعًا لا شبهة فيه، والمعلوم من الدين بالضرورة كالإيمان بالله وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره من الله تعالى، وأن القرآن الذي كتبه الصحابة ويقرؤه المسلمون جميعًا إلى يومنا هذا هو كتاب الله لم ينقص منه شيء، والصلوات الخمس، وصيام شهر رمضان، ووجوب الزكاة والحج، وحرمة الربا والزنا، والخمر، والفواحش، ونحو ذلك من المعلوم من الدين بالضرورة أنه من الإسلام، وكل ذلك لا يجوز فيه خلاف بين الأمة ورد هذا ومثله كفر.

3 - الخلاف جائز في الأمور الاجتهادية:

الأحكام الاجتهادية الخلافية التي وقع التنازع فيه بين الأمة في عصور الصحابة ومن بعدهم إلى يومنا هذا يجوز فيها الاختلاف، ولا يجوز الحكم على من اتبع قولاً منها بكفر ولا فسق ولا بدعة. ولمن بلغ درجة النظر والاجتهاد أن يختار منها ما يراه الحق، ولمن عرف الأدلة وأصول الفقه أن يرجح بين الأقوال، ولا بأس بالتصويب والتخطيء، وبالقول إن هذا راجح، وهذا مرجوح، وذلك كرؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه ليلة المعراج، وقراءة الفاتحة وراء الإمام في الجهرية، والجهر والإسرار بـ"بسم الله الرحمن الرحيم"، وإتمام الصلاة في السفر.

4 - وقوع الاختلاف وكونه رحمة وسعة أحيانًا:

الخلاف في الأمور الاجتهادية الظنية واقع من الصحابة والتابعين والأئمة وجميع علماء وفضلاء هذه الأمة، وذلك أنه من لوازم غير المعصوم، ولا معصوم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما من بعده فلا عصمة لأحد منهم، والخطأ واقع منهم لا محالة.
وهذا الخلاف الجائز، أو السائغ، قد نص كثير من سلف الأمة أن فيه أنواعا من الرحمة لهذه الأمة:

أ - الرحمة في عدم المؤاخذة: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286)، وقد ثبت في صحيح البخاري رحمه الله أن الله قال بعد أن أنزل هذه الآية، وتلاها الصحابة: "قد فعلت"، والمجتهد المخطئ معذور، بل مأجور أجرًا واحدًا كما جاء في الصحيحين: "إذا حكم الحاكم ثم اجتهد فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر واحد" متفق عليه.

ب - الرحمة والسعة في جواز أخذ القول الاجتهادي كما نص على ذلك غير واحد من الأئمة المجتهدين: قال ابن قدامة رحمه الله في مقدمة كتابه المغني: (أما بعد... فإن الله برحمته وطوله جعل سلف هذه الأمة أئمة من الأعلام مهد بهم قواعد الإسلام وأوضح بهم مشكلات الأحكام: اتفاقهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة).
وقال الإمام الحجة القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم: "لقد نفع الله باختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في أعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم إلا رأى أنه في سعة، ورأى أن خيرًا منه قد عمل عمله". (جامع بيان العلم وفضله 80/4)، وذكر ابن عبد البر في كتابه جامع بيان العلم وفضله أن "عمر بن عبد العزيز والقاسم بن محمد اجتمعا فجعلا يتذكران الحديث فجعل عمر يجيء بالشيء مخالفًا فيه القاسم، وجعل ذلك يشقّ على القاسم حتى تبين فيه فقال له عمر: لا تفعل فما يسرني أن لي باختلافهم حمر النعم". (جامع بيان العلم وفضله 80/2). وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن "رجلاً صنف كتابًا في الاختلاف فقال أحمد: لا تُسمِّه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة". (الفتاوى 79/30).

5 - يجب اتباع ما ترجح لدينا أنه الحق:

ما تنازع فيه الصحابة وأئمة الإسلام بعدهم، وعلم بعد ذلك أن النص بخلافه فإنه يجب علينا فيه اتباع ما تبين أنه موافق للدليل، وعدم اتهام السابقين بكفر أو فسق أو بدعة وذلك: كترك الجنب الذي لا يجد ماء للصلاة حتى يجد الماء، وصرف الدينار بالدينارين، ونكاح المتعة، ومنع التمتع في الحج، وجواز القدر غير المسكر من خمر العنب، ومثل هذه المسائل كثير.

6 - أسباب الخلاف التي يعذر فيها:

أسباب الخلاف التي يعذر فيها المخالفون كثيرة: كمعرفة بعضهم بالدليل، وجهل بعضهم له والاختلاف حول صحة الدليل، وضعفه، وكونه نصًّا على المسألة أو ظاهرًا أو مؤولاً، وتفاوت فهمهم للنص وتقديم بعضهم دلالة من دلالات النص على أخرى، كمن يقدم الفحوى على الظاهر، وكمن يقدم الظاهر على الفحوى، كما اختلفوا في قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة؛ فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم لا نصلي حتى نأتيهم، وقال بعضهم بل نصلي، لم يرد منا ذلك فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يعنف واحدًا منهم". متفق عليه.
ومثل هذه الأسباب يعذر أصحابها إذا اجتهد كل منهم لمعرفة الحق.

7- أسباب الخلاف التي لا يعذر فيها المخالف:

وأما الأسباب الأخرى التي لا يعذر فيها المخالف فهي الحسد والبغي، والمراءاة والانتصار للنفس ومن كانت هذه دوافعه للخلاف، حرم التوفيق والإنصاف، ولم يهتد إلا للشقاق والخلاف، كما قال تعالى: { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}. (البقرة: 213) فالذين هداهم الله هم الذين لا يبغون.

8 - وجوب طاعة الإمام في الأمور العامة وإن أساء ما لم يخرج من الإسلام:

منهج أهل السنة والجماعة الصلاة خلف أئمة الجور والجهاد معهم، وإن كانوا فجارًا، والصوم بصومهم والحج بحجهم، وإعطاء الزكاة لهم.
ففي الصلاة صلى المسلمون خلف الذين حاصروا الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وصلى السلف خلف الحجاج والوليد، والمختار بن أبي عبيد، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة خلف الولاة وإن كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها. وفي الزكاة قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم". متفق عليه.

9 - لا يجوز للإمام أن يحجر نشر علم يخالفه: ليس لإمام المسلمين أن يحجر الناس من نشر علم يخالف رأيه، أو مذهبه، بل عليه أن يترك كل مسلم وما تولى، كما ترك عمر رضي الله عنه عمارا وغيره يذكر ما يأثره عن الرسول رضي الله عنه في التيمم.

وأفتى ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم بخلاف رأي عمر رضي الله عنه في متعة الحج، وأفتى حذيفة وغيره من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين بخلاف رأي عثمان رضي الله عنه في إتمام الصلاة بعرفة ومنى.

ولكن يجب على الإمام أن يمنع نشر الكفر والبدع والزندقة، وأن يقيم الحدود الشرعية في ذلك، فسب الله وسب رسوله وسب دينه يوجب القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" رواه البخاري، والساعي في المتشابهات، والتشكيك في الدين يجب تعزيره كما فعل عمر رضي الله عنه مع صبيغ بن عسل.
والمسلم المتأول المخطئ يناقش في خطئه، وتأوله كما فعل عمر رضي الله عنه أيضا مع الذين شربوا الخمر تأولاً. ولا يجوز الحكم على متأول إلا بعد قيام الحجة عليه.

10 - لكل مسلم الحق بل عليه الواجب في إنكار المنكر والأمر بالمعروف: لما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبا من الله على كل مسلم وجب على ولي الأمر إطلاق يد المسلم في ذلك إلا ما كان من حقوقه هو كإقامة الحدود، والتعازير، وأما ما كان تحت ولاية المسلم فهذا له كتأديب الزوجة، والولد في حدود ما شرعه الله في ذلك، وكذلك إنكار المنكر باللسان، لو كان هو منكر الإمام نفسه عملاً بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَـئِكَ يَلعَنُهُمُ اللّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 159-160].

فلا يجوز للمسلم أن يكتم علما، ولا أن يقر على باطل إذا علم أن إقراره رضا ومتابعة، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك حيث يقول: "ستكون أمراء فتعرفون وتنكرون، فمن عرف برئ، ومن أنكر سلم ولكن من رضي وتابع، قالوا: أفلا نقاتلهم؟ قال: لا.. ما صلوا". (رواه مسلم). ونص الحديث أن المسلم لا يبرأ إلا بالإنكار، وقد يسلم بالسكوت وعدم الرضا إذا لم يستطع الإنكار باللسان.
الآداب الواجب اتباعها للخروج من الخلاف وما ينبغي أن يكون بعد الخلاف

أولا: الآداب التي يجب اتباعها للخروج من الخلاف

هذه جملة من الآداب التي إذا اتبعها المسلمون ـ فيما ينشأ بينهم من خلاف ـ اهتدوا بحول الله ومشيئته ورحمته إلى الحق.

1 - التثبت من قول المخالف: أول ما يجب على المسلم أن يتثبت في النقل، وأن يعلم حقيقة قول المخالف، وذلك بالطرق الممكنة كالسماع من صاحب الرأي نفسه، أو قراءة ما ينقل عنه من كتبه لا مما يتناقله الناس شفاها، أو سماع كلامه من شريط مسجل أيضا مع ملاحظة أن الأشرطة الصوتية يمكن أن يدخل عليها القطع والوصل، وحذف الكلام عن سياقه، ولذلك يجب سماع الكلام بكامله ولو أن أهل العلم يتثبتون فيما ينقل إليهم من أخبار لزال معظم الخلاف الذي يجري بين المسلمين اليوم، وقد أمرنا الله بالتثبت كما قال سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: 6].

وقال تعالى: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} [الإسراء: 36].
وقد وقفت بنفسي -أنا كاتب هذه السطور- على حالات كثيرة من الخلاف التي كان أساسها التسرع في النقل، وعدم التثبت فيه، وعندما وقع التثبت تبين أن الأمر بخلافه.

2 - تحديد محل التنازع والخلاف: كثيرا ما يقع الخلاف بين المخالفين، ويستمر النقاش والردود وهم لا يعرفون على التحديد ما نقاط الخلاف بينهم، ولذلك يجب أولا قبل الدخول في نقاش أو جدال تحديد مواطن الخلاف تحديدا واضحا حتى يتبين أساس الخلاف، ولا يتجادلان في شيء قد يكونان هما متفقين عليه، وكثيرا ما يكون الخلاف بين المختلفين ليس في المعاني، وإنما في الألفاظ فقط فلو استبدل أحد المختلفين لفظة بلفظة أخرى لزال الإشكال بينهما. ولذا لزم تحديد محل الخلاف تحديدا واضحا.

3 - لا تتهم النيات: مهما كان مخالفك مخالفا للحق في نظرك فإياك أن تتهم نيته، افترض في المسلم الذي يؤمن بالقرآن والسنة ولا يخرج عن إجماع الأمة، افترض فيه الإخلاص، ومحبة الله ورسوله، والرغبة في الوصول إلى الحق، وناظره على هذا الأساس، وكن سليم الصدر نحوه. لا شك أنك بهذه الطريقة ستجتهد في أن توصله إلى الحق إن كان الحق في جانبك وأما إذا افترضت فيه من البداية سوء النية، وقبح المقصد فإن نقاشك معه سيأخذ منحى آخر وهو إرادة كشفه وإحراجه، وإخراج ما تظن أنه خبيئة عنده، وقد يبادلك مثل هذا الشعور، فينقلب النقاش عداوة، والرغبة في الوصول إلى الحق رغبة في تحطيم المخالف وبيان ضلاله وانحرافه.

4 - أخلص النية لله: اجعل نيتك في المناظرة هو الوصول إلى الحق وإرضاء الله سبحانه وتعالى، وكشف غموض عن مسألة يختلف فيها المسلمون، ورأب الصدع بينهم، وجمع الكلمة وإصلاح ذات البين.
وإذا كانت هذه نيتك فإنك تثاب على ما تبذله من جهد في هذا الصدد؛ قال تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ}. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" متفق عليه.

5 - ادخل إلى المناظرة وفي نيتك أن تتبع الحق وإن كان مع خصمك ومناظرك: يجب على المسلم الذي يخالف أخاه في مسألة ويناظره فيها ألا يدخل نقاشا معه إلا إذا نوى أن يتبع الحق أنى وجده، وأنه إن تبين له أن الحق مع مخالفه اتبعه، وشكر لأخيه الذي كان ظهور الحق على يده؛ لأنه لا يشكر الله من لا يشكر الناس.

6 - اتهم رأيك: يجب على المسلم المناظر، وإن كان متأكدا من رأيه أنه صواب أن يتهم رأيه، ويضع في الاحتمال أن الحق يمكن أن يكون مع مخالفه، وبهذا الشعور يسهل عليه تقبل الحق عندما يظهر، ويلوح له.

7 - قبول الحق من المخالف حق وفضيلة: إن قبول الحق من مخالفك حق وفضيلة، فالمؤمن يجب أن يذعن للحق عندما يتبينه، ولا يجوز له رد الحق؛ لأن رد الحق قد يؤدي إلى الكفر كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تماروا في القرآن فإن مراء في القرآن كفر..". (رواه أحمد وصححه الألباني في صحيح الجامع).

والمماراة هنا معناها المجادلة، ودفع دلالته بالباطل لأن هذا يكون تكذيبا لله وردًّا لحكمه، وليس تكذيبا للمخالف. ورد الحق كبرا من العظائم، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم الكبر فقال صلى الله عليه وسلم: "الكبر بطر الحق وغمط الناس". (رواه مسلم) وبطر الحق رده.

8 - اسمع قبل أن تُجيب: من آداب البحث والمناظرة أن تسمع من مخالفك قبل أن ترد، وأن تحدد محل الخلاف قبل أن تخوض في الموضوع.

9- اجعل لمخالفك فرصة مكافئة لفرصتك: يجب على كل مختلفين أن يعطي كل منهما للآخر عند النقاش فرصة مكافئة لفرصته فإن هذا أولى درجات الإنصاف.

10 - لا تقاطع: انتظر فرصتك في النقاش، ولا تقاطع مخالفك وانتظر أن ينتهي من كلامه.

11 - اطلب الإمهال، إذا ظهر ما يحتاج أن تراجع فيه نفسك: إذا ظهر لك أن أمرا ما يجب أن تراجع فيه النفس، وتتفكر فيه لتتخذ قرارا بالعدول عن رأيك أو إعادة النظر فيه، فاطلب الإمهال حتى تقلِّب وجهات النظر، وأما إذا تحققت من الحق فبادر بإعلانه، والإذعان له فإن هذا هو الواجب عليك فالذي يخاصمك بالآية والحديث يطلب منك في الحقيقة الإذعان إلى حكم الله وحكم رسوله. وكل من ظهر له حكم الله وحكم رسوله وجب عليه قبوله فورا كما قال تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [النور: 51].

12 - لا تجادل ولا تمارِ: لا يكن دخولك في نقاش مع أخيك المسلم هدفه الجدال والمماراة، بل يجب أن يكون مقصدك معرفة الحق، أو توضيحه لمخالفك؛ لأن الجدال مذموم والمماراة مذمومة، والجدال والمماراة أن يكون الانتصار لرأيك، وقطع خصمك وإثبات جهله، أو عجزه، وإثبات أنك الأعلم أو الأفهم. أو الأقدر على إثبات الحجة.

13 - حدد مصطلحاتك واعرف جيدا مصطلحات مخالفك: كثيرا ما يتجادل اثنان ويختلف قوم ولا يكون سبب خلافهم إلا أنهم يستعملون كلمات ومصطلحات كل منهم يفهمها بمعنى يختلف عما يفهمها الآخر.

من أجل ذلك يجب عليك أن تحدد معاني كلماتك التي قد يفهمها مخالفك على صورة أخرى، وكذلك المصطلحات التي تستعملها، وأسأل مخالفك عن معاني كلماته، ومصطلحاته حتى تعرف مراده من كلامه.

ومن المصطلحات التي يختلف في معناها الناس في الوقت الحاضر: المنهج، طريق السلف، وسائل الدعوة، أساليب الدعوة، البدعة المكفرة، الهجر، التطرف، الإرهاب، الخروج... إلخ، وكذلك يجب أن تعلم أن مخالفك يفهم هذه المصطلحات كما تفهمها أنت، أو كما هو معناها الحقيقي في اصطلاح العقيدة، الأصول، البدعة.

14 - إذا تيقنت أن الحق مع مخالفك فاقبله وإذا قبل منك الحق فاشكره ولا تمن عليه: يجب على المسلم إذا علم الحق من كلام مخالفه أن يبادر إلى قبوله فورا؛ لأن مخالفك في الدين يدعوك إلى حكم الله حكم رسوله، وليس إلى حكم نفسه.
وأما إذا كان رأيا مجردا، ورأيت أن الحق معه، وأن المصلحة الراجحة في اتباعه فاقبله أيضا لأن المسلم رجاع إلى الحق.
وأما إذا وافقك مخالفك، ورجع عن قوله إلى قولك فاشكر له إنصافه، وقبوله للحق، واحمد الله أن وفقك إلى إقالة عثرة لأخيك، وبيان حق كان غائبا عنه.

15 - لا تيأس من قبول مخالفك للحق: لا تكن عجولا متبرما غضوبا إلى اتهام مخالفك الذي لم يقبل ما تدلي به من حجة، وإن كنت على يقين مما عندك، ولا تيأس أن يعود مخالفك إلى الحق يوما، ولربما خالفك مخالف الآن ثم يعود بعد مدة إلى الحق فلا تعجل.

16 - أرجئ النقاش إلى وقت آخر إذا علمت أن الاستمرار فيه يؤدي إلى الشقاق والنفور: إذا تيقنت أن النقاش والحوار سيؤدي الاستمرار فيه إلى الشقاق، والنفور فاطلب رفع الجلسة، وإرجاء النقاش إلى وقت آخر، وتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًّا" (رواه أبو داود، وحسنه الألباني في السلسلة 273).

17 - الإبقاء على الأخوة مع الخلاف في الرأي في المسائل الخلافية أولى من دفع المخالف إلى الشقاق والعداوة: إذا علمت من مخالفك أنه لا يبقى أخا إلا ببقائه على ما هو عليه من أمر مرجوح ورأي مخالف للحق في نظرك فتركه على ما هو عليه أولى من دفعه إلى الشقاق والخلاف؛ لأن بقاء المسلمين أخوة في الدين مع اختلافهم في المسائل الاجتهادية خير من تفرقهم وتمزقهم وبقائهم على خلافاتهم.

ثانيا: ما بعد الخلاف

إذا وقع الخلاف بين مسلم وآخر في المسائل التي يسوغ فيها الخلاف، وهي الأمور الاجتهادية، أو الأمور التي اختلف الصحابة والأئمة فيها قديما فإن الواجب الشرعي هو اتباع الخطوات السابقة في أدب الخلاف والمناظرة.
ولا شك أنه لو اتبعت الخطوات السابقة قضي على الخلاف بإذن الله، ووصل المختلفان إلى الاتفاق، ووفقا بحول الله إلى الحق.
وأما إذا ظهر لكل منهما صحة نظره وسلامة قوله، وأنه لا يستطيع أن يدين لله إلا بما يراه، فإن واجب المختلفين ما يأتي:

1 - إعذار المخالف وترك أمره لله سبحانه وتعالى: الأدب الشرعي الأول هو إعذار من يخالفك الرأي من المسلمين في الأمور الاجتهادية، وإيكال أمره لله، وتنزيهه من فساد النية، وإرادة غير الحق ما دام ظاهره هو الدين والعدل.

2 - إبقاء الأخوة: لا يجوز لمسلم أن يقاطع أخاه المسلم لرأي ارتآه، أو اجتهاد اجتهد فيه ما دام يعلم أنه تحرى الحق، واتبع ما يظن أنه الصواب، ولا يجوز في مثل هذه الحالة هجران أو تعزير، ولا شك أنه لو أن كل مختلفين تهاجرا لم يبق مسلم مع مسلم.

3 - لا تشنيع ولا تفسيق ولا تبديع للمخالف في الأمور الاجتهادية: لا يجوز اتهام المخالف ولا التشنيع عليه، ولا ذكره من أجل مخالفته، ولا تبديعه، ولا تفسيقه ومن صنع شيئا من ذلك فهو المبتدع المخالف لإجماع الصحابة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد اتفق الصحابة في مسائل تنازعوا فيها على إقرار كل فريق للفريق الآخر على العمل باجتهادهم، كمسائل في العبادات، والمناكح والمواريث والعطاء، والسياسة، وغير ذلك، وحكم عمر أول عام في الفريضة الحمارية بعدم التشريك، وفي العام الثاني بالتشريك في واقعة مثل الأولى، ولما سئل عن ذلك قال: تلك على ما قضينا وهذه على ما نقضي، وهم الأئمة الذين ثَبَتَ بالنصوص أنهم لا يجتمعون على باطل ولا ضلالة، ودل الكتاب والسنة على وجوب متابعتهم". (مجموع الفتاوى).

وقال الإمام الذهبي في ترجمة الإمام محمد بن نصر المروزي: "ولو أنا كلما أخطأ إمام في اجتهاده في آحاد المسائل خطأ مغفورا له قمنا عليه وبدعناه، وهجرناه، لما سلم معنا ابن نصير، ولا ابن منده ، ولا من هو أكبر منهما، والله هو هادي الخلق إلى الحق، هو أرحم الراحمين، فنعوذ بالله من الهوى والفظاظة". [سير أعلام النبلاء 40/14].

4 - لا يجوز التشنيع ولا التبديع ولا التفسيق لأحد من سلف الأمة ومجتهديها إذا خالف بعض الأمور القطعية اجتهادا: ولا يجوز لنا التشنيع ولا التبديع ولا التفسيق لأحد من سلف الأمة المشهود لهم بالخير، إذا علم أنه خالف في بعض الأمور القطعية اجتهادا منه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "وليس في ذكر كون المسألة قطعية طعن على من خالفها من المجتهدين كسائر المسائل التي اختلف فيها السلف، وقد تيقنا صحة أحد القولين مثل كون الحامل المتوفى عنها زوجها تعتد لوضع الحمل، وأن الجماع المجرد عن الإنزال يوجب الغسل، وأن ربا الفضل حرام، والمتعة حرام". [الآداب الشرعية 186/1].

5 - يجوز بيان الحق وترجيح الصواب وإن خالف اجتهاد الآخرين: لكل من المختلفين أن يذكر ما يراه حقًّا، وينشر ما يراه صوابا، ويرجح ما يراه الراجح، وله أن يبين أن قول معارضه مرجوح لأن كتمان العلم لا يجوز، وعلى كل مجتهد أن يذكر ما يعتقد أنه الحق، وإن خالف من خالف من الأئمة والعلماء والأقران.

وقد خالف ابن عمر وابن عباس وغيرهما رضي الله عنهما عمر بن الخطاب، وأبا بكر الصديق في متعة الحج، وأفتيا بخلافهما، هذا مع كمال الموالاة للصديق والفاروق وكان كل إمام وعالم يفتي بما يراه الصواب وإن خالف غيره، وقد قال الإمام مالك: "ما منا إلا رد ورد عليه إلا صاحب هذا القبر" يعني النبي صلى الله عليه وسلم.

6 - لا يجوز حمل الناس على الرأي الاجتهادي: لا يجوز لعالم مجتهد، ولا لإمام عام أن يحمل الناس على رأيه واجتهاده، وهذا كما أن الحاكم ليس له أن ينقض حكم غيره في مثل هذه المسائل، ولا للعالم والمفتي أن يلزم الناس باتباعه في مثل هذه المسائل، ولهذا لما استشار الرشيد مالكا أن يحمل الناس على موطئه في مثل هذه المسائل منعه من ذلك.

وقال: إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تفرقوا في الأمصار، وقد أخذ كل قوم من العلم ما بلغهم، وصنف رجل كتابا في الاختلاف، فقال أحمد: لا تسمِّه كتاب الاختلاف، ولكن سمه كتاب السعة.
ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا اجتمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالا، وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا، ورجل يقول هذا كان في الأمر سعة، وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه.

ولهذا قال العلماء المصنفون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أصحاب الشافعي رحمه الله وغيره: إن مثل هذه المسائل الاجتهادية لا تنكر باليد، وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها، ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية، فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه، ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه، ونظائر هذه المسائل كثيرة: مثل القراءة بالبسملة سرًّا أو جهرا، وترك ذلك، والتيمم بضربة أو ضربتين إلى الكوعين، أو المرفقين والتيمم لكل صلاة أو لوقت كل صلاة أو الاكتفاء بتيمم واحد، وقبول شهادة أهل الذمة بعضهم على بعض، أو المنع من قبول شهادتهم

الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق

Post: #794
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:02 AM
Parent: #701

من مظاهر أزمة الأخلاق
إن الأخلاق الحسنة هي أعظم ما تعتز به الأمم وتمتاز عن غيرها ، والأخلاق تعكس ثقافة الأمة وحضارتها ، وبقدر ما تعلو أخلاق الأمة تعلو حضارتها وتلفت الأنظار لها ويتحير أعداؤها فيها ، وبقدر ما تنحط أخلاقها وتضيع قيمها تنحط حضارتها وتذهب هيبتها بين الأمم ، وكم سادت أمة ولو كانت كافرة وعلت على غيرها بتمسكها بمحاسن الأخلاق كالعدل وحفظ الحقوق وغيره ، وكم ذلت أمة ولو كانت مسلمة وضاعت وقهرت بتضييعها لتلكم الأخلاق.

يقول شوقي رحمه الله:

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت **** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وبقدر بُعد مجتمع من المجتمعات أو أمة من الأمم عن محاسن الأخلاق ، واتصاف أبنائها بالأخلاق السيئة الرديئة يكون الضنك والشقاء، بما يعني أن هذا المجتمع يعاني أزمة أخلاقية ربما تؤدي إلى انهياره.
وفي هذا المقال نبين بعض مظاهر أزمة الأخلاق راجين من وراء التنبيه عليها إلى تجنبها والعمل على علاجها.

ومن أهم هذه المظاهر:

النفاق الاجتماعي
فبعض الناس يحسن اللعب على كل الحبال فتراه يأتي كل قوم أو مجموعة بما يحبون ولو كان ذلك مخالفا لما اتى به الآخرين بل لو كان مخالفا لمبادئه هو وقناعاته، فهو مع الجميع وإن كانوا متضادين لكن يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه آخر ، نعم.. لقد وصفه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذي الوجهين، وأخبر أنه من شرار الخلق؛ لعظم جرمه وفساد طويته وخبث محاولاته وبشاعة مواقفه وفساد صنيعه، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "تجدون من شرار الناس ذا الوجهين يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".

إن ذا الوجهين يجمع بمحاولاته بين مجموعة من المحرمات يرتكبها عمداً ومع سبق الإصرار تدفعه إلى ذلك نفسيته المريضة فتحمله على الكذب"وإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار". وتحمله تلك النفس الخبيثة على النميمة، واليمين الفاجرة واللعن والغيبة وكل ذلك جالب سخط الله عليه ووسائل هلكةٍ تعرضه للوعيد الشديد, قال سبحانه: {وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ*هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ*مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ}(10-12) سورة القلم.

المتكبرون المتفيهقون

ومن مظاهر أزمة الأخلاق عند بعض الناس حالة الكبر التي تسيطر عليهم، فيتعالون على خلق الله ويظنون أنهم أعلى من الناس وأفضل منهم، إنهم المتفيهقون الذين وصفهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ببعض صفاتهم حين سئل عنهم بأنهم المتكبرون؛ إذ من أبرز صفات المتكبر التعاظم في كلامه، والارتفاع على الناس في الحديث، وإذا كان مثقفاً فإنه يحاول التحدث بالغريب من الكلام إظهاراً لفضله، كما يحلو له! وازدراءً لغيره، تلك علة خلقية تشعر بضعف نفسية المتفيهق، ولذلك يكون بعيداً في الدنيا عن قلوب الناس، معزولاً عن خيارهم، مقروناً في الآخرة بمن أبغضهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حيث قال: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا, وإن أبغضكم إلي وأبعدكم مني مجلسا يوم القيامة الثرثارون والمتشدقون والمتفيهقون" قالوا: يا رسول الله قد علمنا الثرثارون والمتشدقون، فما المتفيهقون؟ قال: "المتكبرون".

إنهم يعيشون أزمة حقيقة سببها ضعف نفوسهم ومرض قلوبهم، إذ لو كانوا يعلمون ويفقهون لتواضعوا ولرفعهم الله بذلك التواضع عنده وعند خلقه:

تواضع تكن كالنجم لاح لناظر **** على صفحات الماء وهو رفيع
ولا تك كالدخـان يعـلـو بنفسـه **** على طبقات الجو وهـو وضيع

القنوات الفضائية والرويبضة

وإن مما أصاب الأمة في صميم أخلاقها انتشار القنوات الفضائية، وغزوها بيوت المسلمين، واستخدام هذه القنوات من قبل بعض الناس استخداماً مُخلاً بالإيمان، مخلاً بالشرف والمروءة والأخلاق وليته اقتصر في ذلك على نفسه بل جعل أولاده - ذكرهم وأنثاهم - في غياهب الظلمة، وأفسد عليهم أخلاقهم ودينهم بترك الحبل على الغارب تعاوناً منه مع أعداء الإسلام في إفساد الأمة من حيث يشعر أو لا يشعر، فصارت الأسرة بهذا الشكل تشاهد ما هب ودب في هذه القنوات إذ لم تشعر أن عليها رقيب فأثيرت الشهوات، وفسدت المروءات، وانتشر التبرج والسفور، والتشبه بالكفار والكافرات وبدأنا نرى صوراً غريبة في بعض بقاع العالم الإسلامي لمن هن من المسلمات، متبرجات كاسيات عاريات، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول عن مثل هؤلاء: "العنوهن فإنهن ملعونات".

ولقد رأينا شباباً من المسلمين يتسكعون في الطرقات، قد أثارتهم مثل هذه الصور الخليعات، فآذوا عباد الله في بناتهم وأخواتهم المؤمنات، كل ذلك هو من نتائج مشاهدة الأفلام والمسلسلات الخليعة التي انتشرت في بلاد المسلمين فتميعت أخلاق كثير من الشباب ، بل وصل الأمر إلى مواقعة الفواحش من زنا ولواط وغيره نسأل الله لنا ولهم الهداية والعافية..

ولا شك أن الإسلام يحرم الزنا، ويجعله من الفواحش والكبائر، ومن أجل خطورة هذا الموقف فقد حرم الإسلام المقدمات التي تؤدي إلى ذلك ومنها إطلاق البصر إلى الحرام قال تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ }(30) سورة النــور, وقال بعد هذا: {وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}(30) سورة النــور, وهنا دليل على أن عدم غض البصر يؤدي إلى الوقوع في الفاحشة، وقد قال -تعالى- محذراً من البصر الخائن: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ}(19) سورة غافر. وليس البصر وحده مقدمة للحرام، فهناك أيضاً السمع والقلب، {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} (36) سورة الإسراء.

وكثير من هذه القنوات جعلت من نفسها أبواقا للفتنة وإشاعة الفوضى والاضطراب في المجتمعات من خلال نشر الأكاذيب واستضافة التافهين ليتكلموا في الأمور الكبار التي تهم الأمة وتؤثر في حاضرها ومستقبلها،
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "سيأتي على الناس سنوات خداعة؛ يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة"، قيل: ومن الرويبضة يا رسول الله؟! قال: "الرجل التافه يتكلم في أمر العامة". رواه أحمد.

إن ديدنهم رواية الأخبار، ونقل الغث والصحيح، والصدق والكذب، ينتقل أحدهم من قناة إلى أخرى ممتطياً مطية الكذب، -قالوا كذا وزعموا كذا- دون تثبت في النقل أو وزن لما يحدث به، وذلك من أوضح البراهين على اعتلال خلقه وضعف نفسيته, يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "بئس مطية الرجل زعموا".

مع أن الشرع الحنيف قد أمر العباد بالتثبت قبل نقل الكلام أو اتخاذ قرار بناء على مجرد قيل وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات.

انتشار الكذب وخصوصا في البيع والشراء

بعض التجار هداهم الله لا يشكر الله فيما أنعم عليه من المال فتراه يكذب في وصف سلعته ويروجها بالأيمان الكاذبة ويغش المشتري ويسوم ويبيع على أخيه التاجر حسدا منه ولا يلتزم بشروط البيع من الضمان وغيره ويغلب عليه الجشع والبخل في تعامله مع الآخرين ، وقل من التجار من يراعي حدود الله في تجارته ويتحرى الإحسان إلى الخلق من إنظار المعسر وإقالة المشتري والنصح للناس والصدق في التعامل ، وقد كثر الغش في زماننا وقلت الأمانة.
ولأن التاجر الصدوق عملة نادرة فإنه يوم القيامة في منزلة عالية كما روي في الحديث: " التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقين والشهداء".

ولا شك أن هناك مظاهر أخرى كعقوق الوالدين والظلم والقسوة والسرقة وغيرها من مظاهر الأزمة الأخلاقية لكننا نكتفي بهذا القدر رغبة في الاختصار، وفي نهاية المقال لابد من توضيح أمر مهم وهو أن هذه الأمة كالغيث لا ينقطع خيرها ، ولا ينبغي لأحد أن يحكم على الأمة جمعاء بفقدها الخلق الحسن أو الفساد أو نحو ذلك من الأحكام الجائرة التي تشعر باليأس والإحباط والقنوط , وليس هذا سبيل المؤمن المتبصر في دينه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم". رواه مسلم.
وإنما المؤمن ينبه على الأخطاء ويعالجها ويحسن الظن بربه ولا يقطع الرجاء به , و يتفاءل في نظراته، إنما كان قصدنا هنا هو لفت النظر إلى هذه المظاهر السيئة لنتجنبها ونعالجها،ونسأل الله أن يتولانا والمسلمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد واله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #795
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:06 AM
Parent: #701

غـفرانك ربنا ما أعظمك
غريبةٌ تلك الحياة !! تدخلها صغيراً طاهراً نقياً من الذنوب , وتخرج منها وقد أثقلت كاهلك الذنوب ، الرب فيها بنعمته رباك ، ومن فيض جوده أطعمك وسقاك , مِن عُريٍ سَتركَ وكساك , وبِعينيهِ الرحِيمتَين رَعاك .
من زادِه أكلتَ وشَرِبت , وعلى أرضه نَشَأت ، وتحت سمائِه درجت .

نِعمُهُ عليك كثيرة ...ظاهرةً وباطنه.... {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها }.
في كل لحظةٍ له عليك امتِنان , وعن كل نَسمةٍ يستحق الشُكران , وأنت عن هذا كله قد غفلت .

تتظاهر بالغِنى عنهُ وهو الغني عنك ، وتُجاهِرهُ بالعصيان فيسترك , وتتطاول على محارمه فيمهلك .

تزداد عنه بعداً وهو دوماً منك قريب ، فسبحانه حين قال: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ }.
فسبحانك ربنا ، ما أحلمك!.
استغفر الله من ذنـب يُؤَرقُنـِــي ......... ويطرُدُ النوم عن عيني ويحزِنُني

استغفر الله كيف الرب أعصِيه ......... ونِعمةٌ منه في الإكرام تغــــمرني

كلنا يذنب ..... ولكن!!!

هناك فرق بين من يذنب فتراه بعد الذنب خائفاً وجِلاً , وبين ذلك الذي يذنب الذنب ولا يبالي , وربما ذُكر بأن هذا الذنب عصيان لله عز وجل , فإذا به يجعل الله أهون الناظرين إليه والعياذ بالله .

أخي في الله : قبل أن تفكر في الذنب فكر من هذا العظيم الكبير الجليل الذي تتجرأ عليه وتَتَقَحَمُ حماه ، وتبارزه بالذنوب والخطايا، فكأنك أخي لم تسمع قول الجبار سبحانه: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

تأمل في حجم السماوات والأرض الآن , وكيف سيكون حجمها وهي بيد الرحمن ,... فأين حجمك أنت حينها .

إياك ...إياك أخي في الله : أن تحقر شيئا من الذنوب وإن بدت لك أنها صغيرة، فإنها في حق الله جل وعلا كبيرة, فبقدر ما يصغر الذنب عندك... يعظم عند الله , وبقدر ما يعظم عندك , فإنه يصغر عند الله . فإياكم ومحقرات الذنوب فإن الصغير منها يدعو للكبير.

يقول ابن مسعود : إن المؤمن يرى ذنبه كجبل يخاف أن يقع عليه , وإن المنافق يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا .. أي أبعده بيده .
فمن أي الفريقين ترى نفسك عند ارتكابك للذنوب ؟!!.

أخي في الله :

إن كنت في دنياك قد أسرفت , وعن ربك قد ابتعدت , فتدارك نفسك مادام في العمر بقية ،
وابشر برب رحيم كريم حليم .
يقول الله تعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ}.

انظر إلى كرم الله ولطفه بك حتى وأنت مسرف على نفسك , لقد وعدك بغفران الذنوب كلها ولم يقل بعضها .

فماذا عساك تنتظر بعد ذلك , وما الذي عن طلب مغفرته يؤخرك . أقبل على الله ولا تتردد.
وأعقب كل معصية توبة , وكل خطيئة استغفارا ، وأبشر بكل خير.
فلا أحلم ولا أرحم من الله .

فهو الذي يأمر ملك السيئات حين تعصيه أن يمهلك ساعات قبل أن يكتبها عليك , رغبة منه أن تتوب منها.
إن أصبت حسنة حط عنك بها من السيئات ،وضاعفها لك عشرات المرات .
حتى وإن تماديت في ذنبك ، يظل الرب الرحيم يناديك ، وفي الكثير من آياته يدعوك .

يقول لك الله جل وعلا في الحديث القدسي : (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي ، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة).

عبد الله : لا تستكبر على الكبير وأنت الصغير ، ولا تستغن عن الغني وأنت الفقير.
وأعلم انك لو مكثت سنوات طوالا في عصيانه , ثم أتيته يوما صادقا ترجو القبول , فسيفتح لك الأبواب , ويقول لك سبحانه : ( عبدي أطعتنا فقربناك , وعصيتنا فأمهلناك , وإن عدت إلينا قبلناك )
فسبحانك يا ربي ما أعظمك ............. سبحانك يا ربي ما أحلمك.

يقول صلى الله عليه وسلم: (أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ..... ثُمَّ عَادَ ، فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ،... ثُمَّ عَادَ ، فَأَذْنَبَ ، فَقَالَ : أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي ، فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا ، فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ ، وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ , قد غفرت لعبدي فليفعل ماشاء ).
وقوله فليفعل ما شاء أي مادام أنه على هذه الحال يستغفر عن كل ذنب يقع منه.
اللهم إنك تعلم أنا نحبك وإن كنا نعصيك , فاغفر لنا يا الله

عادل محماس الرقاص-اسلام ويب

Post: #796
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:08 AM
Parent: #701

إن موالاة الكفار صفة متأصلة في نفوس المنافقين لا تنفك عنهم لحظة ، ولو لم يكن من صفات المنافقين إلا هي لكفت لمعرفتهم ، وأصل الموالاة : إظهار المودة بالأقوال والأفعال .

وهي عند العلماء : متابعة غير المسلمين ، ومحبتهم ، والميل إليهم ، وما يتبع ذلك من نصرتهم ومصاحبتهم ، ومصادقتهم ، ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أوثق عرى الإيمان الموالاة في الله والمعاداة في الله والحب في الله والبغض في الله ".

فالمؤمن الحق لا يمكن أن يوالي غير المؤمنين، أما المنافقون فإنهم يميلون لهؤلاء الكفار، وقد بين الله تعالى أن هذه صفة من صفات المنافقين وتوعدهم عليها: { بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (139) وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعًا (140) الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا (141)}.(النساء).

رأس المنافقين ابن سلول وموالاة اليهود

لئن كان المنافقون في كل زمان ومكان يوالون الكافرين ويحبونهم وينصرونهم على المؤمنين فإن قدوتهم في ذلك هو رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول عليه من الله ما يستحقه، فقد انحاز إلى أشد الناس عداوة للمؤمنين وهم اليهود في أكثر من موقف، فحين تمكن الغيظ من قلوب يهود بني النضير نتيجة ما من الله به على المؤمنين من نصر وعز وتمكين وكادوا للإسلام وأهله، وظهرت رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في معاقبتهم على خيانتهم وكيدهم وإظهار العداوة للمسلمين، أرسل إليهم بن سلول يقول:

اثبتوا وتمنعوا، ولا تخرجوا من دياركم، فإن معي ألفين يدخلون معكم حصنكم فيموتون دونكم، وفيهم أنزل الله -تعالى-: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَدًا أَبَدًا وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ . لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (الحشر:11-12).

وكما تلحظ من الآيات الكريمة فإنها حوت نبوءة وبشارة، أما النبوءة فهي ما أخبر الله به من أمر غيبي من أن هؤلاء المنافقين لن يخرجوا مع هؤلاء اليهود ولن يقاتلوا معهم إن كان قتال، وقد وقع ما اخبر الله تعالى به، وأما البشارة فهي ما بشر الله به المؤمنين من هزيمة الكافرين والمنافقين.

ويوالي بني قينقاع
فحين غدر اليهود من بني قينقاع ونقضوا العهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فحاصرهم وطال عليهم الحصار حتى نزلوا على حكمه وبمقتضاه يقتل المقاتلون من اليهود، فقام المنافق ابن سلول يجادل عنهم ويشفع فيهم ،روى ابن إسحاق: "فَحَاصَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ، فَقَامَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابن سَلُولَ، حِينَ أَمْكَنَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، أَحْسِنْ فِي مَوَالِيَّ، وَكَانُوا حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ، قَالَ: فَأَبْطَأَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَحْسِنْ فِي مُوَالِيَّ، قَالَ: فَأَعْرَضَ عَنْهُ. فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي جَيْبِ دِرْعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرْسِلْنِي، وَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى رَأَوْا لِوَجْهِهِ ظُلَلاً، ثُمَّ قَالَ: وَيْحَكَ! أَرْسِلْنِي، قَالَ: لا وَاَللَّهِ لا أُرْسِلْكَ حَتَّى تُحْسِنَ فِي مواليّ، أَربع مائَة حاسر، وَثَلاث مائَة دَارِعٍ قَدْ مَنَعُونِي مِنْ الأَحْمَرِ وَالأَسْوَدِ، تَحْصُدُهُمْ فِي غَدَاةٍ وَاحِدَةٍ، إنِّي وَاَللَّهِ امْرُؤٌ أَخْشَى الدَّوَائِرَ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هُمْ لَكَ" (سيرة ابن هشام).

قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: فنزل قول الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ . فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ . وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَهَؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خَاسِرِينَ . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ . إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ . وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ) (المائدة:51-56).

فأهل النفاق يوالون الكفار طمعا فيما عندهم من دنيا

كما قال الله تعالى عنهم: {الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللَّهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً}(النساء 141).

يقول ابن كثير - رحمه الله -: يُخبِر - تعالى - عنِ المنافقين أنهم يتَرَبَّصون بالمؤمنين دوائر السوء، بمعنى: ينتظرون زوال دولتهم، وظهور الكُفر عليهم، وذهاب ملتهم، {فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ}؛ أي: نَصْر وتأييد وظفر وغنيمة، {قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ}؛ أي: يتودَّدُون إلى المؤمنين بهذه المقالة، {وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ}؛ أي: إدالة على المؤمنين في بعض الأحيان كما وقع يوم أحد، فإنَّ الرسُل تبتلى ثم يكون لها العاقبة.

ويحسدون أهل الإيمان على ما آتاهم الله من فضله:

كما قال - سبحانه -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ * هَا أَنْتُمْ أُولاَءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ}(آل عمران 118-120).

يقول ابن كثير - رحمه الله -: "يقول - تبارك وتعالى - ناهيًا عباده المؤمنين عن اتِّخاذ المنافقين بطانة؛ أي: يطلعونهم على سرائرهم، وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالاً؛ أي: يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكلِّ مُمكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم.

ثم قال تعالى: {قَدِ بَدَتِ البَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر}؛ أي: قد لاح على صفحات وجوههم، وفلتات ألسنتهم من العداوة، مع ما هم مشتملون عليه في صدورهم من البغضاء للإسلام وأهله ما لا يخفى مثله على لبيب عاقل، ولهذا قال تعالى: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ}.

قال تعالى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}، ذلك أشدُّ الغيظ والحنق، قال الله تعالى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}، أي: مهما كنتم تحسدون عليه المؤمنين ويغيظكم ذلك منهم، فاعلموا أنَّ الله متِمٌّ نعمته على عبادِه المؤمنين، ومكملٌ دينه، ومعلنٌ كلمته، ومظهرٌ دينه، فموتوا أنتم بغيظكم؛ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ}؛ أي: هو عليم بما تنطوي عليه ضمائركم، وتكنُّه سرائركم من البغضاء والحسد والغلّ للمؤمنين، وهو مجازيكم عليه في الدنيا بأن يريكم خلاف ما تؤمِّلون، وفي الآخرة بالعذاب الشديد في النار التي أنتم خالدون فيها، لا محيد لكم عنها، ولا خروج لكم منها.

والمقصود أن المنافقين دائما يوادون الكفار ويوالونهم، والمنافقون في زماننا أفراد وربما دول وفضائيات وصحف....
نسأل الله أن يحفظ أمتنا من كل مكروه وسوء، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #797
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:10 AM
Parent: #701

صفات المنافقين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد تحدثنا في مقال سابق عن ثلاث صفات من صفات المنافقين، وفي مقالنا هذا نكمل الحديث عن بعض الصفات الأخرى فيهم وفقا لما ورد في سورة البقرة.

الصفة الرابعة: يفسدون ويزعمون الإصلاح!

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ قَالُواْ إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} قال أبو العالية: أي لا تعصوا في الأرض، وكان فسادهم ذلك معصية لله؛ لأنه من عصى الله في الأرض أو أمر بمعصيته فقد أفسد في الأرض؛ لأن صلاح الأرض والسماء بالطاعة. وعن مجاهد قال: إذا ركبوا معصية الله فقيل لهم: لا تفعلوا كذا وكذا، قالوا: إنما نحن على الهدى مصلحون. ( ابن كثير (1/52).

قال ابن جرير الطبري: فأهل النفاق مفسدون في الأرض بمعصيتهم فيها ربهم، وركوبهم فيها ما نهاهم عن ركوبه، وتضييعهم فرائضه، وشكهم في دينه الذي لا يقبل من أحد عمل إلا بالتصديق به، والإيقان بحقيقته، وكذبهم على المؤمنين بدعواهم غير ما هم عليه مقيمون من الشك والريب، ومظاهرتهم – أي معاونتهم- أهل التكذيب بالله وملائكته وكتبه ورسله على أولياء الله إذا وجدوا إلى ذلك سبيلاً، فذلك إفساد المنافقين في الأرض وهم يحسبون أنهم بفعلهم ذلك مصلحون فيها...

قال ابن كثير بعد ما نقل كلام ابن جرير: وهذا الذي قاله حسن؛ فإن من الفساد في الأرض: اتخاذ المؤمنين الكافرين أولياء، كما في الآية: { والذين كفروا بعضهم أولياء بعض...} ثم قال في تفسير الآية أيضاً: نريد أن نداري – نداهن- الفريقين من المؤمنين والكافرين ونصطلح مع هؤلاء وهؤلاء كما ذكر ذلك ابن عباس.

ثم قال تعالى: {أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لاَّ يَشْعُرُونَ} أي: ألا إن هذا الذي يعتمدونه ويزعمون أنه إصلاح هو عين الفساد، ولكن من جهلهم لا يشعرون بكونه فساداً.

الصفة الخامسة: الاستهزاء بالمؤمنين الصادقين:

قال تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُواْ كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُواْ أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاء أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاء وَلَكِن لاَّ يَعْلَمُونَ} أي إذا قيل للمنافقين: آمنوا كما آمن الناس، وذلك بأن يصدقوا بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وشرعه، كما آمن الناس الصادقون من الصحابة والتابعين ومن تبعهم في الهداية، كان الرد منهم على هذا الجواب رداً قبيحاً يدل على تعالي نفوسهم التي هي دنيئة أصلاً، فما كان منهم إلا أن قالوا مباشرة (أنؤمن كما آمن السفهاء) ويقصدون بالسفهاء: كل من آمن بالله ورسوله وصدق وعلم بما شرعه الرسول - صلى الله عليه وسلم -.. والمنافقون كانوا يأنفون ويترفعون من هذا الاستسلام للرسول -صلى الله عليه وسلم-، ويرونه خاصاً بفقراء الناس غير لائق بالعلية ذوي المقام! ومن ثم قالوا قولتهم هذه.. ومن ثم جاءهم الرد الحاسم، والتقرير الجازم: (ألا إنهم هم السفهاء ولكن لا يعلمون). ومتى علم السفيه أنه سفيه؟ ومتى استشعر المنحرف أنه بعيد عن المسلك القويم؟!.

فالمنافق يرى أنه بفعله ذلك ذكيٌ عالمٌ، والكافر يظن أنه بكفره على الحق والجادة، والشيطان يزين ويزخرف الأهواء والباطل على أنها حقائق محضة، فيصدقه الطغام، ويتبعه الجهلاء وهم لا يعلمون أنهم بفعلهم ذلك قد انحرفوا عن جادة الحق وطريق الإيمان..

وهذا المعنى يتكرر في كل زمان ومكان.. وهذه الصفة الخبيثة من المنافقين لا يخلو منها عصر ولا مصر، وهي صفتهم في الاستهزاء بالمؤمنين.. فكلما أراد رجل أن يهتدي ويستقيم، وكلما أراد شاب أن يحافظ على دينه في زمن الفتن، كان أولئك له بالمرصاد: أتصدق هؤلاء... تعال معنا حتى نلعب ونلهو.. احذر أولئك فإنهم فارغون وليس لهم هم إلا مساجدهم أو مصالحهم.. ومنهم من يكرر تلك المقولة بألفاظ أخرى: هؤلاء المتدينون الذين يطلق عليهم اليوم – مطاوعة- ما دخلوا المساجد إلا لأنهم فارغون ليس لديهم أعمال وهم من رعاع الناس، ويزعمون أن من يستقيم على شرع الله تعالى مصاب بعقد نفسية...إلخ.

الصفة السادسة: موالاة الكافرين ومعاونتهم على المؤمنين:

قال تعالى: {وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُواْ إِنَّا مَعَكْمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُونَ اللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ}

وهذه صفة من أخبث الصفات؛ لأنها تخالف الفطرة جملة وتفصيلاً، وهي إلى جانب كونها تخالف الفطرة التي فطر الإنسان عليها لا تليق بالرجال، أما وجه مخالفتها للفطرة فالإنسان فطر على الحق والصدق والصراحة وعدم المراوغة أو الخداع أو الظهور بأكثر من وجه أمام الناس.

وأما كونها لا تليق بالرجال: فلأن لفظ الرجل يدل على العزة والقوة وليس كل ذكر رجلاً...ولهذا مدح الله المؤمنين بأنهم رجال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ }.

والمقصود أن هذه الصفة صفة ذميمة وهي أن يكون الرجل ذا لسانين أو ذا وجهين.. فإذا ما لقي المؤمنين قال: نحن معكم وآمنا كما آمنتم بل وصلى معهم وصام وربما شاركهم في كثير من الأعمال.. وإذا ذهب إلى شياطينه – شياطين الإنس- وهم سادته وكبراؤه وأصحابه الذين هم في الأصل كفار ولا يقرون لله بالطاعة قالوا لهم:( إنا معكم) أي نحن على مثل ما أنتم عليه، ولا يمكن أن نفارقكم أو نفارق ما أنتم عليه (إنما نحن مستهزؤون) أي: إنما كان موافقتنا للمؤمنين وقولنا لهم (آمنا) إنما كان ذلك منا استهزاءً وسخرية بهم؛ لأنهم أدنى منكم منزلة – بزعمهم-.

( إن بعض الناس يحسب اللؤم قوة، والمكر السيء براعة.. وهو في حقيقته ضعف وخسة.. فالقوي ليس لئيماً ولا خبيثاً.. ولا خادعاً ولا متآمراً.. ولا غمازاً في الخفاء لمازاً.. وما يكاد القرآن يحكي فعلتهم هذه وقولتهم، حتى يصب عليهم من التهديد ما يهد الجبال الرواسي: ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) وما أبأس من يستهزئ به جبار السماوات والأرض وما أشقاه!! وإن الخيال ليمتد إلى مشهد مفزع رعيب، وإلى مصير تقشعر من هوله القلوب، وهو يقرأ ( الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون) فيدعهم يخبطون على غير هدى في طريق لا يعرفون غايته،وهذا هو الاستهزاء الرهيب، لا كاستهزائهم الهزيل الصغير).

قال قتادة رحمه الله في قول الله: (( وإذا خلوا إلى شياطينهم)) أي: إلى رؤوسهم وقادتهم في الشرك والشر، وبنحو ذلك فسره أبو مالك وأبو العالية والسدي والربيع بن أنس. قال ابن جرير رحمه الله: وشياطين كل شيء مردته، ويكون الشيطان من الإنس والجن، كما قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (112) سورة الأنعام. وفي المسند عن أبي ذر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعوذ بالله من شياطين الإنس والجن). فقلت: يا رسول الله وللإنس شياطين؟! قال: (نعم).

وقال ابن عباس في قوله تعالى: (( الله يستهزئ بهم)) أي: يسخر بهم للنقمة منهم... وقوله تعالى: ((ويمدهم في طغيانهم يعمهون)). أي يملي لهم ويزيدهم في ما هم عليه من الطغيان ثم يأخذهم كما قال: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ } (55/ 56) سورة المؤمنون وقال: {سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ} (182) سورة الأعراف. قال بعضهم: كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة، وهي في الحقيقة نقمة. والطغيان: هو المجاوزة في الشيء كما قال تعالى: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاء حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ } (11) سورة الحاقة.

وقوله (يعمهون): أي في كفرهم وضلالهم الذي غمرهم دنسُه وعلاهم رجسُه يترددون حيارى ضلالاً لا يجدون إلى المخرج منه سبيلاً؛ لأن الله قد طبع على قلوبهم وختم عليها، وأعمى أبصارهم عن الهدى، وأغشاهم فلا يُبصرون رشداً، ولا يهتدون سبيلاً. قاله ابن جرير.

ثم بيَّن الله -تعالى- عاقبتهم وخِسة فعلهم ونتيجة مساوئهم السابقة، وأنهم قد خسروا بصنيعهم هذا خسراناً كبيراً، فقال: {أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ} أولئك: إشارة إلى من تقدمت صفاتهم الدنيئة.. (الذين اشتروا الضلالة بالهدى): أي عدلوا عن الهدى إلى الضلال، واعتاضوا عن الهدى بالضلالة،( لقد كان الهدى مبذولاً لهم، وكان في أيديهم، ولكنهم اشتروا الضلالة بالهدى، كأغفل ما يكون المتجرون، (( فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين)). أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة، وما كانوا مهتدين في صنيعهم ذلك، قال قتادة: قد – والله – رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة.

هذه بعض صفات المنافقين التي ذُكرت في أول سورة البقرة، وهناك صفات أخرى ذكرت في كثير من سور القرآن، ومنها سورة التوبة التي فضحت خبايا نفوسهم ولهذا سميت بـ( الفاضحة)، وكذا سورة (المنافقون)، لعلنا نتعرض لها في مقالات أخرى قادمة إن شاء الله تعالى.

نسأل الله تعالى أن يجنبنا مساوئ الأخلاق والأفعال والأقوال، وأن يطهر قلوبنا من النفاق وأعمالنا من الرياء وألسنتنا من الكذب، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
إمام المسجد (بتصرف يسير)

Post: #798
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:13 AM
Parent: #701

الفرح بطاعة الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن سار على هداه، وبعد:

فإن الناس في هذه الدنيا يفرحون لأسباب كثيرة، فمنهم من يفرح إذا ترقى في وظيفته وعمله، ومنهم من يفرح إذا جاءته زيادة في راتبه أو ربح في تجارته، ومنهم من يفرح إذا رزق بمولود...وكل هذه أسباب مشروعة للفرح إذا لم تؤد إلى أشر أو كبر أو بطر، لكن أعظم أسباب الفرح عند الصالحين حين يوفقون في أمر من أمور الآخرة ويزدادون قربا من الله تعالى بزيادة في علم أو عمل صالح، قال الله تعالى:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} (سورة يونس57-58).

لما قدم خراج العراق إلى عمر بن الخطاب، خرج عمر ومولى له فجعل عمر يَعدّ الإبل ، فإذا هي أكثر من ذلك ، فجعل عمر يقول : الحمد لله ، وجعل مولاه يقول : يا أمير المؤمنين هذا من فضل الله ورحمته ، فبذلك فليفرحوا . فقال عمر : كذبت، ليس هو هذا ، يقول الله تعالى : ( قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا ) يقول بالهدى والسنة والقرآن فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ، وهذا مما يجمعون.

هذا هو الفرح الحقيقي

إن الفرح الحقيقي هو الفرح بطاعة الله وبفضله ، فالفرح بالطاعة، كقدوم رمضان، والحج، بمواسم العبادة، الفرح بيوم عرفة، الفرح بالأضحية، الفرح بصيام عاشوراء، الفرح بستة من شوال، الفرح بختم القرآن، الفرح بالتوفيق للصدقة، الفرح بنصر الله، نسأل الله أن ينصر المسلمين، والذين يفرحون بمثل هذا ويستقيمون على شرع الله يرجى أن يفرحوا يوم القيامة بما قدموا من الصالحات:{ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا}(الانشقاق:7-9).

فكما فرحوا في الدنيا بطاعة الله تعالى سيفرحون إن شاء الله بثوابها يوم لا ينفع مال ولا بنون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن فرح الصائمين بثواب صيامهم: "للصائم فرحتان: فرحة حين يفطر، وفرحة حين يلقى ربه، ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك".

أمور فرح بها الصالحون

هناك في السيرة والتاريخ نماذج مباركة لأمور فرح بها الصالحون، فهؤلاء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جلسوا حوله وأتى رجل فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة، فقال: متى الساعة؟ قال: "وماذا أعددت لها؟" قال: لا شيء إلا أني أحب الله ورسوله، قال: "أنت مع من أحببت" قال أنس: فما فرحنا بشيء فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنت مع من أحببت". لماذا فرحوا بهذا؟ لأنهم يحبون رسول الله وأبا بكر وعمر ويرجون من خلال هذه البشارة أن يجمعهم الله تعالى مع هؤلاء الذين هم من أهل الجنة يقينا.

وهذا أُبي بن كعب رضي الله عنه لما قال له النبي عليه الصلاة والسلام: "إن الله أمرني أن أقرأ عليك:{ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب...} (سورة البينة)قال أبي رضي الله عنه: وسماني؟ قال: "نعم" فبكى أبي رضي الله عنه من شدة الفرح.

فرح أبي هريرة

فرح أبو هريرة رضي الله عنه بإسلام أمه رضي الله عنها حين أسلمت، قال: كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة، ودعوتها يوماً وأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيته عليه الصلاة والسلام وأنا أبكي قلت: يا رسول الله إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم اهد أم أبي هريرة" قال أبو هريرة:

فخرجت مستبشراً بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فصرت إلى الباب -يعني: عند باب بيت والدته- فإذا هو مجاف -يعني: مغلق- فسمعت أمي خشف قدمي ،فقالت: مكانك يا أبا هريرة، وسمعت خضخضة الماء، قال: فاغتسلت ولبست درعها وعجلت عن خمارها ففتحت الباب ثم قالت: يا أبا هريرة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، قال: فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيت وأنا أبكي من الفرح، قلت: يا رسول الله أبشر قد استجاب الله دعوتك، وهدى أم أبي هريرة، فحمد الله وأثنى عليه وقال خيراً، قلت: يا رسول الله ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين، ويحببهم إلينا، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبب عُبيدك هذا -يعني: أبا هريرة- وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين"، يقول أبو هريرة: فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني.

فرح أبي بكر الصديق

حين أذن الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم بالهجرة قصد دار الصديق أبي بكر رضي الله عنه وقت الظهيرة، فأقبل النبي عليه الصلاة والسلام متقنعاً مغطياً رأسه ، ففزع أبو بكر لأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يأيتهم في تلك الساعة .. يدخل النبي عليه الصلاة والسلام فيقول : يا أبا بكر أخرج من عندك . قال أبو بكر : إنما هم أهلك يا رسول الله . قال :فإني قد أذن لي في الخروج . قال أبو بكر : الصحبة بأبي أنت يا رسول الله . فقال : نعم . فبكى أبو بكر ولسان حاله يقول :

طفح السرور علي حتى إنني من عظم ما قد سرني أبكاني

روي عن عائشة أنها قالت : فما شعرت أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ.

فرح الرسول صلى الله عليه وسلم

كان النبي عليه الصلاة والسلام يفرح بإسلام الناس ونجاتهم من النار، مثلاً حين مرض غلام يهودي وأتاه النبي عليه الصلاة والسلام يعوده قعد عند رأسه وقال: "أسلم" وأبوه بجواره فقال: أطع أبا القاسم ، فأسلم الغلام ثم مات، ففرح النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه وخرج وهو يقول: "الحمد لله الذي أنقذه بي من النار".

كما كان عليه الصلاة والسلام يفرح إذا حصل لبعض أصحابه خير، كما فرح بتوبة الله على كعب بن مالك الذي كان قد تخلف عن غزوة تبوك بغير عذر، فلما تاب الله عليه فرح حتى كان يبرق وجه النبي عليه الصلاة والسلام من السرور ولما جاءه كعب قال له: "أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك".

ويفرح لأن بعض أصحابه حصل أو وصل إلى نتيجة عظيمة في العلم، مثل أُبي رضي الله عنه حين علم أي آية في كتاب الله أعظم ، فقال: "ليهنئك العلم أبا المنذر".

يفرح بسماع الكلام الجميل الذي يدل على الصدق وقوة الإيمان، لما قال المقداد في يوم بدر للنبي عليه الصلاة والسلام: لا نقول كما قالت بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون، ولكن نقاتل عن يمينك وعن يسارك، ومن بين يديك ومن خلفك، فأشرق وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وسره ذاك.

فرح بمبادرة الصحابة إلى طاعة الله، لما دعاهم للتصدق وجاء واحد بصرة كادت كفه تعجز عنها، بل قد عجزت، وتتابع الناس، حتى اجتمع كومان من طعام وثياب، قال الراوي: "حتى رأيت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلل كأنه مذهبة".

وفرح حين فتح الله عليه مكة

قال عبد الله بن مغفل رضي الله عنه : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجِّع .
وفي رواية : يقرأ وهو على ناقته أو جمله وهي تسير به وهو يقرأ سورة الفتح - أو من سورة الفتح - قراءة لينة يقرأ وهو يرجِّع. ( والترجيع هنا يعني تحسين الصوت، والقراءة بصوت جميل يعين السامع على الخشوع والتذوق للمعاني).

ونبي الله صلى الله عليه وسلم حين دخل مكة فاتحـاً لم يحمله الفرح على الكبر والبطر، بل كان متواضعا خاضعا حتى إن ذقنه ليكاد يمسّ رحله من تواضعه لله عز وجل ، مع أنه في موطن نصر وعِـزّ وتمكين وغلبة على أعدائه .

نسأل الله تعالى أن يرزقنا الفرح بطاعته وأن يمن على المسلمين بالنصر والعزة والتمكين، وأن يقر أعيننا بتحكيم شريعته في أرضه؛ إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #799
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:15 AM
Parent: #701

بين عام يمضي وعام يأتي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
ففي تتابع الأيام والأعوام آية وعبرة لكل معتبر: { وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)}(الفرقان).
والحق أن كل يوم يمضي يقرب الإنسان من أجله، كما قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ابن آدم، إنما انت أيام مجموعة كلما مضى يوم مضى بعضك.

وهذه الأيام التي نقطعها لا تعود إلى يوم القيامة، كما قال الحسن البصري رحمه:

ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: ابن آدم: أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فاغتنمني ؛ فإني لا أعود إلى يوم القيامة.
ثم إن هذه الأيام هي خزائن الأعمال، وستفتح بين يدي من لا تخفى عليه خافية: { يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}( آل عمران)، ويقول الله تعالى: { فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}(الزلزلة).

وإذا كان الأمر كذلك فحري بالعبد أن يحاسب نفسه الآن قبل فوات الأوان، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا، فإن أهون عليكم في الحساب غداً أن تحاسبوا أنفسكم اليوم، وتزينوا للعرض الأكبر، يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية.

وربنا تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [الحشر:18،19].

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى:( أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم، واعلموا أنه عالم بجميع أعمالكم وأحوالكم لا تخفى عليه منكم خافية).
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: (فإذا كان العبد مسؤولا ومحاسبا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه، كما قال تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36)}(الإسراء) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب).

صور مشرقة من محاسبة الصالحين ومراجعتهم لأنفسهم

إذا نظرنا إلى أحوال الصالحين لوجدنا عجبا ، حيث كانوا أشد محاسبة لنفسهم من الشريك الشحيح لشريكه.

أبو بكرالصّدِّيق يحاسب نفسه
فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يدخل عليه عمر فيراه ممسكا بلسانه يشده ويضغط عليه وهو يقول: هذا الذي أوردني الموارد. سبحان الله يفعل ذلك وهو الذي اجتمعت فيه خصال في يوم لم تجتمع في عبد إلا دخل الجنة، بل هو الذي يدعى من أبواب الجنة كلها.

أما عمر الفاروق رضي الله عنه فشأنه في محاسبة نفسه عجيب وعظيم، يدخل يوما بستانا يخلو فيه بنفسه فيقول لنفسه: عمر بن الخطاب أمير المؤمنين ، بخ ( كلمة استحسان) والله لتتقين الله أو ليعذبنك.

ويأتيه يوما رجل يشكو له وعمر مشغول بأمر من امور المسلمين فقال للرجل: تتركون الخليفة حين يكون فارغا حتى إذا شغل بأمر المسلمين أتيتموه؟ ثم ضربه بالدرة، فانصرف الرجل حزينا، وتذكر عمر أنه ظلم الرجل فدعاه فأعطاه الدرة وقال له:

اضربني كما ضربتك، فأبى الرجل وقال: بل أتركها لله ولك، فقال عمر: إما ان تتركها لله وحده، وإما ان تأخذ حقك، فقال الرجل: أتركها لله، فانصرف عمر إلى منزله فصلى ركعتين ثم جلس يقول لنفسه: إيه يا ابن الخطاب: كنت وضيعا فرفعك الله، وضالا فهداك الله، وضعيفا فأعزك الله وجعلك خليفة فأتى رجل يستعين بك على دفع الظلم فظلمته، ما تقول لربك غدا إذا اتيته؟ وظل هكذا حتى أشفقوا عليه رضي الله عنه وأرضاه.

اما الأحنف بن قيس رضي الله عنه ذلك الرجل الذي قالوا عنه: ما رأينا أحدا أعظم سلطانا على نفسه من الأحنف بن قيس، فإنه كان شديد المحاسبة لنفسه، كان يقرب يده من المصباح فإذا استشعر حرارته قال لنفسه: يا حُنيف (يصغر نفسه) ما حملك على ما صنعت يوم كذا ويوم كذا؟.

عمر بن عبد العزيز يحاسب نفسه

فعن عطاء قال: دخلتُ على فاطمة بنت عبد الملك بعد وفاة عمر بن عبد العزيز ، فقلت لها : يا بنت عبد الملك ، أخبريني عن أمير المؤمنين ، قالت : أفعل، ولو كان حيّاً ما فعلت !.
إن عمر رحمه الله كان قد فرغ نفسه وبدنه للناس، كان يقعد لهم يومه ، فإن أمسى وعليه بقية من حوائج يومه وصله بليله ، إلى أن أمسى مساء وقد فرغ من حوائج يومه ، فدعا بسراجه الذي كان يسرج له من ماله ، ثم قام فصلى ركعتين ، ثم أقعى ( أي استند) واضعاً رأسه على يده تتسايل دموعه على خده ، يشهق الشهقة فأقول :

قد خرجت نفسه ، وانصدعت كبده ، فلم يزل كذلك ليلته حتى برق له الصبح ، ثم أصبح صائماً ، قالت: فدنوت منه. فقلت : يا أمير المؤمنين ، رأيت شيئا منك البارحة ما رأيته قبل ذلك ، فما كان منك ؟ قال: أجل، فدعيني وشأني وعليك بشأنك ، قالت: فقلت له : إني أرجو أن أتعظ ، قال:

إذن أخبرك، إني نظرت إليّ فوجدتني قد وليت أمر هذه الأمة صغيرها وكبيرها ، وأسودها وأحمرها، ثم ذكرت الغريب الضائع ، والفقير المحتاج ، والأسير المفقود وأشباههم في أقاصي البلاد وأطراف الأرض ، فعلمت أن الله سائلني عنهم ، وأن محمدا صلى الله عليه وسلم حجيجي فيهم، فخفت ألا يثبت لي عند الله عذر، ولا يقوم لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة؛ فخفت على نفسي خوفاً دمعت له عيناي، ووجل له قلبي ، فأنا كلما ازددت لها ذكراً ازددت لهذا وجلاً ، وقد أخبرتك فاتعظي الآن أو دعي.

علام يحاسب العبد نفسه؟

أولاً: البدء بالفرائض، هل أداها على الوجه المطلوب؟ وهل كانت خالصة لله تعالى أم شابها شوائب الرياء والسمعة؟ فإذا رأى فيها نقصاً أو تقصيرا تداركه بإصلاح وسد النقص، وجاهد نفسه على تخليصها من شوائب الرياء والسمعة.

ثانياً : النواهي التي نهى الله عنها كالربا والزنا وشرب الخمر وقطيعة الرحم والغيبة والنميمة...إلخ، فإذا عرف أنه ارتكب منها شيئاً تداركه بالتوبة والندم والاستغفار والحسنات الماحية من نوافل الصلوات والصدقة وغير ذلك.

ثالثاً : محاسبة النفس على الغفلة ويتدارك ذلك بالذكر والإقبال على الله وتلاوة القرآن والمحافظة على الأذكار الراتبة كأذكار الصباح والمساء والنوم والاستيقاظ وغيرها، وكذلك الأذكار المطلقة التي لا تتقيد بوقت ولا بعدد.

رابعاً: محاسبة النفس على حركات الجوارح، من كلام اللسان، ومشي الرجلين، وبطش اليدين، ونظر العينين، وسماع الأذنين، ماذا فعلت ؟ وهل هو مباح أم حرام ؟ وماذا أراد بهذا؟ ولمن فعله؟.

فإن كانت الإجابة ترضي الله تعالى فبها ونعمت، وإن كانت غير ذلك توقف وأصلح وأعد للسؤال بين يدي الله تعالى جوابا.
ونختم بقول الحسن البصري رحمه الله تعالى إذ يقول:

المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة.

نسأل الله أن يوفقنا والمسلمين لكل خير، صلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #800
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:19 AM
Parent: #701

أسباب انشرح الصدر
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره... أما بعد:
لقد خلق الله الإنسان في هذه الحياة وهيّأ له من الأسباب والمسببات ما يضمن له صلاح حياته القلبية والبدنية، إن هو أحسن استغلالها وترويض نفسه عليها، فالإنسان في هذه الدنيا في مجاهدة مع أحوالها {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ } (البلد:4) مكابدة لنفسه، ومكابدة لنزعات الشيطان، ومكابدة لمصاعب الحياة ومشاقها وأهوالها، يَغلبُ تارةً ويُغلبُ أخرى، يفرح ويحزن، يضحك ويبكي، وهكذا دواليك. فالحياة لا تصفو لأحد من أكدارها.

يختلف الناس في خوض معتركها، يتعثر أقوام فيستبطئون ويبادر آخرون إلى جهاد أنفسهم فيعانون، وقد تعاودهم أكدار الحياة كرة بعد أخرى.

وإن من أكدار الحياة حالة تنتاب كثيراً من الناس، بل لو قيل : لا يسلم منها أحد ، لم يكن ذلك بعيداً، والناس فيها بين مقل ومستكثر.

إن ضيق الصدر وما ينتاب المسلم من القلق والأرق أحياناً، مسألة قد تمر على كل واحد منا، تطول مدتها مع قوم وتقصر مع آخرين.

ترى الرجل إذا أصابته تلك الحالة كئيباً كسيراً تتغير حاله، وتتنكر له نفسه، قد يعاف الطعام والشراب، بكاء وحزن، وحشة وذهول، وقد تغلب أحدهم نفسه، فيشكو أمره إلى كل من يجالسه ويهاتفه، دون أن يجاهد نفسه طرفة عين.

يراه جليسه ومن يشاهده فيرى عليه من لباس الهم والغم ما الله به عليم، يستسلم للشيطان بجميع أحاسيسه، فيُظهر لك من اليأس والقنوط والشكوى، ما يغلق أمامك الكثير من أبواب الفرج والتنفيس، حتى إن بعض أولئك يوغل في الانقياد لتلبيس الشيطان، ويكاد أن يقدم على خطوات تغير مجرى حياته، من طلاق للزوجة، وترك للوظيفة، وانتقال عن المنزل، وما يتبع ذلك، وقد يصل أمره إلى الانتحار، مما يدل على عظم تلبيس إبليس عليه.

إن للهمّ أسباباً حسّية ومعنوية، وقد يكون الهم مفاجئاً لصاحبه لا يعرف له سبباً.
شاهد المقال: أن حالة ضيق الصدر، تجعل العبد أحياناً حبيس الهواجس والوساوس ؛ فيبقى المسكين أسيراً لكيد الشيطان، مرتهناً بقوة تلبيسه عليه، وبضعف مجاهدته له.

معاشر المسلمين:
ولما كانت تلك الحالة تعتري كثيراً من الناس فتؤثر على عباداتهم وسلوكياتهم، ناسب أن يكون الكلام عن الأسباب التي تعين على انشراح الصدر، وتنقله من تلك الغشاوة التي أظلمت عليه، إلى حالة يشعر فيها بالراحة النفسية والطمأنينة القلبية.

فيقال وبالله تعالى التوفيق: إن أسباب انشراح الصدر كثيرة، يكتفى في هذا المقام بذكر ثمانية أسباب منها، علها تكون شاملة لغيرها مما لم يذكر.

السبب الأول: قوة التوحيد

إن من أعظم الأسباب لشرح الصدر وطرد الغم، بل هو أجلُّ الأسباب وأكبرها: قوة التوحيد وتفويض الأمر إلى الله تعالى، بأن يعتقد العبد اعتقاداً جازماً لا شك فيه ولا ريب، أن الله عز وجل وحده الذي يجلب النفع ويدفع الضر، وأنه تعالى لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، عدل في قضائه، يعطي من يشاء بعدله، ولا يظلم ربك أحداً. فعلى العبد أن يحرص على عمارة قلبه بهذه الاعتقادات وما يتبعها فإنه متى كان كذلك، أذهب الله غمه، وأبدله من بعد خوفه أمناً.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:

( فمحبة الله تعالى ومعرفته ودوام ذكره، والسكون إليه والطمأنينة إليه، وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل والمعاملة، بحيث يكون هو وحده المستولي على هموم العبد وعزماته وإرادته، هو جَنّةُ الدنيا، والنعيم الذي لا يشبهه نعيم، وهو قرة عين المحبين وحياة العارفين ). انتهى كلامه رحمه الله.

السبب الثاني: حسن الظن بالله

حسن الظن بالله تعالى، وذلك بأن تستشعر أن الله تعالى فارجٌ لهمك كاشفٌ لغمك، فإنه متى ما أحسن العبد ظنه بربه، فتح الله عليه من بركاته من حيث لا يحتسب، فعليك يا عبد الله بحسن الظن بربك ترى من الله ما يسرك، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "قال الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيراً فله، وإن ظنّ شراً فله ".(أخرجه الإمام أحمد وابن حبان)، فأحسن ظنك بالله، وعلِّق رجاءك به، وإياك وسوء الظن بالله، فإنه من الموبقات المهلكات، قال تعالى: {الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيراً } (الفتح:6).

السبب الثالث: كثرة الدعاء

كثرة الدعاء والإلحاح على الله بذلك، فيا من ضاق صدره وتكدر أمره، ارفع أكف الضراعة إلى مولاك، وبث شكواك وحزنك إليه، واذرف الدمع بين يديه، واعلم رعاك الله تعالى: أن الله تعالى أرحم بك من أمك وأبيك وصحابتك وبنيك.
عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال: قدم على النبي سبيٌ، فإذا امرأه من السبي تحلب ثديها تسقي، إذ وجدت صبياً في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أترون هذه طارحةً ولدها في النار؟" قلنا: لا، وهي تقدر على أن لا تطرحه. فقال صلى الله عليه وسلم: "الله أرحم بعباده من هذه بولدها" (أخرجه البخاري).

السبب الرابع: المبادرة إلى ترك المعاصي

تفقد النفس والمبادرة إلى ترك المعاصي، أتريد مخرجاً لك مما أنت فيه وأنت ترتع في بعض المعاصي؟ يا عجباً لك! تسأل الله لنفسك حاجتها وتنسى جناياتها، ألم تعلم هداك الله تعالى أن الذنوب باب عظيم ترد منه المصائب على العبد: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ }(الشورى:30)، {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَـذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } (آل عمران:165).

استسقى العباس بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه، فقال في دعائه: ( اللهم إنه لم تنزل عقوبة إلا بذنب ولا تنكشف إلا بتوبة).

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
(وما يُجازى به المسيء من ضيق الصدر، وقسوة القلب، وتشتته وظلمته وحزازاته وغمه وهمه وحزنه وخوفه، وهذا أمر لا يكاد من له أدنى حس وحياة يرتاب فيه، بل الغموم والهموم والأحزان والضيق: عقوبات عاجلة، ونار دنيوية، وجهنم حاضرة. والإقبال على الله تعالى والإنابة إليه والرضى به وعنه، وامتلاء القلب من محبته، واللهج بذكره، والفرح والسرور بمعرفته: ثواب عاجل، وجنة وعيش لا نسبة لعيش الملوك إليه البتة... ) (الوابل الصيب:104).

فبادر رعاك الله إلى محاسبة نفسك محاسبة صدق وإنصاف، محاسبة من يريد مرضاة ربه والخير لنفسه، فإن كنت مقصراً في صلاة أو زكاة أو غير ذلك مما أوجب الله عليك أو كنت واقعاً فيما نهاك الله عنه من السيئات، فبادر إلى إصلاح أمرك، وجاهد نفسك على ذلك، وسترى من الله ما يشرح صدرك وييسر أمرك {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } (العنكبوت:69) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } (الطلاق:3،2) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } (الطلاق:4) {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً }(الطلاق:5).

فبادر هداك الله إلى تقوى الله ولن ترى من ربك إلا ما يسرك بإذنه تعالى.
قال الإمام ابن الجوزي: ( ضاق بي أمر أوجب غماً لازماً دائماً، وأخذت أبالغ في الفكر في الخلاص من هذه الهموم بكل حيلة وبكل وجه، فما رأيت طريقاً للخلاص، فعرضت لي هذه الآية { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً } فعلمت أن التقوى سبب للمخرج من كل غم، فما كان إلا أن هممت بتحقيق التقوى فوجدت المخرج... ) [صيد الخاطر:153) .
بقية الأسباب التي يسر الله الحديث حولها، ومنها:

السبب الخامس: أداء الفرائض والمداومة عليها

فالمداومة على الفرائض والإكثار من النوافل من أسباب محبة الله تعالى لعبده، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله قال: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذ بي لأعيذنه " الحديث (أخرجه البخاري).
السبب السادس: مجالسة الصالحين

الاجتماع بالجلساء الصالحين والاستئناس بسماع حديثهم والاستفادة من ثمرات كلامهم وتوجيهاتهم، فالجلوس مع هؤلاء مرضاة للرحمن، مسخطة للشيطان، فلازم جلوسهم ومجالسهم واطلب مناصحتهم، تر في صدرك انشراحاً وبهجة ثم إياك والوحدة، احذر أن تكون وحيداً لا جليس لك ولا أنيس، وخاصة عند اشتداد الأمور عليك، فإن الشيطان يزيد العبد وهناً وضعفاً إذا كان وحيداً، فالشيطان من الواحد أقرب ومن الاثنين أبعد وليس مع الثلاثة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية.

شاهد المقال: أن تحرص أعانك الله تعالى على عدم جلوسك وحيداً، فجاهد نفسك وغالبها على الاجتماع بأهل الخير والصلاح، والذهاب إلى المحاضرات والندوات، وزيارة العلماء وطلبة العلم فذلك يدخل الأُنس عليك؛ فيزيدك إيماناً وينفعك علماً.

السبب السابع: قراءة القرآن

إن قراءة القرآن الكريم بتدبر وتأمل، من أعظم الأسباب في جلاء الأحزان وذهاب الهموم والغموم، فقراءة القرآن تورث العبد طمأنينة في القلوب، وانشراحاً في الصدور: {الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } (الرعد:28).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله تعالى: ( أي تطيب وتركن إلى جانب الله، وتسكن عند ذكره وترضى به مولى ونصيراً، ولهذا قال تعالى:{أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }أي هو حقيق لذلك ).

فاحرص رعاك الله على الإكثار من تلاوته آناء الليل وأطراف النهار، وسل ربك أن تكون تلاوتك له سبباً في شرح صدرك، فإن العبد متى أقبل على ربه بصدق، فتح الله عليه من عظيم بركاته: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ } (يونس:57)، {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَاراً } (الإسراء:82).

السبب الثامن: أذكار الصباح والمساء

فالمداومة على الأذكار الصباحية والمسائية وأذكار النوم، وما يتبع ذلك من أذكار اليوم والليلة من أعظم الأسباب لحفظ العبد وتفريج همه، فتلك الأذكار تحصن العبد المسلم بفضل الله تعالى من شر شياطين الجن والإنس، وتزيد العبد قوةً حسيّة ومعنوية إذا قالها مستشعراً لمعانيها موقناً بثمارها ونتاجها.

ولتحرص رعاك الله على تلك الأذكار المتأكدة في حق من اعتراهم همّ أو غم، ومن ذلك ما أخرجه الشيخان عن عبدالله بن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم ".

وكذا ما أخرجه البخاري عن أنس رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قوله: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل... " الحديث.

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل به هم أو غم قال: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث " (أخرجه الحاكم).

وعن أبي بكرة رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأنه كله لا إله إلا أنت " (أخرجه أبو داود وغيره).

وعن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب عبداً هم ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكل اسم لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري، وجلاء حزني وذهاب غمي ، إلا أذهب الله حزنه وهمّه، وأبدله مكانه فرحاً " (أخرجه أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه)، إلى غير ذلك مما ورد من الأذكار في هذا الباب ونحوه.

اللهم إنا عبيدك بنو عبيدك بنو إمائك، نواصينا بيدك، ماضٍ فينا حكمك، عدل فينا قضاؤك، نسألك بكل اسم هو لك، سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا ويسر أمورنا، وهيء لنا من أمرنا رشداً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

عبد العزيز السدحان

Post: #801
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:23 AM
Parent: #701

الزيارة فضائل وآداب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

فلاشك أن الزيارة للإخوان في الله ، والأصدقاء ، والأقارب تقرباً إلى الله ، وطاعة له – سبحانه -، وحرصاً على بقاء المودة والمحبة ، وعلى صلة الرحم من أفضل القربات، ومن أفضل الطاعات، وقد صح عن رسول الله - عليه الصلاة والسلام - أنه قال: "يقول الله - عز وجل -: وجبت محبتي للمتزاورين فيّ، والمتجالسين فيّ، والمتحابين فيّ ، والمتباذلين في".

إن زيارة الأقارب والجيران والأصدقاء، وغيرهم من عموم المسلمين؛ وسيلة من وسائل توثيق المودة، وتآلف القلوب، وتقوية الروابط، وفيها يتذكر الناسي، وينبّه الغافل، ويعلَّم الجاهل، ويروح بها عن النفوس، وتخفف المصائب والأحزان، وغير ذلك من الفوائد المرجوة من وراء الزيارات.

والزيارات أنواع متعددة؛ فمنها الزيارة الواجبة؛ كزيارة الوالدين، وصلة الأرحام ففي الحديث الصحيح يقول - عليه الصلاة والسلام - : "من أحب أن يبسط له في رزقه ، وأن ينسأ له في أجله ، فليصل رحمه". ويقول عليه الصلاة والسلام: "لا يدخل الجنة قاطع رحم".
فصلة الرحم من أفضل القُربات، وقطيعتها من أقبح السيئات.

ومن الزيارات ما هو مستحب، كزيارة الجيران، والأصدقاء والخلان، وما إلى ذلك.
وبما أن الإنسان تكثر مشاغله وأعماله؛ فربما لا يكون لديه وقت لزيارة من تستحب أو تجب زيارته إلا في المناسبات، وفي فترات الإجازات الرسمية كالأعياد؛ فإن من المشاهد أن الزيارات تكثر في المناسبات، وهذا أمر يحمد عليه من يقوم به.

ومن المناسب هنا أن نذكِّر ببعض آداب الزيارة، فمن ذلك:

أولاً: أن يبتغي بزيارته وجه الله تعالى

فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن رجلا زار أخا له في قرية أخرى فأرصد الله تعالى على مدرجته ملكا. فلما أتى عليه قال: أين تريد؟ قال: أريد أخا لي في هذه القرية. قال: هل لك عليه من نعمة تربُّها عليه؟ قال: لا، غير أني أحببته في الله تعالى. قال: فإني رسول الله إليك بأن الله قد أحبك كما أحببته فيه".

وعن أبي هريرة أيضاً قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من عاد مريضا أو زار أخا له في الله ناداه مناد: بأن طبت وطاب ممشاك وتبوأت من الجنة منزلا". فعلى الزائر أن يستحضر النية الصالحة عند زيارته.

ثانياً: اختيار الوقت المناسب، واليوم المناسب

وذلك بأن يحدد موعدا للزيارة عبر الهاتف أو رسالة الجوال أو ما أشبه ذلك من وسائل الاتصال، ويتجنب الأوقات التي يغلب على الظن أن صاحب الدار لا يحب أن يأتيه أحد فيها باعتبارها وقت راحة، أو وقت مذاكرة لنفسه أو لأولاده...إلخ.

ثالثاً: أن يراعي آداب الاستئذان

فيستأذن على أهل البيت ويسلم عليهم إذا كان البيت مفتوحاً، ثم ليقل: أأدخل؛ فإن ذلك من الآداب الشرعية التي أدّب الله بها عباده المؤمنين؛ فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} (سورة النــور(27)). وفي الحديث أن رجلاً من بني عامر استأذن على النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو في بيت فقال: ألج، فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلّمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟"، فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل.

- والاستئذان يكون ثلاثاً، فإن أذن له وإلا انصرف، لقوله تعالى: {وَإِن قِيلَ لَكُمْ ٱرْجِعُواْ فَٱرْجِعُواْ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ} (سورة النور(28)).
وثبت في الصحيح أن أبا موسى حين استأذن على عمر ثلاثاً، فلم يؤذن له انصرف، ثم قال عمر: ألم أسمع صوت عبد الله بن قيس يستأذن؟ ائذنوا له، فطلبوه فوجدوه قد ذهب فلما جاء بعد ذلك، قال: ما رجعك؟ قال: إني استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي وإني سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فلينصرف". الحديث..
- ومن آداب الاستئذان أن يدق الباب برفقٍ ولين، وأن يقف عن شمال الباب أو يمينه، ولا يقف متوسطاً، وأن يحفظ بصره من التطلع إلى داخل البيت؛ ففي الحديث عن عبد الله بن بُسْر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أتى باب قوم، لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر، ويقول: "السلام عليكم، السلام عليكم".

وفي الصحيحين عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "لو أن امرأ اطلع عليك بغير إذن فَخَذَفته بحصاة، ففقأت عينه، ما كان عليك من جناح".
- وإذا ما استعلم صاحب البيت فليجب فلان بن فلان، ولا يقول: أنا؛ فعن جابر قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- في دين كان على أبي فدققت الباب فقال: (من ذا؟). فقلت: أنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم:(أنا أنا!!). كأنه كرهها.

قال ابن كثير-رحمه الله-: "وإنما كره ذلك لأن هذه اللفظة لا يُعرَف صاحبها حتى يُفصح باسمه أو كنيته التي هو مشهور بها، وإلا فكل أحد يُعبِّر عن نفسه بـ"أنا"؛ فلا يحصل بها المقصود من الاستئذان، الذي هو الاستئناس المأمور به في الآية".

خامسا: أن تخلو الزيارة من المخالفات الشرعية

كالاختلاط، والمصافحة للنساء الأجنبيات، أو مشاهدة القنوات الفضائية الفاسدة، وما إلى ذلك من الأمور المنكرة.
سادسا: أن تكون الزيارة قصيرة ومختصرة، وذلك فيما إذا كانت الزيارة غير واجبة وغير مقصودة من مكان بعيد، ذلك أن الزيارة الطويلة تفضي إلى الملل، وتضيع الأوقات، وتجعل الزائر ثقيلاً، وقد تُذهب وده.

سابعا: استغلال مدة الزيارة بما ينفع

من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، بدلا من إهدار الوقت الثمين فيما لا يعود على الزائر والمزور بخير.
قال ابن القيم –رحمه الله تعالى- الاجتماع بالإخوان قسمان:
أحدهما: اجتماع على مؤانسة الطبع وشغل الوقت، فهذا مضرته أرجح من منفعته، وأقل ما فيه أنه يفسد القلب ويضيع الوقت.
الثاني: الاجتماع بهم على التعاون على أسباب النجاة والتواصي بالحق والصبر فهذا من أعظم الغنيمة وأنفعها، ولكن فيه ثلاث آفات:
إحداها تزين بعضهم لبعض.
الثانية: الكلام والخلطة أكثر من الحاجة.
الثالثة: أن يصير ذلك شهوة وعادة ينقطع بها عن المقصود.
وبالجملة فالاجتماع والخلطة لقاح إما للنفس الأمارة، وإما للقلب والنفس المطمئنة، والنتيجة مستفادة من اللقاح فمن طاب لقاحه طابت ثمرته.انتهى كلامه رحمه الله.

ثامنا: أن يدعو الزائر للمزور في نهاية الزيارة

وأن يثني عليه، ويشكره فإن من لا يشكر الناس لا يشكر لله؛ فقد جاء في حديث عبد الله بن بسر- رضي الله عنه-، وفيه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- دعا لمن تناول عنده تمراً: "اللهم بارك لهم فيما رزقتهم، واغفر لهم، وارحمهم". وذلك فيما إذا ما تناول الزائر طعاماً أو شراباً عند المزور. وجاء في حديث المقداد عند مسلم وفيه: "... اللهم أطعم من أطعمني واسق من سقاني...".

وعن أنس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جاء إلى سعد بن عبادة فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أفطر عندكم الصائمون، وأكل طعامكم الأبرار، وصلت عليكم الملائكة".

وعن أُسامةَ بن زيد رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه -صلى اللّه عليه وسلم- قال: "مَنْ صُنِعَ إِلَيْه مَعْرُوفٌ فَقالَ لِفاعِلِهِ: جَزَاك اللَّهُ خَيْراً، فَقَدْ أبْلَغَ في الثَّناء".
فعلى المسلم أن يتأدب بما أدبه الله ورسوله، وليكن متقيداً بما شرعه الله ورسوله، وليحذر من مخالفة أمره وارتكاب نهيه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

اسلام ويب

Post: #895
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 06:03 PM
Parent: #801

التفريط في عمل اليوم والليلة

إن الله جل علا قد جعل الليل والنهار خزانتين يودع فيهما العبد أعماله ، وعلى قدر سعيه وجده فيما يرضي ربه تعالى يكون الجزاء العظيم يوم القيامة: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (آل عمران: من الآية30) وما من يوم تشرق شمسه إلا وينادي : يا ابن آدم أنا يوم جديد وعلى عملك شهيد فاغتنمني لعلي لا أعود إلى يوم القيامة، يقول الله عز وجل : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً) (الفرقان:62) فلا ينبغي للعبد أن يفرط فيما كلف به في ليله ونهاره حتى لا يكون يوم القيامة من النادمين: (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ) (الزمر:56)

معنى التفريط في عمل اليوم والليلة

أما مفهوم التفريط في عمل اليوم والليلة في اصطلاح العلماء فإنه التقصير أو التضييع للوظائف العبادية التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها وتفوت، مثل النوم عن الصلاة المكتوبة ومثل إهمال النوافل الراتبة أو ترك قيام الليل أو صلاة الوتر أو صلاة الضحى أو تضييع الورد القرآني أو الأذكار أو الدعاء أو المحاسبة للنفس والتوبة والاستغفار أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد وعدم حضور الجماعة بغير عذر ولا مبرر أو عدم فعل الخيرات الأخرى أو إهمال الآداب الاجتماعية : من عيادة المرضى وتشييع الجنائز... إلى غير ذلك من الطاعات أو العبادات .

من أسباب التفريط في عمل اليوم والليلة :

وللتفريط في عمل اليوم والليلة أسباب تؤدى إليه وبواعث توقع فيه نذكر منها :

(1) التلطخ أو التدنس بالمعصية :

بأن يكون المسلم غير محترس أو متحرز من المعصية لا سيما الصغائر تلك التي يستهين بها كثير من الناس ولا يولونها رعاية أو أهمية وحينئذ فلابد من العقاب ويكون العقاب بأمور كثيرة من بينها التفريط في عمل اليوم والليلة وصدق الله العظيم : { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير }

وقد وعى السلف مثل هذا السبب وأثره على عمل اليوم والليلة ونبهوا إليه كثيرا ، هذا الضحاك يقول : ما نعلم أحدا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك { وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير } ثم يقول الضحاك : وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن. وهذا الحسن يسأله رجل قائلا : ( يا أبا سعيد إني أبيت معافى وأحب قيام الليل وأعد طهوري فما بالي لا أقوم ؟ فقال ذنوبك قيدتك ).

وهذا الثوري يقول : ( حرمت قيام الليل خمسة أشهر بذنب أذنبته قيل : وما ذاك الذنب ؟ قال : رأيت رجلا يبكى فقلت في نفسي : هذا مراء ) ، وهذا كرز بن وبرة يدخل عليه بعض الناس وهو يبكى فيقول له : أتاك نعي بعض أهلك ؟ فيقول : أشد فيقول له : وجع يؤلمك ؟ فيقول : أشد فيقول له وما ذاك ؟ فيجيبه : بابي مغلق وستري مسبل ولم أقرأ حزبي البارحة وما ذاك إلا بذنب أحدثته.

وهذا أبو سلمان الدارانى يقول : (لا تفوت أحدا صلاة الجماعة إلا بذنب ) وقد بين الحافظ ابن القيم كيف يؤدى هذا السبب إلى مثل هذا التفريط فقال: ( ومنها أي من آثار المعاصي حرمان الطاعة فلو لم يكن للذنب عقوبة إلا أن يصد عن طاعة تكون بدله وتقطع طريق طاعة أخرى فينقطع عليه بالذنب طريق ثالثة ثم رابعة وهلم جرا فينقطع عليه بالذنب طاعات كثيرة كل واحدة منها خير له من الدنيا وما عليها وهذا كرجل أكل أكلة أوجبت له مرضة طويلة منعته من عدة أكلات أطيب منها والله المستعان ).

(2) التوسع في المباحات :

وقد يكون التوسع في المباحات من الطعام والشراب واللباس والمراكب ونحوها هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ذلك أن هذا التوسع يورث الركون والنوم والراحة الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مثل هذا التفريط وحسبنا هنا قول الغزالى frown emoticon لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فترقدوا كثيرا فتتحسروا عند الموت كثيرا ).

(3) عدم إدراك قيمة النعم وسبيل الدوام :

وقد يكون عدم إدراك قيمة النعم وسبيل دوامها هو السبب في التفريط في عمل اليوم والليلة ؛ ذلك أن من لم يدرك أن نعم الله على العباد الظاهر منها والباطن والمعلوم منها وغير المعلوم شي لا يعد ولا يحصى { وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها } { وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة }

ومن غفل عن أن دوام هذه النعم إنما يكون بالشكر : { لئن شكرتم لأزيدنكم } ومن الشكر المواظبة على عمل اليوم والليلة من العبادات والطاعات من لم يدرك هذا كله وغفل عنه فإنه يقع منه لا محالة التفريط في عمل اليوم والليلة وصدق الله { فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون }.

قال الحسن البصري وأبوا العالية والسدى والربيع بن أنس :

(إن الله يذكر من ذكره ويزيد من شكره ويعذب من كفره ) .

وقال الحسن البصري أيضا في قوله { فاذكروني أذكركم }. قال frown emoticon اذكروني فيما أوجبت لكم على نفسي) .

وقال سعيد بن جبير frown emoticon اذكروني بطاعتي أذكركم بمغفرتي ) وفي رواية (برحمتي) .

(4) الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة :

وقد تكون الغفلة عن الحاجة إلى عمل اليوم والليلة هي السبب في التفريط في هذا العمل فإن من غفل عن أنه بحوله وقوته ضعيف وإنه بحول الله وقوته قوي وأنه لابد له كي ينجح في أداء دوره والقيام بواجبه في هذه الأرض لابد من عون الله وتأييده ونصره وأن المواظبة على عمل اليوم والليلة هي التي تستجلب هذا العون وذلك التأييد والنصر :

{ والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }

" وما يزال عبدي يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشى بها وإن سألني لأعطينه وإن استعاذني لأعيذنه ..."

بل إنها هي التي تكون سببا في سكينة النفس وطمأنينة القلب :

{ لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا }

{ الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن }.

من غفل قلبه عن كل ما قدمنا فإنه سيفرط لا محالة في عمل اليوم والليلة .

5- ضعف أو تلاشي التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة .

وقد يكون ضعف أو تلاشي التصور الصحيح لحقيقة أجر المواظبة على عمل اليوم والليلة هو السبب في هذا التفريط ، فإن الاستمساك بالشيء والعض عليه بالنواجذ مرتبط بالتصور الصحيح له وللمنافع أو الفوائد المرتبطة به.

وعليه فمن لم يكتمل عنده التصور الصحيح لحقيقة الأجر المرتبط بعمل اليوم أو الليلة من أنه نجاة من أهوال وشدائد يوم القيامة .

{ وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون }.

{ وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا }.

بل من أنه أي الأجر جنات فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ، وفوق هذا رؤية الله ، و التمتع بالنظر إلى وجهه الكريم :

{ وعد الله المؤمنين و المؤمنات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ومساكن طيبة في جنات عدن ورضوان من الله أكبر ذلك هو الفوز العظيم } ، { للذين أحسنوا الحسنى وزيادة ولا يرهق وجوههم قتر ولا ذلة أولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون } ، { وجوه يومئذٍ ناضرة إلى ربها ناظرة } ، { فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون } .

من لم يكتمل عنده التصور لحقيقة هذا الأجر فإنه يستلذ النوم و الراحة ويضن بالتعب و المجاهدة في سبيل الله و بالتالي يفرط في عمل اليوم و الليلة .

وصدق العلامة ابن الجوزي حين قال :" من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف ".

وللحديث بقية إن شاء الله وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد :

وقد يكون نسيان الموت وما بعده من أهوال وشدائد هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن من نسى أنه ميت لا محالة وإن طال الأجل :

{ كل نفس ذائقة الموت ... }، { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } .

وأن هذا الموت أقرب إليه من شراك نعله :

{ ما ينظرون إلا صيحة واحدة تأخذهم وهم يخصمون فلا يستطيعون توصية ولا إلى أهلهم يرجعون }

وأنه سيكون بعد هذا الموت شدائد وأهوال يشيب من هولها الولدان وتنخلع لها القلوب ، ولا نجاة منها إلا بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة :

{ فكيف تتقون إن كفرتم يوماً يجعل الولدان شيباً السماء منفطر به كان وعده مفعولاً } ، { يا أيها الناس اتقوا ربكم إن زلزلة الساعة شيء عظيم يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد } ، { وأنذرهم يوم الآزفة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع }

من نسى ذلك كله كان منه هذا التفريط ولا شك .

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقف على القبر ويقول لإخوانه : "أي إخواني لمثل هذا فأعدوا".

وكان عثمان رضي الله عنه إذا وقف على القبر بكى وقال : إن القبر أول منازل الآخرة ، فإن نجا منه العبد فما بعده أيسر منه ، وإلا فما بعده أشد.

ظن بلوغ الكمال :

وقد يكون ظن بلوغ الكمال هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن الإنسان قد ينسى نفسه وينسى أنه مهما عمل وأطاع بالليل و النهار ، فلن يستطيع شكر نعمة من نعم الله - تعالى - عليه ، ويحمله هذا النسيان مع عوامل أخرى على ظن بلوغ الكمال ، وحينئذٍ يقع منه التفريط في عمل اليوم و الليلة .

ولعل هذا هو ما نفهمه من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت و العاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله ) .

ومما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وتزينوا للعرض الأكبر ، وإنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا " .

وقوله لميمون بن مهران :" لا يكون العبد تقياً حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه من أين مطعمه وملبسه " .



كثرة الأعباء و الواجبات :

فقد تؤدى كثرة الأعباء و الواجبات إلى التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن الإنسان في زحمة العمل ، وفي إلحاح الأعباء والواجبات قد يهمل في عمل اليوم و الليلة بحجة ضيق الوقت وضرورة الفراغ من هذه الأعباء وتلك الواجبات ، ناسياً أو متناسياً أن زاده على الطريق للخروج من كل ما هو مطلوب منه إنما يكون بالمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، إذ الوقت و الطاقات والإمكانات كلها ملك لله ، وبيده سبحانه ، وحين يرى من العبد إقبالاً عليه وتلذذاً بطاعته وذكره يمتن ويتفضل عليه بالبركة في الوقت و القوة في الإرادة و المضاء في العزيمة و السداد في الرأي :

{ والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم }،{ ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدراً } .

التسويف :

وقد يكون التسويف هو السبب في التفريط في عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن من تعود التسويف أو التأجيل تتراكم عليه الواجبات والأعباء ، وحين يريد الخلاص أو الخروج منها تصبح ثقيلة أو شاقة عليه ، وحينئذٍ لا يكون منه إلا التفريط أو التضييع ولعل هذا هو المفهوم من قوله صلى الله عليه وسلم :" بادروا بالأعمال الصالحات سبعاً ، هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غنى مطغياً أو مرضاً مفسداً ، أو هرماً مفنداً أو موتاً مجهزاً ، أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ".

وقد وعى ذلك سلف الأمة - رضوان الله عليهم - فحرصوا على اقتناص الفرص واغتنام العمر قبل أن يضيع ، وحسبنا هنا مقالة عمر - رضي الله تعالى عنه - " القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ".

ومن وعظه صلى الله عليه وسلم لرجل بقوله frown emoticon اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك ).

مشاهدة بعض ذوى الأسوة على حال من التفريط :

وأخيراً ... قد يكون مشاهدة بعض ذوى الأسوة و القدوة على حال من التفريط هي السبب في عدم المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، ذلك أن المسلم أحياناً ينظر إلى ذوى الأسوة و القدوة على أنهم نمط فريد من الناس ، لا يمكن أن يقع منهم تفريط أو تقصير ، وحين يطلع منهم أو من بعضهم على شيء من التفريط ، فإن هذه النظرة قد تحمله على محاكاتهم ، ناسياً أنه لا طاعة ولا محاكاة في المعصية ، وإنما في المعروف فقط .

ولعل هذا السبب هو المفهوم من تشديد الإسلام على عدم المجاهرة بالإثم ، إذ يقول صلى الله عليه وسلم frown emoticon كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من المجاهرة أن يعمل الرجل بالليل عملاً ثم يصبح وقد ستره الله فيقول : يا فلان : عملت البارحة كذا وكذا ، وقد بات يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه ).

ولعل في توجيه النبي للمسلم ان يكون متأسيا بالصالحين وألا يجعل من خطأ المخطىء مبررا لأخطائه ، لعل في ذلك قطعا للطريق على من سولت له نفسه التأسي بالبعض في الخطأ ؛ إذ لا أسوة في الشر، وكما قال انبي صلى الله عليه وسلم: " لا يكن أحدكم إمعة ، يقول: أنا مع الناس ، إن أحسنوا أحسنت ، وإن أساءوا أسأت ، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا ، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم"

هذا وإن للتفريط في عمل اليوم والليلة آثارا كبيرة وسيئة على الأفراد والدعوات نتحدث عنها في مقال قادم بإذن الله تعالى.
أ- آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العاملين :

من آثار التفريط في عمل اليوم والليلة على العاملين :

1- الاضطراب و القلق النفسي :

ذلك أن غذاء القلب وراحة النفس وسمو الروح إنما يكون في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فإن من فرَّط في عمل اليوم و الليلة ، فقد قطع عن القلب غذاءه ودواءه ومصدر سعادته وطمأنينته ، وتكون النتيجة القلق والاضطراب النفسي وصدق الله العظيم: { ومن أعرض عن ذكرى فإن له معيشة ضنكاً } ، { ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً } .

2- القعود عن أداء الواجب أو على الأقل الفتور :

وذلك أن زاد المسلم على الطريق إنما هو في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فقد بقى بغير زاد ، ومثل هذا تنتهي به الحال إلى القعود عن أداء الواجب ، أو على الأقل الفتور ، وذلك فيه من الخطورة و الضرر ما فيه ، وصدق الرسول صلى الله عليه وسلم إذ قال frown emoticon يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد ، يضرب كل عقدة ، عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة ، وإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطاً طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ) .

3- الجرأة على المعصية :

وذلك أن الطاعة الحقة بمثابة حاجز يحول بين الإنسان وبين المعصية { وأقم الصلاة إن الصلاة تنهي عن الفحشاء و المنكر ولذكر الله أكبر } وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إن فلاناً يصلى بالليل فإذا أصبح سرق ، فقال :" إنه سينهاه ما تقول " ، وعليه فإنه إذا فرط فيها وضيعها أو أداها بشكلها لا بجوهرها وحقيقتها ، فقد هدم هذا الحاجز وصارت الطريق مفتوحة أمامه للوقوع في المعاصي و السيئات ، بصورة فيها جرأة أو لا مبالاة ، ولعل هذا هو ما يشير إليه قول ابن عباس :" من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر ،لم يزد بصلاته من الله إلا بعداً ".

4- الضعف أو الانهيار البدني :

وذلك أن المواظبة على عمل اليوم و الليلة تكسب الجسم مناعة وقدرة على التحمل ، كما قال - سبحانه - على لسان هود عليه السلام: { ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً ويزدكم قوة إلى قوتكم } ، وكما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم - علياً وفاطمة – رضي الله عنهما ، إذ قال علىّ : إن فاطمة أتت النبي صلى الله عليه وسلم تشكو إليه ما تلقى في يدها من الرحى ، وبلغها أنه جاءه رقيق ، فلم تصادفه ، فذكرت ذلك لعائشة ، فلما جاء أخبرته ، قال : فجاءنا ، وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم فقال :" مكانكما " فجاء فقعد بيني وبينها حتى وجدت برد قدميه على بطني فقال :" ألا أدلكما على خير مما سألتما ؟ ، إذا أخذتما مضاجعكما ، أو أويتما إلى فراشكما ، فسبحا ثلاثاً وثلاثين ، واحمدا ثلاثاً وثلاثين ، وكبرا أربعاً وثلاثين فهو خير لكما من خادم " ، وعليه فمن فرط في عمل اليوم و الليلة فسيعتاد الاسترخاء و النوم ، وذلك لا يعود على الجسد إلا بما فيه ضعفه وانهياره .

5- الحرمان من العون و التوفيق الإلهي :

وذلك أن عون الله وتوفيقه لا يظفر بهما العبد إلا إذا كان على صلة طيبة بربه تتجلى في المواظبة على عمل اليوم و الليلة: { إن الله مع الذين اتقوا و الذين هم محسنون } ، { و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين } ، وإذا حدث وفرَّط المسلم في هذا العمل ، فقد قطع نفسه عن ربه وحينئذٍ يحرم العون و التوفيق ، ولعل ذلك هو ما نفهمه من قوله سبحانه: { ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون }.

6- فقد الهيبة أو التأثير في الناس :

وذلك أن من فرط في عمل اليوم و الليلة فقد ضيع أعظم سلاح يؤثر به في الناس ، ويسبي قلوبهم ، وهذا بدهي لأنه بهذا التفريط ضيع منزلته عند ربه ، ومن ضاعت منزلته عند ربه فقد ضاعت منزلته عند الناس .

وقد أشار إلى ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها ، فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذٍ ؟ قال : بل أنتم يومئذٍ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم ، وليقذفن في قلوبكم الوهن ، فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت ) .

آثار التفريط في عمل اليوم و الليلة على العمل الإسلامي :

ومن آثاره على العمل الإسلامي :

1- طول الطريق مع كثرة التكاليف :

ذلك أن عملاً يضيِّع المنتسبون إليه حق الله - تبارك وتعالى - عليهم ستطول به الطريق وتتضاعف عليه التكاليف وتحيط به المحن و الشدائد من كل ناحية ، لاسيما وأعداء الله ماضون في تنفيذ أساليبهم ومخططاتهم ، ولا يتوانون عن ذلك لحظة من ليل أو نهار ، وصدق الحق سبحانه حين قال على لسان نبي الله صالح عليه السلام: { ... فمن ينصرني من الله إن عصيته } .

2- عدم الثبات في ساعات المحن و الشدائد :

وذلك أن المحن بطبيعتها قاسية وشديدة ، لا يطيقها البشر بحولهم وقوتهم ، وإنما لابد لهم من العون و التأييد الإلهي ، وأنى لمن فرَّطوا في جنب الله أن يرزقهم الله تحملاً أو ثباتاً ، ولعل هذا هو المفهوم من قوله تعالى: { إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون } ، { يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم } ، ومن قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس frown emoticon يا غلام إني أعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك رفعت الأقلام وجفت الصحف ) .

علاج التفريط في عمل اليوم و الليلة :

وبعد هذا نستطيع علاج التفريط في عمل اليوم والليلة باتباع ما يلي :

1- معايشة الكتاب و السنة ففيهما صورة صادقة لثواب الطائعين ، وعقاب العاصين ، وماهية هذا الثواب ، وذلك العقاب بل فيهما تحريض على ملازمة الطاعة وترك المعصية ، من خلال التذكير باطلاع الله - سبحانه - وإحاطة علمه بكل شئ و الرجوع إليه و المساءلة بين يديه و الجزاء ، وحسب المسلم أن يقرأ هذه الآيات: { وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون ، واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون ، أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين } .

2- التحرر من المعاصي و السيئات لا سيما الصغائر فإنها سم قاتل ، ونار محرقة وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - إذ يقول frown emoticon إياكم ومحقرات الذنوب ، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلاً كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجئ بالعود حتى جمعوا سواداً فأججوا ناراً وأنضجوا ما قذفوا فيها ".

3 - التوسط في تعاطي المباحات لاسيما المطاعم و المشارب ، فإنها أساس كل بلية وصدق الرسول - صلى الله عليه وسلم - frown emoticon ما ملأ آدمي وعاء شراً من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه ) .

4- إدراك دور المواظبة على عمل اليوم و الليلة في النجاح و القدرة على القيام بالأعباء و الواجبات ، فإن ذلك يحرر النفس من التفريط ويحملها على المواظبة و الملازمة .

5- تقدير النعمة وأنها لن تدوم إلا بالطاعات ، فإن ذلك يحرك النفوس المستقيمة للمواظبة على عمل اليوم و الليلة ، وفاء بحق الله وطمعاً في الاستمرار و الزيادة .

6- محاولة التوفيق بين المواظبة على عمل اليوم و الليلة و القيام بالواجبات الأخرى frown emoticon إن لربك عليك حقاً ولنفسك عليك حقاً ولأهلك عليك حقاً ، فأعط لكل ذي حق حقه ) .

7- مجاهدة النفس وأخذها بالحزم و الشدة ، مع اتهامها بالتقصير ومع ترك التسويف ، ومع تمنيتها بأنها إن تعبت اليوم ، ستتمتع غداً بالنعيم المقيم ، وتتلذذ بالنظر إلى وجه الله الكريم .

8- تقدير العواقب والآثار المترتبة عل التفريط في عمل اليوم و الليلة ، فلعل ذلك يحرك القلوب وتنعكس هذه الحركة على الجوارح فتكون المواظبة على عمل اليوم و الليلة .

9- ملازمة الجماعة ، و العيش في وسط صالح مستقيم ، فإن ذلك يذكر بالله ويشحذ الهمم و العزائم ، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم frown emoticon ألا أنبئكم بخياركم ؟ ، قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : خياركم الذي إذا رُؤوا ذكر الله عز وجل ) .

10- الاستعانة التامة بالله - عز وجل - فإنه سبحانه يعين من استعان به ولجأ إلى حماه ولاذ بجنابه ، لاسيما في ساعات الاضطرار و الشدة: { وقال ربكم ادعونى استجب لكم } ، { أمَّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض أءله مع الله قليلاً ما تذكرون } .

11- إدراك أن الدنيا دار عمل وغرس وزراعة ، وغداً سيكون الحصاد ، ومعرفة النتائج ، ولئن ضاعت الدنيا بغير طاعة ، كانت الخسارة التي لا خسارة بعدها :{ ... إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين } .

12- مواظبة ذوى الأسوة و القدوة على عمل اليوم و الليلة حتى لا يكونوا سبباً في فتنة وضياع غيرهم من الناس ، فيحتملون إثم أنفسهم وإثم اقتداء غيرهم بهم frown emoticon ... ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من اتبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئاً ).

13- معايشة النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته ، وكيف كان يصوم النهار حتى يقال إنه لا يفطر ، ويقوم الليل حتى يقال إنه لا ينام ، ومثل ذلك كان يصنع في باقي الطاعات ، مع أن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، إن هذه المعايشة تحمل كل مفرط في عمل اليوم و الليلة على المواظبة ، من منطلق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصنع ذلك ، وقد وعده الله المقام المحمود فكيف بمن لا يعرف عاقبته ، وهل سيكون في الجنة أم مع أهل النار ؟.

14- دوام النظر في سيرة وأخبار السلف ، فإنها مليئة بصور حية مشرقة في المواظبة على عمل اليوم و الليلة ، تحمل كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد على الاقتداء و التأسي ، أو على الأقل المحاكاة و التشبه .

15- تذكر الذنوب والآثام الماضية ، فإن ذلك يحمل على المواظبة في عمل اليوم و الليلة تداركاً لما فات ، وطمعاً في تكفير هذه الذنوب ، وتلك الآثام ، وخير ما يصدق ذلك موقف السحرة من تهديد فرعون حين خالطت حلاوة الإيمان قلوبهم وردهم عليه : { قالوا لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات و الذي فطرنا فاقض ما أنت قاض ، إنما تقضى هذه الحياة الدنيا ، إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى } .

16- تذكر أن الموت يأتي بغتة ، وإذا لم يأت بغتة فسيسبقه المرض ثم يكون الموت ، ويكون الندم ولكنه بعد فوات الأوان وضياع الفرصة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
آفات على الطريق-إسلام ويب

Post: #896
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:50 PM
Parent: #801

من أشد الآفات التي يصاب بها بعض العاملين، و لا بد أن يحذروها، وأن يتخلصوا منها إنما هي" الاستعجال" ، ونقصد به هنا: إرادة تغيير الواقع الذي يحياه المسلمون اليوم في لمحة، أو في أقل من طرفة عين دون نظر في العواقب، ودون فهم للظروف والملابسات المحيطة بهذا الواقع ودون إعداد جيد للمقدمات، أو للأساليب، والوسائل، بحيث يغمض الناس عيونهم ثم يفتحونها، أو ينامون ليلة ثم يستيقظون، فإذا بهم يرون كل شيء عاد إلى وضعه الطبيعي في حياتهم: زالت الجاهلية من طريقهم، ورفعت الراية الإسلامية من جديد، ووجد كل إنسان إنسانيته، وخلصت الفطرة من كل ما يكدرها ويعكر صفوها!.

نظرة الإسلام إلى الاستعجال:

ولما كانت العجلة والاستعجال من طبيعة الإنسان بشهادة خالقه، وصانعه، ومدبر أمره: ( ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، ( خلق الإنسان من عجل )؛ فإن الإسلام ينظر إلى الاستعجال نظرة عدالة وإنصاف، فلا يحمده بالمرة، ولا يذمه بالمرة وإنما يحمد بعضه، ويذم البعض الآخر:

فالمحمود منه: ما كان ناشئا عن تقدير دقيق للآثار والعواقب، وعن إدراك تام للظروف والملابسات، وعن حسن إعداد، وجودة ترتيب.

ولعل هذا النوع من الاستعجال هو المعنيُّ في قوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: (وما أعجلك عن قومك يا موسى* قال هم أولاء على أثري وعجلت إليك رب لترضى)؛ إذ الظروف مناسبة، والفرصة مواتية، والعاقبة محمودة، والنفس صافية مشرقة، فما الذي يحمل موسى على التواني والتأخير؟!

والمذموم منه: ما كان مجرد فورة نفسية خالية من تقدير العاقبة، ومن الإحاطة بالظروف والملابسات، ومن أخذ الأهبة والاستعداد. وهذا النوع الأخير هو الذي عناه رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم حين قال لخباب بن الأرت رضي الله عنه وقد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو ما يلقاه هو وإخوانه من الأذى والاضطهاد، ويطلب منه أن يستنصر ربه، وأن يدعوه، قال له: " كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيها، فيجاء بالمنشار، فيوضع على رأسه، فيشق اثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون"، وهو الذي نعنيه نحن هنا أيضا.

من مظاهر الاستعجال:

والاستعجال له مظاهر عديدة منها:

1- ضم أشخاص إلى قافلة الدعاة قبل الاستيثاق، والتأكد من مواهبهم، وقدراتهم، واستعداداتهم.

2- الارتقاء ببعض الدعاة إلى مستوى رفيع قبل اكتمال نضجهم، واستواء شخصيتهم.

3- القيام بتصرفات طائشة صغيرة تضر بالدعوة، ولا تفيدها.

من آثار الاستعجال:

وكل هذه المظاهر المذكورة آنفا، وغيرها تكون لها آثار وعواقب:

1- فهي قد تؤدي إلى الفتور حين يتأخر تحقيق الأهداف الكريمة التي يدعو إليها، أو يتححق بعضها ويتخلف أكثرها ، مع ان القليل الدائم خير من الكثير المنقطع: " .. وإن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل".

2- وقد تؤدي إلى موتة غير كريمة، وذلك حين لا يكون من ورائها عائد أو ثمرة، وهنالك تكون المسؤولية والمعاتبة بين يدي الجبار الأعلى، يوم لا تملك نفس لنفس شيئا، والأمر يومئذ لله، والواقع خير شاهد.

3- تعطيل العمل، أو على الأقل الرجوع به إلى الوراء عشرات السنين، وذلك فيه ما فيه من استمرار تدنيس الحياة، والمضي في الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض، وزيادة وضع الأحجار والعقبات على الطريق،فمن استعجل شيئا قبل أوانه عوقب بحرمانه.

من أسباب الاستعجال:

حقيقة هنالك أسباب كثيرة توقع في الاستعجال، نخص منها:

1- الدافع النفسي: فقد يكون الدافع النفسي هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الاستعجال طبيعة مركوزة في فطرة الإنسان، كما قال المولى تبارك وتعالى: ( خلق الإنسان من عجل)، (ويدع الإنسان بالشر دعاءه بالخير وكان الإنسان عجولا)، (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم)، وإذا لم يعمل الداعية على ضبط نفسه، وإلجامها بلجام العقل، والتخفيف من غلوائها، فإنها تدفعه لا محالة إلى الاستعجال.

2- الحماس أو الحرارة الإيمانية: وقد يكون الحماس أو الحرارة الإيمانية هي السبب في الاستعجال، ذلك أن الإيمان إذا قوي، وتمكن من النفس، ولّد طاقة ضخمة، تندفع ـ ما لم يتم السيطرة عليها، وتوجيهها ـ إلى أعمال قد تؤذي أكثر مما تفيد، وتضر أكثر مما تنفع. ولعل هذا هو السر في أن الله سبحانه وتعالى تولى توجيه النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في المرحلة المكية إلى الصبر، و الجلد، وقوة التحمل، فقال: (واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا)، (فاصبر إن وعد والله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون)، (وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا)... إلى غير ذلك من الآيات.

3- طبيعة العصر: وقد تكون طبيعة العصر هي الباعث على الاستعجال، ذلك أننا نعيش في عصر يمضي بسرعة، ويتحرك فيه كل شيء بسرعة، فالإنسان يكون هنا وبعد ساعات في أقصى أطراف الأرض، بسبب التقدم في وسائل المواصلات، والإنسان يضع أساس بيت اليوم، ويسكنه بعد أيام قلائل، بسبب التمكن من وسائل العمارة الحديثة، وقس على ذلك أشياء كثيرة في حياة الإنسان، فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال لمواكبة ظروف العصر، والتمشي معها.

4- واقع الأعداء: وقد يكون واقع الأعداء هو السبب في الاستعجال، ذلك أنه ما يمر يوم الآن إلا وأعداء الله يحكمون القبضة، ويمسكون بزمام العالم الإسلامي، ويلاحقون العمل الإسلامي في كل مكان لإسكات كل صوت حر نزيه. وحسبنا أن إسرائيل كانت بالأمس فكرة في الأذهان، فإذا بها اليوم واقع يحكم القبضة على جزء غال عزيز من ديار الإسلام هو فلسطين، وينطلق منه إلى لبنان، وسائر بلدان العالم العربي ليحقق حلم اليهود: " إسرائيل من النيل إلى الفرات"! فلعل ذلك مما يحمل بعض العاملين على الاستعجال، قبل أن يتفاقم الخطر، ويصعب الخلاص.

5- الجهل بأساليب الأعداء: وقد يكون الجهل بأساليب الأعداء هو السبب في الاستعجال، وذلك أن أعداء الله لهم أساليبهم الخبيثة والمتنوعة، في الوصول إلى قلب العالم الإسلامي، وإحكام القبضة عليه. وأخطر هذه الوسائل، السيطرة من الداخل ،فقد لجأ أعداء الله لمثل هذا الأسلوب، بعد أن جربوا زمانا طويلا، ومرات عديدة، أسلوب المواجهة الصريحة السافرة، ورأوا أنه لن يغني عنهم من الله شيئا، وأنه يحمل المسلمين ـ حتى المفرطين والمستهترين منهم ـ على التصدي وبذل الغالي والرخيص، حتى لا تكون فتنة، ويكون الدين كله لله. فلعل الجهل بمثل هذا الأسلوب وغيره من الكيد يكون سببا من الأسباب التي توقع في الاستعجال.

6- شيوع المنكرات مع الجهل بأسلوب تغييرها: وقد يكون شيوع المنكرات، مع الجهل بأسلوب تغييرها، هو السبب في الاستعجال، ذلك أن الإنسان لا يتحرك حركة الآن إلا وقد أحاطت به المنكرات، ولفته من كل جانب. وواجب المسلم حين يرى ذلك أن يعمل على تغيير المنكر وإزالته، ما في ذلك شك، لئلا تتحول الأرض إلى بؤرة من الشر والفساد. قال تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض)، (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدّمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز). وقال صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا، فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان"، " مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا، ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم و ما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا" بيد أنه ليس كل منكر تجب إزالته أو تغييره على الفور بدون مراعاة للمصالح والمفاسد. وإنما ذلك مشروط بألا يؤدي إلى منكر أكبر منه، فإن أدى إلى منكر أكبر منه، وجب التوقف ، مع الكراهية القلبية له، ومع مقاطعته ومع البحث عن أنجح الوسائل لإزالته والأخذ بها، ومع العزم الصادق على الوقوف في أول الصف حين تتاح فرصة التغيير. وفي السنة والسيرة النبوية شواهد على ذلك: فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يُبعث والأصنام تملأ جوف الكعبة، وتحيط بها وتعلوها من كل جانب، ولا يُقبل على إزالتها بالفعل إلا يوم فتح مكة، في العام الثامن من الهجرة؛ أي أنها بقيت منذ بُعث إلى يوم تحطيمها إحدى وعشرين سنة؛ ليقينه صلى الله عليه وسلم بأنه لو قام بتحطيمها من أول يوم، قبل أن تحطم من داخل النفوس، لأقبلوا على تشييدها وزخرفتها بصورة أبشع وأشنع، فيعظم الإثم، ويتفاقم الضرر، لذلك تركها، وأقبل يعد الرجال، ويزكي النفوس، ويطهر القلوب، حتى إذا تم له ذلك أقبل بهم يفتح مكة، ويزيل الأصنام، مرددا: ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا). وها هو صلى الله عليه و سلم يخاطب أم المؤمنين عائشة قائلا: " ألم ترَيْ أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم"! فقلت : يا رسول الله: ألا تردها على قواعد إبراهيم، قال: " لولا حدثان قومك بالكفر لفعلت". فالنبي صلى الله عليه وسلم هنا توقف في شأن تجديد الكعبة، وإعادتها إلى قواعد إبراهيم؛ خوفا من أن يؤدي ذلك إلى منكر أكبر، وهو الفرقة والشقاق، بدليل قوله في رواية أخرى:".... ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهلية، فأخاف أن تنكر قلوبهم...". بل إن المسلم حين يسكت عن منكر؛ خوفا من أن يؤدي إلى منكر أكبر مع الرفض القلبي والمقاطعة، ومع البحث عن أفضل السبل للتغيير، ومع العزم الصادق على أنه حين تتاح الفرصة لن يكون هناك توان ولا تباطؤ،لا يكون آثما بذلك، وصدق الله الذي يقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)، (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ). فإذا نسي العامل أو الداعية فقه أسلوب تغيير المنكر وإزالته، وقع ـ لا محالة ـ في الاستعجال لظنه، أو لتصوره، أن الأمر يجب تنفيذه فورا، وأنه آثم ومذنب إن لم يقم بذلك.

7- العجز عن تحمل مشاق، ومتاعب الطريق: وقد يكون العجز عن تحمل مشاق ومتاعب الطريق هو السبب في الاستعجال، ذلك أن بعضا من العاملين يملك جرأة وشجاعة وحماسا لعمل وقتي، ولو أدى به إلى الموت، لكنه لا يملك القدرة على تحمل مشاق ومتاعب الطريق لزمن طويل، مع أن الرجولة الحقة هي التي يكون معها صبر وجلد، وتحمل ومثابرة وجد واجتهاد حتى تنتهي الحياة. لذلك تراه دائما مستعجلا ليجنب نفسه المشاق والمتاعب، وإن تذرع بغير ذلك، وقد أفرزت الحركة الإسلامية في العصر الحاضر صنفا من هذا، عجز عن التحمل والاستمرار فاستعجل، وانتهى، وصنفا آخر أوذي في الله عشرات السنين، فصبر وتحمل واحتسب؛ لأن الظروف غير ملائمة، والفرص غير مواتية والعواقب غير محمودة والمقدمات ناقصة أو قاصرة ، وكانت العاقبة أن وفقهم الله، وأعانهم فثبت أقدامه على الطريق ولا تزال.

8- الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مع عدم تقدير العواقب: وقد يكون الظفر ببعض المقدمات أو ببعض الوسائل مثل العدد البشري، ومثل الأدوات مع عدم تقدير العواقب، من زيادة تسلط أعداء الله و من حدوث فتنة وردة فعل لدى جماهير الناس وقد يكون كل ذلك هو السبب في الاستعجال. ولعل هذا هو السر في أمر الإسلام بالصبر على جور الأئمة، ما لم يصل الأمر إلى الكفر الصريح، والخروج السافر عن الإسلام. يقول صلى الله عليه وسلم: " من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا، فمات إلا مات ميتة جاهلية". ويقول عبادة بن الصامت رضي الله عنه: دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: " أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان". بل حتى الكفر البواح لا يكون معه خروج إلا إذا أُمنت الفتنة وتوفرت القدرات والإمكانات. وهذا لا يمنع أن ننكر عليهم باللسان وبالقلب. يقول الإمام النووي رحمه الله في شرح حديث عبادة: " معنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين". ونقل ابن التين عن الداودي قال: " الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر".

9- عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات، و يخفف من حدتها وغلوائها: وقد يكون عدم وجود برنامج أو منهاج يمتص الطاقات ويخفف من حدتها وغلوائها هو السبب في الاستعجال ، ذلك أن نفس الإنسان التي بين جنبيه إن لم يشغلها بالحق شغلته بالباطل .

ولعل ذلك هو السر في أن الإسلام غمر المسلم ببرنامج عمل في اليوم و الليلة ، وفي الأسبوع وفي الشهر و في السنة وفي العمر كله بحيث إذا حافظ عليه كانت خطواته دقيقة وجهوده مثمرة .

ولعله السر أيضاً في تشديد الإسلام على الأئمة أن يستفرغوا كل ما في وسعهم وكل ما في طاقتهم لاستنباط ما يملأ حياة المسلمين بالعمل الجاد المثمر الخالي من الضرر والشر وإلا حرموا الجنة .

يقول - صلى الله عليه وسلم - “ ما من أمير يلي أمر المسلمين ثم لا يجهد لهم وينصح إلا لم يدخل معهم الجنة ".

ونكمل حديثنا حول هذه الآفة في مقال قادم إن شاء الله ،وصلى الله على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*د/سيد نوح (بتصرف)

Post: #897
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:51 PM
Parent: #801

مما لا شك فيه أن البصر من أعظم المنافذ إلى القلب، يقول الإمام القرطبي رحمه الله: البصر هو الباب الأكبر إلى القلب، وأعمر طرق الحواس إليه، وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه، وغضه واجب عن جميع المحرمات، وكلِّ ما يخشى الفتنة من أجله، ونقصد بغض البصر أن يغمض المسلم بصره عما حرم عليه ولا ينظر إلا لما هو مباح له النظر إليه ، وإن وقع نظر المسلم على مُحَّرمٍ من غير قصد فليصرف بصره سريعا ولا يتمادى في النظر.

القرآن يأمر بغض البصر:

لما كان النظر من أهم المنافذ إلى القلب، ولما كان إطلاقه بغير قيد ولا ضابط قد يوقع الهوى في قلب صاحبه، ويجعله يقع في شَرَك الفواحش والفتن، فقد أمر الله بغض البصر حتى يأمن العبد عواقب السوء:

(قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ).

ونلحظ هنا أن الله تعالى قد جعل الأمر بغض البصر مقدما على حفظ الفرج، لأن كل الحوادث مبدؤها من النظر كما قيل:

كل الحوادث مبدأها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر


كم نظرة فتكت في قلب صاحبها فتك السهام بلا قوس ولا وتر


والعبد ما دام ذا عين يقلبها في أعين الغيد موقوف على الخطر


يسر مقلته ما ضر مهجته لا مرحبا بسرور عاد بالضرر


والنبي صلى الله عليه وسلم يأمرك بغض بصرك:

فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:" اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا عاهدتم، وأدوا إذا ائتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم".

بل جعل النبي صلى الله عليه وسلم غض البصر أحد حقوق الطريق حين قال لأصحابه رضي الله عنهم:

" إياكم والجلوس في الطرقات، فقالوا: يا رسول الله مالنا من مجالسنا بُدٌّ نتحدث فيها. فقال: " فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه. قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: غض البصر، وكف الأذى ، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر".

ـ وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم الفضل بن عباس رضي الله عنهما ينظر إلى امرأة جاءت تستفتيه صلى الله عليه وسلم فأخذ بذقن الفضل فعدل وجهه عن النظر إليها.

وقد علق ابن القيم رحمه الله على ذلك فقال:

وهذا منع وإنكار بالفعل، فلو كان النظر جائزا لأقره عليه.

نظر الفجأة:

قد يسير الإنسان في طريق أو يكون في مكان به آخرون فيقع بصره على ما حرم الله تعالى بغير قصد منه فهذا ما يسمى بنظر الفجأة، والواجب في هذه الحالة أن يصرف بصره، فعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري".

وهذا أنفع علاج وأسرعه أن يصرف العبد بصره ولا يستديم النظر فإن من استدام النظر أثم وتعدى، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يا عليُّ لا تتبع النظرة النظرة فإن لك الأولى وليست لك الآخرة".

والنساء مأمورات بغض الأبصار:

فإن الله عز وجل يقول:(وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ..)الآية.

والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "... وخير صفوف النساء المؤخر، وشرها المقدم، يا معشر النساء إذا سجد الرجال فاغضضن أبصاركن.."الحديث.

عناية السلف بغض البصر:

لقد عني السلف الصالح رضي الله عنهم بغض البصر عناية عظيمة فوجدنا منهم مواقف ومواعظ في هذا الباب تنبئ عن علو همتهم في هذا، ومن ذلك قول أنس رضي الله عنه: إذا مرت بك امرأة فغمض عينيك حتى تجاوزك".

وقال بعضهم: من حفظ بصره أورثه الله نورا في بصيرته.

وكان سفيان رحمه الله إذا خرج في يوم العيد قال: إن أول ما نبدأ به اليوم غض أبصارنا.

ولما قال رجل للحسن رحمه الله: إن نساء العجم يكشفن صدورهن ورؤوسهن قال: اصرف بصرك.

وقال ابن مسعود: الإثم حوَّاز القلوب (يحز في القلوب) وما من نظرة إلا وللشيطان فيها مطمع.

وكان الربيع بن خثيم يغض بصره فمر به نسوة فأطرق ( أي أمال رأسه إلى صدره) فظن النسوة أنه أعمى وتعوذن بالله من العمى.

من فوائد غض البصر

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله عدة فوائد ومنها:
1- تخليص القلب من ألم الحسرة، فإن من أطلق نظره دامت حسرته.
2- أنه يورث القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، كما أن إطلاق البصر يورثه ظلمة تظهر في وجهه وجوارحه.
3- أنه يورث صحة الفراسة، فإنها من النور وثمراته، قال شجاع الكرماني: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، وأكل من الحلال- لم تخطئ فراسته.
4- أنه يفتح له طرق العلم وأبوابه، ويسهل عليه أسبابه, وذلك بسبب نور القلب، فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق المعلومات، ومن أرسل بصره تكدر عليه قلبه وأظلم.
5- أنه يورث قوة القلب وثباته وشجاعته، قال بعض الشيوخ: الناس يطلبون العز بأبواب الملوك، ولا يجدونه إلا في طاعة الله.
6- أنه يورث القلب سرورا وفرحة وانشراحا أعظم من اللذة والسرور الحاصل بالنظر، فلذة العفة أعظم من لذة الذنب.
7- أنه يسد عن العبد بابا من أبواب جهنم، فإن النظر باب الشهوة الحاملة على مواقعة الفاحشة، فمتى غض بصره سلم من الوقوع في الفاحشة، ومتى أطلقه كان هلاكه أقرب.
8- أنه يقوي العقل ويزيده ويثبته، فإن إطلاق البصر وإرساله لا يحصل إلا من خفة العقل وطيشه وعدم ملاحظته للعواقب كما قيل:
وأعقل الناس من لم يرتكب سببا حتى يفكر ما تجني عواقبه
9- أنه يخلص القلب من ذكر الشهوة ورقدة الغفلة، فإن إطلاق البصر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار والآخرة، ويوقع في سكرة العشق.

نسأل الله الكريم أن يوفقنا لطاعته ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #1107
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-26-2015, 02:52 PM
Parent: #897

اللهم إن ذنوبي لم يبق لها إلا رجاء عفوك ، وقد قدمت آلة الحرمان بين يدي ، فأنا أسئلك ما لا أستحقه ، وأدعوك ما لا أستوجبه ، وأتضرع إليك بما لا أستأهله ولم يخف عليك حالي وإن خفي على الناس كنه معرفة أمــري ، اللهم إن كان رزقي في السماء فأهبطه ، وإن كان في الأرض فأظــهره ، وإن كان بعيداً فقربه ، وإن كان قريباً فيسره وإن كان قليلاً فكثره وبارك لنا فيه . • من أراد الرزق الوفير من الغيب : هذه الآيات المباركة كل يوم *20 مرة * لمدة * 7 أيام متوالية * بإذن الله سوف يتحقق مطلبه . " بسم الله الرحمن الرحيم ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تظليل وأرسل عليهم طيراً أبابيل ترميهم بحجارةٍ من سجيل فجعلهم كعصفٍ مأكول " • لسعة الرزق مجرب : هذه الآيات كل يوم * 150 مرة * * 40 يوماً * " ومن يتق الله يجعــــل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيىءٍ قدراً "

إقرأ المزيد على موضوع.كوم: http://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9http://mawdoo3.com/%D8%A3%D8%AC%D9%85%D9%84_%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AF%D8%B9%D9%8A%D8%A9

Post: #898
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:53 PM
Parent: #801

الدَّين همٌ بالليل ومذلة بالنهار
إن الله تعالى قد قسم بين العباد أرزاقهم ، (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)

وقد جعلهم ربنا تبارك وتعالى متفاوتين في ذلك تفاوتا له فيه الحكمة البالغة والآيات الباهرة frown emoticon إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيراً بَصِيراً ) (الإسراء:30) . وكما في قوله تعالى:

( نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )(الزخرف: من الآية32).

ومن رحمة الله تعالى بالعبد أن يرزقه القناعة والرضا ، وأن يوفقه لتدبير معيشته والاستغناء عن مد يده لغيره ، وهذا من المنجيات كما قال النبي صلى الله عليه وسلم" ثلاث منجيات " وعد منها : " القصد في الغنى والفقر"..لكن بعض الناس لا يقنع ، وبعضهم لا يحسن تدبير معيشته وفق ما رزقه الله من مال فينفق أكثر مما يأتيه فيلجأ إلى الدَّين بسب سوء تدبيره ، وهو في غمرة الحياة غافل عن الآثار الوخيمة للدين.

النبي يتعوذ بالله من الدَّين

لأن الدَّين حمل ثقيل وهم عظيم فقد استعاذ منه خير البرية صلى الله عليه وسلم حين دعا بهذا الدعاء الجامع : " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

إن أدلة الشرع المطهر لتدل على خطورة أمر الاستدانة ، فها هو الشهيد الذي يغفر له عند أول قطرة من دمه، ويؤمن من عذاب القبر وفتنة القبر، ويشفع في سبعين من أهله، وروحه في حواصل طير خضر في الجنة تأوي إلى قناديل معلقة بالعرش، يغفر له كل شيء إلا الدَّين ، كما جاءت بذلك السنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم : " يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين ". وفيما رواه مسلم أن رجلا قال : يا رسول الله! أرأيت إن قتلت في سبيل الله أتكفر عني خطاياي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم وأنت صابر محتسب، مقبل غير مدبر إلا الدين" ·

ومما يدل على خطورة الدين على من تساهل فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتي بجنازة وعلى صاحبها دين لم يصل عليه حتى تقضى عنه ديونه أو يتحملها أحد الأحياء ، فلما فتح الله عليه وجاءه المال كان يقضي عن موتى المسلمين.

وينبغي أن يعلم أن التأخر في سداد الدين عن الميت يعد بلاء عليه فقد روى جابر رضي الله عنه قال: توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله ؟ يصلي عليه فقلنا: تصلي عليه؟ فخطا خطى، ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف، فتحملهما أبو قتادة، فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران عليَّ، فقال رسول الله ؟ : حقَّ الغريمِ وبَرئَ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه، ثم قال بعد ذلك بيوم: ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قد قضيتهما، فقال رسول الله ؟ : الآن بردت عليه جلده.أي الآن برد جلد ذلك الميت بسبب كونه مرهونًا بالدين قبل ذلك.

تدبير المعيشة خير من الاستدانة

إن العاقل اللبيب لهو الذي يستعين الله تعالى على أموره كلها ولا يلجأ إلى الدين ما استطاع إلى ذلك سبيلا ، وقد أمر الله عباده أن يراعوا في نفقاتهم ما يرزقهم الله تعالى إياه ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً ) (الطلاق:7). فهذا أمر من الله تعالى بالإنفاق على قدر الرزق، ووعدٌ منه سبحانه للفقير باليُسر بعد العسر إذا أنفق على قدر رزقه، وهو وعد حق؛ لأن من أنفق على قدر رزقه ولم يستدِن ليجاري الأغنياء فإنه سيستغني؛ لأن تدبيره نفقتَه وعدم استدانته تؤول به إلى غناه بكسبه، فينفقه على نفسه وعياله، لا لسداد دينه فيبقى معسرا.

أنزل حاجتك بالله وخذ بالأسباب

إن العبد المؤمن ينزل حاجته بربه فيعلن لله تعالى الفقر والحاجة مع يقينه بغنى ربه وجوده وكرمه وسعة فضله ، وهو في نفس الوقت يأخذ بأسباب الكسب الحلال الطيب : ( هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) (الملك:15).

إذا ابتليت بالدين فبادر بالقضاء

ينبغي على العبد إذا ابتلي بالحاجة فاستدان أن يجتهد في قضاء دينه سريعا حتى تبرأ ذمته ، ويلقى ربه خاليا من الديون ، وإذا كان العبد عند استدانته ينوي الخير ويعزم على السداد فإن الله تعالى سيوفقه لذلك ، أما عن يريد أكل أموال الناس بالباطل والمماطلة فإن عاقبته أليمة في الدنيا والآخرة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله". وعن ميمونة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم :" ما من أحد يَدَّان ديناً فعلم الله أنه يريد قضاءه إلا أداه الله عنه".

والله عز وجل يقول( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )(البقرة: من الآية188)

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام: دمه وماله وعرضه" رواه مسلم·

فنظرة إلى ميسرة

وعلى الجانب الآخر فإننا نوجه دعوة لمن وسع الله عليهم أن يتصدقوا ويوسعوا على عباد الله مستحضرين أنه " ما نقص مال من صدقة". وإذا أنزل بهم فقير أو محتاج حاجته أن يكونوا عونا له عليها ، وإذا لم تَجُد نفوس بعض الأغنياء بالصدقة فلا أقل من أن يقرضوا من احتاج وأن يصبروا عليه إذا أعسر ، لقوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:280).

وليعلم إخواننا الأغنياء أنهم بصبرهم على المدين المعسر ينالون أجرا عظيما كما دل عليه ما رواه أحمد رحمه الله عن بريدة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة، قال: ثم سمعته يقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة، قلت: سمعتك يا رسول الله تقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثله صدقة، ثم سمعتك تقول: من أنظر معسراً فله بكل يوم مثليه صدقة، قال: له بكل يوم صدقة قبل أن يحل الدين، فإذا حل الدين فأنظره فله بكل يوم مثليه صدقة".

وروى مسلم رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من أنظر معسراً أو وضع عنه أظله الله في ظله".

وعن أبي قتادة رضي الله عنه قال :سمعت رسول الله ؟ يقول:" من نفس عن غريمه أو محى عنه كان في ظل العرش يوم القيامة ".
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في تعليل هذا الحديث:( لأنه لما جعله في ظل الإنظار والصبر، ونجاه من حر المطالبة، وحرارة تكلف الأداء مع عسرته وعجزه؛ نجاه الله تعالى من حر الشمس يوم القيامة إلى ظل العرش).

وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" كان تاجر يداين الناس فإذا رأى معسراً قال لصبيانه :تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه".

تيسيرك على المدين تيسير عليك في الآخرة

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أن من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.

وصية أخيرة

أوصي بها نفسي والمسلمين أن نجتهد ما استطعنا في تجنب الاستدانة ، وأذكر بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه : " اللهم إني أعوذ بك من المأثم والمغرم، فقال له قائل: ما أكثر ما تستعيذ من المغرم! فقال عليه الصلاة والسلام:" إن الرجل إذا غرم حدث فكذب ووعد فأخلف". وفي حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله ؟ كان يدعو بهؤلاء الكلمات:" اللهم إني أعوذ بك من غلبة الدين وغلبة العدو وشماتة الأعداء ".
وجاء عن معاوية رضي الله عنه أنه قال:[ رق الحر الدين ].

ويكفي في ذم الين ما اشتهر عند الناس أن الدين همٌّ بالليل وذل بالنهار.

عافانا الله وإياكم
إسلام ويب

Post: #899
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:55 PM
Parent: #801

من أسباب قسوة القلب
تكلمنا في مقال سابق عن قسوة القلب وكيف أنها من أعظم الأمراض المهلكة للعبد في دنياه وآخرته ، وأصحاب القلوب القاسية هم أبعد الخلق عن الله عز وجل ، وأن هذه القسوة التي تصيب القلوب هي في حقيقتها عقوبة من الله تعالى لبعض عباده جزاء ما اقترفوه ، كما قال مالك بن دينار رحمه الله: ما ضرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.

وإذا كانت قسوة القلب من علامات شقاء العبد فإن لهذه القسوة التي يصاب بها العبد أسبابا نذكر شيئا منها فيما يلي:

أولا الركون إلى الدنيا والاغترار بها:

فمهما عظم قدر الدنيا في قلب العبد وطغى حبها في قلبه على حب الآخرة قسا القلب ؛ فتراه يضحي بكل شيء من أجل الدنيا ، فيضحي بصلاته ، بأرحامه ، بأصدقائه وخلانه ، بل يضحي بمبادئه وأخلاقه ، مع أن الله عز وجل ينادي:

( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور).

إن الدنيا شعب كثيرة تتشعب بالعباد ، فهناك النساء والولدان والأموال والتجارات والمناصب والوجاهات و.....شعب كثيرة وكلما حصل العبد المغرور بالدنيا شعبة منها طمع في غيرها وسعى لها فيبتعد عن الله عز وجل بقدر ميله إلى هذه الشعب وانشغاله بها إلى أن يسقط من عين الله فلا يبالي ربنا بهذا العبد في أي أودية الدنيا هلك.

إن المتعلق بالدنيا المشغول القلب بها هو في الحقيقة سكران بحب الدنيا أعظم من سكر أصحاب الخمور إذ لا يفيق سكران الدنيا إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين.

فيا أيها المشغول بالدنيا إذا أردت أن توغل فيها فأوغل فيها برفق واعلم أنك لن تأخذ منها إلا ما قدره الله عز وجل لك ، وأنه لن يفوتك منها درهم قد كتبه الله لك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن روح القدس قد نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب".

ثانيا: الصحبة الفاسدة:

مما لا شك فيه أن للصحبة تأثيرها ؛ فالطبع يسرق من الطبع ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله ".

وقد اتفق العقلاء على أن الصاحب ساحب ، فكم من صاحب جر صاحبه إلى السرقة ، وكم من صاحب جر صاحبه إلى الزنا وإلى القتل وإلى ترك الصلاة وغيرها من المنكرات والموبقات ، ومثل هذه الصحبة ستنقلب على أصحابها يوم القيامة خزيا وندامة وعداوة: ( الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين ).

وسيندم كل من صاحب الفاسقين حين لا ينفع الندم : (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا. يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا. لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا).

وقد قال نبي الله إبراهيم عليه السلام لقومه: ( إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين).

فانظر كيف أن الصحبة الفاسدة كانت سببا في قبول بعضهم الشرك وعبادة الأوثان ولو كانوا غير مقتنعين باستحقاقها العبادة من دون الله تعالى ، لكنها الرغبة في موافقة الأصحاب. والعجيب أن هؤلاء الأصحاب سيتبرأ بعضهم من بعض وسيلعن بعضهم بعضا وسيتمنى كل منهم أن ينال صاحبه النصيب الأكبر من العذاب.

فإذا كان أصحاب السوء سيتبرأون من أصحابهم يوم القيامة فحري بالعاقل أن يتبرأ منهم اليوم قبل أن يتبرأوا هم منه غدا.

ثالثا: الإقبال على الذنوب من غير توبة:

ليس مطلوبا من العبد أن يكون معصوما إذ ليس بمقدوره ذلك فالخطأ والذنب من طبع البشر ، لكن المطلوب من العبد أن يكون معظما للرب مستحضرا اطلاعه على عباده فيورث هذا الشعور مراقبة الله عز وجل ، فتقل معاصيه ، وإذا بدرت من العبد معصية بادر إلى التوبة والندم ، وإلا فإن للذنوب أثرا على القلوب لا يعالجها إلا التوبة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: " إن المؤمن إذا أذنب نكت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا تاب ونزع واستغفر صقل قلبه ، وإن زاد زادت حتى تعلو قلبه فذلك الران الذي ذكره الله عز وجل: ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) .

إن الذنوب تقسي القلب إن لم يتب منها صاحبها بل قد تميته والعياذ بالله ، وصدق عبد الله بن المبارك رحمه الله تعالى حين قال :

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

فهيا بنا نجدد التوبة وإذا ضعفت نفوسنا فعصينا عدنا فتبنا وأمام أعيينا قول ربنا تبارك وتعالى : ( قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم).
تكلمنا في مقال سابق عن بعض أسباب قسوة القلب وفي مقالنا هذا نكمل حديثنا حول بعض الأسباب الأخرى التي تتسبب في قسوة القلب ، ومن هذه الأسباب:

الغفلة عن الموت وأمور الآخرة:

إن الموت وإن كان مصيبة إلا أن الغفلة عن تذكره مصيبة أعظم ؛ لأن نسيان الموت يصيب القلب بالغفلة والقسوة ، ومن أجل هذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بالإكثار من ذكر الموت ، فقال: " أكثروا ذكر هادم اللذات: الموت ".

ولان تذكر الموت يجعل القلب في حالة يقظة دائمة فقد كان السلف رضي لله عنهم يكثرون من ذكر الموت، هذا الربيع بن خثيم رحمه الله كان قد حفر في داره قبرا ينام فيه كل يوم مرات ، يستديم بذلك ذكر الموت ، وكان رحمه الله يقول : لو فارق ذكر الموت قلبي ساعة لفسد.

ولما نظر ابن مطيع رحمه الله إلى داره فأعجبه حسنها قال: والله لولا الموت لكنت بك مسرورا ، ولولا ما نصير إليه من ضيق القبور لقرت بالدنيا أعيننا.

ولما قال عمر بن عبد العزيز لبعض العلماء : عظني. قال له : لست أول خليفة تموت. قال : زدني . قال: ليس من آبائك أحد إلى آدم إلا ذاق الموت وقد جاءت نوبتك ، فبكى عمر رحمه الله.

ولأجل هذا المعنى حث النبي صلى الله عليه وسلم على زيارة القبور لأنها تذكر العبد بالآخرة ، لكننا لا نريدها زيارة كزياراتنا لها الآن ، إنما نريدها زيارة تفكر وعظة واعتبار ، فإذا وقف العبد على القبر تذكر حال أصحابه في الدنيا كيف كان الواحد منهم وسيما جميلا نظيف الثياب طيب الريح ، ثم هو الآن قد علاه التراب فملأ عينيه ومحا حسن صورته ، قد تبددت أجزاؤه وصار غذاء للدود ، ثم يتفكر في حال من خلَّف كيف ترملت النساء وتيتم الأطفال وفرقت الأموال ، وكيف أن صاحب القبر قد خلت منه المساجد والدور والأسواق ، ثم يتفكر في نفسه كيف أنه صائر إلى هذا القبر لا محالة ، فيا ترى بأي الخدين سيبدأ البلى؟ وأي العينين ستسيل قبل أختها؟ وصدق والله الحسن رحمه الله إذ قال : فضح الموت الدنيا فلم يترك لذي لب فرحا.

ثم يتفكر العبد فيما بعد القبر من حشر ونشر وصراط وموقف وتوزيع للصحائف وانصراف الناس إما إلى جنة وإما إلى نار : ( فريق في الجنة وفريق في السعير).ويسأل نفسه: في أي الدارين منزلك؟.

إن استحضار العبد لهذه المعاني يجعله دائما متيقظا مشمرا ، أما غفلته عنها فإنها تصيب القلب في مقتل.

ومن أسباب القسوة الغفلة عن ذكر الله:

إنه لا حياة للقلب على الحقيقة بغير ذكر الله تعالى ولهذا قال النبي : " مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره كمثل الحي و الميت ".

إن القلوب تصدأ ويعلوها الران وذكر الله هو الجلاء لهذه القلوب، وإن القلب ليصيبه الهم والقلق ولا سكينة للقلب بغير ذكر الله تعالى: (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئن القلوب )

إن العبد الغافل عن الذكر قد جعل من نفسه مرتعا لوساوس الشياطين ، قال الله تعالى: (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطاناً فهو له قرين). فهل تتوقع أن يرق قلب ذلك العبد الذي استحوذ الشيطان عليه؟!.

إن إبليس اللعين متربص ببني آدم يريد إضلالهم وإغواءهم ، وكلما كان العبد بعيدا عن ذكر الله غافلا عنه تمكن الشيطان منه فأضله وأغواه وقاده إلى ما فيه هلاكه وفي الخبر: (إن الشيطان جاثم على قلب ابن آدم، فإذا غفل وسوس، وإذا ذكر الله خنس) أي تأخر وأقصر).

وقال ابن عباس رضي الله عنه: إذا ذكر اللهَ العبدُ خنس ( الشيطان ) من قلبه فذهب، وإذا غفل التقم قلبه فحدثه ومناه.

والله عز وجل يقول: ( فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين).

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في كتاب الوابل الصيب كثيرا من فوائد الذكر وعد منها أن الذكر يزيل قسوة القلب.

فنسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا كثرة ذكره ، وأن يجنبنا قسوة القلب وأن يرزقنا قلوبا سليمة ، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #900
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:57 PM
Parent: #801

تطاوعوا ولا تختلفوا
كلما كان المسلمون أقرب إلى قطف الثمرة كانوا أحوج إلى تقديم مصلحة الأمة على الأهواء الشخصية، فلا بد أن يتنازل أحد الأطراف المختلفة؛ ليطاوع الطرف الآخر، مؤثرا رضا الله، وجلب الخير العميم، ودفع الشر العظيم.

المطاوعة ـ في حقيقتها ـ: استعداد من كل طرف للتنازل للطرف الآخر، إذا وقع اختلاف على أمر ما، وليس المقصود بهذا التنازل الرجوع عن حق صريح واضح، وإنما هو لين جانب حينما يكون الاختلاف بين الحسن والأحسن، أو إرجاء المناظرة في الأمر المختلف فيه؛ إبقاء على المودة، وإيثاراً لصفاء القلب، فكل منهما طيّع في يد أخيه، يتنازل هذا تارة، ويتنازل ذاك أخرى.

أدب الصحابة

وهذا الأدب كان واضحا بين صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخاصة إذا خفي وجه الحق في مسألة اجتهادية، ولأننا بشر، فلا نستطيع أن نقطع لأنفسنا بصواب الرأي، وسداد البصيرة، ولا بد من التوجه إلى الله؛ ليسدد الخطا، ويثبت على الحق، وقد كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم في قيامه: ( اهدني لما اختُلِف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ).

وأخطر ما يكون التنازع في مواقف الجهاد والدعوة، ولقد ترجم البخاري بابا بقوله: ( باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب) واستشهد بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى قبل إرسالهما إلى اليمن: ( يسّرا ولا تعسّرا وبشّرا ولا تنفّرا وتطاوعا ولا تختلفا). وكم يكون محرجا؛ حين يتنازع داعيان فاضلان حول مسألة شرعية، والناس بأعينهم ينظرون!!

شجاعة الرجوع عن الرأي المفرق

وإنما يحتاج المؤمن لشجاعة التراجع عن الرأي المفرِّق، والتزام الرأي الجامع، وقد ذكر ابن حجر أن علياً وعمر رضي الله عنهما كانا يفتيان بألاّ تباع أم الولد، ثم رأى علي بعد ذلك أنه يجوز بيعها حتى قال : اجتمع رأيي ورأي عمر على أن أمهات الأولاد لا يبعن , ثم رأيت بعد ذلك أن أبيعهن فقال ( عبيدة ) لعلي رضي الله عنه: ( رأيك ورأي عمر في الجماعة، أحبّ إلي من رأيك وحدك في الفرقة). فتراجع علي عن فتواه، وقال: ( اقضوا كما كنتم تقضون، فإني أكره الاختلاف) ونبذ الخلاف مقدم على الإصرار على تثبيت رأي أو وجهة نظر اجتهادية، وأما الحق المقطوع فيه، فيقدر الداعية الحكيم على إيصاله بحكمته، بعيدا عن المشاجرة والخصومات.

تذكر حال المؤمنين في الجنة

ولو أننا نتذكر حال المؤمنين في الجنة، لسعينا لأن نجعل رحلتنا في الدنيا صورة عن حياة أهل الجنة، الذين وصفهم الرسول صلى الله لعيه وسلم بقوله: ( لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم قلب واحد). ولذلك كان رسول الله صل الله عليه وسلم يُحذر من الوقوع في دواعي الاختلاف؛ حتى لا تتنافر نفوس الأمة( لا تختلفوا فتختلف قلوبكم)، ولذلك كان كثير من العلماء يحتفظون لأنفسهم بفتاوى لا يشيعونها بين الناس؛ لتفردهم بها، ولخروجها عما اشتهر في المسألة حذرا من فتنة العامة أو تشويش طلبة العلم.

وكان من وصيته صلى الله عليه وسلم عندما يسوّي صفوف الصلاة أن يقول: ( استووا. ولا تختلفوا؛ فتختلف قلوبكم).

حتى الاختلاف في صف الصلاة قد ينعكس أثره على تأجيج اختلاف القلوب، فلينوا في أيدي إخوانكم، وسووا صفوفكم، واتبعوا إمامكم، لعله يترشح من ذلك ائتلاف قلوبكم.

وكلما كان احتكامنا للشرع خالصا نكون أبعد عن مهاوي الفرقة، وهذا ما يذكّر المسلم به نفسه، وهو يدعو في تهجده: ( .. اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت).

ويجب على عقلاء الأمة أن يكونوا عونا في دفع كل خلاف، وفضّ كل نزاع، والمبادرة إلى الأخذ بما يوحدّ الصفوف، وقد وصف سيدنا عمر اختلاف الناس فيمن يبايعون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلى أن قال: ( فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى فرِقتُ من الاختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكرن فبسط يده، فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعته الأنصار) وبهذا الموقف الجريء قضى على فتنة كان من الممكن أن تصدع صفوف المسلمين.

ويعين على خلق المطاوعة: التزام حدود الشرع، وطاعة الأمير، وهذا ما وجّه إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: (... ومن يعش منكم فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكن بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ...)، وكثيرا ما يكون أمر أميرك ـ في عمل أو سفر ـ مخالفا لما تميل إليه، فإن ذهب كل امرئ حسب هواه، فسنرى اختلافا كثيران وإن تطاوع كل امرئ مع أميره، وتنازل لرأيه، فتلك هي السنة.

ولا بد أن يتنادى المخلصون للقضاء على أي فتنة عند بوادر أي اختلاف، وهذا ما كان من حذيفة حين أخبر عثمان باختلاف الناس في قراءة القرآن، فقال له: ( أدرك هذه الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى..).

الترهيب من الخصومة

ولعل مما يحبب في المطاوعة، وينفر من الخصومة، استحضار ما ورد في الترهيب من اللجاجة والمراء والتنازع، فقد جاء في صفات المنافق أحاديث كثيرة منها: ( .. وإذا خاصم فجر)، و( إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصِم)، وقد تعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيت في ربض الجنة لمن يترك المراء والجدل وهو يعلم أنه على حق وصواب: ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة، لمن ترك المراء وإن كان محقا) وهذه أعلى درجات المطاوعة.

الفرقة عذاب وهلاك

وإنما يكون هلاك الأمة باختلافها كما جاء في الحديث: (..فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا)، ولو تنازل بعضهم لما اختلفوا، ولما هلكوا، وقد كان القرن الأول في أسمى صور المطاوعة، ومن ذلك ما ورد أن عثمان ـ رضي الله عنه ـ صلى في منى أربعا فبلغ ذلك بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فأزعجه ما سمع، ومع ذلك صلى معه أربعا، فلما سئل عن ذلك قال: ( الخلاف شر)، ولما نوقشت البيعة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رجل من الأنصار: منا رجل ومنكم رجلن فقال عمر رضي الله عنه: ( سيفان في غمد واحد؟! إذاّ لا يصطلحان)، وهذا من فقه عمر رضي الله عنه.

وإن النفوس العالية لتملك أن تعامل بسلامة الصدر مهما عظم الخلاف فقد قال علي رضي الله عنه في حق من خرجوا عليه يوم الجمل حين سئل عنهم: أكفار هم؟ أم منافقون؟ أم ماذا؟ فقال: ( إخواننا بغوا علينا) ولم يقبل أن يتهمهم بكفر أو نفاق، وقد كان ممن قاتله في معركة الجمل الصحابي طلحة رضي الله عنه، فكان يقول لعمران بن طلحة: ( إني لأرجو أن يجعلني الله وأباك من الذين قال الله عز وجل فيهم: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ). أفلا نتخلق بالمطاوعة، والنفور من الاختلاف؛ لنكون إخوانا في الدنيا والآخرة، ولتسلم صدورنا من تحريش الشيطان، ولتقوم للأمة دولة وسلطان.
محمود الخزندار

Post: #901
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-19-2015, 11:59 PM
Parent: #801

الرجوع إلى الحق فضيلة
ليس المطلوب من العبد أن يكون متميزا بالعصمة من الوقوع في الخطأ مع الخلق أو الخالق، فهو في النهاية بشر والخطأ والنسيان من طبائعه لكن المطلوب أن يكون قريب العودة إلى الحق سريع الأوبة إلى الله تعالى ، ليكون ممن قال الله فيهم: (..والذين إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ).

والمطالع لسير السلف الصالحين رضي الله عنهم لن يجدهم متميزين بالعصمة لكنه يقينا سيجدهم ممن قلت أخطاؤهم ومع ذلك فهم أحق الناس بأن يكونوا ممن قال الله تعالى فيهم: (...إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). هذه المبادرة إلى التوبة وتلك المسارعة إلى الرجوع للحق هي ولا شك خير من التمادي في الباطل استجابة لأهواء النفوس ونزغات الشياطين وتكبرا عن الاعتراف بالخطأ لا سيما عند الخصومات.

اختلاف الطبائع

كثيرا ما تكون بعض الطبائع التي لم تهذّب سببا من أسباب زلة القدم والوقوع في بعض الخصومات، ومن المعلوم يقينا أن طبائع الناس وأخلاقهم تختلف اختلافا كبيرا بيِّنا ، فمنهم السهل ومنهم الحزن ، منهم المتواضع ومنهم المتكبر ، منهم سريع الغضب قريب الفيئة ( أي قريب الرجوع إلى الحق) فهذه بهذه، ومنهم من يكون بطيء الغضب بطيء الفيئة فهذه بهذه. لكن مما لا شك فيه أن خيرهم بطيء الغضب سريع الفيئة وشرهم سريع الغضب بطيء الفيئة ، الذي لا يكاد يقر بخطأ أو يعترف بذنب فيبدي الأسف أو يبادر بالاعتذار ، فنفسه الأمارة بالسوء قد غلبته وقهرته فلم تدع له مجالا لسرعة الرجوع إلى الحق.

اضبط عواطفك وعد إلى الحق بسرعة

فحبل الخيرية بيدك أيها المؤمن، وما عليك إلا أن تضبط عواطفك فلا تغضب ولا تسيء، وإن لم تتمالك نفسك فلا يطل عليك الأمد ويتراكم على قلبك الران وإنما تفيء إلى دائرة الحق بسرعة، وترجع إلى جادة الصواب على عجل.

ولم يخل بيت من بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم من خصومات تقع بين زوجاته، ولكن انظروا إلى شهادة عائشة رضي الله عنها في ضرتها زينب رضي الله عنها وإلى ما ذكرت من خلق زينب: (.. ولم أر امرأة قط خيرا من زينب وأتقى لله، وأصدق حديثا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تَصَدّق به وتقرّب به إلى الله تعالى، ما عدا سورة من حدّة كانت فيها تسرع منها الفيئة). فلم تكن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تنكر على أم المؤمنين زينب سوى حدة في طبعها، ولكنها رضي الله عنها كانت تسارع فتستدرك وتصلح ما نتج عن حدتها.

ولذلك حين تعرض الأعمال يومي الاثنين والخميس يغفر لكل مؤمن إلا المتخاصمين فيقال: ( أنظروا هذين حتى يصطلحا). وفي رواية ( اتركوا هذين حتى يفيئا) ، ( وخيرهما الذي يبدأ بالسلام).

والمتوقع من المؤمن الصادق أنه يسرع الفيئة ويسابق إلى الصلح، أما من يلجُّ في الخصومة ويغرق في التمادي فإن ( أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم). وفسره ابن حجر رحمه الله تعالى بأنه: شديد العَوَج، كثير الخصومة.

بل إن من صفات المنافق أنه: ( إذا خاصم فجر)، يقول ابن حجر رحمه الله ( والفجور الميل عن الحق و الاحتيال في رده)، وكم يكون عظيما ذلك الذي يذل للمؤمنين، ويؤوب إلى الرشد، ويعجل إلى ربه ليرضى عنه.

أبو بكر يضرب أروع الأمثلة

ولقد ضرب أبو بكر الصديق رضي الله عنه مثلا رفيعا في سرعة الفيئة حين علم أن مسطح بن أثاثة الذي يأكل من نفقة أبي بكر كان قد شارك في اتهام ابنته السيدة عائشة بحديث الإفك، فأقسم أبو بكر ألا ينفق عليه، ونزل قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، فما أن سمع أبو بكر خاتمة الآية حتى صاح: ( بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي) وتغلّب على عواطفه التي تدعوه للثأر لِعرْض ابنته البريئة ( فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا).

الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل

ليس العيب في الوقوع في الخطأ إذ ( كل بني آدم خطّاء، وخير الخطاءين التوابون)، وإنما تكمن المصيبة في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل، مع أن أبواب الرحمة مُفتّحة تدعونا لسرعة الفيئة ( إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها) وتستطيع تجاوز العقبة بأن تكون صريحا مع نفسك وتعترف بخطئك، وهذه بداية طريق التوبة والفيئة إلى الله ( فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه) وإذا كان ربنا يدعونا إلى سعة رحمته ويقابل ضعفنا بإحسانه فما الذي يبطئ بنا عن إصلاح أنفسنا، وما الذي يحول بيننا وبين الفيئة السريعة والرجعة النصوح؟ وقد جاء في الحديث القدسي: (.. وإن تقرب إليّ شبرا تقربت إليه ذراعا، وإن تقرب إليّ ذراعا تقربت إليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة).

فهرول أيها العبد إلى رحمة الله وإياك والتسويف.

إن الذي يحول دون التعجيل بالتوبة الوقوع في قيد الإصرار، ولقد ترجم البخاري أحد أبواب كتاب الإيمان بقوله: ( خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لا يشعر... وما يُحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى: (وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، ويعلق ابن حجر على هذا الباب: ( .. وكأن المصنف لمّح بحديث عبد الله بن عمرو المخرج عند أحمد مرفوعا قال: " ويل للمصرّين الذي يصرّون على ما فعلوا وهم يعلمون" أي يعلمون أن من تاب تاب الله عليه ثم لا يستغفرون. قاله مجاهد وغيره). وصورة الإصرار كما فسرها الشوكاني رحمه الله: ( العزم على معاودة الذنب وعدم الإقلاع عنه بالتوبة منه). فهل يختار المؤمن مصير الويل أم يقاوم هواه ويستعلي على نزوات الشيطان لينطلق من قيدها ساعيا إلى رحمة الله؟.

إن خلق سرعة الفيئة من أول ما يطالعك في أول منازل الآخرة حيث تأتيك البشرى بالخير ويقول لك عملك : (أنا عملك الصالح، كنت والله سريعا في طاعة الله، بطيئا عن معصية الله؛ فجزاك الله خيرا) أو تأتيك البشرى بالشر ويقول لك عملك: ( أنا عملك الخبيث، كنت بطيئا عن طاعة الله، سريعا في معصية الله؛ فجزاك الله شرا).

فإذا أسأت فأحسن، وإذا أذنبت فاستغفر؛ لعل عملك يشهد لك بالسرعة في طاعة الله ، وإذا أخطأت في حق أحد فبادر بالاعتذار ، واستحضر قول بعض الأئمة frown emoticon لأن أكون ذنبا في الحق خير من أن أكون رأسا في الباطل).

وفقنا الله والمسلمين لكل بر وخير، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #787
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-07-2015, 10:01 PM
Parent: #1

الأدب مع المخالف
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فيجب على الداعية المنصف أن يتأدب مع المخالفين، وأن يتسع صدره لانتقاداتهم، والتي قد لا تكون منصفة بدورها، فهم وإن عصوا الله -تعالى- فيه فلا يبرر ذلك أن نبادلهم معصية بأخرى.
وقد بلغ الإنصاف بالإمام ابن تيمية -رحمه الله- أن اتسع صدره لمن كفّره وبدّعه وفسّقه، فيقول في كلام بديع:

"وَأَنَا فِي سعَةِ صَدْرٍ لِمَنْ يُخَالِفُنِي، فَإِنَّهُ وَإِنْ تَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيَّ بِتَكْفِيرِ، أَوْ تَفْسِيقٍ، أَوْ افْتِرَاءٍ، أَوْ عَصَبِيَّةٍ جَاهِلِيَّةٍ؛ فَأَنَا لا أَتَعَدَّى حُدُودَ اللَّهِ فِيهِن، بَلْ أَضْبُطُ مَا أَقُولُهُ وَأَفْعَلُهُ، وَأَزِنُهُ بِمِيزَانِ الْعَدْلِ، وَأَجْعَلُهُ مُؤْتَمًّا بِالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ وَجَعَلَهُ هُدًى لِلنَّاسِ حَاكِمًا فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ اللَّهُ -تَعَالَى-:

{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ} (البقرة:213)، وَقَالَ -تَعَالَى-: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (النساء:59)، وَقَالَ -تَعَالَى-: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد:25).
وَذَلِكَ أَنَّك مَا جَزَيْت مَنْ عَصَى اللَّهَ فِيك بِمِثْلِ أَنْ تُطِيعَ اللَّهَ فِيهِ: {إنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ} (النحل:128)".

ومن الأدب مع المخالفين: أن يتورع المسلم عن لمزه أو الإساءة إليه بأي صورة مِن الصور، ولا سيما إن كان ذلك يجره إلى التقول عليه بغير علم، أو رميه بما ليس فيه، فإن صفة المؤمنين هي أن ينزهوا أنفسهم عن الصيد في الماء العكر، واستغلال الفرص للإساءة للمخالفين.

ويأتينا الدرس هنا مِن النساء، وقد اعتدنا في دنيا النساء على التخليط وترديد الإشاعات، والنيل مِن المخالفات عن طريق الغيبة، والوقوع في الأعراض، لكن هذا المثل السامق يكشف لنا عن طيب معدن المرأة المسلمة في موقف زينب بنت جحش -رضي الله عنها- مِن محنة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- الطاهرة المبرأة لما قيل في حقها ما هي بريئة منه، وكانت محنة للجميع، فها هي ذي عائشة الطيبة الطاهرة تُرمى في أعز ما تعتز به، ترمى في شرفها، وهي ابنة الصديق الناشئة في العش الطاهر الرفيع، وترمى في وفائها، وهي الحبيبة المدللة القريبة مِن ذلك القلب الكبير، ثم ترمى في إيمانها، وهي المسلمة الناشئة في حجر الإسلام، من أول يوم تفتحت عيناها فيه على الحياة، وهي زوج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

ها هي ذي ترمى، وهي بريئة غافلة، لا تحتاط لشيء، ولا تتوقع شيئًا؛ فلا تجد ما يبرئها إلا أن ترجو في جناب الله، وتترقب أن يرى رسول الله رؤيا تبرئها مما رميت به، ولكن الوحي يتلبث ـ لحكمة يريدها الله ـ شهرًا كاملاً، وهي في مثل هذا العذاب.

ولقد سأل النبي -صلى الله عليه وسلم- في شأنها قبل نزول القرآن ببراءتها، فكان ممن سألهم: زوجه السيدة زينب بنت جحش -رضي الله عنها-، فماذا كان ردها؟.

قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْأَلُ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ: "يَا زَيْنَبُ مَاذَا عَلِمْتِ أَوْ رَأَيْتِ؟". فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلا خَيْرًا. قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهِيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ. (متفق عليه).

وهكذا المؤمنون في غيرتهم أو خلافاتهم قوم أطهار يطلبون المعاذير، ويبعدون عن أنفسهم قول السوء وظن السوء، ويدركون حجم الأذى الذي قد تمثله كلمة في غير موضعها، ولذا قيل: "إن المؤمن لسانه من وراء قلبه، إن تكلم بكلمة مرت على قلبه، فإن أنكرها؛ تورع عنها، وإن أقرها؛ تكلم بها، والمنافق عكس ذلك يسعى بالسوء ويحب الإساءة".
وهذا ما وصفه الله -تعالى- متوعدًا أولئك الذين يرمون الناس بما ليس فيهم فقال: {وَمَن يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (النساء:112).

وهذا ما قاله -أيضًا- الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- فيما ما صح في الحديث: "آيَةَ الْمُنافِق ثَلاثٌ: إِذا حَدَّثَ كَذَب، وَإِذا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ". (متفق عليه)، وفي الحديث الآخر: "أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَلَّةٌ مِنْ نِفَاقٍ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ" (متفق عليه)، فهو فاجر في خصومته يرمي الآخرين بما ليس فيهم.

ومن الأدب مع من يخالفك: عدم الإلزام بما لم يلتزمه المخالف، فمن الإنصاف: عدم تقويل الشخص ما لم يقله، أو إلزامه بما لم يلتزم به، وعدم تحميله ما لم يتحمله، وإزالة اللبس عن كلامه، وحمل كلامه على ما يريد، ولو استطاع أن يحمله على أحسن المحامل فذاك حسن.

ونبراسنا في هذا: ما جاء في الحديث عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلاً، فَقَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، فَطَعَنْتُهُ. فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَقَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَقَتَلْتَهُ؟" قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنْ السِّلاحِ. قَالَ: "أَفَلا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لا؟"، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ. (متفق عليه).

فمن الإنصاف: أن لا نسيء الظن بغير بينة واضحة، بل يجب أن نكف في حال اللبس حتى تكون الصورة واضحة جلية، روي أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم- عن الشهادة، فقال له: "هل ترى الشمس؟". قال: نعم. قال: "على مثلها فاشهد أو دع" (رواه الحاكم والبيهقي، وضعفه الحافظ ابن حجر وغيره، وقال ابن حزم -رحمه الله-: لا يصح سنده، لكن معناه صحيح).
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وكل أهل نحلة ومقالة يكسون نحلتهم ومقالتهم أحسن ما يقدرون عليه مِن الألفاظ، ومقالة مخالفيهم أقبح ما يقدرون عليه مِن الألفاظ، ومَن رزقه الله بصيرة، فهو يكشف به حقيقة ما تحت تلك الألفاظ من الحق والباطل، ولا تغتر باللفظ".
كما قيل في هذا المعنى:
تـقـول هــذا جنى النـحل تمـدحـه وإن شـئت قلت ذا قيء الزنابـيـر

مدحًا وذمًا وما جاوزت وصفهما والحـق قـد يعـتـريه سوء تعـبيـر

فإذا أردتَ الاطلاع على كنه المعنى: هل هو حق أو باطل؟ فجرده من لباس العبارة، وجرد قلبك عن النفرة والميل، ثم أعط النظر حقه، ناظرًا بعين الإنصاف، ولا تكن ممن ينظر في مقالة أصحابه ومَن يحسن ظنه به نظرًا تامًا بكل قلبه، ثم ينظر في مقالة خصومه ومَن يسيء ظنه به كنظر الشزر والملاحظة؛ فالناظر بعين العداوة يرى المحاسن مساوئ، والناظر بعين المحبة عكسه، وما سلم مِن هذا إلا مَن أراد الله كرامته، وارتضاه لقبول الحق، وقد قيل:

وعـيـن الرضا عـن كل عيب كـليلة كما أن عين السخط تبدي المساويا

وقال آخر:

نظروا بعين عداوة لو أنها عين الرضا لاستحسنوا ما استقبحوا

ولهذا جاء في دعائه -صلى الله عليه وسلم-: "اللهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَأَسْأَلُكَ شُكْرَ نِعْمَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ حُسْنَ عِبَادَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ قَلْبًا سَلِيمًا، وَأَسْأَلُكَ لِسَانًا صَادِقًا، وَأَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ مَا تَعْلَمُ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا تَعْلَمُ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لِمَا تَعْلَمُ، إِنَّكَ أَنْتَ عَلامُ الْغُيُوبِ". (رواه أحمد والنسائي وابن حبان، وصححه الألباني).

ومن الأدب مع المخالف: الإنصاف في نقل الشبهات عن أهلها والرد عليها، ونقصد بذلك أن المسلم إن احتاج أن ينقل شبهة قد انتشرت واستشرت فلينقلها دون أن يُغفل بعض مواطنها؛ ليكون منصفًا، فإنه لا بد أن ينقلها بأمانة.
وليعلم بأن على الحق نورًا، وأن عليه أن يبحث عن الحق، ويتعب نفسه في الاستقصاء للدفاع عنه، والقيام بما هو واجب عليه في الرد على الشبهات. أما في حال الخوف مِن عدم القدرة على أداء هذا الواجب كما ينبغي؛ فليُحل الأمر لغيره حتى لا يسيء مِن حيث لا يدري.

وفي "القرآن الكريم" نفائس مِن الردود على المخالفين بعد نقل شبهاتهم، قال -تعالى-: {وَقَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللّهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (البقرة:80)، من ذلك: قوله -تعالى-: {وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ} (البقرة: 116)، وقوله -تعالى-: {فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة:81)، وقوله -تعالى-: {فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} (فصلت:15).
فَنَقـْل الشبهة حيث قالها صاحبها ثم الإتيان عليها بالرد المفحم كفيل بقطع كل حجة بكل أدب وإنصاف؛ فهلا كنا مِن المؤمنين الأطهار قولاً وفعلاً؟!.
أسأل الله -تعالى- لنا جميعًا ذلك، آمين.
ياسر عبد التواب

Post: #802
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:27 AM
Parent: #787

أسباب استمالة قلوب الناس
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ..
سبحان الذي جمع قلوب المؤمنين على المودة، و جعلهم في توادهم كالجسد الواحد، ومن علامات الإيمان : مودة بعضهم لبعض، وهو -عز وجل- الذي ألف بين قلوبهم بإيمانهم به، {هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ}(الأنفال :62-63).

فاجتمعوا وتآلفوا، ولم يكن هذا بسعي أحد ولا قوة أحد إلا الله -عز وجل-، فلا يقدر على تأليف القلوب إلا الله، قال ابن عباس رضي الله عنهما : إن الله إذا قارب بين القلوب، لم يزحزحها شيء.
وهذه المودة التي جعلها الله -سبحانه وتعالى- في قلوب هؤلاء المؤمنين بسبب هذا الإيمان، كما أخبرهم {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (مريم:96).

أي يلقي بينهم المحبة، فيحب بعضهم بعضا، فيتراحمون ويتعاطفون بما جعل الله في قلوبهم من هذه المحبة التابعة لمحبته، وأهل المعاصي والفسوق، إذا كان بينهم نوع مودةٍ فإنها سرعان ما تنقلب، وتستحيل إلى عداوة وكثيراً ما تكون في الدنيا قبل الآخرة، فهو معجّل.
هذه المودة بين المؤمنين ليست لأجل نسبٍ ولا مال.

إنا وإن لم يكن بيننا نسب *** فرتبة الودِ تعلو رتبة النسب

هذه إذا تفكر فيها الإنسان وجدها من جذوة الإيمان

ولَقَدْ صَحِبْتُ الناسَ ثُمَّ سَبَرْتُهُمْ *** وبَلَوْتُ ما وَصلُوا منَ الأسبابِ

فإذا القَرابَةُ لا تُقَرِّبُ قاطِعاً *** وإذا المَوَدَّةُ أقربُ الأسبابِ

وحرّم على النار كما قال -عليه الصلاة والسلام- : "حُرِّمَ عَلَى النَّارِ كُلُّ هَيِّنٍ، لَيِّنٍ، سَهْلٍ، قَرِيبٍ مِنْ النَّاسِ"(أحمد وصححه الألباني) .
وأخبر -صلى الله عليه وسلم- فقال : "الْمُؤْمِنُ آَلِفٌ مَأْلُوفٌ، وَلَا خَيْرَ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ " وحسنه في الصحيحة (427) .
قال ميمون بن مهران: " التودد إلى الناس نصف العقل ".

الأسباب الشرعية في تحصيل المحبة وكسب القلوب

ولهذه المودة أسباب، ولها طرق في تحصيلها بالإضافة إلى توفيق الله -عز وجل- وأساس الإيمان الذي بنيت عليه .
وقد كثرت الدورات النفسية التي تطل على الناس بمدربين وكتاب، ومعاهد ودورات، كيف تصبح محبوباً، كيف تكون رجل علاقات ناجحاً، كيف تكون جذاباً، كيف تكسب مودة الآخرين، وغفل كثير من هؤلاء المدربين والمتدربين عن الأسباب التي وردت في الشرع في تحصيل المحبة وكسب القلوب، وأساس القضية يا عباد الله كما تقدم ويوضحه حديث جبريل، قال -عليه الصلاة والسلام- : "إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ. ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ. قَالَ: ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ. وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ: إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ، فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ، فَيُبْغِضُونَهُ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ"متفق عليه، واللفظ لمسلم.

هذه المحبة التي جعلها الله في قلوب الناس لهذا المؤمن الذي اقترب من ربه فأحبه، هذه المودة الموعود بها، {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً} (مريم:96).إنها مشاهدة في القديم والحديث، قال سهيل بن أبي صالح – رحمه الله - : كنت مع أبي في يوم عرفة، فوقفنا لننظر إلى عمر بن عبد العزيز، وكان أمير الحج وقائد الناس في الموسم.
فقلت: يا أبتاه، والله إني لأرى اللهَ يُحِبُّ عمرَ.
قال : بمَ ؟
قلت : لما أُراه دَخلَ له في قلوب الناس من المودة، وأنت سمعت أبا هريرة -سهيل بن أبي صالح يحدث عن أبيه عن أبي هريرة ويقول لأبيه الحديث الذي حدثه به - يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: إن الله قد أحب فلانا فأحبوه.." . سير أعلام النبلاء (5 / 119).

ولذلك لا بد في تحصيل محبة الناس من العودة إلى الأصل، واتباع الأسباب الإيمانية الجالبة لذلك ومنها متابعة محمد -صلى الله عليه وسلم-، {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}(آل عمران: من الآية31). فإذا أحبكم الله نادى جبريل فنادى أهل السماء فتوضع المحبة في الأرض، فيجتمع عليك الناس يا عبد الله وتلقى محبتك في قلوبهم.

فهم بسلطان التقى اتخـــ ـذوا قلوب الناس جندا

وعن زيد بن أسلم قال: " كان يقال: من اتقى الله أحبه الناس وإن كرهوا ". الدر المنثور (1/534).
وعن قتادة أن هرم بن حيان كان يقول: " ما أقبل عبد بقلبه إلى الله عز وجل إلا أقبل الله بقلوب أهل الإيمان إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم ". الزهد الكبير للبيهقي (2 / 313).

وسائل استمالة القلوب وكسب محبة الناس

1.الزهد في الدنيا

ومن وسائل استمالة القلوب وكسب محبة الناس الزهد في الدنيا، وقد جاء رجل كان له همّ في هذا الجانب إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال : يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا أَنَا عَمِلْتُهُ أَحَبَّنِي اللَّهُ وَأَحَبَّنِي النَّاسُ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ازْهَدْ فِي الدُّنْيَا يُحِبَّكَ اللَّهُ، وَازْهَدْ فِيمَا فِي أَيْدِي النَّاسِ يُحِبُّوكَ".رواه ابن ماجه (4102) وحسنه النووي، وصححه الألباني.

فمن سأل الناس ما بأيديهم كرهوه وأبغضوه لأن المال محبوب للناس، فإذا نازعتهم في محبوبهم حصل ما حصل من النفرة، فإذا استغنيت عن ما في أيديهم اجتمعوا عليك وأقبلوا.
قال أعرابيٌّ لأهل البصرة : من سيِّدُ أهل هذه القرية ؟
قالوا : الحسن .
قال : بم سادهم ؟
قالوا: احتاجَ الناسُ إلى علمه، واستغنى هو عن دنياهم.

وكتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه: " أما بعد فإني أوصيك بتقوى الله، والزهد في الدنيا والرغبة فيما عند الله، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده، وأحبك الناس لتركك لهم دنياهم، والسلام ".شعب الإيمان(7 / 381).

2.إفشاء السلام

ومن وسائل استمالة القلوب الشرعية: إفشاء السلام، ولذلك قال -عليه الصلاة والسلام- "لَا تَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَوَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى شَيْءٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ: أَفْشُوا ( إفشاء، إعلان، إشهار، نشر، إكثار، ممارسة عملية، باستمرار ) السَّلَامَ بَيْنَكُمْ".رواه مسلم (54) .
إنه يغرس المحبة، ويزيل العداوة،
قال الحسن البصري : " المصافحة تزيد في المودة".
قال بعض السلف : ( تَصَافَحُوا يَذْهَبُ الْغِلُّ ).

وقال إبراهيم بن محمد بن عبد العزيز الزهري: خرَجتْ لأبي جائزته [ من الخليفة، من بيت المال ]، فأمرني أن أكتب خاصته وأهل بيته – يدون الأسماء، لأن توزيع ما يأتي من الرزق كان من سنن السلف -، ففعلتُ.
فقال لي: تَذَكَّر، هل بقي أحد أغفلناه.
قلت: لا .
قال: بلى، رجل لقيني فسلم علي سلاماً جميلاً، صفته كذا وكذا، اكتب له عشرة دنانير.مكارم الأخلاق صـ 113.

3.الابتسامة وطلاقة الوجه

من وسائل استمالة القلوب الابتسامة والبشاشة وطلاقة الوجه، وهذا الذي أخبر به -عليه الصلاة والسلام- بقوله : "لَا تَحْقِرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ".(رواه مسلم).
إن نور الوجه حين يبتسم يجعل القلب أسيراً في رضاه، وهذه الابتسامة طيبة، كلمة من غير حروف، لا تكلف كثيراً لكنها تعني الكثير.

4.الزيارة في الله

ومن وسائل استمالة القلوب الشرعية الزيارة في الله: وقد كان من هديه -عليه الصلاة والسلام- أن يزور أصحابه.
إن أردتم من صديق *** وصل ودٍّ أو قراره

فـعــليــكــم بـالـزيارة *** تارة من بعد تارة

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَرْيَةٍ أُخْرَى فَأَرْصَدَ اللَّهُ لَهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا. فَلَمَّا أَتَى عَلَيْهِ قَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ. قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ الْقَرْيَةِ. قَالَ: هَلْ لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةٍ تَرُبُّهَا؟. [ أَيْ تَقُوم بِإِصْلَاحِهَا , وَتَنْهَض إِلَيْهِ بِسَبَبِها، علاقة مالية ].
قَالَ: لَا، غَيْرَ أَنِّي أَحْبَبْتُهُ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ".رواه مسلم (2567).
مَنْ زَارَ غِبًّا أَخًا دَامَتْ مَوَدَّتُهُ *** وَكَانَ ذَاكَ صَلَاحًا لِلْخَلِيلَيْنِ

5.الإحسان إلى الناس

ومن الوسائل أيضاً الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم، فقد جبلت القلوب على الميل لمن أحسن إليها، وقال عمر بن الخطاب لسعيد بن عامر [ وكان واليا على الشام ]: ما لأهل الشام يحبونك.
فقال : لأني أعاونهم وأواسيهم . المستدرك على الصحيحين (4 / 441).
والإحسان إلى الناس ليس فقط طريقاً لمحبتهم، وإنما هو أيضاً محبة الله لهذا المحسن، "أَحَبُّ النَّاسِ إِلَى اللهِ أَنْفَعُهُمْ للناس".حسنه الألباني. {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(البقرة : 195).
فهذا السخاء يأسر القلوب ..

عَنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ قَالَ: أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَإِنَّهُ لَأَبْغَضُ الْخَلْقِ إِلَيَّ، فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ. رواه الترمذي (666) وصححه الألباني.
وقال الحسن: " مَنْ بَذلَ دِرهَمَهُ أحبهُ الناسُ طَوْعاً وكَرْهاً ". محاضرات الأدباء (1 / 296) .

ثم إدخال السرور عليهم، مما يجمعهم عليك، وأحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، وهذه عبادة، ولو كانت بطرفة تفرج به عن أساريره إذ اجتمعت عليه أسباب الكرب وغموم الدنيا .

وأما إطعام الطعام ودعوة الناس إليه، فإنه أيضاً مما يجعل ما بينهم محبة لمن أطعمهم، يجعل فيهم محبة لمن أطعمهم، وإهدائهم له إثر عجيب، فلذلك قال : "تهادوا تحابوا". حسنه الألباني.
وعن أنس قال: " يا بني! تبادلوا بينكم -يعني الهدايا- ؛ فإنه أودّ لما بينكم". صحيح الأدب المفرد..
فهي تسل السخيمة, وتجلب المودة، وتزرع المحبة، وتنفي الضغينة, وتصّير البعيد قريباً، والعدو صديقاً، والبغيض ولياً، والثقيل خفيفاً.

ثلاث تكسبك محبة الناس: التواضع, والإهداء, والإصغاء.
وحفظ الجوار أيضاً، فإنك إذا بذلت له ما بذلت، وعدته في مرضه، وعزيته في مصيبته، وهنأته في فرحته، وصفحت عن زلته، وسترت عورته، فإنه يحبك بلا ريب.

ثم إن الثناء على الناس بالحق يستجلب القلوب أيضاً، وقد كان -عليه الصلاة والسلام- يثني على أصحابه بالحق، ليلفت أنظار الآخرين ما تميز به فلان وفلان.
قالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: جَاءَ رَجُلٌ إلَى أَبِي فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ بِشْرٍ بن الحارث, فَذَكَرُوهُ – يعني ذكروا أحمد بن حنبل في مجلس بشرٍ - فَأَثْنَى عَلَيْهِ بِشْرٌ، وَقَالَ: لَا يَنْسَى اللَّهُ لِأَحْمَدَ صَنِيعَهُ، ثَبَتَ وَثَبَتْنَا، وَلَوْلَاهُ لَهَلَكْنَا.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: وَوَجْهُ أَبِي يَتَهَلَّلُ.
فَقُلْت: يَا أَبَتِ أَلَيْسَ تَكْرَهُ الْمَدْحَ فِي الْوَجْهِ؟
فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إنَّمَا ذُكِرْت عِنْدَ رَجُلٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، وَمَا كَانَ مِنِّي فَحَمِدَ صَنِيعِي، وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ)).الآداب الشرعية (4/149). [ والحديث صححه الألباني في الصحيحة].

فإذاً مدحه بالحق، وكانت شهادة بغير طلب، وليست كما يفعل اليوم من طلب المدح واستجلابه بالمال، وشهادة زور تقال في أبيات لا تغني عند الله شيئاً، ولذلك قال: احثوا في وجوه المدّاحين التراب. فهذا المدح بالباطل، الذي جعل الشاعر فيه بضاعته المدح، يستأكلون به الممدوحين، فأما المدح بالحق دون طلبٍ تأتي شهادة يجريها الله على ألسن عباده بالثناء على صلاح أحد من الصالحين، أو معروفه، فهذه شهادة بالحق ومن عاجل بشرى المؤمن، ((أنتم شهداء الله في الأرض)).

ثم الدعاء بالشكر، إذا قصرت يداك بالمكافأة فليطل لسانك بالشكر والدعاء، وحسن الكلام والكلمة الطيبة، له أثر في تأليف القلوب واستجلاب المحبة، كسبت مطلقة زوجها مرة أخرى بحلاوة منطقها وطيب خلقها، فقد طلق الحسن بن علي امرأتين – رضي الله عنه ورحمه - قرشية وجعفية وبعث إلى كل واحدة منهما عشرين ألفاً.

وقال للرسول: احفظ ما تقول كل واحدة منهما , فقالت القرشية: جزاه الله خيراً, وقالت الجعفية: متاع قليل من حبيب مفارق- كل هذا المال بجانب المفارقة قليل، فهو أثمن من المال،ـ فهي لا زالت تحبه مع أنها فارقها- فأعجبه قولها، وراجعها.

وقال أحد الصالحين: " لا يكسب محبة الناس في هذا الزمان إلا رجل خفيف المؤونة عليهم، وأحسَنَ القولَ فيهم، وأطابَ العشرة معهم ". حلية الأولياء (9 / 376).
كم تأتي هذه الكلمة الطيبة بحسناتٍ تجمع القلوب، وتسوي صفوفاً قد تمزقت، وتزيل أحقاداً في نفوسٍ قد اجتمعت .
وحسن الإصغاء كذلك، " كان -عليه الصلاة والسلام- إذا حدث أحد التفت إليه بوجهه وأصغى إليه، ولا يقطع عليه كلامه .
من لي بإنسان إذا أغضبته *** وجهلتُ كان الحلمُ ردَ جوابه

وتراه يصغي للحديث *** بطرفه وبقلبه، ولعله أدرى به

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجدّ، وأصلي وأسلم على محمد بن عبد الله أشهد أنه رسول الله، والداعي إلى سبيله، أرسله الله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً، بين يدي الساعة وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، اللهم صل وسلم عليه وبارك عليه، وعلى أصحابه، وآله وخلفائه، وأزواجه، والتابعين له بإحسان إلى يوم الدين يا رب العالمين.
تكلمنا في مقال سابق عن خمسة أسباب لكسب القلوب واستمالتها، وفي هذا المقال نكمل ما بدأنا الحديث عنه من هذه الأسباب، وهي:

6.إظهار التوقير للناس وإنزالهم منازلهم

فإظهار التوقير والاحترام للناس، وإنزال الناس منازلهم كذلك مما يجمع المحبة في القلب لهذا الذي أعطي الفخرالذي في نفسه ، وقد استعمل النبي -عليه الصلاة والسلام- هذا مع سادات الجاهلية كالأقرع بن حابس، وأبي سفيان، وعيينة بن حصن، وثمامة بن أثال...وهكذا فأسلموا ودخلوا في الدين، يدخل عليه هذا فيكرمه ويبسط له ثوبه، ويؤثره بالوسادة التي عنده، و يقول : "من دخل دار أبي سفيان فهو آمن".

إنزال الناس منازلهم، وإشباع ما في نفوسهم من أمورٍ لا تتعارض مع الشرع، بل هي من المداراة، و"إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم"، ورحمة الصغير، ومراعاة الطبائع، مراعاة الطبائع تستجلب المحبة، وقد قسم الله الأخلاق كما قسم الأرزاق، فمن الناس من هو هيّن ليّن يترقرق البشر من وجهه، ومنه من هو فظّ صعب المراس كأنما قُدّ وقطع من صخر، ومنهم من هو مبتغي بين ذلك سبيلا، قال -عليه الصلاة والسلام- "إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الْأَرْضِ، فَجَاءَ مِنْهُمْ الْأَحْمَرُ، وَالْأَبْيَضُ، وَالْأَسْوَدُ،- هذه ألوان الطين والتراب في العالم، جاء منها البشر، لكن أليس من الأرض صخرية ورملية وطينية تمسك ولا تمسك، وتخضر وقاحلة- مجدبة - وَبَيْنَ ذَلِكَ، وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ، وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ".أبو داود (4693), وصححه الألباني.
يعني كذلك نفوس الناس الذين خلقوا من هذه القبضة التي هي من جميع الأرض جاءت نفوسهم بحسب طبائع هذه التربة التي خلقوا منها .

وبهذه يعلم أن معاملة الناس على حسب طبائعهم سنّة نبوية تستجلب القلوب، وقد عامل النبي -عليه الصلاة والسلام- أصنافاً من البشر كانت في نفوسهم صعوبات، وكانت فيها مشاكسات، وفي بعضهم شّدة وغلظة، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُهْدِيَتْ لَهُ أَقْبِيَةٌ مِنْ دِيبَاجٍ مُزَرَّرَةٌ بِالذَّهَبِ –هذه تصلح للإهداء للنساء، في عطايا النساء، وتعطى للرجال ليعطوها نساءهم -، فَقَسَمَهَا فِي نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، وَعَزَلَ مِنْهَا وَاحِداً لِمَخْرَمَةَ بْنِ نَوْفَلٍ، فَجَاءَ وَمَعَهُ ابْنُهُ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَقَامَ عَلَى الْبَاب.

فَقَالَ: ادْعُهُ لِي، فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ فَأَخَذَ قَبَاءً فَتَلَقَّاهُ بِهِ وَاسْتَقْبَلَهُ بِأَزْرَارِهِ فَقَالَ:"يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ، يَا أَبَا الْمِسْوَرِ خَبَأْتُ هَذَا لَكَ"، وَكَانَ فِي خُلُقِهِ شِدَّةٌ. البخاري (6132) .
فهذه ملاطفة وعطية وحسن استقبالٍ به تزول الشّدة، وتستصلح النفوس .

7.المدارة

عباد الله، علمنا نبينا -صلى الله عليه وسلم- مداراة الناس، وهذه التي تجعل العدو ولياً حميما، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: "بئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ ". – هذه فعلاً صفته من الذم -.
فَلَمَّا جَلَسَ تَطَلَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطَ إِلَيْهِ فَلَمَّا انْطَلَقَ الرَّجُلُ قَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ رَأَيْتَ الرَّجُلَ قُلْتَ لَهُ كَذَا وَكَذَا ثُمَّ تَطَلَّقْتَ فِي وَجْهِهِ وَانْبَسَطْتَ إِلَيْهِ – يعني لما دخل وجلس إليك اختلف الكلام عن التعليق عليه قبل أن يدخل عليك - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يا عَائِشَةُ مَتَى عَهِدْتِنِي فَحَّاشًا إِنَّ شَرَّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ شَرِّهِ"البخاري (5572).
هذه المداراة لهؤلاء العتاة، من الذي يريد هدايتهم مهمة لجلبهم إلى طريق الحق.

لم يتنازل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن شيءٍ من الدين، لم يقل عن باطلٍ إنه حق، أو عن حق إنه باطل، لم يغير الأحكام الشرعية من أجل هذا الرجل ولا من أجل غيره، المداراة شيء والمداهنة شيء آخر، المداراة لين الكلام، بشاشة الوجه، هدية، لأجل استمالة هؤلاء الأعداء، وهؤلاء العصاة، أما المداهنة فهي الثناء عليه بالباطل، وقول الباطل بين يديه ونحو ذلك، وأن الناس يحبون المتواضع وصاحب لين الجانب، {فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}(المائدة: من الآية54). {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}(آل عمران: من الآية159).

فاللين هو الذي جمعهم عليه إذاً، وهذا التواضع أيضاً، وعندما تستقبل أخاك فتوسع له في المجلس، المزدحم لا يجد مكانا يجلس فيه، وتدعوه بأحب الأسماء إليه، فإنه لا ينسى لك هذا المعروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما : " ثلاثة لا أُكافئهم – لا أستطيع أن أقابلهم في معروفهم -، رجل بدأني بالسلام، ورجل وسع لي في المجلس، ورجل اغبرت قدماه في المشي إليّ يريد السلام عليّ ".
أنا الذي يكون اسمي عالياً*** بين البوادي ظاهراً وبادياً

فاحفظ ودادي أيها المناديا *** إن كنت تريد مني وداديا

وهكذا يتودد الإنسان إلى هؤلاء الإخوان بما يستجلب قلوبهم، واجتماع قلوب المؤمنين من مقاصد الشريعة لأن الشريعة تريد أن يكون المجتمع الإسلامي متآلفاً مجتمعاً، وأن يكون يداً واحدة ولذلك فإن استعمال هذه الأسباب الشرعية عظيم جداً، ومنه السماحة في المعاملة . "رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا إِذَا بَاعَ وَإِذَا اشْتَرَى وَإِذَا اقْتَضَى". البخاري (2076).

يعني طالب بحقه وطالب بدينه، وهكذا التنازل عن الحقوق، وهكذا أيضاً العفو والصفح، ولا تستوي الحسنة {وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}(فصلت: من الآية34).
فإذا قطعوك صلهم، وإذا أساءوا إليك فأحسن إليهم، وإذا ظلموك فاعف عنهم، وإذا اشتدوا عليك فعاملهم باللين، وإذا هجروك فاقترب منهم، طيب الكلام مع بذل السلام، مع الدعوة للطعام، تأتي بالنتائج العظام، وما زاد الله عبداً بعفوٍ إلا عزاً، {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}(آل عمران: من الآية134)، وكان بين حسن بن الحسن، وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء من الخصومة، فما ترك حسن شيئاً إلا قاله ( يعني من السب والشتم )، وعلي ساكت، فذهب حسن، فلما كان في الليل، أتاه علي بن الحسين فقال له: يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا، فغفر الله لك، والسلام عليك.
فالتزمه حسن، وبكى حتى رُثي له . سير أعلام النبلاء (4 / 397).

وقال معاوية: يا بني أمية فارقوا قريشا بالحلم، فوالله لقد كنت ألقى الرجل في الجاهلية فيوسعني شتما، وأوسعه حلما، فأرجع وهو لي صديق، إن استنجدته أنجدني، وأثور به فيثور معي، وما وَضع الحلم عن شريف شرفه ولا زاده إلا كرما .

8.حسن السمت واللباس

وممن يستجلب مودة القلوب أيضاً حسن السمت وحسن اللباس وطيب الرائحة، “إن الله جميل يحب الجمال” مسلم.
وقال عمر ابن الخطاب رضي الله عنه: " إنه ليعجبني الشاب الناسك، نظيف الثوب، طيب الريح".
فكيف بمن يأتي بيت الله بثوب النوم دون أدنى إزالة بما علق به، من بعد قيامه من النوم .

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد: " ما رأيت أحداً أنظف ثوبا، ولا أشد تعهدا لنفسه، وشاربه، وشعر رأسه، وشعر بدنه، ولا أنقى ثوبا، وأشده بياضا، من أحمد بن حنبل".
وقد قال تعالى عن موسى عليه السلام: {وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي}(طه:39) هناك محبة يلقيها الله، وهناك أسباب تكملها، وهذه المحبة التي يلقيها الله -عز وجل- فضلاً ونعمة منه لكن أساسها الإيمان، وإرضاء الله -عز وجل- ثم لا يضرك يا عبد الله أن تعلن محبتك لأخيك المسلم إن كنت صادقاً لأن ذلك مما يزيدها شدة، قال -عليه الصلاة والسلام- :"إِذَا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ إِيَّاهُ" رواه الترمذي (3314) وصححه في صحيح الجامع.

وزاد في رواية مرسلة: “فإنه أبقى في الألفة وأثبت في المودة”، وترك المراء ومجادلة الناس للتغلب عليهم وإظهار عوارهم في النقاش، وفضح موقفهم، ترك هذا المراء أيضاً مما يزيل النفرة ويبعدها، ويستجلب المودة، لأن المراء يقسي القلب، والنبي -عليه الصلاة والسلام- علمنا في الجملة من محاسن الأخلاق وطيب المعاشرة، واللطافة والزهد، ولين الجانب، ما نستجلب به قلوب من نعاشرهم، والإنسان اجتماعي بطبعه لا بد من أناس يعاشرهم، في البيت في المكتب، أقارب، في حضر في سفر . وقد أوصى أحد السلف ابنه فقال له:

" يا بني، إن أباك قد فني وهو حي، وعاش حتى سئم العيش، وإني موصيك بما إن حفظته بلغت في قومك ما بلغته.
فاحفظ عني:

ألن جانبك لقومك يحبوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم وجهك يطيعوك، ولا تستأثر عليهم بشيء يسودوك، وأكرم صغارهم كما تكرم كبارهم يكرمك كبارهم ويكبر على مودتك صغارهم، واسمح بمالك، واحم حريمك، وأعزز جارك، وأعن من استعان بك، وأكرم ضيفك، وأسرع النهضة في الصريخ - الإغاثة -، فإن لك أجلاً لا يعدوك، وصن وجهك عن مسألة أحد شيئاً، فبذلك يتم سؤددك. جمهرة خطب العرب(1 / 120).

عباد الله، من الناس من يحاول أن يستميل القلوب بوسائل محرمة، كالسحر ومنه الصرف والعطف، وكالرشوة، وكالظلم إرضاء لمن يريد استمالته، فيظلم آخرين من أجله، المدح الكاذب والنفاق، والثناء بغير حق، الإسراف في الولائم من أجله، النميمة له ليتقرب إليه ويتحبب على حساب من نّم عنهم وظلمهم، السكوت عن منكراتهم.
كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنْ اكْتُبِي إِلَيَّ كِتَابًا تُوصِينِي فِيهِ وَلَا تُكْثِرِي عَلَيَّ.

فَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى مُعَاوِيَةَ: سَلَامٌ عَلَيْكَ أَمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ الْتَمَسَ رِضَا اللَّهِ بِسَخَطِ النَّاسِ كَفَاهُ اللَّهُ مُؤْنَةَ النَّاسِ، وَمَنْ الْتَمَسَ رِضَا النَّاسِ بِسَخَطِ اللَّهِ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى النَّاسِ" وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ . رواه الترمذي وصححه الألباني.
أيها الناس:إرضاء الله ثم إرضاء الله ثم إرضاء الله .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

الشيخ محمد صالح المنجد

Post: #803
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:29 AM
Parent: #802

إنما كانت الفضائل فضائل بالعمل بها لا بالعلم بها، وماذا يفيد العلم بأن الصدق خير إذا لم يعمل به؟ وماذا يفيد التحدث عن فضيلة الإيثارِ، وامتداحُها، والحضُّ عليها من أعلى المنابر وأفخمها، إذا لم تكن هذه الفضيلة مما يتبارى فيه مادحُها والممدوحةُ له؟.

وأقدرُ أمم الأرض على العمل بالفضائل الأمة التي تعمل بها عن سجية متوارثة، لا عن تكلف وتظاهر وتقليد، وقديماً كانت العرب تقول:

ومن يبتدع خُلُقا غير خُلُق نفسه يدعْه وترجعْه إليه الرواجعُ

وإنما استطاع الإسلام أن يثب وثبته الأولى التي لا يزال المؤرخون حائرين في تعليلها، ويعدونها من معجزات التاريخ؛ إذ لم يرَ التاريخ نظيراً لها فيما تقدمها ولا فيما جاء بعدها- لأن الله عز وجل اختار لحمل رسالة الإسلام أمة يُعدُّ الكثيرُ من فضائل الإسلام في جملة سجاياها المتوارثة، وأخلاقها التي طبعت عليها.

وقد جاء الإسلام لينظم هذه الفضائل، وليركز توجيهها إلى الخير، فيبعث فيها نوراً خالداً، وخيراً باقياً إلى أن تشيع معانيها في الأمم الأخرى؛ فتدخل الإنسانية في طور السعادة التي تنشدها ولا تجدها.
وإنما كانت لا تجدها؛ لأنها لا تريد أن تسلك إليها طريقها الذي لا طريق إلى السعادة سواه.

من هذه الفضائل فضيلة الإيثار، وهي فضيلة تتحدث عنها الأمم جميعاً في كتب الأخلاق والفضائل، وتعدها من صفات الإنسانية الممتازة.

ولكنها قَلَّما تستطيع أن تضرب الأمثال العملية والتاريخية على الاتصاف بها إلا في توافه الأمور.

أما في المواقف الجُلَّى، وعندما يتناول الإيثار أفضل ما في الحياة- ولو كان الحياة نفسها- فقلما نجد التاريخ يتحدث عن ذلك إلا بلغة العرب، في تاريخ العرب، عن رجال العرب الذين اختارهم الله لحمل أمانة الإسلام، والتبشير برسالته.

كان فِتْيان من فِتْيان بني إياد قد خرجوا من منازلهم في شواطئ نهر سنداد ...وراء نجران الكوفة، وعلى رأسهم الفتى كعب ابن سيدهم وأميرهم مامة بن عمرو بن ثعلبة بن سلولة بن شبابة الإيادي.

والظاهر أنهم أوغلوا في البادية؛ فضلوا الطريق، ولم يكن معهم إلا بعض الماء، فلما أشرفوا على الهلاك، نزلوا، فجمعوا ما في أسقيتهم من الماء.

واقتسموه على السوية؛ لئلا يكون مع أحدٍ منهم أقلُّ من الذي مع غيره.

وفيما هم سائرون يلتمسون الطريق شَرِبَ الفتيانُ نصيبهم من الماء، واستبقى رئيسهم كعب بن مامة نصيبه لساعة الشدة.

ولما حانت تلك الساعة العصيبة لقيهم أعرابي من بني النمر بن قاسط، فصحبهم، وكان النمريُّ قد اشتد به الظمأ يومه ذاك؛ فجعل ينظر إلى سقاء الأمير الشاب، وفيه تلك البقية من الماء، التي تتوقف عليها حياة مَنْ يَتَبَلَّغ بها، فلحظه كعب، وأدرك أن موقفه من هذا النمري هو الموقف الذي اعتاد العربي أن يشتري فيه فضيلةَ الإيثار، ولو بالحياة كلها، حتى لو كانت حياةَ أمير نبيل، وصاحب شرف أثيل؛ لأنه الموقف الذي يبرهن فيه العربي على كريم معدنه، وأصالة شرفه؛ فآثر كعب بن مامة ضيفه النمري ببقية الماء، التي لم يبق غيرها مع القوم جميعاً في تلك المفازة، ورضيَ لنفسه أن يواجه الموت ظمأً.

ومثل هذه الحادثة الخلقية يرى فيها العربي معنيين من معاني حياته الاجتماعية:

أحدهما: معنى الإيثار الذي ندير الكلام حوله، وهو يكون بين العربي وصاحبه كائناً من كان.

والمعنى الآخر: معنى الضيافة للنازل الطارئ، كهذا الرجل النمري الذي لقي الشبان الإياديين في الطريق، ولم يكن معهم من قبل.
وإمدادُ الضيف بما يحتاج إليه- ولا سيما الغذاء والماء- يعدُّ في دستور العرب حقًّا لا كرماً.

ولما طال الأمر على الإياديين، وهم يسيرون في طلب الماء، اشتد الظمأ على كعب، وَشعُر بأنه لم تبق معه قوةٌ على السير معهم؛ فجعل أصحابه يعللونه بالأمل، ويقولون له: يا كعب، هذا الماء قريب منا، وسَنَرِدُ عليه عن قليل.

لكنه قد بلغ من الإعياء كل مبلغ؛ فمات عطشاً، فلما وصلوا إلى قصر أبيه على شاطئ سنداد أخبروه بما كان منه، وبإيثاره النمريَّ على نفسه بما بقي معه من الماء، فقال أبوه يرثيه:

أوفى على الماء كعبٌ ثم قيل لـه رِدْ كعبُ إنك واردٌ فما وردا

ما كان من سوقة أسقى على ظمأ خمرا بماء إذا ناجودُها بردا

من ابـن مـامــة كعبٍ ثـم عَـيّ بـه ذوو الحوادث إلا حرة وقدا

... إن العارفين بمعنى الزهد على حقيقته كانوا إذا وصفوا أهله قالوا: ليس الزهد أن يكون المرء فقيراً محروماً فيزعم أنه زاهد، ولكن الزهد أن يملك الرجل أقطار الأرض المعمورة في آسيا وأفريقية إلى أقصى بلاد أسبانيا والبرتغال من أوربا، ثم يزهد بكل ما تحت يده من نعيمها ومتعتها، كما فعل سيد الأرض وملك الشرق والمغرب عمر بن عبد العزيز.

ولا يكتفي عظيم الدنيا بهذا بل يسترضي زوجته فاطمة بنت عبد الملك بن مروان وكان أمير المؤمنين، وأخت هشام والوليد وسليمان ويزيد وكانوا كلهم أمراء المؤمنين، فيأخذ منها حليها التي كانت من أثمن ما يتوارثه الملوك، ويردها إلى بيت مال المسلمين؛ إيثاراً منه لإخوانه في الدين على نفسه وزوجه وولده، وزهداً منه في حطام الدنيا وألاعيبها الصبيانية، ويعيش في بيته مع أسرته- وهو خليفة الأرض- عيشَة الشَّظَف والزهد والقناعة بأقل ما تقوم به الحياة.

وإنما استطاع عمر بن عبد العزيز بن مروان أن يفعل هذا بفضيلة الإيثار التي آمن بها في جملة ما آمن به من فضائل الإسلام، وكان لهذه الفضيلة في مجرى الدماء من شرايينه ميراثٌ معدودٌ من سجايا العرب؛ فاستطاع- بما جمع من إيمان دينه إلى سجايا أصله- أن يضرب للدنيا مثلاً في الزهد والإيثار، قلما يستطيع أن يضربه للناس أحد ممن بلغ مبلغه في سعة الملك، وقدرة التصرف بأكثر ما على وجه الأرض من ثروة ومتعة ونعيم...

فأنت ترى أن سجية الإيثار والتضحية بالنفائس سجيةٌ جبل عليها العربي منذ كان ابن الصحاري والأودية والجبال، فتجلت في تصرُّف الأمير كعب بن مامة الإيادي عندما آثر على نفسه ذلك الأعرابي من بني النمر بن قاسط بالماء، بل بالحياة.

ثم هذَّب الإسلام هذه السجيَّة الممتازة، ونظمها، وركز توجيهها إلى الخير الأعلى؛ فتجلت في تصرف سيد آخر من سادات العرب المتشبعين بالإسلام إلى أقصى مداه، وهو أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم الأموي، فضرب للتاريخ مثلاً لمن يحوز الدنيا بحذافيرها، ويقبض عليها بجميع ما في يد العربي القوي من أعصاب متينة، ويزهد- مع ذلك- بجميع ما استحوذ عليه من متع الدنيا ونعيمها.

وروى رجال دولته- أمثال المهاجر بن يزيد ومحمد بن قيس- أن فقراء البيوت المستورة، الذين كانت تصرف لهم الصدقات من بيت مال المسلمين- أَثْرَوا في عهده، فصاروا هم يدفعون الزكاة عن أموالهم لبيت المال، وراح المزكون يبحثون عمن يستحق الزكاة؛ ليدفعوا إليه زكاتهم فلا يجدونه.

روى أبو محمد عبدالله بن الحكم المصري (214هـ) عن يحيى بن سعيد قال: بعثني عمر بن عبد العزيز على صدقات إفريقية، فاقتضيتها، وطلبت فقراء نعطيها لهم فلم نجد فقيراً، ولم نجد من يأخذها مني، قد أغنى عمر بن عبد العزيز الناس، فاشتريت بها رقاباً، فأعتقتهم، وولاؤهم للمسلمين.

هذا وعمر نفسه- وهو أمير المؤمنين- لم يكن له في بيته غير الثوب الذي على بدنه، فإذا أراد غسله انتظر حتى يجف، فيعود إلى لبسه، ويخرج به إلى الناس.

وروى معاصرُه سعيدُ بنُ سويد أن رجلاً من القوم لم يطق الصبرعلى هذا الحال فقال لعمر: يا أمير المؤمنين، إن الله قد أعطاك، فلو لبست وصنعت!
فنكس عمر رأسه مليَّاً حتى عرفنا أنَّ ذلك قد أساءه، ثم رفع رأسه وقال: إنَّ أفضل القصد عند الجدة، وأفضل العفو عند القدرة.

وزوجته الثرِيَّةُ النبيلةُ التي كانت زوجة خليفة، وبنت خليفة، وأخت أربعة من الخلفاء، كانت راضية بعيشة الشظف مع زوجها بطيب نفس، وعظيم اطمئنان؛ لأنها هي أيضاً تنزع بِعِرْقٍ شريف إلى ذلك الأصل العظيم، الذي كان الإيثار سجية فيهم، زادها الإسلام تهذيباً.

وقد حدَّثْتك بأن حُلِيَّها الثمينةَ النادرَة التي جاءت بها من بيت أبيها أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان جرَّدها أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز من يديها وعنقها وأذنيها برضًا منها، ووضعها في بيت مال المسلمين؛ فلما كان بعد زمن طويل من وفاة زوجها عمر بن عبد العزيز بن مروان، وولاية أخيها الثالث يزيد بن عبد الملك بن مروان قال لها أخوها الخليفة:

إن حُليَّك الذي وضعت في بيت المال، هي من مالك الحلال، ولا تزال محفوظة بعينها كما كانت، فهل تحبين أن أردها عليك؟

فأجابته: إنَّ أمير المؤمنين عمر قد استحسن أن تكون هذه الأشياء حيث هي الآن، وأنا قد وافقته على ما استحسن، وما كنت لأطيعه حيًّا وأعصيه ميتاً.

قالت هذا وهي وأولادها وبناتها أحوج الناس إلى هذه الحلي؛ لأن ما كان يملكه عمر بن عبد العزيز من ضياع وأملاك رده على بيت المال في الأسبوع الأول من خلافته، ومزَّق حجج ملكيته، وهو على منبر مسجد بني أمية بدمشق، على ملأ من ألوف الأعيان والأمراء ووجهاء الناس.

وأرادت زوجته من بعده أن لا تكون أقل منه إيثاراً وتضحية، فاختارت أن تبقي عنقها وأذنيها ويديها عاطلة من تلك الحلي والحلال، ولو كانت أخت الخليفة يزيد بن عبد الملك.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(مع الرعيل الأول) لمحب الدين الخطيب


Post: #804
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:31 AM
Parent: #803

ذم الانتقام
إن طِيب النفسِ، وحُسن الظنِّ بالآخرين، وقَبول الاعتذار، وإقالَة العَثرة، وكظم الغيظ، والعدل في النَّصَف أو العقوبة، كلها معاييرُ نقاءٍ وصفاءٍ، وعلاماتٌ للنفسِ الراقيةِ المُتشبِّثةِ بهديِ الإسلام الراقِي في التعامُل مع النفس ومع الآخرين.
ومتى ما خرجَ الانتصارُ للنفسِ ممن أخطأَ في حقِّها أو ظلمَها عن تلك الصور والمعايير؛ فإنه الولوجُ في دائرة حبِّ الانتقامِ، ولا شكَّ.

وإذا اصطبَغَت النفسُ بحبِّ الانتقام ووقعَت في شباكه؛ فإن الغِلظةَ والجَبَروت والبطشَ والإسرافَ والحَيف هي العلاماتُ البارِزةُ التي تحكُمُ شخصيةَ المرءِ الذي سيُشارُ إليه بالبَنَان على أنه رمزُ الظلمِ والنَّذَالة والوحشيَّة؛ لأن المعروفَ عن الانتقام أنه إنزالُ العقوبةِ مصحوبةً بكراهيةٍ تصِلُ إلى حدِّ السَّخَط والحقد والإسرافِ في العقوبة، الذي يُفرِزُه جنونُ العظمة وحبُّ القهر، كما قال فرعون: {مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى} [غافر: 29]، وكما جاء عن قوم عاد: {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} [فصلت: 15].

الانتقامُ يُذكَرُ غالبًا في معرِضِ الذمِّ؛ لكونه مقرونًا بالقسوةِ والغِلظةِ وموت الضمير، وعامةُ الناسِ لا يعرِفون منه إلا هذا المعنى.

وعندما حضَّنا الإسلامُ على العفوِ والتسامُحِ وكظمِ الغيظِ لم يُرِد لنا أن نكون ضُعفاء ولا جُبَناء، ولا أن يغرِسَ في نفوسِنا الذِّلَّةَ والهَوَان، كلا؛ فإنما أرشدَنا إلى ذلكم ليُبيِّن لنا أن اللِّينَ والسماحَة هُما أفضلُ وسيلةٍ لاستلالِ الكُرْهِ من قلبِ من أساءَ إلينا.

ولذا فإن الانتقامَ مع ما فيه من القسوة والجبَروت فإنما هو علامةُ ضعفٍ لا قوةٍ، والضعفُ هنا يكمُنُ في أن الغِلظةَ والتشفِّي لهُما السيطرةُ في قلبِ المُنتقِم على التسامُح والاعتِدال، فمن هُنا صارَ المُنتقِمُ ضعيفًا؛ لأن سجِيَّة الشرِّ والحُمق والهوى هي الغالبةُ أمام نَزوَته ورغبته، وهذا سببُ الضعفِ لدى المُنتقِم؛ لأن التشفِّي طرفٌ من العَجزِ ليس بينه وبين الظالمِ إلا سترٌ رقيقٌ وحجابٌ ضعيفٌ.

ولقد كان من أميَز سِمات النبي صلى الله عليه وسلم أنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيمٌ، وأن رِسالتَه إنما هي رحمةٌ للعالمين، كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107]، وهذه الرحمةُ والشَّفَقةُ واللِّينُ التي أزهَرَت في فُؤاد النبي صلى الله عليه وسلم هي ما جعلَتْه يتلقَّى الثناءَ من العليِّ الأعلى من فوق سبعِ سمواتٍ: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} [القلم: 4]، {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران: 159].

ومن هنا نُدرِكُ أن المُنتقِمَ ـ غالبا ـ كالأعمَى، لا يُدرِكُ ولا يُحِسُّ إلا بنفسه، وإذا كان كذلك فإنه ليس أهلاً للعدل ولا للإنصافِ؛ لأن همَّتَه في تحقيق هدفه وشفاءِ غيظه، ليس إلا، فهو عدوُّ عقله؛ لأنه يشينُ حُسنَ الظَّفَر فيقبُحُ بالانتِقام دون أن يتزيَّن بالعفو أو القصد.

المُنتقِمُ ـ غالبا ـ بليدُ الإحساسِ، قد تجرَّدَ من العاطفة، إذا استُغضِبَ زَأرَ، وإذا زأَرَ افترَسَ، وإذا افترسَ أوجعَ، وإذا كان القتلُ يُعدُّ من أنكَى جِراحات الحياة، فإن الله جل وعلا قال فيه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} [الإسراء: 33].

غيرَ أن المُنتقِمَ من الناس لا يقِفُ عند هذا الحدِّ، ولن يُدرِكَ عقلُه ولُبُّه قولَ الله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ} [النحل: 126]. فهذه الآيةُ دلَّت على الانتِصار من الظالمِ، لكنها في الوقتِ نفسِهِ بيَّنَت أن العفوَ أخيَرُ وأفضلُ، {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]. ومن أراد أن يلِجَ التقوى من أسهل أبوابها فليعمل بقول الله جل وعلا: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237].

لقد ضربَ الانتقامُ والتشفِّي بأطنابِه في قلوب بعضِ الناسِ، وقد ظهرَ ذلك جلِيًّا في تعامُل أب مع ابنِه أو أخيه، أو الزوجِ مع زوجته، فلربما ضربَها، أو حبسَها، أو علَّقَها فلا هي زوجة ولا هي مُطلَّقة، وأذاقَها صُنوف الهوان والذلِّ والإيلام، كلُّ ذلك انتِقامًا وبَطشًا وانتِصارًا لرُجولةٍ زائفةٍ وقلبٍ مُلتاثٍ، وقولوا مثلَ ذلكم في تعامُل جارٍ مع جارِهِ، أو مُديرٍ مع موظَّفٍ، أو أُسرةٍ مع خادمها، أو ما شابَهَ ذلكم من أمثلةِ تبلُّدِ الإحساسِ والدُّونيةِ في التعامُلِ مع الآخرين بعيدًا عن مبادِئِ الدِّين الحنيفِ والأخلاقِ الحميدة.

وليتَ أمثالَ هؤلاء يُدرِكون جيِّدًا أن أفضلَ وسيلةٍ للانتِقام ممن أساؤوا إليهم هي أن لا يكونوا مثلَهم في الإساءة؛ ليزدادوا حقارةً لأنفسهم، وامتِهانًا لسَجَايَاهم؛ فقد جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن لي قرابةً أصِلُهم ويقطعُوني، وأُحسِنُ إليه ويُسيؤُون إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهَلون عليَّ. فقال: "لئن كنتَ كما قلتَ فكأنما تُسِفُّهم المَلَّ، ولا يزالُ معك من الله ظهيرٌ عليهم ما دُمتَ على ذلك". (رواه مُسلم). والمعنى: فكأنما تُلقِمُهم الرَّمادَ الحارَّ في أفواههم.
وقد قال جعفرُ الصادقُ رحمه الله تعالى: "لأَن أندمَ على العفوِ عشرين مرةً أحبُّ إليَّ من أن أندمَ على العقوبةِ مرةً واحدةً".

وقد جرَت سنةُ الله أن من انتقَمَ ممن هو دونه انتقَمَ منه من هو فوقَه، وسُنَّةُ الله لا تُحابِي أحدًا.
ولأجل هذا -عباد الله- فإن لذَّة العفو أطيبُ من لذَّة التشفِّي، وذلك أن لذَّة التشفِّي يلحقُها ذمُّ الندَم، ولذَّةَ العفو يلحقُها حمدُ العاقبة، وقد قال الله جل وعلا: {وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ} [الشورى: 37]، وهذا دليلٌ على أن الانتِقام يقبُحُ على الكِرامِ. وقال أبو إسحاق: (ولم يقل هم يقتلون، وفي هذا دليل على أنَّ الانتِقَام قبيح فِعْله على الكِرَام؛ فإنَّهم قالوا: الكريم إذا قَدِر غَفَر، وإذا عثر بمساءة ستر، واللَّئيم إذا ظفر عقر، وإذا أَمِن غَدَر).

ومَن طَبعُهُ الانتقامُ فهو كالغَيمِ الذي لا يُرجَى صحوُه، يغضبُ من الجُرمِ الخفِيِّ ولا يُرضيهِ العُذرُ الجَلِيُّ، حتى إنه ليُبصِرُ الذنبَ ولو كان كسَمِّ الخِيَاطِ، ويعمَى عن الحسناتِ ولو كانت كجِبال تِهامة، له أُذُنان يسمعُ بإحداهما البُهتان ويصُمُّ بالأخرى عن الاعتِذار، وله يَدَان يبسُطُ إحداهما للانتِقام ويقبِضُ الأُخرى عن الحِلمِ والصفحِ، مثَلُه كمثَلِ من قال اللهُ عنه: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ . وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة: 205، 206].

فهل يعِي هذا أولئك الجبَّارون المُنتقِمون المُسرِفون الذين يسومون أقوامَهم سُوءَ العذاب، فيُذبِّحون أبناءَهم، ويُرمِّلون نساءَهم، ويُيتِّمون أطفالَهم؟! أولئك الذين باعُوا الضميرَ، ونحَروا الرحمةَ، وأخذَتهم العِزَّةُ بالإثمِ، فعلَوا في الأرضِ، وجعلوا أهلَها شِيَعًا، وقالوا مقولةَ فرعون الأول: {سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ} [الأعراف: 127].

غيرَ أن المؤمنين الصابرين يُردِّدون قولَ الله تعالى: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ . وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ} (الزمر: 36، 37].

والانتقامُ في شريعتنا الغرَّاء مذمومٌ في الجُملة، غيرَ أن ثمَّةَ انتقامًا محمودًا شرعَه الله لنا لإيجاد مبدأ التوازن بين المصالحِ والمفاسِدِ، وعدمِ الإخلالِ بها عن منازلها التي أُنيطَت بها لتحقيقِ مصالحِ العباد ودرء مفاسِدهم، وهذا الانتقامُ المحمودُ إنما يكون ممن انتهَكَ محارِمَ الله، وذلك بالحُدود والتعزيرات والعقوبات المشروعة؛ فقد قال سبحانه وتعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]، وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: ما ضربَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم شيئًا بيده قطُّ، ولا امرأةً، ولا خادِمًا، إلا أن يُجاهِدَ في سبيل الله، وما نِيلَ منه شيءٌ قطُّ فينتقِمُ من صاحبه إلا أن يُنتهَكَ شيءٌ من محارمِ الله، فينتقِمُ لله عز وجل. رواه مسلم.

فالانتقامُ لغير محارمِ الله معرَّةٌ، كما أن الحِلمَ والبُرودَ أمام محارِمِ الله خيانةٌ عُظمى
عن عياض بن حمار رضي الله عنه قال: قلت: يا نبيَّ الله، الرَّجل مِن قومي يشتمني وهو دوني، أفأنتقم منه؟ فقال النَّبي صلى الله عليه وسلم: "المستبَّان شيطانان يتهاتران ويتكاذبان".(رواه أحمد وغيره وصححه الألباني).
فلم يأمر النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عياضا بالانتِقَام، بل عرَّفه أنَّهما إن شتما بعضهما فهما شيطانان يكذبان ويتكلَّمان بالباطل.
الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام
مِن الوسائل المعينة على ترك الانتِقَام:

1- تذكُّر انتقام الله مِن أهل معاصيه:

قال تعالى:{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ} [إبراهيم: 5].قال ابن زيد في قول الله: وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ [إبراهيم: 5] قال: (أيَّامه التي انتقم فيها مِن أهل معاصيه مِن الأمم، خوَّفهم بها، وحذَّرهم إيَّاها، وذكَّرهم أن يصيبهم ما أصاب الذين مِن قبلهم).

2- كَظْم الغَيْظ:

قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133].

قال الشيخ السعدي رحمه الله: (قوله تعالى: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ أي: إذا حصل لهم مِن غيرهم أذيَّةٌ توجب غيظهم، وهو امتلاء قلوبهم مِن الحَنْق الموجب للانتقام بالقول والفعل، هؤلاء لا يعملون بمقتضى الطِّباع البشريَّة، بل يكظمون ما في القلوب مِن الغيظ، ويصبرون عن مقابلة المُسيء إليهم).

3- الخوف مِن ضياع الزَّمان والعمر، وتفرُّق القلب وفَوْت المصالح:

بأن يعلم أنَّه إذا اشتغلت نفسه بالانتِقَام وطلب المُقَابَلة، ضاع عليه زمانه، وتفرَّق عليه قلبه، وفاته مِن مصالحه ما لا يمكن استدراكه.

4- التَّفكير في عواقب الانتِقَام

ومنها: زيادة شرِّ الخصومة: فإذا انتقم لنفسه، تسبَّب إلى زيادة شرِّ خصمه، ومنها ما يصيبه بعد الانتقام من الندم، قال ابن القيم رحمه الله: (فما انتقم أحدٌ لنفسه قطُّ إلَّا أعقبه ذلك ندامة).
وأخيرا فإن لذة العفو وأجره أعظم من لذة الانتقام{ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

اسلام ويب

Post: #805
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:34 AM
Parent: #787

خطورة الشائعات
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وبعد:

فإن الشرع الحنيف أراد أن يحيا المجتمع المسلم حياة الأمن والتعاطف والمودة والرحمة حتى كأنهم جسد واحد، كما اخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: " مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم ، مثل الجسد . إذا اشتكى منه عضو ، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ".

من أجل ذلك عمَّق الشرع في نفوس أتباعه أنهم إخوة " المسلم أخو المسلم ". ومنع الشرع كل من تسول له نفسه من كل فعل أو قول يقوض هذه الأخوة الإيمانية أو يحدث شرخا في العلاقات الاجتماعية أو فجوة بين أبناء هذا المجتمع.
ومن أخطر الأمور فتكا بالمجتمعات وأشدها ضررا تلك الشائعات التي يطلقها ويروج لها وينشرها مَن لا دين عنده ولا عهد ولا ميثاق، هؤلاء الهمج الرعاع أتباع كل ناعق الذين لم يستضيئوا بنور العلم.

وإذا أردت أن تتعرف على الأثر المدمر لهذه الشائعات فيكفي أن تعرف أن الدول اليوم تهتم بهذه الشائعات اهتماما عظيما حتى أن بعض أجهزة المخابرات بها شعب متخصصة في الشائعات اختراعا ورصدا وتحليلا، فربما تسببت شائعة في تغيير نظام حكم أو إحداث توترات داخل بعض الدول.

وإذا رجعت إلى الوراء فلك أن تتساءل: هل كان مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان ـ ذي النورين ـ رضي الله عنه إلا بناء على شائعات أطلقها بعض المغرضين وتلقفتها آذان وردتها ألسنة أناس لا يتدبرون ما يسمعون؟

وهل كان ما حدث بعد ذلك من فتن كبرى ومعارك بين المؤمنين إلا على أثر الشائعات؟

بل انظر إلى المؤمنين الأوائل من أصحاب النبي الذين فروا بدينهم مهاجرين إلى الحبشة تاركين الأهل والأوطان والأموال فعاشوا في ظل عدل ملكها النجاشي، فلما بلغهم أن أهل مكة قد أسلموا رجعوا إلى مكة ولم يكن نبأ إسلام أهل مكة إلا شائعة فلما تأكدوا من كذبها هاجر بعضهم مرة ثانية إلى الحبشة لكن آخرين لم يتمكنوا من الهجرة فسامهم أهل مكة العذاب، وهل كان كل ذلك إلا بناء على شائعة؟.

حادثة الإفك وأثر الشائعات

هذه الحادثة التي بنيت على شائعة رددها المنافقون وتلقفها نفر من المسلمين فأرقت بيت النبوة شهرا كاملا وادت الفتن تثور بين المسلمين بسببها،

ولندع أم المؤمنين المبرأة من فوق سبع سماوات الصديقة بنت الصديق تذكر لنا ما جرى كما رواه عنها الإمام البخاري رحمه الله فتقول رضي الله عنها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج أقرع بين أزواجه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه . قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج سهمي ،

فخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ما نزل الحجاب فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه . فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي ، فإذا عقد لي من جزع أظفار قد انقطع ، فالتمست عقدي وحبسني ابتغاؤه .

وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون لي فاحتملوا هودجي ، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يثقلهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، فوجدت عقدي بعد ما استمر الجيش فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب فأممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدوني فيرجعون إلي،

فبينا أنا جالسة في منزل غلبتني عيني فنمت وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأدلج ، فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني ، وكان يراني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته فوطئ على يديها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعد ما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك من هلك ،

وكان الذي تولى الإفك عبد الله بن أبي بن سلول ، فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ثم يقول :

كيف تيكم ، ثم ينصرف ، فذاك الذي يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعد ما نقهت ، فخرجت معي أم مسطح قبل المناصع ، وهو متبرزنا ( مكان قضاء الحاجة )وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن تتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، فكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .

فانطلقت أنا وأم مسطح – وهي ابنة أبي رهم بن عبد مناف ، وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة – فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي وقد فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ قالت أي هنتاه أولم تسمعي ما قال ؟ قالت: قلت :

وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا على مرضي . فلما رجعت إلى بيتي ودخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم تعني سلم ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي قالت : وأنا حينئذ أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما قالت : فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : يا بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها ولها ضرائر إلا أكثرن عليها .

قالت: فقلت : سبحان الله ، أو لقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم حتى أصبحت أبكي . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي الله عنهما حين استلبث الوحي يستأمرهما في فراق أهله .

قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم لهم في نفسه من الود فقال : يا رسول الله ، أهلك ، وما نعلم إلا خيرا . وأما علي بن أبي طالب فقال : يا رسول الله ، لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك . قالت فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت بريرة : لا والذي بعثك بالحق ، إن رأيت عليها أمرا أغمصه عليها أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر يومئذ من عبد الله بن أبي بن سلول ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر :

"يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ؟ فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما كان يدخل على أهلي إلا معي "فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : يا رسول الله وأنا أعذرك منه ، إن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك .

قالت : فقام سعد بن عبادة – وهو سيد الخزرج ، وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية – فقال لسعد : كذبت لعمر الله ، لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير – وهو ابن عم سعد بن معاذ – فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتساور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر ، فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا وسكت .

قالت : فمكثت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم . قالت فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم لا يرقأ لي دمع يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، قالت : فبينا نحن على ذلك دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، قالت ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني قالت :

فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ثم قال : "أما بعد ، يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرؤك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب إلى الله تاب الله عليه" .

قالت : فلما قضى رسول الله مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قال . قال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . فقلت لأمي : أجيبي رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم . قالت فقلت – وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ كثيرا من القرآن - :

إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة – والله يعلم أني بريئة – لا تصدقونني بذلك ، ولئن اعترفت لكم بأمر – والله يعلم أني منه بريئة – لتصدقني . والله ما أجد لكم مثلا إلا قول أبي يوسف ، قال { فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون } قالت :

ثم تحولت فاضجعت على فراشي قالت وأنا حينئذ أعلم أني بريئة وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ولشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر يتلى ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرؤني الله بها . قالت :

فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء ( من أثر الوحي)، حتى إنه ليتحدر منه مثل الجمان من العرق وهو في يوم شات من ثقل القول الذي ينزل عليه . قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سري عنه وهو يضحك ، فكانت أول كلمة تكلم بها :" يا عائشة ، أما الله عز وجل فقد برأك".

فقالت أمي : قومي إليه قالت فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله عز وجل . وأنزل الله { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم...} العشر الآيات كلها . فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره :

والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال فأنزل الله { ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم } قال أبو بكر : بلى والله ، إني أحب أن يغفر الله لي .

فرجع إلى النفقة التي كان ينفق عليه وقال : والله لا أنزعها منه أبدا . قالت عائشة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل زينب ابنة جحش عن أمري فقال : يا زينب ، ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، ما علمت إلا خيرا . قالت – وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك ".

والقصة لا تحتاج إلى تعليق لكننا نُذَكِّر هؤلاء الذين يروجون الشائعات أنهم على خطر عظيم ومتوعدون بالعذاب الأليم الذي رآه النبي صلى الله عليه وسلم يوم الإسراء والمعراج، فقد أتى في تلك الليلة على رجل مستلق لقفاه ، وإذا آخر قائم عليه بكلوب من حديد ، وإذا هو يأتي أحد شقي وجهه فيشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، ثم يتحول إلى الجانب الآخر فيفعل به مثل ما فعل بالجانب الأول ، فما يفرغ من ذلك الجانب حتى يصح ذلك الجانب كما كان ، ثم يعود عليه فيفعل مثل ما فعل المرة الأولى ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قلت :

سبحان الله ما هذان ؟ فأجابه الملك : وأما الرجل الذي أتيت عليه ، يشرشر شدقه إلى قفاه ، ومنخره إلى قفاه ، وعينه إلى قفاه ، فإنه الرجل يغدو من بيته ، فيكذب الكذبة تبلغ الآفاق.

أما الذين يستمعون إلى الشائعات ثم يرددونها ويحدثون بها فهم أولى الناس بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ".
والنجاة أن يمسك العبد لسانه، وأن يمتنع عن الخوض فيما لا يعنيه، جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #806
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:36 AM
Parent: #787

التيمن
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب أن يبدأ بيمينه في الأمور التي هي من باب التكريم والتزين، كما أخبرت بذلك أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله".
وكان هذا شأنه ودأبه في كثير من الأمور، ومنها:
البداءة في الغسل باليمين
فعن عائشة رضي الله عنها قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل بدأ بيمينه فصب عليها من الماء فغسلها".
وفي غسل الميت
فقد بينت أم عطية رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في غسل ابنته : "اغسلنها ثلاثا أو خمسا أو أكثر من ذلك بماء وسدر ، وابدأن بميامنها ومواضع الوضوء منها، واجعلن في الآخرة كافورا".
البدء بالأيمن في الشرب
فإذا شرب الواحد منا وكان عن يمينه ويساره آخرون أعطى من عن يمينه، فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتي بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ فقال للغلام : " أتأذن أن أعطي هؤلاء؟" فقال الغلام: لا والله لا أوثر بنصيبي منك أحدا، فتلَّه( أي أعطاه)رسول الله في يده.
كما دخل النبي صلى الله عليه وسلم دار أبي بكر فحلبوا له شاة فشرب رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن يساره أبو بكر وعن يمينه أعرابي وعمر يقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أعط أبا بكر أعط أبا بكر، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم الأعرابي وقال: " الأيمن فالأيمن".
التيمن في الوضوء ولبس النعل وتسريح الشعر
كما مر معنا سابقا حيث قالت عائشة رضي الله عنها إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحب التيمن في طهوره إذا تطهر وفي ترجله( تمشيط الشعر) إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل.
الأكل والشرب باليمين
فعن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما قال: كنت في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي: " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك".
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إذا أكل أحدكم فليأكل بيمينه، وإذا شرب فليشرب بيمينه؛ فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله".
وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أن رجلا أكل عند النبي صلى الله عليه وسلم بشماله فقال: " كل بيمينك" قال: لا أستطيع. قال "لا استطعت" ما منعه إلا الكبر. فما رفعها إلى فيه.
دخول المسجد باليمين
قال أنس بن مالك رضي الله عنه: من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى.
النهي عن الاستنجاء باليمين
من السنة إذا قضى المسلم حاجته أن يستنجي بيساره ، ولا يستعمل يده اليمنى في الاستنجاء، فعن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لنا المشركون: إني أرى صاحبكم يعلمكم كل شيء حتى الخِراءة. فقال سلمان رضي الله عنه: أجل. إنه نهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه..."الحديث.
وبالجملة فالأمر كما قال الإمام النووي رحمه الله:
قاعدة الشرع المستمرة استحباب البداءة باليمين في كل ما كان من باب التكريم والتزيين، وما كان بضدهما استحب فيه التياسر.
ونختم بقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن ما استطاع في شأنه كله...
وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
اسلام ويب

Post: #807
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:38 AM
Parent: #787

المحافظة على صلاة الفجر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن صلاة الفجر من أعظم الفرائض قدرا وشرفا وأجرا وفضلا، كيف لا وقد سمّاها الله: قُرْءان الفَجْر، فقال سبحانه: {أَقِمِ ٱلصَّلَوٰةَ لِدُلُوكِ ٱلشَّمْسِ إِلَىٰ غَسَقِ ٱلَّيْلِ وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78]، قال ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: "يعني صلاة الفجر".

ولقد شاء الله عزو جل أن تكون صلاة الفجر مجتمعًا للملائكة ومحفلاً من محافل الخير والطاعة والعبادة، لا يحضره إلا كل طاهر مطهر من الأبرار، يستحق أن يكون في ضيافة الرحمن، روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة، وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح"، يقول أبو هريرة رضي الله عنه: اقرؤوا إن شئتم: {وَقُرْءانَ ٱلْفَجْرِ إِنَّ قُرْءانَ ٱلْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء:78].

وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ ثم أتى المسجد فصلى ركعتين قبل الفجر ثم جلس حتى يصلي الفجر كتبت صلاته يومئذ في صلاة الأبرار، وكتب في وفد الرحمن" (رواه الطبراني بإسناد حسن).

ومن فضائلها:

أنها تعدل قيام الليل

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل، ومن صلّى الصبح في جماعة فكأنما صلّى الليل كله" (رواه مسلم).
كما صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: لأن أَشْهد صلاة الصبح في جماعة أحب إلي من أن أقوم ليلة.
صلاة الفجر نور لصاحبها يوم القيامة

فعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (رواه ابن ماجه بسند حسن)، وعند الطبراني بسند حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من مشى في ظلمة الليل إلى المساجد لقي الله عز وجل بنور يوم القيامة".

صلاة الفجر أمان وحفظ من الله لعبده

فعن سمرة بن جندب رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى الصبح في جماعة فهو في ذمة الله تعالى". (رواه ابن ماجه بسند صحيح).

إنه في جوار الله تعالى، وما ظنك بمن كان في جوار الله تعالى؟! وأنت ترى الناس يطمئنون ويأمنون أشد الأمن حين يكون أحدهم في جوار عظيم من عظماء الدنيا, فإن كان في جوار الله فهو أشد أمانًا وأعظم اطمئنانًا، ففي صحيح مسلم من حديث جُندَب بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى الصبح فهو في ذمة الله, فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء, فإنه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه, ثم يكبه على وجهه في نار جهنم".

وهل تعلم أن أهل الفجر لهم وعد صادق بأن يروا ربهم عز وجل؟!

ففي الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما إنكم سترون ربكم كما ترون القمر لا تضامّون في رؤيته, فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، يعني صلاة العصر والفجر، ثم قرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130].

صلاة الفجر ضمان للجنة

عن أبي موسى رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من صلّى البردين دخل الجنة" (رواه البخاري ومسلم)، والبردان هما الصبح والعصر. فإذا كنا ننشد الجنة، فأين نحن من صلاة الفجر ؟!.

صلاة الفجر وقاية من النار

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لن يَلِج النار أحد صلّى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها". يعني: الفجر والعصر.(رواه مسلم).

ولئن كان لصلاة الفجر ما سبق من الفضائل وغيرها، فإن اتخاذ التخلف عنها وتضيعها عادة لهو من الذنوب الكبار

التخلف عن الصلاة نفاق

قال ابن عمر رضي الله عنهما:(كنا إذا فقدنا الرجل في الفجر والعشاء أسأنا به الظنّ)، وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا الصبح فقال: "أشاهدٌ فلان؟" قالوا: لا، قال: "أشاهد فلان؟" قالوا: لا، قال: "إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموها ولو حَبْوًا على الركب". (رواه أحمد وأبو داود بسند حسن).

حرص السلف على الفجر

لقد تعلّقت قلوب السلف رضي الله عنهم بهذه الصلاة لما علموا من جليل فضلها وسوء عاقبة التخلّف عنها، فكانوا أحرص الناس عليها، حتى لقد قال عبد الله بن مسعود: (ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يُؤتى به يَتَهَادَى بين الرجلين حتى يقام في الصف). وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الأمة وهاديها يمرّ بباب فاطمة ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر، يقول:"الصلاة يا أهل البيت، {إِنَّمَا يُرِيدُ ٱللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ ٱلرّجْسَ أَهْلَ ٱلْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيرًا} [الأحزاب:33])) رواه الترمذي. إنه حرص نبوي وتربية لابنته على أن تحرص على صلاة الفجر في وقتها.

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يمر في الطريق مناديًا: (الصلاة، الصلاة)، يوقظ الناس لصلاة الفجر، وكان يفعل ذلك كل يوم.

وحين اشتكى الإمام سعيد بن المسيب عينه قالوا له: لو خرجت إلى العقيق فنظرت إلى الخضرة لوجدت لذلك خفة، يدعونه للتنزه في ضواحي المدينة حيث الخضرة والجو الطليق، فقال لهم: فكيف أصنع بشهود العَتَمَة والصبح؟! .

وتزوج الحارث بن حسان رضي الله عنه في ليلة من الليالي فحضر صلاة الفجر مع الجماعة، فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك الليلة؟ فقال: والله إن امرأة تمنعني من صلاة الغداة (الفجر)في جمع لامرأة سوء.

وكانوا يرون فَوْتَ صلاة الفجر في الجماعة مصابا عظيما يستحق العزاء. قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزّاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين أهون عند الناس من مصيبة الدنيا.

فأين نحن ـ معاشر الأحبة ـ من هدي من سبقونا؟ وهذا شيء يسير من أخبارهم.
وكيف يهنأ العبد بالنوم والناس في المساجد مع قرآن الفجر يعيشون، وإلى لذيذ خطاب الله يستمعون، وفي ربيع جناته يتقلبون؟! أم كيف يحرم نفسه بركات الفجر المتنزلة وخيراته المتواترة؟!.

إنه بالرغم من كل هذه الفضائل والبشائر لمن حافظ على صلاة الفجر، وبالرغم من الزواجر والوعيد لمن تخلف عنها فإن بعض الناس يتعمد ضبط المنبه على وقت العمل ولو كان وقت العمل في السابعة أو الثامنة، ولا يصلي الفجر إلا في هذا الوقت، فهل يتدبر هؤلاء أو يتفكرون.

ولعل أول خطوة في طريق العلاج استشعار أهمية هذه الصلاة وإدراك قيمتها، فلو شعر الإنسان بذلك وأدرك أنه يفوته بفوتها خير كثير لربما تحركت همته وانبعثت عزيمته كما تتحرك وتنبعث لكل محبوب لديه.


وعليك بأذكار النوم ودعاء الله في الوتر أن يوفقك للقيام، وابتعد عن المعاصي جملة وتفصيلاً فإن المعاصي تقيّد المرء عن الطاعة.

ونختم حديثنا عن الفجر بما ورد في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وصلاة العصر, فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم ربهم وهو أعلم بكم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون".
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن تشهد لهم الملائكة عند ربهم بهذا الفضل ، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #808
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:41 AM
Parent: #787

الغش يمحق البركة ويجرئ الظلمة
لقد ذمَّ الله عز وجل الغش وأهله في القرآن وتوعدهم بالويل، ويُفهم ذلك من قوله تعالى:{وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ . الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ . وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ}(المطففين:1-3).

فهذا وعيد شديد للذين يبخسون ـ ينقصون ـ المكيال والميزان، فكيف بحال من يسرقها ويختلسها ويبخس الناس أشياءهم؟! إنه أولى بالوعيد من مطففي المكيال والميزان.

وقد حذر نبي الله شعيب عليه السلام قومه من بخس الناس أشياءهم والتطفيف في المكيال والميزان كما حكى الله عز وجل ذلك عنه في القرآن.

وكذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الغش وتوعد فاعله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صُبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً. فقال: "ما هذا يا صاحب الطعام؟" قال: أصابته السماء يا رسول الله. قال: "أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غش فليس مني "وفي رواية: "من غشنا فليس منا" (رواه مسلم).

فكفى باللفظ النبوي "ليس منا" زاجراً عن الغش، ورادعاً من الولوغ في حياضه الدنسة، وحاجزاً من الوقوع في مستنقعه الآسن.
إننا يا أخي في حاجة شديدة إلى عرض هذا الوعيد على القلوب لتحيا به الضمائر، فتراقب الله عز وجل في أعمالها، ولو لم يكن عليها رقيب من البشر.

وصدق من قال:

ولا ترجع الأنفس عن غيّها *** ما لم يكن منها لها زاجر

وإليك أخي المبارك وقفات مع ظاهرة الغش بعد ما علمت ما رتب عليه من الوعيد:

الوقفة الأولى: تعريف الغش
قال المناوي: ( الغش ما يخلط من الرديء بالجيد).
وقال ابن حجر الهيثمي: ( الغش المحرم أن يعلم ذو السلعة من نحو بائع أو مشتر فيها شيئاً لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذ بذلك المقابل).

الوقفة الثانية: مظاهر الغش
إن المتأمل في واقع كثير من الناس ليجد أنهم يمارسون صوراً من الغش في جميع شؤون حياتهم ومن ذلك:

أولاً: الغش في التجارة والبيع والشراء:
وما أكثره في زماننا في أسواق المسلمين!! ويكون الغش فيهما بمحاولة إخفاء العيب، ويكون في طرق أخرى كالغش في ذاتية البضاعة أو عناصرها أو كميتها، أو وزنها أو صفاتها الجوهرية أو مصدرها،أو خلط الرديء بالجيد، أو غير ذلك من وسائل الغش في البيع.

وهذا النوع من الغش سبب في تسلط الظلمة والكفار، قال ابن حجر الهيثمي: ( ولهذه القبائح ـ أي الغش ـ التي ارتكبها التجار والمتسببون وأرباب الحرف والبضائع سلط الله عليهم الظلمة فأخذوا أموالهم، وهتكوا حريمهم، بل وسلط عليهم الكفار فأسروهم واستعبدوهم، وأذاقوهم العذاب والهوان ألواناً.

وكثرة تسلط الكفار على المسلمين بالأسر والنهب، وأخذ الأموال والحريم، إنما حدث في هذه الأزمنة المتأخرة لما أحدث التجار وغيرهم قبائح ذلك الغش الكثيرة والمتنوعة، وعظائم تلك الجنايات والمخادعات والتحايلات الباطلة، على أخذ أموال الناس بأي طريق قدروا عليها، لا يراقبون الله المطلع عليهم ) أ هـ.

ثانياً: الغش في الزواج:
ومن مظاهر الغش فيه:
أن تكون المرأة دميمة وتخفي ذلك بالمساحيق والألوان فإذا دخل بها الزوج اكتشف دمامتها وعافت نفسه معاشرتها، ولربما انتهى الأمر بالطلاق، ومن ذلك ان يكون بها مرض عضال ولا يخبر أهلها الخاطب به، وأن يقدم أولياء المرأة إلى الخاطب امرأة أخرى عند الرؤية فإذا دخل وجد أنه دخل بغير التي رآها من قبل، ومن صوره عند الرجال أن يكون الرجل بخيلا شحيحا لكنه يتجمل في فترة الخطبة ويكثر النفقة فإذا دخل بامرأته أمسك وبخل وظهر على حقيقته، وكذا أن يخفي عمره خلف صبغات الشعر وغيرها ، أو أن يكون مصابا بمرض عضال لو علمت به المرأة قبل الزواج لرفضت الارتباط به، أو أن يوهم أهل الزوجة بغناه من خلال بعض المظاهر كالسيارة الفارهة والبيت الكبير الواسع ، وهما ـ السيارة والبيت ـ ليسا ملكا للزوج...

ثالثاً: الغش في النصيحة:
فالنصيحة للمسلمين من الدين كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الدين النصيحة ، إن الدين النصيحة إن الدين النصيحة قالوا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم"(النسائي وصححه الألباني).

ويكون الغش في النصيحة بعدم بذلها أصلا، أو بعدم الإخلاص فيها، أو بنصحه بما لا يراه صوابا وصلاحا.
فالمؤمن مرآة أخيه فيجب أن يخلص له النصح ليسدده ويرشده ويصلحه وينأى به عن سبل الغواية والضلال والفساد.

وقد طبق السلف الصالح رضي الله عنهم ذلك تطبيقا عمليا راقيا، روى الطبراني بإسناده أن جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه أمر مولاه أن يشتري فرساً، فاشترى له فرساً بثلاثمائة درهم، وجاء به صاحبه ليعطيه الثمن، فقال جرير لصاحب الفرس ناصحا: فرسك خير من ثلاثمائة درهم، أتبيعه بأربعمائة درهم؟ قال: ذلك إليك يا أبا عبدالله.

فقال: فرسك خير من ذلك أتبيعه بخمسمائة درهم؟ ثم لم يزل يزيده مائة فمائة ـ وصاحبه يرضى وجرير يقول: فرسك خير إلى أن بلغ ثمانمائة فاشتراه بها. فقيل له في ذلك فقال: إني قد بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصح لكل مسلم.

رابعاً: الغش في الرعية:
عن معقل بن يسار المزني رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة".(البخاري ومسلم واللفظ له).
فهذا وعيد شديد يدخل فيه كل من استرعاه الله رعية سواء كانت صغيرة أم كبيرة، ابتداءً من أفراد الأسرة إلى الحاكم، فيجب على الكل النصح لرعيته وعدم غشهم.

فالموظف يجب عليه أن ينصح في وظيفته وأن يؤديها على الوجه المطلوب شرعاً دون غش ولا خداع، ودون تأخير لأعمال الناس ومصالحهم، وليعلم أنه موقوف بين يدي الله عز وجل. فما ولاه الله عز وجل هذه الوظيفة إلا ليديم النصح للمسلمين.

وكذلك الأب يجب عليه أن ينصح أولاده، وألا يفرط في تربيتهم بل يبذل كل ما يستطيع ليقي نفسه وأولاده من نار وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد.

قال ابن القيم رحمه الله: ( وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه، وإعانته على شهواته، ويزعم أنه يكرمه وقد أهانه، وأنه يرحمه وقد ظلمه، ففاته انتفاعه بولده وفوّت عليه حظه من الدنيا والآخرة، وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد ـ رأيت عامته من قبل الآباء ) .أ.هـ.

خامساً: الغش في الامتحان:
وما أكثر طرقه ووسائله بين الطلاب والطالبات!! وسبب ذلك هو ضعف الوازع الديني، ورقة الإيمان، وقلة المراقبة لله تعالى أو انعدامها. قال سماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله: ( قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من غشنا فليس منا" وهذا يعم الغش في المعاملات، والغش في الامتحان، ويعمّ اللغة الإنجليزية وغيرها، فلا يجوز للطلبة والطالبات الغش في جميع المواد لعموم هذا الحديث وما جاء في معناه. والله ولي التوفيق ). هذه بعض مظاهر الغش تدل على غيرها، وهي غيض من فيض، وقطرة من بحر، ليحيا من حيي عن بيّنة ويهلك من هلك عن بيّنة.

فحري بكل من وقع في صورة من صور الغش ذكرت أو لم تذكر أن يتقي الله ويتذكر عقابه وعذابه فيتوب إلى الله تعالى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كلمات ، بتصرف

Post: #809
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:42 AM
Parent: #787

إن الليل والنهار وكذا الصيف والشتاء، والبرد والحر كل ذلك من آيات الله تعالى التي ينبغي التفكر فيها وأخذ العظة والعبرة منها، كما قال الله تعالى: {يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُوْلِي الْأَبْصَار } (النور:44).

وقال جلّ شأنه: (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِّمَنْ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُوراً } (الفرقان:62). قال بعض السلف: من عجز بالليل كان له في أول النهار مستعتب ( أي فرصة للاعتذار والاستغفار) ومن عجز عن النهار كان له في الليل مستعتب.

وحين يقبل الصيف بحره وقيظه يتذكر العبد المؤمن أمورا مهمة منها:

أن أشد ما يجد من الحر إنما هو مما أذن الله فيه لجهنم، كما في قول النبي صلى الله عليه وسلم في الصحيحين: "اشتكت النار إلى ربها، فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً، فأذن لها بنفسين؛ نفس في الشتاء ونفس في الصيف، فأشد ما تجدون من الحر من سموم جهنم، وأشد ما تجدون من البرد من زمهرير جهنم ".

فعند اشتداد الحر يتذكر المسلم النار وحرها فيستعيذ بالله منها ، وإذا رأى من نفسه فرارا من حر الدنيا بسفر إلى الأماكن الباردة أو المعتدلة، أو بالتبرد بالماء والتكييف وغيرها من الوسائل فيسأل نفسه: إذا كان هناك مهرب من حر الدنيا فأين المهرب من حر الآخرة وهو أشد؟!.

وإذا كنا أخي الحبيب لا نحتمل نار الدنيا وهي جزء من تسعة وستين جزءاً من نار الآخرة، فما الشأن في نار الآخرة؟!.

حياة قلوب السلف وتذكرهم

وقد كانت قلوب السلف الصالح رحمهم الله حية فكل ما يرونه ويشاهدونه في الدنيا يذكرهم بالآخرة.. ومن ذلك أن بعض السلف كان إذا شرب الماء البارد في الصيف بكى وتذكر أمنية أهل النار حينما يشتهون الماء، فيحال بينهم وبينه، ويقولون لأهل الجنة: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ } (الأعراف:50).

كما كان الواحد منهم إذا دخل الحمام في الصيف وشعر بحر المكان تذكر النار، وتذكر يوم تطبق النار على من فيها وتوصد عليهم، ويقال لهم: خلود فلا موت، فيدفعه هذا الشعور إلى مزيد من العمل والتعبد لعله ينجو.

ومن ذلك أيضاً، أن بعض الصالحين صُبَّ على رأسه ماء حار، فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى: {يُصَبُّ مِن فَوْقِ رُؤُوسِهِمُ الْحَمِيمُ } (الحج: 29) فلا إله إلا الله ما أشد تذكرهم.. وما أعظم اعتبارهم!! ورأى عمر بن عبدالعزيز رحمه الله قوماً في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى، ثم أنشد:

من كان حين تصيب الشمس جبهته أو الغبار، يخـاف الشـين والشعـثا

ويـألـف الظلّ كي تبقـى بـشـاشـتـه فسـوف يـسكن يومـاً راغماً جدثـا

في ظـلّ مـقـفــرة غـبـراء مـظـلـمــة يطيل تـحت الثرى في غمّها اللبثا

تــجــهّــزي بــجـهـــاز تـبـلـغـيـن بــه يا نفس قبل الردى لم تخلقي عبثا

وكان بعضهم إذا رجع من الجمعة في حرّ الظهيرة، يذكر انصراف الناس من موقف الحساب إلى الجنة أو النار، فإن الساعة تقوم يوم الجمعة.

ومن ذلك أيضاً حرصهم على الصيام في الصيف لعظيم ثوابه، ولهذا كان معاذ بن جبل وغيره من السلف رضي الله عنهم يتأسف عند موته على.. أتدري على ماذا؟ على ظمأ الهواجر..

ولهذا كان بعض الصالحين يحرص على صيام أشد أيام الصيف حرا، فيقال له في ذلك، فيقول: إن السعر إذا رخص، اشتراه كل أحد وهذا ـ وربي ـ من علو الهمة.

فيا عبدالله: جاهد نفسك على هذه الطاعة العظيمة، التي اختصها الله سبحانه من بين العبادات بقوله : "الصوم لي وأنا أجزي به " كما في الصحيحين، جاهدها ولو يوماً في كل عشرة أيام، فإن الحسنة بعشر أمثالها، وإن ألم العطش في اليوم الحار سيذهب في أول شربة ماء، أما أجره؛ فأرجو الله تعالى أن تناله بل وتسرّ به يوم يقال في الدار الآخرة {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ }(الحاقة:24)، ويوم ينادي الصائمون ليقال لهم ادخلوا من باب الريان.

أيها الحبيب: إن الناظر في أحوال الناس اليوم يجد تفاوتا كبيرا وبونا واسعا بين ما هم عليه وبين ما كان عليه الأسلاف، ففي حين كان حال السلف ما أشرنا إليه سابقا نجد بعض الناس حين يفر من حر الدنيا بالسفر إلى بلاد باردة يظن أنه بسفره للخارج قد خرج عن مراقبة الله.. فتراه يقتحم النار بأفعاله، نظر محرّم.. سماع محرّم.. مراقص، مشروبات محرّمة.. فواحش ـ والعياذ بالله ـ فإلى أولئك الفارين من الحر، والواقعين في أسباب غضب الرب جل جلاله يقال لهم: إلى أين تفرون؟ ومن أي شيء تهربون؟ وأين أنتم من قوله تعالى: { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ( التوبة:81).

وهلا تذكرنا يوما كان مقداره خمسين ألف سنة يشتد على الناس فيه الكرب والهول، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بين حال الناس في هذا اليوم فقال: " تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق ، حتى تكون منهم كمقدار ميل ، فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما".

إن الأسلاف رضي الله عنهم خرجوا من الجزيرة لكن في جهاد ودعوة ونشر الدين في أرجاء الدنيا، فهل كان خروجك كذلك؟.

إن الجهاد الذي نطالبك به، لا يحتاج إلى حمل السلاح الثقيل ! ولا يحتاج إلى خبرة بأساليب الحرب! بل هو جهاد، بالقدوة الحسنة التي تترجمها بأخلاق الإسلام، والبعد عن المحرمات، وجهاد بالكلمة الطيبة، في دعوة من تلاقيه من الناس ـ في أي أرض تذهب إليها ـ مسلماً كان أم كافراً، كل حسب ما يناسبه.

فإن لم تكن تحسن هذا فهل تعجز عن حمل كتيبات صغيرات بلغات القوم الذين تسافر لبلادهم؟!.

حري بنا ان نستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم : " اتقوا النار ولو بشق تمرة ".
وقوله صلى الله عليه وسلم لي ولك في شخص علي بن أبي طالب رضي الله عن: "فوالله لأن يُهدى بك رجلٌ واحد خير لك من حُمْرِ النَّعم".

وفقنا الله وإياكم لكل خير ووقانا وإياكم حر النار، وهدانا وإياكم وهدى بنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #810
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:44 AM
Parent: #787

حق الطريق
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين، وبعد:
فإن شريعتنا الغراء قد اهتمت بسعادة الناس في دنياهم وآخرتهم، ولهذا شرعت لهم من التشريعات والآداب والأخلاق ما إن التزموا به وطبقوه لعاشوا الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.

ومن الأمور المهمة التي حثت عليها هذه الشريعة الغراء إعطاء الطريق حقه، والالتزام بآدابه، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إياكم والجلوس في الطرقات" . قالوا : يا رسول الله ! ما لنا بد من مجالسنا . نتحدث فيها . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "فإذا أبيتم إلا المجلس ، فأعطوا الطريق حقه ". قالوا : وما حقه ؟ قال : "غض البصر ، وكف الأذى ، ورد السلام ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر".(رواه مسلم).

ونشير إلى كل واحد من هذه الحقوق بما يبينه ويوضحه:

أ - غض البصر:

الأمر بغض البصر يشترك فيه الرجال والنساء على حد سواء، وذلك لأن إطلاق البصر فيما يحرم يجلب عذاب القلب وألمه، وصاحبه يظن أنه يروِّح عن نفسه ويبهج قلبه، ولكن هيهات. ومُدمن النظر إلى النساء أعظمهم عذاباً ، وكما قال ابن تيمية رحمه الله:

(تعمد النظر يورث القلب علاقة يتعذب بها الإنسان، وإن قويت حتى صارت غراماً وعشقاً زاد العذاب الأليم، سواء قدر أنه قادر على المحبوب أو عاجز عنه، فإن كان عاجزاً فهو في عذاب أليم من الحزن والهم والغم، وإن كان قادراً فهو في عذاب أليم من خوف فراقه، ومن السعي في تأليفه وأسباب رضاه!).ا.هـ.

وأصل ذلك ومبدؤه من النظر، فلو أنه غض بصره لارتاحت نفسه وارتاح قلبه. قال تعالى: {قُل لِلمُؤمِنِينَ يَغُضُّواْ مِن أَبصَارِهِم وَيَحفَظُواْ فُرُوجَهُم ذَلِكَ أَزكَى لَهُم إِنَّ اللهَ خَبِيرُ بِما يَصنَعُونَ (30) وَقُل لِلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنّ }.( النور:31،30 ).

والشرع المطهر لم يغفل ما قد يقع من الناس بدون قصد منهم، فأمر من نظر إلى امرأة أجنبية بدون قصد منه أن يصرف بصره عنها ولا يتمادى. قال جرير بن عبدالله رضي الله عنه: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فأمرني أن أصرف بصري.(رواه مسلم).

ومعنى نظر الفجأة: أن يقع بصره على الأجنبية من غير قصد فلا إثم عليه في أول ذلك، ويجب عليه أن يصرف بصره في الحال، فإن صرف في الحال فلا إثم عليه، وإن استدام النظر أثم .

ب - كف الأذى:

ومن حقوق الطريق، كف الأذى وعدم إيذاء الناس في أبدانهم أو أعراضهم. وفي الحديث الذي رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "المسلم من سَلِم المسلمون من لسانه ويده" (رواه البخاري ومسلم).

والحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، فيشمل اللسان من تكلم بلسانه وآذى الناس في أعراضهم أو سبهم، ويشمل من أخرج لسانه استهزاء وسخرية. وكذا اليد فإن أذيتها لا تنحصر في الضرب، بل تتعداها إلى أمور أُخر كالوشاة بالناس، والسعي في الإضرار بهم عن طريق الكتابة، أو القتل ونحو ذلك.

بل إن من محاسن هذا الدين أن كان كف المرء شره وأذاه عن الناس صدقة يتصدق بها على نفسه، جاء ذلك في حديث أبي ذر رضي الله عنه قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم:أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله وجهاد في سبيله". قلت: فأي الرقاب أفضل؟ قال: "أعلاها ثمناً وأنفسها عند أهلها".قلت: فإن لم أفعل؟ قال: "تعين صانعاً أو تصنع لأخرق". قال: فإن لم أفعل؟ قال:"تدع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك".(رواه البخاري). وعند مسلم: "تكف شرك عن الناس فإنها صدقة منك على نفسك ".

جـ - رد السلام:

ومن حقوق الطريق: رد السلام، وهو واجب لقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي الله عنه:" خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز" (رواه البخاري ومسلم).

د - وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

وهذا هو ما استحقت به الأمة الخيرية بين الأمم: {كُنتُم خَيرَ أُمَّةٍ أُخرِجَت لِلنَّاسِ تَأمُرُونَ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَونَ عَنِ المُنكَرِ وَتُؤمِنُونَ بِاللهِ} (آل عمران:110).

قال ابن كثير: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله فيها، رواه ابن جرير، ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله تعالى : {كَانُواْ لا يَتَنَاهَونَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ} (المائدة: 79).

وإذا ترك الناس الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حلَّ بهم العقاب. فقد روى الإمام أحمد في مسنده قال: ( قام أبوبكر رضي الله عنه فحمد الله عز وجل وأثنى عليه فقال: أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية {يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيكُم أَنفُسَكُم لا يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إذَا اهتَدَيتُم}(المائدة:105) ، وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر، ولم يغيروه أوشك الله أن يعمهم بعقاب ".
وفي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فوائد عظيمة للأمة، من أهمها تحصين الأمة من الرذائل والفواحش والعقوبات.
ولكن ينبغي الإشارة هنا إلى أمور:

أولاً: التدرج في الإنكار: فلا يتحول المرء إلى مرتبة حتى يعجز عن التي قبلها، فلا ينكر بقلبه من يستطع الإنكار بلسانه، وهكذا.

الثاني: أن من كانت له ولاية فإنكاره يكون بأعلى مراتب الإنكار: فرب الأسرة هو السيد المطاع في البيت وتغييره يكون بيده فهو قادر على إزالة المنكر بيده ولا يعذر بترك ذلك.

الثالث: العلم بالمنكر أنه منكر قبل الإنكار: وهل هو من الأمور التي يسوغ فيها الخلاف، وهذا باب غلط فيه بعض الناس، فليتنبه له.

الرابع: يجب أن يستشعر المُنكِرُ قاعدة المفاسد والمصالح: وأن لا يبادر إلى الإنكار إلا إذا علم أن مصلحته راجحة على مفسدته، ومتى علم رجحان المفسدة وجب عليه الكف حتى لا يفتح باب شر وفساد.

الخامس: إذا عجز المُنكرُ عن المرتبة الأولى والثانية: فلا يغفل عن قلبه ويمر عليه المنكر دون إنكار بالقلب وظهور آثار ذلك على صفحات وجهه.

هـ - هداية السائل عن الطريق:

ومن حقوق الطريق - أيضاً - إرشاد السائل عن الطريق، وهدايته إليه، سواءً كان ضالاً أو أعمى. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن من حق الطريق "إرشاد السبيل" (رواه أبو داود)

و- ومن حق الطريق إزالة الأذى عنه:

من الآداب المستحبة في الطريق إزالة الأذى عن الطريق، بل هي من الإيمان، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الإيمان بضع وسبعون شعبة أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان".(رواه البخاري).

وهي من الصدقات، ففي حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل سلامى من الناس عليه صدقة... ثم قال: وتميط الأذى عن الطريق صدقة" (رواه البخاري ومسلم).

وبسببها أدخل رجل الجنة فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"بينما رجل يمشي بطريق وجد غصن شوك على الطريق فأخره، فشكر الله له فغفرله". (رواه البخاري ومسلم).

ن- تحريم قضاء الحاجة في طريق الناس أو ظلهم:

حذر رسولنا صلى الله عليه وسلم ، من التخلي في طريق الناس أو ظلهم، لأن ذلك حق عام، فلا يحل لامرئٍ أن يفسد على الناس طرقهم التي يمشون عليها، أو ظلهم الذي فيه يجلسون، وبه يتقون حر الشمس. فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"اتقوا اللعانين" قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: "الذي يتخلى في طريق الناس، وظلهم " (رواه مسلم).

ي- إعانة الرجل في حمله على دابته أو رفع متاعه عليها:

فإذا رأيت كبير السن أو المقعد يريد أن يركب دابة أو سيارة وكان ذلك يشق عليه، فإنك تعينه على ذلك، أو تعينه في حمل متاعه، وهذا من الصدقة التي يؤجر المسلم عليها. فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل سُلامى عليه صدقة، كل يوم، يعين الرجل في دابته يحامله عليها أو يرفع عليها متاعه صدقة". (رواه البخاري).
فينبغي علينا أن نراجع أنفسنا ونسألها هل نحن ممن يؤدون حق الطريق أم لا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه والتابعين، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #811
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:47 AM
Parent: #787

تفقُّد الإيمان
أيها القارئ الكريم:إن الإيمان هو أعز منحة منحها الله للإنسان؛ فعليه مدار النجاة: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ(89)}(الشعراء).
والإيمان هو السبيل إلى الحياة الكريمة الطيبة في الدنيا، والأجر والكرامة يوم القيامة:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97)}(النحل).

شجرة الإيمان تحتاج الرعاية

أخي.. إن إيمانك بالله جلَّ وعلا شجرة كأطيب الشجر إذا تعاهدتها وسقيتها بماء الذكر والطاعة والاستقامة أثمرت أفضل الثمار وأينعها وأجملها وأحسنها وأطيبها.

قال الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} [إبراهيم: 24، 25].

قال العلامة السعدي رحمه الله: «فمثَّل الله سبحانه كلمة الإيمان التي هي أطيب الكلمات بشجرة هي أطيب الأشجار، موصوفة بهذه الأوصاف الحميدة: أصولها ثابتة مستقرة، ونماؤها مستمر، وثمراتها لا تزال، كل وقت وكل حين، تغل على أهلها وعلى غيرهم المنافع المتنوعة والثمرات النافعة.

وهذه الشجرة متفاوتة في قلوب المؤمنين تفاوتًا عظيمًا، بحسب تفاوت هذه الأوصاف التي وصفها الله بها.
فعلى العبد الموفق أن يسعى لمعرفتها ومعرفة أوصافها وأسبابها وأصولها وفروعها!

ويجتهد في التحقق بها: علمًا وعملاً. فإن نصيبه من الخير والفلاح، والسعادة العاجلة والآجلة بحسب نصيبه من هذه الشجرة» [التوضيح والبيان ص6].

تفـقـد قــلبك:

فإن سلامته سلامتك.. وعافيته عافيتك.. وصلاحه صلاحك.. قال صلى الله عليه وسلم: «ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله.. وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب».
قربه من الذكر فإن فيه رِقَّته وسلامته وقوته وطمأنينته.. قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد: 28].

قال ابن القيم رحمه الله: «ولا ريب أن القلب يصدأ كما يصدأ النحاس والفضة وغيرهما، فجلاؤه بالذكر؛ فإنه يجلوه حتى يدعه كالمرآة البيضاء، فإذا ترك، صدئ فإذا ذكره جلاه.

وصدأ القلب بأمرين: بالغفلة والذنب.
وجلاؤه بشيئين: « بالاستغفار والذكر» [الوابل الصيب ص80].
قال صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه كمثل الحي والميت».

فذكر الله علاج قسوة القلوب.. ومادة قوتها وسكينتها.. وهو غراس الإيمان فيها.. يقول العلامة السعدي رحمه الله: «ومن أسباب دواعي الإيمان: الإكثار من ذكر الله في كل وقت، ومن الدعاء الذي هو مخ العبادة، فإن ذكر الله يغرس شجرة الإيمان في القلب، ويغذيها وينميها، وكلما ازداد العبد ذكرًا لله قوي إيمانه, كما أن الإيمان يدعو إلى كثرة الذكر، فمن أحب الله أكثر من ذكره، ومحبة الله هي الإيمان بل هي روحه» [التوضيح والبيان ص59].

وفضائل ذكر الله أكثر من أن تحصى وأكبر من أن تحصر، وهو أفضل وسائل النجاة يوم القيامة كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملاً قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله عزَّ وجلَّ» [رواه أحمد].

فعالج قلبك بذكر الله.. وأكثر من التسبيح والاستغفار.. واجعل أذكار الصباح والمساء وردًا يوميًا ثابتًا لا تخل به، فإن ذلك أدعى لثبات إيمانك وقوته وصلابته.. واعلم أن حرصك على الأذكار.. والدعاء.. والاستعاذات النبوية هو أعظم سلاح تقمع به الشيطان فإنه وسواس خنَّاس.. يقهره ذكر الله.. ويقطع عليه كيده ومكره.

كن دائم الاستشعار لمراقبة الله لك:

فهو سبحانه أقرب إليك من نفسك؛ يسمع كلامك، ويبصر فعالك وأحوالك، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}.. {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ}.. {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ}..

تأمل حال المرأة التي جاءت تشتكي إلى رسول الله من معاملة زوجها.. وقد أنزل الله في شأنها: {قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ}.

فأنت أيضًا يسمع الله كلامك.. جهره وهمسه.. ويعلم أحوالك.. وأنفاسك ووسواسك.. {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}.

ويبصرك أينما كنت.. وأينما حللت.. {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَار}...{أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.

وإن عبدًا مستديمًا على استشعار هذه الصفات الإلهية العظيمة.. مؤمنًا بعظمة الله وجلاله ليغمره الحياء من أن يعصي الله.. ويملأه الخوف من أن يقترف ما يغضب الله.. بل إن يقينه باطلاع الله عليه.. ليولد في نفسه حرارة إيمانية ينكمش معها وجهه.. ويخفق لها قلبه.. ويغض معها طرفه.. خشية أن يطلع الله على إصرار كامن في نفسه.. أو نية سوء مختفية في حسه.. فلا ترى إذا أخطأ إلا فزعًا للتوبة.. وفي الحديث الصحيح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «استح من الله كما تستحي من الرجل الصالح في قومك».

ومراقبة الله جلَّ وعلا.. والاستدامة على تذكر اطلاعه.. وسمعه وبصره وعلمه بأحوال عباده.. يخجل المؤمن الصادق من نفسه.. فلا يكاد ينطق إلا بما يرضي الله.. ليس فقط لأنه يخاف أن يسجل عليه الملك كلامه.. ولكن قبل ذلك؛ لأنه يعلم علم اليقين أن الله يعلم قوله وسره وجهره.. {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}.

أخي الكريم: إن يقينك باطلاع الله عليك، وعلمه بسرك وجهرك يدعوك إلى تعظيم الله جلَّ وعلا والخشية منه سبحانه.. وكذلك حسن الظن به، والطمع في رحمته.
وهذ الأمر من أهم ثمار معرفة الله بأوصافه وصفاته واستشعار مرقبته.. وبه لا تزال شجرة إيمانك تنمو وتزهو وتتفرع وتتشعب حتى ترقى بك إلى درجة الإحسان التي هي أعلى مراتب الدين.

تفقد إيمانك بإحسان العبادة:

فالإيمان يتقوى بالعبادة.. وللعبادة شرطان:
الأول: الإخلاص لله. والثاني: المتابعة لهدي نبيه صلى الله عليه وسلم.

فبهذين الشرطين تصح العبادات والطاعات ويكون لها أثر في زيادة الإيمان وحفظ الأعمال من الإحباط؛ فرب مستكثر من الطاعات لم ينفعه استكثاره وتعبه؛ لأنه إمَّا أقدم على الطاعة بغير نية صادقة، أو أنه عبد الله على غير علم واتباع. ولأجل هذا قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

قال ابن كثير رحمه الله: «وهذان ركنا العمل المتقبل: لابد أن يكون خالصًا لله، صوابًا على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروي مثل هذا عن القاضي عياض رحمه الله وغيره».

فأخلص – أخي – النية.. وجمل الطوية.. واجعل عبادتك كلها وأعمالك جميعها لله وحده.. فالإخلاص من أعظم أسباب البركة في الأعمال.. فإذا كان العمل خالصًا لله، وكان على ما يريد الله سبحانه فإنه يبارك فيه فيثمر القليل منه الكثير.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى» [رواه البخاري].
فالسير سير القلب.. ومن خلا قلبه من النية.. لم يكن لطاعاته مزية..

أخي.. واعلم أن العبادة لا تقتصر على شعائر معينة.. وإنما هي حالة يتقلب فيها العبد وفق مراد الله سبحانه.. يتعبده بالصلاة إذا حان وقتها.. ويتعبده بالنوافل في وقتها.. ويتعبده بتلاوة القرآن والذكر.. ويتعبده بصلة الرحم والأقارب ويتعبده بالإنفاق.. وهكذا يظل يتقلب في العبادات وفق ما يريده الله منه فليس له في نفسه حظ وإنما بغيته الله والدار الآخرة.

قال تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}.
فمن فقه هذه الأمور نفعته أعماله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين» [متفق عليه].
ومن الإحسان في هذا الجانب أيضا أن يكثر من نوافل الطاعات فبها تزكو النفوس ويقترب العبد من ربه كما ورد في الحديث:" ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه".

يا أيها الحبيب تفقد إيمانك وراجع ما سبق أن كتبناه عن أسباب زيادة الإيمان في أحوال القلوب وأدويتها.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم الإيمان الكامل وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه وهو راض عنا، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
اسلام ويب

Post: #812
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-08-2015, 01:50 AM
Parent: #787

الصبر عند فقد الأحبة
الحمد لله المتفرد بالعزة والبقاء، الذي كتب على كل المخلوقات الفناء فقال: { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ . وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}(سورة الرحمن:26-27).
وأشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وبعد:

فإن هذه الدار الدنيا دار مصائب وشرور، ليس فيها لذة على الحقيقة إلا وهي مشوبة بكَدَر؛ فما يُظن في الدنيا أنه شراب فهو سراب، وعمارتها - وإن حسنت صورتها - خراب ، إنها على ذا وضعت، لا تخلو من بلية ولا تصفو من محنة ورزية، لا ينتظر الصحيح فيها إلا السقم، والكبير إلا الهرم، والموجود إلا العدم، على ذا مضى الناس؛ اجتماعٌ وفرقة، وميتٌ ومولود، وبِشْرٌ وأحزان:
والمرء رهن مصائب ما تنقضي حتى يوسد جسمه في رمسه

فمؤجَّل يلـقى الــردى في غــيـره ومعجل يلقى الردى في نفسه

فَمَنْ من الناس على وجه الأرض لم يصب بمصيبة صغرت أو كبرت؟!.

ثمانيـة لابد منها على الفتى ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهم واجتماع وفرقة وعسر ويسر ثم سقم وعافية

وهذه كلمات أحببنا من خلالها توجيه رسالة لكل من ابتلي بفقد حبيب أو عزيز أو قريب، ليتصبر ويرضى ويسلم راجيا من الله تعالى عظيم الأجر وحسن الخلف، فنقول:
من أعظم ما يعين على الصبر عند فقد الأحبة:

النظر في عاقبة الصبر والرضا

فقد وعد الله عبادة الراضين الصابرين أجرا عظيما وفضلا كبيرا.
لو تدبر العبد قول الله تعالى: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ.الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}( البقرة:155-157).

سبحان الله صلاة ورحمة وهدى لمن كان من الصابرين، قال عبد الله بن مطرف رحمه الله عندما مات ولده: والله لو أن الدنيا وما فيها لي، فأخذها الله عز وجل مني، ثم وعدني عليها شربة من ماء لرأيتها لتلك الشربة أهلاً، فكيف بالصلاة والرحمة والهدى؟!.

انظر إلى أم سلمة رضي الله عنها حين توفي زوجها أبو سلمة رضي الله عنه قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد تصيبه مصيبة، فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، واخلفني خيراً منها، إلا آجره الله في مصيبته، وأخلف له خيراً منها " قالت: فلما توفي أبو سلمة قلت: ومن خير من أبي سلمة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ثم عزم الله عليَّ، فقلتها ، قالت: فتزوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ،ومن خير من رسول الله؟!.

أجر الصابر على فقد الولد

وإذا كان من أعظم المصائب التي يصاب بها المرء أن يفقد ولده فقد ورد في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يعين على الصبر على هذه المصيبة العظيمة، فقد جاء في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى لملائكته: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول -وهو أعلم-: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ قالوا: حمدك واسترجع. فيقول الله جلَّ وعلا: ابنوا لعبدي بيتاً في الجنة، وسمُّوه بيت الحمد". والبيت لابد له من ساكن فيا لها من بشارة ما أعظمها!.

وروى الإمام أحمد رحمه الله من حديث معاوية بن قرة أن رجلاً كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم ومعه ابن له، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أتحبه؟" فقال: يا رسول الله! أحبك الله كما أُحبُّه. فتفقده النبي! فقال: "ما فعل ابن فلان؟" فقالوا: يا رسول الله! مات. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبيه: "أما تحب أن تأتي باباً من أبواب الجنة إلا وجدته عليه ينتظرك؟" فقال رجل: يا رسول الله! أله خاصة أم لكلنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "بل لكلِكم".

وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أتت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي لها، فقالت: يا رسول الله! ادعُ الله له؛ فلقد دفنت ثلاثة قبله. فقال صلى الله عليه وسلم: "دفنت ثلاثة؟!" -مستعظمًا أمرها- قالت: نعم، قال:" لقد احتظرت بحظار شديد من النار ". أي: لقد احتميت بحمى عظيم من النار.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صَفِّيَه من أهل الدنيا، ثم احتسبه إلا الجنة".

وهناك غيرها من أحاديث المصطفى التي فقهها السلف الصالح رضي الله عنهم فأحب بعضهم لو أنه قدم فرطا يحتسبه ويفوز بهذا الفضل، هذا عمر بن عبد العزيز يدخل على ولده عبد الملك رحمه الله في مرضه الذي مات فيه فيقول:

يا بني! كيف تجدك؟ قال: تجدني -أبتاه- في الموت. قال: يا بني! لأن تكون في ميزاني أحب إليَّ من أن أكون في ميزانك، فقال الابن: يا أبتِ! والله لأن يكون ما تحبُّه أحبُّ إليَّ من أن يكون ما أحبُّه، ثم مات -عليه رحمة الله-.

إبراهيم الحربي وولده

وكان لإبراهيم الحربي رحمه الله ولد بلغ الحادية عشرة وقد حفظ القرآن ولقنه أبوه جانبا كبيرا من الفقه، فمات فلما جاءه بعض المعزين قال إبراهيم: والله لقد كنت على حبي له أشتهي موته، فقال له المعزي: أنت عالم الدنيا تقول ذلك في صبي قد حفظ القرآن، ولقنته الحديث والفقه؟ قال: نعم أو يخفى عليك أجر تقديمه؟ -أو كما قال- ثم قال: وفوق ذلك فلقد رأيت في منامي كأن القيامة قامت، وكأن صبياناً بأيديهم قلال فيها ماء يستقبلون الناس، فيسقونهم، وكان اليوم حارّاً شديد حره، قال: فقلت لأحدهم: اسقني من هذا الماء. قال: فنظر إليَّ وقال: لست أبي. قال: قلت: من أنتم؟ قال: نحن الصبية الذين مِتْنا، واحتسبنا آباؤنا ننتظرهم لنسقيهم، فنسقيهم الماء. قال: فلذلك اشتهيت موته، والحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون!.

ووقف محمد بن سليمان على قبر ابنه وفلذة كبده بعد ما دفنه قائلاً: كل ذلك في كتاب، الحمد لله، وإنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم إني أرجوك له، وأخافك عليه. اللهم فحقِّقْ رجائي فيه، وآمِنْ خوفي عليه.

أم عقيل

ونختم بما ذكره ابن الجوزي رحمه الله عن الأصمعي خرجت أنا وصديق لي إلى البادية، فضللنا الطريق؛ فإذا نحن بخيمة عن يمين الطريق، فقصدنا نحوها، فسلمنا؛ فإذا عجوز ترد السلام، ثم قالت: من أنتم؟ قلنا: قوم ضللنا الطريق، وأَنِسْنَا بكم، وقوم جياع. قالت: ولُّوا وجوهكم حتى أقضي من حقكم ما أنتم له أهل.

ففعلنا، وجلسنا على فراش ألْقَتْهُ لنا، وإذا ببعير مقبل، عليه راكب، وإذا بها تقول: أسأل الله بركة المقبل، أما البعير فبعير ولدي، وأما راكبه فليس بولدي. جاء الراكب، وقال: يا أم عقيل! السلام عليك.. أعظم الله أجرك في عقيل، فقالت: ويحك! أوقد مات عقيل؟ قال: نعم. قالت: وما سبب موته؟ قال: ازدحمت عليه الإبل فرمت به في البئر، فقالت: انزل، ودفعت له كبشاً، ونحن مدهوشون، فذبحه وأصلحه، وقرَّب إلينا الطعام، فجعلنا نتعجب من صبرها؛ فلما فرغنا قالت:

هل فيكم أحد يحسن من كتاب الله -عز وجل- شيئاً فقلنا: نعم. قالت: فاقرءوا عليَّ آيات أتعزَّى بها عن ابني، فقرأ: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ . الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ . أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ }(البقرة:155-157) قالت: آللهِ إنها لفي كتاب الله؟ قلت: والله إنها لفي كتاب الله. قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون، صبراً جميلاً، وعند الله أحتسب عقيلاً. اللهم إني فعلت ما أمرتني به؛ فأنجز لي ما وعدتني، ولو بقي أحد لأحد لبقي محمد صلى الله عليه وسلم لأمته.

الفرج قريب

يا صاحب الهم إن الهم منفرج أبشر بخير فإن الفارج الله

اليأس يقطـع أحيانـا بصاحـبـه لا تيأسن فإن الكافي الله

الله يُحدث بعـد الـعـسر ميسرة لا تجزعن فإن الكاشف الله

إذا بليت فـثـق بالله وارض به إن الذي يكشف البلوى هو الله

والله مالـك غـيـر الله مـن أحد فحسبك الله في كل لك الله

نسأل الله أن يعافي المسلمين من كل مكروه وسوء، وأن يرزقنا وإياهم الصبر والرضا، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

اسلام ويب

Post: #813
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:12 AM
Parent: #787

إباءة الضيم وأثرها في سيادة الأمم
الضيم:الظلم والاضطهاد، وإباءته: كراهته والنفور منه.
والنفور الصادق من الضيم يستلزم الغضب عند وقوعه؛ كما قال مهيار الديلمي يمدح أبا سعيد بن عبد الرحيم:

نفى الضيمَ عنه أنفُ غضبانَ ثائرٍ *** يَخِفُّ وقِسْطُ الحادثات ثقيلُ

وإذا غضب الرجل من الضيم غضبة ملتهبة، بذل وسعه في التخلص منه، أو في التوقي منه قبل وقوعه، فمن لم يغضب لوقوع الضيم، أو لم يبذل وسعه في التخلص أو الحذر منه، فهو محروم من هذا الخلق المجيد.

ولهذا الخُلُق صلة محكمة بخلقين عظيمين: عزة النفس، والبطولة، فمن لم يكن عزيز النفس، لم يتألم من أن يضام، ومن لم يكن بطلًا، احتمل الضيم رهبة أو حرصًا على الحياة.

ومن طالع العرب في عهد جاهليتهم، عرف أنهم كانوا يأبون الضيم في حماسة وصلابة، ويعدُّونه في أول ما يفتخرون به من مكارم الأخلاق، وقد أخذ هذا الخُلُق في أشعارهم ومفاخراتهم مكانًا واسعًا، فنبهوا على أنَّ احتمال الضيم عجز، والعاجز لا يُرجَى لدفع مُلمَّة، ولا للنهوض بمهمة.

قال المتلمس:
ولا تقْبَلنْ ضيمًا مخافةَ مِيتةٍ *** وموتَنْ بها حرًّا وجِلدُك أمْلَسُ

وضربوا لاحتمال الضيم أبشع الأمثال، وأشدها تنفيرا منه، فقال المتلمس أيضا:

ولا يُقيم على ضيمٍ يُراد به *** إلَّا الأذلانِ عَيْرُ الحيِّ والوَتَدُ

هذا على الخَسْفِ مربوطٌ برُمَّتِه *** وذا يُشَجُّ فلا يَرثِي له أحدُ

ونبهوا على أن حرية النفس والإقامة على ضيم لا يجتمعان أبداً، فقال الشنفرى:

ولكنَّ نفسًا حرَّةً لا تُقيمُ بي *** على الضَّيْمِ إلا رَيْثما أتحوَّلُ

وأشاروا في حكمهم إلى أن ذوي النفوس الزكية يتجافون عن مواطن الضيم، وينأون عنها، ولو إلى مواقع الخطوب الدامية، قال معن بن أوس:

إذا أنت لم تُنصفْ أخاك وجَدْتَه *** على طَرَفِ الهجران إن كان يعقِلُ

ويركبُ حدَّ السَّيفِ مَن أنْ تُضيمَه *** إذا لم يكنْ عن شَفْرةِ السَّيفِ مَزْحَلُ

وإباءة العرب للضيم أيام جاهليتهم ملأت أعين الدول المجاورة لهم مهابة، فعاشوا ولم يكن لواحدة من تلك الدول عليهم من سبيل.

قال النعمان بن المنذر يصف العرب في محادثة له مع كسرى: (وأما عزها ومنعتها (يعني: العرب)، فإنها لم تزل مجاورة لآبائك الذين دوَّخوا البلاد، ووطَّدوا الملك، ولم يطمع فيهم (أي: العرب) طامع، ولم ينلهم نائل).

جاء الإسلام، فوجد العرب قد يتجاوزون في هذه الخصلة حدَّ الاعتدال، فهذَّبها، وأحاطها بحكمة حقَّقت فيها معنى ابتغاء العزة، وهيَّأتها لأن تلتقي بالعدل، وترافق الحلم، وتساير السياسة الرشيدة أينما سارت.


هذَّب الإسلام إباءة الضيم، وجعلها من الخصال التي يقتضيها الإيمان الصادق، فأصبحت خلقًا إسلاميًّا، أينما وجد الإيمان الصادق، وجدت إباءة الضيم بجانبه، ألا تقرؤون فيما تقرؤون من الكتاب المجيد قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون: 8]، ولا عزة لمن يسومه عدوه ضيماً، فيطأطئ له رأسه خاضعًا، وإنما قتل في نفسه الشعور بالمهانة الحرص على الحياة، أو على شيء من متاعها، وكل متاعها في جانب العزة حقير.


يأبى الرجل الراسخ في مكارم الأخلاق أن يلحقه الضيم في نفسه، ويأبى بعد هذا أن يضام من يمتُّ إليه بصلة قرابة أو جوار أو استجارة؛ إذ اضطهاد أحد من أمثال هؤلاء يجرُّ إليه عارًا، ويلبسه صغارًا.

ورجل الأخلاق يغضب لأن يضام المنتمي إليه بصلة قرابة، وإذا كان هذا القريب ممن يناوئه، ويضمر له سوءًا، قال المغيرة بن حنباء:

وأغضبُ للمولَى فأمنعُ ضيمَه *** وإن كان غشًّا ما تَجِنُّ ضمائِرُه

يغار الرجل على ذوي القرابة والصداقة والجوار، ويبذل في إنقاذهم من الضيم دمه، أو ماله، أو جاهه، فيعظم بهذه المزية في أعين من يقدرون المكارم قدرها.

وأكبر أُباةِ الضيم همة، وأرقاهم في سماء السيادة مقامًا، من يغار على الأمة التي يجمع بينه وبينها دين أو وطن، ويأبى أن تمسها لفحة من ضيم، فيجاهد في سبيل سلامتها من أن يُهضَم حق من حقوقها، أو يُغتَصب شبر من أوطانها.

ويصور لك إباءة الرجل لأن يضام قومه قول عتبان الشيباني حين نزلت ثقيف متغلبة على أرض قومه:

فلا صُلحَ ما دامت منابرُ أرضِنا *** يقومُ عليها مِن ثَقيفَ خطيبُ

ودفع الضيم عن الأمة حق على كل من يستطيع الاشتراك فيه بنفس، أو مال، أو تدبير، أو تحريض.
وقد نص علماء الشريعة على أن العدو إذا أقبل مهاجمًا، كان فرضًا على كل شخص، حتى النساء أن يخرجوا لدفاعه بما استطاعوا.

ووقاية الأمة من مهانة الضيم تستدعي العمل لأن تكون للأمة قوتان: مادية، ومعنوية.
أما المادية، فبإعداد ما يتطلبه الدفاع من وسائل الانتصار على العدو، وهذا ما أشار إليه القرآن المجيد بقوله تعالى: {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [الأنفال: 60].

وأما المعنوية، فبتربية النشء على خلق الشجاعة، وصرامة العزم، والاستهانة بالموت.

فالأمة التي تأبى الضيم بحق، هي الأمة التي تلد أبطالًا، وتبذل كل مجهود في إعداد وسائل الدفاع، لا يقعد بها بخل، ولا يلهيها ترف، وتفاضل الأمم في التمتع بالحرية والسلامة من أرجاس الضيم، على قدر ما تلد من أبطال، وما تعده من أدوات الرمي والطعان:

متى تَجْمعِ القلبَ الذَّكِيَّ وصارِمًا *** وأنفًا حميًّا تجتنِبْك المظالمُ

إباءة الضيم خلق محمود أينما حلَّ، وأهم موقع له نفوس الرجال الموكول إليهم تدبير شؤون الأمة، وتنفيذ ما يحقق آمالها، وإنما تسقط الأمة في هاوية الاحتلال الأجنبي، إذا وقع زمام أمرها في يد من صغرت همته، فلا يغضب للضيم الذي يلقى على عنقه، ويسوق الأمة بعصاه إلى جهل وفقر وشقاق...

ومن الحكمة أن يعمل الإنسان للتخلص من الضيم، بعد شيء من التدبر وإحكام الرأي، حتى لا تفضي به مكافحة الضيم الصغير إلى ضيم أفظع منه، أو تفوت على الجماعة مصلحة أو مصالح كبيرة، لا يعد ذلك الضيم في جانبها شيئاً مذكوراً، وأورد في بيان هذا مثلين:

أحدهما: من السيرة النبوية، وثانيهما: من التاريخ الصحيح.

أما السيرة، فقد جاء في قضية الحديبية: أن النبي صلى الله عليه وسلم عقد مع المشركين صلحًا، قد يبدو في أول النظر أن فيه إجحافًا بحقوق المسلمين، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: أوليسوا بالمشركين؟ قال: (بلى). قال: فعلام نعطي الدنية في ديننا؟! قال: "أنا عبد الله ورسوله، لن أخالف أمره، ولن يضيعني".

ومن نظر في الفوائد التي ترتبت على هذا الصلح، وجدها من العظم بحيث لا يعد الصلح وقبول ما تمسك به المشركون من الشروط إلا شيئًا لا يقام له وزن، وعرف أن السياسة التي سار عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أقوم سبيلًا مما بدا لعمر بن الخطاب في نظرته الأولى.

وأما التاريخ: فإن الإسبان لما طغوا على ملوك الطوائف بالأندلس، وشعر هؤلاء الملوك بضعفهم عن مقاومتهم، ظهر للمعتمد بن عباد ملك إشبيلية أن يستعين في دفاعهم بسلطان المغرب يوسف بن تاشفين، فقال له بعض أولئك الملوك: نخشى أن يدخل بلاد الأندلس، ويرد العدو، ثم يبسط سلطانه علينا، فقال المعتمد تلك المقالة الخالدة: (لأن أرعى الجمال خير من أن أرعى الخنازير).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: كتاب (موسوعة الأعمال الكاملة للإمام محمد الخضر حسين، دار النوادر بسوريا)

Post: #814
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:15 AM
Parent: #787

المحافظة على الصحة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

فإن من أجلِّ النعم وأعظمها نعمة الصحة والعافية، ولأنها بهذا الشأن فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من أصبح منكم معافى في جسده آمنا في سربه عنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".

كما أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا أصبح وإذا أمسى سأل ربه تبارك وتعالى العافية: " اللهم إني أسألك العافية في الدنيا و الآخرة اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني و دنياي ، و أهلي و مالي اللهم استر عوراتي ، و آمن روعاتي اللهم احفظني من بين يدي و من خلفي ، وعن يميني وعن شمالي ، ومن فوقي ، وأعوذ بعظمتك من أن أغتال من تحتي " .

ووجَّه أمته إلى سؤال الله تعالى العافية حين قال: " سلوا الله العافية واليقين ، فما أعطي أحد بعد اليقين شيئا خيرا من العافية ، فسلوهما الله تعالى ".
ومعنى العافية كما ذكر المناوي رحمه الله: (السلامة من الأسقام والبلاء... والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا في قلبه وبدنه)ا.هـ.

فحري بالعبد أن يأخذ بأسباب السلامة والعافية ، وأن يحافظ على صحته ويقوي بدنه فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ، وفي كل خير " .

وقرر صلى الله عليه وسلم أن لهذا البدن على صاحبه حقا، فقد قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " ألم أخبر أنك تقوم الليل وتصوم النهار ؟" . قلت : بلى ، قال : "فلا تفعل ، قم ونم ، وصم وأفطر ، فإن لجسدك عليك حقا ، وإن لعينك عليك حقا ، وإن لزورك عليك حقا ، وإن لزوجك عليك حقا..." الحديث.

وإذا نظرنا إلى تشريعات الإسلام في هذا الجانب فسنجدها تحث العباد على المحافظة على الصحة والأبدان بوسائل شتى، ومنها:

الحث على النظافة:

لقد حث الإسلام على النظافة ، فقد جاء في الخبر الذي رواه الطبراني مرفوعاً بسند جيد: "طهروا الأجساد طهركم الله فإنه ليس عبدٌ يبيت طاهراً إلا بات معه في شعاره ملك لا ينقلب ساعة من الليل إلا قال: اللهم اغفر لعبدك فإنه بات طاهراً ".

وفي خبر آخر عند أبي داود بسند صححه الألباني رحمه الله: " ما من مسلم يبيت طاهراً: فيتعار من الليل ـ أي يستيقظ ـ فيسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله إياه " .

أما الوضوء الذي أمر به المسلم إذا أراد الصلاة فهو بالإضافة إلى كونه عبادة وقربة فإنه نظافة وجمال وفي الحديث: " أرأيتم لو كان باب أحدكم على نهر جار يغتسل منه خمس مرات أيبقى من درنه شيء ".

وغسل الجمعة الذي أخبر النبي صلى اله عليه وسلم أنه واجب على كل محتلم، هو نوع من نظافة الظاهر، في الوقت الذي تعمل فيه الصلاة على نظافة الباطن.

وخصال الفطرة التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم هي في مجملها طاعة وعبادة ونوع من النظافة وقد قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: " خمس من الفطرة : تقليم الأظفار وقص الشارب وحلق العانة ونتف الإبط والاختتان".

وهناك أدلة كثيرة تبين اهتمام الإسلام بالنظافة وإنما قصدنا مجرد الإشارة، وعموما فقد قال الله تعالى: {يَـٰبَنِى ءادَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَٱشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُسْرِفِينَ }( الأعراف:31).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن الله جميل يحب الجمال".

الأخذ بأسباب الوقاية:

ففيما يتداوله الناس أن الوقاية خير من العلاج، وهذا الأمر تراه حقيقة ماثلة في الإسلام، حين علم النبي صلى الله عليه وسلم أن في وفد ثقيف الذي أراد القدوم على النبي صلى الله عليه وسلم ليبايعه رجلا مجذوما( أصابه الجذام) أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " ارجع فقد بايعناك".

كما نهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن الدخول إلى بلدة ظهر فيها الطاعون، وأمرهم ألا يخرجوا من بلدة أصابها الطاعون وهم فيها، ولعل هذا ما يسمى الآن الحجر الصحي.

الرخص الشرعية:

إذا تأملت الرخص الشرعية فإنك ستجد أن الهدف منها رفع الحرج والمشقة عن العباد، والمحافظة عليهم وعلى سلامتهم، فقد رخص الشرع للمريض غير القادر على القيام في الصلاة أن يجلس فإن لم يستطع صلى مضطجعا، كما أن العاجز عن استعمال الماء لمرض ونحوه أباح له التيمم، والمسافر والمريض يباح لهما الفطر، والقضاء، فإن كان المرض مزمنا فليس عليه قضاء إنما يطعم عن كل يوم مسكينا، ووضع عن الحائض الصلاة وأوجب عليها الفطر والقضاء بعد الطهر، لما يعتريها أثناء الحيض من نزول دم وحاجتها إلى الراحة والغذاء، وهكذا نجد في الرخص الشرعية جانبا من جوانب عناية الإسلام بالصحة.

تحريم الخبائث الضارة بالعقل أو البدن

بين الله تعالى أن من مهام النبي صلى الله عليه وسلم أن يحل لأمته الطيب من المطاعم والمشارب وأن يحرم عليهم الخبيث الضار فقال الله تعالى: { الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ }( من الآية 157 الأعراف).

وحرم الله تعالى الخمر لأنها تذهب العقول وتضر بالأبدان فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ .إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة:90-91).

المحافظة على البيئة:

وهي إحدى الوسائل الشرعية للمحافظة على الصحة، فتجد في الأدلة الشرعية تحريم الإفساد في الأرض، وتحريم إهلاك الحرث والنسل، يقول الله تعالى: { وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}(الأعراف: 56).

ويقول: { وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ}(البقرة:205).

ويجعل النبي صلى الله عليه وسلم إزاحة الأذى عن طريق الناس شعبة من شعب الإيمان: " الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله ، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق..."الحديث.

كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل الذي يتقلب في الجنة بسبب إزاحته الأذى عن طريق المسلمين.
ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد، وكذلك عن البول في موارد المياه والطريق والظل، وأن هذا الفعل يجلب على صاحبه دعاء الناس عليه ولعنتهم إياه.

وعلى الجانب الآخر يحث النبي صلى الله عليه وسلم على المبادرة إلى الخيرات ومنها : " إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليغرسها".
ونهى عن قطع الشجر لغير حاجة كما عند أبي داود والبيهقي والنسائي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ". (صححه الألباني).

وكان صلى الله عليه وسلم يوصي أمراء جيوشه فيقول: "اغزوا بسم الله في سبيل الله من كفر بالله ولا تغدروا.. ولا تقطعوا نخلا ولا شجرة ولا تهدموا بناء".

فإذا عاش الناس في بيئة نظيفة خالية من الملوثات انعكس ذلك على صحتهم إيجابيا.

وأخيرا نسأل الله أن يعافي المسلمين في دينهم ودنياهم وأبدانهم وأهليهم وآخرتهم، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #815
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:17 AM
Parent: #787

عضل النساء
من محاسن الإسلام العظيمة أنه رفع عن المرأة الظلم والضيم الذي كان واقعا عليها قبل الإسلام، وحافظ على كرامتها ورفع قدرها، فالنساء شقائق الرجال، والله عز وجل يقول : {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف}( البقرة: 228).
وقد وعد النبي صلى الله عليه وسلم من رزقه الله البنات فقام عليهن وأحسن إليهن أجرا عظيما، فقد روى أبو داوود عن أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " من عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن إليهن فله الجنة".

وحين منع الشرع المرأة من تزويج نفسها بغير ولي فإنما كان ذلك حفاظا عليها ورعاية لها وصيانة لحيائها وكرامتها.

لكن في نفس الوقت أمر الأولياء بتقوى الله في النساء والحرص على مصالحهن واختيار الأزواج الصالحين المرضيين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أتاكم من ترضون دينه و خلقه فزوجوه، إلا تفعلوه تكن فتنه في الأرض و فساد كبير".

لكن بعض الأولياء ـ هداهم الله ـ يعضلون النساء، والعضل هو منع البنت أو المرأة من الزواج إذا تقدم لها كفؤها ممن ترضاه وتوافق عليه.

وهؤلاء الأولياء الذين يفعلون ذلك يرتكبون منكرا وإثما مبينا ، ويخالفون كتاب الله وشرعه، فقد نهى الله تعالى عن عضل البنات فقال: { فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}( البقرة: 232).

وهناك القصة المشهورة قصة معقل بن يسار رضي الله عنه، الذي زوج أخته رجلا من المسلمين فطلقها فلما انقضت عدتها جاء يخطبها فرفض معقل بن يسار وقال: أكرمتك وزوجتك فطلقتها، والله لا ترجع إليها أبدا. وكانت المرأة تريده فنزل قول الله تعالى: {وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن إذا تراضوا بينهم بالمعروف}، فلما سمعها معقل بن يسار دعا الرجل فزوجه.

تزويجها ممن لا ترغبه

ومن صور العضل أن يجبرها وليها على الزواج ممن لا ترغب فيه ، خصوصا إن كان فاسقا أو فاجرا، أو كان يكبرها جدا لمجرد غناه أو وجاهته أو حسبه ونسبه، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا البكر حتى تستأذن". قالوا: يا رسول الله كيف إذنها؟ قال: " أن تسكت".( رواه البخاري).

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكرا أتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن أباها زوجها وهي كارهة ، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن خنساء بنت خذام الأنصارية : أن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك ، فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فرد نكاحها.

وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( القول الراجح في هذه المسألة أنه لا يحل للأب ولا لغيره أن يجبر المرأة على التزوج بمن لا تريد وإن كان كفئاً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" وهذا عام لم يستثن منه أحد من الأولياء، بل قد ورد في صحيح مسلم: "البكر يستأذنها أبوها"، فنص على البكر ونص على الأب، وهذا نص في محل النزاع فيجب المصير إليه ، وعلى هذا فيكون إجبار الرجل ابنته على أن تتزوج بشخص لا تريد الزواج منه يكون محرماً...).

حجزها لابن عم او قريب

ومن صور العضل الشائعة في بعض المجتمعات أن تحجز المرأة أو الفتاة لقريب لها كابن عم أو غيره، دون مشورة منها أو أخذ رأيها، وكم رأينا في الواقع من حالات أخرت فيها الفتاة بحجة أنها محجوزة لهذا القريب لكنه حين أراد الزواج لم يلتفت لها وكان القطار قد فاتها وعزف عنها الخطاب لما استقر عند الأهل والجيران والمعارف أنها لفلان.

وهذه العادة ينبغي محاربتها والقضاء عليها بحيث يستقر في المجتمع أن الأمور لا تدار بهذا الشكل إنما تترك لأقدار الله ، فإن جاء الفتاةَ من هو أهل لها أُخذ رأيها فإن وافقت عليه ووافق الولي فبها ونعمت ، وإن لم يأتها من يناسبها حتى تقدم لها هذا القريب أو ذاك فحبا وكرامة، أما أن تؤخر أو يرفض الخطاب الأكفاء لمجرد حجزها لابن العم فهذا مما لا يعرف في دين الله.

الحرص على الحسب والنسب

ومن صور العضل أن يمتنع الولي من تزويج موليته إلا من قبيلة أو قبائل بعينها، وكم حدثت مآسي بسبب هذا الفكر العقيم؛ إذ دخل كثير من النساء في قافلة العنوسة ولم يأت الفارس المنتظر من هذه القبيلة أو تلك، مع أن النبي صلى الله غليه وسلم زوّج زينب بنت جحش ـ وهي ابنة عمته ـ وهي قرشية من أفضل العرب نسبا، زوّجها من رقيقه الذي أعتقه زيد بن حارثة رضي الله عنه وأرضاه.

الطمع في الراتب

ومن صور العضل أن يمنعها من الزواج طمعا في راتبها ، وفي سبيل ذلك يشيع عنها أنها سيئة الخلق أو دميمة أو لا تحسن القيام على امور البيت حتى ينصرف عنها الخطاب وتبقى هي بالنسبة له بقرة حلوبا تدر عليه المال، وأعرف أن شابا تقدم لخطبة فتاة تعمل ولها راتب وأبوها يطمع في راتبها فاتّهم الخاطب بأنه لا يرغب في الزواج بابنته إلا طمعا في راتبها، فتعهد الخاطب بكتابة تنازل بيده وبيد الفتاة عن الراتب وعن المال المتوفر بالفعل للوالد ليتم الزواج لكن الوالد غير الرفض لتظل الفتاة رهينة هذا المخلوق الذي انتزعت من قلبه الرحمة وخالف تعاليم الدين.

ولو كان هذا الرجل وأمثاله من العقلاء لسعى في إعفاف ابنته وتزويجها من كفئها ولو أنفق من جيبه الاموال الطائلة ، ألم تر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعرض ابنته حفصة على الصديق أبي بكر ثم على عثمان، حتى خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!!.

وكذلك الرجل الصالح الذي عرض على نبي الله موسى عليه السلام أن يتزوج إحدى ابنتيه: { قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج...}( الآية، القصص :27).

والناس يتداولون هذه القصة للفتاة التي جاءت أباها وهو على فراش الموت يحتاج من يلقنه الشهادة أو يدعو له، فقالت له: يا أبت، قل آمين، فقال: آمين ، فكررت عليه ثلاثا وهو يقول: آمين ، فقالت: حرمك الله من الجنة كما حرمتني من الزواج.

إساءة العشرة

وآخر صور العضل التي نشير إليها أن يبغض الرجل زوجته ويكرهها ولا يريدها، لكنه لا يطلقها حتى لا يخسر مالا، فيسيء عشرتها لتطلب الطلاق وتختلع ولو بدفع مال، وليعلم مثل هذا أنه لا يحل له ذلك ، بل كل ما أخذه من حقها في هذه الحالة فهو حرام وسحت، قال الله عز وجل:

{ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله في خيرا كثيرا. وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا أتأخذونه بهتانا وإثما مبينا. وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض وأخذن منكم ميثاقا غليظا} ( النساء: 19-21).

ألا فليتق الله كل من ولاه الله تعالى أمر واحدة أو أكثر من النساء، وليعلم انه موقوف بين يدي الله تعالى وسؤول عمن استرعاه الله.

نسأل الله أن يمن على شبابنا وفتياتنا بالزواج وطيب العيش وقرة العين وأن يملأ بيوت المسلمين سعادة ومحبة وذرية صالحة، والحمد لله وصلى الله وسلم وبارك على عبده وسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

اسلام ويب

Post: #816
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:20 AM
Parent: #787

التربية على تحمل المسؤولية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الناظر في حال الأمم يجد أنه ما من أمة ترقت في مراتب المجد وسطرت اسمها على صفحات التاريخ إلا كان وراء ذلك عمل كبير وتضحيات جسام، وبذل للجهد والعرق في كل الميادين.

إن الأمم لا تكون كذلك بغير تحمل أبنائها لمسؤولياتهم، واستعداد الشباب والناشئة للبذل والتضحية والعطاء، مما يجعلنا نتبين خطورة إهمال الناشئة وعدم تربيتهم على الجد واستشعار المسؤولية.

وإذا نظرنا إلى أحوال السابقين من أمتنا نجد أنهم أعطوا هذا الأمر ما يستحقه من العناية بحيث نشأ أبناؤهم نشأة سوية تحملوا المشاق والصعاب دون كلل أو ملل، وبذلوا لهذا الدين ولرفعة الأمة دون مَنٍّ.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي أسامة بن زيد على يديه، ثم في سن السابعة عشرة يكلفه النبي صلى الله عليه وسلم قيادة جيش فيه أبو بكر وعمر، وينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه وينفذ أبو بكر بعث أسامة فيتحمل المسؤولية ويمضي في مهمته ويعود منها محققا الغاية التي من أجلها أرسل الجيش وتعجب حين تعلم أن الصحابة كانوا يقولون بعد ذلك: ما رأينا أسلم من بعث أسامة؛ ذلك أن الله تعالى قد حفظ أفراد الجيش حتى رجعوا سالمين.

ويجلس عن يمينه يوما الغلام عبد الله بن عباس رضي الله عنه، وعن يساره أبو بكر فيشرب النبي صلى الله عليه وسلم ثم يستأذن ابنَ عباس أن يناول الإناء الصديق يقدمه عليه فيرفض ابن عباس أن يؤثر بنصيبه من رسول الله أحدا، وإن كان يكبره في السن والفضل، فيتربى الغلام على الشجاعة الأدبية والجرأة في الحق، وهكذا حتى يصير حبر الأمة وترجمان القرآن.

وهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنه كان عمره إحدى عشرة سنة تقريبًا حين قَدِم النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - المدينة ، وكان يحضر مجالس الكِبار ويحضر مُناسبات المسلمين في المدينة، فلمَّا كبر أصبح علَمًا من أعلام المسلمين.

وهو الذي يقول : كُنَّا عندَ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: "أخبِرُوني بشجرةٍ تُشبِه - أو: كالرجل - المسلم، لا يَتَحاتُّ ورقُها"، قال ابن عمر: فوَقَع في نفسي أنها النَّخلة، ورأيت أبا بكرٍ وعمر لا يتكلَّمان فكرهت أنْ أتكلَّم، فلمَّا لم يقولوا شيئًا قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: "هي النخلة" ، فلمَّا قمنا قلت لعمر: يا أبتاه، والله لقد كان وقَع في نفسي أنها النَّخلة، فقال: ما منَعَك أنْ تكلَّم؟! قال: لم أرَكُم تكلَّمون فكَرِهتُ أنْ أتكلَّم أو أقول شيئًا، قال عمر: لأنْ تكون قلتَها أحب إلَيَّ من كذا وكذا؛ (رواه البخاري، ومسلم).

هكذا يشجعه أبوه ويعوده تحمل المسؤولية، ويصبح عبد الله واحدا من أعلام المسلمين حتى فكر بعض المسلمين عند طعن عمر أن يتولى الخلافة ولده عبد الله.

المسؤولية وحب العمل

إذا نظرت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم لوجدت أنهما يحثان على العمل ويدعوان إليه بأساليب شتى، فتارة يبن لك القرآن أن الإيمان لابد معه من عمل وإلا أصبح مجرد دعوى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم. إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسـوله ثم لم يرتابـوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}(الحجرات:14-15 ).

وتارة يخبرك أن السؤال والحساب يوم القيامة إنما هو عن العمل: { ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون } (النحل: 93 ).

وتارة يبين أن الجزاء في الدنيا والآخرة مرتبط بالعمل:

{ ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون } (الأعراف:96)، إذاً فالجزاء بالإحسان أو العقوبة في دار الدنيا مرتبط بالعمل، إن خيراً فخير وإن شراً فشر.

أما الثواب الأخروي وهو الأساس الذي شمر إليه المشمرون وسعى إليه العاملون وتنافس فيه الصالحون فمرتبط بالعمل: { ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون } (الأعراف: 43 ).
والعقاب الأخروي في نار الجحيم مرتبطٌ بالعمل :{ ومن جاء بالسيئة فكبَّت وجوههم في النار هل تجزون إلا ما كنتم تعملون }( النمل :90).

وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يربي الأمة على الجد والعمل والعزة والاستغناء عن الناس: " لأن يأخذ أحدكم حبله ، فيأتي بحزمة الحطب على ظهره فيبيعها ، فيكف الله بها وجهه ، خير له من أن يسأل الناس ، أعطوه أو منعوه ".(البخاري).

وعند أبي داود عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال:" أما في بيتك شيء؟" قال : بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه ، وقعب نشرب فيه من الماء، قال: "ائتني بهما" ، قال فأتاه بهما فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده وقال:
"من يشتري هذين؟ "قال رجل: أنا آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم؟" مرتين أو ثلاثا قال: رجل: أنا آخذهما بدرهمين ، فأعطاهما إياه وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري وقال:

"اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك واشتر بالآخر قدوما فأتني به" ، فأتاه به فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده ثم قال له: " اذهب فاحتطب وبع ولا أرينك خمسة عشر يوما" فذهب الرجل يحتطب ويبيع ، فجاء وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبا وببعضها طعاما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

" هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع ،أو لذي دم موجع ".

ووظيفة المسلم في الحياة هي العمل، ولذا فقد علمَّنا صلى الله عليه وسلم أن ندعو للمريض بقولنا: "اللهم اشف عبدك فلاناً ينكأ لك عدواً أو يمشي إلى الصلاة". وحين سأله رجل: متى الساعة ؟ قال له: "ماذا أعددت لها؟" ، أليس في هذا تربية لأصحابه رضي الله عنهم وللأمة من بعدهم على أن يكون همهم وشأنهم متجهاً إلى العمل؟.

يقول الشيخ محمد بن عبد الله الدويش:
(لعل هناك من يتساءل وما علاقة العمل بالتربية الجادة؟ فنقول: إن العمل يعد من أهم محددات الجدية، وإن من أكبر مواصفات الرجل الجاد والمجتمع الجاد أنه عامل، بل لعلك لا تكاد تجد وصفاً دقيقاً للرجل الجاد غير هذا الوصف. ومع ذلك فالعمل الذي نريده ليس أي عمل بل هو العمل المنتج الذي ترجى من ورائه ثمرةٌ لهذه الدعوة المباركة. وليس كون العمل منتجاً فحسب كافياً لإدراج صاحبه ضمن قائمة الجادين، بل لابد أن يكون النتاج بالقدر اللائق؛ إذ هناك من يعمل أعمالاً منتجة فعلاً لكنها تُستقل ممن هو دونه بكثير فما بالك به. وحين يكون من أولويات اهتمام المربين إعداد الجيل الجاد العامل، وضمن معايير تقويمهم للنجاح التربوي مدى العمل والانتاجية؛ حينها نشعر فعلاً أن التربية في الأمة صارت منتجة ومحققةً لأهدافها).

إن الأمة يا أحبتي تمر بفترات عصيبة من تاريخها تحتاج إلى الجادين القادرين على تحمل المسؤوليات في كل الميادين والمجالات حتى تنهض الأمة من جديد ويعود إليها عزها ومجدها وريادتها.
نسأل الله ان يوفقنا والمسلمين لما يحب ويرضى وأن يرزقنا معالي الأمور وأن يجنبنا سفاسفها، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #817
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:22 AM
Parent: #787

من حقوق الأخوة
الحمد الذي ألف بين قلوب أوليائه فأصبحوا بنعمته إخوانا، والصلاة والسلام على البشير النذير الذي جمع الله به بين قلوب الموحدين فصاروا خلانا، وبعد:

فمن أجلِّ النعم التي ينعم الله بها على العبد أن يرزقه إخوة صالحين يألفهم ويألفونه، ويحبهم ويحبونه، ولا شك أن لهذه الأخوة حقوقا ينبغي القيام بها، وليس حديثنا هنا عن الحقوق العامة بين المسلمين ، إنما الحديث عن حقوق الأخوة الخاصة والتي نتكلم عنها في النقاط التالية:

أولا: الإخلاص في المحبة

ونعني بذلك ان يكون حبه لأخيه في الله خالصا لوجه الله تعالى لا لمصلحة دنيوية كما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :"ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان؛ أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

فليس الشأن أن تكون مُحِبا لأخيك، وإنما الشأن في هذه العبودية التي تمتثل ما أمر الله جل وعلا به، أن تكون محبتُك لهذا الخاص من الناس، أو محبتُك لإخوانك، لله لا لغرض من الدنيا.، وإذا كانت المحبة لله فإنه يرجى دوامها ، أما إذا كانت لغير الله فإنها في الغالب لا تدوم بل تضمحل كما قال القائل: ما كان لله دام واتصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل، وقد تنقلب عداوة والعياذ بالله.

ثانيا: حفظ العرض

إذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في خطبته في حجة الوداع : "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام..." الحديث، فعِرض المسلم على المسلم حرام بعامة، فكيف إذا كان بين المسلم والمسلم أخوّة خاصة وعقد خاص من الأخوة ، كيف لا يحفظ عرضه، وقد قام بينهما من الأخوة والمحبة الخاصة ما ليس بينه وبين غيره؟.

إذا كان المسلم مأمورا أن يحفظ عرض أخيه الذي هو بعيد عنه، فكيف بالذي بينه وبينه مودّة، وتعاون على البر والتقوى، وسعي في طاعة الله، وفي العبودية لله جل جلاله، واكتساب الخيرات، والبعد عن المآثم.

ولا شك أن هذا الحق يقتضي أمورا منها:

- السكوت عن العيوب وسترها، فمن كان بينه وبين أحد من المؤمنين أخوة خاصة فلا شك أنه سيطلع منه على ما لا يطلع عليه غيره فتبدو له بعض العيوب ومن حقوق الأخوة أن يستر الأخ على أخيه ويتغاضى عن هذه العيوب ولا يفشيها؛ إذ لو كان الآخر يعلم أن أخاه سيفشي عيوبه لتحرز منه، فلا يجوز للأخ أن يفشي عيب أخيه في حضوره ولا في غيبته، سواء كان هذا العيب يتعلق به أو بأهله أو غير ذلك؛ فإن المروءة وحقوق الأخوة تأبى على الصاحب الوفي أن يفشي عيب أخيه.

- حفظ سره وعدم البوح به، وهذا يختلف عما سبق من ستر العيب، فالسر هو ما بثه إليك مما استأمنك عليه سواء كان هذا السر متعلقا به أو بغيره ، والمجالس بالأمانات ، وكما ورد عند أبي داود رحمه الله من حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " الرجل إذا حدث الرجل بحديث ثم التفت عنه فهي أمانة".

والله عز وجل أمر بحفظ الأمانات، وقد كان السلف رضي الله عنهم يحفظون السر حتى إن أحدهم كان يحدث أخاه بسر من أسراره فإذا فرغ من حديثه سأله أوعيته؟ فيجيب الآخر بل نسيته ، زيادة ومبالغة في حفظ السر.

- ومن صيانة عرضه أن تصاحبه مصطحبا قول النبي صلى الله عليه وسلم: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه "، فلا تحاول أن تزعجه بأسئلة عما لم يخبرك به، بل تترك الأمر له إن رأى مصلحة في إخبارك بأمر ما أخبرك وإلا كتم عنك ، ولا يكون منك إلحاح يزعجه ويضجره.

ثالثا: حسن الظن

فنحن مطالبون بحسن الظن في المسلم بصفة عامة فكيف بمن كان بيننا وبينه خصوصية في العلاقة؟! إن الأمر حينئذ يكون أشد تأكدا، والله عز وجل يقول: { يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم...} ( الحجرات من الآية 12).

ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الظن فقال: " إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث".

وقد كان السلف رضي الله عنهم ينأون بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه.

وورد عن عمر رضي الله عنه قال: لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا وأنت تجد لها في الخير محملا.

فلا ينبغي للمسلم أن يترك للشيطان على نفسه سبيلا في إيقاع العداوة بينه وبين إخوانه من خلال سوء الظن؛ فإن الشيطان يريد إيقاع العداوة بين الناس:{ إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء...} ( المائدة من الآية 91).
ونكمل بقية الحقوق في مقال قادم إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين.
ونكمل بإذن الله تعالى ما بدأناه فنقول: إن من هذه الحقوق:

مواساة الأخ لأخيه بالمال:

وهي كما ذكر بعض أهل العلم على ثلاث مراتب: أدناها أن تقوم بحاجته من فضل مالك، أي ما زاد من مالك، فإذا احتاج وعندك فضل مال أعطيته ولم تحوجه إلى ذل السؤال، فإن أحوجته إلى السؤال مع علمك بحاجته فهذا غاية التقصير في حق أخيك.

والمرتبة الثانية أن تنزله منزلة نفسك ، وترضى بمشاركته إياك في مالك، قال علي بن الحسين لرجل: هل يُدخل أحدكم يده في كُم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذنه؟ قال: لا ، قال: لستم بإخوان.
وقال الحسن رحمه الله : كان أحدهم يشق إزاره بينه وبين أخيه .

وجاء رجل إلى أبي هريرة رضي الله عنه فقال: إني أريد أن أواخيك في الله. فقال: أتدري ما حق الإخاء؟ قال: عرفني. قال: ألا تكون أحق بدينارك ودرهمك مني . قال: لم أبلغ هذه المنزلة بعد. قال: فاذهب عني.

أما المرتبة الثالثة فهي أن تؤثره على نفسك، وتقدم حاجته على حاجتك، وهذه رتبة الصديقين وأعلى درجات المتحابين.

وقد مدح الله الأنصار بقوله: { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ( الحشر:9).
وقد عرض الأنصار على إخوانهم المهاجرين أن يقتسموا معهم الأموال فعف المهاجرون عن أموال إخوانهم الأنصار، وكانت رأس الشاة تهدى للرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيرسلها إلى أخيه مواساة له وإيثارا له بها حتى تدور على سبعة من الصحابة ثم ترجع إلى الأول، كل منهم يؤثر أخاه على نفسه.

إعانة الأخ بالنفس في قضاء حوائجه:

وهي من حقوق الأخ على أخيه ، وهي أيضا درجات كالمواساة بالمال، فأدناها القيام بحاجة الأخ عند السؤال وإظهار الفرح بهذا، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: " من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه".( رواه مسلم).

والدرجة الثانية في المواساة بالنفس أن تجعل حاجته كحاجتك ، وقد كان بعض السلف يتفقد عيال إخوانه بعد موتهم ويقضي لهم حوائجهم، ويأتيهم كل يوم ، ويمونهم من ماله ، فكان الأولاد لا يفقدون بموت الأب إلا صورته.

والدرجة الأرقى والأسمى في المواساة بالنفس، أن يقدم حاجة أخيه على حاجته ولو أدى ذلك إلى تأخير حوائج نفسه، ولا ينتظر على ذلك مكافأة، فقد قضى ابن شبرمة رحمه الله حاجة لبعض إخوانه، فأهدى له الأخ هدية ، فقال ابن شبرمة: خذ مالك عافاك الله ، إذا سألت أخاك حاجة فلم يجهد نفسه في قضائها، فتوضأ للصلاة وكبر عليه أربع تكبيرات وعده من الموتى.

ترك المراء والمجادلة:

فإن المراء والمجادلة تقسي القلب وتزرع الحقد وتنبت الضغينة وترقق الورع في المنطق والفعل.
وغالبا ما يكون الباعث على المراء والمجادلة إظهار التميز، واحتقار المردود عليه بإظهار جهله وقلة علمه، أو الانتصار للرأي والنفس والرغبة في تجنب الوصف بالخطأ، ولا شك أن هذا يخالف هدي السلف رضي الله عنهم حيث كانوا يبادرون بالرجوع إلى الحق متى تبين لهم ولا يتكبرون عن الاعتراف بالخطأ ؛ ولهذا كثيرا ما رأينا منهم رجوعا عن فتاوى أو آراء دون تعصب أو تكبر.

كما كان السلف رضي الله عنهم يتحرزون من هذه الآفة ويربأون بأنفسهم وإخوانهم عن الوقوع في حبائلها، حتى قال بعضهم: من لاحى الإخوان وماراهم قلت مروءته ، وذهبت كرامته.
وقال عبد الله بن الحسن: إياك ومماراة الرجال؛ إنك لن تعدم مكر حليم ، أو مفاجأة لئيم.
وقال الحسن رحمه الله: إياكم والمراء؛ فإنه ساعة جهل العالِم، وبها يبتغي الشيطان زلته.

ولأن المراء والجدال يذهب حرارة الحب في الله ، وربما قضى على معاني الأخوة في النفوس، فقد رآه بعضهم الخسارة بعينها، حتى قال خالد بن يزيد بن معاوية: إذا كان الرجل مماريا لجوجا معجبا برأيه فقد تمت خسارته.
والمراء والمجادلة مع الإخوان ليست من حسن الخلق الذي أمرنا أن نتحلى به، نسأل الله أن يجنبنا المراء والجدل.

زيارته في الله

ويدخل في حق الأخ على أخيه أن يتفقده بالزيارة أحيانا، ليدخل عليه السرور ويظهر له مزيد اهتمام.
وكما هو معلوم فإن فضل الزيارة في الله كبير وعظيم، يكفي أن الله تعالى أرسل ملكا يبشر رجلا بمحبة الله عز وجل له لأنه يزور أخاه في الله ويحبه فيه.

كما بشر النبي صلى الله عليه وسلم الزائر بالجنة حين قال: " ألا أخبركم برجالكم من أهل الجنة؟ النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والصدِّيق في الجنة، والرجل يزور أخاه في ناحية المصر في الله في الجنة ".( رواه الطبراني وحسنه الألباني).

ومن روائع ما يحكى في التزاور في الله ما رواه الخطيب البغدادي في تاريخه عن النقاش قال: بلغني أن بعض أصحاب محمد بن غالب جاءه في يوم وحل وطين، فقال محمد: متى أشكر هاتين الرجلين اللتين تعبتا إلي في مثل هذا اليوم لتكسباني في الثواب، ثم قام بنفسه فاستقى له الماء ، وغسل رجليه.
اسلام ويب

Post: #818
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:26 AM
Parent: #787

ذم الحرص على الشرف والمال
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فعن كعب بن مالك الأنصاري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما ذئبان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه"( رواه الترمذي وقال:حسن صحيح).
فهذا مثل عظيم جدا ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم لبيان فساد دين المرء مع حرصه على المال والشرف أي الرفعة في الدنيا، وأن فساد الدين بذلك ليس بأقل من فساد الغنم التي غاب عنها رعاؤها وأرسل فيها ذئبان جائعان، ومعلوم أنه لا ينجو من الغنم من إفساد الذئبين المذكورين والحالة هذه إلا قليل.
فأما الحرص على المال فهو نوعان: أحدهما: شدة محبة المال مع شدة طلبه من وجوهه مع الجهد والمشقة ، ولو لم يكن في الحرص على المال إلا تضييع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم ، في طلب رزق مضمون مقسوم لا يأتي منه إلا ما قدر وقسم ، ثم لا ينتفع به بل يتركه لغيره.
قيل لبعض الحكماء: إن فلانا جمع مالا، قال: فهل جمع أياما ينفقه فيها ؟ قيل :لا، قال: ما جمع شيئا.
كان عبد الواحد بن زيد يقول: يا إخوتاه لا تغبطوا حريصا على ثروته وسعته في مكسب ولا مال، وانظروا له بعين المقت له في اشتغاله اليوم بما يرديه غدا في المعاد ثم يتكبر.
وكان يقول: الحرص حرصان حرص فاجع وحرص نافع، فأما النافع فحرص المرء على طاعة الله، وأما الحرص الفاجع فحرص المرء على الدنيا، وهو مشغول معذب لا يسر ولا يلذ بجمعه لشغله، فلا يفرغ من محبة الدنيا لآخرته.
قال بعضهم:
لا تغبطن أخا حرص على طمع وانظـر إليه بعين الماقت القالي

إن الحريص لمشغـول بثروته عن السرور لما يحوي من المال
قال آخر:
يا جامعا مانعا والـدهر يرمقه مفكرا أي باب منه يغلقه

جمعت مالا ففكرهل جمعت له يا جامع المال أياما تفرقه

المال عندك مـخزون لوارثه ما المال مالك إلا يوم تنفقه

إن القناعة من يحلل بساحتها لم يأل في طلب مما يؤرقه

كتب بعض الحكماء إلى أخ له كان حريصا على الدنيا: أما بعد فإنك قد أصبحت حريصا على الدنيا تخدمها، وهي تخرجك عن نفسها بالأعراض والأمراض والآفات والعلل، كأنك لم تر حريصا محروما، أو زاهدا مرزوقا، ولا ميتا عن كثير، ولا متبلغا من الدنيا باليسير.
عاتب أعرابي أخا له على الحرص فقال له: يا أخي أنت طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته، وتطلب من قد كفيته.

وأنشد بعضهم:
حتى متى أنت في حل وترحال وطـول سمـع وإدبـار وإقــبال

ونازح الـدار لا ينفك مـغتربا عـن الأحبـة لا يـدرون بالـحال

بمشرق الأرض طورا ثم مغربها لا يخطر الموت من حرص على بال

ولو قنعت أتاني الرزق في دعة إن الـقنوع الـغنى لا كـثرة المال

النوع الثاني من الحرص على المال أن يزيد على ما سبق ذكره في النوع الأول حتى يطلب المال من الوجوه المحرمة ويمنع الحقوق الواجبة، فهذا من الشح المذموم قال الله تعالى: {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون }[الحشر:9].
وفي سنن أبي داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" (رواه أبو داود)
وفي صحيح مسلم عن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دمائهم واستحلوا محارمهم".

أما الحرص على الشرف فهو أشد إهلاكا من الحرص على المال، فإن طلب شرف الدنيا والرفعة فيها والرياسة على الناس والعلو في الأرض أضر على العبد من طلب المال، وضرره أعظم والزهد فيه أصعب، فإن المال يبذل في طلب الرياسة والشرف.

والحرص على الشرف نوعان:

أحدهما: طلب الشرف بالولاية والسلطان والمال، وهذا خطر جدا، وهو في الغالب يمنع خير الآخرة وشرفها وكرامتها وعزها، قال تعالى: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين }[القصص:82].

وقلّ من يحرص على رياسة الدنيا بطلب الولايات فيوفق، بل يوكل إلى نفسه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الرحمن بن سمرة: "يا عبد الرحمن لا تسأل الإمارة فإنك إن أعطيتها من مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها من غير مسألة أعنت عليها" ( البخاري).
قال بعض السلف: ما حرص أحد على ولاية فعدل فيها.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إنكم ستحرصون على الإمارة، وستكون ندامة يوم القيامة، فنعمت المرضعة وبئست الفاطمة" ( البخاري).

وفيه أيضا عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رجلين قالا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله أمرنا ، قال : "إنا لا نؤتي أمرنا هذا من سأله، ولا من حرص عليه " (البخاري ومسلم).

ومن دقيق حب الشرف طلب الولايات لمجرد علو المنزلة على الخلق، والتعاظم عليهم، وإظهار صاحب هذا الشرف حاجة الناس وافتقارهم إليه وذلهم في طلب حوائجهم منه، فهذا نفسه مزاحمة لربوبية الله وإلهيته، وربما تسبب بعض هؤلاء إلى إيقاع الناس في أمر يحتاجون فيه إليه ليضطرهم بذلك إلى رفع حاجاتهم إليه وظهور افتقارهم واحتياجهم إليه، ويتعاظم بذلك ويتكبر به، وهذا لا يصلح إلا لله وحده لا شريك له كما قال تعالى: {ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون}[الأنعام:42].
وقال: {وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون }[الأعراف:94].

فهذه الأمور أصعب وأخطر من مجرد الظلم، وأدهى وأمر من الشرك، والشرك أعظم الظلم عند الله.
ومن دقيق الحرص على الشرف كذلك أن يحب ذو الشرف والولاية أن يحمد على أفعاله، ويثنى عليه بها ويطلب من الناس ذلك ، ويتسبب في أذى من لا يجيبه إليه، وربما كان ذلك الفعل إلى الذم أقرب منه إلى المدح، وهذا يدخل في قوله: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب }[آل عمران:188].

ومن هنا كان أئمة الهدى ينهون عن حمدهم على أفعالهم، وما يصدر منهم من الإحسان إلى الخلق، ويأمرون بإضافة الحمد على ذلك لله وحده لا شريك له، فإن النعم كلها منه.
وكان عمر بن عبد العزيز رحمه الله شديد العناية بذلك، وكتب مرة إلى أهل الموسم كتابا يقرأ عليهم وفيه أمر بالإحسان إليهم وإزالة المظالم التي كانت عليهم، وفي الكتاب ولا تحمدوا على ذلك إلا الله فإنه لو وكلني إلى نفسي كنت كغيري.

وحكايته مع المرأة التي طلبت منه أن يفرض لبناتها اليتامى مشهورة، فإنها كانت لها أربع بنات ففرض لاثنتين منهن وهي تحمد الله، ثم فرض للثالثة فشكرته فقال إنما كنا نفرض لهن حيث كنت تولين الحمد أهله، فمري هذه الثلاث يواسين الرابعة.
النوع الثاني من الحرص على الشرف، وهو:

طلب الشرف على الناس بالأمور الدينية:
وهذا أفحش من الأول وأقبح وأشد إفسادا وخطرا؛ فإن العلم والعمل والزهد إنما يطلب به ما عند الله من الدرجات العلى والنعيم المقيم.
قال الثوري: إنما فضل العلم لأنه يتقى به الله، وإلا كان كسائر الأشياء، وقد روى أحمد وأبو داود وابن ماجة عنه صلى الله عليه وسلم قال: "من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به عرض الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة" (أبو داود).
يعني ريحها، وسبب هذا والله أعلم أن في الدنيا جنة معجلة، وهي معرفة الله ومحبته والأنس به والشوق إليه وخشيته وطاعته، والعلم النافع يدل على ذلك، فمن دله علمه على دخول هذه الجنة المعجلة في الدنيا دخل الجنة في الآخرة، ومن لم يشم رائحتها لم يشم رائحة الجنة في الآخرة.

ولهذا كان أشد الناس حسرة يوم القيامة عالم لم ينفعه الله بعلمه، حيث كان معه آلة يتوصل بها إلى أعلى الدرجات وأرفع المقامات فلم يستعملها إلا في التوصل إلى أخس الأمور وأدناها وأحقرها، فهو كمن كان معه جواهر نفيسة لها قيمة فباعها ببعرة أو شيء مستقذر لا ينتفع به، فهذا حال من طلب الدنيا بعلمه.
ومن طلب الشرف بالدين أن يطلب العبد بالعلم والعمل والزهد الرياسة على الخلق والتعالي عليهم.
عن ابن مسعود قال: (لا تعلموا العلم لثلاث لتماروا به السفهاء ، أو لتجادلوا به الفقهاء، أو لتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم وفعلكم ما عند الله فإنه يبقى ويفنى ما سواه).

وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول الخلق تسعر بهم النار يوم القيامة ثلاثة" منهم العالم الذي قرأ القرآن ليقال: قارئ، وتعلم العلم ليقال: عالم، وأنه يقال له: قد قيل ذلك، ويؤمر به فيسحب على وجهه حتى يلقي في النار.

ومن طلب الشرف بالدين الجرأة على الفتيا، والحرص عليها، والمسارعة إليها، والإكثار منها.
قال علقمة: كانوا يقولون: أجرؤكم على الفتيا أقلكم علما.
وعن البراء قال: أدركت عشرين ومائة من الأنصار، من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل أحدهم عن المسألة، ما منهم من رجل إلا ود أن أخاه كفاه. وفي رواية فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: أعلم الناس بالفتاوى أسكتهم، وأجهلهم بها أنطقهم، وقال بعضهم: إنما العالم الذي إذا أفتى فكأنما يقلع ضرسه.
وقال بعضهم: العلم ثلاثة: حلال وحرام ولا أدري.

وقال الإمام أحمد: ليعلم المفتي أنه يوقع عن الله أمره ونهيه، وأنه موقوف ومسؤول عن ذلك.
وكان ابن سيرين إذا سئل عن الشيء من الحلال والحرام تغير لونه وتبدل حتى كأنه ليس بالذي كان.
وكان النخعي يسأل فتظهر عليه الكراهة ثم يقول: ما وجدت أحدا تسأله غيري ؟ وقال: لقد تكلمت ولو وجدت بدّاً ما تكلمت، وإن زمانا أكون فيه فقيه أهل الكوفة لزمان سوء.

وقال بعض العلماء لبعض المفتين: إذا سئلت عن مسألة فلا يكن همّك تخليص السائل، ولكن تخليص نفسك أولا.
وقال الله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله }[الحجرات:1].
وقال تعالى: {ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الكذب لا يفلحون } [النحل:116].

ومِن طلب الشرف بالدين كذلك الدخول على الملوك والدنو منهم، وهو الباب الذي يدخل منه علماء الدنيا إلى نيل الشرف والرياسات فيها.
خرّج الإمام أحمد وأبو داود نحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديثه: "وما ازداد أحد من السلطان دنواً إلا ازداد من الله بعداً " (رواه أحمد).
ومن أعظم ما يخشى على من يدخل على الملوك الظلمة، أن يصدقهم بكذبهم، ويعينهم على ظلمهم، ولو بالسكوت عن الإنكار عليهم.

وقد خرج الإمام أحمد والترمذي والنسائي وابن حبان في صحيحه من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "سيكون بعدي أمراء فمن دخل عليهم فصدقهم بكذبهم، وأعانهم على ظلمهم، فليس مني ولست منه، وليس بوارد عليّ الحوض، ومن لم يدخل عليهم ولم يعنهم على ظلمهم ولم يصدقهم بكذبهم، فهو مني وأنا منه وهو وارد علي الحوض" (رواه أحمد).

ومن طلب الشرف بالدين محبة الشهرة والسعي إليها، وقد كان السلف رضي الله عنهم يكرهون الشهرة أشد الكراهة، منهم أيوب والنخعي وسفيان وأحمد وغيرهم من العلماء الربانيين، وكذلك الفضيل وداود الطائي وغيرهم من الزهاد والعارفين، وكانوا يذمون أنفسهم غاية الذم، ويسترون أعمالهم غاية الستر.
كان محمد بن واسع يقول: لو أن للذنوب رائحة، ما استطاع أحد أن يجالسني.
وكان إبراهيم النخعي إذا دخل عليه أحد وهو يقرأ في المصحف غطاه.
وكان أويس وغيره من الزهاد إذا عُرفوا في مكان ارتحلوا عنه.
وقد تبين بما ذكرناه أن حب المال والرياسة والحرص عليهما يفسد دين المرء حتى لا يبقى منه شيء.

واعلم أن النفس تحب الرفعة والعلو على أبناء جنسها، ولكن العاقل ينافس في العلو الدائم الباقي الذي فيه رضوان الله وقربه وجواره، ويرغب عن العلو الفاني الزائل الذي يعقبه غضب الله وسخطه وانحطاط العبد وسفوله، قال الله تعالى: {فأما من طغى . وآثر الحياة الدنيا . فإن الجحيم هي المأوى . وأما من خاف مقام ربه . ونهى النفس عن الهوى . فإن الجنة هي المأوى}[النازعات:37-41].
قال الحسن: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الآخرة.
وقال وهيب بن الورد: إن استطعت أن لا يسبقك إلى الله أحد فافعل.
ففي درجات الآخرة الباقية يشرع التنافس وطلب العلو في منازلها، والحرص على ذلك والسعي في أسـبابه، وأن لا يقنع الإنسان منها بالدون مع قدرته على العلو قال الله عز وجل:
{وفي ذلك فليتنافس المتنافسون } (المطففين:26).

وأما العلو الفاني المنقطع الذي يعقب صاحبه غدا حسرة وندامة وذلةً وهوانا وصغارا، فهو الذي يشرع الزهد فيه والإعراض عنه، وللزهد فيه أسباب عديدة:
فمنها: نظر العبد إلى سوء عاقبة الشرف في الدنيا بالولاية والإمارة لمن لا يؤدي حقها في الآخرة، فينظر العبد إلى عقوبة الظالمين والمكذبين ومن نازع الله رداء الكبرياء.
وفي السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يقال له بُوْلس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار: طينة الخبال "( رواه الترمذي، وحسنه الألباني).
استأذن رجل عمر بن الخطاب رضي الله عنه في القصص على الناس فقال: إني أخاف أن تقص عليهم فتترفع عليهم في نفسك حتى يضعك الله تحت أرجلهم يوم القيامة.

ومنها: نظر العبد إلى ثواب المتواضعين لله في الدنيا بالرفعة في الآخرة، فإنه من تواضع لله رفعه.
ومنها: وليس هو في قدرة العبد ولكنه من فضل الله ورحمته، ما يعوض الله عباده العارفين به الزاهدين فيما يفنى من المال والشرف مما يجعله الله لهم في الدنيا من شرف التقوى، وهيبة الخلق لهم في الظاهر ومن حلاوة المعرفة والإيمان والطاعة في الباطن، وهي الحياة الطيبة التي وعدها الله لمن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن، وهذه الحياة الطيبة لم يذقها الملوك في الدنيا ولا أهل الرياسات والحرص على الشرف كما قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله : لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.
ومن رزقه الله ذلك اشتغل به عن طلب الشرف الزائل والرياسة الفانية قال الله تعالى: {ولباس التقوى ذلك خير }[الأعراف:25].
وقال: {من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً } [فاطر:10].
والله عز وجل هو العزيز ومن أراد العزة فليطع العزيز.

كان حجاج بن أرطأة يقول : قتلني حب الشرف ، فقال له سواء: لو اتقيت الله شرفت، وفي ذلك قيل:
ألا إنما التقوى هي العز والكرم وحـبك للدنيــا هــو الـذل والـســـقم
ولـيـس على عـبد تقي نقـيـصــة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم
قال بعضهم: مَن أشرفُ وأعز ممن انقطع إلى من مَلَك الأشياء بيده.
كان الحسن لا يستطيع أحد أن يسأله هيبة له، وكذلك كان مالك بن أنس يُهاب أن يُسأل حتى قال فيه القائل :
يَدَعُ الجواب ولا يُراجع هيبة والسائلـون نواكس الأذقان
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
قال محمد بن واسع: إذا أقبل العبد بقلبه على الله ، أقبل الله عليه بقلوب المؤمنين.

وكتب وهب بن منبه إلى مكحول: أما بعد فإنك أصبت بظاهر علمك عند الناس شرفا ومنزلة، فاطلب بباطن علمك عند الله منزلة وزلفى، واعلم أن إحدى المنزلتين تمنع من الأخرى، ومعنى هذا أن العلم الظاهر من تعلم الشرائع والأحكام والفتاوى والقصص والوعظ ونحو ذلك مما يظهر للناس، يحصل به لصاحبه عندهم منزلة وشرف، والعلم الباطن المودع في القلوب من معرفة الله وخشيته ومحبته ومراقبته والأنس به والشوق إلى لقائه والتوكل عليه والرضا بقضائه ، والإعراض عن عرض الدنيا الفاني والإقبال على جوهر الآخرة الباقي، كل هذا يوجب لصاحبه عند الله منزلة وزلفى، وبكل حال فطلب شرف الآخرة يحصل معه شرف في الدنيا وإن لم يرده صاحبه ولم يطلبه.
قال الله عز وجل: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودّاً }[مريم:56].
أي مودة في قلوب عباده.
نسأل الله الكريم من فضله، وصل الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الشيخ أحمد فريد

Post: #819
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:28 AM
Parent: #787

لما كان من أعظم ما يدخل الناس النار الفم والفرج كان حريا بالعبد أن يصون لسانه ويمسكه عما حرم الله ونهى عنه من الكذب والغيبة والنميمة وغيرها من الآفات المهلكة، ومن أعظم هذه الآفات آفة البهتان التي عدها بعض أهل العلم من الكبائر.
معنى البهتان
تدور معاني ابهتان في اللغة حول الكذب والافتراء والباطل، أما البهتان في الاصطلاح فهو: الكذب والافتراء الباطل الّذي يتحيّر منه.
وقال المناويّ: البهتان: كذب يبهت سامعه ويدهشه ويحيّره لفظاعته، وسمّي بذلك لأنّه يبهت أي يسكت لتخيّل صحّته، ثمّ ينكشف عند التّأمّل.
وقال الكفويّ: البهتان: هو الكذب الّذي يبهت سامعه أي يدهش له ويتحيّر. وهو أفحش من الكذب، وإذا كان بحضرة المقول فيه كان افتراء.( راجع نضرة النعيم/ 9)
الفرق بين البهتان والاغتياب والافتراء والإفك:
تتقارب معاني هذه الألفاظ، بيد أنّها عند التّدقيق ممّا تختلف دلالته وتتفاوت، فالاغتياب هو أن يتكلّم شخص خلف إنسان مستور، بكلام هو فيه، وإن لم يكن ذلك الكلام فيه فهو بهتان، والكذب الفاحش الّذي يدهش له سامعه هو بهتان إن لم يكن بحضرة المقول فيه، فإن كان بحضرته كان افتراء، سواء أكان ذلك عن قصد أو عن غير قصد، فإذا كان ذلك عن قصد كان إفكا.

وقد ورد البهتان بمعاني متعددة في القرآن الكريم ،ومنها:
الكذب. ومنه قوله تعالى في سورة النّور:
{سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ} ( النور- 16)
والثّاني: الزّنا. ومنه قوله تعالى
{وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ }(الممتحنة- 12)
والثّالث: الحرام. ومنه قوله تعالى:{ أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً} (النّساء- 20).

ولما كان البهتان من الأمور المذمومة في الشرع وعند أهل المروءات فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ البيعة على من أراد الدخول في الإسلام ان يتجنب البهتان، فعن عبادة بن الصّامت- رضي اللّه عنه- وكان شهد بدرا، وهو أحد النّقباء ليلة العقبة- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال وحوله عصابة من أصحابه:
"بايعوني على أن لا تشركوا باللّه شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفى منكم فأجره على اللّه، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدّنيا فهو كفّارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثمّ ستره اللّه فهو إلى اللّه، إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه". فبايعناه على ذلك.(رواه البخاري).

ولا شك أن البهتان أعظم عند الله من الغيبة فعن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أتدرون ما الغيبة؟" قالوا: اللّه ورسوله أعلم. قال: "ذكرك أخاك بما يكره" قيل:
أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟. قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته. وإن لم يكن فيه، فقد بهتّه".(رواه مسلم).
وبين النبي صلى الله عليه وسلم شدة حال هؤلاء الذين يرمون الناس بالباطل يوم القيامة فقال: " ...ومن رمى مسلما بشيء يريد شينه (أي عيبه وذمّه) به حبسه اللّه على جسر جهنّم حتّى يخرج ممّا قال".( رواه أبو داود،وحسنه الألباني).

قال ابن كثير في تفسير قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} [أي ينسبون إليهم ما هم براء منه لم يعملوه ولم يفعلوه {فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً } وهذا هو البهت الكبير أن يحكي أو ينقل عن المؤمنين والمؤمنات ما لم يفعلوه على سبيل العيب والتّنقّص لهم، ومن أكثر من يدخل في هذا الوعيد الكفرة باللّه ورسوله، ثمّ الرّافضة الّذين ينتقصون الصّاحبة ويعيبونهم بما قد برّأهم اللّه منه ويصفونهم بنقيض ما أخبر اللّه عنهم فإنّ اللّه- عزّ وجلّ- قد أخبر أنّه قد رضي عن المهاجرين والأنصار ومدحهم، وهؤلاء الجهلة الأغبياء يسبّونهم وينتقصونهم ويذكرون عنهم ما لم يكن ولا فعلوه أبدا، فهم في الحقيقة منكّسوا القلوب، يذمّون الممدوحين، ويمدحون المذمومين].

البغض يحمل ضعيف الإيمان على البهتان

وهذا واقع مشاهد فقل من يسلم عند البغضاء والخصومة من الوقوع في عرض من يبغضه حتى إنه ليبهته بأن ينسب إليه ما ليس فيه، ويدل على ذلك من السنة ما رواه البخاري رحمه الله عن أنس- رضي اللّه عنه- قال: بلغ عبد اللّه بن سلام مقدم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة، فأتاه فقال:
إنّي سائلك عن ثلاث لا يعلمهنّ إلّا نبيّ، قال: ما أوّل أشراط السّاعة؟ وما أوّل طعام يأكله أهل الجنّة؟، ومن أيّ شيء ينزع الولد إلى أبيه، ومن أيّ شيء ينزع إلى أخواله؟. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "خبّرني بهنّ آنفا جبريل". قال: فقال عبد اللّه: ذاك عدوّ اليهود من الملائكة، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:" أمّا أوّل أشراط السّاعة فنار تحشر النّاس من المشرق إلى المغرب. وأمّا أوّل طعام يأكله أهل الجنّة فزيادة كبد حوت. وأمّا الشّبه في الولد فإنّ الرّجل إذا غشي المرأة فسبقها ماؤه كان الشّبه له، وإذا سبق ماؤها كان الشّبه لها". قال: أشهد أنّك رسول اللّه. ثمّ قال: يا رسول اللّه، إنّ اليهود قوم بهت، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بهتوني عندك.
فجاءت اليهود، ودخل عبد اللّه البيت، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أيّ رجل فيكم عبد اللّه بن سلام؟" قالوا:
أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أفرأيتم إن أسلم عبد اللّه؟" قالوا: أعاذه اللّه من ذلك. فخرج عبد اللّه إليهم فقال: أشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأشهد أنّ محمّدا رسول اللّه. فقالوا: شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه.
فانظر كيف حملهم بغض الحق على الوقوع فيمن قالوا عنه قبل ثوان إنه أعلمهم وأخيرهم!!.

ويدل على هذا المعنى أيضا ما رواه أحمد عن عليّ بن أبي طالب- رضي اللّه عنه- قال: دعاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: "إنّ فيك من عيسى مثلا، أبغضته يهود حتّى بهتوا أمّه، وأحبّته النّصارى حتّى أنزلوه بالمنزل الّذي ليس به". ألا وإنّه يهلك فيّ اثنان، محبّ يقرّظني بما ليس فيّ، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني، ألا إنّي لست بنبيّ، ولا يوحى إليّ، ولكنّي أعمل بكتاب اللّه وسنّة نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما استطعت، فما أمرتكم من طاعة اللّه فحقّ عليكم طاعتي فيما أحببتم وكرهتم.
نسأل الله أن يرزقنا العدل والإنصاف في الرضا والغضب، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #820
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:30 AM
Parent: #787

البطر طريق الدمار
الحمد لله ذي الفضل والمن، والصلاة والسلام على خير البشر وآله وصحابته ومن عمل بسنته واقتدى بهديه، وبعد:
فإن الله تعالى أنعم على العباد بما لا يعد ولا يحصى من النعم { وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} (إبراهيم:34) .
وفي حين كان الواجب على العباد شكر هذه النعم واستعمالها فيما يرضي الله تعالى فإن أقواما من الناس لم يشكروا نعم الله تعالى بل طغوا وتجبروا ووصلوا إلى حالة من البطر.

ما هو البطر؟
إن للبطر معاني متعددة، لكن ما يتعلق بما نحن بصدده أن البطر هو الطغيان بالنعمة، وتجاوز الحد بحيث لا يؤدي حق النعمة ويصرفها إلى غير وجهها.
ويقول العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى: البطر: سوء احتمال الغنى ومعناه التّقصير في شكره، ورؤية المنّة به، وهو والمرح وسيلتان إلى الطّغيان.
ويقول القرطبيّ رحمه الله عن البطر في قول اللّه تعالى {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بَطَراً وَرِئاءَ النَّاسِ } (الأنفال/ 47): معناه: التّقوّي على المعاصي بنعم اللّه- عزّ وجلّ- وما ألبسه من العافية، والمعنى: خرجوا بطرين مرائين، وقد نزلت في أبي جهل وأصحابه الّذين خرجوا يوم بدر لنصرة العير. وقد جرى ما جرى من إهلاكهم.

أنواع البطر:

للبطر أنواع عديدة أهمّها:
1- بطر الغنى.
2-بطر الملك.
وكلاهما ممّا يجب التّحرّز منه، قال تعالى في النّوع الأوّل: {إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى} (العلق/ 6- 7). وقال في النّوع الثّاني في حقّ فرعون: { فَحَشَرَ فَنادى * فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى} (النازعات/ 23- 24).ويمكن أن يضاف إلى ذلك:
3- بطر المنصب والوظيفة.
4-بطر الجاه والمكانة الاجتماعيّة.
وكلاهما يمكن حمله على النّوعين الأوّلين.(نضرة النعيم)

عاقبة البطر

إن البطر من أعظم أسباب الهلاك والدمار وتبدل النعم وزوالها، وقد حذر الله تعالى عباده من هذا المصير المشابه لمصائر أمم بطرت ولم تشكر فقال: { وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ }(القصص: 58). يقول الإمام ابن كثير رحمه الله: يقول اللّه تعالى معرّضا بأهل مكّة في قوله تعالى: {وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها } أي طغت وأشرت وكفرت نعمة اللّه فيما أنعم به عليهم من الأرزاق، كما قال في الآية الأخرى: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ إلى قوله تعالى فَأَخَذَهُمُ الْعَذابُ وَهُمْ ظالِمُونَ }(النحل/ 112- 113)، ولهذا قال تعالى: {فَتِلْكَ مَساكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا}، أي دثرت ديارهم فلا ترى إلّا مساكنهم، وقوله تعالى:
{وَكُنَّا نَحْنُ الْوارِثِينَ }أي رجعت خرابا ليس فيها أحد.

كما ذكر الله تعالى قصة قوم سبأ لتكون آية للناس وعبرة،{ لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ} (سبأ:15) جنة عن يمين وجنة عن شمال كلوا واشربوا من هذه النِعم، بلدة طيبة معطاءة، ورب غفور يغفر الخطايا، استغفروا وكلوا وتمتعوا، فماذا كانت النتيجة؟ أعرضوا! وهذا الإعراض هو الذي دمر الأمم، فماذا كان من تلك الجنات؟ وأين ذهبت؟ {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ. ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ} (سبأ16-17).
لقد وهبهم الله من النعم الشيء الكثير حتى جعل بين قراهم والقرى الأخرى التي يسافرون إليها قرى يستريحون فيها ويأخذون منها احتياجاتهم لكنهم ملوا النعمة وبطروا فقالوا: { رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ }(سـبأ: من الآية19)
فماذا كانت العاقبة؟
لم يبق منهم إلا أحاديث يتحدث بها الناس وأمثلة تضرب لمن طغوا وبطروا معايشهم: { فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}(سـبأ: من الآية19).
هذا كله في الدنيا اما في الآخرة فيبقى الوزر والسؤال بين يدي الله تعالى، وتأمل حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " إنّ اللّه لا ينظر إلى من يجرّ إزاره بطرا"(البخاري ومسلم واللفظ له).

وحين تكلم النبي صلى اله عليه وسلم عن الخيل قال: " الخيل ثلاثة: فهي لرجل أجر، ولرجل ستر، ولرجل وزر. فأمّا الّتي هي له أجر، فالرّجل يتّخذها في سبيل اللّه ويعدّها له، فلا تغيّب شيئا في بطونها إلّا كتب اللّه له أجرا، ولو رعاها في مرج، ما أكلت من شيء إلّا كتب اللّه له بها أجرا، ولو سقاها من نهر كان له بكلّ قطرة تغيّبها في بطونها أجر، ولو استنّت شرفا أو شرفين كتب له بكلّ خطوة تخطوها أجر. وأمّا الّذي هي له ستر فالرّجل يتّخذها تكرّما وتجمّلا ولا ينسى حقّ ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. وأمّا الّذي عليه وزر فالّذي يتّخذها أشرا وبطرا وبذخا ورياء النّاس، فذاك الّذي هي عليه وزر..."الحديث(البخاري ومسلم واللفظ له).
فليحذر العبد من البطر فإنه من فخاخ الشيطان التي يوقع بها ابن آدم في الهلاك، نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله على سيدنا محمد والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #821
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:32 AM
Parent: #787

أثر الهوى في تأويل أحكام الشريعة
الحمد لله حمد الشاكرين، وصلواته على سيد المرسلين، محمد النبي الأمي وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
إن الله سبحانه وتعالى قد بعث الأنبياء بشريعته ليكونوا أدلاء إلى الخير والصواب، فمن سلك غير سبيلهم فقد ضل عن الصراط السوي الذي ارتضاه الله {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا}[النساء: 115]، ذلك لأن الدين منهج الله، ولا يطبق إلى على وفق ما أراده الله تعالى، ليس للعقل اعتراض عليه ولا استدراك عليه بنزعة الهوى أو حجة التعديل الموافق للمصلحة أو العقل أو العصر أو غير ذلك.
فاتباع الهوى في مقابلة الشرع مذموم شرعاً وعقلاً وذلك لمحظورين اثنين:
الأول: أن في ذلك إعراضاً وميلاً عن الشرع، وتمسكاً بغير المشروع، ولو كان شيئاً دون الهوى لهان ولكنه تمسك بالهوى الذي هو مصبُّ كل فتنة، ورأس كل مصيبة، وهذا يوصل إلى الشرك والعياذ بالله.

الثاني: أن فيه اعتراضاً على الشرع واستدراكاً وزيادة عليه، وقد أتم الله نعمته وأكمل دينه فلا مجال لهوى النفس في شيء قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا}[المائدة: 3]، وهذا سبيل البدعة والفرقة.
ولهذا قال ابن الجوزي رحمه الله: "فمطلق الهوى يدعو إلى اللذة الحاضرة من غير فكر في عاقبة، ويحث على نيل الشهوات عاجلاً وإن كانت سبباً للألم والأذى في العاجل ومنع لذات الآجل، فأما العاقل فإنه ينهى نفسه عن لذة تُعقب ألماً، وشهوةٍ تورث ندماً وكفى بهذا القدر مدحاً للعقل وذماً للهوى، وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ما ذكر الله عز وجل الهوى في موضع من كتابه إلا ذمه، وقال الشعبي: إنما سمي هوى لأنه يهوي بصاحبه".(ذم الهوى لابن الجوزي: (ص 18).

ولا شك أن اتباع الهوى ذريعة إلى الضلال والانحراف عن الدين، حيث وقد ذمه الله تعالى في كثير من الآيات في كتابه الكريم: فذم عالِم بني إسرائيل بقوله: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ}[الأعراف: 176]، وقال: {وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}[الكهف: 28]. أي وكان أمره ظلماً واعتداء(التحرير والتنوير: (8/364).، فبهذا يكون سباقًا في الشر، غافلاً عن دواعي الخير، وقد لا يستشعر ذلك فكأنما هواه أعماه وأصمه.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في الأمر ولا يطلبه، ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين أن الذي يرضى له ويغضب له أنه هو السنة، وهو الحق، وهو الدين، فإذا قدر أن الذي معه هو الحق المحض دين الإسلام، ولم يكن قصده أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، بل قصد الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء، ليعظَّم هو ويثنى عليه، أو لغرض من الدنيا لم يكن لله(منهاج السنة النبوية: (5/256).

إن الهوى آفة تعتري المسلم فتفسد عليه معتقده ودينه بميلانه إلى ما تستلذه نفسه من الشهوات، وينبسط إليه من أمور الدنيا ما يخالف شرع الله، ولهذا يقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ}[الأنعام: 159]، قال بعض المفسرين: صاروا فرقاً لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتتت أهواؤهم فافترقوا وهو قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعًا} ثم برأ الله نبيه بقوله: {لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} وهم أصحاب البدع والكلام فيما لم يأذن الله فيه ولا رسوله (الموافقات للشاطبي: (4/111)..

وقال علي رضي الله عنه: إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان: طول الأمل، واتباع الهوى، فأما طول الأمل فينسي الآخرة، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة، والآخرة مقبلة، ولكل واحدة منهما بنون، فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل(فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل: (2/362).

نعم عباد الله، إن الهوى يصد عن الحق، ويعمي البصيرة ويغوي المرء حتى لا يرى عمله إلا خيراً وإن كان مخالفاً للهدى، وإن كان مجانباً للصواب، ويؤيد هذا ما ورد عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ثلاث منجيات، وثلاث مهلكات، فأما المنجيات: فتقوى الله في السر والعلانية، والقول بالحق في الرضا والسخط، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات: فهوىً متبع، وشحٌّ مطاعٌ، وإعجاب المرء بنفسه، وهي أشدهن) (شعب الإيمان للبيهقي: (15/300) وحسنه الألباني في صحيح الجامع برقم: (3039) ..
وهذا منه صلى الله عليه وسلم تصريح بنجاة العبد أوهلاكه في تلك الأمور، وقد قدم الهوى المتبع في أول المهلكات؛ لما له من الخطر العظيم، والله عز وجل قد بين أن اتباع الهوى سبب في الهوي في الشهوات والانغماس في وحل الضلال وترك الحق، كما قال جل شأنه في أولئك المشركين الذين أعرضوا عن دين الله الذي جاء به سائر الأنبياء: {وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آَيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَلَمَّا جَاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ* قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}[القصص: 47- 50].

وبهذا البيان من الله يتضح مدى انحراف الناس عن الحق ومجانبتهم إياه، وأنهم لو أصابتهم مصيبة برروا لأنفسهم بأنه لم يُرسَل إليهم رسولٌ، ولو أرسل لآمنوا، فلما جاءهم الحق من عند الله والقرآن العظيم اعترضوا واشترطوا أن يكون كما كان الذي مع موسى! أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل؟! وهاهم يقولون في القرآن والتوراة هما سحران تعاونا في إضلال الناس!

سبحان الله! فثبت بهذا أن القوم يريدون إبطال الحق بما ليس ببرهان، وينقضونه بما لا ينقض، ويقولون الأقوال المتناقضة المختلفة، وهذا شأن كل كافر. ولهذا صرح أنهم كفروا بالكتابين والرسولين، ولكن هل كفرهم بهما كان طلباً للحق، واتباعاً لأمرٍ عندهم خير منهما، أم مجرد هوى؟ قال تعالى ملزماً لهم بذلك: {فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا} أي: من التوراة والقرآن {أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} ولا سبيل لهم ولا لغيرهم أن يأتوا بمثلهما، فإنه ما طرق العالم منذ خلقه اللّه، مثل هذين الكتابين، علماً وهدىً وبياناً، ورحمةً للخلق.

وهذا من كمال الإنصاف من الداعي أن قال: أنا مقصودي الحق والهدى والرشد، وقد جئتكم بهذا الكتاب المشتمل على ذلك، الموافق لكتاب موسى، فيجب علينا جميعاً الإذعان لهما واتباعهما، من حيث كونهما هدىً وحقاً، فإن جئتموني بكتاب من عند الله هو أهدى منهما اتبعته، وإلا فلا أترك هدىً وحقاً قد علمته لغير هدىً وحقٍ {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ} فلم يأتوا بكتاب أهدى منهما {فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} أي: فاعلم أن تركهم اتباعك، ليسوا ذاهبين إلى حق يعرفونه، ولا إلى هدى، وإنما ذلك مجرد اتباع لأهوائهم. {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ} فهذا من أضل الناس، حيث عرض عليه الهدى، والصراط المستقيم، الموصل إلى الله وإلى دار كرامته، فلم يلتفت إليه ولم يقبل عليه، ودعاه هواه إلى سلوك الطرق الموصلة إلى الهلاك والشقاء، فاتبعه وترك الهدى، فهل أحد أضل ممن هذا وصفه؟ ولكن ظلمه وعدوانه، وعدم محبته للحق، هو الذي أوجب له أن يبقى على ضلاله ولا يهديه اللّه، فلهذا قال: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (تفسير السعدي: (1/617).

ولا نزاع في أن من اتبع الهوى صار مخالفاً للشرع؛ لأن العقل إذا لم يكن متبعاً للشرع لم يبق له إلا الهوى والشهوة، وأنتم تعلمون ما في اتباع الهوى وأنه ضلال مبين، ألا ترون قول الله تعالى: {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}[سورة ص: 26]. فحصر الحكم في أمرين لا ثالث لهما عنده وهو الحق والهوى وعزل العقل مجرداً إذ لا يمكن في العادة إلا ذلك، وقال: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ}[الكهف: 28]. فجعل الأمر محصوراً بين أمرين: اتباع الذكر، واتباع الهوى، وقال: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ}[القصص: 50]. وهي مثل ما قبلها، وتأملوا هذه الآية فإنها صريحة في أن من لم يتبع هدى الله في هوى نفسه، فلا أحد أضل منه، وهذا شأن المبتدع؛ فإنه اتبع هواه بغير هدى من الله، وهدى الله هو القرآن وما بينته الشريعة وبينته الآية أن اتباع الهوى على ضربين:

أحدهما: أن يكون تابعاً للأمر والنهي فليس بمذموم ولا صاحبه بضال، كيف وقد قدم الهدى فاستنار به في طريق هواه، وهو شأن المؤمن التقي.
والآخر: أن يكون هواه هو المقدم بالقصد الأول، كان الأمر والنهي تابعين بالنسبة إليه أو غير تابعين وهو المذموم، وهذا هو اتباع الهوى في التشريع، إذ حقيقته افتراء على الله، وقد قال جلَّ شأنه: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ}(23) سورة الجاثية. أي لا يهديه دون الله شيءٌ وذلك بالشرع لا بغيره وهو الهدى الاعتصام للشاطبي: (1/51 - 52) بتصرف.

وأختم بكلام لشيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله حيث قال: وأضلُّ الضُلاَّل: اتباعُ الظن والهوى كما قال الله تعالى في حق من ذمَّهم: {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: 23]، وقال في حق نبيه صلى الله عليه وسلم: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى}[النجم: 1-4] فنزهه عن الضلال والغواية اللذين هما الجهل والظلم، فالضالُّ هو الذي لا يعلم الحق، والغاوي الذي يتبع هواه. وأخبر أنه ما ينطق عن هوى النفس، بل هو وحي أوحاه الله إليه فوصفه بالعلم ونزهه عن الهوى.( مجموع فتاوى ابن تيمية: (3/384).

أيها الحريصون على اتباع الهدى، إذا كان الأمر بهذه الحال من أنه إما شرع وإما هوى، ومن اتبع الهوى فلا أضل منه، علم قطعاً أن العقل ليس له مجال في:
تشريع أحكامٍ تخالف ما شرع الله، ولا بوضع قانون مقابل لحكم الله، ولا قبول لتنازل في معلوم من الدين بحجة مصلحة، ولا زيادة في أمر من أمور العبادة ، أو تحريف لكتاب الله، أو تغيير لحدود الله، أو استدراك على شرع الله، أو تفسير كتاب الله وفق الهوى، أو تطبيق للشريعة بما يوافق انحرافات العصر، أو تهوين شأن المبادئ الإسلامية وتقليلها وتسهيل أمرها.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا ابتاعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه...
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين
________________________________________
موقع إمام المسجد ( بتصرف يسير ).

Post: #822
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:34 AM
Parent: #787

هي والله لوجه الله
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله سيدنا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واتبع هداه، وبعد:
فقد تابعت الجلسة الأولى لمجلس الشعب المصري وقد لفت انتباهي أمران، الأول يتعلق بأعضاء مجلس الشعب أنفسهم حيث دخل كثير منهم المجلس وهم يبكون.
أما الثاني فهو هؤلاء المؤيدون من الإسلاميين الذين رفع بعضهم لافتة تطالب أعضاء المجلس بالتواضع، وهتف آخرون قائلين:

(لا للمنصب ولا للجاه هي والله لوجه الله)
وحين رأيت النواب على هذا الحال من التواضع والانكسار لله تعالى، وسمعت هتافات مؤيديهم استبشرت جدا وتملكتني حالة من الإحساس بقرب هؤلاء من التوفيق بإذن الله تعالى، فالتواضع والانكسار وإظهار الافتقار لله العزيز، ونسبة الفضل إليه سبحانه،ومعالجة النفس ولجمها والبعد بها عن الزهو والكبر والفخر لهو من أقصر الطرق للفوز بتوفيق الله تعالى وفضله.

نسبة الفضل إلى الله تعالى:

{وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ }.
وهكذا أصحاب المنهج الحق منهج الإسلام النقي الصافي إذا مكّن الله لهم في بقعة أو نصرهم في موقعة استشعروا عظم النعمة ولم ينسبوا لأنفسهم فضلا لأنهم يوقنون أن الأمور كلها بيد الله وليس للعبد فيها من نصيب.
ولهذا لما دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحا طأطأ رأسه تواضعا حتى كادت جبهته تلتصق بظهر ناقته، وكان يردد قوله تعالى:

{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا }.
أما أصحابه رضي الله عنهم فيروى أنهم كانوا يرددون:
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، نصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده).

وهذا الذي رباهم عليه القرآن أن يستشعروا نعمة الله عليهم، وأن ينسبوا له تبارك وتعالى الفضل والمنة.
ففي غزوة الأحزاب وبعد أن نصرهم الله على عدوهم ورد كيد الكافرين إلى نحورهم، قال الله تعالى لعباده المؤمنين:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا}.
وفي موقف آخر يقول الله تبارك وتعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ }.

وحين تحدث القرآن عن غزوة بدر وما من الله به على المؤمنين من نصر وعز وتمكين بعد أن كانوا أذلة خائفين رباهم على نفس المعنى، معنى استشعار الفضل والنعمة من الله تعالى ونسبتها إليه وحده ونسيان حظ النفس وعدم الغرور بما من الله تعالى به على عباده فقال: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآَوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }.
وبعد ان من الله تعالى على النبي صلى الله عليه وسلم، ومن معه من المؤمنين بالنصر والفتح وانتشار دعوة الحق في الأرض قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم:
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}.

أما العجب فعاقبته أليمة:

فبعد النصر والعز والتمكين قد يتسلل إلى بعض النفوس نوع غرور أو كبر أو زهو بما من الله تعالى به على العباد فتكون العواقب وخيمة وأليمة، تماما كما حدث مع المؤمنين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة حنين حين قال بعض الناس يومها: لن نهزم اليوم من قلة، فكانت الهزيمة وكان الفرار من ساحة المعركة حتى عاد الناس إلى رشدهم وعلموا أن النصر منة من الله تعالى يمن بها على من يشاء من عباده كما قال: { وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}(آل عمران: من الآية126).

وقد سطر القرآن الكريم هذا المشهد العجيب فقال الله تعالى:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ. ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ}.

إنها الحقيقة التي لا مراء فيها أن الأمور كلها بيد الله، وأن النتائج ليست دائما بحسب جهد العبد وطاقته لكنها في الحقيقة بيد الله الذي لا ناصر لمن خذل، ولا غالب لمن نصر، ولا معز لمن أذل، ولا مذل لمن أعز:
{إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}.
ولهذا كان من أذكار النبي ودعائه صلى الله عليه وسلم:

" يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
فيا نواب الشعب اعلموا أن ما بكم من نعمة فمن الله تعالى وحده ليس باجتهادكم ولا هو ثمرة كدكم وعنائكم، فتواضعوا لله تعالى ولعباده، واجتهدوا واعملوا وثابروا واصدقوا اللجوء إلى الله تعالى ليعينكم وينجح قصدكم، وتذكروا قوله تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ } (الأعراف:58).

وفقنا والله وإياكم لما يحب ويرضى، ورزقنا وإياكم الإخلاص والصدق والتواضع،والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #823
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:36 AM
Parent: #787

أكل الربا
الحمد لله ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أهل التقى والكرامات أما بعد :
فقد بعث الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ، فأبطل الله به مسالك الجاهلية ، وقضى به على معالم الوثنية ، فاستأصل شأفتها ، واجتث جرثومتها ، وفي طليعة ذلك الكبيرة العظيمة ، والجريمة الشنيعة ، والمعصية المتوعد عليها بالحرب من الله ورسوله ، ألا وهي جريمة ( الربا ) ، فهيهات أن تُعمر الحياة وتشاد الحضارات وأناس يتعاطون الربا ، ولا يرعون للإنسان كرامة ، ولا للعقول حصانة ، ولا للدين صيانة .

ولذا فقد نهى الشارع الكريم عن ( الربا ) في محكم التنزيل ، وحذر من عاقبته السيئة ونهايته المؤلمة فقال الله تعالى : { وأحل الله البيع وحرم الربا } ، فالربا حرام كله ، كثيره وقليله ، بجميع أشكاله وأنواعه ، وصوره ومسمياته ، ولم يأذن الله في كتابه العزيز بحرب أحد إلا أهل الربا ، فالناظر على مستوى الأفراد والدول يجد مدى الخراب والدمار الذي خلفه التعامل بالربا من الإفلاس والكساد والركود ، والعجز عن تسديد الديون ، وشلل في الاقتصاد ، وارتفاع مستوى البطالة ، وانهيار الكثير من الشركات والمؤسسات ، وجعل الأموال الطائلة تتركز في أيدي قلة من الناس ، فأصبح ناتج الكدح اليومي يصب في خانة تسديد الربا ، ولعل هذا شيء من صور الحرب التي توعد الله بها المتعاملين بالربا فقال جل وعلا : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله } إنها بضاعة مزجاة ، وتجارة كاسدة ، وحرب خاسرة مع الله تعالى ، حرب لا تجدي فيها السفن ولا الطائرات ، ولا تنفع فيها القنابل ولا الدبابات ، فهي مع خالق الأرض والسموات ، الذي يقول للشيء كن فيكون ، فكيف يخوض عبد ضعيف لا حول له ولا قوة حرباً ضروساً مع من له جنود السموات والأرض ، وله جنود لا يعلمها إلا هو ، إنها حرب غير متكافئة من أقدم عليها من البشر فقد أهلك نفسه وأذاقها ألم العذاب ومرارة العقاب ، وضنك العيش في الدنيا والآخرة.

ولقد شبه الله عز وجل آكل الربا بالمجنون والمصروع عندما يخرج من قبره إلى محشره فهو يتخبط في الأرض لا يدري ما الخطب ولا يعلم ما الأمر كما كان يتخبط في مال الله بغير حق { الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس } فأكلة الربا يقومون ويسقطون كما يقوم المصروع لأنهم أكلوا الأموال رباً وحراماً في الدنيا ، فانتفخت به بطونهم حتى أثقلتهم عن الخروج من قبورهم يوم القيامة فكلما أرادوا النهوض سقطوا ، يريدون الإسراع مع الناس فلا يستطيعون . قال صلى الله عليه وسلم : "إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " ( رواه البخاري ) ، ولكن وللأسف : { وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين } ، وقال صلى الله عليه وسلم : " كل جسد نبت من السحت فالنار أولى به " ( رواه البخاري ) فالمال الحرام سبب لدخول النيران ، والبعد عن الجنان ، فقد جاء في الحديث عند الترمذي " لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام " ، فأكل المال الحرام من رباً وغيره من أعظم موانع الدعاء ، ألا ترى آكل الربا يدعو ليلاً ونهاراً فلا يستجاب له ، تتراكم عليه المصائب والمحن ، فلا يستجاب له ، إنه مصداقاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيباً ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال تعالى {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً } وقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء ، يارب يارب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له " ( رواه مسلم ) .

ولقد جاء التحذير من تعاطي الربا أو التعامل به ، ولعن صاحبه وطرده من رحمة الله عز وجل وإبعاده عن مرضاته سبحانه وتعالى ، ففي حديث بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء ) ( رواه مسلم ) أي أنهم سواء في الإثم والمعصية ، والجزاء والعقاب ، قال صلى الله عليه وسلم : " اجتنبوا السبع الموبقات ( أي المهلكات ) قالوا يارسول الله : وما هن ؟ قال : الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات " ( رواه الشيخان ) .
إن الربا وإن كثر فهو إلى قِلّ وإن بركته ممحوقة يقول الله تعالى { يمحق الله الربا ويربي الصدقات والله لا يحب كل كفار أثيم } . وقال صلى الله عليه وسلم : " الربا وإن كثر فإن عاقبته تصير إلى قل " ( رواه الحاكم وهو في صحيح الجامع ).

أيها المسلمون : لا بد لكل عاقل فطن ، أن يعرف أن التعامل بالربا دسيسة ومكيدة من دسائس أعداء الله اليهود ـ قاتلهم الله ـ ومكيدة من مكائدهم العظيمة ـ لا كثرهم الله ـ ليبعدوا الناس عن دينهم ، فقد باءوا بالغضب واللعن من الله تعالى لأكلهم الربا ، واستحقوا الخزي والندامة ، ومسخوا خنازير وقردة ، يقول الله تعالى : { وَأَخْذِهِمُ الرِّبا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} (النساء:161).
وإن مما تأسف له النفوس أن ثلة من الناس لا يهتم بأحكام الإسلام وإنما يهتم بما يدر عليه المال من أي طريق كان ، وما ذاك إلاّ لضعف الإيمان وقلة الخوف من الله تعالى ، وغلبة حب الدنيا على القلوب ، نسأل الله السلامة .

هذا هو الواقع المؤلم الذي آلت إليه مجتمعات الإسلام ولا حول ولا قوة إلاّ بالله . فهذه الهزائم والخسائر ، وهذه البراكين والزلازل ، وهذا الهرج والمرج ، وكثرة الحوادث والمرض ، كل ذلك بما كسبت أيدي الناس من تعاطٍ للربا وغيره .
قال عليه الصلاة والسلام : " إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله " ( رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد ) . وقال تعالى : { ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي علموا لعلّهم يرجعون } وقال تعالى : { وما نرسل بالآيات إلا تخويفا }.
قال ابن القيم رحمه الله " إذا ظهر الزنا والربا في قرية أُذن بهلاكها " فبدأت المحن تتوالى والمصائب تتابع من جرّاء التعامل بالربا .

أيها المرابي .. يا من تتعامل بالربا : اتق الله ، واجعل بينك وبين عذاب الله وقاية ، واحذر من مكر الله ، فلا يأمن مكر الله إلاّ القوم الخاسرون ، استعمل عقلك وحكم دينك وشرع نبيك ، الذي قال : " إنه أتاني الليلة آتيان ، وإنهما قالا لي ، انطلق ، وإني انطلقت معهما ، .. فانطلقنا فأتينا على نهر قال أحمر مثل الدم وإذا في النهر رجل سابح يسبح وإذا على شط النهر رجل قد جمع عنده حجارة ، فيفغر له فاه ، فيلقمه حجراً فينطلق فيسبح ، ثم يرجع إليه ، كلمّا رجع إليه فغر له فاه ، فألقمه حجراً ، قلت لهما : ما هذان ؟ قالا لي : انطلق انطلق ، إلى أن قال : فإني رأيت الليلة عجباً ؟ فما هذا الذي رأيت ؟ قالا لي : أما إنا سنخبرك . أماّ الرجل الذي أتيت عليه يسبح في النهر ، ويلقم الحجارة ، فإنه آكل الربا " ( رواه البخاري ).
وهذا عذاب أهل الربا في القبور إلى يوم البعث والنشور وذلك تنكيلاً لهم ومدّاً للعذاب ، لاعتراضهم على الله في حكمه ، فالله يقول : " وأحلّ الله البيع وحرّم الربا " ، وهم يقولون : البيع مثل الربا ، فاعترضوا على الله في حكمه ورفضوا شرعه ، مع علمهم بتفريق الله بين البيع والربا ، وهو سبحانه العليم الحكيم الذي لا معقب لحكمه ولا يُسأل عمّا يفعل وهم يُسألون ، وهو العالم بحقائق الأمور ومصالحها وما ينفع عباده وما يضرهم . ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : " وكل رباً في الجاهلية موضوع تحت قدمي هاتين ، وأول رباً أضع ربا العباس " .
نسأل الله أن يوفق المسلمين لكسب الحلال الطيب، وأن يجنبهم الخبيث من المكاسب، والحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يحيى بن موسى الزهراني ( بتصرف)

Post: #824
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:38 AM
Parent: #787

كن متفائلا
أيها الحبيب حين تقرأ كتاب الله تجد أن الله سبحانه وعد حال العسر الواحد يُسرين فقال: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} (الشرح:5-6) فإذا كان الأمر كذلك فلماذا اليأس؟ ولماذا التشاؤم؟
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطِيَرة.يعني يكره التشاؤم، وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا عدوى ولا طيرة، ويعجبني الفأل: الكلمة الحسن والكلمة الطيبة".وقد كانت حياته كلها ترجمة لهذا المعنى الكريم، فحين أتاه خباب بن الأرت رضي الله عنه يشكو تسلط المشركين وأذيتهم للمسلمين فكا جوابه صلى الله عليه وسلم: " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه ولكنكم تستعجلون".
وحين كان يمر على آل ياسر وهم يعذبون كان يزرع في نفوسهم الأمل والتفاؤل فيقول: " صبرا آل ياسر فإن موعدكم الجنة ".
وحين خرج من مكة بصحبة الصديق رضي الله عنه ولجأ إلى الغار وتبعه المشركون حتى وقفوا على فم الغار فلما رآهم الصديق رضي الله عنه قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فأجاب إجابة عظيمة تدل على مدى توكله وتفاؤله فقال: " لا تحزن إن الله معنا ".
حتى إذا اشتملت على اليأس القلوب وضاق لما به الصدر الرحيب
وأوطـنـت الــمـكـاره واســتـقـــرت وأرست في أماكنها الخطــوب
ولم تــر لانـكـشـاف الـضـر وجهـا ولا أغـنـى بـحـيـلـتـه الأريــب
أتــاك عـلـى قــنــوط مـنـك غــوث يـمـن بـه اللـطـيـف المستجيـب
وكـل الــحـادثـــات إذا تـنــاهـــــت فــمـوصـــول بـهــا فــرج قريب

إن الاسترسال وراء الظنون والأوهام التي تسيطر على الإنسان لا يجلب عليه إلا الهم والحزن وهو ما يجره إلى القعود والكسل، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من الهم والحزن: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدَّين وقهر الرجال".
والله عز وجل يقول: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة:10)
فيا أيها الحبيب تفاءل لأن الله تعالى بيده ملكوت كل شيء وهو على كل شيء قدير يملك رفع الضر وكشف الكرب: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (الملك:1) {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل:62)
مـتفــائــل أبـدا أنا إن كان هـم أو هـنـا
ألقى حياتي باسمـا ما دام روحي مؤمنا
ربي الـذي قـدسته بــرأ الــحـيـاة وسيرا
ربي الـذي أحـببته بعـطـائـه غمر الورى
إنه سبحانه الذي يقول:
{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} (البقرة:186)

تفاءل لأن هناك من يحبك، يدعو لك ويرجو لك الخير، أبواك زوجك أولادك جيرانك ، وإن غفل هؤلاء جميعا عن الدعاء لك فإن في السماء من لا يغفل عن الدعاء لك: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَنْ تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (غافر:7-9) وأعجب من ذلك قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً. وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً} (الأحزاب:41-43) فيا أيها الحبيب تفاءل وإن عظمت الخطوب، وإن تكاثر الأعداء، تفاءل وإن عظم البلاء:
متفـائـل رغــم القنـوط يذيقنا جمر السياط وزجرة الجـلاد
متفائل بالغيث يسقي روضنا وسمـاؤنا شمس وصحو بـاد
متفـائـل بالزرع يخرج شطأه رغم الجراد كمنجل الحصاد
متفائل يا قوم رغم دمـوعكـم إن الـسما تبكي فيحيا الوادي
والبـحـر يـبـقـى خيره أتضره يا قـومـنـا سـنـارة الـصـيـاد
إن التفاؤل هو الوقود المحرك للأمم والأفراد لبلوغ الغايات العظيمة وتحقيق الأهداف السامية وهذا يعني أنه لابد مع التفاؤل من العمل الجاد والحركة الدؤوب والأخذ بالأسباب المشروعة.
وفقنا الله وإياكم لكل خير، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #825
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 01:41 AM
Parent: #787

الطيبة

نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك: أخوة وسماحة وسكينة ووفاء.

والذين يفتقدون هذا الخلق تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد، وسوء الظن والخبث..
ومعنى الطيب في اللغة: الطاهر والنظيف وذو الأمن والخير الكثير ، والذي لا خبث فيه ولا غدر..
ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيب، والزوجة الطيبة ، والبلدة الطيبة، والقول الطيب، والذرية الطيبة، والريح الطيبة، والحياة الطيبة. وكلها معاني طهر وعفة وصفاء ونقاء، وهذا حال صاحب خلق (الطيبة).
إن الله عز وجل حين خلق بني آدم "جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن وبين ذلك، والخبيث والطيب وبين ذلك".(رواه أحمد وصححه الألباني).
ولا يستوي الخبيث والطيب، و لا يأتلف كل واحد إلا مع قرينه وشبيهه.
وحرصا من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة نهاه ان ينسب الخبث إلى نفسه، فقال: " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"(البخاري).

ويورد ابن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي فيقول: [ وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه إن أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى ولو في الألفاظ المشتركة].
ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة الأترجة: " طعمها طيب وريحها طيب". وضرب للمؤمن مثلا آخر فقال: " والذي نفس محمد بيده إن مثل المؤمن لكمثل النحلة أكلت طيبا ووضعت طيبا". وكلها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.

والرجل الطيب قد يختلف حاله.. فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة تبعا لما يمر به من أقدار، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: نراك اليوم طيب النفس؟فقال: "أجل، والحمد لله". ثم أفاض القوم في ذكر الغنى، فقال: " لا بأس بالغنى لمن اتقى، والصحة لمن اتقى خير من الغنى، وطيب النفس خير من النعيم".(صحيح سنن ابن ماجة).

والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري من أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد ، قائلا له: " عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".(البخاري).
وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز، كما قال تعالى: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب...)[ آل عمران:179] وفي ظلال الآية أن دور الأمة المسلمة يقتضي التجرد والصفاء والتمييز والتماسك..وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف ليخرج منه الخبيث..ومن ثم كان شأن الله سبحانه أن يميز الخبيث من الطيب.
وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

الطيبون والورع عن الشبهات
المؤمن الطيب رجل متورع عن الشبهات، ولقد كان أبو طلحة في مرض له ينزع غطاء فراشه؛ لما عليه من نقوش؛ فلما اعترض عليه بأنه ليس في الغطاء تصاوير منهي عنه عنها، أجاب: " بلى. ولكنه أطيب لنفسي".
والمؤمن الطيب يحافظ على صفاء الود مع أخيه، كما في الحديث القدسي: " وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي". ويبادر إلى زيارة أخيه المسلم، أو عيادته، فيقول الله له: "طبت وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلا". فالتصافي والتواصل علامة طيبة، ولا يتخلق بها إلا الطيب.

والمجاهد الطيب لا يطمئن قلبه بالقعود حين يستنفر الناس، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسية صحابته الكرام ـ لو انه خرج في كل سرية ـ فقال: " ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي".
ولذلك كان المنافقون لما في أنفسهم من الخبث لا يتحرجون من التعلل بأعذار واهية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في الحر والنصب، والمنازلة والطعان.

وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلوب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم ـ وافية زائدة ـ بقوله: " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة:الموفون المطيبون". وأقصر طريق إلى القلوب الكلمة الطيبة: " اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة". وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: { وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد}(الحج: 24).

وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: { الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم...}الآية(32 سورة النحل).وقد قال صلى الله عليه وسلم : "الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان، فلا يزال يقال لها حتى تخرجُ ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها، فيقال من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان، ورب راض غير غضبان،فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل".
وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: { ...سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين} (الزمر:73)بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.
إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله تعالى وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش: أنهلك وفينا الصالحون؟ فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم: " نعم، إذا كثر الخبث". قال ابن العربي: وفيه البيان بان الخيِّر يهلك بهلاك الشرير إذا لم يغير عليه خبثه.
إن الطيب نقي القلب سليم السرية حسن الظن بالناس ، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " ونق قلبي من الخطايا كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس".
ولا يغرنك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين : من صفات الغفلة ، وضعف العقل، وقلة الحيلة والهوان على الناس. فلأن تكون مقبولا عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث
هذه أخلاقنا للخزندار

Post: #826
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:06 AM
Parent: #787

المراجعة والتصحيح
حتى لا يسترسل المسلم في خطأ وقع فيه، أو هوىً انساق إليه، لابد له في حياته من وقفات مع نفسه ومع إخوانه، لمراجعة حساباته من جديد، والسير – بعدئذ – على بصيرة.
وقد افتتح البخاري أحد أبواب الصوم بكلمة لأبي الزناد جاء فيها: «إن السنن ووجوه الحق لتأتي كثيرًا على خلاف الرأي»[صحيح البخاري].

فحين يتخذ أحدنا لنفسه قناعات لا يحيد عنها، ولا يقبل المراجعة فيها، قد لا يسلم من هوى يطغيه، أو فساد في الرأي يرديه.
وإن ديننا حين بشّر المجتهد المخطئ بأجر، فإنه لا يقبل في الوقت نفسه التعامي عن الخطأ، والإصرار عليه، وكم أفتى فقهاؤنا بفتاوى ثم رجعوا عنها، لما أعادوا النظر فيها، وتبين لهم الصواب في غيرها، وإن الذين تردهم الملائكة عن الحوض، إنما مصيبتهم في الاسترسال في الغي، ويُقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: " ... إنهم قد بدّلوا بعدك، ولم يزالوا يرجعون على أعقابهم. فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: سحقًا سحقًا" [صحيح سنن ابن ماجه للألباني]. يدعو عليهم بالهلاك، لأنهم لم يراجعوا أنفسهم، ولم يفيئوا إلى الصواب.
والمراجعة وسيلة لمحاسبة النفس، والتصحيح نتيجة تظهر آثارها بالرجوع عن المعصية الجلية، أو الخطأ في الاجتهاد والرأي.
ومن وسائل المراجعة للتصحيح:
الاستماع إلى المشورة بنية البحث عن الحق، وقد أورد البخاري قصة اقتراح عمر على أبي بكر – رضي الله عنهما – أن يجمع القرآن، ولم يقبل أبو بكر بذلك، فقال عمر: «هو والله خير» قال أبو بكر: «فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيتُ الذي رأى عمر... »[صحيح البخاري] ولم يصرّ على رأيه، ولم يحجزه المنصب عن قبول الصواب ممّن دونه.

ويعين على الصواب:
مطالبة البطانة الصالحة بالتذكير بما هو خير وأصوب، وخاصة حين لا يبادر الآخرون بالتذكير، ولن نكون أصوب رأيًا، ولا أهدى فكرًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "... إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيتُ فذكروني .. "[صحيح البخاري]. وحينما نشعر الناس بالترحيب بالتذكير، ونرفع عنهم الحرج الذي قد يتوقعونه، تكون عيون الناس – عندئذ – مرآتنا التي تقوّمنا على الدوام.
وتضمن لنفسك سلامة الطريق وصواب الرأي باتخاذ البطانة الصالحة، وعدم الالتفات إلى المدّاحين، الذين لا يبصّرون أخاهم بأخطائه، ففي الحديث أن: "من ولاه الله عز وجل من أمر المسلمين شيئًا فأراد به خيرًا جعل له وزير صدق، فإن نسي ذكّره، وإن ذكر أعانه "[صحيح سنن النسائي للألباني].

وقد كان الحُر بن قيس من مقربي عمر بن الخطاب، وهمّ عمر أمامه مرة بضرب عُيينة بن حصن لتطاوله عليه، فقال له الحر: « يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأْمُر بالعرف وأعرضْ عن الجاهلين}[الأعراف:119] وإن هذا من الجاهلين» يقول الراوي: « والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقّافًا عند كتاب الله»[صحيح البخاري].
وكم من المظالم يمكن أن تزول، وكم من الممارسات الخاطئة يمكن أن تُصحح، حين تقوم البطانة بدورها الصالح.

والخلوة بالنفس من أنجح صور المراجعة، لمحاسبة النفس، وتصحيح العمل:
رُوي عن عمر بن الخطاب قوله: « حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسَبوا، وتزينوا للعرض الأكبر .. ». ويُروى عن ميمون بن مهران قوله: « لا يكون العبد تقيًا حتى يحاسب نفسه كما يحاسب شريكه »[سنن الترمذي] والرابح أخيرًا هو أنت، وليس العيب في الرجوع عن الخطأ، وإنما البلاء الكبير في الإصرار على الباطل.

ومن بركات هذه المراجعة للنفس:
أنها سبب من أسباب رفع البلاء وتخفيف الحساب، ففي بقية كلمة عمر السابقة: « إنما يخف الحساب يوم القيامة على من حاسب نفسه في الدنيا»[سنن الترمذي].
وحين تعمّ المفاسد في أي زمان فالمخرج بالرجوع إلى ديننا، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم" وفي رواية: «حتى يراجعوا دينهم»[صحيح سنن أبي داود للألباني] وبذلك تكون المراجعة بداية رفع البلاء والذل.

كما أن مراجعة النفس وتصحيح مسارها سبب من أسباب انشراح الصدر للخير، وإيثار الباقي على الفاني، ففي حديث طويل لابن مسعود: «بينما رجل فيمن كان قبلكم، كان في مملكته فتفكر، فعلم أن ذلك – أي المُلك – منقطع عنه، وأن ما هو فيه قد شغله عن عبادة ربه» فاعتزل الملك، وذهب إلى مملكة أخرى يكسب رزقه من عمل يده، وعلم ملك هذه البلاد به وبصلاحه، فقصده الملك، وسعى إليه، واستفسر منه، فقال ملك البلاد: «ما أنت بأحوج إلى ما صنعتَ مني، ثم نزل عن دابته فسيبها، ثم تبعه فكانا جميعًا يعبدان الله عز وجل ... »[مسند أحمد]. واستطاع كل منهما أن يصحح ما أفسد دون أن يعميهما بريق الملك وفتنة الكرسي، وما بدأت صحوة كل منهما إلا بالتفكّر والمراجعة.

والمراجعة والتصحيح فرصة لرأب الصدع بين القلوب، وإصلاح ذات البين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أبواب الجنة تفتح يوم الاثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يُشرك بالله شيئًا، إلا رجل بينه وبين أخيه شحناء، فيُقال: أنظروهما حتى يصطلحا – مرتين "[صحيح مسلم] وما فائدة إنظارهما إن لم يراجع كل منهما نفسه ليبدأ صاحبه بالسلام؟!
وهي سبب من أسباب البراءة من النفاق. قال إبراهيم التيمي: «ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذبًا». وقال ابن أبي مليكة: «أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه» وتعليقًا عليه ينقل ابن حجر قول ابن بطال: «إنهم خافوا لأنهم طالت أعمارهم، حتى رأوا من التغير ما لم يعهدوه، ولم يقدروا على إنكاره، فخافوا أن يكونوا داهنوا بالسكوت»[صحيح البخاري].
وجماع الأمر وملاكه أن يفترض المسلم في نفسه الخطأ، وأن يستحضر عدم العصمة، لئلا يثقل عليه الاعتراف بخطئه، فتسد عليه أبواب التصحيح {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم}[الرعد:11]، ولأن الإنسان مخلوق ضعيف، فهو كثير التغير والتقلّب، وهنيئًا لمن كانت فيئته إلى سنة، ومراجعته إلى صواب وتصحيحه إلى ما يرضي الله، فإن الرجوع إلى الحق شأن الأوابين والتوابين.
محمود الخزندار

Post: #827
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:32 AM
Parent: #826

الإسلام ومراعاة مشاعر الناس
إن ديننا الإسلامي الحنيف دين قامت دعائمه الأولى على أساس أخلاقي قويم ؛ بل إن الهدف الأول والأسمى من دعوة محمد – صلى الله عليه وسلم - هو تتميم ذلك البنيان ، وترسيخ ذلك الأساس والسمو به إلى ذروة تمامه وكماله , قال – صلى الله عليه وسلم - : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ".
ووصف الله نبيه الكريم بالخلق العظيم فقال : {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: 4).
ولقد جاء الإسلام لإسعاد الناس وصلاحهم, وليس لقهرهم وإكراههم، و المسلم إنسان حساس يراعي مشاعر وأحاسيس جميع الناس, فهو يتمتع بدرجة عالية من الإحساس والتأثر وهو صاحب قلبِ حيّ نابض، وينعكس ذلك كله على سلوكه وتصرفاته.
ولقد وضع الإسلام كثيراً من المبادئ والأسس التي من خلالها تُصان المشاعر وتراعى الأحاسيس، ومن هذه المبادئ:
1-الالتزام بأدب الحديث :

فقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالرفق واللين في القول فقال سبحانه : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران :159).
وأمرنا بذلك فقال : { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً } (البقرة:83).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعّان ولا اللعّان ولا الفاحش ولا البذيء".
ولقد ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم –أروع الأمثلة في حسن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم , وروت لنا كتب السنة والسيرة نماذج رائعة في ذلك منها :
ما رواه ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حين تحدث عن قوم يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب ،فقام عكاشة بن محصن فقال:ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: "أنت منهم". ثم قام رجل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال:"سبقك بها عكاشة ".
َقَالَ الْقَاضِي عِيَاض : قِيلَ: إِنَّ الرَّجُل الثَّانِي لَمْ يَكُنْ مِمَّنْ يَسْتَحِقّ تِلْكَ الْمَنْزِلَة وَلَا كَانَ بِصِفَةِ أَهْلهَا بِخِلَافِ عكاشة ، وَقِيلَ : بَلْ كَانَ مُنَافِقًا فَأَجَابَهُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَلَامٍ مُحْتَمَل ، وَلَمْ يَرَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّصْرِيح لَهُ بِأَنَّك لَسْت مِنْهُمْ لِمَا كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ مِنْ حُسْن الْعِشْرَة.
فقد راعي النبي صلى الله عليه وسلم مشاعر الرجل الذي قال للنبي "ادع الله أن يجعلني منهم" ولم يرد أن يجرحه أو يحرجه.
وروت أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها -أن رجلا استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: "بئس أخو العشيرة، وبئس ابن العشيرة"، فلما جلس تطلق النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه وانبسط إليه فلما انطلق الرجل قالت له عائشة: يا رسول الله، حين رأيت الرجل قلت له كذا وكذا ثم تطلقت في وجهه وانبسطت إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا عائشة متى عهدتني فحاشا؟ إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره".
2-عدم جرح مشاعر المخطئ :

إن الاستعجال في إصدار الأحكام على الآخرين أمر ممقوت يعرض صاحبه للزلل والخطأ والوقيعة في الآخرين ، وهو مخالف أيضاً للمنهج الرباني الآمر بالتثبت والتبين والتبصر ، كما أنه بعيد عن منهج الإسلام في العفو عن المسيء وقبول عذر المعتذر .
وفي سيرة النبي صلى الله عليه وسلم نماذج رائعة تؤكد ذلك منها :
ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والزبير والمقداد، فقال:انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها، فائتوني به، فخرجنا حتى أتينا الروضة، فإذا نحن بالظعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتاب. قلنا: لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي صلى الله عليه وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما هذا يا حاطب؟ قال: لا تعجل علي يا رسول الله، إني كنت امرأ ملصقا من قريش، ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم: قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي،وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق، فقال عمر: دعني يا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأضرب عنقه، فقال إنه شهد بدرا وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم. (9).
فقد أخطأ حاطب بن أبي بلتعة في ظنه إعلام قومه بخبر قدوم النبي إليهم لفتح مكة ، وهو خطأ لا يقصد منه صاحبه خيانة الله ورسوله , لكن انظر كيف تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع هذا الخطأ الغير مقصود ، فلم يجرح صاحبه ، بل ولم يعنفه . وفي ذلك نزل قوله تعالى : {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}( المجادلة :22).
وفي فتح مكة – أيضاً- كان سعد بن عبادة قائداً من قادة الجيش فلما نظر إلى مكة وسكانه. وتذكر فإذا هم الذين حاربوا رسول الله –صلى الله عليه وسلم..وضيقوا عليه..وصدوا عنه الناس..وإذا هم الذين قتلوا سمية وياسر..وعذبوا بلالاً وخباباً,,كانوا يستحقون التأديب فعلاً..هز سعد الراية..وهو يقول:
اليوم يوم الملحمة * * * * * اليوم تستحل الحرمة سمعته قريش فشق ذلك عليهم ..وكبر في أنفسهم..وخافوا أن يفنيهم بقتالهم..فعارضت امرأة رسول الله – صلى الله عليه وسلم- وهو يسير..فشكت إليه خوفهم من سعد..وقالت:
يا نبي الهدى إليك لجائي ‍* * * قريش ولات حين لجاء

حين ضاقت عليهم سعة ‍* * * الأرض وعاداهم إله السماء

إن سعداً يريد قاصمة الظهر ‍* * * بأهل الحجون والبطحاء

خزرجي لو يستطيع من ‍* * * الغيظ رمانا بالنسر والعواء

فانهينه إنه الأسد الأسود ‍* * * والليث والغٌ في الدماء

فلئن أقحم اللواء ونادى ‍* * * يا حماة اللواء أهل اللواء

لتكونن بالطباع قريش ‍* * * بقعة القاع في أكف الإماء

إنه مصلت يريد لها القتل * * * صموت كالحية الصماء

فلما سمع رسول الله –صلى الله عليه وسلم-..هذا الشعر..دخله رحمة ورأفة بهم..وأحب ألا يخيبها إذ رغبت إليه..وأحب ألا يغضب سعداً بأخذ الراية منه بعد أن شرفه بها..فأمر سعداً فناول الراية لابنه قيس بن سعد..فدخل بها مكة…وأبوه سعد يمشي بجانبه..ففرحت المرأة وقريش لما رأت يد سعد خالية من الراية..ولم يغضب سعد؛ لأنه بقي قائداً لكنه أريح من عناء حمل الراية وحملها عنه ابنه ( العريفي، استمتع بحياتك ص 61 ).

وروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : بال أعرابي في المسجد فقام الناس إليه ليقعوا فيه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "دعوه وأريقوا على بوله سجلا ( دلوا ) من ماء ، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ". أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بترك هذا الأعرابي الجاهل حتى ينتهي من بوله ، فلما انتهي أمر أن يراق على بوله ذنوبا من ماء فزالت المفسدة . ثم دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ، الأعرابي فقال : "إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة وقراءة القرآن ".

كما روى معاوية بن الحكم السلمي فقال : بينما أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم فقلت : يرحمك الله ، فرماني القوم بأبصارهم فقلت واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إلى ؟ فـجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم ، فلما رأيتهم يصمتونني سكت ، فلما صلى ، عليه الصلاة والسلام ، فبأبي هو وأمي ، ما رأيت معلما قبله ولا بعده أحسن تعليما منه ، فوالله ما كرهني ولا ضربني ولا شتمني وإنما قال : "إن هذه الصلاة لا يصح فيهما شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً ".
وها هو الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.
من كان يرجو أن يسود عشيرة ‍* * * فعليه بالتقوى ولين الجانب

ويغض طرفا عن إساءة من أساء * * * ويحلم عند جهل الصاحب

فالمخطئ قبل أن نعاتبه أو نحاسبه لا بد أن نتفهم سبب الخطأ, ونلتمس له الأعذار وفي كل ذلك لا بد أن تحترم مشاعره حتى لا يعاند ويصبح الخطأ خطأين.
سَامِحْ أَخَـاكَ إِذَا وَافَاكَ بِالْغَلَــطِ ‍* * * وَاتْرُكْ هَوَى الْقَلْبِ لا يُدْهِيْكَ بِالشَّطَطِ

فكم صَدِيْقٍ وفيٍّ مُخْـلِصٍ لَبِــقٍ ‍* * * أَضْحَى عَدُوًّا بِـــمَا لاقَاهُ مِنْ فُرُطِ

فَلَيْسَ فِي النَّاسِ مَعْصُوْمٌ سِوَى رُسُلٍ ‍* * * حَمَاهُـمُ اللهُ مِـنْ دَوَّامَـةِ السَّقَـطِ

أَلَسْتَ تَرْجُـوْ مِنَ الرَّحْمَنِ مَغْفِـرَةً * * * يَوْمَ الزِّحَـامِ فَسَامِحْ تَنْجُ مِنْ سَخَـطِ
ونكمل في مقالنا هذا الحديث عن جملة من المبادئ التي صان من خلالها الإسلام المشاعر والأحاسيس
3-معرفة أدب التناصح :

من أخلاق المؤمن أن يكون مرآة لأخيه ، إن رأى خيراً شجَّعه على الخير، ورغَّبه فيه، وحثه على الاستمرار عليه، وإن رأى خللاً، أو خطأً، أو نقصاً، سعى في سده وجبره فقد قال تعالى في محكم تنزيله :{ وَالْعَصْرِ إِنَّ الإِنسَانَ لوفى خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْاْ بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْاْ بِالصَّبْرِ}( العصر:1-3).
والمنصوح امرؤ يحتاج إلى جبر نقص وتكميله، ولا يسلم المرء بذلك من حظ نفسه إلا لحظة خلوة وصفاء، وهذه اللحظة تكون عند المُسارة في السر، وعندها تؤتي النصيحة ثمرتها، ولا يكون الناصح عوناً للشيطان على أخيه، فإن الناصح في ملأٍ يعين الشيطان على صاحبه، ويوقظ في نفسه مداخل الشيطان، ويغلق أبواب الخير، وتضعف قابلية الانتفاع بالنصح عنده.
قال أحد الدعاة: ( لتكن نصيحتك لأخيك تلميحاً لا تصريحاً وتصحيحاً لا تجريحا ) .
وقال الإمام الشافعي : " من وعظ أخاه سرا فقد نصحه وزانه ، ومن وعظه علانية فقد فضحه وشانه ".
وأنشد رحمه الله :

تعمدني بنصحك في انفـرادي ‍* * * وجنبني النصيحة في الجماعة

فإن النصح بين الناس نـوع ‍* * * من التوبيخ لا أرضى استماعه

وإن خالفتني وعصيت قولـي * * * فلا تجزع إذا لم تعط طاعـة

4-عليك بأدب التغافل:

هناك ما يسمى بأدب التغافل أو الإغضاء عن هفوات الناس كنوع من مراعاة المشاعر والأحاسيس.
وقد نبه الله إليه في كتابه الكريم فقال : {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ } (التحريم :3) .
وقال الحسن : "ما استقصى كريم قط ، قال الله تعالى: عرف بعضه وأعرض عن بعض " (تفسير القرطبي ج18 ص188) .
ذكر ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال : إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأن لم أسمعه قط وقد سمعته قبل أن يولد.
وقال أبو علي الدقاق: جاءت امرأة فسألت حاتماً عن مسألة ، فاتفق أنه خرج منها صوت في تلك الحالة فخجلت ،فقال حاتم : ارفعي صوتك فأوهمها أنه أصمّ فسرّت المرأة بذلك ، وقالت : إنه لم يسمع الصوت فلقّب بحاتم الأصم.

ولقد دخل رجل على الأمير المجاهد قتيبة بن مسلم الباهلي، فكلمه في حاجة له، ووضع نصل سيفه على الأرض فجاء على أُصبع رجلِ الأمير، وجعل يكلمه في حاجته وقد أدمى النصلُ أُصبعه، والرجل لا يشعر، والأمير لا يظهر ما أصابه وجلساء الأمير لا يتكلمون هيبة له، فلما فرغ الرجل من حاجته وانصرف دعا قتيبة بن مسلم بمنديل فمسح الدم من أُصبعه وغسله، فقيل له: ألا نحَّيت رجلك أصلحك الله، أو أمرت الرجل برفع سيفه عنها؟ فقال: خشيت أن أقطع عنه حاجته.
وأنشد الشافعي رحمه الله:
أحب من الإخـوان كـل مواتـي * * * وكل غضيض الطرف عن عثراتي

‍ يوافقنـي فـي كـل أمـر أريـده * * * ويحفظنـي حيـاً وبعـد مماتـي

‍ فمن لي بهذا ؟ ليت أنـي أصبتـه * * * لقاسمته ما لـي مـن الحسنـات

‍ تصفحت إخوانـي فكـان أقلهـم * * * على كثرة الإخوان أهـل ثقاتـي

5-لا تنس أدب المناجاة:

قال تعالى : {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} (المجادلة :10).
وعَنْ عَبْدِ اللّهِ بن مسعود . قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم "إِذَا كُنْتُمْ ثَلاَثَةً فَلاَ يَتَنَاجَى اثْنَانِ دُونَ الآخَرِ. حَتّىَ تَخْتَلِطُوا بِالنّاسِ مِنْ أَجْلِ أَنْ يحْزنَهُ" (مسلم).
قال الخطابي : وإنما قال ليحزنه لأنه قد يتوهم أن نجواهما إنما هي سوء رأيهما فيه أو لدسيسة غائلة له. أ.هـ.

6 - خذ بأدب الاستئذان :

قال تعالى : {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (النور :28).
عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أستأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع "( متفق عليه) .
فمن استأذن على الناس ثلاثاً ولم يؤذن له فعليه بالرجوع ولا يصر على الدخول ؛ لأن في ذلك إيذاء لمشاعر الآخرين ، وقد تؤذى مشاعره كذلك .

7- لا تسب الأموات:
نهى الإسلام عن سب الأموات لأن في سبابهم إيذاء لمشاعر الأحياء ، فعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا". (البخاري) .

8- مراعاة مشاعر الضعفاء والمرضى وذوي الحاجات:
إذا كان كل إنسان يحتاج إلى من يراعي مشاعره وأحاسيسه فإن أحاسيس ومشاعر المرضى والضعفاء وذوي الأعذار والحاجات أولى بالمراعاة والتقدير .
روى جابر رضي الله عنه قال : كانَ معاذٌ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤمُ قومَه ، فصلّى ليلةً معَ النبي صلى الله عليه وسلم العشاءَ ثم أتى قومَه فأمَّهم فافْتَتَحَ بسورةِ البقرةِ فانْحَرَفَ رجلٌ مسلمٌ ثم صلّى وحدَه وانصَرَفَ ، فقالوا له : أنافَقْتَ يا فلانُ ؟ قال : لا واللهِ، ولآتِيَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلأُخْبِرَنَّه ، فأتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ الله ، إنا أصحابُ نواضحَ نعملُ بالنهارِ ، وإنَّ معاذاً صلى معكَ العشاءَ ثم أتى فافتَتَح بسورةِ البقرةِ ، فأقبَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا معاذُ أفتّانٌ أنتَ ؟ اقرأ بكذا واقرأ بكذا " (مسلم).
وعن عثمانَ بنِ أبي العاصِ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " أُمَّ قومَكَ ، فمنْ أمَّ قومَه فليُخَفَّفْ؛ فإن فيهم الكبيرَ وإن فيهم المريضَ وإن فيهم الضعيفَ وإن فيهم ذا الحاجة ، وإذا صلى أحدُكم وحدَه فليُصَلِّ كيفَ شاءَ " (مسلم).
إن مراعاة مشاعر الناس وأحاسيسهم مما يزيد في الود ويؤلف بين القلوب ، فقد لا ينسى أحدنا موقفاً لشخص ما راعى فيه مشاعره وشاركه أحاسيسه .
فحينما تخلف كعب بن مالك عن غزوة " تبوك " ثم تاب الله عليه ، وآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله عليه وعلى من معه حين صلى الفجر ، يقول كعب : " فتلقاني الناس فوجاً فوجاً يهنؤوني بالتوبة يقولون: لتهنك توبة الله عليك حتى دخلت المسجد ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم حوله الناس ، فقام إلى طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهناني ، والله ما قام رجل إلي من المهاجرين غيره ، لا أنساها لطلحة ".
إن صاحب الإحساس والتأثر يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء.
ورد في صحيح مسلم أن أبا سفيان ـ في هدنة صلح الحديبية ـ قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولاً يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له:" يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك"، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا . يغفر الله لك .
ولقد كان من دعاء النبي – صلى الله عليه وسلم : "اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة لا إله إلا أنت رب كل شيء ومليكه أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه وأن أقترف على نفسي سوءا أو أجره إلى مسلم "(الترمذي).
اللهم جنبنا الزلل في القول والعمل ، واجعلنا ممن يقول فيعمل ويعمل فيخلص ، ويُخلص فيُقبل منه .
نسأل الله أن يرزقنا وإياكم من فضله، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــ
صيد الفوائد ( بتصرف يسير )

Post: #828
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:34 AM
Parent: #787

حسن الاختيار
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن العبد في هذه الحياة الدنيا يتعرض لمواقف يحتاج فيها إلى المفاضلة بين العديد من البدائل والاختيارات،وهو في هذا يحتاج إلى اختيار أفضل البدائل وأحسنها فيما يبدو له، وإذا كان اختيار المرء قطعة من عقله، فالعاقل يبحث دائماً عن الخيار الأصلح، الأحسن، والأنسب؛ لأن هذا الاختيار تتوقف عليه أشياء، ربما يتحدد به مصير فحياة الإنسان هي اختياراته، حتى في أموره الدنيوية في زواج في مسكن في دراسة في تخصص في تجارة في سلعة، يختار في سيارة، ...إلخ،
ربنا يختار الطيب
قال ابن القيم رحمه الله : إن الله سبحانه وتعالى اختار من كلِّ جنسٍ من أجناس المخلوقات أطيبَه، واختصَّه لنفسه، وارتضاه دون غيره، فإنه تعالى طيبٌ لا يحبُّ إلا كل طيب، ولا يقبل من العمل والكلام والصدقة إلا الطيب، فالطيبُ من كل شيء هو مختَاره تعالى. [ زاد المعاد (1 / 65)].

بعض اختيارات الرسول صلى الله عليه وسلم
لقد حفلت سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم بكثير من الشواهد التي تدل على حسن الاختيار في أموره كلها
فقد اختار أبا بكر ليكون صاحباً له في الهجرة، واختاره ليصلي بالناس في مرض موته دليلاً وإشارة إلى خلافته من بعده.
واختار مصعب بن عمير رضي الله عنه ليكون سفيراً له إلى المدينة.
واختار علياً ومعاذ بن جبل ليكونا داعيين في اليمن، وخص عليا بحمل لواء المعركة في خيبر .
واختار حذيفة بن اليمان ليكون صاحب سره في المنافقين وغير ذلك، فكان يقال له: ( صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ ). رواه البخاري .
واختار بلالاً رضي الله عنه مؤذناً له ، كما اختار ابن أم مكتوم وأبا محذورة بعد ذلك .
واختار رسول الله صلى الله عليه وسلم الحبشة مهاجَراً أولَ لأصحابه ، لأن فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد.
وما خُير صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما.

قال ابن القيم رحمه الله : فإنَّ الطيبَ لا يناسبه إلا الطيب، ولا يرضى إلا به، ولا يسكن إلا إليه، ولا يطمئن قلبه إلا به ....وكذلك لا يألفُ من الأعمال إلا أطيبَها... ومن الأخلاق أطيبَها وأزكاها.. وكذلك لا يختار من المطاعم إلا أطيبها – وأحلها -، وهو الحلالُ الهنيء المريء الذي يُغذي البدن والروح أحسن تغذية.
وكذلك لا يختار من المناكح إلا أطيبها وأزكاها .
ومن الرائحة إلا أطيبها وأزكاها .
ومن الأصحاب والعشراء إلا الطيبين.
فروحه طيب، وبدنه طيب، وخُلُقه طيب، وعملُه طيب، وكلامه طيب، ومطعمه طيب، ومشربه طيب، وملبسه طيب، ومنكحه طيب، ومدخله طيب، ومخرجه طيب، ومنقلبه طيب، ومثواه كله طيب، فهذا ممن قال الله تعالى فيه : {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ} (النحل:32) .
ومن الذين تقول لهم: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}(الزمر: من الآية73) . [زاد المعاد (1/65) ]

من فوائد حسن الاختيار
إن حسن الاختيار يترتب عليه الكثير من الخير للعبد في دينه ودنياه، ويجعله يتجنب المشكلات، سواء كانت أسرية اجتماعية وظيفية مالية .
ولو أخذنا مثالا حياتيا لا يكاد يستغني عنه إنسان وهو اختيار الزوجة، إنها رفيقة العمر وصاحبة الرحلة الطويلة مع زوجها في هذه الحياة والتي وجه النبي صلى الله عليه وسلم الشباب لحسن اختيارها حين قال : " فاظفر بذات الدين تربت يداك". إن أحسن الرجل اختيارها فإنها التي تسره إذا نظر، وتحفظه في حضوره وغيبته وترعى ماله وتحسن تربية عياله، إنها حينئذ السكن والمودة والحب والحنان.

قال الحسن البصري عن أثر حسن اختيار الزوجة في مسلك الإنسان حتى في سياسته في البيع والشراء لو كان بائعاً : وقفت على بزَّاز – بائع قماش - بمكة أشتري منه ثوباً، فجعل يمدح ويحلف، فتركته، وقلت لا ينبغي الشراء من مثله، واشتريت من غيره.
ثم حججت بعد ذلك بسنتين، فوقفت عليه فلم أسمعه يمدح ولا يحلف، فقلت له: ألست الرجل الذي وقفت عليه منذ سنوات؟
قال: نعم.
قلت له: وأي شيء أخرجك إلى ما أرى، ما أراك تمدح ولا تحلف؟
فقال: كانت لي امرأة إن جئتها بقليل نزَرَته [احتقرَته واستَقَلَّته]، وإن جئتها بكثير قللته، فنظر الله إلي فأماتها.
فتزوجت امرأة بعدها، فإذا أردت الغدو إلى السوق أخذت بمجامع ثيابي ثم قالت: يا فلان اتق الله ولا تطعمنا إلا طيبًا؛ إن جئتنا بقليل كثرناه، وإن لم تأتنا بشيء أعناك بمغزلنا.
سبحان الله تبدل حاله للأحسن حين رزقه الله الزوجة الصالحة.

وانظر إلى الإمام أحمد رحمه الله حيث أحسن اختيار زوجته وبعد طول عشرة يقول عنها : أقامت معي زوجتي أم صالح ثلاثين سنة فما اختلفت أنا وهي في كلمة. فيا له من اختيار ما أحسنه وأحسن عواقبه.

اختيار الولاة والمسؤولين أمانة
ويدخل في هذا باب حسن الاختيار كذلك اختيار ولاة الأمور للمسؤولين والولاة والوزراء ؛ فإن هؤلاء إذا أحسن اختيارهم كانوا من أعظم أسباب الخير للرعية والأمة، وإذا أسيء اختيارهم كانوا وبالا على الأمة والرعية
اختار أبو بكر عمرَ رضي الله عنهما لخلافته على الأمة، فكان اختياراً عظيماً ما أعظم بركته.
واختار سليمان بن عبد الملك بمشورة رجاء بن حيوة عمر بن عبد العزيز ليلي الأمر من بعده فكان اختياراً موفقاً جنت الأمة ثمارا مباركة له.

نتائج سوء الاختيار
إذا لم يكن الاختيار حسناً، سيورث التحسر وخيبة الأمل وتأنيب النفس، ويقع الإنسان في اللوم ويستولي عليه القلق وتشويش التفكير، ربما يختار مكاناً رخيصاً فيندم، أو ملبوساً رخيصاً فيتلف، يضطرب عمله بسوء الاختيار، أُقفلت مؤسسات بسبب سوء الاختيار للإدارة والموظفين والعمال، الاختيارات السيئة تقود إلى نتائج سيئة، اختيار القرناء إذا كان سيئاً فإن هؤلاء الأشرار سيوردونه المهالك، سوء اختيار كتاب يمكن أن يزعزع عقيدة الإنسان، سوء اختيار الموقع الإلكتروني الذي يعتمد عليه في التلقي قد يورده المهالك، سوء الاختيار يضيع الأوقات، سوء الاختيار يبدد الطاقات، سوء الاختيار يؤدي إلى وقوع الفوضى وخسارة الأموال، سوء اختيار ورشة يكلفك في إصلاح سيارتك مبالغ طائلة، سوء اختيار طبيب قد يكلفك في صحتك كثيراً، إذا كان هذا على مستوى الفرد فكذلك على مستوى الأمة سوء اختيار الولاة والمسؤولين يؤدي إلى الخسائر الكبيرة على كل المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والتاريخ القديم والحديث خير شاهد.

أمور تعين على حسن الاختيار
لا شك أن حسن الاختيار في الأساس هو توفيق من الله تعالى للعبد وبقدر قرب العبد من ربه تعالى يكون التسديد والتوفيق لهذا كان من أهم الامور التي يستعين بها العبد على تحقيق حسن الاختيار:

أولاً: تحقيق التقوى وهذا أمر مهم جداً في التوفيق لحسن الاختيار، لأن التقوى أساس التوفيق وسبب لسداد الرأي، {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}(البقرة: من الآية282) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً}(الأنفال: من الآية29) . فتفرق به بين الاختيار الحسن والاختيار السيء.

ثانيا: الدعاء والاستخارة
فإن الدعاء مفتاح الخير، ومن ذلك صلاة ودعاء الاستخارة، هذا الدعاء الحسن الجميل الطيب وهذه الصلاة العظيمة وهذه العبادة الجميلة الجليلة، يمكن أن يترتب عليها من السعادة ويترتب عليها من التوفيق ويترتب عليها من المكاسب العظيمة للإنسان، ما لم يكن بالبال.
الاستخارة وهي طلب خير الأمرين، إذا أراد العبد أمرا وهمّ به. والمؤمن إذا اشتبه عليه أي الخيارات الأصلح في زواج، في سفر، في تخصص؛ في بعثة، فإنه يصلي صلاة الاستخارة التي هي في حقيقتها استمداد التوفيق من الله، وبراءة من الحول البشري والقوة الذاتية، وركون إلى حول الله وقوته، الاستخارة طلب البصيرة من الله أن يقذفها في قلبك لتحسن الاختيار، وتختار وتمضي على الشيء الطيب، هذه سنة وخصوصاً إذا لم يتبين لك الأمر، وقد اتفقت مذاهب العلماء على أن الاستخارة تكون في الأمور التي لا يدري العبد وجه الصواب فيها، أما ما هو معروف الخير فيه والشر فليس مجالاً للاستخارة، فلا يستخير الإنسان أن يصلي، ولا يستخير أن يصوم رمضان، ولا يستخير أن يبر والديه، ولا يستخير أن يطلب العلم، لكن يمكن أن يستخير في الحملة التي يحج فيها، والرفقة الذين يصحبهم، والشيخ الذي يقرأ عليه، الاستخارة تكون إذا تعارض أمران أيهما يبدأ به، أو يقتصر عليه.
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بِالْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَلْحَدُ وَآخَرُ يَضْرَحُ، فَقَالُوا نَسْتَخِيرُ رَبَّنَا وَنَبْعَثُ إِلَيْهِمَا، فَأَيُّهُمَا سُبِقَ تَرَكْنَاهُ، فَأُرْسِلَ إِلَيْهِمَا فَسَبَقَ صَاحِبُ اللَّحْدِ، فَلَحَدُوا لِلنَّبِيِّ"-صلى الله عليه وسلم- . (رواه ابن ماجه وأحمد وإسناده صحيح).
اللَّحْد خَيْر مِنْ الشَّق وهو الَّذِي اِخْتَارَهُ اللَّه لِنَبِيِّهِ .

ثالثاً : الاستشارة
فما خاب من استخار، ولا ندم من استشار .
ولو استغنى أحد عن المشورة لاستغنى عنها النبي صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك وهو أسدّ الأمة رأياً وأعقلها وأحكمها، حتى أنه -عليه الصلاة والسلام- اتخذ أبا بكر وعمر كالوزيرين له، شاورهما في أسرى بدر وفي وفد بني تميم من يولي عليهم، شاورهما في الأمور العامة والخاصة، وكان يشاور أبا بكر في حروبه، وشاور أسامة بن زيد في قصة الإفك وعلياً، وشاور كذلك أصحابه في نزول المنازل في المعارك:
الرأيُ كالليل مسودٌ جوانبه والليل لا ينجلي إلا بمصباح
فاضمم مصابيح آراء الرجال إلى مصباح رأيك تزدد ضوء مصباحِ
فإن ملاقحة العقول، والاستفادة من آراء الرجال، مفيدة في حسن الاختيار، فتستشير صاحب التجربة والحكمة والخبرة، صاحب الدين الذي ينصحك ولا يغشك، الذي يعلم ظروفك وما هو الأنسب لك، إذاً إنما يُحسن الاختيار لغيره من أحسن الاختيار لنفسه، والمستشار مؤتمن، ولذلك فإن المشورة تساعد في اكتشاف الصواب، ومعرفة الأحسن، لكن يبقى السؤال:أيهما قبل الاستشارة أو الاستخارة؟ .
قَالَ النَّوَوِيُّ رحمه الله : "يُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْتَشِيرَ قَبْلَ الاسْتِخَارَةِ مَنْ يَعْلَمُ مِنْ حَالِهِ النَّصِيحَةَ وَالشَّفَقَةَ وَالْخِبْرَةَ, وَيَثِقُ بِدِينِهِ وَمَعْرِفَتِهِ ... وَإِذَا اسْتَشَارَ وَظَهَرَ أَنَّهُ مَصْلَحَةٌ, اسْتَخَارَ اللَّهَ تَعَالَى فِي ذَلِكَ ".

رابعاً : الاستفادة من تجارب الآخرين في الخيارات
والسؤال عمن سلك الدرب قبلك، سواء كان في تخصص أو في علم معين تطلبه.

وخامساً: جمع المعلومات قبل الاختيار
لأن الاختيارات تُبنى على العلم لا على العواطف والتخمينات، وجمع المعلومات خطوة مهمة، وينبغي ألا تطول جداً لتفوت الفرصة، وإنما ينبغي أن يكون الاختيار بناءً على بيِّنة.
بعض الصوفية يختار دائماً ما رآه شيخه حتى لو كان الذي يراه خطأً، من باب تقديس الأشخاص، وبعضهم ربما يطلب من صاحب القبر أن يختار له!!
الاختيار ليست عملية شركية ولا عشوائية، وكذلك فالاختيار يحتاج إلى تحسس أحياناً بالسمع والأذن والعين البصر والعقل والقلب، هذه مجالات التحسس، استطلاع ، استبيان، أحياناً تحتاج إلى عمل دراسة كاملة وإحصاء قبل أن تختار، لكن في غمرة الجهل والهوى، يختار الناس أشياء ليست هي الأصلح لهم، وقد يخفى الاختيار الأفضل حتى على الأكابر .
كَانَ جُرَيْجٌ يَتَعَبَّدُ فِي صَوْمَعَةٍ، فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَيْهِ تَدْعُوهُ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمْنِي، فَصَادَفَتْهُ يُصَلِّي.
فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ.
فَرَجَعَتْ ثُمَّ عَادَتْ فِي الثَّانِيَةِ، فَقَالَتْ: يَا جُرَيْجُ أَنَا أُمُّكَ فَكَلِّمْنِي.
قَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاخْتَارَ صَلَاتَهُ.
فَقَالَتْ اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيْجٌ وَهُوَ ابْنِي وَإِنِّي كَلَّمْتُهُ فَأَبَى أَنْ يُكَلِّمَنِي اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ الْمُومِسَاتِ ... (رواه البخاري (2482) ومسلم (2550).
فتعرض لابتلاء عظيم ومحنة وبلية وكان عليه أن يجيب أمه ويقطع صلاة النافلة، لأن إجابة الأم واجبة وصلاة النافلة مستحبة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم دائما يختار الأفضل لأمته، ولما أسري به عرض عليه إناءان في أحدهما لبن وفي الآخر خمر، فَقَالَ: (( اشْرَبْ أَيَّهُمَا شِئْتَ, فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ, فَقِيلَ: أَخَذْتَ الْفِطْرَةَ, أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ)) رواه البخاري (3394).
حتى عند موته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لأصحابه : ((إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ)) .
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قال أبو سعيد : فقلت فِي نَفْسِه مَا يُبْكِي هَذَا الشَّيْخَ، إِنْ يَكُنْ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ.
فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْد، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا.
قَالَ: ((يَا أَبَا بَكْرٍ لَا تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا مِنْ أُمَّتِي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتُهُ)). البخاري (466).
قد يختار الإنسان شيئاً ليس من مصلحته، ويتجنب الأصلح، {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}(البقرة: من الآية216).
وهذا عام في جميع الأمور، قد يمسك الإنسان زوجته وهو كاره لها، ويكون في ذلك خير، {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً}(النساء: من الآية19).
قال ابن عباس في الآية: "هو أن يَعْطف عليها – مثلاً ما يعجبه شكلها، لكنها صاحبة دين فيصبر عليها-، فيرزقَ منها ولدًا. ويكون في ذلك الولد خير كثير". ابن كثير (2/243)
الإنسان أحياناً يختار ما هو شاق عليه لأجل مصلحة أعلى، قد يختار الطالب تخصصاً أصعب لأن الأمة أحوج إليه، قد يختار الإنسان طعام ليس هو الأشهى لأنه أنفع له، صحي أكثر، قد يختار الخاطب أقل جمالاً لأنه عندها في الدين والخلق مزية غير موجودة في الجميلة .

اختار أحمد بن حنبل عوراء على "أختها" الصحيحة الجميلة، فسأل مَن أعقلهما ؟ فقيل: العوراء، قال: زوجوني إياها. فرزقه الله تعالى منها بأئمة: [عبد الله وصالح].
انظر مسائل الإمام أحمد لعبد الله، مسائل الإمام أحمد لابنه صالح.

سادسا:لا مجال للحرام في الاختيارات
من قواعد الاختيار أنه لا مجال لجعل الحرام من الاختيارات، فيتخير الإنسان بين المباحات، يتخير في المستحبات، لكن لا يمكن أن يختار بين الصدق والكذب،ولا يكون الكذب عنده خياراً ممكناً، وقد قال كعب : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ إِنَّمَا أَنْجَانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ.. (رواه مسلم (2769) والبخاري).
إذا أردت أن تودع مالاً لك هناك مصرف ربا وآخر لا يتعامل بالربا، أن لا تعرض الأمر على أن المصرف الربوي هذا اختيار، هذا ليس اختياراً أصلاً، هذا ساقط من الاختيارات، ممكن تختار من المصارف الغير الربوية، فيها خيارات، اقطع الأمل عن الحرام، الحرام ليس طريقاً ، وهكذا في جميع الأمور.

سابعاً : النظرة المستقبلية عند الاختيار
لنظر في المآلات وعواقب الأمور، هذا يساعد في اختيار الأمثل. والنبي -عليه الصلاة والسلام- يراعي هذا : ((أَلَمْ تَرَيْ أَنَّ قَوْمَكِ لَمَّا بَنَوْا الْكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟))
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟
قَالَ: ((لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ لَفَعَلْتَُ)). (البخاري(1480)، ومسلم (2368).
لولا خشية أن ينفروا عن الإسلام لهدمتها، وجعلتها على أساس الخليل وزدت فيها سبعة أذرع من جهة الحجر وأكملت البنيان، وجعلت الباب نازلا على الأرض، ولها باب من الجهة الأخرى بحيث يكون لهم باب منه يدخلون وباب منه يخرجون .

ثامناً : التروي والأناة قبل الاختيار
والنبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يخير عائشة لما نزلت آية التخيير : {إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً *وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ } (الأحزاب: 28-29) . تبقين معه على ضيق ذات اليد، على الميسور عنده، إذا أردتن الدنيا أعطيكن وأسرحكن، لا تبقين عنده، فقال -عليه الصلاة والسلام- لعائشة : ((إِنِّي ذَاكِرٌ لَكِ أَمْرًا فَلَا عَلَيْكِ أَنْ لَا تَسْتَعْجِلِي حَتَّى تَسْتَأْمِرِي أَبَوَيْكِ)).
وأمرها بالتريُّث والتأنِّي.
ولكن ليس التأني المفوت للفرصة ولا التأني الذي يؤدي إلى أن تنحل العزيمة وتذهب الهمة وتفتر وتضعف، أحياناً يكون مجال الاختيار ضيقاً، بالكاد تقرأ دعاء الاستخارة، لا تتأخر في اختيار المناسب.

تاسعاً: إذا اخترت فاعزم
قال الله تعالى: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ}(آل عمران: من الآية159).
هذا العزم مهم
إذا كنتَ ذا رأيْ فكُنْ ذا عَزِيمَةٍ *** فإنَّ فَسادَ الرَّأْيِ أنْ تَتَردَّدا

وإن كنت ذا عزم فأنفذه عاجلاً *** فإن فساد العزم أن يتقيدا

وإذا أخذت بالأسباب وعزمت فلا تلتفت إلى مثبط ولا مخالف، استشار النبيُّ صلى الله عليه وسلم الناس أيخرج إليهم– لملاقاة كفار مكة في أُحد أم يبقى فيها - أم يمكث بالمدينة؟ فأشار عبد الله بن أُبيّ بالمقام بالمدينة، وأشار آخرون من الصحابة ممن لم يشهد بدراً بالخروج إليهم،- ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- كثرة الذين يريدون الخروج، والشباب هؤلاء الذين تحمسوا للقاء - فلبس لأمَتَه وخرج عليهم، وقد نَدم بعضهم وقالوا: لعلنا استكرَهْنَا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا رسول الله، إن شئت أن نمكث؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ إِذَا لَبِسَ لأمَتَه أنْ يَرْجِعَ حَتى يَحْكُمَ اللهُ لَه)). تفسير ابن كثير (2 : 109). والحديث رواه أحمد وصححه الألباني.
القائد إذا اختار وأعلن القرار ما فيه رجوع، لأنه يفت في عزيمة الناس، ولم تكن هزيمة غزوة أُحد نتيجة الخروج من المدينة، كانت نتيجة لترك الرماة مواقعهم، كانت نتيجة { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ } (152) سورة آل عمران، هذه أسباب الهزيمة.
وللحديث بقية إن شاء الله،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #829
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:37 AM
Parent: #787

ميزان التفاضل
من الأمور التي قررتها الشريعة الإسلامية أن التفاضل بين الناس لا يرجع إلى جنس ولا لون ولا عرق ولا نسب، إنما ميزان التفاضل بين الناس إنما هو التقوى، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
فهذا هو ميزان التفاضل بين الناس، ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قال لهم:" أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى..." الحديث.

ويؤكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الحقيقة كثيرا، فتراه صلى الله عليه وسلم جالسا بين أصحابه فيمر عليهم رجل فيقول: " ما تقولون في هذا؟" قالوا: حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع، فمر رجل من فقراء المسلمين، فقال: " ما تقولون في هذا؟ " ، قالوا: حري إن خطب ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال ألا يسمع، فقال صلى الله عليه وسلم: " إن هذا خير من ملء الأرض من هذا".

وقد ذكر العلامة ابن الجوزي رحمه الله في كتابه زاد المسير عند الحديث عن سبب نزول الآية أنه عند فتح مكة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالا أن يصعد على ظهر الكعبة ليؤذن فلما سمعه الحارث بن هشام قال: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا،فنزلت الآية : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات:13) .
وصدق والله القائل:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه فلا تترك التقوى اتكالا على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
فإنه بلال الذي أخبره النبي صلى الله عليه وسلم أنه سمع دف نعليه بين يديه في الجنة، إنه بلال الذي قال فيه عمر رضي الله عنه إنه سيدنا، إنه بلال الذي لا يعرف له شرف نسب ولا جاه ولا سلطان، إنما يعرف بسابقته في الإسلام وصحبته للرسول صلى الله عليه وسلم وصلاحه وجهاده،وهل بعد هذا من شرف؟!

إن قطاعا كبيرا من الناس قد انقلبت عندهم الموازين فصاروا يفاضلون بين الرجال بملابسهم أو ألوانهم أو وظائفهم دون النظر إلى الدين والتقوى، وهذا ولا شك من الخلل البين والانحراف عن الصواب في ميزان الرجال،ولهذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الاتكال على هذه الأمور وترك العمل الصالح الذي يرفع صاحبه عند ربه تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: " يا بني هاشم لا يأتيني الناس يوم القيامة بأعمالهم وتأتوني بأنسابكم" . وقال صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة رضي الله عنها : "يا فاطمة اعملي فإني لا أغني عنك من الله شيئا".

بل يقرر في العديد من المناسبات هذا الميزان الرباني، فحين تنازع المهاجرون والأنصار في سلمان فقال المهاجرون: سلمان منا، وقال الأنصار: سلمان منا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "سلمان منا آل البيت".
وعندما تولى دفن الموتى في أحد لم يكن يسأل عن النسب والمكانة، بل يسأل عن أي الرجلين أكثر أخذا للقرآن فيقدمه في اللحد،وقال لأبي ذر رضي الله عنه: "انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله".
ولما تسلق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه نخلة انكشفت ساقه فضحك بعض الصحابة من دقتها قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "تعجبون من دقة ساقيه؟ إن إحداها أثقل عند الله من جبل أحد".
وقال صلى الله عليه وسلم: " رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره".
هذا هو الميزان الذي أراد شرع الله أن يسود بين الناس وإن لم يأخذوا به وصاروا إلى غيره فهو الضلال والهوى.
ولهذا المعنى لما فاخر رجل من كنانة أبا العتاهية رحمه الله واستطال الكناني بقوم من أهله رده أبو العتاهية إلى هذا الميزان فقال له:
دعـني مــن ذكــر أب وجــد ونسب يُعليك سور المجد
ما الفخر إلا في التقى والزهد وطاعة تعطي جنان الخلد

ولما جاء الأقرع بن حابس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: إنما بايعك سراق الحجيج من أسلم وغفار ومزينة وجهينة، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت إن كان أسلم وغفار وجهينة ومزينة خيرا من بني تميم وبني عامر وأسد وغطفان خابوا وخسروا؟" فقال الأقرع: نعم، فقال صلى الله عليه وسلم: " والذي نفسي بيده إنهم لأخير منهم". وليس في الحديث ذم لبني تميم ومن معهم من القبائل إنما فيه تفضيل الآخرين عليهم وإنما فضلوا عليهم بسبقهم للإسلام وسرعة دخولهم فيه قبل هذه القبائل الأخرى التي كانت أعظم من غفار وأسلم ومن معهما في القوة والمكانة والمنزلة، لكنه الميزان الرباني ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم).

إن هذه الدعوة الإسلامية المباركة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم ساوت بين الناس من جهة الإنسانية ورفعت أهل السبق والفضل والديانة حتى استوى في ميزان الإسلام الغني والفقير والسيد والمملوك، فجلس فقراء المسلمين كابن مسعود وعمار وخباب بجوار الأغنياء من أمثال أبي بكر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف دون أن يشعروا بمذلة أو هوان، كيف لا وهم يسمعون النبي صلى الله عليه وسلم حين يسأل عن أكرم الناس يقول: " أتقاههم"؟.
ونختم مقالنا هذا بقصة جليبيب التي تدل على نفس المعنى أن التفاضل بين الناس إنما بالتقوى، فقد ذكر أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه أنه في غزوة للنبي صلى الله عليه وسلم أفاء الله عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "هل تفقدون من أحد؟"،قالوا نفقد والله فلانا وفلانا وفلانا.فقال صلى الله عليه وسلم: " هل تفقدون من احد؟" قالوا: لا. قال:" لكني أفقد جليبيبا فاطلبوه في القتلى"، فنظروا في القتلى فوجدوه إلى جنب سبعة من المشركين فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه".يقولها مرارا، فوضعه النبي صلى الله عليه وسلم على ساعده ليس له سرير إلا ساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى وضعه في حفرته.
فقل لي بالله عليك: أي نسب أو وظيفة أو مال يعدل هذه الشهادة العظيمة من خير البشر لرجل لا يكاد يعرفه أكثر الناس لكن الله تعالى يعرفه ويرفع قدره؟!.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا وإياكم تقواه ويجعلنا من أحب خلقه إليه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #830
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:38 AM
Parent: #787

هل من معتبر
ينبغي أن يوقن العبد أن لهذا الكون إلها عليما ومدبرا حكيما: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:18)
لا يقع شيء في هذا الكون إلا بعلمه، ولا يقضى قضاء إلا بأمره:{ بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (البقرة:117)
{إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (يّـس:82) ولقد أودع الله كونه الفسيح وكتابه الكريم من الآيات والعبر ما يكفي أولي الألباب والبصائر ليتذكروا ويعتبروا:
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران:137) وقد ذكر الله تعالى في سورة الكهف قصة صاحب الجنتين الذي طغى وتجبر: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً. وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً} (الكهف:35، 36).

فماذا كانت عاقبته؟ قال الله تعالى: {وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً} (الكهف:42،43)

ولقد مد الله تعالى في أعمارنا حتى رأينا من سنن الله ما يتحقق في عباده وكونه، فكم من أفراد كانوا يتقلبون في النعمة والثراء والغنى بدل الله أوالهم إلى الفقر والحاجة حتى إنهم ليتلقون الصدقة، وآخرين منحهم الله الصحة والقوة في البدن فما صانوها بل استعملوها في الظلم والبطش فبدل الله قوتهم ضعفا وصحتهم مرضا، وكم من رجل كان في عز ورياسة ووجاهة أعرض عن أمر ربه وطغى وتجبر واستباح الحرمات والدماء والأموال فتبدل به الحال فأصبح بعد العز ذليلا ، وبعد الأمر والنهي محبوسا مقيدا أسيرا: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} (فصلت: من الآية46)

والعجب العجاب أن من كان في مثل حالهم لا يتعظ ولا يعتبر ولا ينزجر وصدق الله : {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (الحج: من الآية46)
فكأن الأحداث من حوله لا تعنيه ، وكأن ما أصاب غيره لم يكن ليصيبه هو، غفلة مستحكمة : { لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} (الأعراف: من الآية179)
بل إنهم لا يزدادون مع مرور الأيام إلا عتوا وضلالا، وكبرا وعنادا، فيعتدون على الحرمات والأموال والأنفس ويسفكون الدماء الزكية ويزهقون الأرواح البريئة.

ألا يعلم هؤلاء الطغاة أن الله تعالى قد نهى عن قتل البهيمة بغير حق ؟فهل يرضى الله بقتل إنسان بغير حق؟ فكيف بمسلم ؟ فكيف بتقي صالح ؟.
والله عز وجل يقول: { مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً} (المائدة: من الآية32)
وهذه الأحاديث الشريفة التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم تبين خطورة وعظم هذه الجريمة الشنيعة
فيقول: " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق".
ويقول: " لو أن أهل السماء والأرض اشتركوا في دم امرئ مؤمن لأكبهم الله في النار".
ويقول: " لا يزال العبد في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما".

وأعجب من ذلك أن بعض هؤلاء يقتل لا ليحافظ على ملكه هو بل ليحافظ على ملك طاغية متجبر، وهذا القاتل المجرم من أكثر الناس غباء وحمقا؛ إذ يبيع دينه وآخرته بدنيا غيره ، ولا ينفعه بين يدي الله أن يقول كنت " عبد المأمور " ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " يجيء المقتول يوم القيامة متعلقا بقاتله فيقول الله: فيم قتلت هذا؟ فيقول: في ملك فلان".
فما أعظم خيبته وخسارته في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون.

والجزاء من جنس العمل
فهذا أبو مسلم الخراساني الذي تفانى في خدمة دولة بني العباس ، لكنه انتهك الحرمات وسفك الدماء البريئة، فلما تولى المنصور الخلافة بايعه أبو مسلم على السمع والطاعة وبعد حين خرج على الخليفة فأرس إليه المنصور يحذره ويأمره بالسمع والطاعة فأبى ففاز به المنصور وأمر بقتله وقطع جسده قطعا صغيرة ورمي بها في نهر دجلة جزاء وفاقا.
وفي زمن الخليفة الواثق انتشرت بدعة القول بخلق القرآن فتصدى لها علماء أهل السنة وعلى رأسهم أحمد بن نصر الخزاعي رحمه الله فجاء به الواثق وسأله عن القرآن فأخبره أنه كلام الله غير مخلوق، وسأله عن رؤية الله فأجابه أن الله تعالى يقول : {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ}(القيامة:23،22) .
فاستشار بعض الحاضرين فأشاروا بقتله، فقتل وقطع رأسه فسمع رأسه يقرأ:{الم.أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ} (العنكبوت:1،2).
ومات الواثق وتولى الخلافة بعده المتوكل الذي انتصر لمذهب أهل السنة وحارب البدعة وأهلها ، ودخل عليه محمد بن عبد الملك الزيات قفال له المتوكل: في قلبي شيء من قتل محمد بن نصر، فقال ابن الزيات: أحرقني الله بالنار إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا، ثم دخل عليه هرثمة فقال له المتوكل نفس المقالة، فقال هرثمة: قطعني الله إربا إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا،ثم دخل عليه أحمد بن أبي داود فقال له: ضربني الله بالفالج إن قتله أمير المؤمنين الواثق إلا كافرا.
وبعد مدة يسرة قام المتوكل بحرق ابن الزيات، و فازت خزاعة بهرثمة فقتلوه وقطعوه إربا لدوره في قتل أحمد بن نصر الخزاعي، وأما ابن أبي داود فقد حبسه الله في جلده قبل موته بأربع سنين إذ ضربه الفالج( الشلل).
ولا تعجب فإن الجزاء من جنس العمل وما من ذنب أسرع عقوبة من البغي، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته".
لكن السؤال المهم هنا هل يعتبر هؤلاء قبل نزول عقاب الله بهم أم يستمرون في طغيانهم وعتوهم أم يصدق فيهم قول ربنا: {ِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً.اسْتِكْبَاراً فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلاً وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلاً} (فاطر:الآية42،43).
نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل مكروه وسوء، وأن يرد كيد الكافرين والظالمين إلى نحورهم ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #831
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:41 AM
Parent: #787

حقيقة أمراض القلوب وخطورتها
مما هو مستقر عند أولي الألباب أن القلب يمرض، وقد يشتد مرضه ولا يشعر به صاحبه لاشتغاله وانصرافه عن معرفة صحته وأسبابها، بل قد يموت وصاحبه لا يشعر بموته.
وأمراض القلوب أصعب من أمراض الأبدان، لأن غاية مرض البدن أن يفضي بصاحبه إلى الموت، وأما مرض القلب فقد يفضي بصاحبه إلى الشقاء الأبدي، عياذًا بالله تعالى.
ومرض القلب نوعان:
النوع الأول: مرض مؤلم له في الحال، كالهم والغم والحزن والغيظ، وهذا المرض قد يزول بأدوية طبيعية كإزالة أسبابه، أو بالمداومة بما يضاد تلك الأسباب، وما يدفع موجها مع قيامها، وهذا كما أن القلب قد يتألم بما يتألم به البدن، ويُشفى بما يشفى به البدن، فكذلك البدن يتألم كثيرًا بما يتألم به القلب ويشقيه ما يشقيه.
النوع الثاني: مرض لا يتألم به صاحبه في الحال، وهو المراد بهذا المقال، كمرض الجهل، ومرض الشبهات، والشكوك، ومرض الشهوات، وهذا النوع هو أعظم النوعين ألمًا، ولكن لفساد القلب لم يحس بالألم، ولأن سكرة الجهل والهوى تحول بينه وبين إدراك الألم وإلا فألمه حاصل له، وهو متوارٍ عنه باشتغاله بضده، وهذا أخطر المرضين وأصعبهما، وعلاجه إلى الرسل وأتباعهم فهم أطباء هذا المرض.
فأمراض القلب التي تزول بالأدوية الطبيعية من جنس أمراض البدن، وهذه لا توجب وحدها شقاءه وعذابه بعد الموت، بخلاف أمراضه التي لا تزول إلا بالأدوية الإيمانية النبوية، فهي التي توجب له الشقاء والعذاب إن لم يتداركها بأدويتها المضادة لها.
وأمراض القلوب التي من هذا النوع كثيرة جدًّا، وجماعها يرجع إلى مرضين خطرين هما: مرض الشهوات والغي، ومرض الشبهات والشك.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: (القلب يعترضه مرضان يتواردان عليه إذا استحكما فيه كان هلاكه وموته، وهما مرض الشهوات ومرض الشبهات، هذا أصل داء الخلق إلا من عافاه الله).
وقال أيضًا – رحمه الله تعالى -: (مدار اعتلال القلوب وأسقامها على أصلين: فساد العلم وفساد القصد، ويترتب عليهما داءان قاتلان، وهما: الضلال والغضب، فالضلال نتيجة فساد العلم، والغضب نتيجة فساد القصد، وهذان المرضان هما ملاك أمراض القلوب جميعها).
وقد جاء في وصف القلب المنكوس ما أخرجه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودًا عودًا، فأي قلب أُشربه نكتت فيه نُكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى تعود القلوب على قلبين: قلب أسود مربادًا كالكوز مجخيًا(أي مقلوبا)، لا يعرف معروفًا ولا ينكر منكرًا، إلا ما أُشرب من هواه، وقلب أبيض فلا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض".
والفتن التي تعرض على القلوب هي أسباب مرضها، وهي فتن الشهوات وفتن الشبهات، فتن الغي والضلال، فتن المعاصي والبدع، فتن الظلم والجهل، فالأولى توجب فساد القصد والإرادة، والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد.
وهذا المرضان قد ذكرهما الله في كتابه في مواضع كثيرة، وقد جمع الله سبحانه بينهما في قوله تعالى: {كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[التوبة:69]. فذكر سبحانه في هذه الآية ما يحصل به فساد القلوب والأبدان من هذين الأصليين.
الأول: الاستمتاع بالخلاق، وهو متضمن لنيل الشهوات المانعة من متابعة الأمر.
الثاني: الخوض بالشبهات الباطلة، لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به، أو العمل بخلاف العلم الصحيح.
فالأول هو البدع وما والاها، وهو فساد من جهة الشبهات، والثاني فساد العمل من جهة الشهوات. وفيما يلي تفصيل لهذين المرضين كما يلي:
أولاً: أمراض الشهوات:
قال تعالى: {فلاتَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً}(الأحزاب: من الآية32) والمرض هنا مرض الشهوة والفجور والزنا.
وأمراض الشهوات: هي فساد يحصل للقلب تفسد به إرادته للحق، بحيث يبغض الحق النافع، ويحب الباطل الضار، ومنشأها الهوى، فإن الإنسان يعرف الحق لكن لا يريده؛ لأن له هوى مخالفا لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: أمراض الشبهات:
قال تعالى في حق المنافقين: { فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ}[البقرة:10]. وقال تعالى: { وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلاً}[المدثر:31] وقال تعالى: { لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ}[الحج:53].
فهذه ثلاثة مواضع، المراد بمرض القلب فيها مرض الشبهات والشك والجهل. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله تعالى – عند تفسير قوله تعالى: {في قلوبهم مرض}: (المراد بالمرض هنا: مرض الشك والشبهات والنفاق، وذلك أن القلب يعرض له مرضان يخرجانه عن صحته واعتداله، مرض الشبهات الباطلة، ومرض الشهوات المردية، فالكفر والنفاق والشكوك والبدع كلها من مرض الشبهات، والزنا ومحبة الفواحش والمعاصي وفعلها من مرض الشهوات).
وأمراض الشبهات: هي فساد يحصل للقلب يفسد به تصوره للحق، بحيث لا يراه حقًّا أو يراه على خلاف ما هو عليه أو ينقص إدراكه.
وقد تقدم بأن مدار الإيمان على أصلين: تصديق بالخبر وطاعة الأمر.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى -: بعد أن ذكر هذا الأصل: (ويتبعهما أمران آخران وهما: نفي شبهات الباطل الواردة عليه المانعة من كمال التصديق ... ودفع شهوات الغي الواردة عليه المانعة من كمال الامتثال.
فها هنا أربعة أمور: أحدهما تصديق الخبر، والثاني: بذل الاجتهاد في رد الشبهات التي توحيها شياطين الجن والإنس في معارضته، والثالث: طاعة الأمر، والرابع: مجاهدة النفس في دفع الشبهات التي تحول بين العبد وبين كمال الطاعة. وهذان الأمران – أعني الشبهات والشهوات – أصل فساد العبد وشقائه في معاشه ومعاده، كما أن الأصلين الأوليين وهما: تصديق الخبر وطاعة الأمر أصل سعادته وصلاحه في معاشه ومعاده، وذلك أن العبد له قوتان قوة الإرادة والنظر وما يتبعها من العلم والمعرفة والكلام، وقوة الإرادة والحب وما يتبعها من النية والعزم والعمل، فالشبهة تؤثر فسادًا في القوة العلمية النظرية ما لم يداوها بدفعها، والشهوة تؤثر فسادًا في القوة الإرادة العملية ما لم يداوها بخراجها).
وأمراض الشبهات أخطر أمراض القلوب وأصعبها وأقتلها للقلب، ومن هنا أوصى أطباء القلوب بالإعراض عن أهل البدع، لأن مرض الشهوة يرجى له الشفاء، وأما مرض الشبهة فلا شفاء له إن لم يتداركه الله برحمته.
ومنشأ أمراض الشبهات الجهل، فإن الإنسان الجاهل يفعل الباطل ويظنه حقًّا، وهذا مرض. وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق فيها بالباطل، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – في بيان خطورة مرض الشبهات ومنشأ هذا المرض: (الفتنة نوعان : فتنة الشبهات وهي أعظم الفتنتين وفتنة الشهوات، وقد يجتمعان للعبد، وقد ينفرد بإحداهما. ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة وقلة العلم ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد وحصول الهوى. فهنالك الفتنة العظمى، والمصيبة الكبرى، فقل ما شئت في ضلال سيئ القصد، الحاكم عليه الهوى لا الهدى، مع ضعف بصيرته، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله، فهو من الذين قال الله فيهم: { إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}(النجم: من الآية23).
وهذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق، وهي فتنة المنافقين، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم، فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل والهدى والضلال.
وهذه الفتنة تنشأ تارة من فهم فاسد، وتارة من نقل كاذب، وتارة من حق ثابت خفي على الرجل فلم يظفر به، وتارة من غرض فاسد، وهوى متبع، فهي من عمى في البصيرة، وفساد في الإرادة).
وقال أيضًا: (والقلب يتوارده جيشان من الباطل:جيش شهوات الغي، وجيش شبهاتالباطل؛ فأيما قلب صغى إليها وركن إليها تشرّبها وامتلأ بها، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها فإن اُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهاتوالإيرادات فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه , وقال ليشيخ الإسلام ابن تيميّة - رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه غير إيراد بعدإيراد: (لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثلالإسفنجةفيتشربها فلا ينضح إلا بها ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرا للشبهات) أو كما قال؛ فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك).
وللقلب أمراض أخر من الرياء والحسد وحب العلو في الأرض، وهذا مركب من مرض الشبهة والشهوة، فإنه لابد فيه من تخيل فاسد وإرادة باطلة، وكالعجب والفخر والخيلاء والكبر، فإنه مركب من تخيل عظمته وفضله وإرادة تعظيم الخلق له ومحمدتهم. فلا يخرج مرضه عن شهوة أو شبهة أو مركب منهما.
ومن أمراض القلوب: الشرك والذنوب والغفلة والاستهانة بمحاب الله ومراضيه، وترك التفويض إليه، وقلة الاعتماد عليه، والركون إلى ما سواه، والسخط بمقدوره، والشك في وعده ووعيده.
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى – بعد أن ذكر هذه الأدواء: (وإذا تأملت أمراض القلب، وجدت هذه الأمور وأمثالها هي أسبابها، لا سبب لها سواها).
وقال أيضًا: (القلب يعرض له مرضان عظيمان ، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولا بد ، وهما الرياء ، والكبر ، فدواء الرياء بـ {إياك نعبد} ودواء الكبر بـ {إياك نستعين }.
وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: {إياك نعبد} تدفع الرياء {وإياك نستعين} تدفع الكبرياء .
فإذا عوفي من مرض الرياء بـ {إياك نعبد} ومن مرض الكبرياء والعجب بـ {إياك نستعين} ومن مرض الضلال والجهل بـ {اهدنا الصراط المستقيم} عوفي من أمراضه وأسقامه ، ورفل في أثواب العافية ، وتمت عليه النعمة ، وكان من المنعم عليهم غير المغضوب عليهم وهم أهل فساد القصد ، الذين عرفوا الحق وعدلوا عنه والضالين وهم أهل فساد العلم ، الذين جهلوا الحق ولم يعرفوه).
ثم بيّن – رحمه الله تعالى – أن سورة الفاتحة شفاء لأمراض القلوب والأبدان. وقال أيضًا: (جماع أمراض القلب هي: أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، والقرآن شفاء للنوعين).
ولهذا سمى الله كتابه شفاء لأمراض الصدور، قال تعالى: {يا أيها الناس قد جاءتكم موعظةٌ من ربكم وشفاءٌ لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين}[يونس:57].
فمن في قلبه مرض شبهة أو شهوة ففي كتاب الله من البينات والبراهين القطعية ما يميز الحق من الباطل، فيزيل الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه. وفيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب والقصص التي فيها عبرة ما يوجب صلاح القلب، فيرغب فيما ينفعه، ويبغض ما يضره، فيبقى محبًّا للرشاد مبغضًا للغي بعد أن كان مريدًا له مبغضًا للرشاد.
والحاصل أنه لا شفاء للقلب من هذه الأمراض إلا بكتاب الله وهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال ابن القيم - رحمه الله تعالى -: (فأما طب القلوب فمُسَلَّم إلى الرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ولا سبيل إلى حصوله إلا من جهتهم وعلى أيديهم، فإن صلاح القلوب أن تكون عارفة بربها وفاطرها، وبأسمائه، وصفاته، وأفعاله، وأحكامه، وأن تكون مؤثرة لمرضاته ومحابّه، متجنبة لمناهيه ومساخطه، ولا صحة لها ولا حياة ألبتة إلا بذلك، ولا سبيل إلى تلقيه إلا من جهة الرسل، وما يظن من حصول صحة القلب بدون اتباعهم؛ فغلط ممن يظن ذلك، وإنما ذلك حياة نفسه البهيمية الشهوانية، وصحتها وقوتها، وحياة قلبه وصحته وقوته عن ذلك بمعزل.ومن لم يميز بين هذا وهذا فليبك على حياة قلبه، فإنه من الأموات وعلى نوره فإنه منغمس في بحار الظلمات).
وقال أيضًا: (ولهذا السبب نسبة العلماء في القلوب كنسبة الأطباء إلى الأبدان، وما يقال للعلماء أطباء القلوب فهو لقدر ما جامع بينهما، وإلا فالأمر أعظم، فإن كثيرًا من الأمم يستغنون عن الأطباء ولا يوجد الأطباء في اليسير من البلاد، وقد يعيش الرجل عمره أو برهة منه لا يحتاج إلى طبيب، وأما العلماء بالله وأمره فهم حياة الموجود وروحه، ولا يستغنى عنهم طرفة عين، فحاجة القلب إلى العلم ليست كالحاجة إلى التنفس في الهواء بل أعظم).
نسأل الله أن يشفي القلوب من أمراضها،وأن يرزقنا قلوبا سليمة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(كتاب أعمال القلوب،د/ سهل العتيبي، بتصرف)

Post: #832
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:43 AM
Parent: #787

رعاية كبار السن
لقد كرم الله تعالى بني آدم وعظم الشرع حرمة النفس واعتنى بها، وخص بالرعاية والعناية كبار السن فحث على احترامهم وتوقيرهم ورعايتهم والبر بهم وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا". وفي رواية: "ويوقر كبيرنا".
وتقوم رعاية كبار السن في الإسلام على أسس عدة ، وأبرز هذه الأسس ما يلي:
1-الإنسان مخلوق مكرم ومكانته محترمة في الإسلام:
يقول الله عز وجل: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً} (الإسراء:70).
لقد أسجد الله له ملائكته حين خلقه، قال تعالى: {إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِن طِين * فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِين * فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُون}[ص:71-73]، وهو سجود إكرام وإعظام واحترام، كما ذكر المفسرون، فالمسن له منزلته ومكانته في الإسلام بشكل عام، أخذا من عموم الآيات، إلا أنه مع ذلك له منزلة خاصة كما سنرى.
2-المجتمع المسلم مجتمع متراحم متماسك متواد:
قال تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ }[الفتح:29]، وقال تعالى واصفا المؤمنين: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَة}[البلد:17]، ويصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم كالجسد الواحد، ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ترى المؤمنين في تراحمهم وتوادهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى".
3-جزاء الإحسان في الإسلام الإحسان:
قال الله تعالى: {هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلاَّ الإِحْسَان}[الرحمن:60]، أي: هل جزاء من أحسن في عبادة الخالق، ونفع عبيده، إلا أن يحسن خالقه إليه بالثواب الجزيل، والفوز الكبير والعيش السليم.
والأمور في هذه الدنيا تجري وفق سن الله تعالى في كونه والتي منها أن الجزاء من جنس العمل{جَزَاءً وِفَاقاً} (النبأ:26).
فإذا أحسن الشباب للشيوخ كان ذلك سببا لأن يقيّض الله لهؤلاء من يكرمهم عند كبرهم.
4- كبير السن المؤمن له مكانته عند الله، ولا يُزاد في عمره إلا كان له خيرا:

تضافرت الأحاديث الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أن المؤمن لا يزاد في عمره إلا يكون خيرا له، فلقد روى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله عليه وسلم قال: " لا يتمنَّ أحدكم الموت ولا يدعُ به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وأنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا".
5-توقير الكبير والتشبه به سمة من سمات المجتمع المسلم:

يتصف المجتمع بصفات كريمة، منها: توقير الكبير في السن، وقد تواتر حثُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على إكرام الكبير، وتوقيره، ومن ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إن من إجلال الله إكرام ذي الشيبة المسلم...." الحديث.
وبعد فهذه أبرز الأسس التي تنطلق منها جميع أوجه الرعاية المقدَّمَة لكبار السن في الإسلام، فهذه الرعاية ترتكز على أسس متينة، وليست وليدة لحظة عابرة من العاطفة أو الرحمة.
رعاية الوالدين باعتبارها مظهرا من مظاهر رعاية كبار السن :
لقد أوصى الله بالوالدين خيرا، وأمر ببرِّهما وجعل الإحسان إليهما قرين عبادته، قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}[الإسراء:23]، كما جعل شكره قرينا لشكر الوالدين، قال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِير}[لقمان:14]، وفي جعل الشكر لهما مقترنا بالشكر لله دلالة على أن حقهما من أعظم الحقوق على الولد، وأكبرها وأشدها، وعكس ذلك فقد جعل الشرك قرين العقوق لهما، ففي الحديث أن الكبائر ذُكرت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: " الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين...".
ولقد نهى الله عز وجل عن نهرهما بأدنى الكلمات، وهي: أف، وقال بعض العلماء: " لو علم الله شيئا من العقوق أدنى من أف لحرمه". ولقد أتى بر الوالدين في المرتبة الثانية بعد الصلاة، في محبة الله، لما رواه بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أحب إلى الله؟ قال: "الصلاة على وقتها". قال ثم أي ؟ قال: "بر الوالدين". قال: ثم أي؟ قال: "الجهاد في سبيل الله".
بل جعل للوالد حرية التصرف في مال الابن أخذا من الحديث: أن رجلا قال: يا رسول الله: إن لي مالاً وولداً، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنت ومالك لأبيك".
ولا يقتصر بر الوالدين على الوالد المسلم أو الأم المسلمة، بل الابن مطالب ببرهما حتى وإن كانا كافرين، وليس هذا فحسب، بل وإن جاهداه ليشرك بالله فعليه واجب برهما من غير طاعة لهما في الشرك. روى الإمام مسلم في صحيحه عن مصعب ابن سعد، عن أبيه: سعد بن أبي وقاص: أنه نزل فيه آيات من القرآن قال: حلفت أم سعد أن لا تكلمه أبدا حتى يكفر بدينه، ولا تأكل ولا تشرب، قالت: زعمت أن الله وصاك بوالديك وأنا أمك وأنا آمرك بهذا، قال: فمكثت ثلاثا حتى غشى عليها من الجهد، فقام بن لها يقال له عمارة، فسقاها، فجعلت تدعو على سعد، فأنزل الله عز وجل الله هذه الآية:{وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي}[العنكبوت:8]، وفيها: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا}[لقمان:15]، ...الحديث.
وعلى كل حال فمما سبق من الآثار والأحاديث في بر الوالدين يتضح لنا أمرا جليا آخر مصاحب للبر وهو أن كل هذه الرعاية التي تقدم للوالدين يمكننا أن نعدها مظهرا من مظاهر رعاية المسنين في المجتمع المسلم، إذ الغالب الأعم أن الوالدين كبيران في السن، فإلى جانب البر الذي أمر الله به للوالدين نجد هناك رعاية للمسن في المجتمع، وهذا النوع من أظهر أنواع رعاية المسنين في المجتمع المسلم لوجوده في غالب أسره.
في المجتمع المسلم ، والتي تساعد أفراد المجتمع على القيام بدمج المسن في المجتمع ، كما يؤدي ذلك إلى القضاء على العزلة التي قد يمر بها كبير السن أو يشعر بها ، وبهذا التوجيه الكريم استطاع الإسلام أن يخفف من آثار التغيرات الاجتماعية التي يمر بها المسنُّ، وليس هذا فحسب بل والتغيرات النفسية ، لأن بينهما علاقة تأثيرية متبادلة كما ذُكر .
فحين يزور أفراد المجتمع أصدقاء آبائهم فهم بذلك يبرُّوا آباءهم، وذلك يعني أن الجيل المتوسط في المجتمع قد ارتبط تلقائياً بجيل كبار السن، وأصبح المُسِنون جزءً لا يتجزأ من المجتمع.
رعاية كبار السن في المجتمع المسلم
لكبير السنّ مكانته المتميزة في المجتمع المسلم ، فهو يتعامل معه بكل توقير واحترام ، يحدوه في ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقّر كبيرنا"، ويظهر ذلك التوقير والاحترام في العديد من الممارسات العملية في حياة المجتمع المسلم ، وجميع هذه الممارسات لها أصل شرعي ، بل فيها حث وتوجيه نبوي فضلاً عن ممارساته صلى الله عليه وسلم مع المسنِّين وتوجيه أصحابه نحو العناية بالمسنِّين ، وتوقيرهم واحترامهم وتقديمهم في أمور كثيرة ، ففي إلقاء السلام أمر صلى الله عليه وسلم أن "يسلم الصغير على الكبير"، وأن يبدأ الصغير بالتحية ويلقيها على الكبير احتراماً وتقديراً له .
ولقد أمر صلى الله عليه وسلم أن يبدأ بتقديم الشرب للأكابر ففي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سقى قال: "أبدؤا بالكبراء أو قال : بالأكابر"، ولقد مارس ذلك صلى الله عليه وسلم عملياً، تقول عائشة رضي الله عنها: "كان يستن وعنده رجلان فأوحى إليه: أن اعط السواك الأكبر".
ولقد تطبّع أفراد المجتمع المسلم بذلك الخلق وتوارثوا توقير الكبير واحترامه وتقديره انقيادا لتعاليم دينهم، واتباعاً لسنة رسولهم صلى الله عليه وسلم، فكان الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - من أشد الناس توقيراً لإخوانه، ولمن هو أسن منه ، فيروى عند المروزي أنه جاءه أبو همام راكباً على حماره ، فأخذ له الإمام أحمد بالركاب . وقال المروزي : رأيته فعل هذا بمن هو أسن منه من الشيوخ.
إذاً فكبير السن في المجتمع المسلم يعيش في كنف أفراده ، ويجد له معاملة خاصة تتميز عن الآخرين ، ولم تقتصر هذه الرعاية على المسن المسلم ، بل امتدت يد الرعاية لتشمل غير المسلم طالما أنه يعيش بين ظهراني المسلمين.
فها هي كتب التاريخ تسطر بأحرف ساطعة موقف عمر - رضي الله عنه- مع ذلك الشيخ اليهودي الكبير ، فيذكر أبو يوسف يف كتابه " الخراج "، أن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- مر بباب قوم وعليه سائل يسأل ، شيخ كبير ضرير البصر ، فضرب عضده من خلفه فقال : من أيّ أهل الكتب أنت ؟ قال : يهودي. قال : فما ألجأك إلى ما أرى ؟ قال : أسأل الجزية والحاجة والسن . قال: فأخذ عمر - رضي الله عنه - بيده فذهب به إلى منزله، فرضخ له - أي أعطاه- من المنزل بشيء ثمَّ أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءه ، فوالله ما أنصفناه إذا أكلنا شبيبته ثمَّ نخذله عند الهرم: (( إنما الصدقات للفقراء والمساكين )) فالفقراء هم المسلمون والمساكين من أهل الكتاب ، ووضع عنه الجزية وعن ضربائه )).
وإضافة لتلك الرعاية الخاصة يمكننا: أن نلمس صوراً من الرعاية العامة لكبار السن ، وذلك حينما تعجز الأسر عن تقديم الرعاية اللازمة للمسن ، أو حينما لا يكون هناك ثمة راعٍ أو معين لذلك المسن ، فلقد برز في المجتمع المسلم ما يسمى ( بالأربطة ) وهي أماكن تُهيَّأ وتُعد لسكنى المحتاجين، وأصبح بعضها ملاجئ مستديمة لكبار السن، فالأصل هو رعاية المسن في أسرته فهو قربة لله عز وجل ثمَّ الفرع وهو ظهور هذه المؤسسات الاجتماعية مثل: الأربطة، والأوقاف، والدور الاجتماعية، وهي في نبعها جهود شعبية من أفراد المجتمع المسلم، ثمَّ دخلت الدولة في تنظيمها والإشراف عليها.
رعاية كبار السن في الحروب من قبل الجيوش المسلمة

لم يعرف العالم الحديث آداب الحرب إلا في القرن الماضي، في حين جاء بها الإسلام قبل أكثر من أربعة عشر قرناً، ولم تظهر معاهدة رسمية حول آداب الحرب إلا في عام 1856م ، والتي تسمى ( تصريح باريس البحري )، ثمَّ توالت الاتفاقات وأبرزها اتفاقات جنيف التي دوّنت عام 1949م والخاصة بمعاملة جرحى وأسرى الحرب، وحماية الأشخاص المدنيين، وهذه المعاهدة فإنها لا تطبق إلا في حالة قيام الحرب بين دولتين موقعتين على المعاهدة، أما في الإسلام فكانت هذه الآداب الحربية تطبق ابتداءً، حتى ولو لم يكن هناك أية اتفاقات أو معاهدات ، فها هي سرايا رسول الله صلى الله عليه وسلم تنطلق يمنة ويسرة ناشرة الخير والنور ، ولقد اشتملت وصاياه صلى الله عليه وسلم وخلفائه من بعده إلى الجيوش على عدد من التوجيهات والوصايا وشملت جوانب عدة منها: العناية بالشيوخ وكبار السن والاهتمام بهم.
روى الطبراني عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال :كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية دعا صاحبهم ، فأمره بتقوى الله وبمن معه من المسلمين خيراً ، ثمَّ قال :"اغزوا بسم الله ، وفي سبيل الله ، قاتلوا من كفر بالله، لا تغلوا وتغدروا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا وليداً ولا شيخاً كبيراً".

ويتضح من نص الحديث أن ذلك كان ديدنه صلى الله عليه وسلم في كل غزوة ، ولم تكن محض صدفة أو مقولة

يتيمة خرجت من فيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالراوي يقول : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيشاً أو سرية) فاللفظ يدل على تكرار الفعل منه صلى الله عليه وسلم.

ولقد اقتدى الخلفاء الراشدون بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عدم التعرض للمسنين في الحرب فهذا الصديق رضي الله عنه يوصي أسامة بن زيد - رضي الله عنه - حيث بعثه إلى الشام إنفاذاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، قبل وفاته بوصايا نفيسة وكان مما جاء فيها :"يا أيها الناس قفوا أوصيكم بعشر ، فاحفظوها عني : لا تخونوا ، ولا تغلوا ، ولا تمثلوا ، ولا تقتلوا طفلاً صغيراً ، ولا شيخاً كبيراً ولا امرأة ..."مستلهما في ذلك قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حينما كان يبعث الفاتحين: روى أبو داود عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: "انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى ملة رسول الله، ولا تقتلوا شيخا فانيا، ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة، ولا تغلوا، وضموا غنائمكم، وأصلحوا، وأحسنوا، إن الله يحب المحسنين".
اسلام ويب

Post: #833
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:48 AM
Parent: #832

أسباب الهموم والأحزان
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين،وبعد:
فما دام الإنسان يعيش في هذه الدنيا فلا بد أن تصيبه الهموم والأكدار والأحزان، فتلك طبيعة الحياة الدنيا:
طبعت على كدر وأنت تريدها صفوا من الأقذاء والأكدار
ومكلف الأيام غير طباعها متطلب في الماء جذوة نار
ولهذا لما سئل بعضهم: متى يجد العبد طعم الراحة؟ قال: عند أول قدم في الجنة.
أما قبل ذلك فيتقلب المرء في أحوال مختلفة، قال الله تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ فِي كَبَدٍ} (البلد:4).
ولا شك أن القلوب تتفاوت في الهموم بحسب ما فيها من الإيمان أو الفسوق والعصيان، فهي على قلبين:
قلب هو عرش الرحمن، ففيه النور والحياة والفرح والسرور والبهجة وذخائر الخير، وقلب هو عرش الشيطان، فهناك الضيق والظلمة والموت والحزن والغم والهم.
فمن الهموم هموم سامية ذات دلالات طيبة، كهموم العلماء في حل المعضلات، وهموم أمراء المسلمين بمشكلات رعاياهم، ألم تر أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب يحمل هم تعثر الدابة بالعراق، أما عمر بن عبد العزيز فكان يقول: إني أعالج أمرا لا يعين عليه إلا الله، قد فني عليه الكبير، وكبر عليه الصغير، وفح عليه الأعجمي، وهاجر عليه الأعرابي، حتى حسبوه دينا لا يرون الحق غيره.
ولما بايعه الناس بالخلافة رجع وهو مغموم مهموم فلما سئل عن ذلك قال:
ومالي لا أغتم وليس أحد من أهل المشارق والمغارب من هذه الأمة إلا وهو يطالبني بحقه أن أؤديه إليه...
وهناك غيرها من الهموم، فما هي أهم أسباب الهموم؟
لا شك أن هناك العديد من الأسباب التي تؤدي إلى إصابة الإنسان بالهموم ولعلنا نجمل ذلك فيما يلي:
1) الهم بسبب الدَّين:
فالدَّين همٌ بالليل ومذلة بالنهار، وقد وقع ذلك لبعض الصالحين حين ركبهم الدَّين فأصابهم الهم، كما وقع ذلك للزبير بن العوام، فإنه دعا ولده عبد الله يوم الجمل وقال له: وإن من أكبر همي لديني، أفترى يُبقي دَيننا من مالنا شيئا؟ يا بني بع ما لنا فاقض ديني. ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الدَّين، وكانت العرب تقول: لا همَّ إلا هم الدَّين.
وكيف لا يكون الدين هما على صاحبه وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن "نفس المؤمن معلقة بدينه". كما بين صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى يغفر للشهيد كل شيء إلا الدين، فكيف لا يهتم المسلم؟
2) الهم بسبب التفكير في المستقبل:
كهموم الأب بذريته من بعده خاصة إذا كانوا ضعفاء وليس لديه ما يخلفه لهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأزواجه: "إن أمركن مما يهمني بعدي، ولن يصبر عليكن إلا الصابرون".
3) الهم بسبب التهمة الباطلة:
فإن العبد إذا كان بريئا واتهم بالباطل فإن ذلك يسبب له الهم والحزن، وقد كانت امرأة تدخل على أم المؤمنين عائشة فإذا فرغت من حديثها قالت:
ويومُ الوِشاحِ من تعاجيب ربنا ألا إنه من بلدة الكفر أنجاني
فلما سألتها عائشة أخبرتها المرأة أنها اتهمت بسرقة وشاح لجارية من أهلها وهي بريئة فأخذوها فعذبوها ثم وجدوا الوشاح فقالت: هذا الذي اتهمتموني به وأنا منه بريئة. وحادثة الإفك خير دليل على ما يصيب البريء من الهم عند اتهامه بالباطل، فإن عائشة رضي الله عنها حين سمعت ما يتحدث به الناس بكت حتى أصبحت لا يرقأ لها دمع .. ثم بكت يومها ولا تكتحل بنوم حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. وانظر إلى مريم البتول وما أصابها من الغم والهم حين حملت بغير زوج حتى قالت: {يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا} [مريم:23] ، ومن ذلك همُّ الصادق بتكذيبه، فحين يكون المرء صادقا ويتهمه الناس بالكذب يركبه الهم والضيق حتى يثبت للناس صدقة، كما وقع للصحابي زيد بن أرقم رضي الله عنه لما سمع بعض المنافقين يقول لأصحابه: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ويقصد بالأذل رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه. فلما وصل الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى بهذا المنافق فحلف أنه لم يقل، وجحد ما أخبر به زيد، وقال له عمه: ما أردت إلا أن مقتك رسول الله وكذبك والمسلمون، قال زيد: فوقع عليّ من الهم ما لم يقع على أحد، وفي رواية مسلم: فوقع في نفسي مما قالوه شدة حتى أنزل الله تصديقي.

وانظر إلى أنبياء الله ورسله وكيف كان يصيبهم الهم والضيق بتكذيب أقوامهم واتهامهم لهم بالتهم الباطلة كالكذب والسحر وغيرها، يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: {قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33).
وهذا نبي الله يوسف عليه السلام حين اتهمه إخوته باطلا بالسرقة اهتم لذلك وتضايق{قَالُوا إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ فَأَسَرَّهَا يُوسُفُ فِي نَفْسِهِ وَلَمْ يُبْدِهَا لَهُمْ قَالَ أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَاناً وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} (يوسف:77).
4) همُّ الداعية عند دعوة قومه:
فالدعاة إلى الله أحرص الخلق على هداية الخلق ودلالتهم على ربهم تبارك وتعالى، وأوفر الناس حظا من ذلك سيد الدعاة والمرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي قال له ربه عز وجل: {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلاَّ يَكُونُوا مُؤْمِنِين}[الشعراء:3]، أي قاتل نفسك هما وغما بسبب إعراضهم عن الإيمان، وانظر إليه صلى الله عليه وسلم حين يقف على رأس عمه أبي طالب يدعوه إلى الله وهو مهموم باستجابته ونجاته من النار. ولم يكن ذلك مع الأقارب فقط بل كان مع قومه جميعا فقد ذهب إلى الطائف يدعو أهلها إلى الله لا يريد منهم دينارا ولا درهما فلم يجبه أحد قال صلى الله عليه وسلم: "فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل...".الحديث.
5) الهم بسبب مصائب الدنيا وابتلاءاتها: وهذا لا يكاد يخلو منه إنسان.
نسأل الله أن يفرج عن المسلمين همومهم وغمومهم، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
من العلاجات النافعة بإذن الله تعالى لطرد الهموم ومعالجتها إن وقعت وهي:

ثامناً: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
وهي من أعظم ما يفرج الله به الهموم،روى الطُّفَيْلُ بْنُ أُبَيِّ بْنُ كَعْبٍ عَنْ أَبِيهِ رضي الله عنه قَالَ:كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَااللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ، اذْكُرُوااللَّهَ، جَاءَتِ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَافِيهِ، جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ". قَالَ أُبَيٌّ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّه،ِإِنِّي أُكْثِرُ الصَّلاةَ عَلَيْكَ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلاتِي؟ فَقَالَ: "مَاشِئْتَ: قَالَ: قُلْتُ: الرُّبُعَ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ"قُلْتُ: النِّصْفَ؟ قَالَ:"مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قَالَ: قُلْتُ:فَالثُّلُثَيْنِ؟ قَالَ: "مَا شِئْتَ فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ". قُلْتُ:أَجْعَلُ لَكَ صَلاتِي كُلَّهَا؟ قَالَ: "إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ وَيُغْفَرُ لَكَذَنْبُكَ ".
تاسعاً: التوكل على الله عز وجل وتفويض الأمر إليه
)فمن علم أن الله على كل شيء قدير، وأنه المتفرد بالاختياروالتدبير. وأن تدبيره لعبده خير من تدبير العبد لنفسه، وأنه أعلم بمصلحة العبد منالعبد، وأقدر على جلبها وتحصيلها منه، وأنصح للعبد منه لنفسه وأرحم به منه بنفسه، وأبرّبه منه بنفسه. وعلم مع ذلك أنه لا يستطيع أن يتقدم بين يدي تدبيره خطوة واحدة ولايتأخر عن تدبيره له خطوة واحدة، فلا متقدم له بين يدي قضائه وقدره ولا متأخر، فألقىنفسه بين يديه وسلم الأمر كله إليه، وانطرح بين يديه انطراح عبد مملوك ضعيف بين يديملك عزيز قاهر، له التصرف في عبده بما شاء ، وليس للعبد التصرف فيه بوجه من الوجوه، فاستراح حينئذ من الهموم والغموم والأنكاد والحسرات. وحمل كل حوائجه ومصالحه منلا يبالي بحملها ولا يثقله ولا يكترث بها. فتولاها دونه وأراه لطفه وبره ورحمتهوإحسانه فيها من غير تعب من العبد ولا نصب ، ولا اهتمام منه، لأنه قد صرف اهتمامهكله إليه وجعله وحده همه. فصرف عنه اهتمامه بحوائجه ومصالح دنياه ، وفرغ قلبه منها، فما أطيب عيشه وما أنعم قلبه وأعظم سروره وفرحه.
وأما من أبى إلا تدبيره لنفسهواختياره لها واهتمامه بحظه دون حق ربه، خلّاه وما اختاره وولاه ما تولى، فحضره الهموالغم والحزن والنكد والخوف والتعب، وكسف البال وسوء الحال ، فلا قلب يصفو، ولا عمليزكو، ولا أمل يحصل ، ولا راحة يفوز بها ، ولا لذة يتهنى بها، بل قد حيل بينه وبينمسرته وفرحه وقرة عينه . فهو يكدح في الدنيا كدح الوحش ولا يظفر منها بأمل ولايتزود منها لمعاد)
(ومتى اعتمد القلب على الله ،وتوكل عليه ، ولم يستسلم للأوهام ولا ملكته الخيالات السيئة ، ووثق بالله وطمع فيفضله ، اندفعت عنه بذلك الهموم والغموم ، وزالت عنه كثير من الأسقام القلبيةوالبدنية ، وحصل للقلب من القوة والانشراح والسرور ما لا يمكن التعبير عنه ،والمعافى من عافاه الله ووفقه لجهاد نفسه لتحصيل الأسباب النافعة المقوية للقلب ،الدافعة لقلقه ، قال تعالى: { ومن يتوكل على الله فهو حسبه } أي كافيه جميع ما يهمهمن أمر دينه ودنياه، فالمتوكل على الله قوي القلب لا تؤثر فيه الأوهام ، ولاتزعجه الحوادث لعلمه أن ذلك من ضعف النفس ومن الخور والخوف الذي لا حقيقة له ،ويعلم مع ذلك أن الله قد تكفل لمن توكل عليه بالكفاية التامة، فيثق بالله ويطمئنلوعده ، فيزول همه وقلقه ، ويتبدل عسره يسرا ، وترحه فرحا، وخوفه أمنا فنسأله تعالىالعافية وأن يتفضل علينا بقوة القلب وثباته بالتوكل الكامل الذي تكفل الله لأهلهبكل خير،ودفع كل مكروه وضير).
عاشراً : ومما يدفع الهم والقلق الحرص على ما ينفع واجتماع الفكر كله على الاهتمام بعمل اليوم الحاضر ، وقطعه عن الاهتمام في الوقت المستقبل ، وعن الحزن علىالوقت الماضي،ولهذا استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الهم والحزن، فالحزن علىالأمور الماضية التي لا يمكن ردها ولا استدراكها والهم الذي يحدث بسببه الخوف منالمستقبل ، فيكون العبد ابن يومه ، يجمع جِدّه واجتهاده في إصلاح يومه ووقته الحاضر ،فإن جمع القلب على ذلك يوجب تكميل الأعمال، ويتسلى به العبد عن الهم والحزن والنبيصلى الله عليه وسلم إذا دعا بدعاء أو أرشد أمته إلى دعاء فهو يحث مع الاستعانةبالله والطمع في فضله على الجد والاجتهاد في التحقق لحصول ما يدعو لدفعه لأن الدعاءمقارن للعمل ، فالعبد يجتهد فيما ينفعه في الدين والدنيا ، ويسأل ربه نجاح مقصده. ويستعينه على ذلك كما جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ، احْرِصْ عَلَى مَايَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلا تَعْجَزْ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاتَقُلْ: لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا، وَلَكِنْ قُلْ: قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ؛ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ".
فجمع صلى الله عليه وسلم بين الأمر بالحرص على الأمور النافعة في كل حال والاستعانةبالله وعدم الانقياد للعجز الذي هو الكسل الضار وبين الاستسلام للأمور الماضيةالنافذة ، ومشاهدة قضاء الله وقدره وجعل الأمور قسمين : قسم يمكن للعبد السعي فيتحصيله أو تحصيل ما يمكن منه ، أو دفعه أو تخفيفه فهذا يبدي فيه العبد مجهودهويستعين بمعبوده. وقسم لا يمكن فيه ذلك ، فهذا يطمئن له العبد ويرضى ويسلم ، ولاريب أن مراعاة هذا الأصل سبب للسرور وزوال الهم والغم.
والحديث المذكور يدلّ على السعي في إزالة الأسباب الجالبة للهموم وفي تحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكاره التيلا يمكنه ردها، ومعرفته أن اشتغال فكره فيها من باب العبث والمحال ، وأن ذلك حمقوجنون ، فيجاهد قلبه عن التفكر فيها وكذلك يجاهد قلبه عن قلقه لما يستقبله ، ممايتوهمه من فقر أو خوف أو غيرهما من المكاره التي يتخيلها في مستقبل حياته . فيعلمأن الأمور المستقبلة مجهول ما يقع فيها من خير وشر وآمال وآلام ، وأنها بيد العزيزالحكيم ، ليس بيد العباد منها شيء إلا السعي في تحصيل خيراتها، ودفع مضراتها ويعلمالعبد أنه إذا صرف فكره عن قلقه من أجل مستقبل أمره ، واتكل على ربه في إصلاحه ،واطمأن إليه في ذلك صلحت أحواله ، وزال عنه همه وقلقه.
الحادي عشر : الإكثار من ذكر الله
فإن لذلك تأثيراً عجيباً في انشراح الصدر وطمأنينته ، وزوالهمه وغمه ، قال الله تعالى: { أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوب}[الرعد:28].
وأعظم الأذكارلعلاج الهمّ العظيم الحاصل عند نزول الموت : لا إله إلا الله، وذلك لما حدّث بهطلحة عمر رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِوَسَلَّمَ يَقُولُ: "كَلِمَةٌ لا يَقُولُهَا عَبْدٌ عِنْدَ مَوْتِهِ إِلا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَتَهُ وَأَشْرَقَ لَوْنُهُ". فَمَا مَنَعَنِي أَنْ أَسْأَلَهُعَنْهَا إِلا الْقُدْرَة عَلَيْهَا حَتَّى مَاتَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ رَضِياللَّهُ عَنْهُ: إِنِّي لأَعْلَمُهَا، فَقَالَ لَهُ طَلْحَةُ: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَ لَهُعُمَرُ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ: هَلْ تَعْلَمُ كَلِمَةً هِيَ أَعْظَمَ مِنْ كَلِمَةٍأَمَرَ بِهَا عَمَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ هِيَ وَاللَّهِ هِيَ.
الثاني عشر: اللجوء إلى الصلاة
قال الله تعالى: {وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ }[البقرة:45].
وعَنْ حُذَيْفَةَ رضي الله عنه قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهعَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا حَزَبَهُ أَمْرٌ صَلَّى". ولما بلغ ابن عباس رضي الله عنه وفاة أخيه نزل على جانب الطريق يصلي –وكان في سفر- امتثالا لأمر الله.
الثالث عشر : ومما يفرج الهم أيضا الجهاد في سبيل الله
كما قال صلى الله عليه وسلم: "عَلَيْكُمْ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَإِنَّهُ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يُذْهِبُ اللَّهُ بِهِ الْهَمَّ وَالْغَمَّ".
الرابع عشر : التحدث بنعم الله الظاهرة والباطنة
فإن معرفتها والتحدث بها يدفع الهم والغم ، ويحث العبد على الشكر الذي هو أرفع المراتب وأعلاها حتى ولوكان العبد في حالة فقر أو مرض أو غيرهما من أنواع البلايا . فإنه إذا قابل بين نعم الله عليه التي لا تحصى ولا تعدّ وبين ما أصابه من مكروه ، لم يكن للمكروه إلى النعم نسبة، بل المكروه والمصائب إذا ابتلى الله بها العبد ، وأدى فيها وظيفة الصبر والرضى والتسليم ، هانت وطأتها ، وخفت مؤنتها ، وكان تأميل العبد لأجرهاوثوابها والتعبد لله بالقيام بوظيفة الصبر والرضا، يدع الأشياء المرة حلوة فتنسيهحلاوة أجرها مرارة صبرها.
ومن أنفع الأشياء في هذا الموضع استعمال ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَأَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكُمْ؛ فَإِنَّهُ أَجْدَرُأَنْ لا تَزْدَرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ".
فإن العبد إذا نصب بينعينيه هذا الملحظ الجليل، رأى نفسه يفوق ـ قطعاً ـ كثيراً من الخلق في العافية وتوابعها، وفي الرزق وتوابعه مهما بلغت به الحال ، فيزول قلقه وهمه وغمه ، ويزداد سرورهواغتباطه بنعم الله التي فاق فيها غيره ممن هو دونه فيها، وكلما طال تأمل العبدفي نِعم الله الظاهرة والباطنة ، الدينية والدنيوية ، رأى ربه قد أعطاه خيراًكثيراً ودفع عنه شروراً متعددة ، ولا شك أن هذا يدفع الهموم والغموم ، ويوجب الفرح والسرور.
الخامس عشر : الانشغال بعمل من الأعمال أو علم من العلوم النافعة
فإنها تلهي القلب عن اشتغاله بذلك الأمرالذي أقلقه. وربما نسي بسبب ذلك الأسباب التي أوجبت له الهم والغم ، ففرحت نفسه ،وازداد نشاطه ، وهذا السبب أيضا مشترك بين المؤمن وغيره . ولكن المؤمن يمتازبإيمانه وإخلاصه واحتسابه في اشتغاله بذلك العلم الذي يتعلمه أو يعلمه، ويعملالخير الذي يعمله ، إن كان عبادة فهو عبادة وإن كان شغله دنيوياً أو عادة دنيوية أصحبها النية الصالحة ، وقصد الاستعانة بذلك على طاعة الله ، فلذلك أثره الفعّال فيدفع الهموم والغموم والأحزان ، فكم من إنسان ابتلي بالقلق وملازمة الأكدار ، فحلتبه الأمراض المتنوعة فصار دواءه الناجح: نسيانه السبب الذي كدره وأقلقه، واشتغاله بعمل من مهماته.وينبغي أن يكون الشغل الذي يشتغل فيه مما تأنس به النفس وتشتاقه؛ فإن هذا أدعى لحصول هذا المقصود النافع والله أعلم.
السادس عشر: النظر إلى الجوانب الإيجابية للأحداث التي يظهرمنها بعض ما يكره
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقاً رَضِيَ مِنْهَا آخَر".
ومن فوائد هذا الحديث: زوال الهم والقلق وبقاء الصفاء ، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة وحصول الراحة بين الطرفين ، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم بل عكس القضية فلحظ المساوىء ، وعمي عن المحاسن ، فلا بد أن يقلق ، ولابد أن يتكدر مابينه وبين من يتصل به من المحبة ، ويخلّ بكثير من الحقوق التي على كل منهماالمحافظة عليها.
السابع عشر : معرفة القيمة الحقيقية للحياة وأنها قصيرة وأنّ الوقت أغلى من أن يذهب في الهمّ والغمّ.
فالعاقل يعلم أن حياته الصحيحة حياة السعادة والطمأنينة وأنها قصيرة جداً ، فلا ينبغي له أن يقصرها بالهم والاسترسال مع الأكدار فإن ذلك ضد الحياة الصحيحة ، فيشح بحياته أن يذهب كثير منها نهباً للهموم والأكدار ولا فرق في هذا بين البر والفاجر ، ولكن المؤمن له من التحقق بهذا الوصف الحظ الأوفر ، والنصيب النافع العاجل والآجل . وينبغي أيضا إذا أصابه مكروه أو خاف منه أن يقارن بين النعم الحاصلة له دينية أو دنيوية . وبين ما أصابه من مكروه فعند المقارنة يتضح كثرة ما هو فيه من النعم ، واضمحلال ما أصابه من المكاره وكذلك يقارن بين ما يخافه من حدوث ضرر عليه ، وبين الاحتمالات الكثيرة في السلامة منها فلا يدع الاحتمال الضعيف يغلب الاحتمالات الكثيرة القوية وبذلك يزول همه وخوفه ، ويقدر أعظم ما يكون من الاحتمالات التي يمكن أن تصيبه ، فيوطن نفسه لحدوثها إن حدثت ، ويسعى في دفع ما لم يقع منها وفي رفع ما وقع أو تخفيفه.
الثامن عشر : ومن الأمور النافعة عدم السماح بتراكم الأعمال والواجبات.
وذلك بحسمها في الحال والتفرغ للمستقبل ، لأن الأعمال إذا لم تُحسم اجتمع عليك بقية الأعمال السابقة ، وانضافت إليها الأعمال اللاحقة ، فتشتد وطأتها ، فإذا حسمت كل شيء في وقته تفرغت للأمور المستقبلة بقوة تفكير وقوة عمل.
وينبغي أن تتخير من الأعمال النافعة الأهم، فالأهم وميز بين ما تميل نفسك إليه وتشتد رغبتك فيه، فإن ضده يحدث السآمة والملل والكدر ، واستعن على ذلك بالفكر الصحيح والمشاورة ، فما ندم من استشار ، وادرس ما تريد فعله درساً دقيقاً ، فإذا تحققت المصلحة وعزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين.

التاسع عشر: التوقع المستمر والاستعداد النفسي لجميع الاحتمالات.
فإن الإنسان إذا استحضر في نفسه فقد عزيز أو مرض قريب أو وقوعاً في دين أو قهر عدو أو أي احتمال سيئ مما لم يحدث بعد - مع استعاذته بالله من ذلك ورجاء السلامة - فإنه لو وقع له شيء من ذلك حقيقة سيكون أهون عليه وأخف وطأة لتوقعه المسبق.
ومما ينبغي التنبّه له أن كثيراً من الناس من ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة . لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون ، ويتكدر الصفاء ، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم على الأمور الكبار ، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم فالحازم يوطن نفسه على الأمور الصغيرة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها ، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين فعند ذلك يسهل عليه الصغير ، كما سهل عليه الكبير ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً.
العشرون: الشكوى إلى أهل العلم والدين وطلب النصح والمشورة منهم.
فإن نصائحهم وآراءهم من أعظم المثبتات في المصائب. وقد شكى الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يلقون من تعذيب...
فهذا خَبَّاب بْن الأَرَتِّ رضي الله عنه يقول: شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ قُلْنَا لَهُ: أَلا تَسْتَنْصِرُ لَنَا أَلا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ فَيُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لا يَخَافُ إِلا اللَّهَ أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".
وكذلك شكا التابعون إلى صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول الزبير بن عدي : أَتَيْنَا أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ فَشَكَوْنَا إِلَيْهِ مَا نَلْقَى مِنَ الْحَجَّاجِ فَقَالَ: اصْبِرُوا فَإِنَّهُ لا يَأْتِي عَلَيْكُمْ زَمَانٌ إِلا الَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ حَتَّى تَلْقَوْا رَبَّكُمْ سَمِعْتُهُ مِنْ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فيسمع المسلم من أهل العلم والقدوة ما يسليه ويخفف عنه آلام غمومه وهمومه.


ومن هذا الباب أيضا: اللجوء إلى إخوان الصدق والأقرباء العقلاء والأزواج والزوجات الأوفياء والوفيات، فهذه فاطمة رضي الله عنها لمّا أصابها الهمّ شكت إلى زوجها عليٍّ رضي الله عنه كما روى القصة عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَى فَاطِمَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا فَوَجَدَ عَلَى بَابِهَا سِتْراً فَلَمْ يَدْخُلْ ، قَالَ: وَقَلَّمَا كَانَ يَدْخُلُ إِلا بَدَأَ بِهَا، فَجَاءَ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَرَآهَا مُهْتَمَّةً فَقَالَ: مَا لَكِ؟ قَالَتْ جَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيَّ فَلَمْ يَدْخُلْ! فَأَتَاهُ عَلِيٌّ رَضِي اللَّه عَنْه فَقَالَ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ فَاطِمَةَ اشْتَدَّ عَلَيْهَا أَنَّكَ جِئْتَهَا فَلَمْ تَدْخُلْ عَلَيْهَا، قَالَ: "وَمَا أَنَا وَالدُّنْيَا وَمَا أَنَا وَالرَّقْمَ ( أي النقش والرسم ) فَذَهَبَ إِلَى فَاطِمَةَ فَأَخْبَرَهَا بِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ قُلْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَأْمُرُنِي بِهِ قَالَ قُلْ لَهَا فَلْتُرْسِلْ بِهِ إِلَى بَنِي فُلانٍ". [ وَكَانَ سِتْراً مَوْشِيّاً ] (أي مزخرفاً منقوشاً).


والرجل ذو العقل الراجح والرأي السديد يزيل الهم.
وقد حكي عن المغيرة مولى الوليد قال: دخلت على الوليد فوجدته مهموما فقلت: مالك يا أمير المؤمنين مهموما؟ فقال: إنه قد كثر المسلمون وقد ضاق بهم المسجد، فأحضرت النصارى وبذلت لهم الأموال في بقية هذا الكنيسة لأضيفها إلى المسجد فيتسع على المسلمين فأبوا: فقال المغيرة: يا أمير المؤمنين عندي ما يزيل همك، قال: وما هو ؟ قلت: الصحابة لما أخذوا دمشق دخل خالد بن الوليد من الباب الشرقي بالسيف، فلما سمع أهل البلد بذلك فزعوا إلى أبي عبيدة ( وكان يحاصرها من الباب الآخر ) يطلبون منه الأمان فأمنهم وفتحوا له باب الجابية، فدخل منه أبو عبيدة بالصلح فنحن نماسحهم ( أي نقيس ) إلى أي موضع بلغ السيف ( أي فتح بالقوة ) أخذناه، وما بالصلح تركناه بأيديهم، وأرجو أن تدخل الكنيسة كلها في العنوة فتدخل في المسجد، فقال الوليد: فرجت عني، فتول أنت ذلك بنفسك، فتولاه المغيرة ومسح من الباب الشرقي إلى نحو باب الجابية إلى سوق الريحان فوجد السيف لم يزل عمالا حتى جاوز القنطرة الكبيرة بأربع أذرع وكسر، فدخلت الكنيسة في المسجد، فأرسل الوليد إلى النصارى فأخبرهم وقال: إن هذه الكنيسة كلها دخلت في العنوة فهي لنا دونكم، فقالوا: إنك أولا دفعت إلينا الأموال وأقطعتنا الإقطاعات فأبينا فمن إحسان أمير المؤمنين أن يصالحنا .. ونحن نترك له بقية هذه الكنيسة، فصالحهم ... ( البداية والنهاية في سيرة الوليد ).

الحادي والعشرون: أن يعلم المهموم والمغموم أن بعد العسر يسراً ، وأن بعدالضيق فرجاً

فليحسن الظن بالله فإنه جاعل له فرجاً ومخرجا، وكلما استحكم الضيق وازدادت الكربة قرب الفرج والمخرج .
وقد قال الله تعالى في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}[الشَّرح:5-6]، فذكر عسراً واحداً ويسرين فالعسر المقترن بأل في الآية الأولى هو العسر في الآية الثانية أما اليسر في الآية الثانية فهو يسر آخر غير الذي في الآية الأولى.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم في وصيته لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أن النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ وَأَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً".

الثاني والعشرون: ومن علاجات الهموم ما يكون بالأطعمة.
فقد روى البخاري رحمه الله عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ تَأْمُرُ بِالتَّلْبِينِ لِلْمَرِيضِ وَلِلْمَحْزُونِ عَلَى الْهَالِكِ وَكَانَتْ تَقُولُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِنَّ التَّلْبِينَةَ تُجِمُّ فُؤَادَ الْمَرِيضِ وَتَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
وروى رحمه الله أيضا عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا كَانَتْ إِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْ أَهْلِهَا فَاجْتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقْنَ إِلا أَهْلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَتْ بِبُرْمَةٍ مِنْ تَلْبِينَةٍ فَطُبِخَتْ ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّتِ التَّلْبِينَةُ عَلَيْهَا ثُمَّ قَالَتْ كُلْنَ مِنْهَا فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" التَّلْبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ تَذْهَبُ بِبَعْضِ الْحُزْنِ".
والتلبينة: هي حساء يعمل من دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل، وسُمّيت تلبينة لشبهها باللبن ، وهي تطبخ من الشعير مطحوناً .
ومعنى مُجِمَّة : أي تريح وتنشط وتزيل الهمّ.
وروى أحمد رحمه الله عنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قِيلَ لَهُ: إِنَّ فُلانًا وَجِعٌ لا يَطْعَمُ الطَّعَامَ، قَالَ: "عَلَيْكُمْ بِالتَّلْبِينَةِ فَحَسُّوهُ إِيَّاهَا فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَغْسِلُ بَطْنَ أَحَدِكُمْ كَمَا يَغْسِلُ أَحَدُكُمْ وَجْهَهُ بِالْمَاءِ مِنَ الْوَسَخِ".
ورواه الترمذي عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَخَذَ أَهْلَهُ الْوَعَكُ أَمَرَ بِالْحِسَاءِ فَصُنِعَ ثُمَّ أَمَرَهُمْ فَحَسَوْا مِنْهُ وَكَانَ يَقُولُ:"إِنَّهُ لَيَرْتُقُ ( وفي رواية أحمد وابن ماجة : ليرتو ) فُؤَادَ الْحَزِينِ وَيَسْرُو عَنْ فُؤَادِ السَّقِيمِ كَمَا تَسْرُو إِحْدَاكُنَّ الْوَسَخَ بِالْمَاءِ عَنْ وَجْهِهَا"
ويرتو أو يرتق : أي يشدّ ويقوي، ويسرو: أي يكشف.
وهذا الأمر - وإن استغربه بعض الناس - هو حق وصدق ما دام قد ثبت من طريق الوحي عن المعصوم صلى الله عليه وسلم ، والله خلق الأطعمة وهو أعلم بخصائصها وبالتالي فإن حساء الشعير المذكور هو من الأغذية المفرحة ، والله أعلم.
أما عن طريقة طبخه لمريض الجسد ومحزون القلب فيقول ابن حجر رحمه الله : ولعل اللائق بالمريض ماء الشعير إذا طبخ صحيحاً وبالحزين ماؤه إذا طبخ مطحوناً والله أعلم.
وبعد هذه الجولة في العلاجات نتوقف عند تلخيص ابن القيم رحمه الله ذكر فيه خمسة عشر نوعا من الدواء يذهب الله بها الهم والغم والحزن وهي:
الأول: توحيد الربوبية.
الثاني: توحيد الإلهية.
الثالث: التوحيد العلمي الاعتقادي ( وهو توحيد الأسماء والصفات).
الرابع: تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم عبده ، أو يأخذه بلا سبب من العبد يوجب ذلك .
الخامس: اعتراف العبد بأنه هو الظالم.
السادس: التوسل إلى الرب تعالى بأحب الأشياء ، وهو أسماؤه وصفاته ، ومن أجمعها لمعاني الأسماء والصفات: الحي القيوم.
السابع: الاستعانة به وحده .
الثامن: إقرار العبد له بالرجاء .
التاسع: تحقيق التوكل عليه ، والتفويض إليه ، والاعتراف له بأن ناصيته في يده ، يصرفه كيف يشاء ، وأنه ماض فيه حكمه ، عدل فيه قضاؤه .
العاشر: أن يرتع قلبه في رياض القرآن ، ويتعزى به عن كل مصيبة ، ويستشفي به من أدواء صدره، فيكون جلاء حزنه ، وشفاء همه وغمه .
الحادي عشر: الاستغفار.
الثاني عشر: التوبة.
الثالث عشر: الجهاد.
الرابع عشر: الصلاة.
الخامس عشر: البراءة من الحول والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده.
نسأل الله تعالى أن يعافينا من الهموم وأن يفرج عنا الكروب ويزيل عنا الغموم إنه هو السميع المجيب، وهو الحي القيوم.
علاج الهموم الشيخ المنجد بتصرف يسير

Post: #834
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:50 AM
Parent: #787

التنافس على الدنيا
خلق الله هذه الدار الدنيا وجعلها معبرا وممرا للآخرة، فمن الناس من يأخذ منها زاده إلى جنة عرضها السموات والأرض، ومنهم من يأخذ منها زاده إلى النار.

وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم تفاهة الدنيا، وهوانها على الله عز وجل حين قال: " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء".
والله تعالى يقول عنها: { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُور}(الحديد 20).
والعجب العجاب ممن يعلم حقيقة الدنيا وحقارتها ثم هو ينافس الناس ويعاديهم من أجل الفوز بالدنيا والانفراد بها ونيل حظوظها ولو على حساب دينه ومبادئه وأخلاقه ومروءته.
وحين تستقر الدنيا ومحبتها والتعلق بها في نفس العبد فإنها تحمله على الكثير من القبائح والمنكرات، ومنها التنافس المذموم على الدنيا فتهلكه، وهذا الذي كان يخشاه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته حين قال: " فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على من قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".
إنه ليس عيبا أن يحب الإنسان منافع الدنيا وبعض متاعها، لكن العيب أن ينحرف في هذا الحب، فيحمله على ما حرم الله من منع واجب أو أخذ حرام، أو اعتداء على آخرين بغير حق..
ومن مظاهر التنافس على الدنيا:
-التكاثر بحيث يريد كل واحد أن يكون أكثر من غيره حظوظا من الدنيا، وهذا التكاثر يلهي عن الله و الدار الآخرة: { ألهاكم التكاثر} ونبهنا الله لهذه الآفة المهلكة فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (المنافقون:9)
"
-إيثار الدنيا على الآخرة وعدم المبالاة بما اكتسب من حلال أم من حرام كما يحمله ذلك على بغض طلاب الآخرة والوقيعة فيهم...
-المخاصمة الدائمة على الدنيا وتشتت الذهن وكثرة الهموم والأحزان، خصوصا إذا فات شيء من الدنيا.
وغير ذلك من المظاهر التي تدل على انغماس صاحبها في الدنيا، وإعراضه عن الآخرة.
والشرع قد ندب العباد إلى الرضا والقناعة وإن حث على السعي والتكسب، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (الجمعة:9).
كما نهى عن التطلع إلى ما عند الآخرين: { لاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِين}(الحجر 88)
وقال تعالى: {وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى}(طه 131)
يقول الإمام ابن كثير رحمه الله:
" يقول تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: لا تنظر إلى ما هؤلاء المترفون وأشباههم ونظراؤهم فيه من النعم، فإنما هي زهرة زائلة ونعمة حائلة لنختبرهم بذلك، وقليل من عبادي الشكور".
ولهذا لفت الشرع الأنظار إلى خطورة التنافس في الدنيا مع الإعراض عن الآخرة، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ".....وإني أعطيت مفاتيح الأرض، وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها".
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخوف ما أخاف عليكم ما يُخرج الله لكم من زهرة الدنيا، قالوا: يا رسول الله، وما زهرة الدنيا؟ قال: بركات الأرض".
وكان الحسن رحمه الله يقول: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنيا فألقها في نحره. ويقول: والله لقد أدركت أقواما كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه، ما يبالون، أشرقت الدنيا أم غربت، ذهبت إلى ذا؟ أو ذهبت إلى ذا.
أما إذا كان التنافس في الدنيا من أجل إحراز سبق أو كفاية يستغني بها المسلمون، كابتكار علمي، أو سبق اقتصادي، ولا يبقون عالة على أعدائهم، مع نية التقرب بذلك إلى الله، والطمع في جنته ورضوانه، ومع الاهتمام بكل أعمال الآخرة الأخرى، والمتمثلة في النزول على حكم الله عز وجل في كل ما يأتي المرء وما يدع، فذلك حسن ومحمود، لأنه لا يخرج عن أن يكون من عمل الآخرة.
وقد أمرنا الله عز وجل أن تكون الدنيا التي في أيدينا موجهة نحو عمل الآخرة، وذلك في قوله سبحانه: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}(القصص 77).
وإذا أيقن العبد أن حظوظ الدنيا تجري بالمقادير مع الأخذ بالأسباب المشروعة لما تقطعت نفسه على الدنيا حسرات، ولما جعلها أكبر همه، قال الله عز وجل: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}(الزخرف32).
ويأمر الله الملك أن يكتب رزق العبد وهو في بطن أمه. والله عز وجل يعطي الدنيا من يشاء ويمنعها من يشاء: {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ}(الإسراء 18).
يقول ابن كثير رحمه الله:
يخبر تعالى أنه ما كل من طلب الدنيا وما فيها من النعم يحصل له، بل إنما يحصل لمن أراد الله، وما يشاء، وهذه مقيدة لإطلاق ما سواها من الآيات..."
والعبد الحريص على الدنيا المنافس للانفراد بها لا يشبع أبدا، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لو كان لابن آ دم واديان من مال لابتغى ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".
نسأل الله أن لا يجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، وأن يجعل غايتنا رضاه والدار الآخرة.
والحمد الله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #835
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 02:52 AM
Parent: #787

البر يولد البر
البر اسم جامع للخير، ويأتي بمعنى الإحسان إلى الوالدين والأقربين، كما يأتي بمعنى الصلة، وهو في استعمال الشرع: ( كلمة جامعة لكل أصناف الخير، ويُراد منه ما هو زائد عن حدود التقوى، فهو مرتبة فوق التقوى، ودون مرتبة الإحسان...).
والرجل البار رجل وفيّ عطوف في محبته، ويظهر أثر بره في تعامله مع والديه، وأقاربه، وجيرانه، وضيوفه، ومعارفه، ومعارف والديه، وأيتام المسلمين. ويتميز سلوك البار بالمداومة على الصلة؛ بالزيارة وبشاشة الوجه، والاستمرار في بذل المعروف، والإنفاق على الأرحام والمعارف، والإيثار على النفس.
وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم البر في مقابل الإثم في نصوص عديدة، مفسرة مرة باطمئنان النفس إلى الحلال الطيب، الذي لا شبهة فيه فقال: " البر ما اطمأنت إليه النفس "، وفي رواية: " البر ما سكنت إليه النفس، واطمأن إليه القلب، والإثم ما لم تسكن إليه النفس، ولم يطمئن إليه القلب.."الحديث. ووصف ابن حجر النفس البارة بأنها: ( المطمئنة الموهوبة نورا، يفرق بين الحق والباطل، والصدق والكذب ...) كما فُسّر البر في السنة بحسن الخلق كقوله صلى الله عليه وسلم: ( البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك ) وقيل في شرحه: ( أي التخلق بالأخلاق الحسنة مع الخلق والخالق، والمراد هنا المعروف، وهو طلاقة الوجه، وكف الأذى، وبذل الندى وأنه يحب للناس ما يحب لنفسه...).
ولأن درجة البر من أعلى الدرجات فلا يصل إليها المسلم إلا بعد مجاهدة للنفس، وإيثار للآخرة على علائق الدنيا وزينتها، ولذلك قال تعالى: (لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ).
حتى لا يكون للقلوب تعلق إلا بما عند الله ، ولتخلص النفوس لبارئها، وعندئذ يعلو مقامها عند الله، ولذلك " فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله..." – كما جاء في الحديث الصحيح – فالبر تقي كريم على الله، ومن كان كريما على الله كان كريما على عباده الصالحين والعقلاء، ولذلك يقول بعض الحكماء: لا تصادق عاقا فإنه لن يبرّك، وقد عقّ من هو أوجب حقا منك عليه.
ومن أوجب البر الإحسان إلى الأقرب فالأقرب، وليس أقرب من الوالدين، وقد أمرنا بالإحسان إليهما، وبمصاحبتهما بالمعروف، وبشكرهما، وبالصبر عليهما، وعدم التضجر منهما، وبالتواضع لهما وحسن الحديث معهما، والدعاء لهما ... وقد جاء في الحديث: " إن الله يوصيكم بأمهاتكم-ثلاثا- إن الله تعالى يوصيكم بآبائكم-مرتين- إن الله تعالى يوصيكم بالأقرب فالأقرب" والهالك من أدرك والديه فلم يبرهما، وقد دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذل والهوان على من فاتته فرصة البربوالديه فقال: " رغم أنفه. ثم رغم أنفه . ثم رغم أنفه ... من أدرك والديه عند الكبر: أحدهما أو كلاهما ثم لم يدخل الجنة " لأن الحياة فرص، وتفويت الفرصة المتاحة ليس من شأن المؤمن الفطن.
وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الثلاثة الذين لا يدخلون الجنة ( العاق لوالديه ) كما وصفه في حديث آخر بأنه ممن " لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا" ، ولا يسلم العاق من عذاب الله حتى في الدنيا، لقوله صلى الله لعيه وسلم: " بابان معجلان عقوبتهما في الدنيا: البغي والعقوق"، بالإضافة إلى أن العقوق من الكبائر. وكما أنه كبيرة شرعا، فإنه من أكبر صور الجحود وعدم الوفاء في نظر العقلاء.
وقد جعل الله البر بالوالدين بابا للفوز برضاه سبحانه، كما في قوله صلى الله لعيه وسلم: " رضا الرب في رضا الوالدين، وسخطه في سخطهما".
وهو من أحب الأعمال إلى الله " أحب الأعمال إلى الله: الصلاة لوقتها: ثم بر الوالدين، ثم الجهاد في سبيل الله".
وقد عبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في التماس رضا الأم بقوله: " الزم رجلها فَثمَّ الجنة"، وآثر الصحابي أن يقدم خدمة والديه على الجهاد الكفائي، فقال له: " فيهما فجاهد" –يعني الوالدين.
وفي قصة الثلاثة الذين حبسهم المطر في غار، وانسد عليهم الغار بصخرة كبيرة، مثل بليغ لتنزل رحمة الله وتفريج الكروب، إذا ما صلحت العلاقات المالية، وحفظت الأعراض، و استقرت العلاقات الأسرية، حيث توسّل كل منهم بصالح عمله، ومنهم الحريص على رضا والديه والمقدم لهما على أهله وولده، فكانت تنفرج الصخرة كلما دعوا حتى خرجوا من الغار سالمين.
ومن أبلغ البر بالوالدين وأصدقه وأخلصه ما يداوم عليه البار في حضور الوالدين، وفي غيبتهما، وفي حياتهما، وبعد موتهما، ومن صور هذا البر إكرام أصدقائهما وأحبابهما، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي الأب". وفي رواية أخرى: " من البر أن تصل صديق أبيك" و " من أحب أن يصل أباه في قبره، فليصل إخوان أبيه من بعده"، يقول النووي: ( وفي هذا فضل صلة أصدقاء الأب، والإحسان إليهم وإكرامهم، وهو متضمن لبر الأب وإكرامه؛ لكونه بسببه، وتُلحق به أصدقاء الأم، والأجداد، والمشايخ والزوج والزوجة).
ومن إكرام الأب إكرام العم لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن عم الرجل صِنْو أبيه" ، ومن البر بالأم الإحسان إلى الخالة، فقد ورد أن رجلا أذنب ذنبا كبيرا وتساءل إن كان له توبة؟ فدلّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على باب من البر يكفر عنه ما أذنب، فقال له: "ألك والدان؟" قال: لا. قال: " فلك خالة؟" قال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " فبِرَّها إذن".
وأثر بر الولد يصل إلى والديه، حتى بعد موتهما؛ بدعائه لهما، كما في الحديث: " أربع من عمل الأحياء تجري للأموات: رجل ترك عقبا صالحا يدعو له ينفعه دعاؤهم...." وكم يستبشر قلبك حين تعلم أن استغفارك لأبيك المؤمن يرفع درجته في الجنة، ويعجب هو هناك، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الرجل لتُرفع درجته في الجنة، فيقول: أنى لي هذا؟! فيُقال: باستغفار ولدك لك".
ومن صور البر إليهما بعد موتهما التصدق عنهما، جاء في الحديث الصحيح: أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إن أبي مات ولم يوص، أفينفعه أن أتصدق عنه؟ قال:" نعم "، ولقد كان من بر رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمه رغم أنها ليست من أمته أنه استأذن ربه في الاستغفار لها حيث قال: " استأذنت ربي أن أستغفر لأمي، فلم يأذن لي، واستأذنته أن أزور قبرها فأذن لي "، وورد عن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: قدمت عليّ أمي وهي راغبة مشركة فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت عليّ وهي راغبة مشركة، أفأصلها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " صليها ".
هذا شأن البار حين يكون ابنا، وهو إن نشأ على البر انعكس أثر بره في التعامل مع بنيه، وربما كانت التوجيهات النبوية إلى البر بالآباء أكثف وأغزر، لأن الإنسان بفطرته ميال إلى ولده، حريص عليه، متلهف للأخذ بيده إلى معالي الأمور، بينما قد ينسى البشر جيلا سابقا في طريقه إلى أن يولي، وهم في غمرة انشغالهم بجيل لاحق، يوشك أن يتمكن في الأرض، فاحتاج البشر إلى لفته تذكرهم بفضل الجيل السابق، لئلا يغفلوا عنه، وليقدموا إليه بعض صور الوفاء بحقه، وهم أنفسهم في طريقهم إلى أن يكونوا في يوم من الأيام ذلك الجيل السابق، وسيندبون ضعف الوفاء في بنيهم إن لم يبروهم.
ومن صور البر بالأبناء التي وجه إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم العدل بينهم، بحيث لا تثور الضغائن، ولا تتحرك الأحقاد، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " اعدلوا بين أولادكم في النِحَل-العطايا-كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف"، ولما جرت به بعض الجاهليات من إيثار الأولاد على البنات، فقد خص رسول الله عليه وسلم البر بالبنات بلفتات خاصة، منها قوله: " ليس أحد من أمتي يعول ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، فيحسن إليهن، إلا كن له سترا من النار".
وصاحب البر يتعدى بره الوالدين والأبناء إلى الأرحام والأقارب، ولأن الوفاء والإحسان أصيل فيه، فإنه يتميز به مع جميع الناس الذين يتعامل معهم، وفي مقدمتهم الأقرب فالأقرب، ولذلك حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على توثيق هذه الصلات فقال: " اتقوا الله وصلوا أرحامكم"، وهذه الصلة من أحب الأعمال إلى الله: " أحب الأعمال إلى الله: إيمان بالله ثم صلة الرحم ..." وهي من أبواب الجنة لقوله صلى الله عليه وسلم: " أطب الكلام، وأفش السلام، وصل الأرحام، وصل بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام".
ولما لبر الأرحام وصلتهم من المنزلة عند الله، فقد أخذ على نفسه –سبحانه- أن يصل البار الواصل، كما جاء في الحديث من قول الله للرحم: " أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب، قال: فهو لك" وجعل الوصل من أسباب البركة في العمر، كما جاء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يُبسط له في رزقه، وأن يُنسأ له في أثره، فليصلْ رحمه".
هذا بالإضافة إلى أثرها الاجتماعي في التأليف والمحبة، وقد قال صلى الله عليه وسلم: " صلة القرابة مثراة في المال، محبة في الأهل، منسأة في الأجل". وكما يعجل الله عقوبة العاق والقاطع فإنه ليعجل المثوبة في الدنيا للبار الواصل، كما في الحديث: "... وإن أعجل الطاعة ثوابا لصلة الرحم، حتى إن أهل البيت ليكونوا فجرة، فتنموا أموالهم، ويكثر عددهم، إذا تواصلوا" وهذا رغم فجورهم.
وقد يقابل الواصل بالجفاء، مما قد يغريه بالقطيعة، ولكن الله نصيره إذا ما داوم الصلة، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا رسول الله: إن لي قرابة، أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إليّ، وأحلم عنهم ويجهلون عليّ، فقال: "لئن كنت كما قلت، فكأنما تُسفُّهم الملّ، ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك".
وخير الوصل، والخالص لوجه الله، ما كان بالبر والإحسان إلى من يقابلك بالعداوة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: " إن أفضل الصدقة، الصدقة على ذي الرحم الكاشح"، أي المعادي، يقول ابن الجوزي في بيان علة الأفضلية: ( وإنما فُضّلت الصدقة عليه لمكان مخالفة هوى النفس، فأما من أعطى من يحب إنما ينفق على قلبه وهواه)، وقد كان حال البارّين الواصلين لأرحامهم على هذه الصورة من الإحسان، حتى مع اختلاف الدين، ويشهد لذلك ما ورد من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُهديت إليه حُلل كان قد قال عن مثلها: " إنما يلبس هذه من لا خلاق له". فأهدى منها إلى عمر، فقال عمر: كيف ألبسها وقد قلبت فيها ما قلت؟ قال: إني لم أعطكها لتلبسها، ولكن تبيعها أو تكسوها، فأرسل بها عمر إلى أخ له من أهل مكة قبل أن يُسلم.
ويجب على البار أن يستمر في صلة أرحامه ولو بأدنى صور الوصل، كما قال صلى الله عليه وسلم: " بُلُّوا أرحامكم ولو بالسلام " –أي صلوا أرحامكم-.
وتتسع دائرة البر لتشمل الجيران، وقد أوصى بهم جبريل كثيرا: " لقد أوصاني جبريل بالجار، حتى ظننت أنه يورثه"، وقال صل الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليحسن إلى جاره ...." ونفى الإيمان الكامل عمن " لا يأمن جاره بوائقه " و " من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به" . وفي وصيته صلى الله عليه وسلم لأبي ذر: " يا أبا ذر ٌ! إذا طبخت فأكثر المرقة، وتعاهد جيرانك أو اقسم بين جيرانك" وقد ذُكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة تقوم الليل، وتصوم النهار، وتفعل وتصّدّق، وتؤذي جيرانها بلسانها، قال صلى الله عليه وسلم: " لا خير فيها، هي من أهل النار".
وكثير من صور البر تقتضي جودا وإنفاقا، ومما حث به رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: " نفقة الرجل على أهله صدقة" ، " وأفضل الدنانير دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله، وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار، يعفهم الله ويغنيهم به؟!"
كل هذه الصور إنما هي أمثلة من حياة البار، وإن كانت مظاهر بره تسع جميع المتعاملين معه من القريبين منه والمحتكين به.
والبر يولّد البر، والصلة تستدعي مزيدا من الصلة، وتلتحم أواصر الأسر، وتتوثق العلاقات الاجتماعية، فإلى مزيد من البر والصلة.
محمود الخزندار

Post: #836
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-09-2015, 09:15 PM
Parent: #787

كتب ربنا على نفسه الرحمة فضلاً منه على عباده، فأباح لهم ما هو طيب ونافع، وحرم عليهم كل ما هو خبيث وضار.
قال الله تعالى مبينا سمة شريعة الإسلام:
(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ ).
وما جعل الله هذه المحرمات للتضييق على العباد، فشرع الله يسر كله ورحمة كله (مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ )، (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )، (يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا ).
إنما حرم الله على عباده أشياء معينة صيانة للعباد أنفسهم وحماية لدينهم وعقولهم وأعراضهم وأنسابهم وأبدانهم.
انظر إلى المحرمات وتدبر واسأل نفسك عن الفوائد التي تجنيها المجتمعات من خلال هذا التحريم.
خذ مثلا تحريم القتل والاعتداء على الأنفس، إذا التزم الناس به شاع في الناس الأمن على الأنفس والأبدان وإذا التزم الناس بتحريم السرقة أمنوا على أموالهم وممتلكاتهم، وإذا التزم المجتمع بتحريم الزنا ووسائله أمنوا على أعراضهم وأنسابهم.
وإذا التزموا بتحريم المسكرات والمخدرات حفظت عقولهم، وإذا التزموا تحريم قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وأذية الجيران شاعت المودة والألفة والرحمة..
فأي سمو في التشريع هذا الذي عليه تشريع الإسلام!!
لكن إذا نظرنا إلى الواقع لوجدنا فئات من الناس قد استهان بالمحرمات فتجرأت عليها غير مبالين بنظر الله تعالى إليهم، وقد كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول:
" إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه، وإن المنافق يرى ذنوبه كذباب وقع على نفسه فقال به هكذا".
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التهاون بالمحرمات وإن ظن العبد أنها ليست ككبائر الذنوب فقال صلى الله عليه وسلم: " إياكم ومحقرات الذنوب، فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه" وضرب لهن مثلا فقال: "كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم، فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود، والرجل يجيء بالعود، حتى جمعوا سواداً فأججوا نارا، وأنضجوا ما قذفوا فيها".
ومحقرات الذنوب هي ما لا يبالي المرء به من الذنوب، وما يعدونه صغائر، لأن إدمان الصغائر يودي إلى ارتكاب كبارها.
إن العبد إذا كان قوي الإيمان تحرج من كل معصية صغرت أو كبرت لأنه ينظر إلى عظمة من عصاه، أما إذا ضعف الإيمان عند العبد فإنه يتجرأ على المعاصي ويستهين بها، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن،ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".
فاستهانة العبد بالمحرمات وشعوره أنه لم يفعل شيئا هو بحد ذاته دليل على ضعف الإيمان، وهو أيضا سبب لتعظيم الذنب بحق مرتكبه كما أكد على ذلك العلامة ابن القيم رحمه الله:
ويدل على هذا المعنى ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: " إنكم لتعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات".
لقد عظموا حرمات الله حين قوي الإيمان في نفوسهم، واستشعروا في جميع أحوالهم عظمة الله ومراقبته، يقول بلال بن سعد:
" لا تنظر إلى صغر المعصية ولكن انظر إلى من عصيت".
وإذا تمادى العبد في ارتكاب الذنوب مستهينا بها غير مبالٍ بنظر الله تعالى إليه فربما عوقب بعقوبة أخرى أشد وهي تزيين المنكر بحيث يظن عند ارتكابه أنه يحسن الصنع:
(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا).
إن العبد قد لا يصل إلى هذا الحال الذي لا يحبه الله دفعة واحدة، بل يبدأ مسلسل الانحراف والانحدار خطوة خطوة، ولهذا حذرنا الله تعالى من اتباع خطوات الشيطان:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِي السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِين).
إن الشيطان قاعد للإنسان بالمرصاد يوسوس له ويلقي عليه الشبهات والأباطيل ليضله عن سبيل الله أو على الأقل يجعل سيره في هذه الطريق محفوفا بالتضييع والتفريط.
وحين يستجيب المسلم لهذه الوساوس، ويتبع تلك الشهوات يُبتلى بالاستهانة بالمحرمات وإذا وصل إلى هذه الحال فلربما سقط من عين الله تعالى، كما قال بعضهم في أمثال هؤلاء:
هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم.
وقال الله تعالى: (وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ ).
فلا يظنن من تيسرت له أسباب المعاصي أن ذلك بذكائه وفطنته أو جماله وخفته، إنما ذلك والله لهوانه على الله وسقوطه من عين ربه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من أراد أن يعلم ما له عند الله، فلينظر ما لله عنده" رواه الدارقطني، وأبو نعيم في الحلية، وزاد الحاكم: " فإن الله يُنزل العبد منه حيث أنزله من نفسه".
فليستحضر العبد عظمة ربه واطلاعه عليه ومراقبته إياه: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ)، (لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأَرْضِ).
ثم ليوقن أنه سيقف بين يدي ربه يوم القيامة وستنطق جوارحه بما فعلت، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يقول العبد يوم القيامة: يا رب، ألم تجرني من الظلم؟ فيقول: بلى، فيقول: إني لا أجيز على نفسي إلا شاهداً مني، فيقول: (كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا)، وبالكرام الكاتبين شهودا فيختم على فيه، ويقال لأركانه: انطقي، فتنطق بأعماله، ثم يخلى بنيه وبين الكلام، فيقول: بُعداً لكن وسُحقاً، فعنكن كنت أناضل".
فحري بنا أن نحاسب أنفسنا اليوم قبل أن نحاسب غداً.
العـمر ينقص والذنـوب تـزيد وتُقال عثرات الفتى فيعود
هل يستطيع جحود ذنبٍ واحدٍ رجلٌ جوارحه عليه شهود
نسأل الله أن يتوب علينا، وأن يجعلنا ممن يعظمون حرماته ويقفون عند حدوده، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه محمد وآله وصحبه والتابعين.
اسلام ويب

Post: #837
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:08 AM
Parent: #787

المزاح المحمود
إن النفوس تمل وتتسلل إليها السآمة والضيق، فتحتاج بين الحين والآخر إلى نوع من الترويح.

فالإنسان بطبعه إذا كثر عليه الجد ملّ وكلّ، فيلوذ إلى شيء من المزاح والدعابة، ولا بأس بهذا إذا لم يزد عن حد الاعتدال أو يحمل صاحبه على ارتكاب ما نهى الله عنه.
وقد بيّن النبي صلى الله عليه وسلم حاجة الناس إلى نوع من الراحة والترويح عن النفوس حين قال لحنظلة رضي الله عنه:
" والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".
فهناك ساعة للتعبد والجد والإقبال، وأخرى يجلس فيها الإنسان مع أهله وأولاده مستمتعين بما أحله الله من أمور الدنيا بما في ذلك مداعبة الأهل والأطفال والأحباب....إلخ.
العرب يمدحون بالمزاح:
لقد كانت العرب تمتدح بالمزاح وتذم بالعبوس ويقولون ممتدحين شخصا:
فلان وضّاح الثنايا، طلق الوجه، ضحوك للضيف.
ويعدون هذا مما يمدح به الإنسان، لأنه يدل على كرم أخلاقه وحسن عشرته وطيب معاملته.
ومما لا شك فيه أنهم يقصدون الاعتدال في ذلك؛ لأن المزاح إذا زاد عن حد الاعتدال كان مهانة ووضعا من قدر صاحبه، يجرئ عليه الحمقى والصغار والسفهاء، يقول أبو تمام مادحا رجلا:
الجِدُّ شيمته وفيه دُعابةٌ طورا ولا جدّ لمن لا يلعب
فالأصل هو الجد وتكون الدعابة والمزاح أحيانا.
من صور المزاح المباح:
لقد سجّل علماؤنا في كتبهم وروى الصحابة رضي الله عنهم صورا من مزاح خير البشر وسيد ولد آدم عليه الصلاة والسلام، وهو قائد الأمة الذي شيبته الهموم والآيات والنذر، ومع هذا يمزح ويضحك ولا يقول إلا حقا.
فكان يقول لأحد إخوان أنس رضي الله عنه: " يا أبا عمير ما فعل النُّغير؟"
وهو يقول له ذلك على سبيل المزاح والمداعبة، والنغير طائر يشبه العصفور.
وكان رجل من الأعراب اسمه زاهر الأسلمي يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بهدايا مما يستطرف من البادية، وكان النبي يهدي إليه، فيقول صلى الله عليه وسلم: " إن زاهرا باديتنا ونحن حاضرته" فجاء النبي صلى الله عليه وسلم يوما فوجد زاهرا يبيع في السوق، فتسلل من ورائه واحتضنه وقال: " من يشتري العبد؟" . فالتفت زاهر فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل لا يألو ما ألصق ظهره برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:إذن تجدني كاسدا يا رسول الله. فقال الرسول: " لكنك عند الله لست بكاسد".
وكان ينادي على أنس بن مالك فيقول: "يا ذا الأذنين"، ممازحا له،وكل ابن آدم له أذنان.
وكان له من المواقف ما يحمله على الضحك والتبسم وفي السنة من ذلك الشيء الكثير، ومن ذلك أنه كان يحدث يوما وعنده رجل من أهل البادية قال: "إن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع، فقال: ألست فيما شئت؟ قال: بلى، ولكني أحب أن أزرع. قال: فبذر، فبادر الطرف نباته واستواؤه واستحصاده، فكان أمثال الجبال، فيقول الله: دونك يا ابن آدم فإنه لا يشبعك شيء". فقال الأعرابي:والله لا تجده إلا قرشيا أو أنصاريا، فإنهم أصحاب زرع، وأما نحن فلسنا بأصحاب زرع. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم.
من مزاح الصحابة رضي الله عنهم:
إن الصحابة هم أصلح الخلق بعد الأنبياء والمرسلين، وقد كانوا يحملون همَّ هذا الدين وهم الذين قيضهم الله ليجاهدوا مع نبيه صلى الله عليه وسلم، ومع هذا كان عندهم وقت للضحك والمزاح، فقد روى البخاري في الأدب المفرد وصححه الألباني: " أن أصحاب النبي كانوا يتبادحون بالبطيخ فإذا كانت الحقائق كانوا هم الرجال".
كما كانوا يتناشدون الأشعار ويتذاكرون أمر الجاهلية فيضحكون والنبي صلى الله عليه وسلم يبتسم.
وجلست أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين سودة رضي الله عنهما مع الرسول صلى الله عليه وسلم وقد صنعت عائشة طعاما فقالت لسودة كلي فأبت، فقالت: كلي أو لألطخن وجهك. فلم تأكل، فأخذت عائشة من القصعة شيئا فلطخت به وجهها، فأرادت سودة أن تقتص من عائشة فأذن لها الرسول ففعلت بعائشة مثل ما فعلت بها والرسول صلى الله عليه وسلم يضحك.
والعلماء يمزحون:
فقد كان العلماء يحملون هم تعليم الأمة ونشر السنة، وكانوا يمازحون أحيانا طردا للملالة أو تعليما لطلابهم.
فهذا الشعبي رحمه الله جبل من جبال العلم، واحد أئمة التابعين، كان نحيل الجسم فلقيه رجل فقال له: ما لي أراك نحيلا؟ فقال: لقد زحمت في الرحم.وقد كان له توأم.
وسأله رجل عن اسم امرأة إبليس فقال: ذاك نكاح ما شهدناه.
وجاء رجل وهو جالس مع امرأته فقال: أيكم الشعبي؟ فأشار إلى امرأته وقال: هذه.
وكان محمد بن سيرين ظريفا يضحك ويداعب حتى قيل: كان محمد بن سيرين يداعب ويضحك حتى يسيل لعابه، فإذا أردته على شيء من دينه كانت الثريا أقرب إليك من ذلك.
أما الأعمش وهو من الأئمة الثقات فكان من أكثر الظرفاء وله طرائف كثيرة، منها أنه حج فغضب على الجمّال فضربه حتى شج رأسه، فقيل له في ذلك، فقال: من تمام الحج ضرب الجمّال.
من أمثلة المزاح المحمود
إن المزاح المحمود كما بينا هو ما كان على سبيل الاعتدال ويجتنب فيه ما حرم الله تعالى ولا يكثر بحيث يجلب على صاحبه المهانة والاستخفاف. ومن ذلك ما يكون مع الإخوان بقصد تسليتهم وإدخال السرور عليهم.
وقد عُرف عن علي بن أبي طالب ومعاوية وغيرهما ممازحة إخوانهم والتبسط معهم، وكان إبراهيم بن أدهم يباسط إخوانه و يمازحهم فإذا حضر غريب أعرض وانقبض، لأن المزاح مع من لا تعرف ربما كان سببا في المهانة والحط من قدرك.
ومن المزاح المحمود ما كان مع الأهل والزوجة:
ولا يخفى علينا جميعا قصة عائشة رضي الله عنها حين قامت على كتفه صلى الله عليه وسلم تنظر إلى الحبشة في يوم العيد وهو يلعبون حتى انصرفت.
كما اشتهرت جدا قصة مسابقة أم المؤمنين عائشة حين سبقته وبعد مدة سابقها فسبقها، فضحك وقال: " هذه بتلك".
وأما مزاحه مع الأولاد وملاطفتهم فكثير ثابت في سنته حتى إنه أطال السجود يوما وركب الحسين على ظهره، فقالوا: يا رسول الله إنك أطلت؟ قال: " إن ابني ارتحلني فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته".
فهذه أمثلة للمزاح المحمود الذي ينبغي أن يتوخى فيه المسلم حد الاعتدال وأن ينوي به إدخال السرور على المسلمين ومؤانستهم ورفع الكلفة مع إخوانه، وغير ذلك من المقاصد الحسنة.
والحمد لله رب العالمين.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
للاستزادة: كتيب المزاح للشيخ سلمان العودة

Post: #838
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:10 AM
Parent: #787

الصدق مع الله
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه, وبعد:
فإن هذا الدين الحنيف يحث على مكارم الأخلاق من عفة ومروءة وحسن خلق وصلة رحم ... وغيرها من الأخلاق التي عظم الشرع أجر من تحلى بها، ومن جملة هذه الأخلاق الكريمة خلق الصدق الذي أمر الله بالتحلي به فقال تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالصدق...". الحديث.
وللصدق معانٍ كثيرة ولكن حديثنا هنا عن الصدق مع الله تعالى، قال ابن القيم رحمه الله تعالى: [ليس شيء أنفع للعبد من صدق ربه في جميع أموره، مع صدق العزيمة، فيصدقه في عزمه وفي فعله قال تعالى: { فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}
فسعادته في صدق العزيمة وصدق الفعل .... ومن صدق الله في جميع أموره صنع له فوق ما يصنع لغيره].أ.هـ.

وقد امتدح الله تعالى بعض عباده ووصفهم بالصدق، فقال عن عبده وخليله إبراهيم عليه السلام:
(وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقاً نَبِيّاً) (مريم:41)

كما امتدح نبيه إسماعيل فقال: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيّاً) (مريم:54).
كما امتدح نفرا من المؤمنين فقال:{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.

والصادقون مع الله تعالى لهم كل خير في الدنيا والآخرة، كما قال تعالى:

{وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلاَ نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ مُّحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَأَوْلَى لَهُم * طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ فَإِذَا عَزَمَ الأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم}.
وإذا أردت دليلا عمليا على عظم قدر الصدق مع الله تعالى فانظر إلى قصة كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه عند تخلفه عن تبوك، فقد قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " ما خلفك؟ ألم تكن قد ابتعت ظهرك؟" فقال: يا رسول الله إني والله لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أني سأخرج من سخطه بعذر، ولقد أُعطيت جدلا- أي فصاحة وقوة في الإقناع – ولكني والله لقد علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن الله أن يسخطك عليّ، ولئن حدثتك حديث صدق تجد عليّ فيه-تغضب عليّ بسببه- إني لأرجو فيه عفو الله، والله ما كان لي عذر، والله ما كنت قط أقوى ولا أيسر في حين تخلفت عنك. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " أما هذا فقد صدق". فأنزل الله توبته وإن كانت بعد مدة، يقول الله:

{لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيم * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيم}. ثم عقب بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِين}.

الصدق مع الله تعالى نجاة من الشدائد
ففي حديث الثلاثة الذين أُغلق عليهم الغار أنه قال بعضهم لبعض:
إنه و الله يا هؤلاء لا ينجيكم إلا الصدق، فليدع كل رجل منكم بما يعلم أنه صدق فيه...
فتوسل أحدهم بعفته، وآخر بأمانته، وآخر ببره بوالديه ففرج الله عنهم.
وأعجب من ذلك قصة الخليل عليه السلام حين صدق الله في تنفيذ الرؤيا بذبح ولده، فإنه لما صدق مع الله وشرع في تنفيذ الأمر كان الفرج وكانت العطايا والخيرات العظام من الله تعالى (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ.قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ.وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ).(الصافات:104- 107).

وهذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى حين صدق مع الله تعالى في فتنة المعتزلة بالقول بخلق القرآن وثبت على عقيدة أهل السنة أن القرآن كلام الله تعالى،وابتلي في الله فصبر وثبت وصدق فنجاه الله وكتب له الذكر الجميل وصار يعرف بإمام أهل السنة، برغم أنه ليس إمامهم الأوحد ولا الأسبق فقد سبقه على الدرب كثيرون لكنه الصدق مع الله تعالى.

فيا أيها الحبيب ترى هل لك من عمل صدقت مع الله فيه تطمع أن ينجيك الله به من الشدائد إذا نزلت بك؟

وانظر إلى هذا الرجل الأعرابي الذي جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم مؤمنا وهاجر معه فلما كانت غزوةٌ غنم فيها النبي غنائم فقسمها وجعل له نصيبا، فقال: ما على هذا اتبعتك، ولكن اتبعتك على أن أُرمى بسهم هاهنا- وأشار إلى حلقه-فأموت فأدخل الجنة. فقال صلى الله عليه وسلم: " إن تصدق الله يصدقك". فلبثوا قليلا ثم نهضوا إلى قتال العدو، فأصابه سهم حيث أشار فحملوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:" أهو هو " قالوا: نعم. فقال:" صدق الله فصدقه".

فكفنه في جبته التي عليه ثم قدمه فصلى عليه فكان من دعائه: " اللهم هذا عبدك خرج مهاجرا في سبيلك فقتل شهيدا، أنا شهيد على ذلك".
أنس بن النضر رضي الله عنه ووفاؤه في أحد
أما أنس بن النضر فقد خرج لطلب الرعي ولما رجع علم بما كان من غزوة بدر والقتال الذي دار بين المسلمين والمشركين، فحزن حزنا شديدا وعاهد الله تعالى لئن أحياه حتى يلقى رسول الله المشركين ليرين الله ما يصنع، وجاء وقت الوفاء في غزوة أحد حين رأى أنس تخاذل بعض المسلمين وقعودهم حين أشيع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد مات، فقال: إ ن كان رسول الله قد مات فقوموا فموتوا على ما مات عليه نبيكم، ثم شهر سيفه وقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المسلمين ـ ، وأبرأ إليك مما صنع هؤلاء ـ يعني المشركين وانطلق بين صفوف المشركين فرآه سعد فقال أين يا أنس، فقال أنس: واها لريح الجنة إني لأجده دون أحد، فقاتل القوم قتالا شديدا حتى وقع قتيلا، وبعد المعركة تفقد المسلمون قتلاهم وإذا هم أمام جثمان رجل به أكثر من ثمانين جرحا ولا يعرفه أحد من كثرة الجراحات حتى عرفته أخته ببنانه، وكانوا يرون أن فيه وفي أمثاله نزل قول الله تعالى: :{مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً}.
أما عن جزائهم يوم القيامة فقد قال الله عز وجل:
{... هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيم}.
احذر الكذب مع الله
وإذا كان الصدق مع الله تعالى بهذه المنزلة، فقد حذر الله عباده من ضد ذلك وبين سوء العاقبة لمن وقع فيه حيث قال:
{وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِين * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُون* فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُون}.
فاصدق مع الله تعالى تر كل خير واستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم:
" من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه".

نسأل الله أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.

اسلام ويب

Post: #839
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:14 AM
Parent: #787

كيف نتواصى فيما بيننا
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

بقاء الدين والمجتمعات ببقاء الوصية بين الناس

لقد مدح الله -عز وجل- المتواصين بالحق والصبر والمرحمة فقال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} [البلد:17]، وقال: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:1-3].

وسنة التواصي سنة إلهية نبوية، أوصانا الله بوصايا، وأوصانا نبيه -صلى الله عليه وسلم- بوصايا، وأمرنا تعالى أن نتواصى فيما بيننا، وأوصانا نبينا -صلى الله عليه وسلم- بالتواصي كذلك.

الوصية: عهد وكلام وأمانة يفارق عليها الإنسان من أوصاه، الوصية كلام مهم {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3]، يضيع الحق لو لم يحصل التواصي به، التواصي بالحق من أسباب حفظ الحق، أن يبقى الحق معروفاً بيناً، متناقلاً بين الأب وأولاده، والأخ وإخوانه، والإمام ومن يصلي وراءه، والمسلمين عموماً عندما تكون سنة التواصي بينهم قائمة يبقى الحق معروفاً وإلا ضاع، والتمسك بالحق لا يمكن إلا بصبر؛ لأن الحق صعب، وهناك تحديات؛ لأن التمسك بالحق فيه معاناة، وخصوصاً في أزمان الفتنة، فلا بد من صبر على التمسك؛ حتى لا يبقى مجرد علم غير معمول به، ولذلك قال: {وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ}، الصبر على طاعة الله، الصبر عن معصية الله، الصبر على أقدار الله المؤلمة، ثم التواصي بالمرحمة، المرحمة أن يرحم الناس بعضهم بعضاً، يلين بعضهم لبعض، يعطف بعضهم على بعض، وبهذه الثلاثة يكمل دين الناس، التواصي بالحق، والتواصي بالصبر، والتواصي بالمرحمة.

ثم إننا نجد يا عباد الله في كتاب الله -عز وجل- أنواعاً من الوصايا، الإنسان ضعيف، ينزلق، وينحرف، ويذنب، ويعصي، ويخالف، الوصية ترد إلى الحق، بل تمنعه من الوقوع في الذنب أصلاً، وعندما يقوم المجتمع كله بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر، يواصلون سيرهم على هذا الحق، ويتواصون بالمرحمة، فيصبحون كالجسد الواحد، فيكتمل بنيان المجتمع.

وصايا ذكرها القرآن

وصية لقمان لابنه

من الوصايا التي ذكرها لنا ربنا في كتابه: {وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، وهناك في الأرض اليوم شرك كثير، شرك في أضرحة وقبور وأموات وأحياء، شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي، ما لي إلا الله وأنت، لولا الله وفلان، بفضل الله وفضلك، كثير في كلام الناس، الحلف بالأمانة، بحياة أبيه، بشرفه، ونحو ذلك.

الشرك درجات {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ} [لقمان:13] لا شرك أكبر ولا أصغر ولا خفي، {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:13]، ثم زرع الخوف في نفس الولد من الله {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ} [لقمان:16]، ستذهب منه إلى أين؟ هل يمكن أن تعصيه في مكان لا يراك فيه؟ {إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16]، بعد زرع التوحيد في نفس الولد الوصية بالعبادات، لما بنيت قاعدة الإيمان تؤسس عليها الآن الأعمال، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ} [لقمان:17] إقامة الطهور والأركان والواجبات والشروط مع الأخذ بالسنن {أَقِمِ الصَّلاةَ}، ولا بد من نشر الدعوة، ولا يقال: هذا ولد صغير غير مسؤول عن دعوة الناس، كل واحد مسؤول حتى الصغير، لماذا لا ينصح الصغير؟ بل قد تكون نصيحة الصغير أحياناً أبلغ من نصيحة الكبير، ثم تهيئة الولد للمستقبل مهمة، وإعطاؤه الوظائف، {يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [لقمان:17] وحيث أن هذا ثقيل، وفيه مصادمة لأهواء الآخرين {وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [لقمان:17] ثم بيّن له أصول التعامل مع الآخرين؛ لأن الأخلاق مهمة جداً، ليست الأخلاق كل شيء، التوحيد والصلاة أهم، لكن بدون أخلاق كيف يعيش الإنسان؟ نافراً منفراً، ولذلك ثلَّث بالأخلاق أو ربَّع بها بعد التوحيد والإيمان والنهي عن الشرك، وبعد إقامة الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر جاءت قضية الأخلاق، {وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ} [لقمان:18] لا كبر، {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ * وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان:18- 19]، فهذا أنكر الأصوات قاطبة مهما حاول علماء الحيوان أن يأتوا بصوت أقبح من صوت الحمار فلن يستطيعوا، {إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ}، فذكر له أصول الحكمة وقواعدها الكبار.

الوصية منهج القرآن

الوصية منهج قرآني، {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً} [الشورى: من الآية13]، ربنا -عز وجل- وصى أنبياءه، {وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، استقيموا على التوحيد، ولا تتفرقوا في سبل الشرك، استقيموا على السنة ولا تتفرقوا في طرائق البدعة، {أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} [الشورى: من الآية13]، وهكذا قال سبحانه أيضاً: {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء: من الآية131] فهذه وصية الله للأولين والآخرين والمتقدمين والمتأخرين تقوى الله.

وكذلك وصانا ربنا بالوالدين {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} [الاحقاف: من الآية15]، وإذا قلت: ما هي آيات الوصايا العشر فإنها المذكورة في سورة الأنعام، {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ} [الأنعام:151]، وما أكثر الوقوع في الفواحش في هذا الزمان؛ لأن الدعاية لها صارت في الجوالات، ومواقع الشبكات، وأفلام الشاشات، ودخلت من كل طريق، الترويج والدعاية والدعوة للفواحش، ، ما قال الله لنا فقط لا تقعوا في الفواحش، قال: {لا تَقْرَبُوا }، معناها كل ما يقرب إلى الفواحش من نظرة من مقطع إباحي، لا تقربوا ذلك، {وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام:151]، هناك أشياء ظاهرة وأشياء خفية، {وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، تكملة الوصايا {وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [الأنعام:152] تنميه، تحفظه، تتاجر به في غير مخاطرة بالغة، {حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} [الأنعام:152]، بين قريب وبعيد لا بد أن تعدل، ولا يجعلنك القرب تجحف، {وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام: من الآية152] مرة أخرى أعادها {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ * وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:152-153] مرة ثالثة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}، هذه الوصايا الجامعة لأبواب الخير، الموصدة لأبواب الشر، التي فيها أصول التوحيد والعبادة والفضائل والأخلاق، وهكذا كمال الدين، لا يوجد نظام آخر لا في الشرق ولا في الغرب فيه هذا التكامل، ولا هذه المزايا، ولا هذه الفضائل والمحاسن، الأنبياء يوصي الآباء منهم الأبناء، {وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ} [البقرة:132] هذا التوحيد والإسلام العام، {فَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [البقرة: 132] مخلصون لله، لا شرك لا رياء، مخلصون مسلمون مستسلمون، لا اعتراض، لا خروج، ولا حيدة، وهكذا.

من وصايا النبي لأصحابه

وصايا النبي -صلى الله عليه وسلم- لأصحابه نجدها يقول لأبي ذر: " أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن" [رواه أحمد برقم (20592) وهو حسن لغيرة كما قال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: برقم(3161)]؛ لأن الحسنات يذهبن السيئات، هذا بينك وبين الله، وبينك وبين الخلق، إذا أسأت إلى واحد أحسن إليه، اعتذار، هدية، "ولا تسألن أحداً شيئاً وإن سقط سوطك" [التخريج السابق]، كان النزول عن الدابة فيه مجهود، تنزل الدابة ثم ينزل هو، ثم، سقط السوط على الأرض وهو على ظهر الدابة لا تقل لأحد: ناولني إياه، انزل، مع ما في النزول من المشقة والجهد؛ لئلا تسأل أحداً شيئاً، حتى لا تحتاج إلى أحد، تربي نفسك على عدم الحاجة إلى الخلق، الاستقلال عن الحاجة للخلق حرية، قال: "ولا تقبض أمانة، ولا تقض بين اثنين" [التخريج السابق] لماذا؟؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه- لم يكن عنده قدرة في هذا فأمره بتركه، بعض الناس لا يستطيع المحافظة على الأمانة، ليس من باب الخيانة وأنه يسرقها، لكن ليس عنده قدرة على الحراسة، الرعاية مثلاً، قد يكون عنده زهد بالغ، فيزهد في كل شيء، يكون هذا أمانة للناس، "ولا تقض بين اثنين"؛ لأن القضاء يحتاج إلى نفسيات معينة، وأحوال وشخصيات، فربما يكون في الإنسان ما يمنع من القضاء، كورع شديد يجعله أحياناً يكلف الأطراف أكثر مما يجب، وقال -رضي الله تعالى عنه-: "أوصاني خليلي -صلى الله عليه وسلم- بسبع: ((ألا أخاف في الله لومة لائم)) [رواه أحمد برقم (20447)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب برقم (2525)]، وهذه مهمة؛ لأن اليوم ضاع كثير من الحق بسبب الخوف من المخاليق، والمخلوق ما هو؟ أوله نطفة، وآخره جيفة كائناً ما كان، ((وأن أنظر إلى من هو أسفل مني، ولا أنظر إلى من هو فوقي)) [التخريج السابق] هذا في أمور الدنيا، تحمد الله على النعمة واعرف قدرها، ((وأوصاني بحب المساكين والدنو منهم)) [التخريج السابق]؛ لأن هذا يلين القلب، ما يكون الإنسان فقط مع علية القوم، ومع الأغنياء، إنما يكون مع المساكين، يجعل للمساكين نصيباً من وقته، مع الفقراء، هؤلاء الذين يطعمون الفقراء عند أبواب المساجد في رمضان فيهم رقة قلب، وفيهم تربية حميدة لأنفسهم، وفيهم نصيب من الأخذ بهذه الوصية، ((وأوصاني بأن أقول الحق وإن كان مراً)) [التخريج السابق] وإن كان على نفسك، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت)) [التخريج السابق] ما يكلمونني، ولا يزورونني، ولا يسألون عني، ((وأوصاني بصلة الرحم وإن أدبرت، وأوصاني ألا أسأل الناس شيئاً، وأوصاني أن أستكثر من قول: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فإنها كنز من كنوز الجنة)). رواه أحمد وابن حبان وصححه الألباني.

فأراد النبي -صلى الله عليه وسلم- إذاً ضبط الموازين، وهو الذي يتابع أصحابه ويتعاهدهم، ((يا معاذ، لا تدعن في دبر كل صلاة أن تقول: اللهم أعني على ذكرك، وشكرك، وحسن عبادتك)) [رواه أبو داود برقم (1301)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7969)]، إن الله إذا أعان العبد على هذه الصفات استقام العبد، يقول لابن عباس: ((يا غلام)) تنبيه ((يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله)) يعني في أمره ونهيه وشرعه، احفظ الله في دينه الذي كلفك به، ((يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، وإذا سألت فسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف)).[رواه الترمذي برقم (2440)، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (7957)].

الدين النصيحة ومسيس حاجة الناس إليها

وهكذا تهز الوصية قلوب سامعيها، وتجعلهم متوكلين على الله، مفوضين الأمر إليه، أقوياء به، لا يحتاجون إلى الناس، يقولون الحق، النبي عليه الصلاة والسلام أراد من أصحابه أن يكونوا أحراراً أقوياء، جرآء في الحق، قوالين به، وعاملين، منصفين، وهكذا كان أصحابه عليه الصلاة والسلام يعملون بوصاياه من بعده، هذا جرير بن عبد الله البجلي قال: "بايعت النبي عليه الصلاة والسلام على النصح لكل مسلم" [رواه البخاري برقم (55) ومسلم برقم (83)]، أنصح الخادم، والكبير والصغير، والقريب والبعيد، أنصح أي أحدٍ، أعطيه ما فيه المصلحة له، أنصح له، وأبيّن له، وهكذا حتى في الأمور الدنيوية، لو أن صاحباً لك يريد أن يشتري ثلاجة، وأنت تعلم أن هذا النوع أفضل من هذا النوع ((الدين النصيحة)) [رواه مسلم برقم (82)] تقتضي أن تبيّن له ذلك، الغش اليوم كثير، والسلع كثيرة، الناس يحتاجون إلى أشياء في البناء، أي واحد يبني بيتاً يحتاج إلى نصائح، الزواج يا أخي، أي واحد يريد أن يقدم على الزواج يحتاج إلى نصائح، يحتاج حاجة ماسَّة،ليست قضية شكلية أو هامشية، حاجة ماسَّة، من الذي تقدّم إليه ونصحه؟.

إن بعض النصائح يا عباد الله لو حصلت لسعد الزوجان، ولفقدان التناصح والتواصي تفشل كثير من الزواجات؛ لأنه لم يكن يوجد من ينصح، ويبيّن أشياء كانت لو تبيّنت وقي بسببها الطرفان شراً كثيراً.

وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.

الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أخرج المرعى، فجعله غثاءً أحوى، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اصطفاه الله وأرسله رحمة للعالمين، بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، وداعياً إلى لله بإذنه وسراجاً منيراً، فصلى الله عليه وعلى آله وذريته الطيبين وزوجاته وخلفائه الميامين، أشهد أنه رسول الله حقاً، والداعي إلى سبيله صدقاً، صلى الله عليه وعلى أصحابه أجمعين إلى يوم الدين.

من وصايا السلف لبعضهم

عباد الله

الناس في الفتنة يحتاجون إلى وصية، والفتن أنواع، ولما هاجت فتنة بالكوفة اجتمع قراؤها؛ ليكتبوا كتاباً، فدعوا حافظ أهل الكوفة سليمان بن مهران الأعمش، فتكلم بثلاث كلمات، فاستغنوا بهن عن الكتاب،-وكانت مقتلة تحصل بين المسلمين- قال لهم : "رحم الله امرأً ملك لسانه، وكف يده، وعالج ما في صدره". انتهت.

كتب إبراهيم بن أدهم إلى بعض إخوانه: "عليك بتقوى الله الذي لا تحل معصيته، ولا يرجى غيره، واتق الله، فإن من اتقى الله عز وقوي، وشبع وروي، ورفع عقله عن الدنيا".

وهكذا كانت الوصايا فيما بينهم بأمور الأخلاق، والآداب، والسلوك.

وكان بعضهم يقول لبعض: يا أخي إنما دينك لحمك ودمك، ابك على نفسك وارحمها، وليكن جليسك من يزهدك في الدنيا، ويرغبك في الآخرة، وأكثر ذكر الموت، واستغفر مما قد سلف من ذنوبك، وأسأل الله السلامة لما بقي من عمرك، وإياك أن تخون مؤمناً، فمن خان مؤمناً فقد خان الله ورسوله، وإذا أحببت أخاك في الله فابذل له نفسك ومالك، وعليك بالصبر في المواطن كلها، فإن الصبر يجر إلى الجنة، وإياك والحدة والغضب فإنهما يجران إلى الفجور، والفجور يجر إلى النار، وأمر بالمعروف وانه عن المنكر تكن حبيب الله، وابغض الفاسقين تطرد الشياطين، واعمل لآخرتك يكفك الله أمر دنياك، وأحسن سريرتك يحسن الله علانيتك، وابك على خطيئتك تكن من أهل الرفيق الأعلى، وعليك بالتؤدة، وإذا هممت بأمر من أمور الآخرة فشمر إليها وأسرع".

قالت أعرابية توصي ولدها المسافر -وما أحوجنا لبعض الوصايا للمبتعثين-، أوصت أعرابية ولدها الذي خرج مسافراً: "أي بني اجلس أمنحك وصيتي، وبالله توفيقك، فإن الوصية أجدى عليك من كثير من عقلك، إياك والنميمة فإنها تزرع الضغينة، وتفرّق بين المحبين، وإياك والجود بدينك والبخل بمالك. الإنسان يمسك دينه لا يفرط منه بشيء، وأما المال يبذله. واعلم أن المرء لا يرى عيب نفسه، فما استحسنت من غيرك فاعمل به، وما استقبحت من غيرك فاجتنبه، والغدر أقبح ما تعامل به الناس، ومن جمع الحلم والسخاء فقد أجاد الحلة".

ماذا يحتاج المبتعثون اليوم من الوصايا؟ لا بد أن نفكر جوانب الوصايا التي يحتاجها الناس في المجتمع، هناك متزوجون يحتاجون إلى وصايا، مسافرون يحتاجون إلى وصايا، واحد سينتقل من سلك الدراسة إلى سلك الوظيفة يحتاج إلى وصايا، حتى الإنسان وهو يغالب أموراً كثيرة من المعاناة صارت له مصيبة، مرض، يحتاج إلى وصايا، قضية الوصية هذه لا بد أن تكون حاضرة، وفكِّر ماذا ينفعك؟ ربما يثبت هذا المبتعث أو المسافر عن الحرام، وما أكثره في الأماكن التي يسافر إليها، كلمة قالتها له أمه قبل أن يترك ويغادر، إلا الحرام، إلا الفاحشة، إلا المرأة بالحرام، انتبه، إياك، فتكون هذه الكلمات على بساطتها وقلتها هي العاصم بعد الله من الوقوع في الموبقات.

من وصايا السلف لبعضهم الإخلاص، وتصحيح النية، وهذا كثير؛ لأن النية تشوبها شوائب، الوصية مثلاً بتعلم علوم الشريعة، وما أحوج الناس إليها.

يقول علي بن أبي طالب للكميل بن زياد: يا كميل، العلم خير من المال، العلم يحرسك وأنت تحرس المال، العلم يزكو على العمل، يزيد العلم إذا عملت به، والمال تنقصه النفقة، يا كميل، محبة العالم دين يدان به، العلم يكسب العالم الطاعة لربه، وجميل الأحدوثة بعد وفاته -سيرته حسنة تبقى بين الناس-، وصنيعة المال تزول بزواله، والعلم حاكم -العلم يحكم في المال، في المواريث مثلاً، الوصايا، لكن المال ما يحكم في العلم-، يا كميل، مات خزان الأموال وهم أحياء، والعلماء باقون ما بقي الدهر، بسيرتهم ومؤلفاتهم باقون.

كان من الوصايا الوصية بحفظ الوقت، لا تكن مضيعاً أنفاساً معدودة، وأعماراً محسوبة؛ لأن قضية حفظ الوقت هذه محافظة على رأس المال، الوصية بالتمسك بالسنة، واجتناب البدع، الوصية عند فساد الزمان، بماذا يستمسك به الإخوان ويعتصمون؟.

وكذلك من الوصايا الجميلة ما حدث بين سلمان الفارسي وأبي الدرداء، كانا متآخيين في المدينة، آخى بينهم النبي عليه الصلاة والسلام. في الفتوحات سكن أبو الدرداء الشام يعلم الناس، وسكن سلمان الكوفة يعلم الناس، كتب أبو الدرداء إلى سلمان: سلام عليك أما بعد: فإن الله رزقني بعدك مالاً وولداً، ونزلت الأرض المقدسة، فهلم إلى الأرض المقدسة، فكتب إليه سلمان: إن الأرض لا تقدس أحداً، وإنما يقدس الإنسان عمله، واعلم أن الخير ليس بكثرة المال والولد، ولكن الخير أن يعظم حلمك، وأن ينفعك علمك، اعمل كأنك ترى، واعدد نفسك في الموتى.

نظراً لكثرة الفتن الآن، فتنة الشهوات، وفتنة النساء، الناس يحتاجون إلى وصايا بهذا، الرجال يحتاجون إلى وصايا، والنساء يحتجن إلى وصايا.

ولذلك أوصى عمر بن عبد العزيز ميمون بن مهران فقال له: "إني أوصيك بوصية فاحفظها: إياك أن تخلو بامرأة غير ذات محرم، وإن حدثتك نفسك أنك تعلمها القرآن"، لا تخلو بامرأة وإن كنت تعلمها القرآن.

الوصية قد تغير مسار الحياة ونماذج من ذلك

أحياناً تكون الوصية مما يجعل الإنسان حراً في مواقفه، هذا عبد الحميد بن باديس -عالم الجزائر في وقته-، قال: وإني لأذكر للشيخ حمدان لونيسي وصية أوصاني بها، وعهداً عهد به إلي، أذكر أثره على نفسي ومستقبلي وحياتي وتاريخي كله، فأجد نفسي مديناً لهذا الرجل إدانة بمنة لا يقوم بها الشكر، فقد أوصاني وشدد علي: ألا أقرب الوظيفة، ولا أرضاها ما حييت، ولا أتخذ علمي مطية لها، هذا مهم بالنسبة للعلماء في حرية صدعهم بالحق، وقال: وأذكر للشيخ محمد النخلي كلمة لا يقل أثرها في ناحيتي العملية عن تلك الوصية، كنت متبرماً من أساليب بعض الكتاب أو المصنفين في التأويلات الجدلية والفلسفية، فقال: اجعل ذهنك مصفاة لهذه الأساليب المعقدة، يسقط الساقط ويبقى الصحيح، قال: فنفعتني هذه الوصية.

وهكذا عماد الدين الواسطي كثرت عليه قضية علم الكلام والفلسفة، فلقي شيخ الإسلام ابن تيمية فأوصاه بوصية قال: عليك بقراءة السنة النبوية، فإنها الوصفة الكافية الشافية.

محمد بن عوف -أبوه عالم- لكن الابن لاعب كرة وهو صغير، فالكرة سقطت في المسجد بالقرب من المعافا بن عمران، قال: فدخلت لآخذها فقال: ابن من أنت؟ قلت: ابن عوف بن سفيان، قال: إن أباك كان من إخواننا، ويكتب معنا الحديث والعلم، والذي يشبهك أن تتبع ما كان عليه أبوك، قال: فصرت إلى أمي فأخبرتها، قالت: صدق، هو صديق لأبيك، فألبستني ثوباً وإزاراً، ثم بعثتني إليه، فصار يطلب عنده العلم.

جملة واحدة تغير المسار يا عباد الله، ولا بد من الوصية بالزهد في الدنيا

ولو تبصر الدنيا وراء ستورها رأيت خيالا في منام سيصرم

كحلم بطيف زار في النوم وانقضى المنام وراح الطيف والصب مغرم

وظل أتته الشمس عند طلوعها سيقلص في وقت الزوال ويفصم

ومزنة صيف طاب منها مقيلها فولت سريعا والحرور تضرم

ومطعم ضيف لذ منه مساغه وبعد قليل حاله تلك تعلم

كذا هذه الدنيا كأحلام نائم ومن بعدها دار البقاء ستقدم

فجزها ممرا لا مقرا وكن بها غريبا تعش بها حميدا وتسلم

أو ابن سبيلٍ قال في ظل دوحة وراح وخلا ظلها يتقسم

فيا عجبا كم مصرع وعظت به بنيها ولكن عن مصارعها عموا

نعم يموت الأموات ويذهبون ولكن الاتعاظ قليل.

وكما أن هناك وصايا طيبة فهناك وصايا ضارة ومحرمة:

(وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) (نوح:23).

(وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ) (صّ:6)

وقال الله عن المشركين:

(كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.أَتَوَاصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ) (الذريات:52- 53)

وهكذا يوصي أولهم آخرهم بالشر والكفران، وهكذا تجد اليوم أهل الشر والفساد يوصي بعضهم إلى بعض باستمرار المسيرة، أي مسيرة؟!.

اللهم إنا نسألك الثبات حتى الممات،والحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد صالح المنجد

Post: #840
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:27 AM
Parent: #787

العلماء، حملة الدين وورثة الأنبياء وهم سبب عصمة للأمة من الضلال، وهم سفينة نوح من تخلف عنها لا سيما في زمن الفتن كان من المغرقين، وهم أولياء الله الذين قال فيهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أولياء الله: الذين إذا رؤوا ذكر الله".

قال الإمام أبو حنيفة: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله فليس لله ولي.

وقال الشافعي: إن لم يكن الفقهاء أولياء الله في الآخرة فما لله ولي.. وقال عكرمة - رضي الله عنه -: إياكم أن تؤذوا أحداً من العلماء، فإن من آذى عالماً فقد آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

والعلماء هم حراس الدين وحماته من الابتداع والتزييف، فعن جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم – منهم علي بن أبي طالب ومعاذ وابن عمر وغيرهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم – قال: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين". وقد قيل لابن المبارك: هذه الأحاديث المصنوعة؟!! فقال: يعيش لها الجهابذة.

وعن ابن علية قال: أخذ هارون الرشيد زنديقاً فأمر بضرب عنقه، فقال له الزنديق: لم تضرب عنقي؟ قال له: أريح العباد منك.

قال: فأين أنت من ألف حديث وضعتها على رسول الله - صلى الله عليه وسلم – كلها ما فيها حرف نطق به؟! فقال الرشيد: فأين أنت يا عدو الله من إسحاق الفزاري وعبد الله بن المبارك ينخلانها نخلاً فيخرجونها حرفاً حرفاً.

إن العلماء صمام أمان الأمة وإن بقاءهم نجاة الأمة، وهلكتهم هلكتها.

قال هلال بن خباب: سألت سعيد بن جبير؛ قلت: يا أبا عبد الله ما علامة هلاك الناس؛ قال: إذا هلك علماؤهم.

هذه هي منزلة العلماء ومكانتهم في الدين. ويجب على كل مسلم أن يتأدب معهم أشد الأدب قال الطحاوي - رحمه الله -: (وعلماء السلف من السابقين، ومن بعدهم من التابعين، أهل الخير والأثر، وأهل الفقه والنظر – لا يذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير سبيل).

قال الشاعر:

أفضل أستاذي على فضل والدي وإن نالني من والدي المجد والشرف

فهذا مربي الروح، والروح جوهر وذاك مربي الجسم والجسم كالصدف

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: من حق العالم عليك إذا أتيته أن تسلم عليه خاصة، وعلى القوم عامة، وتجلس قدامه، ولا تشر بيديك، ولا تغمز بعينيك، ولا تقل: قال فلان خلاف قولك,ولا تأخذ بثوبه، ولا تلح عليه في السؤال، فإنه بمنزلة النخلة المُرطبة التي لا يزال يسقط عليك منها شيء.

وعن سعيد بن المسيب أن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه – قال أيضاً: إن من حق العالم ألا تكثر عليه بالسؤال، ولا تعنته في الجواب، وألا تلح عليه إذا كسل، ولا تأخذ بثوبه إذا نهض، ولا تفشي له سراً، ولا تغتابن عنده أحداً، ولا تطلبن عثرته، وإن زل قبلت معذرته, وعليك أن توقره وتعظمه لله ما دام يحفظ أمر الله، ولا تجلس أمامه، وإن كانت له حاجة سبقت القوم إلى خدمته. وقال طاووس بن كيسان: إن من السنة أن توقر العالم.

وعن الحسن قال: رئي ابن عباس يأخذ بركاب أبي بن كعب فقيل له: أنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم – تأخذ بركاب رجل من الأنصار؟! فقال: إنه ينبغي للحبر أن يعظم ويشرف. وعن الشعبي قال: صلّى زيد بن ثابت على جنازة، ثم قربت له بغلة ليركبها فجاء ابن عباس فأخذ بركابه فقال له زيد: خل عنك يا ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فقال ابن عباس: هكذا يفعل بالعلماء والكبراء. وفي رواية عنه قال: أمسك ابن عباس بركاب زيد بن ثابت فقال: أتمسك لي وأنت ابن عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قال: إنا هكذا نصنع بالعلماء.

أيها المسلمون: انظروا إلى الأدب الذي ينبغي أن يكون من العلماء ورثة الأنبياء، واليوم نرى عكس ما كان من احترام العلماء وتقديرهم إذ نرى أناساً انسلخوا من أخلاق السلف كما تنسلخ الحية من جحرها، لا يراعون لشيخ حرمة، ولا يوجبون لطالب ذمة. وهاك صوراً من عدوانهم وتطاولهم: فهذا أحدهم يعير العلماء بأنهم: فقهاء الحيض والنفاس! وآخر يخاطبهم قائلاً: متى تخرجون من فقه المراحيض ودورات المياه؟! وثالث يصف لجنة الفتوى في السعودية بأنها فاتيكان المسلمين! ويتكلم على أساس أن تكفير العلامة ابن باز من البديهيات التي لا تحتاج إلى نقاش!!!, ورابع ينكر في أحد المؤتمرات على من يصفهم بأنهم: العلماء من عينة المنخنقة، والموقوذة، والمتردية، والنطيحة، وما أكل السبع!. وخامس يضع نفسه في صف الحافظ ابن حجر العسقلاني ويقول متهكماً: هو ابن حجر وأنا ابن زلط! وسادس يمارس التكفير المقنَّع باتهام هذا العالم بأنه ماسوني!، وذاك الداعية بأنه عميل كذا!، أو جاسوس كذا! مما يرجفون.

وكم نرى من الصحف العلمانية الخبيثة الطاعنة في الإسلام والخادمة للكفر والإلحاد؛ نراها تطعن في العلماء وتسخر منهم. وقد هالني صورة رأيتها في إحدى هذه الجرائد لشيخ علم مشهور يجلس على كرسي وبجواره امرأة تغزل ثوباً من لحيته، إن ذلك استهزاء بسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم –قبل أن يكون استهزاء بذلك الشيخ.وقد قال تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا}. (الأحزاب: 58).

ولقد كفر الله جماعة من المنافقين إذ سخروا من مجموعة من الصحابة القراء: ووصفوهم بالجبن وكبر البطن فأنزل الله - تعالى- قوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُواْ مُجْرِمِينَ}(التوبة 65- 66).

أيها المسلمون: إن الجناية على العلماء خرق في الدين، احذر أخي المسلم: الوقيعة في أهل العلم وإلا حشرت نفسك في خندق واحد تظاهر أعداء الإسلام الذين يحاولون تحطيم قمم الإسلام باعتبار ذلك أقصر طريق لطعن الإسلام نفسه، فلا تكونن ظهيراً للمجرمين، واستحضر قول موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم {قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين} القصص: 17.

وإن محاولة (هدم القمم) للتوصل بذلك إلى هدم الدين وإطفاء نوره هي سياسة قديمة قِدم الكائدين لهذا الدين: فمن محاولاتها الأولى: ما جرى من حديث الإفك في حق الصديقة بنت الصديق، الطاهرة البتول، المبرأة من فوق سبع سماوات أم المؤمنين - رضي الله عنها -، فقد كان الإفك طعنة موجهة في المقام الأول إلى صاحب الرسالة - صلى الله عليه وسلم – ثم للرجل الثاني في الإسلام أبوبكر ثم لعائشة الصديقة التي ُحمل عنها ربع الشريعة.

ومن هذه المحاولات: اجتهاد أعداء السنة والتوحيد من المستشرقين، وأذنابهم من الذين نافقوا في الطعن في راوية الإسلام أبي هريرة - رضي الله عنه -، وهو أكثر الصحابة رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وهذا عين ما يقال في المحاولات الخائبة للطعن في صحيح البخاري باعتباره أصح كتاب بعد القرآن العظيم. ومن ذلك ما يدأب فيه بعض المبتدعة من الطعن في صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتصويرهم -إلا خمسة منهم- في أشنع صورة وأقبحها، وكلما عظم بلاء الصحابي في رفع راية الإسلام ونصرته بالعلم والعمل والجهاد، عظم حظه من تطاولهم وأحقادهم كالخلفاء الثلاثة، والمجاهدين الفاتحين الذين أطفأوا نار المجوسية، وكسروا ظهر الكسروية.

ومن ذلك: حرص الأبواق المنافقة على الطعن في المجددين الذين بَعثوا سنَّة النبي - صلى الله عليه وسلم – وذبوا عن دعوة التوحيد كشيخ الإسلام ابن تيمية، وشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب؛ وغيرهم من المجددين إلى يومنا هذا. فمن وافق القوم في تطاولهم على رموز الإسلام، فقد أعانهم من حيث لا يدري أو من حيث يدري على تحقيق غاياتهم الخبيثة، وشمّت بنا أعداء الدين,

كل المصائب قد تمر على الفتى وتهون غير شماتة الأعداء.

لقد أدرك أعداء الله - عز وجل – أهمية صلة الأمة بعلمائها, فسعوا ليل نهار إلى تشويه صورة العلماء أمام الأمة حتى يفقد الناس ثقتهم بعلمائهم.

وسنتكلم عن هذه أسباب ظاهرة التطاول على العلماء؛ وسنذكر هذه الأسباب سبباً سبباً.

أول هذه الأسباب: هم أعداء الله - عز وجل – المنافقون ومن ورائهم اليهود والنصارى.

وأنهم يسعون ليل نهار في ذلك عبر وسائل الإعلام والصحف والمجلات، وأنى لهم ذلك ولن يستطيعوا بإذن الله فالأمة متمسكة وواثقة بعلمائها بإذن الله - تعالى-.

ومن الأسباب: التأثر بفوضوية الغربيين ونعراتهم ويتضح هذا في سلوك بعض الشباب الذين يبتلون بالإقامة في ديار الغرب، فيتشربون منهم بعض القيم، وبخاصة سلوكهم إزاء أكابرهم وعظمائهم، بحجة حرية الرأي والتعبير، واعتزازاً بما يدينون به من الفوضوية، التي يسمونها (ديمقراطية) دون أن يتفطن هؤلاء الشباب إلى الفروق بين القيم الإسلامية، وبين القيم الغربية. فمن مظاهر الديمقراطية (تحكيم) رجل الشارع، في قضايا الأمة المصيرية حتى لو كان ساقط العدالة، أو غارقاً في الجهالة, يحتاج ليتعرف على مرشحه أن يوضع له الرمز الانتخابي كالساعة والسيارة والنخلة، في حين أن الإسلام يجعل الحكم في ذلك إلى أولي الأمر، أهل الحل والعقد المؤهلين للنظر في هذه القضايا دون غيرهم، قال تعالى: {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً} (83) سورة النساء. وهذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يسمي رجل الشارع هذا بالرويبضة، ويجعل إقحامه في القضايا العامة المصيرية من أشراط الساعة، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "سيأتي على الناس سنوات خداعات، يصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة". قيل: وما الرويبضة؟ قال: "الرجل التافه، يتكلم في أمر العامة".

ومن الأسباب: التعصب الحزبي، والبغي، وعقد الولاء على غير الكتاب والسنة؛ فبعض الناس يربون أتباعهم على الولاء لأشخاصهم والانتماء لذواتهم، أو جماعاتهم، ويوالون في ذلك ويعادون دون اعتبار لمبدأ الحب في الله والبغض في الله، وفي هؤلاء يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وليس لأحد أن ينتسب إلى شيخ يوالي على متابعته ويعادي على ذلك، بل عليه أن يوالي كل من كان من أهل الإيمان، ومن عرف منه التقوى من جميع الشيوخ وغيرهم، ولا يخص أحداً بمزيد موالاة إلا إذا ظهر له مزيد إيمانه وتقواه فيقدم من قدم الله ورسوله عليه، ويفضل من فضله الله ورسوله." أ.هـ

ونذكر بقية الأسباب سرداً للاختصار. ومنها: تشييخ الصحف وافتقاد القدوة. وكذلك: استعجال التصدر قبل تحصيل الحد الأدنى من العلم الشرعي بحجة الدعوة. وكذلك التعالم وتصدر الأحداث (الصغار) وكذلك: الاغترار بكلام العلماء بعضهم في بعض.

ومن الأسباب الرئيسية: جهل المنتقدين بأقدار من ينتقدونهم من العلماء. ومنها عدم التثبت في النقل؛ وكذلك: التحاسد والتنافس والرياسة والفراغ، والجحود وعدم الإنصاف. وأخيراً من الأسباب استثمارالمغرضين لزلات العلماء.

حفظ الله علماءنا ونفعنا بهم ورزقنا التأدب معهم وحفظ مقامهم،

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ــــــــــــــــــــــ.

الإعلام بحرمه أهل العلم والإسلام (بتصرف).

Post: #841
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:30 AM
Parent: #787

السعي إلى الجمعة والتأدب بآدابها
لقد اصطفى الله هذه الأمة وميزها (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيم)، (وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ... ).

وقد اختار الله تبارك وتعالى لهذه الأمة أفضل المناسك و خير الشرائع والمناسبات و الأيام والبقاع وجعل لهذه الأمة من مواسم الاجتهاد في العبادات والطاعات ما يتكرر ويدور لتبدد الفتور، وتجدد النشاط، وتوقظ الغافلين.

ومن أجلِّ هذه الأيام قدراً، و أعظمها وأعلاها ذكراً، يوم الجمعة الذي هدانا الله له وقد ضلت عنه الأمم قبلنا.

" نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم هذا يومهم الذي فرض الله عليهم فاختلفوا فيه-أي تعظيمه-، فهدانا الله له، والناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد".

فهذه الأمة وإن كانت متأخرة عن الأمم السابقة في وجودها في الدنيا فإنها سابقة، لهم فهي أول من يحشر من الأمم وأول من يحاسب وأول من يدخل الجنة.

" من أفضل أيامكم يوم الجمعة، فيه خلق آدم، وفيه قُبض، وفيه النفخة، وفيه الصعقة، فأكثروا عليّ من الصلاة فيه فإن صلاتكم تبلغني".

" من اغتسل ثم أتى الجمعة فصلى ما قدر له ثم أنصت حتى يفرغ من خطبته، ثم يصلي معه غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى، وفضل ثلاثة أيام". فالحسنة بعشر أمثالها، والمغفرة هنا خاصة بالصغائر.

" الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر".

ومن فضل الله تعالى على الأمة فيما يتعلق بالجمعة أنه يميز أهلها يوم القيامة حتى إن الناس ليغبطونهم ويعجبون بهم، كما في الحديث: " إن الله يبعث الأيام يوم القيامة على هيئتها ، و يبعث يوم الجمعة زهراء منيرة ، أهلها يحفون بها كالعروس تهدى إلى كريمها ، تضيء لهم ، يمشون في ضوئها ، ألوانهم كالثلج بياضا ، و ريحهم تسطع كالمسك ، يخوضون في جبال الكافور ، ينظر إليهم الثقلان ، ما يطرقون تعجبا حتى يدخلوا الجنة ، لا يخالطهم أحد إلا المؤذنون المحتسبون ".

من آداب يوم الجمعة:

1- الغسل والتجمل والتطيب:

"على كل مسلم الغسل يوم الجمعة، ويلبس من صالح ثيابه، وإن كان له طيب مسَّ منه".

والذي يستعد لهذا اليوم ويغتسل ويذهب إلى بيت الله مبكراً له فضل عظيم:

" من غسّل واغتسل، وبكّر وابتكر، ودنا من الإمام فأنصت كان له بكل خطوة يخطو ها صيام سنة وقيامها".

2- الإكثار من الصلاة على النبي:

" فأكثروا عليّ من الصلاة فيه، فإن صلاتكم معروضة عليَّ"

" أكثروا من الصلاة عليّ يوم الجمعة وليلتها".

فيوم الجمعة سيد الأيام ورسول الله سيد الأنام ... وكل خير نالته الأمة إنما كان بسببه وعلى يديه؛ لهذا كان للصلاة والسلام عليه في هذا اليوم مزية خاصة.
3- قراءة سورة الكهف:

" من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة سطع له نور من تحت قدمه إلى عنان السماء يستضيء به يوم القيامة، وغفر له ما بين الجمعتين".

4- التبكير إلى الجمعة:

" من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر".

وقد جاء ابن مسعود رضي الله عنه إلى المسجد في يوم الجمعة فوجد ثلاثة سبقوه فأسف أنه لم يكن الاول ثم تذكر حديثا سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الناس يجلسون يوم القيامة على قدر راوحهم إلى الجمعات الأول ثم الثاني ثم الثالث ثم الرابع ، وما رابع أربعة من الله ببعيد".

يقابل ذلك –أيها الإخوة- قوم غافلون، متهاونون، كأنه لم يطرق آذانهم الوعيد الشديد، فلم يعرفوا لهذا اليوم حقه، ولم يكترثوا بفضله: " من ترك ثلاث جمعٍ تهاونا، طبع الله على قلبه"، بهذا صح الخبر عن نبيكم محمدٍ صلى الله عليه وسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام وهو قائمٌ على أعواد منبره: " لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمع والجماعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين".

وإذا كان الشرع المطهر قد حرم البيع والشراء من وقت النداء الثاني وعلى هذا الحكم إجماع أهل العلم فهل يصلح لأمثال هؤلاء المتهاونين الاعتذار بأعذار واهية؟!

وهناك فئة كسالى، يأتون إلى المساجد في فتورٍ وملل، ينتظر الواحد منهم إقامة الصلاة؛ ليأتي مسرعاً ثائر النَفْسِ والنَفَسِ، يدخل إلى الصلاة مشوش الفكر، لم يراعِ أدب الإسلام في دخول بيوت الله، ولم يعمل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزام السكينة والوقار، فاته أجر التبكير إلى الصلاة، أما علم هذا الكسول أن منتظر الصلاة كالمرابط في سبيل الله، والملائكة تستغفر له ما دام في مصلاه، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه؟

الله أكبر! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا يزال قومٌ يتأخرون حتى يؤخرهم الله". دخلوا في سراديب الغفلة، وقست قلوبهم، أما يخشون أن يختم الله على قلوبهم، ويطمس أبصارهم، وينزع حلاوة الإيمان من قلوبهم؟

وآخرون وإن حضروا مبكرا إلا أنهم في غفلة عن سماع الذكر والإنصات إلى الخطبة يتشاغلون عنها باللعب والكلام، اما سمع هؤلاء قول النبي صلى الله عليه وسلم:

" من مس الحصى فقد لغا، ومن لغا فلا جمعة له".

" إذا قلت لصاحبك أنصت و الإمام يخطب فقد لغوت".

ولا تنس –وفقني الله وإياك- أن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ يسأل الله فيها شيئاً إلا أعطاه، فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم:" إن في الجمعة ساعة لا يوافقها عبدٌ مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله شيئاً إلا أعطاه إياه" وأرجى أوقاتها ما بين العصر إلى غروب الشمس.

وأخيرا فإننا نكرر على الأسماع ما هتف به القرآن:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ

ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُون * فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن

فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُون * وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا

وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِين).
اسلام ويب

Post: #842
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:34 AM
Parent: #787

الحرص على صلاة الجماعة
لقد فرض الله على عباده خمس صلوات في اليوم والليلة وهي كأجر خمسين صلاة، ورتب الله الثواب الجزيل على أداء الصلاة في الجماعة، وهذا ما نطقت به الأدلة الكثيرة الواردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم كقوله:

" صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة".

وقد شرع الله بناء المساجد ليذكر فيها الرب جل وعلا ويعبد ويوحد، وأعظم ذلك إقامة الصلاة فيها... وامتدح الله عباده الذين يأتون هذه المساجد للصلاة وإقامة ذكر الله:

(فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَال * رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَار * لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُم مِّن فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَاب)

وشهد الله لعُمَّار المساجد بالإيمان:

{إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللّهِ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللّهَ فَعَسَى أُوْلَـئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ الْمُهْتَدِين}

يا أيها الأحبة: إن الخطوات التي نخطوها إلى بيوت الله لأداء الصلاة في جماعة لها فضل كبير فإحداها ترفع درجة وتحط عن العبد خطيئة، ولهذا لما أراد بعض الصحابة أن يقترب في سكناه من المسجد وأخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن خطواتهم تكتب " ديارَكم تكتب آثاركم" آثروا البعد مع كتابة الخطى..

يا أهل المساجد أبشروا فإن الله قيض لكم ملائكة يدعون لكم ويستغفرون لكم طالما كنتم في هذه المساجد:

" والملائكة يصلون على أحدكم ما دام في مجلسه الذي صلى فيه يقولون: اللهم اغفر له، اللهم تب عليه، ما لم يؤذ فيه، ما لم يحدث فيه".

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم:" يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى؟ قال: نعم، في الكفارات، والكفارات: المكث في المسجد بعد الصلاة، والمشي على الأقدام إلى الجماعات، وإسباغ الوضوء على المكاره، ومن فعل ذلك عاش بخير ومات بخير وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه".

كما بين النبي صلى الله عليه وسلم عظم أجر الماشي إلى صلاة الجماعة حين قال:" من خرج من بيته متطهرا إلى صلاة مكتوبة فأجره كأجر الحاج المحرم".

والله عز وجل يعد للمشائين إلى بيوتهم منازلهم في الجنة:" من غدا إلى المسجد أو راح أعد الله له في الجنة نزلا كلما غدا أو راح".

في المساجد تزول الفوارق ، تتآلف القلوب ، تقوى الروابط.

وأنا أعجب كثيرا أن أحدنا قد يأتي المسجد ثم يخرج الشهور الطوال ولم يكلف نفسه أن يتعرف على أحد ، عرف نفسك لمن بجانبك، قل: السلام عليكم، أنا فلان بن فلان ويقوم هو بالرد عليك معرفا بنفسه.لماذا نزهد في التعارف وقد كان بعض السلف رضي الله عنهم يقول: استكثروا من الإخوان فإنهم عدة في الدنيا وشفعاء في الآخرة؟.

حرص الصالحين على صلاة الجماعة:

لما علم الصالحون عظم الأجر المترتب على أداء الصلاة في جماعة وجدنا منهم حرصا ومداومة على أداء الصلاة في جماعة بين المسلمين في مساجدهم، وأسوتهم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان حريصا على صلاة الجماعة حتى في أشد الأوقات وأحرج الساعات

الصلاة مع القتال والخوف:

فقد روى الإمام مسلم رحمه الله عن جابر رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة، فقاتلوا قتالا شديدا، فلما صلينا الظهر قال المشركون: لو ملنا عليهم ميلة واحدة لاقتطعناهم. فأخبر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر ذلك لنا رسول الله قال: وقالوا: إنهم ستأتيهم صلاة هي أحب إليهم من الأولى. فلما حضرت العصر صفنا صفين، والمشركون بيننا وبين القبلة. فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا، وركع وركعنا..." الحديث.

ويتجلى في الحديث حرص النبي صلى الله عليه وسلم واهتمامه بصلاة الجماعة مع علمه بقرار المشركين الإغارة على المسلمين.

صلاة الجماعة مع شدة المرض:

ففي مرضه الذي مات فيه اغتسل عدة مرات لعله يتمكن من الصلاة مع المسلمين في الجماعة لكنه في كل مرة يحاول الخروج يغمى عليه فأمر أبا بكر أن يصلي بالناس، فصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام ولما وجد رسول الله في نفسه خفة خرج إلى الصلاة، لكن كيف كانت خفته ؟

تجيب عائشة رضي الله عنها على ذلك فتقول: " فوجد من نفسه خفة، فخرج يهادى بين رجلين( يستند عليهما)كأني أنظر إلى رجليه تخطان من الوجع" فهو حال خفته التي حرص معها على الخروج لا يستطيع رفع رجليه عن الأرض، صلى الله عليه وسلم.

ولما جاءه رجل أعمى يقول: ليس لي قائد يقودني فهل لي رخصة؟ قال: "هل تسمع النداء بالصلاة"؟ قال: نعم. قال:" فأجب".

إذا كان هذا في الأعمى فما بالك بالمبصرين الأصحاء.

لقد علموا فضلها فكانوا أشد حرصا عليها:

قال ابن مسعود: ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يتهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف.

وقال أبو هريرة: لأن تمتلئ أذن ابن آدم رصاصا مذابا خير له من أن يسمع النداء ولا يجيب.

وهذا الحارث بن حسان ـ وكان له صحبة ـ خرج ليلة عرسه إلى المسجد لصلاة الفجر؟ فقيل له: أتخرج وإنما بنيت بأهلك في هذه الليلة؟ فقال: إن امرأة تمنعني من صلاة الفجر في جمع لامرأة سوء.

وأبو عبد الرحمن السلمي كان يخرج لصلاة الجماعة وهو مريض متكئا على ولديه حتى يقام في الصف، وذهب يوما إلى المسجد وهو مريض فلما أحسوا أنه في النزع قالوا له: لو تحولت إلى الفراش فإنه أوثر ( ألين وأوطأ ) أخبرهم بحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد في صلاة ما دام في مصلاه ، قال: فأريد أن أموت وأنا في مسجدي.

أما سعيد بن المسيب رحمه الله فقال: ما فاتتني الصلاة في جماعة منذ أربعين سنة.وقال رحمه الله: ما دخل علي وقت صلاة إلا وقد أخذت أهبتها، و لا دخل علي فضاء وقت إلا وأنا إليه مشتاق.

نسأل الله الكريم أن يوفقنا للحرص على صلاة الجماعة ما حيينا، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #843
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:37 AM
Parent: #787

حُبُّ الصلاة والشوق إليها
للصلاة في ديننا منزلة عظيمة ومكانة سامية، فهي عماد الدين وأهم أركانه بعد التوحيد، وهي الفريضة التي فرضت في السماء، وهي أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة، وهي الصلة بين العبد وربه، ولهذا ورد الأمر في كثير من آيات الكتاب الكريم بإقامتها والمحافظة عليها: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ}[البقرة:43]، {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى المُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} {النساء:103}، {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الوُسْطَى وَقُومُوا للهِ قَانِتِينَ}[البقرة:238].وغيرها من الآيات الكثيرة في الحث على أداء الصلاة والمحافظة عليها.

وقد وعد الله عباده المؤمنين الذين يحافظون على هذه الصلوات بالفلاح والفوز بالجنة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ المُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ العَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[المؤمنون:1 - 11].

كما بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم فضل هذه الصلاة والمحافظة عليها فقال: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفّرات لما بينهنَّ ما لم تُؤْتَ الكبائر".

وقال صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهنَّ الخطايا".

وهي آخر ما يذهب من الدين كما بيّن النبي صلى الله عليه وسلم: "لتنقضنَّ عُرى الإسلام عروة عروة، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، فأولهنَّ نقضًا الحكم، وآخرهنَّ الصلاة".وما ذهب آخره هل يبقى منه شيء؟!!.

وقد عرف السلف الصالح رضي الله عنهم منزلة هذه الصلاة، فحافظوا عليها، بل أحبوها واشتاقوا إليها، كيف لا وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر أو أصابته شدة فزع إلى الصلاة، وكانت قرة عينه في الصلاة، وكان ينادي بلالاً فيقول: "أقم الصلاة؛ أرحنا بها يا بلال".

بل لم يكن يكتفي بهذه الصلوات المفروضات من شدة حبه للصلاة، فكان يقوم الليل يحييه بالصلاة ويطيل الصلاة ، اسمع إلى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: ( صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطال حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه).

يقول فيه عبد الله بن رواحة رضي الله عنه:

يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

وقال عنه شوقي رحمه الله:

محيي الليل صلاة لا يقطعها إلا بدمع من الإشفاق منسجم

مسبحا لك جنح الليل محتملا ضرا من السهد أو ضرا من الورم

رضيَّةً نفسه لا تشتكي سأما وما على الحب إن أخلصت من سأَم

وانظر إلى الفاروق رضي الله عنه يعلنها مدوية: (ألا إن أهم أموركم عندي الصلاة، فمن ضيعها فهو لما سواها أضيع). ولما طُعن رضي الله عنه وحُمل إلى بيته فغشي عليه قالوا: إنكم لن توقظوه بشيء مثل الصلاة. فقالوا له: الصلاة يا أمير المؤمنين، فأفاق وقال: أصلَّى الناس؟ قالوا: نعم. قال: لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى وإن جرحه ليثعب دمًا.

أما بلال بن رباح رضي الله عنه فحاله مع الصلاة عجيب، فإنه ما توضأ وضوءً في ساعة ليل أو نهار إلا صلى به ما شاء الله أن يصلي، حتى قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "فإني سمعتُ دف نعليك بين يدي في الجنة".

أما عدي بن حاتم رضي الله عنه فكان يقول: (ما دخل وقت صلاة حتى أشتاق إليها).

وكان عثمان بن عفان رضي الله عنه يقرأ القرآن في ركعة، وأبو سفيان رضي الله عنه كان يصلي في الصف نصف النهار ثم يمسك إذا كان وقت الكراهة ثم يصلي من الظهر إلى العصر.

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليوم الذي مات فيه يصلي من الليل ما شاء الله أن يصلي فإذا اقترب الفجر كان يوقظ الناس للصلاة فيقول: الصلاة الصلاة.

وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبة منصوبة لا تتحرك.

وهذا سيد العبّاد بعد الصحابة – كما سماه الشاطبي – سيد التابعين أويس بن عامر القرني – رحمه الله تعالى – يحن إلى الصلاة حتى لا يكاد يفارقها، فقد ذكر الربيع بن خيثم، قال: أتيت أويسًا القرني فوجدته قد صلى الصبح وقعد، فقلت: لا أشغله عن التسبيح، فلما كان وقت الصلاة قام فصلى إلى الظهر، فلما صلى الظهر صلى إلى العصر، فلما صلى العصر قعد يذكر الله إلى المغرب، فلما صلى المغرب صلى إلى العشاء، فلما صلى العشاء صلى إلى الصبح، فلما صلى الصبح جلس فأخذته عينه، ثم انتبه، فسمعته يقول: اللهم إني أعوذ بك من عين نوّامة وبطن لا تشبع.

ولا تعجب أيها الحبيب، فهذا الرجل كان يقول: لأعبدنّ الله في الأرض كما تعبده الملائكة في السماء.

نسأل الله أن يجعل قرة أعيننا في الصلاة وفي طاعته، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #844
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:40 AM
Parent: #787

صحبة السوء
مما لا شك فيه أن للصحبة آثارها على الواحد منا، وقد قيل: الطبع يسرق من الطبع، وقالوا: إن الطبع يعدي؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".

إذا كان الأمر كذلك فحري بنا أن نحذر صحبة الفاسدين والفاسقين لأن الصاحب ساحب وقد يجر صاحبه إلى طريق الشر والفساد حتى إنك لترى الرجل يمضي بالفطرة على طريق الخير ويبدأ في طريق التعبد، فإذا بقطاع الطرق - من أهل الشر - يمنعونه من مواصلة السير، ويصدونه عن سواء السبيل، إنهم جلساء السوء الذين يحملون لواء المعصية، ويدعون لطريق الضلال صباح مساء، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : " مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحا طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحا خبيثة".

وقد أمر الله تعالى أن يلزم العبد الصحبة الصالحة وأن يتجنب صحبة السوء فقال: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (الكهف:28).

إن صحبة هؤلاء البطالين تجلب على صاحبها العار والسمعة السيئة في الدنيا ؛ فقد قيل : قل لي من تصاحب أقل لك من أنت، وقال الشاعر:

عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

وهي أيضا تؤدي به إلى سلوك مسالك الرذيلة والمعصية حيث تنتهي الصحبة السيئة غالبا إلى المخدرات أو الوقوع في الفواحش والمنكرات من شرب للخمر أو ارتكاب فاحشة الزنا أو غير ذلك مما لا يحبه الله تعالى ولا يرضاه،وصدق من قال:

فلا تصحب أخا الجهل وإياك وإياه فكم جاهل أردى حكيما حين آخاه

يقاس المرء بالمرء إذا ما المرء ماشاه وللشيء على الشيء مقاييس وأشباه

بل قد تصل بالعبد إلى الكفر والعياذ بالله ، وإن شئت دللا على هذا فانظر إلى قصة أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يعتقد بصدق نبوة ابن أخيه حتى قال:

ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا

لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحا بذاك مبينا

والذي كان يحوط النبي صلى الله عليه وسلم ويمنعه من أذى المشركين ، لكنه ظل على صحبته برؤوس الشرك كأبي جهل وعبد الله بن أمية اللذين حضراه عند وفاته والنبي صلى الله عليه وسلم يدعوه إلى نطق كلمة التوحيد لينجو من عذاب الله تعالى ويشفع له النبي صلى الله عليه وسلم لكن صاحبيه جعلا يقولان له: أترغب عن ملة عبد المطلب، فما زالا به حتى كان آخر ما قال: بل هو على ملة عبد المطلب.

فانظر كيف كانت هذه الصحبة السيئة وبالا عليه حتى أهلكته وخسر الخسران المبين.

ولو تأملت قصة التائب الذي قتل تسعة وتسعين نفسا ثم أكمل المائة فلما أراد التوبة وسأل عن أعلم أهل الأرض فدلوه على عالم نصحه أول ما نصحه بأن يخرج من أرضه فإنها أرض سوء. نعم الأرض التي ليس فيها من يأمره بمعروف أو ينهاه عن منكر هي أرض سوء فليخرج منها وليلحق بأرض طيبة بها اناس صالحون ؛ فإن الصاحب ساحب.

وقد ذكر الطبري رحمه الله تعالى عند تفسير قوله عز وجل: (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لِي قَرِينٌ. أَإِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أَإِنَّا لَمَدِينُونَ . قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطَّلِعُونَ. فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَوَاءِ الْجَحِيمِ. قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. أَفَمَا نَحْنُ بِمَيِّتِينَ. إِلَّا مَوْتَتَنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ. لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَ ).(الصافات:51-61) .

عن ابن عباس قوله : هو الرجل المشرك يكون له الصاحب في الدنيا من أهل الإيمان ، فيقول له المشرك : إنك لتصدق بأنك مبعوث من بعد الموت أئذا كنا ترابا ؟ فلما أن صاروا إلى الآخرة وأدخل المؤمن الجنة ، وأدخل المشرك النار ، فاطلع المؤمن ، فرأى صاحبه في سواء الجحيم،قال تالله إن كدت لتردين.

وذكر بسنده عن فرات بن ثعلبة البهراني في قوله( إني كان لي قرين) قال : إن رجلين كانا شريكين ، فاجتمع لهما ثمانية آلاف دينار ، وكان أحدهما له حرفة ، والآخر ليس له حرفة ، فقال الذي له حرفة للآخر : ليس لك حرفة ، ما أراني إلا مفارقك ومقاسمك ، فقاسمه وفارقه ، ثم إن الرجل اشترى دارا بألف دينار كانت لملك قد مات فدعا صاحبه فأراه . فقال : كيف ترى هذه الدار ابتعتها بألف دينار ؟ قال : ما أحسنها ، فلما خرج قال : اللهم إن صاحبي هذا قد ابتاع هذه الدار بألف دينار ، وإني أسألك دارا من دور الجنة ، فتصدق بألف دينار ، ثم مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم إنه تزوج امرأة بألف دينار ، فدعاه وصنع له طعاما ، فلما أتاه قال : إني تزوجت هذه المرأة بألف دينار قال : ما أحسن هذا ، فلما انصرف قال : يا رب إن صاحبي تزوج امرأة بألف دينار ، وإني أسألك امرأة من الحور العين ، فتصدق بألف دينار ، ثم إنه مكث ما شاء الله أن يمكث . ثم اشترى بستانين بألفي دينار ، ثم دعاه فأراه ، فقال : إني ابتعت هذين البستانين ، فقال : ما أحسن هذا ، فلما خرج قال : يا رب إن صاحبي قد اشترى بستانين بألفي دينار ، وأنا أسألك بستانين من الجنة ، فتصدق بألفي دينار . ثم إن الملك أتاهما فتوفاهما ، ثم انطلق بهذا المتصدق فأدخله دارا تعجبه ، فإذا امرأة تطلع يضيء ما تحتها من حسنها ، ثم أدخله بستانين ، وشيئا - الله به عليم - فقال عند ذلك : ما أشبه هذا برجل كان من أمره كذا وكذا . قال : فإنه ذاك ، ولك هذا المنزل والبستانان والمرأة . قال : فإنه كان لي صاحب يقول : ( أءنك لمن المصدقين..) قيل له : فإنه في الجحيم . قال : فهل أنتم مطلعون ؟ فاطلع فرآه في سواء الجحيم ، فقال عند ذلك: ( تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ. وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ).

فاحذر أيها الحبيب صحبة السوء، وقانا الله وإياك شرها،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #845
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:42 AM
Parent: #787

فن الإصغاء
اسمع أخي المسلم لهذه القصة التي حصلت للنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، في مكة مع أحد كفار قريش وهو عتبة بن ربيعة. قال عتبة يوماً وهو جالس في نادي قريش ـ ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده ـ يا معشر قريش ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أموراً لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟. فقالوا: بلى يا أبا الوليد. قم إليه فكلمه فقام إليه عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من الشرف في العشيرة، والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أموراً تنظر فيها، لعلك تقبل منها بعضها. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قل يا أبا الوليد أسمع. قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت تريد به شرفاً سودناك علينا حتى لا نقطع أمراً دونك، وإن كنت تريد به ملكاً ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رُؤاً تراه لا تستطيع رده عنك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع (أي الصاحب من الجن) على الرجل حتى يُدَاوى منه، حتى إذا فرغ عتبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه، قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني. قال: أفعل)).

وفي رواية أن عتبة لما أتاه قال له: يا محمد أنت خيرٌ أم عبد الله (يقصد أباه)؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال له: أنت خير أم عبد المطلب (أي جده)؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فإن كنت تزعم أن هؤلاء خير منك فقد عبدوا الآلهة التي عبت، وإن كنت تزعم أنك خير منهم فتكلم حتى نسمع قولك، إنا والله ما رأينا سخلة قط أشأم على قومه منك، فرقت جماعتنا، وشتت أمرنا، وعبت ديننا، وفضحتنا في العرب، حتى لقد طار فيهم أن في قريش ساحراً، وأن في قريش كاهناً، والله ما ننتظر إلا مثل صيحة الحبلى أن يقوم بعضنا إلى بعض بالسيوف حتى نتفانى، أيها الرجل إن كان إنما بك الحاجة جمعنا لك حتى تكون أغنى قريش رجلاً، وإن كان إنما بك الباءة فاختر أيَّ نساء قريش شئت فلنزوجك عشرا.وإن كنت إنما بك الرياسة، عقدنا ألويتنا لك فكنت رأساً ما بقيت. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال نعم، قال فاسمع مني: بسم الله الرحمن الرحيم: { حم تنزيلٌ من الرحمن الرحيم كتابٌ فصلت آياته قرءاناً عربياً لقوم يعلمون بشيراً ونذيراً فأعَرَضَ أكثرُهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنّةٍ مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقرٌ ومن بيننا وبينك حجابٌ فاعمل إننا عاملون قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إليّ أنما إلهكم إلهٌ واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدّر فيها أقواتها في أربعة أيام سواءً للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخانٌ فقال لها وللأرض إئتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا، ذلك تقدير العزيز العليم فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود}. ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، وعتبة منصت أصابته الدهشة من هول ما يسمع، وألقى يديه خلف ظهره، معتمداً عليها يسمع، وقيل: إنه لما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قول الله تعالى: فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عادٍ وثمود. ما تحمّل عتبة، فقام وأمسك على فم الرسول صلى الله عليه وسلم وناشده الرّحم أن يكفّ عنه. مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ عليه هذه الآيات حتى انتهى إلى السجدة منها، فسجد، ثم قال له: قد سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك)). فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد، بغير الوجه الذي ذهب به. فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي، إني سمعت قولاً، والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه مُلكُكُم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به. قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم.

هذه هي القصة، وهذا هو الحوار الذي دار بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين عتبة بن ربيعة. ولنا مع هذه القصة عدة وقفات:

الوقفة الاولى: أدب وفن الإصغاء:

إن الإصغاء إلى المتكلم أدب وفن، فبعض الناس قد يحسنه أدباً ولا يحسنه فناً، وكثير من الناس والعوام لا يحسنونه أدباً ولا يعلمون أنه فن. تأمل في موقف النبي صلى الله عليه وسلم أمام رجل مشرك، محارب لله ولرسوله، يأتي ويتكلم بألفاظٍ ساقطة، ويبدأ يساوم النبي صلى الله عليه وسلم، على ماذا؟على الدين وعلى الدعوة، ويعرض عليه شيء من حطام الدنيا مقابل التنازل عن الدين، ومع ذلك الرسول عليه الصلاة والسلام يستمع بكل أدب، مع أن كلام الرجل لا يعجبه، ويعلم أنه باطل، ومع ذلك يقف يستمع، وينتظر حتى يكمل الرجل كل ما عنده، ثم يسأله بعد ذلك، ((أوقد فرغت يا أبا الوليد، فقال: نعم، عندها قال له: إذاّ فاسمع مني)). أدب عظيم، وخلق كريم، نفقده في واقعنا ومجالسنا ومنتدياتنا، واجتماعاتنا العامة والخاصة. أدب الاستماع للطرف الآخر، أدب الإصغاء للمتكلم.

ادخل أحد المجالس، تجد أن الذين يتحدثون أحياناً عشرة.هذا يتكلم من هنا، وذاك يعلق من هناك، والمجلس فوضى، ما تأدب الناس بعد، بهذا الأدب، ثم لو قدّر بأن المتحدث شخص واحد، وكان يتكلم في موضوع معين، تجد بأن المستمعين له، لا يتركون له مجالاً لكي يكمل حديثه، بعد كل لحظة يقاطعه أحد، أو يعلق على كلامه آخر، هذا في حالة ما إذا كان الكلام يعجبهم، أما إذا كان حديث هذا المسكين لا يعجب الحضور، فالله المستعان، تجد أنه يقاطع، وبدون أدب، بل ربما يُسكّت ولا يترك له مجال، ليكمل حديثه.مع أن الرجل لم يقل كفراً، ولم يطعن في دين.

عودة إلى موقف الرسول مع عتبة كلام عتبة، كان باطلاً وكفراً، ومع ذلك يستمع له المصطفى صلى الله عليه وسلم بكل أدب، ((أو قد فرغت يا أبا الوليد؟)). فلو كان في خاطرك كلام آخر فقله، تأكد الرسول صلى الله عليه وسلم بأن الرجل قد انتهى تماماً. ((إذاً فاسمع مني)). فهل لنا أن نأخذ هذا الأدب، فإن الله جعل لنا أذنين ولساناً واحداً، لنصغي ونسمع أكثر مما نتكلم. هذا عن أدب الإصغاء. أما فن الإصغاء، فالإصغاء فن يحتاجه الدعاة ويحتاجه المصلحون، ويحتاجه كل من له اهتمام بطرف مقابل، فقد يكون طبيباً أو مديراً أو تاجراً.

إن عملية الاتصال كما نعلم لها طرفان، هما المرسل والمتلقي، وخلال أي حوار أو محادثة يتبادل الطرفان هذين الدورين، من هنا يشكل الإصغاء، عنصراً حيوياً في معادلة الحوار، سواء كان ذلك الحوار اجتماعياً على مستوى الأحاديث اليومية، أو إدارياً على صعيد المهنة والعمل، أو فكرياً تدور أطرافه في منتديات الثقافة والأدب. خذ هذه الأمثلة لتدرك أهمية الإصغاء الجيد والاستماع الجيد في مسار حياتنا اليومية.

إن الطبيب قد يشخّص المرض خطأَ إذا لم يكن مستمعاً جيداً لمريضه، ويصغي تماماً حتى ينتهي المريض من كل حديثه. والتاجر قد يخسر زبونه، إذا كان يستمع لنفسه بدلاً من الاستماع لطلبات الزبون. والمسؤول الإداري قد يخسر قدرات الموظفين وإنتاجيتهم إذا كان لا يجيد فن الإصغاء. أما المصلحون، والذين يحرصون على هداية الناس، فإنهم أحوج ما يكونون، أن يتعلموا فن الإصغاء حتى لا يخسروا مدعويهم، فإليك أخي الداعية عشرة تنبيهات، أقدمها لك حول فن الإصغاء:

أولاً: الإصغاء ينبئك بما يجري حولك:

فالحياة مدرسة نتعلم من تجاربها، فأشياء كثيرة تحدث من حولك طوال الوقت ، وكلما كنت مصغياً جيداً إلى هذه الأشياء وفهمتها بصورة أكثر ازدادت حصيلتك الشخصية بما حولك، وأصبحت مدركاً لما يدور حولك، وهذه مهمة جداً للداعية.

ثانياً: الإصغاء يساعدك على النفاذ إلى نفوس الآخرين:

إن إصغاءك للآخرين يجعلهم يتجاوبون معك، لأنك تحقق رغبتهم في وجود من ينصت لهم ، فإذا أردت أن تعرف السر في كسب بعض الدعاة لمدعويهم، فاعلم بأن من الوسائل أن تصغي لما يقولون.

ثالثاً: الإصغاء يمتص غضب الآخرين:

إن أول استجابة للانفعال تكون عن طريق الأذن، فعندما تصغي لشخص غاضب، فإننا نتعرف على سبب غضبه، فنظهر تعاطفنا معه، ونجعله ينفس عن غضبه ويعود إلى تعقله.

رابعاً: الإصغاء يعزز مكانتك عند الآخرين:

فعندما تتوقف عن عمل تعمله لتستمع إلى شخص ما فكأنما تقول له: "أنا أحترمك وأقدر ما تقول" وهذه إحدى الطرق لتعزيز مكانتك عند من تدعوهم بل عند أي شخص آخر في حياتك.

خامساً: الإصغاء يجلب محبة الآخرين لك:

فالناس لا يحبون من لا يصغي لهم، إن أكبر تعبير عن الاهتمام بالطرف المقابل هو هدية الإصغاء تقدمها له.

سادساً: عليك أن تدرك أن في إصغائك نجاحك:

إنك لا تصغي لكي تكون لطيفاً في نظر الآخرين فقط، بل الإصغاء يكسبك القوة والاحترام، وتحصل على ما تريده من معلومات، ممن تتعامل معه.

سابعاً: أصغِ بفهم:

اعتبر أن الإصغاء هو استثمار صغير للوقت والطاقة، وأنه سوف يعود عليك بعوائد جمة من الفهم وغيره.

ثامناً: قل لنفسك: إنك تريد معرفة شخصية المدعو

وتريد أن تغوص في أغوار نفسه، وهذا سيجعلك تركز أكثر في الاستماع لكل كلمة يقولها، وبذا تكون قد أحسنت الإصغاء.

تاسعاً: تجنب كل ما يصرفك عن الانتباه:

تجاهل ما قد يحيط بك من ضوضاء، وحاول أن تتغلب على ما قد يشتت إصغاءك.

عاشراً: تعلم انتبه وأحذرك لا تحكم على الأشخاص أو الأحداث إلا بعد فهمها جيداً، وهذا سيضطرك إلى حسن الإصغاء. اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا.

الوقفة الثانية:

مما يؤخذ من ذلك الحوار، أن عتبة كان يتحدث مع النبي عليه الصلاة والسلام باسم قريش، وملخص كلامه كله هو أنهم كانوا يريدون من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتوقف عن الدعوة، أنت اترك التأثير على الناس، ونحن مستعدون أن نعطيك المال والملك والجاه، لأن قريشا تعلم أنه لو صلح أمر الناس، وتقبلوا الدين عرفوا حقيقة وضع حكومة قريش وأنها غير شرعية، وتخالف الإسلام، فتسقط تلقائياً، لذا لا حيلة إلا بأن يتوقف محمد عن الدعوة، وعن تبليغ هذا الدين للناس، ألا ما أغربه من طلب.يُطلب من صاحب الرسالة أن يترك رسالته، ويتنازل عن دعوته.

إنهم يظنون بأن الدعوة تشترى بالمال، أو بالنساء أو بالجاه، أو حتى بالملك، وجهلت قريش بأن الدين لا يساوم عليه، ولو كلف صاحبه رقبته، لأن أصحاب الرسالات، يعلمون ما تصير إليه الحياة لو منع ضوء الشمس عن الأرض، ففي خلال أيام قليلة تتعفن الأرض، وكذلك نور الوحي، لو حُجب عن الناس، لتعفن الناس بسبب قاذوراتهم وشهواتهم، وذنوبهم ومعاصيهم، إن الهواء يتعفن بسبب ذنوب الناس، ولا مطهر ولا حيلة لتنقية المجتمع إلا بأن يترك بين الدعاة وبين الناس.

الوقفة الثالثة:

لما سمع عتبة شيئاً من القرآن، وهزّت تلك الآيات قلبه، تأكد لديه بأن محمداً رسول الله إلى الناس، ورأى من واجبه أن ينصح قومه بالكف عن محمد وإفساح المجال له ليدعو من يشاء وكيف يشاء، فإن ثار عليه العرب وقتلوه فقد كُفي قومه شره، وإن علا شأنه وانتشرت دعوته فهو واحد منهم، وعزه عزهم. لقد أدرك هذا الرجل وهو على كفره أنه لا يمكن الوقوف في وجه هذه الدعوة، وأدرك جيداً بأن الأسلم لقريش أن تفسح المجال للدعوة، وأن يتركوا محمداً يدعوا الناس وكيفما شاء، لأنه لا حيلة للحيلولة دونه ودون الناس، علم هذا الرجل وهو على كفره، بأن محمداً مرسل من ربه، إذاً هو رسول، لكن الدين هو دين الله، ولا يمكن لقريش مهما أوتيت من قوة أن تمنع دين الله عز وجل من الانتشار والتمدد.

لذا قدم لهم هذه النصيحة، لكن هل استجابت قريش للنصيحة؟ لم تستجب من جهة، ومن جهة أخرى أخفق الإغراء في تفريق الدعوة، وأدركت قريش بأن ما تصبوا إليه بعيد المنال، فعادت سيرتها الأولى تصب جام غضبها على عباد الله المؤمنين، وتبذل آخر ما في وسعها للتنكيل بهم، ومحاولة فتنتهم عن دينهم، وهذه سنة الدعوات، الفتنة والابتلاء في سبيلها: (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــ

إمام المسجد

Post: #846
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:45 AM
Parent: #787

من أدعية الصالحين في القرآن الكريم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن في أدعية الصالحين مما قص الله علينا في القرآن الكريم لعبرة عظيمة للمؤمنين، وهذا الفقه العظيم من أولئك النفر الكرام من الأنبياء والصالحين فيه قدوة لعباد الله في أدعيتهم، وإن المؤمن ليرى في أدعية هؤلاء الأنبياء والصالحين المعاني العظيمة، والعبودية الكاملة لله عز وجل.

إن أدعيتهم رفعت في السراء والضراء في الشدة والرخاء للحي القيوم ديان السماوات والأرضين.

القرآن يقص جانباً من دعاء موسى عليه السلام

فهذا موسى عليه السلام لما ابتلي بفرعون، واشتد أذى فرعون على قوم موسى عليه السلام، وطالت تلك المناظرات والمواجهات بين هذا النبي الكريم وعدو الله فرعون، رفع موسى يديه يدعو ربه {إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ * قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ} (سورة يونس:89).

وهكذا كان القرار الأخير بعد استنفاذ كافة الوسائل في الدعوة، لما صارت البيوت المزخرفة، والأموال العظيمة، والمراكب الفاخرة، صارت فتنة لهؤلاء القوم، يستعينون بما آتاهم الله على معصيته وعلى فتنة عباده، وعلى الإفساد في الأرض، دعا موسى أن يتلفها الله عز وجل إما بهلاك الذين يستعملونها، أو بجعل هذه الأموال على وجه لا ينتفع به، فقال ذلك الدعاء.

لقد كان موسى عليه السلام حريصاً ألا يزداد أولئك القوم في الطغيان لأمرين؛..

أولهما: أن زيادتهم في الطغيان زيادة لعذابهم.

وثانيهما: أن في زيادة طغيانهم فتنة للمؤمنين، والمحافظة على المؤمنين ووقاية هؤلاء المؤمنين من فتنة الكافرين والطاغين أمر مهم للغاية يحرص عليه موسى عليه السلام، وكانت أذية بني إسرائيل بعد ذلك لموسى عليه السلام، وتمردهم عليه، موجبة لشكوى موسى الكليم إلى ربه {قَالُواْ يَا مُوسَى إِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ} (سورة المائدة:24)، بهذه الوقاحة يواجهون نبيهم، كأن القوم سيخرجون لهم من البلد ليدخلوها هم برداً وسلاماً، ما كان ذلك ليحصل، ولما حصلت هذه المعصية والتمرد من بني إسرائيل على نبيهم ماذا قال؟ {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي} (سورة المائدة:25)، وصل موسى عليه السلام إلى مرحلة صار ليس له كلمة إلا على أخيه، تمرد عليه القوم، وهذا من طبع اليهود. ولذلك دعا عليهم بقوله: {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (سورة المائدة:25). وهكذا قص الله سبحانه وتعالى علينا من خبره مع أخيه مع بني إسرائيل لما عبدوا العجل في غيابه، وتمردوا على هارون الذي قال معتذراً لموسى: {إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ * قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (سورة الأعراف:150-151).

ينظر نبي الله حوله، يتلفت، فلا يجد إلا الواحد والعدد القليل من الناس الذين ثبتوا، والبقية زلوا سقطوا في الفتنة {أَلاَ فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} (سورة التوبة:49)، فماذا يقول، وبماذا يدعو لمن ثبت معه؟ قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ} (سورة الأعراف:151) أدخلنا فيها، فتكون الرحمة محيطة بهما من كل جانب، فهي حصن حصين، وخير وسرور، وحماية من الشرور.

إلهي أشكو البث والحزن كله


إليك فكن لي راحماً لشكيتي


يشتكي موسى إلى ربه، ويدعوه بأن يفرق بينه وبينه القوم الفاسقين، يجعل له هناك فرقاناً، ويجعل له العلو والظفر والظهور عليهم، وهو محتاج إلى رحمة ربه، ومغفرته، يدعو بها ولأخيه، فلا ينسى أخاه.

وهكذا حصل لموسى أيضاً مع بني إسرائيل لما أخذتهم الرجفة، لقد تواقح القوم وتمردوا لدرجة أنهم قالوا: {لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً} (سورة البقرة:55) أخذتهم الصاعقة، ماتوا، أخذ الله أرواحهم، وكان من قبل قد حصل لهم أمور وأخذتهم رجفة، ومن بعد نتق الجبل فوقهم، فلما أخذتهم الرجفة {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} (سورة الأعراف:155) يتوسل إلى ربه بقدرة ربه على الإهلاك وعلى الإماتة، ثم قال: {إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَن تَشَاء وَتَهْدِي مَن تَشَاء أَنتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ * وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} (سورة الأعراف:155- 156).

فتأمل في عظمة هذا الدعاء في توجه موسى إلى ربه، يتوسل إليه، يعلن الخضوع والاعتراف بقدرته، وهذا مهم في الدعاء، ويعتذر وكأنه هو المذنب، مع أن أولئك القوم الذين تمردوا عليه هم الذين أجرموا، وفعلوا فعلتهم الشنعاء بعبادة العجل، وموسى يطلب المغفرة لنفسه، أولئك يذنبون وهو يطلب المغفرة، سبحان الله تسليم مطلق لقدرة الله، يقدمه موسى بين دعائه لربه، هي القدرة على الإهلاك {قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ} ، { أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاء مِنَّا}، ثم يدعو ربه أن يكتب له في هذه الدنيا حسنة {وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً} (سورة الأعراف:156) حسنة الدنيا عظيمة، تشمل العلم النافع، والعمل الصالح، والذكر الجميل، والرزق الواسع، والصحة والذرية الطيبة، هكذا حسنة الدنيا شاملة.

{وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ظل في العرش، ووقاية من النار، وسلامة في العبور عليها، ودخول الجنة، حسنات، إنها حسنة عظيمة، حسنة الآخرة المتضمنة لكل هذه المزايا.

{وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ} (سورة الأعراف:156) ونحن عندنا هذا الدعاء، علمنا الله إياه {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً } (سورة البقرة:201) ومنا من يغفله، والله المستعان.

إن تقديم الاعتذار والاعتراف، وبيان ضعف المخلوق أمام خالقه، وقدرة الخالق على المخلوقين؛ تقديم ذلك بين الدعاء سر عظيم من أسباب الإجابة. {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي} (سورة القصص:16) {رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة القصص:21)، {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (سورة القصص:24)، إظهار الحاجة.

دعاء داود والترتيب العظيم في إيراده

تأمل في حال داود عليه السلام ومن معه من المؤمنين، لما برزوا لجالوت وجنوده أمام ذلك الحشد من الأعداء، العدد والعُدد الجبابرة، {قَالُواْ} أي: عباد الله المؤمنين، {رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (سورة البقرة:250)، أمام هذا الجحفل من الأعداء، أمام هذا الجحفل من الطغاة يدعو المؤمنون ربهم، ويلجؤون إليه في الشدائد، والله إذا دعاه المضطر لا يخيبه، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، إفراغ الشيء على الشيء يدل على تعميمه به، ولذلك فإنهم لم يقولوا: ارزقنا صبراً ونحو ذلك، وإنما قالوا: {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}؛ لأنهم يحتاجون الصبر الآن، يحتاجون صبراً عظيماً، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا}، الإفراغ: صب الشيء الكثير، الإفراغ من أعلى إلى أسفل، إنزال، تعميم، شمول، كثرة. {أَفْرِغْ عَلَيْنَا} فقه في الدعاء، {أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ}، حسن الدعاء والترتيب الجيد فيه، سألوا أولاً الصبر الذي يعم القلب والبدن {أَفْرِغْ عَلَيْنَا}، ثم ثبات القدم المترتب على الصبر {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا}، فسألوا التثبيت الظاهر والباطن، ثم النصر المترتب عليهما، والنصر لا ينال إلا مع الصبر، والصبر مجلبة للمعونة، فتأمل الترتيب في هذا الدعاء {ربنا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا} ينزل في القلب، {وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا} نتيجة الصبر في القلب، {وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} ثبات القلب وثبات البدن هو المهيئ للنصر، ولذلك سألوا ربهم هذا السؤال، وجعلوا فيه هذا الترتيب.

قوة الرجاء بالله والافتقار إليه ملموس في أدعية الأنبياء

لم يغر ملك سليمانَ سليمانُ عليه السلام، وإنما قال: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} (سورة ص:35)، {رَبِّ اغْفِرْ لِي} تأمل كيف حاجتهم إلى المغفرة وهم الأنبياء، يسألون ربهم المغفرة، وكأنهم أجرموا وأذنبوا الذنوب العظيمة، يسألون مغفرة ورحمة، إنها حاجة المؤمن إلى مغفرة ربه عز وجل، إنه إظهار الافتقار للواحد القهار.

{وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ} (سورة الأنبياء:87-88) قال الحسن والشعبي وسعيد بن جبير: {إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا} يعني: من أجل ربه عز وجل، "غضبت لك" يعني: من أجلك، والمؤمن يغضب لله إذا عصي، وكان الأولى أن يصبر فذهب مغاضباً من أجل ربه، وقد أعلن سخطه على قومه مما فعلوا وأصروا وتمردوا وعصوا، فقدر الله أن يلتقمه الحوت {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} إنها لحظات الاضطراب، إنها أوقات الشدة، {نَادَى فِي الظُّلُمَاتِ} ظلمة بطن الحوت، ظلمة قاع البحر واليم، ظلمة الماء.. ظلمات، أمواج يغشى بعضها بعضاً، وكذلك ظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، اجتمعت الظلمات الحسية والظلمات المعنوية، ظلمة الليل، وظلمة البحر، وظلمة الحوت، وظلمة الشدة، وظلمة الوحدة، ولكن لم ييأس يونس أبداً من ربه عز وجل {فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} شكا إلى ربه حاله، وتضرع إليه، وتوسل إليه بوحدانيته {لَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ}، ثم نزه ربه عما لا يليق به {سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ} اعترف لله عز وجل بالظلم لنفسه، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((دعوة ذي النون إذا دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له))1 في شيء من الحاجات عموماً، ولذلك كانت النتيجة بعد دعائه هذا كما حكاه الله في القرآن بقوله: {وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ}، وإذا كنت في شدة فالله ينقذك منها، وإذا كنت في ظلمة وكربة فالله ينجيك منها.. فهو ملجأ الخائفين، ومجير المستغيثين، ومجيب دعوة المضطرين.. لا إله إلا هو.

وهكذا أنعم الله على يونس؛ لأنه كان المسبحين، فإن سجله الماضي في الطاعات جعل له شفاعة عند ربه، فنجاه الله وأنبت عليه شجرة من يقطين، ورده إلى قومه ليؤمنوا، {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِئَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ} (سورة الصافات: 147- 148).

ولذي النون وقد ناداه من

ظلمات البحر إذ فيه استقر


حين نجاه من الغم فهل


بعد ذا شك لعبد ذي نظر


{فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ} (سورة الأنبياء:88)، العمل الصالح يساند الدعاء، الدعاء المبني على عمل صالح مسبق إنه أمر عظيم.

ماذا قال زكريا عليه السلام في أدعية الأنبياء أيضاً؟

{وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ} (سورة الأنبياء:89)، {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا * قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا * وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا * يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا} (سورة مريم:3-6)، لما تقارب أجله ولم يرزقه الله بولد، هو مسن لا يولد لمثله، وامرأته عاقر لا تنجب، اجتمعت الأسباب الأرضية على عدم الإنجاب، ولكن نبي الله لا ييأس من رحمة الله، وهذا ذكر رحمة ربه له إذ وفقه للدعاء {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاء خَفِيًّا} (سورة مريم:3) أمر يدل على الإخلاص، والإقبال على الله، توسل إلى الله بضعفه، وهذا سر مهم نجده متكرراً في أدعية الأنبياء، يذكرون ضعفهم.. يذكرون افتقارهم.. يذكرون حاجتهم إلى ربهم، {إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا} (سورة مريم:4)، ومع كل هذا {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} (سورة مريم:4)، إنه يعتقد بأن الدعاء سعادة، ولا يمكن أن يشقى العبد مع الدعاء، ولذلك دعا، ودعا وسأل ولم ييأس، مع أن كل الأسباب الأرضية والنتائج والمقدمات وكل البيانات تدل على أنه لا فائدة، ولن يولد له ولد، ولكن {وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا} لا يشقى الإنسان من دعاء ربه، لا يعدم خيراً؛ لأن المسؤول كريم {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا} (سورة مريم:5)، دعا في جوف الليل {هَبْ لِي} أعطني، الهبة: إحسان بلا مقابل، انتفاع الموهوب بإحسان الواهب، فهو محتاج إلى الهبة الربانية والتي تتمثل في الذرية الطيبة كما في الدعاء الآخر: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء} (سورة آل عمران:38)، إنك تجيب سائليك، إنك تسمع أصواتهم مهما كانت ضعفاً وخفاءً، وأنت تعطي ولا تحرم؛ لأنك كريم منان، ولذلك لما سأل، وهب الله له يحيى كما قال سبحانه: {فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} (سورة الأنبياء:90)، فهو أعطاه أكثر مما سأل، أصلح الله زوجته بعدما كانت عاقراً لا يصلح رحمها للولادة، فأصلح الله رحمها للحمل لأجل نبيه ودعائه، فبشرته الملائكة بذلك.

وكل ماسبق يبين أهمية وعظم شأن الدعاء، وللحديث بقية في مقال قادم إن شاء الله تعالى،وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
تلطف عيسى عليه السلام في دعائه وأدبه

إذا تأملنا دعوة نبي الله عيسى عليه السلام، ومن معه، يسألونه آية لزيادة إيمانهم، وتثبيتهم على دينهم.. مائدة من السماء، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء تَكُونُ لَنَا عِيداً لِّأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِّنكَ وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سورة المائدة:114). تطمئن قلوبهم كما طلب إبراهيم عليه السلام من قبل ذلك؛ ليكون زيادة في إيمانه، ولما كانت القضية ابتلاءً فقد تأدب عيسى عليه السلام غاية الأدب، ينادي ربه يا الله، يا ربنا، قال عيسى بن مريم: {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} فجمع في الدعاء بين ألوهيته تعالى وربوبيته، {اللَّهُمَّ} الميم في قول: {اللَّهُمَّ} بدلاً من ياء النداء المحذوفة قبل لفظ الجلالة، يا الله، {اللَّهُمَّ رَبَّنَا} يعني يا ربنا، وهكذا دعا بالاثنين جميعاً، دعا بألوهية ربه وبربوبيته، يا الله يا ربنا، {أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاء} فهو يريد التثبيت للحواريين أصحابه، ويريد نعمة لهم وفرحاً وعيداً، {وَارْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ}، إنه رزق من الله، وهو خير الرازقين عز وجل، فلا يرزق أحد مثل رزق الله تعالى، ولا يملك أحد مثل رزق الله تعالى، ونجد التبرؤ من الحول والقوة، والاعتراف بأن الله يملك الأمر كله.

في دعاء عيسى عليه السلام {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} (سورة المائدة:118) لست بظالم لهم لو عذبتهم؛ لأنك تملكهم، ومن ملك الشيء يفعل فيه ما يشاء، إن عذبهم فهذا عدل، وإن رحمهم فهو فضل، {إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ} تفعل فيهم ما تشاء، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (سورة المائدة:118) أنت أرحم بهم من أنفسهم، وأعلم بأحوالهم منهم، ومغفرتك صادرة عن تمام عزتك وقدرتك، ليست كمغفرة وعفو العاجز الذي لا يقدر، لا، إنها مغفرة صادرة عن تمام العزة والقوة والقدرة، فمع قدرته على الانتقام، ومع قدرته على التعذيب، ومع قدرته على الإهلاك فهو يعفو، وهذا السر وراء ختم هذا الدعاء بهذين الاسمين العزيز الحكيم، {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ لأن المعتاد أن ينتهي مثل هذا الدعاء فإنك أنت الغفور الرحيم، ولكنه انتهى باسمين عظيمين لله، عجيبين في هذا المقام {وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ليست مغفرتك وعفوك صادرة عن ضعف، لكن عن قدرة وقوة، أنت عزيز منيع الجناب، لا يستطيع أحد أن يغلبك، تغلب كل أحد.

وأيوب الذي دعا ربه بأنه أرحم الراحمين، وأنه مسه الضر.

أدعية علمها الله نبيه عليه الصلاة والسلام في القرآن الكريم

هكذا نجد الأدعية تتوالى من الأنبياء، ويعلم الله محمداً صلى الله عليه وسلم أدعية أخرى كما ورد في كتاب الله العزيز: {وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، الشيطان له همزات، وهمزات الشيطان هذه الوساوس، وهذا المس، وهذا الأذى، والشر عموماً الذي يكيد به البشر، ولذلك الاستعاذة بالله الحصن الحصين والركن الشديد {رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ}؛ لأنهم عدو خفي غير مرئي، عدو خفي لا يرى، فلا بد من الاستعاذة بالله عز وجل الذي يعلم مكان الشياطين، ويعلم شر الشياطين، وكيد الشياطين، وماذا يفعلون، ومتى يفعلون، وبمن يريدون الإيقاع؟ فإذا التجأ المسلم إلى الله الذي يعلم هذه الخفايا والغيوب دفع عنه كيد عظيم وشر كبير.

{وقل رَّبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ * وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} (سورة المؤمنون:97-98)، لا يحضروني عند طعامي ولا شرابي، ولا نكاحي، ولا أمري، {أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ} ولا يحضرون في صلاتي فيشوشون علي خشوعي، لا يحضروني في أي أمر من أموري، أبعدهم يا رب.

وكذلك علم الله نبيه: {وَقُل رَّبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ} (سورة المؤمنون:118)، وهكذا دائماً حاجة العباد حتى الأنبياء إلى المغفرة والرحمة، الدعاء بالمغفرة والرحمة، علم الله نبيه دعاءً للزيادة من العلم، {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (سورة طـه:114)، لم يعلم الله نبيه أن يستزيد من شيء في الأدعية في القرآن إلا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}؛ لفضل العلم وشرف العلم ومكانة العلم وحفظ العلم لصاحبه.

العلم خشية الله، العلم الفقه في الدين، هذا العلم الذي ينجي الله به من الظلمات، ويحفظ به من الشبهات، ويثبت به على الصراط المستقيم، ولذلك نسأل ربنا دائماً هذا العلم {رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا}.

من أدعية الصالحين في القرآن

لقد زخر القرآن الكريم بأدعية للصالحين سوى الأنبياء فضرب الله مثلاً لنا امرأة فرعون، قال تعالى: {إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} (سورة التحريم:11)، كان فرعون يعذبها، ويفتنها عن دينها، لم يمنعها نعيم القصر، ولا ملك المصر، لم يمنعها ذلك الغنى والجاه والمكانة من الالتحاق بركب المؤمنين مع نبي الله موسى عليه السلام، آمنت بموسى فضرب الله هذه المرأة مثلاً للمؤمنين { إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ} (سورة التحريم:11)، كملت من النساء آسية بنت مزاحم.

من فقهها في الدعاء أنها طلبت الجار قبل الدار، لما دعت {قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} ولم تقل: بيتاً عندك، فاختارت الجار قبل الدار، سألت الجار قبل الدار، ومن هو الجار هنا؟ الواحد القهار سبحانه وتعالى، فقهر فرعون زوجها الطاغية، وأهلكه.

{رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ} العندية شرف، العندية رحمة، العندية إذا صار الإنسان عند ربه، هنالك في ذلك المقام الكريم، والشرف العظيم حظي بكل خير، {رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا} أين؟ {فِي الْجَنَّةِ}، وسقف الجنة عرش الرحمن، فهو عز وجل يتجلى لأهل الجنة من فوقهم، فينظرون إليه فلا يعطون نعمة قط أعظم من النظر إلى وجه ربهم، فتنسيهم لذة النظر كل نعيم في الجنة، من القصور والأنهار والأشجار والطعام والحور العين، الزوجات، إن نعيم رؤية الله تعالى فوق كل نعيم.

اللهم إنا نسألك أن ترزقنا الجنة بمنتك وفضلك يا رب العالمين، اللهم اغفر لنا وارحمنا، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين، ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذي سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا ربما إنك رؤوف رحيم.

والحمد لله رب العالمين.

الشيخ محمد صالح المنجد

Post: #847
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:48 AM
Parent: #787

الطغيان وصناعة الطغاة
لقد جاء الإسلام ليُعبد الله وحده ولتهدم الأصنام وتحطم الطواغيت ويكون الدين كله لله، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللّهُ وَمِنْهُم مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِين}.

ولقد كان التحذير من الطغيان في أول آيات نزلت من كتاب ربنا: {كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى * إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى}.

كما كان التحذير من العواقب الوخيمة للطغيان وخطورة نتائجه في الدنيا والآخرة واضحا في آيات القرآن:{وَفِرْعَوْنَ ذِي الأَوْتَاد * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلاَد * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَاد * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَاب * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد}.

فالطغيان يقترن دائما بالفساد وهذا والله واقع مشاهد لو لم يدل عليه القرآن لدل عليه الواقع الذي يعيشه الناس، ثم تكون النتيجة الحتمية للاستمرار في هذا الطغيان أن ينزل العذاب بهؤلاء الذين طغوا.

وانظر إلى أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة القلم لما رأوا جنتهم محترقة أمامهم قالوا: { يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِين}ثم إن لهؤلاء الطغاة يوم القيامة موعدا لن يخلفوه: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا * لِلْطَّاغِينَ مَآبًا * لاَبِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا * لاَّ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلاَ شَرَابًا * إِلاَّ حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}.

مساكين أولئك الطغاة لو علموا مصيرهم في الدنيا والآخرة لأيقنوا أن ظلمهم لأنفسهم كان أشد من ظلمهم للناس..

أما في الدنيا فإن دعوات المظلومين تطاردهم واللعنات التي تخرج من قلوب وألسنة المعذبين ستحرقهم، مع وعد من الله تعالى بإجابة دعوة المظلوم ولو بعد حين.

وأما في الآخرة فسيقتص منهم حين لا ينفع دينار ولا درهم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُون * مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُون * بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُون}

لو كان أحد من البشر يستحق التعظيم والتقديس والتمجيد لكان محمدا، لكن القرآن كان يتنزل عليه: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ }.

كان يجلس حيث انتهى به المجلس ولا يتميز بينهم بمكان ولا بلباس ولا شارات حتى إن الداخل لم يكن يعرف من هو محمد.

كانت الأمة من إماء المدينة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت...
وعلى دربه صلى الله عليه وسلم سار الصالحون ممن ولاهم الله أمر هذه الأمة، فهذا هو أبو بكر الصّدّيق رضي الله عنه يعلنها منذ اليوم الأول: وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله فيكم، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم...

وقال مثل هذه الكلمات عمر الفاروق رضي الله عنه حتى إنه طلب منهم إن أساء أن يقوموه، وأعلنت الأمة ردا عليه أنها مستعدة لتقويمه إن هو أساء أو انحرف عن الحق والصواب.

أما الطغاة فإنهم يرون كل ما يفعلونه وما يتخذونه من قرارت هو الحق وما عداه هو الباطل، وكأن ما توصلوا إليه هو الوحي الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ويقف خلفهم أناس مغرضون أصحاب مصالح يزينون لهم هذا الطغيان ويمدحونهم بالباطل ويسبحون بحمد هؤلاء الطواغيت بل ويقذفون بالناصحين الذين يريدون تقويم المعوج وتصحيح المسيرة في غياهب السجون ويرمونهم بأبشع التهم لا لشيء إلا لأنهم تجرأوا على نصيحة الطغاة الذين هم ـ في زعم هؤلاء ـ مبرأون عن الخطأ.

وهم في ذلك يستفيدون من غفلة بعض أبناء الأمة أو عجزهم أو انشغالهم بلقمة عيشهم التي لا يكادون يحصلون عليها إلا بشق الأنفس.

قل لي بالله عليك لو لم يكن خلف فرعون طغمة فاسدة زينت له الباطل وحرضته عليه هل كان بوسعه أن يصل إلى هذه المرحلة العاتية من الطغيان بحيث يقول:{ أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى}، ويقول:{ مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَاد}؟.

ألم يصل الطغيان بالنمرود لهذا الادعاء العجيب من بشر يأكل ويشرب ويمرض ويموت فيقول هذا النمرود: { أَنَا أُحْيِـي وَأُمِيتُ }؟.

ألم يقل بعض هؤلاء المنتفعين في بعض الحكام:

بشراي إن صلاح الدين قد عاد وأصبحت هذه الأيام أعيادا

أجمال ما لك من بين الأنام أخ في الشرق والغرب ممن ينطق الضادا

لو كان يعبد من بين الأنام فتى كنا لشخصك دون الناس عبادا

لقد سطر التاريخ نماذج لهذه الطائفة من المنتفعين الذين يساهمون في صناعة الطواغيت والحرص على بقائهم ، يقول ابن كثير رحمه الله تعالى: " اتفق في بعض الأحيان أن الخليفة العباسي المهدي استدعى بعض الشعراء إلى مجلسه، وكان فيهم أبو العتاهية، وبشار بن بُرد الأعمى، فسمع بشار صوت أبي العتاهية، فقال بشار لجليسه: أثَم هاهنا أبو العتاهية؟! فقال: نعم. فانطلق أبو العتاهية يذكر قصيدته التي قال فيها:

أتته الخلافة منقادة إليه تجرجر أذيالها فلم تك تصلح إلا له ولم يك يصلح إلا لها

ولو رامها أحدٌ غيره لزلزلت الأرض زلزالها ولو لم تطعه بنات القلوب لما قبل الله أعمالها

فقال بشار لجليسه: انظروا هل طار الخليفة عن فراشه أم لا !!".

بل إن الشاعر الأندلسي ( ابن هاني ) قد جاوز في مدح المعز الفاطمي حتى مدحه بقوله:

ما شئت لا ما شاءت الأقدار فاحكم فأنت الواحد القهار

وكأنما أنت النبي محمد وكأنما أنصارك الأنصار

أنت الذي كانت تبشرنا به في كتبها الأحبار والأخبار

أسأل الله الكريم أن يحفظ المسلمين وبلادهم من شر الطواغيت وأعوانهم ومنافقيهم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

إسلام ويب

Post: #848
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:51 AM
Parent: #787

إن عزل الرجال عن النساء، واختصاصهن بأعمال المنزل وحضانة الأطفال، واختصاص الرجال بالعمل والاكتساب - متوائمٌ مع الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها، وسارت عليها البشرية طوال تاريخها في الشرق والغرب، وعند سائر الأمم، قبل أن تأتي الحضارة المعاصرة بضلال الاختلاط، ومن قرأ تواريخ الحضارات والأمم السالفة أيقن بحقيقة ذلك.

ونزلت شرائع الله تعالى على أنبيائه ورسله - عليهم السلام - بما يوافق هذه الفطرة، وقد أجمعت الشرائع كلها على حفظ النسل من الاختلاط، وعلى حفظ المجتمعات من الفساد والانحلال؛ ولذا كان الزنا محرمًا على ألسنة جميع المرسلين عليهم السلام، ويجمع كل العقلاء من البشر على أن الاختلاط أكبر سبب للزنا، كما يجمع البشر على أن الزنا سبب للأمراض والطواعين التي تفتك بالناس، والواقع يدل على هذه الحقائق. ولا يُماري في شيء من ذلك إلا جاهل أو مكابر، فمن دعا للاختلاط ورضيه فهو يدعو للزنا وانتشار الفواحش، وهو يدعو كذلك لنشر الطاعون في الناس، وإهلاكهم به، شاء ذلك أم أبى؛ إذ إن هذه الأمراض الخبيثة هي نَتَاج دعوته الخبيثة.

وإن تعجب - أيها القارئ - فعجب لأناس يدعون للاختلاط، وينشرون الرذيلة في الناس، ثم يحذرون من انتشار مرض الإيدز، ويعقدون المؤتمرات والندوات لمكافحته، فهل هم صادقون في تحذيرهم؟ وهل يعقلون ما يقولون وما يفعلون؟ وهل هم إلا كمَنْ يسقي الإنسان سُمًّا ثم يصيح به محذرًا إياه أن يموت مما سقاه؟!

إنه لن تجدي المؤتمرات والندوات والتوعية الصحية والاجتماعية في التخفيف من الأمراض المستعصية، الناجمة عن الممارسات الجنسية المحرمة، إذا كان المفسدون يخلطون بين الرجال والنساء، ويوسعون دائرة الاختلاط يومًا بعد يوم؛ وينشرون في إعلامهم ما يسعر الشهوات، ويدعو إلى الرذيلة؛ ولذا نوصيهم أن لا يكذبوا على الناس ويخدعوهم، ويحذروهم من انتشار الإيدز؛ لأنهم أكبر سبب من أسبابه حين شرعوا للاختلاط، وأفسدوا الإعلام، وفرضوا على الناس آراءهم الفكرية الشهوانية.

يقول العلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -: "ولا ريب أن تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال أصلُ كل بلية وشر، وهو من أعظم أسباب نزول العقوبات العامة، كما أنه من أسباب فساد أمور العامة والخاصة.. وهو من أسباب الموت العام والطواعين المهلكة. ولما اختلط البغايا بعسكر موسى - عليه السلام - وفشت فيهم الفاحشة؛ أرسل الله تعالى عليهم الطاعون؛ فمات في يوم واحد سبعون ألفًا، والقصة مشهورة في كتب التفسير.

فمن أعظم أسباب الموت العام: كثرة الزنا؛ بسبب تمكين النساء من اختلاطهن بالرجال، والمشي بينهم متبرجات متجملات". اهـ .

وكلام ابن القيم - رحمه الله تعالى - لا يعجب أهل الشر والفساد، ودعاة الرذيلة والانحلال؛ لأنهم مستعبدون في أفكارهم لما يمليه عليهم أهل الحضارة المعاصرة، ومشرَبون بحبِّ كتابات الغربيين، فلا بأس من نقل شيء من أقوال الغربيين، من باب قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ المُجْرِمِينَ} [الأنعام: 55].

أقوال نساء الغرب في الاختلاط:
إن المفسدين يزعمون أنهم بمشاريعهم التغريبية التخريبية يَنْصُرون المرأة ويدافعون عن حقوقها في الاختلاط والفساد، ولكنهم كاذبون أو جاهلون، وسأنقل بعض أقوال النساء الغربيات؛ حتى نعرف رأيهن في الاختلاط وقد جرَّبْنَه، وسبقن نساء العالمين إليه، ولسن متهمات بأنهن (مُؤَدْلَجَات) أو متطرفات، أو يعشن عصور الظلام والحريم كما يقول المنافقون والمنافقات،

1- تقول الصحفية الأمريكية هيليان ستانبري: "أنصحكم بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم، امنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة؛ بل ارجعوا لعصر الحجاب، فهذا خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون أوربا وأمريكا.. امنعوا الاختلاط، فقد عانينا منه في أمريكا الكثير، لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعًا مليئًا بكل صور الإباحية والخلاعة. إن ضحايا الاختلاط يملؤون السجون، إن الاختلاط في المجتمع الأمريكي والأوروبي قد هدد الأسرة وزلزل القيم والأخلاق".

2- تقول كاتبة أخرى: "إنه لعارٌ على بلاد الإنجليز أن تجعل بناتها مَثَلاً للرذائل بكثرة مخالطة الرجال".

3-في بريطانيا حذرت الكاتبة الإنجليزية (الليدي كوك) من أخطار وأضرار اختلاط النساء بالرجال، فقالت: "على قدر كثرة الاختلاط؛ تكون كثرة أولاد الزنا"، وقالت: "علموهنَّ الابتعاد عن الرجال".

فهل يبقى لدعاة الاختلاط والفساد قول وقد عارضوا شريعة الله تعالى، وخالفوا الفطرة التي فطر الله الناس عليها، وكذبوا على الناس فزوروا الحقائق، وأخفوا النتائج المخزية للاختلاط في البلاد التي اكتوت بذلك.

حمى الله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين من المفسدين والمفسدات، والمنافقين والمنافقات، وردهم على أعقابهم خاسرين، إنه سميع قريب.

كمال الشريعة ويسرها:
من رحمة الله تعالى بعباده رفعه الحرج عنهم، وتكليفهم بما يطيقون، والتخفيف عنهم فيما يرهقهم ويشق عليهم، والأدلة في القرآن على ذلك كثيرة جدًا، منها:

1- قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286].

2- قوله سبحانه: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78].

3- لما ذكر سبحانه التخفيف في أحكام الصيام قال عز من قائل: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ} [البقرة: 185].

4- في شرعية التيمم عند عدم الماء قال تعالى: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].

5- وصف رسوله عليه الصلاة والسلام بأنه: {يَأْمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} [الأعراف:157].

ومن مظاهر الرحمة واليسر في شريعة الله تعالى: أن كُلف العباد بما يطيقون من الواجبات، وخُفف عنهم ما لا يطيقون، وهذا المظهر من مظاهر التخفيف بَيِّنٌ واضح لكل من يقرأ القرآن، ويعرف الأحكام.

وثمة مظهر آخر للتيسير يغفُل عنه أكثر الناس وهو لا يقل أهمية عن الأول، وهو أن الله تعالى لما حرم المحرمات على العباد أوصد سبلها، ومنع وسائلها، وسدَّ الطرق المفضية إليها؛ رحمة بالعباد، وعونًا لهم؛ وذلك لئلا توجد في نفوسهم دواعيها، وقد حرمت عليهم فيرهقهم الامتناع عنها.

فالزنا حرَّمه الله تعالى في كل شرائع الرسل عليهم السلام؛ لما فيه من انتهاك العرض، وتدمير النسل، والشرائع الربانية جاءت بحفظ الضرورات التي منها العرض والنسل.

ولما كان من فطرة الإنسان وجِبِلَّتِه التي خلقه الله تعالى عليها ميل كل جنس من الرجال والنساء للجنس الآخر، ومحبته له، والأنس به، وتمني معاشرته؛ فإن الشرائع الربانية نظمت ذلك بالزواج، وحرمت السفاح، وأوصدت الطرق المسببة للزنا، فأمرت الشريعة السمحة بغض البصر، ومنعت الخلوة بالنساء، وسفرهن بلا محارم، كما منعت سفورهن وتبرجهن واختلاطهن بالرجال.

ولو كانت هذه الأسباب والوسائل مباحة مع تحريم ما تُفضي إليه من الزنا لكان في ذلك من الرهق والعُسر والمشقة على العباد ما لا يعلمه إلا الله تعالى، ولكان حالهم كحال الجائع الذي يوضع أمامه ما لذَّ من الطعام ثم يقال له: لا تأكل!!

والجائع يصبر عن الطعام إذا كان لا يراه ولا يَشْتَمُه، ولكن إذا رآه أو اشتمه لم يصبر عنه، والرجل يصبر عن المرأة في حال غيابها وتسترها، ولكنه لا يصبر عنها في حال سفورها وتبرجها واختلاطها به، واستعراضها أمامه.

وحيثما كَثُر الاختلاط والعُري والتفسخ في بلد من البلدان؛ مرضت القلوب، وفسدت الأخلاق، وازداد السعار الجنسي، وانتشرت جرائم الزنا والاغتصاب وأنواع الشذوذ.

وإذا أُوصدت أبواب الفتنة والشر والفساد، وفصل النساء عن الرجال؛ صلحت القلوب، واستقامت الأخلاق، وانتشر في الناس الطهر والعفاف، والواقع يشهد لتلك الحقائق.

من مفاسد الاختلاط:
إن اختلاط النساء بالرجال هو البوابة التي ما فتحتها أمة من الأمم إلا ولجت إليها الجرائم الأخلاقية، وانتشر فيها الشذوذ الجنسي، وصارت عرضة للطاعون والأوبئة الفتاكة.

إن الاختلاط يفتح أنواعًا من البلاء والشرور على الناس منها:
1- أن حياء المرأة الذي لا زينة لها إلا به يَضْعُف شيئًا فشيئًا كلما اقتربت من الرجال، وعاملتهم وخالطتهم.. وما قيمة المرأة بلا حياء؟! تكلم الواحد منهم وتضاحكه وتمازحه أشد مما تفعل ذات المحرم مع محارمها، وما كانت بجاحتها وجرأتها إلا بسبب قلة حيائها.

2- أن المرأة تعتني بحجابها لئلا يراها من لا يحل لهم رؤيتها من الرجال، فإذا كانت تقيم الساعات الطوال أمامهم، وتعايشهم في أماكنهم ومقرات أعمالهم فإنها تتخفف من حجابها الشيء بعد الشيء؛ لأنها ألفتهم، ولا تراهم في منزلة من لا تعرفهم من الرجال.

ومع كثرة المخالطة لا ترى حرجًا في إلقاء حجابها أمامهم بحجة الزمالة، وقدم المعرفة، وثقتها بأخلاقهم، وغير ذلك من الحجج الواهية التي يزينها الشيطان لها، وتعصي بها ربها الذي أمرها بالحجاب في قوله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31].

3- أن المرأة تعتني بزينتها، ويهمها شكلها ومظهرها، وتضعف أمام المادحين لها، فإذا اختلطت بالرجال أبدت لهم ما يثنون به عليها، وتنافست هي وزميلاتها في هذا المجال، حتى يخيل لبعض من يراهن أنهن في دور عروض الأزياء، من كثرة أصباغهن، وعُري ملابسهن، فيقعن في ما نهى الله تعالى عنه بقوله عز وجل: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31].

4-لضعف المرأة أمام عواطفها, فإنها قد تعلق في مجال عملها برجل لجمال خلقته، أو حسن معاملته، أو قوة نفوذه، وهو لا يحل لها لأنها ذات زوج، أو لا تستطيع الوصول إليه، وقد وقع ذلك لكثير من النساء، ولا سيما من لها مشاكل مع زوجها أو أهلها، فتفضي بمن أعجبت به بمشاكلها لحلها وتقديم المشورة لها، حتى تُفتن به، ويُفتن هو بها.

فتكون بين نارين: إما أن تشبع عواطفها ورغباتها بما حرم الله تعالى عليها، أو تكبت مشاعرها فتشقى بها.

5-لا تسلم المرأة العاملة في مجالات مختلطة من الخلوة بزميل أو مدير لأي ظرف كان؛ فتقع بذلك في مخالفة النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال: ((لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إلا مع ذِي مَحْرَمٍ)).

6- أن الاختلاط خطر على المرأة؛ إذ قد تتعرض للإغراء والإغواء والمراودة والابتزاز، وقد يصل ذلك إلى التحرش والاعتداء بالقول أو بالفعل من زملائها أو أساتذتها أو رؤسائها، ولا سِيَّما إذا كانت ذات جمال، وكانت درجاتها وترقياتها بأيديهم، ولا دين يردعهم، ولا خلق يمنعهم.

وفي الدول التي تقدمت في الاختلاط، وزاحمت المرأة فيها الرجال تكثر الفضائح والمشكلات بين العاملين والعاملات، والطلاب والطالبات. حتى وصلت نسبة الاعتداءات والتحرشات إلى تسعين في المئة في بعض البلاد الغربية.

وكم من فتاة عفيفة تركت دراستها، أو غيرت تخصصها، أو نقلت وظيفتها؛ لما تلقاه من ابتزاز في عرضها وعفافها؟!

7- أن الاختلاط سبب للعزوف عن الزواج؛ لأن الرجل إذا قدر على إرواء غريزته بغير زواج ولا نفقة ولا بيت ولا مسئوليات فلماذا يتزوج؟! وعزوف الشباب عن الزواج في المجتمعات المختلطة من أَبْيَنِ الدلائل على ذلك، وفي البلاد الغربية أرقام مخيفة في ذلك.

8- أن الاختلاط من أكبر أسباب الخيانات الزوجية، وهو يوقد نار الخصام والجدال بين الزوجين؛ فلا الرجل يقنع بزوجته وهو في كل صباح يجالس الجميلات ويمازحهن. ولا المرأة تقنع بزوجها وهي ترى من زملائها من هم أجمل خِلقة، وأرقى تعاملاً من زوجها، ولا بد أن تقع المقارنة من الزوجين، كل واحد منهما يقارن الآخر بما يراه في عمله.

9- أن الاختلاط سبب لكساد المرأة، وعزوف الرجال عنها، وعدم رغبتهم فيها؛ لأن غيرتهم تمنعهم من قبول امرأة تعامل الرجال وتحادثهم وتجالسهم، فالرجل السَّوِي يريدها له وحده ولا يريد أن يشاركه فيها أحد.

وعزوف الشباب عن الزواج بالعاملات في المجالات الطبية المختلطة دليل على ذلك.

وكلما توسعت دائرة الاختلاط زادت الشكوك بين الزوجين، فهو يشك فيها مع زملائها، وهي تشك فيه مع زميلاته، فيكثر الخصام بين الزوجين، وفي كثير من الأحيان يؤدي هذا الخصام إلى الطلاق.

10- أن الاختلاط سبب لانشغال كل جنس بالآخر عن العمل أو الدراسة؛ فهو أبدًا يفكر فيه، ويكرس عقله وجهده في كيفية الوصول إليه، وقد أثبتت كثير من الدراسات الحديثة أن من أهم أسباب ضعف التحصيل الدراسي في المدارس المختلطة انشغال كل جنس بالجنس الآخر.

يقول أحد الأطباء الغربيين: "عندما تتحرك الغريزة الجنسية لدى الإنسان تُفرز بعض الغدد هرمونات تتسرب في الدم إلى أن تصل إلى الدماغ فتخدره فلا يصبح قادرًا على التفكير والتركيز الصافي".

والغرائز الجنسية تتحرك بشكل أكبر حين يجتمع الرجال بالنساء في مكان واحد.

فَعُلم بذلك أن الاختلاط داء وبيل، وشر مستطير، لا يفتح على أمة من الأمم إلا أصاب دينها وأخلاقها في مقتل، وكان سببًا لانتشار الرذائل والفواحش التي تنتج أولاد الحرام، وتسبب كثرة الإجهاض، وتنشر الطواعين والأمراض، وتفكك روابط الأسر، وتوجد الشكوك بين الزوجين.

والمفسدون في الأرض من المنافقين والشهوانيين يسعون جهدهم في توسيع مجالات الاختلاط في البلاد؛ فبعد أن فرضوه واقعًا في كليات الطب والمستشفيات والمراكز الصحية، ثم في البنوك وكثير من الشركات والمؤسسات؛ يريدون توسيعه في مجالات أخرى، ويعقدون المؤتمرات والمنتديات المختلطة لا لشيء إلا لتكريس هذه الصورة المنحرفة في أذهان الناس، والتقرب إلى الدول المستكبرة بالجهر بمعصية الله تعالى، وتعدي حدوده، وانتهاك حرماته. وَوَدَّ المفسدون في الأرض لو اجتاحت حُمَّى الاختلاط كل المجالات حتى تصل إلى المدارس والجامعات!!

وما يصيحون به في صحفهم وفضائياتهم يشي بما في نفوسهم نحو البلاد والعباد من محاولة الفساد والإفساد، وفرض المناهج الغربية المنحرفة على المجتمع، وقسر الناس عليها بالقوة والإرهاب، ولن يستكينوا أو يتوقفوا عن فسادهم وإفسادهم حتى يروا الحرائر العفيفات يبذلن أعراضهن بالمجان وبأبخس الأثمان.
ومن حق الناس أن يغاروا على نسائهم وبناتهم، وأن يقفوا في وجوههم، وينكروا على المفسدين خطواتهم المستفزة التي هي من خطوات الشيطان، ولا سيما أنهم في كل يوم يأتون بقارعة جديدة، ويجسون نبض الناس بخطوة يقدمون عليها في باب الاختلاط.

فإذا لم ينكر الناس عليهم كل منكر في حينه تقدموا خطوة أخرى، وهكذا.. حتى يصلوا إلى مرادهم من إفساد البلاد والعباد، وخلط النساء بالرجال.

شبهة وردها:
لقد افترى المنافقون والشهوانيون فرية صدقوها ثم نشروها فانطلت على بعض الناس، وهذه الفرية هي قولهم: إن عزل الرجال عن النساء سبَّبَ سُعارًا جنسيًا في المجتمعات المنغلقة فأصبح الرجل لا يرى في المرأة إلا المعاني الجنسية، بخلاف المجتمعات المنفتحة المتحررة التي يختلط فيها الرجال بالنساء، وتتعرى النساء كما يحلو لهن، وتصاحب المرأة فيها من تشاء لا يوجد فيها هذا السُعَارُ لأن الرجل قد تعود على المرأة وألفها. هكذا يقولون!!

والسؤال هنا: إذا كان الأمر كما يقول المفترون فلماذا يكثر اغتصاب النساء بل الأطفال في المجتمعات المنحلة؟ أليس الوصول إلى المرأة سهلاً؟ فالبغايا يملأن الحانات والخمارات، وينتظرن زبائنهن على نواصي الطرقات؟!

أليس الحصول على المتعة في بلادهم أسهل من شراء الخبز؟! فما على الرجل إلا أن يصادق من تعجبه فيأخذ منها ما يريد!! إذن فلماذا يكثر الاغتصاب في بلادهم؟! حتى إن الواحدة من نسائهم لا تخلو حقيبة يدها من سلاح تدافع به عن نفسها، وترد عدوان المعتدين عليها، ولماذا تظهر الفضائح تلو الفضائح للسياسيين وأصحاب النفوذ في بلادهم بتحرشاتهم بنساء يعملن عندهم، أو يتدربن في مكاتبهم؟!

بل لماذا يكثر الشذوذ والزواج الِمْثِلي وأنواع التقليعات الجنسية التي تأباها الحيوانات ويرضاها بشرهم؟

أليسوا غير معقدين ولا مكبوتين جنسيًا كما يقول بنو قومنا! ومن قرأ أرقام الاغتصاب والشذوذ علم أن مجتمعاتهم تسير إلى الهاوية، وسبب ذلك هو الاختلاط، ولو قال المنافقون والشهوانيون غير ذلك.

وكل الدراسات الاجتماعية، والإحصاءات الجادة في كل البلاد التي ينتشر فيها الاختلاط سواء كانت بلادًا غربية أم شرقية، وسواء كانت بلادًا مسلمة أم غير مسلمة تجمع على حقيقة مفادها: أن خلط الرجال بالنساء شر على الرجال والنساء والمجتمع بأسره، ويخلف كثيرًا من المشكلات والأمراض الجنسية والاجتماعية التي تستعصي على العلاج.

فمتى يترك الكذابون كذبهم، ويتوقفون عن افترائهم، ويقلعون عن إفسادهم، ويقفون موقف صدق مع أنفسهم، ونصح لمجتمعهم وأمتهم فيسألون أنفسهم: لماذا ينشرون الفساد والاختلاط في بلاد حُفظت منه طيلة العقود الماضية، وقد غرقت أكثر البلدان في مصيبته، وتجرعت مرارته، ورأى القريب والبعيد ما خلفه الاختلاط فيها من آثار سلبية، ومشكلات كثيرة مستعصية؟ ولم يعد ذلك خافيًا على أحد فهل هم ناصحون غافلون؟ أم فاسدون مفسدون؟ أم هم أُجَرَاء حاقدون على مجتمعاتهم، لهم مهمة محددة في إفساد البلاد والعباد بأجر يقبضونه من منظمات مشبوهة، ودول متنفذة طامعة في المنطقة، لها مشاريعها وخططها؟!

فليردعهم دينهم عن إفساد نسائنا وبناتنا وأخواتنا المسلمات، فإن لم يكن لهم دين فلتردعهم الوطنية التي يزعمونها ويتغنون بها في كل وقت وحين؛ فإن الناصح لوطنه لا يورده المهالك، واختلاط النساء بالرجال هو أوسع باب يقود إلى فساد الناس وهلاكهم.

وإلى متى يقف العقلاء والحكماء والصالحون، وأولو النصح لبلادهم وولاتهم، وأهل الغيرة على نسائهم وبناتهم مواقف المتفرجين السلبيين؟! الذين يتربصون وينتظرون حتى تنزل القوارع بمجتمعاتهم، ويتمكن أهل الفساد والإفساد من بيوتهم ونسائهم؟! فلا هم ينكرون عليهم، ولا يناصحونهم، ولا يحولون بينهم وبين إفسادهم، ولا يبينون للناس خطر الاختلاط وقد فتك بكثير من الدول التي انتشر فيها.

أسال الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين، وأن يستر على نسائهم وبناتهم، وأن يكبت الكافرين والمنافقين والمفسدين، إنه سميع قريب
من دلائل صدق إيمان العبد، وسلامة قلبه لله تعالى: الاستسلام لأمره سبحانه في الأمور كلها، وتعظيم نصوص الشريعة، والوقوف عندها، وتقديمها على أقوال الرجال مهما كانوا؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ*وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَائِزُونَ} [النور:51 – 52].
وإنما تقع الردة والضلال، ويتأصل الزيغ والنفاق في قلب العبد إذا عارض شرع الله تعالى؛ تقليدًا لغيره، أو لرأي أحدثه، متبعًا فيه هواه، معرضًا عن شرع الله سبحانه، كما في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور: 63].
ومع عظيم الأسى، وشديد الأسف فإن الإعلام المعاصر في أكثر فضائياته وإذاعاته، وصحفه ومجلاته، يُربِّي المتلقين عنه على التمرد على أوامر الله تعالى، وانتهاك حرماته، والاجتراء على شريعته، في كثير من القضايا التي يلقيها على الناس من سياسية واقتصادية، واجتماعية وثقافية، ولا سيما إذا كان الحديث عن المرأة وقضاياها.
تكريس الاختلاط بالقول والصورة:
لقد اعتاد المتلقّون عن الإعلام وبشكل يومي - بل وفي كل ساعة ولحظة - على مشاهدة سفور النساء، وظهورهن بأبهى حُلَّة، وأجمل زينة، متكشفات، مبتسمات، مختلطات بالرجال، تجلس المرأة بجوار الرجل، وتمازحه وتضاحكه، أمام ملايين المشاهدين والمشاهدات، لا هي قريبته، ولا هو محرم لها، وليس بينهما رباط إلا رباط الإعلام والشيطان، ولا يكاد يخلو برنامج أو فقرة من رجل وامرأة في الأخبار والرياضة، والحوار والسياسة، والأزياء والطبخ، بل حتى برامج الأطفال لا بد فيها من فتى وفتاة.
وهذه الصورة المتكررة في كل لحظة تُهَوِّن هذا المنكر العظيم في نفوس المشاهدين، وتحوله من معصية وعيب إلى لا شيء، وتلك والله من الفتن التي يُرِّققَ بعضها بعضًا كما جاء في الحديث.
واعتياد الناس على هذه المشاهد الآثمة يجعل إنكارهم لها، وانصرافهم عنها ضعيفًا جدًا، بل لربما أنكر أكثرهم على من ينكرها ويشاهدها، فانقلبت من كونها منكرًا وباطلاً إلى معروف وحق لا يجوز أن يجادل فيه أحد!!
وهذا التهوين للمنكر بالفعل والصورة الذي يتكرر في كل ساعة ولحظة، يصاحبه تسويغ له بالكلمة والمقالة؛ فينبري أجهل الناس بالشريعة، وأضعف الخلق ديانة لمناقشة مسائل الحجاب والسفور والخلوة والاختلاط، وسفر المرأة بلا محرم، وليس نقاشهم علميًا موضوعيًا لإحقاق حق، وإبطال باطل، وإنما هو نسف للشريعة، وإبطال للقرآن والسنة، وإلغاء لما سارت عليه الأمة المسلمة في قرونها السالفة، وإحلال للقوانين والعادات الغربية محل شريعة الله تعالى في التعظيم والطاعة والامتثال باسم الانفتاح والرقي والتقدم.
ومن آثار هذا التجييش الإعلامي للباطل، ونشر تلك الرذائل على أوسع نطاق نرى تغيرًا مستمرًا في كثير من بيوت المسلمين، يتجلى في مظاهر عدة، وأخلاق بديلة لم يكن المسلمون يعرفونها قبل هذا الغزو الإعلامي، من التساهل بالحجاب، وسفر الفتاة للدراسة بلا محرم، ومزاحمة المرأة للرجال في العمل، واختلاطها بهم في كثير من المجالات والأعمال، بلا خجل ولا حياء. وأهل الفسادُ يوسِّعُون دائرة الإفساد ليجتاح الأمة بأكملها، ويأتي على البيوت والأسر كلها، وإذا لم يَسْعَ المسلمون لإيقاف هذه الأمراض التي تفتك بالمجتمعات، ولم يأخذوا على أيدي دعاة الرذيلة وناشري الفساد؛ فإنه سيأتي اليوم الذي يفقد فيه الرجل سلطانه على نسائه وبناته، فيخرجن متى أردن، ويصاحبن من شئن، ويفعلن ما يحلو لهن، كما وقع في كثير من بلاد المسلمين التي غزاها شياطين الإنس بأفكارهم، ودمروها بمشاريعهم التغريبية التخريبية، وحينها لا ينفع ندم ولا بكاء على عفة فقدت، وقد كانت من قبل تستصرخ أهل الغيرة ولا مجيب لها، ونعيذ بالله تعالى بلادنا وبلاد المسلمين أن يحل بها ذلك.

إن الخطأ خطأ ولو كثر الواقعون فيه، وإن المنكر لا ينقلب إلى معروف بمجرد انتشاره، وهكذا الباطل يبقى باطلاً ولو زَيَّنه المزورون بزخرف القول، وروجوه بالدعاية، والواجب على أهل الإسلام إنكار المنكر ولو كان المتجافي عنه غريبًا في الناس، كما يجب عليهم إحقاق الحق ولو أعرض عنه أكثر الناس، فانتشار الباطل وانتشاء أهله، وغربة الحق وضعف حملته لا يسوغ السكوت والتخاذل.وإلا غرق المجتمع كله في حمأة الباطل، وطوفان الرذائل.
لماذا يسعون في نشر ثقافة الاختلاط؟
اختلاط المرأة بالرجال هي القضية الأساس التي يسعى المفسدون لنشرها في المجتمع، ويستميتون في إقناع الناس بها، ويُوجدون لها المسوغات، ويجعلونها من الضرورات، ويعزون كل بلاء في الأمة وتخلف وانحطاط إلى ما ساد من عزل المرأة عن الرجل في التعليم والعمل وغير ذلك.

ويعلم المفسدون في الأرض أنهم إن نجحوا في نشر الاختلاط، وقهر الناس عليه بقوة القرارات الدولية، والتخويف بالدول المستكبرة، واستغلال نفوذهم في بلاد المسلمين، والتفافهم على أصحاب القرارات والتوصيات، مما يجعلهم قادرين على إلجاء الناس إليه عمليًا في العمل والدراسة، وفرضه بقوة النظام - وهو ما يسعون إليه بجد وقوة - فإن ما بعد الاختلاط من الإفساد يكون أهون، والنساء إليه أسرع كالخلوة المحرمة، وسفر المرأة بلا محرم، وسفورها وتبرجها، وعرض زينتها، وغير ذلك من الإثم والضلال، وانتهاك حرمات الكبير المتعال.

ولن يوقف ذلك إلا إنكار الناس عليهم، ورفضهم لمشاريعهم التغريبية، وكشف خططهم ومآربهم لعامة الناس، والأمر يعني الجميع، ولا يختص بأحد دون أحد، ومن حق الناس أن يسعوا إلى ما فيه حفظ بيوتهم وأسرهم، وبناتهم ونسائهم من أسباب الفساد والانحراف، وأن يأخذوا على أيدي المفسدين والمفسدات، من أتباع الغرب وعباد الشهوات.
من أدلة تحريم الاختلاط:
من نظر في شريعة الله تعالى يجد أنها أوصدت كل الأبواب المؤدية إلى الاختلاط، وسدت الذرائع لذلك، وحمت المجتمع من الفاحشة والرذيلة بتشريعات ربانية تبقي على المجتمع عفته وطهارته ونقاءه، واستقامة أسره، وصلاح بيوته ما دام أفراده قائمين بأمر الله تعالى، ممتثلين لشرعه، مستسلمين لنصوص الكتاب والسنة، ولم يسمحوا للمفسدين أن ينخروا ذلك السياج الربَّاني بين الرجال والنساء، ومن الأدلة على منع الاختلاط ما يلي:
1- قول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب: 53].
وهذا الخطاب الرباني هو لأطهر هذه الأمة قلوبًا وهم الصحابة رضي الله عنهم، وفي أعف النساء وهن أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فما بالك -أخي المسلم- بمن هم دونهم من الرجال، وبمن هُنَّ دونهن من النساء؟!
{فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ}؛ فالخالق الرازق المدبر سبحانه يأمر في كتابه بالحجاب بين الرجال والنساء، والمفسدون يريدون تحطيمه وإزالته، وينهون الناس عنه!!
2- قول الله تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [النور: 30]، ثم قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: 31].
فلو كان الاختلاط سائغًا في الشرع لكان في هذه الأوامر الربانية تكليف بما لا يطاق؛ إذ كيف تختلط المرأة بالرجل، وتجلس بجواره في العمل أو الدراسة، ولا ينظر كل واحد منهما للآخر وهما يتبادلان الأعمال والأوراق والدروس؟!
3- حديث أبي سعيد رضي الله عنه وفيه ذكر النبي عليه الصلاة والسلام أن من حق الطريق: ((غضُّ البصر)).
فإذا كان غض البصر واجبًا على الرجال إذا مرت بمجلسهم في الطريق امرأة، فكيف يسوغ لبعض الناس أن يزعموا أن شريعة الله تعالى لا تُمانع من اختلاط الرجال بالنساء؟!
4- حديث جَرِيرِ بن عبدالله قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - عن نَظَرِ الْفُجَاءَةِ؛ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي".
وإذا كانت المرأة بجوار الرجل في الدراسة أو العمل أو غير ذلك فكيف يصرف بصره عنها وهو يتعامل معها طيلة وقت الدراسة والعمل؟!
5- حديث بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِعَلِيٍّ رضي الله عنه: ((يا عَلِيُّ، لَا تُتْبِعْ النَّظْرَةَ النَّظْرَةَ؛ فإن لك الْأُولَى وَلَيْسَتْ لك الآخِرَةُ)).

وفي هذا الحديث نهي صريح عن اتباع النظرة النظرة، والنهي يقتضي التحريم، فلو قيل بجواز الاختلاط لكان في الشريعة تناقضًا - تعالى الله عن ذلك- إذ كيف تنهى الشريعة عن اتباع النظرة النظرة، ثم تجيز اجتماع الجنسين في مكان واحد بلا حجاب بينهما ساعات عدة، وكل يوم، ولا ينظر بعضهم إلى بعض.
6- حديث عُقْبَةَ بن عَامِرٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ الله- صلى الله عليه وسلم - قال: ((إِيَّاكُمْ وَالدُّخُولَ على النِّسَاءِ)).
فإذا كان النبي - عليه الصلاة والسلام - يحذر الرجال من الدخول على النساء فكيف إذًا بالمكث عندهن وأمامهن وبجوارهن في ساعات العمل والدراسة وغيرها كل يوم؟!
7- أن النبي – صلى الله عليه وسلم - عمل على منع الاختلاط في الطريق أثناء الخروج من المسجد، وما هو إلا لحظات، وعقب عبادة عظيمة، والرجال فيه والنساء من المصلين والمصليات، وهم وهن أقرب للتقوى، وأبعد عن الريبة، فكيف بغير تلك الحال؟!
روت أم سلمة - رضي الله عنها -: "أَنَّ النِّسَاءَ في عَهْدِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كُنَّ إذا سَلَّمْنَ من الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وَمَنْ صلى من الرِّجَالِ ما شَاءَ الله فإذا قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قام الرِّجَالُ".

8- أنه ذات مرة وقع في الخروج من المسجد اختلاط غير مقصود فبادر النبي عليه الصلاة والسلام إلى إنكاره، وأوصى بما يزيله؛ كما روى أبو أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع رَسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يقول وهو خَارِجٌ من الْمَسْجِدِ فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مع النِّسَاءِ في الطَّرِيقِ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لِلنِّسَاءِ: ((اسْتَأْخِرْنَ؛ فأنه ليس لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ))؛ فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حتى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ من لُصُوقِهَا بِهِ.
فالنبي - عليه الصلاة والسلام - في هذا الحديث ينهى النساء وهن خارجات من المسجد إلى بيوتهن عن سلوك وسط الطريق، ويأمرهن بحافتيه لئلا يختلطن بالرجال، مع أن المسافة قصيرة، والوقت قليل؛ لقرب بيوتهن من المسجد، فكيف بالدعوة إلى اختلاط في العمل والدراسة طيلة وقت الدوام؟!
9- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - منع الاختلاط في المسجد، وهو أجلُّ مكان وأشرفه، وهو محل العبادة، وفيه يُطهر القلب من الرجس والشهوة، والقلوب فيه متعلقة بالله تعالى، بعيدة عن الفساد والشر، ومع ذلك حسمت فيه مادة الشر، وسدت فيه ذرائع الفساد، فكيف إذن بسواه؟!
عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا، وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا)).
10- في الطواف بالبيت، وهو من أجل العبادات وأشرفها - مُنع الاختلاط؛ كما أخبر التابعي الجليل عطاء بن أبي رباح - رحمه الله تعالى - أن النساء فيه لم يكن يخالطن الرجال وقال: "كانت عَائِشَةُ - رضي الله عنها - تَطُوفُ حَجْرَةً من الرِّجَالِ، لَا تُخَالِطُهُمْ".
وقال - عليه الصلاة والسلام - لزوجه أم سلمة - رضي الله عنها -: ((طُوفِي من وَرَاءِ الناس وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ)).
ولما وقع في عهد عمر - رضي الله عنه - شيءٌ من اختلاط الرجال بالنساء في الطواف؛ نهى أن يطوف الرجال مع النساء، فرأى رجلاً معهن فضربه بالدِّرْة .
فهذه عشرة أدلة واضحة في منع الاختلاط، والمؤمن المستسلِم لأمر الله تعالى يكفيه منها دليل واحد؛ ليمتثل أمر الله تعالى وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام ليفوز بالرضوان والجنان، وليسلم من العقوبة والنيران.
وهذا هو حكم شريعة الله تعالى في قضية الاختلاط، التي يَسْعَى المنافقون والشهوانيون لإقناع الناس أن الاختلاط لا يُعارض الدين، وأنه من أسباب الرقي والتقدم.
أَبَعْدَ هذهِ النصوص المحكمة الواضحة يليق بالمؤمنين والمؤمنات أن يصدقوا أكاذيبهم، ويرضوا بمشاريعهم، ويستسلموا لإفسادهم، وإخراجهم لنساء المسلمين وبناتهم، وقتلهم لحيائهن وإحصانهن وعفافهن، ويتركوهم ينخروا في المجتمع، ولا ينكرون ذلك عليهم؟! وقد استبان لهم الحق بأدلته، وبان لهم الباطل بدجله وعورته، وماذا بعد الحق إلا الضلال؟!
الشيخ / إبراهيم الحقيل-بتصرف

Post: #849
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:54 AM
Parent: #787

اختيار البطانة الصالحة
سواء أكنت رئيساً أم مرؤوسا، مأموراً أم آمراً، فلا بد أن يكون لك أصحاب تقربهم إليك، وتستأنس بهم، وتشاورهم في كثير من أمورك، وهؤلاء هم بطانتك، وقد غلب استعمال لفظ ( البطانة ) مع الأمراء، وقد فسّر ابن حجر البطانة: بالدخلاء، جمع دخيل: ( وهو الذي يدخل على الرئيس في مكان خلوته، يفضي إليه بسره، ويصدقه فيما يخبره به مما يخفى عليه من أمر رعيته، ويعمل بمقتضاه).

كثيراً ما نرى من أهل الصلاح من يزلّ زلات، إنما استدرجته إليها بطانة فاسدة، زينت له الباطل، وحجبت الحق عن عينيه، ومسؤولية أحدنا تبدأ من حسن الاختيار للأصحاب، فالصاحب دليل على صاحبه، إذ أن النفوس المتماثلة تتجاذب فيما بينها، كما بيّن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل" لأن أية صحبة لا تخلو من تأثير وتأثّر، وقد كان سلف الأمة يحرصون على الأنس بالجليس الصالح، والصاحب التقي، الذي يعين على الخير، ويزيل وحشة الغربة، وقد ورد عن علقمة أنه حين قدم الشام غريبا دعا: ( اللهم يسرّ لي جليسا صالحا) لأن الجليس الصالح يذكّرك إذا غفلت، ويعينك إذا تذكرت.

والرسول صلى الله عليه وسلم بين أنه ما من نبي، ولا خليفة، إلا ويقع بين دواعي بطانتين: " ما بعث الله من نبي ولا استخلف من خليفة إلا كانت له بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه". وفي رواية: " وبطانة لا تألوه خبالا"، وإذا أردت أن تحتاط لأمر دينك، فمن البداية خذ بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار صالحي المؤمنين لبطانتك: " لا تصاحب إلا مؤمنا " ثم لاحظ ما تراه من حرص أخيك على جلب الخير إليك، وعلى اتّقاء مساءتك، فإن أفضلهم صحبة _ كما في الحديث ـ أكثرهم حرصا على جلب الخير إليك: " خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه".

وأولى الناس بالتقريب، هم أهل العلم والصلاح، ولذلك فقد كانت بطانة عمر رضي الله عنه من القراء، ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: ( كان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته ـ كهولاً كانوا أو شبابا ـ )

وكلما كانوا من أهل العلم والتقوى كنت أبعد عن الزلل ـ بإذن الله ـ وقد توج البخاري أحد أبواب صحيحه بقوله: ( وكانت الأئمة بعد النبي صلى الله عليه وسلم يستشيرون الأمناء من أهل العلم..) وفي فاتحة باب آخر ينقل عن علي وشريح قولهما في المرأة التي تدعي أنها حاضت في شهر ثلاثا: ( إن جاءت ببينة من بطانة أهلها ـ ممن يُرضى دينه ـ .. صُدّقت.)

فالمقياس صلاح دين الرجل، وليست معايير الطين والمادة، والذوبان في شخصية الصاحب.

وإن كتمان العيوب عن الصاحب خيانة، والكيد لوقيعة من اصطفاك لبطانته جريمة، ورسولنا صلى الله عليه وسلم استعاذ من ذلك: ".. وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئست البطانة"، وحين سأل ابن مسعود عن أيام الهرج متى تكون؟ أجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبرز فتن هذه الأيام، فقال: " حين لا يأمن الرجل جليسه " فهذا أمر يحتاج إلى التحري والاصطفاء البعيد عن الهوى؛ حتى يجد المرء من يأمنه، ومن يطمئن لصحبته.

ومن مزايا البطانة ـ إذا صلحت ـ أنها تحول دون شر كبير، وتحض على خير كثير، ومن خطورة البطانة ـ إذا فسدت ـ أنها قد تحسّن القبيح، أو تقبّح الحسن؛ بالوسوسة والتظاهر بالإخلاص، وقد وصف أشهب بطانة الحاكم بقوله: ( وليكن ثقة مأموناً فطناً عاقلاً، لأن المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به, إذا كان هو حسن الظن به، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك).

وقد رأينا في واقعنا أناساً خاصموا وفجروا وقاطعوا وهجروا .. بتحريض بطانة حرَّكت الغضب للذات، وأبدت الحرص على صاحبها، والهيام فيه، أكثر من عصبيته لنفسه، فاستعظم الرجل نفسه، وهوى في شباك وساوس شياطين الإنس، فعادى الناس وشاتمهم مع ما يُعرف من صلاحه الشخصي.

فالجليس الصالح كحامل المسك، وقد تكون الريح الطيبة التي تجدها منه كلمة حق صريحة, فيجب أن تلقى منك تجاوباً وتقديراً، لأن مبعثها الإخلاص للحق، ومن شواهد ذلك أن عبادة بن الصامت حدّث بحديث استنكره معاوية؛ لأنه لم يسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبادة: ( لنحدِّثنّ بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية).

ومن ثمرات البطانة الصالحة: المشورة بالرشد والسداد للرأي، لأن الأصل في المستشار الأمانة، والإشارة بالأصلح، لقوله صلى الله عليه وسلمن: " المستشار مؤتمن"، وفي الحديث: " من استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه"، فانظر فيمن وثقت، وبمن استرشدت، فكل امرئ يحشر مع بطانته المختارة، لأن " المرء مع من أحب " ـ كما أخبر صلى الله عليه وسلم ـ ومن بركة البطانة الصالحة أنها سبب لأن تعمك الرحمة بينهم، وإن لم تكن بمنزلتهم، فقد جاء في الحديث أن الله يشهد ملائكته بأنه يغفر لقوم جلسوا يذكرون الله، فيقول ملك: فيهم فلان ليس منهم، وإنما جاء لحاجة، فيقول الله عز وجل: ( هم الجلساء؛ لا يشقى بهم جليسهم )، وتلك من بركات صحبة أهل الخير.

فإن كانت لك بطانة فأحسن اختيارها، واعمل بما يشيرون عليك من الخير، وإن كنت بطانة لغيرك فكن صريحاً صادقاً أميناً، وأشر بكل خير.

وبالتزام خلق ( اصطفاء البطانة ) تسقط الأقنعة الكاذبة، وتتكشف الحقائق، ويتميز كل فريق بأهل وده وأصحاب خلته، فانظر من تخالل.

ــــــــــــــــ
هذه أخلاقنا

Post: #850
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:56 AM
Parent: #849

كيف نحيا بالقرآن؟
كيف كان حال السلف مع القرآن؟ وكيف أصبحت حالنا معه؟ ولماذا ضعفت منزلة القرآن في نفوسنا وصارت صلتنا به أقل من صلتنا بالجرائد ووسائل الإعلام؟
ما الذي تغيَّر حتى صرنا إلى هذه الحال؟ هل تغيَّر القرآن؟ أم تغيرنا نحن في عيشنا وحياتنا مع القرآن؟ وما مقياس الأمم في رِفعَتِها وضَعَتِها وفي عزَّتها وذُلِّها؟
روى مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إنَّ الله - تعالى - يرفع بهذا الكتاب أقواماً، ويضع به آخرين».
وهذا يشمل الفرد، والقوم، ويشمل أيضاً الأمة، فمن أقبل على القرآن من هؤلاء نال الرفعة والمكانة، ومن أعرض عنه عوقب بالذلة والمهانة.
وبهـذا الميـزان النبـوي للقـرآن عـرف سـلفنا الصـالح - رحمهم الله تعالى - مكانة القرآن ومنزلته وأثره، فجعلوا القرآن عماد حياتهم، تلاوةً وتعلُّماً وتعليماً وعملاً؛ فالصغير ينشأ بتعلُّم القرآن، والأسرة تُربَّى بالقرآن، والعلم يُفتَتَح بتعلُّم القرآن وحِفْظِه، ومدارس العلم كلها أساسها وعمادها القرآن، ومساجدهم معمورة بالقرآن، وعباداتهم وصلواتهم، ومجالسهم وسَمَرهم، وأسفارهم وتنقلاتهم، وجهادهم وفتوحاتهم... كل ذلك إنما عماده القرآن، أما أحكامهم وقضاياهم وعلاقاتهم، فلا تخرج عنه أبداً.
لقد كانت - حقاً - أمة تعيش وتحيا بالقرآن؛ فكان من أمرها ما كان، وهذه بعض صور تعامل سلفنا الكرام مع هذا الكتاب العزيز:
1 - عــن أبي موسى - رضي الله عنه - قــال: قــال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل؛ وإن كنت لم أرَ منازلهم حين نزلوا بالنهار»(البخاري ومسلم).

2 - وعن أبي الأحوص الجشمي قال: إن كان الرجل ليطرق الفسطاط طروقاً - أي يأتيه ليلاً - فيسمع لأهله دوياً كدوي النحل (أي بالقرآن). قال: «فما بال هؤلاء يأمنون، ما كان أولئك يخافون؟»( رواه ابن المبارك في الزهد بإسناد صحيح).

فهذه حالهم وصفتهم مع القرآن، وهي صفة عامة لأمصار المسلمين؛ ولذا كانوا يأمنون ولا يخافون. قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «إن هذا القرآن مأدبة الله؛ فمن دخل فيه فهو آمن».

3 - وعن الحسن البصري - رحمه الله - أنه قال: «إن من كان قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفِّذونها بالنهار».

وهكذا القرآن: عبادة وذكر لله - تعالى - مع تدبر وتفهُّم يعقبه تطبيق وعمل.

4 - وحامل القرآن هو حامل لراية الإسلام في كل ما تحتاجه هذه الراية من عزم وقوة، وجِدٍّ وفتوة. قال الفضيل بن عياض - رحمه الله -: «حامل القرآن حامل راية الإسلام، لا ينبغي له أن يلهو مع من يلهو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلغو مع من يلغو، تعظيماً للقرآن».

5 - أما أحوال السلف مع القرآن تدبراً وخشوعاً فأمر معروف؛ حتى إن الإمام التابعي الثقة قاضي البصرة زرارة بن أوفى العامري الحرشي (أبو حاجب البصري) الذي روى له الجماعة وكان من العباد، روى بَهز بن حكيم قصة وفاته فذكر أنه أمَّهم في الفجر في مسجد بني قشير فقرأ حتى بلغ قوله - تعالى -: {فَإذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ . فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ} [المدثر: ٨ - ٩] فخرَّ ميتاً. قال بهز: فكنت فيمن حمله.

لقد كان القرآن عند سلفنا أساسَ الحياة، وأساس المناهج لا يزاحمه أي علم أو أي منهج آخر، وكانت العلوم الأخرى كلها تأتي بعده تبعاً.

فالذي يدخل في الإسلام كان أوَّل ما يتعلمه القرآن.

والوفود التي كانت تفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت تتعلم القرآن وتأخذ معها ما تستطيعه منه.

وكان مقياس الرجال ومعرفة أقدارهم تبدأ بمدى معرفتهم وحفظهم للقرآن.

فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدِّم الشاب الصغير عمرو بن سلمة على مشيخة قومه وكبارهم ؛ حيث أمرهم أن يؤمهم أقرؤهم، فنظروا، فلم يكن أحد أكثر منه قرآناً من الركبان فقدموه بين أيديهم وهو ابن ست أو سبع سنين... الحديث.

وهذا عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - وهو خليفة جعل شُوَّاره من القراء، وأدخل معهم عبد الله بن عباس - على صغره - لتميُّزه بحفظ القرآن والعلم به؛ فعن ابن عباس- رضي الله عنهما - قال: «كان القراء أصحابَ مجلس عمر - رضي الله عنه - ومشاورته كهولاً كانوا أو شباباً»(البخاري).

وحِفْظُ القرآن كان أول ما يُبدَأ به في تعليم الصغار. وحِلَق الشيوخ كانت تبدأ بالقرآن بالنسبة لطلاب العلم. وعيب كبير أن يبدأ طالب علم بفن من الفنون الشرعية قبل تعلُّم القرآن وحفظه. ومحفوظات الطلاب كانت تتركز في البداية على القرآن.

والخلاصة: أن التعليم في الأمة الإسلامية كلها كان أساسه وعماده القرآن وعلومه وتفسيره.

هذا حال سلفنا مع القرآن؛ فقارِنوه بأحوال أمة الإسلام في عصرها الحاضر، فستجدون سؤالاً يثور في نفوسكم: ولكن كيف ضعفت هيبة القرآن في نفوسنا وحياتنا ومعاملاتنا؟ وهل هناك وسيلة أو وسائل يمكن أن تعود بها تلك المنزلة لهذا القرآن العظيم؟

والجواب: نعم! هناك وسائل كثيرة؛ لأنَّ القرآن باقٍ ومحفوظٌ لم يتغير ولن يتغير مهما تغيرنا نحن أو حاول أعداؤنا أن يغيرونا أو يصرفونا عنه.

وإنِّي ذاكرٌ عدداً من المسائل والقضايا حول هذا الموضوع الكبير: كيف نحيا وأمةَ الإسلامِ بالقرآنِ؟

أولاً: المعرفةُ والإدراكُ الحقيقي لمنزلةِ هذا القرآنِ، وأنه كلامُ الله - تعالى - لا يُقاسُ بكلام البشرِ مهما كانوا، وينبني على هذا أمرٌ مهمٌّ، ألا وهو الثقةُ بنصوصِهِ ثقةً مطلقةً، والتصديقُ الجازمُ بكلِّ ما جاء به من حقائقَ وأحكام، تتعلق بالفرد وبالأمة في جميع شؤونها العبادية والأخلاقية والاجتماعية والنفسية والتشريعية...

فلا مجال لصوت أنْ يعلو فوق القرآن، ولا لمتعالمٍ أنْ يتعالمَ على القرآنِ، فيعمـلَ في نصـوصِه تحـريفاً وتعطيلاً، أو أن يُشكِّكَ في شيءٍ منْ حقائقِ القرآن ومعانيه، أو أن يأخذَ منه ما يَشتهي ويتركَ ما خالفَ من هواه، أو أن يجعلَه عِضِين مفرَّقاً يؤمنُ ببعضِه ويكفرُ ببعضِه الآخرِ؛ وإنما هو التسليم الكامل لله - تعالى -: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} [النساء: ٢٢١] {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً} [النساء: ٧٨].

وهذا التسليم لا يخـاطبُ به فئـة معينة كالحكـام - مثلاً وهم مخاطبون - وإنَّما يخاطب به كل فرد في خاصة نفسه وحياته وعباداته ومعاملاته. وينبغي لكل مسلم أن يعلمَ أنَّ هذا القرآن كما وصفه علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: (فيه نبأ ما قبلكم، وخبرُ ما بعدكم، وحُكْمُ ما بينكم، هو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين، ونوره المبين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يَخْلَق عن كثرة الرد، ولا تنقضي عجائبه، وهو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته حتى قالوا: {إنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً . يَهْدِي إلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً} [الجن: ١ - ٢].

من قال به صدق، ومن عمل به أُجِر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِي إلى صراط مستقيم).

إنَّ من المؤسف أننا قد نصدِّق بهذا نظرياً، لكننا في الحقيقة نكاد نشكك فيه عملياً. وهذا من أخطر أمراضنا، وهذا يمثل التباين بين النظرية والتطبيق، والقول والعمل، والدعاوى والحقائق في الواقع.

وهناك أمر آخر، وهو أنه قد يظن ظانٌّ أنَّ بعض الحقائق التي جاءت في القرآن، مثل وعد الله بنصرِ المؤمنين، أو كتابة الذلة على اليهود، ونحو ذلك قد تخلفت، فتضعف ثقته بالقرآن، ويظن أنه محتاج إلى أن يتأوَّل أو يحرف النصوص القرآنية لتتوافق مع الواقع.

وهذا خطأ كبيرٌ يؤدي إلى أن يقلب المسألة؛ بحيث يجعل ما يراه في الواقع هو الأصلَ وما جاء في القرآن تابعاً له.

إنَّ الواجب أن نوقن يقيناً تاماً أن ما جاء في القرآن حق وصدق لا شك فيه أبداً، وأنَّ تخلُّف وعد الله أو ما يقرره من حقائق تتعلق بالأمم أو بمخالفي شرع الله وأحكامه من هذه الأمة أو من غيرها من الأمم، إنما هو لتخلف الأسباب التي ذكرها الله - تعالى - مثل تخلِّي المسلمين عن دينهم، أو عدم قيامهم به على الوجه الأكمل، أو وقوعهم في الذنوب والمعاصي التي تجعلهم يستحقون العقوبات... وهكذا.

إنَّ خلاصة هذا الأصل - الذي بدأنا به - أنه يقومُ على أنَّ جميع ما جاء به القرآن حق وصدق لا شك فيه، وأنَّ المسلم - وهو يقرأ القرآن ويتدبر معانيه - عليه أن يستحضرَ ذلك في كل آية، وفي كل قصة، وفي كل حكم، وفي كل أمر وفي كل نهي، وفي كل توجيه جاء به هذا الكتاب الكريم.

إن حقائق القرآن كثيرة، وهي ثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال.

وإليكم نماذج فقط من هذه الحقائق:

- قال - تعالى -: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً} [طه: ٤٢١].

- وقال - تعالى -: {وَلَن يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء: ١٤١].

- وقال - تعالى - عن اليهود: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إلاَّ بِحَبْلٍ مِّنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِّنَ النَّاسِ} [آل عمران: ٢١١].

- وقال - تعالى -: {إن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ}. [محمد: ٧]

- وقال - تعالى -: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: ١١].

- وقال - تعالى -: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} [النساء: ٥٦].

- وقال - تعالى - عن الربا: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة: ٦٧٢].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

البيان-279

Post: #851
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 00:59 AM
Parent: #787

الاعتراف بالفضل
الحمد لله ذي الجود والكرم والمن، وأشهد ألا إله إلا الله عم جوده البرايا، وكثرت منه النعم والعطايا (وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا)(ابراهيم: من الآية34)، وأشهد ان محمدا عبده ورسوله، سيد الشاكرين وخير البرايا.

أما بعد:

فإن الناس في هذه الحياة الدنيا لا غنى لهم عن بعضهم البعض، والعبد الذي يسعى في قضاء حوائج إخوانه ودفع الأذى عنهم هو من خير الناس وأحبهم إلى الله تعالى.

وإذا كان الشرع المطهر قد حث الناس على خدمة بعضهم البعض ورتب على ذلك مزيد الأجر، فإنه أيضا قد حث المسلم ان يشكر لمن أدى إليه معروفا وأن يكافئه إن استطاع وإلا فليدع له كما سيأتي معنا.

قال أبو حاتم بن حِبَّانَ رحمه الله تعالى: الواجب على المرء أن يشكر النعمة، ويحمد المعروف على حسب وسعه وطاقته، إن قدر فبالضعف وإلا فبالمثل، وإلا فبالمعرفة بوقوع النعمة عنده، مع بذل الجزاء له بالشكر وقوله: جزاك الله خيرا.

وقال: أنشدني علي بن محمد:

علامة شكر المرء إعلان حمده فمن كتم المعروف منهم فما شكر

إذا ما صديقي نال خيرا فخانني فما الذنبُ عندي للذي خان أو فجر

والله عز وجل يقول:

( ولا تنسوا الفضل بينكم ).

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " ... ومن صنع إليكم معروفا فكافئوه، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه". (النسائي، وصححه الألباني).

إن الناس قد فُطروا على حبِّ الشكر والثناء عليهم، وهذا مما يؤثر فيهم و يبقي على قابليتهم لبذل المعروف والإحسان غضةً قوية، مع أن الأصل ألا يرجو المرء بفعله من الناس جزاءً ولا شكوراً، لكن شكر الناس لمن أدى إليهم معروفا، واعترافهم بالفضل يشيع في المجتمع روح المروءة والنجدة والنخوة والبذل والإحسان، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحث الناس على شكر بعضهم عند الإحسان: " لا يشكر الله مَنْ لا يشكر الناس".
ويفهم من هذا أن من يشكر الناس على صنائع المعروف ويعترف لهم بالفضل إنما هو في الحقيقة يشكر الله عز وجل، كما قيل:

ومن يشكر المخلوق يشكر لربه ومن يكفر المخلوق فهو كفور

وانظر إلى الرجل الصالح صاحب مدين حين سقى موسى عليه السلام لابنته أرسل إحداهما إليه تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنا).

وقد كان من هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها، وحين اقترض من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قرضا قبل غزوة حنين ردَّه إليه بعد الغزوة وقال له: " بارك الله لك في أهلك ومالك، إنما جزاء السلف الوفاء و الحمد". (رواه أحمد وغيره بإسناد جيد).

وروى البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: مرّ أبو بكر والعباس – رضي الله عنهما – بمجلس من مجالس الأنصار وهم يبكون فقال: ما يبكيكم؟ قالوا: ذكرنا مجلس النبي صلى الله عليه وسلم منا، فدخل على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فخرج النبي وقد عصب على رأسه حاشية بُرْدٍ، فصعد المنبر- ولم يصعده بعد ذلك اليوم – فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: " أوصيكم بالأنصار، فإنهم كرشي وعيبتي ( أي موضع سري وأمانتي ) وقد قضوا الذي عليهم، وبقي الذي لهم، فاقبلوا من محسنهم وتجاوزوا عن مسيئهم".

بل كان الصالحون والعلماء يرون أنه ينبغي على العبد أن يشكر ويعترف بالفضل لمن سعى في قضاء حاجة أخيه و إن لم يتيسر له إنجازها، يكفيه أنه سعى واهتم، قال ابن حبّان رحمه الله:

إني لأستحب للمرء أن يلزم الشكر للصنائع، والسعي فيها من غير قضائها، والاهتمام بالصنائع، لأن الاهتمام بها ربما فاق المعروف، وزاد على فعل الإحسان، إذ المعروف يعمله المرء لنفسه، والإحسان يصطنعه إلى الناس، وهو غير مهتم به ولا مشفق عليه وربما فعله الإنسان وهو كاره، والاهتمام لا يكون إلا من فرط عناية، وفضل ود.

فالعاقل يشكر الاهتمام أكثر من شكره المعروف، أنشدني عبد العزيز بن سليمان:

لأشكرنك معروفا هممتَ به إن اهتمامك بالمعروف معروف

ولا ألومك إن لم يُمضه قدرٌ فالشيء بالقدر المجلوب مصروف

وقال رحمه الله:

الحر لا يكفر النعمة، ولا يتسخط المصيبة، بل عند النعم يشكر، وعند المصائب يصبر، ومن لم يكن لقليل المعروف عنده وقعٌ أوشك أن لا يشكر الكثير منه، والنعم لا تُستجلب زيادتها ولا تُدفع الآفات عنها إلا بالشكر.

وقال بعضهم:

فكن شـاكـرا للمنعمـين لفضلهــم وأفْضِلْ عليهم إن قدرتَ وأنْعِم

ومن كان ذاك شكر فأهلُ زيادةٍ وأهلٌ لبذل العُرْف من كان يُنْعِم

وهكذا – أحبتي – يكون أصحاب النفوس السامية، والهمم العالية، يُحيون المعروف بين الناس، فلا يدعون محسناً إلا ويكافئونه ويعترفون بفضله، فلا يمكن أن يكون المؤمن جحودا ولا كفورا.
اسلام ويب

Post: #852
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 01:01 AM
Parent: #851

الحج ووحدة الأمة
يعيش المسلمون هذه الأيام موسما من أعظم مواسم الخير، إنه موسم الحج إلى بيت الله الحرام الذي جعله الله تعالى مثابة للناس وأمنا.

وإن في الحج الكثير من المنافع الدنيوية والأخروية؛ فمن حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وصاحب الحج المبرور جزاؤه الجنة، والحجاج والعمار وفد الله دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم...إلى غير ذلك من الخير العميم الذي يمنحه الله تعالى لحجاج بيته.

لكن من أعظم منافع الحج وآثاره المباركة انه يشعر أبناء هذه الأمة بوحدتهم، وهذا هو الحال في جميع شعائر الإسلام، لكن الصورة في الحج أوضح؛ إذ يؤدي الحجيج مناسكهم في مكان واحد،يطوفون ببيت واحد، بلباس واحد، يناجون ربا واحدا، حداؤهم واحد: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.

حين يطوف المؤمن بالكعبة ـ شرفها الله ـ ، أويسعى بين الصفا والمروة، أو يقف بعرفات، أو يبت بمزدلفة، أو يرمي الجمار فإنه يستحضر في ذهنه قائمة شريفة عريقة من خلق الله الذين طافوا بهذا البيت ،وأدوا هذه المناسك، على رأسهم الأنبياء والمرسلون، فقد حجَّه الخليل إبراهيم، وإسماعيل, ويونس وهود وصالح...لقد طاف به خير الخلق محمد صلى الله عليه وسلم وها نحن نسير على خطاه، بل لقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم أن عيسى سيطوف بهذا البيت: " والذي نفسي بيده، ليهلن ابن مريم بفج الروحاء حاجا أو معتمرا، أو ليثنينهما"(رواه مسلم).

فحين يستحضر المسلم هذا المعنى يشعر أن له جذورا راسخة ضاربة في أعماق التاريخ، فيحمد الله أنه من خير أمة أخرجت للناس؛ فهي تتصل في نسبها بالثلة المباركة من الأنبياء والمرسلين الذين قال الله بعد أن قص شيئا من قصصهم: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء:92).

إن الحج يشعرنا أمة الإسلام بوحدتنا التي من الله تعالى بها علينا حين أكرمن بهذا الدين وهذا النبي الذي دعا إلى الله تعالى فأجابه أبو بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فصهرهم الإسلام في بوتقة واحدة حتى إن شعار الواحد منهم :

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

إنه الشعور بالانتماء لهذه الأمة الذي جعل سلمان الفارسي حين سئل : ابن من أنت؟يقول: أنا ابن الإسلام.

إنه الشعور بهذا الرباط الإيماني العجيب الذي ربط الله تعالى به بين قلوب المؤمنين وامتن عليهم بذلك: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) (آل عمران:103).

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلنها في موسم الحج صريحة مدوية: "يا أيها الناس ! إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، ألا لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، ولا لأحمر على أسود ، ولا لأسود على أحمر ، إلا بالتقوى ، ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ألا هل بلغت ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : فليبلغ الشاهد الغائب ".

وفي هذا اليوم عظم حرمة الدماء والأموال والأعراض، قال: " أي يوم هذا؟ قالوا: يوم حرام. ثم قال: أي شهر هذا؟ قالوا: شهر حرام. قال: أي بلد هذا؟ قالوا: بلد حرام. قال: فإن الله عز وجل قد حرم بينكم دماءكم وأموالكم وأعراضكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم..."الحديث.

ولعلك تلمس هذا المعنى بوضوح في قوله صلى الله عليه وسلم: "المسلم أخو المسلم".

إن يختلف ماء الوصال فماؤنا عذب تحدَّر من غمام واحد

أو يفترق نـسـب يـؤلـف بـيـننا ديـن أقـمـنـاه مــقـام الـوالد

إنها الوحدة التي نَحِنُّ إليها ونشتاق لأننا حين نكون متحدين لا يكون لأعدائنا مطمع فينا، أما حين نفترق فإنهم يستأسدون علينا ويطمعون فينا

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا

والتاريخ شاهد، فما ضاعت الأندلس إلا حين تفرق أمراؤها، وما ضاعت فلسطين ولا أفغانستان ولا العراق إلا في ظل فرقتنا، وها هو السودان مقبل على المجهول، فبعد قليل شمال وجنوب، ثم ماذا؟

ولا ندري على من سيأتي الدور.فهل نستلهم من الحج هذا الدرس العظيم، فنراجع أنفسنا وديننا لنفوز بخير الدنيا والآخرة؟!!.
إسلام ويب

Post: #853
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 01:04 AM
Parent: #787

بمن تقتدي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد:
فإن الله تعالى لما خلق الناس ركز في فطرهم حُبَّ التأسي والاقتداء والتقليد، ومن رحمة الله تعالى بعبده أن يوفقه للتأسي بالأخيار الصالحين الذين يأخذون بيده إلى الله تعالى والجنة، وأن يجنبه التأسي بالفجار المارقين الذين في اتباعهم سلوك سبيل أصحاب الجحيم.
وقد اتفق أهل الرأي والنظر على أن فعل الرجل أكثر تأثيرا فيمن حوله من الأقوال، وقد وجدنا ذلك في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه لما أمر الناس في الحديبية بالتحلل من عمرتهم وحلق شعورهم لم يستجب له أكثر الناس، حتى إنه خاف عليهم أن يهلكوا ، فلما أشارت عليه أم سلمة رضي الله عنها أن يقوم بحلق رأسه دون أن يكلم أحدا، خرج إليهم فدعا الحلاق وأمره أن يحلق له ، فلما رآه الناس حلق قاموا جميعا فحلقوا رؤوسهم اقتداء به صلى الله عليه وسلم.

ولما صلى النبي في خُفَّيه ـ وكان الصحابة خلفه على هذا الحال ـ وجاءه جبريل عليه السلام يخبره أن بهما قذرا؛ فخلعهما الرسول صلى الله عليه وسلم، فخلع الصحابة خلفه خفافهم وقالوا: رأيناك خلعت فخلعنا...الحديث

الخلاصة أن الناس مجبولون على حب التقليد والتأسي؛ ولهذا وجهنا الشرع الحنيف إلى التأسي بالصالحين، وعلى رأسهم أنبياء الله ورسله، فلما قص الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم قصص بعض أنبيائه ورسله عقب بقوله: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ ).

وقال الله تعالى لعباده المؤمنين مبينا لهم من يصلح للاقتداء به والتأسي:(قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . رَبَّنَا لا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ . لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).

ثم بين الله لعباده المؤمنين قدوتهم العظمى ومثلهم الأعلى فقال : (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ).

وانتبه أيها الحبيب فلا ينتفع بهذا ولا يجعل رسولَ الله قدوته وأسوته إلا من آمن بالله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا.

ولقد علم الصحابة رضي الله عنهم هذه الحقيقة فحوّلوها واقعا ملموسا.

كان الواحد منهم يخرج من بيته فيقول: لأرمقن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم سائر اليوم فينظر إلى صلاته طول اليوم ثم ينقل للأمة كلها خبر صلاته..
ولما سأل بعضهم عبد الله بن عمر عن رجل طاف بالبيت ولم يسع ما يحل له من امرأته قال له: "طاف رسول الله بالبيت ثم صلى ركعتين خلف المقام، ثم طاف بالصفا والمروة ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة".لقد كان بوسع ابن عمر رضي الله عنهما أن يبين للرجل ما يحل وما يحرم عليه حال الإحرام، لكنه فوق ذلك أراد أن يستقر في نفس الرجل معنى التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم، وما أعظمه من درس!.

وانظر إلى الصدّيق الأكبر أبي بكر رضي الله عنه الذي وافق رسول الله صلى الله عليه وسلم متأسيا به في كل شيء، ولم يعرف أنه خالفه في أمر أو نهي أو رأي:

في الحديبية لما جاءه عمر مغضبا يجادله في شروط الصلح التي يراها عمر جائرة، قال له أبو بكر:

أفأخبرك أنك آتيه العام؟ قال: لا، قال: فإنك آتيه ومطوف به. يا أيها الرجل الزم غرزه فإنه رسول الله وليس يخالفه.

وتعجب حين تعلم أن هذه هي إجابة الرسول صلى الله عليه وسلم لعمر حين ناقشه في أمر الصلح والرجوع عن البيت.

إنفاذ بعث أسامة " ما كنت لأحلَّ لواءً عقده رسول الله":

لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت المدينة في وضع حرج جدا؛ فبعض العرب قد ارتدوا، وبعضهم منع الزكاة، والأعداء متربصون، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قبل وفاته قد أعد جيشا بقيادة أسامة بن زيد رضي الله عنهما لغزو الروم، فلما توفي صلى الله عليه وسلم واستشعر بعض الصحابة حرج الموقف أرسلوا إلى الصديق رسالة مع الفاروق عمر بعدم إنفاذ بعث أسامة، فكان جواب الصديق رضي الله عنه:

" لو خطفتني الكلاب والذئاب لم أردَّ قضاءً قضى به رسول الله صلى الله عليه وسلم". فلما طلب عمر أن يؤمر عليهم رجلا أسن من أسامة قال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب! استعمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأمرني أن أنزعه؟.

لقد كان مفهوم التأسي والاقتداء أشد وضوحا في نفوسهم من الشمس في وسط النهار بل كان أمر رسول الله في عيونهم وفوق رؤوسهم وفي شغاف قلوبهم.

عن بريدة رضي الله عنه قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتا فغاص بالناس ( امتلأ ) فجاء جرير بن عبد الله فلم يجد مكانا فجلس خارج الدار فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فلف ثوبه وقذفه إليه ليجلس عليه فأخذه جرير بن عبد الله فوضعه على وجهه وقبَّله.

ليست القدوة في اللاعبين والممثلين والراقصين فإنهم لا يصلحون قدوات.

ما هي القدوة في رجل كل مؤهلاته أنه يلعب؟!

وأين القدوة في امرأة كل مؤهلاتها التفنن في إبراز عوراتها وإغراء الناس وإغوائهم بمفاتنها؟

وحين يتخذ هؤلاء قدوة وأسوة فلا تعجب أن ترى في المجتمع ميوعة وانحلالا وشذوذا وفواحش، وهل يُجتنى من الشوك العنب؟.

إن التنكب عن القدوة الحسنة والأسوة الطيبة كان السبب في الضلال والكفر ثم الهلاك للأمم السابقة، فحين دعاهم الأنبياء والمرسلون إلى الله تعالى والدار الآخرة كان شعارهم:

( إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ * وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ )

فماذا كانت العاقبة: (فَانتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)

إن من اتخذ قدوة سيئة يتشبه به ويفعل كما يفعل سيندم أشد الندم لكن بعد فوات الأوان كحال هؤلاء الذين أخبر الله تعالى عنهم بقوله: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً. خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً.يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا.وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا)

وحين يقتدي العبد بالفاسقين والمارقين فإنه ينبغي أن يحزنه ذلك ويؤلمه كما تألم كعب بن مالك رضي الله عنه حين تخلف عن غزوة تبوك فكان ينظر حوله في المدينة فلا يرى إلا رجلا مغموصا في النفاق، أو رجلا قد عذره الله عز وجل.

فاللهم ارزقنا صدق التأسي والاقتداء برسولك محمد صلى الله عليه وسلم،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #854
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 01:06 AM
Parent: #787

هوى العوام في تتبع الرخص
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
إن من الناس من يكون حبه وبغضه وإرادته وكراهته بحسب محبة نفسه وبغضها، لا بحسب محبة الله ورسوله وبغض الله ورسوله، وهذا من نوع الهوى، فإن اتبعه الإنسان فقد اتبع هـواه: قال تعالى { وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ } القصص:50، والمرء يلام على إتباع الهوى أما إذا دافع الإنسان هواه فإنه يؤجر على ذلك إن شاء الله قال تعالى:{ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ص:26 وقال تعالى:{ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} القصص:50 وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " ثلاث منجيات: خشية الله في السر والعلانية، والقصد في الفقر والغنى، وكلمة الحق في الغضب والرضا، وثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب المرء بنفسه" فكل من خالف أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم وهو يعلم ذلك فقد إتبع هواه وضل عن سبيل الله قال تعالى:{ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} القصص:50" وبقدر معصية العبد وإعراضه واتباعه لهواه يناله الذل، والخزي في الدنيا، ويناله العذاب يَوْمَ القِيَامَةِ، وهذه سنة الله التي لا تتخلف ولا تتبدل ،قال تعالى{ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} وتوعد سبحانه من خالف امر رسوله صلى الله عليه وسلم بالعقوبة العاجلة والآجلة فقال تعالى:{فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} قال ابن كثير – رحمه الله ،أي :فليحذر وليخش من خالف الرسول باطنا وظاهرا. أن تصيبهم فتنة ، أي: في قلوبهم من كفر أو نفاق أو حد أو حبس أو نحو ذلك.

قال شيخ الإسلام: ومجرد الحب والبغض هو هوى ،لكن المحرم إتباع حبه وبغضه بغير هدى من الله ،ولهذا قال الله لنبيه داوود: ( ولاتتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) قال عمر بن عبد العزيز: لا تكن ممن يتبع الحق إذا وافق هواه، ويخالفه إذا خالف هواه،فإذا أنت لا تثاب على ما اتبعته من الحق ،وتعاقب على ما خالفته من الحق ويقول ابن القيم رحمه الله : والعبد إذا اتبع هواه فسد رأيه ونظره فأَرَتْهُ نفسُه الحسنَ في صورة القبيح، والقبيحَ في صورة الحسن ،فالتبس عليه الحق بالباطل ؛فأنّى له الانتفاع بالتذكر أو بالتفكر أو بالعظة ويقول ابن تيمية رحمه الله : والإنسان خُلق ظلوماً جهولاً،فالأصل فيه عدم العلم،وميله إلى ما يهواه من الشر ، وقد جاء ذم إتباع الهوى في القرآن الكريم العظيم في آيات كثيرة, بل ووصف الله أهل تلك الصفة بأسوأ الأوصاف فقال عز وجل في من اتبع هواه: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه}. لأنه في كل شيء لا يرجع الى القرآن ولا إلى السنة, ولا إلى أهل العلم إنما يرجع إلى هواه حتى ولا يرجع إلى عقله وإنما يرجع إلى هواه {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علمٍ وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون} وإذا كان الإنسان تنصحه بكتاب الله وبسنة رسول الله وبكلام أهل العلم فلا ينتصح فعلى ماذا يدل هذا الجواب: {فإن لم يستجيبوا لك فاعلم انما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} الجواب {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله إن الله لا يهدي القوم الظالمين} الجواب " بل اتبع الذين ظلموا أهواءهم بغير علم " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"ان مما اخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ومضلات الهوى" وكان من دعائه عليه الصلاة والسلام: " اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء" ويقول الإمام علي رضي الله عنه: إن أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان طول الأمل وإتباع الهوى فأما طول الأمل فينسي الآخرة وأما إتباع الهوى فيصد عن الحق قال شي.خ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمُّه فلا يستحضر ما لله ورسوله من الأمر, ولا يطلبه أصلا ولا يرضى لرضى الله, ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه, عباد الله إن علاج الهوى يكون بالتجرد لله والخشية منه سبحانه بانقطاع القلب عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب منه، وعن التفات القلب إلى ما سوى الله، رغبة فيه، وحباً وخوفاً ورجاءً وإنابة وتوكلاً " فالمطلوب من المؤمن أن يتجرد في أعماله لله سبحانه وتعالى من كل ما سواه، وأن تكون الحركة والسكون في السر والعلن لله تعالى، لا يمازجه نفس ولا هوى ولا دنيا ولا جاه ولا سلطان حتى لا يكن صاحب الهوى ممن اتبع هواه وضل وتاه وأمسى إنساناً سائباً لا ينضبط بضابط، ولا ينزجر بزاجر قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام { َلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً }.فلا تكن يا عبد الله بعد هذه الذكرى ممن قال الله فيهم { وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفاً أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ }.وأتمر بما أمر الله نبيك به فقال سبحانه لنبيه { ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ }{ وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ }.

فالحق واحد، وهو الوحي، وما عداه فهو الهوى المذموم، قال تعالى: { فَأَمَّا مَنْ طَغَى وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى }، وقال في قسيمه: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى}.ومن الأدعية المأثورة ما أخرجه مسلم أنه صلى الله عليه وسلم كان يفتتح صلاته من الليل: (اللَّهُمَّ رَبَّ جَبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنْ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ). فإذا كان الرسول المؤيَّد بالوحي يدعو الله تعالى بهذا الدعاء الجامع الحار، يسأله الهداية لما اختلف فيه من الحق، أي: الزيادة فيها والثبات عليها. فكل ناشد للحق أولى بهذا الدعاء ،"فما أحوجنا أن نتجرد في طلبنا للحق وأن ندور معه حيث دار، وأن ننصره حيث كان ومن أي جهة صدر، فإنه وربي من علامة الصدق والإخلاص.

يقول الشيخ محمد الدويش حفظه الله : لابد من الاعتناء بتربية الناس على التسليم لله تبارك وتعالى وتعظيم نصوص الشرع ، وأخذ الدين بقوة ، والبعد عن تتبع الرخص وزلات العلماء قال تعالى { خذوا ما آتيناكم بقوة } ويقول لنبيه يحي {يا يحيى خذ الكتاب بقوة } عباد الله : كثر في هذه الأيام تتبع الناس لفتاوى ورخص العلماء فيما يهوونه ويرغبونه من متاع الدنيا وزينتها وإن خالفت هذه الفتاوى من كان أوثق وأعلم وأتقى لله ممن أفتاهم ورخص لهم لا يبحثون عن الحق إنما يبحثون عمن يفتي لهم بحل ذلك المال كائن من كان وهذا هو الهوى بعينه ، حتى أنك لتقول لأحدهم أن هذا الأمر حرمه أكثر العلماء فيجيبك بأن فلان أحله وأنا آخذ بفتواه ، يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، إن الإنسان إذا أصيب بمرض ذهب يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ليقينه بأنه أقرب إلى الصواب من غيره ،وأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا والواجب على المسلم إتباع الدليل ، لأن أقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة وإذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء ، فعليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به ، قال الله تعالى : ( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) الأنبياء/43 . فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم ، ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل ، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى .بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً ، وأشد خشية لله تعالى .ثم يقول رحمه الله ، وهل يليق بالمسلم أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا ، وينفق على ذلك الكثير من الأموال ، ثم يتهاون في أمر دينه ؟! ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق ؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً ، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر ، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد ‍‍!! ولهذا قال العلماء : من تتبع ما اختلف فيه العلماء ، وأخذ بالرخص من أقاويلهم ، تزندق ، أو كاد .اهـ . إغاثة اللهفان 1/228 . والزندقة هي النفاق .

ويقول العلامة عبد الكريم الخضير حفظه الله ليس للمسلم أن يختار أسهل الأقوال ، لأنه بهذه الطريقة يتنصَّل من التكاليف الشرعية أو جُلِّها ، بل على الشخص أن يختار من أقوال العلماء أرجحها من حيث الدليل إن كان أهلاً للنظر والموازنة ، وإن لم يكن فعليه أن يُقلِّد أوثق العلماء في نفسه علماً ، وديناً ، وورعاً . قال تعالى :" إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد " وقال سبحانه :" وبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه".

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

موقع إمام المسجد

Post: #855
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-10-2015, 01:08 AM
Parent: #787

الابتلاء بالخيـــرات والنعم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

فإن الإنسان منذ وجد على وجه الأرض، وجرى عليه قلم التكليف في ابتلاء وامتحان واختبار وفتنة.

قال تعالى: ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2)

وقال سبحانه: (ألم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت:1-3)

وقال جل شأنه:(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) (محمد:31)

وقد يظن كثير من الناس أن الابتلاء هو فقط بالمحن والشدائد والمصائب، وهذا غير صحيح؛ لأن البلاء كما يكون بالشر والشدائد والمصاعب والمحن فإنه كذلك يكون بالخيرات والنعم.
قال تعالى: ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء:35)

وقال سبحانه: ( وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)(الأعراف: من الآية168)

وقال تعالى: ( إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (التغابن:15)

وقال: ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (الأنفال:28)

وهذا الامتحان بالنعم والخيرات لا ينتبه له إلا من وفقه الله تعالى ، كما كان من نبي الله سليمان عليه السلام حين سمع النملة تحذر قومها الهلاك إن لم يدخلوا مساكنهم فاستشعر النعمة وسأل ربه النجاح في الاختبار بالتوفيق للشكر: (فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ) (النمل:19).

ولما جاء عرش ملكة سبأ من اليمن إلى الشام في أقل من طرفة عين: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)(النمل: من الآية40)

ولأن كثيرًا من الناس لا ينتبه لكونه مبتلىً بالنعم فقد أخبر الله عن آل داوُد أنه آتاهم النعم العظيمة، وطلب منهم القيام بشكر هذه النعم ، قال تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلاً يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَمِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ * يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) (سـبأ:10-13)

وقال صلى الله عليه وسلم: (عجبًا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛ إن أصابته سراء فشكر كان خيرًا له ، وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرًا له).

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أمر يسره أو بُشِّر به خرَّ ساجدًا؛ وهكذا فعل أبو بكر حين أتاه نبأ بعض الفتوحات في عهده.

فهل من شكر النعم يا عباد الله لمن آتاه الله الصحة والقوة أن يتجبر بهما على خلق الله بغير حق؟

هل من الشكر أن نستخدم المال الذي رزقنا الله في معاصيه؟

هل من الشكر لمن آتاها الله الجمال أن تنزع حجابها وتستعمل جمالها في فتنة الخلق وإغوائهم وتشجيعهم على الفجور والفواحش؟

هل من الشكر لمن مكنه الله في الأرض أن يبتعد بالناس عن شرع الله وأن يجور ويبتعد عن العدل؟

هل من الشكر لمن ولَّاه الله ولاية إدارةً أو غيرها أن يتسلط على الناس ويشق عليهم؟

لا شك أن هذا كله ليس من الشكر الواجب عند الابتلاء والاختبار بهذه النعم، وإن هذا الجحود والنكران والرسوب في الامتحان قد يكون بابًا لزوال هذه النعم عن أصحابها أو العذاب الشديد بسببها يبن يدي الله تعالى فتكون هذه النعم في الحقيقة نقمة على أصحابها.

وانظر إلى قارون الذي آتاه الله أصناف المال والخيرات والكنوز فلم يقم بشكرها ماذا كانت عاقبته؟قال الله تعالى: ( فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (القصص:81-82)

وكيف كانت عاقبة أصحاب الجنة الذين ذكرهم الله في سورة القلم؟.

إنها عبر وآيات يسوقها الله لعباده لينتفعوا بها وليعلموا أنهم مبتلون بالنعم كما قد يبتلون بالشدائد والمحن.

وهؤلاء ثلاثة نفر (أبرص، وأقرع وأعمى) من بني إسرائيل أراد الله أن يبتليهم فأرسل إليهم ملكًا، فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحبُّ إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ ، ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. فمسحه فذهب قذره ، وأُعطي لونًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. فأعطي ناقة عُشراء. فقال: بارك الله لك فيها. فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعر حسن ، ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس، فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك الله لك فيها.

فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر الناس. فمسحه فرد الله إليه بصهر. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاةً والدًا. قال: بارك الله لك فيها.

فأنتج هذا وولّد هذا، فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا وادٍ من الغنم. ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ به في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال: كأني أعرفك، ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟ فقيرًا فأعطاك الله؟ فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر، قال إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأقرع فقال له مثل ذلك ، فرد عليه كما رد الأبرص ، فقال: إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت ، ثم إنه أتى الأعمى فقال له كم قال للاثنين ، فقال الأعمى: قد كنت أعمى فرد الله إلي بصري . فخذ ما شئت . ودع ما شئت . فوالله ! لا أجهدك اليوم شيئا أخذته لله .

فقال : أمسك مالك . فإنما ابتليتم . فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك!.

فهل عرفتم أيها المسلمون أننا نبتلى بالنعم ليتبين الشاكر من الكافر؟!وأن الواجب علينا تجاه نعم الله أن نشكرها ونشكر من أجراها الله لنا على يديه؟!!.
اسلام ويب

Post: #856
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:16 AM
Parent: #787

الحمد لله ولي المتقين ، والصلاة والسلام على من أرسله الله تعالى رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه الغر الميامين ، الذين حملوا هذا النور إلى الناس حتى دان به الأحمر والأبيض وظهر دين الله على الدين كافة، وبعد:

فبعد أشد الأوقات ظلمة يطلع الفجر ، وحين تشتد الكربات يقترب الفرج وحين يتملك النفوس اليأس من شدة العسر وتأخر النصر ومعاندة المكذبين ومحاربتهم يمن الله بالروح والتنفيس عن المؤمنين والتمكين لهم كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف:110)

وكما قال عز وجل: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) (الشرح:5-6)

وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " واعلم أن النصر مع الصبر، وأن مع العسر يسرا".

إن صاحب الثقة بالله تعالى لا يهتز يقينه ولا يتزعزع إيمانه حتى وإن رأى تكالب الأمم واشتداد الخطوب؛ لأنه يعلم أن الأمر كله لله تعالى،وأن العاقبة للحق وأهله، وأن المستقبل لهذا الدين:(كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة:21)

إن هذا اليقين بنصر الله كان واضحا جليا في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حتى في أشد اللحظات وأحرج الساعات ، فحين شكا إليه بعض أصحابه رضي الله عنهم اشتداد أذى المشركين كان يقول لهم: " والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه،ولكنكم تستعجلون".

وحين أخرج من بلده مهاجرا ودخل هو والصديق رضي الله عنه الغار ولحق بهما المشركون خشي عليه الصديق رضي الله عنه حتى قال : يا رسول الله لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما".

وقد ربى أصحابه رضي الله عنهم على هذه العقيدة المباركة فانطلقوا في الأرض هداة دعاة حتى إن أحد المسلمين حين وقع في أسر الكفار قال له كبيرهم: ما الذي جاء بكم؟ فقال الأسير المسلم: جئنا لتحقيق موعود الله،قال وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات ، والظفر لمن بقي...

كما تجلت آثار هذه العقيدة في أحلك المواقف ، فحين أغارت قريش على المسلمين في المدينة في غزوة الأحزاب فحاصروا المسلمين واشتد الكرب حتى غمز المنافقون المسلمين ، وطعنوا في وعد رسول الله بالتمكين فقالوا:كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر وأحدنا لا يأمن أن يقضي حاجته ، لكن المؤمنين كان لهم موقف آخر سطره القرآن وأشاد به ، فقال الله عز وجل: (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22) .

إن المؤمن الذي يدعو إلى الله تعالى ، والمجاهد الذي يجاهد في سبيل الله لإعلاء كلمته تعالى يحتاج إلى هذا اليقين مع استصحاب الصبر حتى لا يتسلل إليه يأس أو ملل ، وقد كان ابن القيم رحمه الله تعالى يقول : سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين،ثم تلا قوله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24)


إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد بشر بأن ملك أمته سيبلغ المشارق والمغارب: " إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها ، وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوي لي منها".

كما أخبر صلى الله عليه وسلم باستمرار زيادة الإسلام حتى يبلغ ما تحت السماء فقال: " ولا يزال الإسلام يزيد ، وينقص الشرك وأهله ، حتى تسير المرأتان لا تخشيان إلا جورا ، والذي نفسي بيده لا تذهب الأيام والليالي حتى يبلغ هذا الدين مبلغ هذا النجم".

( والمقياس عند الله تعالى غير مقياس البشر،إن الله يجعل من الضعف قوة وذلك واضح من التأمل في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم".

إن ذلك المسلم المسوق بالأغلال ، المحبوس بالأقبية ، الملاحق في كل مكان ، الفاقد للسلاح ، الفقير المعدم ؛ بدعوته وصلاته وإخلاصه ينصر الله هذه الأمة ، رغم كل صور الضعف التي تمثلت فيه...قد نرى القوة اليوم بيد أعدائنا ، والغلبة لهم علينا..ولكن لا ننسى أن الله تعالى هو المتصرف بهذا الكون ، وعينه سبحانه لا تغفل عن عباده المؤمنين ، ولن يرضى لهم دوام الذلة واستمرار القهر، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الميزان بيد الرحمن ، يرفع أقواما ويضع آخرين " ).(هذه أخلاقنا).

إننا بحاجة لأن نكون صادقين في انتمائنا لهذا الدين وعملنا لنصرته والتمسك به قولا واعتقادا وعملا ، باستقامة على منهج الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، والوقوف عند حدود الله تعالى حتى نكون من أوليائه الذين قال فيهم كما ورد في الحديث القدسي: " من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب..."الحديث.

ولا يخفى أن جميع أعداء الله المكذبين برسوله صلى الله عليه وسلم المحاربين للمؤمنين واقعون تحت هذا التهديد الرباني لهم بالحرب حين يصدون عن سبيل الله ويحاربون أولياءه...لكن هل نحن من أوليائه؟!!.

اسلام ويب

Post: #857
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:19 AM
Parent: #787

اجتهد قبل الفوات
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

فإن الله تعالى جعل هذه الدار الدنيا ميدان عمل وتنافس ، كما قال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)(الملك: من الآية2)

وقال: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (التوبة:105)

فهذا هو الهدف من إيجادنا في هذه الدار أن نقوم بعبادة الله تعالى وطاعته : (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات:56) فمن قام بما وجب عليه هنا وجدَّ واجتهد وأتعب نفسه في طاعة الله تعالى استراح هناك مع المُنَعمين المكرمين في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر،كما قال تعالى: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) (القارعة6-7)

وقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ. فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَاباً يَسِيراً. وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُوراً) (الانشقاق:7-9)

وقال: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (المؤمنون:102)

وقال: (فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَأوا كِتَابِيَهْ. إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ. فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ. فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ. قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ)(الحاقة:19-24).

وعلى الجانب الآخر تجد من فرط هنا وأعرض عن طاعة مولاه نادما هناك حيث لا ينفع الندم : (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ. فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُوراً. وَيَصْلَى سَعِيراً) (الانشقاق:10-12).

وقال: (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ. وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ. يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ. مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ. هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ) (الحاقة:25-29)

يوم الحسرة

لقد سمى الله يوم القيامة بيوم الحسرة ؛ حيث تعظم حسرات الغافلين المعرضين اللاعبين: (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (مريم:39)

إنهم هناك يتحسرون ويتأسفون لكن فات وقت الندم: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً. يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً. لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً) (الفرقان:27-29)

وقال: (قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا وَهُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَاءَ مَا يَزِرُونَ) (الأنعام:31)

وقال عن حسرة الواحد من هؤلاء (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) (الفجر:24)

بادر قبل الندم

وحتى لا يندم العبد هناك فقد دعاه مولاه لليقظة هنا واستثمار عمره ووقته وأنفاسه فيما يقربه من رضوان ربه تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ. وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ. أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ. أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (الزمر53-58)

لقد حذرنا الله تعالى هجمة الموت والانتقال إلى الدار الآخرة في ظل لهو وغفلة مستحكمة : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ. وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:9-11)

احرص على الخير ولا تفرط

لقد سمع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من تبع جنازة فله قيراط من الأجر " فقال عبد الله رضي الله عنه: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.وما ذاك إلا لحرصه رضي الله عنه على الخير.

حتى أهل الجنة

نعم فبعض أهل الجنة حين يرون النعيم والكرامة التي أعدها الله تعالى للعاملين بطاعته يتمنون الرجوع إلى الدنيا ليستزيدوا من الصالحات التي ترتفع بها درجاتهم كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الشهيد فقال: " ما أحد يدخل الجنة ، يحب أن يرجع إلى الدنيا ، وله ما على الأرض من شيء إلا الشهيد ، يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات ، لما يرى من الكرامة" ( رواه البخاري) وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أمته الحرص على الخير والازدياد من الأجر حين يقول : " والذي نفسي بيده ، وددت أني أقاتل في سبيل الله فأقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا ثم أقتل ، ثم أحيا". ( رواه البخاري).

أياما معدودات

ولقد مضى حتى الآن من رمضان أكثر من ثلثيه وربما لم يشعر بذلك كثير من الناس وبالتأكيد عتق كثير من الناس من النار فهل نحن منهم؟! فحري بنا أن نجتهد فيما بقي من رمضان فربما كان فيما بقي من الليالي ليلة القدر التي من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه عسى أن يمن الله تعالى علينا بالعتق من النار ويجعلنا من المغفور لهم في أيام رمضان ولياليه ، فإذا ما تعبت الأجساد فليتذكر العبد حلاوة الأجر والكرامة يوم يتحسر المفرطون ويفرح المجتهدون ، لما قيل لبعض المجتهدين في طاعة الله تعالى: لو أرحت نفسك، قال: راحتها (أو كرامتها) أريد.اللهم وفقنا للإحسان فيما بقي من رمضان ومن أعمارنا واختم لنا بما يرضيك ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #858
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:20 AM
Parent: #787

وقفات مع الإجازة الصيفية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعـد:

أيها الأحبة: إن الفراغ السائب سبب لكثير من الأمراض الجسمية والنفسية الحسية والمعنوية فحق على كل مؤمن أن يأخذ بما أمر الله به وبما أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم: "اغتنم خمسا ً قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وفراغك قبل شغلك، وغناك قبل فقرك، وحياتك قبل موتك".

أيها الأحبة: إن كيفية قضاء الإجازة الصيفية أمر يحتاج إلى نقف معه عدداً من الوقفات.

الوقفة الأولى: مع الشباب ذكوراً وإناثاً.

أيها الشباب: أنتم عماد الأمة ورصيدها وذخرها وسر نهضتها وبناة مجدها ومستقبلها فبصلاحكم واستقامتكم تصلح الأمة وتستقيم ومن أهم عوامل تحقيق صلاحكم واستقامتكم وعيكم بواجبكم وملؤكم أوقاتكم بالنافع المفيد وهاأنتم أيها الشباب تستقبلون إجازتكم الصيفية فإياكم والفراغ والبطالة فإنهما أصل كثير من الانحراف ومصدر أكثر الضلال كما قال الأول:

إن الشباب والفراغ والجده مفسدة للمرء أي مفسدة

فاملئوا أوقاتكم في هذه الإجازة بالنافع والمفيد في دين أو دنيا ولا تتركوها نهباً لشياطين الإنس والجن وقد يسَّر الله تعالى لكم في هذه الأزمان قنوات عديدة تستغلون من خلالها أوقاتكم وتنمون قدراتكم وعلومكم ومعارفكم بل وإيمانكم فمنها حلق القرآن الكريم المنتشرة في المساجد فإنها من رياض الجنة وفيها خير عظيم، ومن هذه القنوات التي تحفظون بها أوقاتكم تلك الدروس العلمية والدورات التي تقام هنا وهناك وفيها يتعلم الشاب ما يجب عليه معرفته من علوم الشريعة والدين، ومن هذه القنوات أيضاً المراكز الصيفية التي يشرف عليها أساتذة فضلاء ومربون نجباء، يعملون على إشغال أوقات الشباب بما يفيدهم وينفعهم ففيها من الأنشطة الترويحية والمهنية وفيها الدورات العلمية والثقافية فاحرصوا أيها الشباب على الانضمام إليها والاستفادة منها فإن فيها خيراً كثيراً، وغالب المشتركين فيها هم أهل الخير والصلاح من الشباب فإذا أبيت هذا فاحرص على شغل وقتك بتجارة أو زراعة أو صناعة تملأ وقتك وتحفظك من شرور الفراغ وأهله فإن نفسك إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل ولابد. وإياك أخي الحبيب ورفقة السوء وقرناء الشر الذين يزينون لك المنكر ويدعونك إليه ، ففر منهم فرارك من الأسد.

الوقفة الثانية: مع أولياء الأمور من الآباء والأمهات

نقول لهم: أيها الأفاضل إن منن الإله على العباد كثيرة وأجلهن نجابة الأولاد وحملكم الله تعالى مسؤولية تربيتهم وحفظهم، وتنشئتهم على العبادة والطاعة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم "كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".

فما تقومون به اليوم من حسن التربية والرعاية والحفظ والصيانة لفلذات الأكباد تجنون به ثواباً وأجراً عند الله في الآخرة وبراً وإحساناً في الدنيا، وقد كلفكم الله وأمركم بحفظهم ووقايتهم، قال تعالى:( يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة )(التحريم:6) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والرجل راع في أهله ومسئول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها".

فمحافظتك على أولادك ورعايتك لهم والاجتهاد في إصلاحهم وإبعادهم عن الفساد وأهله مقدمة ضرورية لاستقامتهم وصلاحهم،

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه

فالأب الذي أدار ظهره لأولاده وبيته فلم يجلس فيه إلا ساعات قصاراً من نوم أو أكل وقد أخذت مشاغله بتلابيب قلبه وشغلت لبه وقلبه فلم يلتفت لأولاده ولا لتربيتهم وإصلاحهم هل قام بما أوجب الله عليه؟! والأب الذي ترك الحبل على الغارب لأولاده ذكوراً وإناثاً يخرجون متى يشاءون ومع من يريدون، يسهرون إلى الفجر وينامون أكثر النهار ويصاحبون أهل السوء ويهاتفون أهل الشر، هل قام بحفظهم ورعايتهم؟! والأب الذي أدخل إلى بيته وسائل الإفساد والدمار وامتطت صحون الشر وأطباق البلاء صهوة بيته وانتشرت مجلات الشر وأشرطة الخراب في حجَر أولاده، هل قام بتنشئة أولاده على البر والتقوى؟!

إن الجواب على هذه الأسئلة هي ما تراه من أحوال أبناء بعض المسلمين ،وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فيا أولياء الأمور اتقوا الله فمن استرعاكم الله إياهم. مروا أولادكم بالمعروف ورغبوهم فيه وانهوهم عن المنكر ونفروهم منه. احفظوهم عن قرناء السوء وأصحاب الشر، أبعدوهم عن وسائل الإعلام الفاسد، اشغلوا أوقاتهم في هذه الإجازة بما يعود عليم بالنفع في دينهم ودنياهم، وبادروا بذلك كله في أوائل أعمارهم فإن الأمر كما قيل:

إن الغصون إذا قومتها اعتدلت ولا تلين إذا قومتها الخشب

الوقفة الثالثة: مع أولئك الذين قد شدوا حقائبهم وأعدوا أمتعتهم وحجزوا مراكبهم للسفر إلى بلاد الكفر والبلاء ومواطن الفتنة العمياء في الغرب أو الشرق وما شابهها ... إلى هؤلاء نقول: اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم فإن السفر إلى تلك البلاد محرم لا يجوز لما فيه من تعريض النفس والأهل والولد للفتنة التي أعلاها الكفر بالله تعالى، وأدناها موافقة المعاصي والذنوب أو على الأقل استساغة المنكر والفجور فإن تلك البلاد والمصايف قد خلت قلوب أهلها عن الإيمان وانسلخت أجساهم عن زيِّ أهل الحشمة والحياء والإسلام وانتشرت بين أهلها الخمور وظهر الزنا والخنا فعد المنكر معروفاً والمعروف منكراً، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

الوقفة الرابعة والأخيرة: هي مع ورثة الأنبياء من العلماء والدعاة وطلبة العلم فنقول لهؤلاء: إنكم من عقدت الأمة عليكم آمالها بعد الله عز وجل ورنت إليكم بأبصارها وهوت إليكم بأفئدتها، إن المسؤولية التي أنيطت بكم وألقيت على كاهلكم في توجيه الناس وتربيتهم ودعوتهم وتبصيرهم أعظم من غيركم لا سيما في هذا الزمان الذي كثر فيه الباطل والفساد ونفقت فيه سلع أهل الكفر والإلحاد ونشط دعاة التغريب والإفساد وقويت فيه أسباب الزيغ والانحراف. فالأمة مهددة بحجافل هؤلاء المفسدين المتربصين الذين يجرون الناس إلى الفساد جراً، ويأطرونهم على الكفر والفسوق والعصيان أطراً. فواجبكم إزاء هذا الواقع المفزع المرير كبير وخطير، ولا يسوغ لكم التخلي عنه ولا الرجوع عنه. فسابقوا أعداءكم واعملوا بجد واجتهاد في الدعوة إلى الله تعالى واسلكوا كل سبيل شرعي لنشر الخير بين الناس. علموا الجاهل، وأرشدوا التائه، ودلو الحائر، مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، حذروا الناس من الفساد والعصيان، عرُّوا لهم الباطل واهتكوا ستره واكشفوا زيفه، واجهوا الغارة الشعواء التي يشنها خصوم الإسلام وأعداؤه بالعلم والبيان والدعوة والصبر والإيمان. قاوموا وسائل التدمير والإفساد بوسائل البناء والإرشاد، والدعوة والصبر والإيمان. وانشروا الكلمة الطيبة، والمحاضرة النافعة، والكتاب المفيد، أقيموا الدروس والكلمات في المساجد والأحياء والمجتمعات والملتقيات. واحفظوا أوقات شباب المسلمين.

والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين.
امام المسجد

Post: #859
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:22 AM
Parent: #787

إياكم والغلو
تبتهج النفس برؤية شاب متحرق ، متدفق ، وينشرح الصدر لحديث الهداية حين ينطلق بقوة وهمة ، ويرتاح القلب لحماسة الشباب للجهاد والعلم والدعوة ، ومقابل كل هذا يغيظ القلب ما نرى من مظاهر الدعة والعجز والكسل والضعف والفتور ، فهل نتفاءل بالانطلاقة المُفْرِطة ، أم بالسكينة المفَرِّطة؟.

إن القصد هو الاعتدال في السلوك ، والتوازن في التفكير ، والتوسط في كل الأمور بين طرفي الإفراط والتفريط ، وخير الأمور الوسط (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً )(البقرة: من الآية143).

ولا يظنن أحد أن القصد خلاف السنة ، أو أن الغلو زيادة في التقوى ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم استنكر على من عزم على الغلو في الصيام أو القيام أو الانقطاع عن الشهوة ، وأفهمهم أن التوسط هو الأتقى: " أما والله إني لأخشاكم لله ، وأتقاكم له ، لكني أصوم وأفطر ، وأصلي وأرقد ، وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني ".( البخاري ومسلم).

كما أن الطبيعة البشرية أقرب إلى القصد ، ولديها قابلية الانحدار والصعود ، ولن يستطيع امرؤ أن يتجاوز طبيعته البشرية إلى الطبيعة الملائكية، ولذلك لما ظن حنظلة ملاعبته لأهله وضحكه معهم بعد أن كان في خشوع وبكاء في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، لما ظن هذا التبدل في الحال نوعا من النفاق ، طمأنه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله : " يا حنظلة ! لو كنتم كما تكونون عندي لصافحتكم الملائكة على فرشكم ، يا حنظلة ! ساعة وساعة ".(ابن ماجة وصححه الألباني).

والقصد أقرب إلى الطاقة والاحتمال ؛ لذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلق على صور الغلو في العبادة بقوله : " عليكم بما تطيقون ؛ فوالله لا يمل الله حتى تملوا ".( البخاري ومسلم) وبقوله : " ليصلِّ أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد".( البخاري).

والقصد أدعى للدوام على العمل والاستمرار فيه والثبات عليه، يقول ابن حجر رحمه الله تعالى: ( لأن المشدد لا يأمن من الملل ، بخلاف المقتصد فإنه أمكن لاستمراره ، وخير العمل ما داوم عليه صاحبه ) . وقال النووي رحمه الله تعالى : ( بدوام القليل تدوم الطاعة ...حتى يثمر القليل الدائم بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافا كثيرة ). وقال ابن حزم رحمه الله تعالى : ( فأمر أمته أن يقتصدوا في الأمور ؛ لأن ذلك يقتضي الاستدامة عادة).

وإلى ذلك أشار الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله: " سددوا وقاربوا واغدوا و روحوا ، وشيء من الدُّلجة ، والقصد القصد تبلغوا ". ( البخاري).يقول ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح الحديث : ( وقاربوا أي لا تفرطوا ، فتجهدوا أنفسكم في العبادة ؛ لئلا يفضي بكم ذلك إلى الملال ، فتتركوا العمل فتفرطوا ، وقد أخرج البزار ..." إن هذا الدين متين ، فأوغلوا فيه برفق ، ولا تبغضوا إلى أنفسكم عبادة الله ، فإن المنبت لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى").

وليس المقصود بالقصد التقصير ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يوجز الصلاة ويكملها ، وكانت خطبته قصدا وصلاته قصدا ، كما روى ابن عباس رضي الله عنهما وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم : " فتوضأ ولم يكثر من الماء ، ولم يقصر في الوضوء". ( رواه مسلم ) . بل كان القصد صفة بارزة للأنبياء كما في الحديث :" السمت الحسن ، والتؤدة ، والاقتصاد ، جزء من أربعة وعشرين جزءا من النبوة".(صحيح الجامع).

وحين نستنكر الغلو فإننا ننكر الإفراط بشدة الإقبال والالتزام المفضي إلى الترك ، أو الملل أو الخروج عن القصد بسبب المبالغة في النوافل ، أو العمل على جهل وغفلة ، كما ننكر التفريط والتهاون بشدة التكاسل والتقصير والإعراض والانفلات ، ولكن الثاني تستنكره الطباع السليمة عادة ، أما الأول فهو الذي يغتر به المغترون ، ويلتبس على كثير من الناس ، وهو الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون" . ( رواه مسلم ). وحذر منه بقوله صلى الله عليه وسلم: " يا أيها الناس!إياكم والغلو في الدين ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ". (رواه ابن ماجة وصححه الألباني).

وقد قال القرطبي في الخوارج: (... لما حكموا بكفر من خالفهم استباحوا دماءهم ، وتركوا أهل الذمة ، وقالوا:نفي لهم بعهدهم ، وتركوا قتال المشركين ، واشتغلوا بقتال المسلمين ، وهذا كله من آثار عبادة الجهال ، الذين لم تنشرح صدورهم بنور العلم ، ولم يتمسكوا بحبل وثيق من العلم...).

ويعلق ابن حجر رحمه الله تعالى على نتائج الغلو فيقول: (...من المسلمين من يخرج من الدين من غير أن يقصد الخروج منه ، ومن غير أن يختار دينا على دين الإسلام). وحذر من الاغترار بالغالين في بعض صور العبادة ، وأن ذلك لا يكفي دليلا على الصلاح فقال:( لا كتفى في التعديل بظاهر الحال ، ولو بلغ المشهود له بتعديله الغاية في العبادة والتقشف والورع حتى يختبر باطنه).

وإنه لمن الغلو ومجانبة القصد أخذ النفس بالعزيمة فيما ترخص به النبي صلى الله عليه وسلم ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما بال أقوام يتنزهون عن الشيء أصنعه ؟ فوالله إني أعلمهم بالله ، وأشدهم له خشية".( رواه البخاري).

وفي الفتح ( ....نقل ابن التين عن الداودي أن التنزه عما ترخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم من أعظم الذنوب ؛ لأنه يرى نفسه أتقى لله من رسوله صلى الله عليه وسلم...).

وقد طالبنا الشرع بالتعود على القصد والتوازن في أمورنا الحياتية ، حتى يغدو القصد خلقا وطبيعة ، فقد قال ربنا تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29). وقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).

ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المغالاة في الطعام والشراب ، وعن المغالاة في المهور، مثلما نهى عن الغلو في الرجاء الذي يجعل الناس يتكلون ، وعن الغلو في الخوف الذي يجعل الناس يقنطون ، وعن الغلو في المدح الذي يجعل الناس يشركون أو ينافقون ، كقوله صلى الله عليه وسلم : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد ، فقولوا عبد الله ورسوله ". ( رواه البخاري ).

وكل ما نخشاه حين نغلو أن نقع في مشقة الدنيا وجحيم الآخرة ، كما في قوله تعالى: (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ . تَصْلَى نَاراً حَامِيَةً) (الغاشية:3ـ 4).ويضيع بسبب الغلو ثمرة الجهد في العبادة ، بينما الهدي القاصد أهدى وأتقى وأبقى: " عليكم هديا قاصدا ؛ فإنه من يشاد هذا الدين يغلبه ".(صحيح الجامع) ، ولا يكون التزام التوسط إلا بالعلم والمجاهدة.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
هذه أخلاقنا( بتصرف يسير).

Post: #860
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:24 AM
Parent: #787

انهض وبادر
الحمد لله الذي قسّم خلقه إلى تقي أواب، همته طلب الخيرات والاكتساب، وبغيته الزلفى إلى الله والاقتراب (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الأَلْبَابِ) (الزمر من الآية 18)

وفاجر كذّاب همته مصروفة إلى اللهو والطعام والشراب، يُعمّر جسمه وقلبه خراب، فكيف إذا كُشف الحجاب وحق عليه قول رب الأرباب: (وَرَأَوُا العَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ) (البقرة:166)

وأشهد أن لا إله إلا الله الملك الوهاب، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ( نعم العبد إنه أوّاب) صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى الآل والأصحاب.

أما بعد:

فإن ارتقاء الأمم وسموها يكون بقدر ما عند بنيها من قوة علمية نظرية، وقوة العزم والإرادة العملية، ولله في كونه سنن لا تتبدل ولا تتغير ولا تجامل ولا تحابي ؛ فمن جد وجد ، ومن سار على الدرب وصل:

قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :العامة تقول قيمة كل امرئ ما يحسن، والخاصة تقول: قيمة كل امرئ ما يطلب. اهـ، وقال ابن الجوزي رحمه الله تعالى: وما تقف همة إلا لخساستها، وإلا فمتى علت الهمة فلا تقنع بالدون، وقد عُرف بالدليل أن الهمة مولودة مع الآدمي، وإنما تقصر بعض الهمم في بعض الأوقات، فإذا حُثّت سارت، ومتى رأيت في نفسك عجزا فسل المنعم، أو كسلا فسل الموفق فلن تنال خيرا إلا بطاعته.

اجتمع عبد الله بن عمر، وعروة بن الزبير، ومصعب بن الزبير وعبد الملك بن مروان في فناء الكعبة فقال لهم مصعب تمنوا فقالوا: ابدأ أنت، فقال: ولاية العراق، وتزوّج سكينة، وعائشة بنت طلحة بن عبيد الله فنال ذلك وأصدق كل واحدة خمس مئة ألف درهم و جهزها بمثلها. وتمنى عروة بن الزبير الفقه وأن يُحمل عنه الحديث فنال ذلك، وتمنى عبد الملك الخلافة فنالها، وتمنى عبد الله بن عمر الجنة ، وتلك همم القوم وآمالهم.

وآيات كتاب ربنا تعلي الهمم وتزرع في النفوس قوة العزيمة:

فهذه آيات من كتاب الله تعالى أرجو أن تتدبرها ولن نعلق عليها فهي واضحة المعنى بينة الأثر والمغزى ، يقول الله تعالى:

(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ)، ويقول:(سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ)، ويقول:(وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ، أُولَئِكَ المُقَرَّبُونَ)، ويقول: (فَفِرُّوا إِلَى اللهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ)، ويقول:(وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ)،ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الآَخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآَخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ)، ويقول:(أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ المَصِير، هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللهِ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ)، ويقول عن دعاء المؤمنين:(وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)، ويقول:(أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).

وأحاديث الرسول تعلي الهمم :

" إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفاسفها"

" بادروا بالأعمال الصالحة".

" عند الله خزائن الخير والشر، مفاتيحها الرجال فطوبى لمن جعله الله مفتاحا للخير مغلاقا للشر، وويل لمن جعله مفتاحا للشر مغلاقا للخير".

" إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم، كما تراءون الكوكب الدري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب لتفاوت ما بينهم"

فلماذا الرضا بالدون ؟ لماذا لا نجتهد أن نكون أسبق الخلق إلى الله فنفوز بخير الدنيا والآخرة؟.

قال رجل لمالك بن دينار: رأيت فيما يرى النائم مناديا ينادي: الرحيل الرحيل، فما رأيت أحدا يرتحل إلا محمد بن واسع ، فصاح مالك: " والسابقون السابقون" ثم غشي عليه.

لماذا العيش في الدنيا بلا أهداف كبيرة ، وربما بلا أهداف أصلا ؟!!. لماذا يكون كل الهم أكلة وشهوة ؟.

يا بائعا نفسه بيع الهوان لو اسـ ـترجعت ذا البيع قبل الفوت لم تخب

وبائعا طيـب عيش مـا له خطر بطيف عيش من الآلام منتهب

غُبنـت والله غبنا فاحـشا ولدى يوم التغابن تلقى غاية الحَرَبِ (الهلاك)

شاب الصبا والتصابي بعد لم يشب وضاع وقتك بين اللهو واللعب

وشمس عمرك قد حان الغروب لها والفيء في الأفق الشرقي لم يغب

وفاز بالوصل من قد جد وانقشعت عن أفقه ظلمات الليل والسحب

كم ذا التخلف والدنيا قد ا رتحلت ورسل ربك قد وافتك في الطلب

أخي: قم وانهض وبادر

إذا لم تكن للحق أنت فمن يكون والناس في محراب لذات الدنيا عاكفون

قال بعض السلف:

إن استطعت ألا يسبقك إلى الله أحد فافعل.

أخي قلّب ناظريك في هذا الكون في هذه الأرض سترى أمتك وقد أحاطت بها الأعداء، وألمت بها المصائب ، في كل وطن جرح ، وفي كل زاوية حكاية تروي قصة الألم، ألا تحركك هذه الأحزان؟ ألا تشحذ همتك وتصنع فيك أخلاق الرجال؟

يا أمـتي عـار تـرّدد أننا أبناء من سادوا الأنام وكانوا

والقدس غارقة يمزقها الأسى ويعيد رجع أنينها الجولان

حتّامَ ينخر في عزائمنا الهوى وتذيبنا الآهات والأحزان

أخي لتكن كلك للإسلام، فإنه دينك لحمك ودمك وعرضك:

سر في الزمان وحدّث أننا نفر شمّ العرانين يوم الهول نُفتقد

عُدنا إلى الله في أعماقنا قَبَس من السموات لا يغتاله الأبد

جئنا نعيد إلى الإسلام عزته وفوق شُمّ الرواسي تُنصب العُمُد

شتان بين الهمتين

فقد كان الأعرابي يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسأله طعمة بعد قليل تذهب فيما يخرجه ابن آدم ، أما ربيعة الأسلمي رضي الله عنه غلام صغير،يعد للرسول صلى الله عليه وسلم وَضوءه ،فيقول له الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا ربيعة سلني"،فيقول ربيعة: "أسألك مرافقتك في الجنة...". الحديث.وهذه هي الهمة.

أما محمد الفاتح العثماني رحمه الله تعالى فإنه منذ نعومة أظفاره ربي على حلم غال وهدف عظيم فتح القسطنطينية ، فنشأ واضعا بين عينيه هذا الهدف حتى فتح الله على يديه.

وأما صلاح الدين فقد امتنع من الضحك حتى يحرر الأقصى وبيت المقدس ، وتم له ما أراده وطهر الله به بيت المقدس من رجس الاحتلال الصليبي بعد قرابة مائة عام من الاحتلال.

إيزابيلا والقميص العتيق

حتى الكفار الذين وضعوا أمام أعينهم أهدافا وعلت هممهم وسعوا لتحقيقها تم لكثير منهم ما أراد لان سنن الله لا تحابي كما ذكرنا سابقا،فهذه إيزابيلا أخذت على نفسها عهدا ألا تبدل قميصها إلا بعد إخراج المسلمين من الأندلس وتم لها ما أرادت

قلّ مَنْ جَدّ في أمر يحاوله واستصحب الصبر إلا فاز بالظفر

فهيا أيها الكرام نتحلى بعزائم الرجال لعل الله يغير بنا ، ولنترك الراحة هنا لنرتاح كثيرا يوم نلقى الله

وإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجساد
اسلام ويب

Post: #861
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:27 AM
Parent: #860

لكن الغنى غنى النفس
كثير من الناس يظن أن الغنى ليس إلا كثرة المال من نقود وأسهم وعقارات وتجارات وغيرها ، وعندهم أن من ليس كذلك فليس من أهل الغنى ، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم يلفت الأنظار إلى المعنى الحقيقي للغنى حين يقول: " ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

فكم من الناس عنده من أصناف المال الكثير لكنه يعيش فقرا حقيقيا ، فتراه دائما خائفا مهموما ، يسعى في زيادة ماله خوفا من الفقر ، يبخل بالنفقة في أوجه الخير حتى لا يقل ماله،بل ربما قطع رحمه لنفس الأسباب ، كما تراه متطلعا إلى ما عند الآخرين ، فمثل هذا يعيش فقرا دائما ملازما له ؛ لأنه لم يرض بما قسمه الله تعالى له ، ولأن الدنيا في قلبه قد استقرت.

وهذا خبيب بن عدي رضي الله عنه يقول: كنا في مجلس فجاء النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى رأسه أثر ماء فقال له بعضنا: نراك اليوم طيب النفس فقال : "أجل والحمد لله" . ثم أفاض القوم في ذكر الغنى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : لا بأس بالغنى لمن اتقى ، والصحة لمن اتقى خير من الغنى ، وطيب النفس من النعيم" .( صحيح سنن ابن ماجة ).

إياك والتطلع لما في أيدي الناس

فإن الله عز وجل يقول: (وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (طـه:131).

وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:" وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس" معناه :اقنع بما أعطاك الله، وجعله حظك من الرزق، تكن أغنى الناس، فإن من قنع استغنى.

ولنتذكر هنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من أصبح منكم آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها ".

وإذا رأيت من هو أكثر منك مالا وولدا فاعلم أن هناك من أنت أكثر منه مالا وولدا فانظر إلى من أنت فوقه، ولا تنظر إلى من هو فوقك، وإلى هذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "انظروا إلى من هو أسفل منكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم، فهو أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم".

للناس شأن ولك شأن

فالمسلم يعلم أنه وجد في هذه الدنيا لغاية عظيمة وهدف نبيل سامٍ ألا وهو عبادة الله تعالى ، وتعبيد الخلق للخالق سبحانه؛ولهذا فإنه لا يتجاوز بالدنيا حدها ، فهي عنده وسيلة وليست غاية، وعلى هذا المعنى العظيم ربى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم،وهذه قصة ربعي بن عامر مع رستم شاهدة على المعنى السامي والهدف النبيل، فقد طلب رستم من سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن يبعث إليه رسولاً يفاوضه قبل أن يبدأ القتال في معركة القادسية، فأرسل إليه المغيرة بن شعبة، فكان مما قاله لرستم: إنا ليس طلبنا الدنيا، وإنما همنا وطلبنا الآخرة، ثم بعث إليه سعد رسولاً آخر، وهو ربعي بن عامر، فدخل عليه، وقد زينوا مجلسه بالنمارق ( الوسائد ) المذهبة والحرير، وأظهروا اليواقيت واللآلئ الثمينة، وقد جلس على سرير من ذهب، ودخل ربعي بثياب صفيقة وسيف وترس وفرس قصيرة، ولم يزل راكبها حتى داس بها على طرف البساط، ثم نزل وربطها ببعض تلك الوسائد، وأقبل وعليه سلاحه ودرعه، فقالوا له: ضع سلاحك، فقال: إني لم آتكم، وإنما جئتكم حين دعوتموني، فإن تركتموني هكذا وإلا رجعت، فقال رستم: ائذنوا له، فأقبل يتوكأ على رمحه فوق النمارق فخرقها ، وكأنه يقول لهم عمليا:دنياكم هذه لا تغرنا فضلا عن أن تشغلنا، فقالوا له: ما جاء بكم؟ قال: الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، فأرسلنا بدينه إلى خلقه، لندعوهم إليه، فمن قبل ذلك قبلنا منه ورجعنا عنه، ومن أبى قاتلناه أبداً حتى نفضي إلى موعود الله، قالوا: وما موعود الله؟ قال: الجنة لمن مات على قتال من أبى، والظفر لمن بقي.

سبحان الله إنه وهو فقير لا يكاد يجد من الدنيا شيئا يتكلم عن غايته في هذه الدنيا ومنها إخراج الناس من ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة!!.

لقد كانت الدنيا إن أصابوها فهي في أيديهم وليست في قلوبهم ، ولهذا لما طلب منهم النفقة بذلوا غير خائفين من الفقر أو القلة ، فقد جاء عمر رضي الله عنه بنصف ماله ، وجاء الصديق رضي الله عنه بماله كله ، وجهز عثمان رضي الله عنه جيش العسرة.

فقر القلوب هو الداء

فقد جاء في بعض روايات هذا الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

"يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى ؟ قلت : نعم يا رسول الله ، قال : أفترى قلة المال هو الفقر ؟ قال : قلت : نعم يا رسول الله ، قال : إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب" .

ولهذا فإن من كان فقير القلب قد لا يبالي أربح المال من حلال أم من حرام ، قد يغش في تجارته، أو يسرق إن سنحت له فرصة ، أو يأخذ الرشوة،لأن حب الدنيا قد استقر في قلبه فأفسد عليه هذا القلب ومنعه القناعة بما رزقه الله تعالى.

وليس معنى كلامنا أن يمتنع الناس عن العمل والتكسب ، ومحاولة تحقيق الغنى بأوجه الكسب الحلال الطيب ؛ فإن القناعة لا تمنع التاجر من تنمية تجارته، ولا أن يضرب المسلم في الأرض يطلب رزقه، ولا أن يسعى المرء فيما يعود عليه بالنفع، بل كل ذلك مطلوب ومرغوب. وإنما الذي يتعارض مع القناعة أن يغش التاجر في تجارته، وأن يتسخط الموظف من مرتبته، وأن يتبرم العامل من مهنته، وأن ينافق المسؤول من أجل منصبه، وأن يتنازل الداعية عن دعوته أو يميِّع مبدأه رغبة في مال أو جاه، وأن يحسد الأخ أخاه على نعمته، وأن يذلّ المرء نفسه لغير الله- تعالى- لحصول مرغوب.

وكم من صاحب مال وفير، وخير عظيم، رُزق القناعة! فلا غشّ في تجارته، ولا منع أُجَراءه حقوقهم، ولا أذل نفسه من أجل مال أو جاه، ولا منع زكاة ماله ، بل أدى حق الله فيه فرضًا وندبًا، مع محافظةٍ على الفرائض، واجتناب للمحرمات. إن ربح شكر، وإن خسر رضي ، فهذا قنوع وإن ملك مال قارون. وكم من مستور يجد كفافًا، ملأ الطمع قلبه حتى لم يرضه ما قُسِم له! فجزع من رزقه، وغضب على رازقه، وبث شكواه للناس، وارتكب كل طريق محرم حتى يغني نفسه، فهذا منزوع القناعة وإن كان لا يملك من الدنيا إلا القليل.

السلف وغنى النفوس

ذكرنا فيما سبق أن الصحابة رضي الله عنهم كان غناهم في قلوبهم فلم تأسرهم الدنيا ولم يركنوا إليها ، وعلى هذا قاموا بتربية من بعدهم فكانت الثمار طيبة بإذن الله.فقد أوصى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه ابنه فقال: "يا بني، إذا طلبت الغنى فاطلبه بالقناعة؛ فإنها مال لا ينفد".

وسئل أبو حازم فقيل له: "ما مالك؟" قال: "لي مالان لا أخشى معهما الفقر: الثقة باللّه، واليأس مما في أيدي الناس".

وقيل لبعض الحكماء: "ما الغنى؟" قال: "قلة تمنيك، ورضاك بما يكفيك".

وكان محمد بن واسع - رحمه اللّه تعالى- يبل الخبز اليابس بالماء ويأكله ويقول: "من قنع بهذا لم يحتج إلى أحد".

وكتب بعض بني أمية إلى أبي حازم - رحمه اللّه تعالى- يعزم عليه إلا رفع إليه حوائجه فكتب إليه: "قد رفعت حوائجي إلى مولاي، فما أعطاني منها قبلت، وما أمسك منها عني قنعت".

ويقول عامر بن عبد قيس: "أربع آيات من كتاب الله إذا قرأتهن مساء لم أبال على ما أمسي، وإذا تلوتهن صباحًا لم أبال على ما أصبح

(مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (فاطر:2)

( وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ)(يونس: من الآية107)

(وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (هود:6)

(سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْراً)(الطلاق: من الآية7)



ما أجمل القناعة!

من التزمها نال السعادة، وما أحوج أهل العلم والدعوة للتحلي بها؛ حتى يكونوا أعلام هدى ومصابيح دجى. ولو تحلى بها العامة لزالت منهم الضغائن والأحقاد، وحلت بينهم الألفة والمودة؛ إذ أكثر أسباب الخلاف والشقاق بين الناس بسبب الدنيا والتنافس عليها، وما ضعف الدين في القلوب إلا من مزاحمة الدنيا له، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال: " والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى أن تبسط الدنيا عليكم؛ كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم ".

ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من قلب لا يخشع، ومن دعاء لا يسمع، ومن نفس لا تشبع، ومن علم لا ينفع، أعوذ بك من هؤلاء الأربع". قال النووي رحمه الله عن قوله: "ومن نفس لا تشبع": "استعاذة من الحرص والطمع والشَّرَه، وتعلق النفس بالآمال البعيدة".

جعل الله تعالى غنانا في قوبنا ، ووقانا جميعا الطمع والبطر ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #862
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:29 AM
Parent: #787

من أتى إليكم معروفا فكافئوه
إنه لمن القبيح أن ينتظر المحسن من الناس جزاء أو شكورا ، وأقبح منه اللئيم الكنود الذي لا يستشعر فضل المحسن إليه ولا يقابله بالحسنى ، وأشد قبحا مَن قابل الإحسان بالإساءة والإكرام بالجحود.

شكر المحسن من محاسن الأخلاق

وإن مكافأة المحسن خلق فطري ينشأ من خلق الوفاء ؛ إذ أن القلوب مجبولة على حب من أحسن إليها . والمؤمن المستقيم لا يكون شاكرا لله حتى يكون معترفا بالفضل لأهل الفضل ، وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يشكر الله من لا يشكر الناس ". ( صحيح سنن أبي داود ).وفي رواية المسند : " إن أشكر الناس لله عز وجل أشكرهم للناس ".

وبهذا نرى أن أخلاق المؤمن لا تكتمل بحسن علاقته بربه تعالى فحسب وإنما لابد أن يكون على نفس المستوى من الأخلاق في التعامل مع الناس.

وليس المؤمن بالجشع الذي لا يهزه إلا فيض الإكرام والإنعام، بل إن نفحة من الإحسان كافية لأن تثير فيه دواعي الشكر والمكافأة. وقد وضح رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله : " من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير ".(رواه أحمد ).

من صور المكافأة والشكر

والشكر اللساني أقل ما يقدمه المرء مكافأة لمن أحسن إليه ووفاء لمن وقف بجانبه ؛ لكيلا يتعلم أبناء الأمة الكفران والجحود ، ولئلا يتخلقوا بنكران الجميل ونسيان المعروف ، وحتى لا تموت المروءة في الناس. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : " ... ومن أتى إليكم معروفا فكافئوه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه ".(أحمد وأبو داود وصححه الألباني).

ولكي تبقى دافعية الإحسان قائمة بين الناس فإن البشر يؤثر فيهم المكافأة على إحسانهم ، ومن صور المكافأة المقابلة بالمثل ، أو الدعاء لصاحب المعروف ، أو الثناء على فعله : " ومن لم يجد فليثن ؛ فإن من أثنى فقد شكر ومن كتم فقد كفر " ( أبو داود والترمذي وصححه الألباني).

ومقابلة إحسان الناس ببرود ولا مبالاة يقتل فيهم المبادرة للإحسان ، ويضعف عندهم التفكير في الآخرين ، ويقتل المروءة والنجدة والنخوة ، ويفشي السلبية والأثرة ؛ لأن من طبيعة الإنسان أن تقوى اندفاعته بالشكر ، وإن كان الأصل فيه ألا يبتغي شكرا ولا جزاء.

وحين ظن المهاجرون أن الأنصار قد ذهبوا بالأجر كله لما جادت به نفوسهم من الإنفاق على المهاجرين بيَّن لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بابا من الخير يقربهم من أجر الأنصار ، فعن أنس رضي الله عنه أن المهاجرين قالوا : " يا رسول الله ذهبت الأنصار بالأجر كله ، قال : لا، ما دعوتم الله لهم وأثنيتم عليهم " (صحيح سنن أبي داود).فعلمهم أن يكافئوا إحسان المحسن بالدعاء له ، أو بالثناء عليه ، وليس أمام الفقير من وسيلة لمكافأة المحسن غير هاتين.

وقد كان من خلق الرسول صلى الله عليه وسم أنه يقبل الهدية ويثيب عليها ، وذلك ضمن الاستطاعة، فإذا غدا التهادي نوعا من التكلف والتقاليد الاجتماعية المرهقة ، أو أصبح المهدي يمن أو يعتب على من لا يقدر على مكافأته فقد خرجت هذه الأخلاق عن حد الحسن ، ودخلت في حيز المادية وعدم الإعذار وعدم خلوص العمل بانتظار الجزاء عليه. وهذا من ومفاسد التعاملات الاجتماعية حين تفقد الروح الشرعية وإخلاص القصد.

وحين اقترض رسول الله من عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي قلب حنين رد إليه القرض بعد الغزوة وقال له : " بارك الله لك في أهلك ومالك ، إنما جزاء السلف الوفاء والحمد". ( رواه أحمد والنسائي وغيرهما). وكلمة شكر وعبارة حمد لا يخسر قائلها شيئا ولا تكلفه جهدا ، ولكنها تعود عليه بكسب ود المحسن ، وائتلاف قلبه ، وتحريضه على مزيد من الخير.

وإن سيدنا موسى عليه السلام حين سقى للمرأتين ثم تولى إلى الظل لم يلبث كثيرا حتى لقي جزاء إحسانه من والد المرأتين الذي أوتي الحكمة ويدرك ضرورة مكافأة المحسن ، فجاءت إحداهما تقول: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا)(القصص: من الآية25)

وإن عروة بن مسعود الثقفي – قبل أن يسلم- حين أغلظ له أبو بكر رضي الله عنه بكلمة قاسية في مفاوضات صلح الحديبية لم يزد في تعليقه على كلمة أبي بكر بأكثر من قوله : " أما والله لولا يد كانت لك عندي لكافأتك بها ، ولكن هذه بها". واعتبر إساءة أبي بكر رضي الله عنه مغفورة بسابق إحسانه إليه. ولعل هذه الاعتبارات تشيع وتحيا في معاملات المسلمين اليوم.

ولقد كانت المكافأة بالسوء مستنكرة حتى مع البهائم ؛ إذ حينما فرت امرأة مسلمة من العدو على ناقة مسلوبة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نذرت غن وصلت للمدينة ناجية أن تنحرها ، فلما ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " بئسما جزيتيها ".( رواه أحمد وحسنه الألباني في الصحيحة ).

ومنعت من نحرها لهذا المعنى ولعدم جواز نذرها بما لا تملك.

الله ناصرك طالما أحسنت

وللمحسنين الذين يلقون الإساءة بدل الإحسان عزاء في أن الله ناصر لهم كما جاء في قصة الصحابي الذي شكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم : إن لي ذوي أرحام أصل ويقطعون ، وأعفو ويظلمون ، واحسن ويسيئون ، أفكافئهم - أي بمثل إساءتهم - ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا ، إذا تتركون جميعا ، ولكن خذ بالفضل وصلهم ، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك " . ( رواه احمد ).

والكريم لا ينسى الفضل لأهله ولا يجازي الإحسان بالإساءة ، بل هو يقابل الإساءة بالإحسان ، فحين استفسر أحد الصحابة قائلا: يا رسول الله ، الرجل أمر به فلا يقريني ولا يضيفني ، ثم يمر بي أفأجزيه؟ - أي بمثل بخله – قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا ، بل أقره" أي أعطه وضيفه . ( رواه الترمذي وصححه الأرناؤوط).وهكذا يكون أصحاب النفوس العالية ، يحيون المعروف بين الناس فلا يدعون محسنا إلا ويكافئونه ، ولا يمكن ان يكون المؤمن جحودا للمعروف ولا كفورا للعشير.
محمود الخزندار-اسلام ويب

Post: #863
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:35 AM
Parent: #787

أسباب الوقاية من الشيطان
مما لا شك فيه أن الشيطان هو أعدى أعداء الإنسان ، وهذه العداوة ليست جديدة إنما هي عداوة قديمة جدا منذ اليوم الذي أمره الله تعالى بالسجود لآدم فأبى.

ولقد حذر الله عباده من هذا العدو اللعين في مواضع كثيرة من كتابه سبحانه ، ومنذ اليوم الأول لإهباط آدم عليه السلام إلى الأرض بين الله تعالى هذا الأمر فقال: (وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ)(البقرة: من الآية36).

ونفس المعنى ورد في سورة الأعراف أيضا ، كما أمر الله تعالى بأكل الحلال الطيب ، ونهى عن اتباع خطوات الشيطان فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:168)

وقال مبينا عداوة الشيطان للمؤمنين:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة:208)

وقال سبحانه وتعالى : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (يّـس:60)

وقال : (وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (الزخرف:62)

ومما ينبغي أن يعلم أن هذا العدو لا قدرة للعبد على دفع شره إلا بالاستعانة بالله عز وجل ؛ فليس هو كبني آدم ممن يمكن اتقاء عداوتهم بشيء من المداراة والإحسان أو التغافل أو غيرها من الوسائل ، فهو عدو غير مرئي لا تصلح معه المداراة ولا الإحسان فلابد إذن من الاستعانة بالله لرد كيده والنجاة من مصايده ووساوسه؛ ولهذا يقول الله عز وجل: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (الأعراف:200)

ويقول سبحانه: (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

فلا نجاة للعبد من مكائد الشيطان إلا بالله تعالى، وقد شرع الله تعالى لنا من الأسباب ما نتقي به شر هذا العدو اللعين ، ومن هذه الأسباب:

أولا: الاستعاذة بالله:

فهي من أقوى الأسباب لدفع شره كما مر من قوله تعالى : (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (فصلت:36)

وقد استب رجلان عند النبي صلى الله عليه وسلم بعض الصحابة جلوس عنده ، وأحدهما يسب صاحبه ، مغضبا قد احمر وجهه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :" إني لأعلم كلمة ، لو قالها لذهب عنه ما يجد ، لو قال : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ".( رواه البخاري) .

ثانيا: قراءة آية الكرسي:

وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، فقد قال أبو هريرة رضي الله عنه: وكلني رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ زكاة رمضان ، فأتاني آت ، فجعل يحثو من الطعام ، فأخذته وقلت : والله لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : إني محتاج وعلي عيال ولي حاجة شديدة ، قال : فخليت عنه ، فأصبحت فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أبا هريرة ما فعل أسيرك البارحة " . قال : قلت : يا رسول الله ، شكا حاجة شديدة ، وعيالا فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه قد كذبك ، وسيعود " . فعرفت أنه سيعود ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنه سيعود ) . فرصدته ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : دعني فإني محتاج وعلي عيال ، لا أعود ، فرحمته فخليت سبيله ، فأصبحت فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا أباهريرة ما فعل أسيرك " . قلت : يا رسول الله شكا حاجة شديدة وعيالا ، فرحمته فخليت سبيله ، قال : " أما إنه كذبك ، وسيعود " . فرصدته الثالثة ، فجاء يحثو من الطعام ، فأخذته فقلت : لأرفعنك إلى رسول الله ، وهذا آخر ثلاث مرات تزعم لا تعود ، ثم تعود ، قال : دعني أعلمك كلمات ينفعك الله بها ، قلت ما هو ؟ قال : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي : ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) ، حتى تختم الآية ، فإنك لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربنك شيطان حتى تصبح ، فخليت سبيله فأصبحت ، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما فعل أسيرك البارحة " . قلت : يا رسول الله ، زعم أنه يعلمني كلمات ينفعني الله بها فخليت سبيله ، قال :" ما هي؟ ". قلت : قال لي : إذا أويت إلى فراشك ، فاقرأ آية الكرسي من أولها حتى تختم : { الله لا إله إلا هو الحي القيوم } . وقال لي : لن يزال عليك من الله حافظ ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح - وكانوا أحرص شيء على الخير - فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أما إنه قد صدقك وهو كذوب ، تعلم من تخاطب منذ ثلاث ليال يا أبا هريرة " . قال : لا ، قال : " ذاك شيطان " ،(رواه البخاري).

وأخبر أبي بن كعب رضي الله عنه أنه كان لهم جرين فيه تمر وكان مما يتعاهد فيجده ينقص فحرسه ذات ليلة فإذا هو بدابة كهيئة الغلام المحتلم قال: فسلم فرد عليه السلام فقلت: ما أنت جن أم أنس؟ قال: جن. فقلت: ناولني يدك، فإذا يد كلب وشعر كلب فقلت: هذا خلق الجن؟ فقال: لقد علمت الجن أن ما فيهم من هو أشد مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة فأحببت أن أصيب من طعامك، فقلت ما الذي يحرزنا منكم( أي يقينا ويحفظنا)؟ قال: هذه الآية آية الكرسي قال: فتركته ، وغدا أبي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره ، فقال: " صدق الخبيث".( المنذري في الترغيب والترهيب بإسناد حسن).

ثالثا : قراءة المعوذات:

فقد روى النسائي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ من عين الجان ، وعين الإنس ، فلما نزلت المعوذتان ، أخذ بهما ، وترك ما سوى ذلك". ( صححه الألباني).

وروى مسلم عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال:قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألم تر آيات أنزلت الليلة لم ير مثلهن قط ؟ قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس".

وعنه رضي الله عنه قال: بينا أنا أسير مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الجحفة والأبواء إذ غشيتنا ريح وظلمة شديدة ، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ ب

(أعوذ برب الفلق ) و ( أعوذ برب الناس ) ويقول :"يا عقبة تعوذ بهما ؛ فما تعوذ متعوذ بمثلهما" قال: وسمعته يؤمنا بهما في الصلاة.(رواه أبو داود ، وصححه الألباني).
نكمل الحديث حول أسباب أخرى ومنها:

أولا:المحافظة على الأذكار:

فمما لا شك فيه أن ذكر الله عز وجل من أعظم أسباب الوقاية من الشياطين ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما: الشيطان جاثم على قلب ابن آدم ، فإذا سها وغفل وسوس ، وإذا ذكر الله خنس.

وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: قال بعض السلف:إذا تمكن الذكر من القلب فإن دنا منه الشيطان صرعه كما يصرع الإنسان إذا دنا منه الشيطان ، فيجتمع عليه الشياطين فيقولون:ما لهذا؟فيقال: قد مسَّه الإنسي!.

وفي الحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة خطيئة ، وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه ".

وهكذا بقية الأذكار فإذا خرج المسلم من بيته فذكر الله بما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من قال إذا خرج من بيته: بسم الله، توكلت على الله، لا حول ولا قوة إلا بالله، يقال له حينئذ: كفيت ووقيت وهديت، فتنحى له الشيطان، فيقول شيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي" .(رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن).وهكذا الذكر عند دخول البيت وعند الطعام فإن العبد إذا فعل ذلك قال الشيطان لأصحابه: "لا مبيت لكم ولا عشاء".

ثانيا: قراءة سورة البقرة:

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا: " إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة". ( رواه مسلم). وقال صلى الله عليه وسلم: "...اقرأوا سورة البقرة فإن أخذها بركة ، وتركها حسرة ، ولا تستطيعها البطلة".( رواه مسلم ).

وفي سورة البقرة الآيتان الأخيرتان اللتان قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: " الآيتان الأخيرتان من سورة البقرة من قرأ بهما في ليلة كفتاه".(رواه البخاري ومسلم ).

ثالثا: تعويذ الصبيان ، وجمعهم قبل الغروب:

فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين رضي الله عنهما بهذا الذكر:" أعوذ بكلمات التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة.ثم يقول : إن أباكم إبراهيم كان يعوذ بها إسماعيل وإسحاق".( البخاري).

كما كان يوصي بجمع الأولاد عند الغروب ؛ لأنه وقت انتشار الشياطين، فعن جابر رضي الله عنه قال:قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"لا ترسلوا فواشيكم وصبيانكم إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء. فإن الشياطين تنبعث إذا غابت الشمس حتى تذهب فحمة العشاء". ( رواه مسلم).( الفواشي كل منتشر من المال كالإبل والغنم وسائر البهائم وغيرها ، وفحمة العشاء ظلمتها وسوادها ).

رابعا:الإخلاص والتوكل على الله:

من أعظم أسباب حفظ الله للعبد من الشياطين توكل العباد على ربهم وإخلاصهم له سبحانه وتعالى،أما التوكل عليه عز وجل فإنه يعني صدق اعتماد القلب على الرب في جلب المنافع ودفع المضار،وقد قال الله تبارك وتعالى مبينا أثر التوكل في الحفظ من الشيطان: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (النحل:99).

وأما الإخلاص لله تعالى فإنه يعني أن يقصد العبد بعمله وجه الله تعالى وثوابه والدار الآخرة ، ولا يرجو بعمله رياء ولا أن يسمع الناس به ولا أن يتحدثوا عنه وعن فضائله ، وهو بهذا المعنى مفتاح كل خير وبالإضافة إلى هذا فإنه من أعظم أسباب النجاة من مكائد الشيطان ، كما قال الله تعالى مخبرا عن قول إبليس لعنه الله : (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ . إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) . (صّ:82-83).

نسأل الله الكريم بمنه أن يوفقنا وإياكم والمسلمين لكل خير ، وأن يجنبنا كل مكروه وسوء وفتنة ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #864
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 03:38 AM
Parent: #787

مجالس الصالحين
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين ، وبعد:

فإن الإنسان كما يقولون مدني بطبعه ، ولابد له من مخالطة الناس ، فإذا كان الأمر كذلك وكانت مخالطة الناس أمرا لابد منه فالأجدر بالعبد أن يختار الصحبة الطيبة التي يقضي معها وقته في مجالسه ورحلاته وسفراته ، وقد نبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطورة هؤلاء الذين نصاحبهم ونجالسهم حين قال: " مثل الجليس الصالح والسوء ، كحامل المسك ونافخ الكير ، فحامل المسك : إما أن يحذيك ، وإما أن تبتاع منه ، وإما أن تجد منه ريحا طيبة ، ونافخ الكير : إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد ريحا خبيثة ". ( رواه البخاري ).

وإن نظرة واحدة على مجالسنا اليوم تبعث في النفس الأسى لما آل إليه حالنا حيث تنتشر الغيبة واللغو والباطل وغير ذلك من المظاهر الفارغة ويزداد الأسى حين تقارن هذه المجالس بمجالس الصالحين والتي سنعرض لنماذج منها في مقالنا هذا.

الصحابة أكابر الصالحين

لقد اختار الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم- أفضل الأصحاب،فهم أفضل الأمة، وأبرها قلوباً، وأعمقها علماً، وأقلها تكلفاً، اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه، والجهاد في سبيله؛ لنشر الإسلام.

هم فوقنا في كل علم وفقه ودين وهدى، ورأيهم لنا خير من رأينا لأنفسنا، وإذا كان أحدهم يرى الرأي فينزل القرآن بموافقة رأيه، فإن رأيه صادر من قلب ممتلئ نوراً وإيماناً وحكمة وعلماً ومعرفة وفهماً.

هؤلاء الصالحون أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت لهم مجالس، لكنها مجالس عامرة بالإيمان والخير، قال فضيل بن غزوان: كنا نجلس أنا ومغيرة نتذاكر الفقه، فربما لم نقم حتى نسمع النداء بصلاة الفجر. وكانوا يجتمعون فيأمرون أحدهم أن يقرأ عليهم القرآن، اجتمعوا فقال عمر -رضي الله عنه-: يا أبا موسى ذكّرنا ربنا، فقرأ وهم يستمعون.

وكان الواحد منهم يقول للآخر ولمن معه: اجلسوا بنا نؤمن ساعة، وصلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه التطوع في جماعة مرات، وخرج على الصحابة من أهل الصفة وفيهم قارئ يقرأ، فجلس معهم يستمع.

فعن جابر -رضي الله عنه- قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نقرأ القرآن، وفينا العربي والأعجمي، فقال: "اقرءوا فكل حسن، وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلون".( رواه أبو داود،وصححه الألباني ).

وكان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا جلسوا يتذاكرون، فإنهم يذكرون ما بعد الموت، والآخرة، فعن حذيفة بن أسيد الغفاري قال: اطلع النبي -صلى الله عليه وسلم- علينا ونحن نتذاكر، فقال: "ما تذاكرون؟ قالوا: نذكر الساعة، ثم ذكر لهم علاماتها" (رواه مسلم).

هكذا كانت مجالسهم يتذاكرون الخير وأحكام الآخرة، وأمور الدين والإيمان، وكانوا يستعدون بما يتذاكرون للفتن، فعن أبي سعيد قال: "خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتذاكر المسيح الدجال، فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قلنا: بلى، فقال: الشرك الخفي: أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل". ( رواه ابن ماجه،وحسنه الألباني ).

كان جلوسهم للفقه في الأعمال، ومعرفة ما هو الأقرب إلى الله، فعن عبد الله بن سلام قال: قعدنا نفر من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فتذاكرنا فقلنا: لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله لعملناه" حديث صحيح( المستدرك:2384).

وهكذا كانوا يجلسون فيتذاكرون: مَن هؤلاء أهل الجنة؟ ما هي صفاتهم؟.

روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى، قال:آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك، قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقل عنه حديثا مني ، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه فقال: "ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومَنَّ علينا بك. قال: آلله ما أجلسكم إلا ذاك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذاك. قال: أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل فاخبرني ان الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة".

هكذا كانت مجالسهم ، ولا يمنع أن يكون في بعض مجالسهم شيء من الشعر، وأيام العرب، وأمور الجاهلية، والذكريات القديمة، لكنه ليس حديثاً محرماً ولا مُسفّاً، فقد روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: لم يكن أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متحزقين (أي: منقبضين) ولا متماوتين، وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، (فليسوا أصحاب كآبة، وإنما كانت فيهم حيوية، وكان فيهم نشاط)، قال: وكانوا يتناشدون الشعر في مجالسهم، ويذكرون أمر جاهليتهم، فإذا أريد أحد منهم على شيء من أمر الله (أي معصية) دارت حماليق عينيه كأنه مجنون".(حسنه الألباني في صحيح الأدب المفرد).

فلا يرضى الواحد منهم بالمنكر، ولا يمكن أن يشترك فيه، وإذا رأى أمامه منكرا، أو دُعي إلى منكر فهكذا يكون حاله.

أمام البيوت

إن كثيرا من الصحابة ما كانت لهم داخل بيوتهم أماكن للجلوس، فكانوا يجلسون في أفنيتها وعلى حافة الطريق.

قال أبو طلحة: كنا قعوداً بالأفنية نتحدث، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقام علينا، فقال: "ما لكم ولمجالس الصعدات؟ (أي: الطرقات)، اجتنبوا مجالس الصعدات (وذلك لأن الجلوس فيها قد يضيق الطريق، ويكون فيه من إطلاق البصر ما فيه، إلى غير ذلك من الآفات)، فقلنا: إنما قعدنا لغير ما بأس، قعدنا نتذاكر ونتحدث، (أي: في أمر القرآن والوحي، وأمر الفقه والأحكام، وأمر الآخرة وتذكر ما فيها)، قال: "إما لا، فأدوا حقها، (أما إذا أبيتم إلا هذا ولم يكن عندكم غيره فأدوا حق الطريق)، قال: غض البصر ورد السلام وحسن الكلام". رواه مسلم.

فكانوا يضطرون للجلوس فيها، لكن لأي شيء؟ لأجل أن يتذاكروا؛ ولأجل أن يتفقهوا ويتدارسوا، وهكذا كانوا.

وإذا حصل منهم في مجلس شيء من الخوض في قضية لا يصلح الخوض فيها، أو لا بد لها من ضوابط، كان التذكير النبوي يأتي.

فعن أبي هريرة قال: خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نتنازع في القدر، (أي: نتباحث في شأنه)، فغضب حتى احمر وجهه حتى كأنما فقئ في وجهه الرمان، (من شدة الغضب)، فقال:" أبهذا أمرتم، أم بهذا أرسلت إليكم؟ إنما هلك من كان قبلكم حين تنازعوا في هذا الأمر، عزمت عليكم ألا تتنازعوا فيه". رواه الترمذي، و حسنه الألباني.

فالدخول في القدر إذا كان بعلم وفقه فلا بأس به، وإذا كان جدالاً ونقاشاً بلا حجة، ولا بيان، فيُنهى الإنسان عنه، وكذلك فإن بعض مجالس أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- كان فيها شيء من شكوى الحال بين بعضهم البعض، قال أبو الدرداء : خرج علينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، وفي رواية كنا نتذاكر الدنيا وهمومها ونخشى الفقر، فقال -صلى الله عليه وسلم- لهم: "ألفقر تخافون؟ والذي نفسي بيده لتُصَبن عليكم الدنيا صباً حتى لا يزيغ قلبَ أحدكم إزاغةً إلا هي ،وايم الله لقد تركتم على مثل البيضاء ليلة ونهارها سواء". (رواه ابن ماجة، وحسنه الألباني ) وفي هذا بشارة من النبي -صلى الله عليه وسلم- للأمة بأن الله سيغنيها من فقرها، ولكنه حذرهم من فتنة الغنى؛ لأن حب الدنيا يزيغ القلوب بعد استقامتها، ويضلها بعد هداها، وتكون الفتنة، ولذلك لم يكن يخشى عليهم الفقر وإنما كان يخشى عليهم فتنة الغنى، هذا بعض ما كان في مجالس أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم.

فكيف هي مجالس اليوم؟

هذه حال مجالس أصحاب محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام، فما هي حال مجالسنا نحن اليوم؟ كم فيها من الدين، وكم فيها من الدنيا؟، كم في مجالسنا من الطاعة، وكم فيها من العصيان؟، كم يطغى عليها من أخبار الدنيا، وتجارة الدنيا، وأمور البيع والشراء، والبضائع والأسعار، والمحلات، والخدمات؟، وهكذا يدور أصحاب كل همٍ إذا اجتمعوا في همهم الدنيوي، فمجالس الموظفين، ومجالس الطلاب، ومجالس التجار، ومجالس الأطباء، ومجالس النساء، إذا ارتقت تكلموا فيما يعملونه بالنهار، وأما مجالس نسائنا فكثيرا ما تكون مشغولة بالأزياء، والموضات، والأكلات، والحفلات، وحال الأسواق والمحلات، هل مجالسنا عامرة بذكر الله؟ هل تُطرح فيها قضايا العلم والفقه؟ هل يحصل فيها التذاكر لأمور الآخرة؟ هل يكون فيها شيء من معاني القرآن والسنة؟ أم أن فيها أمور من الغيبة، والنميمة، ونهش الأعراض، والتفكه بلحوم الخلق، مهاترات، مماراة، جدال، مجاملات، ومداهنات باطلة، بل قد لا تسلم من شيء من الانتقاص، أو الاستهزاء ببعض أمور الدين، وذلك أمرٌ خطيرُ جداً، اعتداء على الخلق، وانتقاص، وازدراء، واحتقار، واستهزاء، أين تلك المجالس التي كان يجلس فيها أولئك الصحابة، فيعمرونها بالعلم والإيمان؟ "ما اجتمع قوم في مجلس فتفرقوا ولم يذكروا الله -عز وجل-، ويصلوا على النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا كان مجلسهم ترةً عليهم يوم القيامة" (أي: حسرة) (رواه أحمد بسند صحيح)، "وما اجتمع قومٌُ على ذكر فتفرقوا إلا قيل لهم: قوموا مغفور لكم"مسند أحمد(12453)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (2/98)، وقال: صحيح لغيره.

فالقرآن ذكرٌ، والسنة ذكرٌ، والفقه ذكرٌ، وأمور الآخرة ذكرٌ، وهكذا، أمور الدعوة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أمور تقويم المجتمع والمحافظة على الأسرة إسلامية، أمور تربية النفس وتربية الأولاد ، أمور التفقه في الحلال والحرام، أمور القيام بتبليغ الإسلام، وهكذا يُذَكّر الناس بأبواب الصدقات، وأيضاً يُجالس المسلم قوماً يلتقطون له طيب الكلام كما يُلتقط طيب الثمر، فإذا كان أصحابك من الأخيار كان مجلسك كذلك.

المجالس الإلكترونية

يا مسلمون: هذه مجالسنا الالكترونية اليوم التي طغت على المجالس الوجاهية الحضورية الاجتماعية، فصار الناس يجالس بعضهم بعضاً عبر الشاشات: محادثات، مجموعات، منتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، فماذا يحدث فيها؟ ما هي موضوعات المجالس الإلكترونية؟ يقولون: دردشات، ثم تنظر فيها، فإذا فيها من أمور الجنس ما لا يمكن أن يتحمله من عنده حياء، ثم فيها أمور من إشاعة الفاحشة، وربما تذكر بعض أذكار الخلاء إذا اطلعت على بعض ما فيها، وهذه المجالسة للطرف الآخر، سواء كان أمامك مباشرة، أو خلف شاشته، فإنها تؤثر في النفس بل هي مجلس ولو كان على البعد.

هذه المجالس الإلكترونية لها اليوم آثار كبيرة، وخطيرة، كان السلف يلتمسون مجالس العلم، مجالس الحديث، وللمجالس آداب، فهاهنا التماس مجلس الرجل الصالح وصاحب العلم، عن علقمة قال: قدمت الشام فصليت ركعتين ثم قلت: اللهم يسر لي جليساً صالحا، فأتيت قوماً فجلست إليهم، فإذا شيخ قد جاء حتى جلس إلى جنبي، قلت: مَن هذا؟ قالوا: أبو الدرداء قال علقمة ـ وهو تابعي ـ فقلت: إني دعوت الله أن ييسر لي جليساً صالحا، فيسرك لي. وقال حريث بن قبيصة: "قدمت المدينة فقلت: اللهم يسر لي جليس صالحاً، قال: فجلست إلى أبي هريرة".

إذاً: كان هناك دعاء يلتمس فيه هذا من ربه أن ييسر له جليسا صالحاً: صاحب علم، صاحب دين، يُذكّر، ينصح، وهكذا مجالس الصالحين والأخيار، يوقَّر فيها الكبير ، ويُرحم الصغير، ويُغض من الصوت، ويقال فيه الكلمة الطيبة، والمجالس بالأمانة، فلا تفشى فيها الأسرار، ولا يتناجى اثنان فيها دون الثالث، وفيها تلك الكفارة العظيمة إذا قاموا من مجلسهم: "سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك".

فيها التفسح للداخل، والتزكية، والتهذيب، والتربية وغيرها من فوائد مجالس الصالحين ، نسأل الله أن يجعل مجالسنا عامرة بذكره ، وأن تكون في موازين حسناتنا يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

اللهم اجعل مجالسنا عامرة بذكرك، اللهم ارزقنا مجالسة الأخيار، وباعد بيننا وبين الأشرار.
إسلام ويب

Post: #865
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 04:18 AM
Parent: #787

أتبع السيئة الحسنة تمحها
تكلمنا في مقال سابق عن سعة رحمة رب العالمين ومحبته جل وعلا للعفو والمغفرة، وأن من أسمائه سبحانه الغفور والغفار والغافر ، وذكرنا أن أولى الناس بهذا العفو والمغفرة من تعرض لأسبابها ونبدأ الحديث عن بعض أسباب المغفرة، ومن أهم هذه الأسباب:

فعل الحسنة بعد السيئة

إن الخطأ والوقوع في بعض المعاصي لا يكاد يسلم منه أحد ، وإن كان الناس يتفاوتون بين مقل ومستكثر.وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:" والذي نفسي بيده لو لم تخطئوا لجاء الله عز وجل بقوم يخطئون ثم يستغفرون فيغفر لهم".

وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أنه قد أصاب من امرأة قبلة، فأنزل الله قوله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ){هود:114} ، إنها منة عظيمة من الله على هذه الأمة أن جعل حسنات بنيها تكفر سيئاتهم: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ . أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) (آل عمران: 135ـ 136 )

، وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى حين قال لمعاذ بن جبل رضي الله عنه: " وأتبع الحسنة السيئة تمحها".

إن الذنوب يا أيها الأحبة الكرام توبق العبد وتهلكه ، والنجاة منها التعرض لأسباب المغفرة...ومنها فعل الحسنة بعد السيئة ، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى وجلاه ووضحه حين قال: " إن مثل الذي يعمل السيئات ثم يعمل الحسنات كمثل رجل كانت عليه درع ضيقة، قد خنقته، ثم عمل حسنة فانفكت حَلْقة، ثم عمل أخرى فانفكت حلقة أخرى، حتى يخرج إلى الأرض".

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فجاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه عليّ، ولم يسأله النبي صلى الله عليه وسلم، فحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال ـ أي الرجل ـ : يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيّ كتاب الله، فقال صلى الله عليه وسلم: "أليس قد صليت معنا؟" قال: بلى. قال: " فإن الله قد غفر ذنبك".

كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "إن رجلا أذنب ذنبا , فقال : يا رب , إني أذنبت ذنبا فاغفره . فقال الله : عبدي عمل ذنبا , فعلم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال تبارك وتعالى : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي . ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره لي . فقال عز وجل : علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , قد غفرت لعبدي , ثم عمل ذنبا آخر فقال : رب , إني عملت ذنبا فاغفره . فقال عز وجل : عبدي علم أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به , أشهدكم أني قد غفرت لعبدي , فليعمل ما شاء".

لكن انتبه فهناك فرق كبير بين هذا الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم وبين المُصر، فهذا الرجل يجاهد نفسه على ترك المعاصي فإذا غلبته نفسه ووقع في المعصية ندم واستغفر وهكذا فهو دائم المجاهدة لنفسه وهواه ،والآخر المصر لا تبدو منه مجاهدة ولا يستغفر ولا يندم ، فالأول موعود بالمغفرة طالما كان على هذا الحال من المجاهدة والتوبة والاستغفار والندم.

لا تيأس من رحمة الله

فبعض الناس يقول: إنني أسوا من أن يغفر الله لي ، فيترك التوبة والندم ويستمر على المعاصي والفجور بزعم أنه لا يغفر له ،وهذا اليأس والقنوط من رحمة رب العالمين هو الذي يود الشيطان لو ظفر به من بني آدم.

أتدري أيها الحبيب أن الشيطان قد بكى حين نزل قوله تعالى:

( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ){آل عمران:135}

ألا تعلم أن اليأس في ديننا منهي عنه : (وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا القَوْمُ الكَافِرُونَ){يوسف:87} أتعلم أن الله غفر لبغي من بغايا بني إسرائيل لما سقت كلبا قد اشتد عطشه؟.
أتدري أيها الحبيب أن الشيطان يشتد حزنه حين يراك تائبا نادما؟.

أتعلم أن الله من محبته للمغفرة لم يعدك فقط مغفرة ذنوبك، إنما وعدك أن يبدلها حسنات..

( وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) {الفرقان:68ـ 70}

نصح علي بن أبي طالب من سأله عمن و قع في ذنب فقال: يستغفر الله ويتوب. قال: فإن عاد؟ قال: يتوب...قال حتى متى؟ قال: حتى يكون الشيطان هو المحسور.

وهذا وصية الرسول صلى الله عليه وسلم لي ولك وللأمة كلها:

" إذا أسأت فأحسن".

"إذا عملت سيئة فأتبعها حسنة تمحها".

نسأل الله مغفرة ذنوبنا والتجاوز عن سيئاتنا ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #866
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 04:30 AM
Parent: #787

ربكم يحب المغفرة
من أسماء الله تعالى: الغفور ـ الغفار ـ الغافر.

وأصل الغَفْر التغطية والستر، وهو في حق الله عز وجل أن يستر على عبده فلا يفضحه بذنبه، ويكثر ويزيد عفوه على مؤاخذته، وقد أنزل الله في كتابه آيات تتلى تبين للعباد أنه سبحانه يحب المغفرة:

[نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الحجر:49} ، [وَرَبُّكَ الغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ العَذَابَ] {الكهف:58} ، [غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقَابِ ذِي الطَّوْلِ] {غافر:3}، وقال نوح عليه السلام لقومه: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا] {نوح:10} ، إنه الله الذي لم يزل ولا يزال بالعفو معروفا، وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا، وكل أحد فقير إلى عفوه ومغفرته، كما أن كل أحد فقير إلى رحمته سبحانه وكرمه.

ومع كمال غناه وفقر عباده إليه، فإنه ينادي عليهم صباح مساء:(... يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] {الزُّمر:53} ،

إنه الله الذي لا تنفعه طاعة الطائعين ولا تضره معصية العاصين، ومع ذلك يعفو ويغفر يستر ويرحم،بل رحمته ومغفرته واسعة.

[إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ المَغْفِرَةِ] {النَّجم:32}، [وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ] {الأعراف:156}، بل من حبه لرحمة العباد كتب كتاب الرحمة بيده،كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: " كتب ربكم على نفسه بيده قبل أن يخلق الخلق، رحمتي سبقت غضبي" صحيح.

وكما قال: " لما قضى الله الخلق، كتب في كتاب، فهو عنده فوق العرش: إن رحمتي سبقت غضبي". فلا ينبغي أن ييأس أحد من مغفرة الله تعالى لذنوبه وإن عظمت ، فإن الله يحب المغفرة ؛ قال عليه الصلاة والسلام : " إن الشيطان قال وعزتك يا رب لا أبرح أغوى عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، فقال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" رواه أحمد وغيره وصححه الألباني.

إن مغفرة ذنب واحد خير من الدنيا وما فيها:

وقد بين الله تعالى هذا المعنى في قوله تعالى: (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) {آل عمران:157}.

إنها مغفرة العزيز الغني:

إن مما لا شك فيه أن مغفرة الله تعالى لعباده ليست ناتجة عن عجز أو فقر أو حاجة تعالى الله عن ذلك كله بل الله تعالى هو الغني العزيز ذو القوة والجبروت ، ولهذا ورد في القرآن اقتران اسميه سبحانه العزيز والغفور ، كما ورد اقتران العزيز والغفار في بعض الآيات من نحو قوله تعالى:

[إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ] {فاطر:28}، [أَلَا هُوَ العَزِيزُ الغَفَّارُ] {الزُّمر:5}، [رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا العَزِيزُ الغَفَّارُ] {ص:66}، فليست مغفرته تعالى لعباده لعلة، ولا لحاجة، ولا لاستحقاق، إنما محض فضل وجود وإنعام.

سؤال الله المغفرة هي دعوة الأنبياء:

فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يسأل ربه المغفرة في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة ، ولما سألته أمنا عائشة رضي الله عنها إن أدركتها ليلة القدر ما تقول فيها ، قال : قولي : "اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني".

دعانا للتعرض لأسباب المغفرة:

إن ربنا تبارك وتعالى يغفر لمن يشاء من عباده الذين لا يشركون به ول بغير أسباب كما قال تعالى: (إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) {النساء:48}، لكنه مع ذلك دعا عباده للتعرض لأسباب المغفرة ، وبين لهم أن أولى الناس بمغفرة ربه هم أولئك الفطناء الذين أخذوا بأسباب المغفرة ، وفي بيان ذلك يقول ربي تبارك وتعالى:

[وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى] {طه:82}

ففي الآية بيان لبعض أسباب المغفرة ووعد من الله تعالى لمن تعرض لهذه الأسباب أن يغفر الله له.

كما بين ذلك أيضا في مواضع أخرى من كتابه فقال: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا. يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً. إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) {الفرقان: 68ـ 70}

وقال الله عز وجل: (إِلَّا مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْنًا بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) {النمل:11}

إن التعرض لأسباب المغفرة لهو من أقصر السبل لنيل الجنة:

كما بين الله تعالى ذلك في كتابه الكريم فقال:(وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) {آل عمران:133}.

فهيا بنا أيها الأحبة نتعرض لأسباب المغفرة ـ التي سنتحدث في مقالات قادمة عن بعضها ـ ولتهتف قلوبنا قبل ألسنتنا مع هذا الذي استشعر سعة رحمة ربه تعالى:

لي في نـــوالك يـا مــولاي آمــــال من حيث لا ينفع الأهلون والمـال

ولم يضق بي منك العفـو إن ختمت لي بالشــهـادة أقـــــوال وأفعــــال

كن لي إذا أغمضوا عيني وانصرفوا باكين أسـمـع منهــم كل مـا قالـوا

وامنن بــــروح وريحـــان عليَّ إذا ضاق الخناق فهول الموت أهوال

واسـتـخرج النفسَ أمــلاكٌ مطهرة لهـا إلى لـطفك المأمـــول تـرحال

أصبحت بين يديك اليوم منطرحـا ولي بنفسي عـن الأغيـار أشغـال

فأولني يا غفـــور العفوَ مـنك فـلا يبقـى عـلـيَّ مـن الأوزار مـثـقال
اسلام ويب

Post: #867
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-11-2015, 04:32 AM
Parent: #787

أنتم الفقراء إلى الله
إن الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى من العبادات القلبية العظيمة التي لا بد أن يستحضرها المؤمن امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى لعباده، حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15)

فالعبد ينبغي أن يكون مفتقرا إلى الله تعالى، لا إلى أحد من الناس، ولا إلى شيء من الدنيا، فهو قد نفض يديه من الدنيا، فلا يطمع ولا ينافس فيها، ولا يتعلق قلبه بها، لأنه مفتقر على الله وحده لا شريك له، وأكثر الناس قد افتقروا إلى الدنيا، إلى شهواتها ولذاتها، لا يفترون عنها، منهم من افتقر إلى المال، ومنهم من افتقر إلى الجاه، وعامة الناس، يفتقرون إلى الأهلين والأصحاب، ويضحون من أجلهم بدينهم في كثير من الأحيان.
كما قال إبراهيم عليه السلام، قال الله تعالى عنه: (وَقَالَ إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُ بَعْضُكُمْ بِبَعْضٍ وَيَلْعَنُ بَعْضُكُمْ بَعْضاً وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ) (العنكبوت:25)

،فهم كما قال الله تعالى: (فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلَّا كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِنَّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ) (هود:109).

فكثير من الناس يبيع ما فطره الله عليه من التوحيد لأجل ألا يفقد الروابط الاجتماعية، فهو مفتقر إلى هذه الروابط أشد من افتقاره إلى الله تعالى، ولذا كان الفقر إلى الله يستلزم نفض اليدين من الدنيا بأنواع الشهوات التي فيها: النساء والمال والجاه والعلاقات الاجتماعية والمساكن و التجارة التي يخشى كسادها وغير ذلك من متاع الدنيا، ونفض اليدين يكون بالتخلص من البخل ومن الحرص، فلا يبخل بها إذا وجدت، ولا يحرص عليها إذا فقدت، أما إن كان يتطلع إليها ويريد أخذ المزيد منها، فهو لم يتخلص منها، وأكثر الناس فقراء لكونهم متطلعين ، فقد يجمعون بين الفقر من جهة فقد الدنيا من أيديهم، وبين الفقر من جهة طلب الدنيا، فهم فقراء من الدنيا وإلى الدنيا، فقد ضاع منهم الأمران فلم يتمتعوا بشهواتها؛ لأنها مفقودة، وهذا الفقد أمر طبيعي أصلي؛ لأن الشهوات لا تتسع لينالها كل أحد، فالمُلْك مثلا لا يناله إلا آحاد الناس، فلا يمكن أن يكون هناك مَلك في كل بقعة، أو أن يكون كل إنسان مَلكا، وكذلك الغِنى، فالمال لا يكون في يد أكثر الناس، فالفقر أكثر من الغنى، والجاه مثله، فهذه أمور لا يستمتع أكثر الناس بشهواتهم فيها، ولكن المصيبة أنهم يحرمون تخلُّصَ قلوبهم منها، فيظلون متعلقين بها، يجرون وراءها وهم محرومون، ومن وُجدت في يده ولم ينفُضْ قلبَه منها، فهو يتطلع إلى المزيد، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب"، وفي الرواية الأخرى: " لو أن لابن آدم واديا من مال؛ لابتغى إليه ثانيا، ولو كان له ثان؛ لابتغى إليه ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب، ويتوب الله على من تاب".

صفة المفتقر إلى الله:

لكي يكون الإنسان مفتقرا إلى الله وحده لا شريك له ، لا بد أن يكون غافلا بقلبه عن قدر الدنيا، غير ملتفت إليها، فإنما قيمتها عنده كما أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم : " كجَدْيٍ أَسَكّ"، أي: مقطوع الأذنين " ميت " ولذلك هو يسلم منها طلبا وتركا، يسلم من أن يطلبها، فهو سالم منها؛ لأنه يراها لا تساوي، ولا تستحق المنافسة، وإذا تركها لم يشعر أنه ضحى بشيء ذي قيمة ، فهذه رؤية مطلوبة لازمة للإنسان؛ لأن الله تعالى قال: (اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرّاً ثُمَّ يَكُونُ حُطَاماً وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (الحديد:20)

فالمؤمن سلم منها طلبا، فلا ينافس في عزّها، ولا يجزع من ذلها، ولا يأسى على ما فاته منها، ولا يفرح بما آتاه الله منها فرح العجب والغرور ونسبة الكمال للنفس ونسبة تحصيل الدنيا بنفسه، كمن قال : " إنما أوتيته على علم عندي"، وكمن قال : " هذا لي"، وكمن قال: " أنا أكثر منك مالا وأعز نفرا".

فهذه الألفاظ صدرت عن أناس وصلوا إلى الكفر بسبب هذا الفرح بالدنيا والعجب بها، أما المؤمن فإنه يفرح برحمة الله، يفرح بالله تعالى ويستغني به عز وجل، وهو عين الافتقار إليه، فهذه عبادات قلبية ضرورية ، الافتقار إلى الله والغنى به عن الخلق سبحانه وتعالى والفرح به تعالى ، فيجب أن تفرح بفضل الله وبرحمته وتفرح بنعمة الإسلام، وهو في الحقيقة سبب الاستغناء عن الخلق، و الافتقار إلى الله تعالى.
فالغرض المقصود أن يسلم الإنسان من الدنيا طلبا وتركا فلا ينافس فيها، فهو لم يبخل ولم يتطلع ولم ينافس، وعندما تركها لم يعظم تركها، لم يقل: أنا تركت شيئا غاليا، فهو يسلم منها حين يتركها.

الفقر إلى الإلهية:

ومن الافتقار إلى الله عز وجل أيضا الافتقار إليه في إلهيته سبحانه وتعالى أي: في التوفيق إلى الأعمال الصالحة، وهو الافتقار إليه في أمر الهداية وعدم حصول العُجب، كما عند أهل الدنيا، فأهل الدنيا يحصل لهم عجب وكبر وغرور بسبب حصول الدنيا، وأما أهل الدين فيدخل الشطيان إليهم مدخلا آخر؛ فهم يتمدحون بالجهاد، وبالكرم، وبالدعوة، وبالقراءة، وبأنواع المدائح الشرعية، فالعبد المؤمن مفتقر إلى الله تعالى، في عبادته ويعرف أن منازله التي يحصلها والعبادات التي يوفق لها هي محض توفيقه عز وجل ومنة منه تعالى، فيفتقر إلى الله في الهداية، لذلك يقول: " اهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين أنعمت عليهم".

فهو يشهد نعمة الله عليه وعلى غيره، ويسأله الهداية ليل نهار، ويعلم أن التوفيق من عند الله تعالى وأنه لا يثبت على الخير بنفسه، بل يثبته الله عز وجل مقلب القلوب ومصرف القلوب سبحانه وتعالى، فهو لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا في أمر الدين، كما لم يملكه في أمر الدنيا، فيزول من قلبه إعجاب النفس بالأحوال والمقامات، ونسبة هذه الأعمال إلى نفسه والتمدح بها، فهذه الأمور في حقيقتها من الدنيا لكنها مغلفة بستار الدين، فطلب المدح بها أو طلب التعالي بها موجود عند أهل الطاعات كما هو موجود عند أهل الدنيا بالدنيا.

فالمؤمن يشهد فقره إلى الله تعالى إلها معبودا، وأن الله عز وجل هو الذي سبق فضله إليه كل شيء.

فما كان به من خير فمن الله، فهو لم يتغير حاله إلى الطاعة وإلى الإيمان وإلى الحب وإلى الخوف وإلى الرجاء وإلى التوكل وإلى الافتقار وإلى الصلاة والزكاة والصيام والحج والعمرة بنفسه، ولم يوفق إلى ذلك بنفسه إلا أن هداه الله، كأهل الجنة الذين يقولون:( الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله). وهذا يحصل بأن يراجع ويطالع سبق فضل الله سبحانه وتعالى عليه بكل سبب ومنّة، وأنه كان عدما محضا، فهيأ الله له في ذلك العدم أسباب الطاعات، ورقاه إلى أهل المنازل العالية والمناصب السامية، فلم يتعال على الناس بعلمه ولا بعمله ولا بزهده، فمن فقد هذا الفقر إلى الإلهية مَرِض أمراضا أخطر من أمراض أهل الغنى بالدنيا، فمن يرى نفسه في منزلة فوق الناس بعلمه أو عمله أو جهاده، ويطلب مدحهم على ذلك، فهو من أول من تسعر بهم النار.

وتنبع هذه الأمراض من رؤية الإنسان لنفسه في هذه الأعمال، فلو تخلص منها، وافتقر إلى الله فيها، وشهد أن هذا ليس من نفسه بل بتوفيق الله تعالى؛ فلن يطالع نفسه في مقام فوق الناس، ولن يرى لنفسه فضلا على الخلق، ولن يرى لنفسه تفضلا على أحد، فلا يمن عليهم بعلمه أو بعمله.

ومن الافتقار إلى ربه سبحانه وتعالى إلها أن يشهد نفسه بغير قدرة على الطاعات ولا قوة إلا بالله سبحانه وتعالى، وأنه مفتقر إلى أن يكون قريبا من الله سبحانه وتعالى في كل عباداته وأعماله، فبهذا يصل إلى شهود أن الأسباب مجرد أسباب يسرها الله عز وجل بما فيها الأعمال الصالحة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يُدخِلُ أحداً منكم عملُه الجنة" قيل: ولا أنت يا رسول الله؟ قال:" ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل"، فهذا مقام الافتقار إلى الله سبحانه وتعالى في كل شيء، حيث يرى الأسباب كلها ويرى نفسه ضعيفة، لا تؤثر شيئا إلا أن يجعلها الله كذلك، فيحقق حقيقة: " لا حول ولا قوة إلا بالله"، ويحقق حقيقة:" اهدنا الصراط المستقيم صراط الله الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين".

فإذا اكتمل له ذلك حقق كمال الافتقار إلى الله تعالى، فاستغنى به سبحانه وتعالى، فالغِنى عن الخلق هو عين الافتقار إلى الله تعالى، وهو غنى النفس وغنى القلب بالله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:" ليس الغِنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس"، وقال: " إنما الغنى غنى القلب، والفقر فقر القلب"، فالفقر إلى الدنيا يجعل العبد مستغنيا عن الله سبحانه وتعالى، فقيرا إلى غيره.

وهذا حال أكثر أهل الدنيا بمن يظهرون الدين، ويعملون الأعمال الصالحة لأجل الدنيا لا لأجل الدين، فأما من افتقر إلى الله سبحانه وتعالى فقد اقترب منه ، ومن اقترب أغناه الله تعالى، فهو يستغني بالله: بحبه عن حب من سواه، وبالخوف منه عن خوف من سواه، وبالرغبة فيما عنده عن الرغبة فيمن سواه، وبرجائه عن رجاء ما سواه، فيستغني بالله سبحانه وتعالى عن كل من دونه، ويغنيه الله تعالى بركعة أو بسجدة، أو بدعاء، أو بآية من آيات الله يتلوها، وكل ما يقربه إلى الله سبحانه وتعالى، فيستحضر معية الله تعالى في كل وقت، ويستحضر تدبير الله تعالى للكون في كل وقت، وذلك من شدة قربه من الله، أما من أخلد إلى الأرض فإنه يرى الدنيا كبيرة جدا، ويرى أسبابها عظيمة، فلا يرى إلا القوى الأرضية، وأما من علت نفسه واقترب من الله تعالى، فإنه لا يرى حركة لذرة في الكون إلا بأمر من الله: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ). (يّـس:82)

ولا يشهد ملكا إلا ملك الله تعالى، ولا يشهد غنى إلا غنى ربه سبحانه وتعالى، فيشهد كل شيء فقيرا لا يملك ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا، ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)(هود: من الآية56).
وهذا يدفعه دائما إلى أن يرجو لقاء الله: (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (العنكبوت:5).
هذا الذين يدفع من أطاع الله تعالى أن يطيعه، ومن جاهد في سبيله أن يجاهد؛ لأنه يستحضر نفسه في تلك الحال، يرجو لقاء الله سبحانه وتعالى، ويشتاق إلى الله عز وجل، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه سبحانه وتعالى: " وأسألك لذة النظر إلى وجهك، والشوق إلى لقائك".

فالافتقار والشوق إلى لقاء الله تعالى، لذة هي أعظم لذات الدنيا وهو رجاء لقاء الله سبحانه وتعالى، وهو الذي يدفع المؤمن ويحدوه إلى السير في الطريق مهما كانت العقبات.
د ياسر برهامي

Post: #868
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:05 AM
Parent: #867

التسويف والتباطؤ
أخي: أتذكر كم مرة عزمت على فعل خير ثم أجَّلت؟

كم مرة فكرت في قيام الليل ثم أرجأت؟

كم مرة داعبت أفكارَك التوبة ثم سوَّفت؟

كم مرة قالت لك نفسك: تصَدَّق، فقلت: غدا سوف أتصدق. وجاء الغد وتبعه آخر ولم تفعل؟

أتدري ـ أيها الحبيب ـ أن التسويف والتباطؤ من أعدى أعدائك حيث يكون أكثر ندم أهل النار من : سوف؟.

لأنهم كانوا يفكرون في فعل الخير، أو ترك المعاصي والمنكرات فأجلوا وسوفوا حتى نزل بهم الموت فندموا حيث لا ينفع الندم:( وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ) (سـبأ:54)

ولقد ذم الله التباطؤ والتسويف فقال:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً . وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً . وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً) (النساء: 71-73)

كما نبه الله المؤمنين إلى ضرورة وأهمية المبادرة بالأعمال الصالحة قبل حلول الأجل وهجوم سكرات الموت على العبد فقال:

(وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْساً إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) (المنافقون:10-11).



وقال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ. لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ). (المؤمنون: 99-100)

ونفس المعنى أكده رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال:

" بادروا بالأعمال الصالحة".

وقال:" اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".

من أسباب التباطؤ والتسويف:

1ـ ضعف الهمة والإرادة:

فبينما تجد صاحب الهمة العالية في شغل دائم ، مهموما بإصلاح نفسه ، ساعيا في اللحاق بركب المتقين، تجد ضعيف الهمة كسولا متراخيا، مؤجلا عمل اليوم إلى الغد.

ولعلك تعرف سر استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم من العجز والكسل إذ كان يردد كثيرا: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل"

2ـ صحبة البطّالين:

فالإنسان يتأثر بالبيئة المحيطة به، ويكون التأثير الأكبر لأصحابه المقربين، فإذا كانت هذه الصحبة بطالة تميل إلى الدعة والراحة تهمل أداء الواجبات، وتميل إلى الجرأة على المنكرات، فإن من يخالط هذه الصحبة سيتأثر بها ولا شك، ولعل هذا هو السر في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تصاحب إلا مؤمنا، ولا يأكل طعامك إلا تقي".

3ـ طول الأمل:

فإن طول الأمل ينسي العبد التفكر في أمر الآخرة والاستعداد لها وكما قيل: لولا طول الأمل ما وقع إهمال أصلا.

ولهذا كان الصالحون يستعيذون بالله من طول الأمل؛ لأنه يمنع صالح العمل.

ويقول ابن الجوزي رحمه الله:

يجب على من لا يدري متى يبغته الموت أن يكون مستعدا، ولا يغتر بالشباب، والصحة، فإن أقل من يموت الأشياخ، وأكثر من يموت الشباب، ولهذا يندر من يكبر، وقد أنشدوا:

يعمر واحد فيغر قوما وينسى من يموت من الشباب.

4ـ ضعف جانب الخوف وتغليب جانب الرجاء:

فالإنسان حين يأمن العقوبة قد يسيء الأدب، وحين يأمن الإنسان مكر الله وعقابه، ويمني نفسه بعفو الله ومغفرته فإن ذلك يوقعه في التسويف والتأجيل طالما أنه استقر في نفسه أن الله عفو غفور رحيم ، لكنه نسي أن الله تعالى شديد العقاب وأن بطشه شديد وأن عذابه أليم وأنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون.

وإذا كانت هذه الآفة من أشد الأمراض التي تفتك بالأفراد والمجتمعات والأمم، فإننا سنتعرض في مقال قادم إن شاء الله لبيان آثارها على الأفراد والمجتمعات، وأهم طرق العلاج....

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #869
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:07 AM
Parent: #787

ذم كثرة السؤال
حين ينشغل العبد بطلب العلم النافع من حفظ للقرآن، وتعلم مسائل الدين، حين يكون له ورد من العبادة والطاعة و الذكر فإنه لن يكون مشغولا بكثرة السؤال، إنما ينشغل العبد بكثرة الأسئلة حين يكون قليل العمل، فتراه يكثر السؤال والتفريعات والمجادلة، بل تراه يسأل عما لا يعنيه، وهذه الظاهرة هي بلا شك مضادة تماما لسلوك السلف الصالح رضي الله عنهم، وهي قبل ذلك مما يبغضه ربنا جل وعلا، فإن الله لا يحب كثرة السؤال والجدل والمراء والتنطع، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) (المائدة:101)

فجدير بالعبد إن أتاه الأمر الشرعي، أن يمتثله ولا يكثر من الأسئلة، فقد يأتيه الجواب بما لا يسره أو بما يثقل عليه كما حصل مع بني إسرائيل حين أمروا أن يذبحوا بقرة، فلو عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها لأجزأتهم، لكنهم تنطعوا وتشدقوا وأكثروا الأسئلة حتى شُدِّد عليهم.

وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم حين أكثروا سؤاله جدا، فقد روى البخاري في كتاب الفتن عن قتادة أن أنساً حدثهم قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة – أي أضجروه وأحرجوه بكثرة المساءلة – فصعد النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم المنبر فقال: "لا تسألوني عن شيءٍ إلا بينت لكم". فجعلت أنظر يمينا وشمالا فإذا كل رجل رأسه في ثوبه يبكي. يعني خوفا من غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أنس: ....ثم أنشأ عمر يقول: رضينا بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا، نعوذ بالله من سؤ الفتن.

فكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الآية: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الآية.

ولما نزل قول الله تعالى:( ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا) قال رجل : أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال: أكل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، فقال في الثالثة: أكل عام يا رسول الله؟ قال: "لا . ولو قلت: نعم لوجبت، ولما استطعتم".

لا تسأل مستهزءا أو مناظرا:

إن الأصل أن يسأل الإنسان ليتعلم ويعمل لا ليجادل ويفحم ويناظر، فهناك فرق كبير بن الاستفتاء والمناظرة، فالمناظرة لها مجلسها وشروطها، أما الاستفتاء فهو سؤال للاسترشاد وطلب العلم أو حل إشكال..

وأقبح من هذا أن يسأل طالب العلم الشيخ ليمتحنه ولا شك أن هذا النوع من الأسئلة هو من البدع المحدثة التي لم يعرفها أسلافنا رضي الله عنهم، ومثل هذه الأسئلة قد تتسبب في توريط العلماء، وهل كانت محنة الإمام البخاري رحمه الله وخروجه من بلده إلا من مثل هذا؟!!

ثم إن كثرة الأسئلة بما لا يترتب عليه عمل إنما هو استكثار من حجج الله على العبد، لما سأل أحدهم عالما فأكثر عليه قال له العالم: كل ما تسأل عنه تعمل به؟ قال: لا . قال: فما تصنع بازدياد حجة الله عليك؟.

ذم كثرة السؤال:

ولأن هذه الآفة من أشد الآفات ضررا على الفرد والمجتمع فقد ذمها الشرع ونهى عنها وبين قبحها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " ذروني ما تركتكم، فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه".

وقال صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحدّ حدودا فلا تعتدوها، وحرم أشياء فلا تقربوها، وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها".

إن ما تركه الله ليس عن نسيان كما قال تعالى:( وما كان ربك نسيا). وعن سلمان رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء فقال: " الحلال ما أحل الله في كتابه، و الحرام ما حرم الله في كتابه، وما سكت عنه فهو مما قد عفا عنه، فلا تتكلفوا ".وقد فقه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه المسألة فكانوا يتهيبون من سؤاله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج الشيخان عن أنس رضي الله عنه قال: "كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، وكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع".

مواضع عشرة يكره السؤال فيها

هناك مواضع ذكرها الشاطبي رحمه الله يكره السؤال فيها ونذكرها هنا باختصار وهي:

أولا السؤال عما لا ينفع في الدين

كسؤال عبد الله بن حذافة من أبي؟ فهذا لن يعود عليه بأي فائدة، بجانب أنه لو افترض أن أمه قد قارفت ذنباً في الجاهلية، وأنه كان ثمرة هذا الذنب فأي أذية وأي عقوق يكون قد صدر منه في حق أمه وهي إنما كانت في الجاهلية؟! لكن -والحمد الله- الرسول عليه الصلاة والسلام برأها من ذلك. وروي أيضاً أن بعض الناس سألوا: ما بال الهلال يبدو رقيقاً كالخيط، ثم لا يزال ينمو حتى يصير بدراً، ثم ينقص إلى أن يصير كما كان. فأنزل الله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا )[البقرة:189]، فأعرض القرآن الكريم عن إجابة السؤال، وأجاب بما يفيد السائل في دينه؛ لأنه سؤال ليس وراءه فائدة. وفي قوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) إبطال لما كانوا عليه في الجاهلية، حيث كانوا يعتقدون أنه يحرم على من عاد من الحج وأراد أن يدخل البيت أن يدخله من الباب، ولكن يدخله من الخلف من النافذة، فيمنعون المحرم من الدخول من باب البيت، وبعض العلماء يقول: إن المقصود هنا الإشارة إلى انتقاد هذا الذي سأل عن الأهلة بأن الهلال يبدوا دقيقاً ثم يصير بدراً ثم ينقص ثانية. فقوله تعالى: (وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا) يعني أن المشتغل بهذه المسائل كالذي يأتي البيوت من ظهورها، لكن عليك أن تأتي البيوت من أبوابها بأن تسأل عما يفيدك في دينك لا عما لا يعنيك

ثانيا السؤال بعد بلوغ الحاجة

فالنص الشرعي قد يكون واضحاً وظاهراً، ثم بعدما يبلغه العلم يبدأ يشق على نفسه، ويسأل بعدما بلغ من العلم حاجته، كالرجل الذي سأل عن الحج: أفي كل عام يا رسول الله؟ مع أن ظاهر قوله تبارك وتعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )[آل عمران:97] يكفي في امتثاله أن يوقعه الإنسان مرة واحدة في عمره، فظاهره أنه ليس إلى الأبد لإطلاقه. ومن هذا سؤال بني إسرائيل عن البقرة بعد ما قال لهم موسى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً )[البقرة:67] أيَّ بقرة، و لو ذبحوا أي بقرة لانتهى الأمر ولأدوا ما وجب عليهم، لكنه التنطع والتشدد، وكان يكفيهم النص الشرعي بذبح بقرة.

ثالثا السؤال في غير وقت الحاجة
يعني: أن يسأل وهو غير محتاج إلى جوابه في ذلك الوقت.

رابعا السؤال عن صعاب المسائل وشرارها
أما السؤال عن صعاب المسائل وشرارها فكما جاء النهي عن الأغلوطات في حديث معاوية عند أبي داود: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الأغلوطات) والأغلوطات هي المسائل التي يغالط بها العلماء ليزلوا فيها، فيهيج بذلك شر وفتنة.

خامسا السؤال عن علة الحكم
يعني هنا الحكم الشرعي من الأمور التعبدية التي لا يعقل معناها، وهي لها معنى وحكمة وإن لم يطلع على ذلك، كتقبيل الحجر الأسود، وبعض مناسك الحج، أو أي أمر تعبدي كما هو معروف، فيكون الأمر من قبيل التعبد، ثم هو يتنطع ويسأل عن علة هذا الحكم مع أنه من الأمور التعبدية، كالسؤال عن علة قضاء الصوم دون الصلاة في حق الحائض والنفساء. فعن معاذة رضي الله عنها قالت: سألت عائشة رضي الله عنها فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: (أحرورية أنت؟!). أي: أأنت من الخوارج؟! والخوارج يرون أن الحائض تقضي الصلاة كما تقضي الصوم، فلم تقف هذه المرأة عند ما ورد وحُدَّ لها في الشرع، ولذلك جاء جواب عائشة رضي الله عنها أولاً بأن وبختها وقالت: (أحرورية أنت؟!) أي: أأنت تذهبين مذهب الخوارج؟! ثم قالت: (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة).

سادسا بلوغ السؤال حد التكلف والتعمق

ويدل على ذلك قوله تعالى: (قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ )[ص:86]، والتكلف هو التنطع في الأسئلة والتعمق، ولما سأل عمر: يا صاحب الحوض! هل ترد حوضك السباع؟ قال صلى الله عليه وسلم: "يا صاحب الحوض! لا تخبرنا؛ فإنا نرد على السباع وترد علينا".

سابعا ظهور معارضة الكتاب والسنة بالرأي من السؤال
هذا من المواضع المذمومة، أن يكون واضحاً من صيغة السؤال أنه يريد أن يعارض القرآن والسنة بعقله وبرأيه وبهواه . ولما قيل لمالك بن أنس رضي الله تعالى عنه: الرجل يكون عالماً بالسنة، أيجادل عنها؟ قال: (لا. ولكن يخبر بالسنة فإن قبلت منه وإلا سكت) فمع أن معه الحق لكنه لا يماري ولا يجادل، فالمراء والجدال من الأخلاق المذمومة.

ثامنا السؤال عن المتشابهات
وعلى ذلك يدل قوله تعالى: (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ )[آل عمران:7]، وفي الحديث: "متى رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم"، يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى:(هؤلاء هم الذين حذرنا الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم منهم، الذين يتتبعون المتشابهات، ولعلنا نجد صورة واضحة جداً في العلمانيين ، والملاحدة من الكفار، هؤلاء الناس هذه مهنتهم وهذه حرفتهم، فهم يتقنون صناعة الشبهات والخوض في الأمور المشتبهة، وعدم رد المتشابه إلى المحكم، فالتمسك بالمتشابه والإعراض عن المحكم مما ينبئ عن وجود هذا المرض والزيغ في القلب، والعياذ بالله عز وجل).

تاسعا السؤال عما شجر بين السلف الصالح
أي الخلاف الذي كان بين الصحابة رضي الله عنهم. فمن المكروه والمذموم أن يخوض الإنسان فيما كان بينهم من الخلاف، وقد سئل عمر بن عبد العزيز عن قتال أهل صفين فقال: (تلك دماء عصم الله منها سيوفنا فلنعصم منها ألسنتنا). وقد سئل آخر عن ذلك في مناسبة أخرى مماثلة فقال: قال تعالى: (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ )[البقرة:134]). فالمقصود عدم الخوض حتى لو كان بعض الصحابة مخطئين في ذلك؛ لأن شأننا نحن مع هؤلاء السادة الأطهار الأبرار هو ما ذكره الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر:)وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ([الحشر:10]. فنحن نستغفر لهم فيما اجتهدوا فيه وأخطأوا، ونعتقد أن ما حصل من الصحابة من القتال في موقعة الجمل وصفين إنما هو عن اجتهاد خالص لله عز وجل، يريدون به إحقاق الحق، ولكن هذا أمر قدره الله وقضاه ووقع، وليس لنا أن نخوض في هذا الأمر بالوقوع في أحد من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فمن سأل سؤالاً من هذا الباب فقد وقع فيما نُهينا عنه من كثرة السؤال كما بينا.

عاشرا سؤال التعنت وقصد غلبة الخصم
وفي القرآن في ذم نحو هذا قوله عز وجل: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ )[البقرة:204]، (ألد الخصام) أي: مجادل. ومنه قوله تبارك وتعالى: (بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ )[الزخرف:58] وهو الجدل، كما في قوله تعالى: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ )[الأنعام:121]. ومناسبة هذا أنهم قالوا: هل ما قتله الله حرام وما قتلتموه أنتم أو ما ذبحتموه أنتم يكون حلالاً؟ انظر إلى التلبيس وإيقاع الشبهات في قلوب المؤمنين! فنزلت الآية السابقة. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم" (الألد الخصم) الشخص الشديد الجدل والشديد الخصومة والتعنت، فهذه جملة من المواضع التي يكره السؤال فيها، ويقاس عليها ما سواها. رزقنا الله وإياكم العلم النافع والعمل الصالح ووفقنا لكل خير ،وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #870
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:09 AM
Parent: #787

ربك يحبك
حين يتأمل العبد شعائر الإسلام العظيمة وتشريعاته الربانية يخرج بالعديد من الدروس والعبر ، ومن أهم الدروس التي يقف عندها كثيرا يقينه بأن الله تعالى يحبه ويريد به الخير واليسر والهداية ، يريد بعبده أن يتشبه بالملائكة الذين هم : ( عِبَادٌ مُكْرَمُونَ )(الأنبياء: من الآية26).وهم أيضا : ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6).

إنك حين تتأمل تصل إلى هذه النتيجة ولابد ، فالصلاة التي هي آكد أركان الإسلام العملية قال الله تعالى عنها: ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ )(العنكبوت: من الآية45).

وقال عنها النبي في تطهيرها لصاحبها من آثار الذنوب والمعاصي: " تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الصبح غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم الظهر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العصر غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم المغرب غسلتها ، ثم تحترقون تحترقون ، فإذا صليتم العشاء غسلتها ، ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا".

وقال عنها أيضا : " أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم ، يغتسل فيه كل يوم خمسا ، ما تقول : ذلك يبقي من درنه . قالوا : لا يبقى من درنه شيئا ، قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا".

أما الصيام فقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183). وقال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: " من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".

وأما الحج فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".كما بين صلى الله عليه وسلم أن "الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

إن جميع ما ذكرناه سابقا ليؤكد نفس المعنى وهو أن الله تعالى يحب عبده ، يحب أن يرحمه ، يحب له أن يكون كالملائكة مبرأ من كل نقص وآفة ، ولعلمه سبحانه وتعالى بأن العبد خطاء فقد شرع له ما يطهره من آثار هذه الذنوب والمعاصي ةالأوزار لأنه سبحانه وهو الغني يحب عبده ويحب رحمته ، هذا مع كمال غنى الرب جل وعلا وكمال فقر العبد إليه سبحانه : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) (فاطر:15).

وقد بين الله تعالى كمال غناه عن عباده وطاعاتهم وأنه أيضا لا تضره معاصيهم كما في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: " يا عبادي ! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما . فلا تظالموا . يا عبادي ! كلكم ضال إلا من هديته . فاستهدوني أهدكم . يا عبادي ! كلكم جائع إلا من أطعمته . فاستطعموني أطعمكم . يا عبادي ! كلكم عار إلا من كسوته . فاستكسوني أكسكم . يا عبادي ! إنكم تخطئون بالليل والنهار ، وأنا أغفر الذنوب جميعا . فاستغفروني أغفر لكم . يا عبادي ! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني . ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم . كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم . ما زاد ذلك في ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . كانوا على أفجر قلب رجل واحد . ما نقص ذلك من ملكي شيئا . يا عبادي ! لو أن أولكم وآخركم . وإنسكم وجنكم . قاموا في صعيد واحد فسألوني . فأعطيت كل إنسان مسألته . ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر . يا عبادي ! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم . ثم أوفيكم إياها . فمن وجد خيرا فليحمد الله . ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه ".

ومع ذلك فإنه يحب أن يرحم عباده فشرع لهم هذه الشرائع لتقربهم منه سبحانه ولينالوا بها رحمته ومحبته.

وقد ذكر بعض أهل العلم في حكم الطواف بالبيت الحرام أن الله تعالى قد اتخذ بيتا في السماء هو البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ، ولأنه يحب عباده المؤمنين ويريد لهم أن يكونوا كالملائكة فقد اتخذ بيتا في الأرض وأوجب على الناس حجه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(آل عمران: من الآية97).

ثم هو سبحانه يباهي بأهل عرفات أهل السماء كما في الحديث: " إن الله تعالى يباهي بأهل عرفات ملائكة السماء ، يقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شعثا غبرا من كل فج عميق ، أشهدكم أني قد غفرت لهم ".وأهل السماء عباد مطهرون والله تعالى لا يباهي المطهر إلا بمطهر مثله فكأنه تعالى قد وضع عنهم الأوزار وتجاوز لهم عن الخطيئات.

وقد ثبت ذلك من خلال إخبار الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم حين قال لبلال رضي الله عنه يوم عرفة : "يا بلال أنصت ـ أو أسكت ـ الناس ثم قال لهم : إن الله تعالى قد تطول عليكم في يومكم هذا فوهب مسيئكم لمحسنكم وأعطى محسنكم ما سأل". ولأجل هذا المعنى كان الشيطان في هذا اليوم أصغر وأدحر وأغيظ ما يكون لما يرى من تنزل الرحمات وتجاوز الرب جل وعلا عن الذنوب العظام.

فحري بنا أن نستشعر هذا المعنى أن الله تعالى يحبنا ويحب لنا أن نتشبه بالملائكة فنقبل على طاعته والإكثار من ذكره وإن بدرت منا معصية أو إساءة سارعنا إلى التوبة والندم على ما بدر منا ، يا أيها الأحبة الله تعالى يحب عبده المؤمن ويحب أن يتقرب عبده منه فلماذا الإعراض والغفلة والصد؟!.

وفقنا الله وإياكم لطاعته ، وأعاننا وإياكم على ذكره وشكره وحسن عبادته.
اسلام ويب

Post: #871
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:11 AM
Parent: #787

من معالم الحج المبرور
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد ولد آدم أجمعين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، أما بعد:

فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ". ولا شك أن هذا الجزاء العظيم الذي يتمثل في جنة عرضها السموات والأرض لمن أدى حجا مبرورا يستحق من العبد المؤمن أن يسابق إلى هذه الحجة وأن يتعرف على معالم الحج المبرور حتى يأتي بها فبفوز بهذا الجزاء العظيم.

وإننا في هذا المقال سنتعرض باختصار لأهم معالم الحج المبرور ، نسأل الله تعالى التوفيق والإعانة ، ونجمل هذه المعالم فيما يلي:

أولا: بذل المعروف وكف الأذى

إن من أهم معالم الحج المبرور أن يكف صاحبه عن الناس أذاه وأن يبذل لهم من معروفه وبره وإحسانه ، وأن يحسن خلقه مع رفقته خاصة ومع الحجيج عامة ؛ فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن البر فقال: " البر حسن الخلق".

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يقول : إن البر شيء هين : وجه طليق وكلام لين.

ولما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن بر الحج قال: " بر الحج إطعام الطعام وطيب الكلام".

فيحتاج الحاج إلى أن يتحلى بمحاسن الأخلاق وسعة الصدر والبشاشة والاحتمال ، وهكذا كان السلف رضي الله عنهم، يقول مجاهد رحمه الله تعالى : صحبت ابن عمر لأخدمه فكان يخدمني.

وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله يطعم أصحابه الطعام وهو صائم، وكان يحسن إلى رفقته غاية الإحسان من حين سفرهم إلى حين عودتهم.

ثانيا : الاستكثار من الطاعات

فرحلة الحج فرصة عظيمة ليستكثر العبد من الطاعات ونوافل العبادات ، وقد عرفنا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يواظب على قيام الليل في أسفاره كلها ، وكان يصلي على راحلته.

وتأسى به من بعده من الصحابة والتابعين فكانوا يحرصون على التزود من الطاعات ، والتقرب إلى الله تعالى بأنواع القربات ، فكانوا يحرصون على نوافل العبادات ، وقد ذكر الإمام أحمد رحمه الله تعالى أن مسروق رحمه الله تعالى حج فما نام إلا ساجدا ، من شدة اجتهاده رحمه الله ، وكان آخر يقوم الليل ويتلو القرآن ويأمر حاديه أن يرفع صوته حتى لا ينتبه لعبادته أحد ، لكن أبى الله إلا أن ينشر ذكرهم الحسن بين الخلق.

فاستثمر وقتك لتعود بأكبر أجر فالحسنة هناك بمائة ألف حسنة ، وأكثر من تلاوة القرآن وذكر الرحمن ؛فإن الذكر غراس الجنة ،وقد أمر الله تعالى بكثرة ذكره في مناسك الحج فقال:

(لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ) (البقرة:198)

وقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً )(البقرة: من الآية200).

وقال: (وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ)(البقرة: من الآية203).

وهكذا بقية الطاعات من صدقة وصيام وأمر بمعروف ونهي عن منكر وغيرها.ومن أعجب ما ورد عن بعض السلف أنهم كانوا يختمون القرآن في الحج في كل يوم مرة.

ثالثا :الإخلاص لله تعالى والتأسي بالنبي في حجته

ولينو بذلك كله ـ بحجه وعبادته واجتهاده ـ رضا الله تعالى ولا يقصد رياء ولا سمعة ولا مباهاة ؛ فإن الله تعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا وابتغي به وجهه،وقد قال الله تعالى : ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) ولما أهل النبي صلى اله عليه وسلم قال : "اللهم حجة لا رياء فيها ولا سمعة".

ثم ليحرص على أن يأتي بأعمال الحج وفق هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا يحتاج من الحاج أن يتفقه في مناسك الحج.

وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حريصا على أن يبرز للناس في المناسك ويعلمهم أحكام الحج وكان يقول لهم : " لتأخذوا عني مناسككم".

نسأل الله أن يوفقنا والمسلمين لحج مبرور وعمل صالح مقبول، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #872
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:14 AM
Parent: #787

رحلة العمر
الحمد لله الذي افترض حج بيته الحرام على عباده ، فشدوا إليه رحالا ، ودعاهم لقربه فما استبعدوا في حبه بعيدا ولا استهولوا أهوالا ، وفارقوا في حبه ورضاه أهلا ومالا ، ورفرفت قلوبهم تنشر أشواقا وتطوي رمالا:

روح دعاها للوصال حبيبُها فسعت إليه تطيعه وتجيبهُ

يا مُدَّعي صدقَ المحبة هكذا فعلُ الحبيب إذا دعاه حبيبهُ

والصلاة والسلام على نبي الرحمة ، وسيد ولد آدم محمد عبد الله ورسوله.

أما بعد:

فإن الحج من بين أركان الإسلام ومبانيه عبادة العمر ، وختام الأمر ، وتمام الإسلام ، وكمال الدين ، فيه نزل قول الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً)(المائدة: من الآية3).

إنه الحج رحلة العمر ، وكيف لا تكون كذلك وهي رحلة إلى خير البقاع وأحبها إلى الله تعالى ؛ فحين أخرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة التفت إليها مخاطبا: " والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله " .

إنها أرض الحجاز مهبط الوحي ومهوى أفئدة الموحدين:

أرضَ الحجاز إليك ألف تحية خير البقاع وأبهج الروضات

يا قبلتي عصف الحنين بمهجتي كيف السبيل وِريحُ شوقيَ عاتي

فعسى إله العرش يكشف كربتي وإليه أرفع خالص الدعوات

رَبَّاه ذا الإنعام أنت المُرتَجَى فامنن بحج البيت قبل مماتِ

إنهارحلة إلى الله في دار الدنيا تريك آثار الجنة ، ومواطىء أقدام الخليلين ، وإنا لأيام تري المسلم أصله العريق الضارب في أعماق الزمن منذ أبيه إبراهيم الخليل عليه السلام:

هنا أُمرِّغُ خدي صَبوةً وجَوىً فتهتف الحُور بُشرى خدِّك التَّرِبِ

فإن رأيت دموعي أنبتت حجرا فتلك مني دموعُ الفرحةِ العجب

هنا بمكة آيُ الله قد نزلت هنا تربى رسولُ الله خير نبي

هنا الصحابة عاشوا يصنعون لنا مجدًا فريدًا على الأيام لم يَشِبِ

إنها رحلة العمر التي يشتاق إلها كل مؤمن ، كيف لا وهناك الكعبة بيت الله الذي هو أول بيت وضع للناس : (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدىً لِلْعَالَمِينَ) (آل عمران:96).

كيف لا وهناك الحجر الأسود حجر من الجنة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم؟

هناك الركن اليماني ومقام إبراهيم ياقوتتان من يواقيت الجنة طمس الله نورهما ولو لم يطمس نورهما لأضاءتا ما بين المشرق والمغرب وقد ثبت بذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

هناك زمزم طعام الطعم وشفاء السقم التي يتضلع منها المؤمنون ولا يطيق التضلع منها المنافقون:

خذوني خذوني إلى المسجد خذوني إلى الحجر الأسود

خذوني إلى زمزم علَّها تبرد من جوفيَ الموقد

خذوني لأستار بيت الإله أشد به في ابتهال يدي

دعوني أحط على بابه ثقال الدموع وأستنفد

فإني أحيا على لطفه وإن يأتني الموت أستشهد

إنها رحلة العمر التي يقود فيها الحاج الكون إلى خالقه ومالكه وباريه ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما من مسلم يلبي إلا لبى ما عن يمينه وشماله من شجر أو حجر أو مدر ، حتى تنقطع الأرض من ههنا وههنا". وأشار صلى الله عليه وسلم عن يمينه وشماله.

إنها رحلة العمر لأن العبد يرجع منها وقد غفرت ذنوبه وحطت عنه خطاياه، قال صلى الله عليه وسلم: " من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

وقال:" تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة".

وحين جاءه عمرو بن العاص رضي الله عنه مسلما مبايعا فقال: أشترط أن يغفر لي ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أما علمت يا عمرو أن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها ، وأن الحج يهدم ما كان قبله " .

إنها رحلة العمر لأن العبد إن أحسن فيها وكان حجه مبرورا كتب من أهل الجنة ، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : " والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة".

فلله ما أحلاها رحلة تؤدي بك إلى السبق لقرع أبواب الجنة!!.

فلماذا لا يبادر العبد قبل الشواغل والعوارض؟ألا يعلم انه منذ يخرج في هذه الرحلة المباركة إلى أن يعود أنه في حفظ الله ورعايته ؟لقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاث في ضمان الله : رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله ، ورجل خرج غازيا في سبيل الله ، ورجل خرج حاجا".

إن من يخرج في هذه الرحلة المباركة إنما ينزل ضيفا على الله الكريم سبحانه وتعالى ، وهناك تجاب دعوته وتغفر زلته وتكفر خطيئته :" الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله ، دعاهم فأجابوه ، وسألوه فأعطاهم".

إنه حين يحرم فيلبي ويكبر ويهلل فإنه يُبشر بجنة عرضها السموات والأرض ، وقد جاءت هذه البشارة على لسان الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم حين قال: " ما أهل مُهلٌ قط ، ولا كبّر مكبر قط إلا بُشر بالجنة".

فهيا أيها الحبيب إلى جهاد لا شوكة فيه هيا إلى رحلة العمر لعل الله تعالى يقبلنا في الصالحين.
اسلام ويب

Post: #873
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:16 AM
Parent: #787

دروس من قصة نملة
إن وقفة اليوم مع دروس عظيمة في الإدارة من نملة, ربما تكون مستغربةً من الكثيرين أو البعض؛ فكيف يمكن للإنسان بكل ما وهبه الله من علم وعقل وحضارة أن يتعلم دروسا من نملة, وأي دروس؟ إنها توصف بأنها دروس عظيمة, وفي الإدارة...!!

تلك الحشرة التي قد لا ينظر إليها الإنسان إلا من كونها مصدرًا للإزعاج والقلق والأذى.. نتعلم منها ما لا نتعلمه من البشر؟!

ألا يكفينا الهدهد؟ فهو على الأقل طائر حسن الهيئة، ومعقول الحجم، وطيب السمعة، وجميل المنظر.. ولكن نملة؟!

نعم.. إنها نملة، ولكنها قد نطقت وتصرفت من منطلق الحكمة.

يكفي يا أخي أن تعلم أنه قد سمَّيت سورة كاملة من سور القرآن آياتها (93 آية) بسورة النمل, رغم أن ذكر النمل هنا لم يرد إلا في جزء من آية من كل هذه الآيات..!!

فهل يحتاج الأمر منا وقفةً ولو قصيرة أمام هذه الكلمات التي وردت في القرآن؛ لنتعلم منها ونأخذ الدروس والعبر في الإدارة.

أنا شخصيًّا أعتقد أن الأمر يستحق.. وهيا بنا نعيش مع نملة؛ ولكنها عظيمة, تعلمنا دروسًا عظيمة في الإدارة.

قالت نملة

بداية، وقبل سرد الدروس العظيمة، علينا أن نرجع إلى السياق العام الذي ورد فيه الموضوع في القرآن كما هو, قال تعالى: (وَحُشِرَ لِسُلَيْمَانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالإنْسِ وَالطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ . حَتَّى إِذَا أَتَوْا عَلَى وَادِ النَّمْلِ قَالَتْ نَمْلَةٌ يأيها النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ . فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ(النمل).17- 19).

الدرس الأول: إتقان الأداء:

لا شك أن جودة الأداء وإتقان العمل من أهم ما يشغل الإدارة الآن، حتى إننا لا نكاد نجد أمرًا من أمور الإدارة الآن إلا وقد اقترن بتلك الموجة الجديدة، والتي أطلق عليها الجودة الشاملة واختصارها TQM)) والتي يمكن تلخيصها بالإتقان في العمل، بأن يؤدي كل فرد في أي مكان بالمنظمة التي يعمل بها, وفي أي وقت, وفي كل مرة, ومن أول مرة, عمله بأعلى درجة من الإتقان دون خطأ أو تقصير, وذلك من خلال منظومة تعاقدية- وإن كانت غير مكتوبة- تربط بين جميع أفراد ووحدات وأقسام وأجزاء المنظمة بعضها ببعض في إطار منظومة متكاملة، يؤدي الخلل في أي جزء منها إلى التأثير السلبي على باقي الأجزاء، مصداقًا لوصف الرسول صلى الله عليه وسلم لتلك العلاقة التي تربط بين المؤمنين "بالجسد الواحد" في التعاطف والتراحم, "وبالبنيان يشد بعضه بعضًا" في القوة والتماسك.

وخلاصة الإتقان العام في أية منظمة من أي فرد في أي مكان هو الامتثال لأمر الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ) المائدة: من الآية(1).

وهذا هو ما نستشفه من موقف النملة التي أمامنا؛ فإنها تؤدي الدور المنوط بها على خير وجه ممكن, أقل ما يمكن أن نصفه به أنه أعلى درجات الإتقان،ذلك الإتقان الذي يصل إلى تحقيق الهدف بكفاءة وفعالية, فلقد أنذرت قومها في الوقت المناسب، وأنقذتهم من كارثة محققة لولا ما قامت به بإخلاص وإتقان, والذي سوف يبرزه بشكل أكبر وأوضح باقي الدروس.

الدرس الثاني: اليقظة والانتباه والالتزام:

وهو من أهم متطلبات نجاح القيام بمثل ذلك الدور الذي أدته النملة في الموقف الذي أمامنا, فبدون هذه المواصفات لا يمكن تصور أداء كامل للدور, بل إن غفوة أو غفلة واحدة قد يترتب عليها هلاك كامل ودمار ماحق لكافة أفراد المنظمة, ومن ثم فإن من دواعي الإتقان والإحسان أن يكون كل فرد في قيامه بالدور المنوط به على أعلى درجة من درجات اليقظة والانتباه وبشكل كامل ومستمر, فهو إنما يقف على ثغر من الثغور التنظيمية, ولا يجوز أن تؤتي المنظمة من قبله: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ( الأنفال:25).

فالخلل من قِبل فرد أو بضعة أفراد في المنظمة؛ لا يعود بالضرر عليهم وحدهم فقط، وإنما يعود بالضرر والخسران على الكافة, ولقد كان في موقف بعض الرماة يوم أحد أعظم دليل على هذا الدرس في اليقظة والانتباه والالتزام التام.

الدرس الثالث: الهمة والإرادة العالية:

نفهم أن كل أمر عظيم يحتاج إلى همة وإرادة عالية لإتمامه، وأعدى أعداء النفس ضعف الهمة والإرادة؛ لذا يقول الشاعر:

على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم

وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم

ويقول تعالى: (وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ) ( التوبة : 66).

من هنا نعلم أن وراء تصرف النملة وإخلاصها وإصرارها والتزامها همة عالية, وإلا لكان التسليم والقعود والكسل لأي سبب مهما كان تافهًا.

الدرس الرابع: العزيمة الماضية:

إذا كانت الهمة إعداد العدة، ووضع الخطة، والأخذ بكافة أسباب النجاح لأداء مهمة معينة؛ فإن العزيمة يقصد بها شدة المضاء، وعدم التردد عند التنفيذ لأي سبب من الأسباب المقعدة عن العمل (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين) (آل عمران : 159)

وقديمًا قال المتنبي:

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

ويتضح من موقف النملة، أنها ليست فقط ذات همة عالية في الأخذ بالأسباب؛ وإنما هي تنهي ما بدأت، وتواصل الجهد لتنفيذ مهمتها لآخر مدى، ولا يوقفها شيء عن تحقيق تلك المهمة ولو كان فيه نهاية لحياتها, وهذا من عزائم الأمور التي قد لا نراها تتوافر لدى الكثير من المديرين أو الأفراد العاديين، فلو أن النملة ترددت ولو برهة، أو تباطأت لما استطاعت أداء مهمتها في إنقاذ قومها من هذا الخطر المحدق. وسوف يوضح هذا المعنى الدرس التالي والمتعلق بالتضحية.

الدرس الخامس: التضحية وإنكار الذات:

لا عمل بلا إتقان وجهاد, ولا جهاد بلا تضحية، وكل غاية أو هدف نبيل لا شك يحتاج إلى جهاد وتضحية في سبيله, والتضحية تكون بالوقت أو المال أو بالنفس وهو أعلاها, وكلما زاد إخلاص الفرد لعمله وإيمانه برسالته وقويت همته وعلت عزيمته، فإن استعداده للتضحية في سبيل هذه الغاية يكون في أوجه.

ولعل ذلك يحتاج درجة عالية من الانتماء، بل من الالتقاء بين كل من أهداف الفرد والمنظمة لدرجة الانصهار وهو أقصى ما تتمناه أي إدارة من الفرد في علاقته بالمنظمة, بل قل أقصى ما تحلم به.

والنملة باعتبارها أحد أفراد جنسها المكلفين فيما يبدو بأداء مهمة معينة، أقرب ما تكون إلى الاستطلاع أو الإنذار المبكر، وقد أبدت أعلى درجات التضحية في سبيل قومها؛ حينما سارعت بكل ما تملك من قوة ضعيفة أمام سليمان وجنوده لتنذر قومها قبل أن يدهمهم, منادية عليهم ومرسلة بإشارات ورسائل لهم, وسليمان- لحسن حظها يسمعها- وكان بوسعها أن تنتحي جانبًا، ولا تفكر إلا في إنقاذ نفسها، مبررة ذلك بأنها إذا سارت لإخبار قومها في نفس خط سير الجيش؛ فإما أن يدهمها، وإما أن يصل قبلها ولا تتمكن من الإبلاغ في الوقت المناسب على أية حال, واختارت هي المخاطرة في الاستمرار لإبلاغ قومها بالسير في نفس خط سير واتجاه الجيش؛ ما يدل على التضحية العالية وإنكار الذات, وأي درس عظيم هذا, ولحكمة أرادها الله سبحانه وتعالى أظهر لنا هذا المنطق بفهم سليمان عليه السلام لغة ومنطق الحيوان، وليس مجرد كلامه ولكن منطقه وحكمته التي أجراها الله له.

الدرس السادس: النظام وتقسيم العمل:

كلنا يعرف إلى أي درجة يتميز النمل بالنظام والترتيب وحسن التدبير, بل والتخطيط للمستقبل, وفي هذا الموقف نستنتج كم هناك من نظام وتقسيم للعمل والمهام والمسئوليات, فكأن هذه النملة منوط بها أمر معين؛ وهو مهمة الحراسة والاستطلاع من بعد للإنذار والتنبيه ضد أي مخاطر قبل وقوعها بوقت كافٍ, فهذه النملة كما ذكر في القرآن نملة, مجرد نملة عادية ليست زعيمة النمل ولا رئيسة "قالت نملة"، وإنما هي تؤدي مهمة كغيرها, الذي يقوم كل منهم بمهمة ينشغل بأدائها ويتعاون مع الآخرين في تنفيذها إذا تطلب الأمر ذلك, في شكل منظومة متناغمة متكاملة ومتناسقة، يتوافر لها عنصرا التنظيم وجوهره الذي يتضمن كلاًّ من التقسيم والتنسيق بأعلى درجة من الكفاءة والفعالية؛ فهذه النملة لا تعمل اعتباطًا ولا عشوائيًّا ولا بهواه، وإنما في ظل منظومة متكاملة بشكل رائع.

الدرس السابع: إدارة الأزمات:

هذا الدرس من الدروس المهمة جدًّا في إدارة الأزمات والكوارث؛ حيث يعتبر أهم مبدأ في إدارة أي أزمة هو تجنب حدوثها من الأصل، ولا يمكن ذلك إلا من خلال سيناريو متوقع للاحتمال الأسوأ, بإثارة سؤال ماذا لو حدث الأسوأ؟ والأسوأ هنا،هو قدوم مجموعة كبيرة من البشر تسير في اتجاه مملكة النمل دون قصد في هدمها، وتحطم كل ما فيها ومن فيها, وهذا يمثل كارثة بكل المقاييس بالنسبة لهم, ومن ثم كان لا بد من العمل على تقليل احتمال وقوع مثل هذا الأمر, وتقليل الخسائر المترتبة عليه إن وقع قدر الإمكان, والأفضل في هذه الحالة، هو أن يتم العمل على محور الاحتمال، وذلك بإنشاء محطات للإنذار المبكر وقراءة نذر الأزمة قبل وقوعها بوقت كافٍ والاستعداد لها.

ونفهم مما قامت به النملة في هذا الموقف أنها قد قامت بأعظم إنذار مبكر لتنبيه قومها باحتمال خطر مؤكد قادم، حتى وإن كلَّفها ذلك حياتها, كما سبق أن ذكرنا, كما أن هناك احتمال أن يكون سليمان وجنوده في سيرهم في الاتجاه الذي رأته النملة أقرب إلى تدمير مملكة النمل، وكذلك من المحتمل أن ينحرفوا عنها أو يبتعدوا لأي سبب من الأسباب.. كل ذلك وارد, ولكن النملة لم تدع الاحتمالات الأخرى تسيطر عليها، وتقول مثلاً: ستمر الأمور بخير بإذن الله وربنا يسلمها... فقط, وإنما اتخذت سبيل الإنذار المبكر من خطر محدق حتى تتجنب الأسوأ في حالة حدوثه.

الدرس الثامن: المبادرة:

وروح المبادرة هنا تظهر بشكل واضح في السعي لأداء المهمة، دون انتظار أو تواكل على غيرها، أو انتظار لسواها كي يقوم هو بالمهمة, قائلة مثلاً: لماذا أنا, ولكنها تجردت لقيام المهمة متمثلة قول طرفة بن العبد في معلقته:

إذا القوم قالوا: مَنْ فتى؟ خِلْتُ أنَّني عُنيتُ فلم أَجْبُن ولم أتبلَّدِ

الدرس التاسع: الإنجاز:

فإذا كانت المبادرة هي قمة الإقدام بفكرة أو الاستعداد لأداء مهمة، فإن الإنجاز هو الوصول بها إلى دائرة التنفيذ والتمام وكلاهما "المبادرة والإنجاز" روح الإدارة،وهو ما فعلته النملة تمامًا, فبادرت وأنجزت.

الدرس العاشر: الشعور بالمسئولية:

فما كان لكل ما سبق أن يحدث دون وجود درجة عالية من الإحساس بالمسئولية التي تستشعرها نملة، ربما في أسفل الهرم التنظيمي من عموم النمل, وكأنها المسئول الأول عن قومها, ومثل هذا الشعور والإحساس العام بالمسئولية في كافة أرجاء أي تنظيم من أعلاه إلى أدناه، هو أقصى ما تطمح وتحلم أي إدارة بتحقيقه في أية منظمة تديرها، لكننا وجدناه هنا واقعًا ملموسًا، وهذا درس من الدروس العظيمة ..ولعل هناك المزيد من الدروس والعبر فهل نتعلم؟ وهل نعمل لكي نكون مثل النمل؟! وهل أدركت الآن.. لماذا توجد سورة في القرآن باسم النمل؟.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أستاذ إدارة الاستراتيجية كلية التجارة- جامعة القاهرة

Post: #874
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:18 AM
Parent: #787

هل لك من أثر؟
إن أعمار بني الإسلام قصيرة بالنسبة إلى أعمار غيرهم من الأمم الأخرى ، فلو نظرت إلى أعمار الأمم السابقة لوجدتها أكبر ، فنبي الله نوح عليه السلام دعا قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، فكم كان عمره؟وكم كان متوسط أعمار أمته؟.

أما هذه الأمة فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أعمار بنيها بقوله: " أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين ، وأقلهم من يجوز ذلك".

والعبد إذا مات أغلق باب العمل فإذا لم يكن قد ترك أثرا صالحا فكأنه لم يمر بهذه الدنيا

وما المرء إلا كالهلال وضوئه يوافي تمام الشهر ثم يغيب

ولكن من رحمة الله تعالى بهذه الأمة أن فتح لها من أبواب الخير والأجر ما تعوض به قصر العمر، فمن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه، بل هي بنص القرآن: (خير من ألف شهر).

ومن صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال كان كصيام الدهر كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم،والأدلة على هذا كثيرة جدا.

ومن جملة ما أكرم الله به هذه الأمة أن أجرى على بنيها بعد مماتهم ثواب الأعمال الصالحة التي تركوها وانتفع بها الناس. ومن جملة هذه الأعمال ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : " إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاثة : إلا من صدقة جارية . أو علم ينتفع به . أو ولد صالح يدعو له ".

ومنها ما ورد في الحديث الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : " إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علما علمه ونشره، أو ولدا صالحا تركه، أو مصحفا ورثه،أو مسجدا بناه، أو بيتا لابن السبيل بناه، أو نهرا أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد موته".

وإذا كان الله تعالى قد قال في كتابه العزيز : (إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتَى وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ).(يـس:12).

فإن من رحمة الله بالعبد أنه إذا مات ماتت معه سيئاته ،وإلا فإن بعض الناس يموتون ويقبرون ولكن تكتب في صحائف سيئاتهم بعد مماتهم سيئات كالجبال نتيجة تركهم أعمالا لم يتوبوا منها ويُعصى بها الله تعالى، وإن شئت أمثلة على ذلك فانظر في كتابات بعض الكتاب العلمانيين المحادين لله ورسوله، وانظر إلى كثير من الأفلام الماجنة الفاجرة ، والأغنيات ...إلخ.

وعلى الجانب الآخر فهناك الموفقون الذين تقربوا إلى الله تعالى بأعمال صالحات بقي أثرها في الناس يُجري الله عليهم ثوابها بعد موتهم، وانظر إلى العلماء الذين تركوا علما ينتفع به من خلال مؤلفاتهم ومحاضراتهم وتلامذتهم،فمن منا يستغني عن فقه الأئمة الأربعة؟ ومن منا يستغني عن صحيح البخاري ؟ومن منا لا يعرف ابن تيمية وابن كثير وغيرهم من جبال العلم وبحوره الذين خلفوا لنا تركة عظيمة تنتفع بها الأمة جيلا بعد جيل؟ومن منا لا يعرف صلاح الدين الأيوبي الذي حرر بيت المقدس وطهره من دنس الصليبيين؟نسأل الله أن يقيض له من يحرره اليوم من دنس اليهود.

وقد سطرت لنا كتب السير والتاريخ أعمالا كبيرة لرجال عظماء لا يزال يجري عليهم ثوابها وقد ماتوا منذ مئات السنين.

فالصحابة الكرام الذين فتحوا بلاد الكفر ونشروا فيها أنوار التوحيد لا يزال يكتب في صحفهم ثواب ما يفعله أهل هذه البلاد من طاعات وقربات من غير أن ينقص من أجور أصحابها شيء.فأهل الشام مثلا يأتون في صحائف حسناتهم وصحائف الصديق أبي بكر والفاروق عمر وذي النورين عثمان وأبي عبيدة وخالد بن الوليد ومعاوية وغيرهم ممن كانوا معهم من القادة والجند،وأهل مصر تكتب حسناتهم في موازينهم وموازين عمر وعثمان وعمرو بن العاص وغيرهم من الأكابر.

وأهل القرآن الذين علموا أبناء المسلمين كيف يقرأون القرآن ويرتلونه وانتقل ها العلم بين المسلمين جيلا بعد جيل يكتب ثواب هذه القراءة في صحف أبناء هذه السلسلة المباركة.ولك أن تتخيل كم يكتب في موازينهم يوميا خصوصا إذا علمت أن حروف القرآن تزيد على ثلاثمائة ألف حرف والحرف بعشر حسنات،نسأل الله الكريم من فضله.

وأريد أن أعرض عليك أيها القارىء الكريم نموذجا لعمل صالح بقي أثره في الناس مئات السنين قامت به امرأة صالحة هي أمة العزيز زوج هارون الرشيد التي عرفت في التاريخ بزبيدة، تلك المرأة التي حجت بصحبة زوجها هارون الرشيد رحمه الله تعالى ولم يكن بمكة غير ماء زمزم ، فلما رأت شدة حاجة الناس هناك إلى الماء والمشقة التي تلحقهم إذا احتاجوا إلى جلبه أمرت خازن مالها أن يأخذ ما يحتاج من المال وأن يستعين بأفضل المهندسين وأن يذهب إلى مكة ليفجر بها عين ماء حلوة ثجاجة لا تغيض وأن ينقل ماءها إلى منطقة المشاعر ليرتوي منها الحجيج ويأخذوا من الماء ما يحتاجون ،فنفذ الأمر وقام بالمهمة خير قيام فأجرى المهندسون المسلمون عين ماء من جبال الطائف إلى مكة وأمدوها بالآبار والعيون وأقاموا الاستراحات وسميت في التاريخ بعيون زبيدة ، ولا تزال آثارها باقية إلى اليوم،ومن الجدير بالذكر أن هناك محولات لإحيائها والإفادة منها ولعل هذا من آثار نيتها الصالحة رحمها الله تعالى.

فيا أيها الحبيب ما هو مشروعك الكبير الذي تتركه مؤملا أن يكتب في صحيفتك بعد مماتك؟

هل تركت للأمة ولدا صالحا؟أو أقرأت أبناء المسلمين القرآن؟أو تركت وقفا؟ أو حفرت بئرا؟أو بنيت مسجدا؟.

هل لك من أثر؟.
اسلام ويب

Post: #875
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:21 AM
Parent: #787

الاحترام
أولى الناس بالاحترام والتوقير من كان حظه من الشرع أوفر، ونصيبه من العمل الصالح أكبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن الله تعالى يرفع بهذا الكتاب أقواما، ويضع به آخرين" وذلكم هو ميزان التقديم والتكريم.

وصاحب خلق ( الاحترام) يُجِلُّ العلم وأهله، ومن احترامك للعالم أن تستشعر مهابته. روى البخاري أن حذيفة حدّث حديثا عن الفتن، فأراد التابعون أن يسألوه، قالوا:" فهبنا حذيفة أن نسأله...".

وقد كان هذا شأن الصحابة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ففي مرة أرادوا أن يسألوه عمن قضى نحبه، من المقصود به في قوله تعالى: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه..."، قالوا لأعرابي: سله عمن قضى نحبه من هو؟ يقول الراوي: وكانوا لا يجترئون على مسألته، يوقرونه ويهابونه..." وفي حديث سجود السهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين بدل أربع، فظن بعض الصحابة أن الصلاة قصرت، يقول أبو هريرة:" وفي القوم أبو بكر وعمر، فهاباه أن يكلماه..." وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم استحثهم على السؤال فقال: " سلوني ـ فهابوه أن يسألوه" فأرسل الله جبريل على صورة آدمي ليسأله، ولكي يتعلموا دينهم.
ومن احترام العلماء عدم الخوض معهم في نوادر المسائل، فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأغلوطات، قال الأوزاعي: " الأغلوطات شداد المسائل وصعابها"، وقد ورد في الحديث الصحيح:" لا تعلّموا العلم لتُبَاهوا به العلماء، أو تماروا به السفهاء، ولا لتجترئوا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار"، فليحذر الذين يسألون ليجادلوا، أو ليختبروا، لا ليتعلموا. فإن شأن أمة محمد صلى الله عليه وسلم التوقير والإجلال للعلم وأهله، و " ليس منا من لم يُجِلَّ كبيرنا، ويرحمْ صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه".

وكما وجب الاحترام للعالم، فإن للمتعلم حقه من التوقير والإكرام، يروي أحمد في حديث وفد عبد القيس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنزلهم ضيوفا على الأنصار: "...فلما أن أصبحوا، قالوا: كيف رأيتم كرمة إخوانكم لكم، وضيافتهم إياكم؟. قالوا: خير إخوان: ألانوا فرشنا، وأطابوا مطعمنا، وباتوا وأصبحوا يعلمّوننا كتاب ربنا تبارك وتعالى، وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم". وأوضح من ذلك ما جاء في الحديث الحسن: " سيأتيكم أقوام يطلبون العلم، فإذا رأيتموهم فقولوا لهم: مرحبا بوصية رسول الله. وأفتوهم" فليستوص العلماء بطلابهم خيرا، فإن ذلك يزيد المتعلمين توقيرا وتقديرا لمربيهم ومعلميهم.

وإن من أحوج ما ينبغي التذكير به احترام ذوي سابقة الخير، فقد كان من وصية عمر رضي الله عنه ـ قبل وفاته ـ " أوصي الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين خيرا، أن يعرف لهم حقهم، وأن يحفظ لهم حرمتهم، وأوصيه بالأنصار خيرا ـ الذين تبؤوا الدار والإيمان ـ أن يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم". فتجاوز عن زلة من سبقوك في ميدان الدعوة والجهاد، واحفظ لهم قدرهم ولا تنس لهم فضلهم.

يروي أنس أن جريرا بن عبد الله كان يخدمه ـ مع أنه أكبر منه سناًـ. لأن جريرا هذا لم ينس إكرام الأنصار لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " لا أجد أحدا من الأنصار إلا أكرمته". ويروي أحمد أن رسول الله صلى عليه وسلم قال في خطبة:"...وإن الأنصار عيبتي التي أويت إليها، فأكرموا كريمهم، وتجاوزوا عن مسيئهم". وحين يتربى أبناء الأمة على إكرام ذوي السبق في الخيرات، والأقدمية في خدمة الإسلام، عندئذ يعم الوفاء بين الأجيال.

ومن صور الاحترام المحمودة إكرام الصغير لمن هو أكبر منه سنا، أو أكثر منه فضلا، فإن بن عمر لما عرف جواب سؤال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشجرة التي تشبه المسلم لم يُجب، يقول: " فأردت أن أقول هي النخلة، فنظرت فإذا أنا أصغر القوم، فسكتُّ..." وفي حديث صحيح: " البركة مع أكابركم". والكبير في قومه لا يليق أن يقابل بغير الإكرام جاء في الحديث الحسن: " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه".

ومن كرم المؤمن احترامه لمن سبق أن أحسن إليه، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينس لبعض المشركين ما كان لهم من دور في الذب عنه وعن دعوته. حتى العرب في جاهليتهم كان من الأخلاق المحمودة لديهم: الوفاء والاحترام لمن أحسن إليهم، فقد روي أن رجلا من المشركين مِثْلَ عروة بن مسعود لما أغلظ له أبو بكر القول في مفاوضات صلح الحديبية، لم يجبه بشيء؛ لما لأبي بكر عليه من جميل سابق لم يكافئه عليه بعد، فلذلك قال: " أما والذي نفسي بيده، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها، لأجبتك" وفي حديث صحيح: " من صنع إليكم معروفا فكافئوه". وأدنى ما تكافئ به المحسن إليك أن توقره وتحترمه.

وكل مؤمن حري بالاحترام فلا يُقام من مجلسه ليجلس غيره. وتجب ضيافته. وتشرع مشاورته. ويُشكر على المعروف، وتُؤَدَّى إليه حقوقه غير متعتع، ونقابله بطلاقة الوجه، وندخل السرور إلى قلبه..

والإنسان بطبعه يحب أن يقابل بالاحترام والإكرام، ويطلب من ربه أن يكرمه. جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم زدنا ولا تنقصنا، وأكرمنا ولا تهنا، وأعطنا و لا تحرمنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا..."، ألا خابت أمة لا تتبادل خلق الاحترام والتوقير و"حسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم".

إن من كان في نفسه حقيرا قد لا يقابل الآخرين بالاحترام، والإكرام، والذي يحترم نفسه يُتوقع من مثله أن يحترم الآخرين المستحقين للاحترام. وفي موقف أبي سفيان في جاهليته درس لأصحاب الجاهليات، ولكثير من المسلمين في احترام النفس. إذ أبت عليه نفسه أن يشهد أمام هرقل وأمام الوفد المرافق له من قومه شهادة كاذبة في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية بن اسحاق يعلل ذلك فيقول: " فوالله لو قد كذبت ما ردوا عليّ. ولكني كنت امرءا سيدا أتكرم عن الكذب، وعلمت أن أيسر ما في ذلك ـ إن أنا كذبته ـ أن يحفظوا ذلك عني ثم يتحدثوا به. فلم أكذبه".

وأحيانا يكون الاحترام الشكلي حتى مع من لا يستحق الاحترام لمصلحة شرعية كما كان من مخاطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم لهرقل بـ(عظيم الروم)، يقول ابن حجر: " لم يُخله من إكرام لمصلحة التألّف" وكثيرا ما يحتاج المسلمون للتعامل بالاحترام والتوقير لمصلحة وحدة الصف وتوفير الجهود، وتأليف القلوب، وإزالة الدخن، وإغاظة العدو...وبقدر ما يحترم بعضنا بعضا نكون في نظر الناس محترمين.
محمود الخزندار

Post: #876
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:23 AM
Parent: #787

لا تنشغل بعيوب الناس
لو أبصر المرء عيوب نفسه لانشغل بها عن عيوب الناس ؛ لأن المرء مطالب بإصلاح نفسه أولا وسيسأل عنها قبل غيرها، وقد قال الله تعالى : (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر:38).وقال: (مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (الإسراء:15). ). وقال سبحانه : (وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى)(الأنعام: من الآية164).

قال الشاعر:

المرء إن كان عاقلا ورعا أشغله عن عيوب غيره ورعه

كما العليل السقيم أشغله عن وجع الناس كلهم وجعه

وإذا كان العبد بهذه الصفة ـ مشغولا بنفسه عن غيره ـ ارتاحت له النفوس ، وكان محبوبا من الناس ، وجزاه الله تعالى بجنس عمله ، فيستره ويكف ألسنة الناس عنه ، أما من كان متتبعا عيوب الناس متحدثا بها مشنعا عليهم فإنه لن يسلم من بغضهم وأذاهم ، ويكون جزاؤه من جنس عمله أيضا ؛ فإن من تتبع عورات الناس تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في بيته.

يقول الشاعر:

لا تكشفن مساوي الناس ما ستروا فيهتك الله ستراً عن مساويكا

واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا ولا تعب أحداً منهم بما فيكا

وقد يكون انشغال العبد بعيوب الناس والتحدث بها بمثابة ورقة التوت التي يحاول أن يغطي بها عيوبه وسوءاته ، فقد سمع أعرابي رجلا يقع في الناس، فقال: " قد استدللت على عيوبك بكثرة ذكرك لعيوب الناس؛ لأن الطالب لها يطلبها بقدر ما فيه منها".

يقول الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم حفظه الله تعالى: [والشخص الذي يرى صورة نفسه صغيرة جداً تجده دائماً يضخم عيوب الآخرين، ولذا تبرز شخصية الإنسان من خلال نصيبه من هذه القضية، فإذا عُرف بأنه مشغول بتضخيم عيوب الآخرين والطعن في الناس، فهذه مرآة تعكس أنه يشعر بضآلة نفسه وبحقارتها وأن حجم نفسه صغير؛ لأنه يعتقد أنه لن ينفتح إلا على أنقاض الآخرين، فدائماً يحاول أن يحطم الآخرين، ولذا يكثر نقد الناس وذكر عيوبهم، وهذه مرآة تعكس أن إحساسه وثقته بنفسه ضعيفة، وأنه في داخل نفسه يحس أنه صغير وحقير، فلذلك يشتغل بعيوب الآخرين. يقول عون بن عبد الله رحمه الله: لا أحسب الرجل ينظر في عيوب الناس إلا من غفلة قد غفلها عن نفسه. وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال: كنا نحدث أن أكثر الناس خطايا أفرغهم لذكر خطايا الناس.وكان مالك بن دينار رحمه الله تعالى يقول: كفى بالمرء إثماً ألا يكون صالحاً، ثم يجلس في المجالس ويقع في عرض الصالحين. وقال ابو عاصم النبيل: لا يذكر الناس فيما يكرهون إلا سفلة لا دين لهم].

وقال بكر بن عبد الله: " إذا رأيتم الرجل موكّلا بعيوب الناس، ناسيا لعيوبه ـ فاعلموا أنه قد مُكِرَ به".

والإنسان ـ لنقصه ـ يتوصل إلى عيب أخيه مع خفائه، وينسى عيب نفسه مع ظهوره ظهورا مستحكما لا خفاء به.

فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يبصر أحدكم القذى في عين أخيه، وينسى الجِذْعَ في عينه".

قبيح من الإنسان أن ينسى عيوبه ويذكر عيبا في أخيه قد اختفى

ولو كان ذا عقل لما عاب غيره وفيه عيوب لو رآها قد اكتفى

إن الانشغال بعيوب الناس يجر العبد إلى الغيبة ولابد، وقد عرفنا ما في الغيبة من إثم ومساوىء يتنزه عنها المسلم الصادق النبيل.

كما أن الانشغال بعيوب الناس يؤدي إلى شيوع العداوة والبغضاء بين أبناء المجتمع ، فحين يتكلم المرء في الناس فإنهم سيتكلمون فيه ، وربما تكلموا فيه بالباطل

إذا أنت عبت الناس عابوا وأكثروا عليك، وأبدوا منك ما كان يُسترُ

وإذا رجعت إلى السلف الصالح رضي الله عنهم لوجدت منهم في هذا الباب عجبا؛ إذ كانوا مشغولين بعيوب أنفسهم عن عيوب غيرهم ، بل ينظرون إلى أنفسهم نظرة كلها تواضع مع رفعتهم وعلو شأنهم رضي الله عنهم ، بل كانوا يخافون إن تكلموا في الناس بما فيهم أن يبتلوا بما ابتلي به الناس من هذه العيوب كما قال الأعمش: سمعت إبراهيم يقول: " إني لأرى الشيء أكرهه، فما يمنعني أن أتكلّم فيه إلا مخافة أن أُبتلى بمثله".

وبالإضافة إلى هذا كانوا يوقنون ويعملون بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه".

وقد لقي زاهد زاهداً فقال له: يا أخي! إني لأحبك في الله، فقال الآخر: لو علمتَ مني ما أعلم من نفسي لأبغضتني في الله، فقال له الأول: لو علمتُ منك ما تعلم من نفسك لكان لي فيما أعلم من نفسي شغل عن بغضك.

فيا أيها الحبيب لك في نفسك شغل عن عيوب غيرك ؛ ففيك أضعاف أضعاف ما تراه في الآخرين ، فلا تفتح على نفسك باب الغيبة وسوء الظن وهتك أستار الناس بالانشغال بعيوبهم ، ولا تفتح على نفسك باب شر لا يسد بالكلام عن الناس فيتكلموا عنك:

متى تلتمس للناس عيبا تجد لهم عيوبا ولكن الذي فيك أكثر

فسالمهم بالكف عنهم فإنهم بعيبك من عينيك أهدى وأبصر

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #877
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:25 AM
Parent: #876

اجتنبوا الفتن
إن للفتنة معاني كثيرة ، وإن كانت في الأصل تدل على الاختبار والامتحان والابتلاء ، كما قد تطلق الفتنة على إعجابك بالشيء ، وهي أيضا تعني ما يكون بين الناس من الاختلاف والاقتتال في طلب الدنيا أو الملك.

وقد وردت في القرآن بهذه المعاني وبغيرها لكننا هنا نعني بالفتنة ما يصيب الفرد أو الجماعة من هلاك أو تراجع في المستوى الإيماني، أو زعزعة في الصف الإسلامي.

أنواع الفتن وعلاجها

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

الفتنة نوعان: فتنة الشبهات ، وهي أعظم الفتنتين ، وفتنة الشهوات.وقد يجتمعان للعبد ، وقد ينفرد بإحداهما.

ففتنة الشبهات من ضعف البصيرة ، وقلة العلم ، ولا سيما إذا اقترن بذلك فساد القصد ، وحصول الهوى، فهنالك الفتنة العظمى،والمصيبة الكبرى،فقل ما شئت في ضلال سيء القصد ، الحاكم عليه الهوى لا الهدى ، مع ضعف بصيرته ، وقلة علمه بما بعث الله به رسوله ، فهو من الذين قال الله فيهم:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ)(النجم: من الآية23).

هذه الفتنة مآلها إلى الكفر والنفاق ، وهي فتنة المنافقين ، وفتنة أهل البدع على حسب مراتب بدعهم. فجميعهم إنما ابتدعوا من فتنة الشبهات التي اشتبه عليهم فيها الحق بالباطل ، والهدى بالضلال...ولا ينجي من هذه الفتنة إلا تجريد اتباع الرسول وتحكيمه في دق الدين وجله ، ظاهره وباطنه ، عقائده وأعماله ، حقائقه وشرائعه، فيتلقى عنه حقائق الإيمان وشرائع الإسلام.

أما النوع الثاني من الفتنة ففتنة الشهوات.وقد جمع سبحانه بين ذكر الفتنتين في قوله: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاقِكُمْ)(التوبة: من الآية69) أي استمتعوا بنصيبهم من الدنيا وشهواتها ، والخلاق هو النصيب المقدر ، ثم قال : (وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا)(التوبة: من الآية69).فهذا الخوض بالباطل وهو الشبهات. فأشار سبحانه في هذه الآية إلى ما يحصل به فساد القلوب والأديان من الاستمتاع بالخلاق والخوض بالباطل؛لأن فساد الدين إما أن يكون باعتقاد الباطل والتكلم به أو بالعمل بخلاف العلم الصحيح. فالأول هو البدع وما والاها، والثاني : فسق العمل.

ثم قال : ففتنة الشبهات تدفع باليقين ، وفتنة الشهوات تدفع بالصبر ، ولذلك جعل سبحانه إمامة الدين منوطة بهذين الأمرين ، فقال : (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة:24).فدل على أنه بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين. وبكمال العقل والصبر تدفع فتنة الشهوة ، وبكمال البصيرة واليقين تدفع فتنة الشبهة والله المستعان.

من أسباب الوقوع في الفتن

من أول أسباب الوقوع في الفتنة استعداد القلب لقبولها كما في الحديث: " تعرض الفتن على القلوب...وأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء"، وكذلك قبول السعي فيها، ففي الصحيح: "...الماشي فيها خير من الساعي ، من تشّرف لها تستشرفه". أي من تطلع لها صرعته فيها.

وأشد ما يؤجج الفتن الخوص بالألسنة، يقول القرطبي في تعليل أسباب كثير من الفتن أنها تبدأ: " بالكذب عند أئمة الجور، ونقل الأخبار إليهم، فربما ينشأ من ذلك الغضب والقتل، أكثر مما ينشأ من وقوع الفتنة نفسها".

وكم تكبر الفتنة حينما يبني المرء موقفه على وهم!! وذلك مثلما حصل مع الصحابيْين الكريميْن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما حينما أشار أبو بكر بتأمير رجل على وفد بني تميم وأشار عمر بتأمير غيره، فقال أبو بكر: " إنما أردتَ خلافي"، وعمر يقول له: " ما أردتُ خلافك"، وعلت أصواتهما عند رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إن راوي الحديث قال: " كاد الخيّران أن يهلكا".

وأخطر ما يقود إلى الفتن تقديم الرأي على حكم الشرع، فقد جاء في صحيح البخاري أن سهل بن حنيف قال: " أيها الناس اتهموا رأيكم على دينكم...".

وقد تفرّ من الفتنة فيلاحقك أهلها وأنت كاره للخوض فيها كما ورد عن أبي الدرداء رضي الله عنه: " إن ناقدت ناقدوك، وإن تركتهم لم يتركوك، وإن هربت منهم أدركوك....".

وقد يكون استلامك لإمارة لا تقدر عليها سبب فتنة لك ولمن معك، ولذلك جزع عمرو بن العاص رضي الله عنه جزعا شديدا لما حضرته الوفاة، وتذكر حياته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: " فلو مت حينئذ قال الناس: هنيئا لعمرو أسلم وكان على خير فمات فرُجيَ له الجنة، ثم تلبست بعد ذلك بالسلطان وأشياء، فلا أدري عليّ أم لي....".

وإن كنت في موضع القدوة أو الإمرة فلا تحمّل الناس ما لا يطيقون، فتفتنهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما علم أن معاذا رضي الله عنه يطيل الصلاة بالناس قال له ثلاثا: " يا معاذ! أفتّان أنت؟!"، وفي خطبة لعمر رضي الله عنه قوله" ألا لا تضربوا المسلمين فتذلوهم، ولا تجمّروهم فتفتنوهم، ولا تمنعوهم حقوقهم فتُكفِروهم".

وإن الانشغال بالقول عن العمل كثيرا ما يفضي إلى كثير من الفتن والمشكلات، يقول ابن تيمية رحمه الله: " فإذا ترك الناس الجهاد في سبيل الله فقد يبتليهم بأن يوقع بينهم العداوة، حتى تقع بينهم الفتنة ـ كما هو الواقع ـ " ، وفي المثل: " العسكر الذي تسوده البطالة يجيد المشاغبات".

إن من آثار الفتنة أنها تُنسي الواقعين فيها حقائق يعرفونها وحدودا كانوا يلتزمونها، وإن الواقع في الفتنة تخف تقواه، ويرق دينه، ولذلك حين يُبعَد أناس عن الحوض كان يظنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمته يُجاب : " لا تدري مشوا على القهقرى" قال راوي الحديث ـ ابن أبي مليكة ـ : " اللهم إنا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن".

وفي الحديث الذي يسأل فيه حذيفة عن الشر: " ....يا رسول الله الهدنة على الدّخن ما هي"؟ قال: "لا ترجع قلوب أقوام على الذي كانت عليه"، يقول شارح الحديث: " أي لا تكون قلوبهم صافية عن الحقد والبغض كما كانت صافية قبل ذلك".

ترى الرجل العاقل ولا تدري أين ذهب عقله في حال وقوع الفتنة، ينقل ابن حجر حديثا لابن أبي شيبة في الفتن: " ...ثم فتنة تموج كموج البحر وهي التي يصبح الناس فيها كالبهائم" أي لا عقول لهم، ويؤيده حديث أبي موسى: " تذهب عقول أكثر ذلك الزمان".

وحين بيّن ابن حجر استحباب الاستعاذة من الفتن، حتى في حق من علم أنه على الحق، علّل ذلك بقوله: " لأنها قد تفضي إلى وقوع ما لا يرى وقوعه".

ومن أخطر آثار الوقوع في الفتن انعدام التأثر بالموعظة، روى أحمد: أن أخاًَ لأبي موسى كان يتسرع في الفتنة فجعل ينهاه ولا ينتهي فقال: " إن كنتُ أرى أنه سيكفيك مني اليسير ـ أو قال من الموعظة ـ دون ما أرى..."، بل ويستصغر الناس المعاصي. يقول عبد الله بن عمر: " في الفتنة لا ترون القتل شيئا".

فما سبيل النجاة من الفتن؟.

من المنجيات من الفتن: أن تتنازل عن حقك في الدنيا، وإن كان الصبر على ذلك شاقاً على النفس، كما جاء في سنن أبي داود: " إن السعيد لمن جنّب الفتن ـ ثلاثاً ـ ولمن ابتُلي فصبر فواهاً"، ومن كانت الفتنة تحيط به ولا منجى له منها فليفرّ بدينه من الفتن أو ليكثر من العبادة كما في الحديث : " العبادة في الفتنة كالهجرة إليّ"، والتزود بالأعمال الصالحة مطلوب للوقاية من الفتنة قبل وقوعها، قال صلى الله عليه وسلم: "بادروا بالأعمال فتناً".

يقول النووي في شرح الحديث: " معنى الحديث الحث على المبادرة إلى الأعمال قبل تعذرها، والاشتغال عنها بما يحدث من الفتن الشاغلة المتراكمة المتكاثرة".

ومن كان يملك أسباب الفتنة فليتخلص منها كما جاء في الحديث:" كسّروا فيها قِسيّكم" حتى إن كعب بن مالك رضي الله عنه يذكر في قصة الثلاثة الذين خُلفوا؛ كيف جاءه كتاب من ملك غسان وفيه"....قد بلغني أن صاحبك قد جفاك، ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة، فَالْحَقْ بنا نواسك" يقول كعب: " فقلت لما قرأتها: وهذا أيضا من البلاء فتيمّمت التنّور فسجرته بها".

وحاولْ في الفتنة ألاّ تكون أميرا فإن أسامة رضي الله عنه كان يقول: " ما أنا بالذي أقول لرجل ـ بعد أن يكون أميرا على رجلين ـ: أنت خير" يقول ابن حجر : " فكان أسامة يرى أنه لا يتأمّر على أحد، وإلى ذلك أشار بقوله: لا أقول للأمير : إنه خير الناس".

والدعاء بالحماية من شرور الفتن سبب من أسباب النجاة ففي مسند أحمد: " وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون" وفي دعاء عمر رضي الله عنه : " نعوذ بالله من شر الفتن" وقال أنس رضي الله عنه: " عائذاً بالله من شر الفتن".

وينجيك عند الله أن تنكر الفتنة، ولا ترضى بها، ولا تعين عليها، قال صلى الله عليه وسلم: "...وأي قلب أنكرها نكتت فيه نُكتة بيضاء حتى يصير القلب أبيض مثل الصفا لا تضره فتنة ما دامت السموات والأرض".

ومن أهم المنجيات أن يفقه المرء دينه، وأن يميز حدود الشرع ـ دون التباس ـ فقد نقل ابن حجر عن ابن أبي شيبة حديثاً عن حذيفة يقول فيه: " لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل".

ورغم كل هذه الأسباب المنجية وغيرها، لا بد للقلب من أن يبقى معلقاً بالله، وحقاً: "إن السعيد لمن جُنّب الفتن" فاجتناب الفتن حفظ رباني، أكثر من كونه كسباً بشرياً، فخذ بالأسباب واستعن بالله.
اسلام ويب

Post: #878
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:28 AM
Parent: #787

أسباب زياد ة الإيمان: التفكر
إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى ، فقد سماها الله آيات, يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق, وعلى كمال قدرته, وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(فصلت: من الآية37) يعني: من الآيات التي نصبها دليلا على عظمته. وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12). وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الروم:21ـ24).

وقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر في هذه الآيات التي أودعها كونه الواسع:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الروم:8) .

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185).

ونحو ذلك من الآيات القرآنية التي تحث العباد على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, لو تفكر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب, كما قال الله تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21)

فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعبا بدون أن يكون لذلك حكمة, فإنه بذلك قد ظن السوء ، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).(صّ:27).

قال الغزالي رحمه الله تعالى : "كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم ، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره".

وصدق سفيان بن عيينة رحمه الله إذ قال:

إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

التفكر أصل الخير

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" أصل الخير والشر من قبل التفكر ؛ فإن مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض ، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها...ورأس (هذا) القسم الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما ، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة ، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها ، وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.وهذه تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب اكثر الخلق.كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه،ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه".

الرسول يطيل التفكر

لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: " يا عائشة ذريني أتعبد لربي " قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ،فلما رآه يبكي قال: ي رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبدا شكورا ، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران:190).

وهذه أقوال الصالحين وأفعالهم

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : الفكرة في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة.

وقد بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها،ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

وعن عامر بن قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.

وقال الحسن رحمه الله تعالى : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وعن عبد الله بن عتبة قال : سألت أم الدرداء : ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.

ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء أن لقمان كان يطيل الجلوس وحده ، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان ، إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان : إن طول الوحدة أفهم للفكر،وطول الفكر دليل على طريق الجنة.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.

وكتب الحسن رحمه الله تعالى إلى عمر بن عبد العزيز يقول : اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما بقي وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.

وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرىء قط إلا علم ، وما علم امروء قط إلا عمل.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.وقال: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس، وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم ، وتدبر قبل أن تهجم ، وشاور قبل أن تقدم.

وورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.

وقال أبو سليمان رحمه الله :عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.

ونختم حديثنا عن التفكر كسبب من أسباب زيادة الإيمان بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أنفع الدواء أن تشغل قلبك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك ، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الاشياء له بما لا منفعة له فيه ، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك ؛فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد ولا تقترب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك إلا بها ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.

نسأل الله الكريم من فضله ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #879
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:30 AM
Parent: #787

أسباب زيادة الإيمان: تدبر القرآن
ذكرنا في مقال سابق أن الإيمان يزيد وينقص ، وأن الزيادة في إيمان العبد لها أسبابها التي إن أخذ بها العبد ازداد إيمانا.

ومن أهم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن الكريم بتفكر وتدبر؛ فهذا القرآن هو كتاب هداية ،آياته البينات هي النور الذي يستضيء به العبد فيهتدي للتي هي أقوم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(الإسراء: من الآية9).

فبه يخرج العبد من الظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).

إنه الشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).

وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)

إنه الروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).

إنه الكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنين الصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).

إن تدبر القرآن يزيد العبد إيمانا ونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذي كان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.

وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإن كان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعة للقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقول الحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .

إن الله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر من أعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .

ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).

وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟

وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قام الليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائب أو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".

وإذا قرأ العبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإما ابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.

وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".

نسأل الله تعالى أن يرزقنا تدبر كتابه ، وأن يزيدنا إيمانا.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اسلام ويب

Post: #880
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:32 AM
Parent: #787

أسباب زيادة الإيمان:طلب العلم
مما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانا ، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب جل وعلا ، وبالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات، (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة: من الآية11).

بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله عز وجل في القلوب ، كما أخبر الله في كتابه الكريم: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: من الآية28).

وكما قال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج:54) .

وكيف لا يزداد الإيمان بطلب العلم ومجالس العلم هي مجالس ذكر تتلي فيها آيات الله ويتعلم فيها كيف يعظم الرب ويمجد وكيف يعبد ، وتدرس فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه المجالس تحضرها الملائكة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض ـ فضلا عن كتاب الناس ـ فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، قال: فيقول :كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وأشد تمجيدا وأشد لك ذكرا، قال: فيقول: وأي شيء يطلبون؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنة، قال: فيقول: فهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا، قال: فيقول: فمن أي شيء يتعوذون؟ قالوا؟ يتعوذون من النار، قال: فيقول: فهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا وأشد منها تعوذا، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم، إنما جاءهم لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى لهم جليس ".

كيف لا يزداد إيمان العلماء وطلاب العلم ، وهم حين اجتمعوا لمدارسة العلم قد " نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ".

وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علما إنما يزداد نورا وبصيرة؟

وقد جعل الله العمى الحقيقي الجهل الذي هو في مقابلة العلم ،فالعلم نور للبصائر والجهل ظلمة وعمى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الرعد:19). وقال الله تعالى مبينا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله تعالى به خيرا بسلوكه سبيل العلم والفقه في الدين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "

وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ".

أم كيف لا يزداد إيمان من علم الناس الخير حتى " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".

ومن كرم أهل العلم على الله تعالى أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه ، كما قال تعالى: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) .

وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي صلى الله عليه وسل حين قال: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه ".

إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته ، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين ، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16).

ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها ، ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تعالى منه المزيد: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع : " اللهم إني أسألك علما نافعا.."

فاللهم زدنا إيمانا وعلما ، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #881
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:34 AM
Parent: #787

هل تجد قلبك؟
إن القلب هو محل نظر الرب سبحانه وتعالى ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم".

وما سمي القلب قلبا إلا من تقلبه، فتارة يجد العبد قلبه ممتلئا إيمانا وخشية ، مما يورثه سعادة وأنسا وانشراحا،وتارة يضيق عليه صدره ويضعف الإيمان في قلبه ،وهذا حال ابن آدم.

وقد نبه الشرع المطهر إلى هذه الحقيقة ـ أن القلب يتقلب ـ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنما القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة معلقة في أصل شجرة يقلبها الريح ظهرا لبطن".

وقال صلى الله عليه وسلم: " لقلب ابن آدم أسرع تقلبا من القدر إذا استجمعت غليانا".

ولهذا كان كثيرا ما يسأل ربه ثبات القلب على الإيمان والهداية والتقوى ، فيقول: " اللهم مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".

وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لحنظلة رضي الله عنه أن القلب لا يستقر على حال ، فحين لقي حنظلة أبا بكر رضي الله عنه فسأله أبو بكر: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة ، قال أبو بكر : وما ذاك؟ قال حنظلة : نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنا رأي عين ، فإذا خرجنا من عند رسول الله عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات ( يعني أسباب المعاش ) فنسينا كثيرا ، قال أبو بكر رضي الله عنه : إنا لنلقى مثل هذا ، فانطلقا حتى دخلا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبراه ، فقال: " والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ، ولكن يا حنظلة ساعة وساعة".

نعم فالإيمان يزيد وينقص ، وهذه عقيدة أهل السنة أن الإيمان يزيد وينقص ، وقد دل على ذلك الكثير من الأدلة ، ومنها قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (الفتح:4) .

وقوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الأنفال:2) .

وقوله تعالى (وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) (الأحزاب:22).

وحين يزداد الإيمان ينعم الإنسان بهذا الإيمان حتى قال بعضهم: إنه لتمر بالقلوب ساعات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي خير عظيم.

وقالوا حين استشعروا حلاوة الإيمان ولذته : لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه ( يعني من السعادة) لجالدونا عليه بالسيوف.

كما قد يضعف الإيمان في القلب حتى لا يكاد يكون له أثر ولا يكاد يحجز صاحبه عن شيء من المعاصي ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولايشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن".

وليس معنى ذلك أن الزاني والسارق وشارب الخمر قد كفر بذلك ، كما بين ذلك النووي رحمه الله فقال في شرح هذا الحديث: فالقول الصحيح الذي قاله المحققون إن معناه: لا يفعل هذه المعاصي وهو كامل الإيمان، وهذا من الألفاظ التي تطلق على نفي الشيء ويراد نفي كماله... كما يقال: لا علم إلا ما نفع، ولا مال إلا الإبل، ولا عيش إلا عيش الآخرة.

وإنما تأولناه على هذا المعنى لحديث أبي ذر وغيره من قال: "لا إله إلا الله دخل الجنة وإن زنى وإن سرق"...

فالمقصود بيان أن الإيمان قد يضعف جدا في القلب ، وإذا ضعف الإيمان في القلب وجد العبد وحشة وضيقا حتى إن الدنيا كلها لتضيق عليه كما قال الله تعالى : (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً )(طـه: من الآية124).

لهذا كان لزاما على العبد أن يتفقد قلبه ويأخذ بأسباب صلاحه وزيادة الإيمان لأنه:

لا يفلح ولا ينجو يوم القيامة إلا أصحاب القلوب الحية الطيبة السليمة المؤمنة: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) (الشعراء:88ـ89) .

وقد كان السلف يوقنون بهذا فيتواصون بأسباب زيادة الإيمان كما ثبت ذلك عن عمر رضي الله عنه أنه كان يقول لجلسائه: تعالوا نزدد إيمانا.

وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لأخيه المسلم إذا لقيه: اجلس بنا نؤمن ساعة.

كما كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: هيا بنا نؤمن ساعة ، وأُثر من دعائه: اللهم زدني إيمانا ويقينا وهدى وصلاحا.

فما هي أهم أسباب زيادة الإيمان؟

هذا ما نجيب عنه في مقالات قادمة إن شاء الله ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
منقول

Post: #882
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-13-2015, 01:36 AM
Parent: #881

من لوازم الحكم على الآخرين : سلامة القلب والتجرد من الهوى
إن محاولة تقويم أي رجل من الرجال أو مؤلَّف من المؤلَّفات بمقررات سابقة وخلفيات مبيتة تجعل الإنسان يميل عن الحق ميلاً واضحًا، فهو لا ينظر إلى المرء بمجموع أعماله, بل يتغاضى عن المحاسن, ولا يقع بين عينيه إلا الهفوات، بل قد يعطيها أكثر مما تستحق من النقد والتجريح.
لذا كان التجرد في التقويم من الأسباب المهمة التي تجعل الحكم صوابًا أو قريبًا من الصواب. قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا}.
وكما يجب التجرد من هوى العداوة والبغضاء في النقد فإنه يجب التجرد من هوى الحب في المدح, وكما لا يجوز التحامل فإنه لا تجوز المحاباة. قال شعبة: "لو حابيت أحدًا لحابيت هشام بن حسان، كان ختني ولم يكن يحفظ".
وسئل علي بن المديني عن أبيه فقال: "سلوا غيري". فأعادوا فأطرق، ثم رفع رأسه فقال: "هو الدين".
وكان أبو داود السجتساني يكذّب ابنه. وقال عبيد الله بن عمرو: قال لي زيد بن أبي أُنيسة: "لا تكتب عن أخي؛ فإنه كذاب".
وتدبروا أيها الإخوة وصية الله لنبيه داود عليه السلام: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}.
فلا ينبغي أن تكون المحبة لشخص أو البغضاء له دافعًا إلى إهمال العدل: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى}. والقلب إن لم يسلم من التأثر بهذه العواطف القلبية فلابد من الخطأ في التقويم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "ومن المعلوم أن مجرد نفور النافرين، أو محبة الموافقين، لا يدل على صحة قول ولا فساده, إلا إذا كان ذلك بهدى من الله, بل الاستدلال بذلك استدلال باتباع الهوى بغير هدى من الله؛ فإن اتّباع الإنسان لما يهواه هو أخذ القول والفعل الذي يحبه، وردّ القول والفعل الذي يبغضه بلا هدى من الله".
وقال أيضًا رحمه الله: "وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك, ولا يطلبه, ولا يرضى لرضا الله ورسوله، ولا يغضب لغضب الله ورسوله, بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه, ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه، ويكون مع ذلك معه شبهة دين: أن الذي يرضى له ويغضب له أنه السنة، وأنه الحق، وهو الدين".

اقصد وجه الله والنصح للمسلمين
وبهذا يتبين أن التجرد في القول والعمل وسلامة المقصد أصل مهم في تقويم الرجال وأعمالهم، حتى لو كان رأي الإنسان صحيحًا, لكنه لم يقصد به وجه الله تعالى ثم النصح للمسلمين؛ فإن عمله مردود غير مقبول, وهو مأزور غير مأجور إذا لم يتجاوز عنه ربه؛ قال الله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم, إن لم يقصد منه بيان الحق وهدى الخلق ورحمتهم والإحسان إليهم لم يكن عمله صالحًا، وإذا غلظ في ذم بدعة ومعصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العباد كما في نصوص الوعيد وغيرها. وقد يهجر الرجل عقوبةً وتعزيزًا والمقصود بذلك ردعه وردع أمثاله للرحمة والإحسان لا للتشفي والانتقام, كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الثلاثة الذين خلّفوا في غزوة تبوك".
فعلى الإنسان المسلم أن يفتش في قلبه ويطهّره من جميع آثار الهوى قبل أن يبدأ في تقويم شخص من الأشخاص أو كتاب من الكتب؛ لكي يكون متين الرأي منصفًا, بعيدًا عن الجور والظلم المذموم شرعًا، وذلك أن صاحب هذا القلب الطاهر السليم مطمئن البال, هادئ النفس, يحب الخير للناس, ويبذل النصح لهم, وهذه هي صفات أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين مدحهم الله عز وجل بقوله: {وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}.
ومثل هذا يُلقى له القبول بين الناس حتى وهو يرد على الأخطاء والانحرافات؛ فإنه يصاحبه في ذلك شعور بالشفقة وحب الهداية للغير لا مجرد الرد والخصومة والجدال كما هو الحال في كثير ممن يتصدى للمخالفين له أو لشيخه؛ حيث إن الأمر يصل به إلى الاعتداء في كلامه لمن يخالفه في الفروع التي يسعها الخلاف, فضلاً عن الأصول, لا لشيء إلا لأنه خالفه أو خالف شيخه وكفى.

لا تشغل قلبك بما ينالك من الأذى
فبسلامة القلب ـ إخوة الإسلام ـ يتم العدل في جميع الأمور, وصاحب القلب السليم لا يؤذي المسلمين ولو آذوه، ولا ينتقم لنفسه.
وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في مدارج السالكين أحد عشر مشهدًا فيما يصيب المسلم من أذى الخلق وجنايتهم عليه, نكتفي بمشهد واحد؛ حيث يقول رحمه الله: "المشهد السادس: مشهد السلامة وبرد القلب، وهذا مشهد شريف جدًا لمن عرفه وذاق حلاوته، وهو أن لا يشغل قلبه وسِره بما ناله من الأذى وطلب الوصول إلى درك ثأره وشفاء نفسه، بل يفرّغ قلبه من ذلك، ويرى أن سلامته وبرده وخلوّه منه أنفع له وألذ وأطيب، وأعون على مصالحه؛ فإن القلب إذا اشتغل بشيء فاته ما هو أهم عنده وخير له منه، فيكون بذلك مغبونًا، والرشيد لا يرضى بذلك ويرى أنه من تصرفات السفيه، فأين سلامة القلب من امتلائه بالغلّ والوساوس وإعمال الفكر في إدراك الانتقام.
ولابن تيمية رحمه الله رسالة كتبها إلى تلامذته بدمشق تبرز فيها هذه الصفة ـ سلامة القلب ـ بجلاء, نذكر مقاطع منها:
يقول رحمه الله في رسالته لتلامذته: "وتعلمون من القواعد العظيمة التي هي من جماع الدين تأليف القلوب, واجتماع الكلمة, وصلاح ذات البين؛ فإن الله تعالى يقول: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا}, ويقول: {وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}, وأمثال ذلك من النصوص التي تأمر بالجماعة والائتلاف وتنهى عن الفرقة والاختلاف, وأهل هذا الأصل هم أهل الجماعة، كما أن الخارجين عنه هم أهل الفرقة".
إلى أن قال في الرسالة نفسها: "وأول ما أبدأ به من هذا الأصل ما يتعلق بي, فتعلمون ـ رضي الله عنكم ـ أني لا أحب أن يؤذى أحد من عموم المسلمين ـ فضلاً عن أصحابنا ـ بشيء أصلاً, لا باطنًا ولا ظاهرًا، ولا عندي عتب على أحد منهم ولا لوم أصلاً, بل لهم عندي من الكرامة والإجلال والمحبة والتعظيم أضعاف أضعاف ما كان كلٌّ يحسبه, ولا يخلو الرجل إما أن يكون مجتهدًا مصيبًا أو مخطئًا أو مذنبًا، فالأول مشكور، والثاني مع أجره على الاجتهاد فمعفو عنه مغفور له، والثالث فالله يغفر لنا وله ولسائر المؤمنين، فنطوي بساط الكلام المخالف لهذا الأصل كقول القائل: فلان قصّر، فلان ما عمل، فلان أوذي الشيخ بسببه، فلان كان سبب هذه القضية، فإني لا أسامح من آذاهم من هذا الباب ولا حول ولا قوة إلا بالله، بل مثل هذا يعود على قائله بالملام إلا أن يكون له من حسنة، وممن يغفر الله له إن شاء الله, وقد عفا الله عما سلف".
إلى أن قال رحمه الله في الرسالة نفسها: "فلا أحب أن يُنتصر من أحد بسبب كَذِبِه عليّ، أو ظُلمِه وعدوانه؛ فإني أحب الخير لكل المسلمين، وأريد لكل مؤمن من الخير ما أحبه لنفسي, والذين كذبوا وظلموا في حلّ من جهتي".
انتهى كلامه رحمه الله، وهو كلام عظيم يستشعر قارئه فيه الصدق وقمة التجرد من الهوى، وقلّ من يكون كذلك.. وقد قال الإمام ابن ناصر الدين الدمشقي: "هيهات هيهات! إن في مجال الكلام في الرجال عقبات، مرتقيها على خطر، ومرتقيها هوىً لا منجى له من الإثم ولا وزر، فلو حاسب نفسَه الرامي أخاه ما السبب الذي أهاج ذلك؟ لتحقق أنه الهوى الذي صاحبه هالك.

كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى
ونظرًا لأهمية هذه القاعدة ـ سلامة القلب والتجرد من الهوى ـ في تقويم الأشخاص والكتب كان من منهج أئمة الحديث في تقويم الرجال أن كلام الأقران بعضهم في بعض يطوى ولا يروى، والأقران هم النظراء في المكانة والعلم أو المتنافسون في مجال ما، فهؤلاء الأقران كثيرًا ما يقع بينهم شيء من الاختلاف لأي سبب من الأسباب؛ فيؤدي ذلك إلى وقوع بعضهم ببعض دون عدل أو تأنٍّ، حتى إن الواحد منهم قد يصف صاحبه بأوصاف يعلم يقينًا أنه بريء منها، ولكنّ حبّ الذات والانتصار للنفس يزكي فيه روح الغيرة والاعتداء. ومن أجل هذا كان النقاد الجهابذة من المحدثين يهملون هذا الجرح لأنه في الغالب لا يسلم من التجرد من الهوى ولا يصدر عن سلامة في القلب.
قال الإمام الذهبي: "كلام الأقران بعضهم في بعض لا يعبأ به, لاسيما إذا لاح لك أنه لعداوة أو لمذهب أو لحسد... وما ينجو منه إلا من عصمه الله، وما علمت أن عصرًا من الأعصار سلم أهله من ذلك سوى الأنبياء والصديقين, ولو شئت لسردت من ذلك كراريس".
فإذا كان هذا كلام الذهبي في زمانه السالف وما قبله فكيف بحالنا اليوم؟!
وقال السبكي: "الصواب عندنا أن من ثبتت إمامته وعدالته وكثر مادحوه ومزكّوه، وندر جارحوه، وكانت هناك قرينة دالة على سبب جرحه مِن تعصب مذهبي أو غيره، فإنا لا نلتفت إلى الجرح فيه ونعمل فيه بالعدالة، ولو فتحنا هذا الباب وأخذنا تقديم الجرح على إطلاقه لما سلم لنا أحد من الأئمة؛ إذ ما من إمام إلا وقد طعن فيه طاعنون وهلك فيه هالكون.

فتأمل أخي المسلم كيف كان منهج سلفنا في تقويم الأشخاص, وكيف أصبحنا اليوم نقع في الأشخاص وننقدهم النقد اللاذع, ليس لأننا رأينا أخطاءهم بالعمل, ولكن اعتمادًا على كلام أقرانهم وقدح منافسيهم فيهم, مع أن ذلك لا يصلح الاعتماد عليه في النقد والتقويم, بل يطوى ولا يروى كما قال الأئمة.
ومن المهم أن ندرك أن صورة ذلك الاختلاف بين الأقران لا تقف عند المحدثين فحسب، بل تتعداه في عصرنا إلى العلماء والدعاة وشتى العاملين في حقل الدعوة الإسلامية. ولذا كان المنهج القسط أن ينظر إلى الخلفيات التي تكمن وراء الجرح والنقد، ومن ثم يوزن الجرح أو النقد بما يقتضيه الحال مع التحري والإنصاف, حتى لا يُتَّهم أحد بما ليس فيه، فليس كل جرح مؤثرًا، وليس كل اتهام مقبولاً.
قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: "كل رجل ثبتت عدالته لم يقبل فيه تجريح أحد حتى يتبين ذلك عليه بأمر لا يحتمل غير جرحه".
فتأمل كيف ابتعد الناس اليوم عن معنى هذا الكلام المستقيم؛ حيث أصبحوا يفقدون الثقة بعضهم ببعض اعتمادًا على شائعة أو اتباعًا لكلام حاسد.
ومن التجرد من الهوى الفرح بإصابة الغير للحق والحزن على مجانبتهم له، ولعل هذا الأمر من أصعب الأمور؛ لأنه يمثل قمة العدل والتقوى والورع، ومما يؤسف ويحزن أننا نرى الكثيرين من دعاة المسلمين اليوم ـ فضلاً عن عامتهم ـ إذا رأوا غيرهم قد أخطأ فإنهم يفرحون بذلك, حتى يحسبونه غلبة, بل إنك ترى الكثيرين منهم يتتبع الكتابات والمقالات التي قالها غيرهم, وهمهم الوحيد هو تتبع العثرات والفرح باصطيادها, في الوقت الذي لو وجدوا خلاف ذلك ـ من إصابة غيرهم للحق ـ فإنهم يحزنون لهذه الإصابة، وهذا ـ والعياذ بالله ـ هو الظلم والحقد والحسد والذي لا يلتقي مع الإخلاص والعدل وحب الخير للناس، وما أحسن الحكاية التي ذكرها ابن رجب رحمه الله حول هذا الأمر؛ حيث قال: "وقد استحسن الإمام أحمد ما حكي عن حاتم الأصم أنه قيل له: (أنت رجل أعجمي لا تفصح، وما ناظرك أحد إلا قطعته, فبأي شيء تغلب خصمك؟ فقال: بثلاث؛ أفرح إذا أصاب خصمي، وأحزن إذا أخطأ، وأحفظ لساني عنه أن أقول له ما يسوؤه. ـ أو معنى هذا ـ فقال أحمد: ما أعقله من رجل).
و الله تعالى أعلم ، و صلى الله و سلم على نبينا محمد و على آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصريون

Post: #883
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-14-2015, 00:40 AM
Parent: #787

عواقب وآثار التسويف
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ، وبعد:

فقد تكلمنا في مقال سابق عن التسويف معناه وأسبابه ، وفي مقالنا هذا نتكلم عن آثار التسويف على صاحبه وعلى دعوته وعمله.

أما آثار التسويف على العاملين فكثيرة، نذكر منها:

1 - الحسرة والندم في وقت لا تنفع فيه الحسرة والندم:

ذلك أن المسوف يقضي دهره متعديا على حدود الله، مفرطاً في جنبه حتى إذا جاءه الموت، وكشف عنه الغطاء، وعاين الأمور على حقيقتها يتحسر ويندم، ويتمنى التأخير، أو الرجعة إلى الدنيا ليتدارك أمره، وأنى له ذلك، وقد ضاعت منه الفرصة وفات الأوان، يقول تعالى: {حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون} ( المؤمنون: 99-100)، {وأنفقوا من ما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فاصدق وأكن من الصالحين.ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعلمون} ( المنافقون: 10-11)، {ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين}( الأنعام: 27).

2 - الحرمان من الأجر والثواب:

وهو كذلك بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه حرم نفسه من كثير من الأجر والثواب، وما قيمة الإنسان غدا إذا لقي ربه بغير أجر ولا مثوبة، إن قيمته إذن أن يكون من أصحاب الجحيم، وتلك هي الخسارة الحقيقية، وصدق الله الذي يقول: {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل} (الزمر: 15)، {إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (الشورى: 45).

3 - تراكم الذنوب، وصعوبة التوبة :

والتسويف يؤدي إلى تراكم الذنوب، وإذا تراكمت الذنوب ثقلت على المرء، وحار حيرة شديدة، بأيها يبدأ، وبأيها ينتهي، الأمر الذي يؤول به إلى استثقال التوبة وصعوبتها وواقع العصاة والمذنبين في كل عصر ومصر خير شاهد على ذلك .

4 - تراكم ا لأعمال، وصعوبة الأداء :

وقد يؤدي التسويف إلى تراكم الأعمال، وتزاحم الأعباء، فلا يدري المرء أيها يقدم، وأيها يؤخر، ومن ثم يتشتت فكره ويضيع سعيه، ويصبح أمره فرطا، ولا يمكن أن ينجز واجباً من الواجبات .

5 - ضياع الهيبة، وعدم القدرة على التأثير في الناس:

وهو بتعديه على حدود الله، وتفريطه في جنبه سبحانه وعدم قيامه بواجبه نحو ربه، ونحو نفسه، وذويه، ونحو أمته، تضيع هيبته من صدور الناس، ولا يتمكن من إتقان أي عمل من الأعمال، الأمر الذي يفقده القدرة على التأثير في الناس، وإذا ضاعت هيبة المسلم من صدور الناس فقد القدرة على التأثير فيهم، واستوى معهم، وكيف يستوي معهم، والمفروض أنه إمامهم، ورائدهم كما قال سبحانه: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيـدا} ( البقرة :143)، {ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس} ( الحج : 78).

أما آثاره على العمل الإسلامي ، فمنها:

1 - تطويق العمل الإسلامي :

الأمر الذي يؤدي إلى طول الطريق وكثرة التكاليف، ذلك أن التسويف ينتهي بأصحابه إلى ضياع الهيبة، وفقدان عنصر التأثير في الناس كما قدمنا، الأمر الذي يطمع العدو، ويقلل من الأنصار، وبذلك يسهل تطويق هذا العمل، وتكثر التكاليف ويطول الطريق .

2 - الحرمان من العون والمدد الإلهي :

وذلك أن من سنته سبحانه في خلقه أنه لا يمنحهم عونه ولا مدده وهم مسوفون، متعدون على حدود الله، مفرطون في جنبه سبحانه، وإذا حرم العمل الإسلامي عونه ومدده سبحانه، فعلى هذا العمل السلام، ولن يصل إلى مبتغاه.

علاج التسويف:

وما دمنا قد وقفنا على ماهية ومظاهر وأسباب وآثار التسويف، فإنه يسهل علينا الآن أن نسعى نحو العلاج، والوقاية، بل أن نصف هذا العلاج وهذه الوقاية، وذلك على النحو التالي:

1 - أخذ النفس بالحزم، وقوة العزيمة، ولأن تتعب النفس اليوم لتستريح غدا، خير لها من أن تستريح اليوم، وتتعب غدا، وأيضا لأن مكر الله غير مأمون، والموت يأتي بغتة، وإذا لم يأت بغتة فإنه يسبقه المرض، ثم يكون الموت، وهو سبحانه يقول: {وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون.واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون.أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين.أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين.أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين.بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكـافرين} (الزمر: 54-59).

2 - تذكير النفس دوماً بأن التسويف عجز وضعف، وخور، وليس من سمات المسلم العجز، والضعف، والخور، بل إن الإنسان إذا كان معتزا بإنسانيته فإنه يأبى عليها هذه الأوصاف، وإن مثل هذا التذكير إن كان صادقا، وانفعلت به النفس، فإنه سيقودها حتما إلى التشمير، والمسارعة بترك المحظور والمكروه، وفعل المأمور والمحبوب، ورضي الله عن سيدنا عمر حين قال : " من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد ".

3 - دوام الدعاء والضراعة إلى الله - عز وجل - بالتحرر من العجز والكسل ؛ فإن الدعاء هو العبادة، وهو سبحانه يقول: {ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين} ( غافر: 60)، {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} (البقرة: 186).

4 - أن تأخذ البيوت نفسها بالحزم والعزم حتى لا تفسد الناشئة من الأولاد، وعلى الأولاد من جانب آخر أن يشبوا على تعلم وتعاليم الكتاب والسنة، وأن يزنوا كل تصرف بهما، فما وافقهما فهو الحق، وعليهم اتباعه، وما خالفهما فهو الباطل، وعليهم اجتنابه.

5 - الانسلاخ من صحبة الكسالى، والمسوفين، والارتماء بين يدي ذوي الحزم، والعزم، والقوة، فإن ذلك من شأنه أن يحمل على مجاهدة النفس وأخذها بالحزم، والعزم، والقوة.

6- الاحتراز من المعاصي والسيئات بألا يقع فيها المسلم أصلا، وإن وقع بادر بالتوبة، فإن أكثر التسويف مبعثه الانغماس في المعاصي والسيئات على النحو الذي ذكرنا في الأسباب، بل ويشفع ذلك بمزيد من الطاعات: فرائض، ونوافل حتى تلين الجلود، والجوارح، وترق القلوب بذكر الله، فتنشط النفس من عقالها، وتتخلص من التسويف.

7 - تذكر الموت والدار الآخرة على الدوام، فان مثل هذا التذكر مما يقلل عمر الدنيا في نظر المسلم، ويهون من شأن زخرفها، وزهرتها، وزينتها، ويحمله على المبادرة بالتوبة، وأداء الحقوق لذويها، وإن ثقل الحمل، وعظمت التكاليف .

8 - معايشة السلف في نظرتهم إلى التسويف، ونفورهم منه نفورا شديدا قولا، وفعلا، فكرا، وسلوكا، وسبق قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب : (من القوة ألا تؤخر عمل اليوم إلى الغد) .

وهذا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وقد فرغ من دفن سليمان بن عبد الملك الخليفة الذي كان قبله، وانتهى من الخطبة التي افتتح بها حكمه بعد أن بايعه الناس، ينزل عن المنبر ويتجه إلى بيته، ويأوي إلى حجرته يبتغي أن يصيب ساعة من الراحة بعد هذا الجهد، وذلك العناء اللذين كان فيهما منذ وفاة الخليفة سليمان بن عبد الملك.

وما يكاد يسلم جنبه إلى مضجعه حتى يقبل عليه ولده عبد الملك - وكان يومئذ يتجه نحو السابعة عشرة من عمره - ويقول له: ماذا تريد أن تصنع يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا بني، أريد أن أغفو قليلا، فلم تبق في جسدي طاقة، فقال: أتغفو قبل أن ترد المظالم إلى أهلها يا أمير المؤمنين؟ فقال: أي بني، إني قد سهرت البارحة في عمك سليمان، وإني إذا حان الظهر صليت في الناس، ورددت المظالم إلى أهلها إن شاء الله، فقال: ومن لك يا أمير المؤمنين بان تعيش إلى الظهر؟ فألهبت هذه الكلمة عزيمة عمر، وأطارت النوم من عينيه وبعثت القوة والعزم في جسده المتعب، وقال: ادن مني أي بني، فدنا منه، فضمه إليه، وقبل ما بين عينيه، وقال: الحمد لله الذي أخرج من صلبي، من يعينني على ديني، ثم قام، وأمر أن ينادي في الناس: ألا من كانت له مظلمة فليرفعها .

وقال لقمان لابنه: يا بني، لا تؤخر التوبة، فإن الموت يأتي بغتة، ومن ترك المبادرة إلى التوبة بالتسويف، كان بين خطرين عظيمين، أحدهما : أن تتراكم الظلمة على قلبه من المعاصي، حتى يصير رينا وطبعا فلا يقبل المحو، الثاني: أن يعاجله المرض أو الموت فلا يجد مهلة للاشتغال بالمحو .

وعن أبي إسحاق قال : قيل لرجل من عبد القيس في مرضه: أوصنا قال: أنذرتكم سوف .

وأوصى ثمامة بن بجاد السلمي قومه، فقال: أي قوم، أنذرتكم سوف أعمل، سوف أصلي، سوف أصوم .

ويقول الحسن البصري رحمه الله : إياك والتسويف، فانك بيومك، ولست بغدك، قال: فإن يكن غد لك، فَكِسْ فيه - أي اعمل عملا تكون به كيسا- كما كست في اليوم، وإلا يكن الغد لك، لم تندم على ما فرطت في اليوم .

وكان مالك بن دينار يقول لنفسه: ويحك، بادري قبل أن يأتيك الأمر، ويحك بادري قبل أن يأتيك الأمر. حتى كرر ذلك ستين مرة .

واجتهد سيدنا أبو موسى الأشعري رضي الله عنه قبل موته، اجتهادا شديدا، فقيل له: لو أمسكت، أو رفقت بنفسك بعض الرفق، فقال: إن الخيل إذا أرسلت فقاربت رأس مجراها، أخرجت جميع ما عندها، والذي بقي من أجلي أقل من ذلك، قال: فلم يزل حتى مات .

10 - أن تقوم الأمة كلها على المستوى القيادي، وغير القيادي، في متابعة ومحاسبة المسوفين، فإن هذه المتابعة، وتلك المحاسبة، تقطع الطريق على النفس، وتحول بينها وبين التسويف، وهذا من حق الأمة على بعضها البعض وصدق الله العظيم: {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله}( التوبة:71).

11 - عدم الاستهانة بأي أمر من الأمور، وإن كان هذا الأمر بسيطا، واليقين بأن الأمر كله لله، والفرصة التي في يدك الآن قد تضيع منك غدا .

12 - التذكير الدائب بالعواقب والآثار المترتبة على التسويف، فان هذا التذكير من شأنه أن يشحذ الهمم، والعزائم، وأن يقضي على التسويف عند من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد.
اسلام ويب

Post: #884
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-14-2015, 00:50 AM
Parent: #787

التقوى خير زاد
إن خير ما يتزود به العباد في هذه الدار الدنيا ليوم معادهم هو تقوى الله عز وجل ، كما قال تعالى: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى).(البقرة: من الآية197).إنه الزاد الذي لا غنى للعبد عنه ليقدم على ربه آمنا وإلا ندم يوم لا ينفع الندم:

إذا أنت لم ترحل بزاد من التقى ولاقيت يوم الحشر من قد تزودا

ندمت على أن لا تكون كمثله وأنك لم ترصد كما كان أرصدا

إنها خير ما يتزين به العبد وخير لباس يرتديه: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26).

ومما يدل على أهمية التقوى وعناية الله عز وجل بتحقيق العباد لها أن الله تعالى قد وصى بها الأولين والآخرين وبيَّن ذلك في كتابه الكريم فقال: ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ).(النساء: من الآية131).

ومما يدل على أهمية التقوى من الدين أن أنبياء الله من نبي الله نوح عليه السلام إلى نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قد أمروا بها أقوامهم وطالبوهم بتحقيقها ، (إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلا تَتَّقُونَ). (الشعراء:106)

(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:124)

(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:142)

(إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:161)

(إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ) (الشعراء:177).

أما نبينا صلى الله عليه وسلم فوصى بها أمته في العديد من الأحاديث ويكفينا هنا وصيته للأمة في شخص معاذ بن جبل رضي الله عنه حين قال له: " اتق الله حيثما كنت..." الحديث.

معنى التقوى

إذا كان للتقوى هذه المنزلة من دين الله تعالى فينبغي معرفة معناها ، وقد ورد عن السلف رضي الله عنهم العديد من العبارات في بيان معناها ولعلها تدور حول معنى واحد ، وهو أن يقوم العبد بأداء ما افترض الله تعالى عليه وترك ما حرم ليكون ذلك وقاية من وقوع العبد في عذاب الله.

وقد ورد عن علي رضي الله عنه أنه فسرها بأنها :

(الخوف من الجليل ، والعمل بالتنزيل ، والرضا بالقليل ، والاستعداد ليوم الرحيل).

أما عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى فقال:

(ليس تقوى الله بصيام النهار، ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله، وأداء ما افترض الله).

من فضائل التقوى

إن القارىء لكتاب الله عز وجل ليجد أن القرآن قد وعد المتقين بالعديد من المنح الربانية وجعلها ثمرة تقواهم لربهم تبارك وتعالى ومن ذلك أنه وعدهم بتفريج كرباتهم وإخراجهم من كل ضيق وكربة وكفايتهم أرزاقهم : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً.وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) (الطلاق من الآيتين:3،2).

كما وعدهم بتيسير أمورهم: ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق: من الآية4).

ولو أن العباد حققوا تقوى الله حقا لفتحت عليهم البركات وأبواب الخيرات : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) (الأعراف:96).

إن العبد ليعمل الكثير من الأعمال يرجو بها رضا الله تعالى والفوز بمحبته، وقد وعد الله المتقين بهذا الفضل العظيم أنه الفوز بمحبته ومعيته : (بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (آل عمران:76) .

(إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية4)

(وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)(التوبة: من الآية36).

هذا شيء يسير مما ورد من بشارات للمتقين في هذه الدنيا ، أما في الآخرة فإن لهم من الأجر والكرامة ما لا يعلمه إلا الله تعالى ومن ذلك:

وعدهم بالنجاة من عذابه: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) (مريم:72).

(وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (الزمر:61) .

ومن كرامته على الله أنه يحشرهم يوم القيامة مكرمين آمنين: (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً) (مريم:85)

ثم هم يوم القيامة في جنات يتنعمون ، يجدون فيها الجزاء الطيب على تقواهم لربهم في هذه الدار الدنيا:

(لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ . جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ).(النحل:30 ،31).

وقال تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ).(الحجر:45).

(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ . يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ.كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ. يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ.لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ.فَضْلاً مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (الدخان:51-57).

ولو أردنا أن نتتبع كل ما ورد في القرآن من فضائل التقوى لطال بنا المقام لكننا أردنا أن ننبه فقط إلى شيء من فضائلها ، والحر تكفيه الإشارة ، فنسأل الله أن يعمر قلوبنا بتقواه وأن يرزقنا ثواب المتقين ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #885
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-15-2015, 01:31 AM
Parent: #787

كيف تكتسب حسن السمت
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه ،وبعد:

فقد تكلمنا في مقال سابق عن حسن السمت وفضائله وفي مقالنا هذا نسلط الضوء على أهم الأسباب المعينة على اكتساب حسن السمت والتحلي به ، ومنها:

أولا: تعمير الباطن بالإخلاص لله وتنقية الباطن مما يبغضه الله تعالى

فهذا أصل التحلي بحسن السمت في الظاهر ، إذ ما يُسِرُّه العبد يظهر عليه علانية شاء أم أبى كما قيل: ما أسر عبد سريرة إلا ألبسه الله رداءها علانية إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. ومن هنا لا سبيل إلى التماس السمت الحسن بدون إصلاح القلب،ولعل هذا هو ما عناه بعضهم بقوله: أظهر السمت في الليل فإنه أشرف من إظهاره بالنهار؛ لأن إظهارالسمت بالنهار للمخلوقين وإظهار السمت بالليل لرب العالمين.إن من أجمل ما يتزين به العبد ويكتسب به السمت الحسن تحقيقه لتقوى الله عز وجل ،وهي في أساسها عمل قلبي ينعكس على الجوارح ، وقد نبه الله عباده على هذا المعنى الجليل حين قال: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ) (الأعراف:26)

ثانيا:التزام العمل الصالح وحفظ الجوارح

وهذا من أحسن ما يتزين به المؤمنون فتراهم يقيمون فرائض الله ويتبعونها بالنوافل ، ويراقبون جوارحهم فيحفظونها من المعاصي ومخالفة أمر الله تعالى ، بل يمنعونها الفضول ، وهي الأمور الزائدة عن الحاجة. ومن أهم الجوارح التي ينبغي الاعتناء بها وحفظها اللسان ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت". وقد كان الصالحون يرون أن كثرة الكلام تذهب الوقار. وكان يحي بن أبي كثير رحمه الله يقول:خصلتان إذا رأيتهما في الرجل فاعلم أن ما وراءهما خيرٌ منهما:إذا كان حابساً لسانه محافظاً على صلاته.

وذكر بعضهم أبياتا نسبها لابن المبارك رحمه الله يقول فيها:
الصـمت زيــنٌ للفتى من منطقٍ في غير حينه
والصدق أجمل للفتى في العـقـد عـنـد يـمـيــنـه
وعلى الفتى بوقـاره سمتٌ يلــوح على جبينه

كما يحفظ بصره من إطلاقه إلى ما حرم الله تعالى ، وفي الجملة يتنزه عن ارتكاب المحظورات بجوارحه ويعلم أنها ستشهد عليه وستنطق بما فعلت بين يدي الله تعالى الذي لا تخفى عليه خافية.كما لا يكثر من الالتفات والعبث بثوبه أو لحيته عند مجالسة القوم.

ثالثا: تعمير الظاهر باتباع السنة

فخير الهدي هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم ومن الاقتداء به اتباع سنته في الهدي الظاهر بإعفاء اللحية وحف الشارب ولبس الثياب البيض ، والعناية بنظافتها من غير تكلف ولا كبر ولا خيلاء ، استمع في هذا المقام إلى وصية العلامة بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله إذ يقول في حلية طالب العلم:
[ لا تسترسل في التنعم والرفاهية، فإن "البذاذة من الإيمان"، وخذ بوصية أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في كتابه المشهور، وفيه:
"وإياكم والتنعم وزي العجم، وتمعددوا، واخشوشنوا ".وعليه، فازور عن زيف الحضارة، فإنه يؤنث الطباع، ويرخي الأعصاب، ويقيدك بخيط الأوهام، ويصل المُجِدُّون لغاياتهم وأنت لم تبرح مكانك، مشغول بالتأنق في ملبسك، وإن كان منها شيات ليست محرمة ولا مكروهة، لكن ليست سمتاً صالحاً، والحلية في الظاهر كاللباس عنوان على انتماء الشخص، بل تحديد له، وهل اللباس إلا وسيلة التعبير عن الذات؟!
فكن حذراً في لباسك، لأنه يعبر لغيرك عن تقويمك، في الانتماء، والتكوين، والذوق، ولهذا قيل: الحلية في الظاهر تدل على ميل في الباطن، والناس يصنفونك من لباسك، بل إن كيفية اللبس تعطي للناظر تصنيف اللابس من:
الرصانة والتعقل.
أو التمشيخ والرهبنة.
أو التصابي وحب الظهور.
فخذ من اللباس ما يزينك ولا يشينك، ولا يجعل فيك مقالا لقائل، ولا لمزا للامز، وإذا تلاقى ملبسك وكيفية لبسك بما يلتقي مع شرف ما تحمله من العلم الشرعي، كان أدعى لتعظيمك والانتفاع بعلمك، بل بحسن نيتك يكون قُربة، إنه وسيلة إلى هداية الخلق للحق.
وفي المأثور عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"أحب إلي أن أنظر القارئ أبيض الثياب".أي: ليعظم في نفوس الناس، فيعظم في نفوسهم ما لديه من الحق.
والناس - كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى - كأسراب القطا، مجبولون على تشبه بعضهم ببعض فإياك ثم إياك من لباس التصابي، أما اللباس الإفرنجي، فغير خاف عليك حكمه، وليس معنى هذا أن تأتى بلباس مشوه، لكنه الاقتصاد في اللباس برسم الشرع، تحفُّه بالسمت الصالح والهدي الحسن].

فإياك ثم إياك والتشبه بالكافرين في زيهم وشاراتهم فإن هذا ليس من سمت الصالحين ولا من هدي المسلمين وفي الحديث: " ومن تشبه بقوم فهو منهم".

رابعا:صحبة ذوي السمت الحسن

من العلماء والصالحين فإن مصاحبتهم والخلطة بهم تؤدي إلى الاستفادة منهم في هديهم وسمتهم وأخلاقهم ، وقد كان الصحابة يجالسون النبي صلى الله عليه وسلم ويستفيدون من لحظه ولفظه ويتشبهون به في هديه وسمته ، كما كان من بعدهم يسأل عن أشبه الناس هديا وسمتا بالنبي صلى الله عليه وسلم ليأخذوا عنه كما ورد في ذلك أن عبد الرحمن بن زيد – رحمه الله – قال : "سألتُ حذيفةَ عن رجل قريب السَّمْتِ والهَدي والدَّلِّ من رسولِ الله –صلى الله عليه وسلم- حتى نأخذَ عنه ؟ فقال : ما نعلم أحدا أقربَ سَمْتا وهَدْيا ودَلاّ بالنبيِّ –صلى الله عليه وسلم- من ابنِ أمِّ عبد ، حتى يتوارى بجدار بيته ، ولقد عَلِمَ المحفُوظُون من أصحاب محمد –صلى الله عليه وسلم- : أن ابن أم عبد أقربُهم إلى الله وسيلة".ولعل علقمة رحمه الله تعالى قد حرص على صحبة ابن مسعود رحمه الله تعالى لأجل هذا المعنى فقد أورد الذهبي في السير أنه لازم ابن مسعود حتى رأس في العلم والعمل، وتفقه به العلماء، وبَعُد صيته.
وكان يشبه بابن مسعود في هديه ودله وسمته.

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا حسن السمت وأن يزيننا بزينة الإيمان ، وأن يجعل سرنا خيرا من علانيتنا وأن يسترنا بستره الجميل الطيب في الدنيا والآخرة ، والحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #886
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-15-2015, 01:33 AM
Parent: #787

في كتاب ربنا جل وعلا آيات كريمات كثيرة تتضمن فوائد عظيمة في تربية أنفسنا وتزكيتها وفي علاج مشكلاتنا، فوائد تعيننا على إدراك أدب الإسلام، والتحلي به في الأمور كلها.. ونذكر هاهنا بعض أمثلة من تلك الآيات التي قد نقرؤها ولا نلتفت إلى ما فيها من معانٍ وفوائد تربوية.. لكن مع التأمل ندرك منها ما كان خافيًا وما كنا عنه في غفلة، فمن ذلك مثلاً:

1ـ قوله تعالى في أول سورة الأنفال: {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 1].

كثيرًا ما نتنازع في بعض الأمور، وربما كانت أمورًا دينية، ويتطور النزاع وتسوء فيه أخلاقنا، وننسى أن التنازع وسوء الخلق أكبر عند الله من تلك الأمور التي نتنازع فيها، ثم قد يتدخل أناس لحل النزاع فيكون هَمُّ كل منهم الانتصار لهذا الرأي أو ذاك، ولا نكاد نجد رجلاً رشيدًا يقول للقوم: إن ضياع الألفة والإخاء وفساد ذات البين أعظم مما تتنازعون فيه، لا تكاد تجد رجلاً ينقلهم من قضية التنازع الفرعية إلى الأهم وإلى الأصل الضائع، ولكن القرآن الكريم يعلمنا أن نكون كلنا ذلك الرجل الرشيد الذي يعرف المدخل الصحيح للتوجيه، فإن في الإسلام أصولاً لا يعوضها غيرها مما يتنازع فيه الناس، وتقوى الله والألفة وصلاح ذات البين من هذه الأصول العظيمة، وأهم من قضية تقسيم الغنائم بهذه الطريقة أو تلك {قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُم}..

إذًا فالقرآن يعلمنا كيف يكون التوجيه والتربية والمدخل لمعالجة كثير من مشكلاتنا من خلال معالجة القرآن لاختلاف المسلمين بعد غزوة بدر في تقسيم الغنائم، ولم يكن اختلافهم بسبب الطمع في الدنيا، ولكن لارتباط الأنفال بذلك الوقت بحسن البلاء في المعركة، وكانت بذلك شهادة على حسن البلاء، وكان الناس ـ يومئذ ـ حريصين على هذه الشهادة من الله تعالى ومن رسوله الله صلى الله عليه وسلم في أول وقعة يشفي الله فيها صدورهم من المشركين.. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه قد شجعهم على حسن البلاء، وأخبرهم أن العطاء سيكون على قدر البلاء الحسن كما في السنن عن ابن عباس قال: لما كان يوم بدر قال صلى الله عليه وسلم: ((من صنع كذا وكذا فله كذا وكذا))، فكان حرصهم على أعطيتهم من الغنائم لا لدنيا وإنما لأن ما يُعطونه معبر عن أنه شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم وحبه وتقديره لهم؛ فكلهم حرص على هذا، ولكن القرآن يعلمهم ولو كان الأمر كذلك، إلا أنه لا ينبغي بحال أن يهدر بسببه الإخاء والأدب بينهم..

فقد روى الإمام أحمد وغيره عن أبي أمامه رضي الله عنه قال: سألت عبادة عن الأنفال فقال: (فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا، فانتزعه الله من أيدينا وجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقسّمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المسلمين عن بواء، يقول: عن سواء).

وروى الإمام أحمد أيضًا عن عبادة بن الصامت قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهدت معه بدرًا، فالتقى الناس فهزم الله تعالى العدو، فانطلقت طائفة في آثارهم يهزمون ويقتلون، وأقبلت طائفة على العسكر يحوزونه ويجمعونه، وأحدقت طائفة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يصيب العدو منه غرة، حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم: نحن حويناها فليس لأحد فيها نصيب؛ وقال الذين خرجوا في طلب العدو: لستم بأحق به منا، نحن منعنا عنه العدو وهزمناهم، وقال الذين حدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: خفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت {يَسْأَلونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ} [لأنفال:1] اهـ. دعوكم من قسمة هذه الأنفال ودعوا ذلك لله وللرسول، وأقبلوا على ما هو أهم من كل ذلك {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ}..

ولذلك أخي الداعية إذا ما قدّر لك يومًا أن تكون بين متنازعين فلا يكن كل همك الخوض معهم في النزاع للانتهاء إلى هذا الرأي أو ذاك.. وربما كان في القضية ما هو أعظم مما تنازعوا فيه من سوء خلق أو فرقة وشقاق أو نحو ذلك.. فلا تتحرج أن تبدأ بإصلاح ما انخرم من الأصول قبل الفروع.. قد يتناقش اثنان ويخاطب كل منهما الآخر بأسلوب خارج عن أدب الإسلام، فإياك أن تتعدى هنا الخطأ، ولا تنكره وتسارع إلى محتوى النقاش، بل هذبهم أولاً وعلمهم كيف يتناقشون.. ويحفظون أدب الإسلام وأخوّته.. قبل أن تبين لهم ما اختلفوا فيه، بل كن مهتديًا بهدي القرآن.. وما أعظم تربيته للنفوس ومعالجته للمشاكل {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} [الإسراء: 9].

2ـ قوله تعالى في سورة التوبة: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة:43].
هذه الآية في شأن أناس قالوا: استأذِنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أذن لكم فاقعدوا، وإن لم يأذن لكم فاقعدوا ـ أي عن الخروج للغزو والجهاد ـ ولهذا قال تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا} أي في إبداء الأعذار {وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ}. يقول ابن كثير رحمه الله: هلا تركتهم لما استأذنوك فلم تأذن لأحد منهم في القعود لتعلم الصادق منهم في إظهار طاعتك من الكاذب، فإنهم قد كانوا مصرِّين على القعود عن الغزو وإن لم تأذن لهم فيه. (تفسير ابن كثير 2/345).

فهذه الآية الكريمة نستفيد منها فائدتين تربويتين:

الأولى: ضرورة تمحيص الأتباع بالمواقف العملية، واختبار الصدق والطاعة وعدم الاغترار أو الاعتماد على مجرد الكلام الجميل أو الحماس الذي لم يترجم في الواقع بعد. وفي هذا فائدة للمربي والقائد كي يكون على بصيرة ويعرف من معه واقعًا وعملاً، ومن معه بالكلام والدعاوى.

وكما أن فيه فائدة للأتباع وهي إحراجهم أمام نفوسهم حتى يراجعوا أنفسهم، فلعلهم يتوبون ويصدقون.. أو على الأقل يقطع الطريق عليهم حتى لا يستمروا في التمثيل والدعاوى الباطلة ومخادعة العاملين المخلصين بالأقوال المعسولة.. فإذا جد الجد ظهر الخذلان ووقعت الصدمة، وقال الحسن رحمه الله: اعتبروا الناس بأعمالهم، ودعوا أقوالهم، فإن الله لم يدع قولاً إلا جعل عليه دليلاً من عمل يصدقه، فإذا سمعت قولاً حسنًا فرويدًا بصاحبه، فإن وافق قوله عمله فنعم ونعمة عين.

وفي هذا المعنى أيضًا، ذلك التوجيه الرباني في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [النور:53]، ومن ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً} [النساء:81].

والفائدة التربوية الثانية في الآية: تكمن في تعليمنا أسلوبًا من أساليب عتاب الأحبة المخلصين إذا أخطأوا، وذلك بتقديم العفو قبل المعاتبة كما في قوله تعالى لرسوله وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.. عن عون رضي الله عنه قال: هل سمعتم بمعاتبة أحسن من هذا؟ نداء بالعفو قبل المعاتبة، فقال: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ}.

فهذا نتعلم منه أدبًا في عتابنا للأحبة المخلصين؛ حيث لا نجعله عتابًا جافًا، بل نبدؤه بما يؤكد الحب والمودة، بل لا بأس بشيء من الثناء بالحق على جوانب الخير في المعاتب، فهذا كله من حسن المعاتبة.

قال ابن حزم رحمه الله: حالان يحسن فيهما ما يقبح في غيرهما، وهما: المعاتبة والاعتذار، فإنه يحسن فيهما ذكر الأيادي وذكر الإحسان، وذلك غاية القبح فيما عدا هاتين الحالتين؛ لأنه يصير من قصد مدح النفس.

3ـ قوله تعالى في سورة النساء: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]..

فهذه الآية الكريمة تربي فينا المنطق الحسن الجميل وعفة اللسان والاحتشام في الكلام، وذلك حين نجد في هذه الآية أن الله عز وجل يعبر عن قضاء الحاجة في الغائط وهو المكان المطمئن من الأرض، فكنّى الله عز وجل بهذا عن التغوط أو التبرز، فلم يقل: إذا عملتم كذا وكذا.. بل يكتفي بالعودة من هذا المكان كناية عما تم فيه، ومع هذا لا يسند الفعل إلى المخاطبين، فلا يقول: أو جئتم من الغائط، بل يقول: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} زيادة في أدب الخطاب ولطف الكناية، ليكون هذا الأدب نموذجًا للبشر حين يتخاطبون.

كما نجد أدبًا رفيعًا فريدًا احتفى به القرآن دون غيره من سائر الكلام، وذلك حين يعبر عما يكون بين الرجل وامرأته بقوله: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، ومن المعلوم أن لفظ الجماع لم يرد ولا مرة واحدة في القرآن، والتعبير بالملامسة أرق وأحشم وأرقى، والملامسة قد تكون مقدمة للفعل أو تعبيرًا عنه، وعلى أية حال فهو أدب يضربه الله للناس في الحديث عن مثل هذه الشئون عندما لا يكون هناك مقتضٍ للتعبير المكشوف .
هذا طرف يسير وقليل من كثير من الآداب والفوائد التربوية في كتاب الله الكريم.. ندعو الله أن ينفعنا بها، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د/هشام عبد القادر" المصريون"

Post: #887
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-15-2015, 01:35 AM
Parent: #787

التوكل على الله
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على أله و صحبه و من والاه ، أما بعد:

فالتوكل على الله و تفويض الأمر إليه سبحانه ، و تعلق القلوب به جل و علا من أعظم الأسباب التي يتحقق بها المطلوب و يندفع بها المكروه ، وتقضى الحاجات ، و كلما تمكنت معاني التوكل من القلوب تحقق المقصود أتم تحقيق ، و هذا هو حال جميع الأنبياء و المرسلين ، ففي قصة نبي الله إبراهيم – عليه السلام – لما قذف في النار روى أنه أتاه جبريل ، يقول : ألك حاجة ؟ قال : "أما لك فلا و أما إلى الله فحسبي الله و نعم الوكيل " فكانت النار برداً و سلاماً عليه ، و من المعلوم أن جبريل كان بمقدوره أن يطفئ النار بطرف جناحه ، و لكن ما تعلق قلب إبراهيم – عليه السلام – بمخلوق في جلب النفع و دفع الضر .

و نفس الكلمة رددها الصحابة الكرام يوم حمراء الأسد – صبيحة يوم أحد – يقول تعالى: ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُواْ رِضْوَانَ اللّهِ ) " سورة آل عمران : 173 – 174 " .

و لما توجه نبي الله موسى – عليه السلام – تلقاء مدين ( وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ) " سورة القصص : 23 – 24 " أوقع حاجته بالله فما شقي ولا خاب ، و تذكر كتب التفسير أنه كان ضاوياً ، خاوي البطن ، لم يذق طعاماً منذ ثلاث ليال ، و حاجة الإنسان لا تقتصر على الطعام فحسب ، فلما أظهر فقره لله ، و لجأ إليه سبحانه بالدعاء ، و علق قلبه به جل في علاه ما تخلفت الإجابة ، يقول تعالى: ( فَجَاءتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاء قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ ) " سورة القصص : 25 " وكان هذا الزواج المبارك من ابنة شعيب ، و نفس الأمر يتكرر من نبي الله موسى ، فالتوكل سمة بارزة في حياة الأنبياء – عليهم السلام – لما سار نبي الله موسى و من آمن معه حذو البحر ، أتبعهم فرعون و جنوده بغياً و عدواً ، فكان البحر أمامهم و فرعون خلفهم ، أي إنها هلكة محققة ، و لذلك قالت بنو إسرائيل: إنا لمدركون ، قال نبى الله موسى : (كلا إن معي ربى سيهدين) قال العلماء : ما كاد يفرغ منها إلا و أُمر أن أضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم ، فكان في ذلك نجاة موسى و من آمن معه ، و هلكة فرعون و جنوده ، و لذلك قيل : فوض الأمر إلينا نحن أولى بك منك ، إنها كلمة الواثق المطمئن بوعد الله ، الذي يعلم كفاية الله لخلقه: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِن دُونِهِ ) " سورة الزمر : 36 "

التوكل والتواكل:

قد تنخرق الأسباب للمتوكلين على الله ، فالنار صارت برداً و سلاماً على إبراهيم ، و البحر الذي هو مكمن الخوف صار سبب نجاة موسى و من آمن معه ، ولكن لا يصح ترك الأخذ بالأسباب بزعم التوكل كما لا ينبغي التعويل على الحول و الطول أو الركون إلى الأسباب ، فخالق الأسباب قادر على تعطليها، و شبيه بما حدث من نبى الله موسى ما كان من رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الهجرة ، عندما قال أبو بكر – رضي الله عنه - : لو نظر أحد المشركين تحت قدميه لرآنا ، فقال له النبي صلى الله عليه و سلم :" ما بالك باثنين الله ثالثهما ، لا تحزن إن الله معنا "، و هذا الذي عناه سبحانه بقوله: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا ) " سورة التوبة : 40 ".

والأخذ بالأسباب هو هدى سيد المتوكلين على الله – صلوات الله و سلامه عليه - في يوم الهجرة و غيره ، إذ عدم الأخذ بالأسباب قدح في التشريع، و الاعتقاد في الأسباب قدح في التوحيد ، و قد فسر العلماء التوكل فقالوا : ليكن عملك هنا و نظرك في السماء ، و في الحديث عن أنس بن مالك – رضى الله عنه – قال : قال رجل : يا رسول الله أعقلها و أتوكل ، أو أطلقها و أتوكل ؟ قال : "اعقلها و توكل " رواه الترمذي و حسنه الألباني ، وأما عدم السعي فليس من التوكل في شيء، و إنما هو اتكال أو تواكل حذرنا منه رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و التوكل على الله يحرص عليه الكبار و الصغار و الرجال و النساء ، يحكى أن رجلاً دخل مسجد النبي صلى الله عليه و سلم بالمدينة فرأى غلاماً يطيل الصلاة ، فلما فرغ قال له : ابن من أنت؟ فقال الغلام : أنا يتيم الأبوين ، قال له الرجل : أما تتخذني أباً لك ، قال الغلام : و هل إن جعت تطعمني ؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن عريت تكسوني؟ قال له : نعم ، قال : و هل إن مرضت تشفيني؟ قال: هذا ليس إلي ، قال : و هل إن مت تحييني ، قال : هذا ليس إلى أحد من الخلق ، قال : فخلني للذي خلقني فهو يهدين و الذي هو يطعمني و يسقين، و إذا مرضت فهو يشفين ،و الذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين ، قال الرجل : آمنت بالله، من توكل على الله كفاه

. و في قصة الرجل الذي كان يعبد صنماً في البحر ، و التي نقلها ابن الجوزي عن عبد الواحد بن زيد دلالة على أن التوكل نعمة من الله يمتن بها على من يشاء من خلقه حتى و إن كان حديث العهد بالتدين ، فهذا الرجل لما جمعوا له مالاً و دفعوه إليه ، قال : سبحان الله دللتموني على طريق لم تسلكوه ، إني كنت أعبد صنماً في البحر فلم يضيعني فكيف بعد ما عرفته ، و كأنه لما أسلم وجهه لله طرح المخلوقين من حساباته ، فغنيهم فقير ، و كلهم ضعيف و كيف يتوكل ميت على ميت : (وتوكل على الحي الذي لا يموت و سبح بحمده). " الفرقان: 58 ".

و في الحديث :" لو أنكم توكلتم على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً و تروح بطاناً " رواه أحمد و الترمذي و قال: حسن صحيح . و كان من دعاء رسول الله صلى الله عليه و سلم :" اللهم أسلمت وجهي إليك و فوضت أمري إليك و ألجأت ظهري إليك رغبة ورهبة إليك لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك ". رواه البخاري و مسلم و كان يقول : "اللهم لك أسلمت و بك آمنت و عليك توكلت و إليك أنبت و بك خاصمت ، اللهم إني أعوذ بعزتك لا إله إلا أنت أن تضلني ، أنت الحي الذي لا يموت و الجن و الإنس يموتون ". رواه مسلم ، و كان لا يتطير من شئ صلوات الله و سلامه عليه ، و أخذ بيد رجل مجذوم فأدخلها معه في القصعة ثم قال : "كُلْ ثقةً بالله و توكلا عليه " رواه أبو داود و ابن ماجة .

التوكل على الله نصف الدين:

ينبغي للناس كلهم أن يتوكلوا على الله عز و جل مع أخذهم بالأسباب الشرعية ، فالتوكل كما قال ابن القيم: نصف الدين و النصف الثانى الإنابة ، فإن الدين استعانة و عبادة ، فالتوكل هو الاستعانة و الإنابة هي العبادة ، و قال أيضاً : التوكل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يطيق من أذى الخلق و ظلمهم و عدوانهم ، و قال سعيد بن جبير : التوكل على الله جماع الإيمان ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون و يقولون : نحن المتوكلون ، فإن قدموا مكة سألوا الناس ، فأنزل الله تعالى: ) وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى ( " سورة البقرة : 197 " وروي أن نبي الله موسى – عليه السلام – كان يقول : اللهم لك الحمد و إليك المشتكى و أنت المستعان ، و بك المستغاث و عليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك . عباد الله إن الله هو الوكيل ، الذي يتوكل عليه ، و تفوض الأمور إليه ليأتي بالخير و يدفع الشر .

من أسماء الرسول :المتوكل

و من أسماء رسول الله صلى الله عليه و سلم " المتوكل " كما في الحديث: " و سميتك المتوكل " .و إنما قيل له ذلك لقناعته باليسير و الصبر على ما كان يكره ، و صدق اعتماد قلبه على الله عز و جل في استجلاب المصالح و دفع المضار من أمور الدنيا و الأخرة و كلة الأمور كلها إليه، و تحقيق الإيمان بأنه لا يعطي ولا يمنع ولا يضر ولا ينفع سواه ، و لكم في نبيكم أسوة حسنة و قدوة طيبة ، فلابد من الثقة بما عند الله و اليأس عما في أيدي الناس ، و أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و إلا فمن الذي سأل الله عز وجل فلم يعطه ، و دعاه فلم يجبه و توكل عليه فلم يكفه ، أووثق به فلم ينجه؟ إن العبد لا يؤتى إلا من قبل نفسه ، و بسبب سوء ظنه ، و في الحديث: " أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي ما شاء " و الجزاء من جنس العمل ، فأحسنوا الظن بربكم و توكلوا عليه تفلحوا ، فإن الله يحب المتوكلين .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

د/ سعيد عبد العظيم

Post: #888
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-15-2015, 01:37 AM
Parent: #787

الموت قدر محتوم على كل مخلوق، والشهادة أسمى صور الموت يصطفي الله لها من يشاء، والمؤمن مأمور على كل حال بالاستعداد للموت، فمن كانت أمنيته الشهادة كان أولى بالاستعداد، وأحرى بالتطلع لاصطفاء الله له.

ولقد صدقت فراسة كثيرين في إخوان لهم، توقعوا لهم الشهادة لمظاهر من سمت الصلاح بدت عليهم، فقيل فيهم بالتوقّع ما قيل في طلحة بالوحي الصادق: " شهيد يمشي على وجه الأرض"، وفي رواية: " هذا ممن قضى نحبه"، فكيف نستعد للشهادة ونتهيأ لها لنكون من أهلها حقا؟ لعل الله يرزقنا الشهادة في صورة من صورها.

أول العُدة للشهادة: التوبة الصادقة، وقد ورد في الحديث: " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة؛ يقاتل هذا في سبيل الله فيُقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيُستشهد"، فليس غريبا أن ينال الشهادة من كان له ماض جاهلي تاب منه، وقد رؤيت نماذج معاصرة من صدق حديثي الهداية، وقد ذهب بعض الصحابة إلى غزوة أحد بعد ليلة من شرب الخمر : ( اصطبح ناس الخمر يوم أحد ثم قتلوا شهداء) ـ وذلك قبل تحريم الخمر ـ وحتى الذين شربوها بعد تحريمها في قرون الخير، فإنها لم تكن تمنعهم من البحث عن الشهادة لعلها تكفر عنهم ما بدر منهم.

ولا بد في الاستعداد للموت في سبيل الله أن يستتبع التوبة إصلاحُ العمل، وقد كان ابن عمر يقول: " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك"، يقول ابن حجر في شرح الحديث: " أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك، وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح، فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل، فيُخشى على من فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد".
كما جاء في تعليل النهي عن تمني الموت، قوله صلى الله عليه وسلم: " لا يتمنى أحدكم الموت إما محسنا فلعله يزداد، وإما مسيئا فلعله يستعتب"

وقوله: يستعتب أي يسترضي الله بالإقلاع والاستغفار، والاستعتاب طلب الإعتاب، والهمزة للإزالة، أي يطلب إزالة العتاب"، وفي بيان توفيق الله للعبد إلى حسن الخاتمة يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أراد الله بعبد خيرا استعمله، قالوا: وكيف يستعمله؟ قال: يوفقه لعمل صالح قبل موته".

وإن الإكثار من ذكر الموت والحساب ليجدد الدافع لإصلاح العمل، ولعل الله يستعملنا في طاعته، ويحسن خاتمتنا.

لا شهادة بغير تضحية

لا يثبت لامرئ صدق سعيه للشهادة بغير التضحية؛ لأن الجهاد يكون بالنفس والمال، وكلاهما يحتاج إلى جود وتضحية، فمن لم يعد نفسه ليقدم ويعطي فكيف يحلم بالجنة؟! ورد عن بشير بن الخصاصية أنه جاء لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم، فأراد أن يستعفي من الالتزام بشرطين من شروط البيعة، فقال: " أما اثنتان فوالله ما أطيقهما: الجهاد والصدقة، فإنهم زعموا أنه من ولّى الدبر فقد باء بغضب من الله، فأخاف إن حضرت تلك جشعت نفسي، وكرهت الموت، والصدقة؛ فوالله ما لي إلا غُنيمة وعشر ذود هنّ رِسلُ أهلي وحمولتهم". فعلل خوفه من الجهاد بالخوف من وقوعه في كبيرة الفرار، وعلل خوفه من الصدقة بقلة ما يملكه، فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يده، ثم حركها وقال: " فلا جهاد ولا صدقة، فلمَ تدخل الجنة إذاً؟!" يقول الصحابي: " فبايعت عليهن كلهن" فالمسألة جد ولا تحتمل المساومة و لا التنازل.

ولا تضحية بغير جرأة، ولذلك عُدّ من الشهداء من قُتل دون دمه، أو عرضه، أو ماله، كما في الحديث: " من قتل دن ماله فهو شهيد". لتبقى روح رفض الظلم ومقاومته حية في النفوس، فإن لم يُرزق صاحبها الشهادة لم يفته أجرها ـ بإذن الله ـ.

ثم كيف تحمل اسم المجاهد بغير بذل الجهد؟! إذ أن الجهاد بذل أكبر الطاقة وأقصى الجهد وغاية الوسع في نصرة الإسلام، ويمثل هذا المعنى حديث ابن ماجة: " خير معايش الناس لهم: رجل ممسك بعنان فرسه في سبيل الله، ويطير على متنه، كلما سمع هيعة أو فزعة طار عليه إليها، يبتغي الموت أو القتل مظانه...".
وصورة أخرى للمجاهد الجاد في طلب الشهادة من غزوة خيبر حيث قُتل عامر بن الأكوع ـ خطأً ـ بارتداد سيفه على ركبته، فقال بعض الصحابة: " حبط عمله" ـ لظنهم أنه قتل نفسه ـ فذهب أخوه سلمه بن الأكوع يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن له لأجرين ـ وجمع بين أصبعيه ـ إنه لجاهد مجاهد، قلّ عربيّ مشى بها مثله". قال ابن دريد: رجل جاهد أي جاد في أموره، وقال ابن التين: الجاهد من يرتكب المشقة" ، وكانت شهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم على نيله أجر القتل في سبيل الله، وأجر الجد و النشاط فيه رغم المشقة، وهذا شأن المتحفزين للشهادة.

وصورة أخرى من غزوة أحد لأنس بن النضر الذي لم يُكتب له حضور غزوة بدر، فعاهد ربه أن يعوض ما فاته: " لئن أشهدني الله مع النبي صلى الله عليه وسلم ليرين الله ما أُجِدُّ". وحضر غزوة أحد وتقدم بسيفه لما رأى الناس ينهزمون وقال لسعد بن معاذ: " أين يا سعد؟! إني لأجد ريح الجنة دون أُحد، فمضى فقُتل، فما عُرف، حتى عرفته أخته بشامة أو ببنانه، وبه بضع وثمانون: من طعنة، وضربة، ورمية بسهم".

وفي وصف شدة قتاله في أحد: " قال سعد بن معاذ: فما استطعت يا رسول الله ما صنع...ودل ذلك على شجاعة مفرطة في أنس بن النضر؛ بحيث إن سعد بن معاذ مع ثباته يوم أحد وكمال شجاعته ما جسر على ما صنع أنس بن النظر"، فلا تدخر شيئا من وقتك أو جهدك دون أن تنصر دينك على ثغرة من الثغرات، لتكون من الذين جاهدوا في الله حق جهاده، واستعدوا لمقام الشهادة.

ليس الموت هدفا لذاته، ولا ابتغاء مظان الموت انتحارا، ولا تمني الشهادة يأسا من الحياة، كما أنه ليس من الجبن أن تحتمي بخندق، ولا من التعلق بالحياة أن تستكمل الأسباب، ولا من الجرأة عدم التحرز من الأخطار.

بل إن مزيد يوم في عمر المسلم يزداد فيه طاعة، وينكأ فيه عدوا، ويغيظ به كافرا... ولقد عجب الصحابة رضي الله عنهم من رجلين أسلما معا، وكان أحدهما أشد اجتهادا من الآخر، فاستشهد المجتهد، ومات الآخر بعده بسنة، فرأى طلحة بن عبيد الله أن الثاني دخل الجنة قبل صاحبه المجتهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أي ذلك تعجبون؟ فقالوا: يا رسول الله! هذا كان أشد الرجلين اجتهادا، ثم استشهد ودخل هذا الآخر الجنة قبله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس قد مكث هذا بعده سنة؟ قالوا: بلى، قال: وأدرك رمضان فصام، وصلى كذا وكذا من سجدة في السنة؟ قالوا: بلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فما بينهما أبعد مما بين السماء والأرض".

إن المستعد للشهادة حقا يكون قد وطن نفسه لما قد يُصيبه من البلاء، وروض نفسه على الصبر عن الفرار، ولو أدى به هذا الصبر إلى الموت، يروي البخاري أن نافعا سُئل: على أي شيء بايع الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ على الموت؟ " قال: لا . بل بايعهم على الصبر"، ويليه في صحيح البخاري حديث عن سلمة يثبت البيعة على الموت، فربط ابن حجر بين الروايتين ربطا لطيفا؛ فقال: " ولا تنافي بين قولهم بايعوه على الموت، وعلى عدم الفرار، لأن المراد بالمبايعة: ألا يفروا ولو ماتوا، وليس المراد أن يقع الموت ولا بد، وهو الذي أنكره نافع وعدل إلى قوله: بل بايعهم على الصبر؛ أي على الثبات، وعدم الفرار، سواء أفضى بهم ذلك إلى الموت أم لا" .

ويؤكد هذا المعنى أن أبا أمامة رضي الله عنه رجا رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ ثلاث مرات ـ في مواقف متفرقة، أن يدعو له بالشهادة، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يزيد على أن يقول: " اللهم سلّمهم وغنّمهم" فالأصل أن حياة المسلم تزيد سواد المسلمين، وتقوي شوكتهم وتغيظ الكفار، ولكنه مع ذلك مهيأ للثبات، مستعد للصبر مهما عظم البلاء.

ومثل هذه التربية على الاستعداد للشهادة هي التي تجعل من ينشد الشهادة جريئا في الحق، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: " أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر". ويعلّق الغزالي على هذا المعنى فيقول: " ولما علم المتصلّبون في الدين أن أفضل الكلام كلمة حق عند سلطان جائر، وأن صاحب ذلك إذا قُتل فهو شهيد ـ كما وردت به الأخبار ـ قدموا على ذلك موطنين أنفسهم على الهلال، ومحتملين أنواع العذاب، وصابرين عليه في ذات الله، ومحتسبين لما يبذلونه من مهجهم عند الله"، وبغير هذه النفسية تكون الأمة غثاء كغثاء السيل، وتكون نتيجة تلك الغثائية أن الله " ينتزع المهابة من قلوب عدوكم ويجعل في قلوبكم الوهن".ولما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوهن قال: " حب الدنيا وكراهية الموت". وذلك الوهن هو الذي يجعل الأمة تستمرئ الذل وترضى بالدنية.

ثم كيف تكون قاصدا منزلة الشهداء إن لم تكن صادق التوكل على الله؟ يروي البخاري عن عائشة في أجر الصابر على الطاعون قوله صلى الله عليه وسلم: "...فليس من عبد يقع الطاعون فيمكث في بلده صابرا يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله له إلا كان له مثل أجر الشهيد" ثم يعلق ابن حجر فيقول: " صابرا أي غير منزعج ولا قلق. بل مسلما لأمر الله، راضيا بقضائه ـ و هذا قيد في حصول أجر الشهادة لمن يموت بالطاعون ـ ....وقوله: يعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له ـ قيد آخر ـ " .

وملاك الأمر كله في الاستعداد للشهادة الإخلاص وتجريد النية من الشوائب. وتأمل هذه الصورة من غزوة خيبر لرجل يقاتل المشركين: " رجل لا يدع لهم شاذة ولا فاذة إلا اتبعها يضربها بسيفه، فقيل: ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان" فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في النار؛ لما يعلم من نفاقه، وتبعه صحابي فوجده لم يصبر على جراحه فقتل نفسه، ولذلك جاء في الحديث: " إن أكثر شهداء أمتي أصحاب الفرش، ورب قتيل بين الصفين الله أعلم بنيته".

فربما يموت رجل على فراشه ولا يُحرم أجر الشهداء؛ لما يرى الله من صدقه، وربما يُحمل رجل مضرّج بدمائه من أرض المعركة، وهو عند الله من الخاسرين؛ لما شاب نيته من عُجب، أو فخر، أو عصبية، أو حب سمعه....وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة منها قوله صلى الله عليه وسلم في صحيح مسلم: " من طلب الشهادة صادقا أعطيها ولو لم تصبه"، وأخرجه الحاكم بلفظ: " من سأل القتل في سبيل الله صادقا ثم مات أعطاه الله أجر شهيد"، وفي رواية أخرى للحاكم: " من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه". والإخلاص لا يعلمه إلا الله، ولا تنقيه إلا محاسبة النفس، فحاسب نفسك، وراقب قلبك، وضع نفسك في الميزان، لترى مدى استعدادك للشهادة، عسى أن تكون: " ....مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا".
هذه أخلاقنا- الخزندار

Post: #890
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-16-2015, 09:50 AM
Parent: #888

أسباب زياد ة الإيمان: التفكر
إن من أعظم أسباب زيادة الإيمان التفكر في مخلوقات الله تعالى وآياته الباهرات التي تدل على عظمته ووحدانيته سبحانه وتعالى ، فقد سماها الله آيات, يعني: علامات ودلالات تدل على عظمة الخالق, وعلى كمال قدرته, وذلك في مثل قوله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)(فصلت: من الآية37) يعني: من الآيات التي نصبها دليلا على عظمته. وقوله تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (النحل:12). وقوله تعالى : (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْعَالِمِينَ. وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ. وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ). (الروم:21ـ24).

وقد دعا الله عز وجل عباده للتفكر في هذه الآيات التي أودعها كونه الواسع:(أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ) (الروم:8) .

(أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (الأعراف:185).

ونحو ذلك من الآيات القرآنية التي تحث العباد على التفكر في آيات الله تعالى ومخلوقاته. وأقرب شيء إلى الإنسان نفسه, لو تفكر فيها لرأى فيها الآيات والعجائب, كما قال الله تعالى:(وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الذاريات:21)

فمن توهم أن الله خلق السماوات مع عظمها وارتفاعها وخلق الأرض لعبا بدون أن يكون لذلك حكمة, فإنه بذلك قد ظن السوء ، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ).(صّ:27).

قال الغزالي رحمه الله تعالى : "كثر الحث في كتاب الله تعالى على التدبر والاعتبار والنظر والافتكار ، ولا يخفى أن الفكر هو مفتاح الأنوار ومبدأ الاستبصار ، وهو شبكة العلوم ومصيدة المعارف والفهوم ، وأكثر الناس قد عرفوا فضله ورتبته ولكن جهلوا حقيقته وثمرته ومصدره".

وصدق سفيان بن عيينة رحمه الله إذ قال:

إذا المرء كانت له فكرة ففي كل شيء له عبرة

التفكر أصل الخير

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" أصل الخير والشر من قبل التفكر ؛ فإن مبدأ الإرادة والطلب في الزهد والترك والحب والبغض ، وأنفع الفكر الفكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها...ورأس (هذا) القسم الفكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته من كتابه وسنة نبيه وما والاهما ، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة ، فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها ، وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا ، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.وهذه تعلي همته وتحييها بعد موتها وسفولها وتجعله في واد والناس في واد. وبإزاء هذه الأفكار الأفكار الرديئة التي تجول في قلوب اكثر الخلق.كالفكر فيما لم يكلف الفكر فيه،ولا أعطي الإحاطة به من فضول العلم الذي لا ينفع، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه".

الرسول يطيل التفكر

لما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن أعجب شيء رأته من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: " يا عائشة ذريني أتعبد لربي " قلت: والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك. قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته ، قالت: ثم بكى فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ،فلما رآه يبكي قال: ي رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: " أفلا أكون عبدا شكورا ، لقد نزلت علي الليلة آية ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (آل عمران:190).

وهذه أقوال الصالحين وأفعالهم

قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى : الفكرة في نعم الله عز وجل من أعظم العبادة.

وقد بكى يوما بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال : فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ، ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تكدرها مرارتها،ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

وعن عامر بن قيس قال: سمعت غير واحد ولا اثنين ولا ثلاثة من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يقولون : إن ضياء الإيمان أو نور الإيمان التفكر.

وقال الحسن رحمه الله تعالى : تفكر ساعة خير من قيام ليلة.

وعن عبد الله بن عتبة قال : سألت أم الدرداء : ما كان أفضل عبادة أبي الدرداء؟ قالت: التفكر والاعتبار.

ذكر الغزالي رحمه الله في الإحياء أن لقمان كان يطيل الجلوس وحده ، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان ، إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك فيقول لقمان : إن طول الوحدة أفهم للفكر،وطول الفكر دليل على طريق الجنة.

وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول : ركعتان مقتصدتان في تفكر خير من قيام ليلة بلا قلب.

وكتب الحسن رحمه الله تعالى إلى عمر بن عبد العزيز يقول : اعلم أن التفكر يدعو إلى الخير والعمل به ، والندم على الشر يدعو إلى تركه ، وليس ما فني وإن كان كثيرا يعدل ما بقي وإن كان طلبه عزيزا، واحتمال المؤونة المنقطعة التي تعقب الراحة الطويلة خير من تعجيل راحة منقطعة تعقب مؤونة باقية.

وقال وهب بن منبه: ما طالت فكرة امرىء قط إلا علم ، وما علم امروء قط إلا عمل.

وقال الشافعي رحمه الله تعالى: استعينوا على الكلام بالصمت وعلى الاستنباط بالفكر.وقال: صحة النظر في الأمور نجاة من الغرور، والعزم في الرأي سلامة من التفريط والندم، والرؤية والفكر يكشفان عن الحزم والفطنة ، ومشاورة الحكماء ثبات في النفس، وقوة في البصيرة، ففكر قبل أن تعزم ، وتدبر قبل أن تهجم ، وشاور قبل أن تقدم.

وورد عن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى أنه قال: الفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك.

وقال أبو سليمان رحمه الله :عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.

ونختم حديثنا عن التفكر كسبب من أسباب زيادة الإيمان بقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: أنفع الدواء أن تشغل قلبك بالفكر فيما يعنيك دون ما لا يعنيك ، فالفكر فيما لا يعني باب كل شر، ومن فكر فيما لا يعنيه فاته ما يعنيه واشتغل عن أنفع الاشياء له بما لا منفعة له فيه ، فالفكر والخواطر والإرادة والهمة أحق شيء بإصلاحه من نفسك ؛فإن هذه خاصتك وحقيقتك التي لا تبتعد ولا تقترب من إلهك ومعبودك الذي لا سعادة لك إلا في قربه ورضاه عنك إلا بها ، وكل الشقاء في بعدك عنه وسخطه عليك، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئا خسيسا لم يكن في سائر أمره إلا كذلك.
ومن أهم أسباب زيادة الإيمان تلاوة القرآن الكريم بتفكر وتدبر؛ فهذا القرآن هو كتاب هداية ،آياته البينات هي النور الذي يستضيء به العبد فيهتدي للتي هي أقوم: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ )(الإسراء: من الآية9).

فبه يخرج العبد من الظلمات إلى النور: ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15ـ 16).

إنه الشفاء لأمراض الصدور من الشبهات والشهوات: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) (يونس:57) .وقال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء: من الآية82).

وقال سبحانه: ( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفَاءٌ)(فصلت: من الآية44)

إنه الروح الذي تحيا به القلوب والأرواح: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى:52).

إنه الكتاب الذي أحيا الله به قلوبا كانت ميتا وجعلها به في مصاف المؤمنين الصادقين :(أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:122).

إن تدبر القرآن يزيد العبد إيمانا ونورا وبصيرة ؛ فهذا لتدبر يعينه على الفهم والعمل بما علم ، وهذا الذي كان عليه الأسلاف رضي الله عنهم وأرضاهم ، كما قال الحسن البصري رحمه الله تعالى : إن من قبلكم رأوا القرآن رسائل من ربهم ، فكانوا يتدبرونها بالليل وينفذونها بالنهار.

وكان يعتب على من جعل همه مجرد القراءة ، وإن كان القارىء يؤجر بمجرد قراءته ، لكن الذي لا شك فيه أن القراءة النافعة للقلب المؤثرة في زيادة الإيمان هي القراءة المتدبرة الخاشعة ، ولهذا يقول الحسن رحمه الله:يا ابن آدم :كيف يرق قلبك وإنما همك في آخر سورتك؟! .

إن الله تعالى دعانا إلى تدبر آيات كتابه العزيز ، وبين سبحانه أن التدبر من أعظم المقاصد فقال: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ) (صّ:29).وقال: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) .

ويقول الله عز وجل: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا) (محمد:24).

وقد استجاب العلماء والصالحون لهذا التوجيه الرباني الكريم فرأينا منهم عجبا.

هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى وكانت عيناه تذرفان حين قرأ عليه ابن مسعود من سورة النساء قوله تعالى: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً) [النساء:41] فهل تتوقع أن يكون ذلك من غير تدبر؟

وكان يدعو الأمة إلى التدبر وفهم معاني القرآن، فحين نزل قوله تعالى: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآياتٍ لأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) [آل عمران:190، 191]. قال صلى الله عليه وسلم: "ويلٌ لمن قرأها ولم يتفكر فيها".

أما أصحابه فكان الواحد منهم ربما قام الليلة بآية واحدة يرددها ويتدبرها فلا يتجاوزها ،؛ لما فيها من العجائب أو الوعد والوعيد،يقول محمد بن كعب القُرَظِي قال: "لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ(إذا زلزلت) و(القارعة) لا أزيد عليهما، وأتردد فيهما، وأتفكر أحبُّ إليَّ من أن أَهُذَّ القرآن (أي أقرأه بسرعة)".

وإذا قرأ العبد القرآن لتدبر ازداد إيمانا وفاز بالعديد من الثمرات التي ذكر الإما ابن القيم رحمه الله شيئا منها حين قال: "فليس شيء أنفع للعبد في معاشه ومعاده، وأقرب إلى نجاته: من تدبر القرآن، وإطالة التأمل، وجمع الفكر على معاني آياته؛ فإنها تطلع العبد على معالم الخير والشر بحذافيرهما. وعلى طرقاتهما وأسبابهما وغاياتهما وثمراتهما، ومآل أهلهما، وتَتُلُّ في يده(تضع) مفاتيح كنوز السعادة والعلوم النافعة. وتثبت قواعد الإيمان في قلبه. وتحضره بين الأمم، وتريه أيام الله فيهم. وتبصره مواقع العبر. وتشهده عدل الله وفضله. وتعرفه ذاته، وأسماءه وصفاته وأفعاله، وما يحبه وما يبغضه، وصراطه الموصل إليه، وما لسالكيه بعد الوصول والقدوم عليه، وقواطع الطريق وآفاتها. وتعرفه النفس وصفاتها، ومفسدات الأعمال ومصححاتها وتعرفه طريق أهل الجنة وأهل النار وأعمالهم، وأحوالهم وسيماهم. ومراتب أهل السعادة وأهل الشقاوة، وأقسام الخلق واجتماعهم فيما يجتمعون فيه. وافتراقهم فيما يفترقون فيه.

وبالجملة تعرِّفُهُ الرب المدعو إليه، وطريق الوصول إليه، وما له من الكرامة إذا قدم عليه.

وتعرفه في مقابل ذلك ثلاثة أخرى: ما يدعو إليه الشيطان، والطريق الموصلة إليه، وما للمستجيب لدعوته من الإهانة والعذاب بعد الوصول إليه".
مما لا شك فيه أن طلب العلم وحضور مجالسه مما يزيد القلب رقة وإيمانا ، كيف لا وبالعلم تعرف صفات الرب جل وعلا ، وبالعلم يعرف الحلال من الحرام، وبه تعلو الدرجات، (يرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة: من الآية11).

بالعلم يزداد الإيمان فتقع خشية الله عز وجل في القلوب ، كما أخبر الله في كتابه الكريم: ( إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)(فاطر: من الآية28).

وكما قال سبحانه: (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الحج:54) .

وكيف لا يزداد الإيمان بطلب العلم ومجالس العلم هي مجالس ذكر تتلي فيها آيات الله ويتعلم فيها كيف يعظم الرب ويمجد وكيف يعبد ، وتدرس فيها أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل هذه المجالس تحضرها الملائكة كما بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: " إن لله ملائكة سياحين في الأرض ـ فضلا عن كتاب الناس ـ فإذا وجدوا أقواما يذكرون الله تنادوا: هلموا إلى بغيتكم، فيجيئون فيحفون بهم إلى السماء الدنيا، فيقول الله: أي شيء تركتم عبادي يصنعون؟ فيقولون: تركناهم يحمدونك، ويمجدونك، ويذكرونك، قال: فيقول: هل رأوني؟ فيقولون: لا، قال: فيقول :كيف لو رأوني؟ قال: فيقولون: لو رأوك لكانوا أشد تحميدا وأشد تمجيدا وأشد لك ذكرا، قال: فيقول: وأي شيء يطلبون؟ قال: فيقولون: يطلبون الجنة، قال: فيقول: فهل رأوها؟ قال: فيقولون: لا، قال: فيقول: فكيف لو رأوها؟ قال: فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد لها طلبا وأشد عليها حرصا، قال: فيقول: فمن أي شيء يتعوذون؟ قالوا؟ يتعوذون من النار، قال: فيقول: فهل رأوها؟ فيقولون: لا، فيقول: فكيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها لكانوا أشد منها هربا وأشد منها خوفا وأشد منها تعوذا، قال: فيقول: فإني أشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقولون: إن فيهم فلانا الخطاء لم يردهم، إنما جاءهم لحاجة، فيقول: هم القوم لا يشقى لهم جليس ".

كيف لا يزداد إيمان العلماء وطلاب العلم ، وهم حين اجتمعوا لمدارسة العلم قد " نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ".

وكيف لا يزداد إيمان من هو في كل مرة يزداد فيها علما إنما يزداد نورا وبصيرة؟

وقد جعل الله العمى الحقيقي الجهل الذي هو في مقابلة العلم ،فالعلم نور للبصائر والجهل ظلمة وعمى: (أَفَمَنْ يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَى إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الرعد:19). وقال الله تعالى مبينا سبيل نبيه صلى الله عليه وسلم وأتباعه: ( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف:108)

وكيف لا يزداد إيمان من أراد الله تعالى به خيرا بسلوكه سبيل العلم والفقه في الدين وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "

وكيف لا يزداد إيمان ورثة الأنبياء والمرسلين ، حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " إن العلماء ورثة الأنبياء ، وإنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما ، إنما ورثوا العلم، فمن أخذ به أخذ بحظ وافر ".

أم كيف لا يزداد إيمان من علم الناس الخير حتى " إن الله وملائكته وأهل السماوات والأرض حتى النملة في جحرها ، وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".

ومن كرم أهل العلم على الله تعالى أن جعلهم شهداء على أعظم مشهود عليه ، كما قال تعالى: ( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران:18) .

وكيف لا يزداد إيمان من دعا لهم النبي صلى الله عليه وسل حين قال: " نضر الله امرأ سمع مقالتي فبلغها ، فرب حامل فقه غير فقيه ، رب حامل فقه إلى ‌من هو أفقه ".

إن أهل العلم يسلكون سبيل النبي صلى الله عليه وسلم ، وسبيله هو النور الذي به يبصر العبد أمر دينه ودنياه وآخرته ، وبه يعيش حياة السعداء الموفقين المؤمنين ، وقد وصف الله نبيه بذلك فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ. يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (المائدة:15-16).

ومن أجل كل هذه الفضائل وغيرها ، ولأن العلم من أعظم أسباب زيادة الإيمان فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأل ربه تعالى منه المزيد: ( وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(طـه: من الآية114).

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يعلمه العلم النافع : " اللهم إني أسألك علما نافعا.."

فاللهم زدنا إيمانا وعلما ، واجعل ما علمتنا حجة لنا لا علينا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #889
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-15-2015, 06:42 PM
Parent: #787

من محاسن الإسلام العظيمة أنه دين شامل لكل نواحي الحياة، فلا انفصال فيه بين العبادة والسلوك ، ولا بين العلم والعمل.

ومما لا شك فيه أن من أعظم غايات العبادات التي شرعها الإسلام ـ وجوبا أو استحبابا ـ هو تزكية النفوس وتهذيبها والترقي بها نحو محاسن الأخلاق ومكارمها بحيث يصير المسلم المقيم لفرائض الله تعالى من أحسن الناس أخلاقا وأنبلهم سلوكا وأكرمهم شيما.وهذه الغاية نلمسها في كل شعيرة من شعائر الإسلام وكل ركن من أركانه.

فالصلاة التي هي أهم الأركان في الإسلام بعد توحيد الله تعالى نجد أنها من أعظم وسائل تزكية النفوس، كما قال الله تعالى: ( وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر).

ولهذا لما قيل للرسول صلى الله عليه وسلم: إن فلانا يصلي الليل كله فإذا أصبح سرق.قال: " سينهاه ما تقول" أو قال: "ستمنعه صلاته". ( رواه أحمد وغيره بسند صححه الألباني رحمه الله)

فكأن حقيقة الصلاة أنها تزكية للنفس وتطهير لها من الأخلاق الرديئة والصفات السيئة.

والصيام من غاياته العظمى تحقيق التقوى كما قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). ولا تتم التقوى عند العبد إلا إذا حسن خلقه مع خلق الله تعالى ، ولهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الوصية بالتقوى والوصية بحسن الخلق حين قال: " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .وذلك لأن بعض الناس يظن انه بإحسانه عبادة الله يمكنه ان يتخلى عن المعاملة الكريمة الحسنة مع الخلق فوجههم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ضرورة الجمع بين تقوى الله وحسن الخلق.

كما وجه النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إلى ضرورة التحلي بالحلم وحسن الخلق حين قال مخاطبا الصائمين:" فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم...." الحديث.

والزكاة كذلك هي عبادة وفريضة وهي أيضا وسيلة من أعظم وسائل تطهير النفس من البخل والشح والأنانية، وزرع معاني الفضيلة والألفة والرحمة والشفقة، ولهذا قال الله عز وجل: (خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها).

أما الحج وهو الركن الخامس من أركان الإسلام فإننا نرى له أثرا عجيبا في إصلاح الأخلاق وتهذيب السلوك كيف لا والله عز وجل يقول: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج)

وحين يفسر النبي صلى الله عليه وسلم برّ الحج بأنه" لين الكلام وإطعام الطعام" فإننا نجد لذلك أثرا عظيما في سلوك كثير من حجاج بيت الله الحرام حين يحرصون على أن يكون حجهم مبرورا فيلينون بين أيدي إخوانهم، ويتحملون منهم من التصرفات والأفعال والأقوال في الحج ما قد لا يحتملونه في غير الحج حتى إنك ترى الرجل أثناء إحرامه يحرص على تجنب الجدل والمراء، بل لا يرد الإساءة بمثلها وهو نفسه الذي لو أوذيَ أو أُسيء إليه قبل تلبسه بالإحرام لثار وهاج وماج لكنه أثر العبادة على خُلُقه وسلوكه.

ولو أن المسلمين استلهموا هذه الروح واستشعروا هذه الغاية من عباداتهم في كل أحوالهم لتحسنت الأخلاق كثيرا ولنعم المجتمع المسلم بعلاقات ملؤها الحب والمودة والرحمة لكن الواقع المُشاَهد يجعل العبد يوقن بأن بعض الناس ربما استفاد لحظيا أو وقتيا من أثر عبادته لكن الأثر لم تكن له صفة الدوام والاستمرار، وهذا بلا شك خللٌ في التطبيق يحتاج إلى التذكير بأن من أعظم غايات تشريع العبادات في الإسلام تزكية النفوس وتقويمها ونهيها عن غيِّها والابتعاد بها عن مساوئ الأخلاق وسفاسف الأمور.
اسلام ويب

Post: #891
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-17-2015, 00:33 AM
Parent: #787

كونوا ربانيين
كم ينشرح صدرك حين تلقى قوة المؤمن وصلابته وعزيمته وجديته... مشفوعة بسكينة وإخبات ورقة وصفاء!! وهو ما يتمثل في شخصية المسلم بخلق الربانية.

وُصف الربانيون في القرآن بأوصاف عديدة تتكامل بها صفاتهم. فقد وصفوا بالثبات في الجهاد والصبر على البلاء: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146)

والربيون بمعنى الجماعات الكثيرة من العباد والعلماء والربانيين ـ جميعا بين التفاسيرـ.

ومن علامات الربانيين أنهم يحرصون على تحكيم الشريعة وإقامة الدين:( إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ)(المائدة: من الآية44)

وفي موضع آخر وصفهم الله بأنهم المرشحون للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: ( لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْأِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ) (المائدة:63)

وجعل الله الأمر بالاتصاف بالربانية على لسان من يؤتيهم الله الحكم والنبوة وجعل الله ميزة الربانيين في قيامهم بتعليم كتاب ربهم وحرصهم على الاستمرار في التعلّم : ( مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَاداً لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (آل عمران:79)

فالرباني يبني نفسه ويبني غيره، يعمل بما علم ويعلّم ما تعلم.

وقد حوت كتب التفسير والسنة كثيرا من الصفات المميزة للرجل الرباني، ففي صحيح البخاري وعند ترجمة ( باب العلم قبل القول والعمل): (قال ابن عباس رضي الله عنه: كونوا ربانيين: حلماء فقهاء، ويقال : الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره) يقول ابن حجر رحمه الله: (والمراد بصغار العلم ما وضح من مسائله، وبكباره ما دق منها، وقيل: يعلمهم جزئياته قبل كلياته، أو فروعه قبل أصوله، أو مقدماته قبل مقاصده...).

فالرباني صاحب حكمة وصاحب فقه. ومن حكمته أنه يتدرج بالمدعوين وييسر عليهم على علم وبصيرة وحسن عمل. ينقل ابن حجر عن ابن الأعرابي قوله: " لا يقال للعالم رباني حتى يكون عالما معلما عاملا".

وأساس الربانية الإخلاص في ابتغاء رضى الرب ـ عز وجل ـ قال الأصمعي والإسماعيلي: ( الرباني نسبة إلى الرب، أي الذي يقصد ما أمره الرب بقصده من العلم والعمل)، وقيل إنه منسوب إلى التربية، والتربية أبرز ما في حال الرباني. وقد روي عن علي رضي الله عنه في وصف الربانيين قوله:" هم الذين يغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها" كما قيل إنه مشتق من قولهم: ربَّه يَربُّه فهو ربّان إذا دبّره وأصلحه." فمعناه على هذا: يدبرون أمور الناس ويصلحونها".

وفي تفسير ابن مسعود لقوله تعالى: ".. ولكن كونوا ربانيين..." قال: حكماء علماء. ويقول ابن جبير: حكماء أتقياء.

ومن اللفتات الطريفة في وصف الرباني أنه الذي يجمع إلى العلم البصر بالسياسة" وهي إشارة طريفة تنفي التصور المتفشي لدى بعض من قصرت أفهامهم عن العالم الرباني بأنه بعيد عن عصره، غافل عن قضايا وهموم أمته. وقد أكد هذه الميزة في الرباني أبو عبيدة بقوله:" سمعت عالما يقول: الرباني العالم بالحلال والحرام والأمر والنهي، العارف بأنباء الأمة وما كان وما يكون".

فهو مدرك لتاريخ الأمة مبصر لسنن الله في خلقه بصرا يتيح له أن يتوقع ما يكون حين تتوفر أسباب مضاء السنة الكونية والاجتماعية.

ويتميز ( الرباني) بأنه الكامل في العلم و العمل، الشديد التمسك بطاعة الله عز وجل ودينه" أما حين يغفل العلماء عن مجتمعاتهم أو يسكتون عما يجري فيها ويتساهلون فتلك ظاهرة الفناء كما يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير قوله تعالى: " لولا ينهاهم الربانيون والأحبار..." يقول:" فهذه السمة ـ سمة سكوت القائمين على أمر الشريعة والعلم الديني عما يقع في المجتمع من إثم وعدوان ـ هي سمة المجتمعات التي فسدت وآذنت بالانهيار".

إن من أعظم سمات الربانيين أنهم لا يبيعون دينهم بدنياهم ، وأنهم لا يساومون ولا يتنازلون عن حق اعتقدوه ، بل يدعون إليه ويصبرون عليه ، وإن كلفهم ذلك بذل الأرواح وتقديم المهج في سبيل الحق الذي يدينون به ويدعون إليه.وكيف لا يكونون كذلك وقد خالطت حلاوة الإيمان بشاشة قلوبهم فتطلعوا إلى ما عند الله من الدرجات العلا والنعيم المقيم ، وهم كذلك امتداد للصالحين الربانيين على مدار التاريخ الذين صبروا على الأذى فرفع الله قدرهم وأعلى في العالمين ذكرهم.

ألم تر إلى سحرة فرعون حين رأوا أن ما جاء به موسى هو الحق فانقادوا له فلما هددهم فرعون بالعذاب والصلب وتقطيع الأجساد والموت: (قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى . إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَى . وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى) (طـه:72ـ75)

فلا مجاهد بلا ربانية، ولا ربانية بغير علم وعمل وحكمة وإخلاص وصبر وتربية وبصيرة... والذين يتبؤون مراكز التوجيه ويتصدرون ساحات الجهاد لا بد أن يأخذوا أنفسهم بالعزيمة ليحسنوا أداء دورهم " القدوة" وليستحقوا من الله تبوأ " العليين" و " مقعد صدق" في الدار الآخرة، ولينالوا وسام (الربانية) بما يتعلمونه ويعلّمونه.

ــــــــــــــــــــ

هذه أخلاقنا ( بتصرف )

Post: #892
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-17-2015, 08:44 AM
Parent: #891

يعيش المؤمن الداعية كثيرا من الهموم، وربما كان تكاثر الهموم سببا لتشتيت القلب عن الهدف، ولصرف الهمة إلى مشاغل أهل الدنيا واهتماماتهم فتزول الميزة وينعدم التميز وتختلط الموازين.

إن من هوان أمر الدنيا أن جعلها الله لا تدوم لأحد: " إن حقا على الله تعالى أن لا يرفع شيئا من أمر الدنيا إلا وضعه"، وإنما هي أيام يداولها الله بين الناس، فيرفع أقواما ويضع آخرين، ويعز أقواما ويذل آخرين لتتحقق حكمة الله في ابتلاء العباد.

إن الله يعطي الدنيا للمؤمن والكافر ولا يعطي الدين إلا لمن يحب. وقد تعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن عمرو حين رآه يصلح جدار بيته ويطينه فأراد أن يخلي قلبه من التعلق بالدنيا وأن يذكره بقرب الأجل للاستعداد له فقال صلى الله عليه وسلم:" ما أرى الأمر إلا أعجل من ذلك"، ليجعل الآخرة همه والاستعداد لها شغله فإذا بالغ امرؤ في الانصراف عن إعمار الدنيا والسعي فيها فيحتاج إلى لفتة من نوع آخر (... ولا تنس نصيبك من الدنيا...)، بحيث يبقى على جادة القصد والتوازن.

وإن العبد المحفوف بالنعيم قد يكون مستدرجا لمزيد من المسؤولية والعذاب وهو لا يدري: " إذا رأيت الله يعطي العبد نم الدنيا ما يحب وهو مقيم على معاصيه فإنما ذلك منه استدراج" فلا تحزن على ما فاتك منها، ولا تمدن عينيك إلى ما أوتي الناس من الدنيا فربما كانوا لا يحسدون عليها إذا لم يؤدوا حقها.

والخطورة في أن تكون هذه النعم الأجر العاجل ليُحرم صاحبها الأجر الآجل حيث يكون في أشد الحاجة لما يرجح كفة حسناته؛ ولذلك طيّب رسول الله خاطر أصحابه حين ذكروا نعيم الروم والفرس فقال: " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا".

وغالب حال الناس كما قال صلى الله عليه وسلم: " أكثر الناس شبعا في الدنيا أطولهم جوعا في الآخرة". وذلك لقلة الشاكرين، وكما قال ربنا عز وجل: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً ) (الإسراء:18)


وكل نعمة مهما صغرت، عليها حساب ومسؤولية. فالمسكين من لم يقم بحقها لا من حرم منها في الدنيا: " إن أول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم أن يقال له: ألم نُصِِحَّ لك جسمك ونُرَوِّك من الماء البارد؟".

ولذلك كان من علامة طريق الجنة أنه محفوف بالبلاء، ولا يهون البلاء إلا على من جعل الآخرة همه: "حُفَّت الجنة بالمكاره وحُفَّت النار بالشهوات".

وإن مسؤولية المسلم الذي يقدر الله حق قدره أن يوحد همه فيفكر في المآل والمصير لا أن يصرف كل جهده و فكره ووقته في صغائر الأمور وتوافهها. وبقدر ما يكون لله في قلب العبد من توقير وإجلال و رهبة يكون للعبد عند الله من الأجر والمنزلة: " من أراد أن يعلم ما له عند الله فلينظر ما لله عنده".

ومن كان دائم التفكير في رضى الله فإنه لا تشغله النعمة ولا يعميه البلاء، ومن كان مع الله في اليسر كان الله له في العسر: " تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة".

ومثل هذا الحال يقتضي من المؤمن أن يكون دائم الرقابة لله والحياء منه أكثر مما يحتاط ويستحي من البشر: " ما كرهت أن يراه الناس منك فلا تفعله بنفسك إذا خلوت". و"اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك".

والمهتم بآخرته إذا ذكر بخطئه سريع الفيئة قريب الرجعة: " إذا ذُكِّرتم بالله فانتهوا ".

والذي يخاف الله في الدنيا ويحذر معصيته ويحتاط لأمر آخرته فذلك هو الآمن يوم القيامة، قال الله تعالى: " وعزتي وجلالي لا أجمع لعبدي أمنين ولا خوفين. إن هو أمنني في الدنيا أخفته يوم أجمع عبادي، وإن هو خافني في الدنيا أمّنته يوم أجمع عبادي ".

والمهتم بآخرته يفكر فيما يقربه إلى الجنة ويباعده من النار، وقد جعل الله مدار المسؤولية على انبعاث إرادة الإنسان إلى الطاعة أو المعصية، لذلك قال صلى الله عليه وسلم: " الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك" وإذا صدق المرء في مجاهدة نفسه يسّر الله له السبيل ( وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً )(مريم: من الآية76).

والمهتم بآخرته لا يرى الدنيا دار قرار لشعوره بقرب الرحيل إلى دار الخلود، قال صلى الله عليه وسلم: " قال لي جبريل: يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك ملاقيه".

ولذلك كان مما تعجب منه صلى الله عليه وسلم انفتاح الخير وغفلة الإنسان عنها وملاحقة الفتن للمرء وعدم فراره منها: " ما رأيت مثل النار نام هاربها، ولا مثل الجنة نام طالبها "، بينما يكون المهتم بآخرته شديد الحرص على اتقاء المنكرات، والمسارعة في الخيرات.

وحال المهتم لأمر آخرته التخفف من العلائق والزهد بالصوارف: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل"، والجدية في الحياة علامة مميزة للراغب الراهب: " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا"، والهمة في العمل علامة صدق الاستعداد للآخرة والخوف من الله، وذلك ما مثّله رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل إلا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة "، أما من كان سفره طويلا، وانطلاقه متأخرا، وحركته بطيئة، وهمته ضعيفة فلن يبلغ مراده، ولن يصل إلى مقصوده.

ومن أهم ما يورثه الاهتمام بأمر الآخرة أن يزيح الله به عن القلب باقي الهموم ليصفو القلب لله وإن كان في بحر من الابتلاءات. قال صلى الله عليه وسلم: " من جعل الهموم هما واحدا هم المعاد كفاه الله سائر همومه، ومن تشعبت به الهموم من أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك".

"ومن كانت الآخرة همه؛ جعل الله غنها في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه؛ جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله. ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".

فتجارة الآخرة لا تبور، والتهافت على الدنيا لا يغير المقدور ، وفقنا الله والناس جميعا لما يحب ويرضى ، والحمد لله رب العالمين.
هذه أخلاقنا

Post: #893
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-17-2015, 11:06 PM
Parent: #787

أثر الدعاء في صلاح الأبناء
إن من نعم الله تعالى على عباده نعمة الذرية، ولهذا امتن الله تبارك وتعالى على عباده وذكرهم بهذه النعمة في كتابه الكريم فقال : (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل:78).

إنهم زينة الحياة الدنيا وزهرتها وبهجتها: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )(الكهف: من الآية46).

ولكن لا تقر أعين الآباء بالأبناء حقيقة إلا إذا كانوا صالحين، لهذا فإن الصالحين من عباد الله يجتهدون في صلاح أبنائهم ويعلمون أن الأمر كله بيد الله عز وجل ، وأن من أعظم أسباب صلاح أبنائهم كثرة الدعاء لهم والتضرع إلى الله ليصلحهم.

وقد ذكر الله تعالى عن عباده الذين أضافهم إلى نفسه إضافة تشريف فقال : (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74)

قال ابن عباس رضي الله عنهما:" يعنون : "من يعمل بطاعة الله فتقرّ به أعينهم في الدنيا والآخرة".

قال الإمام ابن كثير رحمه الله فى تفسيرها:[ يعنى الذين يسألون الله أن يخرج من أصلابهم من ذرياتهم من يطيعه ويعبده وحده لا شريك له].

ونظرا لما للدعاء من أثر عظيم في صلاح الأبناء وجدنا خير خلق وصفوتهم الأنبياء والرسل يسألون ربهم ويلحون عليه سبحانه أن يصلح لهم ذرياتهم ،حتى إنهم دعوا الله تعالى من أجلهم قبل أن يولدوا.

الخليل عليه السلام يسأل ربه الذرية الصالحة:

فهذا سيدنا إبراهيم يرفع أكف الضراعة طالبا ً من الله تعالى أن يرزقه أبناء صالحين مصلحين فقال: (رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ) (الصافات:100)

إنه قد بلغ سنا كبيرة وامرأته عجوز وهو يشتهي الولد لكنه لا يريد أي ولد إنما يريد ولدا صالحا،فكانت الاستجابة من الله تعالى فأعطاه ما سأل: (فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ) (الصافات:101).

و أعجب من ذلك أن الخليل عليه السلام لم ينقطع عن الدعاء لذريته ، بل ظل يتعهدهم بالدعوات الصالحات طوال حياتهم، (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) (إبراهيم:35 )ويستمر في الدعاء: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) (إبراهيم:37)

(رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) (إبراهيم:40).

ونبي الله زكريا

وعلى نفس الطريق سار سيدنا زكريا عليه السلام، إذ دعا الله تعالى لأبنائه قبل أن يولدوا ،[ إننا نراه يدعو الله تعالى أن يرزقه ولداً صالحاً مرضياً عند الله وعند الناس، يتحمل معه أعباء النبوة والدعوة إلى توحيد الخالق سبحانه قائلاً: ( فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيّاً . يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيّاً) (مريم: من الآية5،6)

ولقد استجاب الله تعالى لدعائه، وحملت الملائكة إليه البشرى بالولد والنبي الصالح:

(فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّداً وَحَصُوراً وَنَبِيّاً مِنَ الصَّالِحِينَ) (آل عمران:39).

النبي يدعو لأبناء المسلمين:

إذا رجعنا إلى هدي نبينا صلى الله عليه وسلم لوجدناه يكثر من الدعاء لأبناء المسلمين ويوجّه المسلمين إلى الدعاء لأبنائهم حتى قبل أن يولدوا،فيحث من أراد إتيان أهله قضاءً لشهوته وطلبا للولد أن يحرص على وقايته من الشيطان فيقول :" لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال: بسم الله، اللهم جنّبنا الشيطان وجنّب الشيطان ما رزقتنا، فيولد بينهما ولد، فلا يصيبه الشيطان أبداً".

ويدعو للصغار وهم نطف في رحم الأم:

فعن أم سليم رضي الله عنها قالت: توفى ابن لي وزوجي غائب، فقمت فسجيته في ناحية البيت. فقدم زوجي فقمت فتطيبت له فوقع علىّ . ثم أتيته بطعام فجعل يأكل فقلت : ألا أعجبك من جيراننا ؟ قال: وما لهم؟ قلت : أعيروا عارية فلما طلبت منهم جزعوا فقال: بئس ما صنعوا. فقلت: هذا ابنك. فقال: لا جرم لا تغلبينني على الصبر الليلة. فلما أصبح غدا على رسول الله فأخبره، فقال: " اللهم بارك لهم في ليلتهم". قال الراوي:فلقد رأيت لهم بعد ذلك في المسجد سبعة- يعنى من أبنائهم- كلهم قد قرأ القرآن ـ يعني حفظه ـ. وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم .

ويدعو لهم عند ولادتهم:

فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي كان يؤتى بالصبيان – تعنى حديثي الولادة- فيحنكهم ويدعو لهم بالبركة.

وفى الصحيحين أن أسماء رضي الله عنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم بمولود لها، تقول: "حنّكه بالتمرة ثم دعا له وبرّك عليه".

ويدعو لهم أثناء مخالطتهم تشجيعاً وتثبيتاً لهم على الخير:

فعن أنس رضي الله عنه قال: جاءت أمي أم أنس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أزّرتني (ألبستني إزاراً) بنصف خمارها وردّتني (ألبستني رداءاً) بنصفه فقالت: يا رسول الله، هذا أنيس ابني أتيته بك يخدمك فادع الله له، فقال:" اللهم أكثر ماله وولده" . وفى رواية:" وبارك له فيما أعطيته". قال أنس: فو الله إن ولدى وولد ولدى ليتعادّون على نحو المائة اليوم. (مسلم)

ولنتأمل هنا كيف بنت وأسست أم سليم رضي الله عنها لابنها مستقبله في الدين والدنيا بالدعاء؟! إنه جيل الصحابة الفريد الذين أحسنوا الأخذ والفهم والتطبيق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . ويكافئ ابن عباس الغلام الصغير على إعداده لوضوء النبي قبل أن يطلبه بأن يدعو له، فقد أخرج البخاري عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الخلاء قال فوضعت له وضوءاً، فقال: من وضع هذا؟ فأخبر، فقال: "اللهم فقهه في الدين". ويستجيب الله تعالى لدعائه لابن عباس ويصير حبر الأمة وترجمان القرآن.

وإذا كان هؤلاء هم قدوتنا وأسوتنا عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه يأمرنا الله تعالى بأن نقتدي بهم ، قال تعالى: (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)(الأنعام: من الآية90)

ويخبرنا أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الأسوة الحسنة لنا في كل أمرنا قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21). ( إصلاح البنين-سحر شعير ،بتصرف يسير).

وعلى هذه الخطى سار السلف

فوجدناهم يهتمون بالإكثار من الدعاء للأبناء

فهذا الفضيل بن عياض سيد من سادات هذه الأمة وعالم من علمائها الأكابر يدعو لولده علي رحمه الله وهو صغير فيقول: اللهم إنك تعلم أني اجتهدت في تأديب ولدي علي فلم استطع ، الله فأدبه لي...، وهو مع هذا لم يتوان عن تعهده بالإصلاح والرعاية وحسن الأدب ، لكنه يعلم أن الأمر كله لله فيدعوه سبحانه ويتضرع إليه في صلاح ولده فيستجيب الله تعالى دعاءه ويصلح له ولده حتى عن بعض العلماء ليفضل علي بن الفضيل على أبيه على جلالة قدر أبيه رحمهما الله.

وهكذا كان أكثر السلف لكنا لا نريد الإطالة

احذر الدعاء على أولادك

إن مما ينبغي أن يكون معلوما ومستقرا في نفوس الآباء أن الدعاء على الأبناء من الممنوعات التي لا يجوز الاقتراب منها بحال ولقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الدعاء على الأطفال فقال: " لا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على أموالكم ولا تدعوا على أولادكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجيب".

إن الوالدين أو أحدهما قد يغضب لإساءة بعض الأبناء أو عقوقه ،وهما إن غضبا فحقهما لكن ينبغي ألا يلجأ الوالدان أو أحدهما في هذا الحال إلى الدعاء على الأولاد؛ فإنهما أول من يكتوي ويتألم إن أصاب أبناءهما مكروه ، وليستحضر الوالدان أن دعوة الوالد لولده أو عليه هي مما يستجاب ، فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن ذ لك بقوله: " ثلاث دعوات يستجاب لهن لا شك فيهن..." الحديث وذكر منها : " دعوة الوالد لولده" وفي رواية : "على ولده" .

وقد تكون إجابة الدعوة على الولد سببا في مزيد من العقوق والفساد لمن دعي عليه من الأولاد ، وقد جاء رجل على عبد الله بن المبارك رحمه الله يشكو إليه عقوق ولده فسأله ابن المبارك: أدعوت عليه؟ قال:نعم. قال اذهب فقد أفسدته.وهذا الجواب منه يدل على سعة علمه رحمه الله فإن الدعاء على الأولاد لن يزيدهم إلا فسادا وعنادا وعقوقا ، وأول من يشتكي هذا العقوق هو من تسرع بالدعاء على الأولاد.

هدى الله أولادنا وأصلح لنا ذرياتنا وجعلهم قرة عين لنا في الدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.

اسلام ويب

Post: #902
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:02 AM
Parent: #893

كافل اليتيم مع النبي في الجنة
أيها الحبيب : هل تجد في قلبك قسوة وتريد أن يذهبها الله؟

هل تريد أن تكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة؟

هل تريد أن تكسب مئات الحسنات بعمل يسير جدا؟

إذا أردت ذلك كله فكن لليتيم مكان والده ، أحسن إليه ، اقترب منه ، ابتسم له ، امسح رأسه ، طيب خاطره ، أدخل البسمة على روحه الظامئة.

الإحسان إلى اليتامى من أعظم البر:

لقد أمر الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم غي أكثر من آية من كتابه الكريم فقال الله عز وجل: ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى) (النساء: من الآية36).

وقال عز وجل: ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ) (البقرة: من الآية220).

وقد جعل الله تعالى الإحسان إلى اليتامى قربة من أعظم القربات ونوعا عظيما من البر، فقال:( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ) (البقرة:177) .

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد بلغ من عنايته باليتيم أن بشر كافليه بأنهم رفقاؤه في جنة عرضها السموات والأرض حين قال : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما شيئا.وقد قال ابن بطال: حق على من سمع هذا الحديث أن يعمل به ليكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة ، ولا منزلة أفضل من ذلك.

كما بشر النبي من أحسن إلى اليتيم ولو بمسح رأسه ابتغاء وجه الله بحسنات كثيرة حين قال: " من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ، ومن أحسن إلى يتيمة أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين".

في الإحسان إلى اليتامى نجاة:

نعم فأهوال القيامة العظيمة وكرباتها الشديدة قد جعل الله لكافل اليتيم منها نجاة ومخرجا : (فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ . وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ . فَكُّ رَقَبَةٍ .أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ . يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ) (البلد:11- 15) .

الحنو على اليتامى يذهب قسوة القلب:

فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فأوصاه أن يمسح رأس اليتيم.

ومدح النبي نساء قريش لرعايتهن اليتامى: " خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ،أحناه على يتيم في صغره ، وأرعاه على زوج في ذات يده".

ولما مات جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه تعهد الرسول أولاده وأخذهم معه إلى بيته ، فلما ذكرت أمهم من يتمهم وحاجتهم ، قال: " العيلة ( يعني الفقر والحاجة) تخافين عليهم وأنا وليهم في الدنيا والآخرة".

رعاية مال اليتيم:

أوصى الله تعالى بالإحسان إلى اليتيم الذي ترك له والده مالا برعاية هذا المال وتنميته وتثميره وعدم الاعتداء عليه بأي صورة من الصور ، فقال : (وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ ) (الأنعام: من الآية152). وقال : ( وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) (الإسراء:34).

ولا يمنع هذا ولي اليتيم إن كان فقيرا أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف لقوله تعالى: (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً) (النساء:6).

المفهوم الصحيح للكفالة:

يظن كثير من الناس أن كفالة اليتيم تعني فقط النفقة عليه ، وهذا لا شك فهم قاصر بالرغم من عظم ثواب النفقة في ذاتها إلا أن مفهوم الكفالة أوسع من ذلك ، وحتى لا نبتعد كثيرا ننقل هنا كلاما قيما للعلامة ابن حجر رحمه الله عند كلامه على قول النبي أنا وكافل اليتيم في الجنة،فيقول: قال شيخنا في "شرح الترمذي" : لعل الحكمة في كون كافل اليتيم يشبه في دخول الجنة أو شبهت منزلته في الجنة بالقرب من النبي صلى الله عليه وسلم أو منزلة النبي .. لكون النبي شأنه أن يبعث إلى قوم لا يعقلون أمر دينهم فيكون كافلا لهم ومعلما و مرشدا ، وكذلك كافل اليتيم يقوم بكفالة من لا يعقل أمر دينه بل و لا دنياه , ويرشده و يعلمه و يحسن أدبه , فظهرت مناسبة ذلك .. ا.هـ.

فاليتيم المكفول يتأثر تأثرا مباشرا بكافله و بشخصيته ومما يأخذه منه .

وأخيرا:

فإن كفالة اليتيم طريق إلى الجنة قصير ، كما قال الله عز وجل: (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً.إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً. إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً. فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً. وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيراً). (الإنسان:8-12) .
اسلام ويب

Post: #903
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:03 AM
Parent: #902

تجاوز عن المعسر يتجاوز الله عنك
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين وعلى آله وأصحابه الذين ساروا على طريقه ومنهاجه، وعلى التابعين ومن تبعهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى يحب من عباده أن يتصفوا بالصفات الحسنة، بل إنه يجازيهم على ذلك، فعنْ أبي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كَانَ تَاجِرٌ يُدَايِنُ النَّاسَ فَإِذَا رَأَى مُعْسِرًا قَالَ لِفِتْيَانِهِ تَجَاوَزُوا عَنْهُ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَتَجَاوَزَ عَنَّا فَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهُ" وفي رواية لمسلم: "قال اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- نَحْنُ أَحَقُّ بِذَلِكَ مِنْهُ تَجَاوَزُوا عَنْهُ". (رواه البخاري ومسلم).

في هذا الحديث يذكر النبي - صلى الله عليه وسلم- قصة تاجر ممن كان قبلنا، و أن هذا الرجل لم يكن يعمل عمل خير قط ، إلا أنه بمخالطته للناس كان يداينهم ، فمن كان منهم معسراً عند السداد كان يأمر فتيانه أن يتجاوزوا عنه، والتجاوز هذا إما أن يكون بالإعفاء عنهم بالكلية, أو بالتجاوز عن البعض, أو بحسن المقاضاة وهذا كله من باب التيسير، فلما توفاه الله -عزوجل- وأقامه بين يديه سأله يا عبدي هل عملت خيراً قط؟ قال العبد: لا. إلا أنني كنت تاجراً وكنت أداين الناس، وكان لي غلام أو فتيان أبعثهم يتقاضون الدين الذي لي، وكنت قبل أن أبعثهم آمرهم أن يأخذوا ما تيسر وأن يتجاوزوا عن المعسر ، لعل الله أن ينظر إلى عملي هذا فيتجاوز عني، كما أتجاوز عن هؤلاء المعسرين. فقال الله -عزوجل- وهو أعلم- سبحانه- بما كان يعمل هذا الرجل، نحن أحق بذلك منه وأمر الله ملائكته أن يتجاوزوا عنه ، رحمة من الله وفضل -سبحان وتعالى-.

فالمداينة والإقراض ومساعدة الآخرين والتجاوز عن المعسرين. خصلة حميدة، وصفة كريمة، قل أن تجدها عند تُجار المسلمين اليوم، فالبعض منهم إذا داين الناس، فأتى وقت السداد ولم يدفع ما عليه، تراه يغضب ويرغد ويزبد، فيُسّمع به الناس وينشر سُمعة ليست طيبة بأن هذا رجل مماطل وأن على الناس أن ينتبهوا له فلا يقرضوه، وهكذا ربما رفع به شكوى إلى المحكمة، وربما يطلب منهم أن يسجنوه، بل بعضهم يصل به الحد إلى أن يضربه أو يهينه فيشتمه ويسبه بين الناس، وهذه الأخلاق موجودة عند بعض تجار المسلمين والميسورين. فإنا لله وإنا إليه راجعون!! أين هؤلاء من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم-: "ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة". وحديث : "مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُنْجِيَهُ اللَّهُ مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلْيُنَفِّسْ عَنْ مُعْسِرٍ أَوْ يَضَعْ عَنْهُ". صحيح مسلم. هل يريدون أن ييسر الله عليهم في الآخرة, فمن يسر على الناس في الدنيا يسر الله عليه يوم القيامة، والتيسير على الناس في الدين إما أن يكون "بتأجيل الدين ابتداء أو بعد حلول الأجل الأول أو بتركه أو بالتصديق عليه". (حاشية السندي على ابن ماجه) فما أحوج التجار اليوم والميسورين من أبناء المسلمين إلى أن يتجاوزوا عن المعسرين، وخاصة والظروف الصعبة التي يمر بها أبناء المسلمين من الفقر والجوع، فالواحد منهم في بعض البلدان قد لا يملك قوت يومه هو وأهله فكيف له أن يسدد ما عليه من دين؟! فإذا لم يكن هذا التاجر متصفا بصفة التجاوز و التسامح عن المعسرين فإن هذا المعسر سيقع في محنة عصيبة.

قال ابن حجر رحمه الله: ويدخل في لفظ التجاوز الإنظار والوضعية وحسن التقاضي.(فتح الباري (6 /390).

( لا شك أننا حين نقول هذا الكلام ونذكر به لا نحاول إيجاد طريق للناس لأكل حقوق بعضهم البعض ، أو التماس العذر لهم إن ماطلوا مع قدرتهم على الوفاء ، إنما حديثنا عن صنف من الناس استدانوا أو اشتروا بالآجل لكنهم عجزوا عن السداد لفقرهم وضيق ذات اليد ).

وهذا نموذج من عصرنا الحاضر، اتصف بصفة التسامح والإقراض والتجاوز عن المعسرين، إنه العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله -، فقد ذكر عنه الشيخ علي بن عبد الخالق القرني – حفظه الله - في شريط الرضاب المعسول في جود الرسول، نقلاً عن مدير مكتب الشيخ ابن باز: أن الشيخ عبد العزيز ابن باز- رحمه الله - كان يقرض الناس ثم يرسل لهم رسائل أنه قد سامحهم في الدين الذي عندهم، قال: وفي ذات يوم أقرض الشيخ ابن باز رجلاً سبع مائة ألف ريال سعودي، وبعد فترة من الزمن كتب الشيخ ابن باز له رسالة يخبره أنه قد عفا عنه وسامحه في هذا المبلغ. فهذه قلوبٌ نديّةٌ ، وأنفسٌ سخيّةٌ ، سخّرها الله – تعالى- لتكون عوناً للفقراء ، وتزول على يدها ملامح البؤس والشقاء، فكان أصحابها كالنهر المتدفّق عطاءً ، يواسون الضعيف ، ويهرعون لنجدته ، ويتجاوزون عن المعسر، ويعينونه على دفع كربته ، أولئك هم خيرة الخلق للخلق، وأحبّ الناس إلى الخالق.

فالله -عزوجل- يجازي على حسب العمل وهذه سنة كونية فالجزاء من جنس العمل، فالله - سبحانه وتعالى- قد تجاوز عن ذلك التاجر لتجاوزه عن الناس، وهكذا يجد كل عامل جزاء عمله، فإن عمل خيراً وجد مثله، وإن عمل شرّاً وجد عاقبة فعله، ومن زرع الشوك لن يجتني العنب.

وهكذا فقد جاء الكتاب والسنة يثبت ذلك, ويبينا أن الجزاء من جنس العمل، قال تعالى: {جَزَاء وِفَاقًا} أي: وفق أعمالهم، وهذا ثابت شرعاً وقدراً. وقوله –تعالى-:{هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} (الرحمن:60). والأحاديث في هذا كثيرة منها: قوله - صلى الله عليه وسلم-: "احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ" (سنن الترمذي), وحديث:"مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ" (صحيح مسلم). وحديث: " إِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ" (رواه البخاري ومسلم)، وحديث: (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا) (صحيح مسلم). وغيرها من الأحاديث الدالة على أن الجزاء من جنس العمل.
فتجاوز عن المعسرين أخي الميسور، إما بالمسامحة, أو بالتقاضي الحسن، أو بتأخير الأجل فإن ذلك عمل عظيم يجازيك الله عليه يوم العرض الأكبر، يوم تكون بأشد الحاجة إلى تجاوز الرحمن عنك ، ويوم أن تكون بأشد الحاجة إلى رحمات الله ومغفرته وعفوه.
اللهم اجعلنا من عبادك المتقين، واجعلنا من الذين ييسرون على المعسرين، وتجاوز عنا يوم الدين يا ربنا يا رب العالمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

صيد الفوائد ( بتصرف يسير )

Post: #947
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:52 AM
Parent: #902

الظلم هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو أيضًا عبارة عن التعدي عن الحق إلى الباطل وفيه نوع من الجور؛ إذ هو انحراف عن العدل.

أنـواع الظـلم:

قال البعض: الظلم ثلاثة:

الأول ـ أن يظلم الناسُ فيما بينهم وبين الله تعالى:

وأعظمه الكفر والشرك والنفاق، ولذلك قال تعالى: {إن الشرك لظلم عظيم} (سورة لقمان:13)، وإياه قصد بقوله: {ألا لعنة الله على الظالمين} (سورة هود:18).

الثاني ـ ظلم بينه وبين الناس:

وإياه قصد بقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (سورة الشورى:40) ، وبقوله: {إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ} (سورة الشورى 42) .

الثالث ـ ظلم بين العبد وبين نفسه:

وإياه قصد بقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} (سورة فاطر:32)، وقوله على لسان نبيه موسى: {رب إني ظلمت نفسي} (سورة القصص:16)، وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس، فإن الإنسان في أول ما يهمُّ بالظلم فقد ظلم نفسه.

قال الذهبي: «الظلم يكون بأكل أموال الناس وأخذها ظلمـًا، وظلم الناس بالضرب والشتم والتعدي والاستطالة على الضعفاء»، وقد عده من الكبائر، وبعد أن ذكر الآيات والأحاديث التي تتوعد الظالمين، نقل عن بعض السلف قوله: «لا تظلم الضعفاء فتكون من شرار الأقوياء»، ثم عدد صورًا من الظلم منها: أخذ مال اليتيم ـ المماطلة بحق الإنسان مع القدرة على الوفاء ـ ظلم المرأة حقها من صداق ونفقة وكسوة ـ ظلم الأجير بعدم إعطائه الأجر. ومن الظلم البيِّن الجور في القسمة أو تقويم الأشياء، وقد عدها ابن حجر ضمن الكبائر.

وقد وردت النصوص تذم الظلم:

قال تعالى: {وتلك القرى أهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا} (سورة الكهف:59)، وقال سبحانه: {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (سورة الزخرف:76)، وقال: {والله لا يحب الظالمين} (سورة آل عمران:57)، وقال: {ولا يظلم ربُك أحدًا} (سورة الكهف:49)، وقال: {وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال: {ألا إن الظالمين في عذاب مقيم} (سورة الشورى:45)، والآيات كثيرة في القرآن الكريم تبين ظلم العبد لنفسه، وأن هذا الظلم على نوعين: الشرك، وهو أعظم الظلم كما بينا، والمعاصي، قال تعالى: {ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير} (سورة فاطر:32)، أما ظلم العبد لغيره بالعدوان على المال والنفس وغيرها، فهو المذكور في مثل قوله تعالى: {إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون فى الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم} (سورة الشورى:42).

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله ليملي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: {وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد} » (رواه البخاري ومسلم).

وفي الحديث: «اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة» (رواه مسلم).

وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لأبي سلمة بن عبد الرحمن، وكان بينه وبين الناس خصومة: يا أبا سلمة اجتنب الأرض ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين» (رواه البخاري ومسلم).

وعن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تكونوا إمعة، تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وَطِّنُوا أنفسكم، إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا فلا تظلموا» (رواه الترمذي).

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم كفل ـ نصيب ـ من دمها، لأنه كان أول من سنَّ القتل» (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا، وكونوا عباد الله إخوانًا، المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ها هنا ـ ويشير إلى صدره ثلاث مرات ـ، بحسب امرئٍ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه» (رواه مسلم).

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «يوم المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم»، وكان معاوية رضي الله عنه يقول: «إني لأستحي أن أظلم من لا يجد علي ناصرًا إلا الله»، وقال أبو العيناء: «كان لي خصوم ظلمة، فشكوتهم إلى أحمد بن أبي داود، وقلت: قد تضافروا عليَّ وصاروا يدًا واحدة، فقال: يد الله فوق أيديهم، فقلت له: إن لهم مكرًا، فقال: ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله، قلت: هم من فئة كثيرة، فقال: كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله».

وقال يوسف بن أسباط: «من دعا لظالم بالبقاء، فقد أحب أن يُعْصَى الله في أرضه».

وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لما كشف العذاب عن قوم يونس عليه السلام ترادوا المظالم بينهم، حتى كان الرجل ليقلع الحجر من أساسه فيرده إلى صاحبه».

وقال أبو ثور بن يزيد: «الحجر في البنيان من غير حله عربون على خرابه».

وقال غيره: لو أن الجنة وهي دار البقاء أسست على حجر من الظلم، لأوشك أن تخرب».

وقال بعض الحكماء: «اذكر عند الظلم عدل الله فيك، وعند القدرة قدرة الله عليك، لا يعجبك رَحْبُ الذراعين سفَّاكُ الدماء، فإن له قاتلاً لا يموت».

وكان يزيد بن حاتم يقول: «ما هِبْتُ شيئًا قط هيبتي من رجل ظلمته، وأنا أعلم أن لا ناصر له إلا الله، فيقول: حسبي الله، الله بيني وبينك».

وبكى عليٌّ بن الفضيل يومًا، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أبكي على من ظلمني إذا وقف غدًا بين يدي الله تعالى ولم تكن له حجة.

ونادى رجل سليمان بن عبد الملك ـ وهو على المنبر ـ: يا سليمان اذكر يوم الأذان، فنزل سليمان من على المنبر، ودعا بالرجل، فقال له: ما يوم الأذان؟ فقال: قال الله تعالى: {فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين} (سورة الأعراف:44).

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: «إياك ودمعة اليتيم، ودعوة المظلوم، فإنها تسري بالليل والناس نيام».

وقيل: إن الظلم ثلاثة: فظلم لا يُغفر، وظلم لا يُترك، وظلم مغفور لا يُطلب، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، نعوذ بالله تعالى من الشرك، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} (سورة النساء:48)، وأما الظلم الذي لا يترك، فظلم العباد بعضهم بعضًا، وأما الظلم المغفور الذي لا يطلب، فظلم العبد نفسه.

ومر رجل برجل قد صلبه الحجاج، فقال: يا رب إن حلمك على الظالمين قد أضر بالمظلومين، فنام تلك الليلة، فرأى في منامه أن القيامة قد قامت، وكأنه قد دخل الجنة، فرأى ذلك المصلوب في أعلى عليين، وإذا منادٍ ينادي، حلمي على الظالمين أحلَّ المظلومين في أعلى عليين.

وقيل: «من سَلَبَ نعمةَ غيرِه سَلَبَ نعمتَه غيرُه»، ويقال: «من طال عدوانه زال سلطانه».

قال عمر رضي الله عنه: «واتقِ دعوة المظلوم، فإن دعوة المظلوم مستجابة».

وقال عليٌّ رضي الله عنه: «إنما أهلك من كان قبلكم أنهم منعوا الحق حتى استشرى، وبسطوا الجور حتى افتدى»، وقيل: «أظلم الناس من ظلم لغيره»؛ أي لمصلحة غيره.

وقال ابن الجوزي: «الظلم يشتمل على معصيتين: أخذ مال الغير، ومبارزة الرب بالمخالفة، والمعصية فيه أشد من غيرها، لأنه لا يقع غالبًا إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار، وإنما ينشأ الظلم عن ظلمة القلب، ولو استنار بنور الهدى لاعتبر».

وقال ابن تيمية: «إن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة»، ويروى: «إن الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة».

من أسـبـاب الظـلم:

( أ ) الشيطان: قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (سورة البقرة:208)، وقال: {استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله أولئك حزب الشيطان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون} (سورة المجادلة:19).

(ب) النفس الأمارة بالسوء: قال تعالى: { إن النفس لأمارة بالسوء} (سورة يوسف:53).

(جـ) الهوى: قال تعالى: {فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا} (سورة النساء:135)، وقال سبحانه: {وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى} (سورة النازعات:40-41)، وقال جلَّ وعلا: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه} (سورة الكهف:28)، والآيات كثيرة في هذا الباب.

أسباب تعين على ترك الظلم وتعالجه:

1 ـ تذكر تنزهه عزَّ وجلَّ عن الظلم: قال تعالى: {من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد} (سورة فصلت:46)، وقال سبحانه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة} (سورة النساء:40)، وقال: {وما الله يريد ظلما للعالمين} (سورة آل عمران:108).

2 ـ النظر في سوء عاقبة الظالمين: قال تعالى: {وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا} (سورة مريم:71-72)، وقال سبحانه: {وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون} (سورة هود:117)، وقال: {قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون} (سورة الأنعام:47).

3 ـ عدم اليأس من رحمة الله: قال تعالى: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون} (سورة يوسف:87، وعن صفوان بن محرز قال: قال رجل لابن عمر رضي الله عنهما: كيف سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النجوى؟ قال: سمعته يقول: «يدنو المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع عليه كنفه، فيقرره بذنوبه، فيقول: هل تعرف؟ فيقول: أي رب أعرف، قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا، وإني أغفرها لك اليوم، فيعطى صحيفة حسناته، وأما الكافر والمنافق فينادى بهم على رؤوس الخلائق: هؤلاء الذين كذبوا على الله» (رواه مسلم).

وحديث الذي قتل تسعة وتسعين نفسًا، والذي قال: «لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذابًا لا يعذبه أحدًا من العالمين» (رواه البخاري ومسلم)، وغيره شاهد على هذا المعنى.

4 ـ استحضار مشهد فصل القضاء يوم القيامة، قال تعالى: {وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ما عملت وهو أعلم بما يفعلون} (سورة الزمر:68-70).

5 ـ الذكر والاستغفار: قال تعالى: {والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون} (سورة آل عمران:135).

6 ـ كف النفس عن الظلم ورد الحقوق لأصحابها: فالتوبة النصوح أن يندم الإنسان بالقلب ويقلع بالجوارح، وأن يستغفر باللسان، ويسعى في إعطاء كل ذي حق حقه، فمن كانت لأخيه عنده مظلمة، من مال أو عرض، فليتحلل منه اليوم، قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إلا الحسنات والسيئات، كما صح بذلك الخبر.

بعض آثار الظلم ومضاره:

الظلم يجلب غضب الرب سبحانه، ويتسلط على الظالم بشتى أنواع العذاب، وهو يخرب الديار، وبسببه تنهار الدول، والظالم يُحْرَمُ شفاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم بجميع أنواعها، وعدم الأخذ على يده يفسد الأمة، والظلم دليل على ظلمة القلب وقسوته، ويؤدي إلى صغار الظالم عند الله وذلته، وما ضاعت نعمة صاحب الجنتين إلا بظلمه، {ودخل جنته وهو ظالم لنفسه قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا وما أظن الساعة قائمة ولئن رددت إلى ربي لأجدن خيرا منها منقلبا} (سورة الكهف:35-36)، وما دمرت الممالك إلا بسبب الظلم، قال تعالى: {فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين} (سورة الأنعام:45)، وقال تعالى عن فرعون: {فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} (سورة القصص:40)، وقال عن قوم لوط: {فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد} (سورة هود:82-83).

وأهلك سبحانه قوم نوح وعاد وثمود وأصحاب الأيكة، وقال: {فكلاً أخذنا بذنبه فمنهم من أرسلنا عليه حاصبا ومنهم من أخذته الصيحة ومنهم من خسفنا به الأرض ومنهم من أغرقنا وما كان الله ليظلمهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (سورة العنكبوت:40)، وندم الظالم وتحسره بعد فوات الأوان لا ينفع، قال تعالى: {ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا} (سورة الفرقان:27).

والظلم من المعاصي التي تعجل عقوبتها في الدنيا، فهو متعدٍ للغير وكيف تقوم للظالم قائمة إذا ارتفعت أكف الضراعة من المظلوم، فقال الله عزَّ وجلَّ: «وعزَّتي وجلالي لأنصُرنَّكِ ولو بعد حين».

فاتق الله وأنصف من نفسك، وسارع برد المظالم لأصحابها، من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله.

قال أبو العتاهية:

أمــا والله إن الظلـم لـؤم ومازال المسيئ هو الظلوم

إلى ديـان يـوم الدين نمضي وعند الله تجتمع الخصـوم

ستعلم في الحساب إذا التقينا غـداً عند الإله من الملـوم

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د/سعيد عبد العظيم

Post: #904
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:19 AM
Parent: #893

إن المال من نعم الله على العباد ، وهو نوع من أنواع الزينة في هذه الحياة الدنيا: (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف:46) .

ولا شك أن المال ضروري لقيام حياة الناس في مصالحهم ومعاشهم ، والعقلاء من الناس يعلمون هذه الحقيقة ، ولهذا تراهم لا يبددون أموالهم فيما لا يجدي نفعا في دنياهم أو أخراهم.

وكما أمر الله تعالى أن يكتسب العباد أموالهم من حلال طيب كما في قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) (البقرة: من الآية168).فإنه نهاهم عن إضاعة المال وإعطائه السفهاء فتفوت بذلك مصالح كثيرة ويكون الفقر والحاجة :(وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: من الآية5).وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : " إن الله كره لكم ثلاثا "، ذكر منها "إضاعة المال".

من أجل ذلك حرم الله الاعتداء على الأموال بأي صورة من الصور فقال عز وجل : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188) .

كما حرم السرقة ووضع حدا للسارق يقام عليه بعد ثبوت ارتكابه السرقة : (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ). (المائدة:38).إلى غير ذلك من الأدلة الكثيرة التي تحرم الاعتداء على الأموال وإضاعتها.

ومن صور إضاعة المال الإسراف ، والإسراف في اللغة هو مجاوزة الحد ،ويعرفه الجرجاني بأنه مجاوزة الحد في النفقة. والإسراف كما يكون من الغني فإنه يكون من الفقير ، ولهذا قال سفيان الثوري رضي الله عنه: "ما أنفقت في غير طاعة الله فهو سرف، وإن كان قليلاً"، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنه: "من أنفق درهماً في غير حقه فهو سرف ".

الشرع ينهى عن الإسراف

ولأن الإسراف من مساوىء الأخلاق التي تعود على صاحبها وعلى المجتمع والأمة بالكثير من الأضرار فإن الله عز وجل قد نهى عباده عنه فقال: ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف:31).

وقال تعالى ممتدحا أهل الوسطية في النفقة الذين لا يبخلون ولا يسرفون : (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) (الفرقان:67).

وقال عز وجل : (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) (الإسراء:29).

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " كلوا واشربوا وتصدقوا من غير سرف ولا مخيلة ".

والأدلة في هذا كثيرة.

ومن أسباب الإسراف:

للإسراف والتبذير أسباب وبواعث توقع فيه، وتؤدي إليه، ونذكر منها:
1 - جهل المسرف بتعاليم الدين الذي ينهى عن الإسراف بشتى صوره ، فعاقبة المسرف في الدنيا الحسرة والندامة (ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراً) وفي الآخرة العقاب الأليم والعذاب الشديد (وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين).. ومن نتيجة جهل المسرف بتعاليم الدين مجاوزة الحد في تناول المباحات، فإن هذا من شأنه أن يؤدي إلى السمنة وضخامة البدن وسيطرة الشهوات، وبالتالي الكسل والتراخي، مما يؤدي به إلى الإسراف. جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله: "إياكم والبطنة في الطعام والشراب، فإنها مفسدة للجسد، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فيهما، فإنه أصلح للجسد، وأبعد من السرف..".
2 النشأة الأولى: فقد يكون السبب في الإسراف إنما هي النشأة الأولى، أي الحياة الأولى، ذلك أن الفرد قد ينشأ في أسرة حالها الإسراف والبذخ، فما يكون منه سوى الاقتداء والتأسي،وصدق من قال:

وينشأ ناشىء الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه

3- الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وقد يكون السبب في الإسراف إنما هو الغفلة عن طبيعة الحياة الدنيا وما ينبغي أن تكون، ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا أنها لا تثبت ولا تستقر على حال واحدة. والواجب يقتضي أن نضع النعمة في موضعها، وندخر ما يفيض عن حاجتنا الضرورية اليوم من مال وصحة إلى وقت آخر.
4 - السعة بعد الضيق أو اليسر بعد العسر، ذلك أن كثيراً من الناس قد يعيشون في ضيق أو حرمان أو شدة أو عسر، فإذا هم صابرون محتسبون، وقد يحدث أن تتبدل الأحوال فتكون السعة بعد الضيق، أو اليسر بعد العسر، وحينئذ يصعب على هذا الصنف من الناس التوسط أو الاعتدال فينقلب على النقيض تماماً، فيكون الإسراف والتبذير.
5- صحبة المسرفين: وقد يكون السبب في الإسراف إنما هي صحبة المسرفين ومخالطتهم، ذلك أن الإنسان غالباً ما يتخلق بأخلاق صاحبه وخليله، إذ أن المرء كما قال صلى الله عليه وسلم: "على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل".
6 حب الظهور والتباهي: وقد يكون الإسراف سببه حب الشهرة والتباهي أمام الناس رياء وسمعة والتعالي عليهم، فيظهر لهم أنه سخي وجواد، فينال ثناءهم ومدحهم، لذا ينفق أمواله في كل حين وبأي حال، ولا يهمه أنه أضاع أمواله وارتكب ما حرم الله.
7 المحاكاة والتقليد: وقد يكون سبب الإسراف محاكاة الغير وتقليدهم حتى لا يوصف بالبخل، فينفق أمواله كيفما كان من غير تبصر أو نظر في العاقبة التي سينتهي إليها.
من صور الإسراف في واقعنا

هناك صور كثيرة في دنيا الناس حين يراها العبد بمنظار الشرع يراها إسرافا وتبذيرا وتجاوزا للحدود ، قد أشار أبو الحسن الماوردي رحمه الله إلى كثير منها حين قال:

( من التبذير أن ينفق ماله فيما لا يجدي عليه نفعاً في دنياه ولا يكسبه أجراً في أخراه، بل يكسبه في دنياه ذماً ويحمل إلى آخرته إثماً كإنفاقه في المحرمات وشرب الخمر وإتيان الفواحش وإعطائه السفهاء من المغنين والملهين والمساخر والمضحكين، ومن التبذير أن يشغل المال بفضول الدور التي لا يحتاج إليها وعساه لا يسكنها أو يبنيها لأعدائه ولخراب الدهر الذي هو قاتله وسالبه، ومن التبذير أن يجعل المال في الفُرش الوثيرة والأواني الكثيرة الفضية والذهبية التي تقل أيامه ولا تتسع للارتفاق بها.." ثم يقول: "وكل ما أنفقه الإنسان ما يكسبه عند الله أجراً ويرفع له إليه منزلة، أو يكسب عند العقلاء وأهل التمييز حمداًً فهو جود وليس بتبذير وإن عظم وكثر. وكل ما أنفقه في معصية الله التي تكسبه عند الله إثماً وعند العقلاء ذماً فهو تبذير وإن قلّ...).

فإنفاق المال على الدخان والمخدرات والمسكرات من أعظم صور الإسراف والتبذير ، وإنفاقه في فضول الطعام والشراب بل ورمي الطعام والشراب في القمامة من صور الإسراف والتبذير ، والعجيب أن بعض الدول الإسلامية تبلغ نسبة فضلات الأطعمة الملقاة في القمامة فيها 45% ، أليس هذا إسرافا وتبذيرا؟!.

ثم إن من صور الإسراف والتبذير متابعة الموضة والانشغال بجنون الأزياء والاستجابة لضغوط الحملات الإعلامية الصاخبة التي تحمل كثيرا من متابعيها على شراء ما لا يحتاجون.

وبالجملة فإن صور الإسراف والتبذير كثيرة ، نسأل الله أن يقينا والمسلمين شرها ، وأن يجنبنا جميعا كل مكروه وسوء، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #905
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:19 AM
Parent: #893

إن التكافل صفة شاملة لصور كثيرة من التعاون والتآزر والمشاركة في سد الثغرات، تتمثل بتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة، إلى أن تُقضى حاجة المضطر، ويزول هم الحزين، ويندمل جرح المصاب.

ولا ينعدم خلق التكافل إلا حينما تسود الأنانية، وتفتر المشاعر الأخوية، و يستغرق الناس في همومهم الفردية ومشاغلهم الشخصية.

وقد تآزر بنو هاشم ـ مسلمهم وكافرهم ـ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لئلا تقتله قريش، وانحازوا به إلى شعب أبي طالب وقاطعتهم العرب وحصروهم في الشعب وكتبوا صحيفة المقاطعة وعلقوها في الكعبة، إلى أن اندفع بعض رجال قريش لاستنكار الحصار المضروب على بني هاشم في شعب أبي طالب، بدافع خلق التكافل ـ رغم جاهليتهم ـ، ولم يطمئنوا حتى نقضوا الصحيفة الظالمة التي قضت بهذه المقاطعة. وفي واقعنا كثير من صور تكافل أهل الباطل فيما بينهم، وبعض صور تعاطفهم مع المسلمين، بدوافع إنسانية أو قومية أو سياسية...فهل يكون ذلك حافزا إضافيا للتكافل مع أخيك المسلم وأنت به أولى؟.

كما أن السيدة خديجة رضي الله عنها لما أرادت أن تخفف عن النبي صلى الله عليه وسلم تخوفه من نزول الوحي اتخذت من صفة التكافل التي اشتهر بها قبل النبوة دليلا عقليا على أن الله لا يخزيه فقالت: (.. كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق).

والمهاجر من أحوج الناس إلى أنصار يتكافلون معه، لغربته وفقره وانقطاعه....وقد ضرب أنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر الأمثلة في التكافل مع إخوانهم المهاجرين، وكان منها أن أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يقسم النخل، بينهم وبين المهاجرين، فقال: لا. فقال الأنصار: ( تكفونا المؤونة، ونشرككم في الثمرة) وبذلك عمل بعض المهاجرين في بساتين الأنصار، وقاسموهم الثمار، وحُلّت مشكلة البطالة والفقر، وكان من صور تكافلهم أن المهاجر كان يرث أخاه الأنصاري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى رسول الله بينهما، وكانت مرحلة استصفت النفوس، وأخلصتها لله، ثم نُسخ ذلك.

وهذا التكافل لا يبرز بأسمى صوره، إلا كلما تعمقت معاني الأخوة والإيثار، واندثرت جذور الأنانية والاستئثار.

ومما يمكن أن يتميز به مجتمع المسلمين من صور التكافل: إعانة المدين ( الغارم ) بسداد دينه، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فتح الله عليه الفتوح، واستغنى بيت مال المسلمين، قال: " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فمن توفي من المؤمنين، فترك دينا، فعليّ قضاؤه..."

ومساعدة الرقيق في تحصيل حريته، ومن ذلك أن بريرة رضي الله عنها جاءت تستعين بعائشة رضي الله عنها، في التحرر من رقها، فكان من تكافل عائشة معها أن قالت لها: ( إن شاء مواليك صببت لهم ثمنك صبة واحدة، وأعتقتك...).

ومن صور التكافل الشرعية التكافل مع القاتل في دفع دية المقتول، حيث تكلف عصبته وعشيرته الأقربون الموسرون بتحمل دية المقتول، مواساة وإعانة للقاتل خطأً، الذي قد تأتي الدية على كل ماله فترهقه، ولو عجزت عصبته، أو لم يكن له عصبة، دُفعت الدية من بيت المال.

ومن أشد الصور: استنقاذ الأخ الأسير بكل غال وثمين، وقد ورد أن سلمة بن الأكوع غزا ( هوازن ) مع أبي بكر، فنفله جارية من بني فزارة من أجمل العرب، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، فقال له: " لله أبوها، هبها لي ، فوهبها له، ففادى بها أسارى من أسارى المسلمين كانوا بمكة".

لا شك أنها من أرقى صور الإيثار والتجرد. ويروي أبو هريرة أنه أتى خيبر مع رهط من قومه، و قد فتحت خيبر على النبي صلى الله عليه وسلم، ( فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم المسلمين، فأشركونا في سهامهم) إذا لم تكن النفوس تطيب بمثل هذا، فسوف تفتقدها في ميادين التضحية، وسوف لا تجدها عند الهيعة ومظان الموت. ونقل عن عمر أيضا قوله في الأسرى: ( لأن استنقذ رجلا من المسلمين من أيدي الكفار أحب إلى من جزيرة العرب).

وحين يفرز الجهاد أرامل وأيتاما ومعوقين، فليس من الوفاء تغافلهم، بعد أن قدم أولياؤهم الروح في سبيل الله، ولذلك اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( الساعي على الأرملة والمسكين، كالمجاهد في سبيل الله، أو القائم الليل الصائم النهار). بل وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كافل اليتيم بأن يكون رفيقه في الجنة. وكذلك التكافل مع من أوذي في الله، أو أصيب في سبيل الله، وإن الواقع العملي لمجتمع المسلمين الأول، ليمثل أسمى صور التكافل، ومن ذلك أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه دخل عليه رجل أصيب في وجهه في غزوة فأمر بإعطائه ألف درهم، و كل ساعة يزيده ألفا، حتى استحيا الرجل فخرج، فقال عمر: ( أما والله لو أنه مكث، ما زلت أعطيه ــ ما بقي من المال درهم ــ رجل ضُرب ضربة في سبيل الله، خضّرت وجهه) و هكذا يكون الوفاء لذوي سابقة الخير.

ولا ننسى أن نشير إلى التكافل النفسي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم عبّر عنه بالإجمال فقال: " من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفسّ الله عنه كربة من كرب يوم القيامة". وقد بلغ من تكافل النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه كان يتفقد صحابته الذين لا يراهم، ويسأل عن مشاكلهم، وأمثلة ذلك في السنة كثيرة، أختار منها ما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي رضي الله عنه، وفي آخرها أنه جاءت النبي صلى الله عليه وسلم من بعض المغازي مثل بيضة الدجاجة من ذهب، فتذكر سلمان، وأنه بقي عليه مال ليُعتق نفسه، فقال: ما فعل الفارسي المكاتَب؟ فأرسل إليه واستدعاه، فلما جاء قال له: " خذ هذه. فأدّ بها ما عليك يا سلمان"، قال سلمان: ( فأوفيتهم حقهم وعُتقت فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد)، وكم يكتسب الداعية قلوب المدعوين حين يرون أنه يفكر بهم، ويسعى في أمرهم، ويهيئ الخير لهم!!.
ومن التكافل الشعوري: تفقد حال الأخ، والاطمئنان على ظروفه، وتطييب خاطرة، فقد ورد أن ثابت بن قيس بن الشماس لما نزلت الآية: ( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون).

قال: أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، حبط عملي وأنا من أهل النار، وجلس في أهله حزينا، فتفقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، مالك؟ ...وأخبروه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا. بل هو من أهل الجنة"، و هكذا يشعر كل فرد بقيمته وكل مدعو بمنزلته في نفس مربية.

ومن أسمى الأخلاق: أن يُقابَل التكافل بعفة نفس المحتاج؛ كما فعل عبد الرحمن بن عوف؛ حين رفض تقاسم المال والزوجتين مع الأنصاري، وقال له: ( بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟) وطلب أن يدله على السوق ليعمل بيديه، ويعتمد على نفسه، بل كانت ظاهرة عامة بعد خيبر، لما استغنى المهاجرون؛ إذ ردوا إلى الأنصار ما كانوا أكرموهم به، فقد ورد أنه: ( لما فرغ من قتال أهل خيبر، فانصرف إلى المدينة، رد المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من ثمارهم...).

وإن مجتمعاً يشيع فيه التكافل، لهو المجتمع المتماسك الذي يستطيع أن يجاهد في سبيل الله صفا، كأنه بنيان مرصوص، بينما تجد مجتمع الأنانية والبخل متصدعا من الداخل، تأكله العداوات والأحقاد قبل حرب الأعداء، فأي المجتمعين نختار لأنفسنا؟ وبأي الأخلاق نتحّلى؟.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

هذه أخلاقنا- الخزندار رحمه الله

Post: #906
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:22 AM
Parent: #893

من المعلوم أن الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى ، وأن العبد لا يدري على وجه اليقين عواقب الأمور ؛ فقد يظن العبد أن ما هو مقدم عليه فيه الخير وتأتي النتائج على خلاف ما توقع كما قد يحدث العكس.من أجل هذا كان حريا بالعبد عند إقدامه على أمر من الأمور المباحة أن يتفكر وأن يستخير الله تعالى ويستشير من يثق برأيه وخبرته وأمانته؛فما خاب من استخار الخالق واستشار المخلوق، وقد روى جابر رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها، كما يعلمنا السورة من القرآن يقول: "إذا همَّ أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب. اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر – يسمي حاجته – خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله، فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شرٌ لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري، أو قال: عاجل أمري وآجله؛ فاصرفه عني واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم ارضني به".

قال: "ويسمي حاجته" أي يسمي حاجته عند قوله: "اللهم إن كان هذا الأمر" [رواه البخاري].

وهذا دليل على العموم، وأن المرء لا يحتقر أمرًا لصغره وعدم الاهتمام به، فيترك الاستخارة فيه، فرُب أمر يُستخف به يكون في الإقدام عليه ضرر عظيم أو في تركه.

فيُسن لمن أراد أمرًا من الأمور المباحة والتبس عليه وجه الخير فيه أن يصلي ركعتين من غير الفريضة، ولو كانتا من السنن الراتبة أو تحية المسجد في أي وقت من الليل أو النهار، يقرأ فيها بما شاء بعد الفاتحة ثم يحمد الله ويُصلي على نبيه صلى الله عليه وسلم، ثم يدعو بهذا الدعاء الذي رواه البخاري. والأولى أن يكون بعد التشهد وقبل التسليمتين، فإن لم يفعل دعا بدعاء الاستخارة بعد التسليمتين.

أحكام متعلقة بالاستخارة

ولا تجري الاستخارة إلا في أمر مباح كعقد صفقة تجارية وسفر مباح، والتزوج من فلانة.. أما الواجب والمندوب فهو مطلوب الفعل، والمحرم والمكروه مطلوب الترك.

وصلاة الاستخارة تجوز في أوقات الكراهة، ولم يصح في القراءة فيها شيء مخصوص، كما لم يصح شيء في استحباب تكرارها.

وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: "لما تُوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة رجل يَلحدُ (شق في عرض الأرض) وآخر يُضرح (يدفن بلا لحد) فقالوا: نستخير ربنا ونبعث إليهما فأيهما سبق تركناه. فأرسل إليهما فسبق صاحب اللحد، فلحدوا للنبي صلى الله عليه وسلم". [رواه أحمد وابن ماجه].

قال ابن أبي جمرة – رحمه الله تعالى -: "الاستخارة في الأمور المباحة وفي المستحبات إذا تعارضا في البدء بأحدهما، أما الواجبات وأصل المستحبات والمحرمات والمكروهات كل ذلك لا يُستخار فيه".

وقال أيضًا: "الحكمة في تقديم الصلاة على دعاء الاستخارة: أن المراد حصول الجمع بين خيري الدنيا والآخرة فيُحتاج إلى قرع باب الملك، ولا شيء لذلك أنجع ولا أنجح من الصلاة لما فيها من تعظيم الله والثناء عليه والافتقار إليه مآلاً وحالاً".

قال الطيبي – رحمه الله تعالى -: "سياق حديث جابر في الاستخارة يدل على الاعتناء التَّام بها".

الاستخارة تجلب الخير

قال بعض أهل العلم: "من أعطى أربعًا لم يُمنع أربعًا: من أُعطي الشُّكر لم يُمنع المزيد، ومن أُعطي التوبة لم يُمنع القبول، ومن أُعطي الاستخارة لم يُمنع الخيرة، ومن أُعطي المشورة لم يُمنع الصواب".

قال بعض الأدباء: "ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار".

قال ابن الحاج في ضرورة الالتزام بالوارد في الاستخارة؛ لأن صاحب العِصمة صلى الله عليه وسلم أمر بالاستخارة والاستشارة لا بما يُرى في المنام، ولا يُضيف إليها شيئًا، ويا سُبحان الله، إن صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه قد اختار لنا ألفاظًا منتقاة جامعة لخير الدنيا والآخرة، حتى قال الراوي للحديث في صفتها على سبيل التخصيص، والحض على التمسك بألفاظها وعدم العدول إلى غيرها: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُعلمنا الاستخارة في الأمور كلها كما يُعلمنا السُّورة من القرآن".

ومعلوم أن القرآن لا يجوز أن يُغير أو يُزاد فيه أو يُنقص منه، ثم انظر إلى حكمة أمره عليه الصلاة والسلام الْمُكلف بأن يركع ركعتين من غير الفريضة، وما ذاك إلا لأن صاحب الاستخارة يُريد أن يطلب من الله تعالى قضاء حاجته، وقد قضت الحكمة أن من الأدب قرع باب تُريد حاجتك منه، وقرعُ باب المولى سبحانه وتعالى إنما هو بالصلاة، فلما أن فرغ من تحصيل فضائل الصلاة الجمة أمره صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام بالدعاء الوارد".

ولو لم يكن فيها من الخير والبركة إلا أن من فاعلها كان مُمتثلاً للسُّنة المطهرة مُحصلاً لبركتها، ثم مع ذلك تحصُلُ له بركةُ النطق بتلك الألفاظ التي تربو على كل خير يطلبه الإنسان لنفسه ويختاره لها، فيا سعادة من رزُق هذا الحال.

وينبغي للمرء أن لا يفعلها إلا بعد أن يتمثل ما ورد من السُّنة في أمر الدعاء، وهو أن يبدأ أولاً بالثناء على الله سبحانه وتعالى، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ في دعاء الاستخارة الوارد، ثم يختمه بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم الأفضل أن يجمع بين الاستخارة والاستشارة؛ فإن ذلك من كمال الامتثال للسُّنة، وقد قال بعض السلف: "من حق العاقل أن يُضيف إلى رأيه آراء العلماء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرأي الفذُّ ربما زلَّ، والعقلُ الفرد ربما ضل".

من ترك الاستخارة عرض نفسه للمتاعب

فعلى هذا؛ من ترك الاستخارة والاستشارة يُخافُ عليه من التعب فيما أخذ بسبيله لدخُوله في الأشياء بنفسه دون الامتثال للسُّنة المطهرة وما أحكمته في ذلك.

ماذا يفغل بعد الاستخارة؟

قال النووي: وينبغي أن يفعل بعد الاستخارة ما ينشرح له، ولا يعتمد على انشراحٍ كان فيه هوىً قبل الاستخارة، بل ينبغي للمُستخير تركُ اختياره رأسًا، وإلا فلا يكون مُستخيرًا لله، بل يكون غير صادقٍ في طلب الخيرة وفي التبرّي من العلم والقُدرة وإثباتها لله تعالى، فإذا صدق في ذلك تبرأ من الحول والقوة ومن اختياره لنفسه.

(وقد ذكر بعض أهل العلم كالعلامة ابن عثيمين يرحمه الله أن العبد يمضي في حاجته بعد الاستخارة فإن رأى تيسيرا أتم عمله وإن رأى غير ذلك أحجم)

والاستخارة دليل على تعلق القلب بالله في سائر أحواله والرضا بما قسم الله، وهي من أسباب السعادة في الدنيا والآخرة، وفيها تعظيم لله وثناء عليه وامتثال للسُّنة المطهرة وتحصيل لبركتها، وفيها دليل على ثقة الإنسان في ربه ووسيلة للقرب منه.

والمستخير لا يخيب مسعاه وإنما يُمنح الخيرة ويبعد عن الندم. فاللهم وفقنا لهداك، واجعل عملنا في رضاك، وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #907
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:24 AM
Parent: #893

اتـبـاع الـهـوى يصد عن الحق
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد
معنى الهوى فى اللغة والشرع
الهوى هو ميل النفس إلى الشىء يقال:هذا هوى فلان وفلانة هواه رأى مهويته ومحبوبته وأكثر ما يستعمل فى الحب المذموم كما قال تعالى : ( وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هى المأوى ) النازعات (40-41) ويقال إنما سمى هوى لأنه يهوى بصاحبه. فالهوى إذاً ميل الطبع إلى ما يلائمه كما قال ابن الجوزى وابن القيم , وهو أيضاً ميل النفس إلى الشهوة.

حكم اتباع الهوى
خلق الميل في الإنسان لضرورة بقائه؛ فإنه لولا ميله إلى المطعم والمشرب والمنكح ما أكل وما شرب ولا نكح ، فالهوى مستحث لها لما يريده كما إن الغضب دافع عنه ما يؤذيه فلا ينبغى ذم الهوى مطلقاً ولا مدحه مطلقاً كما إن الغضب لا يذم مطلقا ولا يمدح مطلقا وإنما يذم المفرط من النوعين وهو ما زاد على جلب المنافع ودفع المضار.
ولما كان الغالب من مطيع هواه وشهوته وغضبه أنه لا يقف فيه على حد المنتفع به أطلق ذم الهوى والشهوة والغضب لأنه يندُر من يقصد العدل في ذلك ويقف عنده ؛ فلذلك لم يذكر الله تعالى الهوى فى كتابه إلا ذمه ، وكذلك في السنة لم يجىء إلا مذموماً إلا ما جاء منه مقيداً بما يخرج معناه عن الذم كقولهم: هوى حسن, وهوى موافق للصواب. وقد قيل: الهوى لايؤمن.

أهل الأهواء والبدع
هم أهل القبلة الذين لا يكون معتقدهم معتقد أهل السنة والجماعة كالذين يُكَفِّرون بالكبيرة أو يقولون بعصمة الأئمة أو سقوط التكاليف عن الواصل بزعمهم وكالذين يقدمون العقل على النصوص الشرعية، وقد صاروا فرقاً لاتباع أهوائهم، وبمفارقة الدين تشتت أهواؤهم فافترقوا. ولذلك برأ الله نبيه منهم بقوله : ( لست منهم في شيء) (الأنعام:159) ومن علامات أهل الأهواء أنهم يكفرون المخالف لهم ويفسقونه ويبدعونه بلا سبب موجب ، وعادتهم التقاطع والتنافر والتباغض ، أما أهل السنة فكانوا يتناظرون في المسألة ما يقصدون إلا الخير ولا يتقاطعون ولا يتبارون حذراً من الفرقة التي نبه عليها بقوله تعالى frown emoticon إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء ) الأنعام (159) (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات) ( آل عمران:105).
ولا يسلم العبد من الأهواء والبدع إلا بالرجوع للكتاب والسنة، وأن يكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام.
وكل خير فى اتباع من سلف وكل شر فى ابتداع من خلف
وما لم يكن يومئذ ديناً فليس اليوم ديناً، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.

بعض الآيات الواردة فى ذم اتباع الهوى
حذرت الآيات من اتباع الهوى ووبخت أهل الأهواء ،قال تعالى : ( أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذبتم وفريقاً تقتلون ). (البقرة :87) وقال تعالى : ( وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين ) (الأنعام :119) .
وقد حذر سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم وأمته من اتباع أهواء الكفار والمنحرفين فى مواضع كثيرة من كتابه كقوله سبحانه: (ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك). (المائدة :49).

بعض الأحاديث الواردة في ذم اتباع الهوى

لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله تعالى من منكرات الأخلاق و الأعمال والأهواء وكان مما يخشى على أمته شهوات الغي في البطون والفروج ومضلات الهوى.
وفى الحديث: "وإنه سيخرج من أمتي أقوام تتجارى (أى تتسابق) بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله" . وفي حديث أنس-رضى الله عنه-"وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه" .

بعض الآثار في ذم اتباع الهوى
لقد كان السلف رضي الله عنهم يحذرون اتباع الهوى كما حذروا الأمة من ذلك ومما أثر عنهم في ذلك

قول علي-رضي الله عنه- : إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى وطول الأمل،أما اتباع الهوى فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة. وقال رجل للحسن البصري: يا أبا سعيد أي الجهاد أفضل؟ قال: جهاد هواك .وقال ابن تيميه: جهاد النفس والهوى أصل جهاد الكفار والمنافقين، فإنه لا يقدر على جهادهم حتى يجاهد نفسه وهواه أولاً حتى يخرج إليهم .وقال بشر الحافي: البلاء كله في هواك، والشفاء كله في مخالفتك إياه. وقال عطاء: من غلب هواه عقله وجزعُه صبرَه افتضح. وقال أبو علي الثقفي: من غلبه هواه توارى عنه عقله، وقال ابن المبارك:

ومن البلاء وللبلاء علامة
أن لا يُرى لك عن هواك نزوع
العبد عبد النفس في شهواتها
والحر يشبع تارة ويجوع
عواقب اتباع الهوى
على العبد أن يتأمل كم أضاعت معصيته من فضيلة، وكم أوقعت في رذيلة، وكم أكلة منعت أكلات، وكم من لذة فوتت لذات، وكم من شهوة كسرت جاهاً، ونكست رأساً، وقبحت ذكراً وأورثت ذماً، وأعقبت ذلاً، وألزمت عاراً لا يغسله الماء، غير أن صاحب الهوى عمياء.
كيف يتخلص العبد من اتباع الهوى
بعون الله وتوفيقه يتم التخلص من هذه الآفة بعزيمة حر يغار لنفسه وعليها وجرعة صبر يصبر نفسه على مرارتها تلك الساعة، وقوة نفس تشجعه، والشجاعة كلها صبر ساعة، وملاحظته الألم الزائد على لذة طاعة هواه، وإبقائه على منزلته عند الله تعالى وفى قلوب عباده، وهو خير وأنفع له من لذة موافقة الهوى، وإيثاره لذة العفة وعزتها وحلاوتها على لذة المعصية، والتفكر في أنه لم يخلق للهوى وإنما هيء لأمر عظيم لا يناله إلا بمعصيته للهوى، وألا يختار لنفسه أن يكون الحيوانُ البهيمُ أحسنَ حالاً منه ؛ فالحيوان قد يحسن التمييز بين ما ينفعه وما يضره، وأن يأنف لنفسه من ذل طاعة الهوى وأن يكون تحت قهر الشيطان، وأن يوازن بين سلامة الدين والعرض والمال والجاه ونيل اللذة المطلوبة وأن يعلم أن الهوى ما خالط شيئاً إلا أفسده حتى وإن كان علماً وزهداً، والشيطان ليس له مدخل على ابن آدم إلا من باب هواه، وقد شبه سبحانه متبع الهوى بالكلب، ولو تأملت السبعة اللذين يظلهم الله عز وجل في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله،ل وجدتهم إنما نالوا ذلك كله بمخالفة الهوى ، فجاهد نفسك واستعن بالله واستشعر أنه لا حول ولا قوة إلا به سبحانه .
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #908
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:28 AM
Parent: #893

التضرع إلى الله سبب لكل خير
إن الإنسان لا يستغني عن ربه طرفة عين ولا أقل من ذلك، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد كثيرا: " يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين أبدا".
وإذا رجعنا إلى المعنى اللغوي للتضرع لوجدناه يدو ر حول الطلب بذل وخضوع واستكانة، ومادة ضرع تدل على لينٍ في الشيء، ومن هذا الباب ضرع الشاة، فلو نظرت إلى صغير الحيوان حين يلتقم ثدي أمه ، فيلح ويرتفع وينخفض ويجتهد بكل قوته كي يجذب هذا اللبن الذي به حياته لعرفت مدى الارتباط بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي للتضرع فالتضرع هو دعاء الله وسؤاله بذل وخشوع وإظهار للفقر والمسكنة، وهذا الحالة يحبها ربنا ويرضاها، بل أمر عباده بها:

(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (الأعراف:55)

يأخذ عباده بالبأساء والضراء ليتضرعوا.

إن من أعظم أسباب دفع البلاء تضرع العبد لربه جل وعلا كما بيّن الله في كتابه الكريم: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43،42) )

فالغاية من أخذ العباد بالبأساء والضراء أن يضرعوا إلى الله.

إن العباد قد يغفلون في أوقات الرخاء عن هذه العبادة الجليلة لكن لا ينبغي أن يغفلوا عنها في أوقات البلاء والمحنة ولو أنهم غفلوا في الحالين لعرضوا أنفسهم لعقوبة الله: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 44،45)

ولقد أخبر الله تعالى عن أقوام ابتلاهم وتوعدهم بالعذاب فاستكان بعضهم وتضرع إلى الله فكشف الله عنهم عذاب الدنيا، وأخبر عن آخرين ابتلاهم وتوعدهم لكنهم تكبروا وتجبروا وما استكانوا ولا تضرعوا فأخذهم العذاب.

أما الأولون الذين تضرعوا فمنهم قوم يونس عليه السلام الذين قال الله عنهم: (فَلَوْلا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) (يونس:98)

وقد ذكر بعض المفسرين أن قوم يونس خرجوا إلى الطرقات واصطحبوا نساءهم وأطفالهم ودوابهم ودعوا وجأروا إلى الله، وقيل : إنهم ظلوا على هذه الحالة أياما يدعون ويستغيثون ويتضرعون ويبكون فكشف الله عنهم عذاب الدنيا منةً منه وفضلا.

أما الآخرون الذين لم يظهروا الفقر والضراعة فقد قال عنهم: (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ* حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَاباً ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (المؤمنون: 76،77)

الرسول صلى الله عليه وسلم سيد المتضرعين:

لقد كانت حياة رسولنا صلى الله عليه وسلم كلها لله، وقد عرض عليه ربه أن يجعل له بطحاء مكة ذهبا فقال صلى الله عليه وسلم: " لا يا رب، ولكن أشبع يوما، وأجوع يوما. فإذا جعت تضرعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت شكرتك وحمدتك."

وقد رأيناه صلى الله عليه وسلم في كل أحواله متضرعا خاشعا متذللا لربه تبارك وتعالى.

في الاستسقاء:

خرج متبذلا متواضعا متضرعا حتى أتى المصلى فلم يزل في الدعاء والتضرع والتكبير وصلى ركعتين كما كان يصلي في العيد.

وعند رمي الجمار:

فإنه صلى الله عليه وسلم كان يرمي الجمار في أيام التشريق إذا زالت الشمس، ويكبر مع كل حصاة، فإذا رمى الأولى وقف يدعوا ويتضرع، وكذا بعد الثانية، أما الثالثة فلم يكن يقف عندها.

وفي الجهاد:

رأيناه يتضرع ويدعو في بدر ويستنصر ربه حتى أنزل الله المدد: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ) (الأنفال:9)

وفي يوم الأحزاب:

دعا ربه وتضرع حتى صرف الله عن المسلمين الشر وكفاهم كيد أعدائهم.

وعند الكرب:

يذكر ربه ويذل له ويدعوه:

" لا إله إلا الله العليم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السموات والأرض ورب العرش الكريم."

وهكذا كان في كل أحواله صلى الله عليه وسلم وهكذا تعلم منه أصحابه وعلموا مَنْ بعدهم.

نسأل الله أن يجعلنا أفقر خلقه إليه، وأغناهم به عمن سواه.
إسلام ويب

Post: #909
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:29 AM
Parent: #908

الدعاء يرقق القلب
جعل الله تعالى من الدعاء عبادة وقربى، وأمر عباده بالتوجه إليه لينالوا عنده منزلة رفيعة وزلفى، أمر بالدعاء وجعله وسيلة الرجاء، فجميع الخلق يفزعون في حوائجهم إليه، ويعتمدون عند الحوادث والكوارث عليه.

وحقيقة الدعاء: هو إظهار الافتقار لله تعالى، والتبرؤ من الحَوْل والقوة، واستشعار الذلة البشرية، كما أن فيه معنى الثناء على الله، واعتراف العبد بجود وكرم مولاه. يقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة:186].

تأمل يا أخي هذه الآية تجد غاية الرقة والشفافية والإيناس، آية تسكب في قلب المؤمن النداوة والود والأنس والرضا والثقة واليقين.

ولو لم يكن في الدعاء إلا رقة القلب لكفى: {فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ} [الأنعام:43]. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الدعاء هو العبادة".

بل هو من أكرم الأشياء على الله تعالى، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء أكرم على الله من الدعاء".

والمؤمن موعود من الله تعالى بالإجابة إن هو دعا مولاه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [غافر:60].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم، ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها". قالوا: يا رسول الله، إذًا نكثر. قال: "الله أكثر".

ولذلك كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: إني لا أحمل همَّ الإجابة، ولكن أحمل هم الدعاء، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه.

من آداب الدعاء:

مما لا شك فيه أن الدعاء الذي يرجو صاحبه الإجابة هو ما التزم فيه الآداب الواردة فيه ومنها:

تحري أوقات الاستجابة:

فيتخير لدعائه الأوقات الشريفة؛ كيوم عرفة من السنة، ورمضان من الأشهر، ويوم الجمعة من الأسبوع، ووقت السَّحَر من ساعات الليل.

وأن يغتنم الأوقات والأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء، كوقت التنزُّل الإلهي في آخر الليل، وفي السجود، وأن ينام على ذِكْر فإذا استيقظ من الليل ذكر ربه ودعاه، وعند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وعند نزول المطر، وعند التقاء الجيوش في الجهاد، وعند الإقامة، وآخر ساعة من نهار الجمعة، ودعاء الأخ لأخيه بظهر الغيب، ودعوة المسافر والمظلوم، ودعوة الصائم والوالد لولده، ، ودعاء رمضان.

ومن الآداب:

أن يدعو مستقبل القبلة وأن يرفع يديه، وألا يتكلف السجْع في الدعاء، وأن يتضرع ويخشع عند الدعاء؛ قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [الأعراف:55]، [إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً} [الأنبياء:90].

وأن يخفض الصوت؛ فإنه أعظم في الأدب والتعظيم، ولأن خفض الصوت أبلغ في التضرع والخشوع الذي هو رُوح الدعاء ومقصوده؛ فإن الخاشع الذليل المتضرع إنما يسأل مسألة مسكين ذليل، قد انكسر قلبُه وذلَّت جوارحُه، وهذه الحالة لا يليق معها رفع الصوت بالدعاء أصلاً. ولأنه أبلغ في الإخلاص، وأبلغ في حضور القلب عند الدعاء.

ولأن خفض الصوت يدل على قرب صاحبه من الله، فيسأله مسألة القريب للقريب، لا مسألة نداء البعيد للبعيد، وهذا من الأسرار البديعة جدًّا، ولهذا أثنى الله على عبده زكريا بقوله: {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيّاً} [مريم:3].

وإخفاء الدعاء يكون سببا في حفظ هذه النعمة العظيمة -التي ما مثلها نعمة- من عيْن الحاسد..

أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه وأن يختمه بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل دعاء محجوبٌ حتى يُصلَّى على النبي صلى الله عليه وسلم".

المحافظة على أدب الباطن

ومن أهم الآداب التي ينبغي للداعي أن يحافظ عليها تطهير الباطن – وهو الأصل في الإجابة – فيحرص على تجديد التوبة ورد المظالم إلى أهلها، وتطهير القلب من الأحقاد والأمراض التي تحول بين القلب وبين الله ، وتطييب المطْعَم بأكل الحلال.

أن يجزمَ بالدعاء ويُوقن بالإجابة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادعوا الله وأنتم مُوقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافل لاهٍ".

وقال صلى الله عليه وسلم: "إذا دعا أحدكم فلا يقل: اللهم اغفر لي إن شئت. وليعزم المسألة، ولْيعظم الرغبة؛ فإن الله لا يعظُمُ عليه شيء أعطاه".

وقال صلى الله عليه وسلم: "لا يقل أحدُكم إذا دعا: اللهم اغفر لي إن شئت، اللهم ارحمني إن شئت. فليعزم المسألة؛ فإنه لا مُكره له". ويعزم المسألة معناه أن يطلب ما يريد من غير تعليقه بالمشيئة، فيقول مثلا: اللهم ارزقني، اللهم اغفر لي.

قال سفيان بن عُيينة: لا يمنعنَّ أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله عز وجل أجاب دعاء شرِّ الخلق إبليس لعنه الله: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ * قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر:36، 37].

أن يُلحَّ في الدعاء ويكرِّره ثلاثًا:
قال ابن مسعود: "كان عليه السلام إذا دعا دعا ثلاثًا، وإذا سأل سأل ثلاثًا".

وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مازال يهتف بربِّه، مادًّا يديه، مستقبل القبلة، حتى سقط رداؤه عن منكبَيْه، فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه، فألقاه على منكبيه، ثم التزمه من ورائه وقال: يا نبي الله، كفاك مناشدتُك ربَّك، فإنه سيُنجِزُ لك ما وعدك.

وهذا نبي الله يعقوب صلى الله عليه وسلم، مازال يدعو ويدعو، فذهب بصره ، وأُلقي ولدُه في الجُبِّ ولا يدري عنه شيئًا، وأُخرج الولدُ من الجُبِّ، ودخل قصرَ العزيز، إلى أن شبَّ وترعرع، ثم راودته المرأة عن نفسها فأبى وعصَمَه الله، ثم دخل السجن فلبث فيه بضع سنين، ثم أُخرج من السجن، وكان على خزائن الأرض، ومع طول هذا الوقت كله ويعقوب يقول لبنيه: {يَابَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف:87].

أن يُعظِّمَ المسألة:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا تمنى أحدُكم فليُكثر، فإنما يسأل ربَّه".

قال المناوي رحمه الله: إذا تمنى أحدكم خيرًا من خير الدارَيْن فليكثر الأماني، فإنما يسأل ربه الذي ربَّاه وأنعم عليه وأحسن إليه، فيعظم الرغبة ويوسِّع المسألة ... فينبغي للسائل إكثار المسألة ولا يختصر ولا يقتصر؛ فإن خزائن الجُود لا يُفنيها عطاءٌ وإن جلَّ وعظُم، فعطاؤه بين الكاف والنون، وليس هذا بمناقضٍ لقوله سبحانه: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [النساء:32] فإن ذلك نهي عن تمنِّي ما لأخيه بغْيًا وحسدًا، وهذا تمنى على الله خيرًا في دينه ودنياه، وطلب من خزائنه فهو كقوله: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء:32].

وقد ذم الله من دعا ربه الدنيا فقط، فقال تعالى: {فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ} [البقرة:200]، وأثنى سبحانه وتعالى على الداعين بخيري الدنيا والآخرة فقال تعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].

وفي صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة مائة درجة، أعدَّها الله للمجاهدين في سبيل الله، ما بين الدرجتين كما بين السماء والأرض، فإذا سألتم الله فاسألوه الفردوس؛ فإنه أوسط الجنة وأعلى الجنة – أراه قال: وفوقه عرشُ الرحمن – ومنه تفجَّرُ أنهار الجنة".

الدعاء باسم الله الأعظم الذي إذا دُعي به أجاب:
فعن بُريدة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يقول: اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت الأحد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد. فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد سألت الله بالاسم الذي إذا سُئل به أعطى، وإذا دُعي به أجاب".

أن يجتهد في الإتيان بالأدعية الواردة في الكتاب والسنة ؛ فإنها لم تترك شيئا من خير الدنيا والآخرة إلا وأتت به، وألا ييأس إن تأخرت الإجابة فإن هذا من العجلة التي نهى عنها الشرع.
نسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن يستجيب دعاءهم ، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #910
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:31 AM
Parent: #893

حين تجف داخلَ النفس الإنسانية عاطفة الإحساس بآلام الآخرين وحاجاتهم، وحين تنعدم من القلوب الرحمة تحل القسوة بالقلوب فتمسي مثل الحجارة التي لا ترشح بأي عطاء ، أو أشد قسوة من الحجارة؛ لأن من الحجارة ما تتشقق قسوته الظاهرة فيندفع العطاء من باطنه ماءً عذبًا نقيًا، ولكن بعض الذين قست قلوبهم يجف من أغوارها كل أثر للفيض والعطاء.

وقد وصل أقوام إلى هذا الحال من القسوة وانعدام الرحمة، فقد خاطب الله بني إسرائيل فقال: (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [البقرة:74].

إن من الحجارة ما يخرج منه العطاء، أما قلوب هؤلاء فلا تتدفق لأي مؤثر يستثير الرحمة، فتظل في قسوتها واستكبارها. ثم بيَّن الله السبب الذي لأجله قست قلوب أهل الكتاب: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16].

إن أية أمة يطول عليها الأمد وهي تتقلب في بحبوحة النعم على فسق وفجور ومعصية ونسيان لربها، تقسو قلوبها فلا تخشع لذكر الله وما نزل من الحق، وبهذا يبتعدون عن مهابط الرحمة فتقسو القلوب أكثر فأكثر.

وحين تشتد قسوة قلوب الأمم، يكون آخر علاج لإصلاحها أن تنزل بها الآلام والمصائب، لتردها إلى الله، فتلجأ إليه وتتضرع بذل وانكسار لاستدرار رحمته. فإذا لم تستجب القلوب لهذا الدواء، أتى دور الهلاك وفق سنة الله بعد أن يفتح عليهم أبواب كل شيء من الترف والنعمة، حتى إذا اغتروا بما عندهم من زهرة الدنيا وزينتها أتاهم عذاب الله: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ * فَلَوْلا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ * فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام:42-45].

إن الذين قست قلوبهم قسوة بالغة، فهي لا تلين عند ذكر الله، وتظل معرضة عنه، ولا يزيدها التذكير بالله إلا قسوة ونفورًا، فأولئك الويل لهم: (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ * اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر:22، 23]

إن أصحاب هذه القلوب القاسية هم أبعد الناس عن الله،كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد القلوب عن الله القلب القاسي".

إن حرارة الإيمان تستطيع أن تنضج القلوب فتلينها وترققها، فإذا غذاها وقود العمل الصالح والإكثار من الذكر، ومراقبة عدل الله وفضله وسلطانه المهيمن على جميع خلقه رقَّت القلوب وخشعت.. ومتى وصلت القلوب إلى هذه المرحلة تدفقت منها الرحمة.

أما عند غياب هذه المعاني الإيمانية عن القلوب فإنها تتيه في ظلمات الضلال والغواية والعصيان، فتقسو وتتكبر. وما أعظمها من عقوبة ،والعجب أن صاحب هذا القلب لا يشعر بأنه معاقب. وما أشد هذه العقوبة وأعظمها، يقول مالك بن دينار: ما ضُرب عبدٌ بعقوبة أعظم من قسوة القلب، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم.

أما عن أعظم أسباب قسوة القلوب فقد أخبر الله عنه عندما ذكر السبب الذي جعل ذريات بني إسرائيل تقسو قلوبهم، فقال تعالى: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:13].

فالمعصية ومخالفة أمر الله ونقضهم العهد والميثاق سبَّب لهم الطرد عن الله، فابتعدوا بذلك عن مهابط رحمة الله، فأمست قلوبهم جافة قاسية.

فاحذر أيها الحبيب مما يسبب لك قسوة القلب،وإذا وجدت قسوة في قلبك فامسح رأس يتيم ،وأطعم المسكين ، وأكثر من ذكر مولاك ، وسله شفاء قلبك.

رزقنا الله وإياك رقة القلب وأعاذنا وإياك من القسوة ، وصلى الله على أرحم الخلق محمد وآله وصحبه وسلم.
اسلام ويب

Post: #911
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:32 AM
Parent: #893

إن صيانة النفس، والسمو بها عن المذلة، وحفظ كرامتها لهو مما دعت إليه شريعتنا، وربَّت أبناءها عليه، فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه" قالوا: وكيف يذل نفسه؟ قال: "يتعرض من البلاء لما لا يطيق" .

الأمر كله لله

إن الأمور كلها بيد الله عز وجل وحده، فلا يملك أحد من الخلق لأحد موتا ولا حياة ، ولا نفعا ولا ضرا ، ولا يملكون رزقا ، فلماذا يذل العبد نفسه والله عز وجل يقول : ( قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (26) سورة آل عمران.

وصدق القائل:

لا تخضعن لمخلوق على طمع فإن ذلك نقصٌ منك في الدين

واسـترزق الله مما في خزائنه فأمر ربك بين الكاف والنون

الذل بين المدح والذم

حين يكون الإنسان هو الذي يتواضع ويكون سهلا هينا لينا فهذا أمر ممدوح، يقول الله عز وجل : ( فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ) (54) سورة المائدة.

وهو بذلك يتقرب إلى الله عز وجل.

أما ما عدا ذلك فإنه مذموم ؛ لأن العزة لله ولرسوله وللمؤمنين: ( وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ) (المنافقون: من الآية8)

الذل قرين التعلق بالدنيا والقعود عن الجهاد

نعم فإن من كانت الدنيا أكبر همه غلب أن يريق ماء وجهه لينالها أو ينال شيئا من حطامها، ولهذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قو له: " إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر ،ورضيتم بالزرع ، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم".

مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم سبب للذل

إن الله عز وجل قد جعل العزة له سبحانه ولرسوله وللمؤمنين وجعل الذل والصغار على من خالف نبيه صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث:

" بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم".

ولما كان بعض العرب يفتنون المؤمنين عن دينهم قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إن هذا الحي من مُضَر لا تدع لله في الأرض عبدا مؤمنا إلا أفتنته وأهلكته حتى يدركها الله بجنود من عباده فيذلها..." الحديث.

وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يبقى على ظهر الأرض من بيت مدر ولا وبر إلا أدخل الله عليهم كلمة الإسلام ، بعز عزيز وذل ذليل، يعزهم الله فيجعلهم من أهلها أو يذلهم فلا يدينوا لها" .

وليعلم أن هذا الذل قد يكون من نصيب من كفر بالنبي صلى الله عليه وسلم، وكذا من ابتدع أو عصى، كلٌ بحسبه، كما قال الله عز وجل عن بني إسرائيل لما عبدوا العجل من دون الله:

( إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ ) (الأعراف:152)

وكما في قوله تعالى: ( وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ ) (البقرة: من الآية61) وسيكون الذل من نصيبهم يوم القيامة جزاء كفرهم وعنادهم: ( إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ) (المجادلة:20)

( يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ . خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ) (المعارج: 43 ، 44)

وصدق والله الحسن البصري رحمه الله حين قال: أبى الله إلا أن يُذل من عصاه، فمهما طقطقت بهم البغل و هملجت ( تمايلت ومشت) بهم البراذين، فإن ذل المعصية لفي رقابهم.

فيا من أذل نفسه في طلب دنيا فانية، وأراق ماء وجهه لتحصيل حطام عما قليل يذهب، وعصا ربه فأذل نفسه وأهانها: أفق واسلك طريق العز واعلم أنه لا يكون العز إلا في طاعة الله والاستقامة على شريعته، واستحضر قول عمر: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام فمهما نطلب العز في غيره أذلنا الله.

واعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ بالله من الذل: " اللهم إني أعوذ بك من الفقر والقِلَّةِ ، والذِلّةِ ، وأعوذ بك من أن أظلم أو أُظلم" .

وأن السلف رضي الله عنهم كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #912
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:34 AM
Parent: #893

الشك خلاف اليقين، وهو مرض خطير إذا تمكن من النفس أهلكها بالتردد والارتياب والوساوس. كما أنه يقعد بصاحبه عن تحقيق غاياته لأنه يجعله غير مستقر على رأي أو قرار فهو دائمًا حائر متردد.
الشك أوقعهم في الكفر:
لما أرسل الله الرسل إلى أقوامهم تمكن الشك من قلوب بعض هؤلاء الناس ونطقت بذلك ألسنتهم: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ * قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} [إبراهيم: 9، 10].
لقد قادهم هذا الشك والتردد إلى الكفر بالله وبرسالاته، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعلن لهؤلاء الشاكين أنه على الحق وأنه على يقين مما آتاه الله: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [يونس:104].
الشك في البعث والنشور:
إن المسلم يوقن أن الموت ليس نهاية المطاف؛ بل بعده أمور جسام وهو على يقين أن الله يبعث هذه الأجساد من قبورها للعرض والحساب في يوم القيامة، أما غير المسلمين فإن كثيرًا منهم لا يؤمنون ببعث ولا نشور، بل هم في شك من ذلك: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُمْ مِنْهَا عَمُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَاؤُنَا أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ * لَقَدْ وُعِدْنَا هَذَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ} [النمل:66 - 68].
وأخبر الله عن رجل من صناديد الكفر أتى النبي صلى الله عليه وسلم يشكك في قضية البعث والنشور: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يـس:78 - 82].
ولهذا حين يُبعثون من قبورهم يوقنون بالأمر الذي كانوا فيه شاكين: {وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَأُخِذُوا مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ * وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ} [سـبأ:51- 54].
أما المؤمنون فإنهم كانوا في الدنيا على يقين لا يخالطه شك، ولهذا دعوا ربهم أن يقيهم شر هذا اليوم وأن يحسن معاملتهم فيهم: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:9]. وقالوا: {رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ} [آل عمران:194].
أحوال أهل الشك في قبورهم:
حين يدخل هؤلاء قبورهم يعاينون بعض ما كانوا فيه يشكون حين يأتيهم الملكان فيسألان كلاً من هؤلاء: "فيم كنت؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: ما هذا الرجل؟ فيقول: سمعت الناس يقولون قولاً فقلته. فَيُفْرَج له قِبَلَ الجنة. فينظر إلى زهرتها وما فيها. فيقال له: انظر إلى ما صرف الله عنك. ثم يُفْرَج له فرجة قِبَل النار، فينظر إليها يحطم بعضها بعضًا. فيقال له: هذا مقعدك. على الشك كنت، وعليه مت، وعليه تبعث إن شاء الله". [رواه ابن ماجه].
الشك في الصلاة:
قد يقع الشك من العبد في صلاته فلا يدري على وجه اليقين كم صلى؟ وقد دله النبي صلى الله عليه وسلم على العلاج فقال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر أو أواحدة صلَّى أم ثنتين، فليجعلها واحدة، وإذا لم يدر ثنتين صلَّى أم ثلاثًا فليجعلها ثنتين، وإذا لم يدرِ ثلاثًا صلَّى أم أربعًا فليجعلها ثلاثًا، ثم يسجد إذا فرغ من صلاته وهو جالس قبل أن يسلم سجدتين" [رواه أحمد والترمذي].
النهي عن التماس عثرات الأهل:
قد يقع في قلب العبد نوع من الشك تجاه أهله وقد نهاه الشرع عن الاسترسال مع هذا الشك، وذلك فيما رواه الإمام مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلاً يخونهم أو يلتمس عثراتهم".
الشك في نيات الناس وأفعالهم:
بعض الناس إذا تحدث مع الآخرين أو حدثوه ظل حائرًا مترددًا يتساءل: ماذا أراد بقوله؟ ماذا أراد بفعله؟ ويغلب جانب السوء. ومثل هذا تجده دائمًا في تعب، وإنما تعبه من قِبل نفسه، ولو دفع عن نفسه الشك في نوايا الناس لاستراح، وما أحراه بهذه النصيحة المباركة: " احمل أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك ما يقليك منه".
وما أحراه بما ورد عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك المسلم شرًا وأنت تجد لها في الخير محملاً".
نسأل الله الكريم أن يرزقنا اليقين ويجنبنا الشك إنه ولي ذلك والقادر عليه،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #913
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:36 AM
Parent: #893

الحاج طوع إشارة ورهين أمر
إن الحج بمناسكه وأركانه وأعماله كله تمرين وتدريب على الطاعة المطلقة وامتثال الأمر المجرد ، بحيث تتحقق معاني العبودية أتم تحقيق. فالحاج يتقلب بين مكة ومنى وعرفات ومزدلفة ، ثم منى ومكة ، ويقيم ويرتحل ، ويمكث وينتقل ، ويخيم ويقلع ، وهو في ذلك كله طوع إشارة ورهين أمر ، ليس له اختيار مع الله عز وجل. إنه إذا نزل بمنى لا يلبث أن يؤمر بالانتقال إلى عرفات من غير أن يقف بالمزدلفة ، ويقف بعرفات ويبقى هناك منشغلا بالذكر والدعاء والعبادة.

وقد تحدثه نفسه بالبقاء هناك بعد الغروب ليستجم ويستريح لكنه يؤمر بالانتقال إلى المزدلفة ، وهو مطالب في حياته بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها لكنه في حجه يؤمر بترك صلاة المغرب في عرفة ـ لأنه عبد لربه ليس عبدا لهواه وبل ولا لصلاته وعاداته ـ فلا يصلي المغرب إلا في المزدلفة جمعا مع العشاء ، ويبيت في المزدلفة فلا يحيي الليل بالقيام ..

وهكذا كانت حياة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نزول وارتحال ، مكث وانتقال ، عقد وحل، نقض وإبرام ، وصل وهجر ، لكن ذلك كله وفق مراد الله تعالى ، لا إجابة لشهوة ، ولا اندفاع وراء هوى ، ولا اتباعا لعادة.

الحج وتجديد الصلة بإبراهيم عليه السلام إمام الملة الحنيفية

إن هذه القصة التي حدثت قبل آلاف السنين قد طلب من جميع المحبين الصادقين المخلصين إعادتها إخزاء للشيطان ، وتقوية للإيمان ، واقتداء بخليل الرحمن : (مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ) (الحج: من الآية78)

فمن الواجب المحافظة على ما استفاض عن إمامها كخصال الفطرة ومناسك الحج ؛ ولهذا وقف النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: " قفوا على مشاعركم ، فإنكم على إرث من إرث أبيكم ". وقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم لتظهر به الملة الحنيفية وتعلو به كلمتها.

ومناسك الحج وما يحيط بها من ذكريات وحوادث وما يتلبس به الحاج من إحرام وتجرد عن المظاهر ، وما يأتي به من عمل ونسك هو عبادة لله عز وجل وهو تخليد لما كان عليه الخليل عليه السلام من التوحيد والتوكل والجهاد في سبيل الله وإيثار لطاعته ومرضاته جل وعلا ، والتمرد على العادات الفاسدة والأعراف الزائفة .

لقد قدر الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام أن يواجه أباه الذي يصنع الأصنام وقومه الوثنيين ، وأن ينتقل ليواجه النمرود ـ الطاغية المتجبر ـ وألقي به في النار ، وأمر بذبح ولده ‘ وبتركه هو وأمه هاجر ، فاستسلم في ذلك كله لله وكان نعم العبد ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) (هود:75).

ما أعظم حاجتنا إلى الحج

ما أحوجنا لحجة حقا تعبدا ورقة ، نضبط بها الأقوال والأفعال والتصورات والمشاعر ؛ فالحج بمثابة عرضة سنوية للملة لتبقى هذه الأمة محتفظة بطبيعتها متصلة بتاريخها ، محفوظة بإذن الله من المؤامرات والمغالطات، وفي هذه الوقفة ينفي علماء الأمة عنها تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين وخرافة المخرفين ويردونها إلى الدين الخالص: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْأِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (آل عمران:19)

(وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85)

فيا له من اجتماع ندعو ربنا في علاه أن يجعله اجتماعا مرحوما.
د / سعيد عبد العظيم

Post: #914
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:38 AM
Parent: #893

طيب النفس سكينة ونجاة
نعني بالطيبة سلامة الصدر، وصفاء النفس، ورقّة القلب...، ويتأصل هذا الخلق باستمرار التزكية للنفس، ثم تنعكس آثاره على السلوك : أخوةً وسماحةً وسكينةً ووفاءً.. والذين يفتقدون هذا الخلق ، تراهم غارقين في صور من التحايل والكيد ، وسوء الظن والخبث...

ومعنى ( الطيّب ) في اللغة : الطاهر والنظيف، والحسن والعفيف، والسهل واللين ، وذو الأمن والخير الكثير، والذي لا خبث فيه ولا غدر..

ومن هذه المعاني نفهم المراد بالرجل الطيّب ، والزوجة الطيبة ، والبلدة الطيبة ، والقول الطيب، والذرية الطيبة ، والريح الطيبة ، والحياة الطيبة.. وكلها معاني طهرٍ وعفة وصفاء ونقاء ، وهذا حال صاحب خلق ( الطيبة ).

إن الله عز وجل حين خلق بني آدم " جعل منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك ، والسهل والحَزْن وبين ذلك ، والخبيث والطيب وبين ذلك ". (رواه أحمد وصححه الألباني) ولا يستوي الخبيث والطيب، ولا يأتلف كل واحدٍ إلا مع قرينه وشبيهه.

وحرصا من النبي صلى الله عليه وسلم على اعتزاز المؤمن بالطيبة ، نهاه أن ينسب الخبث إلى نفسه ، فقال: " لا يقولن أحدكم خبثت نفسي.." (الحديث، رواه البخاري) ويورد بن حجر قول ابن أبي جمرة في بيان الحكمة من هذا النهي ، فيقول [.. وفيه أن المرء يطلب الخير حتى بالفأل الحسن ، ويضيف الخير إلى نفسه ولو بنسبة ما، ويدفع الشر عن نفسه مهما أمكن، ويقطع الوصلة بينه وبين أهل الشر حتى في الألفاظ المشتركة].
ولقد شبه النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن الذي يقرأ القرآن بثمرة ( الأُتْرُجَّة ) : " طعمها طيب وريحها طيب" وضرب للمؤمن مثلا آخر ، فقال: " .. والذي نفس محمد بيده! إن مثل المؤمن لكمثل النحلة ، أكلت طيبا ، ووضعت طيبا..". (رواه أحمد بإسناد قوي).

وكلها تؤكد على أصالة عنصر الطيبة في نفسية المؤمن، وسمة الخيرية في تعامله.

والرجل الطيب، قد يختلف حاله..فيكون أحيانا أكثر انشراحا، وأحسن بشاشة .. تبعا لما يمر به من أقدار ، وقد لاحظ الصحابة رضي الله عنهم ذلك مرة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال بعضهم: " نراك اليوم طيب النفس ، فقال : أجل . والحمد لله. ثم أفاض القوم في ذكر الغنى . فقال : لا بأس بالغنى لمن اتقى ، الصحة لمن اتقى خير من الغنى ، وطيب النفس من النعيم". ( صحيح سنن ابن ماجة).

والعبادة صورة يومية من صور جلاء القلب، وتصفية النفس من كل خبث، ويؤكد هذا المعنى ما رواه البخاري ، من أن الشيطان يعقد على قافية النائم ثلاث عقد ، قائلا له : " عليك ليل طويل فارقد ، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة ، فإن صلى انحلت عقده كلها، فأصبح نشيطا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان." يقول ابن حجر : " قوله : طيب النفس. أي لسروره بما وفقه الله له من الطاعة، وبما وعده من الثواب ، وبما أزال عنه من عقد الشيطان . كذا قيل. والذي يظهر أن في صلاة الليل سرا في طيب النفس...".

وما جعل الله مواطن البلاء إلا للتمحيص والتمييز ، كما قال تعالى : ( مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ )(آل عمران: من الآية179)

وفي ظلال الآية : أن دور الأمة المسلمة [ يقتضي التجرد والصفاء ، والتميز والتماسك .. وكل هذا يقتضي أن يصهر الصف؛ ليخرج منه الخبث..ومن ثم كان شأن الله ـ سبحانه ـ أن يميز الخبيث من الطيب] . وتجري سنة الله في أن الزبد يذهب جفاء ، وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض.

إن المؤمن الطيب رجل متورع عن الشبهات ، ولقد كان أبو طلحة في مرض له ينزع غطاء فراشه ؛ لما عليه من نقوش؛ فلما اعتُرض عليه بأنه ليس في الغطاء تصاوير منهي عنها ، أجاب : " بلى . ولكنه أطيب لنفسي" .

والمؤمن الطيب يحافظ على صفاء الود مع أخيه ، كما في الحديث القدسي: " وحقت محبتي للذين يتصافون من أجلي"

ويبادر إلى زيارة أخيه المسلم، أو عيادته ، فيقول الله له : "طبت وطاب ممشاك ، وتبوأت من الجنة منزلا" . فالتصافي والتواصل علامة طيبة، ولا يتخلق بها إلا الطيب.

والمجاهد الطيب لا يطمئن قلبه بالقعود حين يُستنفر الناس، ولذلك وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسية صحابته الكرام ـ لو أنه خرج في كل سرية ـ فقال: " ولا تطيب أنفسهم أن يقعدوا بعدي".(رواه مسلم).

ولذلك كان المنافقون ـ لما في نفوسهم من الخبث ـ لا يتحرجون من أن يتعللوا بأعذار واهية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع صحابته في الحر والنصب ، والمنازلة والطعان.

وتطييب قلوب عباد الله من علامات طيب القلب، فقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين يؤدون إلى الناس حقوقهم ـ وافية زائدة ـ بقوله : " أولئك خيار عباد الله عند الله يوم القيامة : الموفون المطيّبون". (رواه أحمد).

وأقصر طريق إلى القلوب بالكلمة الطيبة :" اتقوا النار ولو بشق تمرة، فإن لم يكن فبكلمة طيبة ". وقد وصف الله الصالحين من عباده بقوله: (وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ) (الحج:24).
وإن الملائكة لتستقبل أرواح الطيبين: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (النحل:32)

وقد قال صلى الله عليه وسلم: " الميت تحضره الملائكة ، فإذا كان الرجل صالحا قالوا: اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب، اخرجي حميدة ، وأبشري بروح وريحان، ورب غير غضبان ، فلا يزال يقال لها حتى تخرج، ثم يُعرج بها إلى السماء ، فيُفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقولون: فلان. فيقال: مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ، ادخلي حميدة ، وأبشري بروح وريحان ، ورب غير غضبان. فلا يزال يقال لها ذلك ، حتى يُنتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل . وإذا كان الرجل السوء قال : اخرجي أيتها النفس الخبيثة ، كانت في الجسد الخبيث. اخرجي ذميمة، وأبشري بحميم وغساق، وآخر من شكله أزواج، فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج، ثم يُعرج إلى السماء ، فلا يُفتح لها ، فيقال : من هذا؟ فيقال: فلان، فيقال : لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث، ارجعي ذميمة ، فإنها لا تُفتح لك أبواب السماء ، فيُرسل بها من السماء ثم تصير إلى القبر". (صحيح سنن ابن ماجة).

وعلى أبواب الجنة يقال لأهل الطيبة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ). (الزمر: من الآية73) بعد أن أحياهم الله الحياة الطيبة في الدنيا بالإيمان والعمل الصالح.

إن غلبة التعامل بالطيبة، ونقاء المجتمع من الخبث، حصانة من غضب الله وانتقامه، ولذلك تساءلت زينب بنت جحش : " أفنهلكُ وفينا الصالحون؟" فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم :" نعم إذا كثر الخبث". ( البخاري).

قال ابن العربي: [ وفيه البيان بأن الخيّر يهلك بهلاك الشرير، إذا لم يغير عليه خبثه].
إن العبد الطيب نقي القلب، سليم السريرة ، حسن الظن بالناس..ومن دعائه صلى الله عليه وسلم : " ونق قلبي من الخطايا ، كما نقيت الثوب الأبيض من الدنس". ( البخاري). ولا يغرنّك ما يلصقه الخبثاء بالطيبين: من صفات الغفلة ، وضعف العقل ، وقلة الحيلة ، والهوان على الناس..فلأن تكون مقبولا عند الله خير لك من أوسمة الدهاء والحيلة والخبث.
هذه أخلاقنا

Post: #915
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:40 AM
Parent: #893

العلاقة بين العبادات والأخلاق
إن هذا الدين هو رسالة الله الخاتمة التي بعث بها محمدا صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة، ولقد حدد رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم الغايات العظمى من بعثته فكان من أعظم هذه الغايات ما أخبر به في حديثه الثابت عنه : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله : ( فكأن الرسالة التي خطت مجراها في تاريخ الحياة، وبذل صاحبها جهدا كبيرا في مد شعاعها وجمع الناس حولها ، لا تنشد أكثر من تدعيم فضائلهم ، وإنارة آفاق الكمال أمام أعينهم ، حتى يسعوا إليها على بصيرة...

والعبادات التي شرعت في الإسلام واعتبرت أركانا في الإيمان به ليست طقوسا مبهمة ...وحركات لا معنى لها ، كلا فالفرائض التي ألزم الإسلام بها كل منتسب إليه ، هي تمارين متكررة لتعويد المرء بأن يحيا بأخلاق صحيحة ، وأن يظل مستمسكا بهذه الأخلاق مهما تغيرت أمامه الظروف ).

العبادات تقوي في النفس مكارم الأخلاق.

إن استقراء أدلة الكتاب والسنة ليبرهن على أن العبادة الحقة لابد أن يكون لها أثر في نفس صاحبها وأخلاقه وسلوكه ، فالصلاة التي هم أهم أركان الإسلام بعد التوحيد والتي لها منزلتها الخاصة في الإسلام بيّن الله عز وجل شيئا من الحكم التي من أجلها شرعت فكان من هذه الحكم أنها تنهى أهلها عن الفحشاء والمنكر كما قال الله عز وجل: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) (العنكبوت:45)

ولما أُخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأة تقوم الليل ولكنها إذا أصبحت آذت جيرانها قال: " هي في النار " فكأن حقيقة الصلاة أنها تزكية للنفس وتطهير لها من الأخلاق الرديئة والصفات السيئة ، فمن لم ينتفع بصلاته في هذا الجانب فكأنه لم يستفد أعظم ثمرات الصلاة.

أما الصيام فإنه كذلك تهذيب للنفوس وحرمان لها من شهواتها المحظورة ونزواتها قبل أن يكون حرمانا لهذه النفوس من الأطعمة والأشربة والشهوات المباحة.

ولأجل هذا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه".

ويذكر القرآن ثمرة الصوم العظمى فيقول الله عز وجل: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة:183)

وفي نفس السياق يبين النبي صلى الله عليه وسلم أن من صام امتثالا لله عز وجل ينبغي أن يتميز بأخلاقه وحلمه:

" فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ، فإن سابه أحد أو قاتله فليقل : إني امرؤ صائم" .

إننا نرى في واقعنا فئات من الناس تقوم بعكس ذلك تماما ، تراهم إذا صاموا ضاقت صدورهم ، وساءت أخلاقهم ،ولأول عارض من خلاف تراهم يثورون ويغضبون ويسيئون، فإذا عوتبوا اعتذروا بأنهم صائمون!!

فهل حقق هؤلاء الثمرة من الصيام ؟ وهل امتثلوا التوجيه النبوي الكريم؟.
وإذا نظرت إلى الزكاة وجدتها في أصلها تطهيرا للنفس من أدران البخل والشح ، وتعويداً للنفس على السخاء و الجود وقضاء حوائج الناس والشعور بأزماتهم، ولهذا قال الله عز وجل : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا) (التوبة: من الآية103) .

إنها بهذا المعنى ليست ضريبة تؤخذ من الناس على كره منهم بل هي غرس لمشاعر الحنان والرحمة والرأفة، وتوطيد لعلاقات التعارف والألفة بين أبناء المجتمع.

أما الحج الذي كلف به المستطيع من المسلمين فإنه ليس مجرد رحلة إلى هذه البقاع المقدسة التي تهفو إليها قلوب المؤمنين وفقط ، بل هو في أساسه رحلة إيمانية مليئة بمعاني الكمال الإيماني والرقي الروحي والسمو الأخلاقي ، ولهذا قال الله عن هذه الشعيرة:

( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة:197)

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه: " السكينة السكينة"

ووجههم إلى ضرورة التحلي بحسن الخلق في حجهم وبشرهم على ذلك بالأجر العظيم:

" من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه".

هذه هي عبادات الإسلام العظام نتبين من خلال ما سبق من استعراض الأدلة الواردة في فضلها والحث عليها متانة وقوة العلاقة بين الدين والخلق ، بين العبادة والسلوك.

إن هذه العبادات وإن كانت متباينة في جوهرها ومظهرها ، لكنها تلتقي عند الغاية التي رسمها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"

يقول الشيخ الغزالي رحمه الله :

( فالصلاة والصيام والزكاة والحج ، وما أشبه هذه الطاعات من تعاليم الإسلام ، هي مدارج الكمال المنشود ، وروافد التطهر الذي يصون الحياة ويعلي شأنها ، ولهذه السجايا الكريمة التي ترتبط بها أو تنشأ عنها أعطيت منزلة كبيرة في دين الله ، فإذا لم يستفد المرء منها ما يزكي قبله وينقي لبه، ويهذب بالله وبالناس صلته فقد هوى).

نسأل الله الكريم أن يجعل ما نقول ونفعل حجة لنا لا علينا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
اسلام ويب

Post: #916
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:42 AM
Parent: #893

لا تستسلم للحزن
حين يفوت الإنسان شيء من محبوباته ، أو يتوقع حدوث مكروه فإنه غالبا ما يصاب بالغم ويذهب عنه الفرح ولو مؤقتا ، وهذه الحالة التي تصيب الإنسان عندئذ هي حالة الحزن.

ومما ينبغي أن يعلم أن هذه الحياة لا تدوم على حال وأن هذه الدنيا تتقلب بأهلها بين عز وذل، غنى وفقر، رخاء وشدة، صحة ومرض، أحزان ومسرات...وهكذا يكون المرء بين الابتلاء بالخير والابتلاء بالشر ، كما قال تعالى: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) (الأنبياء: من الآية35).وهذه الدنيا إن أضحكت قليلا أبكت كثيرا ، وإن سرّت يوماً ساءت دهراً ، وإن متّعت قليلاً منعت طويلاً ، ولقد صدق والله القائل :

طبعت على كدر وأنت تريدها صفواً من الأقذاء والأكدار

ومكلف الأيام ضد طباعها متطلب في الماء جذوة نار

وبما أن هذا هو طبع الحياة فلابد أن يعتري الإنسان فيها شيء من الحزن في بعض الأوقات وهذه هي الفطرة التي لا يمكن إنكارها ولا الهرب منها ، وهو ينتاب كل إنسان من فترة لأخرى حسب ما جبل عليه من الأخلاق، وما يعتريه من نكد الحياة، لذا فإنه لا يدوم في الغالب، بل يضمحل من تلقاء نفسه، أو بمقاومة الشخص إياه بالأسلوب المناسب. فالحزن والفرح أمران فطريان متضادان خلقهما الله في وجدان الإنسان، يخمد أحدهما بطغيان الآخر عليه وظهوره. قال الله تعالى:( وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى) (النجم:43).

قال عكرمة - رحمه الله: ليس أحد إلا وهو يفرح ويحزن، ولكن اجعلوا الفرح شكراً والحزن صبراً.

ولهذا لا ينكر على العبد أن يحزن إذا توافرت أسباب الحزن ، لكن المذموم قطعا هو الاستسلام لحالة الحزن بحيث يغلب على صاحبه فينقطع أو ينعزل أو يسخط أو يصاب بالأمراض النفسية أو العضوية ، بل قد يتمكن الحزن من صاحبه حتى يقتله نسأل الله العافية.

وقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله من الحزن ، فكثيرا ما كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن .." الحديث.( البخاري ومسلم ).

وما يصيب المسلم في هذه الدنيا من أحزان فإنه يكون سببا في تكفير سيئاته وخطاياه كما ورد في الحديث: " ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله من خطاياه". ( البخاري ومسلم).

من أسباب الحزن:

للحزن أسباب متعددة فقد يكون الحزن بسبب فوات شيء من الدنيا ، وقد يكون لتوقع مكروه في المستقبل ، وقد يكون بسبب مرض أو فقد عزيز أو حبيب وقد يكون لتسلط الأعداء وغلبتهم أو استهزائهم وغير ذلك من الأسباب.

والمسلم مطالب في كل أحواله ألا يستسلم للحزن أيا كانت أسبابه ودواعيه ، كما قال تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:139).

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحزن بسبب إعراض الكافرين واستهزائهم وأقوالهم الفاجرة ، دل على ذلك قول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ) (الأنعام:33). وقوله تعالى: ( فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّا نَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ) (يّـس:76).

وقوله: ( وَلا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظّاً فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (آل عمران:176)

وقوله : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (المائدة:41).

فالرسول صلى الله عليه وسلم كان أشد الخلق حرصا على هداية الناس وهو أعلم الناس بربه وما نزل من عنده جل وعلا ؛ لهذا كان يصيبه الحزن عندما يعرضون عن سبيل الهداية ، ويحزن حين يقابلون هذه الدعوة المباركة بالاستهزاء ، فواساه الله بهذه الآيات ونهاه فيها عن الحزن ، وأخبره في بعضها أن الله قادر على هداية الناس جميعا لكن لحكم كثيرة يعلمها جعل الناس متفاوتين تفاوتا عظيما: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) (يونس:99).

الشيطان يريد إدخال الحزن على المؤمنين

نعم فإبليس اللعين لا يحب للمؤمنين أن يفرحوا ، وقد بين الله ذلك في كتابه حين قال :

( إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (المجادلة:10)

ولأن الشيطان قد يستغل هفوة أو زلة ليوقع العداوة بين المؤمنين ليحزنهم ويفسد ذات بينهم فقد حذر الرسول من كل ما يمكن أن يستغله الشيطان للوقيعة وإفساد ذات البين ولو كان شيئا يسيرا،فقال صلى الله عليه وسلم: " إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الآخر حتى تختلطوا بالناس ، من أجل أن يحزنه".( مسلم).

بل عدد النبي صبى الله عليه وسلم أنواع الرؤى فذكر منها: " رؤيا تحزين من الشيطان". ( البخاري ومسلم).

من أعراض الحزن

حالة الحزن التي تصيب الإنسان لها أعراض كثيرة تختلف من شخص لآخر حسب قوته وعزيمته وضعفه حسب الحال الموجبة لذلك ومنها: ضيق الصدر، وسرعة الانفعال والغضب ، وطول التفكير وضعف الثقة بالنفس ، واضطراب الكلام ، والشعور بتفاهة الدنيا، وقد يميل بعض الأشخاص إلى العزلة، والشعور بالملل والضجر، وأحياناً الجنوح إلى الانتقام.ومن الأعراض البدنية: الإجهاد ، والخمول ، والإحساس بآلام في سائر البدن وصداع في الرأس وضعف شهية الأكل والجنس والإمساك الشديد وتقطع واضطراب النوم والإحساس بحرارة في أطراف البدن... إلي غير ذلك من الأعراض.

من أضرار الحزن

ذكر العلماء وأهل التربية أضرارا للحزن حين يتمكن من صاحبه ومن هذه الأضرار التي ذكرها بعضهم (الأستاذ سليمان العثيم):

1- حصول الفتور الذهني وضعف التركيز.

2- تعطل جذوة الهمة، والمعبر عنه ب (الإحباط) وهو شلل للهمة يُقعد المحزون عن التفكير الصحيح والعمل المفيد، بل قد تتعطل جميع أعماله.

3- سرعة الإجهاد والفتور البدني، والإحساس بآلام في سائر البدن، خاصة الرأس والمفاصل.

4- الانشغال عن العبادة أو في أثنائها فلا يؤديها على الوجه الصحيح.

5- ترك الأمور المهمة بسبب التفكير المستمر.

6- سوء الظن في الآخرين، بل يشتد - أحياناً الظن فيجزم بأنه يقين.

7- قد يوقع الحزن في التشاؤم المستمر، وأحياناً المفرط.

وإذا اشتد الحزن وتأزم أو كثر وروده على الإنسان فقد يصاب بما يلي:

1- الإجهاد الذهني، الذي قد يؤدي إلى الإصابة بمرض الزهايمر الذي يفقد الإنسان ذاكرته.

2- الشيخوخة المبكرة، وذلك بالإصابة بالضعف الشديد في جميع أجهزة البدن مع الضعف المفرط في الشهية.

3- الإصابة ببعض الأمراض المزمنة الخطيرة، كتعطل البنكرياس أو تقرحات المعدة أو الإصابة بمرض الكلى.. الخ.

4- سرعة الانفعال والغضب لأتفه الأسباب، وقد ينتج عن ذلك تصرف أحمق.

5- الإصابة بالقلق وتوتر الأعصاب، وقد يتحول الحزن الطبيعي إلى مرض نفساني (الاكتئاب) .

علاج الحزن

إن الحزن إذا تمكن صار مرضا وبالتالي فإن له علاجات يمكن الاستفادة منها في دفعه، ومنها:

1- العمل على زيادة الإيمان ، فكلما قوي إيمان العبد استسلم لقضاء الله وقدره وعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، فشكر عند النعمة وصبر عند المصيبة فكان خيرا له.

2- الإكثار من الذكر ، فالله عز وجل يقول : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد:28).

3- تجنب أسباب الغضب والتحلي بحسن الخلق وسعة الصدر وتربية النفس على دفع السيئة بالحسنة والعفو والصفح والتحلي بمكارم الأخلاق.

وأخيرا هذه نصيحة الشيخ القرني:

لا تحزن : لأنك جربت الحزن بالأمس فما نفعك شيئا ... لا تحزن : لأنك حزنت من المصيبة فصارت مصائب ، وحزنت من الفقر فازددت نكدا ، وحزنت من كلام أعدائك فأعنتهم عليك ، وحزنت من توقع مكروه فما وقع.

لا تحزن : فإنه لن ينفعك مع الحزن دار واسعة ، ولا زوجة حسناء ، ولا مال وفير ، ولا منصب سام ، ولا أولاد نجباء.

لا تحزن : لأن الحزن يريك الماء الزلال علقمة ، والوردة حنظلة ، والحديقة صحراء قاحلة ، والحياة سجنا لا يطاق.

لا تحزن : و عندك عينان وأذنان وشفتان ويدان ورجلان ولسان ، وجنان وأمن وأمان وعافية في الأبدان: { فبأى ءالآء ربكما تكذبان } .

لا تحزن : ولك دين تعتقده ، وبيت تسكنه ، وخبز تأكله ، وماء تشربه ، وثوب تلبسه ، وزوجة تأوي إليها ، فلماذا تحزن؟!.
اسلام ويب

Post: #917
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:44 AM
Parent: #893

نرى كثيرا من الطاقات المدفونة بين جوانح أصحابها ، ونلمس جوانب من الخير كامنة في نفوس أربابها ، ولكنها غير متعدية إلى الآخرين لا بنفع ولا إفادة .وكم تكون الصورة محزنة حين تجد فقيها بصحبة جاهل لم يفده من فقهه، وقارئا برفقة أميّ لم ينفعه بحسن تلاوته ، وعابدا بجوار فاسق ولم يتعد إليه شيء من صلاحه.

الدعوة نفسها نفع عام ، فحين دخل أبو ذر في الإسلام كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أن قال له:" فهل أنت مبلغ عني قومك ؛ لعل الله عز وجل أن ينفعهم بك، ويأجرك فيهم". (مسلم)

وكانت التربية الأولى لحديث الدخول في الإسلام تربية على الدعوة ، و الحرص على تعدي نفعه إلى الآخرين.

وكان خال لجابر بن عبد الله يرقي من العقرب، فقال : ( يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى، وإني أرقي من العقرب) وكأنه يستأذن في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم:" من استطاع أن ينفع أخاه فليفعل". (رواه أحمد و مسلم)

فالأصل في المسلم أنه يسعى لنفع الناس لا أنه يمنع النفع عنهم.

وتجد بعض النفوس أحيانا تمتنع عن الإقدام على أعمال لا تضرها ، مع أن فيها نفعا لغيرها،اقتصارا على مصالحها الشخصية في حدود ذواتها واهتماماتها، وليس هذا من شأن المسلم، ولذلك عنف عمر بن الخطاب رضي الله عنه محمد بن مسلمة لما منع الضحاك بن مسلمة ، فقال عمر : لم تمنع أخاك ما ينفعه، وهو لك نافع، تسقي به أولا وآخرا، وهو لا يضرك...والله ليَمُرَّنَّ به ولو على بطنك".

المبادرة بتقديم النفع قبل طلبه

إن الأصل في المسلم أنه يسعى إلى تقديم الخدمة لمن يحتاجها ، والنصيحة لمن يجهلها ، والمنفعة إلى من هو أهل لها، بمبادرة منه وحرص من طرفه، ورسولنا صلى الله عليه وسلم كان يسعى إلى العباس ليقول له: " يا عم! ألا أحبوك؟ألا أنفعك؟ ألا أصلك؟..." وعلمّه صلاة التسبيح، وهكذا كان يعرض نفسه للنفع، ويعلم الناس النفع، وكان من وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي برزة حين جاءه يقول: يا رسول الله علمني شيئا ينفعني الله تبارك وتعالى به ، قال له :" انظر ما يؤذي الناس فاعزله عن طريقهم".

ومثل هذه الخدمات تنمّي في نفس الداعية التواضع، وتعمقّ في نفسه معاني الخير، وتجعل المجتمع من حوله يرى فيه حرضا عمليا على كل ما يعود عليهم بنفع، أو يدفع عنهم ضررا.

محبة الخير للآخرين كما يحبه لنفسه

وإذا ما تذكر المؤمن نعمة الله عليه بالهداية ، وذاق حلاوة الإيمان ونعيم الطاعة ، فلن يبخل بالكلمة الطيبة؛ ليستنقذ بها أناسا ما زالوا محرومين مما ذاق، ومحجوبين عما عرف ، ولذلك ضرب صلى الله عليه وسلم مثلا بالأرض الطيبة التي قبلت الغيث فأنبتت ، فقال : " فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ، ونفعه الله عز وجل بما بعثني به ، ونفع به فعلم وعلمّ...."

والداعية الحريص هو الأرض الطيبة التي تشرّبت الخير وجادت به.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليترك فرصة ركوب غلام – كابن عباس – خلفه دون أن يزيده انتفاعا بما يربيه وينفعه ويملأ وقت الطريق ، فقال له : " ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن...احفظ الله يحفظك..."واصطبغ الصحابة رضي الله عنهم بهذا الخلق، وكان هذا شأن أبي هريرة مع أنس بن حكيم حيث قال له:" يا فتى! ألا أحدثك حديثا لعل الله أن ينفعك به؟..إن أول ما يحاسب الناس به يوم القيامة من أعمالهم الصلاة..."

الحرص على نفع الأقربين

ونفع الأقربين أكثر وجوبا وأعظم أجرا. قال أبو قلابة : وأي رجل أعظم أجرا من رجل ينفق على عيال صغار؛ يُعفّهم أو ينفعهم الله به، ويعينهم الله به ويغنيهم!" وهذا الاهتمام بالأقارب كسب لقلوبهم، وصلة رحم، ورمز و فاء ، وعنوان محبة ، ودليل رحمة ، خاصة حين يكون فيهم أطفال صغار ، يفتقدون الرعاية والحنان وأهم الحاجات البشرية.

إن أبواب النفع كثيرة، أجملها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: " على كل مسلم صدقة" وضرب لها بعض الأمثلة بحسب القدرة : " فيعمل بيديه، فينفع نفسه ويتصدق..فيعين ذا الحاجة الملهوف..."وإن لم يفعل المسلم شيئا من ذلك"فليمسك عن الشر فإنه له صدقة".

وهذه أدنى مراتب النفع التي لا ينبغي لمؤمن أن ينزل عنها، ولا يليق بداعية أن يقف عندها.

والجهاد أعلى مراتب النفع ، والعزلة أدناها، قال أعرابي : يا رسول الله ! أي الناس خير؟قال: "رجل جاهد بنفسه وماله ، ورجل في شعب من الشعاب ، يعبد ربه ، ويدع الناس من شره". فالذي جاهد نفع الناس بتضحيته بروحه، وجوده بماله، لحمايتهم ولصد عدوهم، وهذا أكبر الخير ، والناس يتفاوتون في الخير ما بين منزلة المجاهد ومنزلة المعتزل الكاف لشره عن الناس.

وتعظم المسؤولية ويثقل العبء على من تولى أمر بضعة من المسلمين؛ لأنه أقدر على دفع الضر أو جلب النفع بما أوتي من سلطان الإمرة وحق الطاعة، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم :"..فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحدا، أو ينفع فيه أحدا فليقبل من محسنهم ، ويتجاوز عن مسيئهم"

بحيث يبقى أمره يدور بين تكريم محسنهم ، والعفو عن مسئيهم، أي بين تقديم نفع، أو دفع أذى؛لأن بعض أهل الإمرة كثيرا ما يجورون وهم لا يشعرون، فإذا ما وضعوا نُصب أعينهم مهمة جلب المنفعة ودرء الأذى عصموا أنفسهم من الزلل – بإذن الله - .

ومن الصور العملية لخلق النفع ألا تستبقي أرضا تملكها دون خدمة ولازراعة، مع وجود أخ لك عاطل عن العمل يستطيع أن يستخرج خير الأرض، وأن ينتفع بها، وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من كانت له أرض فليزرعها ، فإن لم يزرعها فليُزرعها أخاه" وكم لدى المسلمين من قدرات معطلة، وثروات مكنوزة ، وطاقات مهدورة، ولا نلتفت إلى التفكير في استغلالها فيما يعود بالنفع على المسلمين!! أفلا تجود بعلمك، وتتصدق بعرقك ، وتعين بسعيك؛ لتكون دائما ممن جعله الله مفتاحا للخير، مغلاقا للشر، وعندئذ بشراك الجنة كما في الحديث:" ...فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه"

ولدوام النفع بأمثال هؤلاء لا بد من تعزيزهم بالمال والسلطان، وقد ذكر النسائي – عقب حديث في كتاب قسم الفيء – طريقة قسمة سهم النبي صلى الله عليه وسلم من الغنائم بعد وفاته ، فقال: " وسهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى الإمام : يشتري الكراع منهم ، والسلاح ، ويعطي منه من رأى، ممن رأى فيه غناء ومنفعة لأهل الإسلام ، ومن أهل الحديث والعلم والفقه والقرآن".

وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم المؤمن مثلا في دوام النفع به ، وشبه النخلة به لدوام خضرتها وإمكانية الانتفاع بكل ما فيها، فقال: " إني لأعلم شجرة يُنتفع بها مثل المؤمن" والمؤمن يحرص على تقديم خيره إلى الناس لوجه الله، وابتغاء مرضاته، ولا تتحكم به مشاعر شخصية ، أو مواقف عارضة ، وقد عاتب ربنا عز وجل أبا بكر رضي الله عنه حين حلف ألا ينفق على مسطح بن أثاثة لمشاركته في حديث الإفك ( فحلف أبو بكر أن لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا) فلما نزل قوله تعالى: ( ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم).

قال أبو بكر : بلى والله ، إنا لنحب أن يغفر لنا.وأعاد النفقة على مسطح.

إذا كنت تحب أن يغفر الله لك ، فهيّا إلى مزيد من الدعوة والنصح والإفادة والنفع ، واستغلال الأوقات والطاقات ..فإنه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " خير الناس أنفعهم للناس".
إسلام ويب

Post: #918
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:46 AM
Parent: #893

وقولوا للناس حسنا
أمر الله تعالى عباده أن يتخيروا من الألفاظ أحسنها ، ومن الكلمات أجملها عند حديث بعضهم لبعض حتى تشيع الألفة والمودة ، وتندفع أسباب الهجر والقطيعة والعداوة ، فقال الله تعالى : (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوّاً مُبِيناً) (الإسراء:53)

يقول الشيخ السعدي رحمه الله:

وهذا من لطفه بعباده حيث أمرهم بأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال الموجبة للسعادة في الدنيا والآخرة فقال:

( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ) وهذا أمر بكل كلام يقرب إلى الله من قراءة وذكر وعلم وأمر بمعروف ونهي عن منكر وكلام حسن لطيف مع الخلق على اختلاف مراتبهم ومنازلهم، وأنه إذا دار الأمر بين أمرين حسنين فإنه يؤمر بإيثار أحسنهما إن لم يمكن الجمع بينهما.

والقول الحسن داع لكل خلق جميل وعمل صالح فإن من ملك لسانه ملك جميع أمره.

وقوله:( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ) أي: يسعى بين العباد بما يفسد عليهم دينهم ودنياهم.

فدواء هذا أن لا يطيعوه في الأقوال غير الحسنة التي يدعوهم إليها، وأن يلينوا فيما بينهم لينقمع الشيطان الذي ينزغ بينهم فإنه عدوهم الحقيقي الذي ينبغي لهم أن يحاربوه فإنه يدعوهم ( ليكونوا من أصحاب السعير)

وأما إخوانهم فإنهم وإن نزغ الشيطان فيما بينهم وسعى في العداوة فإن الحزم كل الحزم السعي في ضد عدوهم وأن يقمعوا أنفسهم الأمارة بالسوء التي يدخل الشيطان من قبلها فبذلك يطيعون ربهم ويستقيم أمرهم ويهدون لرشدهم.

الكلام مسطور ومحفوظ

إنها حقيقة قررها القرآن الكريم في العديد من المواضع والآيات ؛ كي يكون الإنسان حسيبا على نفسه مراقبا للسانه ، يقول الله عز وجل: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18)

ولما حكى الله عزوجل عن اليهود وبشاعة أقوالهم عقب فقال سبحانه وتعالى : ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181).

وأخبر الله عز وجل أن الملائكة تحصي على الناس أقوالهم وتكتبها ، فقال: ( أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) (الزخرف:80) . والآيات في هذا كثيرة جدا والمقصود تنبيه العباد إلى أن ما يصدر عنهم من أقوال يكتب فإما لهم وإما عليهم ، فإذا التزم الإنسان القول الحسن في جميع أحواله لم يكتب في صحيفته إلا الخير الذي يسره يوم القيامة.

عود لسانك الخير

لقد حث الشرع المطهر الناس على انتقاء الألفاظ الطيبة التي تدخل السرور على الناس ، فقال الله عز وجل:( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: من الآية83).

ولم يبح الله عز وجل لعباده الجهر بالسوء إلا في أحوال محددة كحالة التظلم فقال:

( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعاً عَلِيماً) (النساء:148).

قال يحيى بن معاذ: ليكن حظ المؤمن منك ثلاث خصال لتكون من المحسنين،إحداها: إن لم تنفعه فلا تضره،والثانية: إن لم تسره فلا تغمه، والثالثة:إن لم تمدحه فلا تذمه.

وقد كان الصالحون يتعهدون ألسنتهم فيحرصون على اخيتار الألفاظ والكلمات التي لا يندمون عليها فرأينا منهم عجبا،هذا الأحنف بن قيس يخاصمه رجل فيقول للأحنف لئن قلت واحدة لتسمعن عشرا،فقال الأحنف: لكنك والله لو قلت عشرا ما سمعت واحدة.

ورأى عيسى عليه السلام خنزيرا فقال:مر بسلام ، فقيل له: تقول هذا لخنزير؟ قال أعود لساني الخير.

أما العلامة تقي الدين السبكي فسمع ولده العلامة تاج الدين يقول لكلب:يا كلب بن كلب، فنهاه عن ذلك فقل: أليس كلب بن كلب؟ فقال :شرط الجواز عدم التحقير. فقال تاج الدين: هذه فائدة.

أحق الناس بحسن منطقك

إننا وإن كنا مطالبين بإلانة القول وإحسانه للناس كافة فإن هذا المطلب يتأكد في حق أصناف من الناس هي الأولى بهذا الخلق ومن هؤلاء:

الوالدان

فأحق الناس بالتعامل معهم بهذا الخلق الكريم الوالدان اللذان أمر الله ببرهما والإحسان إليهما ، ومن الإحسان إليهما اختيار الطيب من الأقوال عند الحديث إليهما : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً) (الإسراء:23) .

وقد كان كثير من السلف إذا تكلم مع أمه لا يكاد يُسمع من شدة حرصه على خفض صوته تأدبا ، وكان بعضهم يمر كل يوم على أمه فيقول : رحمك الله كما ربيتني صغيرا ، وكان بعضهم يتأدب في الكلام مع والديه كأنه أسير لديهما.

وإننا لنعجب اليوم من حال شباب وفتيات يتعاملون مع الآباء معاملة فظة فيرفعون أصواتهم وينهرونهم ويسيئون إليهم ويؤذونهم بمنطقهم السيىء حتى لو إنسانا رآهم ولم يكن يعلم أن هذا هو الوالد أو أن هذه هي الأم لظن أنهما خادمان يعملان لدى الأبناء من شدة غلظة وقسوة الألفاظ التي يستخدمها بعض الأبناء مع الوالدين.

الزوجان

مما لا شك فيه أن الأساس الذي تبنى عليه البيوت هو الرحمة والمودة: ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21).

فيحتاج الزوجان لاختيار أحسن الألفاظ للتخاطب بها ولإبداء مشاعر الحب والرحمة تجاه بعضها ، وانظر إلى هذا الحديث الحاني بين النبي صلى الله عليه وسلم وأم المؤمنين عائشة حين يقول لها: "إني لأعلم إذا كنت عني راضية ، وإذا كنت علي غضبى" قالت : فقلت : من أين تعرف ذلك ؟ فقال : " أما إذا كنت عني راضية ، فإنك تقولين : لا ورب محمد ، وإذا كنت غضبى ، قلت : لا ورب إبراهيم " . قالت : قلت : أجل والله يا رسول الله ، ما أهجر إلا اسمك. فأي رحمة هذه وأي منطق حسن هذا!!

وحين قال لها صلى الله عليه وسلم: "ذريني أتعبد الليلة لربي" قالت: والله إني لأحب قربك وأحب ما يسرك. فما أحسن الطلب وما أحسن الجواب.

وتشتد حاجة الزوجين إلى هذا الخلق عند ثورة الغضب وسبق اللسان بالخطأ والزلل من أحدهما تجاه الآخر، وما أحسن ما قاله أبو الدرداء رضي الله عنه لزوجته في بداية أمرهما : إن لقيتني غضبان فرضني ، وإن لقيتك غضبى رضيتك، وإلا فلنفترق.

وانظر إلى مالك بن ينار الذي غضبت زوجته يوما فقالت له : يا منافق ، فأحسن التصرف وفوت على الشيطان الفرصة فقال لها : ما عرف اسمي إلا أنت.

هكذا أيها الأحبة ينبغي للمسلم أن يتعهد لسانه وألا يقول إلا خيرا ، وصدق الله القائل:( لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:114) .

نسأل الله أن يوفقنا جميعا لكل خير.

إسلام ويب

Post: #919
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:48 AM
Parent: #893

من المعلوم في ديننا أن من ترك شيئا لله عز وجل عوضه الله خيرا منه ، وهي قاعدة عظيمة تشحذ الهمم وتحث على الزهد في الدنيا وطلب الآخرة ، وعلى البذل في سبيل الله طلبا لثوابه مع اليقين بأن ما يبذله العبد في هذه الدنيا سيعطيه الله خيرا منه ولا شك.ونجد هذا المعنى واضحا جليا في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: " ما نقصت صدقة من مال ، وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا ، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله عز وجل" .(رواه مسلم).

فمن تصدق بورك له في ماله وزاد " ما نقصت صدقة من مال" ، ( وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (سـبأ: من الآية39) ، ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك، عوضه الله انشراحاً في الصدر، وفرحا في القلب؛ ففي العفو من الطمأنينة والسكينة والحلاوة وشرف النفس، وعزها، وترفعها ما ليس شيء منه في المقابلة والانتقام.
" وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزا" ، هذا مع ما ينتظره من الأجر والكرامة بين يدي الله تعالى يوم القيامة كما في الحديث الشريف: " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ".

ومن ترك التكبر والتعالي وتواضع كانت الرفعة والمحبة وعلو المكانة من نصيبه: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله...". وكما في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من ترك اللباس تواضعا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها " .

صهيب الرومي يترك ماله لله

كان صهيب الرومي رضي الله عنه ممن شرح الله صدورهم للإسلام ،وكان يعيش في مكة وبارك الله له في ماله ، فلما أراد الهجرة تبعه نفر من قريش حتى إذا أدركوه قال لهم : والله لقد علمتم أني من أرماكم رجلا ، ووالله لا تصلون إلي حتى أرمي بكل سهم من كنانتي رجلا منكم ، أولا أدلكم على خير من ذلك ؟ مالي بالمكان الفلاني خذوه وخلوا سبيلي ، فرجعوا وهاجر هو إلى الله ورسوله ، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم قال: ربح البيع يا صهيب أبا يحيى ، وفيه نزل قول الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة:207). فهل هناك مقارنة بين ما تركه صهيب رضي الله عنه وبين ما عوضه الله عز وجل؟!!.

وقد ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا الباب وقائع تدل على هذا المعنى ، ومما أورده في ذلك أن رجلا من تيم خرج حاجا فلما جن عليه الليل ورد بعض الماء فوجد امرأة قد وضعت جلبابها ، ونشرت شعرها ، فأعرض عنها ، فقالت: هلم إلي ، لم تعرض عني؟

فقال: إني أخاف الله رب العالمين.فقالت: هبت والله مهابا ، ووضعت جلبابها على جسدها وهي تقول: إن أولى من شركك في الهيبة لمن أراد أن يشركك في المعصية ، ثم ولت فتبعها حتى دخلت خيمة من خيام الأعراب فلما أصبح ذهب إلى مكان الخيمة فوجد رجلا جالسا فسأله عن المرأة فأخبره الرجل أنها ابنته فطلب منه أن يزوجه إياها فوافق الأب بعد أن سأل الرجل عن نسبه وقبيلته ، فانظر أيها الحبيب لحال هذا الرجل الذي ترك الحرام لله فرزقه الله المرأة حلالا.

يقول مالك بن دينار رحمه الله تعالى: جنات النعيم بين الفردوس وجنات عدن ، فيها جوار خلقن من ورد الجنة يسكنها الذين هموا بالمعاصي ، فلما ذكروا الله عز وجل راقبوه فانثنت رقابهم من خشيته.

قصة زواج المبارك والد عبد الله بن المبارك

وهي قصة عجيبة تدل على نفس المعنى ـ أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ـ فقد كان المبارك رقيقا فأعتقه سيده ، وعمل أجيرا عند صاحب بستان ، وفي يوم خرج صاحب البستان ومعه نفر من أصحابه إلى البستان وأمر المبارك أن يحضر لهم رمانا حلوا ، فجمع لهم فلما ذاقه قال للمبارك: أنت ما تعرف الحلو من الحامض؟ فقال المبارك:لم تأذن لي ان آكل حتى أعرف الحلو من الحامض.فظن صاحب البستان أن المبارك يخدعه ، وقال له: أنت منذ كذا وكذا سنة تحرس البستان وتقول هذا؟ثم سأل بعض الجيران عنه فشهدوا له بالخير والصلاح وأنهم ما عرفوا أنه أكل رمانة واحدة ، فجاءه صاحب البستان وقال له إذا أردت أن أزوج ابنتي فممن أزوجها؟ فقال المبارك: إن اليهود يزوجون على المال ، والنصارى يزوجون على الجمال ، والمؤمنين يزوجون على التقوى والدين فانظر من أي الناس أنت؟فقال:وهل أجد لابنتي من هو خير منك؟وعرضها عليه فقبل المبارك وبنى بها ورزق منها أولادا كان منهم عبد الله بن المبارك رحمه الله ، فيا سبحان الله ، عف عن الرمان فسيق إليه البستان وصاحبته ،ومن ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.

قصة الراعي مع عبد الله بن عمر

وهي من أعجب القصص التي تدل على هذا المعنى ، إذ سار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ومعه بعض إخوانه فلقي راعي غنم فقال له ابن عمر: بعنا شاة من هذه الغنم ، فقال : إنها ليست لي إنها لسيدي ، فقال ابن عمر : قل لسيدك أكلها الذئب ، فقال الراعي: فأين الله؟ فبكى ابن عمر رضي الله عنه وظل يردد : فأين الله؟ ثم ذهب إلى سيده فاشتراه وأعتقه ، واشترى الغنم ووهبها له ، فانظر كيف عف عن شاة واحدة فأعتق ووهبت له الشياه كلها!!.

فيا أيها الحبيب: هل أيقنت الآن أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ؟ وهل علمت أن الأمر صبر ساعة ، وأن من يتصبر يصبره الله ومن يستعفف يعفه الله ؟

إن من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً منه، والعوض من الله أنواع مختلفة، وأجل ما يعوض به: الأنس بالله، ومحبته، وطمأنينة القلب بذكره، وقوته، ونشاطه، ورضاه عن ربه تبارك وتعالى، مع ما يلقاه من جزاء في هذه الدنيا، ومع ما ينتظره من الجزاء الأوفى في العقبى ؛ فحري بالعاقل الحازم، أن يتبصّر في الأمور، وينظر في العواقب، وألا يؤثر اللذة الحاضرة الفانية على اللذة الآجلة الدائمة الباقية.
إسلام ويب

Post: #920
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:50 AM
Parent: #893

الجزاء من جنس العمل
إن الله عز وجل قد أودع هذا الكون سننا ثابتة لا تتغير ولا تتبدل ، يُنسج على منوالها نظام هذه الحياة ، فالعاقل اللبيب من يساير سنن الله ولا يصادمها ، ومن هذه القواعد والسنن العظيمة أن الجزاء من جنس العمل.

فجزاء العامل من جنس عمله إن خيرا فخير، وإن شرا فشر: (جَزَاءً وِفَاقاً) (النبأ:26) .

ولو وضعنا هذه القاعدة نصب أعيننا لزجرتنا عن كثير من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، فكما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو نعيم : " كما لا يجتنى من الشوك العنب كذلك لا ينزل الله الفجار منازل الأبرار ، فاسلكوا أي طريق شئتم ، فأي طريق سلكتم وردتم على أهله".

إن العلم بهذه القاعدة هو في المقام الأول دافع للأعمال الصالحة ، ناه عن الظلم ، زاجر للظالمين ومواس للمظلومين.

فلو استحضر الظالم الباغي عاقبة ظلمه وأن الله عز وجل سيسقيه من نفس الكأس عاجلا أو آجلا لكف عن ظلمه وتاب إلى الله وأناب ، ولعل هذا المعنى هو ما أشار إليه سعيد بن جبير رحمه الله حين قال له الحجاج : [اختر لنفسك أي قتلة تريد أن أقتلك ، فقال : بل اختر أنت لنفسك يا حجاج ؛ فوالله لا تقتلني قتلة إلا قتلك الله مثلها يوم القيامة].

ولو أن هذا الذي يهدم بنيان الله ويهدر الدم الحرام بغير حق تدبر الحكمة القائلة : بشر القاتل بالقتل لأحجم عن فعلة عاقبتها الهلكة ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.

ولو أن هذا الفاجر المستهتر الذي يعبث بحرمات الناس وينتهك أعراضهم علم أن عدل الله قد يقضي أن يسلط على عرض أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته من لا يتقي الله فيه ، فينال منه كما نال هو من عرض أخيه لانتهى وانزجر ، وصدق القائل:

يا هاتكا حرم الرجال وقاطعا سبل المودة عشت غير مكرم

لوكنت حرا من سلالة مـاجد ما كنت هتـاكا لحـرمـة مـسلم

من يَزن يُزن به ولو بجداره إن كنت يا هــذا لـبيـبـا فـافـهم

من يزن في بيت بألفي درهم فـفي بيـته يزنى بغـير الـدرهم

ولو أن الوصي على مال اليتيم سول له الشيطان أكله بالباطل فاستحضر قول الله تعالى : (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً) (النساء:9) .

لاتقى الله في مال اليتامى ولحافظ عليهم وعلى أموالهم حتى يحفظ الله ذريته من بعده (جَزَاءً وِفَاقاً).

إن اليقين بهذه القاعدة من قواعد نظام الكون ليمنح وقودا إيمانيا عجيبا لمن سلك سبيل الله تعالى فوجد عقبات أو منغصات أو اضطهادات أو ظلما واستضعافا فيؤزه هذا اليقين بتلكم القاعدة على الصبر والثبات وثوقا بموعود الله الذي يمهل ولا يهمل ، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته.

وقد وردت الأدلة الشرعية الكثيرة التي ترشد إلى هذه القاعدة وتؤكد عليها في مثل قوله تعالى : ( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً . وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء: 123ـ 124)

وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) (لأنفال:36)

وقوله تعالى : ( وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (آل عمران:54)

وقوله ( وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) (النمل:50)

والآيات التي تدل على هذه القاعدة ـ أن الجزاء من جنس العمل ـ كثيرة.

ومن الأدلة عليها من سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالإضافة إلى ما سبق قوله صلى الله عليه وسلم : " احفظ الله يحفظك..." الحديث.

وقوله : " اعمل ما شئت فإنك مجزي به".

وقوله صلى الل عليه وسلم : " اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به ، ومن ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه " .

أمثلة من واقع الحياة

1ـ الخليل إبراهيم عليه السلام

من الأمثلة العملية التي تدل على تحقق هذه القاعد ما كان مع الخليل إبراهيم عليه السلام ،

ذلك الرجل الذي قام بدين الله عز وجل خير قيام فقدم بدنه للنيران وطعامه للضيفان وولده للقربان ،

فإنه لما صبر على البلاء في ذات الله عز وجل وألقاه قومه في النار كان جزاؤه من جنس عمله : (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) (الانبياء:69) .

ولما سلم قلبه من الشرك والغل والأحقاد كان جزاؤه من جنس عمله ( سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ ) (الصافات:109).

ولما هاجر وترك أهله وقرابته ووطنه أسكنه الله الأرض المباركة ، ووهب له من الولد ما تقر به عينه (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ . وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلّاً جَعَلْنَا صَالِحِينَ) (الأنبياء:71ـ 72).

ولما بنى لله بيتا في الأرض يحجه الناس رآه النبي صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور قبلة أهل السماء الذي يطوف به كل يوم سبعون ألف ملك.

ولما صبر الخليل عليه السلام على تجريده من ثيابه على يد الكفار كان جزاؤه من جنس عمله فإن : " أول من يكسى من الخلائق يوم القيامة إبراهيم " . كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

2ـ أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها

زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أحسنت صحبته ، وواسته بنفسها ومالها ، وكانت من السابقين إلى الإسلام ، فقد جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقول له :" بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب فيه ولا نصب " . والقصب هو اللؤلؤ ، فبيتها في الجنة من قصب نظرا لما كان لها من قصب السبق إلى الإسلام ، ثم هو بيت لا صخب فيه ولا نصب ؛ ذلك أنها لم تتلكأ في إجابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما لم تحوجه إلى كلام كثير أو رفع صوت ، فكان جزاؤها من جنس عملها رضي الله عنها وأرضاها.

3ـ النمرود بن كنعان

وعلى الجانب الآخر نرى تحقق نفس القاعدة في أعداء الله الكافرين والمنافقين ، فهذا النمرود بن كنعان الذي قال: أنا أحيي وأميت ، وظل مئات السنين يقول للناس: أنا ربكم الأعلى ويتكبر عليهم ، سلط الله عليه بعوضة دخلت في أنفه ـ والأنف رمز العزة والشموخ ـ ثم تسللت إلى دماغه فسببت له وجعا كان لا يشعر براحة إلا إذا ضربه من حوله بالنعال والمطارق على رأسه ( جزاء وفاقا ).

4ـ عقبة بن أبي معيط
أما عقبة بن أبي معيط ذلك الكافر الذي اشتد إيذاؤه لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد وضع عقبة سلا الجزور على رأس النبي وهو ساجد ، وهو الذي وضع رجله على رأس النبي صلى الله عليه وسلم وهو ساجد حتى ظن النبي أن عينيه ستندران ، فقد مكن الله منه في بدر ووقع أسيرا فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتله ، فقال: علام أقتل من بين مَن هنا ؟ فقيل له على عداوتك لله ورسوله.

5ـ معذبة زنيرة

أما زنيرة رضي الله عنها فقد كانت أمة لدى واحدة من نساء قريش ، شرح الله صدر زنيرة للإسلام فآمنت وشهدت شهادة الحق ، فكانت سيدتها تعذبها وتأمر الجواري أن يضربن زنيرة على رأسها ففعلن حتى ذهب بصر زنيرة ، وكانت إذا عطشت وطلبت الماء قلن لها متهكمات : الماء أمامك فابحثي عنه ، فكانت تتعثر ، ولما طال عليها العذاب قالت لها سيدتها: إن كان ما تؤمنين به حقا فادعيه يرد عليك بصرك ، فدعت ربها فرد عليها بصرها ، أما سيدتها التي كانت تعذبها فقد لاقت شيئا من جزائها في الدنيا ، فإنها أصيبت بوجع شديد في الرأس وكان لا يهدأ إلا إذا ضربت على رأسها ، فظل الجواري يضربنها على رأسها كي يهدأ الوجع حتى ذهب بصرها ، والجزاء من جنس العمل.

نسأل الله الكريم أن يجعل عملنا كله صالحا ولوجهه خالصا وأن يحسن جزاءنا ، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #921
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:52 AM
Parent: #893

المؤمن الذي يتمتع بدرجة عالية من الإحساس والتأثر يبقى حي القلب، مرهف الحس، وينعكس ذلك على سلوكه، بتفاعله مع ما يجري حوله، وانفعاله بما يثير ويحرك فيغضب لله، ويفرح لنصرة دين الله، ويتمعر وجهه إذا انتهكت حرمات الله، ويهتم لحال عباد الله وسطوة أعداء الله .. والفاقد لهذا الخلق: تراه بليداً جامداً، ميت الشعور، خامل الإحساس، يتلقى كل ما يجري حوله بفتور، إلا أن يكون أمراً يمس مصالحه الشخصية، فيثور له ويغضب، ويهتم لأجله ويسعى، وهل أمر نفسه أولى عنده من أمور جميع المسلمين؟ وهل مصيبته في نفسه أشد عليه من كل مصائب المسلمين؟

إن صاحب (الإحساس والتأثر) يراعي مشاعر إخوانه، ويحترمها، ويحذر أن يمسها بسوء، يروى أن أبا سفيان ـ في هدنة صلح الحديبية ـ قبل إسلامه، مر على سلمان وصهيب وبلال، فأرادوا أن يسمعوه قولاً يغيظه، فقالوا: والله ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها. فاستنكر عليهم أبو بكر ما قالوا، وقال لهم: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم؟ وذهب أبو بكر فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بما جرى، فكان أول أمر أهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تساءل عن مشاعرهم تجاه ما صدر من أبي بكر، فقال له: يا أبا بكر! لعلك أغضبتهم؟ لئن كنت أغضبتهم، لقد أغضبت ربك، فأتاهم أبو بكر يسترضيهم، ويستعطفهم، قائلاً: يا إخوتاه! أغضبتكم؟ قالوا: لا . يغفر الله لك.

يا أخي حين تكون هذه الصورة نموذجاً يحتذى في العلاقات بين الإخوة تتحقق فينا أخوة الإسلام بأسمى صورها.

ومن علامات حياة القلب، والتفكير في الآخرين، والاهتمام بأمورهم، أن يحزن المؤمن لحزن من يحب، ومن الصور البارزة لهذه المشاركة الشعورية: أن رسول الله صلى الله وسلم شاور أصحابه في أسرى بدر، فرأى عمر أن يقتلوا ورأي أبو بكر أن يعتبروا أسرى، ويؤخذ منهم الفداء، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رأي أبي بكر، فلما نزلت الآية في اليوم التالي: (ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم) [ الأنفال: 67]. وتشير الآية التي تليها إلى أنه كان سيمسهم عذاب لذلك: ( لولا كتاب من الله سبق لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم) [ الأنفال: 68].

فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم يبكي، وأبو بكر يبكي معه، ووجدهما عمر على هذا الحال فقال: يا رسول الله! أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك؟ فإن وجدت بكاء بكيت، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء، لقد عرض علي عذابهم أدنى من هذه الشجرة ..."

وحين أذن الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بزيارة قبر أمه، ( بكى هناك، وأبكى من حوله ) من الصحابة، ولما زار رسول الله صلى الله عليه وسلم سعد بن عبادة - وهو يحتضر – فرأى ما غشيه من نزع الروح، بكى (فلما رأى القوم بكاء النبي صلى الله عليه وسلم بكوا) وبذلك نرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان رقيق القلب، سريع الدمعة، بالغ التأثر، قوي الإحساس، وكذلك كان الصحابة من حوله ، فكيف نجد قلوبنا من بعدهم؟

ومن شواهد هذا الإحساس، وذلك التأثر، في مجتمع المسلمين، أن امرأة من الأنصار، لما علمت حزن عائشة، لما رميت به من حديث الإفك، ذهبت إليها، وجلست تبكي معها.

فهل يطيب لك يوم، وأنت تعلم أن أخاً لك في محنة؟ إذا وجدت مصائب إخوانك تمر على مشاعرك دون أن تحركها، وتعبر أمام عينيك ولا تدمعها، فاعلم أن قلبك بحاجة إلى جلاء وإحياء.

ومن أبرز ما يتمثل فيه خلق ( الإحساس والتأثر ) : حزن المرء على نفسه إذا أذنب، وندمه على ما اجترح، بحيث يدفعه ذلك إلى التوبة. يروى أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت نذرت أن تهجر ابن أختها عبد الله بن الزبير، ثم تم الإصلاح بينهما ( .... وكانت تذكر نذرها بعد ذلك، فتبكي، حتى تبل دموعها خمارها) لحزنها على ما نذرت من هجره، ثم يأتي على الناس زمان، يفعلون فيه الموبقات وهي أدق في عيونهم من الشعر؛ لاستصغارهم ما فعلوا، ويفعل أحدهم الذنب، فلا يتأثر له إلا كما يتأثر من وقفت على أنفه ذبابة فهشها بيده، وانتهى كل شيء. إن هذا لدليل ضعف الإيمان، أما حياة القلب فهي علامة الإيمان، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: ".. من سرته حسنته، وساءته سيئته فذلكم المؤمن" ومثل هذا يأتي آمنا من عذاب الله في الآخرة؛ لخوفه من ذنبه في الدنيا، قال أبو أيوب الأنصاري: (.. وإن الرجل ليعمل السيئة فلا يزال منها مشفقاً، حتى يلقى الله آمنا) . وقد جاء في وصية لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوله: "..وابك على خطيئتك".

وأول علامات حياة القلب: الشعور بالخطأ، ثم الشعور بالندم، ثم البكاء، ولا يبكي من لم يندم، ولا يندم من لم يشعر بعظم ذنبه.

إن التأثر بالمواقف التي تستدعي الشفقة والرحمة، صورة من صور هذا الخلق، ومن ذلك أن أبا أيوب الأنصاري رأى امرأة في السبي تبكي؟ فعلم أنه فرق بينها وبين ولدها، فجاءها بولدها فاعترض عليه أميره عبد الله بن قيس؟ وقال له: ما حملك على ما صنعت؟ . قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من فرق بين والدة وولدها، فرق الله بينه وبين الأحبة يوم القيامة".

إنه التأثر لما قد يقع من ظلم ـ حتى على غير المسلمين.

ومثل ذلك التأثر بالمواقف، التي تستدعي السخط على الظلم والظالمين، فقد ورد أن بعض الصحابة، أرادوا المرور بديار أصحاب الحجر، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " لا تدخلوا على هؤلاء القوم المعذبين إلا أن تكونوا باكين، فإن لم تكونوا باكين، فلا تدخلوا عليهم، لا يصيبكم ما أصابهم".

ومن المواقف التي تقتضي التأثر: رؤية ما يغضب الله، أو ينفر الناس من الدعوة، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم طول صلاة إمامه، يقول أبو مسعود الأنصاري: ( فما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في موعظة أشد غضباً من يومئذ).

والحري بأن يكون أكثر الناس إحساساً بإخوانه، وتأثراً لما يحبه الله أو يبغضه، ولما يفرح المؤمنين أو يغيظهم، الحري بذلك أكثر من غيره، من كان أكثر علماً، فمزيد العلم يزيد الخشية، فإذا لم يتفاعل المرء مع ما يتعلم، لم يرق قلبه، ولم يخشع، وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ولذلك لو وصل علمنا، إلى ما وصل إليه علم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لضحكنا قليلاً، ولبكينا كثيراً، وقد كان الصالحون من سلف الأمة يتعهدون قلوبهم، فيقارنون بين حقيقة حالهم، ومحتوى أقوالهم، يقول إبراهيم التيمي:( ما عرضت قولي على عملي، إلا خشيت أن أكون مكذباً).

إن القلوب إذا طال عليها الأمد قست، وإذا ذكرت لانت ورقت وتأثرت وشفت، وذلك حال المؤمنين حقا: ( ... إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً ...) [ الأنفال: 2].

(إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون) [ الأعراف: 201].

بينما إخوان الشياطين الذين ماتت قلوبهم (... يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) [ الأعراف: 202].

إن هذا الدين بحاجة إلى من يتبنى همومه، ويحمل مسؤوليته، ويشعر بخطورة دوره، وليس بحاجة إلى أبواق رنانة، وأصوات طنانة، فليست النائحة الثكلى كالمستأجرة. فتعهد حساسية قلبك نحو حالك مع الله، وأحوال المسلمين.. فإذا سرك الخير وأفرحك، وساءك الشر وأهمك فأنت مؤمن، حي القلب، يقظ المشاعر.
محمود الخزندار رحمه الله

Post: #922
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:53 AM
Parent: #893

إن الكسل آفة عظيمة تعود على الأفراد والمجتمعات بالعواقب الوخيمة فهو يهدم الشخصية ، ويذهب بنضارة العمر ، ويؤدي بصاحبه إلى الإهمال والتأخر في ميادين الحياة الفسيحة.

من أجل هذا فإن المؤمنين الصادقين يكرهون الكسل ويحتقرونه، ويستعيذون بالله منه، ويدعون بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم: " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال".

الكسل انسلاخ من الإنسانية:
قال الإمام الراغب رحمه الله: من تعطّل وتبطّل انسلخ من الإنسانية، بل من الحيوانية وصار من جنس الموتى.

ومن تعود الكسل ومال إلى الراحة فقد الراحة، وقد قيل: إن أردت ألا تتعب فاتعب حتى لا تتعب ، وقيل أيضا: إياك والكسل والضجر ، فإنك إن كسلت لم تؤد حقا، وإن ضجرت فلن تصبر على الحق.

ولأن الفراغ يبطل الهيئات الإنسانية، فكل هيئة، بل كل عضو تُرك استعماله يبطل، كالعين إذا غمضت، واليد إذا تعطلت، ولذلك وضعت الرياضات في كل شيء.

ولما جعل الله للحيوان قوة التحرك لم يجعل له رزقا إلا بسعي منه لئلا تتعطل فائدة ما جعل له من قوة التحرك، ولما جعل للإنسان قوة الفكر ترك من كل نعمة أنعمها عليه جانبا يصلحه هو بفكرته لئلا تتعطل فائدة الفكرة ، فيكون وجودها عبثا.

وكما أن البدن يتعود على الرفاهية بالكسل، كذلك النفس تتعود بترك النظر والتفكر، مما يجعلها تتبلد...وترجع إلى رتبة البهائم.وإذا تأملت قول النبي صلى الله عليه وسلم: " سافروا تغنموا" ونظرت إليه نظرا عاليا علمت أنه حثك على التحرك الذي يثمر لك جنة المأوى ، ومصاحبة الملأ الأعلى ، بل مجاورة الله تعالى.

القرآن يشنع على الكسالى:
لقد ذم الله تعالى الكسل والتباطؤ وجعلهما من صفات المنافقين.
قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعًا، وإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا،وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ الله لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُن بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا}.

فقد دعا الله المؤمنين في هذا النص إلى أن ينفروا مجاهدين في سبيل الله ثبات – أي جماعات متفرقة – أو جميعا – أي عصبة واحدة في نفير عام – وذلك حسب مقتضيات المصلحة. وأنحى باللائمة على المبطئين ، وهم من المنافقين الموجودين في صفوف المؤمنين ، فهم فريق طلاب مغانم ، ولكنهم غير مستعدين أن يبذلوا أي جهد في سبيل الله ، فإذا دعا الداعي إلى الجهاد تباطؤوا ولم يخرجوا ، فإذا نال المجاهدين مكروه فرحوا هم بالسلامة ، وإذا ظفر المجاهدون وغنموا ندموا هم وتحسروا على أنفسهم ، وقال قائلهم : يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما، ويعتبر الغنيمة هي الفوز العظيم ؛ لأنه منافق لا يؤمن باليوم الآخر ، ولا يسعى للفوز فيه، ولو كان مؤمنا حقا لتوقد إيمانه حرارة فنفى عنه التباطؤ والتكاسل ، وخرج إلى القتال في سبيل الله ورجا الشهادة والأجر عند الله.

وقال الله تعالى في سورة النساء: ( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا).

وقال الله تعالى في سورة التوبة: ( قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين. وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون).

فقد ذم الله المنافقين بأنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا وهم كسالى، فمن كان فيه هذا الوصف من المؤمنين كانت فيه صفة من صفات أهل النفاق.

وعلة المنافقين أنهم غير مؤمنين بفائدة الصلاة وجدواها، لذلك فهم إذا اضطرهم نفاقهم أن يقوموا إليها مسايرة للمؤمنين، وحتى لا ينكشف نفاقهم، قاموا إليها متباطئين كسالى.

بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم يقومون إلى الصلاة بهمة ونشاط، ورغبة صادقة، ولذلك وصف المؤمنين بأنهم يقومون إلي التهجد في الليل أو إلي صلاة الفجر تتجافى جنوبهم عن المضاجع ،وهذا عنوان مصارعة همتهم لحاجة أجسادهم إلى الراحة والنوم، فقال تعالى في سورة السجدة : ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون . فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون).

التكاسل عن العبادات من وساوس الشيطان :
ولما كان الشيطان عدوا للإنسان، وكان يكره منه الإيمان وعبادة الله والأعمال الصالحة، كان من وسائله تثبيط الهمم عن العبادة، والوسوسة بما يميل بالنفس إلى الكسل.

ومن أعماله أنه يعقد على قافية رأس الإنسان إذا هو نام ، ليمنعه من اليقظة والنهوض إلى عبادة الله في جوف الليل. وقافية الرأس قفا الرأس ومؤخره . روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد ، يضرب على كل عقدة : عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. فإن توضأ انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقدة ، فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان".

فهي عقد كسل مضروب عليها بوساوس شيطانية، ومتى تراكمت على الإنسان صارت خبلا، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الخبل المقعد عن النشاط والهمة إلى طاعة الله وعبادته بأنه أثر خبيث من آثار وساوس الشيطان.

فقد روى البخاري ومسلم عن بن مسعود قال : ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل ، فقيل له : ما زال نائما حتى أصبح ، ما قام إلى الصلاة قال : " ذلك رجل بال الشيطان في أذنه" أو قال : " في أذنيه".

فمن لطائف التوجيه الإسلامي ربط الكسل وظواهره بالشيطان ، وتربية المسلمين على مدافعة كل ظواهر الكسل.

الكسل دليل هوان النفس:
إن الإنسان في هذه الحياة إذا ركن إلى الراحة والدعة والخمول هان على نفسه وعلى الآخرين ، فالكسل حلقات متتالية ، فمن كسل عن شيء جره ذلك إلى الكسل عن آخر وثالث ورابع حتى يلتحق بالأموات وهو يمشي على الأرض، ولربما تكاسل عن أسباب المعاش فلجأ إلى سؤال الناس فكان دنيئا.

وهذه الشريعة الغراء تربي أبناءها على العزة والاستغناء والعفة ، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : "لأن يغدو أحدكم فيحتطب على ظهره ، فيتصدق به ويستغني به من الناس ، خير له من أن يسأل رجلا أعطاه أو منعه ذلك ، فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى ، وابدأ بمن تعول".
إسلام ويب

Post: #923
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:56 AM
Parent: #893

حسن الظن .. راحة للقلب
ليس أريح لقلب العبد في هذه الحياة ولا أسعد لنفسه من حسن الظن، فبه يسلم من أذى الخواطر المقلقة التي تؤذي النفس، وتكدر البال، وتتعب الجسد.

إن حسن الظن يؤدي إلى سلامة الصدر وتدعيم روابط الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع، فلا تحمل الصدور غلاًّ ولا حقدًا ، امتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا...".

وإذا كان أبناء المجتمع بهذه الصورة المشرقة فإن أعداءهم لا يطمعون فيهم أبدًا، ولن يستطيعوا أن يتبعوا معهم سياستهم المعروفة: فرِّق تَسُد ؛ لأن القلوب متآلفة، والنفوس صافية.

من الأسباب المعينة على حُسن الظن:

هناك العديد من الأسباب التي تعين المسلم على إحسان الظن بالآخرين، ومن هذه الأسباب:

1) الدعاء:

فإنه باب كل خير، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه أن يرزقه قلبًا سليمًا.

2) إنزال النفس منزلة الغير:

فلو أن كل واحد منا عند صدور فعل أو قول من أخيه وضع نفسه مكانه لحمله ذلك على إحسان الظن بالآخرين، وقد وجه الله عباده لهذا المعنى حين قال سبحانه: {لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً} [النور:12]. وأشعر الله عباده المؤمنين أنهم كيان واحد ، حتى إن الواحد حين يلقى أخاه ويسلم عليه فكأنما يسلم على نفسه: {فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ} [النور:61].

3) حمل الكلام على أحسن المحامل:

هكذا كان دأب السلف رضي الله عنهم. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً".

وانظر إلى الإمام الشافعي رحمه الله حين مرض وأتاه بعض إخوانه يعوده، فقال للشافعي: قوى لله ضعفك، قال الشافعي: لو قوى ضعفي لقتلني ، قال: والله ما أردت إلا الخير. فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.فهكذا تكون الأخوة الحقيقية إحسان الظن بالإخوان حتى فيما يظهر أنه لا يحتمل وجها من أوجه الخير.

4) التماس الأعذار للآخرين:

فعند صدور قول أو فعل يسبب لك ضيقًا أو حزنًا حاول التماس الأعذار، واستحضر حال الصالحين الذين كانوا يحسنون الظن ويلتمسون المعاذير حتى قالوا: التمس لأخيك سبعين عذراً.

وقال ابن سيرين رحمه الله: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا ، فإن لم تجد فقل: لعل له عذرًا لا أعرفه.

إنك حين تجتهد في التماس الأعذار ستريح نفسك من عناء الظن السيئ وستتجنب الإكثار من اللوم لإخوانك:

تأن ولا تعجل بلومك صاحبًا .. ... .. لعل له عذرًا وأنت تلوم

5) تجنب الحكم على النيات:

وهذا من أعظم أسباب حسن الظن؛ حيث يترك العبد السرائر إلى الذي يعلمها وحده سبحانه، والله لم يأمرنا بشق الصدور، ولنتجنب الظن السيئ.

6) استحضار آفات سوء الظن:

فمن ساء ظنه بالناس كان في تعب وهم لا ينقضي فضلاً عن خسارته لكل من يخالطه حتى أقرب الناس إليه ؛ إذ من عادة الناس الخطأ ولو من غير قصد ، ثم إن من آفات سوء الظن أنه يحمل صاحبه على اتهام الآخرين ، مع إحسان الظن بنفسه، وهو نوع من تزكية النفس التي نهى الله عنها في كتابه: {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32].

وأنكر سبحانه على اليهود هذا المسلك: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً} [النساء:49].

إن إحسان الظن بالناس يحتاج إلى كثير من مجاهدة النفس لحملها على ذلك، خاصة وأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، ولا يكاد يفتر عن التفريق بين المؤمنين والتحريش بينهم، وأعظم أسباب قطع الطريق على الشيطان هو إحسان الظن بالمسلمين.

رزقنا الله قلوبًا سليمة، وأعاننا على إحسان الظن بإخواننا، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #924
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 00:58 AM
Parent: #923

حين يعد الإنسان وعدا يجب عليه أن يوفي ، وحين يعلن إلزام نفسه بشيء، أو يقطع على نفسه عهدا أو ميثاقا سواء فيما بينه وبين الناس أو فيما بينه وبين الله عز وجل ثم لا يفي بهذا فإنه عندئذ يكون ناقضا للعهد.

إن نقض العهد ليس من شيم المؤمنين الصالحين، بل هو من صفات الفاسقين والمنافقين قال الله تعالى: ( وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين).( الأعراف/102)

وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من ذلك أشد التحذير فقال: " أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خلة منهن كانت فيه خلة من نفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب ، وإذا عاهد غدر، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر". متفق عليه.

بل عد رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان متصفا بهذه الصفة الذميمة ممن ذهبت مروءتهم ودينهم فقال:" لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له ". رواه أحمد.

وقال ابن الجوزي رحمه الله: إن نقض العهد من صفات الفاسقين.

وإن هؤلاء الذين ينقضون عهودهم سيجدون عقوبة ذلك في يوم من الأيام،قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى:ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي ، والنكث ، والمكر، وقرأ ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر/43) ، ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) ( يونس/23) ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) ( الفتح/10).

وقال ابن عطية في تفسير آية الفتح هذه (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) قال: إن من نكث يعني نقض العهد فإنما يجني على نفسه ، وإياها يهلك ، فنكثه عليه لا له.

نقض العهد حرام وكبيرة:

لقد حرم الله على المؤمنين نقض العهود ، وأوجب عليهم الوفاء بها فقال: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا). (الإسراء/34).

وقال: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). (المائدة/1)

وهناك الكثير من الأدلة على وجوب الوفاء بالعهد وعدم نقضه، ولهذا عد بعض العلماء نقض العهود من الكبائر، ومن هؤلاء العلماء :

الإمام الذهبي رحمه الله حيث قال: الكبيرة الخامسة والأربعون: الغدر وعدم الوفاء بالعهد.

ومنهم الإمام ابن حجر رحمه الله، فقد عدها أيضا من الكبائر، وقال : عَدُّ هذا من الكبائر هو ما وقع في كلام غير واحد.

وقال الإمام ابن عطية رحمه الله : إن كل عهد جائز بين المسلمين نقضه لا يحل.

عواقب نقض العهود :

إن لنقض العهود عواقب سيئة على الأفراد والمجتمعات ، فهو يؤدي إلى الخلاف والشقاق ، ويزرع العداوات والأحقاد ، وينزع الثقة بين أفراد المجتمع، كما يؤدي إلى فقدان الآخرين ثقتهم في هذا المجتمع ، فضلا عن ذلك فقد توعد الله من كانت ناقضا للعهد بالعديد من العقوبات ، ومنها :

1- اللعنة وقسوة القلب:

فقد ذكر الله عن طائفة من بني إسرائيل أنهم لما نقضوا عهد الله أصابتهم اللعنة: ( فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم...) ( المائدة/13) ، قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : إن من نقض العهد الذي أبرمه يضر نفسه كما أنه يجر على نفسه اللعن.

2- الخسران العظيم في الدنيا والآخرة:

قال الله عز وجل: ( الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون). (البقرة/27).

إنها خسارة حقيقية في الدنيا والآخرة ، وهذا ما لفت الأنظار إليه الحافظ ابن حجر رحمه الله حين قال: كان عاقبة نقض قريش العهد مع خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم أن غزاهم المسلمون حتى فتحوا مكة، واضطروا إلى طلب الأمان، وصاروا بعد العزة والقوة في غاية الوهن إلى أن دخلوا في الإسلام.

3- انتشار القتل وتسلط الأعداء :

وهذه من العقوبات العاجلة التي تصاب بها المجتمعات حين يفشو فيها نقض العهد ، وهو ما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم". رواه ابن ماجة وصححه الألباني.

وقال أيضا عن بعض العقوبات التي تصاب بها الأمة حين ترتكب بعض المعاصي:

" ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم". ابن ماجة وغيره.

4- الفضيحة يوم القيامة والعذاب الشديد:

أما الفضيحة فلأن الغادر ينصب له لواء يوم القيامة يقال: هذه غدرة فلان . وأما العذاب الشديد فلأن الله عز وجل يقول: (والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقة ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار). (الرعد/25).

5- الناقضون للعهد شرار الخلق عند الله :

قال الله تعالى: ( إن شر الدواب عند الله الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين. عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم لا يتقون). (الأنفال/55-56).

قال الإمام ابن كثير رحمه الله :

أخبر الله تعالى أن شر ما دب على وجه الأرض هم الذين كفروا فهم لا يؤمنون الذين كلما عاهدوا عهدا نقضوه، وكلما أكدوه بالأيمان نكثوه، وهم لا يخافون الله في شيء ارتكبوه من الآثام.

لقد حذر الإسلام من نقض العهد حتى مع الأعداء فرأينا من المسلمين الصالحين في هذا الباب عجبا ، فعن عمرو بن عبسة رضي الله عنه قال : كان معاوية يسير في أرض الروم – وكان بينه وبينهم أمد – فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول: الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحل عقدة ولا يشدها حتى يمضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء ". فبلغ ذلك معاوية فرجع.

ونختم بما قاله الحافظ ابن حجر رحمه الله:

الغدر حرمته غليظة لا سيما من صاحب الولاية العامة ، لأن غدره يتعدى ضرره إلى خلق كثير ، ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء.ا.هـ.

فاللهم أعنا على الوفاء،ولا تجعلنا من ناقضي العهود،وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
اسلام ويب

Post: #925
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:00 AM
Parent: #924

مما لا شك فيه أن الأخلاق الرذيلة هي معاول هدم وتدمير للأفراد والمجتمعات ، فمهما انحرف الأفراد والمجتمعات عن مكارم الأخلاق ، وشاعت فيهم الأمراض والأوبئة المتمثلة في مساوئ الأخلاق تعرضت هذه المجتمعات للتفكك والانهيار مما يهدد وجودها واستمرارها.

ومن أعظم المفاسد الأخلاقية التي يتعرض لها الأفراد والمجتمعات الغرور، ذلك الداء الذي يدل على نقصان الفطنة وطمس نور العقل والبصيرة ، فينخدع العبد بما آتاه الله من أسباب القوة والجمال وحطام الدنيا الفاني ؛ فيتعالى على الناس ويتكبر، ثم يتكبر على ربه وخالقه ومولاه ، فلا يخضع له ولا يقوم بواجب العبودية ، بل يسير وراء شهواته ونزواته غير عابئٍ بنظر الله إليه ، غير مكترث بالناس من حوله، فقد زينت له نفسه ، وبررت له الأخطاء ، والله عز وجل يقول: (يَا أَيُّهَا الْأِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ) (الانفطار:6-7 )

يعني: ما خدعك وسوّل لك ؟ وكيف اجترأت على ربك فأضعت ما وجب عليك ، وارتكبت ما حرم عليك ، وهذا توبيخ وتبكيت للعبد المغرور الذي سكنت نفسه إلى ما يوافق هواها ولو كان فيه ما يغضب الرب تبارك وتعالى.

بين الغرور والجهل:

إن أحد الأسباب الباعثة على تمكن هذه الآفة من النفوس هو الجهل، الجهل بحقيقة النفس، والجهل بحقيقة الحياة، والجهل بصفات الرب جل وعلا، فإذا جهل الإنسان كل هذه المعاني رفع نفسه فوق قدرها ، وترفع على الخلق ، وتكبر على الله فصار من المغرورين.

أنواع الغرور:

ذكر بعض العلماء أن الغرور أنواع، وهي متفاوتة، يقول الغزالي رحمه الله : أظهر أنواع الغرور وأشدها غرور الكفار وغرور العصاة والفُسّاد.

ثم ذكر رحمه الله ما ملخصه:

المثال الأول: غرور الكفار ، فمنهم من غرته الحياة الدنيا، ومنهم من غره بالله الغرور، أما الذين غرتهم الحياة الدنيا فهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة " والمراد بالنقد البيع المعجل ، والنسيئة هي البيع الآجل" والدنيا نقد والآخرة نسيئة ، فالدنيا إذن خير من الآخرة فلا بد من إيثارها . وقالوا أيضا: اليقين خير من الشك ولذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك فلا نترك اليقين للشك. وعلاج هذا الغرور إما بتصديق الإيمان وإما بالبرهان.

فأما التصديق بالإيمان فهو أن يصدق الله تعالى في قوله:

( ما عندكم ينفد وما عند الله باق). وقوله عز وجل: ( وللآخرة خير لك من الأولى) .

وأما المعرفة بالبيان والبرهان فهو أن يعرف وجه فساد هذا القياس الذي نظمه في قلبه الشيطان وهذا القياس الذي نظمه الشيطان فيه أصلان: أولا: أن النقد خير من النسيئة وأن الدنيا نقد والآخرة نسيئة ..فهذا محل التلبيس لأن الأمر ليس كذلك بل إن كان النقد مثل النسيئة في المقدار والمقصود فهو خير، وإن كان أقل منها فالنسيئة خير ، ولذلك فإن الكافر المغرور يبذل في تجارته درهما ليأخذ عشرة نسيئة ..ولا يقول النقد خير من النسيئة فلا أتركه ، والإنسان إذا حذّره الطبيب الفواكه ولذائذ الأطعمة ترك ذلك في الحال خوفا من ألم المرض في المستقبل . ثانيا: أن اليقين خير من الشك فهذا القياس أكثر فسادا من الأول ، إذ اليقين خير من الشك إذا كان مثله ، وإلا فالتاجر في تعبه على يقين، وفي ربحه على شك، والمتفقّه في جهاده على يقين وفي إدراكه رتبة العلم على شك ، والصياد في تردده في المقتنص على يقين ، وفي الظفر بالصيد على شك .

وهذا القياس الخاطئ يتيقّن منه المؤمن وليقينه مدركان. أحدهما : الإيمان والتصديق وتقليدا للأنبياء والعلماء ، وذلك أيضا يزيل الغرور وهو مُدرك يقين العوام وأكثر الخواص، ومثالهم مثال مريض لا يعرف دواء علته وقد اتفق الأطباء على أن دواءه النبت الفلاني ، فإن المريض تطمئن نفسه إلى تصديقهم ولا يطالبهم بتصحيح ذلك بالبراهين الطيبة ، بل يثق بقولهم ويعمل به. والخلاصة : أن غرور الشيطان بأن الآخرة شك ، يُدفع إما بيقين تقليدي، وإما ببصيرة ومشاهدة من جهة الباطن، والمؤمنون بألسنتهم وعقائدهم إذا ضيعوا أوامر الله تعالى وهجروا الأعمال الصالحة ولابسوا الشهوات والمعاصي فهم مشاركون للكفار في هذا الغرور لأنهم آثروا الحياة الدنيا على الآخرة إلا أن أمرهم أخف لأن أهل الإيمان يعصمهم من عقاب الأبد فيخرجون من النار ولو بعد حين. ومجرد الإيمان لا يكفي للفوز ، قال تعالى: ( وإني لغفار لمن تاب و آمن وعمل صالحا ثم اهتدى).

والمثال الثاني : غرور العصاة من المؤمنين...بقولهم : إن الله كريم وإنا نرجو عفوه ، واتكالهم على ذلك وإهمالهم الأعمال، وتحسين ذلك بتسمية تمنيّهم واغترارهم رجاء وظنهم أن الرجاء مقام محمود في الدين، وأن نعمة الله واسعة ورحمته شاملة ويرجونه بوسيلة الإيمان. فإن قلت فأين الغلط في قولهم هذا، وقد قال المولى أنا عند ظن عبدي بي ، فليظن بي خيرا، فهذا كلام صحيح مقبول في الظاهر ولكن اعلم أن الشيطان لا يغوي الإنسان إلا بمثل هذا، ولولا حسن الظاهر لما انخدع به القلب، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كشف عن ذلك فقال: " الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله " وهذا التمني على الله غّير الشيطان اسمه فسماه رجاء حتى خدع به الجهال ، وقد شرح الله الرجاء فقال: ( إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله). يعني أن الرجاء بهم أليق ، لأن ثواب الآخرة أجر وجزاء على الأعمال فقد قال تعالى: ( وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) فلو أن شخصا استؤجر لإصلاح شيء وشرُط له أجرة ، وكان الشارط كريما بما يفي بالوعد ويزيد عليه ، فجاء الأجير وأخذ هذا الشيء ثم جلس ينتظر الأجر بزعم أن المستأجر كريم ، أفيرى العامل ذلك تمنيا وغرورا أم رجاء؟

وهذا للجهل بالفرق بين الرجاء والغرور ، وقد قيل للحسن : قوم يقولون نرجو الله ويضيعون العمل ، فقال: هيهات هيهات تلك أمانيهم يترجحون فيها،من رجا شيئا طلبه ومن خاف شيئا هرب منه.

فإن قلت فأين مظنة الرجاء وموضعه المحمود: فاعلم أنه محمود في موضعين:

أحدهما في حق العاصي المنهك إذا خطرت له التوبة فيقنطه الشيطان ، هنا يقمع القنوط بالرجاء ، ويتذكر قوله تعالى: ( إن الله يغفر الذنوب جميعا). فإذا توقع المغفرة مع التوبة فهو راج.

ثانيهما: في حق من تغتر نفسه عن فضائل الأعمال ويقتصر على الفرائض ، فيرجّي نفسه نعيم الله تعالى وما وعد به الصالحين حتى ينبعث من رجائه نشاط العبادة فيقبل على الفضائل ويتذكر قوله تعالى : ( قد أفلح المؤمنون) إلى قوله تعالى: ( الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون).

المثال الثالث: غرور طوائف لهم طاعات ومعاص إلا أن معاصيهم أكثر، وهم يتوقعون المغفرة ويظنون أنهم بذلك تترجح كفة حسناتهم ، مع أن ما في كفة السيئات أكثر، وهذا غاية الجهل ، فترى الواحد يتصدق بدراهم من الحلال والحرام وما يتناوله من أموال المسلمين أضعاف ذلك ويظن أن إنفاق عشرة في الصدقة يكفرّ عن مائة من مشبوه المال، وذلك غاية في الجهل والاغترار.

الفرق بين الثقة بالله والغرور والعجز:

قال ابن القيم: الفرق بينهما : أن الواثق بالله قد فعل ما أمره الله به ، ووثق بالله في طلوع ثمرته وتنميتها وتزكيتها كغارس الشجرة وباذر الأرض ، والمغتر العاجز قد فرط فيما أُمر به ، وزعم أنه واثق بالله ، والثقة إنما تصح بعد بذل المجهود.

وقال رحمه الله : إن الثقة سكون يستند إلى أدلة وأمارات يسكن القلب إليها فلكما قويت تلك الأمارات قويت الثقة واستحكمت ولا سيما على كثرة التجارب وصدق الفراسة.

وأما الغرة فهي حال المغتر الذي غرته نفسه وشيطانه وهواه وأمله الخائب الكاذب بربه حتى أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ، والغرور ثقتك بمن لا يوثق به وسكونك إلى من لا يُسكن إليه ورجاؤك النفع من المحل الذي لا يأتي بخير كحال المغتر بالسراب.

ومن أعظم الغرة أن ترى المولى عز وجل يُتابع عليك نعمه وأنت مقيم على ما يكره ، فالشيطان وكّل بالغرور ، و طبع النفس الأمارة الاغترار ، فإذا اجتمع الرأي والبغي والشيطان الغرور والنفس المغترة لم يقع هناك خلاف " في حدوث الغِرة" فالشياطين غروا المغترين بالله وأطمعوهم – مع إقامتهم على ما يسخط الله ويبغضه – في عفوه وتجاوزه ، وحدثوهم بالتوبة لتسكن قلوبهم ثم دافعوهم بالتسويف حتى هجم الأجل فأُخذوا على أسوأ أحوالهم وقال تعالى في هؤلاء: ( وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور). وأعظم الناس غرورا بربه من إذا مسه الله برحمة منه وفضل قال" هذا لي " أي أنا أهله وجدير به ومستحق له ثم قال" وما أظن الساعة قائمة" فظن أنه أهلٌ لما أولاه من النعم مع كفره بالله، ثم زاد في غروره فقال" ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى" يعني الجنة والكرامة وهكذا تكون الغرة بالله ، فالمغتر بالشيطان مغتر بوعوده وأمانيه وقد ساعده اغتراره بدنياه ونفسه فلا يزال كذلك حتى يتردى في آبار الهلاك.

فيا أيها العبد الضعيف : إن الله عز وجل حذرك من الوصول إلى هذا الحال ، وأعلمك بقرب وقوفك بين يديه للحساب والجزاء في يوم تشيب لهوله الولدان (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان:33) .

فإياك إياك أن تكون بالله مغرورا واستحضر قول عبد الله بن مسعود : ما منكم من أحد إلا وسيخلو الله به يوم القيامة ، فيقول له : يا ابن آدم ما غرك بي؟ يا ابن آدم ماذا عملت فيما علمت؟

نسأل الله أن يرزقنا البصيرة وأن يصلحنا ظاهرا وباطنا وأن يقينا شر الغرور.
إسلام ويب

Post: #926
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:02 AM
Parent: #893

إنه لا بد للإنسان في هذه الحياة أن يخالط الناس، فحوله الجيران والأقارب ، وهناك الزملاء في قاعات الدراسة، وهناك آخرون في أماكن العمل.

وبحكم هذه المخالطة مع أنواع مختلفة وأنماط متباينة فإنه لا بد وأن يصدر من بعض الناس شيء من الإساءة يقل أو يكثر ، بقصد أو بغير قصد ، فلو تخيلنا أن كل إساءة ستُقابَل بمثلها لتحولت المجتمعات إلى ما يشبه الغابات، ولتخلى الناس عن خصال الخير، ولغدوا بلا ضوابط ولا روابط.

وحتى لا يتحول مجتمع المسلمين إلى ما يشبه هذه الصورة المنفرة فقد أمر الله تعالى عباده المؤمنين بأن يدفعوا السيئة بالحسنة : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ). (فصلت:34).

ولا شك أن الخصلة التي هي أحسن من رد السيئة بمثلها إنما هي العفو والإحسان ، أو الإعراض وكف الأخذ والرد في موضوع الإساءة.

إنك- أيها الحبيب- حين تتحلى بهذا الخلق الكريم فإنك تحافظ على وقارك واتزانك، فلا تنجرف مع استفزازات المحرشين اللاغين فتكون بذلك من عباد الرحمن الذين وصفهم عز وجل بقوله: (وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ). (المؤمنون:3)

وقوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ). (القصص:55)

وقوله تبارك وتعالى: (وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً). (الفرقان: من الآية63)

وإنك حين تعامل من أساء إليك بالحسنى ، تكون قد كظمت غيظك فحينئذ يصدق فيك قول النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء".

إن من أعظم ثمرات الدفع بالتي هي أحسن أن يتحول العدو الذي يجابهك بما يسوؤك ويؤذيك إلى نصير مدافع وصديق حميم.

سبحان الله ! إن سحر الخلق الفاضل ليفوق في كثير من الأحيان قوة العضلات وسطوة الانتقام، فإذا بالخصم ينقلب خلقا آخر: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم).

وقد ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قوله: ادفع بحلمك جهل من يجهل عليك.

إننا رأينا خير الخلق محمدا صلى الله عليه وسلم يتحمل إساءة المسيئين، ليس هذا فحسب بل كان يعفو ويصفح، وهذا ما وصفته به أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها حين قالت: " ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح".

وهكذا كان الصالحون رضي الله عنهم على نهجه صلى الله عليه وسلم يسيرون ، فهذا أحدهم يُسب فيقول لسابه: إن كنتَ كاذبا فإني أسأل الله أن يغفر لك، وإن كنت صادقا فإني أسأل الله أن يغفر لي.

إننا وإن كنا جميعا مطالبين بالتحلي بهذا الخلق فإن من رزقه الله سلطانا أولى بهذا من غيره، ولهذا كان من آخر وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته قبل وفاته أن قال موصيا بالأنصار خيرا:

"فمن ولي شيئا من أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فاستطاع أن يضر فيه أحدا أو ينفع فيه أحدا، فليقبل من محسنهم، ويتجاوز عن مسيئهم".

ولما جاءه رجل يشكو خادمه : إن لي خادما يسيء ويظلم أفأضربه؟ قال : " تعفو عنه كل يوم سبعين مرة".

كذلك يحتاج إلى هذا الخلق بصفة خاصة من كان له قرابة وأرحام يسيئون إليه، فإنه لا يقابل سيئتهم بمثلها ولكن يعفو ويصفح ويزداد إحسانا، فقد جاء رجل إلى النبي r يقول: يا رسول الله إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون، أفأكافئهم؟ قال: " لا؛ إذا تتركون جميعا، ولكن خذ بالفضل وصلهم ، فإنه لن يزال معك من الله ظهير ما كنت على ذلك".

إن الدفع بالتي هي أحسن هو الدواء المرمم لما يبلى أو ينهدم من الروابط الاجتماعية ، والمصلح لما يفسد منها ، والمجدد لما ينطمس منها، وبه تحيا معاني الخير في النفوس ، ويتبارى الناس في الإحسان ، وتغلق أبواب الشر على الشيطان، ولا يتاح للإساءة أن تتفاقم بل يغمرها الإحسان ويقضي على دوافعها ورواسبها.
إسلام ويب

Post: #927
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:05 AM
Parent: #893

هل فكرت يومًا أن تقيِّم نفسك؟ هل فكرت أن تغير من أخلاقك، فتزيد رصيدك من الخُلق الحسن، وتتخلى عن الأخلاق السيئة؟ إذا كنت قد فعلت ذلك، فهنيئًا لك، وإذا لم تكن قد فعلت فابدأ من الآن، واختر أخلاقك بنفسك.

كيف نكتسب الأخلاق الحميدة ؟
يجيب عن هذا السؤال الدكتور إبراهيم صالح عبد الله - الأستاذ بقسم القرآن بجامعة القصيم - فيقول: هناك عدد من الوسائل التى تعين على اكتساب الأخلاق الحسنة، وبالتالى تحقيق السعادة والنجاح، وأولها:

- الإيمان الحق، والقرب من الله تعالى؛ فهذا منبع الأخلاق الحميدة، فبه تزكو النفوس ويتهذب السلوك.

- مجالسة ومصاحبة أصحاب الخُلق الحسن؛ فإن للأصحاب أثرًا كبيرًا فى سلوك الإنسان، ولذلك قيل:

عن المرء لا تسل وسل عن قرينه فكـل قريـن بالمقـارن يقتـدى

- محاسبة النفس: فقد خُلقت أمارة بالسوء، نزاعة للشر، فعاتِب نفسك وحاسبها، وقُدها ولا تنقَد لها، والنفس كالطفل إن تهمله شب على حب الرضاع، وإن تفطمه ينفطم.

- قراءة سير السلف الصالح: فإنها من الأسباب المعينة على التخلق بالأخلاق الحسنة، فالحديث عن العلماء ومحاسنهم فيه آدابهم وأخلاقهم، وقد اتفق علماء النفس والتربية على أن القصص والأخبار والسير من أقوى عوامل التربية.

- الدعاء، وهو من أعظم الأسباب الموصلة إلى محاسن الأخلاق.

فإذا لم يكـن عون مـن الله للفتى فـأول ما يجنى عليـه اجتهـاده

وقد كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يسأل الله تعالى أن يهديه لأحسن الأخلاق.

إن الإنسان يستطيع اكتساب ما يريده من الأخلاق الفاضلة المحمودة، فاختر منها ما تحب، واستعن بالله، وجاهد نفسك لتحقق ما تريد.

ويوضح الأستاذ طارق درويش - مدير مركز إشراقات للتنمية البشرية - أن الأخلاق تمثل سلوك ما اعتاد الشخص عليه، سواء كانت أخلاقًا حميدة، أم ذميمة، ومن ناحية أخرى يمكننا القول: إنها العادات السلوكية التى يواظب عليها الشخص.

ولو تأملنا فى الآليات التى تكون العادات؛ نجد أن الأمر يبدأ بفكرة ما يفكر فيها الشخص، وعندما يكثر التفكير يتحول الأمر إلى إحساس، فيترجم إلى سلوك ما، وعندما يتكرر هذا السلوك فإنه يصبح عادة. ويعتبر مجموع عادات الشخص هو شخصيته التى تحقق نتائج ما، فى حين أن تلك النتائج سواء كانت إيجابية أو سلبية هى المرآة التى تعكس مصير الشخص من نجاح أو فشل، ومما يؤكد ذلك هو سيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع الصحابة (رضوان الله عليهم)، فبمجرد تغيير أفكارهم ومعتقداتهم وجه كل طاقاتهم إلى البناء والإبداع فى إطار الخير فى ضوء وضوح الهدف، وبذلك حولهم من عشائر متفرقة سلبية هدامة، إلى فريق عمل فعال قاد الدنيا فى أقل من عشرين عامًا بسبب هذا التغيير فى الإدراك الذى خلق سلوكًا وعادات جديدة، وبالتالى نتائج مختلفة.

ويضيف أ. طارق أن تكوُّن العادات لدى الإنسان يحدث نتيجة ارتباط سلوكه وعاداته بالسعادة أو الألم، فلو ارتبط سلوك ما فى ذهن الشخص بالسعادة، فإنه يعتاد عليه حتى لو كان فى غير مصلحته كالذين يدخنون مثلاً ظنًا منهم أن ذلك يحقق التركيز أو النشوة، رغم أن الحقيقة عكس ذلك.

ومن ناحية أخرى؛ فإن الإنسان عندما يرتبط شيء ما فى ذهنه بالألم، فإنه يبتعد عنه حتى لو كان فى مصلحته - مثل الشخص الذى ترتبط فى ذهنه صلاة الفجر بالألم والحرمان من متعة النوم، فإنه هنا لا يستطيع المداومة عليها لأيام كثيرة، لكنه لو مارس ما نسميه فى علوم التنمية البشرية (التخيل الابتكارى)، فإنه يستطيع تحويل إدراكه من الألم إلى السعادة، وبذلك يمكنه المداومة على صلاة الفجر.

ولتوضيح ذلك أكثر؛ فإن الفرد مثلاً يستطيع أن يقتطع جزءًا من يومه ويجلس منفردًا متأملاً فى رضا الله، وما يمكن أن يجلبه إليه من سعادة دنيوية تنعكس على مظاهر التوفيق فى المواقف المختلفة، كما أنه يمكنه أن يتخيل نعيم الجنة ومظاهره التى ذكرت فى القرآن الكريم، وبذلك فهو يصنع فى خياله صورة ذهنية لنفسه، وهو ينعم بمظاهر رضوان الله، هنا يتحول ربطه لصلاة الفجر بالألم إلى ربط آخر بالسعادة، وهنا ينجح فى الحفاظ عليها.

قس على ذلك كافة العادات السلبية، حيث تجدها إما مرتبطة فى ذهن الفرد بجلب منفعة ما، أو بدفع ألم ما محتمل فيعتاد الفرد على ذلك.

مثلاً: قد يرتبط بالذهن أن السلبية وعدم المبادرة أو عدم إبداء الرأى يحقق نجاة من الألم الناشئ عن انتقاد الآخرين له فيلتزم السلبية.

مثال آخر: قد يرتبط (عدم تقدير الآخرين) فى ذهنه بمنعكس، وهو التفوق أو الانتصار فى حالة التقليل من شأن الآخرين.

ولعلاج ذلك لا بد أن يتم التغيير داخليًا، أى داخل الفرد نفسه، أى تغيير ارتباط تلك العادات السيئة بجلب السعادة، أو دفع الألم إلى العكس.

مثال: ربط السلبية ذهنيًا بعدم تحقيق الأهداف، وبالتالى الفشل، ومن ثم مظاهر الإحساس بالفشل من اكتئاب وحزن... إلخ، مع ربط الإيجابية بمظاهر السعادة المختلفة مثل تحقيق الأهداف ونهوض الأمة، وبالتالى مظاهر الانتصار والشعور بالتوفيق والعزة، وكذلك الرخاء المادى الدنيوى، وأيضًا تخيل كيف يذكرنا التاريخ مع الناجحين بالإضافة إلى نعيم الله فى الجنة.

ومن هنا تنمو الرغبة داخليًا للتغيير فيظهر ذلك على السلوك، وعندما يتكرر السلوك يتحول إلى عادات جديدة بناءة تؤتى نتائج إيجابية، وهنا يحدث التغيير المنشود داخل الفرد فينعكس على المجتمع المحيط.

ثمار الأخلاق

- حين يصاب مجتمع بالشلل الأخلاقى؛ فإنه يفقد فاعليته العقلية والاجتماعية، مع أن إمكاناته الحضارية قد تكون فى نمو وتوسع.

- تضبط سلوك الفرد من الداخل؛ فالخلق الكريم يمنع صاحبه من الإضرار بنفسه أو بمجتمعه.

- إن أعظم المعارك يتم خوضها وحسمها داخل النفس، ففيها تصنع الانتصارات والهزائم الكبرى، وأساس النجاحات الشخصية نجاح خلقى فى المقام الأول.

- الأخلاق سبب للسعادة فى الدنيا، فصاحب الخُلق الحسن يحب الناس ويحبونه، ويتمكن من إرضاء الناس فتلين له المصاعب وينجح فى أعماله ووظائفه ويترقى بسببها لأعلى الدرجات.

- حُسن الخُلق سبب لأعلى الدرجات فى الآخرة، ففى حديث النبى (صلى الله عليه وسلم): «أقربكم منى مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا، الموطئون أكنافًا، الذين يألفون ويؤلفون»، وما من شيء أثقل فى ميزان العبد من حُسن الخُلق.

- حُسن الخُلُق سبب لصلاح المجتمع وسعادته، بل هو من أهم عوامل قوة الأمة ورفعتها، كما أن انتشار الأخلاق الذميمة فى مجتمع ما سبب لفساده وانهياره، والباحثون يعدون العامل الأخلاقى عامل نمو وحفاظ على الحضارات.
مركز الإعلام العربي

Post: #928
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:07 AM
Parent: #893

من منا لا يخطىء؟ ومن منا يدعي لنفسه العصمة؟ إن الوقوع في الخطأ أمر متصور من بني آدم وهذا في حد ذاته ليس عيبا بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون" ( رواه ابن ماجة ).

إنما يكمن العيب في الإصرار على الخطأ والتمادي في الباطل ، ويعظم الخطأ أكثر حين يحاول صاحبه إيجاد المبررات ليوهم نفسه ومن حوله بأنه لم يخطىء أصلا.

تعريف التبرير

إذا اعتبرنا أن التبرير بمعنى التسويغ فإننا نستطيع تحديد المقصود به ، فقد ذكر في القاموس المحيط: "سوّغ أي أجاز لنفسه..".ويقول ابن منظور في "لسان العرب": "سوّغته: أي جوّزته".
ويُعرّف التبرير كمصطلح نفسي بأنه: "العملية التي يختلق بها الإنسان المبررات لما يأتيه من سلوك أو ما يراوده من أفكار وآراء، وذلك لكي تحل محل الأسباب الحقيقية".
فالتبرير عملية ستر للواقع وللحقيقة بستار تقبله النفس، وتستسيغه بدون أي ردة فعل،أو تأنيب من ضمير .

سوء عاقبة التبرير

التبرير مرض عضال نهايته مؤسفة، ونتيجته مُـرَّة على صاحبه، فهو بمداومته على التبرير ينصرف عن إصلاح ذاته، كما ينصرف عن تفقد عيوب نفسه ، وبالتالي يرى أنه دائما على خير وإذا وصل العبد إلى هذا الحال صعب إصلاحه وفقد انسجامه الذاتي؛ لأنه في الواقع يعيش حالة من الحرب النفسية الداخلية هو فيها الجلاد والضحية.

إن صاحب هذا المرض يكون وبالا على نفسه وعلى الآخرين ، كما أنه يكون شديد الخصومة كثير الجدل وعندئذ يكون من أبغض الخلق إلى الله تعالى ؛ ففي الحديث : " أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ". (رواه البخاري).

القرآن يشنع عليهم

لقد وجد هذا الصنف من الناس في مختلف العصور،ولقد قص علينا القرآن شيئا من قصص بعضهم ، ومن ذلك قول الله عز وجل: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين). (التوبة : 49).
قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: قال محمد بن إسحاق: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للجدّ بن قيس لما أراد الخروج إلى تبوك: "يا جدّ هل لك في جلاد بني الأصفر، تتخذ من سراري ووصفاء؟ فقال الجدّ: لقد علم قومي أني مغرم بالنساء وأني أخشى إن رأيت نساء بني الأصفر أن أُفتن فلا تفتني، وائذن لي في القعود، وأعينك بمالي، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "قد أذنتُ لك".
فانظر إلى هذا الرجل الذي علم مشقة السفر إلى تبوك، وصعوبة مواجهة الروم والقتال معهم، أراد أن يبرر موقفه، ويحمي ذاته، فاصطنع سبباً وهمياً لذلك هو غرامه بالنساء، وخشيته أن يفتن عند رؤيتهن فيترك الصف المسلم لأنه لا يستطيع أن يصبر عنهن!.
ويعلّق شيخ الإسلام أحمد بن تيمية على هذه الواقعة: "لما كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله من الابتلاء والمحن مما يتعرّض به المرء للفتنة، صار من الناس من يتعلل لترك ما يجب عليه من ذلك بأن يطلب السلامة من الفتنة كما قال تعالى في المنافقين: ( ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين..) الآيات".
وكذلك اعتذر صنف آخر من الناس بأنهم لا ينفرون في الحر، لذلك قال تعالى عنهم: (وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون) (التوبة81).

يقول سيد قطب ـ يرحمه الله ـ في ذلك: "فإما كفاح في سبيل الله فترة محدودة في حرّ الأرض وإما انطراح في جهنم لا يعلم أمده إلا الله".

هل يصيب التبرير المؤمنين؟

في الأمثلة السابقة بعض النماذج التي قد لا تكون من مجتمع الصفوة المسلم، لكن الواقع يقول: إن التبرير قد يطول حتى بعض المؤمنين الصادقين، يقول الله عز وجل: (ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شيء جدلا). (الكهف :54).ذكر بعض المفسرين في هذه الآية ما ورد في صحيح مسلم عن عليٍّ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم طرقه ليلاً وفاطمة فقال: "ألا تصليان؟" فقال علي رضي الله عنه :قلت: يا رسول الله إنما أنفسنا بيد الله فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا"، فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قلت له ذلك، ثم سمعته وهو مدبر يضرب فخذه ويقول: ( وكان الإنسان أكثر شيء جدلا). .

قال ابن عاشور: "يريد النبي أن الأولى بعلي أن يحمد، ويشكر إيقاظ رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه ليقوم من الليل، ويحرص على تكرار ذلك، وأن يُسرّ بما في كلام رسول الله من ملام، ولا يستبدل به ما يحبذ من نومه، فذلك محل تعجّب رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام عليّ ـ رضي الله عنه".

من أسباب الوقوع في التبرير
إن العقبة الرئيسة في التبرير هي عدم الصراحة مع النفس، ذلك أننا نفشل في أن نحدث أنفسنا عن واقعنا، وهذا يرجع إلى أننا تعلمنا منذ طفولتنا وصبانا أن نرتفع إلى مستويات أخلاقية، وصفات سامية، وعالية، لا يسهل علينا الوصول إليها غالباً.
"ولذلك نعمد إلى إخفاء حقيقتنا في إطار من الأكاذيب على النفس حددته أساليب تربيتنا الأولى".(قراءة في مشكلات الطفولة).

كما قد يكون التبرير راجعا إلى كِبْرٍ أصاب القلب يصعب معه الاعتذار أو الظهور بمظهر الضعف في ظن هذا المتكبر.

ومن أسبابه أيضا حب الدنيا والركون إليها ولعل هذا السبب تحديدا هو ما يحمل الكثيرين على ارتكاب ما نهى الله عنه مبررين ذلك بأسباب واهية ، فمن يأكل الربا يزعم أنه مضطر ولو نظرت في حاله لوجدته غالبا غير مضطر بل ربما غير محتاج أصلا ، وقس على ذلك كثيرا من المخالفات التي تقع في عصرنا ويحاول أصحابها تبريرها.

هل من علاج؟
لا شك أن الصدق مع النفس هو الطريق الواضح، والسبيل اليسير، حتى لا ندخل في متاهات التبرير، فمحاسبة النفس على التقصير والوقوف على خطئها يقيهـا كثيراً من مصارع السوء، ولا يجعلنا نراكم الأخطاء، والواقع أن الصدق مع الذات من أعلى مراتب الصدق، وأصعبها، وأرجو أن نتدبر قصة توبة الصحابي الجليل كعب بن مالك رضي الله عنه ، فإنما أنجاه الله بصدقه ؛ فإنه لما جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( يا رسول الله ! إني لو جلست إلى غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطته بعذر ، والله ما كان لي عذر).فقبل الله منه وعذره وتاب عليه ، أما من كذب وأتى بأسباب واهية لا حقيقة لها فقد فضحه الله.

كما أن من أهم وسائل العلاج مطالعة سير وأحوال من وقعوا في هذه الآفة ،وانظر إلى هؤلاء القوم من بني إسرائيل لما سيطرت عليهم العقلية التبريرية فاحتالوا على حكم الله تعالى واصطادوا يوم السبت مسخهم الله قردة وخنازير : ( ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت فقلنا لهم كونوا قردة خاسئين). (65) البقرة.

إنك حين تتدبر هذه العقوبة لمن كان متصفا بهذه الصفة مجترئا على حدود الله تعالى لا شك ستراجع نفسك مرات ومرات قبل الإقدام على فعل تعلم سوء عاقبته.

نسأل الله تعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق وأن يصرف عنا سيئها إنه جواد كريم.
إسلام ويب

Post: #929
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:11 AM
Parent: #893

من أسباب الارتقاء بالهمم
مما لا شك فيه أن الهمة رزق من الله تعالى يمن به على من يشاء من عباده ، ومن حكمته سبحانه أن فاضل بين عباده في قواهم العملية كما فاضل بينهم في قواهم العلمية ، لكنه جعل لعلو الهمة أسبابا إذا أخذ بها العبد علت همته وارتقت نفسه ، ونحن نعرض في إيجاز لبعض هذه الأسباب عسى أن يمن علينا اللطيف الخبير بعلو الهمة .

فمن هذه الأسباب :

(1) الإخلاص:

فنسيان رؤية المخلوقين بدوام النظر إلي الخالق تبارك وتعالى يحث على الأخذ بمعالي الأمور ؛ لأن الناقد بصير.

يقول الإمام بن القيم رحمه الله :

لقاح الهمة العالية: النية الصالحة ، فإذا اجتمعا بلغ العبد المراد.

(2) الصدق:

فالصادق في عزمه وفي فعله صاحب همة عالية وبصدقه في العزم والفعل يسعد في الدارين ، فصدق العزيمة الجزم وعدم التردد ، وصدق الفعل هو بذل الجهد واستفراغ الوسع لتحقيق ما عزم عليه ، فيأمن صاحب العزم الصادق من ضعف الهمة والإرادة ، و يمنعه صدقه في الفعل من الكسل والفتور.

(3) العلم:

فمن استوى عنده العلم والجهل ، أو كان قانعا بحاله وما هو عليه ، فكيف تكون له همة أصلا ؟ فالعلم يرتقي بالهمة ، ويرفع طالبه عن حضيض الجهل والتقليد ويصفي نيته.

" والعلم يورث صاحبه الفقه بمراتب الأعمال، فتبقى فضول المباحات التي تشغله عن التعبد – كفضول الأكل والنوم – ويراعي التوازن والوسطية بين الحقوق والواجبات ، امتثالا لقوله صلى الله عليه وسلم: " أعط كل ذي حقه حقه" .

ويبصره بتحيل إبليس وتلبيسه عليه ، كي يحول بينه وبين ما هو أعظم ثوابا ". (علو الهمة للشيخ محمد إسماعيل ).

قال ابن القيم رحمه الله : ( إن السالك على حسب علمه بمراتب الأعمال ونفائس الكسب ، تكون معرفته بالزيادة والنقصان في حاله وإيمانه ) .

(4) اليقظة والمسارعة:

بحيث يفارق العبد بيقظته جموع الغافلين ، ويعرض عن أفعال الجاهلين ويخلع ثوب النوم والرقاد ، فلا يقر له قرار حتى يسكن في جنة عرضها السموات والأرض :

فحي على جنات عدن فإنها منازلك الأولى وفيها المخيَّمُ

ولكننا سبيُ العدو فهل ترى نعود إلي أوطاننا ونُسَلَّمُ

فلا ينبغي لمن أراد الارتقاء بهمته أن يرتمي في أحضان الغافلين وإلا عضّ أسنة الندم.

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الجوشن الضبابي بعد بدر إلى الإسلام ، فقال : "هل لك إلى أن تكون من أوائل هذا الأمر؟" . قال: لا. قال: "فما يمنعك منه؟". قال : رأيت قومك كذبوبك وأخرجوك وقاتلوك ، فأنظر: فإن ظهرت عليهم آمنت بك واتبعتك ، وإن ظهروا عليك لم أتبعك ..فكان ذو الجوشن يتوجع على تركه الإسلام حين دعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

إذا ما علا المرء رام العلا ويقنع بالدون من كان دونا

(5) الحزم وعدم التردد :

فإن التردد يفوِّت على العبد الفوز بالخيرات ، ويبقيه في مكانه في الوقت الذي يسير فيه الركب فيصل الحازم إلى مبتغاه ، وصدق القائل :

إذا كنت ذا رأي فكن ذا عزيمة فإن فساد الرأي أن تترددا

وقال آخر :

ومشتت العزمات ينفق عمره حيران لا ظفرٌ ولا إخفاق

فلا تتوقف مترددا أو قلقا ، ولا تضيع نفسك بالشكوك التي لا تلد إلا الشكوك ، واستمع إلى قول ربك :
( فإذا عزمت فتوكل على الله ). وقوله :

( فإذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ).

(6) معرفة قيمة النفس وشرفها:

وليس المقصود بهذا أن يغتر العبد أو يعجب بنفسه ويتكبر ، إنما المقصود أن يعلم أنه في الخليقة شيء آخر لا يشبهه أحد ، فيحرص على أن يرفع قيمته ، ويغلي ثمنه بعمله الصالح ، وبعلمه ونبوغه ، واطلاعه ومثابرته وبحثه وتثقيف عقله ، وصقل ذهنه ، وإشعال الطموح في روحه ، والنبل في نفسه ؛ لتكون قيمته عالية وغالية.

فيا أيها الحبيب، يا من أسجد الله لك ملائكته بالأمس ، وجعلهم اليوم في خدمتك ، كم من ملك في السماوات ما ذاقوا غمضا ليس لهم رتبة: ( تتجافى جنوبهم عن المضاجع ). كم من ملك في السماوات ما ذاقوا طعاما ولا شرابا ليس لهم شرف : "ولخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك ". الملائكة تصلي عليك ما استقمت ، وحملة العرش يستغفرون لك ، يا هذا فتش عن نفسك ، واعرف قدرها تسم بهمتك إلى العظيم.

(7)الدعاء:

وإنما جعلناه خاتمة الأسباب التي نتحدث عنها في هذا المقال لأنه الباب الأوسع والأقرب للفوز بأنواع الخيرات ، وهو باب لا منازع فيه ، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن أبخل الناس من بخل بالسلام ، وأعجز الناس من عجز عن الدعاء" .

ويقول صلى الله عليه وسلم " ليس شيء أكرم على الله من الدعاء ".

فادخل على مولاك من باب الذل والافتقار ، وناجه :

إلهي وسيدي ومولاي ، أنت أصلحت الصالحين وأعليت هممهم فاجعلنا منهم وألحقنا بهم في عليين .
(1) التطلع إلى الكمال والترفع عن النقص:

ففي الحديث الشريف " إن الله يحب معالي الأمور ، ويكره سفسافها ". أي يبغض الرديء الحقير من كل شيء وعمل.

وقد دفع القرآن إلى مراتب الكمال دفعا ؛ إذ ميز بين الطيب والخبيث ، وبين الذين يعلمون والذين لا يعلمون ، وبين المجاهدين والقاعدين ، وبين السابقين والمتخلفين، وفضل المرتقين في مراتب الكمال على الناقصين .

ونصوص القرآن في ذلك كثيرة : منها قوله تعالى : (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) (الزمر:9)

وكما في خطابه تعالى للمؤمنين: ( لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً) (النساء:95)

وهذا هو ما حرص النبي صلى الله عليه وسلم على توجيه الأمة إليه، وأن تنشد الكمال وتترفع عن النقص: " المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز..." الحديث

وفي الحديث الصحيح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

فينبغي لمن أراد الارتقاء بهمته أن يتطلع إلى الكمالات، وأن يترفع عن الدنايا:

وإنا لقومٌ لا توسط عندنا لنا الصدر دون العالمين أو القبر

(2) الزهد في الدنيا :

ونعني به استصغار الدنيا، والحذر من طغيانها وسيطرتها على القلب.

طلب عمر بن عبد العزيز رحمه الله النصيحة من الحسن رحمه الله تعالى، فكتب إليه الحسن: إن رأس ما هو مصلحك ومصلح به على يديك : الزهد في الدنيا، وإنما الزهد باليقين ، واليقين بالتفكر ، والتفكر بالاعتبار ، فأنت إذا فكرت في الدنيا لم تجدها أهلاً أن تبيع بها نفسك ، ووجدت نفسك أهلا أن تكرمها بهوان الدنيا ، فإن الدنيا دار بلاء ومنزل قُلْعَةٍ.( أي دار رحيل وانتقال).

وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال : يا رسول الله : أوصني وأوجز، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " عليك بالإياس مما في أيدي الناس ، وإياك والطمع فإنه فقر حاضر، وإذا صليت فصل صلاة مودع ، وإياك مما يعتذر منه".

فمن زهد في الدنيا رنا بطرفه وقلبه نعيم الجنات ، وجوار الكبير المتعال.

(3) اشتغال العبد بما يعنيه وانصرافه عن غيره :

فانشغال المرء بما لا يعنيه أمر سيء يضيع عليه وقته الذي هو رأس ماله على الحقيقة ، ولا ينتفع من ذلك بشيء لا في دين ولا في دنيا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ".

(4 الحرص على الوقت:

فالوقت هو الحياة ، وإنما سعد من سعد ، وارتقى من ارتقى في مراتب المجد من استثمر الأوقات، وكان حريصا على الدقائق واللحظات:

دقات قلب المرء قائلة له إن الحيـاة دقـائـق وثـوان

فارفع لنفسك قبل موتك ذكرها فالذكر للإنسان عمر ثان

فأصحاب الهمم العالية يحرصون على كل ثانية حرص الجموح المنوع، وحتى المصائب لا تلهيهم عن استغلال الوقت والحرص عليه:

حيـاتك أنفاس تعد فكلما مضى نفس منها انتقصت به جزءا

فتصبح في نقص وتمسي بمثله أما لك مـعقـول تحس به رُزءا

يميتك ما يحييك في كل ساعة ويحدوك حـاد ما يريد به الهُزءا

يا صاحب الهمة العالية :

ألفّ ابن الأثير كتبه الرائعة كجامع الأصول والنهاية في غريب الحديث وهو مقعد.
وألفّ السرخسي كتابه الشهير " المبسوط" خمسة عشر مجلدا وهو محبوس.

وكتب بن القيم زاد المعاد وهو مسافر.

وشرح القرطبي صحيح مسلم وهو على ظهر سفينة.فانتبه وتدبر.

(5) مجاهدة النفس:

أخي : إن هناك من يكدح في سبيل نزوة وشهوة ، أما عالي الهمة فإنه يكدح في سبيل عقيدة ودعوة ، وليس للعابد مستراح إلا تحت شجرة طوبى في جنة عرضها السموات والأرض .

إنما يهون الطريق على من علم أين المقصد:

قف بالديار فهذه آثارهم تبكي الأحبة حسرة وتشوقا

فجاهد نفسك في الله تصل إلى الشرف كل الشرف ، فالأمر كما قال يحيى بن معاذ رحمه الله : أبناء الدنيا تخدمهم الإماء والعبيد، وأبناء الآخرة تخدمهم الأحرار والأبرار.

يا أيها الحبيب هذا أحد الصالحين يهتف بك :

أقوى الفتوة غلبتك نفسك .

وينادى : لن يكمل رجل حتى يؤثر دينه على شهوته ، ولن يهلك حتى يؤثر شهوته على دينه.

أخي: لقد كان أهل الحزم يعوّدون أنفسهم مخالفة هواها وإن كان مباحا، ليقع التمرين للنفس على ترك الهوى مطلقا.

فيا هذا : من جاهد نفسه وجدّ وجد، وليس من سهر كمن رقد ، والفضائل تحتاج إلى وثبة أسد:

إلا تمت تحت السيوف مُكّـرما تمـتْ وتقـاس الذل غيـر مُـكّـرم

فثِبْ واثقـا بالله وثبة مـاجد يرى الموت في الهيجا جَنَى النحل في الفم

(6) قصر الأمل وكثرة ذكر الموت:

نعم فمن قصر في الدنيا أمله وأكثر ذكر الموت علت همته وحسن عمله.

كانت ماجدة القرشية تقول : طوى أملى طلوع الشمس وغروبها، فما من حركة تُسمع ولا من قدم توضع إلا ظننت أن الموت فيها.

وتقول عن الغافلين : بسطوا آمالهم فأضاعوا أعمالهم، ولو نصبوا الآجال وطووا الآمال لخفّت عليهم الأعمال.

وأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض جسد عبد الله بن عمر رضي الله عنهما وقال: " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل ، وعُدّ نفسك في أصحاب القبور". (البخاري).

ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم إذا ذهب ثلث الليل فيقول:

"يا أيها الناس : اذكروا الله ، اذكروا الله ، جاءت الراجفة تتبعها الرادفة ، جاء الموت بما فيه ، جاء الموت بما فيه". ( رواه أحمد والترمذي وغيرهما وحسنه الألباني).

ما زال يلهج بالرحيل وذكره حتى أناخ ببابه الجمال

فأصـابه مستيقظا متشـمرا ذا أهبة لم تلهه الآمال

كان مطرف بن عبد الله يقول: أفسد الموت على أهل النعيم نعيمهم، فاطلبوا نعيما لا موت فيه.

فأكيس الناس : أكثرهم ذكرا للموت ، وأحسنهم استعدادا له .
(1) التحول عن البيئة المثبطة :

وفي ذلك يقول الشيخ محمد إسماعيل المقدم حفظه الله:

" إن للبيئة المحيطة بالإنسان أثرا جسيما لا يخفى ، فإذا كانت بيئة مثبطة داعية إلى الكسل والخمول وإيثار الدون ، فإن على المرء أن يهجرها إلى حيث تعلو همته ،كي يتحرز من سلطان تأثيرها ، وينعم بفرصة الترقّي إلى المطالب العالية.

تقول ابنة السعدي وهي تلومني أما لك عن دار الهوان رحيل

فإن عناء المستنيم إلى الأذى بحيث يذل الأكرمون طويل

وعندك محبوك السَّراة مطهّم وفي الكف مطرور الشباة صقيل

( الفرس المحبوك : القوي الشديد، سراة الفرس: أعلى متنه، المطهّم : المتناهي في الحسن ، المطرور: ذو المنظر الحسن والهيئة الحسنة ، الشباة : حد طرف السيف ، الصقيل : المجلو )

وأشد الناس حاجة إلى تجديد البيئة المحيطة وتنشيط الهمة : الحديث العهد بالتوبة ، فإن من شأن التحول من بيئة المعصية إلى بيئة الطاعة أن ينسيه ما يجذبه إلى صحبة السوء وأماكن السوء ، فيجتمع قلبه، ويلتئم شمله ، وتتوحد همته ، وتتوجه بصدق وعزم إلى أسلوب من الحياة جديد.

أخي : إن الماء تتغير رائحته بقربه من الجيف ، وإذا بعد قليلا عن مكان الجيف تغير ما كنت تجده ، فكيف بأنفاس العصاة؟!

فالفرار الفرار من بيئة الكسل والركود ودناءة الهمة.

ولا تتخذ بالسير رفقة قاعد ودعه فإن الشوق يكفيك حاملا.

(2) مصاحبة ذوي الهمة العالية:

فمما اتفقت عليه كلمة الأنام أن للصاحب تأثيرا في صاحبه، فاتخذ ذوي الهمم العالية أعوانا، واخلط نفسك مع الأبرار، وطهرها من الفجار واجتنب اللئام الأقذار، فالمرء يعرف بقرينه، فاصحب من يحملك في سيرك إلى الله عز وجل لا من تحمله.

أخي: إن رؤية وجوه الصالحين تشحذ الهمم فكيف بصحبتهم وكلامهم ونصحهم.

لقد كان الناس إذا رأوا وجه وكيع بن الجراح قالوا: هذا ملك. وإذا رأوا وجه محمد بن سيرين سبحوا الله لمخايل النور على وجهه.

قال الفضيل بن عياض: نظر المؤمن إلى المؤمن يجلو القلب، ونظر الرجل إلى صاحب بدعة يورث العمى، من جلس مع صاحب بدعة لم يعط الحكمة.

وقال عبد الله بن المبارك: إذا نظرت إلى الفضيل جدد لي الحزن، ومقتُ نفسي، ثم يبكي رحمه الله.

فصاحب علاة الهمم وصافهم ، واستفد من أخلاقهم وأوصافهم، إن لم يكن لك قدرة على البذر، ولم تطق مراعاة الزرع، فقف في رفقة : ( وإذا حضر القسمة أولو القربى).
إن صدقت في طلابهم فانهض وبادر ، ولا تستصعب طريقهم فالمعين قادر، تعرض لمن أعطاهم، وسل فمولاك مولاهم، ربَّ كنز وقع به فقير ، وربَّ فضل فاز به صغير...علم الخضر ما خفي على موسى ، وكشف لسليمان ما غطى عن داود.

( 3) الصبر والمثابرة:

فبهما مع اليقين تُنال الإمامة في الدين، ومن تلمح حلاوة العافية هان عليه مرارة الصبر.

وقل ساعدي يا نفسُ بالصبر ساعة فعند الـلقــاء ذا الكـد يصـبح زائلا

فـما هـي إلا ســاعـــة ثـم تـنقـضـي ويصبح ذو الأحزان فرحان جاذلا

إن صبر أهل اليقين جعلهم أئمة الدين، لكن من استطال الطريق ضعف مشيه:

وما أنت بالمشتاق إن قلت بيننا طوال الليالي أو بعيد المفاوز

أخي : لا بد من مرابطة على الحق الذي عرفت جماله، والإيمان الذي ذقت حلاوته : ( يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون).

(4) الخلوة:

فإنها تعين على التفكر والتدبر، وتصفي القلب من العلائق والشواغل ، وتفرغه لمولاه.

أوحشتني خلواتي بك من كل أنيس

وتفردت فعاينتـــك بالغيب جليسي

ودعاني الوجد والحب إلى المعنى النفيس

فبدا لي أن مهر الحــب أنفاس النفوس

يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله:

إنما يستوحش الإنسان من نفسه لخلو ذاته عن الفضيلة، فيكثر حينئذ ملاقاة

الناس، ويطرد الوحشة عن نفسه بالسكون معهم.

ويقول بعض العلماء: لا بد للعبد من أوقات ينفرد فيها بنفسه في دعائه

وذكره وصلاته وتفكيره ومحاسبة نفسه وإصلاح قلبه وما يختص به من الأمور

التي لا يشرك فيها غيره، فهذه يحتاج فيها إلى انفراد بنفسه.

كان عبد الله بن أحمد بن حنبل رحمه الله يقول:

كان أبي أصبر الناس على الوحدة. وقال: لم ير أحد أبي إلا في مسجد أو

حضور جنازة أو عيادة مريض، وكان يكره المشي في الأسواق.

ويقول بعض الفضلاء : إنه لا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة

البشرية فتحولها وجهة أخرى، لا بد لها من خلوة وعزلة بعض الوقت،

وانقطاع من شواغل الأرض وضجة الحياة ، وهموم الناس، لا بد من فترة

التأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة.

وفي الخلوة من الفوائد :

1-السلامة من آفات اللسان. 2- حفظ القلب من الرياء.

3- وجدان حلاوة الطاعة. 4-حفظ البصر وحصول راحة القلب.

5- حصول الزهد والقناعة. 6-التمكن من عبادة التفكير والتدبر.

(5) مطالعة سير علاة الهمم :

فإن أخبار العلماء العاملين والنبهاء الصالحين من خير الوسائل التي تغرس

الفضائل في النفوس ، وتدفعها إلى تحمل الشدائد والمكاره في سبيل الغايات

النبيلة والمقاصد الجليلة، وتدفعها إلى التأسي بذوي التضحيات والعزمات،

لتسمو إلى أعلى الدرجات وأشرف المقاصد.

قال الجنيد رحمه الله: الحكايات جند من جنود الله عز وجل ، يقوي بها إيمان

المريدين. فقيل له : هل لهذا شاهد ؟ قال : قوله تعالى : ( وكلا نقص عليك

من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك ).

إن التعرف على أخبار وأحوال الصالحين لهو من خير الوسائل لإشعال العزائم،

وإثارة الروح الوثابة، وقدح المواهب، وإذكاء الهمم، وتقويم الأخلاق،

والتسامي إلى معالي الأمور.

إننا لا نقصد من وراء ذلك مجرد سرد قصصهم وحكاياتهم دون فقه وعلم

نافع يُعرِّف الناس بدينهم فيحملهم على العمل، إننا نريد من وراء ذلك إبراز

القدوة الصالحة التي يتأسى بها المسلم خلقا ودينا، قولا وعملا.

قال ابن الجوزي رحمه الله : سبيل طالب الكمال في طلب العلم، الاطلاع على

الكتب التي قد تخلفت من المصنفات، فليكثر من المطالعة، فإنه يرى من علوم

القوم وعلو هممهم ما يشحذ خاطره، ويحرك عزيمته للجد...فالله الله،

وعليكم بملاحظة سير السلف ، ومطالعة تصانيفهم وأخبارهم ،فالاستكثار من

مطالعة كتبهم رؤية لهم، كما قال القائل:

فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي

وأخيرا أيها الحبيب: هذه بعض أسباب الارتقاء بالهمم قد وضعناها بين

يديك، فهّلا أخذت بها ؟ وصبرت عليها؟.

أسأل الله أن ينفعنا وإياك بها.
صلاح الأمة في علو الهمة

Post: #930
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:13 AM
Parent: #893

أيها الحبيب،تأمل معي: ما الذي يدفع الزارع إلى الكدح والعرق؟إنه أمله في الحصاد، وما الذي يغري التاجر بالأسفار والمخاطر ومفارقة الأهل والأوطان؟إنه أمله في الربح، وما الذي يدفع الطالب إلى الجد والمثابرة والسهر والمذاكرة ؟ إنه أمله في النجاح، وما الذي يحفز الجندي إلى الاستبسال في القتال والصبر على قسوة الحرب ؟إنه أمله في النصر، وما الذي يحبب إلى المريض الدواء المر ؟ إنه أمله في العافية، وما الذي يدعو المؤمن أن يخالف هواه ويطيع ربه ؟ إنه أمله في رضوان ربه وجنته.

الأمل ـ إذاً ـ قوة دافعة تشرح الصدر للعمل، وتخلق دواعي الكفاح من أجل الواجب، وتبعث النشاط في الروح والبدن، وتدفع الكسول إلى الجد، والمجد إلى المداومة على جده، كما أنه يدفع المخفق إلى تكرار المحاولة حتى ينجح، ويحفز الناجح إلى مضاعفة الجهد ليزداد نجاحه.
إن الأمل الذي نتحدث عنه هنا ضد اليأس والقنوط ، إنه يحمل معنى البشر وحسن الظن ، بينما اليأس معول الهدم الذي يحطم في النفس بواعث العمل. ويُوهي في الجسد دواعي القوة ؛ ولهذا قال ابن مسعود رضي الله عنه: " الهلاك في اثنتين: القنوط والعُجب "... والقنوط هو اليأس، والعجب هو الإعجاب بالنفس والغرور بما قدمته. قال الإمام الغزالي: " إنما جمع بينهما: لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب، والجد والتشمير، والقانط لا يسعى ولا يطلب، لأن ما يطلبه مستحيل في نظره".

الإيمان يبعث في النفس الأمل:

نعم هذه حقيقة وواقع مشاهد أن الإيمان يبعث في النفس الأمل ويدفع عنها اليأس والأسى.فالمؤمن الحق يرى أن الأمور كلها بيد الله تعالى فيحسن ظنه بربه ويرجو ما عنده من خير وأمام عينيه قول النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: " أنا عند ظن عبدي بي ..".

كيف يتطرق اليأس إلى نفس المؤمن وهو يقرأ قول الله تعالى : ( ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)؟.

أم كيف يتمكن منه قنوط وهو يردد كلما قرأ القرآن قوله تعالى : ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون)؟.

إن العبد حين يكون مؤمنا حقا فإنه لن ييأس بل سيكون دائما مستبشرا راضيا متطلعا للأحسن في كل الأمور أصابه في طريقه ما أصابه وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: " عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير؛إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له ، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له". فهو في كل الأحوال موعود بالخير فكيف ييأس؟.

إنه ومن خلال إيمانه يستشعر أن الله عز وجل معه وهو ناصره وكافيه وبناء على ذلك فهو إذا مرض رجا العافية والأجر: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ). ( الشعراء:80).

وإذا ضعفت نفسه في وقت من الأوقات فوقع في معصية سارع بالتوبة راجيا عفو الله ورحمته واضعا نصب عينيه قوله تعالى:

(قُلْ يَا عِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

وإذا أصابه ضيق او عسر أيقن أنها شدة عما قريب ستنجلي فلن يغلب عسر يسرين: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا).

إن المؤمن في كل أحواله صاحب أمل كبير في روح الله وفرجه ومعيته ونصره ؛ لأنه لا يقف عند الأسباب الظاهرة فحسب، بل يتعداها موقنا أن لها خالقا ومسببا وهو الذي بيده ملكوت كل شيء وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون،فيمتلىء قلبه توكلا ورجاء وأملا. وهذا ما يفتقده غير المؤمنين؛لذلك تراهم ينتحرون ويصابون بالعقد والأمراض النفسية الكثيرة،نسأل الله العافية.

ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

الأمل لابد منه لتحقيق التقدم في كل المجالات ، فلولا الأمل ما شيدت الحضارات ولا تقدمت العلوم والاختراعات ،ولا نهضت الأمم من كبوات تصيبها ،ولا سرت دعوة إصلاح في المجتمعات،وقديما قال بعض الحكماء:

لولا الأمل ما بنى بان بنيانا،ولا غرس غارس غرسا.

وفي هذا المعنى قال الشاعر:

أعلل النفس بالآمال أرقبها ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

وقال الطغرائي (الوزير الشاعر):

ولا تيأسنْ من صنـع ربك إنه ضمين بأن الله سوف يُديـل

فإن الليـالي إذ يـزول نعيمها تبشـر أن النـائبات تـزول

ألم تر أن الليـل بعد ظلامـه عليه لإسـفار الصبـاح دليل

ألم تر أن الشمس بعد كسوفها لها صفحة تغشي العيون صقيل

وأن الهلال النضو يقمر بعدما بدا وهو شخت الجانبين ضئيل

فيا أيها المؤمن كن حسن الظن بربك مؤملا منه الخير والنصر والفرج،فإن ابتليت فاصبر واعلم أن العسر لو دخل جحرا لتبعه اليسر، فكن صبورا مقداما واستعن بالله ولا تعجز :

لا خير في اليأس كل الخير في الأمل أصل الشجاعة والإقدام في الرجل
إسلام ويب

Post: #931
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:15 AM
Parent: #893

إن أهل الحق في كل زمان ومكان هم أعظم الناس صبراًَ على أقوالهم ومعتقداتهم،وإن أصابهم في سبيل ذلك ما أصابهم، وهذا هو الثبات على الحق، ولقد كان الثبات على الحق سيما أهل الحق منذ بزوغ فجر الدعوة الإسلامية المباركة حين جهر النبي بدعوته فاستجاب له نفر قليل، فابتلوا وعذبوا وساومهم الأعداء ليرتدوا عند دينهم فما زادهم ذلك إلا ثباتاً واستمساكاً بالحق الذي هداهم الله إليه.

وهذا الذي ذكرنا من ثباتهم على الحق وشدة تمسكهم به شهد به الأعداء قبل الأصدقاء،ألم تر إلى أبي سفيان رضي الله عنه حين سأله هرقل ـ ملك الروم ـ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: هل يرتد أحد منهم عن دينه سخطة له بعد أن يدخل فيه؟! فقال ـ وكان وقتها مشركاً ـ : لا، قال هرقل: وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب.

قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: أما أهل السنة والحديث فما يعلم أحدٌ من علمائهم ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده، بل هم أعظم الناس صبراً على ذلك، وإن امتحنوا بأنواع المحن، وفتنوا بأنواع الفتن.

وهذا حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين كأهل الأخدود ونحوهم، وكسلف هذه الأمة والصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة، حتى كان مالك رحمه الله يقول: لا تغبطوا أحداً لم يصبه في هذا الأمر بلاء.

يقول: وإن الله لا بد أن يبتلي المؤمن، فإن صبر رفع درجته كما قال تعالى:( الم* أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) (العنكبوت [1-3].

وقال تعالى:( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) السجدة [24].

وقال تعالى:( والعصر*إن الإنسان لفي خسر* إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر) (سورة العصر).

ولا شك أن الفتن التي يتعرض لها المؤمنون في هذه الأزمنة المتأخرة كثيرة متنوعة، فهناك فتن الشبهات والشهوات، وفتنة المال والجاه، وفتنة الشهرة، وهناك فتنة غلبة الظلمة والطواغيت وما يمارسونه مع المؤمنين من سجن واعتقال وتعذيب وتكذيب وغير ذلك من الفتن الكثيرة، نسأل الله العافية.

ولأن القلوب تتقلب، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسأل ربه الثبات على الحق:

"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"

وقد ذكر العلماء عوامل وأسباباً للثبات على الحق، نذكر منها على سبيل الإشارة ما يلي:

1ـ اللجوء إلى الله وإعلان الافتقار إليه ودعاؤه:

فليس بالعبد غناء عن ربه طرفة عين، فإن لم يثبته ربه ضل وهلك وقد قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً)

ولأجل هذا كان رسول الله صلى الله وسلم يدعو ربه أن يثبت قلبه على دينه، وكثيراً ما كان يقسم فيقول: "لا ومقلوب القلوب"

إن استشعار العبد فقره وحاجته إلى ربه ومولاه يجعله دائم الارتباط به، دائم الإقبال عليه، فيتولاه ربه ويصرف عنه السوء والفحشاء والفتن.

ومن أسباب الثبات:

2ـ تدبر القرآن ومدارسته والعمل به:

قال الله تعالى:(وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً)، وقال: (قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين) النحل.

وإن القرآن يشتمل على الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد كما قال تعالى:(نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم . وأن عذابي هو العذاب الأليم) وغيرها من الآيات،

كما أن مدارسته وسماعه تزيد الإيمان، كما قال تعالى: ( وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) (التوبة:124)

وقال تعالى عن المؤمنين: (وإذا تليت عليهم آيته زادتهم إيماناً) والقرآن شفاء لأمراض الشبهات والشهوات كما قال تعالى:(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) وقال:(قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) فإذا سلم القلب من أمراض الشبهات والشهوات كان أقوى على مواجهة الفتن، وأكثر ثباتاً على الحق.

كما أنه يشتمل على قصص السابقين التي تبشر المؤمنين بالنصر والتمكين وتبين عاقبة الظالمين والمجرمين: (وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك) فلهذه الأسباب وغيرها كانت مدارسة القرآن من أعظم أسباب الثبات.

ومن أسباب الثبات على الدين:

3ـ العمل بطاعة الله والكف عن معاصيه:

فالطاعات أغذية للقلوب، كما أن المعاصي سموم تصيب القلب في مقتل، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون). وقال تعالى: (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً لهم وأشد تثبيتاً) فمهما أطاع العبد ربه والتزم أوامره، وانتهى عما نهى عنه كان قويا في مواجهة الفتن، ومهما كان مفرطاً في اتباع الشرع، مقبلاً على المعاصي كان ضعيفاً أمام الفتن، قال بعضهم:

رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها

وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها

4ـ كثرة ذكر الله عز وجل:

فالله جل وعلا يقول:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً) (الأحزاب: 41ـ 43)

وقال الله عز وجل: (ألا بذكر الله تطمئن القلوب)

ألم تر أيها الحبيب أن الله عز وجل لما أرسل موسى وهارون إلى فرعون أوصاهما بالإكثار من ذكره سبحانه، فقال: (ولا تنيا في ذكري)

وأمر الله المؤمنين عند ملاقاة الكفار بأن يكثروا من ذكره فقال: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيراً لعلكم تفلحون)

فكثرة الذكر تقوي القلب والبدن، فيستعان بالذكر في مواجهة الفتن والابتلاءات وعند ملاقاة الأعداء.

5ـ القرب من العلماء العاملين

فإن العلماء هم ورثة الأنبياء الذين يأخذون بأيدي أتباعهم إلى الله، قال أنس رضي الله عنه: وما نفضنا عن النبي صلى الله عليه وسلم الأيدي حتى أنكرنا قلوبنا.

كيف لا وقد قال الله عز وجل في حق رسوله مع أمته: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (آل عمران:164)

قال الشيخ سعيد حوى رحمه الله معلقا على مقولة أنس رضي الله عنه:

في الحديث ما يدل على أن الرقي القلبي منوط بالاجتماع مع أهل الحق، والارتباط الروحي بهم، ومن هنا نؤكد على الانتساب للعلماء العاملين، والربانيين المخلصين.

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله واصفاً شيخه ابن تيمية رحمه الله: وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه، فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقينا وطمأنينة.

وهناك أسباب أخرى للثبات على الحق نعرض لها في مقال قادم بإذن الله، نسأل الله الكريم أن يثبت قلوبنا على دينه.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه وسلم أجمعين.
إسلام ويب

Post: #932
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:17 AM
Parent: #893

إن ديننا الحنيف قد أعلى من شأن النصيحة حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم : " الدين النصيحة..". الحديث،من هنا ربى الإسلام أهله على قول الحق وإن كان مرا ، وعلى الصراحة مع القريب والبعيد.

والصراحة في اللغة هي الوضوح والخلوص من الالتواء،ويعرفها بعضهم بقوله: (إظهار الشخص ما تنطوي عليه نفسه ، من غير تحريف..ولا مواربة .. بحيث تكون أفكاره واضحة جلية ، وبحيث توافق أفعاله أقواله..).( الخلق الكامل لمحمد أحمد جاد المولى).

النبي يربي أصحابه على الصراحة:

فعند بيعة العقبة وقبل أن تتم البيعة قام أبو الهيثم بن التيهان رضي الله عنه فقال: يا رسول الله إن بيننا وبين القوم حبالا (يعني اليهود) وإنا قاطعوها،فعل عسيت إن فعلنا ذلك ثم أظهرك الله أن ترجع إلى قومك وتدعنا؟عندئذ أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يتبسم: "بل الدم الدم ، والهدم الهدم.أنا منكم وأنتم مني أحارب من حاربتم وأسالم من سالمتم".فلم نجد منه غضبا أو تبرما أو انفعالا أو إنكارا على هذا الرجل بسبب صراحته ، إنما وجدنا تعظيما لهذا الخلق في نفس هذا الرجل والأمة من ورائه.

وحين صلى بهم الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة رباعية ركعتين قال له ذو اليدين بكل أدب وتوقير واحترام وصراحة أيضا:يا نبي الله أقصرت الصلاة أم نسيت؟. فقال صلى الله عليه وسلم: "لم أنس ولم تقصر".عندئذ أجاب الصحابة رضي الله عنهم بكل صراحة:بل نسيت يا رسول الله. فلم يعنفهم ولم يعتب عليهم ولم يستشعر حرجا فأكمل الصلاة وسجد للسهو.

فأين أصحاب الوجاهات من هذا الخلق؟ وهل يتحملون صراحة الأتباع كما كان يتحملها رسول الله صلى الله عليه و سلم؟.

ولما أشيع أن رسول الله أهدر دم رأس المنافقين عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه الصحابي الجليل عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول قائلا: يا رسول الله إنه قد بلغني أنك تريد قتل أبي فيما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به فأنا أحمل لك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان لها من رجل أبر بوالده مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أنظر إلى قاتل أبي يمشي في الناس ،فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر فأدخل النار. بهذه الصراحة والوضوح واجه هذا الصحابي الجليل رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان جوابه: " بل نترفق به نحسن صحبته ما بقي معنا".

لا خير فيكم إذا لم تقولوها

نعم هكذا قرر عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين قام رجل يأمره بتقوى الله عز وجل فاعترض بعض الحاضرين ، فقال عمر رضي الله عنه : دعوه فليقلها ، لا خير فيكم إذا لم تقولوها ، ولا خير فينا إذا لم نقبلها.

احترام الصريح لصراحته

يجب أن نكون عونا للناس على المصارحة ، ولا ينبغي أن نشدد عليهم إذا صارحونا بما في أنفسهم ولو كانت الصراحة تعبيرا عن ضعف بشري يعتري النفس، ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فإنه لما جاءه بشير بن الخصاصية رضي الله عنه يبايعه وافق بشير على كل شيء إلا الجهاد والصدقة، وكان مما قال يومئذ:أما الجهاد فإني رجل جبان وأخاف إن حضر القتال أن أخشع بنفسي فأفر فأبوء بغضب من الله.فلما قال له النبي صلى الله عليه وسلم: " يا بشير: لا صدقة ولا جهاد فبم إذن تدخل الجنة؟". بايعه بشير على كل شيء.فانظر كيف استقبل الرسول صلى الله عليه وسلم صراحة هذا الرجل ولم يعلق على وصفه نفسه بالجبن بلفظ يجرحه أو يؤذيه.

مفاهيم مغلوطة

إن بعض الناس قد سادت عندهم مفاهيم مغلوطة في هذا الجانب فبعضهم يرى أن من لوازم الصراحة سوء الأدب ؛ فتراه غليظا شديدا إذا نصح ، مستخدما الألفاظ الجارحة والكلمات النابية فلا يترتب على نصحه خير؛لأنه أخطأ الطريق بل أفسد من حيث يريد الإصلاح.وقد رأينا فيما سقناه من أمثلة فيما سبق كيف أن الصراحة كانت مقترنة بأدب جم وحرص على مشاعر الآخرين مما يجعل النفوس منقادة للنصيحة متقبلة لها.

ومن المفاهيم المغلوطة هنا أيضا خلط البعض بين المداراة والمداهنة ، فتراه يقر المنكر ويعاشر الفاسق ولا ينطق بكلمة بحجة المداراة أو مراعاة المصالح والمفاسد مع أن الفرق بين المعنيين كبير،فالمداراة كما ذكرها العلماء خلق من أخلاق المؤمنين يعني خفض الجناح للناس، ولين الكلمة، وترك الإغلاظ لهم في القول.وذلك من أقوى أسباب الألفة. في حين أن المداهنة كما بينها العلماء هي معاشرة الفساق وإظهار الرضا بما هم فيه من غير إنكار عليهم.ولا شك أن مثل هذا السلوك محرم في شريعتنا.

الصراحة خير من النفاق والمجاملة بالباطل

إن بعض الناس يضيق صدره إذا واجهه الآخرون بالصراحة فيغضب وينفعل ولا تنضبط ردود أفعاله مما يجعل الآخرين يحجمون عن مصارحته ومناصحته. ولو كان عاقلا حقا لعلم أن المصارحة والمناصحة خير من الغش والنفاق وإظهار الرضا مع إبطان البغض والكره له ولأفعاله.

وقد كان العقلاء والصالحون يطلبون الصديق الناصح ويحرصون عليه لعلمهم أنه أحد أسباب نجاتهم في العاجل الآجل وإليك هذه القصة التي تدل على ما ذكرنا ، فقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكرت عنده امرأة بسوء وقد غاب زوجها فبعث إليها فقالت:يا ويلها ، ما لها ولعمر، فبينما هي في الطريق ضربها الطلق لخوفها من عمر فألقت ولدا فصاح الصبي صيحتين ثم مات ، فاستشار عمر أصحابه فأشار بعضهم أن ليس عليك شيء إنما أنت وال ومؤدب. وعلي رضي الله عنه جالس لا يتكلم فأقبل عليه عمر قائلا ما تقول يا أبا الحسن؟ فقال: إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك فلم ينصحوا لك، إن ديته عليك؛لأنك أفزعتها فألقته. فضمن عمر دية الجنين.وبهذه الصراحة كانت الحقوق لا تغمط ، وكان أصحاب الحقوق لا يتتعتعون في نيل حقوقهم.
إسلام ويب

Post: #933
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:19 AM
Parent: #893

إن صفة التوازن التي تميز بها ديننا تجعل المؤمن في بعض المواطن متواضعًا متسامحًا، يعفو ويصفح، وإذا ما غضب يغفر، وفي مواطن أخرى تجده أبيًا حريصًا على مروءته، مطالبًا بحقه، مقتصًا من ظالمه، منتصرًا من المسيء إليه، فمتى يكون الانتصار؟

يوضح ابن العربي جواب هذا التساؤل بقوله: "أن يكون الباغي معلنًا بالفجور، وقحًا في الجمهور، مؤذيًا للصغير والكبير، فيكون الانتقام منه أفضل". ويصف الحالة المقتضية للعفو فيقول: "أن تكون الفلتة، أو يقع ذلك ممن يعترف بالزلة، ويسأل المغفرة، فالعفو هاهنا أفضل".

وأكد هذا المعنى الطبري في أحكامه، ووافق ابن العربي في أن أفضلية الانتصار تُفهم من قول إبراهيم النخعي عن السلف: "كانوا يكرهون أن يذلوا أنفسهم فتجترئ عليهم الفساق". وخصص العفو فيما إذا كان الجاني نادمًا مقلعًا.

وقد استحسن القرطبي هذا التفصيل وأقره، وحمل الغفران على غير المصرِّ، وقال: "فأما المصرّ على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه".

ومما ذكره القرطبي في تفسير قوله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} [الشورى:39]. "هو عام في بغي كل باغ من كافر وغيره، أي إذا نالهم ظلم من ظالم لم يستسلموا لظلمه". وبعد أن عرض القرطبي جملة من الأقوال علق قائلاً: "وبالجملة العفو مندوب إليه، ثم قد ينعكس الأمر في بعض الأحوال، فيرجع ترك العفو مندوبًا إليه .. وذلك إذا احتيج إلى كفّ زيادة البغي وقطع مادة الأذى، وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما يدل عليه". واستدل بحديث انتصار عائشة من زينب رضي الله عنهما، وسيأتي تفصيله.

جاء في تفسير الآية: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون * وجزاء سيئة سيئةٌ مثلها}. أي ينتقمون ممن بغى عليهم ولا يستسلمون لظلم المعتدي.. قال أبو السعود: هو وصف لهم بالشجاعة بعد وصفهم بسائر الفضائل، وهذا لا ينافي وصفهم بالغفران، فإن كلاّ في موضعه محمود {وجزاء سيئةٍ سيئةٌ مثلها} أي: وجزاء العدوان أن ينتصر ممن ظلمه من غير أن يعتدي بالزيادة. قال الفخر الرازي: لما قال الله تعالى: {والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون} أردفه بما يدل على أن ذلك الانتصار يجب أن يكون مقيدًا بالمثل دون زيادة، وإنما سمَّى ذلك سيئة لأنها تسوء من تنزل به".

ولما استفتى الإمام مالك في قول سعيد بن المسيب: "لا أحلل أحدًا". وجّه هذا القول في عدم التجاوز عن الرجل الظالم، فقال: "لا أرى أن يجعله من ظلمه في حِلّ". وعلل ابن العربي فتوى مالك بقوله: "إن كان ظالمًا فمن الحق ألا تتركه لئلا تغتر الظلمة ويسترسلوا في أفعالهم القبيحة".

ويؤكد الصاوي في حاشيته على الجلالين هذا المعنى فيقول: "من مكام الأخلاق التجاوز والحلم عند حصول الغرض، ولكن يشترط أن يكون الحلم غير مخل بالمروءة". وأما إذا انتهكت حرمات الله "فالواجب حينئذ الغضب لا الحلم، وعليه قول الشافعي: من استغضب فلم يغضب فهو حمار، وقال الشاعر: وحِلم الفتى في غير موضعه جهل".

وفي تفسير قوله تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم...} [النساء:148] نقل القرطبي في تفسير الآية على قراءة من قرأ {إلا من ظَلم} قولَ أبي إسحاق الزجاج: "يجوز أن يكون المعنى: إلا من ظَلَم فقال سوءًا فإنه ينبغي أن تأخذوا على يديه". وعلق القرطبي قائلاً: "قلت: ويدل على هذا أحاديث منها قوله صلى الله عليه وسلم: "خذوا على أيدي سفهائكم"، وقوله: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا". قالوا: هذا ننصره مظلومًا فكيف ننصره ظالما؟ قال: "تكفه عن الظلم".

وفي حديث طويل تنتدب نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة زينب رضي الله عنها لطلب مساواتهن بالسيدة عائشة رضي الله عنها؛ إذ كن يشعرن أن لها في قلبه منزلة ليست لغيرها، وكن يرين هدايا الناس تأتي أكثر ما تأتي حين يكون في بيت عائشة.. واستطالت زينب على عائشة بالكلام وعائشة تنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. تقول: "حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر..". وفي رواية: "حتى قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دونك فانتصري)". فأقبلتُ عليها حتى رأيتها وقد يبس ريقها في فيها، ما ترد عليَّ شيئًا، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم يتهلل وجهه".

ولا يجوز للمنتصر أن يتعدى على أخيه المسلم بأكثر مما أساء إليه، ولا يحق له أن يغمطه حقه، ففي رواية مسلم لحديث عائشة السابق تقول عائشة وفاءً لضرتها التي كانت تساميها في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: "... ولم أر امرأة قط خيرًا في الدين من زينب، وأتقى لله وأصدق حديثًا، وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدَّق به وتقرَّب به إلى الله تعالى، ما عدا سَوْرَةٍ من حِدَّة كانت فيها، تسرع منها الفيئة". وذلك أدب النبوة، فمع مبادأتها بالسباب لم تتجاوز حد العدل، ولم تغفل عن أن تعذرها.

ويجب أن نفرق بين انتصارنا من أخينا الذي غلب خيره والانتصار من الظالم المصر أو الكافر المستكبر، وإذا توقعت أن انتصارك من أخيك المسيء إليك قد يزيد الشر، ويوغل في التمادي وتفاقم الخطب، فاسدد أبواب الشيطان وقدر المصالح والمفاسد.

وفي سنن أبي داود حديث بهذا المعنى، فقد ورد أن رجلاً وقع بأبي بكر فآذاه - بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم - ولمَّا آذاه الثالثة انتصر منه أبو بكر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انتصر أبو بكر، فقال أبو بكر: "أوجدت عليَّ يا رسول الله؟" فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نزل ملك من السماء يكذبه بما قال لك، فلما انتصرت وقع الشيطان، فلم أكن لأجلس إذ وقع الشيطان". قال الخطابي في شرح الحديث: "إنما وقع الشيطان حين انتصر أبو بكر لأن انتصاره يغري صاحبه - سيما وقد بدا الشر منه بتكرير الإساءة - بالتزيد والتمادي فيكون ذلك سببًا في تفاقم الخطب".

والمغلوب على أمره يتأسى بنوح عليه السلام حينما عجز عن قومه: {فدعا ربه أني مغلوب فانتصر}، أما القادر على الانتصار بقيوده وشروطه الشرعية، فلا عذر له في الخنوع والاستكانة للظالمين.

فأما قوله تعالى: {ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور} [الشورى:43] فقد قال فيه القرطبي: "هو محمول على الغفران عن غير المصِرّ، فأما المصر على البغي والظلم فالأفضل الانتصار منه". وأما كظم الغيظ فمستحسن ومندوب إليه بعد التمكن من الظالم والقدرة عليه، وإذا عُلم صدق توبته وندمه، أو أنها زلة منه لم يصر عليها، فالعفو عنه عندئذ هو الأولى، أما عفو الضعيف فهو عفو المكره المستضعف ولا فضيلة فيه.

إن إحياء خلق (الانتصار) هام وضروري، لئلا تعتاد الأمة قبول الذل، لا من فاسق يقهرها، ولا من كافر ينحرها، لأن الامة التي تعتاد السكينة أمام الظلم، والوداعة أمام الخسف والعسف، تفقد دافعية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وتنعدم فيها روح الجهاد، فهل نحن منتصرون حين يلزم الانتصار ممن لا يرتدع إلا بالانتصار؟
إسلام ويب

Post: #934
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:22 AM
Parent: #893

لقد بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، بشيراً لأتباعه، نذيراً لأعدائه، بل كانت مهمة الرسل لا تعدو هذين الوصفين: {وما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ } [ الأنعام: 48] ، [ الكهف : 56] وقد أمر الله في كتابه بتبشير المؤمنين والصابرين والمحسنين والمخبتين .. في آيات كثيرة.

ونقصد بخلق ( التبشير) : التخلق بالصفات التي تستدعي الاستئناس والارتياح والتحبب وبث الأمل في القلوب، والبعد عن أساليب (التنفير) ودواعي الانقباض .. حتى في التخويف من الله والترهيب من النار.

وكان من أساليب تبشير رسول الله صلى الله علي وسلم أنه يختار الوقت المناسب والقدر المناسب لأداء الموعظة والعلم كي لا ينفر الصحابة، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم : " يسروا ولا تعسروا ، وبشروا ولا تنفروا " (البخاري) وعلق عليه ابن حجر بقوله: ( المراد تأليف من قرب إسلامه، وترك التشديد عليه في الابتداء، وكذلك الزجر عن المعاصي ينبغي أن يكون بتلطف ليقبل وكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدرج؛ لأن الشيء إذا كان في ابتدائه سهلاً حبب إلى من يدخل فيه، وتلقاه بانبساط ، وكانت عاقبته غالباً الازدياد ...)

ومن حكمته صلى الله أنه استعمل أساليب التبشير في إيقاظ الهمم والتنشيط للطاعة، ومن ذلك قوله : " بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة" (صحيح سنن ابن ماجة) وصلى العشاء مرة بأصحابه، وقبل أن ينصرفوا قال لهم : "على رسلكم. أبشروا. إن من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلي هذه الساعة غيركم " (البخاري) قال أبو موسى الأشعري : فرجعنا ففرحنا بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ويحتاج الإنسان في حالات الاضطراب إلى التبشير بما يزيل عنه دواعي الاضطراب، فبعد نزول الوحي على رسول صلى الله عليه وسلم ذكر لخديجة رضي الله عنها ما جرى له، وأخبرها بخوفه على نفسه من هذه الظاهرة الجديدة، فبشرته بأن له من سابقة الخير ما يستبعد معها مكافأة بمكروه، فقالت: " كلا. أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبداً، فوالله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل ، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق .. " وكان هذا شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أمته ليزيل عنها دواعي القلق على مستقبل هذا الدين : " بشر هذه الأمة بالسناء والرفعة والدين والنصر والتمكين في الأرض". (روا الإمام أحمد وصححه الألباني).

وحتى في حالات الضعف البشري لم يكن رسول الله ليعنف أصحابه بفظاظة وغلظة، وهم الذين سمعوا بقدوم أبي عبيدة بجزية البحرين، فاجتمعوا على صلاة الفجر، وتبعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الصلاة، ففهم ماذا يريدون، قال : " فابشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا... " .( البخاري).

والمؤمن محتاج في حال البلاء إلى من يكشف همه، ويبشره بما يسره، إما بفرج عاجل، أو بأجر آجل، ولقد وجد رسول صلى الله عليه وسلم أم العلاء مريضة فقال لها : " أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب خطاياه، كما تذهب النار خبث الحديد".

والمؤمن بشير في مواقف الأسى يسري عن الناس أحزانهم؛ بما يدخل البهجة إلى قلوبهم، ويبعد الكآبة عنهم، كتب زيد بن أرقم إلى أنس بن مالك زمن الحرة يعزيه فيمن قتل من ولده وقومه، فقال : أبشرك ببشرى من الله عز وجل، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اللهم اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار).

ولقد بشر الله المبايعين على الجهاد بما ادخر لهم من الأجر إن وفوا بالبيعة: { ... فاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ } [ التوبة: 111] وبشر رسول الله صلى الله عليه وسلم الموحدين بالجنة جزاء التزامهم بكلمة التوحيد قولاً واعتقاداً وعملاً – رحمة من الله سبحانه - : " أبشروا ، وبشروا من وراءكم؛ أنه من شهد أن لا إله إلا الله صادقاً من قلبه، دخل الجنة " وقال جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم مبشراً المؤمنين الحذرين من صور الشرك كبيرها وصغيرها : " بشر أمتك أنه من مات لا يشرك بالله شيئاً، دخل الجنة" ( البخاري).

وفي توبة كعب بن مالك صورة عملية من صور التعاطف الاجتماعي والتهنئة بقول التوبة، حيث ذهب إليه عدد من المبشرين، فناداه أحدهم قبل أن يصل إليه : ( يا كعب بن مالك ! أبشر، يقول كعب: فخررت ساجداً، وعرفت أن قد جاء فرج ) وتلقاه الناس فوجاً يهنئونه بالتوبة ويقولون له : ( لتهنك توبة الله عليك ) ولما سلم على رسول الله قال صلى الله عليه وسلم، وهو يبرق وجهه من السرور : " أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك".

ومن لطيف ما ورد في هذه القصة رواية نقلها صاحب كتاب فتح الباري الإمام ابن حجر رحمه الله ، تبين مدى حرص المجتمع الإسلامي على تبادل البشريات، يقول كعب: ( فأنزل الله توبتنا على نبيه حين بقي الثلث الأخير من الليل، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند أم سلمة، وكانت أم سلمة محسنة في شأني معتنية بأمري، فقال: " يا أم سلمة ! تيب على كعب " قالت: أفلا أرسل إليه فأبشره؟ قال : " إذاً يحطمكم الناس فيمنعوكم النوم سائر الليلة" فقد كانت أم سلمة حريصة على ألا تنتظر الصباح وألا تدخر البشرى لرجل مسلم.

وقد وعد الله الذين آمنوا وكانوا يتقون بأن: { لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخر .. } [ يونس: 64] ومن البشرى العاجلة في الحياة الدنيا، أن يلقى المسلم قبولاً حسناً من إخوانه، وأن تشكره على إحسانه، فذلك من التبشير، وقد روى مسلم في باب ( إذا أثني على الصالح فهي بشرى ولا تضره) حديثاً جاء فيه : قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه ؟ قال : " تلك عاجل بشرى المؤمن". وحاله صلى الله عليه وسلم مع أصحابه التبشير، كما في قوله : " إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا وأبشروا". قال في فتح الباري : (وأبشروا : أي بالثواب على العمل الدائم – وإن قل – والمراد تبشير من عجز عن العمل بالأكمل، بأن العجز إذا لم يكن من صنيعه لا يستلزم نقص أجره، وأبهم المبشر به تعظيماً له وتفخيماً ).

ومبنى هذا الخلق وأساسه أن يكون المسلم مصدراً للفأل الحسن والأمل الواسع، والعاقبة الخيرة، وألا يرى أخوه منه ما يكره.

أفبعد كل هذه الإشارات يقبل أحدنا لنفسه أن يكون مصدر شؤم، ومظنة تخذيل، وإحباط أو تنفير، أو قتل للقدرات؟ أم نشيع البشرى، وننشر التفاؤل، ونحيي النفوس ونحرض على الخير، ونعين على المعروف، ونستنهض الهمم إلى أن يكون كل منا بشيراً لإخوانه يحيي فيهم الأمل ويدفعهم إلى مزيد من العمل؟.
إسلام ويب

Post: #935
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:24 AM
Parent: #893

روى الشيخان عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".

لقد ربى الإسلام أبناءه على استشعار أنهم كيان واحد، أمة واحدة، جسد واحد: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ َ) (الحجرات:10) ، ويقول الله تعالى: ( إن هذه أمتكم أمة واحدة) ( الأنبياء:92).

أما الرسول صلى الله عليه وسلم فقد أكد هذا المعنى وشدد عليه حين قال: "المسلم أخو المسلم"، "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا"، "مثل المؤمنين في توادهم وتعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر".

محبة الخير للآخرين من علامات الإيمان

ومن ذلك أنه رباهم على محبة الخير لإخوانهم المسلمين كما يحبونه لأنفسهم، وجعل ذلك من علامات كمال الإيمان، فمن لم يكن كذلك فقد نقص إيمانه، ويؤكد هذا المعنى –أن محبة الخير للآخرين من علامات الإيمان- ما رواه الترمذي وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: "أحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا".

ويؤكده أيضا ما رواه أحمد عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أفضل الإيمان؟ فقال: "أفضل الإيمان أن تحب لله، وتبغض لله، وتعمل لسانك في ذكر الله" قال: وماذا يا رسول الله؟ قال: "أن تحب للناس ما تحب لنفسك ، وتكره لهم ما تكره لنفسك ، وأن تقول خيرا أو تصمت".

وهذه الصفة سبب لكل خير.. فهي من أعظم أسباب سلامة الصدر، وقد علمتم ما لفضيلة حسن الصدر وسلامته فيما سبق ( راجع مقال: سلامة الصدر طريقك إلى الجنة).

وهي سبب دخول الجنة

ثم إن هذه الصفة من أعظم أسباب دخول الجنة، روى الإمام أحمد عن يزيد القشيري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتحب الجنة؟ قال: نعم. قال: فأحب لأخيك ما تحب لنفسك".

وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه".

خلد الله ذكر الأنصار ومدحهم بهذه الصفة

وقد مدح الله أنصار نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم: (وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الحشر:9).

فمع أنهم هم الذين آووا المهاجرين ووواسوهم بل وقاسموهم الأموال وأعانوهم نصروا الرسول وبذلوا أموالهم وأرواحهم لنصرة هذا الدين لم يجدوا في صدورهم شيئا حين فضل الله المهاجرين ، وفوق ذلك لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن المهاجرين تركوا ديارهم وأموالهم، قالوا: هذه أموالنا، اقسمها بيننا وبين إخواننا المهاجرين اقسم بيننا وبين إخواننا النخيل، فرفض النبي عليه والصلاة والسلام إلا بأن يعمل المهاجرون ويشتركوا مع الأنصار في الثمر.

كما أنهم لما عرض عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم أن يخصص لهم أموال البحرين قالوا: لا حتى تشرك إخواننا المهاجرين. فأي نفوس هذه التي جادت وسمت حتى أبت أن تأخذ مما أحل الله لها حتى يشترك بقية المسلمين فيها؟!.

ومن هذا الباب وجدنا أسلافنا يحبون الخير للمسلمين وإن نأت ديارهم وتباعدت أوطانهم ، يقول عبد الله بن عباس : إني لأسمع بالغيث أصاب بلدا من بلدان المسلمين فأفرح وما لي بها سائمة.

ومن محبتهم الخير للآخرين لم يبخلوا عليهم بنصح وأن ظن أنه يمنعهم شيئا من مكاسب الدنيا ، فهذا محمد بن واسع رحمه الله يذهب إلى السوق بحمار ليبيعه فيقف أمامه رجل يريد شراء الحمار فيسأل محمد بن واسع : أترضاه لنفسك؟ فيقول محمد بن واسع : لو رضيته لنفسي ما بعته.

لا يكره الخير للمسلمين إلا أحد ثلاثة:

الأول: رجل يسخط قضاء الله ولا يطمئن لعدالة تقديره سبحانه فهو يريد أن يقسم رحمة ربه على حسب شهوته وهواه ، ولو اتبع الحق هواه لما أذن هذا الساخط على أقدار الله لغيره أن يتنسم نسيم الحياة: (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْأِنْفَاقِ وَكَانَ الْأِنْسَانُ قَتُوراً) (الاسراء:100).

نعم لو كان الأمر لهؤلاء ضعاف النفوس ضعاف الإيمان لحجبوا عن الناس كل خير ، ولكن :

(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيّاً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف:32)

ومثل هذا المعترض على حكمة الله والمتسخط على أقدار الله ليس من الإيمان في شيء، إنما هو من أتباع إبليس في الدنيا والآخرة.

الثاني: رجل أكل الحقد والحسد قلبه، فهو يتمنى زوال النعمة من عند الآخرين ولو لم تصل إليه، وهو دائما مشغول بما عند الآخرين: زوجة ـ راتب ـ سيارة ـ بيت .. فهذا في غم دائم وعذاب لا ينقضي. ومثل هذا يحتاج للتذكير بنهي الشرع عن الحسد ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ..." ويقول الله تبارك وتعالى:

(أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (النساء:54) ولو علم هذا الحاقد أن حقده وحسده لا يغير من أقدار الله شيئا لأراح نفسه ولشغلها بما يصلحها بدلا من شغلها بالناس وما آتاهم الله من فضله.

الثالث: رجل أذهلته شهوة طبعه عن سعة فضل الله تعالى فيخشى إذا زاحمه الناس على الخير ألا يبقى له حظ معهم، وهذا من الجهل، فخزائن ربنا ملأى : "يد الله ملأى لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما في يمينه". (رواه البخاري ).

والله عز وجل يقول في الحديث القدسي:

"يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر..." (الحديث رواه مسلم).

فحري بنا أن نوطن أنفسنا على محبة الخير للآخرين ، وأن نحرص على إيصال النفع لهم .

والحمد لله أولا وآخرا وظاهرا وباطنا وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #936
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:27 AM
Parent: #893

إن إكرام الضيف من مكارم الأخلاق، وجميل الخصال التي تحلَّى بها الأنبياء، وحثَّ عليها المرسلون،واتصف بها الأجواد كرام النفوس، فمَنْ عُرِفَ بالضيافة عُرِف بشرف المنزلة، وعُلُوِّ المكانة، وانقاد له قومُه، فما ساد أحد في الجاهلية ولا في الإسلام، إلا كان من كمال سُؤدده إطعام الطعام، وإكرام الضيَّف، كما قال ابن حِبَّان يرحمه الله:

"والعرب لم تكن تعدُّ الجودَ إلا قِرَى الضَّيف، وإطعام الطعام، ولا تعدُّ السَّخيَّ من لم يكن فيه ذلك".

وقد حثَّنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم على إكرام الضيف؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمنُ بالله واليوم الآخر فليُكرم ضيفَه" [رواه البخاري ومسلم].

وعن أبي شُرَيحٍ خُويْلد بن عمرو رضي الله عنه قال: أبصرت عيناي رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمعتْهُ أذناي حين تكلم به، قال: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفَهُ جائزتَهُ"، قالوا: وما جائزتُه؟ قال: "يومٌ وليلةٌ، والضيافة ثلاثة أيام، وما كان بعد ذلك فهو صدَقةٌ عليه" [رواه البخاري ومسلم].

وفي رواية أخرى عنه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الضيافةُ ثلاثة أيام، وجائزتُه يوم وليلة، ولا يحل لرجل مسلم أن يقيم عند أخيه حتى يُؤثمه" قالوا: يا رسول الله وكيف يؤثمُهُ؟ قال: "يقيم عنده ولا شيء له يقْرِيه به" [رواه مسلم].

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "إن لزَوْرِك عليك حقًّا" [رواه البخاري ومسلم].

ويقر النبي صلى الله عليه وسلم سلمان الفارسي على قوله لأبي الدرداء: "إن لضيفك عليك حقًّا" [رواه الترمذي].

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم تبوك فقال: "ما من الناس مثل رجل آخذ بعنان فرسه، فيجاهد في سبيل الله، ويجتنب شرور الناس، ومثل رجل في غنمه يقري ضيفَهُ ويؤدِّي حقَّهُ" [رواه أحمد في مسنده بإسناد صحيح].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهودٌ ( المجهود من أصابه الجهد والمشقة والحاجة والجوع). فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماءٌ. ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهنَّ مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق. فقال: "من يُضيف هذا الليلة رَحمه الله" فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحْلِهِ فقال لامرأته: هل عندك شيءٌ؟ قالت: لا إلا قُوتُ صِبياني. قال: فعلليهم بشيء، فإذا دخل ضيفنا فاطفئي السراج، وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السِّراج حتى تُطفئيه. قال: فقعدوا وأكل الضيف فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "قد عجب الله من صنيعكما بضيفكما الليلة" [رواه البخاري ومسلم].

فانظر إلى هذا الكرم كيف رفع منزلة أهل هذا البيت حتى أخبر الله نبيه خبرهم وعجب من صنيعهم!!.

قال الشاعر:

أولئك قومٌ إن بنـوا أحسنـوا البِنَا *** وإن عاهدوا أوفوا وإن عقدوا شدُّوا

وإن كانت النعماءُ فيهم جزَوا بها *** وإن أنعموا لا كـدَّروها ولا كـدُّوا

وعلى المضيف عدم احتقار القليل، بل يجود بالموجود ولو بشق تمرة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن احتقار القليل.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يا نساء المسلمات، لا تحقرنّ جارةٌ لجارتها ولو فِرْسنَ شاةٍ".

وعنه أيضًا قال: "خير الناس للمساكين جعفر بن أبي طالب ينقلب، فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إن كان ليخرج العُكَّة (وعاء من جلد يوضع فيه السمن والعسل)، ليس فيها شيءٌ فنشُقُّها، فنلعق ما فيها".

قال ابن حبان يرحمه الله: "يجب على العاقل ابتغاء الأضياف، وبذل الكِسَر؛ لأنَّ نعمة الله إذا لم تُصَن بالقيام في حقوقها، ترجع من حيثُ بدأتْ، ثم لا ينفع من زالت عنه التَّلهُّف عليها، ولا الإفكار في الظَّفر بها، وإذا رأى حقَّ الله فيها، استجلب النماء والزيادة، واستأخر الأجر في القيامة، واستصغر إطعام الطعام.

وعنصر قِرَى الضيف هو تركُ استحقار القليل، وتقديم ما حضر للأضياف؛ لأن من حقر منع من إكرام الضيف بما قدر عليه، وترك الادخار عنه، وقد سئل الأوزاعيُّ – رحمه الله – ما إكرامُ الضيف؟ قال: طلاقةُ الوَجْهِ، وطيبُ الكلام".

فانظر – أخي الحبيب – إلى فقه هذا الإمام الذي جعل إكرام الضيف في طلاقة الوجه، وطيب الكلام، وقارن ذلك بحال أهل زمانك، فالضيافة عند أكثرهم هي بتكثير الطعام، حتى إنك تجد كثيرًا من الناس من يمتنع عن القِرَى لعدم وجود اللحم في حال وجود الضيف، والقاصد لوجه الله يجود بالموجود، ولا يتكلف التكلف الذي هو فوق الطاقة، وأما ما دون ذلك فلا بأس به، بل هو محمودٌ لقول الله سبحانه وتعالى – في شأن إبراهيم خليله لما أتاه الأضياف – {فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ} [الذرايات:26]. وقال تعالى: {فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ} [هود:69].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم أو ليلةٍ فإذا هو بأبي بكر وعمر فقال: "ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟" قالا: الجوع يا رسول الله. قال: "وأنا والذي نفسي بيده لأخرجني الذي أخرجكما، قوموا"، فقاموا معه، فأتى رجلاً من الأنصار، فإذا هو ليس في بيته، فلما رأتهُ المرأة قالت: مرحبًا وأهلاً وسهلاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أين فلان؟" قالت: ذهب يستعذب لنا من الماء. إذ جاء الأنصاري فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، ثم قال: الحمدُ لله، ما أحدٌ اليوم أكرَمَ أضيافًا مني. قال: فانطلق فجاءهم بعذق فيه بُسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه، وأخذ المُدية، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إياك والحَلُوب"، فذبح لهم، فأكلوا من الشاة ومن ذلك العذق وشربوا.

ومن تمام الضيافة أن تفرح بمقدم ضيفك، وتظهر له البشر، وأن تلاطفَهُ بحسن الحديث، وتشكرَه على تفضله ومجيئه، وتقوم بخدمته، وتظهر له الغِنى وبشاشةَ الوجه؛ فقد قيل: البشاشة في الوجه خير من القرى، وقد نظم بعضهم هذا الكلام بأبيات فقال:

إذا المرءُ وافـى مـنزلاً منك قاصـدًا *** قراكَ وأرمَـتْهُ لديــك المسـالكُ

فكن بــاســمًا فـي وجـهــه مُتـهــللاً *** وقل مرحبـًا أهلاً ويومٌ مباركُ

وقــدم لـه مـا تستـطيــع مـن القِـرَى *** عجولاً ولا تبخل بما هو هالِكُ

فـقـد قيــــل ببـيـتِ ســالــفِ مُتقــدّمِ *** تداولــــهُ زيـدٌ وعَمـرو ومالكُ

بشاشةُ وجْه المـرء خيرٌ من القِرَى *** فكيف بمن يأتي و هو ضَاحِكُ

وقال آخر:

الله يعلـم أنه مــا ســـرني *** شيء كطـارقـة الضيـوف النزل

مازلت بالترحـيب حتـى خلتني *** ضيفـًا لهـم والضيف رب المنـزل

أخذها من قول بعضهم:

يا ضيفنـا لو زرتنـا لوجـدتنا *** نحـن الضيـوف وأنت رب المنـزل

وقال سيف الدولة ابن حمدان:

مـنـزلنـا حـب لمــن زاره*** نحـن ســواء فيـه و الطـارق

وكل مـا فيـه حـلال لــه *** إلا الذي حــرمــه الخـالـق

قال ابن حبان يرحمه الله: "ومن إكرام الضيف طيبُ الكلام، وطلاقة الوجه، والخدمةُ بالنفس فإنه لا يَذِلُّ من خدَم أضيافه، كما لا يعِزُّ من استخدمهم، أو طلب لِقرَاه أجرًا".

وكرام الناس وسادتهم يقضون هذا الحق، فيقبلون على ضيوفهم، ويرفعون من قدرهم، ويُعلون من منزلتهم، والتقربُ تجمُّلُ الحديث، والبسطُ ، والتأنيسُ ، والتلقّي بالبشر من حقوق القِرَى ، ومن تمام الإكرام.

وقالوا: "من تمام الضيافة الطلاقة عند أوَّلِ وهْلَةٍ، وإطالةُ الحديث عند المأكلة".

وقال حاتم الطائي:

سَلِي الجـائـعَ الغَرْشـان يا أُمَّ مُنـذرِ *** إذا ما أتـاني بَين ناري ومجْـزري

هل أبسطُ لـه وجُهي إنـه أولُ القِرَى *** وأبـذل معـروفـي له دُونَ مُنْكَري

وقال آخر:

وإني لطلق الــوجـــه للمـبـتــغـي القِــرَى *** وإن فـنـائـي للقِـــرى لَرَحـيـــبُ

أضــاحـك ضَيـفــي قـبـل إنـزال رَحْـــلهِ *** فيخصـبُ عندي والمكانُ جديبُ

وما الخَصْبُ للأضياف أن يكثر القِـرَى *** ولكنَّمـا وجُــهُ الكـريــم خصيـبُ

وإذا كان معك أكثر من ضيف، فأقبل على كُلِّ واحدٍ منهم بوجهك، ولا تخصَّ أحدًا دون الآخر بحديثك، أو شيء من ضيافتك، وحاول أن تلتمس رضى كل واحد منهم، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكرم الناس لضيوفه، فقد كان يعطي كل واحدٍ من ضيوفه نصيبَهُ، ولا يحسبُ ضيفُهُ أن أحدًا أكرمُ عليه منه.

قال الشاعر:

أتاك رســول المكْــرُمـات مسـلمًا *** يـريــد رســـول اللــه أعـظــمَ مُـتَّـقـي

فأقبل يسـعى في البساط فما دَرَى *** إلى البحر يسعى أم إلى الشمس يَرتقي

واعلم – أخي في الله – أن العبوس وإبداء الضيق، وكثرةَ الدخول والخروج لغير حاجة، ونهر الأطفال أو الخادم بحضرة الضيوف – دليل الشُّحِّ، وأمارةُ البخل، والموتُ خيرٌ من إجابة دعوة بخيل، كما قيل:

وللمـوتُ خيرٌ من زيارة باخلٍ *** يلاحظُ أطرافَ الأكيـلِ على عَمـدِ

رزقنا الله وإياكم نفوسا كريمة سخية ، ووجوها باسمة ندية ، وصلى الله وسلم وبارك على سيد الأجواد سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
إسلام ويب

Post: #937
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:30 AM
Parent: #893

لقد امتدح الله عز وجل الحافظين فروجهم والحافظات، وجعل ذلك من سمات الفلاح وعلامات الفوز في الآخرة، فقال تعالى: {قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون * والذين هم عن اللغو معرضون * والذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون} [المؤمنون: 1-5].

وقد وعد الله هؤلاء المفلحين بقوله: {أولئك هم الوارثون * الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون}.

كما أكد النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى في العديد من أحاديثه فقال: "إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحفظت فرجها، وأطاعت زوجها، قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت". (رواه أحمد وصححه الألباني).

وقال صلى الله عليه وسلم: "اضمنوا لي ستًا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم". ( رواه أحمد وابن حبان والحاكم وصححه).

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا شباب قريش لا تزنوا، ألا من حفظ فرجه فله الجنة". (رواه الحاكم وصححه).

أما من لم يحفظ فرجه فإنه يسلك سبيلاً إلى النار، فقد سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس النار فقال: "الفم والفرج". (رواه ابن حبان).

أما عن أثر حفظ الفرج على الفرد والمجتمع في الدنيا، فهو أثر عظيم جدًّا إذ يؤدي إلى تجنيب الفرد ويلات الزنا، وقد أشار إلى شيء منها الإمام العلامة ابن القيم رحمه الله فقال: الزنا يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين، وذهاب الورع، وفساد المروءة، وقلة الغيرة، فلا تجد زانيًا معه ورع، ولا وفاء بعهد، ولا صدق في حديث، ولا محافظة على صديق؛ إذ الغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من شعبه وموجباته. (أي من شعب وموجبات الزنا).

فالذي يحفظ فرجه من الوقوع في حرام يقي نفسه هذه الصفات السيئة.

من وسائل حفظ الفرج:

إذا كانت الشريعة الغراء قد أمرت بحفظ الفرج من الزنا ونحوه، فإنها قد أوضحت بجلاء لا ريب فيه الطرق الكفيلة بحماية الفرد والمجتمع في هذا الباب، فحثت على العفة والطهارة، وربت أبناء المجتمع المسلم على الغيرة، وأمرت بغض البصر، وأوجبت على النساء التحجب والتستر ونهت عن التبرج والتكشف، وغلَّظت عقوبة الزنا، وكللت ذلك كله بالحث على المسارعة في الزواج لمن يقدر عليه، أما من لم يكن قادرًا فحثته على الصيام، وذلك كله لوقاية المسلم من ثوران الشهوة، وسطوة الغريزة، والمحافظة على النسل.

وحين أمرت هذه الشريعة الغراء بالزواج وحثت عليه فإنها جعلت من أهم مقاصده حفظ الفرج: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج...". (رواه البخاري ومسلم).

ومن فوائد تحصين الفرج بالزواج في صيانته من الحرام أن العبد متى ما وقعت عينه على ما لا يرضي الله تعالى وحدثته نفسه بسوء فإن عنده من الحلال ما يستغني به عن الحرام ، ولهذا ورد هذا التوجيه النبوي المبارك لأبناء الأمة حين قال: " إذا أحدكم أعجبته المرأة فوقعت في قلبه ، فليعمد إلى امرأته فليواقعها ؛ فإن ذلك يرد ما في نفسه". (رواه مسلم).

حفظ الفرج من أسباب إجابة الدعاء:

قد تعجب حين تقرأ هذا العنوان، لكن ربما يزول عجبك إذا عرفت الدليل على صحة ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هاجر إبراهيم عليه السلام بسارة، فدخل بها قرية فيها ملك من الملوك – أو جبار من الجبابرة – فقيل: دخل إبراهيم بامرأة هي من أحسن النساء. فأرسل إليه أن إبراهيم مَنْ هذه التي معك؟ قال: أختي. ثم رجع إليها فقال: لا تُكذبي حديثي، فإني أخبرتهم أنك أختي، والله إن على الأرض من مؤمن غيري وغيرك. فأُرسل بها إليه فقام إليها، فقامت تتوضأ وتصلي فقالت:

اللهم إن كنتُ آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي فلا تسلط عليَّ الكافر. فغُط حتى ركض برجله".

وتكرر الأمر ثلاث مرات، في كل مرة تتوسل إلى الله بإيمانها وحفظ فرجها وفي كل مرة يدفع الله عنها هذا الجبار، حتى قال: "والله ما أرسلتم إليَّ إلا شيطانًا، أرجعوها إلى إبراهيم وأعطوها آجر، فرجعت إلى إبراهيم عليه السلام، فقالت: أشعرت أن الله كبت الكافر، وأخدم وليدةً". (رواه البخاري).

فانظر كيف أجاب الله دعوتها حين توسلت إليه بالإيمان وحفظ الفرج!.

حفظ الفرج سبب المغفرة والأجر العظيم

ولأن بني آدم قد ركبت فيهم الشهوة فقد أمر الله عباده بحفظ فروجهم ووعدهم على ذلك الخير العميم،فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: ( قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن..)

وفي مواضع أخرى من كتابه العزيز وعد الحافظين فروجهم بالأجر العظيم فقال: ( والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما ).

نسأل الله الكريم أن يصرف عنا وعن المسلمين السوء والفحشاء إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #938
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:33 AM
Parent: #893

إن المؤمن عالي الهمة لا يقنع بالدون، ولا يقر له قرار في هذه الدنيا؛ فهو متطلع دائمًا إلى الأكمل والأحسن، يستشعر أنه في ميدان سباق، فيأخذ أهبته، ويعد عدته، ويشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، حتى يصل إلى مطلوبه فيكون من السابقين {والسابقون السابقون * أولئك المقربون}.

لقد ربى الإسلام أبناءه على استشعار هذا المعنى في أمر الآخرة حتى جعل الفرد المسلم يتطلع إلى أن يجعله الله إمامًا للمتقين، فقال الله عز وجل عن أولئك النفر من عباده: {والذين يقولون ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إمامًا}.

وبالتأمل في أدلة الشرع نجدها حين نتحدث عن الآخرة تدعو صراحة إلى المنافسة والمسارعة والمسابقة والسعي، وحين تتكلم عن الدنيا تدعو صراحة إلى المشي الهوينا والانتشار في الأرض، وعدم التكالب أو التنافس في طلب هذه الدنيا، ومن هذه النصوص:

{وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}.
وقوله تعالى بعد أن وصف شيئًا ممن نعيم الجنة: {وفي ذلك فليتنافس المتنافسون}.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرًا لعلكم تفلحون}.
وغيرها من نصوص القرآن الكريم.

أما نصوص السنة فكثيرة أيضًا، ومنها:

قوله صلى الله عليه وسلم: " لا حسد إلا في اثنتين: رجل علمه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، فسمعه جار له فقال: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان، فعملت مثل ما يعمل، ورجل آتاه الله مالاً فهو يهلكه في الحق، فقال رجل: ليتني أوتيت مثل ما أوتي فلان فعملت مثل ما يعمل".
يقول ابن حجر رحمه الله: [وأما الحسد المذكور في الحديث فهو الغبطة، وأطلق الحسد عليها مجازًا، وهي أن يتمنى أن يكون له مثل ما لغيره من غير أن يزول عنه، والحرص على هذا يسمى منافسة فإن كان في الطاعة فهو محمود].

ومن صور ذلك التنافس الشريف المسابقة إلى صور من العبادة قد لا يصبر عليها إلا السابقون، كالأذان والصف الأول، والتبكير إلى الصلوات، قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجيز لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوًا ".

بل علَّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته المبادرة والمسارعة في أمور الآخرة فقال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم...". الحديث.

وقال: "التؤدة في كل شيء خير، إلا في عمل الآخرة".

ولقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم الدرس فكانوا يتنافسون فيما بينهم في مرضاة الله تعالى، فحين طلب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصحابة أن يتصدقوا قال عمر رضي الله عنه: ووافق ذلك عندي مالاً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يومًا، فجئت بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أبقيت لأهلك؟" قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: "يا أبا بكر ما أبقيت لأهلك؟" فقال: أبقيت لهم الله ورسوله. عندئذ قال عمر: لا أسبقه إلى شيء أبدًا.

وفي يوم آخر يستمع الرجلان -أبو بكر وعمر- إلى ثناء الرسول صلى الله عليه وسلم على قراءة ابن مسعود: "من سره أن يقرأ القرآن غضًّا كما أنزل فليقرأه من ابن أم عبد". فبادر عمر ليلاً لينقل البشرى لابن مسعود، فقال ابن مسعود: ما جاء بك هذه الساعة؟ قال عمر: جئت لأبشرك بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن مسعود: قد سبقك أبو بكر رضي الله عنه. قال عمر: إن يفعل فإنه سباق بالخيرات، ما استبقنا خيرًا قط إلا سبقنا إليه أبو بكر.

انظر إلى هذا الرقي والسمو في أخلاق هؤلاء الأكابر، يتنافسون لكن بحب واحترام وفرح بما من الله به على المنافس من خير وسبق، ليس بحقد أو امتهان أو حسد.

وفرق كبير بين هذه المنافسة المحمودة في أمر الآخرة، وبين المنافسة في حطام الدنيا ومتاعها الفاني، وهذا الذي حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: "فأبشروا وأمِّلوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطت على مَن كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، وتهلككم كما أهلكتهم".

وهذا التنافس على الدنيا هو الذي يؤدي إلى الحسد، وهو ما خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أمته إذا فتحت فارس والروم فقال: "تتنافسون، ثم تتدابرون، ثم تتباغضون ...".

ولقد فقه أسلافنا هذا المعنى فكان تنافسهم في أمر الآخرة، أما الدنيا عندهم فكانت لا تساوي شيئًا، يقول الحسن رحمه الله: والله لقد أدركت أقوامًا كانت الدنيا أهون عليهم من التراب الذي تمشون عليه، ما يبالون أشرقت الدنيا أم غربت، ذهبت إلى ذا، أو ذهبت إلى ذا.

وقال أيضًا: من نافسك في دينك فنافسه، ومن نافسك في دنياك فألقها في نحره.

وأحسن من ذلك ما وجه إليه النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: " انظروا إلى من هو أسفل منكم ، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم ؛ فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم ".

أما إذا كان التنافس في الدنيا من أجل إحراز سبق أو كفاية يستغني بها المسلمون، كابتكار علمي، أو سبق اقتصادي بحيث لا يبقون عالة على أعدائهم مع نية التقرب بذلك إلى الله والطمع في جنته ورضوانه، فذلك حسن ومحمود، لأنه لا يخرج عن أن يكون من عمل الآخرة.

وفقنا الله والمسلمين لكل خير وجعلنا وإياكم من السابقين.
إسلام ويب

Post: #939
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:36 AM
Parent: #893

حين دلَّ النبي صلى الله عليه وسلم من أراد النجاة على إمساك لسانه وحفظه، كان ذلك بيانًا لعظم خطورة اللسان، خصوصًا إذا أطلق له صاحبه العنان.

ومن أعظم آفات اللسان تعوُّده على السبِّ واللعن، ونظرًا لأن الكثير من الناس قد تهاونوا في هذا الباب وأصبح اللعن على ألسنتهم سهلاً فيلعنون أولادهم، ودوابهم، ومن يختلفون معه، بل ربما لعنوا من يمازحونه، فإننا نبين بعض ما ورد في التحذير من آفة اللعن وجريانها على الألسنة.

معنى اللعن وخطورته:

إن اللعن يعني الطرد والإبعاد من الخير أو من رحمة الله تعالى.

ولا يتصور أن تتمكن هذه الآفة من لسان مؤمن أبدًا: "ليس المؤمن بالطعان، ولا اللعان، ولا الفاحش، ولا البذيء". وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا ينبغي لصدِّيق أن يكون لعَّانًا".

لعن المؤمن جناية عظيمة:

إن لعن المؤمن جناية عظيمة لا ينبغي لمسلم أن يتجرأ عليها، ويكفي في بيان قبح هذه الجناية قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن المؤمن كقتله".

قال الإمام النووي رحمه الله: فالظاهر أنهما سواءٌ في أصل التحريم وإن كان القتل أغلظ.

وقال غيره من أهل العلم: ولعن المؤمن كقتله في التحريم أو التأثيم أو الإبعاد، فإن اللعن تبعيد من رحمة الله، والقتل تبعيد من الحياة.

احذر أن ترجع عليك اللعنة:

فإنك إن لعنت شيئًا لا يستحق اللعن رجعت عليك اللعنة حتى لو كان الملعون ريحًا مسخرة ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً نازعته الريحُ رداءه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلعنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تلعنها فإنها مأمورة، وإنه من لعن شيئًا ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه".

لا تلعن الحيوان ولا الدابة:

كثيرًا ما يتهاون الناس في هذا فيلعنون الحيوانات والدواب ولا ينتبهون أنهم بذلك يخالطون أشياء قد لعنوها، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في بعض أسفاره، وكانت امرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت الناقة فلعنتها المرأة، فلما سمعها النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خذوا ما عليها ودعوها؛ فإنها ملعونة".

لعن المعيَّن:

من المتفق عليه بين أهل العلم تحريم اللعن، يقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: [ واتفق العلماء على تحريم اللعن؛ فإنه في اللغة الإبعاد والطرد، وفي الشرع الإبعاد من رحمة الله تعالى، فلا يجوز أن يبعد من رحمة الله تعالى من لا يعرف حاله وخاتمة أمره معرفة قطعية؛ فلهذا قالوا: لا يجوز لعن أحد بعينه مسلمًا كان أو كافرًا أو دابة إلا من علمنا بنص شرعي أنه مات على الكفر أو يموت عليه كأبي جهل وإبليس، وأما اللعن بالوصف العام فليس بحرام كلعن الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، وآكل الربا وموكله، والمصورين والفاسقين، والظالمين والكافرين، ولعن من غيَّر منار الأرض ...] فهذا لعن عام ولا يخص أحداً بعينه.

من أكبر الكبائر:

ابتليت الأمة في بعض شبابها فأصبحوا لا يتمازحون إلا باللعن والسباب والاستهانة بسباب ولعن الآباء والأمهات، مع أن ذلك من الكبائر كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "من أكبر الكبائر أن يشتم الرجل والديه". قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال: "نعم، يسبُّ أبا الرجل فيشتم أباه، ويشتم أمه فيسب أمه".

إن الوالدين وهما سبب وجود الولد في الحياة لا ينبغي إيذاؤهما ولو بإبداء الملل والتضجر أمامهما ولو بكلمة (أفٍ)، فما بالنا بمن يلعنهما؟ إنه لعظيم جرمه استحق أن يدعو عليه النبي صلى الله عليه وسلم: "لعن الله من ذبح لغير الله، ولعن الله مَن آوى محدثًا، ولعن الله من لعن والديه..."الحديث.

طهِّر لسانك من اللعن:

إذا كان اللعن بهذه الخطورة والفحش والشناعة فحريٌّ بكل مؤمن يرجو لنفسه النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون أن ينزه لسانه ويطهره من هذه الآفة المهلكة وليستحضر نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك حين قال:

"لا تلاعنوا بلعنة الله، ولا بغضبه، ولا بالنار".

نسأل الله أن يطهر ألسنتنا وقلوبنا وجوارحنا من كل ما يغضبه سبحانه، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #940
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-20-2015, 01:38 AM
Parent: #893

إنه نداء رباني علوي للفئة المؤمنة كي تترقى في درجات العلم والعمل الصالح فتنال رضا الله تعالى وثوابه، يقول الله عز وجل: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} [آل عمران:79].

فحين تلتقي في نفس المؤمن قوة الإيمان وصلابته مع صدق العزيمة والإخلاص والسكينة والرقة والإخبات والصفاء فإن هذا العبد يتمثل في نفسه خلق الربانية.

فالربانيون قوم وصلوا إلى المقام الأعلى في العلم والتربية، ومن صفات هؤلاء الربَّانيين:

(1) العلم:

إنهم أقبلوا على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم يتعلمون ما فيها ويعملون به ويدعون إليه ويعلمونه الناس: {وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ}.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كونوا ربَّانيين: حلماء فقهاء، ويقال: الرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره.

وقال ابن الأعرابي: لا يقال للعالم ربَّاني حتى يكون عالمًا معلمًا عاملاً.

وقال الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} [محمد:19]. فبدأ بالعلم قبل القول والعمل، وقد بوَّب الإمام البخاري على ذلك بابًا بعنوان: العلم قبل القول والعمل.

(2) الإخـلاص:

فالربَّاني لا يقصد بعلمه ولا بعمله غير وجه الله تعالى: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى".

وطلب العلم من جملة العبادات التي ينبغي أن يخلص فيها العبد لله، ولهذا يقول الزهري – رحمه الله تعالى -: ما عُبد الله بشيء أفضل من العلم. فالعالم في طلبه للعلم وتعليم الناس إنما هو في عبادة، والعلم ميراث الأنبياء، هكذا سماه أبو هريرة رضي الله عنه، فإن الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورَّثوا العلم. وقد ورد عن الثوري – رحمه الله – أنه قال: لا أعلم بعد النبوة أفضل من العلم. والذين ينتفع الناس بعلمهم على الحقيقة هم أهل الإخلاص.

(3) الاتبـاع:

فلا يمكن أن يكون ربَّانيًا من سلك سبيل البدعة وابتعد عن هدي النبي صلى الله عليه وسلم.

إن العلم الذي يصل بصاحبه إلى الخير والهدى هو علم الكتاب والسنة، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه".

العلم قال الله قال رسولُه *** قال الصحابةُ ليس بالتمويه

ما العلمُ نصبك للخلاف سفاهة *** بين الرسول وبين رأي فقيه

إن العلوم الآن – عند الناس – كثيرة؛ لهذا كان الاتباع من أهم خصائص الربَّانيين، يقول الإمام ابن رجب رحمه الله تعالى: العلم النافع من هذه العلوم كلها ضبط نصوص الكتاب والسنة، وفهم معانيها، والتقيد في ذلك بالمأثور.

(4) الاعتزاز بالعلم والاستغناء عن الناس:

فالعالم الذي أراد بعلمه وجه الله تعالى يستشعر عظم نعمة الله عليه بتوفيقه للعلم، فلا يذل نفسه أبدًا ولا يشتري بعلمه ثمنًا قليلاً من حطام الدنيا الفاني، ولهذا كان العلماء الربَّانيون في وادٍ والناس في وادٍ آخر. إنه العلم الذي عرفوا به ربهم فعظموه ، وتمكنت خشيته من قلوبهم فهانت عليهم الدنيا. يقول ابن تيمية رحمه الله: ما يصنع بي أعدائي؟ إن سجني خلوة، وإخراجي من بلدي سياحة، وقتلي شهادة في سبيل الله.

ولقد كان شعار الأنبياء والمرسلين عند دعوتهم لأقوامهم: {لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً}.

وما أجمل ما قاله الجرجاني رحمه الله:

يقولـونَ لي فيـكَ انقباضٌ و إنَّما رأوا رجلاً عن موقفِ الذُّلِ أحجَمَا

أرى الناسَ مَن داناهمُ هان عندَهُم ومن أكـرمَتْه عزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَـا

و لمَْ أقضِ حَقَّ العلمِ إن كانَ كُلَّمَا بَـدَا طَمَـعٌ صَيَّرتَـهُ لِيَ سُلَّمَـا

أأشقَى بـهِ غَرْسَاً وأَجْنيـهِ ذُلَّةً ؟ إذَنْ فاتِّبَاعُ الَجهْلِ قَد كَانَ أَحْزَمَا !

و إنِّي إذا مَا فَاتَنِـي الأمرُ لم أَبُت أقلِّبُ كَـفِّـي إِثـرَهُ مُتَنَـدِّمَـا

إذا قيـلَ هذا مَنهلٌ قلتُ قَد أَرَى وَلكِنَّ نَفْـسَ الحُرِّ تحتَمِـلُ الظَّمَا

ولم أبتَذِل في خِدمَةِ العِلْمِ مُهجَتِي لأَخـدِمَ من لاقَيتُ لَكن لأُخْدَمَا

وَ لَو أَنَّ أَهلَ العِلمِ صَانوهُ صَانَهَم وَ لَو عَظَّمـوهُ في النُّفُوسِ لَعُظِّمَا

(5) حسن الخلق:

فالربَّاني يخالط الناس بالمعروف، ويعاملهم بمكارم ومحاسن الأخلاق، كيف لا وقد هذَّب القرآن والسنة خلقه وطبعه، وكان له في رسول الله أسوة حسنة، وهو صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم أحاسنكم أخلاقًا".

إن علمه أورثه رقة وصفاء ورحمة لجميع الخلق: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} [آل عمران:159].

(6) تزكية النفس بالأعمال الصالحة:

إن العمل هو ثمرة العلم، فعلم بغير عمل وبالٌ على صاحبه وحجةٌ عليه، ولهذا يُسأل العبد يوم القيامة سؤالاً خاصاً عن علمه ماذا صنع فيه.

ولن ينال العبد محبة الرب سبحانه فيسلك سبيل الربَّانيين إلا بعمل صالح يدخره عند ربه: "وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه".

وللربَّانيين صفات أخرى كالحكمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله تعالى وغير ذلك من صفات الخير.

نسأل الله الكريم بمنه أن يجعلنا وإياكم من الصالحين الربَّانيين العلماء العاملين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #941
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-21-2015, 01:19 AM
Parent: #893

ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم خيرًا إلا دل أمته عليه، ولا علم شرًا إلا حذر أمته منه، ومن جملة الشر الذي حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه: سوء الخلق.

فالخلق السيئ خلق فاسد متصف بالشر، لا يتفق مع الواجبات الشرعية والخلقية، وهو فعل منكر وسلوك غير صالح ينتج عن مرض القلب في الغالب.

أركان سوء الخلق:

قال ابن القيم رحمه الله:

ومنشأ جميع الأخلاق السافلة وبناؤها على أربعة أركان : الجهل والظلم والشهوة والغضب. فالجهل يريه الحسن في صورة القبيح، والقبيح في صورة الحسن. والكمال نقصا والنقص كمالا. والظلم يحمله على وضع الشيء في غير موضعه فيغضب في موضع الرضى ، ويرضى في موضع الغضب ، ويجهل في موضع الأناة ، ويبخل في موضع البذل ويبذل في موضع البخل ، ويحجم في موضع الإقدام ويقدم في موضع الإحجام ، ويلين في موضع الشدة ويشتد في موضع اللين ، ويتواضع في موضع العزة ويتكبر في موضع التواضع.

والشهوة : تحمله على الحرص والشح والبخل وعدم العفة والنهمة والجشع والذل والدناءات كلها.

والغضب يحمله على الكبر والحقد والحسد والعدوان والسفه.

ويتركب من بين كل خلقين من هذه الأخلاق: أخلاق مذمومة. وملاك هذه الأربعة أصلان: إفراط النفس في الضعف وإفراطها في القوة.

فيتولد من إفراطها في الضعف: المهانة والبخل والخسة واللؤم والذل والحرص والشح وسفساف الأمور والأخلاق.

ويتولد من إفراطها في القوة: الظلم والغضب والحدة والفحش والطيش.

ويتولد من تزوج أحد الخلقين بالآخر: أولاد غية كثيرون (أي أخلاق سيئة كثيرة). فإن النفس قد تجمع قوة وضعفا. فيكون صاحبها أجبر الناس إذا قدر، وأذلهم إذا قُهر، ظالم عنوف جبار، فإذا قهر صار أضعف من امرأة. جبانا عن القوي، جريئا على الضعيف.

فالأخلاق الذميمة يولد بعضها بعضا، كما أن الأخلاق الحميدة يولد بعضها بعضًا.

هل يتغير حُسْنُ الخُلُق إلى خُلُقٍ سيِّئ؟

إذا كان الخلق السيئ قد يتحول إلى خلق حسنٍ باتباع الشرع والتدرب على الأخلاق الحميدة والمثابرة عليها فهل يتغير الخُلُق الحسن إلى سيئ؟ على هذا السؤال أجاب الماوردي فقال ما ملخصه:

ربما تغيّر حُسْنُ الخلق والوطاء (اللين) إلى الشراسة والبذاء لأسباب عارضة وأمور طارئة تجعل اللين خُشُونة والوطاء غلظة والطلاقة عُبُوسًا، فمن أسباب ذلك:

(1) الولاية(كرياسة أو إدارة) التي قد تحدث في الأخلاق تغيرًا، وتجعله ينفر من أصدقائه القدامى وذلك يرجع إلى لُؤم طبع في الغالب.

(2) ومنها العزل فقد يسوء منه الخلق، ويضيق به الصدر، إما لشدة أسفٍ أو لقلة صبر.

(3) ومنها الغنى، فقد تتغير به أخلاق اللئيم بطرًا، ويطغى لمجرد شعوره بالغنى ، وقد قيل: من نال استطال.

(4) ومنها الفقر فقد يتغير به الخلق، إما هربا من أن يوصف بالمسكنة أو أسفًا على ما فات من الغنى.

(5) ومنها الهموم التي تُذهلُ اللُّب، وتشغل القلب، فلا تقوى على صبر، وقد قيل: الهم كالسم. وقال بعض الأدباء: الحزنُ كالداء المخزون في فؤاد المحزون.

(6) ومنها الأمراض التي يتغير بها الطبع، كما يتغير بها الجسم، فلا تبقي الأخلاق على اعتدال، ولا يقدر معها على احتمال.

(7) ومنها علو السن، وحدوث الهَرم لتأثيره في آلة الجسد. كذلك يكون تأثيره في أخلاق النفس، فكما يضعف الجسد على احتمال ما كان يُطيقه من أثقالٍ كذلك تعجز النفس عن احتمال ما كانت تصبر عليه من مخالفة الوفاق، وضيق الشقاق، وكذلك ما ضاهاه.

فهذه سبعة أسباب، إذا أحدثت سوء خلق كان عامًّا. وهاهنا سببٌ خاصٌّ يُحدث سوء خلق خاصٍّ، وهو البغض الذي تنفر منه النفس، فينفر الإنسان ممن يبغضه، فيتعامل معه دون غيره بسوء خلق، فإذا كان سُوء الخلق حادثًا بسببٍ، كان زواله مقرونًا بزوال ذلك السبب.

تحذير السلف والعلماء من مصاحبة سيء الخلق

قال الفضيل بن عياض: لا تخالط سيئ الخلق فإنه لا يدعو إلا إلى شر.

وقال أيضًا: لأن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابدٌ سيئ الخلق.

وقال الحسن: من ساء خلقه عذب نفسه.

وقال يحيى بن معاذ: سوء الخلق سيئة لا تنفع معها كثرة الحسنات، وحسن الخلق حسنةٌ لا تضر معها كثرة السيئات.

قال الإمام الغزالي رحمه الله: الأخلاق السيئة هي السموم القاتلة، والمهلكات الدامغة، والمخازي الفاضحة، والرذائل الواضحة، والخبائث المبعدة عن جوار رب العالمين، المنخرطة بصاحبها في سلك الشياطين، وهي الأبواب المفتوحة إلى نار الله تعالى الموقدة التي تطلع على الأفئدة.

وقال أيضًا: الأخلاق الخبيثة أمراض القلوب وأسقام النفوس، إنها أمراض تفوت على صاحبها حياة الأبد.

وقال رحمه الله: على المسلم أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا بين الخلق من خُلُق فليحذِّر نفسه منه ويُبعدها عنه، فإن المؤمن مرآة المؤمن، فيرى من عيوب غيره عُيوب نفسه، ويعلم أن الطِّباع متقاربةٌ في اتباع الهوى. فما يتصفُ به واحدٌ من الأقران لا ينفكُّ القرنُ الآخر عن أصله أو أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقَّد نفسه ويُطهِّرها من كل ما يذُمُّهُ من غيره وناهيك بهذا تأديبًا.

وقال أيضًا: إن حسن الخلق هو الإيمانُ، وسوء الخلق هو النفاق.

من مضار سوء الخلق:


· سيئ الخلق مذكورٌ بالذكر القبيح، يمقته الله عز وجل، ويُبغضه الرسول صلى الله عليه وسلم، ويُبغضه الناس على اختلاف مشاربهم.

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني في الآخرة أسْوَؤُكم أخلاقًا" [رواه أحمد وحسنه الألباني].

· وسيئ الخلق هو من ملأ الله أُذُنَيْهِ من ثناء الناس شرًّا وهو يسمعهُ.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أهل الجنة من ملأ الله أُذنيه من ثناء الناس خيرًا، وهو يسمعُ، وأهل النار من ملأ أُذنيه من ثناء الناس شرًّا وهو يسمع" [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].

· بل إن سيئ الخلق يجلب لنفسه الهم والغم والكدر، وضيق العيش، ويجلب لغيره الشقاء.

قال أبو حازم سلمة بن دينار رحمه الله: "السيئُ الخلق أشقى الناس به نفسُهُ التي بين جنبيه، هي مِنه في بلاء، ثم زوجتُهُ، ثم ولدُهُ، حتى أنه ليدخل بيته، وإنهم لفي سرور، فيسمعون صوته، فينفرون منه فرَقًا منه، وحتى إن دابته تحيد مما يرميها بالحجارة، وإن كلبه ليراه فينزو على الجدار، حتى إن قِطَّهُ ليفرُّ منه".

قال الشاعر:

إذا لم تتســع أخــلاق قـوم *** تضيق بهم فسيحاتُ البـــلاد

فراقب نفسك أيها الحبيب واحذر تسلل الأخلاق السيئة إليها وعالجها منذ البداية يسهل الأمر عليك ، وإلا فإن الداء إذا تمكن ربما أهلك صاحبه، نسأل الله لنا ولكم العافية،والحمد لله رب العالمين.

إسلام ويب

Post: #942
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-22-2015, 06:22 AM
Parent: #893

ما أجمل أن يحيا الإنسان بين قوم يحبهم ويحبونه، ويألفهم ويألفونه، وحين يفقد الإنسان هذا الحب في بيئته ومجتمعه فإنه يعيش في جحيم وتعاسة وإن ملك الدنيا كلها؛ لذلك لم يكن غريبًا أن يأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: "دلني على عمل إذا عملته أحبني الله وأحبني الناس".

صحيح أن رضا الله تعالى هو قصد المسلم وأمنيته، لكن ما التعارض بين السعي في رضا الله تعالى والفوز بمحبة الناس؛ بل إننا على يقين أننا لن نفوز بمحبة الناس حقًّا إلا إذا أحبنا الله تعالى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الله تعالى إذا أحب عبدًا وضع له القَبول في الأرض، وإن أبغض عبدًا نفرت منه قلوب الناس.

إذا لا تعارض أبدًا بين إرضاء الله والأخذ بأسباب التودد والتحبب إلى الناس، وأرجو أن تتأمل معي هذا الموقف العجيب من الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه حين يأتي إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيسأله الدعاء لكن بماذا؟ أبمال وعيال؟ أبمنصب أو جاه؟ لا والله إنما قال: ادع الله أن يحببني وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم حبِّب عبيدك هذا وأمه إلى عبادك المؤمنين، وحبب إليهم المؤمنين".

إن حرص المسلم على التودد والتحبب إلى الناس لا ينبغي أن يكون لغرض دنيوي، بل امتثالاً لشريعة الله التي أمرت بالتآخي والمحبة بين المسلمين، ومن جانب آخر بدافع الحرص على فتح القلوب لقبول دعوة الحق، ولعل هذا المعنى العظيم هو ما تجلى في حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "ثلاث من كُنَّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله..".

بل إنه لن يستكمل الإيمان إلا إذا كان حبه وبغضه لله، كما في الحديث: "من أحب لله وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله؛ فقد استكمل الإيمان".

البشاشة وحسن الخلق

ولا شك أن حسن الخلق ورقة الطبع من أعظم أسباب التودد إلى الناس، كما أن البشاشة والتبسم عند اللقاء تزرع في القلوب محبة لا يعلم قدرها إلا الله، وقد جاء في وصف بعض الصحابة له صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

التواضع واللين والرفق

ومن أعظم أسباب التودد إلى الناس عند مخالطتهم التواضع لهم والسهولة معهم، ومن نظر في سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم وجده مثالاً رائعًا للتودد والتحبب إلى الناس بتواضعه ورقته ولينه معهم وصدق الله العظيم الذي قال لنبيه صلى الله عليه وسلم : (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) ( آل عمران 159) فقد كان إذا لقيه أحد أصحابه فقام معه لم ينصرف حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه، وإذا لقيه أحدٌ من أصحابه فتناول يده ناوله إياها، فلم ينزع يده من يد الرجل حتى يكون الآخر هو الذي ينزع يده، وإذا لقي أحدًا فتناول أذنه ناوله إياها ثم لم ينزعها حتى يكون الرجل هو الذي يفرغ من كلامه وينتهي.

وكانت الجارية تستوقفه في الطريق فتحدثه، فما ينصرف حتى تفرغ هي وتنصرف، وكان يخدم نفسه، ولا يضرب أمةً ولا خادمًا، وكان لا يمسح أن يُدفع عنه أحد، بل كل من أراد الوصول إليه ولقاءه تمكن من هذا.

وأرجو أن تتخيل معي كيف محبة الناس لرجل اجتمعت فيه هذه كل الصفات الطيبة؟!

الهدية من أسباب المحبة.

كذلك فإن من أهم أسباب المحبة والمودة التهادي بين الناس؛ فإن الناس قد جُبلوا على محبة من يعطيهم، ولهذا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تهادوا تحابوا".

إفشاء السلام:

كذلك فإن إفشاء السلام بين أبناء المجتمع من أسباب المودة، وقد بينا ذلك بالتفصيل في مقال سابق فليُرجع إليه.

إن التحبب إلى الناس يحتاج بعد توفيق الله إلى فقه في معاملتهم، ولو عملنا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: "إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم، ولكن يسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق". لكفانا.
إسلام ويب

Post: #943
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-22-2015, 11:57 PM
Parent: #893

حثت شريعتنا الغراء على مكارم الأخلاق ونهت عن مساوئها لما يترتب على انتشار الأخلاق السيئة من أضرار على الأفراد والمجتمعات.

وقد جاءت الشريعة بحفظ النسل والأعراض من كل ما يدنسها أو يعدو عليها فشرعت أقسى العقوبات لمن سولت له نفسه الاعتداء على أعراض الآخرين: ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله...)الآية (2 سورة النور) وهذه العقوبة لمن كان غير محصن أما الزاني المحصن فحده في الشرع الرجم حتى الموت، كما حرمت الشريعة الزواج ممن عرف بالزنا: (الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين) (3 سورة النور)، ليس ذلك فحسب بل أعلت الشريعة شأن المحافظة على الأعراض حتى رفعت منزلة مَن مات دون عرضه إلى درجة الشهداء : "ومن مات دون عرضه فهو شهيد". وربّت هذه الشريعة أبناءها على الغيرة ، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "تعجبون من غيرة سعد؟! والله لأنا أغير منه، والله أغير مني...".

أما الذي لا يغار فلا خير فيه؛ إنه يسلك سبيلاً إلى النار ويبتعد بنفسه عن الجنة، بل يجعل عرضه مباحًا لكل من هبّ ودبَّ، وهذا هو الديوث، إنه الذي لا يغار على عرضه أو يعلم بفحشهم وسوء سلوكهم ويغض الطرف عن ذلك، إنه يعرض نفسه للذل والهوان، فما زال العرب والمسلمون يعظمون شأن الأعراض والحرمات فيعظمون من يدفع عن عرضه وحريمه ولو بذل في سبيل ذلك ماله وروحه:

أصون عرضي بمالي لا أدنسه لا بارك الله بعد العرض في المال

أما من يتهاون في هذا الباب فإنه ساقط في الدنيا ساقط في الآخرة بعيد عن الله وعن الجنة، ففي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثة لا ينظر الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث".

ولا يصاب بهذا الداء العضال إلا عديم المروءة ضعيف الغيرة رقيق الدين، فتراه لا يبالي بدخول الأجانب على محارمه ولا يبالي باختلاطهنَّ بالرجال أو تكشفهنَّ.

بل يعجب المرء حين يرى هؤلاء من أشباه الرجال يشترون لنسائهم الثياب التي تكشف أكثر مما تستر، وتشف وتصف مفاتن الجسد وهو فرحٌ باطلاع الناس على عورات نسائه ومن ولاه الله أمرهن، مفاخر بتحررهنَّ من العفة والفضيلة وسيرهنَّ في طريق الفاحشة والرذيلة، ومثل هذا ميت في لباس الأحياء. يقول الغزالي رحمه الله:

"إن من ثمرة الحمية الضعيفة قلة الأنفة من التعرض للحُرَمِ والزوجة... واحتمال الذلِّ من الأخِسَّاء، وصغر النفس ... وقد يثمر عدم الغيرة على الحريم، فإذا كان الأمر كذلك اختلطت الأنساب، ولذلك قيل: كل أمة ضعفت الغيرة في رجالها ضعفت الصيانة في نسائها".

وقال الذهبي رحمه الله: من كان يظن بأهله الفاحشة ويتغافل لمحبته فيها أو أن لها عليه دينًا وهو عاجز أو صداقًا ثقيلاً، أو له أطفال صغار... ولا خير فيمن لا غيرة له. فمن كان هكذا فهو الديوث.

بعض وسائل الإعلام يربي على الدياثة:

من المفترض في وسائل الإعلام أن تبني الشخصية المسلمة السوية لكن الواقع المشاهد أنها من أعظم أسباب تنشئة الناس على الدياثة وضعف الغيرة بما تبثه من مشاهد جنسية فاضحة وإعلانات داعرة، وأغاني ماجنة هابطة، وتلميع هؤلاء الفاسقين والفاسقات وإبرازهم على أنهم قدوات، حتى غدت المرأة تتغنى أمام زوجها وأبيها وأخيها بحبها للمطرب أو الممثل الفلاني ، دون أن يحرك أحد هؤلاء المحارم ساكنًا، بل في بعض اللقاءات الإعلامية مع هؤلاء تتصل المرأة المتزوجة أو الفتاة فتفصح لهذا الفنان عن محبتها له وهيامها به، غير مبالية برد فعل الرجال من أقاربها ربما لأنها على يقين أنهم لن يعترضوا أصلاً.
اسلام ويب

Post: #944
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:30 AM
Parent: #893

إن إفشاء السلام هو مفتاح القلوب، فإذا أردت أن تُفتح لك قلوب العباد فسلم عليهم إذا لقيتهم وابتسم في وجوههم، وكن سباقًا لهذا الخير يزرع الله محبتك في قلوب الناس وييسر لك طريقًا إلى الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم".

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ثلاثٌ يُصْفِين لك وُدَّ أخيك: أن تسلم عليه إذا لقيته، وتوسع له في المجلس، وتدعوه بأحب أسمائه إليه.

السلام تحية أهل الجنة:

ويكفي أن السلام هو تحية أهل الجنة الذين لا يختار الله تعالى لهم إلا ما هو أكمل وأحسن ، فقد قال الله عز وجل عن أهل الجنة: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، وقال سبحانه وتعالى: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا * إِلاَّ قِيلاً سَلاماً سَلاماً} [الواقعة:26]، وقال: {وَأُدْخِلَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ تَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ} [إبراهيم:23].

السلام حق المسلم على أخيه:

إن إلقاء السلام ورده أحد الحقوق التي كفلها الشرع للمسلم على أخيه المسلم. أما إلقاء السلام ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه".

وأما رد السلام ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "خمسٌ تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز".

السلام سبب للبركة:

إذا أردت أن يبارك الله لك في نفسك وأهل بيتك فسلم عليهم كلما دخلت بيتك؛ فإن ذلك من أعظم أسباب البركة. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عيله وسلم: "يا بُني إذا دخلت على أهلك فسلِّم يكون بركة عليك وعلى أهل بيتك".

فأين أكثر المسلمين من هذا الأدب؟!

إفشاء السلام سبب العلو ورفعة الدرجات:

فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفشوا السلام كي تعلوا".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "السلام اسم من أسماء الله تعالى وضعه، فأفشوه بينكم، فإن الرجل المسلم إذا مر بقوم فسلم عليهم فردوا عليه كان له عليهم فضل درجة بتذكيره إياهم، فإن لم يردوا عليه ردَّ عليه مَن هو خيرٌ منهم وأطيب".

إن الذي يبدا الناس بالسلام هو أقرب وأحب إلى الله ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أولى الناس بالله مَن بدأهم بالسلام".

من آداب السلام:

(1) أن يكون التسليم بصوت مسموع يسمعه اليقظان ولا ينزعج منه النائم، فعن المقداد رضي الله عنه قال: "كنا نرفع للنبي صلى الله عليه وسلم نصيبه من اللبن، فيجيء من الليل فيسلم تسليمًا لا يوقظ نائمًا ويسمع اليقظان".

قال الإمام النووي رحمه الله: أقلُّه أن يرفع صوته بحيث يسمعه المُسَلَّمُ عليه، فإن لم يسمعه لم يكن آتيًا بالسنة.

(2) أن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والصغير على الكبير، والقليل على الكثير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يسلم الراكب على الماشي والماشي على القاعد، والقليل على الكثير". وفي لفظ: "يسلم الصغير على الكبير ..." الحديث.

(3) أن يعيد إلقاء السلام إذا فارق أخاه ولو يسيرًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه، فإن حالت بينهما شجرة أو جدار أو حجر ثم لقيه فليسلم عليه".

(4) أن يسلم على أهل بيته عند الدخول عليهم كما سبق.

(5) عدم الاكتفاء بالإشارة باليد أو الرأس، فإنه مخالف للسنة، إلا إذا كان المسلَّم عليه بعيدًا فإنه يسلم بلسانه ويشير بيده ولا يكتفي بالإشارة.

(6) السلام في بداية المجلس وعند مفارقته لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا انتهى أحدكم إلى المجلس فليسلم، فإذا أراد أن يقوم فليسلم؛ فليست الأولى بأحق من الآخرة".

(7) أن يسلم على الصبيان إذا لقيهم اقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيه دليل على التواضع والرحمة، كما إن فيه تربية الناشئة على تعاليم الإسلام وغير ذلك من الفوائد.

(8) البشاشة وطلاقة الوجه والمصافحة.

(9) الحرص على السلام بالألفاظ الواردة في السنة، وعدم الزيادة عليها أو النقصان، أو استبدالها بألفاظ أخرى (صباح الخير، أو يعطيكم العافية) والمحذور أن تكون هذه الألفاظ بديلة للسلام، أما إن سلَّم السلام الوارد في السنة ودعا بعد ذلك بما شاء فلا بأس.

(10) ألا يبدأ كافرا بالسلام فإن سلم عليه أحد من أهل الكتاب قال:وعليكم.

سلام الرجل على المرأة والعكس:

ذكر أهل العلم أن الرجل يسلم على المرأة الأجنبية ويرد عليها السلام، وكذا المرأة تسلم على الرجل وترد عليه السلام بشرط أمن الفتنة وعدم المصافحة وترك الخضوع بالقول، فإذا لم تؤمن الفتنة ترك إلقاء السلام ورده أيضا.

فيا أيها الحبيب هل بعد كل ما سبق بيانه من فضائل السلام نبخل به مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن أبخل الناس من بخل بالسلام؟ وهل نختص به من نعرف من الناس فقط مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن خير الإسلام أن يطعم المسلم الطعام ، وأن يقرأ السلام على من عرف ومن لم يعرف؟!.

نسأل الله الكريم أن يجعلنا ممن يفشون السلام وأن يدخلنا وإياكم الجنة بسلام، والحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #945
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:46 AM
Parent: #893

إن للنصيحة في ديننا مكانة سامية ومنزلة عالية، كيف لا وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مفهوم النصيحة مساوياً للدين كله فقال: "الدين النصيحة".

إن النصيحة تنطلق أساساً من حُب الناصح لمن حوله وشفقته عليهم ورغبته في إيصال الخير إليهم ودفع الشر والمكروه عنهم، ولهذا قال ابن الأثير: النصيحة كلمة يعبر بها عن جملة هي: إرادة الخير للمنصوح له.

وقد أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم البيعة على أصحابه ببذل النصح للمسلمين، قال جرير بن عبد الله رضي الله عنه: "بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم".

ومن كان باذلاً للنصيحة راغباً في إيصال الخير إلى الناس فهو من خلفاء الله في الأرض كما قال الحسن رحمه الله: ما زال لله تعالى نصحاء، ينصحون لله في عباده، وينصحون لعباد الله في حق الله، ويعملون لله تعالى في الأرض بالنصيحة، أولئك خلفاء الله في الأرض.

النصيحة لمن؟

تكون النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم، قال الإمام ابن حجر رحمه الله: النصيحة لله وصفه بما هو له أهل، والخضوع له ظاهرا وباطناً، والرغبة في محابه بفعل طاعته، والرهبة من مساخطه بترك معصيته، والجهاد في رد العاصين إليه. والنصيحة لكتاب الله تعلّمه، وتعليمه، وإقامة حروفه في التلاوة، وتحريرها في الكتابة، وتفهم معانيه، وحفظ حدوده، والعمل بما فيه، وذب تحريف المبطلين عنه، والنصيحة لرسوله تعظيمه، ونصره حياً وميتاً، وإحياء سنته بتعلمها وتعليمها، والاقتداء به في أقواله وأفعاله، ومحبته ومحبة أتباعه، والنصيحة لأئمة المسلمين إعانتهم على ما حمُلوا القيام به، وتنبيههم عند الغفلة، وسد خلتهم عند الهفوة، وجمع الكلمة عليهم، ورد القلوب النافرة إليهم، ومن أعظم نصيحتهم دفعهم عن الظلم بالتي هي أحسن. ومن جملة أئمة المسلمين أئمة الاجتهاد، وتقع النصيحة لهم ببث علومهم، ونشر مناقبهم، وتحسين الظن بهم، والنصيحة لعامة المسلمين الشفقة عليهم، والسعي فيما يعود نفعه عليهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وكف وجوه الأذى عنهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه.

وقال عبد الرحمن بن ناصر السعدي: النصيحة لله ورسوله تكون بصدق الإيمان، وإخلاص النية في الجهاد والعزم عليه عند القدرة، وفعل المستطاع من الحث والترغيب والتشجيع للمسلمين عليه.

وأول النصح أن ينصح الإنسان نفسه، فمن غش نفسه فقلما ينصح غيره.

الرسل أحرص الناس على نصح أقوامهم:

لقد اجتهد الرسل أشد الاجتهاد في دعوة قومهم وحرصوا أشد الحرص على هدايتهم، ولم يدخروا جهداً في نصيحتهم، فهذا نبي الله نوح عليه السلام يقول لقومه: (ولكني رسول من رب العالمين . أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم).

وقد سار على طريقة نوح في بذل النصيحة من جاء بعده من الرسل، فهذا هود يقول لقومه: (وأنا لكم ناصح أمين).وقالها صالح: (ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين)، وقال شعيب: (يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم).

وقد شهد الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه بلغ رسالة ربه ونصح لقومه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ يعني لأصحابه ـ: "وأنتم مسئولون عني، فما أنتم قائلون؟" قالوا: نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت.

النصيحة حق المسلم على أخيه:

عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بذل النصيحة للمسلمين من أعظم الحقوق حيث قال: "حق المسلم على المسلم ست" وذكر منها: "وإذ استنصحك فانصح له". وقال صلى الله عليه وسلم: "وإذا استشار أحدكم أخاه فلينصحه". وقد ضاعف الله أجر الناصح الأمين الذي يرجو بنصيحته خير المسلمين، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نصح العبد لسيده وأحسن عبادة الله فله أجره مرتين". وهو مِن أول مَن يدخلون الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عُرض عليّ أول ثلاثة يدخلون الجنة: شهيد، وعفيف متعفف، وعبد أحسن عبادة الله ونصح لمواليه".

من آداب النصيحة:

إذا كان للنصيحة في الدين هذا المكان السامي فإن النصيحة التي تنفع هي التي يلتزم الناصح فيها الآداب الشرعية التي ذكرها العلماء، ومن هذه الآداب:

1- أن يكون مخلصا لله تعالى في النصح بحيث لا يكون قصده الرياء ولا السمعة ولا لتحقيق غرض دنيوي ولا لإظهار تميز الناصح.

2- أن يكون عالما بما ينصح، لأن النصيحة نوع من أنواع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن لم يكن على علم بما ينصح به فقد ينهى عن معروف وهو يظن أنه ينهى عن منكر، وقد يأمر بمنكر وهو يظن أنه يأمر بمعروف.

3- الإسرار بالنصيحة وعدم التشهير والحرص على الستر، فالنصيحة أمام الناس توبيخ وتقريع لا يقبله الناس، قال مسعر بن كدام رحمه الله: رحم الله من أهدى إليّ عيوبي في سر بيني وبينه، فإن النصيحة في الملأ تقريع. وقال الشافعي رحمه الله:

تعهدني بنصحك في انفرادي وجنبني النصيحة في الجماعه

فإن النصح بين الناس نوع من التوبيخ لا أرض استماعه

فإن خالفتني وعصيت قولي فلا تغضب إذا لم تُعط طاعه

4- الرفق في النصح والبعد عن العنف واللوم كما في الحديث: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه".

أما المنصوح فالواجب عليه الإصغاء إلى النصيحة والعمل بخيرها، والتخلص من حظوظ النفس، فقد كان السلف يعتبرون النصيحة نوعا من الهدية يقدمها الناصح لهم، كما قال عمر رضي الله عنه: رحم الله امرءاً أهدى إليّ عيوبي. ولا يحملنه شدة الناصح على عدم الانتفاع بالنصيحة.

جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #946
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:48 AM
Parent: #893

إذا كان الوحي الذي يكشف المنافقين والكاذبين قد انقطع ، فإن الضوابط الشرعية والأصول الإسلامية للتبين والتثبت لم تنقطع ، وما أحوج المؤمنين عامة والدعاة خاصة لأن يتدبروها ويتخلقوا بها.

مزالق عدم التثبت

من أول مزالق عدم التثبت سوء الظن، ولذلك يقول الغزالي – رحمه الله -: ليس لك أن تعتقد في غيرك سوءًا إلا إذا انكشف لك بعيان لا يقبل التأويل.

ثم ينحدر الظان إلى مزلق آخر، وهو إشاعة ظنه ذاك، وقد نقل الشوكاني عن مقاتل بن حيان قوله: فإن تكلم بذلك الظن وأبداه أثم. وحكى القرطبي عن أكثر العلماء: أن الظن القبيح بمن ظاهره الخير لا يجوز. وقال الغزالي: اعلم أن سوء الظن حرام، مثل سوء القول.. فلا يستباح ظن السوء إلا بما يستباح به المال، وهو بعين مشاهدة أو بينة عادلة.

ويقول ابن قدامة رحمه الله: فليس لك أن تظن بالمسلم شرًا إلا إذا انكشف أمر لا يحتمل التأويل، فإن أخبرك بذلك عدل، فمال قلبك إلى تصديقه، كنت معذورًا... ولكن أشار إلى قيد مهم فقال: بل ينبغي أن تبحث هل بينهما عداوة وحسد؟.

ويروى أن سليمان بن عبد الملك قال لرجل: بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا. فقال الرجل: ما فعلت. فقال سليمان: إن الذي أخبرني صادق. فقال الرجل: لا يكون النمام صادقًا. فقال سليمان: صدقت.. اذهب بسلام.

والفطن من يميز بين خبر الفاسق وخبر العدل، ومن يفرق بين خبر عدل عن ندٍ له، أو عمن يحمل له حقدًا، وبين شهادة العدل المبرأة من حظ النفس، ومن يميز بين خبر العدل وظن العدل، والظن لا يغني شيئًا، ومن يفرق بين خبرٍ دافعه التقوى، وخبر غرضه الفضيحة أو التشهير.

والذي لم يتخلق بخلق (التثبت) تجده مبتلى بالحكم على المقاصد والنوايا والقلوب، وذلك مخالف لأصول التثبت. يقول الشافعي – ووافقه البخاري -: الحكم بين الناس يقع على ما يُسمع من الخصمين، بما لفظوا به، وإن كان يمكن أن يكون في قلوبهم غير ذلك.

ومن أخطر المزالق أن يحسن الأمير الظن برجل من الناس ليس أهلاً للثقة، ثم يكون أسيرًا لأخباره، أُذنًا لأقواله، يصغي إليه ويصدقه. يقول ابن حجر: المصيبة إنما تدخل على الحاكم المأمون من قبوله قول من لا يوثق به، إذا كان هو حسن الظن به، فيجب عليه أن يتثبت في مثل ذلك.

ومن أصول التثبت ألا يؤخذ أحد بالقرائن، طالما هو ينكر ولا يقر. وشواهد ذلك في السنة كثيرة، ومنها ما رواه ابن ماجة بسند صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لو كنت راجمًا أحدًا بغير بينة، لرجمت فلانة، فقد ظهر فيها الريبة، في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها". ومع ذلك لم يرجمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تقر، ولم يقذفها بلفظ الزنا.

استمع للطرفين

ولا شك أن من أهم أصول التثبت فيما يُنقل من أخبار: السماع من الطرفين، فقد أخرج أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عليًّا رضي الله عنه إلى اليمن قاضيًا، فأوصاه: "...فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلا تقضين حتى تسمع من الآخر، كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء". يقول علي رضي الله عنه: "ما شككت في قضاء بعد" ، فكان الصواب حليفة بالتثبت، وكم زلّت أقدام، ووقعت فتن بسبب عدم التثبت!! يقول الشوكاني: الخطأ ممن لم يتبين الأمر، ولم يتثبت فيه، هو الغالب، وهو جهالة.

وكم تجد من الناس من يسارع للشهادة على أمر لم يفقهه، في حق امرئ لا يعرفه!! ولذلك أفتى الحسن البصري تحريًا للتثبت: لا تشهد على وصية حتى تُقرأ عليك، ولا تشهد على من لا تعرف.

لا تتسرع في الحكم

وليس من خلق المتثبت التسرع والعجلة، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أرسل خالدًا رضي الله عنه للتحقق من عداوة بني المصطلق "أمره أن يتثبت ولا يعجل". ولما أرسله إلى بني جذيمة للتحقق من إسلامهم فتعجل في القتل. قال صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أبرا إليك مما صنع خالد" [رواه البخاري]. بل إن مما ذكر القاضي شهاب الدين الشافعي في كتابه "آداب القضاء": وعليه – إن لم يتضح له الحق – تأخير الحكم إلى أن يتضح..

قال الشوكاني في تفسيره لقول الله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ): ومن التثبت: الأناة وعدم العجلة، والتبصر في الأمر الواقع، والخبر الوارد، حتى يتضح ويظهر.

شاور العلماء والصالحين

وإن سؤال العلماء ومشورتهم يسدد المتثبت، وقد نقل ابن حجر عن الشعبي – بسند جيد – قوله: "من سرّه أن يأخذ بالوثيقة من القضاء، فليأخذ بقضاء عمر فإنه كان يستشير". ولا تخافوا من المشورة فإنها تقربكم إلى الحق.

هل هذا من التثبت؟

وكثيرًا ما يُتهم شخص بتهمة فينفيها، أو يبين عذره فيها، ثم يستمر الحديث عنه والتحذير منه، فهل هذا من التثبت؟! إن حاطب بن أبي بلتعة حين صدر منه إفشاء سر النبي صلى الله عليه وسلم، طلب عمر أن تقطع عنقه، غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمع إليه، حتى إذا انتهى قال: "صدق، لا تقولوا له إلا خيرًا" [رواه البخاري].

وكل مسلم ظاهره الصلاح صادق ولا نقول له إلا خيرًا.. وإلا فإن الاتهام بغير تثبت سبب في كثير من المظالم، ولذلك كتب عمر بن عبد العزيز إلى أحد أمرائه – عدي بن أرطأة أمير البصرة – في قتيل وُجد عند بيت ولم يُعرف قاتله: "إن وجد أصحابه بينة، وإلا فلا تظلم الناس، فإن هذا لا يقضى فيه إلى يوم القيامة" [رواه البخاري]. بل جاء في الحديث: "لو يعطى الناس بدعواهم، لادعى الناس دماء رجال وأموالهم".

وإن الواحد من الصحابة على عدالته كان يُطالب – في الخصومات – بإحضار شهود أو الإدلاء ببينات، أو القسم، ولم تكن عدالته لتشفع له في استقطاع شيء من حقوق الناس، أو مس أعراضهم. وقد اشترط الشرع البينة دفعًا للاتهامات الرخيصة – غير المسؤولة – لئلا يبادر أحد إلى اتهام أحد إلا عن يقين؛ ولذلك حين قُتل صحابي وجد بين بيوت اليهود في خيبر، اتهم أصحابه اليهود في قتله، فطالبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالبينة: قالوا: مالنا بينة. قال: فيحلفون. قال: لا نرضى بأيمان اليهود. فاضطر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفع ديته مائة من الإبل، ولم يتهم اليهود بلا بينة.

ولم يجعل الشرع لفاقد البينة إلا يمين خصمه – ولو كان الخصم غير ثقة عند المدعي – ويؤيد ذلك ما رواه مسلم في قصة الحضرمي المدعي على كندي؛ بأنه غصبه أرضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي: "ألك بينة؟" قال : لا. قال:"فلك يمينه" قال: يا رسول الله إن الرجل فاجر، لا يبالي على ما حلف عليه، وليس يتورع من شيء. فقال: "ليس لك منه إلا ذلك" [فتح الباري]. ولم يعترض رسول الله صلى الله عليه وسلم على اتهام الرجل لخصمه بعدم التورع في الحلف؛ لأنه من كلام الخصوم بعضهم في بعض – كما بوّب البخاري في الخصومات – وعقب ابن حجر بقوله: أي فيما لا يوجب حدًّا ولا تعزيرًا فلا يكون ذلك من الغيبة المحرمة. كما قال ابن حجر: يمين الفاجر تسقط عنه الدعوى... ولولا ذلك لم يكن لليمين معنى.

لا تستمع للنمام

وإن من التثبت: أن ترفض الاستماع إلى النمام، فقد جاء في مسند أحمد: "لا يبلغني أحدٌ عن أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" .

فلا تجعلوا بطانتكم من النمّامين، فإن من وشى إليكم اليوم يشي بكم غدًا، ومثله ليس أهلاً للثقة – لفسقه بالنميمة – وفي ذلك يقول ابن قدامة المقدسي: لا تصدّق الناقل؛ لأن النمام فاسق، والفاسق مردود الشهادة.

فإن ركنتم إلى النمامين وأصبتم إخوانكم بجهالة فلا تنسوا أن تصبحوا على ما فعلتم نادمين.
إسلام ويب

Post: #948
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:55 AM
Parent: #946

علو الهمة في حب الله
إن المحبة هي المنزلة التي فيها تنافس المتنافسون، وإليها نظر العاملون، وإلى عَلَمِها شمَّر السابقون، وعليها تفانى المحبُّون، وبروْح نسيهما ترّوح العابدون؛ فهي قُوت القلوب وغذاء الأرواح وقرة العيون، وهي الحياة التي مَن حُرمها فهو من جملة الأموات، والنور الذي من فقده فهو في بحار الظلمات، والشفاء الذي مَن عدِمه حَلَّتْ بقلبه جميع الأسقام، واللذة التي من لم يظفر بها فعيشه كله هموم وآلام. إنها المحبة التي ذهب أهلها بشرف الدنيا والآخرة، إذ لهم من معية محبوبهم أوفر نصيب.

وقد قضى الله يوم قدَّر مقادير الخلائق بمشيئته وحكمته البالغة، أن المرء مع من أحب، فيالها من نعمة على المحبين سابغة!!.

شجرة المحبة وارفة الظلال

إذا غُرست شجرة المحبة في القلب، وسُقيت بماء الإخلاص ومتابعة الحبيب، أثمرت أنواع الثمار، وآتت أكلها كل حين بإذن ربها، أصلها ثابت في قرار القلب، وفرعها متصل بسدرة المنتهى.

لا يزال سعي المحب صاعدًا إلى حبيبه لا يحجُبُه دونه شيء {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر:10].

قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} [التوبة:24].

وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبّاً لِلَّهِ} [البقرة:165].

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].

وفي الصحيحين عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبَّ إليه من والده وولده والناس أجمعين".

وفي الصحيحين أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله! والله لأنت أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم: "لا يا عمر، حتى أكون أحبَّ إليك من نفسك". فقال: والله لأنت أحبُّ إليَّ من نفسي. فقال صلى الله عليه وسلم:" الآن يا عمر".

ومعلوم أن محبة الرسول تابعة لمحبة الله عز وجل، فما الظن بمحبة الله عز وجل؟!

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة:10].

قال ابن عباس في هذه الآية: كانت المرأة إذا أتتِ النبي صلى الله عليه وسلم لتُسْلِم؛ حلّفها بالله ما خرجت من بغض زوج إلا حبًّا لله ورسوله.

وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كُن فيه وجد بهنَّ حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله، كما يكره أن يُقذف في النار".

وعن معاذ - في حديث اختصام الملأ الأعلى – عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني ربي تبارك وتعالى في أحسن صورة - يعني في المنام – فذكر الحديث. وقال في آخره: "قال: سل. قلتُ: اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين، وأن تغفر لي وترحمني، وإذا أردت بقوم فتنة فتوفني إليك غير مفتون، وأسألك حبك، وحب من يحبك، وحب كل عمل يقربني إلى حبك". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنها حقٌّ فادرسوها، ثم تعلموها" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].

ومن الأسباب الجالبة للمحبة المقوية لها:

(1) قراءة القرآن بالتدبر: لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف".

(2) التقرب إلى الله بالنوافل بعد أداء الفرائض: كما في الحديث القدسي: "ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه".

(3) دوام ذكره سبحانه على كل حال: بالقلب واللسان، قال. قال إبراهيم بن الجنيد: كان يقال: من علامة المحبة لله: دوام الذكر بالقلب واللسان، وقلما ولع المرء بذكر الله عز وجل إلا أفاد منه حب الله عز وجل.

(4) إيثار محابه سبحانه على محاب النفس وهواها.

(5) مطالعة القلب لأسمائه وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة: عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث رجلاً على سرية فكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بـ {قل هو الله أحد}؛ فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "سلوه لأي شيء يصنع ذلك". فسألوه فقال: لأنها صفة الرحمن، فأنا أحب أن أقرأ بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخبروه أن الله يحبه".

(6) مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة: قال تعالى: {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} [النحل:53].

(7) الخلوة به سبحانه وقت النزول الإلهي لمناجاته وتلاوة كلامه ودعائه واستغفاره.

(8) مجالسة المحبين الصالحين الصادقين.

(9) مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

عيش المحبين هو العيش على الحقيقة

نعم فلا عيش إلا عيش المحبين الذين قرت أعنيهم بحبيبهم، وسكنت نفوسهم إليه، واطمأنت قلوبهم به، واستأنسوا بقربه، وتنعموا بحبه، ففي القلب فاقة لا يسدُّها إلا محبة الله والإقبال عليه والإنابة إليه، ولا يلمُّ شعثه بغير ذلك أبدا. ومن لم يظفر بذلك فحياته كلها هموم وغموم، وآلام وحسرات، فإنه إن كان ذا همة عالية تقطعت نفسه على الدنيا حسرات؛ فإن همته لا ترضى فيها بالدّون، وإن كان مهينًا خسيسًا فعيشه كعيش أخسِّ الحيوانات. فلا تقرُّ العيون إلا بمحبة الحبيب الأول.

ومن المحبين الصادقين

أبو بكر الصديق الذي سبق الأمة بحبه لله:

عن بكر المزني قال: ما فاق أبو بكر أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم بصوم ولا صلاة، ولكن بشيء وقر في قلبه.

قال إبراهيم: بلغني عن ابن علية أنه قال في عقيب هذا الحديث: الذي كان في قلبه الحبُّ لله عز وجل والنصيحة لخلقه.

ابن عمر يسأل الله حبَّه:

كان ابن عمر يدعو على الصفا والمروة وفي مناسكه: "اللهم اجعلني ممن يحبك،ويحب ملائكتك، ويحب رسلك،ويحب عبادك الصالحين.اللهم حببني إليك وإلى ملائكتك وإلى رسلك وإلى عبادك الصالحين".

حكيم بن حزام شعاره الحب:

كان رضي الله عنه يطوف بالبيت ويقول: لا إله إلا الله ، نعم الرب ونعم الإله ، أحبه وأخشاه.

من علامات صدق المحبة:

إن المحبة شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء، وثمارها تظهر في القلب واللسان والجوارح. وقد وصف الله تعالى المحبين بالعديد من الأوصاف، فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [المائدة:54].

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:31]. فوصفهم سبحانه بخمسة أوصاف:

(1) الذلة على المؤمنين ولين الجانب والتواضع والرحمة والرأفة للمؤمنين.

(2) العزة على الكافرين والبراءة منهم.

(3) الجهاد في سبيل الله ببذل النفس والمال لنصرة دين الله ورد الناس إليه.

(4) الاجتهاد في رضى الله وعدم المبالاة بلوم الناس:

وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي متأخّرٌ عنـه ولا مُتقــدَّمُ

أجد الملامـة فـي هـواك لذيـذة حبًّا لذكرك فليمني اللُّـوَّمُ

(5) متابعة الرسول وطاعته.

ومن علاماتها: حب لقاء الله في دار السلام والنظر إلى وجهه.

قال ابن رجب: "هِمَمُ العارفين المحبين متعلقة من الآخرة برؤية الله، والنظر إلى وجهه في دار كرامته والقرب منه".

نسأل الله الكريم أن يرزقنا محبته، وأن ينعم علينا بالنظر إلى وجهه الكريم في جنات النعيم.وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وآله وصحبه أجمعين.
إسلام ويب

Post: #949
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:57 AM
Parent: #893

الابتداع في الدين
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه. أما بعد فالبدعة عبارة عن التعدي في الأحكام والتهاون في السنن و اتباع الآراء و الأهواء و ترك الاتباع و الاقتداء، أو هي كما قال الشاطبي: طريقة في الدين مخترعة تضاهي الشرعية يُقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه و تعالى.

النصوص الشرعية تذم البدعة

و قد وردت النصوص بذم البدعة والتحذير منها، فعن جابر- رضي الله عنه- قال: كان رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا خطب احمرت عيناه و علا صوته...الحديث، و فيه يقول: " أما بعد، فخير الحديث كتاب الله تعالى، و خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه و سلم ، و شر الأمور محدثاتها و كل بدعة ضلالة..." (رواه مسلم). و في حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " ...فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بستني و سنة الخلفاء الراشدين المهديين ، تمسكوا بها و عضو عليها بالنواجذ و إياكم و محدثات الأمور؛ فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة". (رواه أبو داوود و الترمذي و قال حسن صحيح). و عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (رواه البخاري و مسلم).

البدعة ضلالة تحبط العمل

فالابتداع في الدين ضلالة و هو من أعظم أسباب حبوط الأعمال، و يشمل ذلك المبتدع و متبع المبتدع، ففي الحديث: " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد". و صاحب البدعة ممن زُيِن له سوء عمله فرآه حسنا، و لذلك لا ترجى له توبة بخلاف العاصي، و في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "إن الله احتجز التوبة عن صاحب كل بدعة". (رواه المنذري و الطبراني و حسنه الألباني). و أخطر البدع ما يتعلق منها بالعقيدة كالتكفير بالكبيرة عند الخوارج و تأويل الأسماء و الصفات كقول بعضهم: ( استوى بمعنى استولى و النزول بمعنى نزول الأمر، و اليد بمعنى القدرة...) و القول بسقوط التكاليف و الحلول و الاتحاد و صرف العبادة للمقبورين عند البعض، و تقديم العقل على النقل عند آخرين، و القول بعصمة الأئمة و سب و تكفير الصحابة عند طائفة أخرى من المبتدعة. و المبتدعون يسمون بأهل البدع و أهل الأهواء.

شبهة وجواب

و إذا كان إيراد قول أو فعل لم يستن قائله أو فاعله فيه بصاحب الشريعة يعد بدعة و ضلالة، فقد اعترض البعض على إطلاق ذم البدعة، ووصف بعض البدع بالحسن، و احتج على ذلك بقول عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على أُبَي بن كعب في قيام رمضان:" نعمت البدعة هذه" و الرد على ذلك من وجوه منها: أن النبي صلى الله عليه و سلم صلى بالرجال و النساء لبضع ليالٍ و لكن خشية أن تفرض عليهم امتنع، فلما مات صلى الله عليه و سلم و انقطع الوحي خرج عمر رضي الله عنه، فرأى الرجل يصلي لنفسه و الرجل يصلي بصلاته الرجل و الرجل يصلي بصلاته الرهط فجمعهم على أُبَي بن كعب و قال مقالته هذه. و عمر أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا النبي صلى الله عليه و سلم بالاقتداء بهم كما في الحديث: " عليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي". و البدعة قد تُحمل على المعنى اللغوي و هي الشيء المحدث و المخترع على غير مثال سابق و تحتمل هنا المدح و الذم. قال تعالى: ( قل ما كنت بدعا من الرسل) (الأحقاف:9) أي ما كنت أول من أرسل و قد كان قبلي رسل. أما قول الله تعالى: ( و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم) (الحديد: 27) فالمعنى: أحدثوها من تلقاء أنفسهم، يقول القرطبي: و ذلك أنهم(النصارى) حملوا أنفسهم على المشقات في الامتناع عن المطعم و المشرب و النكاح و التعلق بالكهوف و الصوامع، و ذلك أن ملوكهم غيروا و بدلوا و بقي نفر قليل فترهبوا و تبتلوا، و لا رهبانية في الإسلام، و إنما رهبانية الأمة في الجهاد في سبيل الله.

بين الإفراط والتفريط

وقع نفر من المسلمين في أمر البدعة في الإفراط فلم يفرقوا بين العبادات و المعاملات، فرأوا فريق أن يجمدوا على الوسائل التي ورثوها حتى ولو كانت من الأمور والوسائل الدنيوية البحتة التي لا علاقة لها بالعبادات ؛فتقدم الآخرون في أمور الدنيا وبقي هؤلاء عالة عليهم يتسولون منهم ما اخترعوه وصنعوه، وفرط آخرون فلم يفرقوا بين ما هو من أمور العبادات وما هو من أمور المعاملات فابتدعوا في الدين ما لم يأذن به الله بزعم التحضر و التقدم و حدث خلط كبير في المفاهيم و كان الواجب أن يصطلح كل فريق على حقه، فالعبادات الأصل فيها المنع و الحظر و التوقيف، أما المعاملات فالأصل فيها الإباحة إذا روعيت ضوابطها فلا مانع من صناعة الطائرة و ركوب السيارة و بناء المستشفى و الملجأ و المدرسة، و هذه الوسائل لما استخدمت له، و إن استخدمت في أمر صالح كانت صالحة و إن استخدمت في أمر فاسد كانت فاسدة، أما العبادات كالصلاة و بر الوالدين و الحجاب فهي تؤخذ بلا زيادة و لا نقصان سواء كنا في القرن الأول أو في القرن المائة، و من سمات هذه الدعوة المباركة التطور لا الرجوع للوراء، و يكون ذلك فيما يقبل التطور مع التمسك بالمعاني الإيمانية دون تغيير أو تبديل: ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي..) (يونس: 15) و لذلك قلنا: إن الابتداع في الدين مذموم و كله ضلالة، و يشمل ذلك البدع الحقيقية و الإضافية (و هي التي لها شائبتان، شائبة من الشرع و شائبة من غيره، كالصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم عقب الأذان بصوت جهري، و الاحتفال برأس السنة الهجرية و الإسراء و المعراج) و قد أخطأ من قال: إن البدع الإضافية لا إنكار فيها، بل لابد من إنكارها لعموم النهي عن الابتداع في الدين.

السلف يحذرون من البدعة

قال مالك رحمه الله: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه و سلم خان الرسالة لأن الله يقول: ( اليوم أكملت لكم دينكم) ( المائدة: 3) فما لم يكن يومئذ دينا فلا يكون اليوم دينا، و قال الشافعي رحمه الله من استحسن فقد شرع، و قد ورد عن عمر رضي الله عنه أنه قال: " كل بدعة ضلالة و إن رآها الناس حسنة" ، و قال بن مسعود: " اتبعوا و لا تبتدعوا فقد كفيتم، وعليكم بالأمر العتيق " و بالتالي فعلى كل من أراد أن يأتي بجديد في العقائد أو العبادات أن يسوق النص و الدليل إذ الفعل سنة و الترك أيضا سنة طالما وجد المقتضي و انتفى المانع و لم يفعل، كتركهم الأذان للعيدين و تركهم تلاوة القرآن على الموتى، و تركهم تلاوة القرآن بصوت جهري قبل العصر و الجمعة، فالترك هنا هو السنة إذ أنهم عن علم وقفوا و ببصر نافذ كفوا. قال الحسن: إنما هلك من كان قبلكم حين تشعبت بهم السبل و حادوا عن الطريق فتركوا الآثار و قالوا في الدين برأيهم فضلوا و أضلوا، و قال أيضا: "السنة و الذي لا إله إلا هو بين الغالي و الجافي فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى و هم أقل الناس فيما بقي، الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم و لا مع أهل البدع في بدعهم و صبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم فكذلك إن شاء الله فكونوا". و قال: "لا يقبل الله لصاحب بدعة صوما و لا صلاة و لا حجا و لا عمرة حتى يدعها"، و قال: "صاحب البدعة لا يزداد اجتهادا صياما وصلاة إلا ازداد من الله بعدا". و قال: "لا تجالس صاحب بدعة ؛ فإنه يمرض قلبك". وقال حسان بن عطية: "ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها ثم لا يعيدها إليهم إلى يوم القيامة". ففي السنن كفاية و على من أراد أن يسن للناس سنة حسنة أن يدلهم على هدي نبيه صلى ا لله عليه و سلم و يظهر لهم الشرائع و الشعائر ويحيي السنن التي اندرست و انطمست لا أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، لا معارضة بين إطلاق اللحية و تقصير الثوب و بين ركوب الطائرة كما لا معارضة بين جلباب المرأة و تطور الدنيا فنحن بحاجة لإقامة حضارة على منهاج النبوة و ملاحقة معاني التطور و التقدم مع التمسك بما جاء في كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم و الانتهاء عن الابتداع في الدين، إذ أن البدعة أحب إلى إبليس من المعصية ومن علامة البلاء أن يكون الرجل صاحب بدعة لا يرفع له عمل، و من أعانه فقد أعان على هدم الإسلام ومن زوج كريمته منه فقد قطع رحمها، و لا يصل العبد إلى الله إلا بموافقة حبيبه صلى الله عليه و سلم في شرائعه و من جعل الطريق إلى الوصول في غير الإقتداء يضل من حيث يظن أنه مهتدٍ، و كل الطرق مسدودة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم فاتبع طريق الهدى و لا يضرك قلة السالكين و إياك و طرق الضلالة و لا تغتر بكثرة الهالكين.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

د/سعيد عبد العظيم

Post: #950
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 00:59 AM
Parent: #893

إن البخل دليل على قلة العقل وسوء التدبير، وهو أصل لنقائص كثيرة، ويدعو إلى خصال ذميمة، ولا يجتمع مع الإيمان، بل من شأنه أن يهلك الإنسان ويدمر الأخلاق كما أنه دليل على سوء الظن بالله عز وجل، يُؤخر صاحبه، ويبعده عن صفات الأنبياء والصالحين.

فالبخيل محروم في الدنيا مؤاخذ في الآخرة، وهو مكروه من الله عز وجل مبغوض من الناس، ومن هنا قال القائل: جود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده.

وقال آخر: البخل هو محو صفات الإنسانية وإثبات عادات الحيوانية.

وقال بشر الحافي: "البخيل لا غيبة له".

ومُدحت امرأة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: صوّامة قوّامة، إلاّ أن فيها بخلاً. قال: "فما خيرها إذًا" .

وقد تتسع دائرة البخل حتى تشمل امتناع المرء عن أداء ما أوجب الله تعالى عليه فترى البعض يبخل بنفسه وماله ووقته، وقد يمتنع عن تأدية حقوق الله أو النفس أو الخلق، قال الجاحظ: البخل خُلقٌ مكروه من جميع الناس إلاّ أنه من النساء أقل كراهية، بل قد يستحب من النساء البخل (بمال أزواجهن إلاّ أن يؤذن بالجود) فأما سائر الناس فإن البخل يشينهم وخاصة الملوك والعظماء، فإن البخل أبغض منهم أكثر مما هو أبغض من الرعية والعوام ويقدح في ملكهم؛ لأنه يقطع الأطماع منهم، ويبغضهم إلى رعيتهم".

والشح أشد في الذم من البخل ويجتمع فيه البخل مع الحرص، وقد يبخل الإنسان بأشياء نفسه، وأشد منه دعوة الآخرين للبخل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} [النساء: 37].

وقد يصل البخل بصاحبه إلى أن يبخل على نفسه، بحيث يمرض فلا يتداوى، وفي المقابل فأرفع درجات السخاء الإيثار، وهو أن تجود بالمال مع الحاجة إليه.

الآيات تذم البخل:

قال تعالى: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آل عمران:180].

وقال: {الذِينَ يَبْخَلُونَ ويَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُّهِينًا} [النساء: 37].

وفي معرض ذم المنافقين قال سبحانه: {وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لئِنْ آتَانَا مِِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقنَّ وَلَنكونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهم من فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وتَوَلّوا وّهُم مُّعْرِضونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إلى يَوْمِ يَلْقَوْنَه بما أَخْلَفوا اللهَ مَا وَعدُوهُ وبِما كانوا يَكْذِبُونَ} [التوبة: 75 - 77].

وبيّن جل وعلا أن عائد البخل إنما هو على النفس، فقال: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} [محمد: 38].

وقال سبحانه: {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [الحديد: 24].

وفي بيان مغبة البخل قال سبحانه: {وَأَمَّا مَن بَخِلَ واسْتَغْنَى * وَكذَّبَ بالحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ للعُسْرى} [الليل: 8 - 10].

بعض الأحاديث الواردة في ذَمِّ البخل:

كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: "اللهم إنِّي أعوذُ بك من الهَمِّ والحَزَنِ، والعَجْزِ والكسَل، والبُخْلِ والجبنِ، وضلع الدّين، وغَلَبَة الرِّجَالِ..." الحديث [رواه البخاري ومسلم].

وورد عند الطبراني: "إنّ أعجز الناس من عجز عن الدعاء، وأبخل الناس من بخل بالسّلامِ".

وعن يَعْلى بن مُنَبِّهٍ الثَّقفيّ رضي الله عنه قال: جَاء الحسنُ والحسين يستبِقان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فضمّهما إليه ثم قال: "إنَّ الولد مَبْخلَةٌ مجبَنَةٌ محزَنَةٌ" [رواه ابن ماجه والحاكم].

وعن حسين بن عليّ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "البخيل من ذُكِرْتُ عنده ثمّ لم يُصَلِّ عليَّ" [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح].

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال: خَرَجتُ ذات يوم فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ألا أُخْبرُكُم بأبْخل النّاس؟" قالوا: بلى يا رسول الله، قال: "مَنْ ذُكِرْتُ عنده فلم يُصَلِّ عَلَيَّ، فذاك أبخل الناس".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الظلم ظلُمات يومَ القيامة، وإيّاكم والفُحش، فإنَّ الله لا يُحبّ الفحش ولا التّفحّش، وإياكم والشُّحّ، فإنّ الشُّحَّ أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالبخل فبَخِلوا، وأمرهم بالفجور ففجَرُوا" [رواه أحمد وأبو داود].

وعن سعْد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان يأمر بهؤلاء الخمس ويُحدِّثهن عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجُبن، وأعوذ بك أن أُردَّ إلى أرذل العمر، وأعوذ بك من فتنة الدُّنيا، وأعوذ بك من عذاب القبر" [رواه البخاري].

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من رجل له مال لا يؤدي حقّ ماله إلاّ جعل له طوقًا في عُنُقه شجاع أقرع وهو يفر منه وهو يتبَعُهُ" ثم قرأ مصداقه من كتاب الله عز وجل: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ ما بخِلُوا بِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ} [آل عمران: 180]" [رواه ابن ماجه والنسائي وصححه الألباني].

وعن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: لا أقول لكم إلاّ كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم وعذاب القبر، اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكّها أنت خير من زكّاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع، ومن قلب لا يخشع، ومن نفس لا تشبع، ومن دعوة لا يُستجاب لها" [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لا يأتي ابن آدم النّذْرُ بشيءٍ لم يكن قُدّرَ له، ولكن يُلْقِيهِ النَّذرُ إلى القَدَرِ قد قُدِّرَ له، فيستخرج اللهُ من البخيل فيؤتى عليه ما لم يكن يُؤْتى عليه من قبل" [رواه البخاري ومسلم].

وعن عبد الله بن الشّخير رضي الله عنه قال: أتيتُ النبيّ صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ: {أَلْهَاكُمُ التَّكاثُرُ} قال: "يقول ابن آدم: مالي، مالي. قال: وهل لك يا ابنَ آدم من مالكَ إلاّ ما أَكَلْتَ فأَفْنَيْتَ، أو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أو تصدَّقْتَ فأمْضَيْتَ؟" [رواه مسلم].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثٌ مُنجيات: خشية الله تعالى في السّرِّ والعلانية، والعدل في الرضا والغضب، والقصد في الفقر والغنى. وثلاث مُهْلِكاتٌ: هَوَىً مُتَّبع، وشُحٌ مُطاع، وإعْجابُ المرء بنفسه" [رواه الطبراني والبزار وصححه الألباني].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شَرُّ ما في الرجل: شُحٌّ هالعٌ، وجُبْنٌ خالع" [رواه أحمد وابن حبان وصحح أحمد شاكر إسناده].

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قالت هند أم معاوية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أبا سفيان رجل شحيح، فهل عليّ جُناحٌ أن آخذ من ماله سِرًّا؟ قال: "خذي أنت وبنوك ما يكفيك بالمعروف" [رواه البخاري ومسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يُصبح العباد فيه إلاّ ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ مُنفِقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تَلفًا" [رواه البخاري ومسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يتقارب الزمان، وينقص العمل ويُلقى الشُّحُّ، ويكثر الهرجُ" قالوا: وما الهرجُ؟ قال: "القتلُ القتلُ" [رواه البخاري ومسلم].

بعض الآثار في ذمّ البخل:

· قال عليّ رضي الله عنه: إنه سيأتي على النّاس زمانٌ عَضوض، يَعَضُّ الموسرُ على ما في يده ولم يُؤْمر بذلك. قال الله تعالى: {ولا تَنْسَوُا الفَضْلَ بيْنَكُم} [البقرة:237].

وقال طلحة بين عبيد الله رضي الله عنه: إنّا لَنَجِدُ بأمْوالنا ما يجدُ البخلاء لكننا نتصبّرُ .



وقال عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما لرجل قال له: تُماكسُ في درهم وأنت تجودُ من المال بكذا وكذا؟ فقال: "ذاكَ مالي جُدْتُ به، وهذا عقلي بَخِلْتُ به.

وقال محمد بن المنكدر - رحمه الله تعالى -: كان يُقال: إذا أراد الله بقوم شرًّا أمَّرَ عليهم شرارهم، وجعل أرزاقهم بأيدي بخلائهم.

وقال الضحاك - رحمه الله تعالى - في تفسير قوله تعالى: {إنَّا جَعَلْنَا في أعناقهم أغلالاً} [يس: 8]، قال: البخل، أمسك الله تعالى أيديهم عن النّفقة في سبيل الله فهم لا يُبصرون الهدى.

وقالت أم البنين أخت عمر بن عبد العزيز - رحمها الله تعالى - : "أفٍّ للبخيل، لو كان البُخل قميصًا ما لَبِسْتُهُ، ولو كان طريقًا ما سلكتُهُ" .

قال الشعبيُّ - رحمه الله تعالى - : "ما أدري أيُّهُما أبعد غورًا في جهنّم: البخل أو الكذِب" .

قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: "لا أرى أن أُعَدِّلَ بخيلاً؛ لأن البخل يحمله على الاستقصاء فيأخذ فوق حقه خيفةً من أن يُغْبَنَ، فمن كان هكذا لا يكون مأمون الأمانة" .

فإياك والبخل، فقد علمت ما جاء فيه من الذم، ودرِّبْ نفسك على الجود والكرم وتعامل مع الرب الكريم الذي لا تضيع عنده مثاقيل الذر، فعندك من النباهة والفطنة ما يخلصك من المعرة في الدنيا والآخرة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

د/سعيد عبد العظيم

Post: #951
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 01:01 AM
Parent: #893

أكل الطيبات
الحمد لله الذي أحلّ لنا الطيّبات وحرّم علينا الخبائث، وجعل ذلك من صفات نبيه صلى الله عليه وسلم المذكورة في الكتب السابقة، قال تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف: 157].

الأصل في الأشياء الإباحة

الأصل في الأشياء الإباحة، أما المحرمات إنما هي أشياء مستثناة، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: 2].

فالحلال الطيب هو الأصل، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [البقرة: 168]، وقال: {يَسْأَلونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4]، وقال أيضًا: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]، وطعام الذين أوتوا الكتاب هي ذبائحهم باتفاق المفسرين إذا ذبحوا بمُحدد في مَنحرٍ جاز لنا أن نأكل منها.

لا تحرموا الطيبات

قد يترك الإنسان ما يشتبه ويختلط عليه تورعًا، والورع من الدين، ولكن لا يسعه تحريم الطيبات بمقتضى ذلك على عموم الخلق. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف: 32]. وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} [المائدة: 87]. وقال: {وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} [النحل: 116].

إن تحريم الطيبات كاللحم والسمك والخضروات والفاكهة لا يقل في خطورته عن تحليل الحرام كالخمر والزنى والقمار.. بل قد يزيد، إذ تحريم الحلال قرين الشرك، ففي الحديث القدسي: "إني خلقت عبادي حنفاء وأنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم وحرمت عليهم ما أحللت لهم وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا".

فإذا ثبت حصول المضرة، فالضرر يُزال، والضرورة تُقدر بقدرها، ولا يجوز المغالاة في تحريم الطيبات بتحاليل معملية أو فحوصات مجهرية، فالنجاسة تُعرف بلون أو طعم أو رائحة.

شريعة ترفع الحرج وتبيح الطيبات

إنّ من سمات هذه الشريعة المطهرة رفع الحرج والأصار والأغلال التي كانت على من قبلنا، ومن صور ذلك إباحة الطيبات.

وقد وردت النصوص والآثار تدل على ذلك، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الأكثرون هم الأسفلون يوم القيامة، إلاّ من قال بالمال هكذا وهكذا، وكسبه من طيّب" [رواه ابن ماجه]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يتصدق أحد بتمرة من كسب طيّب، إلا أخذها الله بيمينه، فيُربيها كما يُربي أحدكم فلوَّه أو قَلوصَه، حتى تكون مثل الجبل أو أعظم" [رواه البخاري ومسلم]. وعن المقدام بن معد يكرب الزُّبيدي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ما كسب الرجل كسبًا أطيب من عمل يده. وما أنفق الرجل على نفسه وأهله وولده وخادمه فهو صدقة". [رواه ابن ماجه وصححه الألباني].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أيُّها الناس، إنّ الله طيبٌ لا يقبل إلاّ طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} [المؤمنون: 51]، وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، يمُدُّ يديه إلى السماء، يا رب، يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنّى يُستجاب لذلك؟". [رواه مسلم].

أفضل الكسب ما كان من عمل اليد

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ أطيب ما أكل الرّجل مِن كسبِهِ، وإنّ ولده من كسبه". [رواه أبوداود وابن ماجه]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "خير الكسب العامل إذا نصح". [رواه أحمد]. وعن الزُّبير بن العوام رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لأن يأخذ أحدكم أحبلاً فيأخذ حزمة من حطبٍ فيبيع فيكُفَّ الله بها وجهه خيرٌ من أن يسأل الناس أُعطي أم مُنع". [رواه البخاري].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لأن يغدو أحدكم فيحطب على ظهره، فيتصدق به ويستغني به من الناس، خيرٌ له من أن يسأل رجلاً، أعطاه أو منعه ذلك، فإنّ اليد العُليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول" [رواه البخاري ومسلم].

وعن المقدام رضي الله عنه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ما أكل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإنّ نبيّ الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" [رواه البخاري]. وقال أبو عبد الله الباجي الزاهد: "خمس خصال بها تمام العمل: الإيمان بمعرفة الله عز وجل ومعرفة الحق، وإخلاصُ العمل لله، والعمل على السُّنة، وأكل الحلال". وقال ابن رجب الحنبلي - رحمه الله - بعد قوله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله - تعالى - طيّبٌ لا يقبلُ إلاّ طيبًا، وإن الله - تعالى - أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين.." قال: المراد بهذا أن الرسل وأممهم مأمورون بالأكل من الطيبات التي هي الحلال وبالعمل الصالح.

قال ابن كثير عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً} [البقرة: 168]، أباح لهم أن يأكلوا مما في الأرض في حال كونه حلالاً من الله طيبًا، أي مُستطابًا في نفسه غير ضارٍّ للأبدان ولا للعقول". وقال عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا} [البقرة: 172]، "والأكل من الحلال سببٌ لتقبُّل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة".

وقال الحسن البصري عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [المؤمنون: 51]، قال: "أما والله ما أمركم بأصفركم ولا أحمركم، ولا حلوكم ولا حامضكم، ولكن قال: انتهوا إلى الحلال منه". وقال سعيد بن جُبير والضحاك {كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ} يعني الحلال. وقال عمرو بن شُرحبيل: "كان عيسى بن مريم يأكل من غزل أمه".

وعن عمر بن عبد العزيز أنه قال يومًا: "إني أكلت حُمُّصًا وعدسًا فنفخني" فقال له بعض القوم: يا أمير المؤمنين إن الله يقول في كتابه: {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} فقال عمر: "هيهات ذهَبْتَ به إلى غير مذهبه، إنما يُريد به طيب الكسب ولا يُريد به طيب الطعام".

فلماذا نتخطى دائرة الحلال والمباح الواسعة إلى دائرة الحرام الضيقة، والتي من شأنها أن تمحق البركات وتُدمر البلاد والعباد ، إن تعاطي الحلال وأكل الطيبات طريق موصل إلى محبة الله وجنته وسبب لإجابة الدعاء وحصول البركة في العمر والنماء في المال كما أنه عنوان السعادة في الدنيا والفوز والنجاة في الآخرة، يورث حلاوة المقال والفعال والبركة في الذرية وصلاح الحال.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #952
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 02:54 AM
Parent: #951

من سنة الله في الكون هذا التفاوت الحاصل بين الناس، فمنهم الغني والفقير، ومنهم الشريف ودون ذلك، ومنهم ذو الجاه والمنزلة ومنهم دون ذلك. والناس يحتاج بعضهم إلى بعض، كما قد يخطئ بعضهم فيتعرض لعقوبة من يستطيع عقوبته،فيحتاج إلى من يساعده في دفع العقوبة عنه –في حدود ما يسمح به الشرع- من أجل ذلك وغيره حث الإسلام على الشفاعة ورغَّب فيها، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه السائل أو طلب إليه حاجة قال: " اشفعوا تؤجروا، ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء".

مظهر من مظاهر الرحمة:

إن الشفاعة مظهر من مظاهر الرحمة؛ فحين يخطئ الإنسان خطأً ليس له حدٌ شرعي واجب التنفيذ، لكنه يعرض المخطئ لعقوبة ذي سلطان أو قادر على الانتقام، فمن الرحمة بالمخطئ حين يقر بخطئه ويرجو العفو أن يشفع له من تنفعه شفاعته عند هؤلاء، وقد حدث ذلك مع الحر بن قيس مع عمه عيينة بن حصن حين دخل الأخير على عمر بن الخطاب فأغضبه قائلاً: "والله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل". فلما رأى الحر ما طرأ على أمير المؤمنين جراء هذا الكلام السيئ وخاف على عيينة غضب الفاروق شفع عنده قائلاً: يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وإن هذا من الجاهلين – يقصد عمه عيينة – فعفا عنه أمير المؤمنين".

الشفاعة لقضاء الحاجات:

حين تكون لإنسان حاجة مباحة عند إنسان آخر، فمن الرحمة بصاحب الحاجة أن يشفع له من يستطيع من المسلمين لقضاء حاجته. وقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبادر إلى الشفاعة عند الآخرين ليقضوا حوائج غيرهم، فقد توفي والد جابر بن عبد الله وترك عليه ثلاثين وَسْقًا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فأبى أن ينظره، فكلم جابر رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشفع له إليه، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلم اليهودي ليأخذ تمر نخلة بالتي له فأبى، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل فمشى فيها، ثم قال لجابر: "جُدَّ له فأوف له الذي له". فجده بعد ما رجع رسول الله فأوفاه ثلاثين وَسْقًا، وفضلت له سبعة عشر وَسْقًا...".

ورأيناه في موقف آخر يشفع عند امرأة لترجع لزوجها، فقد ورد في صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان زوج بريرة عبدًا أسود يقال له: مُغيث ، كأني أنظر إليه يطوف خلفها في سكك المدينة يبكي ودموعه تسيل على لحيته، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس: "ألا تعجب من حُبِّ مغيث بريرة، ومن بُغض بريرة مغيثًا؟" فقال النبي لبريرة: "لو راجعته" قالت: يا رسول الله، تأْمُرني؟ قال: "إنما أشفع". قالت: لا حاجة لي فيه".

وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتأخر عن الشفاعة خدمة للمسلمين وقضاءً لحوائجهم، فيبذل من وقته وجهده وجاهه، وهذا من رحمته صلى الله عليه وسلم بأمته.

الشفاعة قسمان:

إن الشفاعة تنقسم إلى قسمين: حسنة، وسيئة.

وقد ورد بيان ذلك في القرآن: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً} [النساء:85]. فالشفاعة الحسنة هي كل شفاعة لرفع ظلم عن مظلوم، أو لقضاء حوائج الناس، أو لإيصال الحق لصاحبه، أو العفو عمَّا رغب الإسلام فيه بالعفو، أو للإحسان في كل ما رغب فيه الإسلام بالإحسان، أو للإصلاح بين المتخاصمين، أو نحو ذلك.

وصاحب هذه الشفاعة مأجور عند الله تعالى.

أما الشفاعة السيئة فهي ما كان في حد من حدود الله تعالى أو لهضم حق من الحقوق دون طيب نفس صاحب الحق ومسامحته، أو نحو ذلك.

وصاحب هذه الشفاعة له نصيب من الوزر والإثم، ولهذا غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من شفاعة أسامة بين زيد في حد من حدود الله وهو السرقة، فعن عائشة رضي الله عنها أن قريشًا أهمهم شأن المرأة المخزومية التي سرقت، فقالوا: من يُكلم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالوا: من يجترئ عليه إلا أسامة بن زيد حِبّ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فكلمه أسامة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟". ثم قال: "إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وايم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

إن الشفاعة الحسنة بين المسلمين مظهر من مظاهر التعاون والتراحم والتعاطف، وتلمح في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء".

إن الشفاعة لا ينبغي أن تربط برجاء الإجابة، وإن الأجر متحقق لمن شفع مهما كانت النتائج.

وفقنا الله وجميع المسلمين لما يحب ويرضى.
إسلام ويب

Post: #953
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 02:57 AM
Parent: #952

لقد أمرنا سبحانه بستر العورات وتغطية العيوب وإخفاء الهنات والزلات ويتأكد ذلك مع ذوي الهيئات ونحوهم ممن ليس معروفا بالأذى والفساد، فمن مقتضى أسمائه الحسنى الستر، فهوسـِتِّير، يحب أهل الستر، رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يغتسل بالبراز(الخلاء) بلا إزار فصعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال صلى الله عليه وسلم : " إن الله عز وجل حليم حيي ستير، يحب الحياء والستر فإذا اغتسل أحدكم فليستتر". (رواه النسائي وأبو داوود وصححه الألباني).
الجزاء من جنس العمل
إن الجزاء من جنس العمل، فمن كان حريصا على ستر المسلمين في هذه الدنيا إذا زلوا أو وقعوا في الهفوات فإن الله تعالى يستره في موقف هو أشد ما يكون احتياجا إلى الستر والعفو حين تجتمع الخلائق للعرض والحساب، ففي الحديث: " ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة". (رواه البخاري ومسلم).
وروى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " لا يستر عبد عبدا في الدنيا ، إلا ستره الله يوم القيامة".
الطاعات ستر من النار
والطاعات والقربات بمثابة ستر لصاحبها من النار، ففي الحديث: " من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل". (رواه مسلم). وأعظم لباس يستتر به العبد هو لباس التقوى، قال تعالى: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (26 الأعراف).
ولما كان الستر من الصفات المحمودة فقد سعى الشيطان وأولياؤه في كشف السوءات والعورات، ولذلك قال سبحانه محذرا: {يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءَاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُووَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاء لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} ( الأعراف 27).
إن انتشار دعوات العري والخلاعة والاختلاط دليل فساد العقل والفطرة وموافقة الشيطان ومخالفة أوامر الرحمن.
الشريعة تحث على الستر
ولم تتشوف الشريعة لكثرة عدد المحدودين والمرجومين، فالتهمة لا تكون إلا ببينة أوضح من شمس النهار؛ ولذلك شرع إقامة حد القذف على من رمى مؤمنا بغير بينة شرعية، ونهينا عن هتك الستر، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ( النور19). وقال في قصة الإفك:{لَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُّبِينٌ} (النور 12). وقال: {وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُم مَّا يَكُونُ لَنَا أَن نَّتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ } (16 سورة النــور) ولما أتى هزال بماعز الأسلمي لإقامة الحد عليه قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "لوسترته بثوبك لكان خيرا لك". وورد عنه صلى الله عليه وسلم: " من أتى شيئا من هذه القاذورات فليستتر فإنه من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه كتاب الله".
الحدود كفارات والستر أولى
إن الحدود كفارة لأهلها ومع هذا استحب أهل العلم لمن أتى ما يستوجب الحد أن يستر على نفسه ويتوب فيما بينه وبين ربه ويكثر من الحسنات الماحية، فعن عبد الله رضي الله عنه قال:" جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني عالجت امرأة في أقصى المدينة وإني أصبت منها ما دون أن أمسها( استمتاع محرم بغير جماع) فأنا هذا فاقض فيَّ ما شئت، فقال عمر: لقد سترك الله لو سترت نفسك، قال: فلم يرد النبي صلى الله عليه وسلم شيئا فقام الرجل فانطلق فأتبعه النبي صلى الله عليه وسلم رجلا دعاه وتلا عليه هذه الآية: {وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين} ( هود 114) فقال رجل من القوم يا نبي الله هذا له خاصة؟، قال: "بل للناس كافة". ( رواه البخاري ومسلم)، وهنا لم يستفسر منه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسأله عما اقترفه تحديدا.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " كل أمتي معافى إلا المجاهرين ، وإن من الإجهار أن يعمل العبد بالليل عملا ثم يصبح قد ستره ربه فيقول: يا فلان قد عملت البارحة كذا وكذا. وقد بات يستره ربه ، فيبيت يستره ربه ويصبح يكشف ستر الله عنه". ( رواه البخاري ومسلم)، فليس عندنا كرسي اعتراف ولا صناديق غفران ، فمن اقترف ذنبا وهتك سترا فليبادر بالتوبة من قريب والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه.
الستر صفة الأنبياء والصالحين
إن الستر صفة في الإنسان يحبها الله عز وجل وهي صفة يتحلى بها الأنبياء والمرسلون ومن تابعهم بإحسان فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن موسى كان رجلا حييا ستيرا لا يُرى من جلده شئ استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما يستر هذا التستر إلا من عيب بجلده....". الحديث رواه البخاري.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد حاجة لا يرفع ثوبه حتى يدنومن الأرض. وعن أبي السمح رضي الله عنه قال :كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فكان إذا أراد أن يغتسل قال: "ولني قفاك". وأنشر الثوب فأستره به.
وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: لو أخذت سارقا لأحببت أن يستره الله ولوأخذت شاربا لأحببت أن يستره الله عز وجل.
وعن مريم بنت طارق: أن امرأة قالت لعائشة: يا أم المؤمنين إن كَريَّا (هومن يؤجرك دابته) أخذ بساقي وأنا محرمة، فقالت: حِجرا حِجرا حَجرا (أي: سترا وبراءة من ذلك) وأعرضت بوجهها وقالت: يا نساء المؤمنين، إذا أذنبت إحداكن ذنبا فلا تخبرن به الناس ولتَستَغفِرَنَّ الله ولتَتُب إليه؛ فإن العباد يُعَيِّرون ولا يُغَيِّرون والله تعالى يُغَيِّرُ ولا يُعَيِّرُ".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: من أطفأ على مؤمن سيئة فكأنما أحيا موءودة.
عن العلاء بن بذر قال: لا يعذب الله قوما يسترون الذنوب.
عن الضحاك في قوله تعالى:( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) (لقمان20) قال: أما الظاهرة فالإسلام والقرآن، وأما الباطنة فما يستر من العيوب.
عن الحسن البصري أنه قال: من كان بينه وبين أخيه ستر فلا يكشفه.
عن أبي الشعثاء قال: كان شرحبيل بن السمط على جيش فقال: إنكم نزلتم بأرض فيها نساء وشراب، فمن أصاب منكم حدا فليأتنا حتى نطهره، فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فكتب إليه: لا أم لك، تأمر قوما ستر الله عليهم أن يهتكوا ستر الله عليهم.
عن عثمان بن أبي سودة قال: لا ينبغي لأحد أن يهتك ستر الله. قيل: وكيف يهتك ستر الله؟ قال: يعمل الرجل الذنب فيستره الله عليه فيذيعه في الناس.
عن علام بن مسقين قال: سأل رجل الحسن فقال: يا أبا سعيد، رجل عَلِمَ من رجل شيئا، أيفشي عليه؟ قال: يا سبحان الله! لا.
إن الستر يطفئ نار الفساد ويشيع المحبة في الناس ، ويورث الساتر سعادة وسترا في الدنيا والآخرة، كما أنه يثمر حسن الظن بالله تعالى وبالناس، وكتم الأسرار نوع من الستر يُحمَدُ عليها صاحبها من الخالق والمخلوق، فاستعن بالله على التحلي بهذه الفضيلة فهي أغلى من الجوهرة النفيسة، يدرك ذلك كل من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد... وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #954
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:00 AM
Parent: #893

العفو سلاح الأقوياء
ندب الله عباده إلى العفو فقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]. وقال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران:134].

إن الرحمة في قلب العبد تجعله يعفو عمَّن أساء إليه أو ظلمه، ولا يوقع به العقوبة عند القدرة عليه، وإذا فعل العبد ذلك كان أهلاً لعفو الله عنه. يقول الله تعالى: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور:22].

وقد نزلت هذه الآية عندما حلف أبو بكر رضي الله عنه ألا ينفق على مِسْطَح لأنه من الذين اشتركوا في إشاعة خبر الإفك عن عائشة رضي الله عنها، وقد كان الحلف عقوبة من الصديق لمسْطَح، فأرشد الله إلى العفو بقوله: {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا}.

ثم ألمح الله في آخر الآية إلى أن من يعفو عمَّن يسيء إليه فإن الله يعفو عنه: { أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}.

وقد ورد عن الصديق رضي الله عنه أنه قال: "بلغنا أن الله تعالى يأمر مناديًا يوم القيامة فينادي: مَن كان له عند الله شيء فليقم، فيقوم أهل العفو، فيكافئهم الله بما كان من عفوهم عن الناس".

الدعوة بالأخلاق الحميدة

إن الإسلام يريد من أبنائه أن يكونوا دعاةً للإسلام بأخلاقهم الحميدة من أجل ذلك وجههم إلى العفو حتى عن الكافرين إن أساءوا على المستوى الشخصي : {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الجاثـية:14].

ولقد كان تعامل المسلمين بهذه الأخلاق السامية مع غير المسلمين سببًا لإسلام كثير منهم، وأسوة المسلمين في هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فهذا عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم يحكي نبيًا من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: (رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون) ".

إن تربية الإسلام لأبنائه على هذا المعنى العظيم السامي هي التي جعلت عمر بن الخطاب يقول: "كل أمتي مني في حِلٍّ".

ونفس المعنى نستشعره في كلمات ابن مسعود رضي الله عنه حين جلس في السوق يشتري طعامًا، فلما أراد أن يدفع الدراهم وجدها قد سُرقت، فجعل الناس يدعون على من أخذها، فقال عبد الله بن مسعود: "اللهم إن كان حمله على أخذها حاجة فبارك له فيها، وإن كان حملته جراءة على الذنب فاجعله آخر ذنوبه".

العفو أولى

وإذا كان الإسلام قد قرر حق المظلوم في معاقبة الظالم على السيئة بمثلها وفق مقتضى العدل، فإن العفو والمغفرة من غير تشجيع على الظلم والتمادي فيه أكرم وأرحم. قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} [الشورى: 39 - 43].

فقوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} يبرز حق المؤمنين في الانتصار لأنفسهم إذا أصابهم البغي، ويضع لجامًا لهذا الانتصار للنفس وهو الحد الذي لا يجوز تجاوزه.

ثم يعرض الله مرتبة الإحسان مشجعًا عليها فيقول: { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} ثم يتبع ذلك بإعلان حرمان الظالمين من محبة الله: {إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ}. ثم يرجع النص فيعلن حق المظلومين في أن ينتصروا لأنفسهم، ويعلن بشدة استحقاق الظالمين للعقاب في الدنيا، وللعذاب الأليم في الآخرة فيقول: { وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}، ثم لا يدع النص مرتبة العدل هذه تتجه إليها الأنظار بالكلية، بل يدفع مرة ثانية إلى مرتبة الإحسان بالصبر والمغفرة معلنًا أن ذلك من عزم الأمور: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.

وهكذا جاءت هذه الصفة في النص معروضة عرضًا متشابكًا متداخلاً، فيه إبداع بياني عجيب، يلاحظ فيه متابعة خلجات النفس، باللمسات الرفيقة، والتوجيهات الرقيقة، مع مراعاة آلام المجني عليهم، والنظر بعنف وشدة إلى البغاة الظالمين، وإعلان أن من حق المجني عليهم أن ينتصروا لأنفسهم بالحق، ثم العودة لدفعهم برفق إلى الصبر والمغفرة، كل ذلك في ألوان دائرة بين العدل والإحسان.

ثم في آيات أخرى يبين القرآن ما لهؤلاء العافين عن الناس من الأجر: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 133، 134].

العفو دليل كرم النفس

إن الذي يجود بالعفو عبدٌ كرمت عليه نفسه، وعلت همته وعظم حلمه وصبره، قال معاوية رضي الله عنه: "عليكم بالحلم والاحتمال حتى تمكنكم الفرصة، فإذا أمكنتكم فعليكم بالصفح والإفضال".

ولما أُتي عبد الملك بن مروان بأسارى ابن الأشعث في وقت الفتنة قال عبد الملك لرجاء بن حيوة: ماذا ترى؟ قال: إن الله تعالى قد أعطاك ما تحب من الظفر فأعط الله ما يحب من العفو، فعفا عنهم.

إن العفو هو خلق الأقوياء الذين إذا قدروا وأمكنهم الله ممن أساء إليهم عفوا.

قال الإمام البخاري رحمه الله: باب الانتصار من الظالم لقوله تعالى: { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ} قال إبراهيم النخعي: كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا.

العفو يورث صاحبه العزة

ولأن بعض الناس قد يزهد في العفو لظنه أنه يورثه الذلة والمهانة فقد أتى النص القاطع يبين أن العفو يرفع صاحبه ويكون سبب عزته. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" [رواه مسلم].

وأولى الناس بعفوك الضعفاء من الزوجات والأولاد والخدم ومن على شاكلتهم، ولهذا لما بيَّن الله أن من الأزواج والأولاد من يكون فتنة قال: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلادِكُمْ عَدُوّاً لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التغابن:14].

فالإنسان من عادته أن يكون البادئ بالإحسان لزوجه وأولاده، فإذا وجد فيهم إساءة آلمته جدًّا فلربما اشتد غضبه وصعب عليه أن يعفو ويصفح لأنه يعتبر إساءة الأهل حينئذ نوعًا من الجحود ونكران الجميل، لهذا احتاج إلى توجيه إرشاد خاص إليه بأن يعفو ويصفح حتى يستحق من الله المغفرة والعفو والصفح.

أما الخدم ومَنْ على شاكلتهم فقد سئل عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: كم نعفو عن الخادم؟ فصمت، ثم أعاد عليه الكلام فصمت، فلما كان في الثالثة قال: "اعفوا عنه في كل يوم سبعين مرة" [رواه أبو داود وصححه الألباني].

فيا أخي:

إذا ما الذنب وافى باعتذار فقابله بعفو وابتسام

اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة، والحمد لله رب العالمين.

إسلام ويب

Post: #955
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:02 AM
Parent: #893

أراد الله لمجتمعات المسلمين أن تحيا حياة الأمن والأمان، يأمن كل من يعيش في هذه المجتمعات على نفسه وعرضه وماله، ولأجل هذا الغرض حرَّم الشرع المطهر الاعتداء على الأنفس والأعراض والأموال، بل جعلها من الضرورات الخمس التي أتى الإسلام بحفظها وهي: الدين، والعقل، والأنفس، والنسل ، والأموال.

إن السرقة آفة من الآفات التي تعرِّض أمن الأفراد والمجتمعات للخطر، ولهذا جاءت أدلة الشرع تحذر المسلم من السرقة و تزجر من تسول له نفسه سرقة أموال الآخرين ومن ذلك:

أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأخذ البيعة على من أراد الدخول في الإسلام على أمور عظيمة منها تجنب العدوان على أموال الناس بالسرقة:

" بايعوني على ألا تشركوا بالله شيئا ، ولا تسرقوا ولا تزنوا ..." الحديث (روه البخاري ومسلم).

ومن ذلك أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أن المؤمن الصادق القوي في إيمانه لا يجرؤ على السرقة:

" لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن ، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن..." (رواه البخاري ومسلم).

ومن هذه الزواجر ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله السارق، يسرق البيضة فتقطع يده، ويسرق الحبل فتقطع يده". أي يسرق البيضة أولاً فيعتاد حتى يسرق ما قيمته ربع دينار فأكثر فتقطع يده إذا انكشف أمره، ورفع إلى حكم الإسلام.

فانظر كيف يرهب الإسلام من السرقة لدرجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم يلعن السارق؟!.

ومن الأدلة التي تبين قبح هذه الجريمة ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عما رآه من أصناف تُعذَّب في النار فقال صلى الله عليه وسلم: "لقد جيء بالنار، وذلكم حين رأيتموني تأخرت مخافة أن يصيبني من لفحها (أي لهيبها)، وحتى رأيت فيها صاحب المحجن (عصا ثني طرفها) يجرُّ قُصْبَه ( أمعاءه) في النار؛ كان يسرق الحاج بمحجنه، فإن فطن له قال: إنما تعلق بمحجني، وإن غفل عنه ذهب به" [رواه مسلم].

آخر الدواء الكي

فإن لم تُجْد هذه الزواجر نفعًا وتجرأ أصحاب النفوس الضعيفة على سرقة أموال الناس ورُفع أمرهم إلى القضاء وثبتت التهمة بضوابطها المعروفة شرعًا فحينئذ تقطع هذه اليد الآثمة زجرًا لصاحبها، وحفظًا لأموال الناس وأمنهم. قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:38].

وحين كان هذا الحد مطبقًا في ديار الإسلام كان الناس آمنين على أموالهم حتى إن أصحاب التجارات والمحلات كانوا يذهبون لأداء الصلوات وأبواب محالهم مفتحة لا يخافون عدوان المعتدين.

لكن حينما تبعت كثير من البلاد الإسلامية النظم الوضعية التي استوردوها من أوروبا انتقلت إليها أوبئة الجرائم الموجودة في بلاد غير المسلمين، وضعفت بترك حدود الإسلام شروط الأمن. ومن أجل ذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم متى رفع إليه أمر السارق أقام أقام عليه الحد ولم يجامل في ذلك أحدا مهما علت منزلته أو شرف نسبه ، وأعلنها صريحة مدوية: "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها" [رواه البخاري ومسلم].

الحدود كفارات

وهذا الحد الشرعي حين يقام على من يستحقه يؤدي إلى شيوع الأمن وزجر ضعاف النفوس، كما أنه يكفر عن صاحبه ذنبه ويكون توبة له، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: "إن امرأة سرقت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء بها الذين سرقتهم، فقالوا: يا رسول الله! إن هذه المرأة سرقتنا، قال قومها: فنحن نفديها بخمسمائة دينار. فقال: اقطعوا يدها. فقطعت يدها اليمنى. فقالت المرأة: هل لي من توبة؟ قال: نعم. أنت اليوم من خطيئتك كيوم ولدتك أمك. فأنزل الله عز وجل في سورة المائدة: {فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:39]".

إن بعض المبغضين للإسلام يحاولون التشويش من خلال انتقاد هذه الحدود التي شرعها رب العالمين بحجة أن جريمة السرقة لا تستحق كل هذه العقوبة وأسوتهم في ذلك أبو العلاء المعري الذي اعترض على هذا الحد قائلا:

يد بخمس مئين عسجد وُديت مابالها قطعت في ربع دينار

فأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي: لما كانت أمينة كانت ثمينة ، فلما خانت هانت.

كما ينسب إلى الإمام السخاوي قوله في الرد على المعري:

عِز الأمانة أغلاها، وأرخصها ذل الخيانة، فافهم حكمة الباري

نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد من كل مكروه وسوء، وأن ينشر الأمن والأمان والرخاء على سائر بلاد المسلمين.
إسلام ويب

Post: #956
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:05 AM
Parent: #955

إن الناس معادن، وإن اختلاف الطباع آية من آيات الله في خلقه، فترى من الناس مَن حَسُنَ خلقه وكرمت عليه نفسه، فهو ذكي متوقد يتحمل الصعاب، يقوم بما كلف به، بل يتطوع بأداء الأمور الجسام، ومع هذا لا تراه إلا حمولاً صبورا طيب النفس بما حُمِّل ذا عقل راجح وفكر ثاقب ورأي نافذ ، وهذا هو الشهم.
إن وجود هذه الصفة في المرء ينبئ عن علو همته وإباء نفسه وشرفها، وإذا شرفت النفس كانت للآداب طالبة، وفي الفضائل راغبة، وأما علو الهمة فإنه باعث على التقدم، أنفةً من خمول الضعة، واستنكارًا لمهانة النقص.
ولا يكون شهمًا ذا نجدة وسؤدد إلا من سهلت عليه المشاق، وهانت عليه الصعاب رغبة في الحمد، وهانت عليه الملاذُّ حذرًا من الذم؛ ولذلك قيل: سيد القوم أشقاهم.
وقال أبو تمام الطائي:
والحمد شهد لا يُرى مُشْتَارُهُ .. ... .. يجنيه إلا من نقيع الحنظلِ
غُلُّ لحامله ويحسبــه الذي .. ... .. لم يُوهِ عاتِقَه خفيف المحملِ
وللمتنبي في هذا:
لولا المشقة ساد الناس كلهم .. ... .. الجود يُفقر والإقدام قِتَّال
النبي صلى الله عليه وسلم سيد الشُّهوم:
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من اتصف بهذه الصفة الكريمة، فهاهو أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأجود الناس وأشجع الناس. ولقد فزع أهل المدينة ذات ليلة فانطلق الناس قِبَل الصوت فاستقبلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد سبق الناس إلى الصوت وهو يقول: لم تُراعوا، لم تُراعوا. وهو على فرسٍ لأبي طلحة عُري ما عليه سَرْجٌ في عنقه سيف، فقال: لقد وجدته بحرًا". ( البخاري ومسلم)
وعند الشدائد كان يظهر من صنوف الشجاعة والشهامة ما لا يخطر على بال؛ ففي حُنين حين كانت الجولة للمشركين وقد تكاثروا عليه صلى الله عليه وسلم نزل من على بغلته وجعل يقاتلهم وهو يقول: "أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب". قال البراء رضي الله عنه: فما رُئي من الناس يومئذ أشد منه".
وفي أحد حين فر كثير من المسلمين بعد أن أشيع أنه صلى الله عليه وسلم قد قتل والمشركون يستهدفونه ليقضوا عليه، برز للناس ونادى: "أنا رسول الله" برغم ما في هذا النداء من لفت أنظار المشركين إليه لكنها الشجاعة والشهامة في أبهى صورها.
ونبي الله موسى عليه السلام:
ونرى في نبي الله موسى عليه السلام مثالاً كريمًا للنجدة والشهامة؛ حيث خرج من بلده وتوجه إلى مدين في حالة كربٍ وتعب شديد، لكن ورد ماء مدين: {وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} [القصص:23، 24].
السلف يتربون على الشهامة:
لقد ربى الإسلام أهله على مكارم الأخلاق فكانوا قمما سامقة ، وضربوا أروع الأمثلة في الإيثار والتضحية والشهامة ،ومن هذه الامثلة الرائعة ما ورد عن حذيفة العدوي قال: "انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي، ومعي شيءٌ من ماء وأنا أقول: إن كان به رمقٌ سقيته، ومسَحْتُ به وجهَهُ، فإذا أنا به فقلتُ: أسقيك؟ فأشارَ إليَّ أن نعم، فإذا رجلٌ يقول: آهٍ. فأشار ابنُ عمي إليَّ أن انطلقْ بهِ إليه. فجئتُهُ فإذا هو هِشام بن العاص. فقلت: أسقيكَ؟ فَسمِعَ به آخرُ فقال: آهٍ. فأشار هشامُ انطلق به إليه. فجئْتُه، فإذا هو قد مات فرجعتُ إلى هشام، فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمةُ الله عليهم أجمعين".
ومن الأمثلة التي تحتذى في الشهامة ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في سنته عن رجل من بني إسرائيل حملته شهامته على الفعل الجميل ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال: ائتني بالشهداء أشهدهم. فقال: كفى بالله شهيدا. قال: فائتني بالكفيل. قال: كفى بالله كفيلا. قال: صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى. فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس مركبا يركبها يقدم عليه للأجل الذي أجله فلم يجد مركبا. فأخذ خشبة فنقرها فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه. ثم زجج موضعها (سواه وأصلحه)، ثم أتى بها إلى البحر. فقال: اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت: كفى بالله كفيلا، فرضي بك. وسألني شهيدا فقلت: كفى بالله شهيدا فرضي بك، وأني جهدت أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له فلم أقدر، وإني أستودعكها. فرمى بها في البحر حتى ولجت فيه، ثم انصرف وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده. فخرج الرجل الذي أسلفه ينظر لعل مركبا قد جاء بماله فإذا بالخشبة التي فيها المال. فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه فأتى بالألف دينار، فقال: والله مازلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه. قال: هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال: أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال: فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة فانصرف بالألف دينار راشدًا".
وأخيرا أيها الحبيب هل تذكر سبب فتح عمورية؟ إنه رباط الأخوة الإسلامية مع النجدة والشهامة التي ملأت نفوس المسلمين في ذلك الزمان حين استنجدت بهم امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم في عمورية فأجابتها أرواح المسلمين وسيوفهم وفتحوا عمورية وجاءها الخليفة المعتصم قائلا:لبيك أيتها المنادية.
إسلام ويب

Post: #957
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:06 AM
Parent: #956

الاعتذار أدب اجتماعي في التعامل الإسلامي، ينفي منك شعور الكبرياء، وينفي من قلب أخيك الحقد والبغضاء، ويدفع عنك الاعتراض عليك، أو إساءة الظن بك، حين يصدر منك ما ظاهره الخطأ.

ومع أن الاعتذار بهذا المعنى حسن، فالأحسن منه أن تحذر من الوقوع فيما يجعلك مضطرًا للاعتذار، فقد جاء في الوصية الموجزة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه: "ولا تكلم بكلام تعتذر منه غدًا". [رواه أحمد وابن ماجه وحسنه الألباني]. فإن زلت قدمك مرة فإنه "لا حليم إلا ذو عثرة، ولا حكيم إلا ذو تجربة". كما في الحديث [رواه أحمد وحسنه الترمذي ووافقه الأرناؤوط].. وعندئذ فإن من التواضع ألا تكابر في الدفاع عن نفسك، بل إن الاعتراف بالخطأ أطيب للقلب، وأدعى إلى العفو. ومعلوم أن توبة الصحابي الكريم كعب بن مالك إنما أنجاه فيها الصدق، فقد كان يقول: "يا رسول الله! إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا، لرأيت أني أخرج من سخطته بعذر، والله ما كان لي عذر..."[رواه أحمد وأصله في الصحيحين]. ولن ينقص من منزلتك أن تعترف بخطئك، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما كان يظن أنه لا ضرورة لتأبير النخل أشار بعدم تأبيرها. ثم قال بعد ذلك: "إن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه، فإني إنما ظننت ظنًا، فلا تؤاخذوني بالظن" [رواه مسلم].

ولا تنتظر من نفسك أن تسيء لتعتذر، بل يمكن أن يكون الاعتذار توضيحًا للموقف، أو بيانًا للقصد. فقد كان الأنصار عند فتح مكة، قد توقعوا ميل النبي صلى الله عليه وسلم للإقامة مع قومه في مكة بعد الفتح، فقالوا: "أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، ورأفة بعشيرته". فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ".. كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، فالمحيا محياكم، والممات مماتكم". فأقبلوا إليه يبكون، ويعتذرون بأنهم قالوا ما قالوه لحرصهم على إقامته معهم في المدينة، فقالوا: "والله ما قلنا الذي قلنا إلا لضنّ بالله ورسوله"، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فإن الله ورسوله يصدقانكم ويعذرانكم" [رواه مسلم وأحمد].

وإن صاحب خلق (الاعتذار) ليستحيي من افتضاح تقصيره حين يظن من نفسه التقصير، فإن ابن عمر يروي أنه كان في سرية فانهزموا، ومن حيائهم رجعوا إلى المدينة خفية في الليل، واختفوا في المدينة، ثم قالوا: "لو خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتذرنا إليه". فخرجوا لبيان عذرهم، وقالوا له: "نحن الفرّارون يا رسول الله! قال: بل أنتم العكَّارون، وأنا فئتكم". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي]. فهوَّن عليهم ووصفهم بالعكّارين، الذين يغزون كرة بعد كرة، ولا يتوقفون عن الغزو.

وإذا جاءك من يأمرك بالمعروف، فاقبل منه، ووضح عذرك – إن كان لك عذر – فقد وعظ سالم بن عبد الله شابًا مسترخي الإزار، فقال (ارفع إزارك) فأخذ الشاب (يعتذر فقال: إنه استرخى، وإنه من كتّان" [رواه أحمد]. وبذلك بيَّن أنه لم يُرخه كبرًا، وإنما استرخى بنفسه؛ بسبب طبيعة قماشه. وهذا شأن المسلم في دفع سوء الظن، وإثبات براءته حين يكون بريئًا بحق.

ومما ورد بهذا المعنى: أن أناسًا من الأشعريين طلبوا من أبي موسى الأشعري مرافقتهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن يعلم ماذا يريدون، وإذا بهم جاؤوا يطلبون التولية على أعمال المسلمين، فظهر أبو موسى وكأنه جاء يشفع لمن طلب الإمارة، فشعر بالحرج الشديد، قال: "فاعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعذرني". [رواه أحمد والنسائي].

وكان هذا الخلق صفة مميزة لمجتمع الصحابة رضي الله عنهم. يروي الإمام أحمد: أن عثمان بن عفان جاء يعتب على ابن مسعود في أمور سمعها عنه، فقال: "هل أنت منته عمَّا بلغني عنك؟ فاعتذر بعض العذر". ويمكن أن يكون الاعتذار دفعًا لاعتراض، أو إزالة لشبهة قد تثور، وما أعظم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حين جاء يوم الجابية يوضح للناس أسباب عزل خالد بن الوليد، فقال: "...وإني أعتذر إليكم من عزل خالد بن الوليد..". وما أعظم المجتمع الذي يجرؤ أحد أفراده أن يعلن عدم قبوله لعذر الأمير قائلاً له: "والله ما أعذرت يا عمر بن الخطاب...". [رواه أحمد].

وقد يدعوك موقف من المواقف إلى الشدة، التي قد يظنها الناس منك غلظة، فما أجمل أن تبين دواعي شدتك، حتى لا يفسرها أحد بأنها سوء خلق منك. روى الإمام أحمد أن حذيفة طلب ماءً من رجل من أهل الكتاب؛ ليشرب، فجاءه الكتابي بالماء في إناء من فضة، فرماه حذيفة بالإناء، (ثم أقبل على القوم، فاعتذر اعتذارًا وقال: إني إنما فعلت ذلك به عمدًا؛ لأني كنت نهيته قبل هذه المرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن لبس الديباج والحرير، وآنية الذهب والفضة". فأوضح لمن معه أن هذا الرجل يعلم حرمة استعمال آنية الفضة على المسلمين، ومع ذلك تكرر منه ما يدعو إلى الغضب والشدة.

كل هذه الأخلاق وقاية لمجتمع المسلمين من تفشي سوء الظن، وتقاذف التهم، التي إن استقرت في القلوب، لم يعد ينفع معها اعتذار، كما قالت عائشة من حديث الإفك: "والله لئن حلفت لا تصدقونني، ولئن اعتذرت لا تعذرونني" [رواه البخاري]. فمن تغلب على نفسه فاعتذر، فتغلب أنت على كبريائك فاعذُر، فقد عدَّ ابن القيم قبول عذر المعتذر من التواضع، ويقول في ذلك: "من أساء إليك ثم جاء يعتذر عن إساءته، فإن التواضع يوجب عليك قبول معذرته ... وعلامة الكرم والتواضع: أنك إذا رأيت الخلل في عذره لا توقفه عليه ولا تحاجّه" [تهذيب مدارج السالكين].

وتلقي الأعذار بطيب نفس، وبالعفو والصفح، يحض الناس على الاعتذار، وسوء المقابلة للمعتذر وتشديد اللائمة عليه يجعل النفوس تصر على الخطأ، وتأبى الاعتراف بالزلل، وترفض تقديم المعاذير، فإن بادر المسيء بالاعتذار فبادر أنت بقبول العذر والعفو عما مضى لئلا ينقطع المعروف.والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتاب هذه أخلاقنا

Post: #958
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:08 AM
Parent: #893

إن الجفاء صفة ذميمة و مظهر من مظاهر سوء الخلق، يورث التفرق و الوحشة بين الناس و يقطع ما أمر الله به أن يوصل، فكم من بيت تخرب و أسرة تهدمت بسببه، و كم من جفوة و نفرة بين الأحبة حدثت بسبب غلظة الطبع و الخرق في المعاملة و ترك الرفق في الأمور، والجفاء قد يكون طبعا و قد يكون تطبعا و كلاهما سيئ، و المؤمن الحق يتدارك نفسه بالبعد عن أسبابه و صوره، و في الحديث: "من بدا جفا". (رواه أحمد و الترمذي و قال حسن صحيح)، أي من سكن البادية غلظ طبعه، والإنسان ابن بيئته - كما يقولون - فالجفاء يزيد في أهل المغرب عن أهل المشرق، و في أهل البادية و رعاة الإبل عن غيرهم، و عن ابن مسعود-رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " الإيمان ها هنا- و أشار إلى اليمن- و الجفاء و غلظ القلوب في القدّادين ( المكثرون من الإبل) عند أصول أذناب الإبل من حيث يطلع قرنا الشيطان ربيعه و مضر". (رواه البخاري و مسلم).

وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " الحياء من الإيمان ، والإيمان في الجنة ، و البذاء من الجفاء و الجفاء في النار". (رواه الترمذي و ابن ماجة، و قال: حسن صحيح).

لكل شيء من اسمه نصيب

لقد لوحظ التناسب الواضح بين الأسماء و المسميات و بين الإنسان و الكون من حوله، و بينه و بين طبيعة مهنته، فطبيب الأطفال قد يفترق عن طبيب الجراحة، و طبع الجند و العسكر قد يختلف عن غيرهم، و ليس لأحد أن يبرر جفاءه متعللا بطبيعة النشأة و البيئة أو الصنعة، فقديما قالوا: ما عُصِيَ الله إلا بالتأويل.

القرآن يذم الجفاء

و قد وردت النصوص تذم الجفاء و تنفر منه، قال تعالى: ( فبما رحمة من الله لنت لهم و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) (آل عمران:159). و قال سبحانه: ( فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا و لكن قست قلوبهم و زين لهم الشيطان ما كانوا يعملون) (الأنعام:43). وقال: ( أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين) ( الزمر:22).

و قال جل و علا: ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق و لا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون) (الحديد:16).

والسنة تنهى عن الجفاء

وكما ورد ذم الجفاء في القرآن الكريم فقد ورد النهي عنه في السنة المطهرة ، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم و حامل القرآن غير الغالي فيه و الجافي عنه و إكرام ذي السلطان المقسط". (رواه أبو داود وحسنه الألباني). وقد ورد في أخبار الساعة: "وإذا كانت العُراة الحُفاة الجُفاة رؤوس الناس فذاك من أشراطها...". ( الحديث ، رواه أحمد و البخاري و مسلم)، وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه و سلم: " قال أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم". (رواه البخاري و مسلم). و الألد الخصم هو الذي يفجر في خصومته، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " لا تهجّروا( أي لا تتكلموا بالكلام القبيح) و لا تدابروا، ولا تجسسوا، و لا بيع بعضكم على بيع بعض، و كونوا عباد الله إخوانا". (رواه مسلم).

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاثِ ليالٍ ، يلتقيان فيُعْرِضُ هذا و يُعْرِضُ هذا ، و خيرُهُما الذي يبدأ بالسلام". (رواه البخاري و مسلم) وهذا الذي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم لا شك مظهر من مظاهر الجفاء. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث، فمن هجر فمات دخل النار". (رواه أبو داوود و صححه الألباني) .عن أبي خراش السلمي رضي الله عنه ـ أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه ". (رواه أبو داوود وصححه الألباني).

وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " المؤمن مَأْلَفَةٌ (يعني يألف الناس ويألفونه)، و لا خير فيمن لا يألف و لا يؤلف". (رواه أحمد، و قال الألباني :صحيح على شرط مسلم).

وبالجملة فالجفاء و الغلظة يبغضها الله عز وجل والملائكة والناس أجمعون، وعلى المؤمن أن يتخلى عن العنف والقسوة والعبوس والطيش وسوء المعاملة وعقوق الوالدين وسوء الظن، و أن يتحلى بمعاني الرفق و الرحمة والبر والعطف و الحلم، فالتخلية قبل التحلية، و أن يجاهد نفسه في التباعد عن أسباب العنف و صوره، قال تعالى:(قد أفلح من زكاها و قد خاب من دساها) و قال: ( و الذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا و إن الله لمع المحسنين) و على العبد أن يجأر إلى الله بالدعاء عساه يرزقه حسن التأسي بنبيه صلى الله عليه و سلم فقد كان ألين الناس ضحاكا بساما يصل الرحم ويحمل الكل و يكسب المعدوم و يقري الضيف و يعين على نوائب الحق، و من كان كذلك لا يخزيه الله أبدا كما قالت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
هيا بنا نتخلق بأخلاق المؤمنين، فالمؤمن هين لين سهل ذلول منقاد للحق يألف و يؤلف و لا خير في الجافي الغليظ الذي لا يألف و لا يؤلف.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د/سعيد عبد العظيم

Post: #959
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:09 AM
Parent: #893

قديمًا قالوا: ما خاب من استخار ولا ندم من استشار، وعلى الجانب الآخر قالوا: من أُعجب برأيه ضل، وقالوا: من استبد برأيه كان من الصواب بعيدًا.
وقال الشاعر:
شاور صديقك في الخفي الْمُشْكِلِ .. .. .. واقبل نصيحة ناصحٍ متفضلِ
فالله قـد أوصى بـذاك نبيــه .. .. .. في قوله شـاورهُمُ وتـوكَّلِ
إن الشورى هي استنباط المرء الرأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور.
ومع أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أحسن الناس رأيًا فضلاً عن كونه مؤيدًا بالوحي الإلهي فقد أمره الله تعالى بمشاورة أصحابه ليعلم الأمة ما في المشاورة من الفضل، ولتقتدي به أمته من بعده، حيث يقول الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وشاورهم في الأمر} [آل عمران:159].
كما وصف الله تبارك وتعالى مجتمع المؤمنين بالعديد من الصفات الكريمة التي كان من أهمها: قيام المجتمع على أساسٍ من الشورى: {وأمرهم شورى بينهم} [الشورى:38].
الشورى من قواعد الشريعة:
قال ابن عطية: والشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، مَن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب، هذا ما لا خلاف فيه، وقد مدح الله المؤمنين بقوله: {وأمرهم شورى بينهم}. قال أعرابي: ما غُبنتُ قط حتى يُغْبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئًا حتى أشاورهم.
وقال ابن خُوَيْز مَنْدَادَ: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون وما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلق بالحرب، ووجوه الناس فيما يتعلق بالمصالح، ووجوه الكتاب والوزراء والعمال فيما يتعلق بمصالح البلاد وعمارتها، وكان يقال: ما ندم من استشار، وكان يقال: من أُعجب برأيه ضل.
صفات المستشار:
ينبغي للحازم أن يشاور في أمره ذا الرأي الناصح والعقل الراجح، وقد اشترطوا لأهلية المستشار شروطًا خمسة:
1- عقلٌ كاملٌ، مع تجربة سالفة، قال أبو الأسود الدؤلي:
وما كل ذي لب بمؤتيـك نُصْحَه .. ... .. ولا كل مؤت نُصحه بلبيبِ
ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب .. ... ..فحق له من طـاعة بنصيبِ
وقال بعضهم: شاور من جرب الأمور ؛ فإنه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غاليًا وأنت تأخذه مجانًا.
2- أن يكون ذا دين وتقى؛ فقد ورد في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما: من أراد أمرًا فشاور فيه امرءًا مسلمًا وفقه الله لأرشد أموره.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم بيَّن أن "المستشار مؤتمن" فإذا كان ذا دين أدى الأمانة كما ينبغي.
3- أن يكون ناصحًا ودودًا؛ فإن النصح والمودة يُصدِّقان الفكرة ويخلصان الرأي،قال القرطبي:وصفة المستشار في أمور الدنيا أن يكون عاقلا مجربا وادَّا في المستشير.
4- أن يكون سليم الفكر من هم قاطع وغم شاغل، فإن من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر.
5- ألا يكون له في الأمر المستشار فيه غرضٌ يتابعه، ولا هوىً يساعده؛ فإن الرأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد.
الرسول يشارو أصحابه:
ولقد رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابه في العديد من القضايا والمسائل، فقد استشارهم في أسارى بدر، فأشار أبو بكر بالفداء، وأشار عمر بالقتل، فمال إلى رأي أبي بكر. واستشار أصحابه في الخروج لبدر فأشاروا بما قرت به عينه،كما أشار عليه بعضهم في هذه الغزوة بالنزول قريبا من آبار بدر ومنع المشركين من الماء وهو ما كان له أكبر الأثر في نتيجة المعركة. واستشارهم في أحد واستجاب لرأيهم مع أنه على خلاف رأيه. واستشارهم في غزوة الأحزاب وكان من بركة الاستشارة أن هدى الله سلمان للنصح بحفر الخندق. وفي الحديبية استشار زوجه أم سلمة رضي الله عنها، فأشارت عليه بما هو خير للمسلمين.
الخلفاء يشاورون:
ولقد سار الخلفاء الراشدون على نهج نبيهم صلى الله عليه وسلم، فكانوا لا يستبدون برأي، بل يشاورون أهل الديانة والتقى والخبرة. هذا أبو بكر كان إذا ورد عليه الأمر نظر في كتاب الله، فإن وجد منه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السنة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم.
وهذا عمر يشاور أصحابه وقصة مشاورته المسلمين عند خروجه إلى الشام، وقد وقع الطاعون بها مشهورة معروفة. وهكذا كان عثمان وعلي رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. فهل لك فيهم أسوة؟ وهلاَّ استهديت بآراء ونصائح ذوي الألباب الأتقياء حتى تكون مشورتهم مؤازرة لك وسبيل هداية؟!.
إسلام ويب

Post: #960
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-23-2015, 03:12 AM
Parent: #893

الإهمال صفة نقص، وعادة ما تستخدم هذه الكلمة في عدم رعاية الإنسان ما يجب عليه رعايته على الوجه الأكمل بالتخلية أو الترك أو التقصير فيقال: أهمل الوالد ابنه أو المدرس تلميذه. ويقال: أهملت المرأة خدمة زوجها أو القيام على شئون بيتها وتربية أولادها، ويقال: أهمل الحاكم رعيته والطالب مذاكرته... وهكذا. وتستخدم كلمة الإهمال مقيدة بمعنى من المعاني أو بجانب من جوانب الحياة، وأحيانا أخرى تُذْكَر على جهة الإطلاق فيقال: إنسان مهمل.ونظرا لخطورة الإهمال على الأفراد والمجتمعات فسوف نتناوله من خلال المحاور التالية:

أولا: إهمال الدين
وأخطر صور الإهمال ما يتعلق بإهمال الدين، فإن كان إهمال نظافة المنزل والمذاكرة يُنْتَقَص به العبد، فإهمال الصلاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أخطر وأشد، فليس من أهمل تسريحة شعره كمن أهمل القيام بحقوق الوالدين وبرهما، وليس من أهمل في إعداد الطعام وتهيئة الأطباق كمن أهمل في إقامة الدين وسياسة الدنيا به، وبعض الشر أهون من بعض، وقد يصل الإهمال إلى ضياع الثروة وإفقار الأمة ويؤدي إلى فتور العلاقات الاجتماعية وتمزقها وإلى شيوع الظلم وزيادة صولة المستبدين ويكون عنوانا على انعدام الإحساس وبلادته وينتهي بصاحبه إلى الطرد من رحمة الله، ولذلك فلابد من الحذر من الإهمال قليله وكثيره، والسعي في تقويم المهملين وتدريبهم على معاني القوة والنظام، وتربيتهم على مجاهدة النفس وعُلو الهمة وقوة الإرادة ؛ حتى ينهضوا بالأعمال والمهمات بجد ونشاط، فإن الله تعالى يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه، قال تعالى: ( خذوا ما أتيناكم بقوة).

ثانيا: الرسل أكمل الناس
وقد بلغ الأنبياء والمرسلون الغاية في إبلاغ الحق للخلق وتأدية الرسالة والقيام بأمانة الدعوة إلى الله تعالى، وهذه أعظم مهمة في الوجود، فواصلوا في ذلك الليل بالنهار وكان حلهم وترحالهم، وصلحهم وهجرهم، وأقوالهم وأفعالهم، أسوة لكل من جاء بعدهم حتى فتح الله بهم أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا.

فهذا نبي الله إبراهيم عليه السلام يقول: (إني ذاهب إلى ربي سيهدين). وهذا نبي الله لوط عليه السلام يقول: ( إني مهاجر إلى ربي). وهذا نبي الله موسى عليه السلام يقول: ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين). وقد جمعت الكمالات والجمالات لنبينا صلوات الله وسلامه عليه، فكانت حياته ودعوته وهجرته وجهاده إتقانا ونبراسا وهداية ونورا: ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا). فالخيرات والبركات لا تعرف إلا من طريقه صلوات الله وسلامه عليه، وقد زكى ربنا جل وعلا بصره فقال: ( ما زاغ البصر وما طغى) وزكى فؤاده فقال:( ما ضل صاحبكم وما غوى) وزكى لسانه فقال:( وما ينطق عن الهوى) وزكى مُعلمه فقال: ( علمه شديد القوى) وزكاه كله فقال: (وإنك لعلى خلق عظيم).

ثالثا: مع الرسول صلى الله عليه وسلم
كان صلى الله عليه وسلم يخصف نعله ويحلب شاته ويرقع ثوبه، تقول أم المؤمنين عائشة: فإذا سمع النداء فكأنه لا يعرفنا ولا نعرفه، يحمل الكل ويكسب المعدوم، ويعين على نوائب الحق، ويجاهد في سبيل الله، ومات صلى الله عليه وسلم يوم مات وهو يوصي أمته بالصلاة ويحذرها من اتخاذ القبور مساجد، وأطل من حجرة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وقد اصطف أصحابه للصلاة كالمودع لهم والمطئمن عليهم، ابتسم في وجوههم حتى كادوا يفتنون، يقول أنس رضي الله عنه: "فرأيت وجهه كورقة مصحف"، علو في الدنيا وعند الممات.

رابعا: الرسول يذم الإهمال
ومن تتبع سنته صلى الله عليه وسلم وسيرته رأى الكثير من صور الذم للإهمال والزجر عنه، عن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه أنه قال: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه فقال: " اتقوا الله في البهائم فاركبوها صالحة وكلوها صالحة". وعن عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما أنه قال: أردفني رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه ذات يوم فأسر إلي حديثا لا أحدث به أحدا من الناس، وكان أحب ما استتر به رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته هدفا أوحائش نخل، قال: فدخل حائطا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم حَنَّ وذرفت عيناه فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فمسح ذفراه فسكت، فقال" من ربُّ هذا الجمل؟، لمن هذا الجمل؟ " فجاء فتى من الأنصار فقال: لي، يا رسول الله، فقال:" أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكَكَ الله إياها، فإنه شكا إلي أنك تُجِيعَهُ، وتدئبه ". ( رواه أحمد وأبوداوود وصححه الشيخ أحمد شاكر)، وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:" عُذِّبَت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار؛ لا هي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض". ( رواه البخاري ومسلم).

عن خيثمة رضي الله عنه أنه قال: كنا جلوسا مع عبد الله بن عمروإذ جاءه قهرمان له فدخل فقال: أعطيت الرقيق قوتهم؟ فقال:لا، قال: فانطلق فأعطهم،قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته". ( رواه مسلم) وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما آمن من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهويعلم به". ( رواه الطبراني والبزار والمنذري بإسناد حسن).

خامسا: الكتاب والسنة هما الميزان.
وأخيرا:لا تسلم الأقوال والأفعال من الإهمال إلا بمعرفة السنن الشرعية والسنن الكونية ولا سبيل لضبط الحركات والسكنات وتجنب الإفراط والتفريط والبعد عن دواعي الإهمال وإتقان كيفيات وكميات الأعمال إلا بالاستقامة على كتاب الله وعلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إسلام ويب

Post: #961
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:10 AM
Parent: #960

إذا فشت الرشوة في مجتمع من المجتمعات فلا شك أنه مجتمع فاسد، محكوم عليه بالعواقب الوخيمة، وبالهلاك المحقق.

لقد تحمل الإنسان الأمانة التي عرضت على السموات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها، والواجب على هذا الإنسان أن يؤدي الأمانة على الوجه الأكمل المطلوب منه لينال بذلك رضا الله تعالى وإصلاح المجتمع، أما إذا ضيعت الأمانة ففي ذلك فساد المجتمع واختلال نظامه وتفكك عراه وأواصره.

وإن من حماية الله تعالى لهذه الأمانة أن حرم على عباده كل ما يكون سببًا لضياعها أو نقصها؛ فحرم الله الرشوة وهي: بذل المال للتوصل به إلى باطل، إما بإعطاء الباذل ما ليس من حقه، أو بإعفائه من حق واجب عليه، يقول الله تعالى: {ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام لتأكلوا فريقًا من أموال الناس بالإثم وأنتم تعلمون} [البقرة:188].

ويقول الله تعالى في ذم اليهود: {أكالون للسحت} [المائدة:42]. ولا شك أن الرشوة من السحت كما فسر ابن مسعود رضي الله عنه الآية بذلك.

الرشوة من الكبائر:

عد بعض العلماء الرشوة من الكبائر خاصة إذا كانت على الحكم، ومما يدل على أن الرشوة من الكبائر ما رواه الترمذي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي). ومعلوم أن اللعن لا يكون إلا على ذنب عظيم ومنكر كبير.

مجالات الرشوة:

لقد اقتحمت الرشوة الكثير من الجوانب في المجتمعات المختلفة حتى لم يكد يسلم منها مجال من المجالات، ولا سيما فيما يسمى دول العالم الثالث. فهناك الرشوة في الحكم، فيقضي الحاكم لمن لا يستحق أو يمنع من يستحق أو يقدم مَن ليس من حقه أن يتقدم ويؤخر الجديرين بالتقدير والتقديم، أو يحابي في حكمه لقرابة أو جاه أو رشوة أكلها سُحتًا. كما تكون الرشوة في تنفيذ الحكم أيضًا.

والرشوة تكون في الوظائف أيضًا حيث يقوم الشخص بدفع الرشوة للمسؤول عن الوظيفة فيعينه رغم استحقاق غيره، وهذا بالإضافة إلى أنه أكلٌ للحرام والسحت، فإنه كذلك خيانة للأمانة؛ حيث ينبغي أن يوظف الأصلح والأكفأ: {إن خير من استأجرت القوي الأمين} [القصص:26].

وكذلك تكون الرشوة في التعليم، وفي مجالات البناء والتشييد، وغيرها من المجالات التي يطول المقام بذكرها.

من آثار الرشوة وأضرارها:

إن لجريمة الرشوة آثارًا خطيرة وعواقب وخيمة على الفرد والمجتمع، ويمكن أن نجمل بعضها فيما يلي:

1) توسيد الأمر لغير أهله:

إن الإنسان حين يدفع رشوة للحصول على وظيفة معينة لا تتوافر فيه مقوماتها وشروطها فهو ليس أهلاً لهذه الوظيفة، مما يترتب عليه قصور في العمل والإنتاج، وإهدار للموارد.

2) تدمير المبادئ والأخلاق الكريمة:

إن انتشار ظاهرة الرشوة في مجتمع من المجتمعات يعني تدمير أخلاق أبناء هذا المجتمع وفقدان الثقة بين أبنائه، وانتشار الأخلاقيات السيئة كالتسيب واللامبالاة، وفقدان الشعور بالولاء والانتماء، وسيطرة روح الإحباط.

3) إهدار الأموال وتعريض الأنفس للخطر:

فلو تخيلت أن الرشوة قد سادت في مجتمع حتى وصلت إلى قطاع الصحة وإنتاج الدواء، فكيف ستكون أحوال الناس الصحية حين يستعملون أدوية رديئة أُجيز استعمالها عن طريق الرشوة؟

ثم تخيل أنك تسير على جسر من الجسور التي بها عيوب جسيمة تجعل منها خطرًا على أرواح الناس وممتلكاتهم، وقد حصل المقاول على شهادات إتمام العمل والبناء عن طريق الرشوة، كم سيترتب على انهيار هذا الجسر من خسائر في الأرواح والأموال؟

وقس على ذلك جميع المجالات؛ لهذا كانت الرشوة إهدارًا للأموال وتعريضًا للأنفس للخطر.

الفرق بين الرشوة والهدية:

مما لا شك فيه أن الرشوة والهدية قد يشتبهان في الصورة لكن الفرق الرئيس بينهما هو في القصد والباعث على كل منهما حيث قصد الْمُهْدِي في الأساس استجلاب المودة والمعرفة والإحسان.

هل الهدية للحاكم رشوة؟

ذهب كثير من أهل العلم إلى أن أخذ الحاكم للهدية هو نوع من الرشوة؛ لما رواه الشيخان عن أبي حميد الساعدي قال: (استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتيبة على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم، وهذا أُهدي لي. قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال: "ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم وهذا أُهدي لي! أفلا قعد في بيت أبيه – أوفي بيت أمه – حتى ينظر أُيهدى إليه أم لا؟

والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم شيئًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة تيعر" ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرتي إبطيه، ثم قال: "اللهم هل بلغت؟" مرتين).

قال النووي رحمه الله: في الحديث بيان أن هدايا العمال حرام وغلول؛ لأنه كان في ولايته وأمانته... وقد بين صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها بسبب الولاية بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة، وأما ما يقبضه العامل ونحوه باسم الهدية فإنه يرده إلى مُهْديه، فإن تعذر فإلى بيت المال.

وقال ابن بطال: هدايا العمال تُجعل في بيت المال، وإن العامل لا يملكها إلا إذا طلبها له الإمام.

ما حكم المضطر للدفع؟

إذا تقرر أن الهدايا الممنوحة للموظفين على الصفة التي تكلمنا عنها سابقا هي نوع رشوة، فماذا يفعل صاحب الحق في مجتمع فشت فيه الرشوة، وفسد جهاز الحكم بحيث لا يستطيع صاحب الحق أن يصل إلى حقه إلا برشوة يدفعها لذي السلطان؟

لقد قرر العلماء في مثل هذه الحالة أن الإثم يقع على الآخذ ويبرأ المعطي من الإثم إن كان عطاؤه بغرض التوصل إلى حق أو دفع ظلم قد يقع على النفس أو الدِّين أو المال.

فيا أيها الحبيب إذا كان العلماء قد أفتوا بجواز الدفع عند الاضطرار مع إثم الآخذ ، أفلا يدل هذا على أن الرشوة نوعٌ من السرقة؟ بل قد تكون أقبح؛ لأنها تفسد ضمير ذي السلطان، وتجعله يهضم الحقوق من أجل مصلحة الراشي، وحينئذ يفسد جهاز الدولة ويصبح ألعوبة بأيدي المجرمين وأصحاب الأهواء الظالمين الذين بأيديهم أموال يبذلونها رشوة لمن بأيديهم الأمر من ذوي السلطان والمناصب العامة.
إسلام ويب

Post: #962
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:12 AM
Parent: #893

الحماقة.. داء ليس له دواء
إن من أعظم الأدواء التي يبتلى بها المرء في هذه الحياة داء الحمق ؛ فالحمق شر كله، والأحمق عدو نفسه ؛ لما يسبب لنفسه من الضرر، وهو كاسد العقل والرأي لا يحسن شيئًا.

الحماقات متعددة

والحماقات والسفاهات التي تدل على الخفة والطيش والرعونة كثيرة وعديدة، تجدها على مستوى الفرد والجماعة، والحاكم والمحكوم، والرجل والمرأة، فهذا الذي خرج يبارز ربه بالحرب، يكفر ويضجر ويظلم ويدمر الأخضر واليابس مغترًا بقوته وبإملاء الله له هو شخص أحمق. وهذا الذي يمر على مصارع الهلكى ويشاهد عظيم قدرة الله في خلقه وانتقامه ممن يعصيه، ويطالع السنن الكونية والشرعية ثم يظل سائرًا في غيه لا يرفع رأسًا بهذه الآيات البينات ولا يسارع بتوبة وحسنات ماحيات... لا يقل في الحمق عن سابقه.

وهذا الذي يُزوج ابنته من تارك الصلاة أو كافر أو فاسق لأنه غني أو صاحب مركز مرموق يفعل ذلك بزعم محبة ابنته أو الشفقة عليها، وهو في واقع الأمر يدمرها، فمن زوّج ابنته من فاسق فقد قطع رحمها، ومن ضيع الصلاة فهو لما سواه أضيع.

وكذلك الأمر بالنسبة لمن يترك الحبل على الغارب لأهله وولده، يأتيهم بالأجهزة المفسدة ويتركهم يشاهدون أفلام الجنس وغيرها ويسمعون الأغاني الرقيعة الخليعة بزعم تسليتهم والترويح عنهم، هو إنسان يضيع نفسه ويضيع رعيته، وكفى بالمرء إثمًا أن يضيع من يعول، ولن تزول قدما ابن آدم من عند الله حتى يُسأل كل راعٍ عمَّا استرعاه حفظ أم ضيع: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة) [التحريم:6].

الأحمق لا ينتفع بجوارحه

إن الأحمق لم ينتفع بالجوارح والحواس التي أودعت فيه، وهذا شأن الكافر والمنافق الذي ذكره سبحانه في قوله: (يُخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون) [البقرة:9]، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون) [البقرة:11]، (أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين) [البقرة:16]، (صمٌ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون) [البقرة:18].

وقال تعالى: (ولقد ذرأنا لجهنم كثيرًا من الإنس والجن لهم قلوبٌ لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون) [الأعراف:179]. وقال سبحانه: (أرأيت من اتخذ إلهه هواهُ أفأنت تكون عليه وكيلاً) [الفرقان:43].

أحاديث تذم الحمق

وقد وردت الأحاديث في ذم الحمق؛ ففي الحديث: "نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين: صوت عند مُصيبة، خمش وجوه وشق جيوب ورنَّة شيطان" [رواه الترمذي وقال: حسن صحيح].

وعن الأسود بن سريع رضي الله عنه أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يوم القيامة: رجل أصم لا يسمع شيئًا، ورجلٌ أحمق، ورجل هَرِم، ورجل مات في فترةٍ. فأما الأصم فيقول: لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئًا. وأما الأحمق فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر. وأما الهَرِم فيقول: يا رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئًا. وأما الذي مات في فترة فيقول: ما أتاني لك رسولٌ. فيأخذ مواثيقهم ليُطيعنَّه؛ فيرسل إليهم أنِ ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده لو دخلوها كانت عليهم بردًا وسلامًا". [رواه أحمد والبيهقي وابن حبان].

وفي حديث أم زرع: "...قالت الثانية: زوجي لا أبث خبره، إني أخاف أن لا أذره، إن أذكره أذكر عُجره وبُجره(تقصد عيوبه). قالت الثالثة: زوجي العشنَّق (شديد الطول) إن أنطق أُطلَّق، وإن أسكُت أُعلَّق..." [رواه البخاري ومسلم].

ومن الآثار وأقوال أهل العلم

تلا عمر ابن الخطاب رضي الله عنه هذه الآية: (ما غرك بربك الكريم) [الانفطار:6] قال: الحمق يا رب.

وقال علي رضي الله عنه: "ليس من أحد إلا وفيه حمقةٌ فبها يعيش".

وعن مجاهد قال: "كنت عند ابن عباس رضي الله عنهما فجاء رجل فقال: إنه طلَّق امرأته ثلاثًا. قال: فسكت حتى ظننت أنه رادُّها إليه، ثم قال: ينطلق أحدكم فيركب الحَموقة ثم يقول: يا ابن عباس، يا ابن عباس، وإن الله قال: (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا) [الطلاق:2]. وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجًا، عصيت ربك وبانت منك امرأتك..." [رواه أبو داود وصححه الألباني].

وعن أنس بن سيرين قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما قال: "طلَّق ابن عمر امرأته وهي حائض، فذكر عمر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ليراجعها". قلتُ: تُحتسب؟ قال: "فَمَه؟". وعن ابن عمر قال: "مُرْهُ فليُراجعها". قلتُ: تُحتسب؟ قال: "أرأيته إن عجز واستحمق" [رواه البخاري ومسلم].

وعن محمد بن المنكدر قال: "صلى جابر في إزار قد عقده من قِبَل قفاه وثيابه موضوعة على المشجب، قال له قائل: تُصلي في إزار واحد؟ فقال: إنما صنعت ذلك ليراني أحمق مثلك، وأيَّنا كان له ثوبان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟" [رواه البخاري].

وقال جعفر الصادق: "الأدب عند الأحمق كالماء في أصول الحنظل، كُلما ازداد ريًّا زاد مرارة".

قال ابن أبي زياد: قال لي أبي: "يا بُني الزم أهل العقل وجالسهم، واجتنب الحمقى؛ فإني ما جالست أحمق فقُمت إلا وجدتُ النقص في عقلي".

وعن مطرف بن عبد الله بن الشخير قال: "لو حلفتُ لرَجوْت أن أبر أنه ليس أحد ٌمن الناس إلا وهو أحمق فيما بينه وبين الله عز وجل، غير أن بعض الحمق أهون من بعض".

وقيل لإبراهيم النَّظَّام: "ما حدُّ الحمق؟ فقال: سألتني عمَّا ليس له حدٍّ".

عن عبد الله بن إبراهيم الموصلي قال: "نابت الحجاج في صديق له مصيبة ورسولٌ لعبد الملك شاميٌّ عنده، فقال الحجاج: ليت إنسانًا يُعزيني بأبيات، فقال الشامي: أقول؟ قال: قُل. فقال: "وكل خليل سوف يُفارق خليلاً يموت أو يُصاب أو يقع من فوق البيت أو يقع البيت عليه أو يقع في بئر أو يكون شيئًا لا نعرفه". فقال الحجاج: قد سليتني عن مصيبتي بأعظم منها في أمير المؤمنين إذ وجّه مثلك لي رسولاً".

نظر بعض الحكماء إلى أحمق جالس على حجر، فقال: "حجر على حجر".

قال بعضهم: "العاقل المحروم خير من الأحمق المرزوق".

يُقال: فلان ذو حُمق وافر وعقل نافر ليس معه من العقل إلا ما يوجب حجة الله عليه. .

مرَّ بعض الأمراء على بيَّاع ثلج فقال: أرني ما عندك، فكسر له قطعة وناوله إياها، فقال: أُريد أبرد من هذا، فكسر له من الجانب الآخر، فقال: كيف سعر هذا؟ فقال: رطل بدرهم ومن الأول رطل ونصف بدرهم، فقال: زن من الثاني".

وقال آخر: "مؤنة العاقل على نفسه، ومؤنة الأحمق على الناس، ومن لا عقل له فلا دنيا له ولا آخرة".

الحمق داء عضال

عن أبي إسحاق قال: "إذا بلغك أن غنيًا افتقر فصدِّقن وإذا بلغك أن فقيرًا استغنى فصدق، وإذا بلغك أن حيًّا مات فصدق، وإذا بلغك أن أحمق استفاد عقلاً فلا تُصدِّق".

وعن الأوزاعي أنه قال: "بلغني أنه قيل لعيسى بن مريم عليهما السلام: يا روح الله، إنك تُحيي الموتى؟ قال: نعم؛ بإذن الله. قيل: وتُبرئُ الأكمَهَ؟ قال: نعم بإذن الله. قيل: فما دواء الحمق؟ قال: هذا الذي أعياني".

وقد نظم هذا المعنى بعضهم فقال:

لكل داءٍ دواءٌ يُستطبُّ به .. ... .. إلا الحماقة أعيت من يداويها

من علامات الحمقى وأخلاقهم

قال أبو حاتم بن حيَّان الحافظ: "علامة الحمق سُرعة الجواب، وترك التثبُّت، والإفراط في الضحك، وكثرة الالتفات، والوقيعة في الأخيار، والاختلاط بالأشرار، والأحمق إن أعرضت عنه أعتم(يعني عبس)، وإن أقبلت عليه اغترَّ، وإن حلُمتَ عنه جهل عليك، وإن أحسنت إليه أساء إليك، ويظلمُك إن أنصفته".

وقال بعض الحكماء: "من أخلاق الأحمق: إن استغنى بطر، وإن افتقر قنط، وإن فرح أشِرَ، وإن قال فحُش، وإن سُئل بخِلَ، وإن سأل ألحَّ، وإن قال لم يُحسن، وإن قيل له لم يفقه، وإن ضحك نَهَقَ وإن بكى خارَ".

وقال عمر بن عبد العزيز: "ما عدمت من الأحمق فلن تعدم خلَّتين: سُرعة الجواب، وكثرة الالتفات".

يُروى عن الأحنف بن قيس أنه قال: قال الخليل بن أحمد: الناس أربعة: رجل يدري ويدري أنه يدري، فذاك عالم فخذوا عنه، ورجل يدري وهو لا يدري أنه يدري، فذاك ناسٍ فذكروه، ورجل لا يدري وهو يدري أنه لا يدري فذاك طالبٌ فعلموه، ورجل لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فذاك أحمق فارفضوه".

اللهم زينا بزينة الإيمان واجعلنا هداة مهتدين. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #963
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:14 AM
Parent: #893

الاستئذان ... الأدب الضائع
من أعظم النعم التي أنعم الله بها على بني الإنسان نعمة السكن، تلك الأماكن التي خصَّ الله بها الإنسان فستره عن الأبصار، وملَّكه الاستمتاع بها، وحجر على الخلق أن يطلعوا على ما فيها من الخارج، أو يدخلوها بغير إذن أصحابها؛ لئلا يهتكوا أستارهم، ويتعرفوا أخبارهم، ولأجل أنها نعمة عظيمة فقد امتن الله بها على بني آدم: {والله جعل لكم من بيوتكم سكنًا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتًا تستخفِّونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثًا ومتاعًا إلى حين} [النحل:80].

وإنما سُمي البيت مسكنًا لأنه محل الارتياح والسكينة والاطمئنان والاستقرار والأمان؛ فالبيت هو آخر ملاذ لصاحبه، فإذا فقد السكينة فيه فأين يذهب؟

ومن تأمل أحكام الإسلام السامية وآدابه الراقية في باب احترام خصوصية الناس، ومراعاة حرمة البيوت فسيدرك أننا متخلفون عن الإسلام، كما سيدرك شدة غربة الإسلام بين الخاصة فضلاً عن العامة.

ونحن بحاجة شديدة للتعرف على آداب الاستئذان والعمل بها رفعًا للحرج عن أنفسنا وعن الناس، لاسيما في هذه الأزمنة التي قلَّ فيها العلم وقلَّد الناس – أو كثير منهم – الكفار في عاداتهم ونظم حياتهم.

وإذا كان عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قد شكا في زمانه أن أكثر الناس لا يعملون بآية الاستئذان، وإذا كان سعيد بن جبير رضي الله عنه قد قال: "إن ناسًا يقولون: نُسخت هذه الآية (آية الاستئذان)، لا والله ما نُسخت، ولكنها مما تهاون بها الناس"، فماذا نقول نحن في زماننا هذا؟!!.

معنى الاستئذان:

الاستئذان في اللغة هو طلب الإذن، والإذن من أَذِنَ بالشيء إِذْنًا؛ بمعنى أباحه، وعليه فإن الاستئذان هو: طلب الإباحة.

أما في الشرع فيعني: طلب الإذن في الدخول لمحل لا يملكه المستأذن.

حكم الاستئذان:

والاستئذان واجب على الناس إذا بلغوا الحلم، إن أرادوا دخول بيوت بعضهم، ولا يجوز للإنسان أن يدخل بيت غيره بدون إذنه لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خيرٌ لكم لعلكم تذكرون} [النور:27].

وذكر المالكية أن الاستئذان واجب وجوب الفرائض، فمن ترك الاستئذان فهو عاصٍ لله ورسوله.

صفة الاستئذان:

الأصل في الاستئذان أن يكون باللفظ، وصيغته المثلى أن يقول المستأذن: السلام عليكم، أأدخل؟

فعن ربعي بن خراس قال: حدثنا رجل من بني عامر قال: إنه استأذن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بيت فقال: أَلِجُ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لخادمه: "اخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له: قل: السلام عليكم، أأدخل؟ فسمع الرجل ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذِنَ له فدخل.

فإن أذن صاحب الدار دخل وإن أُمر بالرجوع انصرف؟ لقوله تعالى: (وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم} [النور:28].

الاستئذان ثلاثاً لا يزيد عليها

وإن سُكِتَ عنه استأذن ثلاثًا ثم ينصرف بعد الثالثة. روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار، إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثًا فلم يؤذن لي؛ فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا استأذن أحدكم ثلاثًا فلم يؤذن له فليرجع". فقال: والله لتقيمنَّ عليه بينة، أمنكم أحدٌ سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال أُبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه، فأخبرت عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.

ولا يزيد على الثالثة، سمعه أهل البيت أم لم يسمعوه. وإن سأله صاحب الدار من؟ أجاب باسمه الذي يعرفه صاحب الدار ولا يقول: أنا، لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم هذه الإجابة.

هل يقوم قرع الباب ونحوه مقام اللفظ؟

ثبت في الأحاديث أن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد أتى النبي صلى الله عليه وسلم فدق عليه الباب ولم ينكر عليهم النبي صلى الله عليه وسلم، فدل على المشروعية. وقد ذكر العلماء أنه لا بأس بالاستئذان عن طريق ما تعارف عليه أكثر الناس اليوم من دق الأبواب وفي معناه دق الأجراس، مع تحري صاحب الدار ألا يكون في صوت الجرس موسيقى وألا يشبه جرس الكنيسة لنهي الشريعة عن مشابهة الكفار، واستحبوا أن يكون الدق خفيفًا بغير عنف.

أين يقف المستأذن؟

ينبغي على المستأذن أن يقف على صفة لا يطلع معها على داخل البيت في إقباله وإدباره.

عن هزيل بن شرحبيل قال: جاء رجل فوقف على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذن مستقبل الباب، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هكذا عنك؟ فإنما الاستئذان من أجل النظر" [رواه أبو داود وصححه الألباني].

تحريم النظر في البيوت بغير إذن أهلها:

إن البيت كالحرم الآمن لأهله، لا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم في الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقاهم عليها الناس، ولا يحل لأحد أن يتطفل على الحياة الخاصة للآخرين سواء بالتنصت أو التجسس، أو اقتحام الدور ولو بالنظر من قريب أو بعيد.

فعن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لامرئ مسلم أن ينظر إلى جوف بيت حتى يستأذن" [صحيح الأدب المفرد].

وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: اطلع رجل من حجرة في حجر النبي صلى الله عليه وسلم ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري يحك به رأسه، فقال: "لو علمت أنك تنظر لطعنت به في عينك، إنما جعل الاستئذان من أجل البصر" [رواه البخاري ومسلم وغيرهما].

واستأذن رجل على حذيفة فاطلع في داره وقال: أدخل؟ فقال حذيفة: أما عينك فقد دخلت وأما إسْتُك فلم تدخل.

الاستئذان على المحارم:

بيَّن المحققون من العلماء أن الرجل يلزمه أن يستأذن على أمه وأخته وبنيه وبناته البالغين، وكذا عمته وخالته إن كانت تعيش معه في بيت واحد.

أطفالنا وأدب الاستئذان:

ذهب الجمهور إلى وجوب أمر الصغير المميز بالاستئذان قبل الدخول في الأوقات الثلاثة التي هي مظنة كشف العورات، قال الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابكم من الظهيرة ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ليس عليكم و لا عليهم جناح بعدهنَّ طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم} [النور:58].

وقد كان أنس بن مالك دون البلوغ يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك الصحابة مع أبنائهم وغلمانهم. أما إذا بلغ الأطفال الحلم فعليهم حينئذ الاستئذان كلما أرادوا الدخول.

تنبيه مهم:

إن هذا التأديب الإسلامي الرفيع أمر يغفله الكثيرون في حياتهم المنزلية، مستهينين بما ينشأ عن التفريط فيه من صدمات نفسية، وانحرافات سلوكية، ظانين أن الصغار قبل البلوغ لا يتنبهون لهذه الأمور، في حين يقرر علماء التربية وعلماء النفس أن وقوع عين الطفل على شيء من هذه العورات، أو اطلاعه على هاتيك الأحوال، قد يترتب عليه معاناة نفسية، واضطراب سلوكي لا تُحمدُ عقباه.

وهذا يلفتنا إلى ضرورة حفظ تلك الأعين البريئة من كل ما يُلوِّث فطرتها النقية، ويجني على صحتها النفسية، ويهدد استقامتها الخُلُقية، سواء في ذلك داخل البيت أو خارجه، وسواء في ذلك أوقات العورات الثلاث أو غيرها؛ فالتفلت والتسيب الذي قد تتسم به بعض البيوت؛ حيث يحصل تساهل قبيح، بل إفراط مشين، في كشف الأبدان، والأحوال التي سماها القرآن الكريم "عورات" أمام الصغار، بحجة أنهم "لا يفهمون" كل ذلك مما يناقض الحِكَمَ التشريعية السامية، التي ترمي إلى حماية هؤلاء الأطفال من التنبيه المبكر للغرائز وتعكير صفو الفطرة، وانحراف السلوك، وكم من حادثة مشينة كانت وليدة التقليد والمحاكاة، نتيجة الانحراف عن هذا الأدب الإسلامي السامي.

وفقنا الله وجميع المسلمين للتأدب بآداب الإسلام وتعاليمه السامية.

وللمزيد انظر كتاب: الأدب الضائع ، لفضيلة الشيخ محمد بن إسماعيل المقدم.
إسلام ويب

Post: #964
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:15 AM
Parent: #893

الحكمة لها مكانة عظيمة في دين الله، والأقوال والأفعال إذا اتصفت بصفة الحكمة صار لها قدر وقيمة، وإذا تباعدت عنها استحقت الذم ووصفت بالرعونة والطيش والحمق؛ ولذلك نجد الكبير والصغير والرجل والمرأة، والحاكم والمحكوم، بل والمسلم والكافر ينسب نفسه إليها ، ويفرح أشد الفرح إذا وصف بأنه حكيم في تقديراته وتصرفاته.

ماهي الحكمة ؟

فالحكمة هي العقل والفقه في دين الله، وهي إتقان العلم و العمل، وجميع الأمور لا تصلح إلا بالحكمة التي هي وضع الأشياء مواضعها وتنزيل الأمور منازلها، والإقدام في محل الإقدام والإحجام في موضع الإحجام.

والحكمة لا تختص بالنبوة، بل هي أعم منها، وأعلاها النبوة والرسالة، ولكن لأتباع الأنبياء حظ من الخير على سبيل التبع. قال تعالى: (يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاء وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة:269]. وقال سبحانه عن لقمان: (وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ)[لقمان:12].

وقال في معرض الامتنان على يوسف عليه السلام: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ)[يوسف:22]. وقال في وصف داود عليه السلام: (وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ)[البقرة:251].

والقرآن بما فيه من عجائب الأسرار ودقائق الأمور كله حكمة. قال تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)[النحل:125]. وقد تأتي الحكمة بمعنى النبوة والرسالة: (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ)[آل عمران:48], (وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ)[ص:20]. ومعانيها كثيرة لا تقتصر على ذلك.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صدره وقال: "اللهم علمه الحكمة"[رواه البخاري]. قال ابن حجر: واختلف في المراد بالحكمة هنا فقيل: الإصابة في القول. وقيل: الفهم عن الله. وقيل: ما يشهد العقل بصحته. وقيل: نورٌ يُفرق به بين الإلهام والوسواس. وقيل: سرعة الجواب بالصواب. ومنهم من فسر الحكمة هنا بالقرآن.

وفي الحديث: "رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويُعلمها"[رواه البخاري].

وعن أبي بن كعب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن من الشعر حكمة"[رواه البخاري] أي من الشعر قولاً صادقًا مطابقًا للحق. وفي الحديث: "الإيمان يمان، والحكمة يمانية"[رواه البخاري ومسلم].

الحكمة حكمتان

قال ابن القيم: والحكمة حكمتان: علمية وعملية. فالعلمية: الإطلاع على بواطن الأشياء، ومعرفة ارتباط الأسباب بمسبباتها، خلقًا وأمرًا، قدرًا وشرعًا، والعملية – كما قال صاحب المنازل -: وضع الشيء في موضعه. قال: وهي على ثلاث درجات: الدرجة الأولى: أن تعطي كل شيء حقه، ولا تعديه حده، ولا تعجله عن وقته، ولا تؤخره عنه.

الدرجة الثانية: أن تشهد نظر الله في وعده، وتعرف عدله في حكمه، وتلحظ بره في منعه.

الدرجة الثالثة: أن تبلغ في استدلالك البصيرة، وفي إرشادك الحقيقة، وفي إشاراتك الغاية".

من أمثلة الحكمة في القرآن الكريم

ومن أمثلة الحكمة في القرآن الكريم قصة أصحاب الكهف، فهؤلاء الفتية لم يقلدوا قومهم على ما هم عليه من كفر وضلال، واعتزلوا قومهم بعد أن أدركوا أنه لا ينفع معهم نصح ولا دعوة ثم ثباتهم على الحق وقضاء حوائجهم على هذا النحو: (فَابْعَثُوا أَحَدَكُم بِوَرِقِكُمْ هَذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)[الكهف:19].

وكلها صور تدل على حكمة بليغة؛ فالحكمة لا تقتصر على الكبير دون الصغير .

وفي قصة سليمان مع ملكة سبأ تلمس حكمة التصرف واتخاذ القرار، فعنايته برعيته وتفقده لأحوالهم وعدم تعجله بالحكم على غياب الهدهد، والتزامه بمنهج التثبت في خبر سبأ كما حكاه الهدهد: (قَالَ سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[النمل:27].

ثم الرسالة التي كتبها بأسلوب حكيم: (إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)[النمل:30، 31].

وكانت بلقيس ملكة سبأ على قدر كبير من الحكمة في قيادة قومها والتزامها بالشورى منهجًا وسلوكًا. قال الحسن: كانت هي أحزم رأيًا منهم، وأعلم بأمر سليمان، وإنه لا قِبَلَ لها بجيوشه وجنوده.

وكذلك في قصة لقمان مع ابنه صور كثيرة من الحكمة .

والسنة مليئة بالحكمة، ومن ذلك ما حدث في قصة صلح الحديبية والتعامل مع المنافقين، وعدم قتل ابن سلول المنافق، وقتال أبي بكر لمانعي الزكاة والمرتدين... وكلها دروس بليغة لابد من التعرف عليها؛ وذلك لأسباب كثيرة فمدار نجاح الدعوات على الحكمة، والصحوة الإسلامية في يقظتها المعاصرة أحوج ما تكون إلى الحكماء.

ثم الفهم الخاطئ لمعاني الحكمة إفراطًا وتفريطًا قد تؤدي بالبعض إلى مداهنة الظالمين وضياع الحق والسكوت على الباطل باسم الحكمة، ومن جهة أخرى فبعض المواقف والأعمال اتسمت بالتهور والاندفاع كالاغتيالات والدخول في مواجهات أو إحراق أماكن الفساد، وقد جرت مثل هذه الأعمال على أمتنا عمومًا وعلى الدعاة خصوصًا الويلات.

موانع الحكمة

إن الهوى وعدم التجرد من أعظم موانع هذه الحكمة. قال تعالى: ({وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)[ص:26]. (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ)[المؤمنون:71].

وفي الحديث: "فإذا رأيت شحًا مطاعًا، وهوىً متبعًا، وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك"[رواه ابن ماجه]. والهوى يعمي ويصم كما قال شيخ الإسلام.

فمن كانت هذه حاله فأنى له الحكمة، والجهل والحكمة ضدان لا يجتمعان. قال تعالى: (قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ)[الزمر:64].

وقد يكون من خوارم الحكمة عدم فهم الأدلة، أو الاستدلال بها في غير مواضعها، أو عدم الجمع بينها، وكذلك قلة الخبرة والتجربة وكذلك الانفرادية وعدم تحديد الأهداف والنظرة السطحية للأمور والارتجال والعجلة وعدم ضبط النفس والخلط في المفاهيم، وكذلك تقديم الجزئيات على الكليات والغفلة عن مكائد الأعداء وعدم إتقان قاعدة المصالح والمفاسد.

قال العلماء: ليس العاقل الذي يعلم الخير من الشر، ولكن العاقل الذي يعلم خير الخيرين وشر الشرين، وشرع الله مصلحة كله وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله.

كيف نحصل على الحكمة ؟

ولما كانت التخلية قبل التحلية، فلابد لكل من أراد الحكمة وطلبها أن يتخلى عن الموانع والخوارم قبل التلبس بالأركان والبحث في الأسباب .

والحكمة فضل من الله، وما عند الله من خير وبركة لا نناله إلا بطاعته، ومن أعظم أسباب ذلك التجرد والإخلاص والتقوى وطلب العلم الشرعي من مظانه، والاستشارة والاستخارة، وبُعد النظر وسمو الأهداف وفقه السنن الكونية والشرعية، والعدل والتثبت والمجاهدة والدعاء والصبر والرفق ولين الجانب، وقد تجتمع هذه الأركان في شخص واحد – وهو نادر وقليل – وقد تتوافر في مجموعة من الأفراد، ولهذا فإن الحكمة قد تكون كاملة وقد تكون نسبية وهو الأكثر.

قال ابن القيم في مدارج السالكين: والله تعالى أورث الحكمة آدم وبنيه، فالرجل الكامل من له إرث كامل من أبيه، ونصف الرجل كالمرأة له نصف ميراث، والتفاوت في ذلك لا يحصيه إلا الله تعالى، وأكمل الخلق في هذا: الرسل صلوات الله وسلامه عليهم، وأكملهم أولو العزم، وأكملهم محمد صلى الله عليه وسلم، ولهذا امتن الله سبحانه وتعالى عليه وعلى أمته بما آتاهم من الحكمة كما قال تعالى: (وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ)[النساء:113]. وقال: (كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ)[البقرة:151].

لابد من مراعاة الحكمة وعدم التساهل في موضوع بر الوالدين وتربية الأولاد ومصاحبة الزوجة ومعاشرتها وصلة الأهل والأرحام، وقد أساء البعض فهم حق القوامة فتسلط على زوجته واعتبرها مملوكة وتجاهل حقوقها، وهذا استعباد لم يأذن به الله، قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)[النساء:19]. وآخرون خضعوا لسلطان الشهوة؛ فاستعبدتهم النساء، ولن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة.

وكذلك لابد من مراعاة الحكمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد ذكر العلماء ضوابط لذلك ، فلا يجوز إنكار المنكر بمنكر أعظم، ولا إنكار المنكر بتثبيته والإتيان بمنكر آخر، ولا استعداء الأذى على الأهل والإخوان والأصدقاء، ولا يتم ذلك بإتلاف النفس في غير مصلحة شرعية، فالإخلال بالحكمة له آثاره التي لا تخفى.

لابد من حيطة وتثبت في نقل الأخبار وخصوصًا ما يتعلق منها باتهام الآخرين وما يترتب عليه إشاعة الفاحشة في الذين آمنوا. قال تعالى: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)[النساء:83]. وقال تعالى: (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ)[النــور:15]. وذلك في قصة الإفك.

وفي الحديث: "كفى بالمرء إثمًا أن يحدث بكل ما سمع"[رواه مسلم].

ومن هذا النقد وبيان الأخطاء فقد أطلق البعض لسانه دون رقيب أو حسيب، وعلى العكس والنقيض اعتبر البعض النصيحة فضيحة، والتنبيه على الأخطاء تجريحًا، وجعلوا للأفراد والهيئات والجماعات قداسة لا تُمس، وكلا الطرفين ذميم ومراعاة ذلك هو الحكمة التي نعنيها، والضالة التي ننشدها.

ومن المسائل المتعارضة التي سوى الناس بينها الخلط بين القوة وبين الضعف والغلظة، والرفق واللين وبين الضعف، والعزة وبين التكبر، والتواضع وبين الذل، والشجاعة وبين التهور، وخوف الفتنة وبين الجبن والخوف...

والمنهج الصحيح هو تسمية الحقائق بأسمائها، ولا يتسنى ذلك إلا لمن رزق علمًا وفهمًا وقدرة على وضع الشيء في موضعه، وهذه هي الحكمة التي نتحدث عنها. (وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الأَلْبَابِ)[البقرة:269].
د / سعيد عبد العظيم

Post: #965
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:18 AM
Parent: #893

تفريج الكربات
إن السعي في تفريج الكربات وقضاء الحاجات من أعظم الطاعات والقربات وسبب لنيل الرضى من الله والمحبة من الناس، فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي ومصالحه لا تتم إلا بالتعاون مع الآخرين، فاحتياجاته كثيرة وكرباته عديدة.

والأمر في حساب المؤمنين لا يقتصر على الدنيا دون الآخرة، فأهوال الموت والقبور والآخرة والميزان والصراط وتطاير الصحف.. أهوال عظام ومن أعظم أسباب الخلاص منها السعي في تفريج كربات الآخرين، فعن عبد الله بن أبي قتادة أن أبا قتادة طلب غريمًا له فتوارى عنه، ثم وجده فقال: إني معسر. فقال: آلله؟ قال: آلله. قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سره أن يُنجيه الله من كرب يوم القيامة فليُنفّس عن معسرٍ أو يضع عنه" [رواه مسلم].

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة" [رواه البخاري ومسلم].

فمن سعى في تفريج كربات الآخرين يسعى – في واقع الأمر وحقيقته – في تفريج كربة نفسه، قال تعالى: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنْفُسِكُمْ) [الإسراء:7]. وقال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنفسهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].

فالجزاء من جنس العمل، واعمل ما شئت كما تدين تدان، فعائد العمل يعود على صاحبه أول ما يعود، اعمل ما شئت فإنك مجزيّ به.

تفريج الكربات من أعظم أسباب إجابة الدعوات

نعم إن تفريج الكربات من أعظم أسباب إجابة الدعوات، فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن تُستجاب دعوته وأن تُكشف كُربته فليفرج عن معسر" [رواه أحمد ورجاله ثقات].

ضعف الإيمان سبب الإعراض

لقد تسبب ضعف الإيمان في عدم السعي في تفريج الكربات وقضاء الحاجات إلا بمقابل وعوض، وعلى سبيل المثال لا الحصر لا تجد اليوم من يُقرض الناس قرضًا حسنًا، وقد انتشرت التعاملات الربوية على مستوى الأفراد والدول والجماعات، فالقرض لابد وأن يجر نفعًا ربويًا يسمونه – بهتانًا – فائدة، وأصبحت اللوثة المادية التي جرت منا مجرى الدم من العروق هي السمة الغالبة في هذا الأمر، فتفريج الكربات وقضاء الحاجات لا يُعول فيه إلا على الحول والطول تارة، وعلى الخطط والمؤامرات تارة أخرى، وعلى الرشوة والحيلة والذكاء المزعوم... تارات، حتى نسينا المعاني الإيمانية أو صارت في أحسن الأحوال لا تؤخذ إلا على جهة التجريب فضلاً عن أن تكون موضعًا للشك والارتياب.

الفرج الأعظم من الله

إن المؤمن يوقن أن الله جل وعلا هو الذي يجيب المضطر ويكشف الضر، وأن الفرج الأعظم يأتي من الله عز وجل، فهو ينجي كل مكروب يستغيثه في الدنيا والآخرة: (كُلُّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29]. من شأنه أن يغفر ذنبًا ويُفرج كربًا ويرفع قومًا ويخفض آخرين، ولذلك كان لابد أن تتعلق القلوب بربها في تفريج الكربات وقضاء الحاجات. قال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات:76].

وقال: (وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ * وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) [الصافات:114، 115].

وقال: (قُلِ اللّهُ يُنَجِّيكُم مِّنْهَا وَمِن كُلِّ كَرْبٍ ثُمَّ أَنتُمْ تُشْرِكُونَ) [الأنعام:64].

فالأنبياء والأولياء قلوبهم مُعلَّقة بالله.

الذكر والدعاء..وتفريج الكربات

فالأذكار والدعوات الصالحات من أعظم الأسباب في تفريج الكربات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات ورب الأرض ورب العرش العظيم"[رواه البخاري ومسلم].

وعن أسماء بنت عُميس رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أعلمك كلمات تقولينهنَّ عند الكرب – أو في الكرب – الله ربي لا أشرك به شيئًا". [رواه أبو داود وصححه الألباني].

وفي الحديث: "كلمة لا يقولها عبدٌ عند موته إلا فرج الله عنه كُربته وأشرق لونه..." قال عمر لطلحة: هل تعلم كلمة هي أعظم من كلمة أمر بها عمه: "لا إله إلا الله؟" فقال طلحة: هي والله هي".[رواه أحمد وصحح الشيخ أحمد شاكر إسناده].

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرقي يقول: "امسح البأس رب الناس، بيدك الشفاء، لا يكشف الكرب إلا أنت" [رواه أحمد والبخاري بلفظ: "لا كاشف له إلا أنت" وكذا عند مسلم].

وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت". [رواه أبو داود وحسنه الألباني].

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر يقول: "يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث". [رواه الترمذي وقال: حديث صحيح].

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: "علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل بي كرب أن أقول: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله وتبارك الله رب العرش العظيم، والحمد لله رب العالمين". [رواه أحمد والنسائي وصححه الحاكم].

ودعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين. إنه لم يدعُ بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له بها"[رواه الحاكم وقال: صحيح الإسناد، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي].

مدينة تفتح بالذكر

وإن تعجب فعجب أمر هذه المدينة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنها تُفتح في آخر الزمان، جانبٌ منها في البر وجانب منها في البحر؛ قال: "فإذا جاءوها (يعني المسلمين) نزلوا فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم. قالوا: لا إله إلا الله والله أكبر، فيسقط أحد جانبيها، ويكررونها في الثانية فيسقط جانبها الآخر، وفي الثالثة فيُفرج لهم فيدخلوها فيغنموا...". [رواه مسلم].

الطاعات طريق النجاة من الكربات

والأمر لا يقتصر على الدعاء فسحب، بل العمل بطاعة الله في الجملة – واجبات ومستحبات – من أعظم أسباب تفريج الكربات، قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ) [الطلاق:2، 3]. (ومن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) [الطلاق:4].

فلو كادك من في الأرض جميعا وكنت على تقوى لله لجعل لك ربنا من بينهم فرجًا ومخرجًا. قال تعالى: (إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ) [النحل:128].

وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قال: "أرحنا بها يا بلال" (أي الصلاة)، وقام نبي الله إبراهيم عليه السلام يُصلي لما أخذ النمروذ منه سارة، (وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ) [البقرة:45].

وفي حديث خسوف الشمس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة". وقال أيضًا: "فصلوا حتى يُفرج الله عنكم". [رواه البخاري ومسلم].

البر لا يبلى

هذه حقيقة لا مراء فيها نراها بأعيننا ونعيشها واقعا وتؤيدها الأدلة الشرعية ؛ فقد حكى النبي صلى الله عليه وسلم قصة الثلاثة الذين أطبقت عليهم الصخرة بالغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، وذكر الأول قصة بره بوالديه، والثاني ذكر عفته عن ابنة عمه بعد أن تمكن منها، والثالث توسل بأمانته وتنميته مال الأجير، فانفرجت الصخرة، وخرجوا يمشون... [الحديث رواه البخاري ومسلم].

النبي يسعى في تفريج كربات المسلمين

وقد سعى النبي صلى الله عليه وسلم في توفية غُرماء جابر وقضاء دين بلال رضي الله عنهما، وكان صلوات الله وسلامه عليه يُفرّج كرب المعدوم ومن أصابته النوائب؛ ولذلك قالت السيدة خديجة رضي الله عنها: "كلاَّ والله ما يُخزيك الله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحملُ الكلَّ، وتقري الضيف، وتُكسبُ المعدوم، وتُعين على نوائب الحق".[رواه البخاري]. فمن كان هذا وصفه، لا يُخزيه الله أبدًا، كما قالت أم المؤمنين، فكل مقدمة لها نتيجة، والبر لا يبلى، ومن زرع خيرًا حصد خيرًا.

وفق الله الجميع لما يُحب ويرضى.. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #966
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:19 AM
Parent: #893

إن السكينة إذا نزلت على القلب اطمأنَّ بها، وسكنت إليها الجوارح وخشعت واكتسبت الوقار، وأنطقت اللسان بالصواب والحكمة، وهي حال النبي صلى الله عليه وسلم يوم قام يصدع بالحق في الخلق ويبلِّغ دعوة التوحيد لمن ران على قلوبهم الشرك، فناله ما ناله من الأذى، خُنِقَ تارة، وأُلقيَ على ظهره الشريف سلا الجزور أخرى، حُوصِرَ في الشِعب ثلاث سنوات، واتُهم بأنه ساحر وكاهن ومجنون ويُفرق بين المرء وزوجه.

كل ذلك وهو صابر محتسب، ينطقُ بلسان حاله قبل مقاله: "أن لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري؛ على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه".

واجه الإساءة بالإحسان، واستمر صلى الله عليه وسلم في دعوته غير عابئ بالصد والتنفير من عبادة الله، يقول: "رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون". تمنّى لهم الخير ودعا لهم به وقال: "لعلَّ الله أن يُخرج من أصلابهم من يعبد الله ولا يُشرك به شيئًا".

السكينة علامة اليقين

فالسكينة هي علامة اليقين والثقة برب العالمين، تثمر الخشوع وتجلب الطمأنينة، وتلبس صاحبها ثوب الوقار في المواطن التي تنخلع فيها القلوب وتطيش فيها العقول، انظر يوم الهجرة وقول أبي بكر رضي الله عنه: "لو نظر أحدهم تحت قدمه لرآنا". والنبي صلى الله عليه وسلم يُجيبه: "ما بالك باثنين الله ثالثهما، لا تحزن إن الله معنا". قال تعالى: (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُواْ السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40].

ومن طالع حاله صلى الله عليه وسلم يوم صلح الحديبية وهو يقول: "إنه ربي وإنه لن يضيعني"، ويوم أحد عندما كُسرت رباعيته وجُرح في وجهه الشريف، ويوم الأحزاب عندما ربط الحجر على بطنه الشريف من شدة الجوع، ينقل التراب.

وقد وارى التراب بياض بطنه وهو يقول:

والله لولا أنت ما اهتدينا .. ... .. ولا تصدقنا ولا صلينا

فأنزلن سكينــة علينا .. ... .. وثبت الأقدام إن لاقينا

إن الألى قد بغـوا علينا .. ... .. إذا أرادوا فتنـة أبينا"

أقول: من طالع أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم في عسره ويسره لعلم أن السكينة هي علامة رضا الله عن العبد، وهي أيضًا تؤدي إلى الرضا بما قسم الله عز وجل، وتمنع من الشطط والغلو، كما أنها من الأمور التي تُسكنُ الخائف وتُسلي الحزين، وفيها طاعة لله وتأسٍ برسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى في وصف المؤمنين يوم بيعة الرضوان: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) [الفتح:18].

وقال تعالى عن يوم حنين بعد أن ولوا مدبرين: (ثُمَّ أَنَزلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَعذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَذَلِكَ جَزَاء الْكَافِرِينَ) [التوبة:26].

السكينة عند الشدائد

السكينة هي سمتهم وهيئتهم يوم الأحزاب: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا) [ الأحزاب:22].

هي وصف بلال وهم يضعون الصخر على ظهره في حر الظهيرة بمكة وهو يردد: أحدٌ أحد.

وفتى قريش المدلل، مصعب بن عمير، عندما تمتنع أمه عن الطعام والشراب حتى تموت ويُعير بها، فيأتيها بعد ثلاث ويقول لها: لو كانت لكِ مئة نفسٍ فخرجتْ نَفسًا نفْسًا ما تركتُ ديني هذا لشيء. فأكلت وشربت، وهذا هو شأنه رضي الله عنه وهو يهاجر إلى المدينة لتعليم أهلها الإسلام، وهو يعيش شظف العيش راضيًا عن الله.

ثم وهو يموت ويردد قوله تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144]. قال ذلك بعد أن قُطعت يمينه وشماله، وأجهز عليه ابن قمئة بحربة.

تمكنت السكينة من نفس خبيب بن عدي وقد أحاط به المشركون لقتله، فقام يصلي لله ركعتين، ثم قال: اللهم إني لا أرى إلا وجه عدو، ولا أرى وجها يُقرئ رسولك مني السلام، فأقرئه مني السلام، ثم لما قتل وقع وهو يردد:

ولستُ أُبالي حين أُقتل مسلمًا .. ... .. على أي جنبٍ كان في الله مصرعي

فذلك في ذات الإله وإن يشأ .. ... .. يُبارك على أوصـال شلو ممــزع

وأحوال الأولياء والصالحين مع السكينة تطول، ولم لا وهي صفة لازمة للأنبياء والمرسلين: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) [الأنعام:90] .

السكينة صفة الأنبياء

هي حال إبراهيم – عليه السلام – وهو يواجه أباه وقومه والنمروذ، وهو يترك هاجر وولده الوحيد إسماعيل بمكة المكرمة، وهو يهمّ بعد ذلك بذبح إسماعيل، رباطة جأش وطمأنينة قلب في حِله وترحاله، ونقضه وإبرامه، ووصله وهجره.

السكينة هي صفة نبي الله موسى – عليه السلام – وهو يواجه فرعون ويثبت بني إسرائيل ويقول لهم: (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الأعراف:128]، وهو يواجه الهلكة المحققة، فالبحر أمامه وفرعون خلفه ووراءه، فتقول بنو إسرائيل: (إِنَّا لَمُدْرَكُونَ) فيجيبهم نبي الله موسى – عليه السلام –: (كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) [الشعراء: 61، 62].

هي سمت نبي الله يوسف عليه السلام في مواجهته لإخوته وللنسوة في مراودتهنَّ له، وهو في السجن وبعد أن تولى ملك مصر، وهو يتوجه إلى ربه بالدعاء: (رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنتَ وَلِيِّي فِي الدُّنُيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ) [يوسف:101].

وجاء في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة: "إني باعثٌ نبيًا أميًا، ليس بفظٍ ولا غليظ، ولا سخّاب في الأسواق، ولا متزين بالفحش، ولا قوّال للخنا، أجعل السكينة لباسه والبر شعاره".

سكون القلب وتسلية الحزين

فالسكينة شيء من لطائف صُنع الله تعالى نزلت على قلب النبي صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين، جمعت قوة وروحًا، فسكن بها الحائف وتسلّي بها الحزين. قال ابن عباس رضي الله عنهما: "كنا نتحدث أن السكينة تنطق على لسان عمر وقلبه".

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: "السكينة مغنم وتركها مغرم".

وقال ابن عباس: "كل سكينة في القرآن فهي طمأنينة إلا في سورة البقرة". يقصد قوله تعالى: (وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [البقرة:248].

وقد وردت النصوص تحضُّ عليها، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أُقيمت الصلاة فلا تأتوهها تَسْعون وأتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا". [رواه البخاري ومسلم].

وفي الحديث: "لا تقوموا حتى تروني وعليكم السكينة". [رواه البخاري].

وورد: "يسّروا ولا تعسروا، وسكّنوا ولا تنفّروا". [رواه البخاري ومسلم].

وقال صلى الله عليه وسلم في عشية عرفة للناس حين دفعوا: "عليكم بالسكينة". [رواه مسلم].

والسكينة من الله. قال تعالى: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [الفتح:26].

وقال: (هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) [الفتح:4].

وما عند الله من خير وبركة وسكينة لا نناله إلا بطاعتنا له، والدعاء من أعظم الأسباب في تحصيلها.

وفي الحديث: "تلك السكينة تنزَّلت للقرآن". [رواه البخاري ومسلم].

وورد: "ما اجتمع قومٌ في بيتٍ من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه فيما بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده". [رواه مسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "الفخر والخيلاء في الفدادين أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم". [رواه البخاري ومسلم].

وقد جربت الأكابر قراءة آيات السكينة عند اضطراب القلب فرأوا لها تأثيرًا عظيمًا. وفي ذلك يقول ابن القيم في "مدراج السالكين": "كان شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى – إذا اشتدَّت عليه الأمور قرأ آيات السكينة، وسمعته يقول في واقعة عظيمة جرت له في مرضه: لما اشتد عليَّ الأمر قلت لأقاربي ومن حولي: اقرأوا آيات السكينة. قال: ثم أقلع عن ذلك الحال وجلستُ وما بي قَلَبَةٌ".

وقال ابن القيم أيضًا: "قرأت هذه الآيات عند اضطراب القلب بما يَردُ عليه فرأيت لها تأثيرًا عظيمًا في سكونه وطمأنينته".

فاللهم أنزلن سكينة علينا .. ... .. وثبت الأقدام إن لاقينا

ونسألك اللهم من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم.. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين.
بقلم د/ سعيد عبد العظيم

Post: #967
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:22 AM
Parent: #966

الجدال والمراء يورثان العداوة
آفة عظيمة وداء عضال تمكن من كثير من الناس ، فتراهم في مجالسهم ومنتدياتهم وأحاديثهم يتجادلون ويتناقشون ويماري بعضهم بعضا ، ولربما ثارت بينهم الخصومات والعداوات بسبب هذا الجدل والمراء.

الجدل من طبع الإنسان:

لقد صرح القرآن الكريم بأن الإنسان بطبعه مجادل برغم وجود الحجج والبراهين الدامغة والآيات الساطعة والأمثلة المتعددة:

(وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً) [الكهف:54].

الجدال نوعان:

الجدال منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود. أما المحمود فهو ما تعلق بإظهار الحق والدلالة عليه والدعوة إليه، وهذا الذي أمر الله تعالى به نبيه صلى الله عليه وسلم: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125]. وقال تعالى: (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ) [العنكبوت:46].

وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم".

وقد جادل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الخوارج زمن عليّ بن أبي طالب بأمر علي، فأقام عليهم الحجة وأفحمهم، فعاد عن هذه البدعة خلق كثير. فهذا هو الجدال المحمود: ما كان لإظهار الحق بإقامة الأدلة والبراهين على صدقه.

أما النوع الآخر من الجدال- وهو موضوع حديثنا - فهو الجدال بالباطل، وهو أنواع :

الجدال لطمس نور الحق

فمنه ما يكون الهدف منه طمس نور الحق والتشغيب عليه وشغل أهل الحق عنه: (وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ) [الأنعام:121]. وأخبر الله عن هذا الصنف من الناس بقوله:

(وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) [غافر:5].

وقال عز وجل:

(وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ) [الأنعام:25].

والدافع إلى هذا النوع من الجدال والمراء هو الكبر في نفوس هؤلاء ، كبرٌ يمنعهم من قبول الحق والعمل به: (إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [غافر:56]. وهذا النوع من الجدال يهلك صاحبه ويضله ويعميه ويجعله يوم القيامة من الخاسرين: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ * كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ) [الحج:3، 4]. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ) [الحج:8، 9].

الجدال لإظهار المزية والتقليل من شأن الآخرين:

وهذه آفة عظيمة قلَّ من يسلم منها، فهي دأب كثير من الناس في أحاديثهم ومجالسهم ومنتدياتهم. والدافع إلى هذا النوع من الجدال شعور الشخص بتميزه ورجاحة عقله ومحاولة تسفيه آراء الآخرين ، وهو من علامات الضلال ؛ فقد قال الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم:

"ما ضل قوم بعد هدىً كانوا عليه إلا أوتوا الجدل".ثم تلا قوله تعالى: (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ) [الزخرف:58].(ابن ماجة وحسنه الألباني).

وهذا النوع من الناس لا يحبه الله تعالى ،قال صلى الله عليه وسلم: "إن أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الْخَصِم". (البخاري)

وهذا الصنف الذي يجادل بالباطل يعرض نفسه لسخط الجبار جل وعلا :

"ومن خاصم في باطل وهو يعلمه لم يزل في سخط الله حتى ينزع". (أبو داود وصححه الأباني).

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أن ترك هذا النوع من الجدال شاق على النفوس التي اعتادته فقد بشر من تركه بهذه البشارة العظيمة:

"أنا زعيم بيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا". (أبو داود وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

إن هذا الصنف من الناس على خطر عظيم وفعلهم دليل على زيغ قلوبهم؛ تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ) [آل عمران:7]. فقال: "يا عائشة إذا رأيتم الذين يجادلون فيه فهم الذين عناهم الله فاحذروهم". (ابن ماجة وصححه الألباني).

الجدال يفوت على الناس الخير

إن هذا النوع من الجدل يضيع على الناس الخير. فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى ( تخاصم وتنازع وتشاتم ) رجلان من المسلمين فقال: "خرجت لأخبركم بليلة القدر فتلاحى فلان وفلان فرفعت، وعسى أن يكون خيرًا، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة". (البخاري).

ولأن الجدال يفوت على الناس الخير ويفسد عليهم الطاعات نهى الله عنه: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) [البقرة:197].

وفي الصيام قال النبي صلى الله عليه وسلم:

"إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ..." وفي رواية سعيد بن منصور: "ولا يجادل".

إن الجدال على هذه الصورة يزرع الضغائن وينشر العداوات.

الجدال لاغتصاب حقوق الناس

ومن أقبح صوره الجدال والمراء لانتزاع حقوق الناس واغتصابها. قال صلى الله عليه وسلم محذرا من هذا ومتوعدا أهله: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إلي، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بحق أخيه شيئا فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار". ( رواه البخاري).

وجاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال الحضرمي : يا رسول الله! إن هذا قد غلبني على أرض لي كانت لأبي. فقال الكندي : هي أرضي في يدي أزرعها ليس له فيها حق. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للحضرمي "ألك بينة!" قال : لا. قال "فلك يمينه" قال : يا رسول الله إن الرجل فاجر لا يبالي على ما حلف عليه. وليس يتورع من شيء.فقال : "ليس لك منه إلا ذلك" فانطلق ليحلف. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لما أدبر "أما لئن حلف على ماله ليأكله ظلما، ليلقين الله وهو عنه معرض". (رواه البخاري).

آثار سلفية في التحذير من الجدل

ولأن الجدال بالباطل أو بغير دليل يؤدي إلى كل المفاسد التي سبق الحديث عنها فقد رأينا الصالحين ينهون عنه وينصحون باجتنابه ومن هذه الآثار الواردة عنهم في ذلك:

قال نبي الله سليمان عليه السلام لابنه: "دع المراء فإن نفعه قليل، وهو يهيج العداوة بين الإخوان".

وقال ابن عباس: "كفى بك إثمًا ألا تزال مماريًا".

وقال الأوزاعي: إذا أراد الله بقوم شرًا ألزمهم الجدل ومنعهم العمل.

وقال محمد بن حسين بن علي: الخصومة تمحق الدين وتنبت الشحناء في صدور الرجال.

وقيل لعبد الله بن الحسن بن الحسين: ما تقوله في المراء؟ قال: يفسد الصداقة القديمة ، ويحل العقدة الوثيقة ، وأقل ما فيه أن يكون دريئة للمغالبة ، والمغالبة أمتن أسباب القطيعة.

وقال الشافعي: المراء في الدين يقسِّي القلب ويورث الضغائن.

وقديما قيل: لا تمار حليمًا ولا سفيهًا؛ فإن الحليم يغلبك والسفيه يؤذيك.

فاللهم جنبنا الجدال وأهله وارزقنا الاستقامة ولا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا.
إسلام ويب

Post: #968
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:24 AM
Parent: #893

إن كثرة الكلام على الإجهاض و إثبات النسب و انتشار اللقطاء و أولاد الزنا من نتاج الحريات المزعومة ، و من لوثة تقليد الغرب و متابعته حذو النعل بالنعل ، و رغم سهولة ارتكاب الفواحش إلا أننا نسمع عن زيادة جرائم الاغتصاب ، و التي تتم في وضح النهار و على مرأى ومسمع من الخلق !! و كأن الحرام السهل ما عاد يشبع الشهوات البهيمية المتأججة ، و هذا نتاج البعد عن منهج الله .
و ماذا يتصور أن ينجم من وراء الأغاني و الرقصات و الأفلام و الموضات الخليعة؟
الاختلاط وثمراته النكدة
إن شيوع الاختلاط في المدارس و الجامعات و أماكن العمل و البيوت بزعم الصداقة البريئة قد أدى إلى انتشار الرذائل والقبائح و زيادة حالات الزواج العرفي و النكاح بدون ولي ، فالمرأة يزوجها الولي ، و الزانية هي التي تزوج نفسها ، بل ساعدت الأعراف الفاسدة و دخول ابن العم و ابن الخال و أخي الزوج و الجار و الصديق على المرأة بمفردها على كثرة صور الخيانة ، فما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ، و الحمو الموت.
الإعلام والدور القذر
ولا نغالي لو قلنا : إن نشر الفواحش و القبائح على الملأ من خلال وسائل الإعلام المختلفة ،ومن خلال الأفلام الهابطة وأغاني الفيديو كليب الساقطة الماجنة، والصور الخليعة في الجرائد السيارة وعلى أغلفة المجلات المختلفة، والحط من شأن الأتقياء ، و رفع شأن المتهتكين والمتفحشين مما ساعد على ذلك ، بحيث صار البعض يتباهى بارتكاب الزنا و أصبح الجنس والغريزة أدباً و فناًَ !! "و ما ظهرت الفاحشة فى قوم حتى أعلنوا بها إلا ابتلوا بالطواعين والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا ..... " (رواه ابن ماجة و الحاكم و صححه الألباني).
و لذلك لا يستغرب انتشار الإيدز و الزهري و السيلان ..وغيرها من الأمراض الفتاكة عقوبة من الله تعالى لمن تساهل في هذه الفاحشة.
تعريف الزنا وحكمه
الزنا هو وطء المرأة من غير عقد شرعي ، و هو من الكبائر باتفاق العلماء ، قال تعالى: ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الإسراء:32).
و قال سبحانه: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان:68).
و قال: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) (النور:2) .
و قد بدأت الآية بالزانية قبل الزاني لأن الزنى من المرأة أفحش .
الزنا بحليلة الجار
و أفحش أنواعه الزنا بحليلة الجار؛ فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله أي الذنب أعظم؟ قال: "أن تجعل لله ندا وهو خلقك" فقلت: ثم أي؟ قال : " أن تزاني حليلة جارك" (رواه أبو داود، وصححه الألباني) .
و الزنا أكبر إثماً من اللواط ؛ لأن الشهوة داعية إليه من الجانبين فيكثر وقوعه و يعظم الضرر بكثرته ، و لما يترتب عليه من اختلاط الأنساب ، و بعض الزنا أغلظ من بعض ، فالزنا بحليلة الجار أو بذات الرحم ( كالأخت و البنت و العمة .... ) أو بأجنبية فى شهر رمضان ، أو فى البلد الحرام فاحشة مشينة ، و أما ما دون الزنا الموجب للحد فإنه من الصغائر إلا إذا انضاف إليه ما يجعله كبيرة كأن يكون مع امرأة الأب أو حليلة الابن أو مع أجنبية على سبيل القهر و الإكراه .
حد الزنا
و الزاني البكر يجلد مائة و يغرب عاماً ( أي يبعد عن بلدته)، أما المحصن ( الذى سبق له الزواج ) فحكمه الرجم ، ولابد في ذلك من الإقرار أو شهادة أربعة شهود ؛ إذ الشرع لم يتشوف لكثرة عدد المحدودين والمرجومين.
ضوابط لابد منها
هناك ضوابط لابد من مراعاتها عند الحديث عن جريمة الزنا وإثباتها وبالتالي إفامة الح ، ومن هذه الضوابط:
أنه لا يصلح الإكراه لانتزاع الاعتراف ، كما يجوز للإنسان أن يستر على نفسه و يتوب إلى ربه ويكثر من الحسنات الماحية للخبر:" اجتنبوا هذه القاذورات التي نهى الله عز وجل عنها، فمن ألم فليـسـتـتر بستر الله عز وجل، فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله "، و لقول النبي صلى الله عليه و سلم لهزال الذي أتى بماعز الأسلمي لإقامة الحد عليه :" لو سترته بثوبك لكان خيراً لك ".(حسنه الألباني في الصحيحة) و يجوز التجسس لمنع وقوع الفاحشة ، لا لضبطهما متلبسين كما نقله ابن رجب عن الإمام أحمد ، و لو ضبط الرجل مع المرأة في لحاف واحد ، فهذا يستوجب التعزير لا الحد ، إذ لابد أن يكون الأمر كالرشا في البئر و الميل في المكحلة ، و أن يأتي منها حراماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً .
الزنا من أخبث الذنوب
و ما في الزنا من نجاسة و خبث أكثر و أغلظ من سائر الذنوب ما دون الشرك ، و ذلك لأنه يفسد القلب و يضعف توحيده جداً ، و لهذا كان أحظى الناس بهذه النجاسة أكثرهم شركاً ، و قال الذهبي : النظرة بشهوة إلى المرأة و الأمرد زنا ، و لأجل ذلك بالغ الصالحون في الإعراض عن المردان ( الشاب الوسيم الذى لم تنبت له لحية ) و عن النظر إليهم و عن مخالطتهم و مجالستهم و كان يقال : لا يبيتن رجل مع أمرد في مكان واحد ، و حرم بعض العلماء الخلوة مع الأمرد في بيت أو حانوت أو حمام قياساً على المرأة ، لأن النبي صلى الله عليه و سلم قال: " ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما ". و فى المردان من يفوق النساء بحسنه فالفتنة به أعظم ...... اهـ
و الشذوذات التي تزكم الأنوف كثيرة ، بل بلغت الوقاحة و الجرأة بالبعض مبلغاً جعلته يطالب بإباحة اللواط و السحاق. و كان عمر بن عبد العزيز يقول : لا يخلون رجل بامرأة و إن كان يحفظها القرءان ، فلا يعتد بالنوايا الطيبة فمعظم النار من مستصغر الشرر ، ولابد في هذا وغيره من صحة العمل . و قد نهى الإسلام عن كل أنواع الزنا ، سراً كان أو جهراً و سواء كان احترافاً أو مجرد نزوة عابرة من حرة أو من أمة ، من مسلمة أو غير مسلمة ، كما نهى أيضاً عن الخطوات التي تسبقه و تؤدي إليه من نحو المخادنة و المصادقة ، و حرم الخضوع بالقول و سفر المرأة بدون محرم وغير ذلك من الأمور التي شرعها الإسلام لصيان الأعراض والأفراد والمجتمعات من هذه الجريمة النكراء.
العفة مطلوبة من الرجال والنساء
لو رجعنا إلى قول الله تعالى: ( محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان ) " سورة المائدة : 5 " لوجدناه قد دعا إلى العفة الرجال كما دعا إليها النساء، قال ابن كثير : كما شرط الإحصان في النساء و هي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال ، و هو أن يكون الرجل محصناً عفيفاً و لذلك قال: " غير مسافحين " و هم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ، ولا متخذي أخدان : أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهم. اهـ.
الزنا كبيرة وهو درجات
لقد ذكر العلماء مراتب متفاوتة للزنا ، فالزنا بأجنبية لا زوج لها عظيم ، و أعظم منه بأجنبية لها زوج و أعظم منه بمحرم ، و زنا الثيب أقبح من البكر بدليل اختلاف حديهما ، و زنا الشيخ لكمال عقله أقبح من زنا الشاب ، و زنا الحر و العالم لكمالهما أقبح من زنا العبد و الجاهل ، و في الحديث: " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم و لهم عذاب أليم : شيخ زان ، و ملك كذاب ، و عائل ( فقير ) مستكبر ". ( رواه مسلم)
و ورد : " إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم و يثبت الجهل و يشرب الخمر و يظهر الزنا ". (رواه البخاري و مسلم).
و المرأة إذا أكرهت على الزنا لا يزول عنها وصف البكر و تنكح بنكاح الحرة العفيفة ، قال تعالى: ( وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور: من الآية33).
المال المكتسب من الزنا
إذا تابت المرأة و عندها أموال اكتسبتها من الزنى فعليها أن تبادر بإخراجها إلا إن احتاجت هذه الأموال فى سداد دين أو نفقة واجبة كما قال ابن تيمية ، و تجوز الصدقة على الزانية لحديث الرجل الذي تصدق بصدقة فوضعها في يد زانية و أصبح الناس يتحدثون تصدق الليلة على زانية ، قال: اللهم لك الحمد على زانية ..... و في بقية الحديث: " أما الزانية فلعلها تستعف بها عن زناها ". (رواه البخاري و مسلم) .
و استحلال الزنا كفر بالله تعالى ، و عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: "يا شباب قريش احفظوا فروجكم لا تزنوا ، من حفظ فرجه فله الجنة ". (رواه البيهقي و الحاكم و قال صحيح على شرط البخاري و مسلم).
و قال المسيح – عليه السلام – " لا يكون البطالون من الحكماء ، ولا يلج ( لا يدخل ) الزناة ملكوت السماء " . و قال أبو هريرة – رضى الله عنه – " من زنى أو شرب الخمر نزع الله منه الإيمان كما يخلع الإنسان القميص من رأسه " . فاللهم طهر القلوب و حصن الفروج و اهدنا سبل السلام و جنبنا الفواحش ما ظهر منها و ما بطن . و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #969
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:26 AM
Parent: #893

مما لا شك فيه أن هناك علاقة وثيقة بين صلاح القلب وفساده، وبين طعام العبد وكسبه، فإن الكسب إذا كان حرامًا وتجرأ العبد على أكل الحرام، فإن القلب يفسد بهذا، ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال: "الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات". عقب بقوله: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب". [البخاري ومسلم].
فالقلب بمثابة الملك، والأعضاء رعيته، وهي تصلح بصلاح الملك، وتفسد بفساده.
قال المناوي: "وأوقع هذا عقب قوله: "الحلال بيِّن" إشعارًا بأن أكل الحلال ينوره ويصلحه، والشُّبَه تقسيه".
التحذير من أكل الحرام:
نهى الشرع المطهر أتباعه عن أكل الحرام، سواء كان هذا المأكول أموالاً وحقوقًا للناس، أو طعامًا حرم الله تناوله، وفي ذلك يقول الله عز وجل: (وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ) [البقرة:188].
وقد جاء في تفسيرها عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: "هذا في الرجل يكون عليه مالٌ وليس عليه فيه بينة، فيجحد المال ويخاصمهم إلى الحكام، وهو يعرف أن الحق عليه، وقد علم أنه آثم، آكل حرام".
وقال قتادة رحمه الله :اعلم يا ابن آدم أن قضاء القاضي لا يحل لك حراما ، ولا يحق لك باطلا ، وإنما يقضي القاضي بنحو ما يرى وتشهد به الشهود ، والقاضي بشر يخطىء ويصيب، واعلموا أن من قضي له بباطل أن خصومته لم تنقض حتى يجمع الله بينهما يوم القيامة فيقضي على المبطل للمحق بأجود مما قضي به للمبطل على المحق في الدنيا.
أكل أموال اليتامى ظلما
تتعدد صور أكل الحرام ومن أعظمها وأشدها أكل أموال اليتامى ظلما ، وقد حرم الله ذلك أشد التحريم فقال عز وجل: (وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللّهِ حَسِيبًا) [النساء:6].
قال الشيخ السعدي – رحمه الله – في تفسيرها: "أي (ولا تأكلوها) في حال صغرهم التي لا يمكنهم فيها أخذها منكم، ولا منعكم من أكلها، تبادرون بذلك أن يكبروا، فيأخذوها منكم ويمنعوكم منها. وهذا من الأمور الواقعة من كثير من الأولياء الذين ليس عندهم خوف من الله ولا رحمة ومحبة للمولى عليهم، يرون هذه الحال فرصة فيغتنمونها ويتعجلون ما حرم الله عليهم، فنهى الله عن هذه الحالة بخصوصها"اهـ.
ومما يشيب له الولدان الترهيب الشديد الذي أتى بعد ذلك لمن أكل مال اليتيم ظلمًا: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على الخير لأمته، ودرأ الشر عنها فقد حذر من أكل الحرام ، ومنه أكل مال اليتيم: "اجتنبوا السبع الموبقات". وذكر منها: "أكل مال اليتيم". (البخاري ومسلم).
أكل الربا
ومن صور الحرام التي استهان كثير من الناس بها وتجرأوا عليها أكل الربا الذي حرمه الله ورسوله: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) [البقرة: 275]. وقال ناهيًا عن أكل الربا ومحذرًا من عقوبته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ) [البقرة:278، 279].
فمن يطيق حرب الله تعالى؟!
ثم إن الله تعالى بيَّن في كتابه الكريم أن الربا مصيره إلى الدمار والهلاك: (يَمْحَقُ اللّهُ الْرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) [البقرة:276]. وأكل الربا عدَّه النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات.
إن صور أكل الحرام كثيرة، منها: السرقة، والرشوة، والميسر، والغصب، والغش، والغلول، والغبن الفاحش في البيع والشراء.
وليس غرضنا في هذه العجالة الكلام عن كل واحدة منها بالتفصيل، إنما القصد التحذير من أكل الحرام في الجملة.
أكل الحرام والدعاء
إن لطيب المطعم أو خبثه أثرًا مباشرًا في قبول الدعاء، فإن كان العبد يتحرى أكل الحلال الطيب فإن دعاءه أقرب إلى القبول والإجابة، أما إن تجرأ على أكل الحرام فإنه يضع بذلك الحواجز والعوائق بين دعائه وبين الإجابة والقبول.
وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيبًا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) [المؤمنون: 51]. وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [البقرة: 127]. ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب! يا رب! ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنَّى يستجاب لذلك؟"[رواه مسلم].
وقال الإمام ابن كثير – رحمه الله – "والأكل من الحلال سبب لتقبل الدعاء والعبادة، كما أن الأكل من الحرام يمنع قبول الدعاء والعبادة".
ويقول العلامة ابن رجب – رحمه الله -: "أكل الحرام وشربه ولبسه والتغذي به سبب موجب لعدم إجابة الدعاء".
نعم؛ إن مما لا شك فيه أن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، بل قد يمنع من قبول العبادة، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه: "لا يقبل الله صلاة امرئ في جوفه حرام".
ويقول ابن رجب – رحمه الله -: "فإذا كان الأكل غير حلال فكيف يكون العمل مقبولاً؟".
وقال وهب بن الورد: "لو قمتَ مقام هذه السارية لم ينفعك شيء حتى تنظر ما يدخل في بطنك حلال أو حرام".
إنه لحريٌّ بالعبد أن يوقن أن الدنيا ليست نهاية المطاف، وأنه إن فاز بشيء حرام منها فإن هناك داراً أخرى سيوقف فيها للحساب، وليس هناك ثمة دينار ولا درهم، إنما هي الحسنات والسيئات، فليتق الله كلُّ واحد منا وليطب مطعمه.
وفقنا الله جميعًا للحلال الطيب، وجنبنا والمسلمين كل خبيث وحرام.
ماهر السيد

Post: #970
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:27 AM
Parent: #893

شهادة الزور
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه . أما بعد:

فشهادة الزور سبب لزرع الأحقاد و الضغائن في القلوب ، لأن فيها ضياع حقوق الناس و ظلمهم و طمس معالم العدل و الإنصاف ، و من شأنها أن تعين الظالم على ظلمه و تعطي الحق لغير مستحقه ، و تقوض أركان الأمن ، و تعصف بالمجتمع و تدمره .

النهي عن شهادة الزور في الكتاب والسنة

نظرا لما لشهادة الزور من أضرار ومخاطر على الأفراد والمجتمعات فقد ورد ذمها في كتاب الله و في سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم.

يقول الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72).

و يقول: ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) (الحج: من الآية30). ويقول : (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً ) (المجادلة: من الآية2).

وعن أبي بكر – رضي الله عنه – قال : قال النبي صلى الله عليه و سلم : " ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ( ثلاثاً ) ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : الإشراك بالله و عقوق الوالدين و جلس وكان متكئاً فقال : ألا و قول الزور " قال : فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ". رواه البخاري و مسلم ، قال ابن حجر في قوله: " و جلس و كان متكئاً " يشعر بأنه اهتم بذلك حتى جلس بعد أن كان متكئاً ، و يفيد ذلك تأكيد تحريم الزور وعظم قبحه ، و سبب الاهتمام بذلك كون قول الزور أو شهادة الزور أسهل وقوعاً على الناس ، و التهاون بها أكثر ، فإن الإشراك ينبو عنه قلب المسلم ، و العقوق يصرف عنه الطبع ، و أما الزور فالحوامل عليه كثيرة ، كالعداوة و الحسد وغيرها ، فاحتيج للاهتمام بتعظيمه و ليس ذلك لعظمها بالنسبة إلى ما ذكر معها من الإشراك قطعاً ، بل لكون مفسدة الزور متعدية إلى غير الشاهد بخلاف الشرك فإن مفسدته قاصرة غالباً.

بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من الزور وقوله والعمل به حتى قال: " من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه". رواه البخاري.

على أبواب المحاكم

لقد بلغت الاستهانة و قلة التقوى بالبعض أنه كان يقف بأبواب المحاكم مستعداً لشهادة الزور رجاء قروش معدودة بحيث تحولت الشهادة عن وظيفتها فأصبحت سنداً للباطل و مضللة للقضاء ، و يستعان بها على الإثم و البغي و العدوان ، و في الحديث: " من لم يدع قول الزور و العمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه و شرابه ". رواه البخاري ، و قال عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه - : تعدل شهادة الزور بالشرك وقرأ: ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان و اجتنبوا قول الزور). و عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال : قدم رجل من العراق على عمر بن الخطاب – رضي الله عنه فقال : جئتك لأمر ماله رأس ولا ذنب ( ذيل ) فقال عمر : و ما ذاك ؟ قال : شهادة الزور ظهرت بأرضنا ، قال : و قد كان ذلك ؟ قال : نعم ، فقال عمر بن الخطاب : و الله لا يؤسر ( لا يحبس ) رجل في الإسلام بغير العدول .

فشهادة الزور نوع خطير من الكذب ، شديد القبح سيئ الأثر ، يتوصل بها إلى الباطل من إتلاف نفس أو أخذ مال أو تحليل حرام أو تحريم حلال ، و قد حكى البعض الإجماع على أن شهادة الزور كبيرة من الكبائر. ولا فرق بين أن يكون المشهود به قليلاً أو كثيراً فضلاً عن هذه المفسدة القبيحة الشنيعة جداً ، ولا يحل قبولها و بناء الأحكام عليها و لذلك قالوا : فتوى المفتي و حكم الحاكم و قضاء القاضي لا تجعل الحرام حلالاً ولا الحلال حراماً ، و القاضي إنما يحكم على نحو ما يسمع ، فمن قضي له بحق أخيه فلا يأخذه ، إنما قضي له بقطعة من النار يترتب عليها سخط الجبار ، و الأمور كلها على ما عند الله، وعند الله يجتمع الخصوم: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الانبياء:47).

من معاني الزور

على الرغم من خطورة اقتطاع حقوق الناس بشهادة الزور إلا أن لها معاني أخر لا تقل في خطورتها ، فالزور هو الشرك على قول الضحاك و ابن زيد ، و قال مجاهد هو الغناء ، و قال ابن جريج : هو الكذب ، أو هو أعياد المشركين ، و قال قتادة : هو مجالس الباطل ، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – في قوله تعالى: ( و اجتنبوا قول الزور ) يعني : الافتراء على الله و التكذيب ، و قال الطبري : و اتقوا قول الكذب و الفرية على الله بقولكم في الآلهة: ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) " سورة الزمر : 3 " و قولكم للملائكة هي بنات الله و نحو ذلك من القول فإن ذلك كذب و زور و شرك. و قال ابن كثير : أي اجتنبوا الرجس الذي هو الأوثان ، و قرن الشرك بالله بقول الزور كقوله: ( قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها و ما بطن و الإثم و البغي بغير الحق و أن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً و أن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) " سورة الأعراف : 33 " ومنه شهادة الزور . و عن عائشة – رضي الله عنها – أن امرأة قالت : يا رسول الله أقول : إن زوجي أعطاني ما لم يعطني ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " المتشبع بما لم يعط كلابس ثوبي زور " رواه البخاري و مسلم ، و هكذا فالزور عبارة عن وصف الشئ على خلاف ما هو عليه فعلا ، و هو من جملة الكذب الذي قد سوي و حسن في الظاهر ليحسب أنه صدق .

من ضيع أوامر الله فليس عدلا

لقد رد الشرع المطهر شهادة الفاسق و شهادة الخائن و الخائنة والزاني و الزانية ومن على شاكلتهم ؛ لأن من عرف بتضييع أوامر الله أو ركوب ما نهى الله عنه فلا يكون عدلاً .

فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رد شهادة الخائن والخائنة، وذي الغمر على أخيه، ورد شهادة القانع ( السائل المستطعم أو الخادم ) لأهل البيت، وأجازها لغيرهم".( رواه أبو داود وحسنه الألباني). فمن خان في الدين والمال و الأمانات لا يصح قبول شهادته ، و في الحديث :" خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ، ثم يجئ أقوام تسبق شهادة أحدهم يمينه و يمينه شهادته " .قال إبراهيم : و كانوا يضربوننا على الشهادة و العهد ".( رواه البخاري ومسلم) .

و إذا كانت الشهادة بالزور مذمومة ينأى عنها كل من كان له قلب أو ألقى السمع و هو شهيد فشهادة الحق محمودة ، و لذلك قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقِيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:135). وقال عز من قائل: ( إلا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (الزخرف: من الآية86).

فنسأله سبحانه أن يجعلنا من الشهداء بالحق القائمين بالقسط إنه سبحانه ولي ذلك و القادر عليه .

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

د/ سعيد عبد العظيم

Post: #971
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:29 AM
Parent: #893

التناصر بين المؤمنين
جاء الإسلام والناس متفرقون شيعًا وأحزابًا وقبائل، فجمع الله به الناس، وألَّف به بين قلوبهم: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً ) (آل عمران: من الآية103).

وقد ربَّى الإسلام أبناءه على استشعار أنهم أفراد في مجموعة وأنهم أجزاء من هذه الجماعة الكبيرة، فالمسلم بشعوره أنه جزء من الجماعة يحب للأجزاء الأخرى مثل ما يحب لنفسه.

إن انتماء المسلم للجماعة يترتب عليه حقوق وواجبات، ومن أعظمها واجب التناصر بين المسلمين.

أهمية التناصر في حياة الأمة:

للتناصر أهمية عظمى في حياة الأمة، وبدونه يصبح المجتمع الإسلامي مكشوفًا أمام أعدائه مُعَرَّضًا للهزيمة وعلى العكس من ذلك؛ فإن التزام أبناء المجتمع بنصر الله من ناحية ونصرة بعضهم البعض من ناحية أخرى يؤدي حتمًا إلى فوز المسلمين بكل خير، وظهورهم على عدوهم تحقيقًا لوعد الله عز وجل: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ) [الحـج:40].

أما نصر المسلم ربَّه عز وجل فيكون بالعمل بطاعته وحفظ حدوده والبعد عن معاصيه.

وأما نصر المسلم لأخيه المسلم فيكون بتقديم العون له متى احتاج إليه، ودفع الظلم عنه إن كان مظلومًا، وردعه عن الظلم إن كان ظالمًا تحقيقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انصر أخاك ظالمًا أو مظلومًا" فقال رجل: يا رسول الله! أنصره إن كان مظلومًا، أرأيت إن كان ظالمًا كيف أنصره؟ قال: "تحجزه أو تمنعه من الظلم، فإن ذلك نصره". [رواه البخاري].

معنى جديد للنصرة:

إننا نلمس من الحديث السابق أنه قد أضاف معنىً جديدًا للنصرة، وهو نصرة الأخ الظالم، فبيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم أن نصرة الظالم تكون بحجزه عن الظلم ومنعه منه، وهذا هو النصر الحقيقي له، لا معونته على ظلمه؛ لأن حجزه عن الظلم ومنعه منه نصرٌ له على نفسه الأمارة بالسوء، وأهوائها الجانحة عن سبيل الحق.

وهو نصرٌ له على وساوس شياطين الإنس والجن وتسويلاتهم، وفي هذا إنقاذ له من عقاب الله وعذابه، وإنقاذ له من الوقوع في شباك الجريمة وخساستها، وحماية له من دنس الإثم والعدوان.

لا للعصبية الجاهلية:

لقد كان المفهوم السائد للنصرة في الجاهلية هو التناصر القبلي أو العائلي بالحق وبالباطل، فمتى ثارت الخلافات بين فردين تولت كل قبيلة نصرة من ينتمي إليها ولو كان ظالمًا معتديًا. لكن لما جاء الإسلام ألغى هذا المفهوم العصبي الذي يتنافى مع أوليات الأسس التي تقوم عليها مكارم الأخلاق، وأحل محله المفهوم الأخلاقي الكريم الذي يتمثل في نصرة المظلوم على الظالم ولو كان المظلوم بعيدًا وكان الظالم من ذوي القربى.

هذا المفهوم السامي للتناصر في الإسلام نجده في نصوص كثيرة، منها قوله تعالى: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام:152]. وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ) [المائدة:8]. وغيرها من آيات الكتاب العزيز.

وكان مما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أمته نصر المظلوم بغض النظر عن لونه وجنسه، قال البراء بن عازب رضي الله عنه: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع. أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وتشميت العاطس، وإبرار القسم أو المقسم، ونصر المظلوم..." .الحديث [رواه البخاري ومسلم].

وأوضح الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم أن رابطة الأخوة هي التي تجمع بين المسلم وغيره من المسلمين، وأن من لوازمها التناصر: "كل مسلم على مسلم محرَّم، أخوان نصيران.." (أي ينصر كل منهما الآخر). [رواه النسائي وابن حبان وحسنه الألباني].

ويشحذ همم المسلمين ويحثهم على نصرة المظلوم مبينًا أن الجزاء سيكون من جنس العمل: "ما من امرئ يخذل امرءا مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا خذله الله تعالى في موطن يحب فيه نصرته، وما من أحد ينصر مسلما في موطن ينتقص فيه من عرضه، وينتهك فيه من حرمته، إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته". [رواه أحمد وحسنه الألباني].

الرسول صلى الله عليه وسلم ينصر المظلوم:

كان من شروط صلح الحديبية أن من أراد أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده فليدخل، ومن أراد أن يدخل في عهد قريش فليدخل، فدخلت بنو بكر في عهد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بين بني بكر وخزاعة حروب في الجاهلية، فلما كانت الهدنة خرج نوفل بن معاوية (من بني بكر) ومعه جماعة من قومه فأتوا خزاعة ليلاً فأصابوا رجلاً من خزاعة يقال له منبه، واستيقظت لهم خزاعة فاقتتلوا، وأمدت قريش بني بكر بالسلاح وقاتل بعضهم معهم ليلاً، فلما انقضت الحرب خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد فقال:

يا ربِّ إني ناشـدٌ محمــدًا.. ... ..حِلْفَ أبينـا وأبيه الأتلـدا

فانصر هداك الله نصرًا أيِّـدا.. ... ..وادع عبـادَ الله يأتوا مددًا

إن قريشًا أخلفـوك الموعـدا.. ... ..ونقضوا ميثـاقك المؤكَّدا

هُمْ بيتـونا بالوتـير هُجَّـدًا.. ... ..وقتَّلـونا ركَّعـًا وسُجَّدا

وزعموا أن لستُ أدعو أحدًا.. ... ..وهم أذلُّ وأقــلُّ عـددا

قال ابن إسحاق: فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نُصِرْتَ يا عمرو بن سالم". فكان ذلك ما هاج فتح مكة.[فتح الباري 7/592].

الصالحون يتواصون بنصرة المظلوم:

لما ضرب ابن ملجم – لعنه الله – عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه دخل بيته فدعا الحسن والحسين رضي الله عنهما فكان من وصيته لهما: وكونا للظالم خَصْمًا، وللمظلوم عَوْنًا.

ودخل أبو بكر الطَّرطوشي – رحمه الله على الأفضل بن أمير الجيوش وهو أمير على مصر فوعظه ونصحه ومن ذلك أنه قال له: فافتح الباب، وسهِّل الحجاب، وانصر المظلوم، وأغث اللهوف أعانك الله على نصر المظلوم، وجعلك كهفًا للملهوف، وأمانًا للخائف.

وأخيرًا فإن الأخذ بيد المظلوم، والضرب على يد الظالم ـ مع مراعاة الأحوال ومعرفة فقه التغيير والرجوع إلى أهل العلم ـ يؤدي إلى نجاة المجتمع بأسره ووصوله إلى برِّ الأمان.
ماهر السيد

Post: #972
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:31 AM
Parent: #893

التهور و الاندفاع
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه . أما بعد:.

فالتأني والحلم والرفق والوقار ومجاهدة النفس دليل رجاحة العقل واتزان النفس وعلي العكس و النقيض فإن التهور و الاندفاع و الطيش والهوي و السفه و العجلة دليل خفة العقل وجهالة النفس ، وقد يظهر ذلك في سرعة الغضب من يسير الأمور، والمبادرة بالطيش، و الإيقاع بالمؤذي، و السرف في العقوبة ، وإظهار الجزع من أدني ضرر، والسب الفاحش، أو استعمال العبد قواه فيما لا ينبغي وكما لا ينبغي ، والتهور خلق مستقبح من كل أحد إلا أنه من الملوك و الرؤساء أقبح ، وعلى هذا فإذا ترتب على الطيش محرم كان محرماً و إذا ترتب عليه مكروه كان مكروهاً ، وهو على كل حال مستقبح وفي كل وقت مسترذل ، فكم من اندفاعة في غير موضعها أورثت حزناً طويلا ،ً وكم من قول أو فعل متهور طائش أهلك صاحبه وحرمه النجاة وألقي به في عداد الظلمة الفسقة . ومن ذلك إساءة الظن بالمسلمين وعدم التثبت في نقل الأخبار و إشاعة الاتهام في حق الأبرياء دون بينة أوضح من شمس النهار ، قال تعالي : (إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ) (النور:15).

وفي صحيح مسلم " أن المسيح عليه السلام – رأي رجلاً يسرق فقال : سرقت ، فقال الرجل : والله ما سرقت ، فقال المسيح: آمنت بالله وكذبت عيني ". ومن ذلك التهور في تكفير المسلمين الذين ورثوا الإسلام و جهلوا معانيه بزعم التحاكم للطاغوت وغير ذلك من شبهات غلاة التكفير ، ومن المعلوم أن الإنسان متي خرج من الملة لا يصلى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين ولا يورث و يفسخ عقده مع امرأته و يفقد ولايته على أولاده .... إلى غير ذلك من الأمور التي تدعو إلى التثبت و السعي في درء الشبهات و إقامة الحجة الرسالية التي يكفر مخالفها على يد عالم أو ذي سلطان مطاع .

من صور التهور

ومن ذلك التهور في إيقاع الطلاق مع الاستثارة أو وقت الانفعال و الغضب ثم الندم بعد فوات الأوان و تخريب البيوت وتشريد الأولاد ، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون مراعاة الضوابط الشرعية ، فتجد من ينصب نفسه قاضياً وجلاداً ومجنياً عليه في نفس الوقت ، ومن يتصرف كأنه دولة داخل دولة فيقيم الحدود الشرعية بلا ضابط ولا رابط مع كثرة الشبهات وواقع الغربة وانجرار المفاسد الكبيرة من وراء ذلك . والثالث قد يكسر عضوا أو يقبح أو يضرب الوجه بزعم أن الزوجة أو الولد ارتكب كذا أو صنع كذا و كأن الغاية تبرر الوسيلة ، والرابع قد يهدم قبراً مشرفاً ويعاد بناؤه في نفس اليوم وينسب من فعل ذلك لانتهاك حرمة الموتى ، ويتعدى الأذى إلى الأبرياء من الأهل والإخوان و الأصدقاء ، وقد تستثمر هذه السلوكيات في التنفير من الدعوة وفي الصد عن سبيل الله ، وبالجملة فصور التهور والاندفاع كثيرة ومن شانها أن تستجلب المضرة والمفسدة وتفوت المصلحة ، وفي الحديث : " إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ، ما لا يعطي على الخرق ، وإذا أحب الله عبداً أعطاه الرفق ، وما من أهل بيت يحرمون الرفق إلا حرموا ". (رواه الطبراني). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " التأني من الله والعجلة من الشيطان ، وما أحد اكثر معاذير من الله ".( رواه البيهقي، و حسنه الألباني) ، وورد في الحديث: " يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان ( صغار ) سفهاء الأحلام ( ضعفاء العقول ) يقولون من قول خير البرية ، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ". ( رواه البخاري) . وقد ظهر الخوارج بهذه الصفات وقاتلهم علي رضي الله عنه .

السلف يحذرون من التهور:

و لما اشتكى بعض الرعية من عمال عمر ، فأمرهم أن يوافوه ، فلما أتوه قام ، فحمد الله و أثنى عليه ، قال : " أيها الناس ، أيتها الرعية ، إن لنا عليكم حقاً ، النصيحة بالغيب و المعاونة على الخير ، أيها الرعاة إن للرعية عليكم حقا فاعلموا أنه لا شئ أحب إلى الله ولا أعز من حلم إمام و رفقه ، و ليس جهل أبغض إلى الله ولا أغم من جهل إمام و خرقه ".

و قال أبو منصور : "الأناة حصن السلامة، والعجلة مفتاح الندامة ". و قال : " التأني مع الخيبة خير من التهور مع النجاح " .و قال " السباب مظنة الجهل و مطية الذنوب ".

فالتهور والاندفاع قريب من الشباب و صغر السن وبسبب الجهل الملازم لهذه المرحلة في الأعم الأغلب ، و لذلك قالوا : تفقهوا قبل أن ترأسوا ، و قالوا : تفقهوا قبل أن تسودوا، و كان ابن مسعود – رضي الله عنه – يقول لأهل زمانه : "أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر ، و سيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف المتثبت لكثرة الشبهات ". فالإنسان طبعه العجلة " : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً) (الإسراء: من الآية11) . فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير، و يؤثر العاجل و إن قل على الآجل و إن جل ، و قد يفعل الشيء قبل وقته اللائق ، و لذلك ذمت العجلة التي هي من مقتضيات الشهوة في جميع القرآن حتى قيل : العجلة من الشيطان ، بعكس ما كان في طلب الآخرة فهو محمود ، قال تعالى عن نبيه موسى: ( وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى) (طـه: من الآية84). و قال عمر بن الخطاب : "التروي في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة ". و قد عد الحافظ ابن حجرالعجلة و ترك التثبت في الأمور من الكبائر و جاء في الحديث " العجلة من الشيطان " لأن عندها يروج شره على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل و تروى عند الإقدام على عمل يريده فإنه تحصل له بصيرة به و متى لم تحصل تلك البصيرة فلا ينبغي الاستعجال بل حتى فيما يتعلق بالصالحات فالعجلة تفوت قدراً من الأجر و الثواب ، و لذلك قالوا : رحم الله عبداً وقف مع أول همه فإن كان لله أمضاه و إن كان لغيره توقف ، و العجلة دليل على عدم تقدير الأمور و الجهل بحقائقها ، يوضح ذلك قوله تعالى: (أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ). (الشعراء:204).وقوله : (يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ) (العنكبوت:54). وقوله : (أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) (النحل:1)

. و عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل ، يقول : دعوت فلم يستجب لي ". ( رواه البخاري و مسلم) و في حديث أم زرع قالت الثالثة : " زوجي العشنق ( طول بلا نفع ) إن أنطق أطلق ( إن ذكرت عيوبه طلقها لطيشه ) و إن أسكت أعلق ( تركها لا عزباء ولا مزوجة ) ..." الحديث، (رواه البخاري و مسلم). وقال الحسن بن علي – رضي الله عنهما - : اعلموا أن الحلم زينة ،والوفاء مروءة ، والعجلة سفه ، و السفر ضعف، ومجالسة أهل الدناءة شين، و مخالطة أهل الفسق ريبة ". و قالوا : لا يستحق أحد اسم الرئاسة حتى يكون فيه ثلاثة أشياء : العقل و العلم و المنطق، ثم يتعرى عن ستة أشياء : عن الحدة و العجلة و الحسد و الهوى والكذب و ترك المشورة . و عاب مالك العجلة في الأمور و قال : قرأ ابن عمر البقرة في ثمان سنين ( بمعنى أنه جمع فيها العلم و العمل معاً كما هو منهج الصحابة رضي الله عنهم ) و قال أيضاً : العجلة نوع من الجهل . و قال أبو حاتم : العجلة تكون من الحدة ، و صاحب العجلة إن أصاب فرصته لم يكن محموداً ، و إن أخطأها كان مذموماً ، و العَجِل لا يسير إلا مناكباً للقصد ، منحرفاً عن الجادة ، يلتمس ما هو أنكد وأوعر وأخفى مساراً ، يحكم حكم الورهاء ( الحمق ) يناسب أخلاق النساء ، وإن العجلة موكل بها الندم ، و ما عجل أحد إلا اكتسب ندامة واستفاد مذمة ؛ لأن الزلل مع العجل ، ولا يكون المذموم محموداً أبداً . و في وصية الخطاب ابن المعلى المخزومي القرشي لابنه قال فيها : يا بني عليك بتقوى الله و طاعته و تجنب محارمه باتباع سنته و معالمه حتى تصحح عيوبك ، و تقر عينك ، فإنها لا تخفى على الله خافية ، و إني قد وسمت لك وسماً ، إن أنت حفظته ووعيته وعملت به ملأت عين الملوك و انقاد لك به الصعلوك و لم تزل مرتجى مشرفاً يحتاج إليك ، و يرغب إلى ما في يديك ... إلى أن قال : والعجلة شؤم و سوء التدبير وهن.

فالحذر الحذر من التهور و الاندفاع فهو دليل على السفه و ضعف العقل ، و يتسبب في كثرة الزلل و الوقوع في الخطأ ، و صاحبه محروم من السيادة و مواقع القيادة والريادة ، يجلب لنفسه الضرر ، و يوقعها في مواضع الندم ، حيث لا ينفع الندم ، فلابد من وقفة تريث و تمهل و تثبت لنكون على بصيرة من أمرنا و أمر الناس حتى تُستوضح مواضع الأقدام و تحمد العاقبة .

و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د/سعيد عبد العظيم

Post: #973
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:33 AM
Parent: #893

التعاون شعار المؤمنين
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه من والاه . أما بعد:
فالإنسان بطبعه كائن اجتماعي ، يميل للاجتماع بغيره لقضاء مصالحه و نيل مطالبه التي لا تتم إلا بالتعاون مع غيره و أن يكون فرداً من جماعة ، فمصلحة النفس و المسجد و الأمة ...وغيرها من المصالح لا تتم إلا بالتعاون على البر و التقوى ، بل السهم الواحد يدخل به الجنة ثلاثة ـ فإذا لم يصنعه الأول و لم يعده الثانى ، لن يجد الثالث ما يرمي به ، و لذلك كان لابد من عمل الفريق لتحقيق الهدف و الوصول إلى المقصود ، و لو نظرنا إلى النمل و النحل لوجدنا أن الأمر لا يختلف ، فلكي نستخلص العسل من الخلية رأينا توزيع الأدوار بين النحل ، ملكات و عمال و ذكور و شغالات ، ولا يمكن أن نتحصل على ذلك العسل من عمل الملكات فقط ، وينبغي أن يكون هذا هو شأن المسلم في اجتماعه مع إخوانه ، لا يبالي إن وضعوه في المقدمة أو في الساقة أو في المؤخرة ، فهو يتقن عمله و يخلص الأمر كله لله .

ضعف التعاون .. ضعف في العقل

و قد لوحظ أن الناس إن لم يجمعهم الحق شعَّبهم الباطل ، و إن لم توحدهم عبادة الله مزقتهم عبادة الشيطان ، و إن لم يستهوهم نعيم الآخرة تناطحوا و تنازعوا على متاع الدنيا الزائلة ، وهذه للأسف هي حالة بعضنا اليوم ، فالبعض يضمر العداوة للبعض ، و إن حدث خلاف ذلك فهو مجرد مجاملة عابرة ، و السبب في ذلك ضعف العقل: (تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ) (الحشر: من الآية14).

إن الرابطة التي نصير بها كالجسد الواحد هي رابطة الإسلام ، و بدون ذلك نكون كمثل حالة الجاهلية أو أشر، و في الحديث : " لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض " . (متفق عليه). و رابطة الدين تتلاشى أمامها رابطة النسب و القومية و الوطنية و الحزبية و سائر صور التعصب على الباطل ، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: من الآية103).

تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسرا وإذا افترقن تكسرت آحادا
تربص الأعداء

إننا نمر بمرحلة تستوجب منا أن نكون يداً واحدة على عدو الله و عدونا ، فقوى الشر تتربص بنا الدوائر ، و قد أعلنوها حرباً على الإسلام و أهله ، و هذا هو شأنهم قديماً و حديثاً ، فقد تنادوا يوماً و قالوا (فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى) (طـه:64)

و تعاونهم اليوم من أجل إنفاذ مخططاتهم لا يخفى على أحد . ولا ننكر أن أسباب ضعفنا – التى مكنت الأعداء من رقابنا – كثيرة ، و دواعي فرقتنا الحاضرة عديدة ، و لكن هذا كله لا يمنعنا من الأخذ بالأسباب و الاهتمام بالبدايات فلا نجعل الخلاف بيننا في الأقوال و المذاهب ، و في الملك و السياسات و الأغراض الشخصية حائلاً يحول بيننا و بين تحقيق الأخوة الإيمانية و التعاون على البر و التقوى ، بل نجعل الخلافات كلها تبعاً لهذا الأصل الكبير ، فمصلحة الاجتماع مصلحة كلية و طلب الدين بالوحدة و الألفة و منعه لنا من التفكك يأتى على ذلك أجمع و يقدم على كل شئ ، و هذا شأن من يعظم حرمات الله و يدرك حجم المخاطر التى تمر بها أمته . فالمسلمون تتكافأ دماؤهم و يسعى بذمتهم أدناهم و هم يد على من سواهم ، و في الحديث: " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً و شبك النبى صلى الله عليه و سلم بين أصابعه ". (رواه البخاري و مسلم). و عن أبى هريرة رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، و من يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا و الآخرة و من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا و الآخرة ، و الله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ". (رواه مسلم ). و في الحديث: " ما من امرئ يخذل مسلماً في مواطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا خذله الله في موطن يحب نصرته ، و ما من امرئ ينصر مسلماً في موطن ينتقص فيه من عرضه و ينتهك فيه من حرمته إلا نصره الله في موطن يحب فيه نصرته " (رواه أبو داود وغيره و إسناده حسن). و لما قيل لأنس بن مالك – رضي الله عنه – بلغك أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "لا حِلف في الإسلام" ؟ فقال أنس : قد حالف رسول الله صلى الله عليه و سلم بين قريش و الأنصار في داره " (رواه مسلم) .

حرص السلف على التعاون واجتماع الكلمة

لما أراد البعض قتل عثمان بن عفان – رضي الله عنه – يوم الدار ، جاء عبدالله بن سلام ، فقال له عثمان : ما جاء بك ؟ قال : جئت في نصرك ، قال : اخرج إلى الناس فاطردهم عنى ؛ فإنك خارجاً خير لى منك داخلاً ، فخرج عبد الله إلى الناس و كان مما قال رضي الله عنه : إن لله سيفاً مغموداً عنكم ، و إن الملائكة قد جاورتكم في بلدكم هذا الذى نزل فيه نبيكم ، فالله الله في هذا الرجل أن تقتلوه ، فوالله إن قتلتموه ، لتطردن جيرانكم من الملائكة ولتسلن سيف الله المغمود عنكم فلا يغمد إلى يوم القيامة.

و لما ضرب ابن ملجم الخارجي علياً - رضي الله عنه – دخل منزله فاعترته غشية ثم أفاق فدعا الحسن و الحسين – رضي الله تعالى عنهما – و قال : أوصيكما بتقوى الله تعالى و الرغبة في الآخرة و الزهد في الدنيا ولا تأسفا على شئ فاتكما منها ، فإنكما عنها راحلان ، افعلا الخير و كونا للظالم خصماً و للمظلوم عوناً ، ثم دعا محمداً ولده و قال له : أما سمعت ما أوصيت به أخويك ، قال : بلى ، قال : فإني أوصيك به .

و يحكون أن امرأة صرخت لما وقعت في الأسر وانتهكت حرمتها: وامعتصماه ، و علم بذلك المعتصم فركب فرسه و لم ينتظر و تبعه الجيش يعدو في إثره حتى فتح عمورية ، ثم سأل المعتصم : أين التي تستصرخ؟ ، و من قبل كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه – يتخوف من أن تتعثر شاة بوادي الفرات فيسأل عنها يوم القيامة لِمَ لم يمهد لها الطريق؟ فكيف تخوفه لو تعثر مسلم أو قتل دون وجه حق ؟! و كان أويس بن عامر – سيد سادات التابعين – يعتذر إلى ربه من أن يبيت شبعاناً و في الأرض ذو كبد رطبة جائع .

في زمان الغربة

أما في زمان الغربة فقد بلغ السفه بالبعض مبلغاً جعله يمد يد العون لأعداء الإسلام و المسلمين، بل و يواليهم و يناصرهم بالغالي و الرخيص في الوقت الذي يُرَمِّلون فيه نساءنا ، و ييتمون أطفالنا ، و ينتهكون أعراضنا، و يستولون على بلادنا، ولا يرقبون فينا إلاً ولا ذمة ، فهلا رجع إلى إسلامه و حكَّم شرع ربه ، و كان منه الاهتمام بقضايا المسلمين؟ فمن لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم ، و أمثال هؤلاء نذكرهم بقول الله تعالى: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) (المائدة: من الآية2).

وأخيرا فمن المعلوم أنه لا يتم أمر العباد فيما بينهم ولا تنتظم مصالحهم ولا تجتمع كلمتهم ولا يهابهم عدوهم إلا بالتضامن الإسلامى الذى حقيقته التعاون على البر و التقوى و التكامل و التناصر و التعاطف و التناصح و التواصي بالحق و الصبر عليه ولا شك أن هذا من أهم الواجبات الإسلامية و الفرائض اللازمة . وفق الله الجميع للعمل بهداه و السعي لما فيه صلاح البلاد و العباد .
د/سعيد عبد العظيم

Post: #974
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:35 AM
Parent: #893

الجِدُّ .. طريق الوصول
إن للكون سننًا ونواميس لا يجوز للعبد أن يصادمها أو يخالفها، بل ينبغي أن يراعيها لينعم بحياة طيبة في دنياه وسعادة دائمة في أخراه. ومن سنن الكون أنَّ من جَدَّ وجد ، وأن من تعب قليلاً استراح طويلا ؛ فالمكارم منوطة بالمكاره ، واللذات والكمالات لا تنال إلا بحظ من المشقة:

لولا المشقة ساد الناس كلهم.. .. .. الجود يفقر والإقدام قتال

أما من آثر الراحة وأخلد إلى الأرض فقلَّ أن يفوز بمقصوده:

ومن أراد العُلا عفوًا بلا تعب.. ... ..قضى ولم يقض من إدراكها وَطَرًا

لا يبلغ السؤل إلا بعد مؤلمـة.. ... .. ولا تتـم المــنـى إلا لـمـن صـبــرا

وآخر يقول:

فقل لمرجِّي معالي الأمور.. .. .. بغير اجتهاد: رجوت المحالا

إن حركة الأعمال في هذه الحياة تتوقف على الجد والاجتهاد؛ لذلك كان من الواجب أن ينهض الإنسان للعمل متدثرًا بدثار الجد والاجتهاد والنشاط ، طارحًا ثوب القعود والكسل وراءه ظهريًا ، وإلى هذا يوجه القرآن والسنة ، يقول الله عز وجل: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ) [التوبة:105]. ويقول الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك:15].

ويُعلِّم النبي صلى الله عليه وسلم أمته الجد والاجتهاد بوسائل مختلفة، فتراه صلى الله عليه وسلم يحثهم على التكسب والأكل من عمل اليد: "ما أكل أحدٌ طعامًا قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده".(رواه البخري).

وكذلك يوصي النبي صلى الله عليه وسلم بالجد والاجتهاد وعدم الاستسلام لمشاعر الإحباط واليأس: "احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز". (رواه مسلم).

واستمع إليه صلى الله عليه وسلم وهو يقول: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا يقوم حتى يغرسها، فليغرسها". (رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد). وطمأن أهل الهمة العالية بأن الله عز وجل يمدهم بالمعونة على قدر سمو هممهم: "إن المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤنة".(رواه البزار).

وإن الجد والاجتهاد فيه مشقة وتعب، لكن له لذة وأي لذة، لاسيما حين يرى الجادُّ ثمار تعبه:

بَصُرتُ بالراحة الكبرى فلم أرها.. ... ..تُنال إلا على جسر من التعب

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله:

" وقد أجمع عقلاء كل أمة على أن النعيم لا يُدرك بالنعيم، وأن من آثر الراحة فاتته الراحة، وأنَّ بحسب ركوب الأهوال واحتمال المشاق تكون الفرحة واللذة، فلا فرحة لمن لا همَّ له، ولا لذة لمن لا صبر له، ولا نعيم لمن لا شقاء له، ولا راحة لمن لا تعب له، بل إذا تعب العبد قليلاً استراح طويلاً، وإذا تحمل مشقة الصبر ساعة قاده لحياة الأبد، وكل ما فيه أهل النعيم المقيم فهو صبر ساعة، والله المستعان، ولا قوة إلا بالله.

وكلما كانت النفوس أشرف والهمة أعلى، كان تعب البدن أوفر، وحظه من الراحة أقل، كما قال المتنبي:

وإذا النفوسُ كُنَّ كبارًا.. ... ..تعبت في مرادها الأجسام

وقال ابن الرومي:

قلب يظل على أفكاره ويَدٌ .. ... ..تُمْضِي الأمورَ ونفسٌ لهوها التعَبُ

وقال مسلم في صحيحه: قال يحيى بن أبي كثير: "لا يُنال العلم براحة البدن".

ولا ريب عند كل عاقل أن كمال الراحة بحسب التعب، وكمال النعيم بحسب تحمل المشاق في طريقه، وإنما تخلص الراحة واللذة والنعيم في دار السلام، فأما في هذه الدار فكلا ولَمَّا" ا هـ.( عن:علو الهمة للشيخ محمد بن إسماعيل)

إن العبد الذي يتخذ من الجد شعارًا في حياته لا يعتمد على حسبه ونسبه، ولا يركن إلى الفخر بالآباء والأجداد، إنما يبني لنفسه مجدًا يجمعه إلى مجد الآباء والأجداد. قال عبد الله بن معاوية:

لسنا وإن كَرُمَتْ أوائلنا.. ... ..يومًا على الأحساب نتكل

نبني كمـا كانت أوائلـنا.. ... ..تبني ونفعلُ مثلَ ما فعلـوا

من أقوال الحكماء والعلماء:

قال بعض الحكماء: اجعل الاجتهاد غنيمة صحتك، والعمل فرصة فراغك، فليس كل الزمان مواتيًا لك ولا ما فات مستدركًا.

وقال أحد الأدباء: العمل ترس يقي سهام البلاء ، والجد سيف يقطع أعناق الشقاء.

وقال آخر: لا شيء أحسن من عقل زانه حلم، ومن عمل زانه علم، ومن حلم زانه صدق.

وقال بعض العلماء: هل يجوز في وهم، أو يتمثل في عقل، أو يصح في قياس ، أن يُحصد زرع بغير بذر، أو تُجنى ثمرة بغير غرس، أو يُورى زند بغير قدح، أو يثمر مال بغير طلب؟

وقيل: كل رزق له سبب ومن طلب الأمر وجَدَّ وجد.

وما أحسن قول أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

لا يقعدن أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم ارزقني ، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة ، والله تعالى إنما يرزق الناس بعضهم من بعض.

فشمر عن ساعد الجد واترك التواني فإن( أمتك المسلمة تنتظر منك جذبة عمرية توقد في قلبها مصباح الهمة في ديجور هذه الغفلة المدلهمة ، وتنتظر منك صيحة أيوبية تغرس بذرة الأمل في بيداء اليأس ، وعلى قدر المؤنة تأتي من الله المعونة ، فاستعن بالله ولا تعجز ).
إسلام ويب

Post: #975
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:37 AM
Parent: #893

الاقتصاد سبيل النجاة
إن الله تعالى خلق الإنسان وتكفل برزقه؛ قال عز وجل: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22] ، وقال تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [هود:6].

ومن طبيعة البشر أنهم إذا وُسِّع عليهم في الرزق بالغوا في النفقة بما يصل بهم إلى حد الإسراف. وقد بيَّن الله عز وجل أن هذه هي طبيعة الإنسان؛ فقال: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) [الشورى:27]، وقال: (كَلاَّ إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6، 7].

ولما كانت شريعة الإسلام قد أتت بكل ما يصلح العبد ويضمن له السعادة في الدارين فقد أمرت هذه الشريعة السمحاء أبناءها بالقصد في الأمور كلها، ومنها أمر النفقة.

معنى الاقتصاد:

إننا نقصد به التوسط بين آفتين عظيمتين هما التقتير والتبذير، فلا يكون العبد ممسكًا بخيلاً على نفسه وأهله، مانعًا الإحسان عمَّن يحتاج إليه، ولا يكون مبذرًا مسرفًا مضيعًا ما أنعم الله به عليه من نعمة المال في غير حقه، قال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) [الإسراء:29].

الحث على الاقتصاد في القرآن والسنة:

نظرًا لأن هذه الشريعة لا تصادم الفطرة السوية فقد لبت حاجات الناس التي لابد لهم منها، وأباحت الانتفاع بالطيبات والتوسعة على النفس والأهل، بل والناس كذلك لكن من غير إسرافٍ ولا تبذير، قال الله تعالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسرافٍ ولا مَخْيَلَة".

إن دعوتنا إلى الاقتصاد في المعيشة والنفقة ليست دعوة إلى تحريم ما أحل الله من الطيبات: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [الأعراف:32]؛ لكنها دعوة إلى التوسط والاعتدال الذي هو سمة هذه الأمة: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً) [البقرة:143].

الاقتصاد طريق النجاة:

نعم إن رسولنا صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن من المنجيات "القصد في الفقر والغنى"، ولهذا نهانا عن إضاعة المال الذي جعله الله لنا لنعف به أنفسنا ونحفظ به وجوهنا ونستغني به عن مد يد الحاجة إلى الناس: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) [النساء:5].

إن الأفراد والدول الذين لا يجدون المال ويعيشون حياة الفقر والحاجة لا يحترمهم الآخرون. وإن من أعظم الوسائل لحفظ هذه النعمة – نعمة المال – الاقتصاد في النفقة والاعتدال في المعيشة. قال بعض العلماء: "ما وقع تبذير في كثير إلا هدمه، ولا دخل تدبير في قليل إلا ثمَّره" (يعني نمَّاه).

إن الاستغناء عن الناس يحفظ على العبد دينه وعزته كما قال جبريل عليه السلام للنبي صلى الله عليه وسلم: "واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس". ولا يكون هذا إلا بالاقتصاد:

أنفق بقدر ما استفـدت ولا.. ... ..تسرف وعش فيه عيش مقتصد

من كان فيما استفاد مقتصدًا.. ... ..لم يفتقـــر بعـدها إلى أحد

عناية السلف بالأموال:

لما علم الأسلاف رضي الله عنهم قيمة الاقتصاد وجدناهم – رغم زهدهم في الدنيا – حريصين على القصد في النفقة وعدم إهدار الأموال التي رزقهم الله إياها.

يقول أبو بكر رضي الله عنه: إني لأبغض أهل بيتٍ ينفقون رزق أيام في يوم واحد".

وقال عمر رضي الله عنه: "الخرق في المعيشة أخوف عندي عليكم من العوز، لا يقلُّ شيء مع الإصلاح، ولا يبقى شيء مع الفساد".

ورأى أبو الدرداء حَبًّا منثورًا في غرفة له، فالتقطه وقال: "إن من فقه الرجل رفقه بمعيشته".

ولما أتى قومٌ – عليهم الدية – أتوا قيس بن عباية – وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – يسألونه أن يعينهم، فوجدوه في بستان له يتتبع ما يسقط من الثمار فيعزل الجيد والردئ، حتى إذا فرغ كلموه في حاجتهم، فبذل لهم ما أرادوا، فقال بعضهم: صنيعك هذا (يقصدون الصدقة) منافٍ لترقيع عيشك. فقال: "بما رأيتم من فعلي أمكنني أن أقضي حاجتكم".

وقال بعض الأدباء: "من ربَّى ولده على الاقتصاد أفاده أكثر ممن يخلف له ثروة وفيرة".

حال الأمة يستدعي مزيدًا من الاقتصاد:

لو لم يكن ديننا يدعونا إلى الاقتصاد في النفقة والمعيشة، لكان حال المسلمين المشردين المحرومين في كثير من بقاع الأرض دافعًا إلى ترك الإسراف والأخذ بمبدأ الاقتصاد ليعين المسلم إخوانه المسلمين المحتاجين الذين لا يجدون ما يسد جوعتهم أو يستر عورتهم.

فرَّج الله كربات المسلمين، ورزقنا وإياكم القصد في الفقر والغنى.
ماهر السيد

Post: #976
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:40 AM
Parent: #975

التوبة وظيفة العمر
إن التوبة إلى الله عز وجل هي وظيفة العمر التي لا يستغني عنها المسلم أبدًا، فهو يحتاج إلى التوبة كل يوم ، كيف لا وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر الله ويتوب إليه في اليوم مائة مرة؟!

وقد دعا الله عباده إلى التوبة فقال: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31]. وما من نبي من الأنبياء إلا دعا قومه إلى التوبة، كما قصص الله علينا ذلك في كتابه الكريم في مواضع متفرقة من كتابه.

معنى التوبة:

التوبة في اللغة تدل على الرجوع؛ قال ابن منظور: أصل تاب عاد إلى الله ورجع. ومعنى تاب الله عليه: أي عاد عليه بالمغفرة.

والتواب بالنسبة إلى الله تعني كثرة قبوله التوبة عن عباده، أما بالنسبة للعبد: فهو العبد كثير التوبة.

والمعنى الاصطلاحي قريب من المعنى السابق.

شروط التوبة الصحيحة:

ذكر العلماء للتوبة الصحيحة شروطًا ينبغي أن تتوفر وهي:

أولاً: الإقلاع عن الذنب: فيترك التائب الذنب الذي أراد التوبة منه باختياره، سواء كان هذا الذنب من الكبائر أم من الصغائر.

ثانيًا: الندم على الذنب: بمعنى أن يندم التائب على فعلته التي كان وقع فيها ويشعر بالحزن والأسف كلما ذكرها.

ثالثًا: العزم على عدم العودة إلى الذنب: وهو شرط مرتبط بنية التائب، وهو بمثابة عهد يقطعه على نفسه بعدم الرجوع إلى الذنب.

رابعًا: التحلل من حقوق الناس: وهذا إذا كان الذنب متعلقًا بحقوق الناس، فلابد أن يعيد الحق لأصحابه، أو يطلب منهم المسامحة.

إلى متى تصح التوبة؟

سؤال يطرح نفسه إلى متى يقبل الله تعالى توبة عبده إذا تاب؟ ويأتي الجواب في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) [النساء:17، 18]. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر"..

ولابد أن تكون التوبة أيضًا قبل طلوع الشمس من مغربها؛ لقوله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً) [الأنعام:158].

التوبة النصوح:

يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً) [التحريم:8]، وقد ذكر العلماء في تفسيرها أنها التي لا عودة بعدها، كما لا يعود اللبن في الضرع. وقيل: هي الخالصة. وقيل: النصوح أن يبغض الذنب الذي أحبه ويستغفر إذا ذكر.

ولا شك أن التوبة النصوح تشمل هذه المعاني كلها، فصاحبها قد وثَّق العزم على عدم العودة إلى الذنب، ولم يُبق على عمله أثرًا من المعصية سرًا أو جهرًا، وهذه هي التوبة التي تورث صاحبها الفلاح عاجلاً وآجلاً.

أقبل فإن الله يحب التائبين:

ليس شيءٌ أحب إلى الله تعالى من الرحمة، من أجل ذلك فتح لعباده أبواب التوبة ودعاهم للدخول عليه لنيل رحمته ومغفرته، وأخبر أنه ليس فقط يقبل التوبة ممن تاب، بل يحبه ويفرح به: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) [البقرة:222].

وقال المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لله أفرح بتوبة العبد من رجل نزل منزلاً وبه مهلكة، ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فوضع رأسه فنام نومة، فاستيقظ وقد ذهبت راحلته، حتى اشتد عليه الحر والعطش، أو ما شاء الله. قال: أرجع إلى مكاني، فرجع فنام نومة ثم رفع رأسه فإذا راحلته عنده".

لا تيأس فقد دعا إلى التوبة من كان أشد منك جرمًا:

لا تدع لليأس إلى قلبك طريقًا بسبب ذنب وقعت فيه وإن عَظُم، فقد دعا الله إلى التوبة أقوامًا ارتكبوا الفواحش العظام والموبقات الجسام، فهؤلاء قومٌ قتلوا عباده المؤمنين وحرقوهم بالنار، ذكر الله قصتهم في سورة البروج، ومع ذلك دعاهم إلى التوبة: (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) [البروج:10].

وهؤلاء قوم نسبوا إليه الصاحبة والولد فبين كفرهم وضلالهم، ثم دعاهم إلى التوبة: (أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [المائدة:74].

وهذه امرأة زنت فحملت من الزنا لكنها تابت وأتت النبي صلى الله عليه وسلم معلنة توبتها، طالبة تطهيرها، فلما رجمها المسلمون قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لقد تابت توبة لو قُسمت على سبعين من أهل المدينة لوسعتهم".

واستمع معي إلى هذا النداء الرباني الذي يفيض رحمة: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].

فماذا تنتظر بعد هذا؟ فقط أقلع واندم واعزم على عدم العودة، واطرق باب مولاك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ) [ البقرة:186]. أذرف دموع الندم، واعترف بين يدي مولاك، وعاهده على سلوك سبيل الطاعة، وقل كما قال القائل:

أنا العبــد الــذي كسب الذنوبا و صـدتــه الأمـاني أن يتـوبَ

أنا العبــد الذي أضحى حزينــاً علـى زلاتــــه قـلـقـاً كـئيبـــا

أنا العـبد الــذي سطــرت عليه صحـائف لم يخف فيهـا الرقيبا

أنا العبــد المســيء عصيت سراً فمـا لي الآن لا أبــدي النحيـبا

أنا العبــد المفرط ضــاع عمري فلـم أرع الشـبيـبة و المشيــبـا

أنا الـعـبد الغـريـق بلــج بحـر أصيــح لربمــا ألقى مجيـــبــا

أنا العبـد السقيــم من الخطــايا وقــد أقبلـت ألتــمس الطبيبـــا

أنا العبــد المخـلف عـن أنــاس حووا من كل معـروف نصيبـا

أنا العبـد الشــريد ظلمت نفسـي وقـــد وافــيـت بابكــم مـنـيبــا

أنا العبــد الفقــير مـددت كفي إليكـم فادفعــوا عني الخطــوبـا

أنا الغدار كم عاهــدت عهــداً وكنت على الوفــاء به كــذوبـا

أنا المقطوع فارحمـني و صلـني و يسـر منك لي فرجــاً قريبــا

أنا المضطر أرجـو منك عفـواً و من يرجو رضاك فلن يخيبــا

وتذكر قول الله عز وجل: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى) (طـه:82)

ماهر السيد

Post: #977
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:42 AM
Parent: #893

الغيرة خلق الكرام
إن الغيرة خلق كريم جبل عليه الإنسان السوي الذي كرمه ربه وفضله، وقد أعلى الإسلام قدرها وأشاد بذكرها ، ورفع شأنها حتى عد الدفاع عن العرض والغيرة على الحريم جهادا يبذل من أجله الدم ، ويضحى في سبيله بالنفس ، ويجازى فاعله بدرجة الشهيد في الجنة. فعن سعيد بن زيد رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد".

معنى الغيرة:

الغيرة تغير القلب وهيجان الغضب بسبب الإحساس بمشاركة الغير فيما هو حق الإنسان ، و أشد ما يكون ذلك بين الزوجين ، وهذه الغريزة يشترك فيها الرجال والنساء بل قد تكون في النساء أكثر و أشد.

و تتأجج أكثر إذا أحست المرأة بخيانة زوجها أو بتطلعه للأخريات ، وقد تثور تلك الغيرة عند الرجال إذا شك في سلوك زوجته أو أحس بتطلعها إلى الرجال.

حكم الغيرة:

الغيرة في موطنها والاعتدال فيها بالنسبة للرجال و النساء من جملة الأمور المحمودة ، والمعاشرة بالمعروف تقتضي ذلك ، ويجب على كل طرف أن يقدر غيرة صاحبه عليه ، وما من أمر إلا و له طرفان ووسط ، ثبت عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه قال :" إن من الغيرة ما يحب الله و منها ما يبغض الله و إن من الخيلاء ما يحب الله و منها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة و أما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة و أما الخيلاء التي يحبها الله فاختيال الرجل في القتال و اختياله عند الصدقة و أما الخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في البغي و الفخر". (رواه أحمد وغيره وحسنه الألباني)

الغيرة من مظاهر الرجولة:

الغيرة في موضعها مظهر من مظاهر الرجولة الحقيقية ، و فيها صيانة للأعراض ، و حفظ للحرمات ، و تعظيم لشعائر الله و حفظ لحدوده ، و هي مؤشر على قوة الإيمان و رسوخه في القلب ، و لذلك لا عجب أن ينتشر التحلل و التبرج و التهتك و الفجور في أنحاء العالم الغربي وما يشابهه من المجتمعات؛ لضعف معاني الغيرة أو فقدانها .

ولقد رأينا هذا الخلق يستقر في نفوس العرب حتى الجاهليين الذين تذوقوا معاني تلك الفضائل ، فإذا هم يغارون على أعراض جيرانهم حتى من هوى أنفسهم، يقول عنترة مفاخرا بنفسه:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

وربما قامت الحروب غيرة على المرأة، وحمية لشرفها ، واستجابة لاستغاثتها واستنجادها، فقد تدافع العرب يوم الفجار، وكان من أمر ذلك أن شبابا من كنانة رأوا امرأة في سوق عكاظ فسألوها أن تسفر عن وجهها فأبت، فأخذوا يسخرون منها ، فنادت: يا آل عامر، فلبتها سيوف بني عامر، ووقفت كنانة تدرأ عن فتيانها، وهاجت هوازن لبني عامر، وثارت قريش لكنانة؛ فتفجرت الدماء، وتناثرت الأشلاء...

تجاوز حد الاعتدال في الغيرة:

إذا زادت الغيرة عن حدها كانت نقمة على الشخص و على من حوله ، فكثير مما يسمى جرائم العرض و الشرف قد ترتكب بسبب الشائعات ، مما ترتب عليه إزهاق الأرواح في بعض الأحيان دون وجه حق و دون تثبت بسبب الغيرة القاتلة ، و هذا مشاهد في الكثير من البقاع .

وبعض الأزواج مريض بمرض الشك المر الذي يحيل الحياة الزوجية إلى نكد لا يطاق وقد : " نهى النبي - صلي الله عليه وسلم - أن يطرق الرجل أهله ليلا ً يتخونهم ويطلب عثراتهم". رواه مسلم.

فلا يصح أن يسيء الرجل الظن بزوجه، وليس له أن يسرف في تقصي كل حركاتها وسكناتها ؛ فإن ذلك يفسد العلاقة الزوجية ويقطع ما أمر الله به أن يوصل .

وكان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول : لا تكثر الغيرة على أهلك فترامى بالسوء من أجلك .

وقال معاوية رضي الله عنه : " ثلاث من خصال السؤدد : الصفح واندماج البطن وترك الإفراط في الغيرة".

فلا بد من الاعتدال ، وحده ما وردت به النصوص الشرعية. وفي ذلك يقول النبي صلي الله عليه وسلم: " إن الله يغار و المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ". رواه البخاري. فإذا انتهكت النساء ما حرم الله وجبت الغيرة وكانت محمودة ، وترك تلك الغيرة مذموم بل يمنع صاحبه من دخول الجنة كما جاء عن عمار بن ياسر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ثلاثة لا يدخلون الجنة أبدا : الديوث والرجلة من النساء ومدمن الخمر". قالوا يا رسول الله: أما مدمن الخمر فقد عرفناه ، فما الديوث ؟ قال: " الذي لا يبالي من دخل على أهله ".

قلنا: فما الرجلة من النساء؟ قال : " التي تشبه بالرجال ".

مراعاة غيرة الآخرين:

إذا كان الرجل قد يشعر بألم الفقد أو بشيء من الغيرة إذا تركه صاحبه وانتقل إلى غيره ، فينبغي علينا أن نقدر غيرة أم الزوج التي تشعر بفقد ولدها وانتقاله إلى غيرها، بعد أن احتضنته طوال عمره ، وبذلت الغالي والنفيس من أجل أن يصبح رجلا له شأن في الحياة .

وكما يغار الرجل على أهله ينبغي عليه أن يقدر غيرتها عليه ، فلا يصح أن يبدي إعجابه بالنساء فضلاً عن حكاية المغامرات النسائية سواء قبل الزواج أوبعده ؛ فهذا مما لا يُفتخر به بل ينبغي إخفاؤه والتوبة منه وستره.

وعلى المرأة أن تكبح جماح نفسها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً و إلا فما أشد غيرة النساء . يقول الإمام ابن القيم – رحمه الله – في تفسير قوله تعالى: ( ولهم فيها أزواج مطهرة ) [ البقرة: 25 ] أي: طهرن من الحيض و البول وكل أذى يكون في نساء الدنيا ، وطهرت بواطنهن من الغيرة وأذى الأزواج وإرادة غيرهم.

غيرة الرب جل وعلا:

وردت النصوص الشرعية بإثبات الغيرة للرب جل وعلا ، وغيرة الله عز وجل حقيقية على ما يليق بجلاله وكماله ، ومن لوازمها كراهية وقوع العبد في المعاصي وإشراكه غير الله فيما هو حق للمولي سبحانه وحده من التزام أوامره واجتناب معاصيه .

قال النبي صلي الله عليه وسلم:" إن الله يغار و المؤمن يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله ". رواه البخاري .

وقال:" لا أحد أغير من الله عز وجل ؛ لذلك حرم الفواحش ما ظهر وما بطن، ولا أحد أحب إليه المدح من الله عز وجل ". (رواه البخاري ومسلم). وفى رواية : " المؤمن يغار والله أشد غيرة ". (رواه البخاري ومسلم).

وقال رسول الله - صلي الله عليه وسلم - :" أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني ". (رواه البخاري ومسلم) .

غيرة الزوج على زوجه:

قال سعد بن عبادة - رضي الله عنه -: " لو رأيت رجلا ً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح ، فقال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه، و الله أغير مني ".( رواه البخاري ومسلم).

ولما دخل الثوار على عثمان بن عفان رضي الله عنه نشرت زوجه نائلة شعرها، كأنها تستنصر بمروءة هؤلاء الثائرين. فصرخ فيها عثمان وهو يقول: خذي خمارك فلعمري لدخولهم علىَّ أهون من حرمة شعرك. فالرجل يغار على زوجه غيرة يصونها بها ويحفظها من كل ما يخدش شرفها ويمتهن كرامتها.

غيرة الزوجة على زوجها:

سأل رسول الله صلي الله عليه وسلم عائشة يوما ً : " أغرت ؟ فتعجبت وقالت : ومالي أن لا يغار مثلي على مثلك " (رواه مسلم) .

وعن أنس ، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم عند بعض نسائه فأرسلت إحدى أمهات المؤمنين بصحفة فيها طعام ، فضربت التي النبي صلى الله عليه وسلم في بيتها يد الخادم ، فسقطت الصحفة ، فانفلقت ، فجمع النبي صلى الله عليه وسلم فلق الصحفة ، ثم جعل يجمع فيها الطعام الذي كان في الصحفة ، ويقول:" غارت أمكم ". ثم حبس الخادم حتى أتي بصحفة من عند التي هو في بيتها ، فدفع الصحفة الصحيحة إلى التي كسرت صحفتها ، وأمسك المكسورة في بيت التي كسرت .( رواه البخاري ).

أحداث صنعتها الغيرة:

ذكر الحافظ ابن كثير – رحمه الله – في حوادث سنة ست وثمانين ومائتين: "قال في المنتظم: ومن عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السنة: أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري(مدينة في إيران اليوم)، فادَّعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار، فأنكره، فجاءت ببينة تشهد لها به، فقالوا: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ فلما صمَّموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا، هي صادقة فيما تدَّعيه". فأقر بما ادَّعتْ ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه، وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر: هو في حِلٍّ من صداقي عليه في الدنيا والآخرة"اهـ. زاد الحافظ السمعاني في "الأنساب": "فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما: يُكْتَبُ هذا في مكارم الأخلاق"اهـ.
ويذكر بعض المؤرخين في حسنات الحجاج بن يوسف الثقفي: "أن امرأة مسلمة سُبيت في الهند، فنادت: "واحَجَّاجاه". وبلغه ذلك، فجعل يقول: "لبيكِ". وأنفق سبعة ملايين من الدراهم حتى أنقذ المرأة".
وهذه امرأة شريفة أسرها الروم، لا تربطها بالخليفة "المعتصم بالله" رابطة، سوى أخوة الإسلام، تستنجد به لما عذبها صاحب عمورية، وتطلقها صيحة يسجل التاريخ دويها الضخم: "وامعتصماه". وما إن بلغت المعتصم هذه الندبة – وكان يأخذ لنفسه شيئًا من الراحة – حتى قالها بملء جوارحه: "لبيكِ". وانطلق لتوه إلى القتال، وانطلقت معه جحافل المسلمين، وقد ملأت الغيرة لكرامة المرأة نفس كل جندي إباءً وحماسًا، فأنزلوا بالعدو شر هزيمة، واقتحموا قلاعه في أعماق بلاده حتى أتوا عمورية، وهدموا قلاعها، وانتهوا إلى تلك الأسيرة، وفكوا عقالها، وقال لها المعتصم: "اشهدي لي عند جَدِّك المصطفى صلى الله عليه وسلم أني جئت لخلاصك".
وفي القرن السابع الهجري حين ضرب التفرق أطنابه بين المسلمين حتى أضعفهم، واحتل الصليبيون قسمًا من بلادهم، وطمعوا في المزيد، واستعانوا ببعضهم على بعض، حتى أوشكوا أن يحتلوا مصر، فكر حاكم مصر الفاطمي آنذاك المدعو "العاضد لدين الله" أن يستعين بوالي الشام "نور الدين زنكي". ولكن كيف وملك الشام لا يعترف بالخليفة الفاطمي في مصر، ولا يؤمن بشرعية خلافته وحكمه، إنما يدين بالاعتراف للخلافة العباسية في بغداد، وبينها وبين الفاطميين أشد الخصام؟
لقد وجد الحل بواسطة المرأة والغيرة على كرامتها، وهكذا أرسل العاضد إلى نور الدين زنكي رسالة استنجاد أرفقها بأبلغ نداء: أرفقها بخصلة شعور نساء بيت خلافته في القاهرة، وكان أن بلغ التأثير مداه في قلب نور الدين، فسرت حميا الغيرة والنخوة في جند الشام وأهله، فبذلوا – لإنقاذ مصر من الصليبيين – فلذات أكبادهم بقيادة أسد الدين شيركوه، ويوسف بن أيوب "صلاح الدين الأيوبي".

وهكذا صنعت المرأة بخصْلة شعرها حدثًا غير مجرى التاريخ، وقلب الأحداث رأسًا على عقب، إلى أن كان يوم حطين الذي غسل الأرض المقدسة من العار، وأرغم جحافل الصليبيين على حمل عصا الرحيل والتسيار.

إن حياة الغيرة التي يحياها المجتمع المسلم، والتي يسمو بها فوق النجوم رفعه، ويرتقي بها إلى أعلى المنازل، فضلاً وطهرًا، يقابلها في المجتمعات الكافرة في الشرق والغرب حياة الدياثة والخباثة والقذارة والحقارة واللوثة والنجاسة، والذلة والمهانة، التي قد تترفع عنها بعض الحيوانات حيث تغار فحولها على إناثها، ويقاتل الفحل دون أنثاه كل فحل يعرض لها حتى تصير إلى الغالب.

وصدق والله أئمتنا حين قالوا:إن كل أمة ضعفت الغيرة في رجالها قلت الصيانة في نسائها.

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د/سعيد عبد العظيم

Post: #978
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:46 AM
Parent: #977

العــنف يغرس شجرة الندامة
عن عائشة رضي الله عنها أن يهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليكم . فقالت عائشة : عليكم ولعنكم الله وغضب الله عليكم . قال صلى الله عليه وسلم : " مهلا ياعائشة، عليك بالرفق وإياك والعنف والفحش".

قالت : أولم تسمع ماقالوا؟ قال : "ألم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم، ولا يستجاب لهم في " . (البخاري ومسلم)

هكذا يعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم الابتعاد عن العنف واللجوء إلى الرفق في الأمور كلها: "ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما نزع من شيء إلا شانه".

معنى العنف:

إذا عرفنا الرفق بأنه التوسط والتلطف في الأمر، فإن العنف يكون عبارة عن انعدام ذلك التوسط، وفقدان هذا التلطف عند معالجة أمر من الأمور، إنه بعبارة أخرى: التطرف والغلو المصحوبان بالغلظة والفظاظة في معاملة الآخرين حتى لو أساءوا الأدب.

إن العنف في معاملة الناس يولد عندهم رغبة في الانتقام متى سنحت الفرصة، بخلاف الرفق الذي يتسبب في تأليف القلوب، وتطويع الناس.

محروم من الخير:

إن من يعش بين الناس محروما من الرفق، متصفا بالعنف محرومٌ من الخير كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "من يحرم الرفق يحرم الخير كله".

إن العنف شَيْن خلقي، وظاهرة قبيحة تؤدي إلى شيوع الأحقاد والعداوات، كما أنه يبعث في النفوس الرغبة في التحدي والعناد، وعدم الاستجابة للمطلوب منها، وإن كان المطلوب حقا وخيرًا. إن العنف في معالجة الآلة يكسرها، وفي مقارعة الخطوب يحطم الطاقات، ويدمر القوى.

وسائل الإعلام .. والعنف

لقد تعددت الدراسات والندوات التي تناقش خطورة ما يعرض في وسائل الإعلام من مشاهد العنف المختلفة وتأثيرها الشديد على سلوك المشاهدين ـ ولا سيما صغار السن.

وللأسف الشديد فإن كثيرا مما يعرض في هذه البرامج والمسلسلات يصور ظلم الناس للناس (بدءا من التجاهل والإهمال والسخرية، مرورًا بالضرب والسب، وانتهاءً بالجرائم المختلفة، وعلى رأسها القتل) وهذا مما يترك أثره ـ بلا شك ـ على الناشئة، وقد يظهر هذا الأثر مبكرًا أو بعد حين ـ كما أشارت بعض الدراسات.

العنف مع الضعفة والخدم

من مظاهر العنف التي يراها الإنسان ماثلة في بعض المجتمعات العنف مع الضعفة والخدم وإزدراؤهم وتكليفهم الأعمال الشاقة، وقد يصل الأمر إلى ضربهم وإيذائهم بدنيا.. وهذا الأمر ما كان ينبغي أن ينتشر في ديار الإسلام، وإليكم هذه القصة التي حدثت زمنَ المصطفى صلى الله عليه وسلم:

قال أبو مسعود البدري رضي الله عنه: كنت أضرب غلاما لي بالسوط، فسمعت صوتا من خلفي: اعلم أبا مسعود، فلم أفهم الصوت من الغضب، قال فلما دنا مني إذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود أن الله أقدر منك على هذا الغلام. قال: فقلت لا أضرب مملوكا بعده أبدا.

وفي بعض الروايات قال أبو مسعود : هو حر لوجه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أما لو لم تفعل للفحتك النار..".

العنف ضد النساء

إن الإحصاءات تدل على أن الأمر أصبح ظاهرة في بلاد الغرب، وربما كان ذلك راجعا إلى فساد منظومة التربية وانحرافها، ومما لا شك فيه أن مجتمعاتنا لا تخلو من بعض الحالات الشاذة والمؤذية التي مورس فيها العنف ضد النساء والأطفال، ومع تصورنا أن هذه الجرائم في مجتمعاتنا تبقى في إطار محدود إلا أن الأمر يستدعي التذكير بشناعة هذا الأمر ومخالفته لشريعة الإسلام ونظامه الأخلاقي.

فهذا رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم يقول: "إني أحرج حق الضعيفين: اليتيم والمرأة".

ولما أخبر صلى الله عليه وسلم بأن رجالا يضربون نساءهم. قال: " ليس أولئك بخياركم".

وإن احتاجت المرأة أو الطفل إلى التقويم يبقى الكي آخر العلاج( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) (النساء:34)

وعندئذ لا بد من مراعاة الضوابط الشرعية التي تضمن سلامة النفس والجسد ولا تبيح الإيذاء.

العنف مع الحيوان :

إن بعض من انتكست فطرهم يتلذذون بتعذيب الحيوانات ويستعملون العنف معها، وهذا مما نهى عنه الإسلام، فقد دخل النبي صلى الله عليه وسلم بستانا لرجل من الأنصار فإذا جمل، فلما رأى الجملُ النبي صلى الله عليه وسلم حنَّ وزرفت عيناه فمسحه النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال: "من رب هذا الجمل؟ لمن هذا الجمل؟ فجاء فتى من الأنصار فقال: لي يا رسول الله. فقال: أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملكك الله إياها؟ فإنه شكا إلي أنك تجيعه وتدئبه( تتعبه)".

وبالجملة فإن يد الرفق تجني السلامة، ويد العنف تغرس شجرة الندامة:

ورافق الرفق في كل الأمر فلم .. ... .. يندم رفيق، ولم يذممه إنسان

ولا يغرنك حظ جره خُــــــرْقٌ.. ... .. فالخُرْق هدم ورفق المرء بنيان.
ماهر السيد

Post: #979
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:48 AM
Parent: #893

عيادة المريض
إن الإسلام دين الرحمة: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، هذه الرحمة تشمل كل نواحي الحياة، ومن أعظم جوانب الرحمة رحمة الإسلام بالضعفاء والمرضى.

(إن المريض الذي يغالب العلة وتغالبه، ويُصارع السُّقْم ويصارعه، لهو من أكثر الناس حاجة إلى كل ما تستطيعه العلاقات الإنسانية من عون وسلوى، وبثٍّ للعزيمة والأمل والطمأنينة والسرور.

وهناك عند كل مريض تجد باقة من الزَّهْر الندي العَطِر، مهداةً من رسول الله صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله رحمة للعالمين- ومن زهراته الطيبات قوله: "من عاد مريضًا لم يزل في خُرْفَةِ الجنة(يعني جناها) حتى يرجع..."الحديث. ويخبرنا بما لعيادة المريض من جلال وخطر حين يقول: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة: يا ابن آدم! مرضتُ فلم تعدني...". فأية صورة من صور الحث والتكريم تفوق هذه الصورة أو حتى تضاهيها؟ وأنى للعلاقات الإنسانية أن تجد لها ضميرًا كهذا الذي تجده في كلمات رسول الله صلى الله عليه وسلم؟)

الحث على عيادة المريض:

لقد بلغ من عناية الإسلام بالمريض أن جعل عيادته حقًّا من حقوقه على إخوانه المسلمين، ففي الحديث: "خمس تجب للمسلم على أخيه: رد السلام، وتشميت العاطس، وإجابة الدعوة، وعيادة المريض، واتباع الجنائز".

وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين بعيادة المرضى: "أطعموا الجائع، وعودوا المريض، وفكوا العاني (الأسير)". وعن البراء رضي الله عنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض..." الحديث.

الرسول الأسوة يعود المرضى:

لم يكتف الرسول صلى الله عليه وسلم بحث المسلمين على عيادة المرضى، بل كان وهو الذي تحمَّل هموم الأمة يعود المرضى، يخفف عنهم ويسليهم. قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: "إنا والله قد صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير".

وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم عاد بعض أصحابه حين مرضوا، وثبت أنه عاد غلامًا يهوديًا ودعاه إلى الإسلام فأسلم.

وينبغي أن يتعلم المسلمون هذا الخلق، حتى الكبراء منهم، فإنه لا يعيبهم أن يعودوا آحاد الرعية. وكان السلف رضي الله عنهم يهتمون بعيادة المريض، فكانوا إذا فقدوا الرجل سألوا عنه، فإن كان مريضًا عادوه.

وانظر إلى الإمام الشافعي – رحمه الله – يبين أثر عيادة المريض على كل من الزائر والمزور:

مرض الحبيب فعُدْته.. ... ..فمرضت من حذري عليه

فأتى الحبيب يعودني.. ... ..فشُفيت من نظري إليـه

آداب عيادة المريض:

لعيادة المريض آداب عديدة ينبغي أن تُراعى عند زيارته؛ منها:

1- أن يلتزم بالآداب العامة للزيارة، كأن يدُقَّ الباب برفق، وألا يُبهم نفسه، وأن يغُضَّ بصره، وألا يُقابل الباب عند الاستئذان.

2- أن تكون العيادة في وقتٍ ملائم، فلا تكونُ في وقت الظهيرة صيفًا ولا في شهر رمضان نهارًا، وإنما تُستحبُّ بكرةً وعشيةً وفي رمضان ليلاً.

3- أن يدنو العائد من المريض ويجلس عند رأسه ويضع يده على جبهته ويسأله عن حاله وعمَّا يشتهيه.

4- أن تكون الزيارة غِبًّا، أي يومًا بعد يومٍ، وربما اختلف الأمر باختلاف الأحوال، سواء بالنِّسْبَة للعائد أو للمريض، فإذا استدعت حالةُ المريض زيارتَه يوميًا فلا بأس بذلك، خاصة إذا كان يرتاح لذلك ويهشُّ له.

5- ينبغي للعائد ألا يُطيل الجلوس حتى يُضجر المريض، أو يَشُّقَّ على أهله، فإذا اقتضت ذلك ضرورةٌ فلا بأس.

6- ألا يُكثر العائد من سؤال المريض، لأن ذلك يثقُل عليه ويُضْجِرُهُ.

7- من آداب العيادة أن يدعو العائد للمريض بالعافية والصلاح، وقد وردت في ذلك أدعية عديدة منها: "أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم؛ أن يشفيك (سبع مرات)". وأن يقرأ عنده بالفاتحة والمعوذتين والإخلاص.

8- ألا يتكلم العائد أمام المريض بما يُقلِقُهُ ويُزعجُهُ، وأن يظهر له من الرِّقة واللطف ما يُطيبُ به خاطره.

9- أن يُوسع العائد للمريض في الأمل، ويشير عليه بالصبر لما فيه من جزيل الأجر، ويحذِّره من اليأس ومن الجزع لما فيهما من الوزر.

10- ألا يكثر عُوَّادُ المريض من اللغط والاختلاف بحضرته، لما في ذلك من إزعاجه، وله في هذه الحالة أن يطلب منهم الانصراف.

11- يُسنُّ لمن عاد مريضًا أن يسأله الدُّعاء له.

ما يقال عند المريض ويرقى به:

يستحب لمن عاد مريضا أن يرقيه ويدعو له بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك ما يلي:

1- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضًا أو أُتي به إليه قال عليه الصلاة والسلام: "أذْهِب الباس، رب الناس، اشفِ وأنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما".

2- عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى يقرأُ على نفسه بالمعوِّذاتِ، وينفُثُ، فلما اشتدَّ وجعُهُ كنتُ أقرأُ عليه، وأمسحُ عنه بيده، رجاءَ بركتها".

3- عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اشتكى الإنسانُ الشيءَ منه أو كانت به قرحةٌ أو جرحٌ قال النبي صلى الله عليه وسلم بإصبعِهِ هكذا – ووضع سُفيانُ سبَّابَتهُ بالأرض ثم رفعها – "باسم الله، تربةُ أرضنا، بريقةِ بعضنا، ليُشفى به سقيمُنا، بإذن ربنا".

4- عن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من عبدٍ مسلم يعودُ مريضًا لم يحضر أجلُهُ فيقول سبع مرات: أسأل الله العظيم، رب العرش العظيم أن يشفيك؛ إلا عُوفي".

5- عن ابن عمرو رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا جاء الرجلُ يعودُ مريضًا فليقل: الهم اشف عبدك ينْكَأ لك عدُوًا، أو يمشي لك إلى جنازة". قال أبو داود: وقال ابن السَّرْحِ: إلى صلاة".

ثواب العائد:

تكفل الله لمن عاد مريضا بالأجر العظيم والثواب الجزيل ، ومن الأدلة على ذلك:

1- عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من عاد مريضًا لم يزل في خُرفة الجنة". قيل: يا رسول الله: وما خرفة الجنة؟ قال: جناها".

2- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح اليوم منكم صائمًا، قال أبو بكر: أنا. قال: من عاد منكم اليوم مريضًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من شهد منكم اليوم جنازةً؟ قال أبو بكر: أنا. قال: من أطعم منكم اليوم مسكينًا؟ قال أبو بكر: أنا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة".

3- عن علي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم يعودُ مسلمًا غُدوة إلا صلَّى عليه سبعون ألف ملك حتى يُمسي، وإن عاده عشيةً إلا صلَّى عليه سبعُون ألف ملك حتى يُصبح، وكان له خريفٌ في الجنة".

4- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من عاد مريضًا نادى منادٍ من السماء: طبت، وطاب ممشاك، وتبوأت من الجنة منزلاً".

5- عن هارون بن أبي داود قال: أتيت أنس بن مالكٍ فقلت: يا أبا حمزة، إن المكان بعيد ونحن يعجبنا أن نعودك، فرفع رأسه فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "أيما رجل يعودُ مريضًا فإنما يخوض في الرحمة، فإذا قعد عند المريض غمرته الرحمة". قال: فقلت: يا رسول الله، هذا للصحيح الذي يعود المريض، فالمريض ما لَهُ؟ قال: "تُحَطُّ عنه ذنوبه".

نسأل الله جل وعلا أن يشفي كل مريض وأن يعافي كل مبتلى.
ماهر السيد

Post: #980
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-25-2015, 11:50 AM
Parent: #893

إن المجتمع المسلم مجتمع متآلف تشيع فيه روح المحبة والوئام،وقد حث الشرع المطهر على كل ما فيه تقوية روح الإخاء بين أبناء هذا المجتمع ونهاهم عن كل ما ينتقص أو يؤثر سلبا على هذه الروح،ومن جملة الأخلاق السلبية التي نهى عنها الشرع الهجر بين المسلمين.

معنى الهجر:

الهجر عبارة عن مفارقة الإنسان غيره ، و قد يكون ذلك بالبدن كما فى قوله تعالى : ( و اهجروهن في المضاجع ) " سورة النساء : 34 " و قد يكون باللسان أو بالقلب ، كما في قوله تعالى: ( إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) " سورة الفرقان : 30 " ، أما قوله عز و جل: ( و اهجرهم هجراً جميلاً ) " سورة المزمل : 10 " فهو محتمل للهجر بالبدن و القلب و اللسان و قوله سبحانه: ( و الرجز فاهجر ) " سورة المدثر : 5 " حث على المفارقة بالوجوه كلها .

أنواع الهجر وأحكامه:

الأصل هو المنع من هجر المسلم ، لكن قد يشرع الهجر في بعض الأحيان ويختلف حكم الهجر باختلاف المهجور.

هجر المرأة:

فإن تعلق الهجر بالمرأة فإنه مشروع في بعض الأحيان، و ذلك عند النشوز أو مخافته مصداقاً لقوله تعالى: ( و اللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن و اهجروهن في المضاجع ) " سورة النساء : 34 ". و المرأة لا تهجر إلا في البيت لحديث معاوية القشيرى – رضي الله عنه – قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : " أن تطعمها إذا طعمت و تكسوها إذا اكتسيت ، ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا فى البيت " رواه أبو داود و قال الألباني: حسن صحيح . و معنى قوله تعالى : ( و اهجروهن فى المضاجع ) ألا يضاجعها و يوليها ظهره ولا يجامعها أو يغلظ عليها فى القول ، و هذا الهجر غايته عند العلماء شهر كما ذكره القرطبي و ينبغى على الرجل قبل الهجر أن يقوم على وعظ أهله و تذكيرهم و إزالة شبهاتهم برفق و لين و أن يجتهد فى الدعاء لهم: ( ربنا هب لنا من أزواجنا و ذرياتنا قرة أعين و اجعلنا للمتقين إماماً ).

هجر المسلم:

و إن تعلق الهجر بالمسلم فإنه يعد كبيرة شريطة أن يكون فوق ثلاث وألا يكون لغرض شرعي ؛ لما في ذلك من التقاطع و الإيذاء و الفساد ، و قد وردت أحاديث كثيرة في هذا المعنى و منها ما رواه أبو أيوب الأنصاري – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا يحل لرجل أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا و يعرض هذا و خيرهما الذي يبدأ بالسلام " رواه البخاري و مسلم ، و عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال – قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث فمن هجر فوق ثلاث فمات دخل النار " رواه أبو داود و صححه الألباني ، و عن عائشة – رضي الله عنها – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " لا يكون لمسلم أن يهجر مسلماً فوق ثلاثة ، فإذا لقيه سلم عليه ثلاث مرار كل ذلك لا ير د عليه فقد باء بإثمه " رواه أبو داود و حسنه الألباني ، و عن أبي خراش السلمي – رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : " من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه " رواه أبو داود أبو داود و صححه الألباني . فإذا زاد الهجر بين الإخوان فوق ثلاث كان حراماً لما يترتب عليه من تفكك اجتماعي ، و يستثنى من تحريم هذا الهجر مسائل حاصلها أنه متى عاد الهجر إلى صلاح دين الهاجر و المهجور جاز و إلا فلا ، و قد قاطع النبي صلى الله عليه و سلم و الصحابة الكرام الثلاثة الذين خلفوا ، خمسين يوما و ليلة ، حتى نزلت توبتهم من فوق سبع سموات بعد أن ضاقت عليهم الأرض على رحابتها و ضاقت عليهم أنفسهم، قال تعالى: ( و على الثلاثة الذين خلفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت و ضاقت عليهم أنفسهم و ظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه ثم تاب عليهم ليتوبوا ).

هجر ذوي الأرحام:

وأما هجر ذوى الأرحام فيعتبر من جملة الكبائر حتى و إن لم تبلغ المدة ثلاثة أيام ، لأن الهجر هنا أضيف إليه قطيعة الرحم ، و الرحم معلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله و من قطعني قطعه الله ، و قد أمر سبحانه بوصلها فقال: ( واتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام) و ليس الواصل بالمكافئ ، و الرحم توصل بالهدية و الزيارة و السلام و المراسلة ، بل الرحم الكافرة توصل من المال و نحوه كما قال الأمام الخطابي و غيره ، فإن لم يستطع الإنسان صورة من صور الصلة عمل بالأخرى أو بما يقدر عليه منها؛ إذ لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، و لما هم البعض بقطع ذوي الرحم استبطاءً لإيمانهم نزل النهي عن ذلك: ( ليس عليكم هداهم و لكن الله يهدى من يشاء و ما تنفقوا من خير فلأنفسكم و ما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله و ما تنفقوا من خير يوف إليكم و أنتم لا تظلمون ) و قد أمر سبحانه بصلة الوالدين و مصاحبتهما بالمعروف حتى و إن ظلما و كانا مشركين قال تعالى:( و إن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما و صاحبهما في الدنيا معروفاً ) . و قد عد الإمام الذهبي رحمه الله هجر الأقارب مطلقاً من الكبائر.

هجر أهل البدع والمعاصي:

أما هجر أهل البدع و الأهواء فإنه مطلوب على مر الأوقات ما لم تظهر منهم التوبة و الرجوع إلى الحق ، فمن وقَّر صاحب بدعة فقد أعان على هدم الدين ، و لما دخل رجل يتكلم في القدر ( أي ينكره ) على ابن سيرين ، سد ابن سيرين أذنيه و قال للرجل : إما أن تخرج و إما أن أخرج . قال ابن مفلح: " يسن هجر من جهر بالمعاصي الفعلية و القولية و الاعتقادية " و قال ابن تميم : " هجران أهل البدع كافرهم و فاسقهم و المتظاهرين بالمعاصي ، و ترك السلام عليهم فرض كفاية ، و مكروه لسائر الناس ، ولا يسلم أحد على فاسق معلن ولا مبتدع معلن داعية ولا يهجر مسلماً مستوراً غيرهما من السلام فوق ثلاثة أيام " . و الهجر هنا قد شرع كعلاج و لم يشرع للبتر ولا للإهلاك ، و بالتالي فلا تزيد فى الكيفية أو فى الكمية فتهلك صاحبك ، و شرع الله مصلحة كله ، ولابد من مراعاة واقع الغربة و تفشى الجهالة، و القيام بواجب الدعوة و الرفق بالخلق و إزالة الشبهات ليهلك من هلك عن بينة و يحيى من حيى عن بينة ، و كان من مذهب عمر و أبي الدرداء و إبراهيم النخعي أنك لا تهجر أخاك عند المعصية فإن الأخ يعوج مرة و يستقيم مرة أخرى ، و لعل هذا يتناسب مع ظروفنا؛ إذ لا سلطان لنا على النفوس؛ و لغلبة الجهل و قلة العلم بآثار الرسالة ، وإذا كان المهجور يزداد شراً و فساداً بالهجر ، فصلته حينئذ مع دعوته أولى من هجره و التباعد عنه .

هجر المرأة زوجها:

لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تهجر زوجها أو تمتنع عنه إذا طلبها لحاجته ، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه و سلم قال : " لا تهجر امرأة فراش زوجها إلا لعنتها ملائكة الله عز و جل " رواه أحمد و البخاري و مسلم بلفظ قريب منه و لفظه " إذ دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت ( رفضت ) فبات غضبان عليها لغتها الملائكة حتى تصبح " . و فى رواية: " حتى ترجع ". ولا يصح للزوجة أن تتعلل بتفريط الزوج؛ إذ تفريطه في الحق لا يستدعي تقصيرها، و عليها أن تسأل الله الذي هو لها .

خيرهما الذي يبدأ بالسلام:

إذا كان الأصل في الهجر أنه من المنهيات فإن الثلاثة أيام تكفي لإذهاب شحناء النفوس و الأهواء التي تعتمل فيها ، وقد جعل الشرع خير الرجلين الذي يبدأ صاحبه بالسلام وقد ترجم الصالحون هذا المعنى بسلوكهم فحرصوا على إصلاح ذات البين ،عن أبي الحسن المدائني قال : " جرى بين الحسن بن علي و أخيه الحسين كلام حتى تهاجرا، فلما أتى على الحسن ثلاثة أيام من هجر أخيه أقبل إلى الحسين و هو جالس فأكب على رأسه فقبله فلما جلس الحسن قال له الحسين : إن الذي منعني من ابتدائك و القيام إليك أنك أحق بالفضل مني فكرهت أن أنازعك ما أنت أحق به " .

من أضرار الهجر:

من المعلوم أن الهجر بغير سبب شرعي له أضرار شديدة على الفرد والمجتمع فالهجر صفة قبيحة تسخط الله عز و جل على المتهاجرين ، و هو سبب في تأخير المغفرة من الله عز و جل ، و يعد من حبائل الشيطان التى يغوي بها أتباعه حتى يسوقهم إلى الجحيم ، عن مجاهد قال : " الأقلف موقوف عمله حتى يختتن و الصارم ( الهاجر ) الظالم موقوف عمله حتى يفيء.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس،فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء،فيقال : أنظروا هذين حتى يصطلحا..." الحديث.

و بالجملة فلابد من هجر الذنوب و المعاصي و كل ما يؤدي إليها ، و الحذر كل الحذر من هجر القرآن و غيره من الطاعات و القربات لقوله تعالى: ( و قال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ).

و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #981
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 10:51 PM
Parent: #893

قديمًا قالوا: إن أمناء الأسرار أقل وجودًا من أمناء الأموال، وحفظ الأموال أيسر من كتمان الأسرار؛ لأن أحراز الأموال منيعة بالأبواب والأقفال، وأحراز الأسرار بارزة يذيعها لسان ناطق، ويشيعها كلام سابق.

ومن عجائب الأمور أن الأموال كلما كثرت خزانها كان أوثق لها، أما الأسرار فكلما كثرت خزانها كان أضيع لها

السر نوعان:

الأسرار على ضربين: أحدهما: ما يبوح به إنسان لآخر من حديث يُستكتم، وذلك إما تصريحًا كأن يقول له: اكتم ما أقول لك، وإما حالاً كأن يتحرى القائل حال انفراده بمن يتحدث معه، أو يخفي حديثه عن بقية مجالسيهِ. في هذا قيل: إذا حدثك إنسان بحديث فهو أمانة.

أما الضرب الثاني من الأسرار فهو أن يكون حديثَ نفسٍ بما يستحي الإنسان من إشاعته، أو أمرًا ما يريد فعله.

والكتمان في النوعيين محمود؛ فهو في الأول نوعٌ من الوفاء، وفي الثاني نوعٌ من الحزم والاحتياط والستر.

كتمان السر.. طريق النجاة:

قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: سِرُّك أسيرك، فإن تكلَّمتَ به صِرْت أسيره.

فكم من إظهار سر أراق دم صاحبه ومنعه من بلوغ مآربه، ولو كتمه أمِنَ سطوته. قال بعضهم: من حصَّن سره فله بتحصينه خصلتان: الظفر بحاجته، والسلامة من السطوات.

إن في الكتمان قضاء الحوائح، وإنجاح المقاصد وبلوغ الغايات، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود".

وما أحسن ما قال الشاعر:

أجود بمكنون التـلاد وإنني.. ... ..بسري عمَّن سألني لضنين

وإن ضيَّع الأقوام سري فإنني.. ... ..كتوم لأسرار العشير أمين

إفشاء السر خيانة:

إن الناس يخالط بعضهم بعضًا ويفضي بعضهم إلى بعض بما قد يكون سرًا، وإن من الخيانة أن يُستأمن المرء على سر فيذيعه وينشره، ولو إلى واحد فقط من الناس، فعن جابر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا حدَّث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة".

ولأن الكرام ينأون بأنفسهم عن أخلاق اللئام فقد رأينا هؤلاء الكرام يربون أبناءهم على حفظ الأسرار وعدم إشاعتها، فهاهي أم أنس بن مالك رضي الله عنها يتأخر عليها ولدها أنس فتسأله: "ما حَبَسَك؟ قال بعثني رسول الله لحاجة.قالت ما حاجته؟قال: إنها سر. قالت: لا تحدثنَّ بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدًا".

وذات يوم أسرَّ معاوية رضي الله عنه إلى الوليد بن عتبة حديثًا فقال الوليد لأبيه: يا أبتي إن أمير المؤمنين أسرَّ إليَّ حديثًا وما أراه يطوي عنك ما بسطه إلى غيرك. قال: فلا تحدثني به، فإن من كتم سره كان الخيار له، ومن أفشاه كان الخيار عليه. قال الوليد: يا أبتي وإن هذا ليدخل بين الرجل وبين أبيه؟ قال: لا والله يا بني، ولكن لا أحب أن تُذلِّل لسانك بأحاديث السر. قال الوليد: فأتيت معاوية رضي الله عنه فأخبرته، فقال: يا وليد أعتقك أخي من رق الخطأ.

إفشاء سر الزوجة:

إن بعض الناس – هداهم الله – صاروا يتحدثون في مجالسهم بما يكون بين الرجل وامرأته، وإن هذا نوع من إفشاء السر، وصاحبه – رجلاً كان أو امرأة – هو من شر الناس عند الله تعالى، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أشر الناس عند الله منزلة يوم القيامة: الرجل يفضي إلى امرأته، وتفضي إليه، ثم ينشر سرها". بل وصل الأمر إلى أن يشبهه النبي صلى الله عليه وسلم بشيطان أتى شيطانة في الطريق والناس ينظرون.

لا تلومنَّ إلا نفسك:

إذا استودعت أحدًا سرك فأفشاه فلا تلومنَّ إلا نفسك؛ إذ كان صدرك أضيق عنه. قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما وضعت سري عند أحدٍ فأفشاه عليَّ فلمته؛ أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه".

إذا المرء أفشى سـره بلسـانـه.. ... ..ولام عليـه غيـره فهو أحمـق

إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه.. ... ..فصدر الذي يستودع السر أضيق

كرام الرجال يفخرون بكتمان الأسرار:

إذا كان الرجال معادن، فإن كتمان الأسرار يدل على جواهر الرجال ومعادنهم؛ ولهذا وجدنا أصنافًا من الرجال يفاخرون بكتمانهم الأسرار، قال بعضهم:

ومستودعي سرًا تضمنت سِرَّه.. ... ..فأودعته من مُسْتَقَر الحشا قبــرًا

ولكنني أُخفيه عني كأننــي.. ... ..من الدهر يومًا ما أحطتُ به خُبرًا

وما السرُّ في قلبي كميت بحفرةٍ.. ... ..لأني أرى المدفون ينتظر النشـرا

قال المهلب:

أدنى أخلاق الشريف كتمان السر، وأعلى أخلاقه نسيان ما أسر إليه.

وقال شمس الدين البدوي:

إني كتمت حديث ليلى لم أبح.. ... ..يومًا بظاهـره ولا بخفيه

وحفظت عهد ودادها متمسكًا.. ... ..في حبها برشـاده أو غيه

ولها سرائر في الضمير طويتـها.. ... ..نسي الضمير بأنها في طيه

وقال الآخر:

ويكتم الأسرار حتى إنه.. ... ..ليصونها عن أن تمر بباله

هكذا أخلاق الكرام من الرجال:

وترى الكريم إذا تصرَّم وصله.. ... ..يخفي القبيح ويُظهر الإحسانا

وترى اللئيم إذا تقضي وصله.. ... ..يُخفي الجميل ويُظهر البهتانا

وقيل لأعرابي: ما بلغ من حفظك للسر؟ قال: أمزقه تحت شغاف قلبي ثم أجمعه، وأنساه كأني لم أسمعه.

ونختم بما قاله بعض الحكماء لابنه:

يا بني كُن جوادًا بالمال في مواضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق، فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجوه البر، والبخل بمكتوم السر.

هدانا الله جميعصا لأحسن الأخلاق، وجنبنا مساوئها، والحمد لله رب العالمين.
ماهر السيد

Post: #982
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 10:55 PM
Parent: #893

مما هو واقع مشاهد في الحياة أن لمخالفة المنهج الإسلامي آثارا وخيمة تنعكس على كل جوانب الحياة ، وعلى الأفراد والمجتمعات. ذلك أن من ينهج سبل الانحراف مبتعدًا عن منهج الإسلام يقيض له من يجلب القلق والاضطراب لتمرده على خالقه سبحانه وتعالى، قال عز وجل: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ) [الزخرف:36].

والشياطين لا تعد الإنسان إلا بما يجلب له القلق والاضطراب، فتوسوس له بالفقر، وضيق الحال، والطمع فيما عند الغير، وعدم القناعة بالموجود. قال تعالى: (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ) [البقرة:268]. أي: يخوفكم الفقر لتمسكوا ما بأيديكم فلا تنفقوه في مرضاة الله تعالى، ومع نهيه عن الإنفاق خشية الإملاق يأمركم بالمعاصي والمآثم والمحارم ومخالفة الخلاَّق.

أما المؤمنون فليس له عليهم سلطان؛ قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [النحل:99]، وقال تعالى: (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [الإسراء:65].

وسنتعرض في هذا المقال لبعض آثار المخالفات السلوكية والأخلاقية على الفرد-في نفسه-وعلى المجتمع

أولاً الآثار النفسية:

يمكن ذكر بعض الآثار النفسية للانحرافات السلوكية والأخلاقية في النقاط التالية:

أولاً: عدم التوافق النفسي:

من أبرز مقومات الشخصية التوافق النفسي، وهو القدرة على التآلف، والتكيف مع البيئة الاجتماعية المحيطة بالفرد، وإمكانية مواجهة المشكلات التي تعترضه بشكل ناجح.

ومن مظاهر عدم التوافق النفسي: القلق، والعزوف عن الطعام، والانطواء، وشدة الخجل، وسرعة الغضب، والعناد، والميول العدوانية الهجومية، وأحلام اليقظة، والكذب.. إلى غير ذلك من مظاهر الاضطراب النفسي.

وللانحرافات السلوكية أوفر الحظ والنصيب في إيجاد عدم التوافق النفسي، حيث أثبتت التجارب في مختبرات فسيولوجية في جامعات عالمية أنه قد تكون كمية الخمر قليلة جدًّا لكنها قادرة على أن تحدث تغيرًا في التوازن النفسي.

ثانيًا: الشعور باليأس:

اليأس: يعني القنوط، وهو نقيض الرجاء. وعملية اليأس تدفع الإنسان إلى الكسل والخمول، وعدم الجد والاجتهاد، مع البحث عن الموارد المادية والمالية بطرق الغش والخداع، وتأمل السارق والمتسول، فإن كثيرًا منهم لديهم القدرة الجسمية على العمل والتكسب، ولكن انحرافهم يدفعهم إلى البطالة والخمول.

كما أن المسكرات تسبب الشعور باليأس والقنوط والقلق وعدم الاستقرار، مع الخوف من أمور لا تستحق ذلك، وهذا يؤدي إلى فقدان القيم الخلقية، ويؤدي أيضًا إلى الجنون،حيث لوحظ أن 50% من المصابين بالجنون من مدمني الخمر.

وتجد الكاذب يكذب وهو في يأس من الصدق أن ينجيه، والحاسد وهو في يأس أن يحصل له من النعمة مثلما عند الآخرين.

ولكن التربية الإسلامية تبعد الإنسان عن الانحرافات السلوكية، وتغرس في قلب أتباعها السكينة والاطمئنان وتملأ القلب شجاعة وإقداما، فلا تجده كذابًا ولا حاسدًا،كما قال صلى الله عليه وسلم: "ولا يجتمعان في قلب عبد: الإيمان والحسد".

ثالثًا: القلق:

القلق: هو الانزعاج والاضطراب وعدم الثبات.

والقلق: حالة نفسية داعية إلى الاضطراب وعدم الاستقرار، شاغلة للفكر، مبعدة للطمأنينة.

والبعد عن المنهج الإسلامي أساس القلق، والاضطراب؛ لأن النفس إنما تسكن وتهدأ بذكر الله تعالى؛ قال تعالى: (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) [الرعد:28].

وكلما ابتعد المرء عن المنهج الإسلامي ومارس المساوئ الخلقية استحوذ عليه القلق والاضطراب، وخير شاهد على ذلك اعتراف المنحرفين عن منهج التربية الإسلامية، حيث أشارت الدراسات أن الأطباء يقرون أن واحدًا من كل عشرين أمريكيًا يقضي جانبًا من حياته في مصحات الأمراض العقلية،ومن الحقائق أن واحدًا من كل ستة شبان تقدم للالتحاق بالخدمة العسكرية في خلال الحرب العالمية الأخيرة رد على عقبيه؛ لأنه مريض أو ناقص عقلي،كما أثبتت الإحصاءات أن القلق هو السبب الثاني للموت في أمريكا، وفي خلال سني الحرب العالمية الأخيرة قضى داء القلق على مليوني نسمة، منهم مليون نسمة كان مرضهم ناشئًا عن القلق وتوتر الأعصاب.

وفي شرب المخدرات والمسكرات الأثر البالغ في جلب القلق والاضطراب النفسي، حيث أكدت الدراسات الميدانية التي أجريت على المدمنين أن نسبة من عندهم التأثر لأتفه الأسباب تشكل 96.9%، وتوتر الأعصاب 86.8%، والقلق المستمر 88.6%، والشعور بالكسل والخمول 86.5%، واضطراب النوم 84.5%، والخوف الدائم 70.1%.

والمتأمل يلاحظ أثر القلق النفسي السيئ على حياة الإنسان وسلوكه، وأنه لا ملجأ ولا منجى إلا بالتمسك بمنهج الإسلام والبعد عن مساوئ الأخلاق.

فالمؤمن الموحد تملأ نفسه الطمأنينة، وقلبه اليقين ، مهما ادلهمت به الخطوب وعصفت به الأحداث وأحاطت به الفتن؛ لأنه علم علم اليقين أن هذه الدنيا هي دار ابتلاء كما بين ذلك رب العالمين وخالقهم؛ قال تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) [البقرة:155].

رابعًا: الأمراض القلبية:

لقد بيَّن الله سبحانه وتعالى أمراض القلوب وشفاءها في كتابه القويم، ومن ذلك قوله تعالى: (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ) [البقرة:10]، وقال تعالى: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً) [الأحزاب:32]، وقال تعالى: (لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلاً) [الأحزاب:60].

ومرض القلب: هو نوع فساد يحصل للإنسان، يفسد به تصوره للحق وإرادته له، فلا يرى الحق حقًا، أو يراه على خلاف ما هو عليه، أو ينقص إدراكه له، فيبغض الحق النافع، أو يحب الباطل الضار، أو يجتمعان له، وهو الغالب.

ولذلك فإن أصحاب الانحرافات ينفرون من مجالسة أهل الحق والصلاح، وربما أبغضوهم؛ لأنهم ينهونهم عن إشباع شهواتهم بالمحرمات؛ ولأنهم على غير شاكلتهم، وربما رأوا في الصالحين أنهم لا يدركون، وهذا غاية الجهل والضلال.

وأما العلاج: فبينه الحق تبارك وتعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) [يونس:57]. فمن أراد الخير والعافية القلبية التي يبحث عنها كثير من الناس فعليه بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما سعادة الدارين الدنيا والآخرة.

ثانيًا: الآثار الاجتماعية:

تنعكس آثار المساوئ الخلقية على البيئة الاجتماعية بصورة مباشرة وغير مباشرة، من خلال ما تحدثه في المجتمع من تصدع وتفكك اجتماعي، وما تحدثه من معوقات اقتصادية، وإخلال بالأمن العام للأمة.

وما سبق ذكره من آثار نفسية على الأفراد ما هو إلا آثار غير مباشرة تنعكس على المجتمع في دينه وأمنه واقتصاده وصحته، وفيما يلي:

أهم الآثار المباشرة للمساوئ الخلقية في المجتمع:

أولاً: العذاب الإلهي:

إذا تفشت منكرات الأخلاق في مجتمع من المجتمعات نزل بساحتهم البلاء، قال صلى الله عليه وسلم في الزنا والربا: "إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله".

وفي إهلاك قوم لوط عظة وعبرة؛ قال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ) [هود:82، 83].

ثانيًا: التباغض:

من إفرازات المساوئ الخلقية إيجاد التباغض الاجتماعي بين أفراد الأمة، فالحسد – مثلاً – نتيجته البغضاء من الحاسد للمحسود، فهو يظهر في سلوكه المنحرف، وتعامله البذيء، ومقابلته السيئة لمنم أنعم الله عليهم، وإزاء ذلك فإن المحسود قد يرد عليه بنفس الخلق، مما ينجم عنه كتلة ضخمة من الحسد تجثم على قلب الحاسدين.

وفي الانحرافات الخلقية الأخرى من الغيبة والنميمة ما يجعل في المجتمع كراهية لهؤلاء وبغضًا، وذلك نتيجة السلوك السيئ الخاطئ الذي نهجوه.

وكذلك يحصل لمن انحرفت سلوكياتهم بالربا، أو الزنا، أو اللواط، أو شرب المسكر؛ فإنه يحصل لهم البغض والكراهية الاجتماعية، وربما كان هذا التباغض متبادلا بين الصالحين والفاسدين.

ثالثًا: التقاطع الاجتماعي:

إن أسس التقاطع الاجتماعي منبعها من المساوئ الخلقية، حيث إن كل رذيلة سلوكية تسهم بقدر كبير في إيجاد التقاطع الاجتماعي بين أفراد الأمة، فالنميمة – مثلاً – وسيلة خطيرة وأداة قوية لانفصام الروابط الاجتماعية في الأمة، وقطع لصلة الأرحام في الأسر وبين الأصدقاء، ووسيلة لنشر العداوة والبغضاء، قال صلى الله عليه وسلم في حق صاحبها: "لا يدخل الجنة نمام". [رواه مسلم].

فالكذب أساس السيئات، ودلالة على فساد الأخبار، فهو يبدد العلاقات الاجتماعية ويزلزل كيانها، فبالكلمة الكاذبة تتمزق العلاقات الأسرية وجماعة المهنة الواحدة، ومجموعة الأصدقاء، فتترك خلفها شحنات من الريبة والشك في الأقوال والأعمال.

وللحسد نصيب الأسد في غرس التقاطع الاجتماعي، فهو أحد أسباب التمزق الاجتماعي إن لم يكن أهمها؛ إذ قد يؤدي الحسد بالحاسد إلى أن يغتاب ويكذب ويسعى بكل ما أوتي من قوة لإزالة النعمة من المنعم عليه، وقد تكون هذه النعمة صلة اجتماعية بين الزوجين أو الصديقين أو الأسرتين أو الجماعتين أو أكثر، فيبدأ الحاسد مشواره بتبديد تلك العلاقات وإنه لأمر عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: "دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء. والبغضاء هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمدٍ بيده، لا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أنبئكم بشيءٍ إذا فعلتموه تحاببتهم؟ أفشو الاسلام بينكم".

رابعًا: الغش الاجتماعي:

الغش الاجتماعي: واسع الدلالة والآثار، حيث يكون الغش في الكلمة وفي الميزان، وفي الحقوق، وفي الواجبات، ويكون في الأموال وفي العلاقات، ولا يأتي إلا من بريد مساوئ الأخلاق.

فنتيجة الخلق السيئ تجد التطفيف في الميزان، والبخس في الحقوق والواجبات. قال تعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ * أَلا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ) [المطففين: 1-5].

ونتيجة المساوئ الخلقية يأتي الغش الاجتماعي في الأعراض، فتنتهك في المجتمع عن طريق القذف، وعن طريق الزنا، قال صلى الله عليه وسلم: "فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا؛ فليبلغ الشاهد الغائب".

ومن أبواب الغش الاجتماعي:

التظاهر بمظهر معين في موقف معين، على غير الحقيقة والصورة الصحيحة، مما يترتب على ذلك خداع وغش للطرف الآخر، أو لأطراف أخرى، أو أن يأتي لقوم من الناس بوجه ويأتي لآخرين بوجه آخر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "وتجدون شر الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه".

قال القرطبي: إنما كان ذو الوجهين شر الناس؛ لأن حاله حالة المنافق، إذ هو متملق بالباطل والكذب ، مدخل الفساد بين الناس.

خامسًا: العنوسة والتأخر في الزواج:

مما يساعد ويسهم في التأخر وعدم التبكير في الزواج الانحرافات السلوكية خاصة عند من يتعاطون المسكرات والمخدرات، ويرتكبون فاحشة الزنا التي من آثارها تفشي الطلاق، والسبب في ذلك عدم الشعور بالمسؤولية الأسرية، وكثرة المنازعات الداخلية، كما أن انصراف المرأة إلى التقاليد غير الإسلامية في أساليب الحياة كالتبرج، والاختلاط، ومحادثة الرجال-بلا ضوابط شرعية- يزهد الرجال فيها، مما يسبب تأخر الزواج وبلوغ سن العنوسة دون زواج.

فآثار المساوئ السلوكية على المجتمع خطيرة تنعكس على حياة المجتمع وسلوكه، وتزين للمجتمع الجريمة والانحراف، واستسهالها والتعود عليها، مما قد يجعل أفراده يعتادون منكرات الأخلاق.

د/خالد بن حامد الحازمي

Post: #983
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 10:59 PM
Parent: #893

الزهد طريق إلى المحبة
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه ، أما بعد :

فالزهد هو عبارة عن انصراف الرغبة عن الشيء إلى ما هو خير منه ، و هو ترك راحة الدنيا طلباً لراحة الآخرة و أن يخلو قلبك مما خلت منه يداك ، و يعين العبد على ذلك علمه أن الدنيا ظل زائل ، و خيال زائر فهي كما قال تعالى: ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يكون حطاماً ) " سورة الحديد : 20 " و سماها الله " متاع الغرور " و نهى عن الاغترار بها ، و أخبرنا عن سوء عاقبة المغترين ، و حذرنا مثل مصارعهم و ذم من رضي بها و اطمأن إليها ، و لعلمه أن وراءها داراً أعظم منها قدراً و أجل خطراً ، و هي دار البقاء ، يضاف إلى ذلك معرفته و إيمانه الحق بأن زهده في الدنيا لا يمنعه شيئاً كتب له منها ، و أن حرصه عليها لا يجلب له ما لم يقض له منها ، فمتى تيقن ذلك ترك الرغبة فيما لا ينفع في الدار الآخرة ، فأما ما ينفع في الدار الآخرة فالزهد فيه ليس من الدين بل صاحبه داخل في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) (المائدة:87) .

حقيقة الزهد:

و ليس المقصود بالزهد في الدنيا رفضها فقد كان سليمان و داود – عليهما السلام – من أزهد أهل زمانهما ، و لهما من المال و الملك و النساء ما لهما ، و كان نبينا صلى الله عليه و سلم من أزهد البشر على الإطلاق ، و له تسع نسوة ، و كان على بن أبي طالب و عبد الرحمن بن عوف و الزبير و عثمان – رضي الله عنهم - من الزهاد مع ما كان لهم من الأموال ، و غيرهم كثير ، و قد سئل الإمام أحمد : أيكون الإنسان ذا مال و هو زاهد ، قال : نعم ، إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه ، و قال الحسن : ليس الزهد بإضاعة المال ولا بتحريم الحلال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ، و أن تكون حالك في المصيبة ، و حالك إذا لم تصب بها سواء ، و أن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء .هذه هي حقيقة الزهد، وعلى هذا فقد يكون العبد أغنى الناس لكنه من أزهدهم ؛ لأنه لم يتعلق قلبه بالدنيا،وقد يكون آخر أفقر الناس وليس له في الزهد نصيب ؛لأن قلبه يتقطع على الدنيا.

من أقسام الزهد:

و الزهد في الحرام فرض عين ، أما الزهد في الشبهات ، فإن قويت الشبهة التحق بالواجب ، وإن ضعفت كان مستحباً ، و هناك زهد في فضول الكلام و النظر و السؤال و اللقاء و غيره ، وزهد في الناس ، و زهد في النفس حيث تهون عليه نفسه في الله ، و الزهد الجامع لذلك كله ، هو الزهد فيما سوى ما عند الله ، و في كل ما يشغلك عن الله ، و أفضل الزهد إخفاء الزهد، وأصعبه الزهد في الحظوظ .

من فضائل الزهد:

لقد مدح الله تعالى الزهد في الدنيا و ذم الرغبة فيها في غير موضع فقال تعالى: ( و فرحوا بالحياة الدنيا و ما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ) " سورة الرعد : 26 " وقال عز وجل: (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس:24)

و قال: ( لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم و الله لا يحب كل مختال فخور ) " سورة الحديد : 23 " . و قال تعالى حاكياً عن مؤمن آل فرعون أنه قال: ( يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع و إن الآخرة هي دار القرار ) " سورة غافر : 39 ". و عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : " كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها ؛ فإنها تزهد في الدنيا و تذكر الآخرة " . و عن سهل بن سعد الساعدي – رضي الله عنه قال : أتى النبي صلى الله عليه و سلم رجل فقال : يا رسول الله دلني على عمل ، إذا أنا عملته ، أحبني الله ، و أحبني الناس فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم : "ازهد في الدنيا يحبك الله ، و ازهد فيما في أيدي الناس يحبوك ". و عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : " لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء " .

الأنبياء أزهد الناس:

الأنبياء و المرسلون هم قدوة البشر في الزهد في الدنيا و الرغبة في الآخرة : ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) و من طالع حياة سيد الأولين و الآخرين علم كيف كان صلى الله عليه و سلم يرقع ثوبه ، و يخصف نعله ، و يحلب شاته ، و ما شبع من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض ، و كان لربما ظل اليوم يتلوى لا يجد من الدقل ( رديء التمر ) ما يملأ بطنه ، و في غزوة الأحزاب ربط الحجر على بطنه من شدة الجوع ، و يمر على أهله الهلال ثم الهلال ثم الهلال لا يوقد في بيتهم النار ، طعامهم الأسودان : التمر و الماء ، و كان يقول : " اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فاغفر للأنصار و المهاجرة ". و عن عائشة – رضي الله عنها قالت : " إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي ينام عليه أدماً حشوه ليف " ، و أخرجت رضي الله عنها كساءً ملبداً و إزاراً غليظاً فقالت : " قبض رسول الله صلى الله عليه و سلم في هذين ".

الصالحون على درب الأنبياء ساروا:

و لما كان صلى الله عليه و سلم هو الأسوة و القدوة ، فقد سار على دربه الأفاضل ، فعن على – رضي الله عنه أنه قال : طوبى للزاهدين في الدنيا و الراغبين في الآخرة أولئك قوم اتخذوا الأرض بساطاً ، و ترابها فراشاً ، و ماءها طيباً ، و الكتاب شعاراً ، و الدعاء دثاراً ، و رفضوا الدنيا رفضاً . و كتب أبو الدرداء إلى بعض إخوانه ، أما بعد : فإني أوصيك بتقوى الله ، و الزهد في الدنيا ، و الرغبة فيما عند الله ، فإنك إذا فعلت ذلك أحبك الله لرغبتك فيما عنده ، و أحبك الناس لتركك لهم دنياهم، و السلام.

و عن عروة بن الزبير أن أم المؤمنين عائشة جاءها يوماً من عند معاوية ثمانون ألفاً ، فما أمسى عندها درهم ، قالت لها جاريتها : فهلا اشتريت لنا منه لحماً بدرهم ؟ قالت : لو ذكرتني لفعلت .

و قال ابن مسعود – رضي الله عنه - : الدنيا دار من لا دار له ، و مال من لا مال له ، و لها يجمع من لا علم له . و لما قدم عمر – رضي الله عنه – الشام تلقاه الجنود و عليه إزار و خفان و عمامة ، و هو آخذ برأس راحلته يخوض الماء ، فقالوا : يا أمير المؤمنين ، يلقاك الجنود و بطارقة الشام و أنت على حالتك هذه ، فقال : " إنا قوم أعزنا الله بالإسلام ، فلن نلتمس العز بغيره ".

و دخل رجل على أبي ذر – رضي الله عنه – فجعل يقلب بصره في بيته ، فقال يا أبا ذر : ما أرى في بيتك متاعاً ، ولا أثاثاً ، فقال : إن لنا بيتاً نوجه إليه صالح متاعنا و قال : إن صاحب المنزل لا يدعنا فيه .

وكان عمرو بن العاص – رضي الله عنه- يخطب بمصر و يقول : ما أبعد هديكم من هدي نبيكم صلى الله عليه و سلم ، أما هو فكان أزهد الناس في الدنيا و أما أنتم فأرغب الناس فيها . و قال على – رضي الله عنه – تزوجت فاطمة ومالي و لها فراش إلا جلد كبش ، كنا ننام عليه بالليل ، و نعلف عليه الناضح ( البعير ) بالنهار ومالي خادم غيرها ، و لقد كانت تعجن ، و إن قصتها لتضرب حرف الجفنة من الجهد الذي بها . و لما حضرت الوفاة معاذ بن جبل – رضي الله عنه – قال: اللهم إنك تعلم أني لم أكن أحب الدنيا و طول البقاء فيها لكرى الأنهار ، ولا لغرس الأشجار ، و لكن لظمأ الهواجر ، و مكابدة الساعات ، و مزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر . و قد ذكر الإمام أحمد أن أفضل التابعين علماً سعيد بن المسيب ، أما أفضلهم على جهة العموم و الجملة فأويس القرني ، و كان أويس يقول : توسدوا الموت إذا نمتم و اجعلوه نصب أعينكم إذا قمتم ، و قال مالك بن دينار : يعمد أحدهم فيتزوج ديباجة الحي ( فاتنة الحي ) ، فتقول : أريد مرطاً ( أكسية من صوف ) فتمرط دينه ( أى تذهب به ) . و كان كثير من السلف يعرض لهم بالمال الحلال ، فيقولون : لا نأخذه ، نخاف أن يفسد علينا ديننا ، و كان حماد بن سلمة إذا فتح حانوته و كسب حبتين قام ، و كان سعيد بن المسيب يتجر في الزيت ، و خلف أربعمائة دينار ، و قال : إنما تركتها لأصون بها عرضي وديني . و قال سفيان الثورى : الزهد في الدنيا قصر الأمل ، ليس بأكل الغليظ ولا بلبس العباءة . و قال الشافعي في ذم الدنيا و التمسك بها:

و ما هى إلا جيفة مستحيلة

عليها كلاب همهن اجتذابها

فإن تجتنبها كنت سلما لأهلها

وان تجتذبها نازعتك كلابها

وكان أبو سليمان الداراني يقول : كل ما شغلك عن الله ، من أهل ومال وولد فهو مشؤوم .

طويت الدنيا عمن هم أفضل منا:

ويكفي أن في الزهد التأسي برسول الله صلي اله عليه وسلم وصحابته الكرام ، كما أن فيه تمام التوكل على الله ، وهو يغرس في القلب القناعة،إنه راحة في الدنيا وسعادة في الآخرة . و الزاهد يحبه الله ويحبه الناس فإن امتلكت فاشكر، وأخرج الدنيا من قلبك ، وان افتقرت فاصبر فقد طويت عمن هم أفضل منك ، فقد كان نبيك صلي الله عليه وسلم نيام على الحصير حتى يؤثر في جنبه ، ومات وفي رف أم المؤمنين عائشة حفنة من الشعير تأكل منها ، وكنت إذا دخلت بيوت رسول الله صلي الله عليه وسلم نلت السقف ، وخطب عمر بن الخطاب وهو خليفة المؤمنين وعليه إزار به اثنتا عشرة رقعة .

لقد طويت الدنيا عنهم ولم يكن ذلك لهوانهم على الله ، بل لهوان الدنيا عليه سبحانه .، فهي لا تزن عنده جناح بعوضه ، وركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها . فلا تأس ولا تجزع على ما فاتك منها ، ولا تفرح بما أتاك؛ فالمؤمن لا يجزع من ذلها ولا يتنافس في عزها له شأن و للناس شان ، وكن عبداً لله في عسرك و يسرك و منشطك ومكرهك ، وسواء أقبلت عليك الدنيا أو أدبرت فإقبالها إحجام ، وإدبارها إقدام ، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #984
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:01 PM
Parent: #893

إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب" جملة عظيمة قالها لقمان عليه السلام لابنه وهو يعظه، ولا شك أنها وصية عظيمة جليلة لو عمل بها الناس لاستراحوا وأراحوا، ألا ترى أن اللسان على صغره عظيم الخطر، فلا ينجو من شرِّ اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فيكفه عن كل ما يخشى عاقبته في الدنيا والآخرة. أما من أطلق عذبة اللسان، وأهمله مرخيَ العنان، سلك به الشيطان في كل ميدان، وساقه إلى شفا جرف هارٍ، أن يضطره إلى دار البوار، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم.

فعن معاذ رضي الله عنه قال: "كنت مع النبي صلى اللّه عليه وسلم في سفر فأصبحت يوما قريبا منه ونحن نسير فقلت يا رسول اللّه أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: لقد سألتني عن عظيم وإنه ليسير على من يسره اللّه عليه: تعبد اللّه ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت، ثم قال: ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل، قال: ثم تلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ)[السجدة:16] حتى بلغ (يعملون) ثم قال: ألا أخبركم برأس الأمر كله وعموده وذروة سنامه: قلت: بلى يا رسول اللّه قال: رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله، قلت بلى يا رسول اللّه، قال: فأخذ بلسانه، قال: كف عليك هذا. فقلت: يا نبي اللّه وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال: ثكلتك أمك يا معاذ، وهل يكب الناس في النار على وجوههم، أو على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم".

احـفظ لســانك أيهـا الإنســـــان لا يلــــدغـنـــك إنـــه ثعــبـــان

كـم فـي المقابر مـن قتيل لسـانه كـانت تخــاف لقـاءه الشــجعان

أطايبُ الكلام تُورث سكنى أعالي الجنان:

عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غُرفًا يُرى ظاهرها من باطنها وباطُنها من ظاهرها، أعدَّها الله تعالى لمن أطعم الطعام، وألان الكلام، وتابع الصيام، صلَّى بالليل والناسُ نيام".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أطِب الكلام، وأفشِ السلام، وصِل الأرحام، وصلِّ بالليل والناس نيام، ثم ادخل الجنة بسلام". ومما يدل على عظم خطورة اللسان قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى، ما كان يظنُّ أن تبلغ ما بلغت، يكتُبُ الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه، وإن الرجل ليتكلَّم بالكلمة من سخط الله، ما كان يظنُّ أن تبلغ ما بلغت، يكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه" .

وعن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله! حدِّثني بأمرٍ أعتصم به؛ قال: "قل: ربي الله ثم استقم". قلت: يا رسول الله! ما أخوفُ ما تخاف عليَّ؟ فأخذ بلسان نفسه ثم قال: "هذا".

ومن حفظ اللسان طول الصمت إلا عن خير:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليك بُحسن الخلُق، وطول الصمت، فوالذي نفسي بيده، ما تجمَّل الخلائق بمثلهما".

وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أي المسلمين أفضل؟ قال: "من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله! أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: "الصلاة على ميقاتها" قلت: ثم ماذا يا رسول الله؟ قال: "أن يسلم المسلمون من لسانك".

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: جاء أعرابيٌُّ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! علِّمني عملاً يدخلني الجنة. قال: "إن كنت أقصرتَ الخُطبة لقد أعرضت المسألة، اعتقِ النسمة، وفُكَّ الرقبة، فإن لم تُطِق ذلك، فأطعم الجائع، واسقِ الظمآن، وأمر بالمعروف، وانه عن المنكر، فإن لم تُطق ذلك، فكُفَّ لسانك إلا عن خير". وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: قلتُ: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: "أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك".

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبُه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل الجنة رجل لا يأمن جارُه بوائقه". وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنك لن تزال سالمًا ما سكتَّ، فإذا تكلَّمت كُتِبَ لك أو عليك".

وعن معاذ رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! أوصني. قال: "اعبد الله كأنك تراه، واعدد نفسك في الموتى، وإن شئت أنبأتك بما هو أملك بك من هذا كله". قال: "هذا". وأشار بيده إلى لسانه صلى الله عليه وسلم. وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تُكفِّر اللسان؛ فتقول: اتق الله فينا، فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا".

و قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يضمنُ لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة".

وعن أبي بكر رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: "ليس شيء من الجسد إلا يشكو ذرَب اللسان على حدَّته" .

وصح عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "والذي لا إله غيره؛ ما على ظهر الأرض من شيء أحوج إلى طول سجنٍ من لسان".

وعن أسلم أن عمر رضي الله عنه دخل يومًا على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مَه، غفر الله لك. فقال له أبو بكر: إن هذا أوْردني شرَّ الموارد.

أقسام الكلام:

ويدلك على فضل الصمت أمرٌ، وهو أن الكلام أربعة أقسام:

1- قسم هو ضررٌ محض. 2- وقسم هو نفع محض.

3- وقسم هو ضررٌ ومنفعة. 4-قسم ليس فيه ضررٌ ولا منفعة.

أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة لا تفي بالضرر.

وأما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فُضُول ، والاشتغال به تضييع زمان، وهو عين الخسران، فلا يبقى إلا القسم الرابع؛ فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي رُبع، وهذا الربع فيه خطر، إذ يمتزجُ بما فيه إثم، من دقيق الرياء والتصنُّع والغيبة وتزكية النفس، وفضول الكلام، امتزاجًا يخفى دركُه، فيكون الإنسان به مخاطرًا.

ومن عرف دقائق آفات اللسان، علم قطعًا أن ما ذكره صلى الله عليه وسلم هو فصلُ الخطاب، حيث قال: "من صمت نجا". فلقد أوتي والله جواهر الحكم، وجوامع الكلم، ولا يعرف ما تحت آحاد كلماته من بحار المعاني إلا خواصُّ العلماء.

تعلموا الصمت كما تعلمه الأسلاف:

قال مورّق العجْلي رحمه الله: تعلمت الصمتَ في عشر سنين، وما قلتُ شيئًا قط -إذا غضبتُ- أندمُ عليه إذا زال غضبي.

إبراهيم بن أدهم:

قال أبو إسحاق الفزراي: كان إبراهيم بن أدهم رحمه الله يطيل السكوت، فإذا تكلم ربَّما انبسط. قال: فأطال ذات يومٍ السكوت، فقلتُ: لو تكلَّمتَ؟ فقال: الكلام على أربعة وُجوه: فمن الكلام كلامٌ ترجو منفعته، وتخشى عاقبته، والفضل في هذا: السلامة منه. ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته ولا تخشى عاقبته، فأقلُّ ما لك في تركه خِفَّة المؤنة على بدنك ولسانك. ومن الكلام كلام لا ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا قد كفي العاقل مؤنته. ومن الكلام كلام ترجو منفعته وتأمن عاقبته، فهذا الذي يجب عليك نشره. قال خلف بن تميم: فقلتُ لأبي إسحاق: أراهُ قد أسقط ثلاثة أرباع الكلام؟ قال: نعم.

عن أم حبيب زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل كلام ابن آدم عليه لا له، إلا أمرٌ بالمعروف، أو نهي عن منكر، أو ذكر الله".

الصمــت زيـن والسـكوت سـلامة فإذا نطقت فلا تكــن مكثـاراً

فـإذا نــدمت على ســكوتك مـرة فلتندمـن علـى الكلام مـراراً

وقال محمد بن النضر الحارثي: كان يقال: كثرة الكلام تذهب بالوقار.

وقال محارب: صحبنا القاسم بن عبد الرحمن، فغلبنا بطول الصمت، وسخاء النفس، وكثرة الصلاة.

وعن الأعمش عن إبراهيم قال: كانوا يجلسون فأطولهم سكوتًا أفضلهم في أنفسهم.

وقال فضيل بن عياض رحمه الله: ما حجٌّ ولا رباطٌ ولا اجتهاد أشد من حبس اللسان، ولو أصبحت يُهمُّك لسانُك أصبحتَ في غمٍّ شديد.

وقال رحمه الله: سجن اللسان سجن المؤمن، وليس أحد أشدَّ غمًّا ممن سجن لسانه.

وعن عمر بن عبد العزيز قال: إذا رأيتم الرجل يُطيل الصمت ويهرب من الناس، فاقتربوا منه؛ فإنه يُلَقَّن الحكمة.

وقال رجل لعبد الله بن المبارك رحمه الله: ربما أردتُ أن أتكلَّمَ بكلام حسن، أو أُحدِّث بحديث فأسكتُ، أريد أن أُعوِّد نفس السكوت. قال: تُؤجَرُ في ذلك وتشرُف به.

وقال عبد الله بن أبي زكريا: عالجتُ الصمت عشرين سنة، فلم أقدر منه على ما أريد.

وعن مسلم بن زياد قال: كان عبد الله بن أبي زكريا لا يكاد أن يتكلَّم حتى يُسأل، وكان من أبشِّ الناس وأكثرهم تبسُّمًا.

وقال خارجة بن مصعب: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلّم بكلمة كتبها عليه الكرامُ الكاتبون.

قال محمد بن واسع لمالك بن دينار: يا أبا يحيى، حفظ اللسان أشدُّ على الناس من حفظ الدينار والدرهم.

ترك الكلام فيما لا يعني:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من حسن إسلام المرء تركُهُ ما لا يعنيه" .

وقال الأوزاعي: كتب إلينا عمر بن عبد العزيز رحمه الله: أما بعد: فإن من أكثر ذكر الموت، رضي من الدنيا باليسير، ومن عدَّ كلامه من عمله قلَّ كلامُه إلا فيما يعنيه.

وقال عطاء بن أبي رباح لمحمد بن سُوقة وجماعة: يا بني أخي، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام، وكانوا يعدون فضول الكلام ما عدا كتاب الله أن تقرأه أو تأمر بمعروف، أو تنهى عن منكر، أو تنطق بحاجتك في معيشتك التي لا بد لك منها، أتنكرون: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ) [الانفطار:10، 11]، (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) [ق:17، 18]. أمَا يستحي أحدكم أنه لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره، كان أكثر ما فيها، ليس من أمر دينه، ولا دُنياه.

وقد مر بنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه عنه بلال بن الحارث: "إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله...."الحديث. وكان علقمة يقول: كم من كلام منعنيه حديث بلال بن الحارث رضي الله عنه.

وعن الحسن قال: يا ابن آدم، بُسطت لك صحيفة، ووُكِّل بك ملكان كريمان يكتبان عمَلك، فأكثر ما شئت أو أقلَّ.

وكان رحمه الله يقول: من كثر ماله كثرت ذُنُوبه، ومن كثر كلامه كثر كَذِبُه، ومن ساء خلُقه عذَّب نفسه.

وكان طاووس يعتذر من طول السكوت، ويقول: إني جرَّبتُ لساني فوجدته لئيمًا راضعًا.

[واللئيم الراضع هو الخسيس الذي إذا نزل به الضيف رضع بفيه شاته لئلا يسمعه الضيف فيطلب اللبن].

وقال إبراهيم التيمي: المؤمن إذا أراد أن يتكلم نظر، فإن كان كلامه له تكلم، وإلا أمسك عنه.

فاحفظ لسانك أيها الحبيب تنج:

عـود لســانك قول الخير تنج به مـن زلة اللفظ أو من زلة القـدم
ماهر السيد

Post: #985
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:03 PM
Parent: #893

إن المروءة سجيةٌ جُبلت عليها النفوس الزكية، وشيمةٌ طبعت عليها الهمم العلية، وضعفت عنها الطباع الدنية، فلم تطق حمل أشراطها السنية. إنها حلية النفوس، وزينة الهمم، فما هي حقيقتها؟

حقيقة المروءة:

اعلم – وفقك الله لكل خير – أن حقيقة المروءة اتصاف النفس بصفات الكمال الإنساني التي فارق بها الحيوان البهيم، والشيطان الرجيم، إنها غلبة العقل للشهوة، وحدُّ المروءة: استعمال ما يُجمل العبد ويزينه، وترك ما يدنسه ويشينه، سواءٌ تعلق ذلك به وحده، أو تعداه إلى غيره.

قال بعض السلف: خلق الله الملائكة عقولاً بلا شهوة، وخلق البهائم شهوة بلا عقول، وخلق ابن آدم وركّب فيه العقل والشهوة، فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة، ومن غلبت شهوته عقله التحق بالبهائم.

مروءة كل شيء بحسبه:

إذا علمنا أن المروءة هي استعمال كل خلق حسن، واجتناب كل خلق قبيح؛ فإن لكل عضو من الأعضاء مروءة على ما يليق به:

· فمروءة اللسان: حلاوته وطيبه ولينه.

· ومروة الخلق: سعته وبسطه للحبيب والبغيض.

· ومروءة المال: بذله في المواقع المحمودة شرعًا وعقلاً وعرفًا.

· ومروءة الجاه: بذله للمحتاج إليه.

· ومروءة الإحسان: تعجيله وتيسيره، وعدم رؤيته، وترك المنة به.

وهذه هي مروءة البذل والعطاء، أما مروءة الترك فتعني ترك الخصام والمعاتبة، والمماراة، والتغافل عن عثرات الناس.

دواعي المروءة:

إن أعظم دواعي المروءة شيئان:

أحدهما: علو الهمة. والثاني: شرف النفس.

أما علو الهمة: فلأنه باعث على التقدم والترقي في المكارم أنفة من خمول الضعة، واستنكارًا لمكانة النقص، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها".

وقال عمر رضي الله عنه: "لا تصغرن هممكم؛ فإني لم أر أقعد عن المكرمات من صغر الهمة".

وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسامُ

وأما شرف النفس: فبه يكون قبول التأديب، واستقرار التقويم؛ فإن النفس إذا شرفت كانت للآداب طالبة، وفي الفضائل راغبة، وعن الدنايا والرذائل نائية، قال بعض الشعراء:

إذا أنت لم تعـرف لنفسك حقها.. ... ..هوانًا بها كانت على النـاس أهـونا

فنفسك أكرمها وإن ضاق مسكنٌ.. ... ..عليـك لها فاطلب لنفسك مسكنا

وإيــــاك والسكنى بمنـزل ذلـــةٍ.. ... ..يُعدُّ مسيئًا فيـه مَن كـان مُحسنا

وقال الحُصين بن المنذر الرقاشي:

إن المروءة ليس يدركها امرؤٌ.. ... ..ورث المكـارم عن أبٍ فأضاعها

أمرته نفسٌ بالـدناءة والخنا.. ... ..ونهته عن سُبُل العـلا فأطاعهـا

فإذا أصاب من المكارم خُلَّةً.. ... ..يبني الكريمُ بهـا المكــارم باعها

شروط المروءة وحقوقها:

ذكر بعضهم للمروءة حقوقًا وشروطًا، وهي تنقسم إلى قسمين:

أحدهما: شروط المروءة في النفس. والثاني: شروط المروءة في الغير.

أما شروط المروءة في النفس: فهي:

(1) العفة: وهي نوعان:

· عفة عن المحارم: وتكون بكف الفرج عن الحرام، وكف اللسان عن الأعراض.

· وعفة عن المآثم.

(2) النزاهة: وتعني النزاهة عن المطامع الدنيوية، ومواقف الريبة والتهمة.

أما حسم المطامع الدنيوية فيكون باليأس مما في أيدي الناس، والقناعة بما قسم الله تعالى.

وأما النزاهة عن مواقف الريبة: فلنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم – وهو أبعد الخلق عن الريب – أسوة حسنة؛وقف ذات ليلة يحادث أم المؤمنين صفية رضي الله عنها على باب المسجد، فمر به رجلان من الأنصار، فلما رأياه أسرعا، فقال لهما: "على رسلكما، إنها صفية"، فقالا: أوَفيك شك يا رسول الله؟ قال: "إن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم، فخشيت أن يقذف في قلبيكما سوءًا". فحري بغيره أن يستعمل الحزم ويغلِّب الحذر، ويترك مواقف الريب، ومظان التهم.

(3)الصيانة: وهي نوعان:

· صيانة النفس بالتماس ما يكفيها.

· صيانتها عن تحمل المنن من الخلق.

شروط المروءة في الغير:

أما شروط المروءة في الغير فثلاثة:

(1) المعاونة والمؤازرة: وهي تعني: الإسعاف بالجاه، والإسعاف في النوائب.

وقد قيل: لم يسُدْ من احتاج أهله إلى غيره. وقال الأحنف عن المروءة: صدق اللسان، ومواساة الإخوان.

(2) المياسرة: وهي السماحة والسهولة وهي على نوعين: العفو عن الهفوات، والمسامحة في الحقوق.

أما العفو عن الزلات والهفوات: فلأنه لا مُبَّرأ من سهو أو زلل، وقد قال الحكماء: لا صديق لمن أراد صديقًا لا عيب فيه.

وقال بعض الأدباء: ثلاث خصال لا تجتمع إلا في كريم: حُسْنُ المحضر، واحتمال الزلة، وقلة الملال.

وقال ابن الرومي:

فعذرك مبسـوطٌ لذنب مقدم.. ... ..وودُّك مقبــول بأهلٍ ومرحبِ

ولو بلغتـني عنك أذني أقمتُها.. ... ..لديَّ مقام الكاشح المتكــذِّب

فلستُ بتقليب اللسان مصارمًا.. ... .. خليـلاً إذا ما القلبُ لم يتقلب

وأما المسامحة في الحقوق والأموال: فتتنوع إلى إسقاط الحق أو تخفيفه.

(3) الإفضال: فذو المروءة يجود بماله، فهو إما يجود بماله على من أدَّى إليه معروفًا ولو كان يسيرًا، كما جاد الشافعي رحمه الله على غلام ناوله سوطه حين سقط منه فأعطاه سبعة دنانير، وقد يجود لتأليف قلبٍ، أو صيانة عرضٍ من الحساد والحاقدين والسفهاء.

قالوا عن المروءة:

· قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: "للسفر مروءة، وللحضر مروءة، فأمام مروءة السفر: فبذل الزاد، وقلَّة الخلاف على الأصحاب، وكثرة المزاح في غير مساخط الله. وأما المروءة في الحضر: فالإدمان إلى المساجد، وتلاوة القرآن، وكثرة الإخوان في الله عز وجل.

· وسئل سفيان الثوري عن المروءة: ما هي؟ قال: "الإنصاف من نفسك والتفضُّل؛ قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ) وهو الإنصاف، (وَالإِحْسَان) وهو التفضل، ولا يتمُّ الأمر إلاَّ بهما؛ ألا تراه لو أعطى جمع ما يملك ولم يُنصف من نفسه، لم تكن له مروءة؟! لأنه لا يريد أن يُعطي شيئًا إلا أن يأخذ من صاحبه مثله، وليس مع هذا مروءة".

· وقيل لسفيان بن عيينة: قد استنبطت من القرآن كلَّ شيء، فأين المروءة فيه؟ فقال: في قوله تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)[الأعراف:199]. ففيه المروءة، وحُسن الأدب، ومكارم الأخلاق، فجمع في قوله: (خُذِ الْعَفْوَ) صلة القاطعين، والعفو عن المذنبين، والرفق بالمؤمنين، وغير ذلك من أخلاق المطيعين. ودخل في قوله: (وأْمُرْ بالعُرفِ): صلة الأرحام، وتقوى الله في الحلال والحرام، وغضُّ الأبصار، والاستعداد لدار القرار. ودخل في قوله: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ): الحض على التخلُّق بالحلم، والإعراض عن أهل الظلم، والتنزُّه عن منازعة السفهاء، ومساواة الجهَلة والأغبياء، وغير ذلك من الأخلاق الحميدة، والأفعال الرشيدة.

· وقال الشعبي: "تعامَل الناسُ بالدِّين زمانًا طويلاً، حتى ذهب الدينُ، ثم تعاشروا بالمروءة حتى ذهبت المروءة، ثم تعاشروا بالحياء، ثم تعاشروا بالرغبة والرهبة، وأظنُّه سيأتي بعد ذلك ما هو شرٌّ منه".

· وقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين: "كمال المروءة: الفقه في الدين، والصبر على النوائب، وحسن تدبير المعيشة".

· وقال ميمون بن ميمون: "أول المروءة: طلاقة الوجه، والثاني: التودُّد، والثالث: قضاء الحوائج".

· وقال ابن سلام: "حدُّ المروءة: رعْيُ مساعي البرِّ، ودفع دواعي الضر، والطهارة من جميع الأدناس، والتخلُّص من عوارض الالتباس، حتى لا يتعلق بحاملها لوْم، ولا يلحق به ذم، وما من شيء يحمل على صلاح الدين والدنيا، ويبعث على شرف الممات والمحيا، إلاَّ وهو داخل داخل تحت المروءة.
ماهر السيد

Post: #986
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:05 PM
Parent: #893

الهزيمة النفسية
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:

قد ينكسر الضعيف أمام القوي بسبب التخييل، ويحدث نوع من الشعور بالإحباط والدونية بسبب سياسات التهويل والتهوين، مما يساعد شياطين الجن والإنس – على ضعفهم – من التسلط على بعض المسلمين، ومع ضعف البصيرة أو غيابها قد يستحكم الأمر في حياة الأفراد والدول والجماعات، وننتقل من هزيمة نفسية إلى هزيمة في ساحة الحرب، بحيث يستولي العدو على البلاد والعباد، وتضيع معالم الحق والحقيقة.... وإليك بعض صور الهزيمة النفسية:

هزيمة القيم والأفكار والمبادئ

سنة لعق الأصابع بعد الطعام:

حدث أن ركب مسلمٌ السفينةَ مع بعض الأجانب، وبعد أن فرغ من تناول الطعام ، استحيا أن يلعق أصابعه خشية أن يُتهم بقلة الذوق أو عدم مراعاة معاني الإتكيت، ولكن ما أن فرغ الأجانب من تناول الطعام حتى قاموا بلعق أصابعهم، فأسقط في يده، فيا ليته كان سباقاً في تطبيق السنة، وبدلاً من أن يكون متبوعا في العمل بها صار تابعا للأجانب.

مصافحة المرأة الأجنبية والاختلاط والتبرج:

ومن صور الهزيمة النفسية ما نراه من مصافحة المرأة الأجنبية والاختلاط والتبرج وإدخال المرأة الرجلَ المنزل في غياب زوجها... يحدث ذلك بسبب وطأة العرف والواقع وادعاءات المعقولية، وفعل الأغلبية والكثرة،ومجاراة الآخرين، والخطورة أن هذه المخالفات تحدث عن علم بالآثار والسنن، ولا سبب لذلك إلا ضعف الإيمان واليقين، وإلا فمع قوة العزائم يثبت الإنسان على الحق، ولو كان وحده، ويقول لنفسه: اسلك طريق الهدى ولا يضرك قلة السالكين، وإياك وطرق الضلالة ولا تغتر بكثرة الهالكين.

ملكات الجمال والموضة والمشاهير:

وفي نفس الإطار تم الترويج لمسابقات ملكات الجمال، وصارت الحياة متابعة للموضات والتسريحات، وانخدعت شعوب العالم الإسلامي وغيرها بمشاهير الراقصين والمغنين والممثلين والرياضة! بريق يكاد يخطف الأبصار ، وينسينا الحقيقة التي خلقنا لأجلها :(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ (56) الذاريات.

وتراجعت بسبب ذلك معاني الإيمان ومكانة علماء الدين بسبب هذه الهجمة الشرسة عند الكثيرين.

هزيمة المعتقدات

الخجل من المصطلحات الشرعية:

وإذا كان البعض يخجل من إظهار بعض شعائر الإسلام كاللحية والنقاب... فالبعض الآخر هزيمته تتعلق بأصل الدين، فلا يمكن أن يتكلم بكلمة الإسلام الواضحة، وإذا اضطر استخدم كلمة الأديان السماوية، وهكذا تشوه الحقائق، والله عز وجل يقول: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (آل عمران: 19).

الهزيمة السياسية و الحربية:

لقد استطاع الأعداء أن يخيلوا على ضعاف البصر والبصيرة من هذه الأمة، ويوهموهم أنهم القوة التي لا تقهر، وأنهم أصحاب النظام العلمي والشرعية الدولية، بيدهم تدمير العالم، كأنهم يقولون للشيء كن فيكون، وكأنهم يعلمون دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، وصدَّق التُعساءُ ذلك ممن تناسوا شريعة ربهم والواقع من حولهم، وأجاد الآخرون هذه الصنعة، فصوروا استخباراتهم على أنها أولى استخبارات العالم، وأنهم يمتلكون القنبلة النووية، كما يمتلكون الذراع الطويلة، وحبكا للقصة يصورون هذه المعلومات وكأنه قد تم تسريبها – رغم أنوفهم – . ثم إن الأعداء مثلهم كمن يصدر لنا ضعفه، وكما يقال: رمتني بدائها وانسلت. يقول العليم الخبير: (مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) (العنكبوت :41). فلا حيلة لهم في مواجهة الزلازل والأعاصير والفيضانات التي تجتاحهم، كما أنهم لا يثبتون في مواجهة المؤمنين الذين يتسلحون بسلاح الإيمان، فقد كان الروم يفرون من المعركة إذا سمعوا بمجيء خالد بن الوليد – رضي الله عنه - ، وامتلاك الأقمار الصناعية والأسلحة الفتاكة العصرية لم يغير شيئاً من الواقع والحقيقة، فالقتال في المعركة أولا وأخيرا يحتاج إلى رجال باعوا أنفسهم لله – عز وجل - شأن أواخرهم كشأن أوائلهم ، انظر لفعل ربك بقوم عاد الذين قالوا : من أشد منا قوة؟ لقد سخر الله عليهم ريحا صرصرا ولم تبق منهم باقية!. وكذلك ثمود وفرعون .... وغيرهم من الجبارين (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ . إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ . الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ . وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ . وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ . الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ . فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ . فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ . إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ ).( الفجر: 6-14) فالكافر مهما تبجح بجبروته وعنفوانه لا يستطيع أن يخفي قصوره وعجزه أمام خالق الأرض والسموات :(يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) . ( فاطر15).

خطورة الغزو الفكري:

لقد انتبهت الدول لخطورة الغزو الفكري، ولذلك فهي تنفق الملايين وتنشئ الوزارات للإعلام تحصينا لأبنائها من هذا الغزو، ولمحاولة إلحاق بالهزيمة النفسية بالخصوم ، وكانت ألمانيا أيام النازية رائدة في هذا المجال وقت الحرب العالمية، ونحن بدورنا بحاجة للتعرف على أساليب هذا الغزو، وتحصين المسلمين من الطابور الخامس وتخذيل الأعداء، كما صنع النبي – صلى الله عليه وسلم – في غزوة أحد ، والحرب خدعة ، فالأعداء يشيعون شائعة الأمن لكي نسترخي ولا نستعد،ويشيعون شائعة الخوف لكي نرتعد ونجبن: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (آل عمران: 175).

لقد استسلمت بعض بلاد الشام بسبب الهزيمة النفسية التي استولت على الكثير من النفوس حين كانت أخبار مذابح التتار تسبق قدومهم ، ثم استطاع قطز و بيبرس – بفضل الله – الانتصار عليهم و دحرهم و كسر شوكتهم في عين جالوت .

ما السبيل ؟

لا سبيل للخروج من هذه الحالة المزرية إلا بالعودة الصادقة لمنهج الأنبياء و المرسلين: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ). (المنافقون: 8) ).

لقد واجه الأنبياء أممهم بدعوة الحق غير هيابين و لا وجلين ، و ما انكسرت نفوسهم في مواجهة الأباطيل ، و كان لسان حال نبيكم ينطق : و الله لو وضعوا الشمس في يميني و القمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه ، عرضت عليه قريش الملك و المال و الجاه و التطبيب إن كان به علة ، فما لانت له قناة في مواجهة الشرك و أهله . و ما ضعفت نفس نبي الله إبراهيم - عليه السلام - من قبلُ وهو يدعو أباه و قومه ، يُقذف في النار فيقول :حسبي الله ونعم الوكيل ، تتزلزل الجبال و لا تتزحزح معاني الإيمان في نفوس الأنبياء ، لما أ درك فرعون نبي الله موسى و من آمن معه فكانت الهلكة محققة ، وفرعون و جنوده خلفهم ، و البحر أمامهم ، فقالت بنو إسرائيل : إنا لمدركون ، قال نبي الله موسى : كلا إن معي ربي سيهدين ، و الأتباع لهم حظهم و نصيبهم من صلابة النفس و انتصارها في جميع الميادين: (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأشْهَادُ) . (غافر :51).

لقد أدرك الأفاضل الغاية التي لأجلها خلقوا و لذلك كانت رباطة الجأش في أحرج اللحظات ، طالعوا قصة عبد الله بن حذافة السهمي و خبيب بن عدي و زيد بن الدثنة و أنس بن النضر و عاصم بن ثابت ، و كان خالد بن الوليد يقول للروم : جئتكم بقومٍ هم أحرص على الموت منكم على الحياة ، و كان ابن تيمية في محبسه بالقلعة بدمشق – يقول ما يفعل أعدائي بي؟ أنا سجني خلوة ، و قتلي شهادة ، و إخراجي من بلدي سياحة .

و لما أغلق عليه باب السجن قال : فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة – وهو الذي يليه – وظاهره من قبله العذاب – وهو الذي يليهم - .

إن هذه الأمة عندما تتمسك بشرع ربها لا ترهبها صولة الباطل ، ولا يؤثر فيها الغزو الفكري ، فلها طبيعتها الخاصة ، التي تفترق بها بين شعوب يفرون من المعارك ، لأنهم أحرص الناس على حياة ، وتمتلئ بهم المصحات النفسية ، لأن الدنيا هي كل همهم ومبلغ علمهم .

إن المؤمن الذي يصل الأرض بالسماء ، والدنيا بالآخرة يستعصي على الهزيمة النفسية: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) (الطلاق:2- 3).

وقد يعاني المصائب والمحن ولكن شعاره : (سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) (الطلاق :7.)

فالمسلم يعلم أن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا، فيستبشر الخير وقت الشدة، فلا يأس ولا قنوط من رحمة الله: (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ) (الشورى 28).

واستضعافه اليوم ليس نهاية المطاف، فسرعان ما يزول بإذن الله، ويتمخض عن إمامة في الدين: (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ )(القصص 5).

المسلم تحتوشه الشياطين فيجأر إلى الله ، ويكثر من ذكره سبحانه ، ويستشعر ألا حول ولا قوة إلا بالله ، فتتضاءل شياطين الإنس والجن بعد انتفاشها ، وتعود مدحورة حقيرة وذليلة.

وهكذا فالمؤمن له شأن وللناس شأن:(وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ ) (يوسف: 21).وأخيرا فإن الله عز وجل يقول:( ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين).
د/سعيد عبد العظيم

Post: #987
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:07 PM
Parent: #893

الجار قبل الدار.. مقولة شائعة بين الناس، وعلى قدر الجار يكون ثمن الدار، والجار الصالح من السعادة.

فضل الإحسان إلى الجار في الإسلام :

لقد عظَّم الإسلام حق الجار، وظل جبريل عليه السلام يوصي نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم بالجار حتى ظنَّ النبي أن الشرع سيأتي بتوريث الجار: "مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سَيُورِّثه". وقد أوصى القرآن بالإحسان إلى الجار: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ)[النساء:36].

وانظر كيف حض النبي صلى الله عليه وسلم على الإحسان إلى الجار وإكرامه: "...ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره". وعند مسلم: "فليحسن إلى جاره".

بل وصل الأمر إلى درجة جعل فيها الشرع محبة الخير للجيران من الإيمان، قال صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره ما يحب لنفسه".

والذي يحسن إلى جاره هو خير الناس عند الله: "خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره".

من هو الجار؟

الجار هو مَن جاورك، سواءٌ كان مسلمًا أو كافرًا، وأما حد الجوار فقد تعددت أقوال أهل العلم في بيان ذلك الحد، ولعل الأقرب – والعلم عند الله – أن ما تعارف عليه الناس أنه يدخل في حدود الجوار فهو الجار. والجيران يتفاوتون من حيث مراتبهم،فهناك الجار المسلم ذو الرحم ، وهناك الجار المسلم ، والجار الكافر ذو الرحم ،والجار الكافر الذي ليس برحم ،وهؤلاء جميعا يشتركون في كثير من الحقوق ويختص بعضهم بمزيد منها بحسب حاله ورتبته.

من صور الجوار:

يظن بعض الناس أن الجار هو فقط من جاوره في السكن، ولا ريب أن هذه الصورة هي واحدة من أعظم صور الجوار، لكن لا شك أن هناك صورًا أخرى تدخل في مفهوم الجوار، فهناك الجار في العمل، والسوق، والمزرعة، ومقعد الدراسة،... وغير ذلك من صور الجوار.

من حقوق الجار:

لا شك أن الجار له حقوق كثيرة نشير إلى بعضها، فمن أهم هذه الحقوق:

1- رد السلام وإجابة الدعوة:

وهذه وإن كانت من الحقوق العامة للمسلمين بعضهم على بعض، إلا أنها تتأكد في حق الجيران لما لها من آثار طيبة في إشاعة روح الألفة والمودة.

2- كف الأذى عنه:

نعم فهذا الحق من أعظم حقوق الجيران، والأذى وإن كان حرامًا بصفة عامة فإن حرمته تشتد إذا كان متوجهًا إلى الجار، فقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من أذية الجار أشد التحذير وتنوعت أساليبه في ذلك، واقرأ معي هذه الأحاديث التي خرجت من فم المصطفى صلى الله عليه وسلم:

· "والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن. قيل: مَنْ يا رسول الله؟ قال: مَن لا يأمن جاره بوائقه".

· ولما قيل له: يا رسول الله! إن فلانة تصلي الليل وتصوم النهار، وفي لسانها شيء تؤذي جيرانها. قال: "لا خير فيها، هي في النار".

"لا يدخل الجنة مَن لا يأمن جاره بوائقه".

· وجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه أذى جاره. فقال: "اطرح متاعك في الطريق". ففعل؛ وجعل الناس يمرون به ويسألونه. فإذا علموا بأذى جاره له لعنوا ذلك الجار. فجاء هذا الجار السيئ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو أن الناس يلعنونه. فقال صلى الله عليه وسلم: "فقد لعنك الله قبل الناس".

3- تحمل أذى الجار:

وإنها والله لواحدة من شيم الكرام ذوي المروءات والهمم العالية، إذ يستطيع كثير من الناس أن يكف أذاه عن الآخرين، لكن أن يتحمل أذاهم صابرًا محتسبًا فهذه درجة عالية: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ)[المؤمنون:96]. ويقول الله تعالى: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)[الشورى:43]. وقد ورد عن الحسن – رحمه الله – قوله: ليس حُسْنُ الجوار كفّ الأذى، حسن الجوار الصبر على الأذى.

4- تفقده وقضاء حوائجه:

إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما آمن بي من بات شبعانًا وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم". وإن الصالحين كانوا يتفقدون جيرانهم ويسعون في قضاء حوائجهم، فقد كانت الهدية تأتي الرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيبعث بها إلى جاره، ويبعث بها الجار إلى جار آخر، وهكذا تدور على أكثر من عشرة دور حتى ترجع إلى الأول.

ولما ذبح عبد الله بن عمر رضي الله عنهما شاة قال لغلامه: إذا سلخت فابدأ بجارنا اليهودي. وسألت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن لي جارين، فإلى أيهما أهدي؟ قال: "إلى أقربهما منكِ بابًا".

5- ستره وصيانة عرضه:

وإن هذه لمن أوكد الحقوق، فبحكم الجوار قد يطَّلع الجار على بعض أمور جاره فينبغي أن يوطن نفسه على ستر جاره مستحضرًا أنه إن فعل ذلك ستره الله في الدنيا والآخرة، أما إن هتك ستره فقد عرَّض نفسه لجزاء من جنس عمله: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46].

وقد كان العرب يفخرون بصيانتهم أعراض الجيران حتى في الجاهلية، يقول عنترة:

وأغض طرفي إن بدت لي جارتي.. ... ..حتى يواري جارتي مأواها

وأما في الإسلام فيقول أحدهم:

ما ضـر جاري إذ أجاوره ألا يـكــون لبـيـته ســــتـر

أعمى إذا ما جارتي خرجت حتى يواري جارتي الخدر

وأخيرًا فإننا نؤكد على أن سعادة المجتمع وترابطه وشيوع المحبة بين أبنائه لا تتم إلا بالقيام بهذه الحقوق وغيرها مما جاءت به الشريعة، وإن واقع كثير من الناس ليشهد بقصور شديد في هذا الجانب حتى إن الجار قد لا يعرف اسم جاره الملاصق له في السكن، وحتى إن بعضهم ليغصب حق جاره، وإن بعضهم ليخون جاره ويعبث بعرضه وحريمه، وهذا والله من أكبر الكبائر. سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الذنب أعظم؟ ". عدَّ من الذنوب العظام: "أن تزاني حليلة جارك".

نسأل الله أن يعيننا والمسلمين على القيام بحقوق الجوار.. وصلى الله وسلم وبارك على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
ماهر السيد

Post: #1101
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-15-2015, 10:55 PM
Parent: #987

سبحان الله وبحمده وسبحان الله العظيم .. اللهم انك ستيرٌ تحب الستر استرنا في الدنيا والاخرة استر عوراتنا وآمن روعاتنا ..

Post: #988
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:10 PM
Parent: #893

إنها حقيقة لا مراء فيها، فالبكاء من خشية الله تعالى يلين القلب ،ويذهب عنه أدرانه، قال يزيد بن ميسرة رحمه الله : " البكاء من سبعة أشياء : البكاء من الفرح ، والبكاء من الحزن ، والفزع ، والرياء ، والوجع ، والشكر ، وبكاء من خشية الله تعالى ، فذلك الذي تُطفِئ الدمعة منه أمثال البحور من النار ! " .

وقد مدح الله تعالى البكائين من خشيته، وأشاد بهم في كتابه الكريم: (إن الذين أوتوا العلم من قبله إذا يتلى عليهم يخرون للأذقان سجدا. ويقولون سبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا. ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا) [الإسراء 107-109].

البكاء شيء غريزي:

نعم هذه هي الفطرة فالإنسان لا يملك دفع البكاء عن نفسه ، يقول الله تعالى: ( وأنّه هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ) [ النجم / 43 ] قال القرطبي في تفسيرها : " أي : قضى أسباب الضحك والبكاء ، وقال عطاء بن أبي مسلم : يعني : أفرح وأحزن ؛ لأن الفرح يجلب الضحك والحزن يجلب البكاء...



أنواع البكاء:

لقد ذكر العلماء أن للبكاء أنواعا ومن هؤلاء الإمام ابن القيم رحمه تعالى إذ ذكر عشرة أنواع هي:

- بكاء الخوف والخشية .

-بكاء الرحمة والرقة .

- بكاء المحبة والشوق .

- بكاء الفرح والسرور .

- بكاء الجزع من ورود الألم وعدم احتماله .

- بكاء الحزن .... وفرقه عن بكاء الخوف : أن الأول -" الحزن " - يكون على ما مضى من حصول مكروه أو فوات محبوب وبكاء الخوف : يكون لما يتوقع في المستقبل من ذلك ، والفرق بين بكاء السرور والفرح وبكاء الحزن أن دمعة السرور باردة والقلب فرحان ، ودمعة الحزن : حارة والقلب حزين ، ولهذا يقال لما يُفرح به هو " قرة عين " وأقرّ به عينه ، ولما يُحزن : هو سخينة العين ، وأسخن الله به عينه .

- بكاء الخور والضعف .

- بكاء النفاق وهو : أن تدمع العين والقلب قاس .

- البكاء المستعار والمستأجر عليه ، كبكاء النائحة بالأجرة فإنها كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه : تبيع عبرتها وتبكي شجو غيرها .

- بكاء الموافقة : فهو أن يرى الرجل الناس يبكون لأمر فيبكي معهم ولا يدري لأي شيء يبكون.



فضل البكاء من خشية الله:



إن للبكاء من خشية الله فضلا عظيما ، فقد ذكر الله تعالى بعض أنبيائه وأثنى عليهم ثم عقب بقوله عنهم: ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا ) [مريم58].

وقال تعالى عن أهل الجنة : { وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ . قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ . فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ . إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ } [ الطور 25 – 28 ]

أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قال: " لا يلج النار رجل بكى من خشية الله حتى يعود اللبن في الضرع " .

وقالَ: " سَبْعَةٌ يُظِلُّهُمُ اللَّهُ في ظِلِّهِ يَوْمَ لا ظِلَّ إلا ظلُّهُ..."وفي آخره:" ورَجُلٌ ذَكَرَ اللَّه خالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " .

وقال " عينان لا تمسهما النار ، عين بكت من خشية الله ، وعين باتت تحرس في سبيل الله ".

وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " ليس شيء أحب إلى الله من قطرتين وأثرين : قطرة من دموع خشية الله ، وقطرة دم تهراق في سبيل الله ، وأما الأثران : فأثر في سبيل الله ، وأثر في فريضة من فرائض الله ".وكان السلف يعرفون قيمة البكاء من خشية الله تعالى،فهذا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يقول : " لأن أدمع من خشية الله أحب إلي من أن أتصدق بألف دينار ! " .

وقال كعب الأحبار : لأن أبكى من خشية الله فتسيل دموعي على وجنتي أحب إلى من أن أتصدق بوزني ذهباً.



بكاء النبي صلى الله عليه وسلم:



عَن ابن مَسعودٍ - رضي اللَّه عنه – قالَ : قال لي النبيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم : " اقْرَأْ علي القُرآنَ " قلتُ : يا رسُولَ اللَّه ، أَقْرَأُ عَلَيْكَ ، وَعَلَيْكَ أُنْزِلَ ؟ ، قالَ : " إِني أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْ غَيْرِي " فقرَأْتُ عليه سورَةَ النِّساء ، حتى جِئْتُ إلى هذِهِ الآية : ( فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّة بِشَهيد وِجئْنا بِكَ عَلى هَؤلاءِ شَهِيداً ) [ النساء / 40 ] قال " حَسْبُكَ الآن " فَالْتَفَتُّ إِليْهِ ، فَإِذَا عِيْناهُ تَذْرِفانِ .

ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه يحفرون قبرا لدفن أحد المسلمين وقف على القبر وبكى ثم قال : " أي إخواني، لمثل هذا فأعدوا " .

أما عبد اللَّه بنِ الشِّخِّير - رضي اللَّه عنه – فيقول : أَتَيْتُ رسُولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم وَهُو يُصلِّي ولجوْفِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ المرْجَلِ مِنَ البُكَاءِ .

وقد روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: زار النبي قبر أمه فبكى وأبكى من حوله..." الحديث.

وقام ليلة يصلي فم يزل يبكي ، حتى بل حِجرهُ !

قالت عائشة : وكان جالساً فلم يزل يبكي صلى الله عليه وسلم حتى بل لحيته !

قالت : ثم بكى حتى بل الأرض ! فجاء بلال يؤذنه بالصلاة ، فلما رآه يبكي ، قال : يا رسول الله تبكي ، وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! قال : " أفلا أكون عبداً شكورا ؟! لقد أنزلت علي الليلة آية ، ويل لم قرأها ولم يتفكر فيها ! (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ …) الآية.



بكاء الصحابة رضي الله عنهم:



لقد رأينا شيئا من بكائه صلى الله عليه وسلم وقد تعلم الصحابة رضي الله عنهم من نبيهم البكاء فعن أنس رضي الله عنه قال : خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط فقال : " لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " ، فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، وفي رواية : بلغَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن أصحابه شيء فخطب فقال : " عرضت عليَّ الجنة والنار فلم أر كاليوم من الخير والشر ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيراً " فما أتى على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أشد منه غطوا رؤوسهم ولهم خنين " . والخنين : هو البكاء مع غنّة .

و كان عثمان إذا وقف على قبر ؛ بكى حتى يبل لحيته ! فقيل له : تذكر الجنة والنار فلا تبكي ، وتبكي من هذا ؟! فقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن القبر أول منزل من منازل الآخرة ، فإن نجا منه ، فما بعده أيسر منه ، وإن لم ينج منه ؛ فما بعده أشد منه ! " قال : وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما رأيت منظراً قط إلاّ القبر أفظع منه ! ".

وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه . فقيل له : ما يبكيك ؟! فقال : " أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ، ولكن أبكي على بُعد سفري ، وقلة زادي ، وإني أمسيت في صعود على جنة أو نار ، لا أدري إلى أيتهما يؤخذ بي !! " .

وبكى معاذ رضي الله عنه بكاء شديدا فقيل له ما يبكيك ؟ قال : لأن الله عز وجل قبض قبضتين واحدة في الجنة والأخرى في النار ، فأنا لا أدري من أي الفريقين أكون .

وبكى الحسن فقيل له : ما يبكيك ؟ قال : أخاف أن يطرحني الله غداً في النار ولا يبالي .

وعن تميم الداري رضى الله عنه أنه قرأ هذه الآية : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات ) [ الجاثية / 21 ] فجعل يرددها إلى الصباح ويبكي .

وكان حذيفة رضي الله عنه يبكي بكاءً شديداً ، فقيل له : ما بكاؤك ؟ فقال : لا أدري على ما أقدم ، أعلى رضا أم على سخط ؟ .

وأُتي عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يوما بطعامه فقال : قتل مصعب بن عمير وكان خيراً مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، وقتل حمزة – أو رجل آخر – خير مني فلم يوجد له ما يكفن فيه إلا بردة ، لقد خشيت أن يكون قد عجلت لنا طيباتنا في حياتنا الدنيا ، ثم جعل يبكي .

وكان ابن مسعود يمشي فمَّر بالحدَّادين و قد أخرجوا حديداً من النار فقام ينظر إلى الحديد المذاب ويبكي . وكأنه رضي الله عنه تذكر النار وعذاب أهلها حين رأى هذا المشهد .

وخطب أبو موسى الأشعري رضي الله عنه مرة الناس بالبصرة : فذكر في خطبته النار ، فبكى حتى سقطت دموعه على المنبر وبكى الناس يومئذ بكاءً شديداً .

وعن نافع قال : كان ابن عمر إذا قرأ( ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله ) [ الحديد / 16 ] بكى حتى يغلبه البكاء .

وقال مسروق رحمه الله : " قرأت على عائشة هذه الآية : ( فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ ) [ الطور / 27 ] فبكت ، وقالت: " ربِّ مُنَّ وقني عذاب السموم " .

وهذا عبد الله بن رواحة رضي الله عنه كان واضعاً رأسه في حجر امرأته فبكى فبكت امرأته فقال ما يبكيك فقالت رأيتك تبكي فبكيت قال إني ذكرت قول الله عز وجل { وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً } [ مريم / 71 ] فلا أدري أأنجو منه أم لا .

وعن أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لأبيِّ بن كعب : "إن الله أمرني أن أقرئك القرآن" قال أالله سماني لك ؟ قال :" نعم" ، قال : وقد ذُكرت عند رب العالمين ؟ قال : "نعم" ، فذرفت عيناه - وفي رواية : فجعل أبيٌّ يبكي -.

وقد تربى السلف الصالح على هذه المعاني العظيمة فرأينا منهم عجبا:

فهذا إسماعيل بن زكريا يروي حال حبيب بن محمد - وكان جارا له – يقول : كنت إذا أمسيت سمعت بكاءه وإذا أصبحت سمعت بكاءه ، فأتيت أهله ، فقلت ما شأنه ؟ يبكي إذا أمسى ، ويبكي إذا أصبح ؟! قال : فقالت لي : يخاف والله إذا أمسى أن لا يصبح و إذا أصبح أن لا يمسي .

وحين سئل عطاء السليمي : ما هذا الحزن قال : ويحك ، الموت في عنقي ، والقبر بيتي ، وفي القيامة موقفي وعلى جسر جهنم طريقي لا أدري ما يُصنَع بي .

وكان فضالة بن صيفي كثير البكاء ، فدخل عليه رجل وهو يبكي فقال لزوجته ما شأنه ؟ قالت : زعم أنه يريد سفراً بعيداً وماله زاد .

وقرأ رجل عند عمر بن عبد العزيز وهو أمير على المدينة : ( وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ) [ الفرقان : 13 ] فبكى حتى غلبه البكاء ، وعلا نشيجه ! فقام من مجلسه ، فدخل بيته ، وتفرَّق الناس .

وأخيرا فقد قال أبو سليمان رحمه الله : عودوا أعينكم البكاء وقلوبكم التفكر.



من فوائد البكاء من خشية الله :

- أنه يورث القلب رقة ولينا

- أنه سمة من سمات الصالحين

- أنه صفة من صفات الخاشعين الوجلين أهل الجنة.

- أنه طريق للفوز برضوان الله ومحبته.

وبعد فهذه مجرد إشارات لفضيلة البكاء ، و لما كان عليه القوم الصالحون الأوائل من خشية الله والبكاء من أثر هذه الخشية فهل لنا فيهم أسوة؟!.
إسلام ويب

Post: #989
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:12 PM
Parent: #893

آفة الترف
بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه و من والاه . أما بعد:

فالترف آفة من أعظم الآفات التي تصيب الأفراد والدول و الجماعات ، و هو عبارة عن نعمة تورث طغياناً أو كفراً و يصاحبها البطر و الظلم ،فإن فعلوا ذلك أحلوا بأنفسهم سخط الله وعقوبته: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) (إبراهيم:7)



الاستدراج بالنعم:



والنعمة تنقلب إلى نقمة في حق البعض بسبب عدم تأدية شكرها ، قال تعالى: ( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ )" سورة الأعراف : 183 " قال العلماء : يسبغ عليهم نعمه و يمنعهم شكرها ، و قالوا أيضا : كلما أحدثوا ذنباً أحدث لهم نعمة فيزدادون بها أشراً

و بطراً و غروراً و كبراً حتى ينسوا ربهم و دينهم و أنفسهم: ( وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ )" سورة يس : 78 – 79 "

إن المال و السلطان و الجاه و الصحة و القوة من نعم الله على الخلق و العباد ،و بدلاً من أن نزداد بها طاعة و عبودية لخالق الأرض و السماوات ، تستخدم أحياناً في مبارزة الله بالحرب: ( كَلا إِنَّ الإنسَانَ لَيَطْغَى. أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى. إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى )" سورة العلق : 6 – 8 ".



الترف مذموم:



لم يذكر الترف في كتاب الله تعالى إلا في موضع الذم ، فقد ذكر القرآن أن المترفين كانوا أول من كفر بدعوات الأنبياء والمرسلين:( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ . وَقَالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ) (سـبأ:34ـ35).

و قال تعالى frown emoticon وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِلِقَاء الآخِرَةِ وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا مَا هَذَا إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ ) " سورة المؤمنون : 33 " و الملأ هم الأشراف و القادة و الرؤساء الذين أنكروا البعث و الحساب ، وسع عليهم سبحانه نعم الدنيا حتى بطروا و صاروا يؤتون بالترفه و كان منهم الإعراض عن دعوة الأنبياء و المرسلين .



عذاب المترفين:



و في نفس السورة يقول جل و علا: ( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ ) " سورة المؤمنون : 64 – 65 " يعني حتى إذا جاء مترفيهم عذاب الله و بأسه و نقمته بهم إذا هم يجأرون أي يصرخون و يستغيثون كما قال تعالى:(وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلا. إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالا وَجَحِيمًا ) " سورة المزمل : 11 – 12 " و قوله: ( لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُم مِّنَّا لَا تُنصَرُونَ )" سورة المؤمنون : 65 " أي لا يجيركم أحد مما حل بكم سواء جأرتم أو سكتم لا مناص ولا وزر لزم الأمر ووجب العذاب، ثم ذكر أكبر ذنوبهم فقال:( قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنكِصُون ) " سورة المؤمنون : 66 " أي إذا دعيتم أبيتم و إن طلبتم امتنعتم.



معنى العذاب في الآية:



وقد فسر العذاب في قوله تعالى:( حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ )" سورة المؤمنون : 64 " بحصدهم بالسيف يوم بدر قاله ابن عباس ، و قال الضحاك يعني بالجوع حين قال النبي صلى الله عليه و سلم: " اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فابتلاهم الله بالقحط و الجوع حتى أكلوا العظام و الميتة و الكلاب و الجيف، و هلك الأموال و الأولاد ، و قد قتل يوم بدر بعض صناديد قريش كأبي جهل و عتبة بن ربيعه و شيبة بن ربيعه ، و قد كان لقريش مكانة كبيرة وسط العرب ، و قد ناصبت النبي صلى الله عليه و سلم العداء و كان لسادتها و أشرافها الحظ الأكبر من الصد عن سبيل الله . و بلغ بهم الأمر أن قالوا : نحن أهل الحرم ؛ فلا نخاف، واعتقدوا أن لهم أعظم الحقوق على الناس، فاستكبروا و ليس الاستكبار من الحق ، كما أحدث لهم سماع الآيات كبراً و طغياناً . و قال تعالى :(َكَمْ قَصَمْنَا مِن قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُم مِّنْهَا يَرْكُضُونَ لا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ )" سورة الأنبياء : 11 – 15 " و المقصود مدائن كانت باليمن قتلوا أنبياءهم فسلط عليهم بختنصر فقتل و سبى ، و هذا توبيخ و تقريع لهم " لا تركضوا " أي لا تفروا " وارجعوا إلى ما أترفتم فيه و مساكنكم " أي إلى نعمكم التي كانت سبب بطركم ، و إنما أترفهم الله عز و جل كما قال ( وَأَتْرَفْنَاهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا )" سورة المؤمنون : 33 " لعلكم تسألون عما نزل بكم من العقوبة فتخبرون به ، أو أن تؤمنوا كما كنتم تسألون ذلك قبل نزول البأس بكم قيل لهم ذلك استهزاء و توبيخاً .



إجرام المترفين :



و قد بينت النصوص إجرام المترفين ، قال تعالى:(وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ ) " سورة هود : 116 " كما أوضحت كفرهم، قال تعالى: ( وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ كَافِرُونَ ) " سورة سبأ : 34 " . وهم مقلدة لا عقل لهم ولا دين عندهم ، أواخرهم كأوائلهم: (قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) (الزخرف: من الآية23) و قد بين سبحانه حالهم في الدنيا فقال: ( وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ) " سورة الإسراء : 16 " لم يهلك ربنا القرى قبل ابتعاث الرسل و هذا وعد منه سبحانه ولا خلف في وعده فإذا أراد إهلاك قرية أمر أهلها بطاعته واتباع رسله لكن المترفين يأبون إلا الفسق و الظلم فيها فحق عليها القول بالتدمير ، و"أمرنا" بالتخفيف و التشديد ، أي أمرناهم بالطاعة إعذاراً و إنذاراً و تخويفاً ووعيداً ، و بالتشديد ( أمَّرنا ) أي جعلناهم أمراء ، و المعنى بعثنا مستكبريها ففسقوا فيها، و في الصحيح من حديث زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه و سلم قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول " لا إله إلا الله، ويل للعرب من شر قد اقترب ؛فتح اليوم من ردم يأجوج و ومأجوج مثل هذه " و حلق بإصبعه الإبهام و التي تليها ، قالت : فقلت يا رسول الله ، أنهلك و فينا الصالحون ؟ قال : "نعم إذا كثر الخبث " فالمعاصي إذا ظهرت و لم تغير كانت سبباً لهلاك الجميع .



حال المترفين في الآخرة:



إذا كان هذا هو حال المترفين في الدنيا فحالهم في الآخرة أشد، قال تعالى: ( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ . فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ. وَظِلٍّ مِّن يَحْمُومٍ. لا بَارِدٍ وَلا كَرِيمٍ .إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ) " سورة الواقعة : 41 – 45 " . لقد كان قوم نوح و عاد و ثمود من جملة المترفين، كما قاد الترف فرعون إلى هلاكه و حتفه ، فقد أطغاه ملكه حتى قال frown emoticon أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ) " سورة الزخرف 51 " فأجراها سبحانه من فوق رأسه في الدنيا جزاء وفاقاً مع ما ينتظره من العذاب في القبر وفي النار: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:46)

و ما ربك بظلام للعبيد ، و أورث المالُ قارونَ بغياً و ظلماً و عدواناً ، و بدلاً من أن يشكر المنعم سبحانه قال :(إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ) " سورة القصص : 78 " (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ) " سورة القصص : 81 " و كان هذا جزاءه. فالكبرياء و العظمة لا تليق إلا بالله جل و علا ، أما العبد الذي خرج من مجرى البول مرتين فلا يليق به إلا التواضع ، و بينما عبد يسير متبختراً إذ خسف الله به الأرض فهو يتململ فيها إلى يوم القيامة و في الحديث " الكبرياء ردائي و العظمة إزاري فمن نازعني واحداً منهما قصمته ولا أبالي " . و قد ضرب المثل في كتاب الله بالوليد بن المغيرة ، و هو الموصوف بالوحيد ( ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا وَجَعَلْتُ لَهُ مَالا مَّمْدُودًا وَبَنِينَ شُهُودًا وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيدًا ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ كَلا إِنَّهُ كَانَ لآيَاتِنَا عَنِيدًا سَأُرْهِقُهُ صَعُودًا ) " سورة المدثر : 11 – 17 " و قد خص الوليد والد خالد بالذكر لاختصاصه بكفر النعمة و إيذاء الرسول صلى الله عليه و سلم ، و كان يسمى الوحيد في قومه ، قال ابن عباس : كان الوليد يقول : أنا الوحيد بن الوحيد ليس لي في العرب نظير ولا لأبي المغيرة نظير و كان يسمى الوحيد ، و قد ذكر سبحانه نعمه عليه و أنه أمد له في المال و البنين ، و أنه بسط له في العيش بسطاً حتى أقام ببلدته مترفهاً يُرجع إلى رأيه ، و مع ذلك فلم يؤمن بل ازداد غياً و كفراً ، فلم يزل بعد نزول هذه الآية في نقصان من ماله وولده حتى هلك .



التوسعة على النفس والأهل:



ليس من الترف أن يكون النعل حسناً و الثوب حسناً ، أو أن يتلذذ الإنسان بالطيبات و المباحات فيكون مركوبه و مسكنه مناسباً ، أو أن ينفق على نفسه و أهله النفقة العرفية اللائقة به تبعاً لإعساره و يساره لا حرج في ذلك كله ، ولا يسعنا تحريم الحلال ، قال تعالى frown emoticon قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق ) " سورة الأعراف : 32 " و نعم المال الصالح للعبد الصالح ، و كان سلفنا الصالح إذا وجدوا أكلوا أكل الرجال و إذا افتقدوا صبروا صبر الرجال . و كان النبي صلى الله عليه و سلم يعجبه الكتف من اللحم ، وارتدى حلة حمراء ، و قد جهز عثمان رضي الله عنه – جيش العسرة و حفر بئر رومة ، و كان عبد الرحمن بن عوف من أغنى أغنياء المدينة ، وقال البعض : كل ما لم يلهك عن طلب الآخرة فليس بمتاع غرور و لكن متاع بلاغ إلى حين . و قال الآخر : كيف لا أحب دنيا قدر لي فيها قوت أكتسب به حياة، و أدرك بها طاعة أنال بها الجنة ؟ و قالوا : نعمت الدار الدنيا كانت للمؤمن و ذلك أنه عمل قليلاً و أخذ زاده منها إلى الجنة ،و بئست الدار كانت للكافر

و المنافق و ذلك أنه ضيع لياليه و كان زاده منها إلى النار .



ليس من الزهد:



و ليس الزهد بتحريم الحلال ولا بإضاعة المال ، و لكن أن تكون بما في يد الله أوثق منك بما في يد نفسك ـ كما قال أبو حازم ـ، و أن تكون حالك في المصيبة و حالك إذا لم تصب بها سواء ، وأن يكون مادحك و ذامك في الحق سواء – لا بأس بشيء من المزاح و البسط و التنعم المباح ، كما قال أبو الدر داء – رضي الله عنه – روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإنها إن كلت عميت ، و كانت الحبشة تلعب بالحراب في المسجد و يقول لهم النبي صلى الله عليه و سلم : "دونكم بني أرفدة" ، و كانوا يلعبون في يوم العيد .



كثرة الضحك تميت القلب:

و لكن لا ينبغي أن تصبح الحياة لعباً أو أن يغلب المزاح و الترفه على الإنسان بحيث ينسيه ربه و دينه ، و قد عاتب سبحانه الصحابة في شئ من ذلك لما هاجروا إلى المدينة و نزل قوله تعالى:( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ ) " سورة الحديد : 16 " .قال الحسن : استبطأهم وهم أحب خلقه إليه ، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: " فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ وروي أن المزاح والضحك كثر في أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم لما ترفهوا بالمدينة فنزلت الآية ، ولما نزلت قال صلي الله عليه وسلم : " إن الله استبطأكم بالخشوع ، وقالوا عند ذلك : خشعنا . وقال محمد بن كعب : كانت الصحابة بمكة مجدبين ، فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ، ففتروا عما كانوا فيه ، فقست قلوبهم ، فوعدهم الله فأفاقوا. لا بد من سد الذرائع التي تؤول بالبلاد والعباد إلى الترف المذموم الذي يجر إلى الذنوب والمعاصي ويورث دماراً وهلاكا ً، وهذا يتطلب منا العودة الصادقة لكتاب الله ولسنة رسول الله صلي الله عليه وسلم - علما وعملا ً واعتقادا ـً و أن نبذل وسعنا في معاني التقدم والتحضر و التطور وفق منهج العبودية ، بحيث نقيم حضارة على منهاج النبوة ، فالنعمة لا تطغينا ، والمصيبة لا تجعلنا نيأس ونقنط من رحمة الله وأن نواجه النعم والغنى بالشكر، والفقرَ بالصبر ، وقد سئل الإمام أحمد: أيكون الإنسان ذا مال وهو زاهد؟ قال: نعم إن كان لا يفرح بزيادته ولا يحزن بنقصانه، فأخرجوا الدنيا من قلوبكم وضعوها في أيديكم ،(و تزودوا فان خير الزاد التقوى ).واخشوشنوا فإن النعمة لا تدوم ، وليعد كل منا للسؤال جوابا: (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) "التكاثر : 8"

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
د/سعيد عبد العظيم

Post: #990
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:14 PM
Parent: #893

اليأس بضاعة المفلس
حين تضعف الإرادة، وتلين العزيمة، فإن النفس تنهار عند مواجهة أحداث الحياة ومشاكلها التي لا تكاد تنتهي. وحين يفشل مثل هذا الإنسان في موقف أو مجموعة مواقف، فإنه يصاب باليأس الذي يكون بمثابة قيد ثقيل يمنع صاحبه من حرية الحركة، فيقبع في مكانه غير قادر على العمل والاجتهاد لتغيير واقعه بسبب سيطرة اليأس على نفسه، وتشاؤمه من كل ما هو قادم، قد ساء ظنه بربه، وضعف توكله عليه، وانقطع رجاؤه من تحقيق مراده.

إنه عنصرٌ نفسي سيء؛ لأنه يقعد بالهمم عن العمل، ويشتت القلب بالقلق والألم، ويقتل فيه روح الأمل.

إن العبد المؤمن لا يتمكن اليأس من نفسه أبدًا، فكيف يتطرق اليأس إلى النفس وهي تطالع قوله تعالى: (وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) [يوسف:87]. أم كيف يتمكن منها الإحباط وهي تعلم أن كل شيء في هذا الكون إنما هو بقدر الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) [الحديد: 22، 23].

فإذا أيقن بهذا فكيف ييأس؟ إنه عندئذٍ يتلقى الأمور بإرادة قوية ورضىً تام، وعزم صادق على الأخذ بأسباب النجاح.

إن القرآن يزرع في نفوس المؤمنين روح الأمل والتفاؤل: (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) [الزمر:53].

قال بعض العلماء: لولا الأمل ما بنى بانٍ بنيانًا، ولا غرس غارسٌ غرسًا.

ولا تيأسن من صنع ربك إنه.. .... ..ضمينٌ بأن الله سوف يُديلُ

فـإن الليالي إذ يـزول نعيـمهـا.. .... ..تبشــر أن النائبــات تزولُ

ألـم تـر أن الليـل بعـد ظلامــه.. .... ..عليـه لإسفار الصباح دليلُ

لما جاءت إبراهيم عليه السلام البشرى بالولد في سنٍ كبير أبدى تعجبه فقال: (قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِي الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ)[الحجر:54]. فقالت الملائكة: (بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنْ الْقَانِطِينَ)[الحجر:55]. قال عليه السلام: (وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ)[الحجر:56].

إن الأمور وإن تعقدت، وإن الخطوب وإن اشتدت، والعسر وإن زاد، فالفرج قريب:

(حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنْ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) [يوسف:110]. ولا يغلب عسرٌ يسرين: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً) [الشرح: 5، 6].

مادام الإنسان حيا يتحرك فلا ينبغي له أن ييأس ، هكذاعلمنا نبينا صلى الله عليه وسلم،فقد دخل عليه حبة وخالد ابنا خالد رضي الله عنهم وهو يصلح شيئا فأعناه عليه فقال صلى الله عليه وسلم : " لا تيأسا من طلب الرزق ما تهززت رؤوسكما ، فإن الإنسان تلده أمه أحمر ليس عليه قشر ، ثم يرزقه الله عز وجل ".

إن الإنسان معرضٌ في حياته لأنواع من الفشل في بعض التجارب، وحريٌ أن يوقظ في نفسه روح الأمل، فيراجع نفسه باحثًا عن أسباب الفشل ليتجنبها في المستقبل، ويرجو من ربه تحقيق المقصود ، ويجعل شعاره : لا يأس مع الحياة.

أُعلِّلُ النفس بالآمال أرقبها.. ... ..ما أضيق العيش لولا فسحةُ الأمل

إن هذا المسلك خيرٌ لصاحبه من إلقاء اللوم على الآخرين، مما يترتب عليه سوء الطبع والاتكالية، والانهزامية، ثم اليأس والانعزال.

قال ابن مسعود رضي الله عنه: "أكبر الكبائر الإشراك بالله، والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله".

وكان الصالحون يتقربون إلى الله عز وجل بقوة رجائهم وبعدهم عن اليأس، هذا ذو النون المصري كان يقول في دعائه : اللهم إليك تقصد رغبتي ، وإياك أسأل حاجتي ، ومنك أرجو نجاح طلبتي ، وبيدك مفاتيح مسألتي ، لا أسأل الخير إلا منك،ولا أرجو غيرك ، ولا أيأس من رَوحك بعد معرفتي بفضلك.

علاج اليأس:

إن اليأس مرض من الأمراض التي تصيب النفوس فتقف عاجزة عن إدراك المعالي، ومن هنا فإننا نضع خطوطًا عريضة ونقترح بعض الوسائل التي نرجو أن تكون نافعة في علاج هذه الآفة، ومنها:

1- تعميق الإيمان بالقضاء والقدر بمفهومه الصحيح، وتربية النفس على التوكل على الله، ونعني بذلك أن يعتمد القلب في تحقيق النتائج على الله مع الأخذ بالأسباب المشروعة، وبذل الجهد الممكن للوصول إلى الأهداف المنشودة.

2- تنمية الثقة بالنفس، والاعتماد على الذات في القيام بالأعمال، وتحمل المسؤولية عن نتائجها بغير تردد ولا وجل.

3- اليقين بالقدرة على التغيير إلى الأفضل في كل جوانب الحياة ومطالعة تجارب الناجحين في شتى الميادين.

4- قراءة قصص الأنبياء والصالحين الذين غير الله بهم وجه الحياة والتعرف على الصعاب والمشاق التي واجهوها بعزم صادق وقلب ثابت، حتى أدركوا مناهم بحول الله وقوته.

5- اليقين بأن الاستسلام لحالة اليأس لن يجني صاحبها من ورائها إلا مزيدًا من الفشل والتعب والمرض، وأن البديل هو السعي والجد وتلمُّحُ الأمل.

إذا اشتمـلت على اليأس القلـوب.. ... ..وضاق لما به الصدر الرحيبُ

وأوطــأت المكــاره واطمــأنت.. ... ..وأرست في أمكانها الخطـــوبُ

ولم تر لانكشـاف الضـر وجهًا.. .... ..ولا أغنــى بحيلتـــه الأريـــبُ

أتاك على قنـوط منــك غـــوثٌ.. .... ..يمـن به اللطيـف المستجيــــبُ

وكــــل الحادثـات إذا تنـــــاهت.. .... ..فموصـول بها الفـرج القريـب

ماهر السيد

Post: #991
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:16 PM
Parent: #893

الفحش طريق العداوة والبغض
دعا الإسلام إلى الأخذ بمحاسن الأخلاق و نبذ مساوئها و ذلك من خلال نصوص الكتاب و السنة و ما كان عليه أهل القرون الثلاثة الأولى إذ إن الخلق الحسن صفة من صفات الأنبياء والصديقين، وأن الأخلاق السيئة سموم قاتلة، تنخرط بصاحبها في سلك الشيطان، ؛ فقد أثنى الله عزّ و جلّ على نبيّه محمد- صلى الله عليه و سلم- بأن قال : ( و إنك لعلى خلق عظيم ) و رغّب النبي – صلى الله عليه و سلم - في حسن الخلق فقال: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . رواه البخاري . وبين صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق فقال : "ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق". رواه البخاري. وقال: "أكمل المؤمنين إيماناً أحاسنهم أخلاقا."ً رواه أحمد وأبو داود. وسئل - صلى الله عليه وسلم - عن أي الأعمال أفضل فقال : "حسن الخلق". ولما سُئِل عن أكثر ما يُدخل الجنة قال : "تقوى الله وحسن الخلق" . رواه الترمذي وصححه. فدل منطوق هذه الآثار على فضيلة حسن الخلق ، كما إن الابتعاد عن مساوئ الأخلاق هو أحد دلالات مفهوم المخالفة.

معنى الفحش:

ومن الأخلاق السيئة التي ابتلي بها الناس ، خلق الفحش الذي يعني في اللغة : كل ما دل على قبحٍ في الشيء و شناعةٍ ، و هي القبيح من القول و الفعل، و تستعمل بشكل أكثر في القول ، و من تكلّف سب الناس و التعمّد في ذلك سُمِّي متفحِّشاً.

و لا يكاد المعنى الاصطلاحي يبتعد عن الأصل اللغوي فللفحش تعريفات عدّة تتقارب فيما بينها و تشترك مع غيرها في موافقة الأصل اللغوي ؛ فمن هذه التعريفات : أن الفحش ما ينفر منه الطبع السليم و يستقبحه العقل المستقيم ، و منها : ما يكرهه الطبع من رذائل الأعمال الظاهرة كما ينكره العقل و يستخبثه الشرع، و أيضاً : هو ما عظم قبحه من الأقوال و الأفعال، و هو أيضاً :كل أمرٍ تجاوز قدره و كل أمرٍ لا يوافق الحق، و الفحش عدوان الجواب ؛ أي في التجاوز في الرد على الآخرين .

يقول ابن حجر: إن ملازمة الشرّ و الفحش من الكبائر لقوله – صلى الله عليه و سلّم – فيما رواه البخاري : "إن شر الناس من تركه الناس ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء فحشه ". و الفحش و التفحّش ليس من الإسلام في شيء، وإن أحسن الناس إسلاماً أحسنهم أخلاقاً كما قال بذلك الإمام أحمد بن حنبل.

آيات وردت في الفحش:

لقد وردت كلمة الفحش في القرآن الكريم في مواضع عدّة ، فتارة أتت بصيغة المفرد ،و تارة أتت بصيغة الجمع ، فقد أورد القرآن حرمة الفواحش – ما خفي منها و ما ظهر للعلن- بل حذّر من الاقتراب منها و مع ذلك فإن مغفرة الله واسعة إذا اجتنبت الفواحش ، قال الله تعالى : (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (ألأعراف:28) و قال تعالى : (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (الأنعام:151) و قال عز من قائل : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (ألأعراف:33) و يقول الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ) (الشورى:37) و قال تعالى : (الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإثم وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) (ألنجم:32) .

ذم الفحش في السنّة النبوية:

عن عروة بن الزبير ، أن عائشة أخبرته: استأذن رجل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال : "ائذنوا له بئس أخو العشيرة " ، فلما دخل ألان له الكلام ، فقلت : يا رسول الله ، قلت الذي قلت ثم ألنت الكلام ؟ قال : "أي عائشة ، إن شر الناس من تركه الناس ـ أو ودعه الناس ـ اتقاء فحشه". البخاري

وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : "إياكم و الفحش؛ فإن الله لا يحب الفاحش المتفحش...". رواه أبو داود و أحمد و إسناده صحيح.

عن عائشة رضي الله عنها : "أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك ، قال: "وعليكم" فقالت عائشة :السام عليكم ولعنكم الله وغضب عليكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" مهلا يا عائشة،عليك بالرفق وإياك والعنف أو الفحش" قالت: أو لم تسمع ما قالوا؟ قال:" أو لم تسمعي ما قلت؟ رددت عليهم فيستجاب لي فيهم ولا يستجاب لهم في". رواه البخاري

وعن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :" ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه ، و لا الحياء في شيء قط إلا زانه ". رواه الترمذي و قال: حديث حسن

عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" رواه أحمد و إسناده صحيح. من مضار الفحش:

1-البعد من الله و عن الناس، و ذلك نتيجة للعداوة و البغضاء و تولّد المنازعات و المشاحنات.

2-يوجب غضب الله و سخطه.

3-استحقاق الوعيد في الآخرة.

4-أحد معاول الهدم في المجتمع ؛ فالفحش سبب لتفكك المجتمعات و قطع روابط المودّة و الألفة و بالتالي سوء الأحوال و اضطراب معايش الناس.

5-دليل على سوء الخاتمة.
راشد الفهيد الهاجري

Post: #992
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:18 PM
Parent: #991

الإخلاص..نجاة الأبد
خلق الله الخلق لعبادته ، وأمرهم بطاعته ، وجعل سبحانه للأعمال ركنين لا يقبل عملا إلا بهما : أن يكون العمل خالصاً لله ، وصواباً على شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال تعالى : ( فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).

قال الفضيل بن عياض ــ رحمه الله ــ في تفسير قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزير الغفور )

هو أخلصه وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ، ما أخلصه وأصوبه ؟ فقال : إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يًقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل حتى يكون خالصاً صواباً .. ثم قرأ قوله تعالى : ( فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً ).

الإخلاص ــ أيها الأحبة ــ هو مسك القلب ، وماء حياته ، ومدار الفلاح كله عليه .

إن الذي يعمل بغير إخلاص ولا اقتداء كمسافر يملأ جرابه رملاً ينقله ولا ينفعه ــ كما قال ابن القيم ــ رحمه الله .

ولهذا سيأتي أقوام يوم القيامة بأعمال كالجبال لكنها لا تنفعهم لأنها فقدت أهم شروط قبولها .. الإخلاص : (وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً )



فما هو الإخلاص إذاً ؟

لقد تعددت تعريفات العلماء للإخلاص لكنها تدور حول معنى واحد وهو ترك الرياء ، بمعنى أن يكون قصد العبد من أعماله رضا الله .. رضا الله فقط ، يقول الإمام الغزالي رحمه الله :

(كل حظ من حظوظ الدنيا تستريح إليه النفس ، ويميل إليه القلب ، قَلَّ أم كثر ، إذا تطرق إلى العمل تكدر به صفوه ، وزال به إخلاصه ...)

قال سهل بن عبد الله التستري : نظر الأكياس في تفسير الإخلاص فلم يجدوا غير هذا : أن تكون حركته وسكونه في سره وعلانيته لله تعالى ، لا يمازجه شيء ، لا نفس ، ولا هوى ، ولا دنيا .



عزة الإخلاص وصعوبة تحصيله :

مما لا شك فيه أن تخليص الأعمال من شوائب حظوظ النفس من الرياء ، والتسميع ، وحب المدح والثناء .. وغيرها من الآفات والشهوات أمر شاق على النفوس ، ولهذا قيل : أشد شيء على النفس الإخلاص لأنه ليس لها فيه نصيب .

وقيل : تخليص الأعمال على العمّال أشد عليهم من جميع الأعمال .

وقالوا : إخلاص ساعة نجاة الأبد ولكن الإخلاص عزيز .

قال الغزالي ــ رحمه الله ــ : ( ... فلذلك قيل : من سلم له من عمره لحظة خالصة لوجه الله نجا ، وذلك لعزة الإخلاص وعُسْر تنقية القلب عن هذه الشوائب ، بل الخالص هو الذي لا باعث له إلا طلب القرب من الله تعالى )



الأسباب المعينة على تحقيق الإخلاص :

إن أعظم أسباب تحقيق الإخلاص هو تعظيم الرب سبحانه وتعالى ويقين العبد باطلاع الرب عز وجل عليه ، وعلمه سبحانه بمكنونات الصدور : ( يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ).

ومنها : نسيان رؤية الخلق ، بمعنى ألا يقيم للناس وزناً عند تعامله مع ربه سبحانه وتعالى ، فيحرص على رضا ربه دون نظر إلى مدح الناس أو ذمهم .

ومنها : إخفاء العمل ، فكلما كان العمل بين العبد وبين ربه كان ذلك أقرب إلى الإخلاص ، ولهذا وجدنا كثيراً من السلف يخفون أعمالهم عن الخلق مخافة الرياء . حتى أن أحدهم ليدخل في فراشه ، ثم يخادع زوجته ، فإذا علم أنها قد نامت قام فصلى .

وما أحلى قول نبينا ــ صلى الله عليه وسلم ــ في السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : " ورجل تصدق بصدقة فأخفاها ، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ، ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه "

ومنها : الإكثار من دعاء الله أن يرزق العبد الإخلاص ، وأن يعيده من الرياء ، ومن أجمع الأدعية في ذلك : "اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك شيئاً وأنا أعلمه ، وأستغفرك لما لا أعلمه ". وكان عمر يسأل ربه الإخلاص فيقول : اللهم اجعل عملنا كله صالحاً ، واجعله لوجهك خالصاً ، ولا تجعل لأحد من خلقك فيه شيئاً .



من فضائل الإخلاص :

للإخلاص فضائل عظيمة وآثار جليلة ، منها :

1- تعظيم العمل ، وتكثير الثواب :

فقد يكون العمل في ذاته يسيراً أو صغيراً لكن يعظم أجره بالنية الصالحة، قال الله عز وجل : ( والله يضاعف لمن يشاء )

قال ابن كثير : أي بحسب إخلاصه في عمله .

ويقول ابن المبارك ــ رحمه الله ــ رُبَّ عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية .

2- حفظ القلب من الخيانة والحقد :

قال النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ : " ... ثلاث لا يُغَلُّ عليهن قلب امرئٍ مؤمن(أي لا يدخله حقد يزيله عن الحق) : إخلاص العمل لله ، والمناصحة لأئمة المسلمين ، ولزوم جماعتهم ، فإن دعاءهم يحيط من ورائهم " ...

3- حفظ الأمة وتحقيق النصر :

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما ينصر الله هذه الأمة بضعيفها ، بدعوتهم ، وصلاتهم ، وإخلاصهم " .

4- حفظ العبد من الآفات المهلكة :

قال الله عز وجل : (... كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين )

5- النجاة من الشدائد :

ففي حديث الثلاثة الذين انسد عليهم الغار أنهم توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم التي فعلوها ابتغاء وجه الله ، ففرَّج الله عنهم.

6- الحفظ من تسلط الشيطان :

قال الله سبحانه وتعالى حاكياً عن إبليس : ( فبعزتك لأغوينهم أجمعين . إلا عبادك منهم المخلصين )

7- رفعة الدرجات :

قال صلى الله عليه وسلم : " إنك لن تُخلَّف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة " .

8- الفوز بالجنة :

قال صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة " .



أخيراً اعلم أيها الأخ الحبيب أن تحقيق الإخلاص عزيز ، لذا فإنه يحتاج إلى مجاهدة قبل العمل وأثناءه ، وبعده،حتى يكون عمل العبد لله.فالمخلصون _كما ذكر ابن القيم-:"أعمالُهم كلُّها لله، وأقوالُهم لله، وعطاؤهم لله، ومنعُهم لله، وحبُّهم لله، وبُغضُهم لله؛ فمعاملتُهم ظاهراً وباطناً لوجهِ الله وحدَه لا يريدون بذلك من الناسِ جزاءً ولا شكوراً، ولا ابتغاءَ الجاهِ عندَهم، ولا طلبَ المحمدةِ والمنزلة في قلوبِهم، ولا هرباً من ذمِّهم. بل قد عَدُّوا الناسَ بمنزلةِ أصحابِ القبورِ؛ لا يملكون لهم ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نُشوراً.

فالعملُ لأجلِ الناسِ وابتغاء الجاهِ والمنزلة عندهم ورجائهم للضرِّ والنفعِ منهم لا يكون من عارِفٍ بهم البتة؛ بل من جاهلٍ بشأنِهم وجاهلٍ بربِّه؛ فمن عرفَ الناسَ أنزلَهم مَنازلَهم، ومن عَرفَ اللهَ أخلصَ له أعمالَه وأقوالَه وعطاءَه ومنعَه وحُبَّه وبُغضَه".

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، والفعل والترك ، وأن يجنبنا الرياء والعجب . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

ماهر السيد

Post: #993
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:19 PM
Parent: #893

إغاثة الملهوف
إن تقديم العون والنصرة لمن يحتاج إليها سلوك إسلامي أصيل، وخلق رفيع تقتضيه الأخوة الصادقة، وتدفع إليه المروءة ومكارم الأخلاق. وقد كانت حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم خير مثال يحتذى في كل شيء، ولا سيما إغاثة الملهوف، وتقديم العون لكل من يحتاج إليه، حتى لقد عرف بذلك قبل بعثته صلى الله عليه وسلم، فعند نزول الوحي عليه أول مرة رجع إلى خديجة فأخبرها الخبر ثم قال: "لقد خشيت على نفسي". عندئذ أجابته أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها: كلا والله! ما يخزيك ا لله أبدًا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.

هكذا استدلت أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها على حفظ الله له، وعدم تضييعه إياه بصنائع المعروف التي كان يصنعها، وبإغاثة الملهوف؛ فالجزاء من جنس العمل.



وفي الإسلام رأينا كيف أن الإغاثة أصبحت واجبًا ينهض به القادرون، وعملاً من أعمال الخير يتنافس فيه المتنافسون، وأصبح من الحقائق المسلمة عند المسلمين أن: "من كان في حاجة الناس كان الله في حاجته"، كما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم.

بل رأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر المسلمين بإغاثة الملهوفين، فحين نهاهم عن الجلوس في الطرقات، إلا إذا أعطوا الطريق حقها، بيَّن لهم أن من حق الطريق: إغاثة الملهوف: "وتعينوا الملهوف، وتهدوا الضال".

وعند أحمد من حديث البراء بن عازب رضي الله عنه قال: مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم جلوس في الطريق. قال: "إن كنتم لابد فاعلين فاهدوا السبيل، وردوا السلام، وأغيثوا المظلوم".



وإغاثة الملهوف صدقة من العبد له أجرها وبرها.. فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "على كل مسلم صدقة. قالوا: يا نبي الله! فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده ويتصدق. قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف..."الحديث.

إن الذي يطلب العون قد يكون مظلومًا أو عاجزًا أو مكروبًا، وفي كل الأحوال فإن إعانته وقضاء حاجته فيها تفريج لكربته، وفي مقابل ذلك تكفل الله لمن فرج كربة الملهوف أن يفرج عنه كربة من كربات يوم القيامة: "... ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة...".



إن للاعتكاف فضلاً عظيمًا وأجرًا كبيرًا، كيف لا وقد فرَّغ المسلم نفسه لربه، وقطع علائقه بالدنيا، لكنَّ الذي يقضي حوائج الناس أعظم من المعتكف أجرًا: "من مشى في حاجة أخيه كان خيرًا له من اعتكاف عشر سنين".

ولأجل هذا المعنى لما أمر الحسن رضي الله عنه ثابتًا البناني بالمشي في حاجة قال ثابت: إني معتكف. فقال له: يا أعمش! أما تعلم أن مشيك في قضاء حاجة أخيك المسلم خير لك...".

إن إغاثة الملهوف وإجابة المحتاج والسعي في قضاء حوائج الناس لهو دليل على قوة الإيمان وصدق الإخاء. قال عليٌّ:

إن أخاك الحق من كان معك.. .... ..ومن يضر نفسه لينفعك

ومَنْ إذا ريب زمانٍ صدَّعك.. .... ..شتَّت فيك شمله ليجمعك



إن أصحاب النجدة والمروءة لا تسمح لهم نفوسهم بالتأخر أو التردد عند رؤية ذوي الحاجات؛ فيتطوعون بإنجاز وقضاء حوائجهم طلبًا للأجر والثواب من الله تعالى. وانظر إلى الشهم الكريم نبي الله موسى عليه السلام، حين فرَّ هاربًا من بطش فرعون، وقد أصابه الإعياء والتعب، فلما ورد ماء مدين ووجد الناس يسقون، وجد امرأتين قد تنحيتا جانبًا تنتظران أن يفرغ الرجال حتى تسقيا، فلما عرف حاجتهما لم ينتظر منهما طلبًا، بل تقدم بنفسه وسقى لهما: (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنْ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمْ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ * فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)[القصص: 23، 24].وهكذا أصحاب النجدة والمروءة يندفعون دفعا نحو المكرمات ومنها إغاثة الملهوفين وذوي الحاجات.



وأخيرًا فإن إغاثة الملهوف وإعانة المحتاج هي من قبيل شكر الله تعالى على نعمه، وبالشكر تدون النعم، فمن كثرت نعم الله عليه كثرت حوائج الناس إليه، فإن قام بما يجب لله فيها عرضها للدوام والبقاء، وإن لم يقم فيها بما يجب الله عرضها للزوال، نعوذ بالله من زوال نعمه، وتحول عافيته، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وجميع صحبه وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
إسلام ويب

Post: #994
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:21 PM
Parent: #893

لا يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، فلا يستطيع إنسان أن يعيش وحده. ومعنى ذلك أن هذا الإنسان سيؤدي إلى الآخرين بعض ما يحتاجون إليه، كما إنه سيأخذ منهم بعض ما يحتاج إليه. وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الاعتراف بالجميل وعدم نكرانه، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أُعطيَ عطاءً فوجد فليجْز به، ومن لم يجد فليثن فإن مَن أثنى فقد شكر، ومن كتم فقد كفر، ومن تحلَّى بما لم يُعْطَهْ كان كلابس ثوبَي زور".

أما أن يحسن الآخرون إلى أحدنا فلا يجدون إلا نكرانًا فهذا دليل على خِسَّة النفس وحقارتها؛ إذ النفوس الكريمة لا تعرف الجحود ولا النكران، بل إنها على الدوام وفية معترفة لذوي الفضل بالفضل:

ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال

إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة.. ... .وفعــال كل مهـذب مفضـال

أما اللئيم فإنه لا يزيده الإحسان والمعروف إلا تمردًا:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته.. ... ..وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا

فحين لا يقر الإنسان بلسانه بما يقر به قلبه من المعروف والصنائع الجميلة التي أسديت إليه سواء من الله أو من المخلوقين فهو منكر للجميل جاحد للنعمة.

· نكران الجميل سببٌ لدخول النار:

حين تكون عادة الإنسان نكران الجميل، وكفران الإحسان فإنه يسلك بذلك سبيلاً إلى النار – والعياذ بالله – فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أُريت النار فإذا أكثر أهلها النساء يكفرن". قيل: أيكفرن بالله؟ قال: "يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهنَّ الدهر ثم رأت منك شيئًا قالت: ما رأيتُ منك خيرًا قط".

· من لم يشكر الناس لم يشكر الله:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر: "من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله، التحدث بنعمة الله شكر، وتركها كفر، والجماعة رحمة، والفرقة عذاب".

وهكذا يوجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الإقرار بالجميل وشكر من أسداه، بل والدعاء له حتى يعلم أنه قد كافأه، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من استعاذ بالله فأعيذوه، ومن سألكم بالله فأعطوه، ومن دعاكم فأجيبوه، ومن أتى عليكم معروفًا فكافئوه؛ فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تعلموا أن قد كافأتموه".

· نكران الجميل سبب العقوبة وزوال النعم:

قال الأصمعي رحمه الله: سمعت أعرابيًا يقول: أسرع الذنوب عقوبة كفر المعروف.

وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ما يشهد لذلك؛ قال: النبي صلى الله عليه وسلم: "إن ثلاثة في بني إسرائيل: أبرص وأقرع وأعمى، فأراد الله أن يبتليهم. فبعث إليهم ملكًا. فأتى الأبرص فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: لونٌ حسنٌ وجلدٌ حسنٌ ويذهب عني الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه قذره، وأعطي لونًا حسنًا وجلدًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الإبل. قال: فأعطي ناقة عشراء، فقال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأقرع فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: شعرٌ حسنٌ ويذهب عني هذا الذي قد قذرني الناس. قال: فمسحه فذهب عنه وأعطي شعرًا حسنًا. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: البقر. فأعطي بقرة حاملاً. قال: بارك الله لك فيها. قال: فأتى الأعمى فقال: أي شيء أحب إليك؟ قال: أن يرد الله إليَّ بصري فأبصر به الناس. قال: فمسحه فرد الله إليه بصره. قال: فأي المال أحب إليك؟ قال: الغنم. فأعطي شاة والدًا فأنتج هذان وولد هذا. قال: فكان لهذا وادٍ من الإبل، ولهذا وادٍ من البقر، ولهذا واد من الغنم.

قال: ثم إنه أتى الأبرص في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي أعطاك اللون الحسن والجلد الحسن والمال بعيرًا أتبلغ عليه في سفري. فقال: الحقوق كثيرة. فقال له: كأني أعرفك! ألم تكن أبرص يقذرك الناس؟! فقيرًا فأعطاك الله مالاً؟! فقال: إنما ورثت هذا المال كابرًا عن كابر. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت.

قال: وأتى الأقرع في صورته فقال له مثل ما قال لهذا، ورد عليه مثل ما رد على هذا. فقال: إن كنت كاذبًا فصيرك الله إلى ما كنت. قال: وأتى الأعمى في صورته وهيئته فقال: رجل مسكين وابن سبيل انقطعت بي الحبال في سفري، فلا بلاغ لي اليوم إلا بالله ثم بك، أسألك بالذي رد عليك بصرك؛ شاة أتبلغ بها في سفري. فقال: قد كنت أعمى فردَّ الله إليَّ بصري، فخذ ما شئت ودع ما شئت، فوالله لا أجهدك اليوم شيئًا أخذته لله. فقال: أمسك مالك فإنما ابتليتم، فقد رضي عنك وسخط على صاحبيك".

فإياك إياك ونكران الجميل، واشكر صنائع المعروف، وكن من الأوفياء، فإن الكريم يحفظ ود ساعة.
ماهر السيد

Post: #995
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:22 PM
Parent: #893

إن النفاق داء عضال، وانحراف خلقي خطير في حياة الأفراد، والمجتمعات، والأمم، فخطره عظيم، وشرور أهله كثيرة، وتبدو خطورته الكبيرة حينما نلاحظ آثاره المدمرة على الأمة كافة، وعلى الحركات الإصلاحية الخيِّرة خاصة؛ إذ يقوم بعمليات الهدم الشنيع من الداخل، بينما صاحبه آمن لا تراقبه العيون ولا تحسب حسابًا لمكره ومكايده، إذ يتسمى بأسماء المسلمين ويظهر بمظاهرهم ويتكلم بألسنتهم.

وإذا نظرت إلى النفاق نظرة فاحصة لوجدته طبخة شيطانية مركبة من جبن شديد، وطمع بالمنافع الدنيوية العاجلة، وجحود للحق، وكذب.. ولك أن تتخيل ما ينتج عن خليط كهذا!!.

وإذا نظرنا إلى النفاق في اللغة لوجدناه من جنس الخداع والمكر، وإظهار الخير وإبطان الشر.

أقسام النفاق:

ذكر كثير من أهل العلم أن النفاق قسمان:

النفاق الاعتقادي: ويسميه بعضهم: النفاق الأكبر، وبينه الحافظ ابن رجب رحمه الله بأن: يُظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كلَّه أو بعضه. قال: وهذا هو النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل القرآن بذم أهله وتكفيرهم، وأخبر أن أهله في الدرك الأسفل من النار.

قال الله تعالى:(إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا).(النساء:145).

الثاني فهو النفاق العملي أو الأصغر، وهو التخلق ببعض أخلاق المنافقين الظاهرة كالكذب،والتكاسل عن الصلاة..مع الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر، كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان".

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أثقل صلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا".

من أهم صفات المنافقين:

إن للمنافقين صفات كثيرة نشير إليها مجرد إشارات مختصرة، وإلا فإن التفصيل يحتاج إلى مؤلفات تفضح ما هم عليه، ومن هذه الصفات:

1- أنهم يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ)[البقرة:8].

2- أنهم يخادعون المؤمنين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ)[البقرة:9].

3- يفسدون في الأرض بالقول والفعل: (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لا يَشْعُرُونَ)[البقرة:12].

4- يستهزءون بالمؤمنين: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ * اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)[البقرة:14، 15]

5- يحلفون كذبًا ليستروا جرائمهم: (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[المنافقون:2].

6- موالاة الكافرين ونصرتهم على المؤمنين: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً * وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً)[النساء:138-140].

ويقول الله عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نَافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَئِنْ أُخْرِجْتُمْ لَنَخْرُجَنَّ مَعَكُمْ وَلا نُطِيعُ فِيكُمْ أَحَداً أَبَداً وَإِنْ قُوتِلْتُمْ لَنَنْصُرَنَّكُمْ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ * لَئِنْ أُخْرِجُوا لا يَخْرُجُونَ مَعَهُمْ وَلَئِنْ قُوتِلُوا لا يَنْصُرُونَهُمْ وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ)[الحشر:11، 12].

7- العمل على توهين المؤمنين وتخذيلهم: (وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً * وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلَّا فِرَاراً * وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطَارِهَا ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْهَا وَمَا تَلَبَّثُوا بِهَا إِلَّا يَسِيراً * وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهِ مَسْؤُولاً * قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلاً * قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً * قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلاً)[الأحزاب:12-18].

8- تدبير المؤامرات ضد المسلمين أو المشاركة فيها، والتاريخ مليء بالحوادث التي تثبت تآمر المنافقين ضد أمة الإسلام، بل واقعنا اليوم يشهد بهذا، فما أوقع كثيرًا من المجاهدين في قبضة الكافرين والأعداء إلا تآمر هؤلاء المنافقين في فلسطين، في الشيشان، وغيرهما.

9- ترك التحاكم إلى الله ورسوله: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً * وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً * فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً)[النساء:60-63].

هكذا حال المنافقين، فهم حين لا يقبلون حكم الله ورسوله، ويفتضح نفاقهم، يأتون بأعذار كاذبة ملفقة، ويحلفون الأيمان لتبرئة أنفسهم، ويقولون: إننا لم نرد مخالفة الرسول في أحكامه، وإنما أردنا التوفيق والمصالحة، وأردنا الإحسان لكل من الفريقين المتخاصمين. ومن عجيب أمرهم في ذلك أنهم إذا وجدوا الحكم لصالحهم قبلوه، وإن يك عليهم يعرضوا عنه، كما أخبر الله بذلك حيث قال: (وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ * وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ * وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ * أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)[النور:47-50].

10- ومن صفاتهم الخبيثة طعنهم في المؤمنين وتشكيكهم في نوايا الطائعين: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)[التوبة:79].

فهم لا يعرفون الإخلاص، وما تحققت في قلوبهم العبودية لله، فظنوا أن المؤمنين كالمنافقين ، لا يفعلون طاعة إلا لغرض دنيوي، فالفنانة التي تابت قبضت الملايين-بزعمهم-، والمجاهدون قوم فشلوا في الحياة فاختاروا الانتحار... إلخ.

وفي نهاية حديثنا عن النفاق نود أن نبين أن ما ذكرناه إنما هو قليلٌ من كثير من صفاتهم، وربما كان لنا معهم وقفات أخرى.

أعاذنا الله وإياكم من النفاق، وكفى الأمة شر المنافقين.
إسلام ويب

Post: #1130
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-15-2015, 08:36 AM
Parent: #995

اللهم صل علي سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . صلاة تنحل بها العقد وتنفرج بها الكرب وتقضي بها الحوائج .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
صلاة تليق بمكانته عندك .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد ما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون.
اللهم صل على سيدنا محمد في الأولين وصل على سيدنا محمد في الآخرين وصل على سيدنا محمد في الملأ الأعلى إلى يوم الدين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بأفضل ما تحب وأكمل ما تريد .
اللهم لك الحمد كما تحب أن تحمد .
فصلّ على سيدنا محمد كما تحب أن يصلى عليه.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة ترضيك وترضيه وترضى بها عنا يارب العالمين .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم عدد خلقك ورضاء نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك بعددما ذكره الذاكرون وغفلَ عن ذكره الغافلون .
اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الحبيب العالي القدر العظيم الجاه وعلى آله وصحبه وسلم.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاه تصله وتوصلنا به.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاه تفتح‘ بيننا وبينه فتحاً مبيناً.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بعدد حسنات سيدنا محمد .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تصرف بها عنا السوء وسوء الفحشاء والمنكر .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة تجمعنا معه في كل وقت وحين.
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم صلاة ترزقنا بها شفاعته وزيارته واتباعَ سنته آمين.
اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تكون لكَ رضاء ولحقه أداء .
اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وسلم ، من الأزلِ إلى الأبدِ على ما تعلقَ بهِ علم‘ اللهِ عز وجل .

Post: #996
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:24 PM
Parent: #893

عقوق الوالدين
غَذَوْتُــكَ مَـوْلُـودًا وَعُلْتُـكَ يَافِــعًــا تُعَلُّ بما أجْنَي عَلَيْكَ وَتَنْهَــــلُ

إذَا لَيْلَةٌ نَــابَتْكَ بِالشَّجْـوِ لَــمْ أَبِتْ لِشَكْوَاكَ إِلاَّ سَـاهِـرًا أَتَمَـلْـمـَلُ

كَأَنِّي أَنَــا الْـمَطْـرُوقُ دُونَكَ بالَّذِي طُرِقْـتَ به دُوني فَعَيْنِيَ تَهْمُلُ

تَخَافُ الرَّدى نَفْسِي عَلَيْكَ وَإنَّني لأَعْلَـمُ أَنَّ الْمَـوتَ حَتْــمٌ مُؤَجَّلُ

فَلَمَّا بلَغْتَ السِّـنَّ والغَـايَـةَ التِي إِليْها مَـدَى ما كُنتُ فِيـكَ أُؤَمِّلُ

جَعَلْتَ جَـزَائِي غِلْـظَةً وَفَظَـاظـَةً كَأَنَّك أَنْـتَ الْمُنْعِـمُ الْمُتَفَــضِّـلُ

فَلـَيْتَكَ إِذْ لَـمْ تَـرْعَ حَــقَّ أُبُـوَّتِي فَعَلْتَ كَمَا الْجَارُ الْمُجَاوِرُ يَفْعَـلُ

أوصى الإسلام بالآباء خيرًا ونهى عن قطيعتهم وإيذائهم أو إدخال الحزن عليهم، كيف لا، والإسلام دين الوفاء والبرِّ.

وقد تكلمنا في مقال سابق عن فضل بر الوالدين والإحسان إليهما، وفي هذا المقال نتكلم عن عقوق الوالدين، تلكم الكبيرة العظيمة التي نهى عنها الشرع وحذر منها أشد التحذير.

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله. قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين..."الحديث.

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأْد البنات..."الحديث.

فالعقوق محرم قطعًا مذموم شرعًا وعقلاً.. فما معنى العقوق؟

يقول العلامة ابن حجر رحمه الله: العقوق أن يحصل لهما أو لأحدهما أذىً ليس بالهيِّن عُرفًا.اهـ.

ويكون هذا الإيذاء بفعل أو بقول أو إشارة، ومن مظاهره مخالفة أمر الوالدين أو أحدهما في غير معصية، أو ارتكاب ما نهيا عنه ما لم يكن طاعة، أو سبهما وضربها، ومنعهما ما يحتاجانه مع القدرة ... وغير ذلك.

وقد اتفق أهل العلم على عدِّ العقوق كبيرة من الكبائر.

يقول الله عز وجل: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)[الإسراء:23].

فانظر كيف نهى عن الإيذاء بالفعل أو بالقول حتى ولو كان كلمة "أفٍ" التي تدل على الضجر.

إن عقوق الوالدين الذي ظهر وانتشر وتعددت أشكاله وألوانه ليدل على انحراف خطير في المجتمعات عن شريعة الله تعالى التي جعلت رضا الله في رضا الوالدين وسخطه سبحانه في سخطهما، كما في الحديث: "رضا الرب في رضا الوالد، وسخط الرب في سخط الوالد". والتي جعلت الجنة تحت أقدام الأمهات فلن يدخل الجنة عاقٌ لوالديه،ففي الحديث: "ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، والمرأة المترجلة، والديوث.وثلاثة لا يدخلون الجنة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان بما أعطى".

كما إن العاق لوالديه يعرض نفسه لدعاء والديه عليه، ودعاؤهما مستجاب فقد ورد في الحديث: "ثلاث دعوات مستجابات لا شك فيهنَّ: دعوة المظلوم، ودعوة المسافر، ودعوة الوالد على ولده".

ومن صور العقوق أن يتسبب الولد في سب ولعن أبويه أو أحدهما؛ فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن من أكبر الكبائر أن يلعن الرجل والديه". قيل: يا رسول الله! وكيف يلعن الرجل والديه؟ قال: "يسُبُّ الرجل أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه".

ومن كان هذا حاله فإنه يعرض نفسه للعنة الله تعالى،فقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لعن الله من لعن والده...".الحديث.

كما إنه متوعد بعقوق أولاده له؛ فكل الذنوب يؤخر الله منها ما شاء إلى يوم القيامة إلا عقوق الوالدين، فإنه يعجل لصاحبه في الحياة قبل الممات.

قال الأصمعي: حدثني رجل من الأعراب قال:

خرجت من الحي أطلب أعقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة والحرِّ الشديد، وخلفه شاب في يده رشاء (أي حبل) ملوي يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي. فقلت: فلا جزاك الله خيرًا. قال: اسكت فهكذا كان هو يصنع بأبيه، وهكذا كان يصنع.

فانظر كيف قيض الله لهذا الوالد العاق من أبنائه مَن يعقه! والجزاء من جنس العمل: (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)[فصلت:46].

ومن صور العقوق منع الأبناء النفقة على الآباء رغم حاجة الآباء وقدرة الأبناء والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : "أنت ومالك لأبيك"

نسأل الله الكريم بمنه أن يرزقنا وإياكم البر، وأن يجنبنا العقوق والآثام.. إنه ولي ذلك والقادر عليه.
ماهر السيد

Post: #997
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:25 PM
Parent: #893

الحياء..خلق الإسلام
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد:

اعلم رحمك الله أنه على حسب حياة القلب يكون خُلُقُ الحياء، فكلما كان القلب أحيا كان الحياء أتم..

حقيقة الحياء:

إن الحياء خلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، فهو من صفات النفس المحمودة.. وهو رأس مكارم الأخلاق، وزينة الإيمان، وشعار الإسلام؛ كما في الحديث: "إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء". فالحياء دليل على الخير، وهو المخُبْر عن السلامة، والمجير من الذم.

قال وهب بن منبه: الإيمان عريان، ولباسه التقوى، وزينته الحياء.

وقيل أيضًا: من كساه الحياء ثوبه لم ير الناس عيبه.

حياؤك فاحفظه عليك فإنما.. ... ..يدلُّ على فضل الكريم حياؤه

إذا قلَّ ماء الوجه قلَّ حيـاؤه.. ... ..ولا خير في وجهٍ إذا قلَّ ماؤه

ونظرًا لما للحياء من مزايا وفضائل؛ فقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الصحيحين: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة، فأفضلها قول: لا إله إلا الله، وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان".

وفي الحديث أيضًا: "الحياء والإيمان قرنا جميعًا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر".

والسر في كون الحياء من الإيمان: أن كلاًّ منهما داعٍ إلى الخير مقرب منه، صارف عن الشر مبعدٌ عنه، وصدق القائل:

وربَّ قبيحةٍ ما حال بيني.. ... ..وبين ركوبها إلا الحياءُ

وإذا رأيت في الناس جرأةً وبذاءةً وفحشًا، فاعلم أن من أعظم أسبابه فقدان الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: "إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت".

وفي هذا المعنى يقول الشاعر:

إذا لم تخـش عـاقبة الليـالي.. ... ..ولم تستحِ فاصنع ما تشاءُ

يعيش المرء ما استحيا بخير.. ... ..ويبقى العود ما بقي اللحاءُ

ليس من الحياء:

إن بعض الناس يمتنع عن بعض الخير، وعن قول الحق وعن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بزعم الحياء، وهذا ولا شك فهمٌ مغلوط لمعنى الحياء؛ فخير البشر محمد صلى الله عليه وسلم كان أشد الناس حياءً، بل أشد حياءً من العذراء في خِدرها، ولم يمنعه حياؤه عن قول الحق، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل والغضب لله إذا انتهكت محارمه.

كما لم يمنع الحياء من طلب العلم والسؤال عن مسائل الدين، كما رأينا أم سليم الأنصارية رضي الله عنها تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله! إن الله لا يستحيي من الحق، فهل على المرأة غسلٌ إذا احتلمت؟

لم يمنعها الحياء من السؤال، ولم يمنع الحياءُ الرسول صلى الله عليه وسلم من البيان؛ فقال: "نعم، إذا رأت الماء".

أنواع الحياء:

قسم بعضهم الحياء إلى أنواع، ومنها:

1- الحياء من الله.

2- الحياء من الملائكة.

3- الحياء من الناس.

4- الحياء من النفس.

أولاً: الحياء من الله:

حين يستقر في نفس العبد أن الله يراه، وأنه سبحانه معه في كل حين، فإنه يستحي من الله أن يراه مقصرًا في فريضة، أو مرتكبًا لمعصية.. قال الله عز وجل: (أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى)[العلق:14]. وقال: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ) [ق:16].

إلى غير ذلك من الآيات الدالة على اطلاعه على أحوال عباده، وأنه رقيب عليهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "استحيوا من الله حق الحياء. فقالوا: يا رسول الله! إنا نستحي. قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله حق الحياء فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء".

خلا رجل بامرأة فأرادها على الفاحشة، فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب. قالت: فأين مكوكبها؟(تعني أين خالقها)

ولله در القائل:

وإذا خـلـوت بــريبــة فـي ظلمـــة والنفس داعية إلى الطغيان

فاستحيي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يـراني

ثانيًا: الحياء من الملائكة:

قال بعض الصحابة: إن معكم مَن لا يفارقكم، فاستحيوا منهم، وأكرموهم.

وقد نبه سبحانه على هذا المعنى بقوله: (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَاماً كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار:10- 12].

قال ابن القيم رحمه الله:[ أي استحيوا من هؤلاء الحافظين الكرام، وأكرموهم، وأجلُّوهم أن يروا منكم ما تستحيون أن يراكم عليه مَنْ هو مثلكم، والملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، فإذا كان ابن آدم يتأذى ممن يفجر ويعصي بين يديه، وإن كان قد يعمل مثل عمله، فما الظن بإيذاء الملائكة الكرام الكاتبين؟! ]

وكان أحدهم إذا خلا يقول: أهلاً بملائكة ربي.. لا أعدمكم اليوم خيرًا، خذوا على بركة الله.. ثم يذكر الله.

ثالثًا: الحياء من الناس:

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: لا خير فيمن لا يستحي من الناس.

وقال مجاهد: لو أن المسلم لم يصب من أخيه إلا أن حياءه منه يمنعه من المعاصي لكفاه.

وقد نصب النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحياء حكمًا على أفعال المرء وجعله ضابطًا وميزانًا، فقال: "ما كرهت أن يراه الناس فلا تفعله إذا خلوت".

رابعًا: الاستحياء من النفس:

من استحيا من الناس ولم يستحِ من نفسه، فنفسه أخس عنده من غيره، فحق الإنسان إذا هم بقبيح أن يتصور أحدًا من نفسه كأنه يراه، ويكون هذا الحياء بالعفة وصيانة الخلوات وحُسن السريرة.

فإذا كبرت عند العبد نفسه فسيكون استحياؤه منها أعظم من استحيائه من غيره.

قال بعض السلف: من عمل في السر عملاً يستحيي منه في العلانية فليس لنفسه عنده قدر.

إن الحياء تمام الكرم، وموطن الرضا، وممهِّد الثناء، وموفِّر العقل، ومعظم القدر:

إني لأستر ما ذو العقــل ساتــــره.. ... ..من حاجةٍ وأُميتُ السر كتمانًا

وحاجة دون أخرى قد سمحتُ بها.. ... ..جعلتها للتي أخفيتُ عنــــوانًا

إني كأنــــي أرى مَن لا حيــــاء له.. ... ..ولا أمانة وسط القـــوم عريانًا

رزقنا الله وإياكم كمال الحياء والخشية وختم لنا ولكم بخير..
ماهر السيد

Post: #998
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:27 PM
Parent: #893

الوسوسة سلاح الشيطان
مما لاشك فيه أن العداوة بين الإنسان والشيطان عداوة قديمة، فمنذ أن أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لأبينا آدم عليه السلام أبى إبليس واستكبر وأعلن العداوة والحرب على بني آدم،كما أخبر تعالى عن ذلك:(قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لأغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.إِلاّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)، وكما قعد لنا بمحاولة الغواية والإضلال في كل طريق ومرصد؛ فإنه حريص على قذف سمومه في قلوب المسلمين كي يزعزع إيمانهم بالله العزيز الحميد, ويلقي بالريب فيما أخبرنا الله به من الغيب في كتابه المجيد، عن سبرة بن أبي فاكه رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إنّ الشيطان قعد لابن آدم بأطرقه, فقعد بطريق الإسلام , فقال: تُسلمُ وتذر دينك ودين آبائك وآباء آبائك؟ فعصاه وأسلم, ثم قعد له بطريق الهجرة, فقال: تهاجر وتدع أرضك وسماءَك؟ وإنما مثل المهاجر كمثل الفرس في الطول, فعصاه فهاجر, ثم قعد له بطريق الجهاد, فقال: تجاهد؟ فهو جَهدُ النفس والمال, فتقاتلُ فَتُقْتَلُ, فتنكح المرأة ويُقسَم المال؟ فعصاه فجاهد،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فمن فعل ذلك كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, ومن قُتل كان حقاً على الله أن يُدخله الجنة، وإن غرق كان حقاً على الله أن يدخله الجنة, وإن وقصته دابته كان حقاً على الله أن يدخله الجنة" [رواه النسائي وقال الحافظ: إسناده حسن..], ومن رحمة الله بعباده أنه لم يجعل للشيطان على المؤمنين من سلطان : (إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إلا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ) (الحجر:42) كما وصف سبحانه كيد الشيطان بأنه ضعيف: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا ).فلما لـم يجد الشيطان سبيلا على المؤمنين لجأ إلى الوسوسة.

معنى الوسوسة:
الوسوسة والوَسواس: ما يلقيه الشيطان في القلب. وقال الراغب: الوسوسة: الخطرة الرديئة , وقال البغوي: الوسوسة القول الخفي لقصد الإضلال, والوسواسُ: ما يقع في النفس وعمل الشر وما لا خير فيه , وهذا بخلاف الإلهام فهو لما يقع فيها من الخير.
قال ابن القيم رحمه الله: "الوسوسة: الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من أُلقِيَ عليه, وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان للعبد".
والوسوسة تارة تكون من فعل الشيطان الجني كما قال تعالى: (فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا )(الأعراف:20), وسمى الله تعالى شيطاني الجن والإنس "وسواساً" فقال تعالى: (مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ - الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ) , وتارة تضاف الوسوسة إلى فعل النفس كما قال تعـالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُه).(ق:16)

أنواع الوسوسة:
يحضر الشيطان ابن آدم عند كل شأنه, حتى عند طعامه وشرابه فتنة وابتلاءً،ولكن غرضه الأعظم الكبير في إفساد إيمان المؤمن, فهو يسعى بخيله ورجله ليطفىء نور العلم والهداية في قلبه, ويوقعه في ظلمة الشكِّ والحيرة, ومن هنا كانت وساوسه تتجه صوب أمرين دينيين:
أحدهما: وسوسة الشيطان في العِلْمِيَّات: وهي مسائل الاعتقاد والإيمان, وهو أشدُّ النوعين؛ذلك لأنّ التوحيد: هو أساس الإسلام, وصرحه الشامخ, ورأس مال المؤمن, ومن خلاله يمكن للشيطان أن ينفث سمومه ليفسد على المرء دينه, ولهذا يوجه إبليس جلَّ سهامه وجنوده لإفساد هذه العقيدة, والتشكيك في التوحيد الخالص فتنة للناس عن دين الحق, كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنّ عرش إبليس على البحر فيبعث سراياه فيفتنون الناس فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة" (رواه مسلم)
الثاني: الوسوسة في العمليات: وهي العبادات والمعاملات, فهو يحضر المسلم عند طهارته وصلاته وذكره ودعائه, وحجه وطوافه وصيامه, ليلبّس على الناس عباداتهم ويفسد عليهم طاعاتهم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنّ الشيطان إذا سمع النداء أحال(ذهب هاربا) له ضراط, حتى لا يسمع صوته، فإذا سكت رجع فوسوس، فإذا سمع الإقامة ذهب لا يسمع صوته .فإذا سكت رجع فوسوس".(رواه البخاري ومسلم).

أما النوع الأول:

وهو وسوسته في العقائد, فمن حيل الشيطان وألاعيبه ببعض الناس أن يزين لهم حبَّ الفضول والسؤال عما لا قِبَلَ لمخلوق أن يدركه عن الخالق عز وجل, فتقع وسوسة السؤال عن ماهية الله تعالى, ووجوده...وقد يقع شيء من هذا لكثير من المؤمنين الصادقين, فيدفعونه بالاستعظام والإجلال كما أتى في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فسألوه: "إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به, قال: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم. قال: ذاك صريح الإيمان" (رواه مسلم). وعن عبد الله رضي الله عنه قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسوسة, قال: "تلك محضُ الإيمان" (رواه مسلم). قال الخطابي: "معناه: أنّ صريح الإيمان هو الذي منعكم من قول ما يلقيه الشيطان في أنفسكم والتصديق به, وليس معناه أنّ الوسوسة نفسها صريح الإيمان, وذلك أنها إنما تتولد من فعل الشيطان وتسويله, فكيف يكون إيماناً صريحاً, لأنّ الإيمان: التيقن, وأنّ الإشارة إلى أنّ ما وجدوه من الخوف من الله تعالى أن يعاقبهم على ما وقع في نفوسهم: هو محض الإيمان؛ إذ الخوف من الله تعالى ينافي الشك فيه" .

وقال ابن تيمية رحمه الله: "أي حصول هذا الوسواس مع هذه الكراهة العظيمة له, ودفعه عن القلب هو من صريح الإيمان, كالمجاهد الذي جاءه العدو فدافعه حتى غلبه, فهذا أعظم الجهاد و(الصريح) الخالص كاللبن الصريح, وإنما صار صريحاً لما كرهوا تلك الوساوس الشيطانية, ودفعوها فخَلص الإيمان فصار صريحاً ..." وقال: "فالشيطان لما قذف في قلوبهم وسوسة فدفعوه؛ تحرك الإيمان الذي في قلوبهم بالكراهة لذلك، والاستعظام له؛ فكان ذلك صريح الإيمان, ولا يقتضي ذلك أن يكون السبب الذي هو الوسوسة مأموراً به, والعبد أيضاً قد يدعوه داعٍ إلى الكفر أو المعصية فيعصيه ويمتنع؛ ويورثه ذلك إيماناً وتقوى, وليس السبب مأموراً به, وقد قال تعالى: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ.. ) الآيتان (آل عمران: 173 ،174), فهذا الإيمان الزائد والتوكل كان سبب تخويفهم بالعدو، وليس ذلك مشروعاً بل العبد يفعل ذنباً فيورثه ذلك توبة يحبه الله بها، ولا يكون الذنب مأموراً به وهذا باب واسع جداً..".

هذا وقد أنبأ نبينا صلى الله عليه وسلم أصحابه أنّ هذه الوساوس سيتكلم بها الناس, عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يزالون يسألونك يا أبا هريرة حتى يقولوا: هذا الله فمن خلق الله؟" قال: فبينما أنا في المسجد إذ جاءني ناس من الأعراب فقالوا: يا أبا هريرة هذا الله, فمن خلق الله؟ قال: فأخذ حصى بكفه فرماهم, ثم قال: قوموا قوموا، صدق خليلي" رواه مسلم.

طرق علاج الوسوسة في العقائد:
إنّ السلامة من فتنة الشيطان بالوسوسة في الإيمان والاعتقادات تكون بطريقتين:

الطريقة الأولى: وقائية:

وهي الاحتراز من الوسوسة قبل حصولها, وذلك بالتحصن بالعلم والعكوف على مسائل التوحيد والإيمان, دراسة ومذاكرة, لأنّ الشيطان لا يجد السبيل سالكاً لتشكيك أهل العلم بالإيمان, فكلما أراد عدو الله أن يصرعهم صرعوه, وإذا شغب عليهم بوساوسه, ردوها عليه بما عندهم من الهدى والعلم ورجموه، "وَلَعالِـمٌ واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد", ومَن عرف الله تعالى من خلال صفاته ومخلوقاته, عظّم ربه حق التعظيم, وقَدَّره كل التقدير, ولا يزال أبداً يحسن الظن بمولاه حتى يلقاه.

الطريقة الثانية: إذا وقعت الوسوسة في النفس,دفعها المسلم المدرك, وأبطلها بستة أمور:
الأمر الأول: الكف عن الاسترسال في الوسوسة, والانتهاء عنها بقطع حبالها ومتعلقاتها, مستعيناً على ذلك بالاستعاذة بالله من شر الشيطان الرجيم, وذلك لما في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا وكذا حتى يقول له: من خلق ربك؟ فإذا بلغ ذلك فليستعذ بالله ولينته"(رواه مسلم) ، والمعنى: إذا عرض له هذا الوسواس, فليلجأ إلى الله تعالى في دفع شره, وليعرض عن الفكر في ذلك, وليعلم أنّ هذا الخاطر من وسوسة الشيطان, وهو أن يسعى بالفساد والإغواء, فليعرض عن الإصغاء إلى وسوسته وليبادر إلى قطعها, بالاشتغال عنها. وهذا كما قال تعالى: (وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ )( سورة الأعراف: الآيتان 201,200(.وفي الحديث عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ للشيطان لـمَّة بابن آدم, وللمَلَك لـمَّة, فأما لـمَّة الشيطان, فإيعاد بالشر وتكذيب بالحق, وأما لـمَّة الملك, فإيعاد بالخير, وتصديق بالحق, فمن وجد ذلك, فليعلم أنه من الله, فليحمد الله, ومن وجد الأخرى, فليتعوّذ بالله من الشيطان الرجيم".

فلا بد إذن من ضبط النفس عن الاستمرار في هذه الوساوس, لأنّ الأضرار والعواقب المترتبة على التسليم لهذه الوساوس وخيمة.
الأمر الثاني: لا يسأل أسئلة صريحة عن هذه الوساوس التي تدور بخاطره, أي لا يصرح بشيء من ذلك, فإنه في عافية, مادامت الوساوس محصورة في قلبه لم تنتقل بعد إلى لسانه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنّ الله تجاوز لأمتي عما وسوست ـ أو حدثت ـ به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم"(البخاري ).
وهذا ما كان يتأدب به الصحابة إذا وقع لهم شيء من ذلك كما في حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنّ النبي صلى الله عليه وسلم جاءه رجل فقال: إني أحدث نفسي بالشيء, لأنْ أكون حُمَمَة أحب إليَّ من أن أتكلم به, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "الحمد لله الذي ردَّ كيده إلى الوسوسة"( رواه أبو داود.).

الأمر الثالث: أن يقول إذا وجد الوسوسة بثبات جنان ونطق لسان: "آمنت بالله", وذلك لحديث: ((لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال: هذا, خلق الله الخلق. فمن خلق الله؟ فمن وجد من ذلك شيئاً فليقل: آمنت بالله" (رواه مسلم) ، ومن المعلوم أنّ الإيمان به تعالى هو ركن الإيمان الأول بالغيب, ومنه ينطلق الإيمان ببقية الأركان, فالتأكيد عليه بالنطق كذلك تذكير بالله تعالى وطرد للشيطان.
الأمر الرابع: قال ابن القيم رحمه الله: "وأرشد ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ من بُلي بشيء من وسوسة التسلسل في الفاعلية, إذا قيل له: هذا الله خلق الخلق, فمن خلق الله؟ أن يقرأ: (هُوَ الأوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) سورة الحديد: الآية 3. كذلك قال ابن عباس لأبي زُميل سماك بن الوليد الحنفي وقد سأله: "ما شيء أجده في صدري؟ قال: ما هو؟ قال: قلت: والله لا أتكلم به, قال: قال لي: أشيءٌ من شك؟ قلت: بلى. فقال لي: ما نجا من ذلك أحد, حتى أنزل الله عز وجل: (فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) قال: قال لي: فإذا وجدت في نفسك شيئاً فقل: (هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) فأرشدهم بهذه الآية إلى بطلان التسلسل الباطل ببديهة العقل, وأن سلسلة المخلوقات في ابتدائها تنتهي إلى أول ليس قبله شيء كما تنتهي في آخرها إلى آخر ليس بعده شيء, ... فهو الأول الذي ليس قبله شيء, والآخر الذي ليس بعده شيء, والظاهر الذي ليس فوقه شيء, والباطن الذي ليس دونه شيء" .

الأمر الخامس: الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء, وطلب تثبيت القلب على الإيمان. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم كثيراً ما يدعو فيقول: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك"وكان يقول أيضاً: "إنّ الإيمان يبلى في جوف أحدكم كما يبلى الثوب؛فاسألوا الله أن يجدد إيمانكم".
الأمر السادس: إذا استمرت الوساوس, فما عليه إلا أن يردَّ ما يُشكل عليه ويؤرقه, ويكدر صفو اعتقاده بربه ويزعزعه إلى أهل العلم, لقول الله تعالى: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ).

وأما النوع الثاني وهو وسوسته في العبادات فهو أمر يوقع فيه الشيطان بعض الناس فيأتيهم في الصلاة مثلا فيخيل إليهم أنهم قد أحدثوا أو أن الواحد منهم صلى ثلاثا بدلا من أربع ركعات...وكأن يأتي العبد بعد الفراغ من الوضؤ فيوسوس له أنه لم يمسح رأسه ،أو لم يغسل العضو كما ينبغي...

وعلاج هذا النوع أساسا بعدم الالتفات له خصوصا إذا صار عادة للشخص،وقد دل على هذا العلاج خير البشر صلى الله عليه وسلم حين قال: "إن الشيطان يأتي أحدكم وهو في صلاته حتى يفتح مقعدته فيخيل إليه أنه أحدث.ولم يحدث،فإذا وجد أحدكم ذلك فلا ينصرف حتى يسمع صوت ذلك بأذنه أو يجد ريح ذلك بأنفه"(رواه الهيثمي في المجمع، وقال:رجاله رجال الصحيح).
وعلى من ابتلي بهذا الداء أن يستعين بكثرة الذكر؛فإنه لا سلطان للشيطان على الذاكر،وعليه أيضا أن يكثر من الدعاء والتضرع إلى الله ليصرف عنه ما يجد ، وليستعن بأهل الاختصاص من الأطباء.عافانا الله وإياكم والمسلمين من كل داء وبلاء ،ورد كيد الشيطان إلى نحره، والحمد لله رب العالمين.
ماهر السيد

Post: #1108
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-29-2015, 05:09 PM
Parent: #998

Quote: حين يكون القلب موصولاً بالله، والجوارح عاملة بطاعته كافة عن محارمه، يقذف الله في هذا القلب نورًا يميز به بين الحق والباطل، بين الصادقين والكاذبين.

Post: #999
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:29 PM
Parent: #893

الرجاء..أجلَُ منازل السالكين

تكلمنا في مقال سابق عن الخوف من الله تعالى، وفي هذا المقال نتكلم عن الرجاء؛ حيث إن المؤمن يسير إلى ربه على جناحي الخوف والرجاء. فبالخوف ينزجر العبد عن المعاصي والسيئات، وبالرجاء تتحرك الجوارح بالطاعات.
يقول ابن القيم رحمه الله:
"الرجاء من أجل منازل السائرين وأعلاها وأشرفها، ... وقد مدح الله تعالى أهله وأثنى عليهم، فقال: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) [الأحزاب:21].

وفي الحديث الصحيح الإلهي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "يا ابن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي" ... وهو عبودية وتعلقٌ بالله من حيث اسمه: "المحسن البرُّ"... فقوة الرجاء على حسب قوة المعرفة بالله وأسمائه وصفاته، وغلبة رحمته غضبه. ولولا روح الرجاء لعُطِّلتِ عبودية القلب والجوارح، وهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يُذكر فيها اسم الله كثيرًا.. بل لولا روح الرجاء لما تحركت الجوارح بالطاعة، ولولا ريحه الطيبة لما جرت سفن الأعمال في بحر الإرادات.ا.هـ.
قال صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المؤمن بما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد، ولو يعلم الكافر ما عند ا لله من الرحمة ما قنط من جنته أحد".

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يقول: "إن أكبر آية في القرآن فرجًا آية في سورة الغرف (الزمر): (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) [الزمر:53].
ولما دخلوا على مالك بن أنس في العشية التي قبض فيها قال بعضهم: يا أبا عبد الله!كيف تجدك؟ قال: ما أدري ما أقول لكم، إلا أنكم ستعاينون غدًا من عفو الله ما لم يكن لكم في حساب.
فسبحان الله العظيم، لو يعلم المدبرون عنه كيف انتظاره لهم، ورحمته إياهم لتقطعت أوصالهم شوقًا إليه، هذه إرادته في المدبرين عنه، فكيف بالمقبلين عليه؟!!
قال عبد الله بن المبارك: جئت إلى سفيان الثوري عشية عرفة وهو جاث على ركبتيه، وعيناه تهملان، فقلت له: مَنْ أسوأ هذا الجمع حالاً؟ قال: الذي يظن أن الله لا يغفر لهم.
ونظر الفضيل بن عياض إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة فقال:
"أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقًا - سدس درهم - أكان يردُّهم؟ قالوا: لا. قال: والله لَلمغفرةُ عند الله أهون من إجابة رجل لهم بدانق".
وإني لأدعو الله أطلب عفـــــوه.. ... ..وأعلم أن اللـــــه يعفـو ويغفــــرُ
لئن أعظم الناسُ الذنوبَ فإنها.. ... ..وإن عظمت في رحمة الله تصغر

وحريٌ بالعبد أن يعظم رجاؤه بربه خاصة عند نزول الموت بساحته، فإن الله عز وجل يقول: "أنا عند ظن عبدي بي".
ولأجل هذا المعنى لما دخل واثلة بن الأسقع رضي الله عنه على يزيد بن الأسود وهو يحتضر، فقال واثلة:
"ألا تخبرني عن شيء أسألك عنه، كيف ظنك بالله؟ قال: اعترتني ذنوبٌ لي أشفيت على هلكة، ولكن أرجو رحمة الله. فكبر واثلة وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقول الله عز وجل: أنا عند ظن عبدي بي، فليظن بي ما شاء".
ولهذا المعنى أيضًا قال سليمان التيمي حين حضرته الوفاة لابنه معتمر: يا معتمر، حدثني بالرخص؛ لعلي ألقى الله وأنا أُحسن الظن به".

الرجاء يدفع إلى العمل:
المشاهد في دنيا الناس أن كثيرا من المفرطين في الطاعات المجترئين على فعل المعاصي والسيئات يزعمون ثقتهم برحمة الله وعفوه، وهذا ولا شك فهم قاصر لمعنى الرجاء يصدق على أصحابه ذم الإمام الحسن البصري رحمه الله حين قال:إن قوما ألهتهم أماني المغفرة حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم، يقولون: نحسن الظن بالله ،وكذبوا فلو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل.
إن الله عز وجل هو الغفور الرحيم، لكن أرجو أن تنتبه معي أيها الحبيب إلى المعنى اللطيف الذي تضمنته هذه الآية التي يقول الله عز وجل فيها: (إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك يرجون رحمة الله والله غفور رحيم ) (البقرة:218).

فانظر كيف أنهم يرجون رحمة الله وهم يعملون هذه الأعمال الصالحة العظيمة.فهيا أيها الحبيب لعمل الصالحات والتوبة مما سلف من المعاصي والسيئات ،وقد آن لنا قبل الختام أن نهتف كما هتف محمود الورَّاق رحمه الله:
حُسْنُ ظني بحسن عفـــوك يـا.. ... ..ربِّ جميـــــلٌ وأنت مالـك أمري
صُنْتُ سِرِّي عن القـــرابة والــ.. ... ..أهل جميعًا وكنتَ موضع سري
ثِقـــــةً بالـذي لديـك من الستْــر.. ... ..فـلا تخـــــزني يـــــــوم نشــري
يومَ هتك الستور عن حجب الــ.. ... ..غــيب فلا تهتكنَّ للنـاس ستـري
لَقِّنِّي حـجتي وإن لـم تكنْ يـــــا.. ... ..ربِّ لـي حجةٌ ولا وجْـــه عُـــــذْر
إسلام ويب

Post: #1000
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:31 PM
Parent: #893

الخوف شعار العارفين
إن من أعظم المهمات التي بعث لأجلها النبي صلى الله عليه وسلم تزكية النفوس وتطهيرها، كما قال الله عز وجل: (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) [الجمعة:2].
وقد جعل الله تعالى فلاح العبد منوطًا بتزكية نفسه، فقال سبحانه وتعالى بعد أحد عشر قسمًا متواليًا: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:9، 10].
ومما لا شك فيه أن من أهم الوسائل لتزكية النفوس هو تربيتها على الخوف من الله عز وجل. قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"ومن منازل (إياك نعبد وإياك نستعين) منزلة الخوف، وهي من أجلِّ منازل الطريق، وأنفعها للقلب، وهي فرض على كل أحد".
وقال أيضًا رحمه الله:
"القلب في سيره إلى الله عز وجل بمنزلة الطائر، فالمحبة رأسه، والخوف والرجاء جناحاه، فمتى سلم الرأس والجناحان فالطائر جيد الطيران، ومتى قطع الرأس مات الطائر، ومتى فُقد الجناحان فهو عرضة لكل صائد وكاسر".
وإذا سكن الخوف القلوب أحرق مواضع الشهوات منها، وطرد الدنيا عنها؛ إذ الخوف سوط الله الذي يقوِّم به الشاردين عن بابه ويصدهم به عن نار الجحيم والعذاب الأليم.

قال الفضيل رحمه الله: من خاف الله دله الخوف على كل خير.
واعلم أن الخوف إذا فارق القلب خَرِب، وتجرأ صاحبه على المعاصي.
وكيف لا يخاف العبد في هذه الدار وهو يعلم أنه مقبل على أهوال عظام:
فهو لا يدري بماذا يختم له.. قال سهل: خوف الصديقين من سوء الخاتمة عند كل خطرة، وعند كل حركة، وهم الذين وصفهم الله تعالى إذ قال: (وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ...) [المؤمنون:60].
ولما احتضر سفيان الثوري - رحمه الله - بكى بكاءً شديدًا. فقيل له: عليك بالرجاء؛ فإن عفو الله أعظم من ذنوبك. فقال: أو على ذنوبي أبكي؟! لو علمت أني أموت على التوحيد لم أبال بأن ألقى الله بأمثال الجبال من الخطايا.
ثم هو مقبل على القبر وسؤال الملكين، ولا يدري أيثبت أم لا؟.. جلس النبي صلى الله عليه وسلم على شفير قبر فبكى ثم قال: "أي إخواني لمثل هذا فأعدوا".
ثم إذا أعمل فكرة في أهوال الحشر، والميزان، والصراط، وانصراف الناس إما إلى جنة وإما إلى نار لاستولى الخوف على قلبه فحجزه عن الكثير من المحرمات. فكل من خاف شيئًا فر منه، لكن من خاف الله فر إليه: (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ) [الذاريات:50]

درجات الخوف:
ذكر بعضهم أن للخوف درجات:
الدرجة الأولى: خوف العقوبة:
وهو الخوف الذي يصح به الإيمان، وهو خوف العامة، وهذا الخوف يتولد من تصديق الوعيد، وذكر الجناية، ومراقبة العاقبة، وترحل هذا الخوف من القلب علامة ترحل الإيمان منه.. قال الله تعالى: (وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) [آل عمران:175].
الدرجة الثانية: خوف المكر:
فكم من مغبوط بحاله انعكس عليه الحال، ورجع من حسن المعاملة إلى قبيح الأعمال، فأصبح يقلب كفيه ويضرب باليمين على الشمال، فبُدِّل بالأُنس وحشة، وبالحضور غيبة، وبالإقبال إعراضًا، وبالتقريب إبعادًا.

وأعلى الدرجات: خوف العبد الحجاب عن الرب:وهذا خوف العارفين.
وكلما كان العبد أعلم بالله وأعرف بصفاته سبحانه كلما كان خوفه أشد.. قال تعالى: (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) [فاطر:28]. ولهذا وجدنا سيد الخلق محمدًا صلى الله عليه وسلم أخوف الناس، فقد قيل له: يا رسول الله شِبْتَ! قال: "شيبتني هود وأخواتها". وهو صلى الله عليه وسلم الذي قال عن نفسه: "إني لأعلمكم بالله وأشدكم له خشية".
وقد ذكر بعض العلماء أن الخوف له قصور، وإفراط، واعتدال، فالمحمود منه هو الاعتدال والوسط، وذلك الذي يحمل صاحبه على فعل الواجبات وترك المحرمات، فإن زاد بحيث صار باعثًا للنفوس على التشمير في نوافل الطاعات والكف عن دقائق المكروهات، والتبسط في فضول المباحات؛ كان أفضل وأحسن.
وأما القاصر فذلك الذي يجري مجرى رقة النساء، يخطر بالبال عن وجود سبب من الأسباب كسماع آية أو موعظة أو غير ذلك، فتفيض الدموع ويوجل القلب، ثم إذا زال السبب عاد لما كان عليه من الغفلة، فهذا خوف قاصر قليل الجدوى.
وأما الإفراط في الخوف بحيث يخرج صاحبه إلى اليأس والقنوط أو يورث مرضًا أو همًا بحيث يقطع عن السعي في اكتساب الفضائل المحبوبة لله، فإن ذلك مذموم غير محمود.
رزقنا الله خشيته ومخافته في السر والعلن، وصلى الله على نبينا محمدٍ وآله وصحبه وسلم.
إسلام ويب

Post: #1001
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:33 PM
Parent: #1000

اليقين روح أعمال القلوب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فإن حديثنا في هذه المقالة عن مقام من أعلى مقامات الدين، وخلة من أعظم خلال العارفين، إنه اليقين.. يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضل العارفون، وفيه تنافسَ المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه وإشاراتُهم كلُّها إليه، وإذا تزوَّج الصبر باليقين وُلد بينهما حصول الإمامة في الدين. قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ) [السجدة:24].
وخصَّ سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين، فقال وهو أصدق القائلين: (وَفِي الأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ) [الذاريات:20].
وخصَّ أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالَمين، فقال: (وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) [البقرة:4، 5].
وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين، فقال تعالى: (وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنَّاً وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) [الجاثـية:32].
فاليقين روح أعمال القلوب التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقية، وهو قُطب هذا الشأن الذي عليه مداره".اهـ.

التوكل ثمرةُ اليقين:
و"التوكُّل ثمرتُه ونتيجتُه، ولهذا حسُن اقتران الهدى به؛ قال تعالى: (فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّكَ عَلَى الْحَقِّ الْمُبِينِ) [النمل:79]. فالحقُّ هو اليقين.
وقالت رسُل الله: (وَمَا لَنَا أَلا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا) [إبراهيم:12]. ومتى وصل اليقين إلى القلب امتلأ نورًا وإشراقًا، وانتفى عنه كلُّ ريب وشكٍّ وسُخْطٍ، وهمٍّ وغمٍّ، فامتلأ محبَّةً لله وخوفًا منه، ورضًا به وشكرًا له، وتوكُّلاً عليه، وإنابةً إليه؛ فهو مادَّة جميع المقامات والحامل لها.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرُها بالبخل والأمل".[أخرجه أحمد في الزهد، وحسنه الألباني].
وقال صلى الله عليه وسلم: "نجا أول هذه الأمة باليقين والزهد، ويهلِك آخِرُها بالبخل والأمل". [رواه ابن أبي الدنيا، وحسنه الألباني].

الرسول صلى الله عليه ويسلم يسأل ربه اليقين:
فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قلَّما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدَّعوات لأصحابه: "اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحولُ بيننا وبين معاصِيك، ومن طاعتك ما تبلِّغنا به جنتك، ومن اليقين ما تُهوِّن به علينا مصائب الدنيا، ومتِّعْنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على مَن ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همِّنا، ولا مبلغ علِمنا، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا". [أخرجه الترمذي وحسنه الألباني].

رجحان العمل وحصول الرضا باليقين:
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "يا حبَّذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامَهم؟! ولَمثقال ذرَّةٍ من برٍّ، من صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم، من أمثال الجبال عبادةً من المغْترين".[أخرجه أحمد].
وصحَّ عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الرَّوح والفرج في اليقين والرضا، وإن الغمَّ والحزن من الشَّكِّ والسُّخط".
وكان عطاء الخراساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول: "اللهم هبْ لنا يقينا بك حتى تهون علينا مصيباتُ الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كُتب علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمتَ لنا به".
وقال بلال بن سعد: "عباد الرحمن، اعلموا أنكم تعملون في أيام قصار لأيَّام طِوال، في دار زوال لدار مقام، ودار حزن ونصبٍ لدار نعيم وخُلدٍ، ومَن لم يعمل على اليقين فلا يغْترَّ". أي أن الأفعال تدل على ضعف اليقين.
وقال رحمه الله: "كأنَّا قومٌ لا يعقلون، وكأنَّا قومٌ لا يُوقنون".
وقال رحمه الله: "عباد الرحمن، أمَّا ما وكَّلكم الله به فتضيِّعونه، وأمَّا ما تكفَّل لكم به فتطلبونه، ما هكذا بعث الله عباده الموقنين، أذَوُو عقولٍ في طلب الدنيا، وبُلْهٌ عمَّا خلقتم له؟ فكا ترجون رحمة الله بما تؤدون من طاعة الله عز وجل، فكذلك أشفقوا من عذاب الله بما تنتهكون من معاصي الله عز وجل".
واعلم - رعاك الله - أنه على قدر قربك من التقوى تدرك من اليقين، ولا يسكن اليقين قلبًا فيه سكون إلى غير الله تعالى.

أمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين:
إن من يقلب صفحات التاريخ يجده يزخر بأمثلة عطرة على علو الهمة في اليقين والثقة بالله، ومنها:
خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام كان خلقه اليقين:
فكل مواقفه عليه السلام تدل على ذلك، ففي محاجَّته لقومه كان خلقه اليقين: (وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) [الأنعام:80-82].نعم ،كيف يخاف من عنده هذا اليقين؟!!.
ويتجلى يقينه وتوكله وثقته بربه حينما ألقوه في النار، وجاءه جبريل يقول: ألك حاجة؟ فيجيبه: أما إليك فلا، ثم يردد نشيده العلوي: "حسبنا الله ونعم الوكيل".
إن كل موقف من مواقف الخليل ملؤه اليقين.. إلقاء طفله الرضيع وزوجه في البرية، همه بذبح ولده.. فصلوات ربي وسلامه عليه.

الرسول صلى الله عليه وسلم.. القمة في علو الهمة:
ومَنْ كرسول الله صلى الله عليه وسلم، حينما يشتد الكرب يبدو يقينه مثالاً يحتذى، ولا كرب أشد من ساعة الهجرة: (إِلاّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [التوبة:40]. حين يقول له الصديق: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، والرسول صلى الله عليه وسلم يهدئ من روعه: "يا أبا بكرٍ ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟".
ثم انظر إلى يقينه بربه بعد أن جرى له ما يشيب لذكره الولدان في رحلته إلى الطائف، وهو يقول لملك الجبال الذي عرض عليه الانتقام من المشركين: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئًا".

صيحة عمير بن الحمام.. منارة من منارات اليقين:
فإنه لما سمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض". قال: بخٍ بخ. قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما حملك على قولك: بخٍ بخٍ؟ قال: لا والله يا رسول الله، إلاَّ رجاء أن أكون من أهلها. قال صلى الله عليه وسلم: "فإنك من أهلها". فأخرج تمرات كنَّ في قرنه (جيبه) فجعل يأكل منهنَّ ثم قال: لئن حييتُ حتى آكل تمراتي هذه؛ إنها لحياة طويلة. فرمى بما كان معه ثم قاتلهم حتى قتل".
ولله در القائل:
يــا أمتي وأقــول اليــوم فـي ثقــة.. ... ..إني اليقـينُ فلا شيءٌ يزعزعـني
إني العـقـيـدة والإقـــدام فيـصلهـا.. ... ..وليـس غـيرُ نــداء الله يسـحـرني
أذود عنه وفـيــها عـلَّ خــاتـمـتي.. ... ..تكـون في ظلهــا يــومًا فتقبـــلـني
فاللـــيل يعــقـبـه فـجـر ومـئـذنــةٌ.. ... ..والله أكـبـر نبــراسٌ علـى الـزمـن
الهول في خطوي والنورفي دربي.. . وأظل أسمع صوتَ الحق في أذني
رزقنا الله يقينا لا يتزحزح، وقرة عين لا تنفد... اللهم آمين.
للاستزادة:
( نضرة النعيم / جزء 8 )
( صلاح الأمة / جزء 5 )

Post: #1002
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:35 PM
Parent: #1001

المراقبة شعار المتقين
إن الله اللطيف الخبير وسع كل شيء علما،لا يخفى عليه شيء في اسماوات ولا في الأرض ‘وإذا علم العبد هذه المعاني وجب عليه ان يراقب ربه في كل حركاته وسكناته.والمراقبة هي دوام علم العبد وتيقنه باطِّلاع الحق سبحانه وتعالى على ظاهره وباطنه، وهي ثمرة علم العبد بأن الله رقيب عليه، ناظرٌ إليه، سامع لقوله، وهو سبحانه مطلع على عمله كل وقت وكل طرفة عين.
قال الله تعالى: (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) [الحديد:4]، وقال تعالى: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ) [البقرة:235]، وقال: (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) [الأحزاب:52].
وفي حديث جبريل عليه السلام أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإحسان فقال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك". ولله در الإمام أحمد رحمه الله وهو يقول:
إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل.. ... ..خلوتُ ولكن قل عليَّ رقيبُ
ولا تحسبنَّ الله يغفــل ســـاعــةً.. ... ..ولا أن ما تخفي عليه يغيبُ

والمراقبة تعبُّدٌ لله بأسمائه الحسنى:
اعلم أيها القارئ الكريم - وفقنا الله وإياك - أن المراقبة هي التعبد لله بأسمائه: "الرقيب، الحفيظ، السميع، العليم، الخبير، البصير، الشهيد، والمحصي"؛ فمن عقل هذه الأسماء وتعبد بمقتضاها حصلت له المراقبة.
الله هو الرقيب:
الله سبحانه هو الرقيب، يعلم أحوال عباده، ويعد أنفاسهم، حفيظ لا يغفل، وحاضر لا يغيب، قال تعالى في قول عيسى لربه: (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [المائدة:117].
وقد سُئل بعضهم: بم يُستعان على غض البصر؟ فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور.
وقال ابن المبارك لرجل: راقب الله تعالى. فسأله عن تفسير ذلك؟ فقال: كُن أبدًا كأنك ترى الله.
فهو سبحانه:
رقيب على كل الوجــود مهيمنٌ .. ... على الفلك الدوار نجمًا وكوكبًا
رقيب على كل النفوس وإنْ تَلُذْ.. ... بصمـت ولـم تجهـر بسـرٍ تغيبًا
رقيب تعالى مـالك الملك مبصرٌ.. ... به كل شيءٌ ظاهرًا أو محجبًا

والله هو الحفيظ:
قال تعالى: (وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) [سـبأ:21]، فمن علم ذلك حفظ قلبه وجوارحه من معاصيه.
العليم:
فمن علم أنه سبحانه عالم بكل شيء حتى بخطرات الضمائر، ووساوس الخواطر، راقب ربه واستحيا منه، وكف عن معاصيه، قال تعالى: (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ) [الملك:13].
الشهيد:
قال تعالى: (وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) [يونس:61].
وهكذا بقية أسمائه الحسنى التي ذكرناها، فإن التعبد لله بمقتضاها يورث القلب مراقبة الرب عز وجل.
قال عامر بن قيس: ما نظرتُ إلى شيءٍ إلا رأيتُ الله تعالى أقرب إليه مني.
وقد مرَّ ابن عمر رضي الله عنهما براعٍ فطلب منه شاةً يشتريها فقال: ليس هاهنا ربها. قال ابن عمر: تقول له: أكلها الذئب. قال: فرفع رأسه إلى السماء وقال: فأين الله؟ فقال ابن عمر: أنا والله أحق أن أقول: أين الله؟ واشترى الراعي والغنم، فأعتقه وأعطاه الغنم.
فحريٌ بالعبد أن يراقب ربه، فهو لا يغيب عن نظره سبحانه طرفة عين: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) [المجادلة:7]؟
قال حُميد الطويل لسليمان بن عليّ: عظني. فقال: لئن كنت إذا عصيت الله خاليًا ظننت أنه يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت.
وقال ابن الجوزي رحمه الله: الحق عز وجل أقرب إلى عبده من حبل الوريد. لكنه عامل العبد معاملة الغائب عنه البعيد منه. فأمر بقصد نيته، ورفع اليدين إليه، والسؤال له. فقلوب الجهال تستشعر البعد؛ ولذلك تقع منهم المعاصي، إذ لو تحققت مراقبتهم للحاضر الناظر لكفُّوا الأكف عن الخطايا، والمتيقظون علموا قربه فحضرتهم المراقبة، وكفوا عن الانبساط.
نسأل الله أن يرزقنا خشيته ومراقبته في السر والعلن إنه ولي ذلك والقادر عليه.
إسلام ويب

Post: #1003
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:36 PM
Parent: #1002

الطمع .. فقر دائم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أجمعين.. وبعد: ما من شيء أفسد لدين المرء من الطمع في شهوات الدنيا من مال أو منصب أو جاه، ذلك أن العبد إذا استرسل مع الأمنيات استعبدته كما قال القائل:
العبد حرٌ ما قنع .. ... ..والحر عبدٌ ما طمع
وقال آخر:
أطعت مطامعي فاستعبدتني.. ... ..ولو أني قنعت لكنت حرًا
يقول الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
وهكذا حال من كان متعلقًا برئاسة أو ثروة ونحو ذلك من أهواء نفسه، إن حصل له رضي وإن لم يحصل له سخط، فهذا عبد ما يهواه من ذلك، وهو رقيق له إذا لم يحصل.
والعبودية في الحقيقة هي رقُّ القلب وعبوديته"أهـ.
ولأجل هذا المعنى كان يقال: الطمع فقرٌ، واليأس غنى، وإن أحدكم إذا يئس من شيء استغنى عنه.
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الطمع أشد التحذير فقال: "وأهل النار خمسة: ... والخائن الذي لا يخفى له طمع، وإن دق إلا خانه..." الحديث.
وكان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله "من نفس لا تشبع".
الطمع يمحق البركة
والطمع يمحق البركة ويشعر النفس بحالة الفقر الدائم، فعن حكيم بن حزام رضي الله عنه قال: "سألت رسول الله فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال: "يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة، فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يُبارك له فيه، كالذي يأكل ولا يشبع.." الحديث.
وكان السلف يرون أن الطمع يُذهب بركة العلم، فقد اجتمع كعب وعبد الله بن سلام، فقال كعب: يا بن سلام: مَن أرباب العلم؟ قال: الذين يعملون به. قال: فما أذهب العلمَ عن قلوب العلماء بعد أن علموه؟ قال: الطمع، وشَرَه النفس، وطلب الحوائج إلى الناس.
ورحم الله القائل:
ولم أقض حق العلم إن كان كلما .. ... ..بدا طــمعُ، صيَّرته لي ســـلمًا
وما كل بــرق لاح لي يسـتفـزني.. ... ..ولا كل من لاقيت أرضاه منعمًا
إذا قيل هــذا منهـل قلت قد أرى.. ... ..ولكـن نفس الحر تحتمل الظما
أنهنهها عـن بعض مـا لا يشـينها.. ... ..مخــافة أقوال العــدا فيم أو لـمَ
ولم أبتذل في خدمة العلم مهجتي .. ... .. لأخْدِمَ مَن لاقيتُ ولكن لأُخَدما
أأشقى به غــرسًا وأجنيــه ذِلة؟ .. ... ..إذا فاتباع الجهل قد كان أحزما
ولو أن أهـــل صـانــوه صـــانهـم.. ... .. ولو عظموه في النفوس لعظِّما
ولكـــن أهانــوه فهــان ودنســوا.. ... .. محيـاه بالأطمــاع حتى تجهما
ومن كان ذا طمع مسيطر على قلبه فإن الذل قرينه؛ لأنه يبذل عرضه في سبيل تحقيق ما هو ته نفسه وطمع فيه قلبه؛ وفي هذا المعنى يقول أبو العتاهية رحمه الله:
تعالى الله يا سَلْمُ بنَ عمرو.. ... ..أذلَّ الحرص أعناق الرجال
وقال بعضهم:
الحرص يُنقص قدر الإنسان، ولا يزيد في رزقه.
وقالوا: العبيد ثلاثةٌ: عبد رِقّ، وعبد شهوة، وعبد طمع.
ولو لم يكن في الطمع إلا تضيع العمر الشريف الذي يمكن أن يشتري به صاحبه الدرجات العلى والنعيم المقيم، في طلب رزق قد تكفل الله به لكفى بذلك زجرًا، فكيف وفي الطمع التعب الدائم وتحقير النفس وإذلالها، ونقص الثقة بالله عز وجل مع شعور صاحبه بفقر دائم:
"وما فتح عبد بابَ مسألةٍ، إلا فتح الله عليه باب فقر".
نسأل الله أن يقينا شر الطمع، وأن يرزقنا القناعة..
ماهر السيد

Post: #1004
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:38 PM
Parent: #1003

التفكر والاعتبار.. خلق أهل الفضل والأدكار
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد
فما طالت فكرة امرئ قط إلا علم، وما علم امرؤ قط إلا عمل، ولو تفكر الناس في عظمة الله ما عصوا الله عز وجل، والفكر مرآة تريك حسناتك وسيئاتك، ولذلك كان التفكر من أفضل العبادات، فهو يورث الحكمة ويحيى القلوب، ويغرس فيها الخوف والخشية من الله عز وجل.
قال أبو سليمان الداراني: " إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شئ إلا رأيت لله فيه نعمة ولى فيه عبرة".. ولما سئلت أم الدرداء عن أفضل عبادة أبى الدرداء؟ قالت التفكر والاعتبار. وعن محمد بن كعب القرظى قال: لأن أقرأ في ليلتي حتى أصبح بـ"إذا زلزلت والقارعة" لا أزيد عليهما وأتردد فيهما وأتفكر أحب إلى من أن أهز القرآن ليلتي هزا أو قال أنثره نثرا. وعن طاووس قال: "قال الحواريون لعيسى ابن مريم: يا روح الله هل على الأرض اليوم مثلك؟ فقال: نعم من كان منطقه ذكرا ً وصمته فكرا ً ونظره عبرة فإنه مثلي".

والتفكر يكون في نعم الله وفي كل شئ إلا في ذات الله تعالي: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوالسَّمِيعُ البَصِيرُ) (الشورى: 11).. وقد كثر الحديث في كتاب الله تعالى على الاعتبار والتدبر والنظر والتفكر قال تعالي: ( يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَُ) (البقرة: 219) وقال: ( قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكَّرُونَ) (الأنعام: 50) وقال: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ ) (الروم: 8) .

وعن عطاء قال " دخلت أنا وعبيد بن عمير على عائشة، فقالت لعبيد بن عمير: قد آن لك أن تزورنا، فقال: أقول يا أمه كما قال الأول: "زُر غِبًّا تزدد حبًّا"، قال فقالت: دعونا من رطانتكم هذه، قال ابن عمير: أخبرينا بأعجب شئ رأيته من رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: فسكتت، ثم قالت: لما كانت ليلة من الليالي قال: ياعائشة ذريني أتعبد الليلة لربي قلت والله إني لأحب قربك وأحب ما سرك، قالت: فقام فتطهر ثم قام يصلي قالت: فلم يزل يبكي حتى بل حجره، قالت ثم بكي فلم يزل يبكي حتى بل لحيته، قالت: ثم بكي فلم يزل يبكي حتى بل الأرض، فجاء بلال يؤذنه بالصلاة، فلما رآه يبكي قال يا رسول الله لم تبكي وقد غفر الله لك ما تقدم وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدا ً شكورا ً، لقد نزلت على الليلة آية، ويل لمن قرأها ولم يتفكر فيها : (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ) ( آل عمران: 190)..
ومن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: " رجل ذكر الله خاليا ً ففاضت عيناه " رواه البخاري ومسلم.

وعن حذيفة - رضى الله عنه - قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت يركع عند المائة ثم مضى فقلت يصلى بها في ركعة فمضى فقلت يركع بها ثم افتتح النساء فقرأها ثم افتتح آل عمران فقرأها يقرأ مترسلاً إذا مر بأية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ ثم ركع فجعل يقول: سبحان ربى العظيم فكان ركوعه نحواً من قيامه ثم قال: سمع الله لمن حمده، ثم قام طويلاً قريباً مما ركع، ثم سجد فقال: سبحان ربى الأعلى فكان سجوده قريباً من قيامه " رواه مسلم.
وعن عبد الله بن مسعود - رضى الله عنه - قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أقرأ عليّ القرآن " قال: فقلت: يا رسول الله، أقرأ عليك وعليك أنزل؟! قال: "إني أشتهي أن أسمعه من غيرى" فقرأت النساء حتى إذا بلغت ) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَـؤُلاء شَهِيدًا( " النساء:41" رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل" رواه البخاري ومسلم.

والسنن والآثار كثيرة في هذا المعنى وكلها دالة على ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تفكر وتدبر.. فعن الحسن قال: تفكر ساعة خير من قيام ليلة. وقيل: كان لقمان يطيل الجلوس وحده، فكان يمر به مولاه فيقول: يا لقمان إنك تديم الجلوس وحدك فلو جلست مع الناس كان آنس لك، فيقول لقمان: إن طول الوحدة أفهم للفكر وطول الفكر دليل على طريق الجنة. وعن عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - أنه بكى يوماً بين أصحابه فسئل عن ذلك فقال: فكرت في الدنيا ولذاتها وشهواتها فاعتبرت منها بها ما تكاد شهواتها تنقضي حتى تدركها مرارتها، ولئن لم يكن فيها عبرة لمن اعتبر إن فيها مواعظ لمن ادكر.

وأنفع الفكر الفكر في الآخرة وفي آلاء الله ونعمه وأمره ونهيه وطرق العلم به وبأسمائه وصفاته، وهذا الفكر يثمر لصاحبه المحبة والمعرفة فإذا فكر في الآخرة وشرفها ودوامها وفي الدنيا وخستها وفنائها أثمر له ذلك الرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، وكلما فكر في قصر الأمل وضيق الوقت أورثه ذلك الجد والاجتهاد وبذل الوسع في اغتنام الوقت.
أما الفكر في الدنيا وفيما لا يعنى فهو باب كل شر، وكذلك الفكر فيما لم يكلف الفكر فيه، كالفكر في كيفية ذات الرب مما لا سبيل للعقول إلى إدراكه، ومن كان في خواطره ومجالات فكره دنيئاً خسيساً لم يكن في سائر أمره إلا كذلك. قال مغيث الأسود: زوروا القبور كل يوم تفكركم، وشاهدوا الموقف بقلوبكم، وانظروا إلى المنصرف بالفريقين إلى الجنة أو النار، وأشعِروا قلوبكم وأبدانكم ذكر النار ومقامعها وأطباقها".

والصيام من جملة الأسباب المعينة على التفكر، ومن هنا قال البعض: إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة.

والإنسان بحاجة لأن يقف مع أول همه، فإن كان لله أمضاه وإن كان لغيره توقف، والروية في كل أمر خير إلا ما كان من أمر الآخرة.. قال الشافعي: فكر قبل أن تعزم، وتدبر قبل أن تقدم. وكان ابن مسعود - رضى الله عنه - يقول لأصحابه: أنتم في زمان خيركم المسارع في الأمر وسيأتي على الناس زمان خيرهم المتوقف المتثبت لكثرة الشبهات.

وبعد أن علمت قيمة التفكر وما ورد بشان ذلك من آيات وسنن وأثار حري بك أيها الغادي أن تقف ساعة وتتفكر، من أنت، ومن خلقك، وإلى أين المصير، أراحل أنت أم مقيم، وإذا كنت مرتحلاً، فإلى أين أإلى جنة أم إلى نار؟ فالحياة بغير الله سراب، يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب.
تفكر في الموت والقبور والآخرة، كان الإمام أحمد - رحمه الله - يقول: من لم يردعه ذكر الموت والقبور والآخرة، فلو تناطحت الجبال بين يديه لم يرتدع.

تفكر.. فأنفاسك تعد، ورحالك تشد، وعاريتك ترد، والتراب من بعد ذلك ينتظر الخد، وعلى أثر من سلف يمشى من خلف، وما عقبى الباقي غير اللحاق بالماضي، وما ثم إلا أمل مكذوب وأجل مكتوب ( كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ) " آل عمران: 185 ".
جلس عمر بن عبد العزيز يوماً متفكراً متأملاً ثم قال: قبور خرقت الأكفان ومزقت الأبدان، ومصت الدم، وأكلت اللحم.. ترى ما صنعت بهم الديدان؟! محت الوجوه، وكسرت الفقار، وأبانت الأشلاء، ومزقت الأعضاء .. ترى أليس الليل والنهار عليهم سواء، أليس هم في مدلهمة ظلماء، كم من ناعم وناعمة، أصبحت وجوههم بالية وأجسادهم عن أعناقهم نائية قد سالت الحدق على وجوههم دماً صديداً، ثم لم يلبثوا والله إلا يسيراً، حتى عادت العظام رميماً.. ثم قال: ليت شعري كيف ستصبر على خشونة الثرى، وبأي خديك سيبدأ البلى؟!!

تفكر في أحوال المسلمين، فإن من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، واجعل الهموم هماً واحداً، هو هم الآخرة.. وقد يطول بك العجب عندما ترى انشغالك بكرة القدم، أو بالسينما والمسرح، أو بالأغاني العربية والأجنبية، أو بمتابعة الموضات...... في الوقت الذي تجرى فيه المذابح الجماعية للمسلمين هنا وهناك، والكثرة منهم لا تجد رصيفاً آمناً تسكنه، تفكر فربما تشكر النعمة التي تعيشها وتنتهي عن البطر، وربما تستحي عندما ترى تقصيرك وتفريطك، والحياء والإيمان قرنا جميعاً فإذا رفع أحدهما رفع الآخر، وربما تداركت قبل فوات الأوان، فأعداء الأمس هم أعداء اليوم وهم لا يفرقون بين مسلم وآخر ( قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) "آل عمران: 118"، وما صرنا كالأيتام على موائد اللئام إلا بسبب حب الدنيا وكراهية الموت، ومن كانت الدنيا همه فرق الله عليه شمله وجعل فقره بين عينيه ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له شمله وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهى راغمة.

تفكر كيف نحقق معنى الأخوة الإيمانية والوحدة الإسلامية، فهذه مهمتك قبل غيرك، وأنت على ثغر من ثغور الإسلام فاحذر أن يؤتى الإسلام من قبلك، لن تعدم دعوات صالحات في جوف الليل، وسهام الليل لا تخطئ، عسى الله أن يؤلف بين قلوب المسلمين ويوحد كلمتهم ويجعل بأسهم على عدو الله وعدوهم. لا تتنصل من تحمل المسئولية فأنت مسؤول (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ( "الأعراف:6" )لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَن صِدْقِهِمْ) "الأحزاب:8".

تفكر في نفسك وفي عظيم نعمة الله عليك (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ) "الذاريات:21" وكفي بنعمة الإسلام نعمة، فهل أديت شكر هذه النعم؟
تزود بالعلم النافع وتابعه بعمل صالح، واحرص على تقوية معاني العقيدة في نفسك فالحرب مع أعداء المسلمين حرب عقائدية، واعلم أنه لا سبيل لأن تكون من الطائفة الظاهرة الناجية المنصورة إلا بان تكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام، فهل تحققت بهذا المنهج الإيماني علماً وعملاً واعتقادا؟!

لا ريب أنه إذا ذكرت أحوال السلف بيننا افتضحنا كلنا ولكن هذا لا يمنع من أن نبدأ ونجاهد أنفسنا (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) "العنكبوت:69".. وكما قالوا مسيرة آلاف الأميال تبدأ بخطوة واحدة، وربنا يلوم على العجز فاستشعر أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وليكن سبيلك التخلية عن الرذائل قبل التحلية بالفضائل، واحذر أن تحدث أنت الثقب في قعر السفينة فهذا يساوى غرقها بجميع ركابها في قعر المحيط، فالمعاصي هلكة ودمار، ومعصية الجيش أضر عليه من سيوف أعدائه.

**التأمل في ملكوت الله ***
إن التفكر في ملكوت السموات والأرض من شانه أن يهدى الحيارى، ففي كل شئ له آية تدل على أنه الواحد .. تأمل كيف رفع السماء فسواها، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها، والأرض بعد ذلك دحاها، أخرج منها ماءها ومرعاها.
تأمل عجيب قدرة الله في خلقه، وكيف يسير الكون بنظام دقيق (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) "يس:40".
وتأمل وتفكر في دعوة سيد الأولين والآخرين، فمعجزاته كثيرة طبية وفلكية، وحكمية وبلاغية..... وأعظمها معجزة القرآن الكريم.. كل شئ يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم، أخلاقه، أمته، الأخبار الغيبية، الدعاء المستجاب، ما هو موجود بأيدي أهل الكتاب )أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُو إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ(. تدبر ذلك تزدد إيماناً ويقيناً بعظمة هذا الدين، ولا تملك معه إلا أن تدعو وتقول: "رب توفني مسلماً وألحقني بالصالحين...... اللهم اجعل صمتنا فكراً ونطقناً ذكراً ونظرنا عبراً.
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
د. سعيد عبد العظيم

Post: #1005
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:40 PM
Parent: #1004

أخلاقُ أهل القرآن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وعلى آله وأصحابه وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين... أما بعد
فإن حفظ القرآن من أعظم المنن التي يمن الله على عبده بها، وهذه النعمة تستوجب شكر مسديها سبحانه حتى يبارك فيها وينفع بها صاحبها، ولذا وجب على من حفظ كتاب الله المجيد أن يسترشد بهديه ويتخلق بأخلاقة ويتأدب بآدابه.. تلك الآداب والأخلاق التي تمثلت صورتها العملية في سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح حيث سئلت أم المؤمنين السيدة عائشة الصديقة بنت الصديق (رضي الله عنها وعن أبيها) عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن).

وقد تكلم السادة العلماء والسلف الأجلاء عن بعض هذه الأخلاق والتي نسوق لأهل القرآن شيئا منها:
قال بشر بن الحارث : سمعت عيسى بن يونس ( ت 187 هـ ) يقول: إذا ختمَ العبدُ قبّل الملَك بين عينيه، فينبغي له أن يجعلَ القرآن ربيعاً لقلبه، يَعْمُرُ ماخرِبَ من قلبِهِ، يتأدبُ بآدابِ القرآن،ويتخلّقُ بأخلاقٍ شريفةٍ يتميّز بها عن سائرِ النّاس ممن لايقرأ القرآن .

فأول ماينبغي له أن يستعملَ تقوى الله في السّرّ والعلانية: باستعمال الورع في مطعمه ومشربه ومكسبه، وأن يكونَ بصيراً بزمانه وفساد أهله، فهو يحذرهم على دينه؛ مقبلاً على شأنه، مهموماً بإصلاح مافسد من أمره، حافظاً للسانه، مميِّزاً لكلامه؛ إن تكلّم تكلّم بعلم إذا رأى الكلامَ صواباً، وإن سكت سكت بعلم إذا كان السكوت صواباً، قليلَ الخوض فيما لايعنيه.. يخاف من لسانه أشدّ مما يخاف من عدوّه، يحبس لسانه كحبسه لعدوّه، ليأمن شرّه وسوءَ عاقبتِه؛ قليلَ الضّحك فيما يضحك منه النّاس لسوء عاقبة الضّحك، إن سُرَّ بشيءٍ مما يوافقُ الحقَّ تبسَّم، يكره المزاح خوفاً من اللعب، فإن مزح قال حقاً، باسطَ الوجه، طيّب الكلام، لايمدحُ نفسه بما فيه، فكيف بما ليس فيه، يحذر من نفسه أن تغلبه على ما تهوى مما يُسخط مولاه، ولايغتابُ أحداً ولا يحقر أحداً، ولايشمت بمصيبة، ولا يبغي على أحد، ولا يحسده، ولا يسيءُ الظنّ بأحدٍ إلا بمن يستحق؛ وأن يكون حافظاً لجميع جوارحه عمّا نُهي عنه، يجتهد ليسلمَ النّاسُ من لسانه ويده، لا يظلم وإن ظُلم عفا، لا يبغي على أحد، وإن بُغي عليه صبر، يكظم غيظه ليرضي ربّه، ويغيظَ عدوّه. وأن يكون متواضعاً في نفسه، إذا قيل له الحق قَبِله من صغيرٍ أو كبير، يطلب الرفعة من الله تعالى لامن المخلوقين .

وينبغي أن لا يتأكلَ بالقرآن ولا يحبّ أن تُقضى له به الحوائج، ولا يسعى به إلى أبناء الملوك، ولا يجالس الأغنياء ليكرموه، إن وُسِّع عليه وسَّع، وإن أُمسِك عليه أمسَك. وأن يُلزم نفسه بِرَّ والديه: فيخفضُ لهما جناحه، ويخفصُ لصوتهما صوته، ويبذل لهما ماله، ويشكر لهما عند الكبر. وأن يصلَ الرحم ويكره القطيعة، مَن قطعه لم يقطعه، ومن عصى الله فيه أطاع الله فيه، مَن صحِبه نفعه، وأن يكون حسن المجالسة لمن جالس، إن علّم غيره رفق به، لايعنّف من أخطأ ولا يخجله، وهو رفيقٌ في أموره، صبورٌ على تعليم الخير، يأنس به المتعلم، ويفرح به المجالس، مجالسته تفيد خيراً .

عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما): "كنّا صدرَ هذه الأمّة، وكان الرجل من خيار أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معه إلا السّورة من القرآن أو شبه ذلك؛ وكان القرآن ثقيلاً عليهم، ورُزقوا العمل به. وإنّ آخر هذه الأمّة يُخفّف عليهم القرآن حتّى يقرأه الصّبيّ والأعجميّ، فلا يعملون به".

وعن مجاهد (رضي الله عنه) في قوله تعالى: "يتلونه حقّ تلاوته". قال: "يعملون به حقَّ عمله".
وعن عبد الله بن مسعود (رضي الله عنه): "ينبغي لحامل القرآن أن يُعرف بليله إذا الناسُ نائمون، وبنهاره إذا الناسُ مُفطرون، وبورعه إذا الناس يخلطون، وبتواضعه إذا الناسُ يختالون، وبحزنه إذا الناسُ يفرحون، وببكائه إذا الناسُ يضحكون، وبصمته إذا الناسُ يخوضون".

وعن الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: "حامل القرآن حامل رايةِ الإسلام .. لا يينبغي له أن يلغو مع من يلغو، ولا يسهو مع من يسهو، ولا يلهو مع مَن يلهو".

جعلنا الله تعالى ممن يتأدب بآداب القرآن، ويتخلق بأخلاقه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
إسلام ويب

Post: #1006
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:42 PM
Parent: #1005

القوة في الدين.. خلق من أخلاق المؤمنين
القوة في الدين، والقوة في الأخذ به والصبر على البلاء فيه، مظهر من مظاهر الرجولة الحقة، وهى حال الأنبياء والمرسلين ومن تابعهم بإحسان إلى يوم الدين، فالثبات على دين الله والصدع بكلمة الحق في مواجهة الطغاة والطواغيت هو شأنهم.. ووجود واحد من هذه العينة القوية خير من بقاء طوابير طويلة تعطى الكفرة الفجرة ما يطلبونه وما يريدونه ولو بالقول، وهذه القوة تثمر محبة الله ورضاه، وقد أمر بها سبحانه وتعالى في كتابه قال تعالى: (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ) "مريم:12" أي بجد وحرص واجتهاد، وأمر بها موسى عليه السلام قال تعالى:(ٍفَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا) "الأعراف:145" وأمر بها بنو إسرائيل: (خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ) "البقرة:63" قال مجاهد : بقوة أي يعمل بما فيه ، وهى الطاعة والجد أيضا، وهذا للأسف عكس ما هو واقع في حياتنا وحياة الناس وكأننا لم نأخذ درسا، فالأزمات والنكبات وتسلط الأعداء على رقاب البلاد والعباد يتطلب قوة إيمان وعمق يقين، وهذا هو المخرج من الفتنة فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه ولا عاصم من أمر الله إلا من رحم، ولكننا نأبى إلا أن نكون "كالمستجير من الرمضاء بالنار"، أو
@كالعير بالرمضاء يقتله الظما .. ... .. والماء فوق ظهورها محمول@@
نزداد عصياناً وتفريطاً في دين الله، ونبدل في مفهوم الولاء والبراء، ونغير شرع الله في مناهج التعليم والإعلام وفى حياتنا الخاصة والعامة إرضاءً لأعداء الإسلام والمسلمين؛ فنزداد بذلك ضعفاً على ضعفنا ويزدادون هم طغيانا على طغيانهم.. وكأنه لا سبيل عندنا للخروج من الواقع السيئ والأخذ بأسباب القوة الحقيقية وردع الأعداء عن غيهم وضلالهم.

لقد كان المشركون إذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين، يقذفون أصنامهم في البحر ويقولون يا رب، والبعض منا تنزل به الشدة فيتعلق قلبه بالمخلوقين بل بأعدائه وكأن الذئاب يطلب منها رعاية الغنم!!! أيهدونكم وقد أضلهم الله, أيكرمونكم وقد أذلهم الله (هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُم) "آل عمران:119".

إن القوة لا تطلب من الخلق فكلهم ضعيف حتى وإن كان مسلماً فكيف ننشدها من أعدائنا وقد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر..

لقد كان بنو إسرائيل مستضعفين في الأرض وكان فرعون يدَّعى الربوبية والألوهية ويذبح أبنائهم ويستحيي نساءهم ويستخدمهم في أعمال السخرة، فما أمروا بخنوع أو باستمراء المذلة والمهانة أو بتكريس الواقع السيئ المؤلم أو بتغيير المفاهيم الإيمانية أو بتحليل الحرام وتحريم الحلال كما يطالب البعض ويفعل آخرون وإنما قيل لهم:(خُذُواْ مَآ آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ).

إن القوة الحقيقية تحدث عندما نصل الأرض بالسماء والدنيا بالآخرة وتتعلق القلوب بالقوى المتين ، فقوة الله فوق كل شئ: (إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ) "هود:66"، وقال تعالى: (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) "الحج:40" وقال تعالى: (كَتَبَ اللَّهُ لأغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) "المجادلة:21" وقد أمرنا سبحانه بإعداد العدة والأخذ بأسباب القوة كائنة ما كانت معنوية كانت أو مادية ، فقال جل وعلا: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُم) "الأنفال:60" وفى الحديث: "ألا إن القوة الرمي" رواه مسلم. وأعظم صور القوة قوة الإيمان واليقين ففي حديث أبى هريرة رضى الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوى خير وأحب من المؤمن الضعيف وفى كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز..." الحديث رواه مسلم .

قد يتسلط الكفار على ديار المسلمين فتجد البعض يرجف ويخذل ويهول من قوة الأعداء ويهون من شأن المسلمين، وهذا من ضعف الإيمان وتلاعب الشيطان بهؤلاء: (إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءهُ فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) "آل عمران:175"
وقد تنعكس الموازين ونصبح كالأسد الهصور في التعامل مع الصالحين وكالنعامة في مواجهة الأعداء الكافرين قال تعالى: (مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ ) "الفتح:29" قال ابن عباس رضى الله عنهما - كان أهل الحديبية أشداء على الكفار آي غلاظ عليهم كالأسد على فريسته. وهذه صفة المؤمنين أن يكون أحدهم شديداً عنيفاً على الكفار ورحيماً باراً بالأخيار عبوساً غضوباً في وجه الكافر ضحوكاً بشوشاً في وجه أخيه المؤمن كما قال ابن كثير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصبر على الأذى فيما يتعلق بحق نفسه وأما إذا كان لله تعالى فإنه يمتثل فيه أمر الله من الشدة.. وهذه الشدة مع الكفار والمنتهكين لحدود الله خير رادع لهم وفيها تحقيق للأمن والأمان..

**سير الأنبياء عليهم السلام***
ومن نظر في السنن والسيرة وطالع قصص الأنبياء والمرسلين لوجد أن القوة في الأخذ بدين الله وفى مواجهة الكافرين والدعوة إلى الله رب العالمين سمة واضحة في حياتهم.
فهذا نبي الله نوح دعا قومه ليلاً ونهاراً و سراً وجهارا، قيل كان يدخل لهم في بيوتهم لدعوتهم، أدماه قومه وكان يغمى عليه فإذا أفاق قال لهم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، واستمر يدعو ألف سنة إلا خمسين عاما وفى النهاية ما آمن معه إلا قليل!! فهل فتر أو ضعف أو ترك الدعوة؟! كلا.. بل أمر بصنع السفينة فصنعها على اليابسة وكان يعلم أن الله مجريها ومرسيها وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال (إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ ) " هود : 38 " .

وهذا نبي الله إبراهيم يكسر الأصنام ويدعو أباه ويواجه قومه ويناظر النمرود الذي امتلك الدنيا - ويسكن هاجر وولده إسماعيل هذا المكان القفر ويهم بذبح ولده نزولا على أمر الله ويرتحل هنا وهناك ويقول إني ذاهب إلى ربى سيهدين مجاهداً في سبيل الله حق جهاده غير هياب ولا وجل من قوة أرضية مادية (إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكراً لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم).

وهذا نبي الله موسى يواجه فرعون الذي ادعى الربوبية والألوهية مع الله - ويناظر السحرة قيل كانوا سبعون ألف ساحر - واضطر للخروج إلى مدين -وهناك قالت الفتاة لأبيها: (يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ) "القصص:26" . ثم ظهرت قوته في دعوته لبنى إسرائيل والصبر عليهم ودعوتهم للثبات على دين الله (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) "الأعراف:128". وتعظيمه لشعائر الله من صور قوته ظهر ذلك في إلقاء الألواح وأخذه برأس أخيه يجره إليه .

ومن طالع سيرة سيد الأولين والآخرين صلوات الله وسلامه عليه وجد القوة الإيمانية في تمامها وكمالها، فدعوته لقومه وصبره على أذاهم في شخصه الكريم وفى أصحابه الغر الميامين بلسان حال ينطق: "لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه"، عرضوا عليه العروض السخية لترك دعوته فما لانت قناته، وتآمروا عليه لقتله فأنجاه الله منهم، واضطر للهجرة من أحب بلاد الله إلى الله ومن أحب بلاد الله لنفسه الشريفة وما تخلف عن جهاد في سبيل الله في مكة أو المدينة. وقد جمعت له القوة المادية إلى القوة الإيمانية فكان يثبت إذا اشتد البأس أو حمى الوطيس وكان الشجاع من أصحابه من يحتمي به، ويوم حنين عندما انكشف المسلمون وقف صلى الله عليه وسلم يقول: أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب حتى التف أصحابه حوله, وصارع ركانة - وكان من مشاهير العرب في القوة فصرعه النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرار، وكان يتعبد في غار حراء الليالي ذوات العدد وتزوده أم المؤمنين السيدة خديجة لمثلها. وذلك قبل البعثة فمن منا يطيق مثل ذلك.

**والصالحون أيضا***
ولو نظرنا في أحوال الصالحين لوجدنا المتابعة الصادقة وأخذ الأمر بكل قوة دون تغيير وتبديل لقد شاهد صاحب يس مصرع المرسلين ورغم ذلك أتى من أقصى المدينة يسعى يجدد الدعوة ) اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبِعُوا مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُم مُّهْتَدُونَ ( " يس : 21 " آلم يكن يتخوف على نفسه الهلاك ولماذا لم يحسب حساباً لبيته وأسرته ؟ !!! لقد فوض الأمر لله ، وعلم أن الله لا يضيع أولياءه ، الذين يستقيمون على شريعته في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم فلما أخذوه وقتلوه نصحهم ميتاً كما نصحهم حياً - وقال ) يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ( "يس:27" وهانوا هم على ربهم (وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِن بَعْدِهِ مِنْ جُندٍ مِّنَ السَّمَاء وَمَا كُنَّا مُنزِلِينَ إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ( " يس : 28-30 " , إن قوة الإيمان وعمق اليقين كان السبب وراء موقف أصحاب الكهف ومؤمن آل فرعون وعبد الله الغلام وأصحاب الأخدود ..... وبماذا نفسر موقف سمية وزوجها ياسر و ابنها عمار والكل يؤذى في سبيل الله ورغم ذلك ما نرى إلا الثبات على طاعة الله وكان المشركون يضعون بلال في حر الظهيرة وعلى ظهره كتل الصخر وهو يردد أحدٌ أحدٌ وكانت أم تميم تسخن كتل الحديد حتى تحمر ثم تضعها على رأسه حتى يتلوى من الألم ---- إن طابور المعذبين في الأرض طابور طويل منهم من سجن ومنهم من قتل أو طرد ومنهم من كان يؤتى بالمنشار فيوضع فوق رأسه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدا ومنهم من كان يمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه ما يصرفه ذلك عن دينه أبدا وقد أوذى رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أوذى أحد فما ضعفوا وما استكانوا بل قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل , فيا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا واحذروا من الإيمان ببعض الكتاب والكفر بالبعض الآخر فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة تردون إلى أشد العذاب ) وَمَا ربك بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( " النمل : 93 " الحذر كل الحذر من خصال المنافقين الذين يعبدون الله على حرف الرخاء والسعة ) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ . الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا( " الحج:11" غدا ينكشف الغطاء ويتبين لمن كانت بضاعته النفاق إن ما حصله كان سراباً يحسبه الظمآن ماء (حتى إذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ) لا براءه لكم ولا عذر في تغيير دين الله وتبديل شرع الله ( قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلى) " يونس : 15" لا تتذرعوا برخصه ولا استكراه في غير موضعه - فالحياة هينة والجنة سلعة غالية تموت الحرة ولا تأكل بثديها إلا أن موته في طاعة الله خير من حياة في معصيته ، واعلموا أن هلكة أعدائكم في افتخارهم بقوتهم ( فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) فصلت (15) .

قد تضعف أبداننا ولا تضعف معاني الإيمان واليقين في قلوبنا، فاثبتوا يا عباد الله فمن نكث فإنما ينكث على نفسه، (وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم)..
إسلام ويب

Post: #1007
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:44 PM
Parent: #1001

البغي والمكر .. والعقوبة المعجلة
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.. أما بعد...
فالسنن لا تعرف المحاباة ولا المجاملات: (وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلا) "الأحزاب:62"، ( وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلا) "فاطر:43". والشرع لا يفرق بين المتساويين ولا يساوى بين المختلفين، وهلكة الماكر والباغي والناكث مسألة وقت، فالزمن جزء من العلاج، ولا يصح أن تهتز الثوابت والمعايير، قال محمد بن كعب القرظي: "ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: المكر (ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ) "فاطر:43"، والبغي (إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنفُسِكُم) "يونس:23".

من أسباب الدمار

فهذه الخصال من أسباب دمار أهلها، والعلاقة وثيقة بين الأسباب والمسببات والمقدمات ونتائجها، أعمالكم عمالكم قال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) "الجاثية:15"، وقال: (إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لأَنفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها) "الإسراء:7".. وفي الحديث: "واعمل ما شئت فإنك مجزى به" وصح في الخبر: "ياعبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه".

أتى رجل لأحد العلماء يقول له: "إن بنى فلان قد تواطؤوا عليّ وصاروا يداً واحدة، فقال: (يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ)، قال: إن لهم مكراً، قال: (ولا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إلا بِأَهْلِهًِ)، قال: هم فئة كثيرة، فقال له العالم: (كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ).

مكر الكافرين يدمرهم

وأنت حين تشتهى الخلاص من الكافرين والفاجرين، ثق تماماً أن مكرهم وبغيهم ونكثهم سيدمرهم تدميراً، فهم في واقع الأمر وحقيقته يهلكون أنفسهم بأنفسهم قبل أن يصل إليهم سلاحك وما يعود وبال هذه الخصال السيئة إلا عليهم أنفسهم دون غيرهم، قال تعالى: (وَمَكَرُواْ وَمَكَرَ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) "آل عمران:54"، وقال: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجَرِمِيهَا لِيَمْكُرُواْ فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلاَّ بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) "الأنعام:123".

المكر ينقلب على صاحبه

وقص علينا القرآن صورة من مكر ثمود بنبيهم صالح، قال تعالى: (وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) "النمل:50- 51".. قيل في تفسيرها: وهم لا يشعرون بالملائكة الذين أنزل الله على صالح ليحفظوه من قومه حين دخلوا عليه ليقتلوه، فرموا كل رجل منهم بحجر حتى قتلوهم جميعاً وسلم صالح من مكرهم،.. وقيل: "إنهم مكروا بأن أظهروا سفراً، وخرجوا فاستتروا في غار ليعودوا في الليل فيقتلوه، فألقى الله صخرة على باب الغار حتى سده،، وكان هذا مكر الله بهم".

وقد مكر المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَو يَقْتُلُوكَ أَو يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) "الأنفال:30" لقد أنجى الله نبيه صلى الله عليه وسلم، وخرج سالماً من بين ظهرانيهم مهاجراً إلى المدينة، وقتل صناديدهم يوم بدر، كأبي جهل وعتبة وشيبة ابنا ربيعة... وأدخل الله عليهم الإسلام يوم فتح مكة، ومات صلى الله عليه وسلم يوم مات وقد نصره الله عليهم وأمكنه منهم، ورفع الله له ذكره وأعلى له أثره.

وكذلك مكر المنافقون به، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُو يَبُورُ) "فاطر:10"، لقد كان مآل مكرهم الفساد والبطلان، وظهر زيفهم لأولى البصائر والنهى، فإنه ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله على صفحات وجهه وفلتات لسانه، وما أسر أحد سريرة إلا كساه الله تعالى رداءها، إن خيراً فخيراً، وإن شراً فشر.

ومكر يهود برسول الله صلى الله عليه وسلم ومحاولتهم قتله، وتآمرهم مع المشركين عليه كثير معلوم، فكان أن قتل بعضهم وأجلى آخرين، وظهر أمره صلى الله عليه وسلم، وقرب قيام الساعة يستنطق الحجر والشجر لأمته، فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله، هذا يهودي خلفي تعال فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود، ويفتح الله لهذه الأمة بيت المقدس.
فاحذر المكر ولا تنبهر بأهله، فعن قيس بن سعد بن عبادة- رضى الله عنهما قال: لولا أنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "المكر والخديعة في النار" لكنت من أمكر الناس ". (صححه الألباني).

معنى مكر الله تعالى

ولا يخفي عليك أن المكر الذي وصف الله به نفسه على ما يليق بجلاله، ومعناه مجازاته للماكرين بأوليائه ورسله، فيقابل مكرهم السيئ بمكره الحسن، فيكون المكر منهم أقبح شئ، ومنه أحسن شئ، لأنه عدل ومجازاة، وكذلك المخادعة منه جزاء على مخادعة رسله وأوليائه، فلا أحسن من ذلك المكر وتلك المخادعة..

والبغي أيضا
وإذا كان المكر السيئ وباله على صاحبه، فكذلك الأمر بالنسبة للبغي، وهو أسرع الجرم عقوبة، قالوا: من سل سيف البغي قتل به، وعلى الباغي تدور الدوائر، والبغي يصرع أهله.
فالبغي مصرعه وخيم، ومن حفر بئراً لأخيه سقط فيه، فاهجروا البغي فإنه منبوذ. قال ابن عباس- رضى الله عنهما: "لو بغى جبل على جبل لجعل الله- عز وجل- الباغي منهما دكاً".. وقال أيضاً: "تكلم ملك من الملوك كلمة بغي وهو جالس على سريره فمسخه الله- عز وجل- فما يدرى أي شئ مسخ ؟ أذباب أم غيره؟ إلا أنه ذهب فلم ير".

وقال عبد الله بن معاوية الهاشمى: "إن عبد المطلب جمع بنيه عند وفاته، وهم يومئذ عشرة وأمرهم ونهاهم وقال: "إياكم والبغي، فوالله ما خلق الله عز وجل- شيئاً أعجل عقوبة من البغي، ولا رأيت أحداً بقي على البغي إلا إخوتكم من بنى عبد شمس".
قال ابن القيم: "سبحان الله، في النفس كبر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد، وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقبح هامان، وهوى بلعام، وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل أبى جهل.. وفيها من أخلاق البهائم: حرص الغراب وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجعل، وعقوق الضب، وحقد الجمل، ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفأرة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكر الثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، غير أن الرياضة والمجاهدة تذهب ذلك .
نصوص تذم البغي
وقد وردت النصوص تذم البغي بغير الحق قال تعالى: (إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) "الشورى:42".
والبغي هو الاستطالة على الناس، وهو الكبر والظلم والفساد والعمل بالمعاصي، وهو من الأمور الخمسة التي وردت الشرائع بالنهى عنها، وهى المذكورة في قوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) "الأعراف:33".
ويكفي من بُغي عليه، وعد الله بنصرته، قال تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ ) "الحج:60".. وفي الحديث: "ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخره في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم". (رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال: حسن صحيح).
وورد عنه صلى الله عليه وسلم: "ليس شئ أطيع الله فيه أعجل ثواباً من صلة الرحم، وليس شئ أعجل عقاباً من البغي وقطيعة الرحم واليمين الفاجرة تدع الديار بلقع" "أي لا شئ فيها". ( رواه البيهقي وصححه الألباني). وفي الحديث: "إن الله أوحى إلي أن توضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد". ( رواه مسلم) .

في قصص الغابرين عبرة
وانظروا في قصص البغاة قديماً وحديثاً ستجدون تطابقاً بين صفحات الكون المنظور والكتاب المسطور:
فهذا فرعون بغى في الأرض بغير الحق وأدعى الربوبية والألوهية، وقال: "أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجرى من تحتي"، وحاول اللحاق بنبي الله موسى ومن آمن معه من بنى إسرائيل، وأتبعهم بجنوده بغياً وعدواً، فأطبق عليه البحر وأجراه سبحانه من فوق رأسه جزاءً وفاقاً، ورآه المصريون جثة منتنة بعد أن كانوا يعبدونه من دون الله: (فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً).

وكذلك حكى القرآن قصة بغي قارون، قال تعالى: (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِن قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وكان من جملة ما نصحه به الناصحون، أن قالوا له: (وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ) "القصص:77"، فلم يرفع قارون بذلك رأساً، فأهلكه سبحانه، وانتقل إليه غير مأسوف عليه: (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ).

إن بغي الأمم الهالكة على الأنبياء والمرسلين فيه عظة وعبرة لأولي الألباب، وقد أخذهم سبحانه وتعالى أخذ عزيز مقتدر، وسارت الأيام والليالي بقوم نوح وعاد وثمود وبقرون بين ذلك كثير، فأسلمتهم إلى ربهم وقدمت بهم على أعمالهم: (وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوتَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا) .
د. سعيد عبد العظيم

Post: #1100
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-14-2015, 10:33 PM
Parent: #1007

نعمة الستر
في إحدى سفرياتي نفذت كالعادة من ذلك الجهاز الكاشف، الذي يصيح إذا مسح في الجيب شيئًا معدنيًّا، ففزعت إذ أخذ يصرخ بشكل مزعج، فمددت يدي لأجد بجيبي الأيسر نصف ريال (عملة معدنية)، فأخرجته ونحيته عني، وأردت أن أنفذ مرة ثانية فإذا به يصيح، فأحسست بالانزعاج، وتصببت عرقًا من الحياء، ومددت يدي لأجد في الجيب الآخر مفتاحًا، فتوقفت، ودققت في استخراج كل ما في جيوبي، لأنفذ بعد ذلك بسلام، وأنا غير مستريح؛ إذ انتابني إحساس أن الناس كلهم ينظرون إلى، ولأنني مسلم ملتحٍ فربما شكوا أنني أحمل في جيبي طائرة أباتشي، أو راجمة صواريخ، أو أخبئ في حقيبتي مفاعلاً نوويًّا أو نحوه!
عندها راودتني فكرة جعلتني أرتعب، إذ قال لي خيالي المتمرد: تخيل لو أن الله تعالى وضع في بدنك جهازًا يصرخ هكذا كلما ارتكبت ذنبًا، أو اجترأت على معصية، يا خبر! ستكون مصيبة، سيظل يرن طول النهار، لأنني من بني آدم الخطائين!
وتماديت في خيالي أكثر، ماذا لو كان هذا الجهاز في أجساد الناس كلهم!؟
كيف سيكون حال الشارع والبيت، ومكان العمل، والأصوات تخرج في وقت واحد من مائة شخص، من ألف، من مليون، من مليار، من أهل الأرض جميعًا هل ستكون الحياة على ظهر الأرض ممكنة؟! أظن أننا سنهلك من أول نصف ساعة، بل من أول دقيقة، من أصوات المعصية التي تصرخ، وتزعج، وتملأ الأجواء كلها، فالصوت طاقة مدمرة، قادرة على إبادة الكون كله بمجراته!
ثم تمادى خيالي الحرون، فتخيلت ما تخيله الشاعر أبو العتاهية قبلي، حين حمد الله أنه ليس للذنوب رائحة منتنة تصدر عن فاعليها:
كيف إصلاح قلوبٍ.... إنما هُـنَّ قروح
أحسـن الله بـنا.... أن الخطايا لا تفوح
فإذا المستـور منا.... بين ثوبـيه فَضوح
وافترضت معه: لو أن أحدنا كلما اقترف ذنبًا خرجت عنه بالذنب رشة رائحة عفنة فكيف سيكون الحال؟ وأمسكت بطني، لأنني وحدي – بالتأكيد - سأملأ الدنيا عفنًا قبل آخر النهار، لكثرة ذنوبي، فكيف لو خرجت ريح الذين أعرفهم، والذين لا أعرفهم: مائة شخص، ألف، مليون، مليار، أهل الأرض جميعًا كيف ستكون الأرض؟ مزبلة مقززة؟ مرحاضًا كبيرًا؟ كوكبًا متعفنًا؟ شيئًا لا يطاق أن يعيش فيه المرء دقيقة واحدة؟
وسألت نفسي: هل تعرف نعمة ستر الله عليك يأيها المذنب الغارق في خطاياك؟ وهل تقدرها؟ وهل تشكر ربك الحليم الستير عليها؟!
يااااااااااه ما أحلمك ربي وأكرمك! ما أصبرك وأسترك!
الحمد لله على الإسلام، وعلى نعمة الستر، وعلى نعمة العافية!
اللهم أدمها علينا دنيا وأخرى يا كريم.
أتعرف قارئي الحبيب، أن نعمة الستر هذه ليست مجرد نعمة مفردة؛ بل هي مجموعة نعم متداخلة نترجمها نحن - لقصورنا – في نعمة واحدة!؟
احسب معي كم في نعمة الستر من نعم باطنة، وتعجب، وسبح بحمد ربك واستغفره:
إنه يعرف ما أنوي قبل أن أقع في المعصية، ويعرف أنني أخطط لها، وأرتب نفسي لئلا يراني أحد، فيحلم عليّ، ولا يفضحني..
وهو سبحانه يضع في طريقي مذكرات: كلمة/ آية/ موقفًا/ نصيحة عابرة/ شيئًا يلفت نظري لأتعظ.. ومخي غبي وشيطاني عنيد، فيصبر سبحانه علي..
ثم في سعيي للمعصية يراني ويطلع علي، ويحلم، فلا يرسل إلى سيارة تدهسني، ولا بلطجيًّا يصفعني، ولا شرطيًّا يوقفني، ويأمر ملك الحسنات الذي على كتفي رفيقه ملك السيئات ألا يكتب المعصية، وأن يمهلني لعلي أفيق وأتوب!
ثم عند الارتكاس في المعصية هو يراني، ويعلم حالي، ويحلم ويستر!
ثم إنه سبحانه إذا أفقت من معصيتي، إذا علم مني خيرًا أعانني على الاستغفار والتوبة.. فإذا استغفرت غفر لي وكأني لم أذنب، ولم أتعد حدودي، وأجترئ على حرمات ربي..
بل ربما مدحني الناس، وظنوا أنني بلا ذنوب، وأنني مثال للعبد التقي النقي الخفي!
يااااه.. ما أعظم ربي وأحلمه! اقرأ هذه:
ذكر الإمام ابن قدامة في التوابين أن بني إسرائيل لحقهم قحط على عهد سيدنا موسى عليه السلام، فاجتمع الناس إليه، فقالوا: يا كليم الله: ادع لنا ربك أن يسقينا الغيث. فقام معهم موسى عليه السلام، وخرجوا إلى الصحراء - وهم سبعون ألفًا أو يزيدون - فقال عليه السلام: إلهي: اسقنا غيثك، وانشر علينا رحمتك، وارحمنا بالأطفال الرضع، والبهائم الرتع، والمشايخ الركع؛ فما زادت السماء إلا تقشعًا، والشمس إلا حرارة!
فقال موسى عليه السلام: إلهي اسقنا!
فقال الله عز وجل: كيف أسقيكم؟ وفيكم عبد يبارزني بالمعاصي منذ أربعين سنة؟ فناد في الناس حتى يخرج من بين أظهركم؛ فبه منعتكم المطر، وابتليتكم بالقحط والجفاف!
فصاح عليه السلام في قومه: يأيها العبد العاصي الذي يبارز الله منذ أربعين سنة: اخرج من بين أظهرنا؛ فبك منعنا المطر..
فنظر العبد العاصي ذات اليمين وذات الشمال، فلم ير أحدًا خرج، فعلم أنه المطلوب، فقال في نفسه: إن أنا خرجت من بين هذا الخلق افتُضحت على رؤوس بني إسرائيل، وإن قعدت معهم مُنعوا لأجلي. فانكسرت نفسه، ودمعت عينه، فأدخل رأسه في ثيابه نادمًا على فعاله، وقال: إلهي وسيدي: عصيتك أربعين سنة، وأمهلتني. وقد أتيتك طائعًا فاقبلني، وأخذ يبتهل إلى الخالق تبارك وتعالى، فلم يستتم الكلام حتى ارتفعت سحابة بيضاء، فأمطرت كأفواه القِرب - أي انهمر منها الماء مدرارًا - فعجب موسى عليه السلام وقال: إلهي: سقيتنا، وما خرج من بين أظهرنا أحد، فقال الله تبارك وتعالى: يا موسى سقيتكم بالذي به منعتكم!
فقال موسى عليه السلام: إلهي أرني هذا العبد الطائع!
فقال تعالى وجل وعز: يا موسى إني لم أفضحه، وهو يعصيني، أفأفضحه وهو يطيعني!؟
الشيخ عبدالسلام البسيوني

Post: #1008
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:46 PM
Parent: #1001

الصبر عدة المؤمنين
ما أشد الحاجة إلى الصبر، لاسيما في هذه الأزمان التي اشتدت فيها الغربة، وكثرت فيها الفتن، وصار القابض على دينه كالقابض على الجمر.
إن هذه الدنيا دار بلاء، والآخرة دار جزاء، فلا يسلم المؤمن في هذه الدار الدنيا من المصائب، فمن فيها لم يصب بمصيبة؟!
@المرء رهن مصائب لا تنقضي.. ... ..حتى يوسد جسمه في رَمْسِهِ
فمؤجَّلٌ يلقى الردى في غيره.. ... ..ومعجَّل يلقى الردى في نفسهِ@@
**تعريف الصبر***
الصبر خلق فاضل من أخلاق النفس يمتنع به صاحبه من فعل ما لا يحسن، ولا يجمل.
وقد عرفه بعضهم بأنه: حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن لطم، وشق الجيوب، ونحو ذلك.

**فضيلة الصبر والصابرين:***
إن الله تعالى قد جعل للصابرين ما ليس لغيرهم؛ قال تعالى: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:155- 157].
والمصيبة كل ما يؤذي الإنسان ويصيبه، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: نعم العدلان، ونعمت العلاوة للصابرين. يقصد بالعدلين: الصلاة والرحمة، وبالعلاوة الهدى.
وقال تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [الزمر:10].
- كما فاز الصابرون بمعية الرحمن، (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:46]، فهو معهم يثبت قلوبهم ويحوطهم بعنايته وتأييده.
- والصابرون هم أهل الإمامة في الدين: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا) [السجدة:24].
- وهم أهل محبة الله: (وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) [آل عمران:146].
- ثم هم يفوزون بالجنة و النجاة من النار: (إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ) [المؤمنون:111].
- وما من مصيبة تصيب العبد إلاَّ كفر الله بها عنه.

وإليك أيها القارئ الكريم هذه الطائفة العطرة من أقوال المصطفى صلى الله عليه وسلم في فضيلة الصبر والصابرين:
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيرًا وأوسع من الصبر". [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من يرد الله به خيرًا يُصِبْ منه" أي يصيبه ببلاء. [رواه البخاري ومالك]
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من مصيبة تصيب المؤمن إلاَّ كفَّر الله بها عنه حتى الشوكة يُشَاكُها". [رواه البخاري ومسلم].
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا مرض العبد أو سافر، كتب له مثل ما كان يعمل مقيمًا صحيحًا"[رواه البخاري وأبو داود].

وعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ فقلت: بلى. قال: هذه المرأة السوداء أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إني أصرع وإني أتكشف فادع الله لي. قال: "إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئت دعوتُ الله أن يعافيكِ". فقالت: أصبر. فقالت: إني أتكشف فادع الله لي ألاَّ أتكشف، فدعا لها". [رواه البخاري ومسلم].

وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: ما لعبدي المؤمن عندي جزاء إذا قبضت صفيَّه من أهل الجنة ثم احتسبه إلاَّ الجنة". [رواه البخاري].
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله قال: إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة". [رواه البخاري والترمذي].

وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله خيرًا منها". فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خير من أبي سلمة؟! أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم.

**السلف الصالح والصبر***
قال عمر بن عبد العزيز: ما أنعم الله على عبدٍ نعمة فانتزعها منه، فعاضه مكانها الصبر، إلاَّ كان ما عوضه خيرًا مما انتزعه.
وقال يونس بن زيد: سألت ربيعة بن أبي عبد الرحمن؛ ما منتهى الصبر؟ قال: أن يكون يوم يصيبه المصيبة مثل قبل أن تصيبه.
وقال الفضيل بن عياض في قوله تعالى: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) [الرعد:24]. قال: صبروا على ما أمروا به، وصبروا عمَّا نهو عنه.
وقالوا: الحيلة فيما لا حيلة فيه الصبر.
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: إنا لله عز وجل إذا قضى قضاءً أحبَّ أن يُرضى به.
وقالت رابعة: إن الله عز وجل إذا قضى لأوليائه قضاءً لم يتسخَّطُوه.
وقال الحسن: من رضي بما قسم له وسعه وبارك الله فيه، ومن لم يرض لم يسعه ولم يبارك له فيه.
وقال بعضهم: من لم يرضى بالقضاء فليس لحمقه دواء.
وأصبح أعرابي وقد مات له أباعر - جمع بعير - كثيرة فقال:
@لاَ والذي أنا عبدٌ في عبادَته.. ... ..لولا شمَاتَةُ أعداءٍ ذَوي إِحَنِ
ما سرَّني أنَّ إبليِ في مَبَارِكَها.. ... ..وأنَّ شيئًا قضاه الله لم يكُنِ@@

**دوافع تعين على الصبر:***
هناك أمور كثيرة تعين على الصبر، وسنسردها سردًا بغير ذكرٍ لأدلتها خشية الإطالة، ومنها:
1- تدبر الآيات والأحاديث الواردة في فضيلة الصبر.
2- اليقين بأنه لا يقع شيء إلا بقدر الله تعالى.
3- تذكر كثرة نعم الله عليه.
4- العلم بأن الجزع وقلة الصبر لا ترد المصيبة.
5- استحضار الأجر والثواب، والتفكر في عاقبة الصبر.
6- العلم بأن اختيار الله له أحسن من اختياره لنفسه.
7- استحضار أن أشد الناس بلاءً الأنبياء والصالحون.
8- أن يعلم أن زمن البلاء ساعة وستنقضي.
9- مطالعة سير السابقين من الصالحين، ودراسة مواقفهم المباركة في الصبر ليأنس بهم.
نسأل الله أن يجعلنا من الصابرين..

**للاستزادة:***
· عدة الصابرين؛ للإمام ابن القيم رحمه الله.
· مواقف إيمانية؛ الشيخ. أحمد فريد.
· صلاح الأمة؛ الشيخ. سيد حسين عناني.
· الأخلاق الإسلامية؛ الشيخ. عبد الرحمن حنبكة الميداني.
ماهر السيد

Post: #1009
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-26-2015, 11:48 PM
Parent: #1001

بر الوالدين ..طريق إلى الجنة
أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين جميعًا، وقرن هذا الأمر بعبادته والنهي عن الإشراك به؛ ليدلل على عظمته، ومكانته في الدين، وأمر كذلك بالشكر لهما والبر بهما، وأن ذلك من شكره: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) [النساء:36].
قال ابن عباس رضي الله عنهما: "يريد البر بهما مع اللطف ولين الجانب، فلا يغلظ لهما في الجواب، ولا يحد النظر إليهما، ولا يرفع صوته عليهما، بل يكون بين يديهما مثل العبد بين يدي السيد تذللاً لهما".
وقال تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) [الإسراء:23، 24].

فانظر أيها القارىء الكريم كيف يربط السياق القرآني بر الوالدين بعبادة الله، إعلانا لقيمة هذا البر عند الله، وبهذه العبارات الندية والصور الموحية يستجيش القرآن وجدان البر والرحمة في قلوب الأبناء نحو الآباء، نحو الجيل الذاهب، الذي يمتص الأبناء منه كل رحيق وكل عافية ، وكل اهتمام، فإذا هما شيخوخة فانية إن أمهلهما الأجل وهما مع ذلك سعيدان.
(وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ ) (الاسراء: من الآية24)
تعبير شفاف لطيف يبلغ شغاف القلوب وحنايا الوجدان.فهي الرحمة: رقة وتلطف حتى لكأنها الذل الذي لا يرفع عينا، ولا يرفض أمرا، فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟!.

هذان هما والداك..كم آثراك بالشهوات على النفس، ولو غبت عنهما صارا في حبس، حياتهما عندك بقايا شمس،لقد راعياك طويلا فارعهما قصيرا: ( وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
كم ليلة سهرا معك إلى الفجرِ، يداريانك مداراة العاشق في الهجرِ، فإن مرضت أجريا دمعا لم يجر، لم يرضيا لك غير الكف والحجر سريرا فـ : (قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).
يعالجان أنجاسك ويحبان بقاءك، ولو لقيت منهما أذى شكوتَ شقاءك ،كم جرعاك حلوا وجرعتهما مريرا ، فهيا برهما ولا تعصهما وقل: (رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً).

**لا سواء:***
قال رجل لعمر بن الخطاب: "إن لي أمًّا بلغ منها الكبر، أنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري لها مطية (أي أنه يحملها إلى مكان قضاء الحاجة) فهل أديت حقها؟ قال عمر: لا؛ لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تفعله وتتمنى فراقها".

وشهد عبد الله بن عمر رجلاً يمانيًّا يطوف بالبيت قد حمل أمه على ظهره يقول:
إني لها بعيرها المذلل.. ... ..إن أذعرت ركابها لم أذعر
الله ربي ذو الجلال الأكبر
حملتها أكثر مما حملت .. .. .. فهل ترى جازيتها يا ابن عمر؟
فقال ابن عمر: لا ، ولا بزفرة واحدة.
نعم فوالله لو قضى الأبناء ما بقي من العمر في خدمة الأبوين ما أدوا حقهما ،فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: " لا يجزي ولد والدا إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه".

**حق الأم عظيم***

لأمــك حــق لــو عـلـمـــت كـبـيـر كـثيـرك يا هــذا لديه يســيـر
فكــم ليـلة بـاتت بـثقلك تشتـكي لهــا مـن جـواهــا أنةٌ وزفيــر
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة فكـم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسـلت عنـك الأذى بيمينها وما حجرهــا إلا لـديك سريــر
وتفديـك مما تشتكيــه بنفســهـا ومـن ثديها شــرب لديك نمير
وكـم مــرة جـاعت وأعطتك قوتها حنــوًا وإشفــاقًا وأنت صغيـــر
فــضيـعـتها لمــا أسنــت جـهـالة وطــال عليك الأمـر وهو قصير
فــآها لــذي عقــل ويتبع الهــوى وآها لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغـب في عميم دعائها فأنت لمـا تدعــو إليــه فقـيــر

فلما كان هذا حالها، حض الشرع على زيادة برها، ورعاية حقها، (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) [لقمان:14].
وجاء رجل إلى سيد الأبرار الأطهار فقال: من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال:" أمك ". قال: ثم مَن؟ قال:" أمك". قال: ثم من؟ قال: "أمك". قال: ثم من؟ قال: "ثم أبوك". [رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة].

**الجنة تحت أقدام الوالدين***
من أكرمه الله بحياة والديه أو أحدهما فقد فتح له بابا إلى الجنة، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "الوالد أوسط أبواب الجنة..".
وقد جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أردت الغزو وقد جئت أستشيرك؟ فقال: هل لك أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة تحت رجليها".[رواه أحمد وغيره].
كما قال النبي صلى الله عليه وسلم يوما: "دخلت الجنة فسمعت قراءة فقلت : من هذا؟ فقيل:حارثة بن النعمان،فقلت كذلكم البر، كذلكم البر". وكان حارثة أبر الناس بأمه.

**الجزاء من جنس العمل:***
إن بعض الآباء يشكون قسوة الأبناء وعقوقهم ، والحق أن الجزاء من جنس العمل فمن بر والديه بره أبناؤه، ومن عق والديه عقه أبناؤه ولابد.فإن أردت أن يبرك أبناؤك فكن بارا بوالديك،قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم..".
وانظر إلى الخليل إبراهيم حين تأدب مع والده وتلطف في دعوته فقابل الأب هذا الأدب بمنتهى القسوة ، ما كان من إبراهيم إلا أن قال: ( سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيّاً) (مريم: من الآية47) ،فكان جزاؤه من جنس عمله ،رزقه الله ولدا صالحا ،إسماعيل الذي تأدب معه حين أعلمه أنه أُمر بذبحه فقال: ( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ) (الصافات: من الآية102)
ثم لفتة أخرى ينبغي أن ينتبه إليها الأبناء وهي أنهم لن يجدوا من الخلق مَن هو أرحم بهم من الوالدين، لا زوجة ولا أبناء ، ولا أصدقاء ،

وإليكم هذه القصة الشعرية التي نترخص في إيرادها لما فيها من معاني سامية:
أغـرى امـرؤٌ يـومـا غلامـا جـاهلا بنــقــوده كيـمــا ينــال بــه الــوطـــر
قــال ائتني بفــؤاد أمــك يـا فتى ولك الجــواهـــر والــدراهـــم والــدرر
فمضى وأغرز خنجرا في صدرها والقــلــب أخـرجــه وعــاد على الأثر
لكنـه مــن فـرط سـرعـتـه هـوى فتــدحــرج القـلـب المـقـطـع إذ عثـر
نـــاداه قـلـب الأم وهـــو مـعـفـرٌ ولــدي حبيبــي هل أصابك من ضرر؟
فكـأن هـذا الصـوت رغـم حـنــوه غضب السماء على الغلام قد انهمر
فـدرى فظيــع جنـايـة لـم يجنها ولــد ســواه مـنــذ تــاريـــخ الـبـشـر
فارتـد نحـو القـلـب يغسله بـمـا فــاضــت بـه عـيـنـاه مـن سيل العبر
ويقــول: يا قلب انتقـم مني ولا تــغـفـر فــإن جــريـمـتـي لا تــغـتفــر
واسـتل خنجـره ليطـعـن قلـبــه طــعــنـا فيبقــى عــبرة لــمـن اعتبر
نــاداه قـلـب الأم:كُــف يـدا و لا تطـعـن فــؤادي مــرتين عـلى الأثــر

** برهمها بعد موتهما***
ولا يقف البر بهما في حياتهما، ولا ينتهي بموتهما، بل تبقى حقوق البر على الابن بعد موت والديه لمن أراد الخير.. فمن ذلك:
1- الاستغفار لهما والدعاء:
كما قال صلى الله عليه وسلم "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، وعلم ينتفع به، وولد صالح يدعو له". [مسلم].
وفي الحديث:"ترفع للميت بعد موته درجة. فيقول: أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: ولدك استغفر لك". [أحمد والبخاري في الأدب المفرد. قال البوصيري: إسناده صحيح، و قد حسنه الألباني].

2- التصدق عنهما:
وقال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم:"إن أمي توفيت أينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: نعم. قال: فإن لي مخرفا فإني أشهدك أني قد تصدقت به عنها".

ويروى عن أبي أسيد الساعدي قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله! هل بقي من بر أبويَّ شيء أبرهما بعد موتهما؟ قال: نعم؛ الصلاة عليهما، والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما". [ضعيف الجامع].
ولذلك روى مسلم في صحيحه عن ابن عمر أنه كان إذا خرج إلى مكة كان له حمار يتروح عليه إذا ملَّ ركوب الراحلة وعمامة يشد بها رأسه، فينما هو يومًا على ذلك الحمار، إذ مر به أعرابي فقال: ألست ابن فلان؟ قال: بلى. فأعطاه الحمار، وقال: اركب هذا، والعمامة وقال: اشدد بها رأسك. فقال له بعض أصحابه: غفر الله لك، أعطيت هذا الأعرابي حمارًا كنت تروَّح عليه، وعمامة كنت تشد بها رأسك؟! فقال: إني سمعت رسول الله يقول: "إن من أبر البر صلة الرجل أهل وُدَّ أبيه بعد أن يولى، وإن أباه كان ودَّا لعمر".

وعن أبي بردة قال: قدمت المدينة فأتاني عبد الله بن عمر فقال: أتدري لِمَ أتيتك؟ قال: قلت: لا. قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: "من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده، وإنه كان بين أبي عمر وبين أبيك إخاءً وود، فأحببت أن أصل ذلك".[رواه ابن حبان وصححه الألباني].
رزقنا الله وإياكم بر الوالدين.
إسلام ويب

Post: #1010
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-27-2015, 02:08 PM
Parent: #1001

إن ذكر الموت واحدٌ من أنفع أدوية القلوب وأسباب حياتها وصلاحها؛ ولهذا المعنى العظيم كان النبي صلى الله عليه وسلم يوصي أمته بالإكثار من ذكر الموت: "أكثروا ذكر هاذم اللذات".
وقد وعى السلف رضي الله عنهم وصية نبيهم صلى الله عليه وسلم فجعلوا الموت أمام أعينهم، فقصرت آمالهم، وصلحت أعمالهم وقلوبهم.
انظر إلى الربيع بن خثيم رضي الله عنه وهو من هو صلاحًا وعلمًا وزهدًا يقول:[ لو غفل قلبي عن ذكر الموت ساعة واحدة لفسد قلبي.]
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أن الموت حتم لازم، لا تمنع منه حصانة القلاع، ولا ارتفاع الأسوار، ولا يحول دونه الحجَّاب، ولا ترده الأبواب. (أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء:78].

الموت لا يستأذن

ولا يحتاج الموت إلى مقدمات ولا إلى استئذان، فإن الأمر لحظة، فقد يدخل النَّفَسُ ولا يخرج، وقد يخرج ولا يدخل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران:185]. (فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [الأعراف:34].
وإن كل يوم يمر من حياتنا فإنه يقربنا من آجالنا ولقاء ربنا، فمن كانت الأيام والليالي مطاياه سارت به، وإن لم يسر!
نسير إلى الآجال في كل لحظة.. ... ..وأيامنا تطــوى وهـنَّ مـراحــلُ
ولـــم أرَ مثـــل المـوتِ حقًّا كأنَّه.. ... ..إذا ما تخطتـه الأمــاني باطــلُ
وما أقبح التفريط في زمن الصبا.. ... ..فكيف و الشَّيْبُ للرأس شاعلُ
ترحلْ من الدنيا بـزادٍ من التقى.. ... ..فعمــرك أيَّــام وهــنَّ قــلائـــلُ

لقد دخلت فاطمة رضي الله عنها على أبيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يجود بنفسه، فقالت: واكرْباه.. فقال لها الرسول صلى الله عليه وسلم: "يا بنية! إنه قد حضر بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحدًا...".

إخوتاه:

بعد قليل يمسك اللسان، ويزول العرفان، وتنشر الأكفان، ويُفارَقُ الإخوان، ونُنقل إلى الأموات، وتصف علينا اللبنات، ألا فلنذكر هاذم اللذات ومفرق الجماعات ومنغص الشهوات، وقاطع الأمنيات، وميتم البنين والبنات، حريٌ بالعبد أن يكثر من ذكر الموت، فإن ذلك يدفعه إلى الصالحات وترك المنكرات، حذرًا مما هو مقبل عليه من أهوال الموت والسكرات. إن كثرة ذكر الموت ينبه العبد من غفلته، وهذا هو عين المطلوب:
تنبه قبل المــوت إن كنت تعقـــلُ.. ... ..فعمــا قــليــل للمقــابـــر تُنقــــــلُ
وتمسي رهينًا في القبورِ وتنثني.. ... ..لــدى جــدث تحت الثــرى تتجندل
فـــريدًا وحيدًا في التــــرابِ وإنما.. ... ..قرينُ الفتى في القبر ما كان يعملُ
ومايفعل الجسم الوسيم إذا ثوى.. .... وصــار ضجيـــع القبر يعلــوه جَنْدلُ
وبطنٍ بــدا فيه الردى ثم لو تــرى.. ... ..دقيــق الثــرى في مقـــلةٍ يتهرولُ
أعيناي جــودا بالدمــــوع عليكما.. ... .. فحزني على نفسي أحق وأجملُ
أيــا مــدعي حُبي هلــمَّ بنــا إذا.. ... .. بكى الناس نبكي للفــراق ونَهْمَلُ
دعي اللهو نفسي واذكري حفرة البلى.. ... ..وكيـــف بنا دود المقــابـــر يفــعــلُ
إلى الله أشكو لا إلى الناس حالتي.. ...إذا صِرْتُ في قبــري وحيـدًا أُمَلْمَلُ

ليس يأسا من الحياة

إننا حين ندعو أنفسنا والناس من حولنا إلى الإكثار من ذكر الموت فليس ذلك بسبب اليأس من الحياة أو التشاؤم، لكنه التذكير بالكأس الذي لابد لكل منَّا أن يشربه وهو عنه غافل لاهٍ.فإن الموت إذا نزل بساحة العبد نسي ما كان فيه من اللذة والنعيم: (أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (الشعراء: 205-207) قرأ بعض السلف هذه الآيات فبكى وقال: إذا جاء الموت لم يغن عن العبد ما كان فيه من اللذة والنعيم.

ولهذا وجدنا السلف يتواصون بالإكثار من ذكر الموت واستحضاره، مع أنهم فتحوا مشارق الأرض ومغاربها، وسادوا الدنيا بطاعة الله، وجاءهم الموت فكانوا أفرح بقدومه من الأم بقدوم ولدها الغائب.

فوجدنا منهم من يقول وهو على فراش الموت:
"واطرَبَاه!! غدًا نلقى الأحبة محمدًا وحزبه".

وآخر يقول: "مرحبًا بالموت؟ زائر مُغبٍّ (قليل الزيارة) جاء على فاقة".

وآخر يقول: "اللهم إني إليك لمشتاق".

ولا عجب فإن العبد إذا كان على فراش الموت بُشر إما بجنة وإما بنار،فإن العبد يموت على ما عاش عليه ، والخواتيم مواريث الأعمال.
نسأل الله حُسنَ الخاتمة والفوز بالجنة والنجاة من النار.
إسلام ويب

Post: #1011
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:16 AM
Parent: #1010

من أشد الآفات فتكًا بالأفراد والمجتمعات آفة "سوء الظن"؛ ذلك أنها إن تمكنت قضت على روح الألفة، وقطعت أواصر المودة، وولَّدت الشحناء والبغضاء.
إن بعض مرضى القلوب لا ينظرون إلى الآخرين إلاَّ من خلال منظار أسود، الأصل عندهم في الناس أنهم متهمون، بل مدانون. ومما لا شك فيه أن هذه الظنون السيئة مخالفة لكتاب الله ولسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ولهدي السلف رضي الله عنهم.
أما الكتاب فقد جاء فيه قول ربنا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ}[الحجرات: 12].
وأما السنة فقد ورد فيها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظنّ؛ فإن الظن أكذبُ الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا".الحديث.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم المسلمين حُسن الظن، فقد جاءه رجل يقول: "إن امرأتي ولدت غلامًا أسود. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل لك من إبل؟ قال: نعم. قال: فما ألوانها؟ قال: حُمْرُ. قال: هل فيها من أورق؟ [يعني فيه سواد] قال: إن فيها لأورقًا. قال: فأنى أتاها ذلك. قال: عسى أن يكون نزعه عِرْقٌ. قال: وهذا عسى أن يكون نزعه عِرْق"[رواه البخاري ومسلم واللفظ له].
وأما السلف رضي الله عنهم وأرضاهم؛ فقد نأوا بأنفسهم عن هذا الخلق الذميم، فتراهم يلتمسون الأعذار للمسلمين، حتى قال بعضهم: إني لألتمس لأخي المعاذير من عذر إلى سبعين، ثم أقول: لعل له عذرًا لا أعرفه. فهلا تأسى الخلف بالسلف، فنأوا بأنفسهم عن سوء الظن؟.
إن هؤلاء الذين ساءت ظنونهم بالمسلمين أسوتهم في ذلك هو ذاك الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم: والله إن هذه القسمة ما عُدل فيها وما أريد بها وجه الله".
وقد قسَّم بعضهم سوء الظن إلى قسمين كلاهما من الكبائر وهما:
1- سوء الظن بالله: وهو أعظم إثمًا وجرمًا من كثير من الجرائم؛ لتجويزه على الله تعالى أشياء لا تليق بجوده سبحانه وكرمه.
2- سوء الظن بالمسلمين: وهو أيضًا من الكبائر، فمن حكم على غيره بشر بمجرد الظن حمله الشيطان على احتقاره وعدم القيام بحقوقه وإطالة اللسان في عرضه والتجسس عليه، وكلها مهلكات منهيٌ عنها.
وقد قال بعض العلماء: وكل من رأيته سيئ الظن بالناس طالبًا لإظهار معايبهم فاعلم أن ذلك لخبث باطنه، وسوء طويته؛ فإن المؤمن يطلب المعاذير لسلامة باطنه، والمنافق يطلب العيوب لخبث باطنه.
فإياك أخي والظن، وادع ربك أن يصرف عنك خواطر السوء، وإن لم تستطع أن تدفع عن نفسك فلا أقل من السكوت وعدم الكلام بما ظننت لعلك تسلم.
فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة وإلاَّ فإني لا إخالك ناجيًا.
وما أحسن ما قال الشاعر:
فلا تظنن بربك ظـن سـوء.. ... ..فإن الله أولـى بالجميـل
ولا تظنن بنفسك قطُّ خيـرًا.. ... ..فكيف بظـالم جانٍ جهولِ
وظنَّ بنفسك السوءى تجدها.. ... ..كذلك خيرُهـا كالمستحيل
وما بك من تقىً فيها وخـيرٍ.. ... ..فتلك مواهب الربِّ الجليل
وليس لها ولا منها ولكـنْ.. ... ..من الرحمن فاشكـر للدليـل
إسلام ويب

Post: #1012
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:17 AM
Parent: #1001

الوقار سيما الصالحين
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه، وبعد فحريٌ بالمسلم أن يتحلى بكل ما يزينه ويحمله من مكارم الأخلاق، ويبتعد عن كل ما يشينه ويسيء إليه.
وإن من مكارم الأخلاق التي يجدر بالمسلم أن يتحلى بها خلق الوقار، ونستطيع القول: إن الوقار صفة تنتج عن التحلي بمجموعة من الأخلاق الكريمة الأخرى كالحلم والسكينة والرزانة والوداعة والثبات. ولهذا عرفه بعضهم بأنه: التأني في التوجه نحو المطالب.
وعرفه الجاحظ بأنه: الإمساك عن فضول الكلام والعبث، وكثرة الإشارة والحركة فيما يستغنى عن التحرك فيه، وقلة الغضب والإصغاء عن الاستفهام، والتوقف عن الجواب والتحفظ من التسرع والمباكرة في جميع الأمور.
وقد حرص الشرع المطهر على تحلية المؤمنين بحلية الوقار وزينته، ففي أمر من أهم أمور المسلمين في دينهم يحثهم نبي الإسلام على الوقار حين يقول صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا".
وإذا كان المسلم مطالبًا بذلك فأجدر بأهل العلم والديانة أن يحرصوا عليه ويتحلوا به. وهكذا كان العلماء من السلف رضي الله عنهم؛ فهذا الإمام مالك رحمه الله كان إذا أراد أن يُحدِّث تنظف وتطيب، وسرح لحيته، ولبس أحسن الثياب، وقد ألقى الله عليه الوقار حتى قيل فيه:
يَدَعُ الجوابَ ولا يُراجَـع هيبةً والسائـلـون نـواكسُ الأذقــانِ
نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهيب وليس ذا سلطان
وهكذا أوصى ابن مسعود رضي الله عنه أهل القرآن فقال: ينبغي لحامل القرآن أن يكون باكيًّا محزونًا، حكيمًا حليمًا سكينًا، ولا ينبغي لحامل القرآن أن يكون جافيًا ولا غافلاً ولا ضحايًا، ولا صياحًا ولا حديدًا".
وقال الحسن رحمه الله: قد كان الرجل يطلب العلم يطلب العلم فلا يلبث أن يُرى ذلك في تخشيه، وهديه ولسانه، وبصره، وبره.
إن القلب إن كان حيًّا وكان بالوجه حياء حمل صاحبه على الوقار، فيوقر غيره ويتوقر هو في نفسه.
وعلى قدر توقير العبد وتعظيمه لربه يكون توقير الخلق له. فمن عظم الله ووقره زرع الله له المحبة والتوقير في قلوب الخلق.
ومن استهان بحق الله تعالى وضعف في قلبه توقير الرب، فتجرأ على معاصيه وحدوده وضيع أوامره وفرائضه، فإن الله لا يلقي له في قلوب الناس وقارًا ولا هيبة، وإن وقَّره بعض الخلق اتقاء شره فذاك وقار بغض لا وقار حبٍّ ولا تعظيم.
وأخيرًا: ما أحسن ما قال الشاعر:
انطــق مـصـيبًا لا تكــن هــذرًا عـيابـة ناطـقًا بالفُحـش والرِّيـب
وكن رزينًا طويل الصمت ذا فِكَرٍ فإن نطقت فلا تُكثر من الخطب
ولا تجــب سـائلاً من غير تروية وبالذي مثله لم تُسأل فلا تجب
نسأل الله تعالى أن يزيننا بزينة الإيمان وأن يحلينا بحلية الوقار..
ماهر السيد

Post: #1013
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:19 AM
Parent: #1001

التشاؤم عادة من الجاهلية

**تعريف التشاؤم والتطير:***
التشاؤم لغة: تفاعلٌ من الشؤم وهو خلاف اليُمن، وأصل هذه الكلمة يدل على الجانب اليسار، ولذا سميت أرض الشام شاما لأنها عن يسار الكعبة.
والطيرة لغة: فِعَلَة بالكسر ففتحتين وقد تسكن العين من التطيُّر، وأصل الكلمة واحد يدل على خفة الشيء في الهواء ومن ذلك الطير،قال ابن الأثير رحمه الله: "وأصله فيما يقال: التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما".
والمراد بهما في لسان الشرع: توهُّم وتوقُّع حصول المكروه بمرئي أو معلوم أو مسموع.
فمثال المرئي التطير برؤية أصحاب العاهات والبوم وغير ذلك.
ومثال المعلوم التشاؤم ببعض الأيام، أو بعض الشهور، أو بعض السنوات.
ومثال المسموع التشاؤم بسماع كلمة نحو: يا خسران، أو يا خائب،أو ما تم ونحو ذلك من الألفاظ.

**حكم التطير***
لقد وردت أدلة الشرع الحنيف بالنهي عن التطير فأخبر الله تعالى عن المشركين أنهم كانوا يتطيرون بالمؤمنين ومن ذلك قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) (لأعراف:131)
وقوله: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) (النمل:47)
ومما لا شك فيه أن هذا ورد على سبيل الذم لهذه العادة القبيحة.
وأما السنة فقد ورد فيها النهي أيضا حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم:"الطيرة شرك"
وقال :" لا عدوى ولا طيرة.."الحديث.
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: "واعلم أن التطير ينافي التوحيد ووجه منافاته له من وجهين، الأول: أن المتطير قطع توكله على الله واعتمد على غيره، الثاني: أنه تعلق بأمر لا حقيقة له؛ فأي رابطة بين هذا الأمر وبين ما يحصل لك؟! وهذا لا شك أنه يخل بالتوحيد؛ لأن التوحيد عبادة واستعانة، قال تعالى: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:5]، إذن فالطيرة محرمة وهي منافية للتوحيد".

**أسباب التشاؤم والتطير: ***
ذكر العلماء أسبابا للتطير منها:
1- ضعف اليقين والتوكلِ على الله تعالى الذي بيده مقاليد الأمور.
2- ضعف الإيمان بقضاء الله تعالى وقدره، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
3- عدم استحضار نِعم الله الكثيرة عليه ، في نفسه وماله وأهله، قال صلى الله عليه وسلم: "من أصبح آمنا في سربه، معافىً في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها".
4- جعل الدنيا أكبر الهم، والغفلة عن الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همّه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".
5- الجهل وضعف العقل وقلة البصيرة.
6- ضعف الإيمان وقلة ذكر الله عز وجل.
7- الجبن والضعف والخور، وعدم الشجاعة والحزم والإقدام.

**آثاره ونتائجه***
1- أنه يُنقص الإيمان، ويضعف اليقين، ويضادُّ التوكل، ويجعل صاحبه عبداً للخرافات والخزعبلات.
2- أنه يفتح على العبد باب الوساوس على مصراعيه، فتضطرب نفسه، ويتبلبل فكره، ويصاب بالهوس، فيتمكن الشيطان منه.
3- أنه سبب لعمَى القلب وطمس البصيرة:
فلا يزال الشيطان بهذا المسكين يجعله يذوق الحسرات ويشعر بالمرارة في كل أمره، قال الماوردي رحمه الله: "اعلم أنه ليس شيء أضر بالرأي ولا أفسد للتدبير من اعتقاد الطيرة، ومن ظن أن خُوار بقرة أو نعيب غراب يرد قضاء أو يدفع مقدوراً فقد جهل".
4- أنه يجعل حياة صاحبه نكَدا وكدَرا وهمًّا وغمًّا:
فالمتطير المتشائم متعَب القلب، منكدِر الصدر، كاسف البال، سيئ الخلق، يتخيل من كل ما يراه أو يسمعه، أشد الناس خوفاً، وأنكدهم عيشاً، وأضيقهم صدراً، وأحزنهم قلباً.
5- أنه نفق يقود إلى الشرك بالله تعالى وهذه ولا شك أعظم أضرار التشاؤم.
6- يقضي على معاني المحبة والإخاء بين أبناء المجتمع ويزرع الشك والتنافر.

**علاج التشاؤم: ***
من رحمة الله بعباده أنه ما أنزل من داء إلا جعل له دواء، ولا شك أن التشاؤم داء عظيم والواجب على من أصيب به أن يأخذ بأسباب دفعه وعلاجه ونجمل بعضها فيما يلي:

1- الثقة بالله تعالى وصدق التوكل عليه، واطراح الوساوس والأوهام، وقطع دابرها واجتثاث أصولها، وعدم الالتفاف إليها بالكلية، والمضي في الشأن المقصود بعزم وحزم وقوة، فعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه أنه قال: قلت: يا رسول الله، إني حديث عهد بجاهلية، وقد جاء الله بالإسلام، وإن منا رجالاً يأتون الكهان، قال: ((فلا تأتهم))، قال: ومنا رجال يتطيرون، قال: ((ذاك شيء يجدونه في صدورهم فلا يصُدَّنَّهم)).

قال الماوردي رحمه الله: "ينبغي لمن مُني بالتطير أن يصرف عن نفسه دواعي الخيبة وذرائع الحرمان، ولا يجعل للشيطان سلطاناً في نقض عزائمه، ومعارضة خالقه، ويعلم أن قضاء الله تعالى عليه غالب، وأن رزقه له طالب، إلا أن الحركة سبب، فلا يثنيه عنها ما لا يضير مخلوقاً ولا يدفع مقدوراً، وليمض في عزائمه واثقاً بالله تعالى إن أعطى، وراضيا به إن منع".

2- اليقين أنه لا يقع شيىء في هذا الكون إلا بقدر وقد أكد الرسول صلى الله عليه وسلم هذا المعنى بقوله لابن عباس رضي الله عنهما: "واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف"

3- أن يقول الدعاء المشروع إذا حصل له تشاؤم بمرئي أو مسموع أو معلوم:
فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردته الطيرة من حاجة فقد أشرك))، قالوا: يا رسول الله، ما كفارة تلك؟ قال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك".

4- استخارة الخالق، واستشارة المخلوق:
فمن أكرمه الله تعالى بأن شرع له استخارته سبحانه في الأمور كلها، وفضَّله على كثير ممن خلق تفضيلا فجعل له عقلا يزِن به الأمور، وأرشده إلى أن يستشير غيره ليجمع عقله إلى عقله، كيف يرضى لنفسه بعد ذلك أن يستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير فيستقسم بالأزلام، أو يتبرك ويتشاءم بالطيور السوانح والبوارح، أو يستدل بأرقام وأشكال على حوادث ستحصل؟! فهذا غاية القبح ومنتهى السفه.
عن جابر رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلِّم أصحابه الاستخارة في الأمور كلها كما يعلم السورة من القرآن.
وفي المأثور: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار.

5- احتساب الأجر العظيم الذي يناله المتوكلون، واستحضار الثواب الجزيل المعَدِّ للذين لا يتطيرون،فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن سبعين ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولاعذاب وبين لهم صفتهم بأنهم:" لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون".
فنسأل الله بمنه وكرمه أن يصرف عنا وعن المسلمين كل سوء وأن يرزقنا صدق التوكل عليه.

إسلام ويب

Post: #1014
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:21 AM
Parent: #1001

متى كان الانتحار شرفاً وكرامة ؟!
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه .
أما بعد : فالعبد يؤخذ بما يتكلم به ( مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) (ق : 18 ) وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم، ومن هنا كان لا بد من مراجعة للكلمات التي يرددها الناس ،وتجري على ألسنتهم ، ومن جملة ذلك قول الناس للمقصرين والمذنبين - في نظرهم - أشرف لك أن تنتحر أو " لو كان عند فلان كرامة لانتحر " فاعتبر هؤلاء أن الانتحار من صور الكرامة والموت بشرف، وكنت قد قرأت مقالة لأحد الكتاب يفرق فيها بين صاحب المشروع وغيره فقال : صاحب المشروع كهتلر إذا فشل مشروعه فإنه ينتحر ، أما العابث فلا ؛ لأنه يتمسك بالحياة حتى آخر نفس - يقصد بذلك صدام حسين أو غيره ـ !! . وهذا وغيره بل الحياة بأسرها لابد من ضبطها بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65)
وإليك بيان خطأ وتهافت هذه الكلمات .

أولا : حكم الانتحار والدعوة إليه
وردت النصوص الشرعية بالنهي عن قتل النفس قال تعالى: ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء: من الآية29). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فقال لرجل ممن يدَّعي الاسلام :" هذا من أهل النار" فلما حضرنا القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة فقيل : يا رسول الله الذي قلت :انه من أهل النار فإنه قد قاتل إلىوم قتالاً شديداً ، وقد مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم " إلى النار" فكاد بعض الناس أن يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل: إنه لم يمت ولكن به جراحاً شديدة ،فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فقتل نفسه فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك .... " الحديث رواه مسلم.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ ( يطعن ) بها في بطنه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن شرب سماً فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالداً فيها أبداً ". ( رواه البخاري ومسلم ).

وفي الحديث :"الذي يخنق نفسه يخنقها في النار والذي يطعنها يطعنها في النار". ( رواه البخاري) .
ويقال للمنتحر: " لن نصلح منك ما أفسدت " رواه مسلم ، ولما علم النبي الله صلى الله عليه وسلم برجل مرض ثم نحر نفسه بمشاقص معه قال: " إذا لا أصلي عليه ". ( رواه أبو داود باسناد حسن).

فالانتحار معصية وكبيرة من الكبائر وفيه معنى القنوط وهو أشد اليأس ، فكيف يتم التحريض عليه والدعوة إليه ، وأشر الناس الذين يقنطون الناس من رحمة الله ، قال علي رضي الله عنه الفقية حق الفقيه: من لم يقنط الناس من رحمة الله ، ولم يرخص لهم في معاصي الله ، ولم يؤمنهم من عذاب الله ، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره، إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فهم فيه ، ولا قراءة لا تدبر فيها , (رواه الدارمي) .

وقد ذكر العلماء أنه لا استكراه في القتل، فلو قيل لإنسان: إما أن تقتل أخاك أو نقتلك ، فلا يجوز له أن تمتد يده بقتل أخيه إذ نفسه ليست أفضل من نفس أخيه، وقد أمر سبحانه عباده بالتعاون على البر والتقوى ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، ولا يجوز لمن خاف الله أن يقنط من رحمته بل يكون خائفاً راجياً يخاف ذنوبه ويعمل بطاعته ويرجو رحمته.

ثانيا : معنى الشرف والكرامة

الاستقامة هي أعظم كرامة ، قيل لعبد القادر الجيلاني : أرنا من نفسك كرامة ،فصعد على المنبر ، ثم قال : منذ كم وأنا فيكم فقالوا منذ عشرين سنة ، فقال هل رأيتم علي معصية ، هل جربتم علي مخالفة ، فإن الاستقامة هي أعظم كرامة ، وقال البعض : كن طالباً للاستقامة لا للكرامة ، فإن نفسك تدعوك للكرامة والله يطالبك بالاستقامة وقال حاتم الأصم : رأيت الناس يعودون إلى التجارات والصنائع والأنساب ونظرت في قوله تعالى؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم ؟ فعملت بالتقوى حتي أكون كريما عنده ، فمن أراد أن يكرم نفسه ، فعليه بطاعة الله وأن يجنب نفسه ما يسخط الله جل وعلا كالانتحار وغيره من الذنوب والمعاصي ، وقد وردت النصوص تبين المعني الحقيقي للشرف ، فعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : " جاء جبريل إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال :يا محمد عش ما شئت فإنك ميت ، واعمل ما شئت فإنك مجزي به وأحبب ماشئت فإنك مفارقه ، واعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس ". (رواه المنذري والطبراني في الأوسط بإسناد حسن) .

ولما قيل للنبي صلي الله عليه وسلم: أي القتل أشرف؟ قال :" من أهريق دمه وعقر جواده ". (رواه أبو داود وصححه الألباني) وفي الحديث :" تنكح المرأة لأربع ، لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ". (رواه البخاري ومسلم). وفيه التحريض والحث على الزواج من صاحبة الدين ، والناس عادة يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أنت أيها المسترشد بصاحبة الشرف الحقيقي ، وفي الحديث: " الحسب المال , و الكرم التقوى ". ( رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه). وقال النبي - صلي الله عليه وسلم - : "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه ". (رواه مسلم) .

معنى الشرف والسيادة عند السلف الصالح

لقد كان للسلف رضي الله عنهم فهمهم لقضية الشرف والسيادة عبروا عنه بأقوالهم وأفعالهم، فعن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- قال: " كرم المؤمن تقواه ، ودينه حسبه , ومروءته خلقه ، والجرأة والجبن غرائز يضعها الله حيث شاء فالجبان يفر عن أبيه وأمه ، والجرئ يقاتل عما لا يؤوب به إلى رحله ، والقتل حتف من الحتوف والشهيد من احتسب نفسه على الله . وقال أيضا: " تفقهوا قبل أن تسودوا ( أي تصيروا سادة وقادة ) قال البخاري : وبعد أن تسودوا , وكان عمر يقول : أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا، يعني بلالاً . وعن عكرمة قال : السيد : الذي لا يغلبه الغضب وقال الضحاك : هو الحليم التقي ، وقال مرة : الحسن الخلق ، وقال ابن القيم - رحمه الله - في وصف إرادة رب العالمين: " يا محمد أنت تريد أبا طالب ونحن نريد سلمان ، أبو طالب إذا سئل عن اسمه قال :عبد مناف، وإذا انتسب افتخر بالآباء و إذا ذكرت الأموال عد الإبل ، وسلمان إذا سئل عن اسمه قال : عبد الله ، وعن نسبه قال : ابن الإسلام ، وعن ماله قال : الفقر، وعن حانوته قال : المسجد ، وعن كسبه قال: الصبر ، وعن لباسه قال : التقوي والتواضع ، وعن وساده قال : السهر ، وعن فخره قال : سلمان منا ، وعن قصده قال : يريدون وجهه ، وعن سيره قال : إلى الجنة ، وعن دليله في الطريق قال: إمام الخلق وهادي الأئمة ".

فالشرف والكرامة الحقة في متابعة منهج الأنبياء والمرسلين والشرف يحجب المرء عن السقوط في قبيح الأفعال ولواتخذ ذريعة لأغراض غير مشروعة أضل صاحبه وأهلكه ، فكيف يقال frown emoticon أشرف له ان ينتحر ) أو ( لو كان عنده كرامة لانتحر ) !!! إن الأمور كل الأمور على ما عند الله جل وعلا ، لا ما اصطلح عليه البعض في عصور الغربة والاغتراب ، فلا يكونن أحدكم إمعة ، ولا يقلدن أحدكم دينه رجلاً ، إن آمن آمن ، و إن كفر كفر ، كما قال ابن مسعود رضي الله عنه ومن أراد الشرف وطلب الكرامة فليتأس بسيد ولد آدم في الدنيا والآخرة وأشرفهم محمد صلي الله عليه وسلم: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب:21)
وقد أمر صلي الله عليه وسلم بحسن الفعال ونهى عن الفخر بالأحساب والأنساب وذم الانتحار . فالواجب على كل شريف وكريم أن ينتهي عن كل ما نهى عنه صلي الله عليه وسلم وزجر .

ثالثاً: دعوة إلى التوبة لا إلى الانتحار
دعا سبحانه إلى التوبة الكفار المعاندين والمحاربين الصادين عن سبيله سبحانه فقال: ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ ) وهل هناك تفريط وتقصير وذنب ومعصية أعظم من الكفر بالله تعالى ؟ !! وقال سبحانه: ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم) (الزمر :53 ).

فعلي العبد أن يتوب إلى ربه وإن عمل من الذنوب ما عمل ، لا أن ينتحر فيضيف بذلك للذنوب ذنبا آخر وللإسراف إسرافا . والتوبة من الكفر أو النفاق لا تكون إلا بالإيمان، والتائب ينال حب الله ومغفرته والفلاح والفوز بالجنة وهي من مظاهر رحمته تعالى بعباده وصفة من صفات الأنبياء وصالح المؤمنين ، وتقبل توبة العبد ما لم يغرغر أي ما لم تتردد روحه في حلقومه ، وفي الحديث: " إن الله عز وجل يبسط يده بالليل ليتوب مسئ النهار ، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسئ الليل ، حتى تطلع الشمس من مغربها " (رواه مسلم) ، وهذا بالنسبة لعمر الزمن ، فباب التوبة ما يزال مفتوحاً أمام العصاة والمذنبين: " من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ". والشمس لم تطلع من مغربها بعد والأجل لم يأت ، فالبدار إلى التوبة قبل حلول النقمة ، وتأخير التوبة ذنب يجب التوبة منه ، والله يفرح بتوبة عبده ويتوب على من تاب ، وفي الحديث: " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون ". ( رواه أحمد والترمذي وسنده قوي).

لا تحجروا واسعا

لا يصح لأحد أن يحجر واسعاً ، ولا أن يغلق أبواب الرحمة بكلامه ، ففي الحديث: " من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال " أشهد ان لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله ، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ". (رواه مسلم والترمذي وأبو داود) . وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " من قال أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه ( ثلاثاً ) غفر له وإن كان فرَّ من الزحف ". (رواه الترمذي وأبو داود والحاكم وهو حسن) . وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال : " يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر كلاهما يدخل الجنة وقالوا : كيف يا رسول الله ؟ قال : " يقاتل هذا في سبيل الله فيستشهد ثم يتوب الله على القاتل فيسلم فيقاتل في سبيل الله عز وجل فيستشهد ". ( رواه مسلم ). وقال رسول الله صلي الله عليه وسلم " سيد الأستغفار أن يقول : اللهم أنت ربي لا إله الأ أنت خلقتني و انا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك على و أبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت " قال ومن قالها من النهار موقناً بها فمات من يومه قبل أن يُمسِ فهو من أهل الجنة ، ومن قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة ". (رواه البخاري) .

شروط التوبة

و الذنب إذا كان بين العبد و بين الرب فهو إلى العفو أقرب , ولا بد من ثلاثة شروط للتوبة منه , الأول : الندم و الثاني : الاقلاع عن المعصية و الثالث : العزم على عدم العودة فيه مرة ثانية , فإذا تضمنت المعصية انتهاك حقوق الأخرين , فلابد في التوبة من شرط رابع , وهو رد الحقوق لأصحابها أو التحلل من حقوق الآدميين , و قالوا في معنى التوبة النصوح التي أمرنا بها أن تندم بالقلب و تستغفر باللسان و تقلع بالجوارح , قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا ) ( التحريم : 8) . و هذه التوبة مستجمعة الشروط تمحو كل ذنب كفراً كان فما دونه , و العبد متى أطلع الله على قلبه فوجد منه الحرص و العزم على رد الحقوق لأصحابها , فإن لم يستطع ردها و مات , فعسى الله أن يرضيهم عنه , و في حديث الرجل الذي قتل تسعة و تسعين نفسا و كمل المائة بالراهب , شاهد على قبول التوبة , و إن تعاظم الذنب , فإن الله لا يتعاظمه شئ فهل دعونا العصاة و المذنبين . و كلنا ذلك الرجل . إلى ما دعاهم إلىه أرحم الراحمين , بدلا من الدعوة إلى قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق , و لنا في رسول الله صلى الله عليه و سلم أسوة حسنة و قدوة طيبة , فقد كان يقول " و الله إني لأستغفر الله و أتوب إلىه في إلىوم أكثر من سبعين مرة " رواه البخاري . فوسعوا فيما وسعت فيه الشريعة ودوروا مع الاسلام حيث دار , يغفر الله لكم , وهو أرحم الراحمين .

رابعا : شبهة و بيان

التهكم بالمجرمين و السخرية من العصاة و المذنبيين , و دعوتهم للانتحار و تصويره على أنه شرف و كرامة , شبيهه بدعوة المصلي العاصي إلى ترك الصلاة , يقولون له : طالما أنك ترتكب كذا و كذا , إذاً فاترك صلاتك !! و كان الواجب عليهم أن يأمروه بترك المعاصي و الذنوب مع المحافظة على الصلاة , إذ كيف يؤمر بالكفر , فبين المرء الكفر و الشرك ترك الصلاة ، وكلام من يطالب العصاة بالانتحار وردنا عليه لا يتعلق بالعمليات الفدائية الاستشهادية , و التي يطلق عليها البعض أحيانا وصف الانتحارية . فالمرء إذا حمل بنفسه على صف العدو يطلب الشهادة في سبيل الله , و تقوية قلوب المؤمنين , و إضعاف الكافرين فعمله محمود و سعيه مشكور . وهذا ما قرره العلماء : قال القرطبي : و من هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه و سلم : أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا ؟ قال : فلك الجنة فانغمس في العدو حتى قتل ....

و قال محمد بن الحسن : لو حمل رجل واحد على ألف رجل من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو , فإن لم يكن كذلك فهو مكروه لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين , فإن كان قصده تجرئة للمسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه , ولأن فيه منفعة للمسلمين على بعض الوجوه وإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم صلابة المسلمين في الدين فلا يبعد جوازه . وإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله و توهين الكفر فهو المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ) ( التوبة : 111) إلى غيرها من آيات المدح التي مدح الله بها من بذل نفسه . ا.هـ . فليصطلح كل فريق على حقه , وحتى لا نكون أشبه بحاطب ليل , قد يحمل حية تلدغه , ولنحذر دس السم في العسل , و انبهارنا بالشرف و الكرامة لا يجعلنا نروج للانتحار . اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين .
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين .
د/سعيد عبد العظيم

Post: #1015
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:26 AM
Parent: #1001

الغفلة .. الداء الفتاك

إن الله تعالى خلق الخلق لعبادته، وسخر لهم ما في السماوات وما في الأرض، ورغَّبهم في الجنة، ورهَّبهم من النار، وذكرهم بما هم مقبلون عليه بعد الموت من أهوال وكربات عظام، لكن الكثير من الناس ينسى هذه الحقائق ويغفل عنها: (اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ * مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)[الأنبياء:1- 2]، حتى إن المرء لو نظر لأحوال هؤلاء لوجد جرأة عجيبة على الله، وسَيْرًا في طريق المعاصي والشهوات، وتهاونًا بالفرائض والواجبات، فيتساءل: هل يُصدِّق هؤلاء بالجنة والنار؟ أم تراهم وعدوا بالنجاة من النار وكأنها خلقت لغيرهم؟ يقول الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)[المؤمنون:115].
إن حال هؤلاء يصدق فيه قول القائل:
نهارك يا مغرور سهو وغفـلةٌ.. ... ..وليلك نومٌ والردى لك لازمٌ
وشغلك فيما سوف تكره غبه ... ..كذلك في الدنيا تعيش البهائم

إن من أعظم أسباب الغفلة الجهل بالله عز وجل وأسمائه وصفاته. والحق أن كثيرًا من الناس لم يعرفوا ربهم حق المعرفة، ولو عرفوه حق المعرفة ما غفلوا عن ذكره، وما غفلوا عن أوامره ونواهيه؛ لأن المعرفة الحقيقية تورث القلب تعظيم الرب ومحبته وخوفه ورجاءه، فيستحي العارف أن يراه ربه على معصية، أو أن يراه غافلاً. فأُنس الجاهلين بالمعاصي والشهوات، وأُنس العارفين بالذكر والطاعات.
ومن أعظم أسباب الغفلة الاغترار بالدنيا والانغماس في شهواتها. قال الله عز وجل: (ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ)[الحجر:3].

إن حال هؤلاء ليُنبئ عن سُكْر بحب الدنيا وكأنهم مخلدون فيها، وكأنهم لن يخرجوا منها بغير شيء من متاعها مع أن القرآن يهتف بنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ)[فاطر:5].إن سكران الدنيا لا يفيق منها إلا في عسكر الموتى نادما مع الغافلين.

ومن أسباب الغفلة أيضًا صحبة السوء، فقد قيل: الصاحب ساحب، والطبع يسرق من الطبع، فمن جالس أهل الغفلة والجرأة على المعاصي سرى إلى نفسه هذا الداء : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً)[الفرقان:27-29].
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: "المرء على دين خليله ...." الحديث.
ويقول الإمام ابن القيم رحمه الله: إن مجالس الذكر مجالس الملائكة، ومجالس اللغو والغفلة مجالس الشياطين، فليتخير العبد أعجبهما إليه وأَولاهما به، فهو مع أهله في الدنيا والآخرة.

إن الغفلة حجاب عظيم على القلب يجعل بين الغافل وبين ربه وحشة عظيمة لا تزول إلاَّ بذكر الله تعالى.
وإذا كان أهل الجنة يتأسفون على كل ساعة مرت بهم في الدنيا لم يذكروا الله فيها، فما بالنا بالغافل اللاهي؟!!
(حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)[المؤمنون:99، 100].

إنهم عند نزول الموت بساحتهم يتمنون أن يؤخروا لحظات قلائل، والله ما تمنوا عندها البقاء حبًّا في الدنيا ولا رغبة في التمتع بها، ولكن ليتوبوا ويستدركوا ما فات، لكن هيهات (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ)[سـبأ:54].
فيا أيها القارئ الكريم: لقد خُلقنا في هذه الدار لطاعة الله وليست الدنيا بدار قرار:
أما والله لو علم الأنام.. ... ..لم خلقوا لما غفلوا وناموا
لقد خلقوا لما لو أبصرته.. ... ..عيون قلوبهم تاهوا وهاموا
مماتٌ ثم قبرٌ ثم حشرٌ.. ... ..وتوبيخ وأهوالٌ عظامُ

هيا بنا نُقْبِلُ على طاعة الله مكثرين من ذكره، مستفيدين من الأوقات فيما يقربنا من جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر:
إن لله عبادًا فُطَنًا.. ... ..طلقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا.. ... ..أنها ليست لحيٍّ وطنًا
جعلوها لُجَّةً واتخذوا.. ... ..صالح الأعمال فيها سُفُنا
اللهم اجعلنا منهم بمنِّك وكرمك يا رب العالمين.
ماهر السيد

Post: #1016
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:28 AM
Parent: #1001

الاحتساب تجارة المخلصين

مما لا شك فيه أن ما عند الله خيرٌ وأبقى: (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) [الشورى:36].
فما قدمه العبد لنفسه من الصالحات يجده عند الله تعالى كاملاً مضاعفًا: (وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً) [المزمل:20].
من هنا تأتي أهمية الاحتساب، فماذا نقصد بالاحتساب؟
إن للاحتساب أنواعًا أو معاني، منها:
احتساب الأجر من الله تعالى عند عمل الطاعات التي يُبتغى بها وجهه الكريم سبحانه.
وإذا استحضر العبد هذا المعنى العظيم في نفسه عند قيامه بالطاعات فإنه سيدفع عن نفسه خواطر السوء من السمعة والرياء وطلبة المدح والثناء من الناس إلى غير ذلك من الآفات التي تحبط العمل أو تنقص الأجر؛ لأنه حصر همه في رضا الله وطلب الأجر منه. وعندئذ يفوز بالأجر العظيم والثواب الجزيل، كما دل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من صام رمضان إيمانًا و**احتسابًا*** غفر له ما تقدم من ذنبه".

وقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من اتبع جنازة مسلم إيمانًا و**احتسابًا***، وكان معه حتى يصلَّى عليها، ويُفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين، كل قيراط مثل أحد".
بل إن العبد المسلم يؤجر على نفقته على أهله وهي واجبة عليه كأجر الصدقة إن هو احتسبها كما ورد في الحديث: "إن المسلم إذا أنفق على أهله نفقة وهو **يحتسبها*** كانت له صدقة".
فانظر كيف عظم الأجر بسبب الاحتساب في الطاعات؟!

ومن معاني الاحتساب: طلب الأجر من الله عند الصبر على البلايا والمكاره:
وقد مدح الله هذا الصنف من المؤمنين ووعدهم بالرحمة والهداية والأجر الكبير: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) [البقرة:156، 157].

إن الناس في هذه الحياة يتعرضون لأنواع من البلايا والأمور التي تكرهها نفوسهم لا فرق في ذلك بين مؤمن وكافر، إلا من جهة احتساب الأجر بالنسبة للمؤمنين.
فالمسلم يمرض وكذا الكافر، ويموت أحباؤه وأقرباؤه، وكذا الكافر؛ لكن ثمة فرقًا مهمًا بينهما؛ ألا وهو ما يرجوه المؤمن من الأجر إن هو صبر واحتسب ورضي، قال الله تعالى: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ) [النساء:104].

وانظر إلى جزاء المحتسبين في المصائب والشدائد، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا يرضى لعبده المؤمن إذا ذهب بصفيه من أهل الأرض فصبر و**احتسب***، وقال ما أمر به بثواب دون الجنة".

واستمع إلى أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها وهي تقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم اؤجرني في مصيبتي واخلُف لي خيرًا منها، إلاَّ أخلف الله له خيرًا منها". قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: أي المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله صلى الله عليه وسلم..." الحديث.

وقد كان السلف يراجعون أنفسهم ويستحضرون النوايا الصالحة ويتواصون بالاحتساب طلبًا للأجر والثواب.
هذا الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "أيها الناس! احتسبوا أعمالكم؛ فإن من احتسب عمله كتب له أجر عمله وأجر حسبته".
كما استهان خبيبٌ بن عدي رضي الله عنه بالموت عندما أراد بنو الحارث بن عامر أن يقتلوه، فقال:
ولستُ أبُالي حين أُقتلُ مسلمًا.. ... ..على أي جنبٍ كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ.. ... ..يبارك على أوصال شِلْوٍ مُمَزَّع

فاحتسب أيها الحبيب في طاعاتك وعباداتك، واحتسب في البلايا والشدائد، يثبت الله قلبك ويعلي ذكرك ويضاعف أجرك.
إسلام ويب

Post: #1017
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:30 AM
Parent: #1001

الغلو مطية الشيطان

إن ظاهرة الغلو من المظاهر التي تصيب بعض الناس فيتجاوزون الحد، وهؤلاء قد يكون منهم من يريد الوصول إلى الأكمل لكنه ضل الطريق. ومن السُّنة المشاهدة في دنيا الناس أن أمثال هؤلاء ينقطعون كما قال الإمام ابن حجر رحمه الله : "لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ويترك الرفق إلاَّ عجز وانقطع فيُغْلَب".وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا الدين يسر ، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه".
وقد دفع الشيطان أمثال هؤلاء إلى طريق الغلو والتشدد حين علم منهم قوةَ إقدام وشجاعة فانحرف بهم عن طريق الجادة.
إن دين الله تعالى واحدٌ، وهو دين الإسلام، وهو بين الغلو والجفاء، وقد حذر النبي صلى الله عليه و سلم من الغلو فقال: "إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين".

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم بحال النفر الذين قال بعضهم: لا أتزوج النساء. وقال بعضهم: لا آكل اللحم. وقال بعضهم: لا أنام على فراش. عندئذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما بال أقوام قالوا كذا وكذا. ولكني أصلي وأنام، وأصوم وأفطر، وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".
بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "هلك المتنطعون". قالها ثلاثًا.. أفلا يدل ذلك على خطورة الغلو والتشدد؟.

الأسلاف يحذرون من الغلو

ولقد علم السلف والعلماء رضي الله عنهم خطورة الغلو فحذروا منه. فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يسأله رجل عن معنى الأبِّ في قوله تعالى: (وَفَاكِهَةً وَأَبّاً)[عبس:31] فيقول له: "نُهينا عن التعمق والتكلف".
وقال عبادة بن نَسِيٍّ - رضي الله عنه - لجماعة: "أدركت أقوامًا ما كانوا يشددون تشدديكم، ولا يسألون مسائلكم".
وقد كَتَبَ رَجُلٌ إلَى عُمَرَ بنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَسْأَلُهُ عن الْقَدَرِ، فكَتَبَ:
أمّا بَعْدُ، أُوصِيكَ بِتَقْوَى الله، وَالاقْتِصَادِ في أمْرِهِ، وَاتّبَاعِ سُنّةِ نَبِيّهِ صلى الله عليه وسلم، وَتَرْكِ ما أحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنّتُةُ، وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ. فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السّنّةِ؛ فإنّهَا لَكَ بإذْنِ الله عِصْمَةٌ، ثُمّ اعْلَمْ أنّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةً، إلاّ قَدْ مَضَى قَبْلَهَا ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْهَا، أوْ عِبْرَةٌ فيهَا؛ فإنَّ السّنّةَ إنّما سَنّهَا مَنْ قدْ عَلِمَ ما في خِلاَفِهَا من الخطأِ وَالزّلَلِ وَالْحُمقِ وَالتّعَمّقِ، فَارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضِيَ بِهِ الْقَوْمُ لأنْفُسِهِمْ، فإنّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نَافِذٍ كُفُوا، وَلَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأمُورِ كَانُوا أقْوَى، وَبِفَضْلِ ما كَانُوا فِيهِ أوْلَى، فإنْ كَانَ الْهُدَى ما أنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إلَيْهِ، وَلَئِنْ قُلْتُمْ: "إنّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ" ما أحْدَثَهُ إلاّ مَنْ اتّبعَ غَيْرَ سَبِيلِهِمْ، وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ؛ فإنّهُمْ هُمْ السَّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فيهِ بِمَا يَكْفِي، وَوَصَفُوا مِنْهُ ما يَشْفِي، فمَا دُونَهُمْ منْ مُقَصّرٍ، وَما فَوْقَهُمْ منْ مَحْسَرٍ، وَقدْ قَصّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أقْوَامٌ فَغَلَوْا، وَإِنّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ.
كتَبْتَ تَسْأَلُ عن الإقْرَارِ بالقَدَرِ فَعَلَى الْخَبِيرِ - بإذْنِ الله - وَقَعْتَ، ما أعْلَمُ ما أحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ، وَلاَ ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ، هِيَ أبْيَنُ أثَراً، وَلا أثْبَتُ أمْراً مِنَ الإقْرَارِ بالْقَدَرِ، لقَدْ كَانَ ذِكرُهُ في الْجَاهِليّةِ الْجَهَلاَء، يَتَكَلّمُونَ بِهِ في كَلاَمِهمْ، وفي شِعْرِهِمْ، يُعَزّونَ بِهِ أنْفُسَهِمْ عَلَى ما فَاتَهُمْ، ثُمّ لَمْ يَزِدْهُ الإسْلاَمُ بَعْدُ إلاّ شِدّةً، وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ، فَتَكلّمُوا بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ، يَقِيناً وَتَسْلِيماً لِرَبِّهمْ، وَتَضْعِيفاً لأنْفُسِهِمْ؛ أنْ يَكُونَ شَيْءٌ لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ ولمْ يُحْصِهِ كِتَابُهُ، ولمْ يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ، وأنَّهُ مَعَ ذَلِكَ لِفَي مُحْكَمِ كِتابِهِ، مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ، وَمِنْهُ تَعَلّمُوهُ. ولئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أنْزَلَ الله آيَةَ كَذا ؟ ولِمَ قالَ كذَا؟، لقَدْ قَرَأُوا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ، وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقَالُوا بَعْدَ ذَلِكَ: كُلُّهِ بِكِتَابٍ وَقَدَرٍ، وَكُتِبَتِ الشّقَاوَةُ وَمَا يُقْدَّر يَكُنْ، وَمَا شَاءَ الله كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلاَ نَمْلِكُ لأنْفُسِنَا ضَرًّا وَلاَ نَفْعاً، ثُمّ رَغبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهبُوا".[رواه أبو داود، وقال الألباني: صحيح الإسناد].

وجاء رجل إلى ابن عقيل رحمه الله فقال: أنغمس في الماء مرارًا كثيرة وأشك: هل صحَّ لي الغسل أم لا؟ فما ترى في ذلك؟
قال ابن عقيل: يا شيخ! اذهب فقد سقطت عنك الصلاة. قال الرجل: وكيف؟ قال: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاث: المجنون حتى يفيق..."الحديث. ومن ينغمس في الماء مرارًا ويشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون.

من أنواع الغلو
وباستقراء وتأمل الأدلة الواردة في الغلو نجد أنه أنواع منها:
· الغلو في الدين عن طريق الاعتقادات الباطلة؛ كاعتقاد النصارى ألوهية المسيح، أو أنه ابن الله، وقول اليهود فيه: إنه ليس ابن رِشْدَة. كما نجد هذا النوع في الفرق المنحرفة كالخوارج والرافضة والمرجئة.
· الغلو في العلم بتحريف الكلم عن مواضعه.
· الغلو في العبادة؛ بحيث يشدد على نفسه حتى يمل ويبغض العبادة نفسها فينتكس.
· الغلو في الأشخاص والجماعات برفعهم فوق أقدارهم أو عقد الولاء والبراء على أساس آراء الجماعة ومواقفها.

كيف نعرف الغلو؟
إذا كان الغلو بهذه الخطورة فهل لكل أحدٍ أن يحكم على الأفراد والمجتمعات بأنها جاوزت الحد الذي وضعه الشرع؟
إن الحقيقة التي لا مراء فيها أنه لابد من الرجوع إلى أهل العلم المعتبرين للحكم على المعتقدات والأفعال بأنها من الغلو، وإلاَّ فإن المفرطين والفاسقين والعلمانيين يعتبرون كل مظهر من مظاهر التدين نوعًا من الغلو، فحجاب المرأة المسلمة عندهم نوع من الغلو، وإعفاء اللحية، والمطالبة بتحكيم الشريعة...

هل الغلو ظاهرة إسلامية؟
بمعنى: هل الغلو واقع فقط في المجتمعات الإسلامية؟
الحقيقة التي ينطق بها الواقع والتاريخ أن هذه الظاهرة ليست خاصة بالمسلمين وحدهم، فاليهود والنصارى عندهم من مظاهر الغلو الكثير.
والمجتمعات الحديثة أصيبت في بعض جوانبها بكثير من الغلو. والجماعات المختلفة في العالم - سواءٌ كانت دينية أو قومية - تعاني من هذا الداء؛ فلا يصحُّ أبدًا أن ننساق وراء الآخرين في قصر هذا الاتهام على أبناء الإسلام، وتعظم المصيبة حين ينساق بعضنا وراء ما يردده الآخرون من أن تدريس الشريعة والمقررات الدينية في بلاد المسلمين هي التي أفرزت أنواعًا من الغلو، برغم أن تاريخنا وواقعنا يشهد أن أعظم أسباب الغلو هو الجهل بأحكام الإسلام.. فهل من معتبر؟!!
ماهر السيد

Post: #1018
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:32 AM
Parent: #1001

لو قنع الناس بالقليل لما بقي بينهم فقير ولا محروم، ولو رضي العبد بما قُسم له لاستغنى عن الناس وصار عزيزًا وإن كان لا يملك من الدنيا الكثير.
يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
رأيت القناعة رأس الغنى.. ... ..فصرتُ بأذيالها مُمتسكْ
فلا ذا يـراني على بابه.. ... .. ولا ذا يراني به منهمكْ
فصرتُ غنيًّا بلا درهم.. ... .. أمرٌ على الناس شبه الملكْ

وقد وجه النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى التحلي بصفة القناعة حين قال: "ارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس".
وكان يدعو ربه فيقول: "اللهم قنعني بما رزقتني، وبارك لي فيه، واخلف على كل غائبة لي بخير".
والقانع بما رزقه الله تعالى يكون هادئ النفس، قرير العين، مرتاح البال، فهو لا يتطلع إلى ما عند الآخرين، ولا يشتهي ما ليس تحت يديه، فيكون محبوبًا عند الله وعند الناس، ويصدق فيه قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما عند الناس يحبك الناس".

إن العبد لن يبلغ درجة الشاكرين إلاَّ إذا قنع بما رزق، وقد دل على هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة رضي الله عنه: "يا أبا هريرة! كن ورعًا تكن أعبد الناس، وكن قنعًا تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنًا.."الحديث.
إن العبد القانع عفيف النفس لا يريق ماء وجهه طلبًا لحطام دنيا عمَّا قليل تفنى، وهؤلاء الذين مدحهم الله بقوله: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)[البقرة:273].

وقد وردت لهم البشارة على لسان خير البشر صلى الله عليه وسلم: "قد أفلح من أسلم ورُزق كفافًا، وقنعه الله بما أتاه".
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إن الطمع فقر، وإن اليأس غنى، إنه من ييأس عمَّا في أيدي الناس استغنى عنهم".

ومن عجيب ما يروى في ذلك ما جاء في الإحياء من أن الخليل بن أحمد الفراهيدي رفض أن يكون مؤدبًا لابن والي الأهواز، ثم أخرج لرسوله خبزًا يابسًا وقال: "ما دمتُ أجدُ هذا فلا حاجة إلى سليمان - الوالي -". ثم أنشد:
أبْلِغْ سليمانَ أني عنه في سَـعَةٍ.. ... ..وفي غنىً غير أني لستُ ذا مالِ
شُحًّا بنفسيَ أني لا أرى أحــدًا.. ... ..يموتُ هزلاً ولا يبقى على حالِ
والفقر في النفس لا في المال نعرفه.. ..ومثلُ ذاك الغنى في النفس لا المال

وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس".
فاللهم قنعنا بما رزقتنا واجعلنا أرضى خلقك بما لنا قسمت.
ماهر السيد

Post: #1019
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:33 AM
Parent: #1001

إن الغدر صفة تدل على خسة النفس و حقارتها، بل هو خصلة من خصال النفاق التي قال فيها الرسول صلى الله عليه وسلم: "أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا؛ ومن كانت فيه خصلة منهنَّ كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا ائتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر". [ البخاري ومسلم].
فأي شيء أقبح من غدر يسوق إلى النفاق، وأي عار أفضح من نقض العهد إذا عدت مساوئ الأخلاق!!.
وقد عدَّ بعض العلماء الغدر من الكبائر، كيف لا والغادر خصمه يوم القيامة رب العالمين تبارك وتعالى، ففي الحديث: "قال الله: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرًّا فأكل ثمنه، ورجلٌ استأجر أجيرًا فاستوفى منه ولم يعطه أجره".[البخاري].
وقد كان من وصاياه صلى الله عليه وسلم لأمراء جيشه: "اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدًا..." الحديث [رواه مسلم].
إن الغادر مذموم في الدنيا ، وهو كذلك عند الله تعالى، وسيفضحه على رؤوس الخلائق يوم القيامة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لكل غادر لواء يوم القيامة يرفع له بقدر غدره، ألا ولا غادر أعظم غدرًا من إمام عامة". (رواه مسلم) فكم أوقع الغدر في المهالك مِن غادر، وضاقت عليه من موارد الهلكات فسيحات المصادر، وطوَّقه غدره طوق خزي، فهو على فكِّه غيرُ قادر.
ومما هو معلوم ومشاهد في دنيا الناس أن الغادر لا يكاد يتم له أمر ،ولا يقبل الله منه صرفا و لا عدلا ؛ فعن علي رضي الله عنه قال:"ما عندنا شيء إلا كتاب الله وهذه الصحيفة عن النبي صلى الله عليه وسلم...فمن أخفر مسلما(يعني نقض عهده) فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل منه صرف ولا عدل...". (البخاري).
وقد ضرب المسلمون أروع الأمثلة في الوفاء حتى وإن فوت عليهم بعض المصالح ، فعن سليم بن عامر قال : كان بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقضى عهدهم غزاهم ، فجاء رجل على فرس وهو يقول: الله أكبر الله أكبر ، وفاء لا غدر ، فنظروا فإذا عمرو بن عبسة ، فأرسل إليه معاوية فسأله،فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " من كان بينه وبين قوم عهد فلا يشد عقدةً ، ولا يحلها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم على سواء" فرجع معاوية.
هكذا تربوا رضي الله عنهم ، وهكذا تعلموا أن عاقبة الغدر وخيمة فنبذوه وحذروا منه ، فما أحوجنا إلى اقتفاء آثارهم والتحلي بمثل أخلاقهم.
ماهر السيد

Post: #1020
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:35 AM
Parent: #1001

كظم الغيظ

من الملاحظ في المعاملات الاجتماعية بين الناس أن بعضهم قد يسيئون إلى إخوانهم إساءات مختلفة، في ألسنتهم، في أيديهم، في غير ذلك من جوارحهم، في تصرفاتهم المالية أو غير المالية، وقد تمس الإساءة النفس، أو تمس العرض والشرف، أو تمس المال والمتاع، أو تمس الأهل والعشيرة...إلخ.

ولما كان الأمر بهذه الصورة فإن هذه الإساءة لو تعامل معها المرء للوهلة الأولى مستجيبًا لحظ نفسه وهواه لترتب على ذلك شر عظيم وفساد ذات البين، وانتشار العدوات بين أبناء المجتمع.
وقد وجه الله تعالى عباده المؤمنين لضرورة التحلي بالصبر وكظم الغيظ، بل والدفع بالتي هي أحسن: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) [فصلت:34، 35].
فما أحوجنا إلى هذا الخلق العظيم لتقوى الروابط وتتآلف القلوب، ويُبنى ما تهدم من الروابط الاجتماعية، ولننال رضى الله وجنته: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:133، 134].

إن الشرع المطهر قد أجاز لنا أن نعاقب بمثل ما عوقبنا به، لكنه مع ذلك بيَّن أن العفو وكظم الغيظ أفضل وأحسن: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ)[النحل:126].

**من فضائل كظم الغيظ:***
إن لكظم الغيظ فضائل عظيمة؛ فبالإضافة إلى ما سبق من الفضائل هناك جملة من الفضائل الأخرى التي نطقت بها هذه الأدلة،منها:
1- عن ابن عمر - رَضي الله عنهما -: أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كُربةً، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخٍ في حاجةٍ أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه - ولو شاء أن يمضيه أمضاه - ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيأَ لهُ؛ أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".

2- عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما من جُرعَةٍ أعظم أجرًا عند الله من جرعةِ غيظ كظمها عبدٌ ابتغاء وجه الله".
3- عن أنس رضي الله عنه أنه قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم مَرَّ بقومٍ يصطرعون؛ فقال: "ما هذا؟" قالوا: فلانٌ ما يُصارع أحدًا إلا صرعه، قال: "أفلا أدلكم على من هو أشد منه؟ رجلٌ كلمه رجلٌ فكظم غيظه فغلبه وغلبَ شيطانه وغلب شيطان صاحِبِهِ".
4- عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: خرج رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إلى المسجد وهو يقول بيده هكذا - فأومأ أبو عبد الرحمن بيده إلى الأرض - : "من أنظر معسراً أو وضع عنه؛ وقاه اللّه من فيح جهنم، ألا إن عمل الجنة حَزْن بربوة (ثلاثاً)، ألا إن عمل النار سهل بشهوة، والسعيد من وقي الفتن، وما من جرعة أحبُّ إليَّ من جرعة غيظ يكظمها عبدٌ، ما كظمها عبدٌ للّه إلاَّ ملأ اللّه جوفه إيماناً".
5- عن معاذ بن أنس عن أبيه رضي الله عنهما أن رسول الله صلى قال: "من كظم غيظًا وهو قادرٌ على أن يُنفذه دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق حتى يُخيِّره من الحور ما شاء".

**وعلى هذه الأخلاق النبيلة تربى السلف رضي الله عنهم***
1- قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من اتقى الله لم يشفِ غيظهُ، ومن خاف الله لم يفعل ما يُريدُ، ولولا يومُ القيامة لكان غير ما ترون".
2- عن ابن عباس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قال: قدم عيينة بن حصن فنزل على ابن أخيه الحر ابن قيس، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر، وكان القراء أصحاب مجلس عمر ومشاورته كهولاً أو شباناً. فقال عيينة لابن أخيه: يا لك وجه عند هذا الأمير فاستأذن لي عليه قال: سأستأذن لك عليه، فاستأذن الحر لعيينة، فأذن له عمر. فلما دخل عليه قال: هي يا ابن الخطاب! فوالله ما تعطينا الجزل، ولا تحكم فينا بالعدل! فغضب عمر حتى همَّ أن يوقع به. فقال له الحر: يا أمير المؤمنين! إن اللَّه تعالى قال لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) [الأعراف 199]. وإن هذا من الجاهلين. والله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافاً عند كتاب اللَّه.

3- جاء غلام لأبي ذر رضي الله عنه وقد كسر رجل شاةٍ له فقال له: من كسر رِجل هذه؟ قال: أنا فعلتُهُ عمدًا لأغيظك فتضربني فتأثم. فقال: لأغيظنَّ من حرَّضك على غيظي، فأعتقه.

4- شتم رجلٌ عديَّ بن حاتم وهو ساكتٌ، فلما فرغ من مقالته قال: إن كان بقي عندك شيءٌ فقل قبل أن يأتي شباب الحي، فإنهم إن سمعوك تقول هذا لسيدهم لم يرضوا.

5- قال محمد بن كعب رحمه الله تعالى: ثلاثٌ من كُنَّ فيه استكمل الإيمان بالله: إذا رضي لم يُدخله رضاه في الباطل، وإذا غضب لم يُخرجه غضبُهُ عن الحق، وإذا قدر لم يتناول ما ليس له.

6- قال رجلٌ لوهب بن منبه رحمه الله تعالى: إن فلانًا شتمك. فقال: ما وجد الشيطان بريدا غيرك؟!.

7- قال الغزالي رحمه الله تعالى: إن كظم الغيظ يحتاج إليه الإنسانُ إذا هاج غيظُهُ ويحتاجُ فيه إلى مجاهدةٍ شديدة، ولكن إذا تعود ذلك مدة صار ذلك اعتيادًا فلا يهيج الغيظ، وإن هاج فلا يكون في كظمه تعبٌ، وحينئذ يُوصف بالحلم.

8- وذكر ابن كثير رحمه الله من صفاتِ أصحاب الجنة عند تفسير قوله تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) إلى قوله: (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ) فقال: إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه فلم يعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم.

9- ذكر ابن كثير في سيرة عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى أن رجلاً كلمه يومًا حتى أغضبه، فهم به عمر، ثم أمسك نفسه، ثم قال للرجل: أردت أن يستفزني الشيطان بعزة السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا؟ قم عافاك الله، لا حاجة لنا في مقاولتك.
فهيا أحبابنا نعود أنفسنا كظم الغيظ والتحلي بالحلم عسى أن يملأ الله قلوبنا إيمانًا وحكمة، ويزيدنا يوم القيامة رفعة.
ماهر السيد

Post: #1021
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:37 AM
Parent: #1020

لزوم الاستقامة أعظم الكرامة
عن سفيان بن عبد الله الثقفي رَضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله! قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك. قال: "قل آمنت بالله ثم استقم".
لقد جمع الله لنبيه صَلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فأرشد أمته في هذه الكلمات القلائل إلى جماع الخير حين دلهم على لزوم الاستقامة.
والاستقامة هي سلوك الصراط المستقيم من غير انحراف عنه يمنة ولا يسرة؛ ويعني ذلك أن يتمسك العبد بأمر الله عز وجل فعلاً وتركًا ظاهرًا وباطنًا.
وقد أمر الله نبيه وعباده المؤمنين بلزوم الاستقامة ووعدهم على ذلك خيرًا عظيمًا. قال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا) [هود:121]، وقال: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت:30).
وقد أورد الماوردي في الآية خمسة أوجه:
أحدها: ثم استقاموا على أن الله ربهم وحده.
الثاني: استقاموا على طاعته وأداء فرائضه.
الثالث: على إخلاص الدين والعمل إلى الموت.
الرابع: ثم استقاموا في أفعالهم كما استقاموا في أقوالهم.
الخامس: ثم استقاموا سرًّا كما استقاموا جهرًا.
والحق أن ذلك كله داخل في معنى الاستقامة. وأصل الاستقامة في القلب، فإذا استقام القلب استقامت الجوارح؛ لأن القلب ملك الأعضاء وهي جنوده ورعاياه. كما إن من أعظم الجوارح تأثيرًا في استقامة العبد اللسان؛ وقد دلنا النبي صَلى عليه وسلم على هذه القضية الكبيرة حين قال: "إذا أصبح ابن آدم فإن أعضاءه تُكفِّرُ اللسان (أي تخضع له) تقول: اتق الله فينا؛ فإنك إن استقمت استقمنا وإن اعوججت اعوججنا".
**الاستقامة اتباع للكتاب والسنة وترك للأهواء والبدع والمحدثات في الدين.***
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال:
خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطا فقال "هذا سبيل الله"، ثم خط خطوطًا عن يمينه وعن شماله ثم قال "هذه سبلٌ، على كل سبيلٍ منها شيطانٌ يدعو إليه" ثم قرأ: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ) [الأنعام:153]".
قال الإمام ابن القيم رحمه الله: "من هدى في هذه الدار إلى صراط الله المستقيم الذي أرسل به رسله وأنزل به كتبه هدى هناك إلى الصراط المستقيم الموصل إلى جنته ودار ثوابه، وعلى قدر ثبوت قدم العبد على هذا الصراط الذي نصبه الله لعباده في هذه الدار، يكون ثبوت قدمه على الصراط المنصوب على متن جهنم، وعلى قدر سيره على هذه الصراط يكون سيره على ذاك الصراط ... ولينظر العبد الشبهات والشهوات التي تعوقه عن سيره على هذا الصراط المستقيم؛ فإنها الكلاليب التي بجنبتي ذاك الصراط تخطفه وتعوقه عن المرور عليه؛ فإن كثرت هنا وقويت فكذلك هي هناك (وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ) [فصلت:46]اهـ.
وبقدر استقامة العبد على مراد الله فعلاً وتركًا يكون أمنه وفرحه يوم لقاء ربه: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [الأحقاف: 13، 14].
فيا أيها الحبيب: إذا أردت الكرامة فعليك بلزوم الاستقامة، جعلنا الله وإياك من أهلها،والحمد لله رب العالمين.
ماهر السيد

Post: #1022
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:39 AM
Parent: #1001

حين يكون القلب موصولاً بالله، والجوارح عاملة بطاعته كافة عن محارمه، يقذف الله في هذا القلب نورًا يميز به بين الحق والباطل، بين الصادقين والكاذبين.
إن صاحب هذا القلب وهذه الجوارح يرى في الحقيقة بنور من الله تعالى. قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: "إن لله عبادًا يعرفون الناس بالتوسم".[حسنه الألباني].
هذه البصيرة، وهذه المنة من الله هي ما يسميه العلماء: الفِراسة الإيمانية، واستدلوا لها بآيات من كتاب الله عز وجل، نحو قوله تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ)[الحجر:75]، فقد قال بعض أهل العلم: إنها نزلت في أهل الفراسة.

وقوله تعالى: (وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ)[محمد:30]، وقوله: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ)[البقرة:273].
إن أصل هذه الفِراسة هو الحياة والنور اللذان يهبهما الله لمن يشاء من عباده فيستنير القلب، وبالتالي لا تكاد تخطئ له فراسة كما قال الله تعالى: (أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).[الأنعام:122].
قال بعض الصالحين: من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة، وغص بصره عن المحارم، وكفَّ نفسه عن الشهوات، واعتاد أكل الحلال لم تخطئ له فراسة.
قال ابن القيم رحمه الله: "وسِرُّ هذا أن الجزاء من جنس العمل، فمن غض بصره عما حرم الله عز وجل عليه عوَّضه الله تعالى من جنسه ما هو خيرٌ منه. فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق الله نور بصيرته وقلبه، فرأى به ما لم يره من أطلق بصره ولم يغضه عن محارم الله تعالى" اهـ.
وثمة فرق مهم بين الفراسة والظن، إذ الظن يخطئ ويصيب كما إن الظن يكون مع الطاعة أو المعصية مع حياة القلب ومرضه أو موته، كما إن منه ما هو حرام: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)[الحجرات:12].

أهل الفِراسة .. أهل الصلاح والتقى

كما أسلفنا فإن العبد إذا كان قريبًا من ربه أفاض عليه من نوره. قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل: "وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ".

ومما لا شك فيه أن من أعظم الأمة نصيبًا من هذه الصفة أصحاب النبي صَلى الله عليه وسلم، إذ كانوا أبرَّ هذه الأمة قلوبًا وأعمقها علما وأقلَّها تكلفًا.. قومٌ اختارهم الله لصحبة نبيه وإقامة دينه. وفي مقدمة هؤلاء: الصديق رضيَ الله عنه، والفاروق عمر بن الخطاب.
قال ابن القيم: "كان الصديق رضيَ الله عنه أعظم الأمة فراسة وبعده عمر بن الخطاب رَضي الله عنه، ووقائع فراسته مشهورة، فإنه ما قال لشيء أظنه كذا إلا كان كما قال، ويكفي في فراسته موافقته ربه في المواضع ا لمشهورة. فمن ذلك أنه قال: "يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى). وقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَيْرَةِ عَلَيْهِ فقَالَ لَهُنَّ عُمر: عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتْ كذلك. وشاوره رسول الله صَلى الله عليه وسلم في أسارى بدر فأشار بقتلهم، ونزل القرآن بموافقته.

ودخل رجل على عثمان بن عفان رضي الله عنه وقد رأى امرأة في الطريق فتأمل محاسنها، فقال له عثمان: يدخل عليّ أحدكم وأثر الزنى ظاهر على عينيه؟! فقال الرجل: أوحيٌ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: لا، ولكن تبصرة وبرهان وفراسة صادقة.
والشواهد من حياتهم كثيرة رَضي الله عنهم وأرضاهم.

ومن الفراسة التأمل والنظر في عواقب الأمور وما تؤول إليه فعلاً أو تركًا، وهو أمر لا بد من الاهتمام به، فلا ينبغي الاقتصار على النظر السطحي للأمور، فكم فات الأمة من مصالح وكم جُرَّت عليها الويلات بسبب هذه النظرة السطحية المتعجلة للأمور.
وهنا يجب الرجوع إلى العلماء الربانيين فهم أقرب إلى التوفيق والعلم بمآلات الأمور والنظر في العواقب، قال الله تعالى: (وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) [النساء:83].
فهيا أحبابنا نعمر بواطننا بالإخلاص ودوام المراقبة وظواهرنا باتباع السنة، ولنلزم جوارحنا طاعة الله والكف عن المحارم، حتى يرزقنا الله الفراسة الإيمانية.
ماهر السيد

Post: #1023
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:40 AM
Parent: #1001

العفة ركن المروءة وطهارة المجتمع

قديمًا قال بعض أعداء الأمة: كأس وغانية يفعلان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوها في حبِّ المادة والشهوات.
وقد حذر نبي الرحمة صَلى الله عليه وسلم من خطر فتنة النساء: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء". وقد كان علاج القرآن لهذه الفتنة أبدع العلاجات؛ إذ سدَّ الإسلام كلا لذرائع وأغلق كل الأبواب التي يمكن أن يصل منها الشر إلى المسلم فيوقعه في الفاحشة، أو يفتنه بالمرأة.

لقد حرم الشرع الزنا، وسدَّ كل الطرق الموصلة إليه، وكان من الوسائل التي حفظ بها الشرع المسلمين أفرادًا ومجتمعات من خطورة الفواحش، حثهم على العفة وترغيبهم في التحلي بها.
ونقصد بالعفة هنا: الكفَّ عن الحرام في هذا الجانب جانب النساء. فهي إذن خلق إيماني رفيع يعود على صاحبه بالخير في الدنيا والآخرة.
قال ابن القيم رحمه الله: "إن للعفة لذة أعظم من لذة قضاء الوطر، لكنها لذة يتقدمها ألم حبس النفس، ثم تعقبها اللذة، أما قضاء الوطر فبالضد من ذلك".

*غض البصر عفة:***
إن إطلاق البصر إلى ما حرم الله من أعظم أسباب الوقوع في الفواحش، ولهذا أمر الله بغض البصر: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، ولما سئل النبي صَلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة قال: "اصرف بصرك". فمن غض بصره عف فرجه.

**حجاب المسلمة عفة وطهارة ونقاء:***
إن الآيات التي تدعو إلى الحجاب هي في الحقيقة تدعو إلى الغفاف وتحض عليه ، قال الله تعالى: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) [الأحزاب:53]. وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) [الأحزاب:59]، وهكذا نجد أن حجاب المرأة المسلمة بالإضافة إلى كونه صيانة لها فهو وسيلة من وسائل إشاعة العفة والفضيلة في المجتمع.

**عفة الفرج سبيلك إلى الجنة:***
قال الله تعالى في وصف المؤمنين المفلحين أهل الجنة: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:5- 11].
وقال النبي صَلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله ...". منهم: "رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال، فقال: إني أخاف الله". وقال صَلى الله عليه وسلم: "من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة".

**العفة نجاة من المهالك:***
ففي حديث الثلاثة الذين انسد عليهم باب الغار فتوسلوا إلى الله بصالح أعمالهم توسل أحدهم بعفته وتركه الزنا مع قدرته عليه ففرج الله عنهم.

**المبادرة إلى الزواج:***
إن من أهم أسباب العفة الزواج، ولهذا حثَّ النبي صَلى الله عليه وسلم شباب أمته على المبادرة إليه وعدم التأخير: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغضُّ للبصر، وأحصن للفرج...". بل إن الله وعد على لسان نبيه صَلى الله عليه وسلم من تزوج يريد العفاف بالمعونة: "ثلاثة حقٌ على الله عونهم: الناكح الذي يريد العفاف".

**العفة تحفظ المجتمع وتحميه:***
نعم؛ فإن من عفَّ عن المحارم عفَّ أهله "عفُّوا تعفَّ نساؤكُم..." ولك أن تتخيل حالة مجتمع تشيع فيه روح الفضيلة.. كيف يتآزر أبناؤه ويتحابون وينتشر فيه الأمن، وتحفظ فيه الأنساب.
ثم انظر إلى الصورة المقابلة إلى المجتمعات التي ضعفت فيها صيانة الأعراض كيف تعيش حالة من الخوف وقلة الأمن واختلاط الأنساب وانتشار الخنا والخيانات، والجزاء من جنس العمل.
وقد ضرب السلف أروع الأمثلة.. في العفة نذكر منها على سبيل المثال:

**قصة عبيد بن عمير رحمه الله وامرأة من مكة:***
ذكر أبو الفرج ابن الجوزي أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها: أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟ قال: نعم. قالت: مَنْ؟ قال: عبيد بن عمير، قالت: فائذن لي فيه فلأفتننه، قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية في المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أَمَةَ الله استتري، فقالت: إني قد فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاكِ ليقبض روحك أكان يسركِ أن أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أُدخلتِ قبركِ، وأجلستِ للمسألة أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا كتبهم، ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت الممر على الصراط، ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين، أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: فلو جيء بالميزان، وجيء بك، فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يسرك أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: اتقي الله، فقد أنعم عليك وأحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها. فقال: ما صنعتِ؟ قالت: أنت بطالٌ ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة.[روضة المحبين (340)].
فيا أيها الحبيب إذا أردت أن تذوق حلاوة الإيمان، وأن تعيش حميدا موفور الكرامة مُصان العرض فكن عفيفا.

ماهر السيد

Post: #1024
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:42 AM
Parent: #1023

إن العدل هو ميزان الله الذي وضعه للخلق، ونصبه للحق؛ فهو إحدى قواعد الدنيا التي لا انتظام لها إلا به، ولا صلاح فيها إلا معه.
والعدل يدعو إلى الألفة، ويبعث على الطاعة، به تعمر البلاد وتنمو الأموال، ومعه يكبر النسل، ويأمن السلطان. ولهذا قيل: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام.
قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: "العدل نظام كل شيء، فإذا أقيم أمر الدنيا بعدل قامت وإن لم تكن لصاحبها في الآخرة من خلاق. ومتى لم تقم بعدلٍ لم تقم وإن كان لصاحبها من الإيمان ما يجزى به في الآخرة".
وقال: " إن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال ، والظلم محرم لا يباح بحال."

ولما كان العدل بهذه المكانة السامية والمنزلة العالية والمكانة الرفيعة، رأينا الشريعة المطهرة تأمر به وتعلي من شأنه وتحث عليه.
قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ)[النساء:135]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
ونجد هنا أمرًا من الله تعالى للمؤمنين أن يكون العدل خلقًا من أخلاقهم، وسجية من سجاياهم؛ وذلك لأن صيغة (قوَّام) هي صيغة مبالغة، تدل على أن العدل من الأخلاق المتمكنة فيه، وفي نصٍ كُلِّي جامع يقول الله عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل:90)

**بعض المجالات التي يدخل فيها العدل:***
إننا مطالبون بالعدل في كل شيء، لكننا نشير هنا إلى بعض مجالات العدل، ومنها:

**( أ ) الولاية على الناس***: فيجب أن نتبع فيها قواعد العدل، ومن العدل فيها: إعطاء المستحقين ومنع غيرهم، وإتاحة الفرص لجميع الأفراد بحسب كفاياتهم.
ومن العدل فيها: إسناد الأعمال إلى أهلها القادرين على القيام بها.
ولهذا كان من الذين يظلهم الله في ظله: "إمامٌ عادل".

(**ب) القضاء***: ويكون بالفصل بين الخصماء على أساس العدل لا على المحاباة، والتسوية بين الخصوم في مجلس القضاء، وإقامة الحدود والجزاءات والقصاص.
يقول الله تعالى: (وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) [النساء:58].
وقال الرسول الله r: "إذا حكمتم فاعدلوا..".
ويقول صلى الله عليه وسلم: " القضاة ثلاثة: واحد في الجنة واثنان في النار،فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضى به ، ورجل عرف الحق فجار في الحكم ، فهو في النار..."

**(ج) الشهادة***: ويكون العدل فيها بأن يشهد بما رأى أو سمع فإن شهد بما يخالف ذلك فهو شاهد زور: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا..) [الأنعام:152].
وقال الله : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً) (الفرقان:72)

**(د) معاملة الزوجات***: بأن يعطي كلاً منهنَّ نصيبها من النفقة والسكن والمبيت، وقد حذر النبي صَلى الله عليه وسلم من ترك العدل بين الزوجات: "من كانت له امرأتان فمال إلى إحداهنَّ جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل".
**(هـ) معاملة الأولاد***: وذلك بأن يسوي بينهم في العطية والتربية، وغير ذلك مما يملكه الإنسان. قال صَلى الله عليه وسلم: "اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم".

إن هذه المجالات التي سبق الإشارة إليها ليست إلا نماذج وأمثلة لما يكون فيه العدل، وإلا فإن المسلم مطالب بالعدل في أموره كلها، بل إنه مطالب بالعدل حتى مع أعدائه: (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى:15].

وحين أرسل النبي صَلى الله عليه وسلم عبد الله بن رواحة يخرص على أهل خيبر ثمارهم وزروعهم، أرادوا رشوته، فقال: " والله لقد جئتكم من عند أحب الخلق إليّ ولأنتم أبغض إلي من أعدادكم من القردة والخنازير وما يحملني حبي إياه، وبغضي لكم على أن لا أعدل فيكم، فقالوا: بهذا قامت السموات والأرض".

إننا كمسلمين حين نلتزم بالعدل خلقًا وسلوكًا ومنهج حياة، فإننا نشيع الأمن والطمأنينة، ونعمل على رفاهية مجتمعاتنا.
كما إننا بالعدل نبين للآخرين عظمة الإسلام وسموه، فيرغبون في التعرف على هذا الدين والدخول فيه، كما حدث مع السابقين، فاللهم ارزقنا العدل في الرضا والغضب.
ماهر السيد

Post: #1025
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:45 AM
Parent: #1024

الرحمة خلق النجاة

إنه خُلق نادر في دنيا الناس، فالأرض تئنُّ من قسوة كثير من ساكنيها، انتشرت الجرائم والرذائل، كثر القتل وعظم الدمار، مئات، بل آلاف الأطنان من القنابل الفتاكة تنزل على رؤوس البشر، فتقتل الشيخ في بيته، والعابد في مسجده ،والفلاح في حقله، والعامل في مصنعه، وتقتل الرضيع في أحضان أمه..
ماذا جرى؟ ما السبب؟
إنه غياب الرحمة.
مع أن الرحمة في الحقيقة كمالٌ في التكوين الفطري للإنسان، لكنه حين انحرف عن منهج الله أصيب في فطرته، مما جعله محتاجًا لتذكيره بأهمية هذه الصفة وهذا الخلق.

**أخي: هل تحب أن يرحمك الله؟***
إذًا ارحم خلقه، فقد قال رسول الله صَلى الله عليه وسلم: "ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء".
إن أهل الجنة هم من كانوا في الدنيا يرحمون الخلق ويرقون لهم: "أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجل رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال".
إن من عظمة الإسلام وكمال الشريعة أن أمر أتباعه بالرحمة، الرحمة بالناس، بالمسلمين، بالكافرين، بل بالحيوانات. قال الله عز وجل: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]. وهذه أمثلة:

**الرحمة بالأرملة والمسكين والبنات:***
قال نبي الرحمة صَلى الله عليه وسلم: "الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله". رحم الضعفاء من الناس فرحمه الله وأعلى درجته.
وقالت ؟عائشة - رضي الله عنها - :جَاءتْنِي مِسْكِينَةٌ تَحْمِلُ ابْنَتَيْنِ لَهَا، فَأَطْعَمْتُهَا ثَلاَثَ تَمَرَاتٍ فَأَعْطَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا تَمْرَةً، وَرَفَعَتْ إِلَىَ فِيهَا تَمْرَةً لِتَأْكُلُهَا، فَاسْتَطْعَمَتْهَا ابْنَتَاهَا، فَشَقَّتِ التَّمْرَةَ، الَّتِي كَانَتْ تُرِيدُ أَنْ تَأْكُلَهَا بَيْنَهُمَا، فَأَعْجَبَنِي شَأْنُهَا، فَذَكَرْتُ الَّذِي صَنَعَتْ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّ الله قَدْ أَوْجَبَ لَهَا بِهَا الْجَنَّةَ، أَو أَعْتَقَهَا بِهَا مِنَ النَّارِ". أوجب لها الجنة برحمتها بناتها.

**الرحمة بالصغار: ***
قَبَّلَ النبيّ صلى اللّه عليه وسلم الحسنَ بن عليّ رضي اللّه عنهما وعنده الأقرعُ بن حابس التميمي. فقال الأقرعُ: إن لي عشرةً من الولد ما قبّلتُ منهم أحداً، فنظرَ إليه رسولُ اللّه صلى اللّه عليه وسلم ثم قال: "مَنْ لا يَرْحَمُ لا يُرْحَمُ".
وقدم ناس من الأعراب على رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم فقالوا: أتقبلون صبيانكم؟ فقال: "نعم" قالوا: لكنا والله ما نقبل. فقال: "أو أملك أن كان اللَّه نزع من قلوبكم الرحمة".
فهل تتعامل مع أولادك هذه المعاملة الراقية؟ هل تلاعبهم؟ هل ترحمهم؟

**الرحمة بالمسلمين كافة:***
لقد وصف الله عز وجل مجتمع المسلمين بأنه يتراحم ويواسي بعضهم بعضًا: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الفتح:29].
"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، مَثَلُ الْجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَىَ مِنْهُ عُضْوٌ، تَدَاعَىَ لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى".
فهل نحن كذلك حقًّا؟ هل نتراحم؟ هل نكظم غيظنا؟ هل نعفو ونصفح؟ وكلها من مظاهر الرحمة.

**الرحمة بالحيوان:***
روى البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "عذبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت جوعا، فدخلت فيها النار، لا هي أطعمتها وسقتها، إذ هي حبستها، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض".
وعن أبي هريرة رَضي الله عنه أن الرسول صَلى الله عليه وسلم قال: "بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشي بِطَرِيقِ، اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ، فَوَجَدَ بِئْراً فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ، ثُمَّ خَرَجَ، فَإذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرىَ مِنَ الْعَطَشِ. فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي، فَنَزَلَ الْبِئْرَ فَمَلأَ خُفَهُ مَاءً، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفَيْهِ حَتَّىَ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ، فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَإنَّ لَنَا فِي هَذِهِ الْبَهَائِمِ لأَجْراً؟ فَقَالَ: "فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ".
ما أروع هذا الشمول الذي تتمتع به تعاليم الإسلام!!
امرأة تعذب بسبب قسوة قلبها تجاه هرة، ورجل يغفر له بسبب رحمته كلبا.
إن الرحمة الإيمانية لتمد ظلالها وراء حدود الإنسان لتشمل حتى الحيوانات...
نسأل الله أن يجعلنا من عباده الرحماء .
ماهر السيد

Post: #1026
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:46 AM
Parent: #1001

الغضب جمرة من الشيطان

من الحق الذي لا مراء فيه أن ضبط النفس عند الاندفاع بعوامل الغضب بطولة لا يستطيعها إلا قوي الإيمان، عالي الهمة، قوي الإرادة، إذ ليس من السهل إذا غضب الإنسان أن يضبط نفسه، ويكف غضبه، ويكظم غيظه، ويمتنع عن الانتقام ممن أغضبه.
ولذلك جعل النبي صَلى الله عليه وسلم البطولة ضبط النفس من الاندفاع بعوامل الغضب: "ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب".
لقد كان العرب يطلقون على بطل المصارعة الذي يغلب الناس عند مصارعتهم [صرعة]، وكانوا يعظمون شأنه، فرأينا رسول الله صَلى الله عليه وسلم يحول هذا الإعجاب إلى البطل الحقيقي، أتدرون من هو؟ اقرأوا هذا الحديث بتدبر، فقد قال صَلى الله عليه وسلم: "ما تعدون الصرعة فيكم؟" قالوا: الذي لا تصرعه الرجال. فقال:" لكنه الذي يملك نفسه عند الغضب".

آفات الغضب و أضراره
إن الغضب هو مفتاح كل شر، فمن ذلك:

- أنه يورث العبد العدوات والأحقاد التي تنغص عيشه وتكدر صفوه، ثم إنه يفتح الباب لتحكم الشيطان في الغضبان فيجعله يفعل ويتكلم بما يندم عليه إذا انطفأت نيران غضبه.
قال مجاهد رحمه الله: "قال إبليس لعنه الله: ما أعجزني بنو آدم، فلن يعجزوني في ثلاث: إذا سكر أحدهم أخذنا بخزامته فَقُدناه حيث شئنا، وعمل لنا بما أحببنا. وإذا غضب قال بما لا يعلم، وعمل بما يندم...".

- ومن آفات الغضب أنه يُلجئ صاحبه إلى الاعتذار، قال بعض الحكماء: إياك وعزة الغضب، فإنها تفضي إلى ذل الاعتذار.
وقال الشاعر:
وإذا ما اعتراك في الغضب العزَّ ةُ فاذكر تذلُّلَ الاعتذارِ
ولو نظر الغضبان إلى صورة نفسه حال غضبه لأحس ببشاعة الغضب.

- ثم إن استحكام الغضب باب من أعظم الأبواب التي يلجُ الناسُ منها النار.
قال بعض الحكماء: من أطاع شهوته وغضبه قاداه إلى النار.
وقال ابن القيم رحمه الله: دخل الناس النار من ثلاثة أبواب: باب شبهة أورثت شكًّا في دين الله، وباب شهوة أورثت تقديم الهوى على طاعته ومرضاته، وباب غضب أورث العدوان على خلقه.
ولقد رأينا كيف دلَّ رسول الله صَلى الله عليه وسلم أمته على كلِّ خير وحذَّرها من كلِّ شرٍّ، ومن أعظم الشرور التي حذَّر منها صَلى الله عليه وسلم: الغضب.

وهنا يثور سؤال: هل كل الغضب مذموم؟
والجواب: أن الغضب منه ما هو مذموم، ومنه ما هو محمود. فالمذموم ما كان في غير الحق، والمحمود ما كان لله وفي جانب الدين والحق.
فالناس يتفاوتون في قوة الغضب على درجات:
الأولى: درجة التفريط بحيث يكون لا حميَّة له، فهذا مذموم؛ لأنه يثمر ثمرات مُرَّة من الذل وصغر النفس وضعف الغيرة.
الثانية: الإفراط، ويكون بغلبة الغضب، بحيث يخرج عن سياسة العقل والدين، ولا يبقى مع الشخص بصيرة ولا نظر ولا اختيار، وهي درجة مذمومة بكل حال.
الثالثة: الاعتدال؛ وهو المحمود فينبعث حيث تجب الحمية والأنفة وينطفئ حيث يحسن الحلم.

علاج الغضب:
إذا اشتعلت نيران الغضب، وهاجت رياحه، فإنه يعالج بأمور نجملها في النقاط التالية:
1- أن يتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فقد قال النبي صَلى الله عليه وسلم: "إني لأعلم كلمة لو قالها لذهب عنه ما يجد! لو قال: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم". وذلك لما استبَّ رجلان، فغضب أحدهما حتى احمر وجهه وانتفخت أوداجه.

2- أن يتحول عن الحال التي كان عليها، فإن كان قائمًا جلس، وإن كان جالسًا اضطجع.

3- الوضوء، فإن الغضب من الشيطان، والشيطان من النار وإنما تطفأ النار بالماء.

4- أن يتذكر قدرة الله عليه، وحاجة العبد إلى عفو ربه، فلا يأمن إن أمضى عقوبته بمن قدر عليه أن يمضي الله غضبه عليه يوم القيامة.

5- أن يذكر ثواب العفو وكظم الغيظ، (وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [آل عمران:134]. (فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ) [الشورى: من الآية40].

6- أن يتفكر في آفات الغضب التي سبق الحديث عنها في بداية المقال.

7- أن يسأل ربه أن يرزقه الحلم، وكظم الغيظ، وسعة الصدر. وأن يدرب نفسه على تحمل الأذى، والتحلي بمكارم الأخلاق؛ "إنما الحلم بالتحلُّم".

8- أن يطالع سيرة المصطفى صَلى الله عليه وسلم والصالحين من أمته الذين تأسوا به، فما كانوا يغضبون إلا لله وهم في غضبهم مأجورون.
نسأل الله أن يقينا شر الغضب وأن يوسع صدورنا ويحسن أخلاقنا ، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

والحمد لله رب العالمين.
ماهر السيد

Post: #1027
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:48 AM
Parent: #1001

مجاهدة النفس .. سبيل السعادة

الإنسان في هذه الحياة الدنيا يعيش حالة من الصراع مع أعداء ظاهرين، وآخرين لا يراهم، وربما كانوا أشد فتكًا به من أعدائه المشاهدين؛ ولذا فإنه لا بد أن يكون دائمًا متيقظًا حذرًا.
وإن أعدى أعداء المرء نفسه التي بين جنبيه فإنها تحثه على نيل كل مطلوب والفوز بكل لذة حتى وإن خالفت أمر الله وأمر رسوله، والعبد إذا أطاع نفسه وانقاد لها هلك، أما إن جاهدها وزمها بزمام الإيمان، وألجمها بلجام التقوى، فإنه يحرز بذلك نصرًا في ميدان من أعظم ميادين الجهاد. قال رسول الله r: "ألا أخبركم بالمؤمن؟ من أمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله، والمهاجر من هجر الخطايا والذنوب". [الصحيحة: 549].

فجهاد النفس إذاً من أفضل أنواع الجهاد، قال ابن بطال:
"جهاد المرء نفسه هو الجهاد الأكمل، قال تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)[النازعـات:40]. ويقع بمنع النفس عن المعاصي، وبمنعها من الشبهات، وبمنعها من الإكثار من الشهوات المباحة لتتوفر لها في الآخرة".

مراتب مجاهدة النفس:
قال بعض الأئمة: وجهاد النفس أربع مراتب: حملها على تعلم أمور الدين، ثم حملها على العمل بذلك، ثم حملها على تعليم من لا يعلم، ثم الدعاء إلى توحيد الله، وقتال من خالف دينه وجحد نعمه.

عدة المجاهدة
والمسلم وهو يجاهد نفسه لابد له من عُدَّة يتسلح بها، وأقوى الأسلحة التي يستخدمها المسلم في مجاهدة نفسه، سلاح الصبر؛ فمن صبر على جهاد نفسه وهواه وشيطانه غلبهم وجعل له النصر والغلبة، وملك نفسه فصار ملكًا عزيزاً، ومن جزع ولم يصبر على مجاهدة ذلك غُلب وقُهر وأُسر، وصار عبدًا ذليلاً أسيرًا في يد شيطانه وهواه كما قيل:

إذا المرء لم يَغْلِبْ هواه أقامهُ.. ... ..بمنزلةٍ فيها العزيز ذليلُ

كان زياد بن أبي زياد - مولى ابن عياش - يخاصم نفسه في المسجد يقول: أين تريدين؟ أين تذهبين؟ أتخرجين إلى أحسن من هذا المسجد؟ انظري إلى ما فيه، تريدين أن تبصري دار فلان ودار فلان؟
وكان يقول لنفسه: ما لك من الطعام غير هذا الخبز والزيت، وما لك من الثياب غير هذين الثوبين، وما لكِ من النساء غير هذه العجوز، أفتحبين أن تموتي؟ قال: فقالت: أنا أصبر على هذا العيش.

وانظر إلى مالك بن دينار رحمه الله، وهو يطوف في السوق، فإذا رأى الشيء يشتهيه قال لنفسه: اصبري؛ فوالله ما أمنعك إلا من كرامتك عليَّ.
فهذه أمثلة من مجاهدة الصالحين لأنفسهم، يظهر فيها جليًّا استعانتهم بالصبر في هذا الميدان.

سوء الظن بالنفس

ومما يعين على تهذيب النفس ومجاهدتها سؤ الظن بها، فإن الإنسان إذا عرف نفسه حقيقة لم يركن إليها، ولم ينقد لها، بل أساء بها الظن، وكيف يحسن الإنسان الظن بعدوٍ لدود يتربص به لينقض عليه: (إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي) [يوسف:53].
وقد كان من وصايا الصديق رَضي الله عنه للفاروق حين استخلفه: إن أول ما أحذرك نفسك التي بين جنبيك.

ومن أعظم أسباب الإعانة على المجاهدة: الدعاء والالتجاء إلى الله تعالى، والاستعانة بالصلاة.
عن ربيعة الأسلمي رضَي الله عنه قال: "كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: سَلْ. فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ. قَالَ: "أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ؟ قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: "فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ".

إن مجاهدة النفس باب عظيم من أبواب الخير، فإن وفق العبد فيه فاز وربح ربحًا لا خسارة بعده أبدًا، وإن عجز وغُلب خسر خسرانًا عظيمًا.
قال الرسول صَلى الله عليه وسلم: "إنّ الشّيْطَانَ قَعَدَ لابْنِ آدَمَ بِأَطْرُقِهِ فَقَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الإسْلاَمِ فَقَالَ: تُسْلِمُ وَتَذَرُ دِينَكَ وَدِينَ آبَائِكَ وَآبَاءِ أَبِيكَ فَعَصَاهُ فَأَسْلَمَ ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْهِجْرَةِ فَقَالَ: تُهَاجِرُ وَتَدَعُ أَرْضَكَ وَسَمَاءَكَ وَإنّمَا مَثَلُ الْمُهَاجِر كَمَثَلِ الْفَرَسِ فِي الطّوَلِ [الحبل]؟ فَعَصَاهُ فَهَاجَرَ، ثُمّ قَعَدَ لَهُ بِطَرِيقِ الْجِهَادِ فَقَالَ: تُجَاهِدُ؟ فَهُوَ جَهْدُ النّفْسِ وَالْمَالِ فَتُقْتَلُ؛ فَتُنْكَحُ الْمَرْأَةُ وَيُقْسَمُ الْمَالُ؟ فَعَصَاهُ فَجَاهَدَ".
قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ، وَإنْ غَرِقَ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ، أَوْ وَقَصَتْهُ دَابّتُهُ كَانَ حَقّا عَلَى اللّهِ أَنْ يُدْخِلَهُ الْجَنّةَ".
فهيا أيها الأحبة نجاهد أنفسنا على تعلُّم دين الله والعمل به والدعوة إليه، والجهاد في سبيله، لعلنا نكون من الفائزين.
ماهر السيد

Post: #1028
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:51 AM
Parent: #1027

المنّ صفة البخيل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله واصحابة ومن والاه. أما بعد :
**معنى المن ***
المن يطلق على القطع والانقطاع ومنه قوله تعالى (فلهم أجر غير ممنون) (التين :6) أي غير مقطوع ، ويطلق أيضا على اصطناع خير ، والمنة هى النعمة الثقيلة ، ومن ذلك قوله تعالى (لقَََد منَّ الله على المؤمنين) (آل عمران 164) وقد تكون المَّنة بالقول ، وذلك مستقبح فيما بين الناس إلا عند كفران النعمة .

**بعض الآيات الواردة فى المن ***
من صور المن التي وردت بذمها الآيات ، ما جاء فى قوله تعالى: (ولا تمنن تستكثر (المدثر (6) وقوله تعالى: (وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء:22)
وقوله تعالى:(يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (الحجرات:17)
وقوله تعالى: ( ياأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى)(البقرة: من الآية264) .
وقال القرطبي رحمه الله:" المنُّ غالباً يقع من البخيل والمُعجب, فالبخيل تعظم في نفسه العطية وإن كانت حقيرة في نفسها, والمعجب يحمله العجب على النظر لنفسه بعين العظمة وأنه مُنعم بماله على المُعطَى, وإن كان أفضل منه في نفس الأمر, وموجب ذلك كله الجهل, ونسيان نعمة الله فيما أنعم به عليه, ولو نظر مصيره لعلم أن المنة للآخذ لما يترتب له من الفوائد".

والمنَّ عموماً يحتمل تفسيرين: أحدهما إحسان المحسن غيرَ معتَدّ بالإحسان, يقال: لحقت فلاناً من فلان منّةٌ, إذا لحقته نعمةٌ باستنقاذٍ من قتل أو ما أشبهه. الثاني منَّ فلانٌ إذا عظَّم الإحسانَ وفخر به وأبدأ فيه وأعاد حتى يفسِده ويُبغّضه, فالأول حسن (ويدخل فيه كل صور المن من الله تعالى) والثاني قبيح وهو الذي يأتي على معنى التقرير للنعمة والتصريح بها أو أن يتحدث بما أعطى حتى يبلغ ذلك المُعطي فيؤذيه, والمن حينئذ من الكبائر.

**بعض الأحاديث الواردة في ذم المنّ.***
عن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة: المنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة, والمنفق سلعته بالحلف الفاجر، والمسبل إزاره" رواه مسلم. وعن ابن عمر- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لا ينظر الله - عز وجل- إليهم يوم القيامة, العاق لوالديه والمرأة المترجلة والديوث, وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه والمدمن على الخمر والمنان بما أعطى" رواه النسائي, وقال الألباني حديث صحيح.
وعن عبد الله بن أبي أوفي إن أناسا من العرب قالوا: يا رسول الله أسلمنا ولم نقاتلك كما قاتلك بنو فلان, فأنزل الله : (يمنون عليك إن أسلموا)(الحجرات :17) أخرجه ابن المنذر والطبراني وابن مرذويه بسند حسن, وعن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" لا يدخل الجنة , خِبٌّ (الخادع الغاش), ولا منان, ولا بخيل"(رواه الترمذي, وقال حسن غريب).

**معنى لا يدخل الجنة منان***
وردت أخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ثابتة من جهة النقل , و جهل معناها فرقتان: فرقة المعتزلة والخوارج احتجوا بها وادعوا أن مرتكب الكبيرة إذا مات قبل التوبة منها مخلد في النار محرم عليه الجنة, والفرقة الأخرى المرجئة كَفَرَت بهذه الأخبار وأنكرتها ودفعتها جهلاً بمعانيها , كما أوضح ابن خزيمة وذكر أن معني هذه الأخبار إنما هو على أحد معنيين، أحدهما: لا يدخل الجنة أي بعض الجنان, إذ النبي صلى الله عليه وسلم قد أعلم أنها جنان من الجنة واسم الجنة واقع على كل جنة منها.. والمعنى الثاني إن كل وعيد في الكتاب والسنة لأهل التوحيد فإنما هو على شريطة : إلا أن يشاء الله تعالى أن يغفر ويصفح ويتكرم ويتفضل فلا يعذب على ارتكاب تلك الخطيئة , قال تعالى:(إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) (النساء :11)
كما قالت طائفة من العلماء إن مثل هذا الوعيد في حق الموحدين ربما قصد به أن أهله لن يدخلوا الجنة مع أول من يدخلها بل يتأخرون وقد يعذبون في النار لكن مصيرهم في النهاية إلى الجنة لتوحيدهم.

**بعض الآثار وأقوال العلماء في ذم المن***
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لا يدخل الجنة منان, فشق ذلك عليّ حتى وجدت في كتاب الله في المنان: (لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) (البقرة:264) وفي تفسير قوله تعالى: (إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون) (المطففين (15). قال أبو مُليكة الزماري: المنان والمختال الذي يقطع بيمينه أموال الناس.وعن الضحاك في قوله تعالى:(يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى)(البقرة :264) قال: من أنفق نفقة ثم منّ بها أو آذى الذي أعطاه النفقة حبط عليه أجره فضرب الله مثله صفوان عليه تراب فأصابه وابل فلم يدع من التراب شيئا فكذلك يمحق الله أجر الذي يعطي صدقة ثم يمن بها كما يمحق المطر ذلك التراب.

**أخي الحبيب***
إن المن يستجلب غضب الله سبحانه ويستحق المانّ الطرد من رحمته جل وعلا، وهو يوغر الصدور ويحبط الأعمال وينقص الأجر وقد يذهب به بالكلية ويحرم صاحب هذه الآفة من نعمة نظر الله وكلامه معه يوم القيامة .
فإياك إياك أن تكون منانا فإن المن صفة البخلاء.
د.سعيد عبد العظيم

Post: #1029
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:53 AM
Parent: #1028

سلامة الصدر طريقك إلى الجنة
الحمد لله ب العالمين والصلاة والسلام على والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين..وبعد
فقد حرص الإسلام حرصًا شديدًا على تأليف قلوب أبناء الأمة بحيث تشيع المحبة وترفرف رايات الألفة والمودة، وتزول العداوات والشحناء والبغضاء والغل والحسد والتقاطع . ولهذا امتن الله على المؤمنين بهذه النعمة العظيمة فقال: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) [آل عمران:103].

بل امتن على نبيه صلَى الله عليه وسلم بأن أوجد له طائفة من المؤمنين تألفت قلوبهم: (هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ) [الأنفال:62، 63].
وحتى تشيع الألفة والمودة لابد من سلامة الصدور، ونقصد بسلامة الصدور طهارتها من الغل والحقد والبغي والحسد.
والحديث عن هذه القضية وهذا الخلق حديث مهم وتذكير لابد منه في وقت انشغل أكثر الناس بالظواهر واستهانوا بأمر البواطن والقلوب مع أن الله تعالى لا ينظر إلى الصور ولا إلى الأجساد، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، ولأن الله تعالى قد علَّق النجاة يوم القيامة بسلامة القلوب: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88، 89].
والقلب السليم هو القلب السالم من الشرك والغل والحقد والحسد وغيرها من الآفات والشبهات والشهوات المهلكة.
ثم إن رسول الله صَلى الله عليه وسلم يقول: "لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانًا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام" [البخاري].

فضل سلامة الصدر ومنزلتها عند الله تعالى:

يا صاحب القلب السليم أنت من صفوة الله المختارة
فقد سألوا رسول الله صَلى الله عليه وسلم عن أفضل الناس، فقال: "كل مخموم القلب صدوق اللسان". قالوا: صدوق اللسان نعرفه؛ فما مخموم القلب؟ قال: "التقي النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد".

ثم نقول: إن سلامة الصدر سببٌ من أعظم أسباب قبول الأعمال الصالحة

قال صلى الله عليه وسلم:
"تعرض الأعمال كل يوم اثنين وخميس، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئٍ لا يشرك بالله شيئًا، إلا امرءً كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: أنظروا هذين حتى يصطلحا". فانظر كم يضيع على نفسه من الخير من يحمل في قلبه الحقد والحسد والغل؟!!

سلامة الصدر طريق إلى الجنة:
فأول زمرة تدخل الجنة: "...لا اختلاف بينهم ولا تباغض، قلوبهم على قلب رجل واحد.." [البخاري].
وقصة عبد الله بن عمرو مع ذلك الرجل الذي قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم: "يطلع عليكم الآن رجل من أهل الجنة" معروفة فقد عاشره عبد الله ثلاث ليال فلم يجده كثير التطوع بالصلاة أو الصيام فسأله عن حاله فقال الرجل: "ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي لأحدٍ من المسلمين غشًا ولا أحسُد أحدًا على خير أعطاه الله إياه".
فأعلنها ابن عمرو صريحة مدوية :هذه التي بلغت بك...
وقد أخبر الله تعالى عن حال أهل الجنة فقال:
(وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ) [لأعراف:43]. (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ) [الحجر:47].

الله يمدحهم:
( وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:9، 10].
فهيا إخواني وأخواتي نطهر قلوبنا من الحقد والغل والحسد حتى نسعد بصحبة الأبرار الصالحين، ونفوز بالقرب من رب العالمين، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخبر عن عبادٍ ليسوا بأنبياء ولا شهداء، يغبطهم النبيون والشهداء، على مجالسهم وقربهم من الله، فلما سئل عنهم أخبر أنهم أُناس لم تصل بينهم أرحام متقاربة.. لكنهم تحابوا في الله، وتصافوا..
فهلا سلمت صدورنا للمسلمين وصفت؟

أثرها على الفرد والمجتمع:
يفوز صاحب الصدر السليم بكل الفضائل التي سبق الحديث عنها والنتيجة المباشرة هي:
· راحة البال والبعد عن الهموم والغموم.
· اتقاء العداوات.
أما بالنسبة للمجتمع فإنه يكون مجتمعًا متماسكًا متراصًا متكاتفًا ترفرف عليه رايات المحبة والإخاء ويصدق عليهم قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "مثل المؤمين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحمى". [صحيح مسلم].
أنا أريد أن تتأمل معي هاتين الآيتين لتعرف قيمة سلامة الصدر بالنسبة للمجتمع: (إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) [آل عمران:120]، (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا) [الأنفال:46].
فأعداء الأمة لن ينالوا منها مايريدون طالما ظل أبناؤها متحابين متماسكين سليمي الصدور غير متنازعين.

أمثلة من حياة الصالحين:
هذا سيد ولد آدم أجمعين عليه صلوات رب العالمين، يذهب إلى الطائف عارضًا نفسه على وجهائها وأهلها، فلم يجبه منهم أحد، فانطق مهمومًا، وإذا هو بسحابة قد أظلته فيها جبريل، ومعه ملك الجبال فناداه ملك الجبال: "إن الله قد سمع قول قومك لك وأنا ملك الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين [جبلا مكة] فقال صاحب الصدر السليم صَلى الله عليه وسلم: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا".
فأي صبر وسلامة صدر هذا !!!.
ثم تأمل حاله صَلى الله عليه وسلم حين ضربه قومه فأدموه (أسالوا دمه) فمسح الدم وهو يقول: "اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون".
واستحضر معي حالة المشركين معه صلى الله عليه وسلم في مكة وقد آذوه وسعوا في قتله حتى خرج من بين أظهرهم وكان الأمر كما أخبر الله عز وجل : (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) (الأنفال:30)
فلما مكن الله له ودخل مكة فاتحا ما انتقم ولا آذى بل قال لقومه:
"لا تثريب عليكم اليوم".
والأمثلة من حياته صَلى الله عليه وسلم كثيرة، ننصح بقراءة سيرته.

نبي الله يوسف عليه السلام:
وقصته مع إخوته أنموذج رائع لسلامة الصدر فبعد أن ألقوه في الجب وفرقوا بينه وبين أبيه ودخوله السجن إلى غير ذلك مما هو معروف مكن الله له وجعله على خزائن مصر فلما ترددوا عليه وعرفوه قالوا:
(تَاللَّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللَّهُ عَلَيْنَا وَإِنْ كُنَّا لَخَاطِئِينَ). فما كان منه إلا أن قَال: ( لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). ما حمل غلا.
ثم لما جاء أبوه مع اخوته: (وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) (يوسف:100)
فلم يقل أخرجني من الجب كي لا يُخجلهم (وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ)، ولم يقل رفع عنكم الجوع والحاجة حفظًا للأدب معهم. (مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي) فأضاف ما جرى إلى السبب ولم يضفه إلى المباشر (إخوته).

ثم تأمل معي موقف الصِّدِّيقُ - رضي الله عنه - مع مسطح بن أثاثة إذ كان الصديق ينفق على مسطح فلما كانت حادثة الإفك كان مسطح ممن خاضوا فيها فأقسم الصديق ألا ينفق على مسطح فأنزل الله قوله تعالى: (وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (النور:22)
فما كان من الصديق إلا أن أعاد النفقة على مسطح.

وهذا خالد بن الوليد رضي الله عنه في أوج انتصاراته وهو قائد الجيش يأتيه خبر عزل الفاروق له فما تكلم بما يدل على سخطه ولاترك ساحات القتال بل ظل مجاهدا كجندي من جند المسلمين بعد أن كان قائدهم.

ثم استمع إلى ابن عباس رضي الله عنهما وهو يقول :
"إني لأسمع أن الغيث قد أصاب بلدًا من بلدان المسلمين فأفرح به، ومالي به سائمة".

أما أبو دجانة رضي الله عنه فقد دُخل عليه وهو مريض فرأوا وجهه يتهلل (منور) فكلموه في ذلك فقال: "ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى كان قلبي سليمًا للمسلمين".

أماعُلبة بن زيد
فإنه لما دعا النبي صلى الله عليه وسلم إلى النفقة ولم يجد ما ينفقه بكى وقال: "اللهم إنه ليس عندي ما أتصدق به، اللهم إني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض، ثم أصبح مع الناس. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : "أين المتصدق بعرضه البارحة؟" فقام عُلبة رَضي الله عنه، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم : "أبشر فوالذي نفسُ محمد بيده لقد كُتبت في الزكاة المتقبلة".

وانظر إلى الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله يُضرب ويُعذَّب على يد المعتصم، وحين أخذوه لمعالجته بعد وفاة المعتصم وأحسَّ بألمٍ في جسده قال: "اللهم اغفر للمعتصم".
سبحان الله!! يستغفر لمن كان سببًا في ألمه. إنه منطق عظيم لا تعرفه إلا الصدور التي حملت قلوبًا كبيرة عنوانها: **سلامة الصدر.***
وهل أتاك نبأ الشيخ ابن باز - رحمه الله - مع ذلك الرجل من الخرج؟
فقد تولى الشيخ القضاء في مدينة الخرج وجاءه رجل في قضية فسب الرجل الإمام ابن باز رحمه الله،وشاع الخبر في المدينة وخرج الشيخ إلى الحج ،وبينما كان الشيخ في الحج مرض الرجل ومات، فلما قُدِّم الرجل ليُصلَّى عليه، أبى الإمام الصلاة عليه بسبب سبه للشيخ ابن باز، وصلَّى غيره، فلما رجع الشيخ وأُخبر الخبر عاتب الإمام جدًّا على فعله، ولم يرض ما صنع، ثم إنه سأل عن قبر الرجل فأتاه وصلَّى عليه ودعا له.
فأين نحن من هؤلاء؟!!.

الأسباب المعينة على سلامة الصدر:
1- الدعاء

فإنه من أعظم الأساب لتحقيق المقصود ، وكان من دعاء نبينا صلى الله عليه وسلم :(وأسألك قلبًا سليمًا)، فمن رزق الدعاء فإن الإجابة معه. كما أثنى الله على المؤمنين لدعائهم:(وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا).

2- حُسن الظن وحمل الكلمات والمواقف على أحسن المحامل:
قال عمر: لا تظن بكلمة خرجت من أخيك المؤمن شرًّا، وأنت تجد لها في الخير محملاً.
وقال الشافعي: من أراد أن يقضي له الله بخير فليحسن ظنه بالناس.
ولما دخل عليه أحد إخوانه يعوده قال: قوّى الله ضعفك ،فقال الشفعي رحمه الله: لو قوى ضعفي لقتلني،قال الزائر :والله ما أردت إلا الخير،فقال الإمام: أعلم أنك لو سببتني ما أردت إلا الخير.

3- التماس الأعذار وإقالة العثرات والتغاضي عن الزلات:
- التمس لأخيك سبعين عذرًا.
- يقول ابن سيرين: إذا بلغك عن أخيك شيء فالتمس له عذرًا فإن لم تجد فقل :لعل له عذرًا لا أعرفه.
- يا أخي من المعصوم من الخطأ والزلات؟ قال بعضهم:الفتوة التجاوز عن زلات الإخوان.
- تذكَّر سوابق إحسانه فإنه مما يعين على التماس العذر وسلامة الصدر واعلم أن الرجل من عُدَّت سقطاته.
- استحضر أن المؤمن يلتمس المعاذير، والمنافق يلتمس العثرات.

4- ادفع بالتي أحسن..
ليس هذا من العجز، بل من القوة والكياسة قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34).

5- البعد عن الغيبة والنميمة وتجنب كثرة المزاح.
6- معاملة النمام بما يستحقه فهو[فاسق - هماز مشاء بنميم - بريد الشيطان].
7- الهدية والمواساة بالمال فإنها من دواعي المحبة.
8- الإيمان بالقدر ، فإن العبد إذا آمن أن الأرزاق مقسومة مكتوبة رضي بما هو فيه ولم يجد في قلبه حسدا لأحد من الناس على خير أعطاه الله إياه.
9- أخيرا تذكر حال النبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشكر ربه على النعم التي أنعم بها حتى على غيره من الخلق حين يصبح وحين يمسي.
رزقنا الله وإياكم صدورا سليمة لا تحمل غلا ولا حسدا ولا حقدا.
ماهر السيد

Post: #1030
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:56 AM
Parent: #1001

إن الله يحب الأتقياء الأخفياء الأبرار، الذين إذا غابوا لم يُفتقدوا وإذا حضروا لم يُعرفوا، مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة، فاحرص على طاعة الله، فإن ظهر أمرك واشتهر حالك فعش حياة العبودية لربك، واصرف هذا الظهور فيما يقربك من مولاك، وإلا فكن واحدا من هؤلاء الأفاضل، واعلم أن الله سبحانه مطلع ورقيب، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه...{ يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد } المجادلة: 6

حدير وما أدراكم ما حدير
أورد ابن الجوزي في صفة الصفوة رواية عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعث جيشا فيهم رجل يقال له: حدير وكانت تلك السنة قد أصابتهم سَنَة [ شدة ] من قلة الطعام، فزودهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونسي أن يزود حديراً، فخرج حديرٌ صابراً محتسباً وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله والله أكبر والحمد لله وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب' فهو يرددها وهو في آخر الركب.
قال: فجاء جبريل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: إن ربي أرسلني إليك يخبرك أنك زودت أصحابك ونسيت أن تزود حديراً وهو في آخر الركب يقول: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب. قال: فكلامه ذلك له نور يوم القيامة ما بين السماء والأرض، فابعث إليه بزاد.
قال: فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلا فدفع إليه زاد حدير وأمره إذا انتهى إليه حفظ عليه ما يقول، وإذا دفع إليه الزاد حفظ عليه ما يقول، ويقول له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرئك السلام ورحمة الله، ويخبرك أنه كان نسي أن يزودك وإن ربي تبارك وتعالى أرسل إليّ جبريل يذكرني بك، فذكره جبريل وأعلمه مكانك.
قال: فانتهى إليه وهو يقول: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله ولا حول ولا قوة إلا بالله، ويقول: نعم الزاد هو يا رب.
قال: فدنا منه ثم قال له: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم يقرئك السلام ورحمة الله وقد أرسلني إليك بزاد معي ويقول:إني نسيتك فأرسل إلي جبريل من السماء يذكرني قال: فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: الحمد لله رب العالمين ذكرني ربي من فوق سبع سماوات ومن فوق عرشه ورحم جوعي وضعفي، يا رب كما لم تنس حديراً فاجعل حديراً لا ينساك.
قال فحفظ ما قال ورجع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره بما سمع منه حين أتاه وبما قال حين أخبره، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أما إنك لو رفعت رأسك إلى السماء لرأيت لكلامه ذلك نوراً ساطعا ما بين السماء والأرض".
نسي التاريخ حديرا ونسي أن يحفظ لنا اسم أبيه وأمه، ومن أي قبيلة هو؟ وفي أي عام ولد؟ وفي أي عام مات؟ وكيف مات؟ لكن ربه لم ينسه، ذلك بأن ربك لا ينسى أولياءه المتقين وإن نساهم الناس، ويعرف أولياءه الصالحين وإن جهلهم الناس:{ عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال } الرعد:9

عمير بن سعد نسيج وحده
ابن شهيد بن قيس بن النعمان بن عمرو, الأنصاري الأوسي, العبد الصالح الأمير, صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم.
روى ابن إسحاق , عن عاصم بن عمر بن قتادة , عن عبد الرحمن بن عمير بن سعد , قال لي ابن عمر : ما كان من المسلمين رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أفضل من أبيك .
وروى هشام, عن ابن سيرين: كان عمير بن سعد يعجب عمر ; فكان من عجبه به يسميه: نسيج وحده.
ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء عن عبد الملك بن هارون بن عنترة: حدثنا أبي, عن جدي: أن عمير بن سعد, بعثه عمر على حمص ; فمكث حولا لا يأتيه خبره. فكتب إليه: أقبل بما جبيت من الفيء. فأخذ جرابه وقصعته, وعلق إداوته, وأخذ عنزته, وأقبل راجلا. فدخل المدينة, وقد شحب, واغبر, وطال شعره. فقال: السلام عليك يا أمير المؤمنين. فقال: ما شأنك ؟ قال: ألست صحيح البدن, معي الدنيا ! فظن عمر أنه جاء بمال, فقال: جئت تمشي ؟ قال نعم. قال: أما كان أحد يتبرع لك بدابة ؟ قال: ما فعلوا, ولا سألتهم. قال: بئس المسلمون ! قال: يا عمر, إن الله قد نهاك عن الغيبة. فقال: ما صنعت ؟ قال: الذي جبيته وضعته مواضعه, ولو نالك منه شيء, لأتيتك به. قال: جددوا لعمير عهدا. قال: لا عملت لك ولا لأحد.
وذهب إلى منزله على أميال من المدينة. فبعث عمر رجلا بمائة دينار, وقال: انزل بعمير كأنك ضيف, فإن رأيت أثر شيء فأقبل ، وإن رأيت حالا شديدة فادفع إليه هذه المائة. فانطلق, فرآه يفلي قميصه. فسلم. فقال له عمير: انزل. فنزل. فساءله, وقال: كيف أمير المؤمنين ؟ قال: ضرب ابنا له على فاحشة, فمات .
فنزل به ثلاثا, ليس إلا قرص شعير يخصونه به, ويطوون. ثم قال: إنك قد أجعتنا. فأخرج الدنانير, فدفعها إليه. فصاح, وقال: لا حاجة لي بها, ردها عليه. قالت المرأة: إن احتجت إليها, وإلا ضعها مواضعها. فقال: ما لي شيء أجعلها فيه. فشقت المرأة من درعها, فأعطته خرقة, فجعلها فيها ، ثم خرج يقسمها بين أبناء الشهداء.
وأتى الرجل عمر ; فقال: ما فعل بالذهب ؟ قال: لا أدري. فكتب إليه عمر يطلبه. فجاء, فقال: ما صنعت الدنانير ؟ قال: وما سؤالك ؟ قدمتها لنفسي. فأمر له بطعام وثوبين. فقال: لا حاجة لي في الطعام ; وأما الثوبان, فإن أم فلان عارية. فأخذهما, ورجع.
فلم يلبث أن مات... وذكر سائر القصة.
ويقال: زهاد الأنصار ثلاثة: أبو الدرداء, وشداد بن أوس, وعمير بن سعد.
أولئك أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم - كانوا أنقى هذه الأمة قلوبا، وأكثرها علما، وأقلها تكلفا، أولئك هم الأتقياء الأخفياء علت همتهم فلم تتلاعب بهم الدنيا، ولا تطلعوا لمال أو منصب أو جاه، لقد كانت حياتهم ترجمة لمعاني الرضا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد - صلى الله عليه وسلم - نبياً، لسان حالهم ومقالهم { وعجلت إليك رب لترضى } طه: 84 عاشوا بالإسلام وللإسلام، مشوا بأرجلهم على الأرض وقلوبهم معلقة بخالق الأرض والسماوات.

الأتقياء الأخفياء قوم استقاموا على كتاب الله وعلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان تعاملهم مع الله في عسرهم ويسرهم ومنشطهم ومكرههم، ولذلك كرهوا الشهرة، فعن حبيب بن أبي ثابت قال: خرج ابن مسعود ذات يوم فاتبعه ناس فقال لهم: ألكم حاجة؟ قالوا: لا ولكن أردنا أن نمشي معك. قال: ارجعوا فإنه ذلة للتابع وفتنة للمتبوع. وقال: لو تعلمون ما أعلم من نفسي حثيتم على رأسي التراب.
لقد حرص الأتقياء الأخفياء على الإخلاص في العمل والصدق مع الله حتى قال أهل المدينة: ما فقدنا صدقة السر حتى مات علي بن الحسين. وكان عمل الربيع كله سرا، وإن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف فيغطيه بثوبه، وما رئي متطوعا في مسجد قومه إلا مرة واحدة، وكان رحمه الله يقول: كل ما لا يبتغى به وجه الله عز وجل يضمحل.

وأتقى الخلق لله هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم بقية أولي العزم من الرسل [ نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ] عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، ثم بقية المرسلين، ثم أبو بكر وعمر وعلي وسائر العشرة المبشرين بالجنة ثم أصحاب بيعة الرضوان وبيعة العقبة وأهل بدر وأحد، ثم سائر الصحابة - رضي الله عنهم أجمعين - وكل صحابي أفضل من كل من جاء بعده.
ثم سرعان ما تغير الحال وتبدل وأطلت الغربة برأسها وظهرت البدع، وتطلع الناس إلى المال والجاه والسلطان، وطلبوا الشهرة، ولو على حساب دينهم، وانبهروا بالمشاهير من الكفرة الفجرة، وعز وجود الأتقياء الأخفياء، فتباعدوا بذلك عن معاني الكرامة الحقيقية { إن أكرمكم عند الله أتقاكم } الحجرات: 13 وصاروا راضين بالدنيا مؤثرين للحطام الفاني على ما عند الله تعالى، فما أحرانا اليوم أن نعود إلى سيرة هؤلاء الأتقياء الأخفياء، ونطالع أقوالهم وأفعالهم.
**فكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف***

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " كم من أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره ، منهم البراء بن مالك". [ رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه وصححه الألباني]
عن سهل بن سعد الساعدي قال :مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلٌ فقال النبي صلى الله عليه وسلم :"ما تقولون في هذا الرجل؟" قالوا " نقول هذا من أشرف الناس، هذا حري إن خطب أن يخطب، وإن شفع أن يشفع، وإن قال أن يسمع لقوله، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ومر رجل آخر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :ما تقولون في هذا ؟ قالوا نقول والله يا رسول الله :هذا من فقراء المسلمين، هذا حري إن خطب لم ينكح ، وإن شفع لا يشفع ، وإن قال لا يسمع لقوله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:" لهذا خير من ملء الأرض مثل هذا".[البخاري وغيره].

**أويس القرني***
هو القدوة الزاهد, سيد التابعين في زمانه أبو عمرو, أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني.
وقرن بطن من مراد, وفد على عمر وروى قليلا عنه , وعن علي .
وقد كان من أولياء الله المتقين ومن عباده المخلصين.
روى مسلم عن أسير بن جابر , قال : كان عمر بن الخطاب , إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم : أفيكم أويس بن عامر ؟ حتى أتى على أويس فقال : أنت أويس بن عامر ؟ قال : نعم . قال : من مراد ثم من قرن ؟ قال : نعم . قال : فكان بك برص , فبرأت منه إلا موضع درهم ؟ قال : نعم قال : ألك والدة ؟ قال نعم . قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد اليمن من مراد ثم من قرن , كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم , له والدة , هو بها بَرّ , لو أقسم على الله لأبره , فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" ؛ فاستغفر لي . قال : فاستغفر له . فقال له عمر : أين تريد ؟ قال : الكوفة . قال : ألا أكتب لك إلى عاملها ؟ قال : أكون في غبراء الناس أحب إليّ , قال : فلما كان من العام المقبل , حج رجل من أشرافهم , فوافق عمر , فسأله عن أويس , فقال : تركته رث الهيئة , قليل المتاع . قال : سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول : يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن , من مراد ثم من قرن , كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم , له والدة هو بها بر , لو أقسم على الله لأبره , فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل فأتى أويسا فقال : استغفر لي , قال : أنت أحدث عهدا بسفر صالح , فاستغفر لي . قال : استغفر لي . قال : لقيت عمر ؟ قال : نعم . قال : فاستغفر له , قال : ففطن له الناس , فانطلق على وجهه , قال أسير : وكسوته بردة . وكان كل من رآه قال : من أين لأويس هذه البردة ؟..

**علي بن الحسين ***
ابن الإمام علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف , السيد الإمام, زين العابدين , الهاشمي العلوي , المدني. وأمه أم ولد , اسمها سلامة (سلافة) بنت ملك الفرس يزدجرد , وقيل : غزالة . ولد في سنة ثمان وثلاثين . ظنا .
وحدث عن أبيه الحسين الشهيد , وكان معه يوم كائنة كربلاء وله ثلاث وعشرون سنة , وكان يومئذ موعوكا فلم يقاتل , ولا تعرضوا له , بل أحضروه مع آله إلى دمشق , فأكرمه يزيد , ورده مع آله إلى المدينة.
قال ابن سعد : هو علي الأصغر , وأما أخوه علي الأكبر , فقتل مع أبيه بكربلاء . وكان علي بن الحسين ثقة مأمونا , كثير الحديث ، عاليا ، رفيعا ورعا .
روى ابن عيينة , عن الزهري , قال : ما رأيت قرشيا أفضل من علي بن الحسين .
عن هشام بن عروة , قال : كان علي بن الحسين يخرج على راحلته إلى مكة ويرجع لا يقرعها , وكان يجالس أسلم مولى عمر , فقيل له : تدع قريشا , وتجالس عبد بني عدي ! فقال : إنما يجلس الرجل حيث ينتفع .
وعن عبد الرحمن بن أردك -يقال هو أخو علي بن الحسين لأمه- قال : كان علي بن الحسين يدخل المسجد , فيشق الناس حتى يجلس في حلقة زيد بن أسلم , فقال له نافع بن جبير : غفر الله لك , أنت سيد الناس , تأتي تتخطى حتى تجلس مع هذا العبد , فقال علي بن الحسين : العلم يُبتغَى ويُؤتَى ويطلب من حيث كان .
عن الزهري : لم أدرك من أهل البيت أفضل من علي بن الحسين .
عن مالك , قال : لم يكن في أهل البيت مثله , وهو ابن أمة .
عن يحيى بن سعيد : سمعت علي بن الحسين -وكان أفضل هاشمي أدركته- يقول : يا أيها الناس , أحبونا حب الإسلام , فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا .

عن الزهري , قال : حدثت علي بن الحسين بحديث , فلما فرغت قال : أحسنت ! هكذا حدثناه ; قلت : ما أراني إلا حدثتك بحديث أنت أعلم به مني ; قال : لا تقل ذاك , فليس ما لا يعرف من العلم ؛ إنما العلم ما عرف , وتواطأت عليه الألسن .
وقيل : إن رجلا قال لابن المسيب : ما رأيت أورع من فلان . قال : هل رأيت علي بن الحسين ؟ قال : لا . قال : ما رأيت أورع منه .
وعن أبي نوح الأنصاري , قال : وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد , فجعلوا يقولون : يا ابن رسول الله النار . فما رفع رأسه حتى طفئت . فقيل له في ذلك فقال : ألهتني عنها النار الأخرى .

عن عبد الله بن أبي سليمان , قال : كان علي بن الحسين إذا مشى لا تجاوز يده فخذيه ولا يخطر بها , وإذا قام إلى الصلاة , أخذته رعدة , فقيل له , فقال : تدرون بين يدي مَنْ أقوم ومَنْ أناجي ؟ !
وعنه, أنه كان إذا توضأ اصفرّ.
عن سفيان : حج علي بن الحسين , فلما أحرم , اصفر وانتفض ولم يستطع أن يلبي , فقيل : ألا تلبي ؟ قال : أخشى أن أقول : لبيك , فيقول لي : لا لبيك . فلما لبى , غشي عليه , وسقط من راحلته .
فلم يزل بعض ذلك به حتى قضى حجه .

عن مالك : أحرم علي بن الحسين , فلما أراد أن يلبي , قالها , فأغمي عليه , وسقط من ناقته , فهشم . ولقد بلغني أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة إلى أن مات . وكان يسمى زين العابدين لعبادته .
وعن حجاح بن أرطاة , عن أبي جعفر , أن أباه قاسم الله تعالى ماله مرتين . وقال : إن الله يحب المذنب التوَّاب .
عن أبي حمزة الثمالي , أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة , ويقول : إن الصدقة في سواد الليل تُطفِئ غضب الرب .

عن محمد بن إسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون , لا يدرون من أين كان معاشهم , فلما مات علي بن الحسين فقدوا ذلك الذي كانوا يؤتون بالليل .
عن عمرو بن ثابت : لما مات علي بن الحسين , وجدوا بظهره أثرا مما كان ينقل الجرب بالليل إلى منازل الأرامل .
وقال شيبة بن نعامة : لما مات علي وجدوه يعول مائة أهل بيت .
وقال بعضهم : ما فقدنا صدقة السر , حتى توفي علي .

عن علي بن موسى الرضا قال: حدثنا أبي عن أبيه , عن جده , قال علي بن الحسين : إني لأستحيي من الله أن أرى الأخ من إخواني , فأسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدنيا , فإذا كان غدا قيل لي : لو كانت الجنة بيدك لكنت بها أبخل وأبخل .
قال أبو حازم المدني : ما رأيت هاشميا أفقه من علي بن الحسين ; سمعته وقد سئل : كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فأشار بيده إلى القبر , ثم قال : بمنزلتهما منه الساعة . رواها ابن أبي حازم عن أبيه .

عن جعفر بن محمد , عن أبيه , قال : جاء رجل إلى أبي فقال : أخبرني عن أبي بكر ؟ قال له : عن الصديق تسأل ؟ قال : وتسميه الصديق ؟ ! قال : ثكلتك أمك , قد سماه صديقا من هو خير مني ، رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمهاجرون , والأنصار , فمن لم يسمه صديقا , فلا صدق الله قوله , اذهب فأحب أبا بكر وعمر وتولهما , فما كان من أمر ففي عنقي .
وعنه , أنه أتاه قوم فأثنوا عليه فقال : حسبنا أن نكون من صالحي قومنا .

عن علي بن الحسين , قال : إن الجسد إذا لم يمرض أشر , ولا خير في جسد يأشر .
عن علي بن الحسين , قال : فقد الأحبة غربة . وكان يقول : اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي , وتقبح في خفيات العيون سريرتي ; اللهم كما أسأتُ وأحسنتَ إليَّ ; فإذا عدتُ , فعد عليَّ .

قال زيد بن أسلم ; كان من دعاء علي بن الحسين : اللهم لا تكلني إلى نفسي فأعجز عنها , ولا تكلني إلى المخلوقين فيضيعوني .
عن أبي يعقوب المدني , قال : كان بين حسن بن حسن وبين ابن عمه علي بن الحسين شيء , فما ترك حسن شيئا إلا قاله , وعلي ساكت , فذهب حسن , فلما كان في الليل أتاه علي , فخرج , فقال علي : يا ابن عمي إن كنت صادقا فغفر الله لي , وإن كنت كاذبا , فغفر الله لك , السلام عليك . قال : فالتزمه حسن , وبكى حتى رثى له .

وقيل : كان علي بن الحسين إذا سار في المدينة على بغلته , لم يقل لأحد : الطريق .. ويقول : هو مشترك ليس لي أن أنحي عنه أحدا .
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء كان له جلالة عجيبة , وحق له -والله- ذلك ؛ فقد كان أهلا للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وتألهه وكمال عقله . قد اشتهرت قصيدة الفرزدق وهي سماعنا -أن هشام بن عبد الملك حج قبيل ولايته الخلافة , فكان إذا أراد استلام الحجر زُوحِم عليه , وإذا دنا علي بن الحسين من الحجر تفرقوا عنه إجلالا له , فوجم لها هشام وقال : من هذا ؟ فما أعرفه(كأنه يتنكر له) . فأنشأ الفرزدق يقول :
هـذا الذي تعرف البطحاء وطأتـه والبيـت يعرفـه والحـل والحرم
هـذا ابـن خير عباد الله كلهــم هـذا التقي النقي الطاهر العلــم
إذا رأتــه قـريش قـال قائلهـا إلـى مكـارم هـذا ينتهي الكـرم
يكـاد يمســكه عرفـان راحتـه ركـن الحطيم إذا ما جاء يستلــم
يغضـي حياء ويغضـى من مهابته فمــا يكــلم إلا حـين يبتسـم
هـذا ابـن فاطمة إن كنت جاهلـه بجــده أنبيـاء اللـه قد ختمـوا
وهي قصيدة طويلة . قال : فأمر هشام بحبس الفرزدق , فحبس بعسفان , وبعث إليه علي بن الحسين باثني عشر ألف درهم وقال : اعذر أبا فراس . فردها وقال : ما قلت ذلك إلا غضبا لله ولرسوله. فردها إليه وقال : بحقي عليك لما قبلتها , فقد علم الله نيتك ورأى مكانك . فقبلها.
جعلنا الله من الأتقياء الأخفياء وحشرنا في زمرتهم.
اللهم إنا نحبهم فارض عنهم واحشرنا في زمرتهم يوم القيامة.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #1031
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:58 AM
Parent: #1001

طــول الأمــل

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله وعلي آله وصحبه ومن والاه ,أما بعد :
فإن من أعظم أمراض القلوب طول الأمل ،فما معناه؟وماهي أضراره؟ وكيف نتخلص منه؟

**معني طول الأمل:***
إن طول الأمل هو الاستمرار في الحرص علي الدنيا ومداومة الانكباب عليها مع كثرة الإعراض عن الآخرة.
وفي تفسير قوله تعالي : ( ويُلهِهِمُ الأَملُ ) [ الحجر : 3] يقول القرطبي -رحمه الله- : أي يشغلهم عن الطاعة ،و قال ابن حجر : وفي الأمل سر لطيف لأنه لولا الأمل ما تهني أحد بعيش ولا طابت نفسه أن يشرع في عمل من أعمال الدنيا ، وإنما المذموم منه الاسترسال فيه ، وعدم الاستعداد لأمر الآخرة ، فمن سلم من ذلك لم يكلف بإزالته ، وسبب طول الأمل الجهل وحب الدنيا .

**طول الأمل مذموم في القرآن***

تعددت في كتاب الله الآيات التي تذم طول الأمل ،وتنوعت الأساليب التي ينفر بها القرآن من ذلك الداء العضال والمرض الفتاك ، و من ذلك قوله تعالي : ( ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) [ الحجر : 2-3 ]وقوله سبحانه عن اليهود : ( ولتجدنهم أحرص الناس علي حياة ومن الذين أشركوا يود أحدهم لو يعمر ألف سنة وما هو بمزحزحه من العذاب أن يعمر والله بصير بما يعملون ) سورة البقرة : 96 ، وقوله تعالي frown emoticon قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين قال إن لبثتم إلا قليلاً لو أنكم كنتم تعلمون أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون ) [المؤمنون 112-115] وقال تعالي frown emoticon ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ) [الحديد: 16 ]

**و في سنة رسول الله***

لقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من الاسترسال مع الآمال الملهية عن طاعة رب العباد ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلي الله علية وسلم يقول : " لا يزال قلب الكبير شاباً في اثنين : في حب الدنيا ، وطول الأمل " [رواه البخاري] .
وعن أنس رضي الله عنه قال : خط النبي صلى الله عليه وسلم خطوطا فقال: " هذا الأمل وهذا أجله فبينما هو كذلك إذ جاءه الخط الأقرب " رواه البخاري .
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : خط النبي صلي الله علية وسلم خطاً مربعاً ، وخط خطاً في الوسط خارجاً عنه ، وخط خططاً صغاراً إلي هذا الذي في الوسط من جانبه الذي في الوسط ، وقال : " هذا الإنسان وهذا أجله محيطاً به ، أو قد أحاط به ، وهذا الذي هو خارج أمله ، وهذه الخطوط الصغار الأعراض ، فإن أخطأه هذا نهشه هذا ، وإن أخطأه هذا نهشه هذا" رواه البخاري . وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : أخذ رسول الله صلي الله علية وسلم بمنكبي فقال : " كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " ، وكان ابن عمر يقول : " إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء ، وخذ من صحتك لمرضك ، ومن حياتك لموتك " .[رواه البخاري .]

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلي الله علية وسلم لرجل وهو يعظه : " اغتنم خمساً قبل خمس : شبابك قبل هرمك ، وصحتك قبل سقمك ، وغناك قبل فقرك ، وفراغك قبل شغلك ، وحياتك قبل موتك ". [ رواه الحاكم وقال: علي شرط الشيخين ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي ] ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال " بادروا بالأعمال سبعاً هل تنتظرون إلا فقراً منسياً أو غني مطغياً أو مرضا مفسداً أو هرماً مفنداً أو موتا مجهزاً أو الدجال فشر غائب منتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمرُّ ؟!" رواه الترمذي وقال حديث حسن ولما سئل رسول الله صلي الله علية وسلم عن صحف موسي عليه السلام قال : " كانت عبراً كلها ، عجبت لمن أيقن بالموت ثم هو يفرح ، عجبت لمن أيقن بالنار ثم هو يضحك ، عجبت لمن أيقن بالقدر ثم هو ينصب ، عجبت لمن رأي الدنيا وتقلبها بأهلها ثم اطمأن إليها ، وعجبت لمن أيقن بالحساب غداً ثم لا يعمل " رواه البيهقي والبزار.

**والسلف يحذرون من طول الأمل***

علم السلف رضي الله عنهم حقيقة الدنيا وتعلقت قلوبهم بالآخرة ونصحوا لمن جاء بعدهم ، فحذروا من الركون إلى الدنيا والإعراض عن الآخرة.
قال علي رضي الله عنه : " إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوي وطول الأمل ، فأما اتباع الهوي فيصد عن الحق ، وأما طول الأمل فينسي الآخرة " وقال ابن مسعود رضي الله عنه : " لا يطولن عليكم الأمد ولا يلهينكم الأمل ، فإن كل ما هو آت قريب ، ألا وإن البعيد ليس آتيا " ، وقال سلمان الفارسي رضي الله عنه : " ثلاث أعجبتني حتى أضحكتني ، مؤمل الدنيا والموت يطلبه ، وغافل ليس يغفل عنه ، وضاحك ملء فيه ولا يدري أساخط رب العالمين عليه أم راض ؟ ".

ودخل رجل علي أبي ذر الغفاري رضي الله عنه فجعل يقلب بصره في بيته فقال : " يا أبا ذر ، أين متاعكم ؟! قال : إن لنا بيتاً نتوجه إليه ، فقال : " إنه لابد لك من متاع ما دمت ها هنا " ، فقال : إن صاحب المنزل لايدعنا هاهنا ".
وروي عن المسيح عليه السلام أنه قال : " من ذا الذي يبني علي موج البحر داراً ؟ تلكم الدنيا فلا تتخذونها قراراً " .
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته : " لا يطولن عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم وتنقادوا لعدوكم فإنه والله ما بسط أملاً من لا يدري لعله لا يصبح بعد مسائه ولا يمسي بعد صباحه ، وربما كانت بين ذلك خطفات المنايا " قال أبو محمد بن علي الزاهد : " خرجنا في جنازة بالكوفة وخرج فيها داود الطائي : فانتبذ وقعد ناحية وهي تدفن ، فجئت فقعدت قريباً منه فتكلم فقال : من خاف الوعيد قصر عليه البعيد ، ومن طال أمله ضعف عمله ، وكل ما هو آت قريب واعلم أن أهل الدنيا جميعاً من أهل القبور إنما يندمون علي ما يخلفون ويفرحون بما يقدمون فما ندم عليه أهل القبور, أهل الدنيا عليه يقتتلون ، وفيه يتنافسون وعليه عند القضاء يختصمون " وقال الغزالي : لقد قصم الموت رقاب الجبابرة ، وكسر ظهر الأكاسرة وقصر آمال القياصرة الذين لم تزل قلوبهم عن ذكر الموت نافرة ، حتى جاءهم الوعد الحق فأرداهم في الحافرة - فانظر هل وجدوا من الموت حصناً وعزاً ، وقال البعض: كم من مستقبل يوما لا يستكمله ومنتظر غداً لا يبلغه لو أدركتم الأجل ومسيره لأبغضتم الأمل وغروره ،وقالوا : كيف يفرح بالدنيا من يومه يهدم شهره ، وشهره يهدم سنته ، وسنته تهدم عمره ، وعمره يقوده إلي أجله ، وحياته تقوده إلي موته ".

وقيل لمحمد بن واسع : كيف تجدك؟ قال قصير الأجل ، طويل الأمل ، مسييء العمل.
و كتب رجل إلي أخ له : " إن الحزن علي الدنيا طويل ، والموت من الإنسان قريب ، وللنقص في كل يوم منه نصيب ، وللبلاء في جسمه دبيب ، فبادر قبل أن تنادي بالرحيل ، والسلام ".

**مضار طول الأمل***
إن طول الأمل يدفع إلي المعاصي ، ويبعد عن الطاعات ، وهو من أسباب انتهاك الحرمات والتعدي علي الآخرين وسلب حقوقهم ، فأثبت أجلك بين عينيك ، واستحي من الله حق الحياء.

**ما العلاج؟!!***

إن الجهل وحب الدنيا هما سبب طول الأمل فالعلاج يكمن في العلم بخطورة ومضار طول الأمل ، وقيمة طاعة الوقت وأن التسويف يورد صاحبه موارد الهلكة وأن العبد يجب أن يكون حيث أمره مولاه وأن يحذر أن يراه حيث نهاه. وينبغي أن يكون شعار الواحد منا كما كان شعار حاتم الأصم إذ يقول : "...وعلمت أن عملي لن يعمله غيري فأنا مشغول به , ورأيت الناس ينظرون إلي ظاهري والله ينظر إلي باطني فعلمت أن مراقبته أولي وأحرى , ورأيت الموت يأتي بغتة فقلت أبادره" .

والفارق كبير بين الرجاء وطول الأمل ، فمن رجا شيئاً طلبه ،ومن خاف شيئاً هرب منه فأين هذا من طول الأمل الذي آل بك لعدم الاستعداد لأمر الآخرة؟. وعلي العبد الذي يطلب العلاج أن يعرف حقيقة هذه الدار وأنها حقيرة وإلي كل نذل أميل، والأصل أن تلقاك بكل ما تكره فإذا لاقتك بما تحب فهو استثناء, دخل ابن السماك علي هارون الرشيد فقال له الرشيد : عظني- وكان بيده شربة ماء- فقال له: يا أمير المؤمنين لو حبست عنك هذه الشربة أكنت تفديها بملكك ؟ قال : نعم قال : يا أمير المؤمنين لو شربتها وحبست عن الخروج أكنت تفديها بملكك؟ قال : نعم، فقال له الأخير : فملك لا يساوي شربة ولا بولة , قال الفضيل ابن عياض : جعل الخير كله في بيت واحد وجعل مفتاحه الزهد في الدنيا، وجعل الشر كله في بيت واحد وجعل مفتاحه حب الدنيا.

وقيل :إن الدنيا مثل ظل الإنسان إذا طلبته فرّ وإن تركته تبعك،فقل لنفسك أين الأولون والآخرون؟ أين الذين ملأوا ما بين الخافقين فخراً وعزاً ؟ أين الذين فرشوا القصور حريراً وخزاً ؟ أين الذين تضعضعت لهم الأرض هيبة وعزا هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزاً ؟ أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلي ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا الأسري إلي مساكنهم ،لم ينفعهم ما جمعوا ولا أغني عنهم ما اكتسبوا ،أسلمهم الأحياء والأولياء، وهجرهم الإخوان والأصفياء، ونسيهم الأقرباء والبعداء ،وكأن الموت فيها علي غيرنا كتب وكأن الحق فيها علي غيرنا وجب وكأن الذي نشيع من الأموات سفر عما قريب إلينا راجعون ونأكل تراثهم كأنا بعدهم مخلدون.فيا قومنا: عمرٌّوا الدنيا بطاعة ربكم وأقيموا الحياة علي منهاج النبوة ولسان حالكم ينطق: (وعجلت إليك ربِّ لترضي) .
وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #1032
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 00:59 AM
Parent: #1001

الرضا جنة العارفين

قدم سعد بن أبي وقاص إلى مكة، وكان قد كُفَّ بصره، فجاءه الناس يهرعون إليه، كل واحد يسأله أن يدعو له، فيدعو لهذا ولهذا، وكان مجاب الدعوة. قال عبد الله بن السائب: فأتيته وأنا غلام، فتعرفت عليه فعرفني وقال: أنت قارئ أهل مكة؟ قلت: نعم.. فقلت له: يا عم، أنت تدعو للناس فلو دعوت لنفسك، فردَّ الله عليك بصرك. فتبسم وقال: يا بُني قضاء الله سبحانه عندي أحسن من بصري.
إنه الرضا الذي وطَّنوا أنفسهم عليه، بحيث صارت أقدار الله عز وجل أحبَّ إليهم من هوى أنفسهم، بل صاروا لا يهوون غيرها، حتى قال عمر بن عبد العزيز رحمه الله: ما لي هوىً في شيء سوى ما قضى الله عز وجل.
ومما يدل على علوِّ قدر الرضا أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل الله الرضا بالقضاء، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يسال ربه إلا أعلى المقامات.
إن الرضا هو الوقوف الصادق مع مراد الله، من غير تردد في ذلك ولا معارضة، وهذا مطلوب القوم السابقين، يقف العبد حيثما وقفه ربه لا يطلب تقدمًا ولا تأخرًا، وهذا يكون فيما يقفه فيه من مراده سبحانه الكوني الذي لا يتعلق بأمر ولا نهي، وأما إذا وقفه في مراد ديني فكماله بطلب التقدم فيه دائمًا.
وكان السلف رضي الله عنهم يتواصون بالرضا وتربية النفس عليه، لعلمهم بعلو منزلته، فهذا عمر الفاروق رضي الله عنه يكتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه فيقول: "أما بعد، فإن الخير كله في الرضا، فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر".
وكان من وصايا لقمان عليه السلام لولده: "أوصيك بخصال تقربك من الله وتباعدك من سخطه: أن تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وأن ترضى بقدر الله فيما أحببت وكرهت".
إن من وطَّن نفسه على الرضا عاش في الدنيا حياة طيبة، ولم تعرف الهموم والأكدار إلى قلبه سبيلاً، كيف وقد رضي الله عنه ورضي هو عن الله؟ إن الله عز وجل يقول : (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة..) وقد فسرها بعض السلف بأنها حياة الرضا والقناعة.
ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لزوجته عاتكة رضي الله عنهما: "والله لأسوأنك - وكان قد غضب عليها - فقالت: أتستطيع أن تصرفني عن الإسلام بعد إذ هداني الله له؟ قال: لا. قالت: فأيُّ شيء تسؤني به إذًا؟" تريد أنها راضية بمواضع القدر لا يسؤها منه شيء إلا صَرْفُها عن الإسلام ولا سبيل له إليه.

صحة الرضا عن الله بثلاثة شروط:
الأول: استواء النعمة والبلية عند العبد؛ لأنه يشاهد حُسنَ اختيار الله له. ومن هذا الباب ما حدث مع بعض السلف حين ابتلوا بالشدائد فصبروا لها، وظهر منهم الرضا.
فهذا عمر بن عبد العزيز يموت ولده عبد الملك فيدخل عليه سليمان بن الغاز معزيًّا، فيقول له عمر: "وأنا أعوذ بالله أن يكون لي محبةٌ في شيء من الأمور يخالف محبة الله، فإن ذلك لا يصلح لي في بلائه عندي وإحسانه إليَّ".
وعن إبراهيم النخعي: أن أم الأسود قُعدت من رجليها، فجزعت ابنة لها، فقالت: لا تجزعي، اللهم إن كان خيرًا فَزِدْ.
الثاني: سقوط الخصومة عن الخلق إلا فيما كان حقًّا لله ورسوله، فالمخاصمة لحظ النفس تطفئ نور الرضا وتُذهب بهجته، وتُبدِّل بالمرارة حلاوته، وتُكدِّر صَفْوه.
الثالث: الخلاص من الإلحاح في مسألة الخلق، قال الله تعالى: (يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) [البقرة:273].
وعن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من يتقبل لي بواحدة وأتقبل له بالجنة قال: قلت: أنا قال: لا تسأل الناس شيئاً". فكان ثوبان يقع سوطه وهو راكب فلا يقول لأحد: ناولنيه حتى ينزل فيتناوله.[رواه أحمد].

الرضا ذروة سنام الإيمان:
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: "ذروة سنام الإيمان أربع خلال: الصبر للحكم، والرضا بالقدر، والإخلاص للتوكل، والاستسلام للرب عز وجل.
وقال ابن القيم رحمه الله: الرضا من أعمال القلوب، نظير الجهاد من أعمال الجوارح، فإن كل واحد منهما ذروة سنام الإيمان.
منعه عطاء:
قال سفيان الثوري رحمه الله: مَنْعُه عطاء. وذلك أنه لم يمنع عن بُخل ولا عدم، وإنما نظر في خير عبده المؤمن، فمنعه اختيارًا وحُسْنَ نظر.
فإن الله عز وجل لا يقضي لعبده المؤمن قضاء إلا كان خيرًا له، ساءه القضاء أو سره. فقضاؤه لعبده المؤمن المنع عطاء، وإن كان صورة المنع، وبلاؤه عافية وإن كان في صورة بلية. ولكن لجهل العبد وظلمه لا يعد العطاء والنعمة والعافية إلا ما التذَّ به في العاجل، ولو رزق من المعرفة حظًا وافرًا لعدَّ جميع ما قضاه الله عز وجل وقدر نعمة وعطاء وعافية، وهذه كانت حال السلف. ولن يجد العبد حلاوة الإيمان إلا بهذا: "ذَاقَ طَعْمَ الإْيمَانِ مَنْ رَضِيَ بِالله رَبّا وَ باْلإِسْلاَمِ دِيناً وبِمُحَمّدٍ رَسُولاً".
فاللهم رضِّنا بقضائك وبارك لنا في قدرك، حتى لا نحب تعجيل شيء أخَّرته، ولا تأخير شيء عجلته.
ماهر السيد

Post: #1033
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:01 AM
Parent: #1001

الوهن داء الأفراد والأمم

أخبر الله عز وجل عن الأتباع الحقيقيين للرسل الذين جاهدوا معهم فأصابوا وأصيبوا، فلم يَفُتَّ في عضدهم ما أصابهم في سبيل الله وما لحقهم وَهَنٌ، ولا ضعف ولا استكانة، وهكذا ينبغي أن يكون شأن المؤمنين في كل زمان ومكان: (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (آل عمران:146)

وقد نهانا الله عن الوهن في قتال الأعداء مهما كان الألم الذي أصابنا في جهادهم: (وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) (النساء:104)

وقد قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا)[آل عمران:139]: أي لا تضعفوا ولا تجبنوا يا أصحاب محمد عن جهاد أعدائكم لما أصابكم.

أمة وعدها ربها بالنصر

والعجب العجاب أن يتسلل الضعف والوهن إلى أمة وَعَدَها ربَُها بالنصر على الأعداء والتمكين لها في الأرض إن هي عملت بكتاب ربها وسنة نبيها وجاهدت في سبيل الله، وفوق ذلك جعل كيد أعدائها واهنًا بفضله وكرمه: (ذَلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ) [الأنفال:18].
إن الوهن داء عضالٌ، إذا تمكن من الأفراد أو الأمم كان الذل والخزي من نصيبهم، وكانوا عرضة لسطوة أعدائهم وتسلطهم عليهم، بحيث يعيشون في هذه الحياة وكأنهم غير موجودين، بل يعيشون مسلوبي الإرادة، مهزومي النفوس، مشلولي الفكر. ولو نظرت في قصص الماضين لوجدت مصداق ذلك، فما استذلت أمة إلا بهذا.

انظر إلى فرعون الذي تصرف بكبر وتجبر حتى قال: (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى) [النازعـات:24]. وقال: (مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ)(غافر: من الآية29. إنه ما كان ليفعل ذلك لو لم يستضعف قومه، فقد كانوا يستأهلون ذلك لخفتهم وضعف إرادتهم: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ) [الزخرف:54].

إن الإسلام يزرع في قلوب أبنائه الاعتزاز بنعمة الإيمان والاستهانة بالدنيا وحبَّ التضحية في سبيل الله، ولو بالنفس، لكن إذا تبدلت هذه الأخلاق وسيطر الوهن على النفوس زالت الهيبة، وتجرأ على الأمة الأراذل كما هو حاصل الآن: "يُوشِكُ الأُمَمُ أنْ تُدَاعِيَ عَليْكُم كَمَا تُدَاعِيَ الأكَلَةُ إلَى قَصْعَتِهَا، فقالَ قَائِلٌ: وَمِنْ قِلّةٍ نَحْنُ يَوْمَئِذٍ؟ قالَ: بَلْ أنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثُيرٌ، وَلَكِنّكُم غُنَاءُ كَغُنَاءِ السّيْلِ، وَلَيَنْزِ عَنّ الله مِنْ صُدُورِ عَدُوكُمْ المَهَابَةَ مِنْكُمْ، وَلَيَقْذِفَنّ الله في قُلُوبِكُم الَوَهْنَ، فقالَ قَائِلٌ: يَا رَسُولَ الله وَمَا الْوَهْنُ؟ قالَ: حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِيَةُ المَوْتِ". [صحيح الجامع برقم:8035].
ومن مظاهر الوهن أن يلغي المرء عقله وأن يساير الناس وإن أخطأوا، وهذا الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم الإمعة: "لا تَكُونُوا إِمّعةً تَقُولُونَ إِن أَحْسَنَ النّاسُ أَحْسَنّا، وإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وإِنْ اسَاءُوا فَلاَ تَظْلمُوا". [الترمذي، وقال: حسن غريب].

إن الأسلاف رضي الله عنهم ما كانوا يعرفون الهزيمة بالمعنى يعرفه الكثيرون اليوم، فإنها اليوم تعني الانكسار، أما الأسلاف فإنهم وإن أصيبوا في موقعة استرجعوا وأخذوا الأهبة لغيرها: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) [آل عمران:173، 174].
أما عند تمكن الوهن من النفوس فإنها تستخزي ويستأسد عليها الأعداء؛ فعند هجوم التتار على بلاد المسلمين واستباحة البلاد والأعراض كان الوهن هو المسيطر على النفوس، حتى إن الفقهاء والعلماء لما ساروا في الناس يحثونهم على الجهاد ويرغبونهم في استنقاذ البلاد، ما قدَّم الناس أكثر من العويل والبكاء، حتى قال في ذلك أبو المظفر الأبيوردي:

مزجنا دمانا بالدموع السَّوَاجِم فلم يبق منا عُـرْضَةٌ للمَـرَاحِم
وشَرٌ سلاح المرء دمعٌ يُريقُه إذاالحرب شَبَّتْ نارُها بالصَّوارِمِ
فإيهًا بني الإسلام إنَّ وراءكم وقـائع يُلحقن الذُّرى بالمناسِـم
وكيف تنام العين مِلءَ جُفُونِها على هَفـَواتٍ أيقظت كُلَّ نَائـِم
وإخوانكم بالشام يُضْحي مَقيلُهُم ظهور المذاكي أو بطون القَشَاعِم
تسومهم الروم الهوانَ وأنتُمُ تَجُرُّون ذَيْلَ الخفض فِعْلَ المُسَالِمِ
وفيها يقول:

وبين اختلاس الطَّعْنِ والضَّرْبِ وقْفَة تظلُّ لها الولدانُ شِيبَ القوادِمِ

وتلك حروب من يغب عن غِمارها فيسلم ويقرع بعدها سِنَّ نادِمِ

سَلَلْنَ بأيدي المشركين قواضبًا ستُغمد منهم في الكُلَى والجماجِمِ

يكـاد لهـنَّ المستـجير بطيبةٍ ينادي بأعلى الصوت يا آل هاشِمِ

أرى أمتي لا يَشْرعون إلى العِدا رمَاحَهُمُ والدِّينُ واهي الدَّعَائِمِ

ويجتنبون النار خوفًا من الرَّدى ولا يحسبون العار ضربة لازم

أيرضى صناديد الأعاريب بالأذى ويُغضي على ذُلٍّ كماةُ الأعاجِمِ

فليتهموا إذ لم يذودوا حَمِيَةً عن الدِّين ضَنُّوا غَيرةً بالمحارِمِ

وإن زهدوا في الأجرإن حَمِيَ الوغى فهلاَّ أتوه رغبةً في المغانِمِ

نسأل الله الكريم بمنه أن يحفظ أمتنا من كل مكروه وسوء وأن يعافيها من الوهن.
إسلام ويب

Post: #1034
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:03 AM
Parent: #1001

الســخـريــة داء من الجاهلية

نهى المولى عز وجل عن السخرية بأنواعهاالمختلفة فقال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ... ) الآية الحجرات 11 قال الضحاك: نزلت فى وفد بنى تميم كانوا يستهزئون بفقراء الصحابة مثل عمار وخباب وبلال وصهيب وسلمان وسالم مولى أبى حذيفة وغيرهم لما رأوا من رثاثة حالهم فنزلت في الذين آمنوا منهم ". وقيل: نزلت في عكرمة بن أبى جهل حين قدم المدينة مسلما،ً وكان المسلمون إذا رأوه قالوا : ابن فرعون هذه الأمة فشكا ذلك إلى النبى صلى الله عليه وسلم فنزلت , وقيل نزلت فى ثابت لما عير رجلاً بأم له فى الجاهلية فاستحيا الرجل فنزلت .

قال القرطبي في تفسيرها: يقول تعالى ذكره :يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله لا يهزأ قوم مؤمنون من قوم مؤمنين عسى أن يكونوا خيراً منهم أى المهزوء منهم خير من الهازئين ، ولا نساء من نساء أي: ولا يهزأ نساء مؤمنات من نساء مؤمنات عسى المهزوء منهن أن يكن خيراً من الهازئات ".

وقال: إن الله عمَّ بنهيه المؤمنين عن أن يسخر بعضهم من بعض جميعَ معاني السخرية فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن لا لفقر ولا لذنب ركبه ولا لغير ذلك. وقال القرطبي وبالجملة فينبغي ألا يجترىء أحد على الاستهزاء بمن يقتحمه بعينيه إذا رآه رث الحال أو ذا عاهة فى بدنه أو غير لبيق فى محادثته فلعله أخلص ضميراً وأنقى قلباً ممن هو على ضد صفته فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله والاستهزاء بمن عظمه الله . ولقد بلغ بالسلف إفراط تَوَقِّيهم وتصونهم من ذلك أن قال عمرو بن شرحبيل : لو رأيت رجلا يرضع عنزا فضحكت منه لخشيت أن أصنع مثل الذى صنع , وعن عبد الله بن مسعود البلاء موكل بالقول لو سخرت من كلب لخشيت أن أحول كلبا . ا هـ

وفى تفسير قوله تعالى: ( فاتخذتموهم سخرياً حتى أنسوكم ذكري ) [المؤمنون 110 ] قال القرطبي " يستفاد من هذا التحذيرُ من السخرية والاستهزاء بالضعفاء والمساكين ، والاحتقار لهم ، والازدراء عليهم ، والاشتغال بهم فيما لا يعنى ، وأن ذلك مُبعِدٌ من الله عز وجل .
وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قلت للنبي صلى الله عليه وسلم : حسبك من صفية أنها كذا وكذا ـ تعني قصيرة ـ فقال : " لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته " قالت : وحكيت له إنساناً فقال ما أحب أني حكيت إنساناً وأن لي كذا وكذا ".[ رواه أبو داود والترمذى باسناد صحيح] . ولما سب أبو ذر رضي الله عنه رجلا فعيَّره بأمه قال له النبى صلى الله عليه وسلم: " يا أبا ذر أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية " [رواه البخاري].

وعن أم هانىء عن النبي صلى الله عليه وسلم فى قوله تعالى : " وتأتون فى ناديكم المنكر " [العنكبوت 29] قال: كانوا يخذفون( يحقرونهم وينبذونهم ) أهل الأرض ويسخرون منهم " [رواه أحمد والترمذى] .

وكان مشركوا مكة: أبو جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما يضحكون من عمار وصهيب وبلال وغيرهم من فقراء المؤمنين فنزلت الآيات: ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ... ) الاية [المطففين 29 ] وقيل: جاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه فى نفر من المسلمين فسخر منهم المنافقون وضحكوا وتغامزوا ثم رجعوا إلى أصحابهم فقالوا : رأينا اليوم الأصلع فضحكوا منه فنزلت هذه الآية قبل أن يصل علي رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم .

التهكم والتعيير نوع من السخرية
والتهكم نوع من السخرية وكذلك التعيير بالفقر أو الذنب أو العلة وما شابه ذلك ، ويدخل فى السخرية أيضاً التنابز بالألقاب , قال القرطبى رحمه الله تعالى : التنابز بالألقاب هو دعاء المرء صاحبه بما يكرهه من اسم أو صفة ، وعمَّ الله بنهييه ذلك ولم يخصص به بعض الألقاب دون بعض، وغير جائز لأحد من المسلمين أن ينبز أخاه باسم يكرهه أو صفة يكرهها.

ولما كانت آية السخرية ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم .. ) [الحجرات 11 ] - فيما يقوله أنس وابن زيد- في بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم عَيَّرن صفية بالقصر، وقيل: نزلت في عائشة رضي الله عنها أشارت بيدها إلى صفية ـ قائلة ـ: يا نبي الله إنها لقصيرة ، وقال عكرمة وابن عباس: إن صفية بنت حيي قالت: " يا رسول الله إن النساء يعيرننى ويقلن لى يا يهودية.." الحديث كل ذلك يدل على أن التنابز بالألقاب إنما هو داخل فى مفهوم السخرية ، ومن ثم يكون ذكر اللمز والتنابز بعد ذكر السخرية من قبيل ذكر الخاص بعد العام اهتماماً به .أ هـ
والهمزة الذي يهمز بلسانه واللمزة الذى يلمز بعينيه.
وقال ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذى جلساءه بسوء اللفظ ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه ويشير بعينه ورأسه وبحاجبيه.

الفرق بين السخرية والاستهزاء:
إن بين السخرية والاستهزاء فرقا من جهتين :
الأولى السخرية تكون بالفعل وبالقول، والهزء لا يكون إلا بالقول.
الثانية أن السخرية يسبقها عمل من أجله يسخر بصاحبه أما الأستهزاء فلا يسبقه ذلك. فالهزء يكون بالقول المصحوب بسوء النية، وهو إظهار الجد وإخفاء الهزل فيه. والسخرية والهزء من المحرمات ، قال السفاريني : وتحرم السخرية والهزء لقوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم ... ) الآية. ولنهييه صلى الله عليه وسلم عن ذلك فى مواضع عديدة .أ هـ.

السخرية وجراثيم العجب والكبر

إن السخرية لا تنبعث إلا من نفس ملوَّثة بجراثيم العُجْبِ والتكبُّر، فهي تعمل على إيذاء من حولها بدافع الشعور بالفوقية المتغلغلة في أعماقها المريضة. لقد استهان إبليس بآدم وسخر منه قائلاً: أنا خير منه، فباء بالخسارة والخذلان، ولو أنه أمعن النظر في صفات آدم لأدرك أنه يمتاز عليه بصفات كثيرة، إنها داء من أدواء الجاهلية يجب تجنبه والبعد عنه وخصوصا عند المشاحنة والخصومة ، وهى من سمات الكفار والمنافقين ومن شأنها أن تفكك عرى المجتمع ويكفى أنها مخالفة صريحة لأمر الله عز وجل , ومبعدة من رضوانه سبحانه , تنسي الإنسان ذكر ربه ونذير شؤم لصاحبها ومن أسباب حلول العذاب بالساخرين.
إسلام ويب

Post: #1035
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:05 AM
Parent: #1001

الكذب رأس كل خطيئة

إن الكذب هو رأس الخطايا وبدايتها، وهو من أقصر الطرق إلى النار،كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "وإيّاكم والكذِبَ، فإنّ الكَذِبَ يَهْدِي إلَى الفُجُورِ، وإِنّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النّارِ وَمَا يزَالُ العبْدُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرّى الكَذِبَ حَتّى يُكْتَبَ عِنْدَ الله كَذّابا".[رواه البخاري ومسلم].
والكذب إخبار بالشيء على خلاف ما هو عليه. وهو مذموم عند كل العقلاء، ولو لم يكن من مضاره إلا أنه يجعل صاحبه في ريبة لا يكاد يصدق شيئًا لكفى، كما قال بعض الفلاسفة: من عرف من نفسه الكذب لم يصدِّق الصادق فيما يقول، ثم إن من عرف بالكذب فإنه لا يكاد يُصَدَّق في شيء أبدًا، وإن صدق، بل إن سمع الناس بكذبةٍ ربما خرجت من غيره فإنهم ينسبونها إليه:
حسب الكذوب من البلـ ـية بعضُ ما يُحكى عليه
فمتى سمعت بكـذبة مـ ـن غـيره نـسبت إليـه

دواعي الكذب وأماراته:
للكذب دواعٍ تدعو إليه وأمارات تدل عليه، ولا شك أن معرفة هذه الدواعي وتلك الأمارات مما يساعد في محاولة العلاج؛ لأن الخُطوة الأولى في علاج أي مرض تنحصر في معرفة أسبابه وتحديد أعراضه، للقضاء عليها والتخلص منه، وقد ذكر الماوردي من هذه الدواعي أو الأسباب:
1- اجتلاب النفع واستدفاع الضر، فيرى الكذَّابُ أن الكَذِبَ أسلمُ وأغنمُ، فيُرخِّصُ لنفسه فيه اغتراراً بالخُدع واستشفافًا للطمع.

2- أن يُؤْثِرَ أن يكون حديثُهُ مُستعْذبًا، وكلامُهُ مُستظرفًا، فلا يجد صدقًا يعذُبُ ولا حديثًا يُستظرفُ، فيستحْلِيَ الكذب الذي ليست غرائُزُه مُعْوزَةً ولا طرائِفُهُ مُعجزَةً.

3- أن يقصد بالكذب التشفي من عدُوِّهِ، فيسمُهُ بقبائح يخترعُها عليه، ويصفُهُ بفضائح يَنْسبُها إليه.

4- أن تكون دواعي الكذب قد ترادفت عليه حتى ألفها، فصار الكذب له عادةً ونفسُهُ إليه مُنقادةً.

5- حُبَّ التَّرَأُسِ، وذلك أنَّ الكاذِبَ يرى له فضلاً على المُخبر بما أعلمَهُ، فهو يتشبَّهُ بالعالِمِ الفاضل في ذلك.
أما أمارات الكذب فمنها:
- أنك إذا لقنته الحديث تلقنه ولم يكن بين ما لقَّنُتَهُ (إياه) وبين ما أورده فرقٌ عِندَهُ، أي أنه يَخْلِطُ بين ما سمِعَهُ منك وما اخترَعَهُ من عِنْدِهِ.

- أنك إذا شكَّكْتَهُ في الحديث تشَكَّكَ حتى يكادُ يرجعُ فيه.

- أنك إذا رددت عليه قوله حَصِر وارْتَبَكَ، ولم يكن عندهُ نُصْرَةُ المُحتَجّين ولا بُرهان الصادقين.

- ما يظهر عليه من ريبة الكذَّابين، ولذلك قال بعض الحكماء: "الوجوه مرايا، تُريك أسرارَ البرايا". وإذا اتَّسم بالكذبِ، نُسبتْ إليه شواردُ الكذِبِ المجهولةِ (أي الشائعات وما في حُكمها)، وأضيفت إلى أكاذيبه زياداتٌ مُفْتَعَلَةٌ، حتَّى يصيرَ هذا الكاذبُ مكذُوبًا عليه، فيجمعُ بين معرَّةِ الكذب منه، ومضرَّةِ الكذب عليه.

أنواع الكذب:
الكذب أنواع متعددة، فمنه ما يكون في الأقوال، ومنه ما يكون في الأفعال، ومنه ما يكون في النِّيات.
أولاً: الكذب في الأقوال:
وهو أن يخبر بخلاف الصدق، وبخلاف الواقع، وهذا أيضًا أشكال متعددة، تتفاوت في الإثم بحسب كل شكل منها، فأعظمها وأكبرها إثما الكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. قال الله تعالى: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) [الأنعام:21].

ومن ذلك التحليل والتحريم، بحسب الأهواء، لا بحسب الشرع المنزل من عند الله، ولهذا عنَّف الله الكفار حين ادعوا أن ما شرعوه من عند أنفسهم هو الشرع الذي أوحى به الله: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) [النحل:116].وقال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (الشورى:21)
والنبي صلى الله عليه وسلم حذَّر من الكذب عليه، فقال: "مَنْ كَذَبَ عَليَّ مُتَعَمِّداً فَلْيَتَبَوأ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ" [صحيح الجامع الصغير:6519].

ثم يأتي بعد ذلك الكذب على المؤمنين، ومنه شهادة الزور التي عدَّها النبي صلى الله عليه وسلم من أكبر الكبائر، وكم وُجد في عصرنا هذا من باع دينه وضميره وشهد شهادة زور، فأضاع حقوق الناس أو رماهم بما ليس فيهم، طمعًا في دنيا أو رغبة في انتقام أو تشفٍّ.
ومنه الكذب في المزاح ليُضحك الناس، وقد جاء في الحديث: "وَيْلٌ لِلّذِي يُحَدّثُ فَيَكْذِبُ لِيُضْحِكَ بِهِ الْقَوْمَ، وَيْلٌ لَهُ، وَيْلٌ لَهُ". [رواه أحمد وأبو داود والترمذي وحسَّنه].

لا يكون المؤمن كذابا

ولا يُتصور في المؤمن أن يكون كذَّابًا؛ إذ لا يجتمع إيمانٌ وكذب، ولهذا لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم: "أيكون المؤمن كذَّابًا؟ قال: لا". مع أنه صلى الله عليه وسلم قد قرر أنه قد يكون بخيلاً أو جبانًا، لكن لا يكون كذَّابًا.
فإن الكذب في الحديث من علامات النفاق: "آيَةُ المُنافِقِ ثَلاثٌ: إذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أخْلَفَ، وَإِذَا ائْتُمِنَ خانَ".
والكذب ليس من شِيم الأكابر، بل هو من شِيم الأصاغر، الذين هانوا على أنفسهم فهان عليهم الكذب، ولو كانوا كبارًا في أعين أنفسهم لنأوا بها عن الكذب. قال الشاعر:
لا يكذب المرء إلا من مهانته أو فعله السوء أو من قلة الأدب
لبعض جيفة كلب خير رائحة من كذبة المرء في جدٍّ وفي لعب
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: "لأن يضعني الصدق -وقَلَّما يضع- أحبَّ إليَّ من أن يرفعني الكذب- وقلَّما يفعل-".

ثانيًا: الكذب في الأفعال:
فقد يفعل الإنسان فعلاً يوهم به حدوث شيء لم يحدث، أو يعبر به عن وجود شيء غير موجود، وربما يكون الكذب في الأفعال أشد خطرًا أو أقوى تأثيرًا من الكذب في الأقوال، ومن أمثلة ذلك، ما حكاه الله لنا من أقوال وأفعال إخوة يوسف عليه السلام، إذ جاءوا أباهم عشاءً يبكون بكاءً كاذبًا.. وجاءوا على قميص يوسف بدم كذب، فجمعوا بين كذب القول وكذب الفعل.[الأخلاق الإسلامية 1/529].

ثالثًا: الكذب في النيات:
وهو أن يقصد بنيته غير وجه الله تعالى، ويدل عليه حديث الثلاثة الذين تُسعَّر بهم النار: "الشهيد والمُنْفِقْ والعالِم". حين يدَّعِي كل منهم أنه فعل ذلك لوجه الله، فيقال لكل منهم: كذبت ولكن قاتلت ليقال جريء فقد قيل. وللآخر: كذبت ولكن تصدَّقت ليقال جواد. وللثالث: كذبت ولكن تعلمت ليقال عالِم.
فالكذب هو رأس كل خطيئة، وهو عارٌ على صاحبه.
ماهر السيد

Post: #1036
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:06 AM
Parent: #1001

إن كثيراً من الناس يذهب فهمه إلى أن حسن الخلق خاص بمعاملة الخلق دون معاملة الخالق ولكن هذا الفهم قاصر . فإن حسن الخلق كما يكون في معاملة الخلق يكون أيضاً في معاملة الخالق ، فموضوع حسن الخلق إذن : معاملة الخالق جل وعلا ، ومعاملة الخلق أيضاً ، وهذه المسألة ينبغي أن يتنبه لها الجميع.

**أولاً : حسن الخلق في معاملة الخالق :***
حسن الخلق في معاملة الخالق يجمع ثلاثة أمور :
1. تلقي أخبار الله بالتصديق.
2. تلقي أحكامه بالتنفيذ والتطبيق.
3. تلقي أقداره بالصبر والرضا.
وهذه ثلاثة أشياء عليها مدار حسن الخلق نع الله تعالى :

**أولاً : تلقي أخباره بالتصديق :***
بحيث لا يقع عند الإنسان شك أو تردد في تصديق خبر الله تبارك وتعالى لأن خبر الله تعالى صادر عن علم وهو سبحانه أصدق القائلين ، كما قال الله تعالى عن نفسه: ( ومن أصدق من الله حديثاً ) " النساء : 87 " ولازم تصديق أخبار الله أن يكون الإنسان واثقاً بها ، مدافعاً عنها ، مجاهداً بها وفي سبيلها ، بحيث لا يداخله شك أو شبهة في أخبار الله عز وجل وأخبار رسوله صلى الله علية وسلم .

وإذا تخلق العبد بهذا الخلق أمكنه أن يدفع أي شبهة يوردها المغرضون على أخبار الله ورسوله صلى الله علية وسلم ، سواء أكانوا من المسلمين الذين ابتدعوا في دين الله ما ليس منه ، أم كانوا من غير المسلمين ، الذين يلقون الشبه في قلوب المسلمين بقصد فتنتهم وإضلالهم.

ولنضرب لذلك مثلاً :** " حديث الذباب "***
ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله علية وسلم قال : " إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه ثم ليطرحه ، فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء " رواه البخارى وغيره.

هذا خبر صادر عن رسول الله صلى الله علية وسلم ، وهو صلى الله علية وسلم في أمور الغيب لا ينطق عن الهوى ، لا ينطق إلا بما أوحى الله تعالى إليه ، لأنه بشر والبشر لا يعلم الغيب بل قد قال الله له: ( قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك إن أتبع إلا ما يوحي إلي ) "الأنعام : 50 ".

هذا الخبر يجب علينا أن نقابله بحسن الخلق ، وحسن الخلق نحو هذا الخبر يكون بأن نتلقاه بالقبول والانقياد ، فنجزم بأن ما قاله النبي صلى الله علية وسلم في هذا الحديث فهو حق وصدق ، وإن اعترض عليه من اعترض ، ونعلم علم اليقين : أن كل ما خالف ما صح عن رسوله الله صلى الله علية وسلم فإنه باطل ؛ لأن الله تعالى يقول : ( فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون ) " يونس : 32 ".

ومثال أخر : **" من أخبار يوم القيامة " :***
أخبر النبي صلى الله علية وسلم : (أن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بقدر ميل) أخرجه مسلم ، وسواء كان هذا الميل ميل المكحلة ، أم كان ميل المسافة ، فإن هذه المسافة بين الشمس ورؤوس الخلائق قليلة ، ومع هذا فإن الناس لا يحترقون بحرها ، مع أن الشمس لو تدنو الآن في الدنيا مقدار أنملة لاحترقت الأرض ومن عليها.

قد يقول قائل : كيف تدنو الشمس من رؤوس الخلائق يوم القيامة بهذه المسافة ، ثم يبقى الناس لحظة واحدة دون أن يحترقوا ؟ !! ، نقول لهذا القائل : عليك أن تكون حسن الخلق نحو هذا الحديث.

وحسن الخلق نحو هذا الحديث يكون بأن نقبله ونصدق به ، وأن لا يكون في صدورنا حرج منه ولا ضيق ولا تردد ، وأن تعلم أن ما أخبر به النبي صلى الله علية وسلم في هذا فهو حق ، ولكن هناك فارقاً عظيماً بين أحوال الناس في الدنيا وأحوالهم في الآخرة ، بحيث لا يمكن أن نقيس أحوال الدنيا بأحوال الآخرة ؛ لوجود هذا الفارق العظيم ، فنحن نعلم أن الناس يقفون يوم القيامة خمسين ألف سنة !! وعلى مقياس ما في الدنيا ، فهل يمكن أن يقف أحد من الناس خمسين ألف ساعة ؟ ، بل هل يمكن أن يقف أحد من الناس خمسين ألف دقيقة ؟.

الجواب : لا يمكن ذلك ، إذن فالفارق عظيم ، فإذا كان كذلك ، فإن المؤمن يقبل مثل هذا الخبر بانشراح صدر وطمأنينة ، ويتسع فهمه له ويتفتح قلبه لما دل عليه.

**ثانياً : ومن حسن الخلق مع الله عز وجل أن يتلقى الإنسان أحكام الله بالقبول والتنفيذ والتطبيق*** فلا يرد شيئاً من أحكام الله ، فإذا رد شيئاً من أحكام الله فهذا سوء خلق مع الله عز وجل سواء ردها منكرا حكمها ، أو ردها مستكبراً عن العمل بها ، أو ردها متهاوناً بالعمل بها ، فإن ذلك كله مناف لحسن الخلق مع الله عز وجل.

مثال على ذلك :** " الصوم "***
الصوم لا شك أنه شاق على النفوس ؛ لأن الإنسان يترك فيه المألوف ، من طعام وشراب ونكاح ، وهذا أمر شاق على الإنسان ، ولكن المؤمن حَسَنُ الخلق مع الله عز وجل ، يقبل هذا التكليف أو بعبارة أخرى : يقبل هذا التشريف ، فهذه نعمة من الله عز وجل في الحقيقة ، فالمؤمن يقبل هذه النعمة التي في صورة تكليف بانشراح صدر وطمأنينة ، وتتسع لها نفسه ، فتجده يصور الأيام الطويلة في زمن الحر الشديد ، وهو بذلك راض منشرح الصدر ، لأنه يحسن لا خلق مع ربه ، لكن سيئ الخلق مع الله يقابل مثل هذه العبادة بالضجر والكراهية ، ولولا أنه يخشى من أمر لا تحمد عقباه لكان لا يلتزم بالصيام.

مثال آخر : **" الصلاة "***
فالصلاة لا شك أنها ثقيلة على بعض الناس وهي ثقيلة على المنافقين كما قال النبي صلي الله علية وسلم : " أثقل الصلاة على المنافقين : صلاة العشاء ، وصلاة الفجر ".
لكن الصلاة بالنسبة للمؤمن ليست ثقيلة ، قال تعالى : ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين , الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ) " البقرة : 45 ، 46 " ، فهي على هؤلاء غير كبيرة وإنما سهلة يسيرة ، ولهذا قال النبي صلى الله علية وسلم : "وجعلت قرة عيني في الصلاة ".

فالصلاة هي قرة عين المؤمن ، وزاده اليومي الذي يتزود به للقاء الله تعالى ، ولذلك فهو يعظم قدرها ويهتم لها اعظم الاهتمام ، لأنها عماد الدين ، وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.

فحسن الخلق مع الله عز وجل بالنسبة للصلاة أن تؤديها وقلبك منشرح مطمئن ، وعينك قريرة ، تفرح إذا كنت متلبساً بها ، وتنتظرها حتى يحين وقتها ، فإذا صليت الظهر ، كنت في شوق إلى صلاة العصر ، وإذا صليت العصر ، كنت في شوق إلى صلاة المغرب ، وإذا صليت المغرب ، كنت في شوق إلى صلاة العشاء ، وإذا صليت العشاء ، كنت في شوق إلى صلاة الفجر ، ولهذا كان النبي صلى الله علية وسلم يقول لبلال رضي الله عنه : " يا بلال ، أرحنا بالصلاة" ، يقول : أرحنا بها ، فإن فيها الراحة والطمأنينة والسكينة ، لا كما يقول البعض : أرحنا منها ، لأنها ثقيلة عليهم ، وشاقة على نفوسهم.
وهكذا دائماً تجعل قلبك معلقاً بهذه الصلوات ، فهذه لا شك أنه من حسن الخلق مع الله تعالى.

مثال ثالث :** تحريم الربا " :***
وهذا في المعاملات ، فقد حرم الله علينا الربا تحريماً أكيداً ، وأحل لنا البيع ، وقال في ذلك : ( الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس ذلك بأنهم قالوا إنما البيع مثل الربا وأحل الله البيع وحرم الربا فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) " البقرة : 275".
فتوعد من عاد إلى الربا بعد أن جاءته الموعظة وعلم الحكم ، توعده بالنار - والعياذ بالله - ، بل إنه توعده في الدنيا أيضاً بالحرب ، فقال تعالى : ( يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين . فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله ) " البقرة : 278 ، 279 " ، هذا يدل على عظم هذه الجريمة وأنها من كبائر الذنوب والموبقات.

فالمؤمن يقبل هذا الحكم بانشراح ورضا وتسليم ، وأما غير المؤمن فإنه لا يقبله ، ويضيق صدره به ، وربما يتحيل عليه بأنواع الحيل ، لأننا نعلم أن في الربا كسباً متيقناً وليس فيه أي مخاطرة ، لكنه في الحقيقة كسب لشخص وظلم لآخر ، ولهذا قال الله تعالى : ( وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون ) " البقرة : 279 ".

**ثالثاً : ومن حسن الخلق مع الله تعالى : تلقى أقدار الله تعالى بالرضا والصبر :***
وكلنا يعلم أن أقدار الله عز وجل التي يجريها على خلقه ليست كلها متماشية مع رغبات الخلق ، فالمرض مثلاً لا يحبه الإنسان ، فكل إنسان يحب أن يكون صحيحاً معافى.

فحسن الخلق مع الله نحو أقداره أن ترضى بما قدر الله لك ، وأن تطمئن إليه وأن تعلم أنه سبحانه وتعالى ما قدره إلا لحكمة عظيمة وغاية محمودة يستحق عليها الحمد والشكر.
وعلى هذا فإن حسن الخلق مع الله نحو أقداره هو أن يرضى الإنسان ويستسلم ويطمئن ، ولهذا امتدح الله الصابرين فقال : ( وبشر الصابرين , الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون ) " البقرة : 155 ، 156 ".
وفقنا الله للأدب وحسن الخلق معه سبحانه وتعالى.
د/سعيد عبد العظيم

Post: #1037
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:09 AM
Parent: #1001

العزة الإيمانية

وقف هارون الرشيد يومًا ينظر إلى السماء فرأى سحابة تمر، فخاطبها قائلاً: أمطري أنى شئتِ، فسيأتيني خراجك.
فالسحابة إما أن تفرغ ماءها في أرض إسلامية أو غير ذلك، ففي الأولى سينتفع بها المسلمون في شرابهم وزراعتهم، وفي الثانية سينتفع ببعضها أيضًا المسلمون في صورة جزية يؤديها غير المسلمين إلى دولة الخلافة.
هذه الصورة تعبر عن حالة العزة التي وصل إليها المسلمون في سالف الزمان حين كانوا عاملين بدينهم ولدينهم، والمسلمون في هذا الزمان مطالبون بالأخذ بأسباب العزة،

**فما معنى العزة؟ ***
إن العزة في اللغة تدور حول: القوة والغلبة، والرفعة والامتناع؛ فهي حالة مانعة للإنسان أن يُغلب أو يمتهن. قال ابن الجوزي - رحمه الله -: قال بعض المفسرين: العزة في القرآن على ثلاثة أوجه:
**أحدها***: العظمة، ومنه قوله تعالى عن سحرة فرعون: (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ) [الشعراء:44]، وقوله عن إبليس: (قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) [ص:82].
**والثاني:*** المنعة، ومنه قوله تعالى: (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء: 139].
**والثالث:*** الحمية، ومنه قوله تعالى: (وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ)[البقرة:206]، وقوله: (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقَاقٍ)[ص:2].

ومن ذلك نلحظ أن هناك عزة ممدوحة، وأخرى مذمومة:
**فالعزة الممدوحة ***هي التي لله ولرسوله وللمؤمنين، فهي عزة حقيقية دائمة؛ لأنها من الله وبالله الذي لا يُغالَبُ ولا يُقاوَم سبحانه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) [المنافقون: 8].

أما **عزة الكفار*** فهي في الحقيقة ذل وهوان، قال الله تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً * كَلاَّ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدّاً) [مريم:81، 82].

وقد أخطأ كثير من الناس طريق العز والغلبة والتمكين، فطلبها بعضهم بالمال، وما علم أن هذا المال فتنة ووبال إن لم يؤد صاحبه حق الله تعالى، بل قد يكون هذا المال سبيلاً إلى ذله. قال الحسن: والله ما أعز أحد الدرهم إلا أذله الله. وكم رأينا ذلك في دنيا الناس.

وبعضهم يتعزز بمنصبه وجاهه، وهو ما قد يحقق له عزّا مؤقتًا، لكنه إن لم يكن على أساس من العدل وحُسن السيرة، فإنه حتمًا لن يدوم، فكم رأينا من رئيس أو زعيم كان يملأ الدنيا ضجيجًا إذا به يصبح أسير القضبان في غياهب السجون؛ فتبدل عزه ذلاً.

وأخطر من ذلك من يطلب العزة عند الكافرين فيواليهم ويميل إليهم، ولو كان على حساب المسلمين!! وهذا وهم، إذ هو في الحقيقة ذُل عاجل، فمن واقع الناس نلحظ أن أول من يتسلط على هؤلاء هم أولياؤهم من الكافرين. قال الله تعالى: (بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) [النساء:138، 139]؛ فالارتماء في أحضان الكافرين طلبًا للعز هو في الحقيقة أقصر طريق إلى الذل والهوان؛ لأن هؤلاء الكافرين لن يرضوا منَّا بأقل من الكفر: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) [البقرة:120].

ومن الناس من يعتز بنسبه وقبيلته، وإن كانوا على غير هدىً، فعن أبي ريحانة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى تسعة آباءٍ كفار، يريد بهم عزًّا وفخرًا فهو عاشرهم في النار".

والحق الذي لا مراء فيه أن من رام العزة فليطلبها من الله بطاعته، والكف عن معاصيه، وقد لخص عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذا المعنى العظيم في كلمات قلائل، يقول فيها: "إنا كنَّا أذلَّ قومٍ فأعزَّنا الله بالإسلام، فمهما نطلب العزَّ بغير ما أعزَّنا الله به أذلَّنا الله". وقال إبراهيم بن شيبان: "الشرف في التواضع، والعز في التقوى، والحرية في القناعة".
إن المسلم حين يعيش حياة الطاعة فإنه يعيش عزيزًا كريمًا. نعم قد يُبتلى لكنه ذو نفس عزيزة، وقد تَجلَّى ذلك واضحًا في حياة السلف رضي الله عنهم، حتى في أحلك اللحظات وأشد المواقف وأقساها.

**مواقف تشهد بعزتهم***
وأرجو أن تستحضر معي أيها القارئ الكريم، مشهد العزة الذي يتجلَّى في حالة **بلال*** رضي الله عنه، وهو يُعذَّب بمكة في حرها، وتوضع الصخرة العظيمة على صدره، لا ليرتد عن الإيمان، ولكن ليكف عن سب آلهتهم أو ليسكت، لكنَّ عزةَ الإيمان تنطق على لسانه: "أحدٌ أحد" لتظل أنشودة خالدة تترنم بها الأجيال على مدى الزمان، وليصب اليأس في نفوس من عذبوه.
فمن العزيز في هذا المشهد؟ أهو ذلك العبد المستضعف المعُذَّب؟ أم ذلك الكافر المتغطرس؟

ثم انتقل معي إلى مشهد آخر من مشاهد العزِّ واستعلاء الإيمان، متجليًّا في قصة **عبد الله بن حذافة السهمي*** رضي الله عنه، حين وقع أسيرًا في أيدي الروم، وعلم به ملكهم، فأتى به وراوده عن دنيه، فأبى عبد الله، فعرض عليه الملك نصف ماله فأبى، فحبسه، وآذاه، ومنع عنه الطعام والشراب، ووضع بجواره لحم خنزير وخمرًا، فلما انقضت ثلاثة أيام أخرجوه ولم يذق منها شيئًا، ولما سألوه قال: والله لقد كان أحلَّه لي - لأنه مضطر - ولكن ما كنت لأشمتكم بدين الإسلام. فيطلب منه الملك أن يقبِّل رأسه مقابل إطلاق سراحه، فيشترط ابن حذافة إطلاق سلاح جميع أسرى المسلمين، ويوافق الملك، فيقبِّل ابن حذافة رأسه، ويرجع إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ومعه أسرى المسلمين، فيقوم عمر ويقبِّل رأس ابن حذافة، وهو يقول: حق على كل مسلم أن يقبل رأس ابن حذافة.

ثم انظر إلى شيخ الإسلام **ابن تيمية ***رحمه الله، حين يُضطهد ويوضع في السجن، فلما أدخلوه جعل يتلو قول الله تعالى: (فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ * وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ) [الحديد:13].
إنها عزة الإيمان وأنفة الإسلام التي تجعل صاحبها أعز الناس بطاعة الرب جل وعلا، وإن تمالأ عليه أهل الأرض جميعًا لأنه يستمد عزته من الله الذي لا يُغلب: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً) [فاطر:10].

إن حالة الذل التي خيَّمت على كثير من نواحي حياتنا إنما سببها البدع والمعاصي والبعد عن شرعة الرحمن، تحقيقًا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وجعل الذلة والصَّغَار على من خالف أمري".
كما أن من أهم أسبابها حالة الفرقة والتشرذم التي يحياها المسلمون ، لدرجة أن عدونا صار يستفرد بنا فيضرب هنا اليوم وغدا هناك ولا يتحرك ساكن،وكأن ما يحدث لإخواننا المسلمين لايعنينا ، برغم أن تاريخنا يشهد أننا لم نكن كذلك فيما مضى .فحين استغاثت امرأة مسلمة وقعت في أسر الروم بعمورية بخليفة المسلمين المعتصم،وأطلقت صيحتها المشهورة:واإسلاماه،أجابها المعتصم بملىء فيه لبيك،وجهز جيشا سار به إلى عمورية وأنزل بأهلها شر هزيمة واستنقذ المرأة المسلمة من أيدي المشركين..ولنا هنا ان نتساءل:ما الذي كان يربط بين العتصم وهذه المرأة المسلمة سوى رباط الإيمان؟.
إعداد/ماهر السيد

Post: #1038
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:11 AM
Parent: #1001

الأخلاق في حياة ودعوة الأنبياء عليهم السلام

أُُمر النبي صلى الله عليه وسلم بمتابعة منهج الأنبياء والمرسلين , فقال سبحانه frown emoticon أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ) (الأنعام: من الآية90)) وقد حباهم سبحانه كمال الخَلق والخُلق حتى لا ينصرف الناس عن دعوتهم بزعم دمامة الشكل أو الطبع ،فالأنبياء جميعاً ما يصدرون إلا عن أمر ربهم جل وعلا، وليست الرسالة نابعة من نفوسهم أو نتيجة عوامل اجتماعية تكون في زمانهم بل هي وحي الله إليهم فكل نبي من النبياء يقول ( إن أتبع إلا ما يوحي إليَّ ) ولا يملك النبي أن يغير ولا أن يبدل ولا أن يزيد أو ينقص من وحي الله شيئاً وقد قال تعالى عن نبيه صلى الله عليه وسلم: ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ) وقال سبحانه frown emoticon قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إليَّ إني أخاف إن عصيت ربى عذاب يومٍ عظيم ) ، والأنبياء عليهم السلام في دعوتهم لا يطلبون أجرهم إلا من الله ، فهذا هود عليه السلام يخاطب قومه فيقول:( ويا قوم لا أسألكم عليه أجراً إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون ) ويقرر النبي صلى الله عليه وسلم نفس الحقيقة فيقول:( ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين ).

ولم يكن هدفهم عليهم السلام إلا إخلاص الدين لله وأن يصرفوا وجهة البشر من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة ، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام ، قال تعالى:( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة) وما من نبي إلا وبعث بلسان قومه ليبين لهم , فهم يسيرون مع الفطرة ويخاطبون الناس على قدر عقولهم بلا تكلف ولا تقعر ولا تشدق frown emoticon وما أنا من المتكلفين ) وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله سبحانه frown emoticon ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (النحل:125)

فطريقة الأنبياء واضحة ودعوتهم ظاهرة ، وأقرب الطرق في دعوة الخلق هي طريقة القرآن لا نحتاج معها لمناهج كلامية فلسفية، والأنبياء جميعاً آثروا الباقية على الفانية، وغلب عليهم الزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة لأنهم أيقنوا أن ( ما عند الله خيرُ وأبقى ) وأن ( ما عند الله خيرٌ للأبرار ) وقد خاطب سبحانه نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله frown emoticon ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه ورزق ربك خيرٌ وأبقى ) والأنبياء هم أكمل البشر خلقاً وأشرفهم نسباً وأعظمهم أمانة , اصطفاهم سبحانه على علم على العالمين فهم أسوة وقدوة البشر أجمعين وأصدق الخلق لهجة، قال تعالى : (وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَار . إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّار . وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ . وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ) (صّ:45-48 )

وقال جل وعلا عن نبيه موسى عليه السلام:( يا موسى إنى اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين) والأنبياء في دعوتهم وتركيزهم على قضية العبودية وقولهم للناس: ( اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) كانوا أيضاً يعالجون الآفات والعيوب التي شاعت فى أممهم ويردونهم للأخلاق الفاضلة , فنبي الله شعيب عليه السلام كان يعالج تطفيف المكيال والميزان فى قومه مدين ، ونبي الله لوط عليه السلام قال لقومه:( أتأتون الذكران من العالمين وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم بل أنتم قوم عادون ) وعاب عليهم قطع السبيل وإتيانهم المنكر في ناديهم ... وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم مع قومه دالة على ذلك كما سنبين فيما بعد بإذن الله.

**الحيطة للتوحيد والتشريع سياج أمان للأخلاق***
**أولاً :الحيطة لجناب التوحيد***
التوحيد طهارة لأنه اعتراف بالحق , والشرك نجاسة ( إنما المشركون نجس ) لأنه جحد للحق حتى وإن تجمل المشرك واغتسل وتطيب في ظاهره فلا تزول عنه نجاسة الباطن، والمعاصي والذنوب كلها قاذورات وفى الحديث : " من أتى شيئاً من هذه القاذورات فليستتر بستر الله فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه كتاب الله" .

فإذا أردنا تكميل معاني الأخلاق حتى تؤتي ثمارها فعلينا بالحيطة لجناب التوحيد وجناب التشريع استنانا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد غرس صلوات الله وسلامه عليه في نفوس أصحابه أصلين عظيمين , الأول : أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئاً .

الثاني : أن يعبدوه بما شرع وليس بشرع أحدٍ سواه , ولم يسمح صلى الله عليه وسلم لأحدٍ من أصحابه أن يخدش أصلاً من هذين الأصلين , ولذلك لما رأى يوماً بيد عمر بن الخطاب رضى الله عنه ورقة من التوراة , وكان عمر قد أعجبه ما فيها , فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً وقال لعمر : " أهذا وأنا بين أظهركم؟ لقد جئتكم بها بيضاء نقية , والله لو كان موسى حياً لما وسعه إلا أن يتبعني ". [ رواه أحمد وحسنه الألباني] , وفى هذا الحديث بيان عالمية الدعوة , وأنه لا يجوز الاهتداء بغير الكتاب والسنة , فكيف ينصرفون عن هذه الأصول المعصومة والمحفوظة ويهتدون بما شابه التحريف والتغيير والتبديل ؟ ولما سمع النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا يخطب على المنبر ويقول: " من يطع الله ورسوله فقد رشد , ومن يعصهما فقد غوى " فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " بئس خطيب القوم أنت ، قل : ومن يعص الله ورسوله فقد غوى " [ رواه أحمد ومسلم] . وقد عاب النبي صلى الله عليه وسلم تسويته بالله جلَّ وعلا , فالضمير في يعصهما يفيد مساواة المشتركين في الحكم , ومقام الخطبة يحتمل التفصيل والتوضيح والبيان , وأيضاً لما مات عثمان بن مظعون رضي الله عنه وقامت أم العلاء تقول : شهادتى عليك أبا السائب أن الله قد أكرمك اعترضها صلى الله عليه وسلم وقال : " وما يدريك أن الله قد أكرمه ؟" فقالت : سبحان الله , ومن يكرم الله إذ لم يكرمه ؟ فرد عليها النبي صلى الله عليه وسلم بما هو أبلغ من ذلك وقال : والله إني لرسول الله ولا أدرى ما يفعل بي غداً " فقالت أم العلاء : والله لا أزكي بعده أحداً " [ رواه أحمد والبخاري].

فالأعمال بالخواتيم والخواتيم مطوية عن العباد وفى هذا رد على اليهود والنصارى الذين قالوا : "نحن أبناء الله وأحباؤه " وقولهم " لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى " فرد عليهم سبحانه بقوله: ( تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ) وهو ردٌ أيضا على من زعم ولاية بعض المقبورين , ولم يكتف بذلك بل يذهب يصرف لهم العبادة من دون الله !! ومن صور الحيطة أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما شاء الله وشئت، فقال له صلى الله عليه وسلم :" أجعلتنى لله نداً ؟ قل ما شاء الله وحده". [ رواه أحمد وحسنه الألباني]

فالحيطة لاتقتصر على الأفعال بل تتعداها إلى الأقوال , ومن ذلك أن بعض الصحابة لما قالوا: يا رسول الله اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ( أى شجرة يعلقون بها أسلحتهم ويتبركون بها ) فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: " قلتم والذي نفسي بيده كما قال بنو إسرائيل لموسى اجعل لنا إلهاً كما لهم آلهة " [رواه أحمد والترمذي وقال: حسن صحيح] ولما سئل صلى الله عليه وسلم عن العرافين فقال " ليسوا بشيء " رواه مسلم فالكاهن والعراف إن صدق مرة كذب معها مائة مرة . وقد كثر التحذير منه صلى الله عليه وسلم من اتخاذ القبور مساجد " وأن المساجد لله فلا تدعو مع الله أحداً " فعلى كل الناس أن ينيبوا إلى ربهم وأن يسلموا وجوههم له سبحانه وأن يتركوا الكفريات والشركيات وصرف العبادة لغير الله وأن يوحدوا ربهم ويعلموا أن التوحيد أولاً فإن تقديم الأهم على المهم أمر واجب في العلم والعمل والدعوة إلى الله .

إنَّ ادعاءات التأصيل للأخلاق عند الكفرة والمشركين والفلاسفة والزعم بصلاح أخلاقهم ما هي إلا دعوى عريضة وإلا فكل إناء ينضح بما فيه , وهؤلاء إن انتفعوا بخير عملوه فإنما يكون ذلك في الدنيا , أما في الآخرة فيصدق عليهم قوله تعالى: ( وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءً منثوراً ) وقوله سبحانه: ( والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب ).

**ثانيا: الحيطة لجناب التشريع***
كل الطرق مسدودة إلا من طريقه صلوات الله وسلامه عليه ، ولا يجوز التأصيل للأخلاق وغيرها أولا ثم يلوى أعناق النصوص الشرعية لتوافق هذه الأصول frown emoticon لاتقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله ) فالواجب أن نستقي أصولنا ومناهجنا وأخلاقنا من كتاب الله ومن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وألا نسمح لأنفسنا ولا لغيرنا بخدش النصوص الشرعية، ولنا في نبينا أسوة حسنة وقدوة طيبة , والأدلة على ذلك كثيرة , ومنها أنه صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا يمشي في الحج بين رجلين يسندانه قال: " ما هذا؟" فقالوا : يا رسول الله نذر أن يحج ماشياً : فقال صلى الله عليه وسلم:" إن الله عن تعذيب هذا نفسه لغني، مروه فليركب "[ متفق عليه].

ولما رأى أبا إسرائيل يقف فى الشمس ولا يتكلم سأل عنه فقالوا: يا رسول الله نذر أن يقوم ولا يتكلم ويجلس فى الشمس، فقال صلى الله عليه وسلم: " ليتم صومه وليتكلم وليجلس فى الظل " [ رواه البخاري] فالجلوس في الشمس تكلف لا يقرب من الله، والصوم عن الكلام شرع من قبلنا وليس من شرعنا , فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت. ومن أدلة ذلك أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم لما علم أن عبد الله بن عمرو يصوم النهار ويقوم الليل- مما جعله يفرط في حق امرأته- قال له :" صم صيام أخي داود، كان يصوم يوما ويفطر يوما ولا يفر إذا لاقى " [رواه مسلم] وفى الحديث: " إن لربك عليك حقاً ولزوجك عليك حقاً فأعط كل ذي حقٍ حقه " [رواه البخاري] , فلابد من عدل واعتدال وحرص على الموازنة بين المصالح بلا إفراط ولا تفريط، ومراعاة لمتطلبات الروح والبدن بلا غلو ولا جفو، وشمولية نظرة في توفية الحقوق لأصحابها .

ومن ذلك أيضا لما ذهب ثلاثة إلى بيوت النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادته صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بها وكأنهم تقالوها , فقال أحدهم : وأين نحن من رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , أما أنا فأقوم ولا أنام وقال الآخر : أما أنا فأصوم ولا أفطر وقال الثالث أما أنا فلا أتزوج النساء , فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبر خبرهم صعد المنبر وجمع الناس ثم قال :" ما بال أقوام يقولون كذا؟ أما إن أعلمكم بالله وأتقاكم لله أنا، أما إني لأصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني " [رواه البخاري ومسلم]

فالطريق الموصل إلى الله وإلى جنات النعيم هو طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز تخطيه ولا تعديه , بل لا بد من اتباع لا ابتداع فيه ولا اختراع معه , إذ أكمل وأشرف الأحوال هو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته صلى الله عليه وسلم هي طريقته المحمودة التي سلكها هو والصحابة من بعده ـ وهى كل ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة يقصد بها التشريع للأمة, وكل من أعرض عن طريقته صلى الله عليه وسلم يقال له:" فمن رغب عن سنتي فليس منى " . وكان صلى الله عليه وسلم دائماً يقول " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد " [ رواه البخاري ومسلم] وصح عنه أنه قال: " كل بدعة ضلالة , وكل ضلالة فى النار ".

والبدعة كما عرفها الشاطبي رحمه الله : طريقة فى الدين مخترعة تضاهى الشرعية يقصد بالسلوك عليها مضاهاة التعبد لله تعالى .ا.ه والبدعة أحب إلى إبليس من المعصية وصاحبها ممن زين له سوء عمله فرآه حسنا ً ، وكان عمر رضى الله عنه يقول : كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة. وقال ابن مسعود رضى الله عنه: اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم ، عليكم بالأمر العتيق.

وعلى هذا النهج الواضح سار صحابة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يسمحوا لأحد بخدش جناب التوحيد أو التشريع، ومن أمثلة ذلك أن عمر رضى الله عنه كان يقبل الحجر الأسود ويقول: والله إني لأعلم أنك حجر ما تضر ولا تنفع ولولا أنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك. وأخرج علىٌ رضي الله عنه القُصَّاص من المساجد وهم الذين يروون القصص الخيالية والأكاذيب بزعم تذكير الناس وترقيق قلوبهم. ولما سمع ابن عمر رضى الله عنه رجلا عطس فقال : الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله قال له ابن عمر : ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال إذا عطس أحدكم فليحمد الله ولم يقل وليصل على رسوله , ولما دخل ابن مسعود ـ رضى الله عنه ـ مسجد الكوفة فرأى حلقاً وفى وسط كل حلقة كوماً من الحصى ورجل قائم على كل حلقة يقول لهم : سبحوا مائة فيسبحون مائة , احمدوا مائة فيحمدون مائة , كبروا مائة فيكبرون مائة فقال لهم ابن مسعود رضى الله عنه : يا قوم والله لأنتم على ملة هي أهدى من ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم أو مقتحموا باب ضلالة فقالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا بهذا إلا الخير فقال وكم من مريد للخير لم يبلغه رواه الدارمي وصححه الألباني فكل زيادة أو نقص في العبادات أو السلوك يراد به التقرب إلى الله تعالى وإصلاح النفس إنما هو بدعة مرفوضة, حتى لو حسنت وصلحت النوايا طالما لم يوافق العمل شرع الله .
الدكتور سعيد عبدالعظيم

Post: #1039
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:13 AM
Parent: #1001

الكَرَم شيمة الفضلاء

إِذا جادتِ الدنيا عليكَ فجُدْ بها على النـاسِ طـراً إِنها تَتَقَلَّبُ
فلا الجود ُيفنيها إِذا هي أقبلت ولا البخلُ يُبْقيها إِذا هي تَذْهَبُ

بين الكرم والتضحية ارتباط وثيق وصلة قوية؛ فالمجاهد يجود بنفسه - وهذا غاية الجود - والمتحرر من شهوة المال، الباسط يده في أبواب البر والإحسان، قد يكون أقدر على الجهاد؛ لما يؤصله الكرم في النفس من معاني التضحية والإيثار.

ولأن الكرم له مجالاته المشروعة، فإن بذل المال في غيرها قد لا يكون كرمًا، ولذلك يقول ابن حجر: "والجود في الشرع إعطاء ما ينبغي لمن ينبغي وهو أعم من الصدقة". وضده الشح الذي يعني البخل مع مزيد من الحرص.

وصاحب الكرم لا بد أن يكون شديد التوكل، عظيم الزهد، قوي اليقين. ولذلك فإن الكرم مرتبط بالإيمان ظاهره كرم اليد ودافعه كرم النفس، وقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم المؤمن بقوله: "المؤمن غرّ كريم، والفاجر خبّ لئيم". [صحيح سنن الترمذي]، وفي حديث آخر: "...ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا" [صحيح سنن النسائي].

وأعظم صور الكرم ما يكون مع الفقر والحاجة وقلة ذات اليد، وهذه كانت من أخلاق العرب في الجاهلية، فهذا حاتم الطائي الذي يضرب به المثل في الجود والكرم،قالت زوجه:أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا،فأخذت سفانة-ابنته-،وأخذ عديا وجعلنا نعللهما حتى ناما فأقبل علي يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام فرفقت به؛لما به من الجوع،فأمسكت عن كلامه لينام فقال لي :أنمت؟فلم أجبه،فسكت ونظر في فناء الخباء،فإذا شيء قد أقبل،فرفع رأسه فإذا هي امرأة فقال: ما هذا؟فقالت:يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب،أو كالذئاب جوعا،فقال لها أحضري صبيانك فوالله لأشبعنهم،فقامت سريعة لأولادها،فرفعت رأسي وقلت:يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل؟فقال والله لأشبعنك وأشبعن صبيانك وصبيانها،فلما جاءت المرأة نهض قائما وأخذ المدية بيده وعمد إلى فرسه فذبحه ثم أجج نارا،ودفع إليها شفرة و قال:قطعي واشوي،وكلي،وأطعمي صبيانك،فأكلت المرأة وأشبعت صبيانها،فأيقظت أولادي وأكلت وأطعمتهم.فقال والله إن هذا للؤم؛تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم؟ثم أتى الحي بيتا بيتا يقول لهم: انهضوا ،عليكم بالنار،فاجتمعوا حول الفرس وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية،فوالله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليل ولا كثير إلا العظم والحافر،ولا والله ما ذاقها حاتم وإنه لأشدهم جوعا.فانظر رعاك الله هذه أخلاق العرب في الجاهلية وأهلُ الإيمان بها أولى.

وقد ورد أن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس لي من شيء إلا ما أدخل علي الزبير أفأعطي؟" قال: "نعم، لا توكي فيوكى عليك" [صحيح سنن الترمذي]. وعلى قلة ما يدخل عليها أشار عليها بالعطاء وبعدم الإحصاء ليبارك في الرزق ولمزيد من التوكل.

وجيء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ذات يوم بلحم، أتدرون ممن كان، كان من بريرة الفقيرة ومن صدقة قُدِّمت إليها: "قال: ما هذا؟ قالوا: شيء تُصُدّق به على بريرة. فقال: " هو لها صدقة ولنا هدية" [صحيح سنن أبي داود]. فقد كان الواحد منهم لا يملك إلاَّ قوت يومه ولكنه كريم، وحين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أفضل؟ قال: جهد المقل.." [صحيح سنن أبي داود].

إن ديننا بماله من أهداف عظيمة ليحتاج إلى النفوس الكريمة التي يفيض خيرها على الأقربين، وينصب في الإعداد والجهاد "أفضل الدينار: دينار ينفقه الرجل على عياله، ودينار ينفقه الرجل على دابته في سبيل الله، ودينار ينفقه الرجل على أصحابه في سبيل الله" [ صحيح سنن الترمذي].

قد تنطلق نفحات الكرم من فاقد الأمل بالدنيا حين يشرف على الموت. ولكن الكرم الحقيقي لصاحب قوة البدن، وطول الأمل، ودواعي الحرص محيطة به من كل جانب، لذلك حين سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أي الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: أن تَصَّدق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر وتأمل الغنى..." [صحيح البخاري]. قال ابن حجر: ولما كانت مجاهدة النفس على إخراج المال مع قيام مانع الشح دالاً على صحة القصد وقوة الرغبة في القربة كان ذلك أفضل من غيره، وليس المراد أن نفس الشح هو السبب في هذه الأفضلية.[فتح الباري 3/285].

من الصفات المميزة لمن تأصلت فيه خصلة الكرم أنه لا يرد أحدًا يسأله، وقد كان هذا حال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما سئل عن شيء قط فقال لا". [صحيح البخاري]. حتى حين أهديت إليه بردة وكان محتاجًا إليها رآها عليه رجل من الصحابة فقال: يا رسول الله ما أحسن هذه فاكسنيها. قال: "نعم". فلام الصحابة ذلك الرجل قائلين له: "..أخذها محتاجًا إليها ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه؟ فقال: رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أكفَّنُ فيها" [صحيح البخاري].

والكرم من صفات الرب سبحانه وتعالى، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن ربكم حيي كريم، يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه؛ فيردهما صفرًا". أو قال: "خائبتين" [صحيح ابن ماجه]. وعباد الله الصالحون يمنعهم حياؤهم وكرمهم من رد حاجة العبد من عباد الله.
ومن أوجب الكرم معاملة الكرام بما يستحقون كما في الحديث: "إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه" [صحيح الجامع]. وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على الضيافة - كمظهر من مظاهر الكرم - بتحريك المشاعر الإيمانية: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه.." [صحيح سنن الترمذي]. ومن كانت المادة قد التهمته واستولت على قلبه وجعلته يعد ويحصي ويحجم عن المكارم استبقاء لما في الجيب وحذرًا مما يأتي به الغيب فلا خير فيه، يقول صلى الله عليه وسلم: "لا خير فيمن لا يضيف" [صحيح الجامع].

وقد كانت السمعة والصيت عند أبناء الجاهلية عرضًا يخشون عليه أن يمسّ، فيتحدث الناس عنهم بما لا يحبون، فكانوا يهينون أموالهم حفاظًا على سمعتهم:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه لابارك الله بعد العرض في المال

وعزّز الإسلام خيار الأخلاق فقال صلى الله عليه وسلم: "ذُبُّوا عن أعراضكم بأموالكم" [صحيح الجامع].لقد ربى الإسلام أبناءه على الجود والكرم فرأينا منهم عجبا،فهذا قيس بن سعد بن عبادة لما مرض استبطأ إخوانه في العيادة،فسأل عنهم فقيل له:إنهم يستحيون مما لك عليهم من الدين.فقال:أخزى الله مالا يمنع عني الإخوان من الزيارة،ثم أمر مناديا ينادي :من كان لقيس عليه مال فهو منه في حل،فكسرت عتبة بابه من كثرة الزوار.

وهذا عبدالله بن جعفر رضي الله عنه يخرج هو والحسنان،وأبو دحية الأنصاري رضي الله عنهم من مكة إلى المدينة ،فأصابتهم السماء بمطر ،فلجأوا إلى خيمة أعرابي فأقاموا عنده ثلاثة أيام حتى سكنت الماء ،فذبح لهم الأعرابي شاة ،فلما ارتحلوا قال عبد الله للأعرابي:إن قدمت المدينة فسل عنا.فاحتاج الأعرابي بعد سنين ،فقالت له امرأته:لو أتيت المدينة فلقيت أولئك الفتيان .قال قد نسيت أسماءهم.قالت فسل عن ابن الطيار .فأتى المدينة فلقي الحسن رضي الله عنه فأمر له بمائة ناقة بفحولها ورعاتها.ثم أتى الحسين فقال قد كفانا أبو محمد مؤونة الإبل
،فأمر له بألف شاة ،ثم أتى عبدالله بن جعفر فقال:قد كفاني إخواني الإبل والشياه ،فأمر له بمائة ألف درهم،ثم أتى الرجل أبا دحية رضي الله عنه فقال:والله ما عندي مثل ما أعطوك ولكن ائتني بإبلك فأوقرها لك تمرا فلم يزل اليسار في عقب الأعرابي منذ ذلك اليوم.فأي كرم هذا؟!!!.

إن الناس بفطرتهم لا يحبون الشحيح البخيل، وإذا لم تتحقق المحبة لم تنفتح القلوب للاستجابة والاستقبال، وقد ورد بهذا المعنى: "السخي قريب من الله، قريب من الناس، قريب من الجنة، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله، بعيد من الناس، بعيد من الجنة، قريب من النار. ولَجَاهِلٌ سخي أحب إلى الله تعالى من عابدٍ بخيل" [ضعيف].

ومما يعين المرء على اكتساب صفة الكرم وتأصيلها في نفسه أن يستحضر صفة ربه عز وجل: "إن الله تعالى جواد يجب الجود، ويحب معالي الأخلاق، ويكره سفسافها"[صحيح الجامع]، "إن الله كريم يحب الكرماء، جواد يحب الجَوَدة..."[صحيح الجامع]، "إن الله كريم يحب الكرم"[صحيح الجامع]. ومن لا يحب أن يكون كما يحب الله؟!

وإن في تأمل الحياة العملية للرسول القدوة - صلوات الله وسلامه عليه - ما يفجر معاني الجود والكرم في قلب المتبع المحب. جاء في الحديث: "كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس..."[صحيح البخاري]. كما ورد بمثل هذا المعنى: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" [صحيح البخاري]. وجوده هذا كان سبب إيمان الكثيرين، ومحبة الكثيرين، واحترام العدو والصديق. وما على حملة الدعوة إلا أن تكون الدنيا أحقر ما يكون في أعينهم لتفيض بها أيديهم، وليعم الخير من حولهم.

وللشيطان نصيب كبير في قلب البخيل الشحيح. ولذلك شرع لنا الاستعاذة بالله من هذه الصفات الشيطانية، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعوذ دبر كل صلاة: "اللهم إني أعوذ بك من البخل، وأعوذ بك من الجبن..." [صحيح سنن النسائي]. ولعل السر في تلاحق وصف البخل والجبن أن من عز ماله أن يصرفه في وجوه الخير فبخل، طبيعي من مثله أن تعز عليه روحه أن يزهقها في سبيل الله فيجبن. والجود بالنفس أسمى غاية الجود.

وإذا افتقدت الأمة الجود بالمال والجود بالنفس فقد سارت في طريق الهلاك لما جاء في الحديث: "إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح: أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا" [صحيح سنن أبي داود].
وقد حذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من صفات شرار الخلق في آخر الزمان، وكان من صفاتهم الشح: "يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، ويكثر الهرج..." [صحيح البخاري]. ولأن الكرم صفة قلبية تنعكس على السلوك فإن المريض بالشح مريض بالقلب يقعد به بخله عن البناء، ويحجزه الشح عن المبادرة، ويغدو يأخذ ولا يعطي، وماذا بعد ذلك من شر؟ لذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "شرّ ما في رجل شحّ هالع، وجبن خالع" [صحيح سنن أبي دواد].

وقد عدّ رسول الله صلى الله عليه وسلم الموبقات فذكر منها: "الشرك بالله، والشح.." [صحيح سنن النسائي]. وعدّ المهلكات فذكر فيها: "هوىً متبع، وشحٌ مطاع، وإعجاب المرء بنفسه" [صحيح الجامع].

تميزالجيل الأول بزهده ويقينه فصعد؛ فما هي سنن السقوط والهلاك؟ يقول صلى الله عليه وسلم: "صلاح أول هذه الأمة بالزهد واليقين، ويهلك آخرها بالبخل والأمل" [ السلسلة الصحيحة برقم3427]. قبض اليد والإحجام عن المبادرة والامتناع عن تقديم أي جهد، ثم بعد كل ذلك بناء الأحلام الكبيرة والآمال العريضة، ذلكم تشخيص هلاك الدنيا فهل صرنا إليه؟
أما في الآخرة فإن الكانز لمال دون أن يؤدي حق الله فيه يخيل له المال يوم القيامة بصورة "شجاع أقرع يفر منه صاحبه وهو يتبعه يقول له: هذا كنزك الذي كنت تبخل به..."[صحيح سنن النسائي].

إذا لم يكن خلق الكرم يميز عامة أبناء الإسلام العاملين لنصرته فلن تجتمع حولهم القلوب ولن يحظوا بالثقة. وحين تكرم النفوس وتتخلص من رق الدنيا. ويصغر في عينها كل متاع تنجذب إليها القلوب، وتعظم في الأنظار، ويتسابق الناس في الجود والكرم لا في الحرص والشح، وعندئذ نكون أهلاً للتمكين بإذن الله تعالى.
المصادر :
المستطرف :الأبشيهي
هذه أخلاقنا:الخازندار

Post: #1040
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:15 AM
Parent: #1001

الغاية من الأخلاق

هدفنا من وراء الأقوال والأفعال والحركات والسكنات وغايتنا من وراء التخلي عن الرذائل والتحلي بالفضائل هو: مرضاة ربنا جل وعلا وأن تزكو نفوسنا وتطهر بحيث تستحق أن ينادى عليها على أبواب الجنة: (سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ) [الزمر:73]، وقد أقسم سبحانه أحد عشر قسما متوالياً على أنه لا يستحق الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا من زكت نفسه وصفت, فقال سبحانه:(وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) [الشمس:1- 10].

وهذا الالتزام الخلقي من شأنه أن تتحقق به سعادة الفرد والمجتمع في الدارين في العاجل والآجل، فالإيمان بالله واليوم الآخر ليس معناه هجران الحياة ودخول الخرائب كما هو شأن بعض الصوفية !! والتطور والتحضر والتقدم ليس معناه الكفر بخالق الأرض والسماوات والعبَّ من الشهوات المحرمة كما هو شأن الغرب المادي، والناس في هذه وغيرها طرفا نقيض بين إفراط وتفريط وبين غلو وجفاء، وإسراف وتقصير, والعدل أساس الملك وبه قامت السماوات والأرض، يقول الغزالي : "لا وصول إلى الله تعالى إلا بالتنزه عن الشهوات والكف عن اللذات والاقتصار على الضرورات فيها" .وهذا الكلام يصح فيما لو كانت الشهوات واللذات محرمة، وإلا فلا يسعنا تحريم الحلال أو تحجير الواسع أو التضييق على الخلق كما لا يسعنا تحليل الحرام، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً) [البقرة:168]، وقال تعالى:(يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [الأعراف:31-32].

كان البعض يقول : متاع الغرور ما ألهى صاحبه عن طلب الآخرة، أمَّا ما لم يلهك عن طلب الآخرة فهو متاع بلاغ إلى ما هو أبلغ منه.
فذم الدنيا لا ينصرف إلى زمانها أو مكانها ولكن ينصب على أفعال العباد المخالفة لشرع الله. فلابد من تعمير الدنيا بطاعة الله، وإقامة حضارة على منهاج النبوة وأن ندور مع إسلامنا حيث دار، فالحلال ما أحله الله والحرام ما حرمه الله والدين ما شرعه الله وليس لنا إلا أن نقول :(سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) [البقرة:285]

**علاقة الأخلاق بالعبادة:***
العبادة مفهوم واسع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، فالصلاة عبادة والصوم والحج والزكاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر عبادة، وكذلك جهاد الكفار والمنافقين والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والرفق والشفقة والدعاء والذكر وتلاوة القرآن, وكذلك حب الله ورسوله، وخشية الله والإنابة إليه، وإخلاص الدين له، والصبر لحكمه والشكر لنعمه، والرضا بقضائه والتوكل عليه، والرجاء لرحمته والخوف من عذابه.. كلها داخلة في مفهوم العبادة، وذلك أن العبادة هي كمال الحب مع تمام الخضوع والذل وهى الغاية التي لأجلها خلق الله الخلق، قال تعالى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذريات:56 - 58].

وقد أخطأ من توهم أن العبادة قاصرة على الصلاة والصيام والحج ... فحسب فالدين كله داخل في العبادة وهى شاملة للسياسة والاقتصاد والاجتماع والأخلاق وجميع نواحي الحياة قال تعالى :(قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) [الأنعام:162، 163].

ومن هنا تكون فضائل الأخلاق ومكارمها داخلة في إطار الدين وركناً أساسياً من أركان العبادة. إنَّ الأوامر التي وردت في الكتاب والسنة وتعلقت بالصلاة والصيام لا تنفصل عن الأوامر التي تعلقت بالصدق والعدل، ولا بد من تعظيم شعائر وشرائع الله وان نقول frown emoticon سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) (البقرة: من الآية285)

نحن نرفض اعتبار الأخلاق عادات وتقاليد كما نرفض أيضا الانبهار بالفلسفات والذوقيات والعقلانيات المخالفة لدين الله واعتبار الصوفية أو الفلاسفة أصحاب قصب السبق في النواحي الأخلاقية والتأصيل لها لأنه أمر يتجافى مع الحق والحقيقة فالبشرية قد بدأت بنبي مُكَلَّم هو آدم عليه السلام وتتابع بعده الرسل (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: من الآية24)). والدين واحد (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19] وإنما تعددت الشرائع، وشريعة الإسلام حاكمة ومهيمنة على سائر الشرائع. وقد اتفقت الشرائع في هذه الأمور الخمس المذكورة في سورة الأعراف (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33].

**علاقة الأخلاق بالإيمان:***
ورد في الحديث: " الإيمان بضعٌ وسبعون شعبة فأعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق, والحياء شعبة من الإيمان " متفقٌ عليه، فالإيمان شعب، ويزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، وأهل الإيمان يتفاضلون ويتفاوتون في درجات الإيمان، وإذا كان الحياء شعبة من الإيمان فعدم الحياء شعبة من شعب الكفر، وقس على ذلك الكذب والغدر.

وقد وردت روايات تدل على العلاقة الوثيقة بين الأخلاق والإيمان، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في جواب أي المسلمين أفضل ؟ قال :" من سلم المسلمون من لسانه ويده ".( رواه مسلم) وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا تحاسدوا ولا تباغضوا, ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض, وكونوا عباد الله إخواناً، المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى هاهنا - وأشار إلى صدره ثلاثاً - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"[رواه مسلم] والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما خلاصته: "إذا كان الإيمان أصله الإيمان الذي في القلب، وأنه لابد فيه من شيئين : الأول تصديق بالقلب وإقراره ومعرفته وهذا هو التوحيد، وآخر عمل القلب وهو التوكل على الله وحده ونحو ذلك من حب الله ورسوله وحب ما يحب الله ورسوله وإخلاص العمل لله وحده كانت أعمال القلب من الحب والإخلاص والخشية والتوكل ونحوها داخلة في الإيمان بهذا المعنى وكانت الأخلاق الكريمة داخلة فيه أيضاً وأما البدن فلا يمكن أن يتخلى عن مراد القلب لأنه إذا كان في القلب معرفة وإرادة سرى ذلك إلى البدن بالضرورة, ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله, وإذا فسدت فسد الجسد كله, ألا وهى القلب " متفق عليه . إن الإيمان بذلك هو مناط تكوين القيم الخلقية والاجتماعية ونحوها، وهو أيضا مصدر الإلزام الخلقي، لأنه هو المسيطر على كل غرائز الإنسان وشهواته، والمتحكم في أحاسيسه ودوافعه . إن الإيمان قول وعمل، والأخلاق الكريمة أقوال وأفعال لا تنفك عن معنى الإيمان، فالإيمان هو البر والهدى والتقى والإسلام والبصيرة وهو أيضاً العلم النافع والعمل الصالح.

**الأخلاق والنفس البشرية***
الأخلاق الكريمة تتوافق مع العقول السليمة والفطرة المستقيمة، وبها بعثت الرسل وأُنزلت الكتب قال تعالى:(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الروم:30]، فالله سبحانه خلق قلوب بنى آدم مؤهلة لقبول الحق، وبالفطرة يتدل الإنسان على ربه ويعرف شرائعه ويؤمن به و"كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه " رواه البخاري .

فالعبد في سيره إلى الله عليه أن يعلم قِدَم الصراع بين الخير والشر وسننَ التدافع بين الإيمان والكفر وبين أصحاب الصراط المستقيم من جهة والمغضوب عليهم والضالين وأصحاب المناهج الوضعية من جهة أخرى،والإنسان يتنازعه ويتصارع عليه الشيطان والهوى والنفس الأمارة بالسوء مما له أبلغ الأثر على أخلاق الإنسان وسلوكه وهذا هو موطن الابتلاء، قال تعالى:( إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) [الكهف:7].

لقد قيل إن للإنسان ثلاثة أنفس: أمارة بالسوء ولوَّامة ومطمئنة، والصحيح أنها نفس واحدة لها ثلاث حالات، فأحيانا تكون أمارة بالسوء تحض على الشر والفجور وهذه قرينها الشيطان، وأحيانا تكون لوامة وهى التي تلوم صاحبها لم قلت كذا ولم فعلت كذا وكان كذا أولى من كذا وقيل هي نفس المؤمن التي أقسم بها سبحانه فقال: (ولا أقسم بالنفس اللوامة) وأحيانا تكون مطمئنة وهى التي ألهمها الله التقوى، تلوم صاحبها على السيئات وتدفعه إلى التوبة والاستغفار، وهذه النفس قرينها الملك يسددها ويوفقها وهى المذكورة في قوله تعالى frown emoticon يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) [الفجر:27 - 30]، فعلى العبد أن يضرع إلى ربه في صلاح نفسه وأن يدعو ربه " اللهم أصلح لي شأني كله ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا تكلني إلى أحد من خلقك ، اللهم أعط نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها.

د.سعيدعبدالعظيم

Post: #1041
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:17 AM
Parent: #1001

مقدمة في الأخلاق

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه أما بعد:
فقد أثنى الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه فقال : ( وإنِّكَ لَعلَى خُلُقٍ عظيم ) وأمره سبحانه بمحاسن الأخلاق فقال: ( ادفع بالتى هى أحسن فإذا الذى بينك وبينه عداوةٌ كأنَّه ولىٌّ حميم ).
وجعل جل وعلا الأخلاق الفاضلة سبباً تُنال به الجنة فقال : ( وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضُها السموات والأرض أُعدَّت للمتقين الذين ينفقون فى السَّراء والضَّراء والكاظمين الغيظَ والعافينَ عنِ النَّاس واللهُ يُحبُ المحسنين ) وبعث رسوله صلى الله عليه وسلم بإتمامها فقال عليه الصلاة والسلام :"إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق" . رواه البخارى وبين صلى الله عليه وسلم فضل محاسن الأخلاق فقال : "ما من شىءٍ فى الميزان أثقل من حسن الخلق". رواه البخارى وقال:" أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقا"ً. رواه احمد وابو داود. وسئل صلى الله عليه وسلم عن أى الأعمال أفضل فقال : "حسن الخلق ولما سُئِل عن أكثر ما يُدخل الجنة قال : تقوى الله وحسن الخلق" . رواه الترمذى وصححه فإذا كان الدين هو حسن الخلق فالواجب على كل من آمن بالله واليوم الآخر وآثرنجاة نفسه أن يتعرف على هذا المعنى الجليل وأن يلتزم به.

**مفهوم الأخلاق***
الأخلاق فى اللغة جمع خُلُق والخُلُق اسم لسجية الإنسان وطبيغته التى خُلق عليها قال تعالى : ( وإنَّكَ لعلى خُلقٍ عظيم ) القلم (4) والخلق العظيم كما يقول الطبرى : الأدب العظيم وذلك أدب القرآن الذى أدبه الله به وهو الأسلام وشرائعه وعن ابن عباس رضى الله عنهما : على دين عظيم وهو الإسلام وعن مجاهد فى قوله خلق عظيم قال : الدين . وعن عائشة رضى الله عنها عندما سُئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت " كان خلقه القرآن "قال قتادة : تقول: كما هو فى القرآن.

وذكر القرطبى أن المراد بالخلق العظيم أدب القرآن وقيل : هو رفقه بأمته وإكرامه إيَّاهم وقيل المراد : إنك على طبعٍ كريم وقال أيضاً : حقيقة الخلق فى اللغة هو ما يأخذ به الإنسان نفسه من الأدب لأنه يصير كالخِلقة فيه وأمَّا ما طبع عليه الإنسان من الأدب فهو الخيم أى السجية والطبع وعلى ذلك يكون الخلق : الطبع المتكلف والخيم الطبع الغريزى وقد رجح القرطبى تفسير عائشة رضى الله عنها للخلق العظيم بأنَّه القرآن وسمى خلقه عظيما لأنه لم تكن له صلى الله عليه وسلم همة سوى الله تعالى وقيل : لإجتماع مكارم الاخلاق فيه وقيل : لأنه امتثل تأديب الله إيِّاه . وقال الماوردى فى الخلق العظيم ثلاثة أوجه :أحدها أدب القرآن ,الثانى : دين الإسلام , الثالث : الطبع الكريم وهو الظاهر . قال وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب , وسمى بذلك لأنه يعتبر كالخلقة فيه.

والخلاق:ما اكتسبه الإنسان من الفضيلة بخلقه , قال تعالى ( ماله فى الآخرة من خلاق ) البقرة 102 وقيل الخلاق هو النصيب والدين , ولا يكاد يستعمل إلا للنصيب من الخير , والخليقة الطبيعة وجمعها خلائق , والخِلقة :الفطرة. فالخٌلق بمقتضى اللغة والإصطلاح هو السجية والطبيعة سواء كانت حسنة أو قبيحة , أو العادة والطبيعة والدين والمروءة أو صفة مستقرة فى النفس ذات آثار فى سلوك الفرد والمجتمع قد تكون محمودة أو مذمومة.

**بين الأخلاق والآداب والقيم***
أحيانا يتم التعبير عن الأخلاق بالآداب فيقال فلان مؤدب عنده أخلاق أو فلان عديم الأدب لا أخلاق غنده , وأحياناً يعبر عن الأخلاق بالقيم فيقال فلان عنده قيم , وقد انتشرت فى الآونة الأخيرة كلمة القيم الروحية , فيتطلب الأمر التعريف بكل كلمة على حدة , وقد تكلمنا على معنى الأخلاق وبقى أن نتعرف على معنى الآداب والقيم.

فالأدب هو استعمال ما يُحمد قولاً وفعلاً أو هو الأخذ بمكارم الأخلاق والوقوف مع المستحسنات. وقال ابن القيم ـ رحمه الله ـ : وحقيقة الأدب : استعمال الخلق الجميل , ولهذا كان الأدب استخراجا لما فى الطبيعة من الكمال من القول إلى الفعل , وقال المناوى : الأدب رياضة النفوس ومحاسن الأخلاق ويقع على كل رياضة محمودة يتخرج بها الإنسان فى فضيلة من الفضائل , وقيل: هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ . وورد عن ابن مسعود رضى الله عنه قال : إنَّ هذا القرآن مأدبة الله تعالى فتعلموا من مأدبته , وتُقرأ مأدُبة بضم الدال وبفتحها , فإذا قُرأت بالفتح قصد بها الأدب فالقرآن هو منبع الفضائل والآداب المحمودة أمَّا بالنسبة للقيم فقد قال الزجاج: القيم مصدر بمعنى الإستقامة , ومعنى قوله تعالى ( ديناً قيماً ) الانعام 161 أى ديناً مستقيماً لا عوج فيه , وقال الراغب : أى ثابتاً مقوماً لأمور معاشهم ومعادهم , أمَّا قوله عزَّ وجلَّ frown emoticon وذلك دين القيمة ) البينة5 فقد قال ابن كثير فى تفسيرها : دين الملة القائمة العادلة أو الأمة المستقيمة المعتدلة , وقيل المراد دين الكتب القيمة .

والتقارب واضح بين مفهوم الأخلاق والقيم , ولعلنا لانكاد نلمح فارقاً بين الاثنين فالقيم والأخلاق كلاهما يتصل بكافة جوانب الحياة فهى لا تنفصل عن حياة الإنسان فى كافة جنباتها .فالفعل الخلقى هو فى صميمه فعل قيمى.

**معنى حسن الخلق***
لما كان البعض يتوهم أنه إذا أصلح فيما بينه وبين ربه فقد كفاه ذلك، بيَّن النبى صلى الله عليه وسلم أن التقوى لاتتم ولا تكتمل حتى تعطى كل ذى حقٍ حقَّه وتخالق الناس بخلقٍ حسن ، فقال صلى الله عليه وسلم :" اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلقٍ حسن" . رواه الترمذىوقال حسنُ صحيح.

وجماع حسن الخلق أن تعطى من حرمك , وأن تصل من قطعك وأن تعفو عمن ظلمك , وقالو فى معنى البر : البر شيءٌ هين , وجهٌ طليق وكلامٌ لين .
وقال الحسن فى بيان حسن الخلق: حسن الخلق بسط الوجه , وبذل الندى , وكف الأذى , وقال عبد الله بن المبارك حسن الخلق فى ثلاث :اجتناب المحارم , وطلب الحلال , والتوسعة على العيال. وقال آخر: حسن الخلق كف الأذى واحتمال المؤمن , وقال آخر : حسن الخلق ألاَّ يكون لك همٌ غير الله تعالى، وقالوا فى علامة ذى الخلق الحسن:أن يكون كثير الحياء , قليل الأذى , كثير الصلاح , صدوق اللسان , قليل الكلام, كثير العمل, قليل الزلل, قليل الفضول, براً وصولاً وقوراً صبوراً رضياً حليماً, وفياً عفيفاً, لا لعاناً ولا سباباً ولا نماماً ولا مغتاباً ولا عجولاً ولا حقوداً ولا بخيلاً ولا حسوداً, بشاشاً هشاشاً, يحب فى الله ويبغض فى الله ويرضى فى الله ويسخط لله.

**أخلاق مذمومة وسلوكيات مرذولة***
ذكرنا معنى حسن الخلق, ومنه يُفهم معنى سوء الخلق, ومن أمثلة الأخلاق المذمومة: الغدر والغرور والغش والغفلة والغل والغيبة والفجور والفحش واللغو واللؤم والمكر والمن بالعطية والقسوة والقنوط والكذب ...... مما سنتعرض له بالتفصيل بإذن الله حتى نتجنبه ونتخلى عنه - إذ التخلية أهم من التحلية, أى التخلص عن الرذائل أوجب وأهم من التحلى بالفضائل, لقول النبى صلى الله عليه وسلم فيما صح وثبت عنه : "إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ". ولما كان الوقت الذى نعيشه, وقت غربة, وجهالة, وقد تابعت فيه الأمة اليهود والنصارى حذو القذة بالقذة وحذو النعل بالنعل مصداق ما أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقد رأينا من يتخلق بأخلاق الأوروبيين !! إظهارا للتطور والتحضر بزعمه, فأصبح لا حرج من أن تراقص المرأة رجلاً أجنبياً عنها, وقد يسمح لها زوجها بذلك !! ولا مانع من أن يجد الرجل صديقه مع امرأته فى المنزل وهنا وهناك ولا اعتراض حتى لا يكون رجعياً متزمتاً !! وتسير المرأة أمام الرجال فى المواكب وتتقدم فى النزول من السيارة فهذا هو البروتوكول كما يزعمون !! ومن الإيتيكيت أن يأكل الإنسان بشماله عند هؤلاء !! وما أكثر الذوقيات والإنسانيات عند الماديين ومن تشبه بهم, المنحلة, والمنحرفة, والمخالفة لكتاب الله ولسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يجوز لنا أن نقبل الكلمة المنسوبة للشيخ محمد عبده فى وصفه الأوروبيين " أخلاقهم كديننا وأخلاقنا كدينهم " فلا يجوز التعميم ولا الانبهار بما هم عليه؛إذ لابد من إخضاع ما هم عليه من أخلاق ودين لما ورد فى كتاب الله وفى سنة الرسول صلى الله عليه وسلم قال تعالى: ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ) والحق مقبول من كل من جاء به والباطل مردود على صاحبه كائناً من كان .

**منهج الأخلاق الإسلامية***
الأخلاق فى الإسلام موصولة بالإيمان وتقوى الله ،قال تعالى: ( فأتموا إليهم عهدهم إلى مدتهم إن الله يحب المتقين ) فلا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له, وقال صلى الله عليه وسلم :" والله لا يؤمن, والله لا يؤمن, فقيل له: من هو يا رسول الله ؟ فقال : الذى لا يأمن جاره بوائقه ". متفق عليه وقال صلى الله عليه وسلم: " من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره " متفق عليه وقال " هى فى النار" للتي قيل له إنها تصوم النهار , وتقوم الليل, وتؤذى جيرانها " رواه أحمد والحاكم بإسناد صحيح , فالارتباط وثيق بين مفهوم الأخلاق ومفهوم الإيمان , وليس ثمة طريق يبلغ بالإنسان إلى كماله المنشود وصلاحه المرجو, وبالتالى سعادته المأمولة غير طريق الإيمان ولذلك نجد شيخ الإسلام ابن تيمية قد بنى مفهوم الأخلاق على الإيمان بالله وحده خالقاً ورازقاً بيده الملك , وعلى معرفة الله سبحانه وأنه المستحق للعبادة وعلى حبه جلَّ وعلا الحب الذي يستولى على مشاعر الإنسان ويدفعه إلى تحقيق رضا الله والالتزام بهذه الغاية فى كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة , وحينئذ يسمو العبد عن الأنانية وعن الأهواء , وعن المآرب الدُّنيا بحيث يصبح السلوك والعمل خلقاً من الدرجة الأولى، وبذلك نكون ماضين حقًا وصدقاً فى طريق تحقيق أو بلوغ الكمال الإنساني الذي ننشده ونتمناه.

**مناهج أخلاقية قاصرة وخاطئة***
العلوم الإنسانية فى الغرب , والتربية فى مقدمتها، تقوم على أسسٍ خطيرة , وهذه الأسس هى:
1- النظريية المادية التى لاتعترف بوجود الخالق جلَّ وعلا , وتضع مكانه الطبيعة
2- النظرية التى تخضع الإنسان لمفهوم الحيوان سواء من ناحية النفس (فرويد) أو المعدة (ماركس ) أو مسئولية المجتمع ( دور كايم ) .
3- نسبية الأخلاق بإعتبارها ليست من الدين , ولكنها عادات وتقاليد وقد تطرق هذا الخلل المادي الذى يوصف باسم العلوم الإنسانية والتربية!! إلى بعض أبناء أمتنا وتشربته نفوسهم بعد أن تعلموه ودرسوه فى الجامعات هنا وهناك , فنظريات دارون وفرويد وماركس وسارتر ودور كايم التى زيفها الغرب وفرضها على جامعاتنا على أنها علوم ـ وهى ليست كذلك ـ وجدت نفوساً مهزومة وآذاناً صاغية وقلوبا لاهية عن دينها , فكانت هذه اللوثة الأخلاقية التى تعاني الأمة من مظاهرها .

إنَّ من الخطأ أن نستبدل الذى هو أدنى بالذى هو خير , فقد أغنانا سبحانه وكفانا بالإسلام الذى رضيه لنا ديناً شاملاً لكل ناحية من نواحى الحياة ومحققاً لكل خير وكمال ( وما كان ربُكَ نسياً ) ( ألا يعلمُ منْ خلق وَهو الَّلطيفُ الخبير) , فالمناهج الفلسفية والعقلانية فيها من الثغرات وعليها من المآخذ ما يجعلها عاجزة عن تحقيق الكمال الإنساني , ولايصح التعويل فى معرفة الأخلاق على التحسين والتقبيح العقلي , فالعقل متولٍ , ولَّى الرسول صلى الله عليه وسلم ثم عزل نفسه , وهو دابة توصلك لقصر السلطان ولاتدخل بها عليه ولا يتصور وجود تعارض بين نقل صحيح وعقل صريح ,فإذا حدث قدمنا النقل على العقل ( فلا وربِك لايُؤمِنون حتى يُحكِمُوكَ فيما شجر بينهمْ ثم لا يَجِدُوا فى أنفُسِهم حرجاً مما قضيتَ ويُسلِموُا تسليماً ). ومن القصور أيضا أن ننظر إلى الفكر الصوفي على أنه الفكر الأخلاقى المعتمد للمسلمين ففى الأخلاق وغيرها لابد وأن نكون على مثل ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام , وأن ننهج منهج السلف الصالح فيما كانوا عليه من علمٍ نافع وعملٍ صالح.

**علماء سلكوا المنهج الصحيح فى الكلام على الأخلاق***
بإزاء الفلاسفة والمتكلمين برز علماء أجلاء فقهاء ومحدثون وزهاد تكلموا فى الأخلاق والتربية والسلوك وكان منهجهم الكتاب والسنة وغيرهما من المصادر الإسلامية الخالصة مثل الإجماع والقياس ونحن لا نقول بعصمة هؤلاء فكل إنسان يؤخذ من قوله ويُترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وكما قال الأمام مالك رحمه الله ـ ما منِّا إلأ ورد و رُدَّ عليه ولكن يبقى الفارق الكبير بين صحة المنهج حتى وإن أخطأ صاحبه , وبين فساد المنهج حتى وإن أصاب صاحبه , فالأول مأجور والثانى مأزور كما بين الأمام أحمد وعلى بن المديني , ونحن نذكر باختصار أسماء بعض علماء الأمة ومؤلفاتهم فى الأخلاق:

ـ ابن المبارك "كتاب الزهد " ـ وكيع بن الجراح "كتاب الزهد " ـ أحمد بن حنبل "كتاب الزهد" ـ عناد بن السرى "كتاب الزهد" أبو عبد الله المحاسبي "الوصايا" و"آداب النفس" و "الرعاية لحقوق الله" و"التوبة" ـ البخاري "صحيح البخارى" و "كتاب الأدب المفرد" ـ ابن ابى الدنيا "الإخلاص" و "الأمر بالمعروف" و" الحذر والشفقة "و "ذكر الموت"و"ذم الغضب" و "الرضا عن الله والصبر على قضائه" و"الغيبة والنميمة" و "القناعة " و" الصمت وآداب اللسان" ـ النسائي " عمل اليوم والليلة ـ ابوبكر الخرائطى " مكارم الأخلاق ومعاليها" و"مساوىء الأخلاق ومذمومها وطرائق مكروهها" ـ ابوبكر الآجري "أخلاق حملة القرآن"و "اخلاق العلماء " و" أدب النفس " و "كتاب أهل البر والتقوى " و "كتاب التوبة" و " كتاب التهجد" ـ ابن السني "عمل اليوم والليلة " ـ البيهقي "شعب الإيمان " ـ ابن الجوزى "صفة الصفوة" ـ الحافظ المنذرى " الترغيب والترهيب" ـ العز بن عبد السلام "شجرة المعارف والأصول " ـ النووي "رياض الصالحين" ـ ابن تيمية"الفتاوى" ـ الذهبي "الكبائر " ـ ابن قيم الجوزية "الفوائد " و"مدارج السالكين" و " عدة الصابرين"و "أعلام الموقعين" و " الداء والدواء" و "إغاثة اللهفان" ـ ابن مفلح " الآداب الشرعية" ـ السفاريني " غذاء الألباب".

**أخيرا***..لابد وأن نعرف :
ماذا نقرأ ولمن نقرأ ؛ حتى لايكون الإنسان حاطب ليل، فقد يحمل حية تلدغه , ولذا فنحن نقبل ابن سينا الطبيب أمَّا فلسفته فمردودة عليه لمخالفتها للوحى المنزل ,وقد امتدح شيخ الإسلام ابن تيمية كتاب المهلكات والمنجيات من إحياء علوم الدين للغزالي ـ رحمه الله ـ ، ولما سُئِل أحد العلماء هل قرأت أدب النفس لأرسطو ؟ قال : بل قرأت أدب النفس لمحمدٍ بن عبد الله ( لقدْ كانَ لكُمْ فى رسوُلِ اللهِ أُسوةٌ حسنةٌ لمِنْ كانَ يَرجُو اللهَ واليومَ الآخِر وذكرَ الله كثيراً ) .
د. سعيد عبد العظيم

Post: #1042
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:19 AM
Parent: #1001

الشكر..قيد النعم

أوليتـني نعماً أبـوح بشكرها.. .. .وكفيتني كُلَّ الأمـور بأسرها
فلأشكرنك ما حييتُ وإن أمُتْ.. .. ..فلتشكرنك أعظُمي في قبرها

يا مَن عزم على السفر إلى الله والدار الآخرة، وقد رُفع لك علم فشمّرْ إليه فقد أمكن التشمير، واجعل سيْرَك بين مطالعة منَّته ومشاهدة عيْب النفس والعمل والتقصير، فما أبقى مشهد النعمة والذنب للعارف من حسنة، يقول: هذه منُجيتي من عذاب السعير. ما المعوَّل إلاَّ على عفوه ومغفرته؛ فكلُّ أحدٍ إليها فقير. أبوء لك بنعمتك عليَّ، وأبوء بذنبي فاغفر لي.
ما تساوي أعمالك - لو سَلِمَتْ ممَّا يُبطلها - أدنى نعمة عليك، وأنت مُرتَهن بشكرها من حين أرسل بها إليك، فهل رعيتها بالله حقَّ رعايتها وهي في تصريفك وطوْع يديك؟! فتعلَّق بحبل الرجاء، وادخل من باب العمل الصالح؛ إنه غفور شكور.
نهج للعبد طريق النجاة وفتح له أبوابها، وعرَّفه طُرُق تحصيل السعادة وأعطاه أسبابها، وحذَّره من وبال معصيته وأشهده على نفسه وعلى غيره شؤمها وعقابها، وقال: إن أطعت فبفضلي وأنا أشكر، وإن عصيت فبقضائي وأنا أغفر؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ) [فاطر:34].
أزاح عن العبد العلل، وأمره أن يستعيذ من العجز والكسل، ووعده أن يشكر له القليل من العمل، ويغفر له الكثير من الزلل؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

أعطاه ما يُشكر عليه، ثم يشكُرُه على إحسانه إلى نفسه لا على إحسانه إليه، ووعده على إحسانه لنفسه أن يُحسن جزاءَه ويقرِّبه لديه، وأن يغفر له خطاياه إذا تاب منها ولا يفضحَه بين يديه؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
وثقت بعفوه هفوات المذنبين فوسعتها، وعكفت بكرمه آمال المحسنين فما قطع طمعها، وخرقت السَّبْعَ الطِّباق دعواتُ التائبين والسائلين فسمعها، ووسع الخلائق عفوُه ومغفرتُه ورزقُه؛ فما من دابة في الأرض إلاَّ على الله رزقها ويعلم مستقرّهَا ومستودعها؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

يجودُ على عبيده بالنوافل قبل السؤال، ويُعطي سائله ومؤمِّله فوق ما تعلَّقت به منهم الآمال، ويغفر لمن تاب إليه ولو بلغت ذنوبُه عدد الأموال والحصى والتراب والرمال؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأفرحُ بتوبة التائب من الفاقد لرالحته - التي عليها طعامه وشرابه في الأرض المهلكة - إذا وجدها، وأشكرُ للقيل من جميع خلقه؛ فمن تقرَّب إليه بمثقال ذرَّة من الخير شكرها وحمدها؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
أفاض على خلقه النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه: أنَّ رحمته تغلب غضبه؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
يُطاع فيشكر، وطاعته من توفيقه وفضله، ويُعصى فيحلُم ، ومعصية العبد من ظلمه وجهله، ويتوب إليه فاعل القبيح فيغفر له، حتى كأنه لم يكن قطُّ من أهله؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).

الحسنة عنده بعشر أمثالها أو يضاعفها بلا عددٍ ولا حسبان، والسيئة عنده بواحدة ومصيرها-إن شاء ربنا- إلى العفو والغفران، وباب التوبة مفتوح لديه منذ خلق السموات والأرض إلى آخر الزمان؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).
بابه الكريم مناخ الآمال ومحطُّ الأوزار، وسماء عطاه لا تقلع عن الغيث، بل هي مدرار، ويمينه ملأى لا تغيضها نفقة، سحَّاء الليل والنهار؛ (إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ).[عن:صلاح الأمة للعفاني]

الله عز وجل هو الشكور على الحقيقة:
"والله عز وجل أولى بصفة الشكر من كلَِّ شكور، بل هو الشكور على الحقيقة؛ فإنه يعطي العبد ويوفِّقه لما يشكره عليه، ويشكر القليل من العمل والعطاء فلا ييستقلّه أن يشكره، ويشكر الحسنة بعشر أمثالها إلى أضعافٍ مضاعفة، ويشكر عبده بقوله بأن يُثني عليه بين ملائكته وفي مَلَئه، ويُلقي له الشكر بين عباده ويشكره بفعله، فإذا ترك له شيئًا أعطاه أفضل منه، وإذا بذل له شيئًا ردَّه عليه أضعافًا مضاعفة، وهو الذي وفَّقه للترك والبذل وشكره على هذا وذاك.

ولمَّا عقر نبيُّه سليمان الخيل غضبًا له إذ شغلتْه عن ذكره، فأراد أن لا تشغله مرة أخرى، أعاضه عنها متْن الريح. ولما ترك الصحابة ديارهم وخرجوا منها في مرضاته؛ أعاضهم عنها أن ملّكهم الدنيا وفتحها عليهم.
ولما احتمل يوسف الصديق ضيق السجن، شكر له ذلك بأن مكَّن له في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء.
ولما بذل الشهداء أبدانهم له حتى مزَّقها أعداؤه؛ شكر لهم ذلك بأن أعاضهم منها طيرًا خضرًا أقرَّ أرواحهم فيها، تَرِدُ أنهارَ الجنة، وتأكل من ثمارها إلى يوم البعث، فيردُّها عليهم أكمل ما تكون وأجمله وأبهاه.
ولما بذل رُسُلُه أعراضهم فيه لأعدائهم فنالوا منهم وسبُّوهم؛ أعاضهم من ذلك بأن صلَّى عليهم هو وملائكته، وجعل لهم أطيب الثناء في سماواته وبين خلقه، فأخلصهم بخالصةٍ ذكرى الدار.

ومن شكره سبحانه: أنه يجازي عدوَّه بما يفعله من الخير والمعروف في الدنيا، ويخفِّف به عنه يوم القيامة؛ فلا يُضيِّع عليه ما يعمله من الإحسان، وهو من أبغض خلقه إليه!!

ومن شكره: أنه غفر للمرأة البغي بسقْيها كلبًا كان قد جهده العطش حتى أكل الثرى، وغفر لآخر بتنحيته غصْن شوكٍ عن طريق المسلمين.
فهو سبحانه يشكر العبد على إحسانه لنفسه، والمخلوق إنما يشكرُ من أحسن إليه. وأبلغ من ذلك أنه سبحانه هو الذي أعطى العبد ما يُحسن به إلى نفسه، وشكره على قليله بالأضعاف المضاعفة التي لا نسبة لإحسان العبد إليها. فهو المحسن بإعطاء الإحسان وإعطاء الشكر. فمن أحقُّ باسم الشكور منه سبحانه؟!

ومن شكره سبحانه: أنه يُخرج العبد(المؤمن) من النار بأدنى ذرَّة من خير، ولا يُضيِّع عليه هذا القدْر.
ومن شكره سبحانه: أن العبد من عباده يقوم له مقامًا يُرضيه بين الناس؛ فيشكر له، ويُنَوِّه بذكره، ويُخبر به ملائكته وعباده المؤمنين. كما شكر لمؤمن آل فرعون ذلك المقام، وأثنى عليه، ونوَّه بذكره بين عباده. وكذلك شكره لصاحب يس مقامه ودعوته إليه، فلا يهلك عليه بين شكره ومغفرته إلا هالك".[عُدَّة الصابرين وذخيرة الشاكرين لابن القيم، ص279 - 280].

معنى الشكر وأركانه:
الشكر هو الثناء على المنعم بما أولاكه من معروف.
وشكر العبد يدور على ثلاثة أركان لا يكون شكرًا على الحقيقة إلا بمجموعها وهي:
- الاعتراف بالنعمة باطنًا.
- والتحدث بها ظاهرًا.
- والاستعانة بها على طاعة الله.
فالشكر يتعلق بالقلب واللسان والجوارح، فالقلب للمعرفة والمحبة، واللسان للثناء والحمد، والجوارح لاستعمالها في طاعة المشكور وكفها عن معاصيه.

من فضائل الشكر:
لقد قرن الله عز وجل الشكر بالإيمان، وأخبر أنه لا غرض له في عذاب خلقه إن شكروا وآمنوا، فقال: (مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) [النساء:147]، أي إن وفيتم ما خلقتم له وهو الشكر والإيمان فما أصنع بعذابكم؟.
وأخبر سبحانه أن أهل الشكر هم المخصوصون بمنته عليهم من بين عباده، فقال تعالى: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) [الأنعام:53]. وقسم الناس إلى شكور وكفور، فأبغض الأشياء إليه الكفر وأهله، وأحب الأشياء إليه الشكر وأهله، فقال تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) [الإنسان:3]، وقال تعالى على لسان نبيه سليمان عليه السلام: (قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ) [النمل:40]، وقال تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم:7]. فعلق سبحانه المزيد بالشكر والمزيد منه لا نهاية له كما لا نهاية لشكره.
وقد وقف سبحانه كثيرًا من الجزاء على المشيئة كقوله تعالى: (فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ) [التوبة:28].
وقال في الإجابة: (فَيَكْشِفُ مَا تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شَاءَ) [الأنعام:41].
وقال في الرزق: (يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:212، وغيرها].
وقال في التوبة: (وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) [التوبة:15].
وأطلق جزاء الشكر إطلاقًا حيث ذكر كقوله: (وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ)[آل عمران:145]، وقال: (وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) [آل عمران:144].

ولما عرف عدو الله إبليس قدر مقام الشكر، وأنه من أجل المقامات وأعلاها جعل غايته أن يسعى في قطع الناس عنه فقال: (ثُمَّ لآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ) [الأعراف:17].
ووصف سبحانه الشاكرين بأنهم قليل من عباده فقال تعالى: (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سـبأ: 13].
وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أول رسول بعثه إلى الأرض بالشكر فقال: (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً) [الإسراء:3].وفي تخصيص نوح هاهنا بالذكر وخطاب العباد بأنهم ذريته إشارة إلى الاقتداء به، فإنه أبوهم الثاني، فإن الله تعالى لم يجعل للخلق بعد الغرق نسلاً إلا من ذريته كما قال تعالى: (وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ) [الصافات:77]، فأمر الذرية أن يتشبهوا بأبيهم في الشكر، فإنه كان عبدًا شكورًا.
وقد أخبر سبحانه أنما يعبده من شكره، فمن لم يشكره لم يكن من أهل عبادته فقال: (وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [البقرة:172].
وأخبر أن رضاه في شكره، فقال تعالى: (وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) [الزمر:7].

وأثنى سبحانه على خليله إبراهيم بشكر نعمه فقال: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِراً لأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) [النحل:120، 121]. فأخبر عنه سبحانه بأنه أمة، أي قدوة يؤتم به في الخير، وأنه كان قانتًا لله، والقانت هو المطيع المقيم على طاعته، والحنيف هو المقبل على الله المعرض عما سواه، ثم ختم له هذه الصفات بأنه شاكر لأنعمه، فجعل الشكر غاية خليله.
وأخبر سبحانه أن الشكر هو الغاية من خلقه، بل هو الغاية التي خلق عبيده لأجلها: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [النحل:78].
وقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام حتى تفطرت قدماه فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: "أفلا أكون عبدًا شكورًا". [رواه البخاري ومسلم].
وثبت عنه أنه قال لمعاذ: "والله إني لأحبك فلا تنسى أن تقول دبر كل صلاة: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك". [رواه أبو داود].
وفي صحيح مسلم عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها ويشرب الشربة فيحمده عليها". فكان هذا الجزاء العظيم الذي هو أكبر أنواع الجزاء كما قال تعالى: (وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ)[التوبة:72] في مقابلة شكره بالحمد.
والشكر قيد النعم وسبب المزيد، كما قال عمر بن عبد العزيز: "قيدوا نعم الله بشكر الله". وذكر ابن أبي الدنيا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال لرجل من همذان: "إن النعمة موصولة بالشكر، والشكر يتعلق بالمزيد، وهما مقرونان في قرن، فلن ينقطع المزيد من الله حتى ينقطع الشكر من العبد".

العلاقة بين الشكر والصبر:
قال ابن حجر رحمه الله:" الشكر يتضمن الصبر على الطاعة،والصبر عن المعصية،وقال بعض الأئمة: الصبر يستلزم الشكر ولا يتم إلا به،وبالعكس فمتى ذهب أحدهما ذهب الآخر.فمن كان في نعمة ففرضه الشكر والصبر .أما الشكر فواضح وأما الصبر فعن المعصية، ومن كان في بلية ففرضه الصبر والشكر ، أما الصبر فواضح وأما الشكر فالقيام بحق الله في تلك البلية ،فإن لله على العبد عبودية في البلاء كما له عليه عبودية في النعماء".

شكر الجوارح:
قال رجل لأبي حازم: ما شكر العينين يا أبا حازم؟ فقال: "إن رأيت بهما خيرًا أعلنته، وإن رأيت بهما شرًّا سترته". قال: فما شكر الأذنين؟ قال: "إن سمعت بهما خيرًا وعيته، وإن سمعت بهما شرًّا دفعته". قال: فما شكر اليدين؟ قال: "لا تأخذ بهما ما ليس لهما، ولا تمنع حقًّا لله هو فيهما". قال: ما شكر البطن؟ قال: "أن يكون أسفله طعامًا وأعلاه علمًا". قال: فما شكر الفرج؟ قال: "(وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المعارج:29 - 31]". قال: فما شكر الرِّجلين؟ قال: "إن علمتَ مَيْتًا تغبطه استعملتَ بهما عمله، وإن مَقَتَّهُ رغبتَ عن عمله وأنت شاكر لله، وأما من شكر بلسانه ولم يشكر بجميع أعضائه فمثله كمثل رجل له كساء فأخذ بطرفه ولم يلبسه فما نفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر".

من آثار السلف وأقوالهم في الشكر:
قال الحسن: "أكثروا من ذكر هذه النعم، فإن ذكرها شكر، وقد أمر الله نبيه أن يحدث بنعمة ربه فقال: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ)[الضحى:11]، والله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده فإن ذلك شكرها بلسان الحال.
وكان أبو المغيرة إذا قيل له: كيف أصبحت يا أبا محمد؟ قال: "أصبحنا مغرقين في النعم، عاجزين عن الشكر، يتحبب إلينا ربنا وهو غني عنَّا، ونتمقت إليه ونحن إليه محتاجون".
وقال شريح: "ما أصيب عبد بمصيبة إلا كان لله عليه فيها ثلاث نعم: ألا تكون كانت في دينه، وألا تكون أعظم مما كانت، وأنها لابد كائنة فقد كانت".
وعن سفيان في قوله تعالى: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ)[القلم:44] قال: "يسبغ عليهم النعم ويمنعهم الشكر". وقال غيره: "كلما أحدثوا ذنبًا أحدث لهم نعمة".

وكتب بعض العلماء إلى أخٍ له: "أما بعد فقد أصبح بنا من نعم الله ما لا نحصيه مع كثرة ما نعصيه، فما ندري أيهما نَشكر أجميل ما يَسَّرَ أم قبيح ما سَتَرَ".
وقال يونس بن عبيد: "قال لرجل لأبي تميمة: كيف أصبحت؟ قال: أصبحت بين نعمتين لا أدري أيتهما أفضل: ذنوب سترها الله علي فلا تستطيع أن يعيرني بها أحد، ومودة قذفها الله في قلوب العباد لا يبلغها عملي".
وقال الحسن: ما أنعم الله على عبد نعمة فقال الحمد لله إلا كان ما أعطي أكثر مما أخذ".
قال ابن القيم رحمه الله: "قوله: (الْحَمْدُ للهِ) نعمة من نعم الله، والنعمة التي حمد الله عليها أيضًا من نعم الله، وبعض النعم أجل من بعض، فنعمة الشكر أجلّ من نعمة المال والجاه والولد والزوجة ونحوها والله أعلم".
قال محمود الوراق رحمه الله:
إذا كان شكري نعمةَ الله نعمةً .. .. ..علي له في مثلها يجب الشكـرُ
فكيف وقوع الشكر إلا بفضله .. .. ..وإنْ طالت الأيام واتَّصل العمرُ
إذا مسَّ بالسراء عمَّ سرورُها .. .. ..وإن مس بالضراء أعقبها الأجرُ
وما منهما إلا له فيـه مـنة .. .. ..تضيق بها الأوهام والبر والبحرُ
نسأل الله الكريم بمنه أن يجعلنا من عباده الشاكرين.
إسلام ويب

Post: #1043
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:21 AM
Parent: #1001

ميزان الأخلاق
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله..وبعد

قال أحد الحكماء: «ثلاثة لا يُعرَفــون إلا في ثلاثة مواطن: لا يعـــرف الحليم إلا عند الغضب، ولا الشجاع إلا في الحرب، ولا الأخ إلا عند الحاجة»(1).

وهذا صحيح؛ فالشدائد تكشف كوامن الأخلاق، وتسفر عن حقائق النفوس، ولهذا كانت العرب تقول: «السفر ميزان القوم»(2)، لأنَّه يُسفر عن كثير من أخلاقهم وطبائعهم.

وهكذا فإن الإنسان لا يُعرف عند الاتفاق بل عند الاختلاف، حيث يُسفر الاختلاف عن مدى ورع الإنسان وحلمه، وتحريه والتزامه العدل والانصاف، ونحوها من الآداب التي يجتمع عليها الناس عند الاتفاق، ويتمايزون فيها عند الاختلاف والعمل؛ ولهذا قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب»(3).

كما أنَّ الاختلاف يسفر أيضاً عن عقل الإنسان، وسعة أفقه، وعمق بصيرته، ورؤيته الشمولية للمسائل.

وبيان الحق ـ المختلف فيه ـ وتصحيح المنهج مطلبان يجب التزامهما؛ لكن الرحمة والإحسان خلقان لا ينبغي إغفالهما، وحسن الظن والتماس العذر والاستغفار للمخطئ طرق لا غنى عنها لمريد الحق والعدل والنصيحة والإصلاح.

وإنَّ من الأدواء الخفية أن الطبائع الجبليَّة كسرعة الغضب وحدَّة المزاج وصلابة الرأي تطغى عند الاختلاف، وتسيطر على مواقف الإنسان، وتريه الأمور بمنظار يختلف عن حجمها الصحيح، ثم يفسرها ـ من حيث يشعر أحياناً، أو من حيث لا يشعر أحياناً أخرى ـ بأنها من الغيرة على الحق والغضب لله تعالى؛ وحقيقة الحال أنه يسير وفق أخلاقه وطبائعه الكامنة المستترة، وينسى أنَّ الغيرة على الحق لا تتنافى مع الحلم والأناة التي يحبها الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وأن الغضب لله لا يعني الجور وتجاوز الحدّ الشرعي في إنكار المنكر. ولهذا كان من الورع والتقى ترويض الطبائع الشخصية بطول المجاهدة لتستقيم مع النصوص الشرعية، ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس الشديد بالصُّرَعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب»(4).

إنَّ مشروعية الرد على المجتهد المخطئ من أهل العلم والفضل لا تؤسس على الإطلاق لمشروعية الجور عليه وإيذائه وازدرائه، كما إن مشروعية الرد على المجتهد المخطئ لا تؤسس على الإطلاق لمشروعية تفريق الأمة وشرخ وحدتها. وتصحيح خطأ المخطئ لا يعني فضحه وإسقاطه، خاصة إذا تواترت أمانته، وعرفت عدالته. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «أهل السنة والعلم والإيمان يعرفون الحق، ويتبعون سنة الرسول، ويرحمون الخلق، ويعدلون فيهم، ويعذرون من اجتهد في معرفة الحق فعجز عن معرفته، وإنما يذمون من ذمه الله ورسوله، وهو المفرِّط في طلب الحق لتركه الواجب، والمعتدي المتبع لهواه بلا علم لفعله المحرم، فيذمون من ترك الواجب أو فعل المحرم، ولا يعاقبونه إلا بعد إقامة الحجة عليه، كما قال ـ تعالى ـ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء: 15] ، لا سيما في مسائل تنازع فيها العلماء، وخفي العلم فيها على أكثر الناس»(5).

كثيرون أولئك القادرون على ردِّ خطأ المخطئ، ولكن القادرين على بيان الحق برحمة وإشفاق، القادرين على إعانة المخطئ في العودة عن خطئه قلة قليلة. وروَّاد الأمَّة وأولو النهى فيها هم وحدهم القادرون على إيجاد البيئة العلمية المتزنة، والمناخ الفكري الجاد، الذي يقدر الحوار العلمي، ويحيي أدب الاختلاف، وهم القادرون على إعادة التوازن في الأمَّة بأناتهم وحلمهم، وخاصة عند ظهور فتنة الاختلاف وكثرة الرويبضات؛ فهم ملتزمون ببيان الحق بدليله، وتصحيح الخطأ، ولكنهم في الوقت نفسه حريصون على تماسك الصف وثبات أركانه، يعلمون أنَّ غفلتهم عن أحد هذين الركنين ستكون سبباً للتصدع وفساد ذات البين وذهاب الريح.

إنَّ فتنة الاختلاف والتدابر من أشد الفتن فتكاً في صفوف الصالحين، وبظهور الفتنة يكثر الجدل، والقيل والقال، ويصبح مطية كثير من الناس: زعموا. وعند بداية الفتنة يكون الشيطان عشيراً لبعض ذوي العجلة يؤزهم إلى تأجيجها، وإشعال لهيبها، وإنَّ من السوقة وذوي النفوس الضعيفة من إذا سمع هَيْعَةً إلى نزاع طار بها فرحاً، وراح يتتبع مظان الخلاف والتهارش، ولا تسمع منه إلا هدير المشاكسة والمجادلة، يدافع الناس بكتفيه ويباريهم بصوته وصخبه، وربما تدثر بدثار الغيرة والدفاع عن الحق كما تقدم..!!

وباشتداد فتنة الاختلاف يكثر التنازع، ويظهر التفرق، وتفتح أوراق الماضي، وتستدعى كوامن النفس وحظوظها، وتفسر الاجتهادات بمنظار التهمة والريبة، حتى ترتفع راية الفشل التي سمى الله في كتابه(6)، نسأل الله السلامة! وقد يصل بعضهم عند اختلافهم مع إخوانهم إلى ما وصل إليه ذلك الرجل الأزدي الذي رمى بنفسه في الماء يريد إنقاذ غريق استنجد به، فما زال يسبح حتى أصبح قريباً منه، ثم قال له: ممَّن الرجل؟ فقال له: من بني تميم! فقال الأزدي: امض راشداً.. فو الله ما تأخرت عنه ذراعاً حتى غرق! ووالله لو كانت معي لبنة لضربت بها رأسه!!(7).

إنَّ روَّاد الأمة يقفون على أرض راسخة من البصيرة والورع لا يستفزهم الجدل، ولا تثيرهم أهواء الناس، بل تراهم يأخذون بحظ وافر من النصيحة والتواصي بالحق والتواصي بالصبر، وليس كل أحد يستطيع أن يبصر مآلات الأمور، وليس كل مبصر لها قادر على درئها. وإنَّ الرجل المبارك ليرى المرجل يغلي بين الصفوف، فيعينه ربه ـ عز وجل ـ على امتصاص الفتنة وإطفاء لهيبها، بما آتاه الله من الهدى والحكمة والأفق الواسع؛ فهو يتجاوز ظواهر الأعراض وينفذ إلى بواطنها، وينطلق من سطحية الأسباب إلى جوهرها، وصدق الإمام ابن القيم: «نور العقل يضيء في ليل الهوى فتلوح جادة الصواب، فيتلمح البصير في ذلك عواقب الأمور»(8)، ولئن كان بيان الحق واجباً والسكوت عن الخطأ منكراً، فإن الناصح المشفق من أهل العلم والتقى يستصحب بقية المصالح، ويدرأ ما أمكن من المفاسد، وينظر بعين المصلح الذي يرعى المقاصد الشرعية المأمور بها جميعها، فيقدم أولاها وأقربها لمراد الله ـ عزَّ وجل ـ ومرضاته.

ولهذا كان الأئمة يتركون بعض الرأي والعمل الاجتهادي رغبة في اجتماع الكلمة ودرءاً للفتنة(9)، اهتداءً بهدي النبي صلى الله عليه وسلم الذي ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم الخليل ـ عليه الصلاة والسلام ـ وقال في تفسير ذلك لعائشة ـ رضي الله عنها ـ: «لولا أن قومك حديثٌ عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجَدْرَ في البيت، وأن ألصق بابه بالأرض»(10).

إن أبناء الصحوة الإسلامية بحاجة ماسة إلى التربية الإيمانية التي تهذب النفوس وتقودها إلى الاتزان البصير في اجتهاداتها، والاعتدال الراشد في مواقفها وردود أفعالها، وغياب هذه التربية سيجعلنا عرضة لمزيد من التمزق والتشتت، أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن...!!

--------------------------------------------------------------------------------

(1) عيون الأخبار، (3/95).

(2) المرجع السابق، (1/218).

(3) أخرجه: أحمد (30/265)، والنسائي في كتاب السهو (3/54، 55)، وصححه الألباني في صحيح الجامع (1/411)، والأرناؤوط في تحقيق المسند.

(4) أخرجه: البخاري في كتاب الأدب، باب الحذر من الغضب (10/518)، ومسلم في كتاب البر، باب فضل من يملك نفسه (4/2014).

(5) مجموع الفتاوى، (27/238).

(6) قال الله ـ تعالى ـ: {وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال: 46] .

(7) عيون الأخبار.

(8) الفوائد، (ص 49).

(9) انظر: خلاف الأمة في العبادات ومذهب أهل السنة والجماعة، لابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية (3/115 ـ 117)، وقاعدة في توحد الملة وتعدد الشرائع لابن تيمية، ضمن مجموعة الرسائل المنيرية، (3/140 ـ 142).

(10) أخرجه: البخاري في كتاب الحج، باب فضل مكة وبنيانها، (1586)، ومسلم في كتاب الحج، باب نقض الكعبة وبنائها، (1333).
البيان 177

Post: #1044
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:23 AM
Parent: #1001

الورع
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي ، له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله ، أما بعد:
فالورع مصطلح من منا لم يسمع عنه؟ ومن منا لم يطرق سمعه؟ إن من يقرأ في سير السلف أو يستمع إلى وصاياهم أو يدرس سيرهم لا بد أن تتكرر هذه الكلمة على سمعه كثيراً، ويرى وهو يقرأ أنه يتحدث عن قضية تاريخية أصبح بيننا وبينها حجراً محجوراً، وحين نقرأ سير السلف وأخبارهم في الورع والزهد والرقائق فإننا قد نحكم على تلك الروايات بالضعف والبطلان، وتارة نتهم من روي عنهم بالمبالغة والتشدد، وأخرى نتهم الراوي بالغلط والخطأ، وقد يكون شيء من ذلك صحيحاً، لكننا نادراً ما نتهم أنفسنا وأنها لم تَرْقُ إلى إدراك هذه المعاني، وأن قلوبنا لم تَصْفُ لترى أن ما عليه أولئك هو الخوف من الله سبحانه وتعالى، وأن ما عليه أولئك هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم والسلف السابقين.

ولقد قدمت رِجْلاً وأخرت أخرى وأنا أريد الحديث حول هذا الموضوع، حتى إني وأنا أعد له وأقرأ عزمت ألا أتحدث عن هذا الموضوع، ليس تقليلاً من شأنه وأهميته، لكن شعورا بأنه ينبغي ألاَّ يتحدث عن الورع إلاَّ أهل الورع، وينبغي ألاَّ يتحدث عن الصدق إلا الصادقون الخائفون المخبتون، والمتشبّع بما لم يعط كلابس ثوبي زور، لكن عزائي أن أقول لكم اسمعوا مقالي وإياكم وحالي، فالقضية أقوال وشذرات من سير سلف الأمة نسعى إلى ربطها بواقعنا، ونقولها لإخواننا ونحن جميعاً نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من الورعين المتقين الصالحين، وإن لم ترق أنفسنا إلى منازلهم فلنتشبه بهم؛ فإن من تشبه بقوم فهو منهم، والتشبه بالكرام فلاح.
الورع معشر الإخوة الكرام مصطلح نبوي شرعي؛ فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه البيهقي - في وصيته لأبي هريرة رضي الله عنه:"كن ورعاً تكن أعبد الناس، وكن قنعاً تكن أشكر الناس، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمنا، وأحسن مجاورة من جاورك تكن مسلماً، وأَقِلّ الضحك؛ فإن كثرة الضحك تميت القلب".
وروى البزار والحاكم والطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رضي الله عنه، ورواه الحاكم أيضاً من حديث سعد أنه صلى الله عليه وسلم قال: "فضل العلم أحب إليَّ من فضل العبادة وخير دينكم الورع".
ففي هذه النصوص الصحيحة عنه صلى الله عليه وسلم أطلق صلى الله عليه وسلم فيها هذا اللفظ وهذا المصطلح، فهو إذن مصطلح شرعي نبوي، وإن كان ليس من شروط هذه المصطلحات أن ترد بنصها عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما دام المصطلح لا يعارض النصوص الشرعية فلا مشاحة في الاصطلاح.

أما الأدلة له على معنى الورع دون لفظه فهي أدلة كثيرة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومنها الحديث العظيم الجامع الذي جعله جمعٌ من أهل العلم أحد الدعائم التي يقوم عليها الإسلام، وهو حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"إن الحلال بيّن وإن الحرام بيِّن، وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثيرٌ من الناس، فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات كراعٍ يرعى حول الحمى يوشك أن يواقعه" والحديث مشهور في كتب السنة بروايات عدة، ويحفظه الصغير والكبير، وهو قاعدة في التورع مما يشتبه منه، مع أن معنى الورع -كما سيأتي- يأخذ مدى أكبر من هذا المدى ودائرة أوسع من هذه الدائرة، والتورع عن المشتبهات والبعد عنها ليس إلا باباً من أبواب الورع.

ومن الأدلة في هذا المعنى حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"البر حسن الخلق، والإثم ما حاك صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس" والحديث رواه الإمام مسلم في صحيحه.
وحين جاء وابصة بن معبد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم : "جئت تسأل عن البر" ، فقال: نعم ، قال له صلى الله عليه وسلم:"استفت قلبك؛ البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك" رواه أحمد والدارمي، وله شاهد عند الإمام أحمد من حديث ثعلبة، وهذا الحديث فيه إيماء وإشارة إلى تلك الحساسية المرهفة التي يملكها عباد الله الصالحون؛ فصارت نفوسهم تطمئن إلى البر وترتاح إليه، وصارت نفوسهم تأنف من المعصية وإن أفتاها الناس وأفتوها، ولا شك أن هذا الحديث مع ما فيه من الدلالة على الأمر بالتورع مما حاك في الصدر وإتيان ما اطمأنت إليه النفس، فهو إشارة إلى حال الصالحين وحال قلوبهم التي ترى بنور الله سبحانه وتعالى؛ فتطمئن هذه القلوب للبر والهدى والتقى والصلاح، وتشعر باشمئزاز ونفور وتردد من الإثم وأسبابه، ولو أفتاها الناس، وهذا المقياس في مسألة البر والإثم ليس إلا لعباد الله الصادقين، بل لعله أن يكون أمارة نختبر بها قلوبنا؛ فإن كانت تطمئن للبر والصلاح والتقوى وتشمئز من المعصية والسيئة وتنفر منها فهي قلوب صالحة بإذن الله، وإن كانت دون ذلك فهي بحاجة إلى تزكية وإصلاح.
وهو ليس خطاباً للمعرضين الذين علا الران على قلوبهم، فأصبحت نفوسهم مأسورة بهواها وشهواتها، فقلبه ونفسه إنما تطمئن لمعصية الله سبحانه وتعالى وإيذاء عباده المؤمنين المتقنين، بل كم من الناس انقلبت الموازين لديه فأصبحت السيئة حسنة والحسنة سيئة.
إذن فهذا المقياس إنما هو لأولئك الصالحين الذين توجهت قلوبهم لله سبحانه وتعالى فأصبح القلب لا يحب إلا لله ولا يبغض إلا لله سبحانه وتعالى، ولا يتوجه إلا لله، وقبلته إلى الله عز وجل لا يفارقها؛ فكما أنه يستقبل القبلة في صلاته ويقف بين يدي الله عز وجل كل يوم خمس مرات فقلبه إنما قبلته لله لا يمكن أبداً أن يستقر في قلبه محبة غير الله أو التوجه له، أو أن يكون فيه إرادة تخالف أمر الله سبحانه وتعالى وشرعه، لهذا ارتقت هذه النفوس إلى هذا القدر ؟فصارت تطمئن للبر وتشمئز من الإثم؛ فمنحها الله عز وجل هذا النور وهذا الفرقان وفي آية أخرى( يا أيها الذين آمنوا إن تتقو الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويجعل لكم نورا تمشون به...)
قواعد في الورع
القاعدة الأولى: الورع منه واجب ومنه مستحب:

كثير من الناس حينما يطلق مصطلح الورع ينصرف ذهنه إلى دقائق الورع، والبعد عن المشتبهات؛ فيرى أن الورع ليس ضمن دائرة الواجبات إنما هو مقام للخاصة والصالحين، وليس واجباً على أحاد الناس.
قال شيخ الإسلام:" فأما الورع المشروع المستحب الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فهو اتقاء ما يخاف أن يكون سبباً للذم والعذاب عند عدم المعارض الراجح، ويدخل في ذلك أداء الواجبات والمشتبهات التي تشبه الواجب، وترك المحرمات والمشتبهات التي تشبه الحرام، وإن أدخلت فيه المكروهات قلت: يخاف أن تكون سبباً للنقص والعذاب، وأما الورع الواجب فهو اتقاء ما يكون سبباً للذم والعذاب، وهو فعل الواجب وترك المحرم، والفرق بينهما (أي بين الورع الواجب والمستحب) فيما اشتبه أمِن الواجب أم ليس منه؟ وما اشتبه تحريمه أمن المحرم أم ليس منه" ؟

القاعدة الثانية: أن ما لا ريب في حله ليس فيه ورع بل الورع فيه من التنطع:
قال رحمه الله:"وأمَّا ما لاريب في حله فليس تركه من الورع، وما لا ريب في سقوطه فليس فعله من الورع".

القاعدةالثالثة- الورع يكون في الفعل كما هو في الترك:
وذلك أن البعض من الناس يعتقد أن الورع يكون في الترك فقط، قال شيخ الإسلام ابن تيمية:"لكن يقع الغلط في الورع من ثلاث جهات: أحدها اعتقاد كثير من الناس أنه من باب الترك فلا يرون الورع إلا في ترك الحرام لا في أداء الواجب، وهذا يُبتلى به كثيرٌ من المتدنيين المتورعة ، ترى أحدهم يتورع عن الكلمة الكاذبة وعن الدرهم فيه شبهة لكونه من مال ظالم أو معاملة فاسدة، ويتورع عن الركون إلى الظلمة من أجل البدع في الدين وذوي الفجور في الدنيا، ومع هذا يترك أموراً واجبة عليه إما عيناً وإما كفاية وقد تعيَّنت عليه من صلة رحم وحق جار ومسكين وصاحب ويتيم وابن سبيل وحق مسلم وذي سلطان وذي علم، وعن أمر بمعروف ونهي عن منكر وعن الجهاد في سبيل الله إلى غير ذلك مما فيه نفع للخلق في دينهم ودنياهم مما وجب عليه، أو يفعل ذلك لا على وجه العبادة لله تعالى بل من جهة التكليف ونحو ذلك".
القاعدة الرابعة: أن الورع إنما هو بأدلة الكتاب والسنة:
قال رحمه الله:"الجهة الثانية من الاعتقاد الفاسد: أنه إذا فعل الواجب والمشتبه وترك المحرم والمشتبه، فينبغي أن يكون اعتقاد الوجوب والتحريم بأدلة الكتاب والسنة وبالعلم لا بالهوى، وإلا فكثير من الناس تنفر نفسه عن أشياء لعادة ونحوها، فيكون ذلك مما يقوي تحريمها واشتباهها عنده، ويكون بعضهم في أوهام وظنون كاذبة فتكون تلك الظنون مبناها على الورع الفاسد فيكون صاحبه ممن قال الله تعالى فيه: ( إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس …) ومن هذا الباب الورع الذي ذمه الرسول صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لما ترخص في أشياء فبلغه أن أقواما يتنزهون عنها. فقال: ما بال أقوام يتنزهون عن أشياء أترخص فيها؟ والله إني لأرجو أن أكون أعلمهم بالله وأخشاهم، وفي رواية أخشاهم وأعلمهم بحدودهم له وكذلك حديث صاحب القُبلة، ولهذا يحتاج المتدين المتورع إلى علم كثير بالكتاب والسنة والفقه في الدين، وإلاَّ فقد يفسد تورعه الفاسد أكثر مما يصلحه، كما فعله الكفار وأهل البدع من الخوارج والروافض وغيرهم".

القاعدةالخامسة: الورع لا يكون إلا بالإخلاص:
قد تأتي الإنسان اعتبارات تدفع إلى الورع، فقد يكون له مقام واعتبار ويرى أنه مما ينبغي أن لا يليق بأمثاله أمام الناس، فيكون دافعه إلى ذلك مُراءاة الناس، وقد يكون دافعه حظ النفس أو هوى النفس، أو غيرها من الأمور؛ فالورع مثل سائر الأعمال الصالحة التي يتقرب فيها الإنسان إلى الله عز وجل لابد فيها من الإخلاص، قال شيخ الإسلام:"واعلم أن الورع لا ينفع صاحبه ويكون ثواب إلا بفعل المأمور به من الإخلاص".

القاعدة السادسة: التدقيق في مسائل الورع للخاصة وليس لآحاد الناس:
قال الحافظ ابن رجب: "وههنا أمرٌ ينبغي التفطن له وهو أن التدقيق في التوقف عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله في التقوى والورع، فأما من يقع في انتهاك المحرمات الظاهرة ثم يريد أن يتورع عن شيء من دقائق الشبه فإنه لا يحتمل له ذلك، بل ينكر عليه وهذا حال بعض المتكلفين المرائين يسلك هذا المسلك كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق : يسألونني عن دم البعوض وقد قتلوا الحسين وسمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول:"هما ريحانتاي في الدنيا"…. ونقل بعض النقول عن بعض السلف هي أمثلة عن هذا النوع من ذلك ،ثم قال :وسأل بشر بن الحارث عن رجل له زوجة وأمه تأمره بطلاقها، فقال: إن كان بر أمه في كل شيء ولم يبق من برها إلا طلاق زوجته فيفعل، وإن كان يبرها بطلاق زوجته ثم يقوم بعد ذلك إلى أمه فيضربها فلا يفعل، وسُئِل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يشتري بقلاً ويشترط الخوصة -يعني التي يربط بها جزرة النقل- فقال أحمد :إيش هذه المسائل، قيل له إنه: إبراهيم بن أبي نعيم، قال: إن كان إبراهيم بن أبي نعيم فنعم، هذا يشبه ذلك، وإنما أنكر أحمد هذه المسائل ممن لا يشبه حاله وأما أهل التدقيق في الورع فيشبه حالهم هذا، وقد كان الإمام أحمد نفسه يستعمل في نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشتري له سمنا فجاء به على ورقة فأمر برد الورقة إلى البائع، وكان أحمد لا يستمد من محابر أصحابه وإنما يخرج منه محبرة يستمد منها، واستأذنه رجل أن يكتب من محبرته فقال:اكتب فهذا ورع مظلم، واستأذنه آخر في ذلك فتبسم وقال: لم يبلغ ورعي ولا ورعك هذا، وهذا قاله على وجه التواضع، وإلاَّ فهو كان في نفسه يستعمل هذا الورع، وكان ينكره على من لم يصل إلى هذا المقام بل يتسامح في المكروهات الظاهرة ويقدم على الشبهات من غير توقف".

وهذا الأمر مهم أن نعيه ونحن نقرأ ، ووردت بعض الروايات عن السلف في ورعهم حتى لا نقع في هذا الغلط الذي له آثار سلبية على نفوسنا؛ فنحن أحوج ما نكون إلى الورع الواجب، وأحوج ما نكون إلى اجتناب المحرمات الظاهرة الواضحة، وأحوج ما نكون إلى إصلاح قلوبنا، فإذا انشغلنا بهذه الدقائق تركت آثاراً على أنفسنا، منها أن تشعر أنفسنا بالزهو واحتقار الآخرين وأن الناس لا يتورعون، ومنها أن تنشغل النفس عما هي أولى به من إصلاح القلب والورع الواجب.
الشيخ محمد الدويش

Post: #1045
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 01:24 AM
Parent: #1001

من وسائل اكتساب الأخلاق: الأسوة الحسنة
الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد، وهذا أمر واقعٌ مشاهد في دنيا الناس، فإذا نظرت إلى كثير من الكافرين وجدت أن كفرهم كان تقليداً لآبائهم وكبرائهم: (وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا) [البقرة:170] وقالوا: (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون). [الزخرف:22].

وليس المقصود الحديث عن الكافرين، إنما المقصود أن نبرهن على أن الإنسان بطبعه يميل إلى التقليد.
وعلى هذا فإن المسلم إذا أُبرزت أمامه القدوات الطيبة والنماذج الراقية فإنه يسارع إلى تقليدها والتأسي بها.
إن المسلم مطالب بالتأسي بالنماذج الطيبة المرضية عند الله تعالى، وقد وجدنا القرآن يقول للرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن تحدث عن بعض الأنبياء والمرسلين:(أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ...) الآية.

وهذه القدوة الصالحة لها تأثير عجيب في اكتساب الفضائل لأسباب متعددة.. منها:

1) كون هذه القدوة محل تقدير وإعجاب كبير من الناس، مما يولد في الفرد المحروم من أسباب هذا المجد حوافز قوية تدفعه إلى تقليد هذه القدوة الصالحة ومحاكاتها في أخلاقها وسلوكها، مما يحولها مع الوقت إلى خلق مكتسب.

2) وجود القدوات الصالحة والنماذج الحسنة يعطي الآخرين قناعة بأن بلوغ هذه الفضائل أمر ممكن فيدفع إلى محاولة التخلق بمثل أخلاقه.

3) أن النفس البشرية تتأثر بالأمور العملية أكثر بكثير من تأثرها بالأمور النظرية ؛ولهذا وجدنا أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها تشير على النبي أن يبدأ بحلق رأسه بعد صلح الحديبية في وقت امتنع فيه كثير من المسلمين عن الحلق فلما رأوا رسول الله حلق تسابقوا إلى الحلق تأسيا به صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أيضا أثر عن بعض السلف قوله:إن فعل رجل في ألف رجل أبلغ من قول ألف رجل في رجل.
ولأن للقدوة الصالحة تأثيراً عجيباً في اكتساب الفضائل وجدنا القرآن الكريم يوجه إلى التأسي بخير الخلق وأحسنهم خلقاً: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة) [الأحزاب:21].
فهو خير قدوة يقتدي بها الأفراد العاديون، والأفراد الطامحون لبلوغ الكمال الإنساني في السلوك.

ولئن انتقل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جوار ربه فإن الله قد حفظ لنا سنته، وبقيت سيرته خالدة شاهدة على سمو روحه وكمال نفسه ورفعة أخلاقه ، فما على من أراد التأسي به إلا مطالعتها والعمل بما كان عليه صلى الله عليه وسلم.
وإذا نظرنا إلى ذلك الجيل الفريد الذي رباه النبي صلى الله عليه وسلم لوجدناه أفضل قدوة للمجتمع المسلم على مر العصور. بل لا يكاد يخلو عصرٌ من العصور من فئة مؤمنة صالحة تمثل القدوة الحسنة لمن أراد التأسي بها.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك" [البخاري ومسلم].

ومما ينبغي على المصلحين والدعاة المربين : أن يبرزوا هذه النماذج الصالحة ليتأسى بها الشباب والناس كافة في وقت يراد لنا أن يكون الأسوة فينا هو اللاعب والفنان والراقصة.
فقد أجرت إحدى الجامعات في بعض الدول الإسلامية استبيانا بين مجموعة من الشباب والفتيات وكان السؤال :ماذا تريد أن تكون؟
والمذهل أن نسبة كبيرة أجابوا بأنهم يريدون أن يكونوا ممثلين أو لاعبي كرة، مما دفع الباحثين إلى التساؤل: فمن يكون الطبيب والمهندس والمحامي...إلخ ؟!!.

ومرد ذلك _من وجهة نظرنا _ إلى تعمد إبراز هذه النماذج على أنها نجوم المجتمع إضافة إلى الحياة المادية الطاغية التي تصطبغ بها كثير من المجتمعات ، كما إن من أهم أسباب هذه الظاهرة الجهل ، الجهل بتعاليم الدين والجهل بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ،وسيرة الصحابة والعلماء والمصلحين.

ولذلك فإننا حين ننادي بالعودة إلى مثل ما كان عليه السلف الصالح فإننا لا ندعو إلى العودة إلى حياة الناقة والجمل كما يظن بعض الجهال والمغرضين ، إننا إنما ندعو للعودة إلى مثل ما كانوا عليه في المعتقد والعمل والأخلاق والقيم حتى تسود الفضيلة وتتلاشى الرذيلة ويسعد الناس بمجتمعات فاضلة.
إسلام ويب

Post: #1046
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 10:55 PM
Parent: #1001

الحقد داءٌ دفينٌ ليس يحمله.. ..إلا جهولٌ ملـيءُ النفس بالعلل
مالي وللحقد يُشقيني وأحمله.. ..إني إذن لغبيٌ فاقدُ الحِيَل؟!
سلامة الصدر أهنأ لي وأرحب لي.. ..ومركب المجد أحلى لي من الزلل
إن نمتُ نمتُ قرير العين ناعمـها.. .. وإن صحوت فوجه السعد يبسم لي
وأمتطي لمراقي المجد مركبــتي.. ..لا حقد يوهن من سعيي ومن عملي
مُبرَّأ القلب من حقد يبطئـــني.. .. .أما الحقود ففي بؤس وفي خطــل

إن الحقد حمل ثقيل يُتعب حامله؛ إذ تشقى به نفسه، ويفسد به فكره، وينشغل به باله، ويكثر به همه وغمه. ومن عجبٍ أن الجاهل الأحمق يظل يحمل هذا الحمل الخبيث حتى يشفي حقده بالانتقام ممن حقد عليه.
إن الحقد في نفوس الحاقدين يأكل كثيراً من فضائل هذه النفوس فيربو على حسابها.

معنى الحقد:
إذا نظرنا إلى الحقد وجدناه يتألف من: بُغض شديد، ورغبة في الانتقام مضمرة في نفس الحاقد حتى يحين وقت النَّيْل ممن حقد عليه.فالحقد إذاً هو إضمار العداوة في القلب والتربص لفرصة الانتفام ممن حقد عليه.
لقد امتدح الله المؤمنين الذين صفت نفوسهم وطهرت قلوبهم فلم تحمل حقدًا على أحد من المؤمنين: (لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ * وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:8- 11].
وقد تضعف النفس أحيانًا فتبغض أو تكره لكن لا تستقر هذه البغضاء في نفوس المؤمنين حتى تصير حقداً، بل إنها تكون عابرة سبيل سرعان ما تزول؛ إذ إن المؤمن يرتبط مع المؤمنين برباط الأخوة الإيمانية الوثيق ؛فتتدفق عاطفته نحو إخوانه المؤمنين بالمحبة والرحمة، فهل يتصور بعد هذا أن يجد الغل والحقد إلى قلبه سبيلاً؟

حكم الحقد:
لقد عد بعض العلماء الحقد من كبائر الباطن التي ينبغي على المؤمن أن يتنزه عنها، وأن يتوب إلى الله منها.

علاج الحقد:
أما علاج الحقد فيكمُنُ أولاً في القضاء على سببه الأصلي وهو الغضب، فإذا حدث ذلك الغضب ولم تتمكن من قمعه بالحلم وتذكُّر فضيلة كظم الغيظ ونحوهما، فإن الشعور بالحقد يحتاج إلى مجاهدة النفس والزهد في الدنيا، وعليه أن يحذِّر نفسه عاقبة الانتقام، وأن يعلم أن قدرة الله عليه أعظم من قدرته، وأنه سبحانه بيده الأمر والنهي لا رادّ لقضائه ولا معقب لحكمه، هذا من ناحية العلم، أما من حيث العمل فإن من أصابه داء الحقد فإن عليه أن يكلف نفسه أن يصنع بالمحقود عليه ضد ما اقتضاه حقدُهُ فيبدل الذمَّ مدحاً، والتكبُّر تواضعاً، وعليه أن يضع نفسه في مكانه ويتذكر أنه يحب أن يُعامل بالرفق والوُدِّ فيعامله كذلك.
إن العلاج الأنجع لهذا الداء يستلزمُ أيضًا من المحقود عليه إن كان عادياً على غيره أن يُقلع عن غيِّه ويصلح سيرته، وأن يعلم أنه لن يستلَّ الحقد من قلب خصمه إلا إذا عاد عليه بما يُطمئنه ويرضيه، وعليه أن يُصلح من شأنه ويطيب خاطرَهُ، وعلى الطَّرف الآخر أن يلين ويسمح ويتقبل العُذر، وبهذا تموتُ الأحقادُ وتحلُّ المحبةُ والأُلفة.

من مضارِّ الحقد:
قال بعض العلماء:[.. إن فساد القلب بالضغائن داءٌ عُضالٌ، وما أسرع أن يتسرب الإيمان من القلب المغشوش، كما يتسرب السائلُ من الإناء المثلوم.
إن الشيطان ربما عجز أن يجعل من الرجل العاقل عابد صنمٍ، ولكنه -وهو الحريص على إغواء الإنسان وإيراده المهالك- لن يعجز عن المباعدة بينه وبين ربه، حتى يجهل حقوقه أشد مما يجهلها الوثني المخرّف، وهو يحتال لذلك بإيقاد نار العداوة في القلوب، فإذا اشتعلت استمتع الشيطان برؤيتها وهي تحرق حاضرَ الناس ومستقبلهم، وتلتهم علائقهم وفضائلهم، ذلك أن الشر إذا تمكن من الأفئدة (الحاقدة) تنافر ودها وارتد الناس إلى حالٍ من القسوة والعناد، يقطعون فيها ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض.

إن الحقد المصدرُ الدفين لكثير من الرذائل التي رهَّب منها الإسلام، فالافتراء على الأبرياء جريمة يدفع إليها الكره الشديد (الحقد) وقد عدها الإسلام من أقبح الزور، أما الغيبة فهي متنفَّسُ حقدٍ مكظوم، وصدر فقير إلى الرحمة والصفاء، ومن لوازم الحقد سوء الظن وتتبع العوارت، واللمز، وتعيير الناس بعاهاتهم، أو خصائصهم البدنية أو النفسية، وقد كره الإسلام ذلك كله كراهيةً شديدةً.

إن جمهور الحاقدين تغلي مراجل الحقد في أنفسهم، لأنهم ينظرون إلى الدنيا فيجدون ما تمنوه لأنفسهم قد فاتهم، وامتلأت به أكفٌّ أخرى، وهذه هي الطامة التي لا تدع لهم قرارًا، وهم بذلك يكونون خلفاء إبليس - الذي رأى أن الحظوة التي كان يتشهَّاها قد ذهبت إلى آدم - فآلى ألا يترك أحداً يستمتع بها بعدما حُرمها، وهذا الغليان الشيطاني هو الذي يضطرم في نفوس الحاقدين ويفسد قلوبهم، فيصبحون واهني العزم، كليلي اليد، وكان الأجدر بهم أن يتحولوا إلى ربهم يسألونه من فضله، وأن يجتهدوا حتى ينالوا ما ناله غيرهم، إذ خزائنه سبحانه ليست حِكراً على أحد، والتطلع إلى فضل الله عز وجل مع الأخذ بالأسباب هي العمل الوحيد المشروع عندما يرى أحدٌ فضل الله ينزلُ بشخصٍ معين، وشتان ما بين الحسد والغبطة أو بين الطموح والحقد.

سلامة الصدر..طريق إلى الجنة:
لقد وصف الله أهل الجنة وأصحاب النعيم المقيم في الآخرة بأنهم مبرئون من كل حقد وغل، وإذا حدث وأصابهم شيءٌ منها في الدنيا فإنهم يُطهرون منها عند دخولهم الجنة: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ) [الأعراف:43]. ولهذا رأينا مَن يُبَشَّرُ بالجنة من بين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لسلامة صدره، ففي الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: "كنا جلوساً مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة، فطلع رجل من الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علَّق نعليه بيده الشمال، فلما كان الغد قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل ذلك، فطلع ذلك الرجل مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي صلى الله عليه وسلم مثل مقالته أيضاً، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو، فقال: إني لاحيت أبي فأقسمتُ أني لا أدخل عليه ثلاثاً، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضي فعلت، قال: نعم، قال أنس: فكان عبد الله يحدث أنه بات معه تلك الثلاث الليالي فلم يره يقوم من الليل شيئاً غير أنه إذا تعارَّ تقلب على فراشه ذكر الله عز وجل، وكبر حتى لصلاة الفجر. قال عبد الله: غير أني لم أسمعه يقول إلا خيرًا، فلما مضت الثلاث الليالي وكدت أن أحتقر علمه قلت: يا عبد الله لم يكن بيني وبين أبي غضبٌ ولا هجرةٌ، ولكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لك ثلاث مرات: يطلع عليكم الآن رجلٌ من أهل الجنة، فطلعت أنت الثلاث المرات، فأردت أن آوي إليك، فأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك عملت كبير عملٍ، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ما هو إلا ما رأيت، فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجدُ في نفسي لأحد من المسلمين غِشًّا ولا أحسدُ أحداً على خير أعطاه الله إياه، فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك".

فيا أخي الحبيب طالع هذه الكلمات المباركات التي سطرها بعض العلماء:
ليس أروح للمرء ولا أطرد لهمومه، ولا أقر لعينه من أن يعيش سليم القلب، مُبرَّأ من وساوس الضغينة، وثوران الأحقاد، إذا رأى نعمةً تنساق لأحدٍ رضيَ بها، وأحسَّ فضل الله فيها، وفقرَ عبادهِ إليها، وإذا رأى أذى يلحق أحداً من خلق الله رَثَى له، ورجا الله أن يفرج ويغفر ذنبه، وبذلك يحيا المسلم ناصع الصفحة، راضياً عن الله وعن الحياة، مستريح النفس من نزعات الحقد الأعمى.
إسلام ويب

Post: #1047
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 10:57 PM
Parent: #1001

من وسائل اكتساب الأخلاق:الصحبة الصالحة
الطبع يسرق من الطبع، والإنسان ابن بيئته، حقائق لا مراء فيها؛ إذ من طبيعة الإنسان أن يتأثر بالوسط المحيط به والجماعة التي يتعايش معها.
إن الفرد حين ينخرط في سلك مجموعة من مجموعات البشر يجد نفسه مدفوعاً لالتزام طريقتها، واستحسان ما تستحسنه الجماعة، واستقباح ما تستقبحه، وبذلك يكتسب الفرد - ولو لم يشعر - أخلاق الجماعة التي ينتسب إليها وينخرط فيها.
إن البيئة التي يعيش الإنسان فيها تؤثر فيه ولا شك، فإذا وُضع بخيل بين كرماء مدة طويلة من الزمن خف عنده البخل وتعود على بعض مظاهر الكرم، وإذا وُضع جبان بين شجعان اكتسب منهم قسطاً من الشجاعة، وبذلك تخف عنده نسبة الجبن.
وكذلك البيئات المنحرفة تؤدي دوراً عظيماً وكبيرًا في اكتساب أفرادها الرذائل ومساوئ الأخلاق، ومما يؤسف له أن تُستغل هذه الوسيلة من قبل المغرضين والمفسدين لإضلال الشباب والفتيات وغوايتهم وتنشئتهم على مفاهيم وقيم مخالفة لتعاليم وقيم الإسلام.
ومن أجل التأثير العظيم للبيئة في نفوس أبنائها وجدنا الإسلام يحث المسلمين على اختيار الصحبة الصالحة، ويحذرهم من صحبة السوء.
قال صلى الله عليه وسلم: "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة" [رواه البخاري].
وقال الله تعالى: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) [الكهف:28].
وقال صلى الله عليه وسلم: "الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل" [حسن، صحيح أبي داود].
فيا ابن الإسلام، ويا مريد الخير، ويا سلالة الصالحين:
أنت في الناس تقـاس بالذي اختـرت خليـلاً
فاصحب الأخيار تعلو وتنل ذكــراً جميــلا
ولا تصاحب الفساق والفاسدين فتكون مثلهم:
ولا تجلس إلى أهل الدنايا فإن خلائق السفهاء تعدي
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:لاتصاحب الفاجر فإنه يزين لك فعله ويود لو أنك مثله.
وأختم هذه المقالة بكلام الغزالي رحمه الله إذ يقول: (أما الفاسق المصر على فسقه فلا فائدة في صحبته، بل مشاهدته تهون أمر المعصية على النفس، وتبطل نفرة القلب عنها، ولأن من لا يخاف الله لا تؤمن غوائله، ولا يوثق بصداقته، بل يتغير بتغير الأغراض).
ماهر السيد

Post: #1048
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 10:59 PM
Parent: #1047

من وسائل اكتساب الأخلاق : التدريب العملي
مما لا شك فيه أن الأخلاق منها ما هو فطري، ومنها ما هو مكتسب،فما من إنسان عاقل إلا لديه قدرة على اكتساب مقدار ما من الفضائل،وفي حدود هذا المقدار الذي يستطيعه يكون تكليفه، وتكون مسؤوليته، ثم في حدود هذا المقدار تكون محاسبته ومجازاته.
وقد زعم بعض من غلبت عليه البطالة فاستثقل الرياضة، أن الأخلاق لا يتصور تغييرها، كما لا يتصور تغيير صورة الظاهر.
والجواب: أنه لو كانت الأخلاق لا تقبل التغيير لم يكن للمواعظ والوصايا معنى، وكيف ينكر تغيير الأخلاق ونحن نرى الصيد الوحشي يستأنس، والكلب يعلم ترك الأكل، والفرس تعلم حسن المشي وجودة الانقياد، إلا أن بعض الطباع سريعة القبول للصلاح، وبعضها مستصعبة.

وأما خيال من اعتقد أن ما في الجبلة لا يتغير، فاعلم أنه ليس المقصود قمع هذه الصفات بالكلية، وإنما المطلوب من الرياضة رد الشهوة إلى الاعتدال الذي هو وسط بين الإفراط والتفريط، وأما قمعها بالكلية فلا، كيف والشهوة إنما خلقت لفائدة ضرورية في الجبلة، ولو انقطعت شهوة الطعام لهلك الإنسان، أو شهوة الوقاع لانقطع النسل، ولو انعدم الغضب بالكلية، لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يهلكه، وقد قال الله تعالى : {أشداء على الكفار} [الفتح: 29] ولا تصدر الشدة إلا عن الغضب، ولو بطل الغضب لامتنع جهاد الكفار، وقال تعالى :{والكاظمين الغيظ} [آل عمران: 134] ولم يقل : الفاقدين الغيظ. وكذلك المطلوب في شهوة الطعام الاعتدال دون الشره والتقلل: قال الله تعالى: {وكلوا واشربوا ولا تسرفوا} [ الأعراف: 31].

وإذا تقرر أن بعض الأخلاق تكتسب فإننا نستعرض هنا بعض الوسائل المفيدة لاكتساب الأخلاق الفاضلة، والمعاني السامية، ومن هذه الوسائل:

الوسيلة الأولى: التدريب العملي:
إن مثال النفس في علاجها كالبدن في علاجه، فكما أن البدن لا يخلق كاملاً، وإنما يكمل بالتربية والغذاء، كذلك النفس تخلق ناقصة قابلة للكمال، وإنما تكمل بالتزكية وتهذيب الأخلاق، والتغذية بالعلم.وكما أن البدن إذا كان صحيحاً، فشأن الطبيب العمل على حفظ الصحة، وإن كان مريضاً، فشأنه جلب الصحة إليه، كذلك النفس إذا كانت زكية طاهرة مهذبة الخلاق، فينبغي أن يسعى بحفظها وجلب مزيد القوة إليها، وإن كانت عديمة الكمال، فينبغي أن يسعى بجلب ذلك إليها.وكما أن العلة الموجبة لمرض البدن لا تعالج إلا بضدها، إن كانت من حرارة فبالبرودة وإن كانت من البرودة فبالحرارة، فكذلك الأخلاق الرذيلة التي هي من مرض القلب، علاجها بضدها، فيعالج مرض الجهل بالعلم، ومرض البخل بالسخاء، ومرض الكبر بالتواضع، ومرض الشره بالكف عن المشتهى.وكما أنه لابد من احتمال مرارة الدواء، وشدة الصبر عن المشتهيات لصلاح الأبدان المريضة، فكذلك لابد من احتمال المجاهدة،والصبر على رياضة النفس حتى يحصل لها الكمال المنشود.
فإذا أراد الإنسان أن يكتسب خلقًا ما فإن بإمكانه أن يدرب نفسه عليه، ولو اقتضى الأمر التكلف في البداية ثم بمرور الوقت يصبح هذا الخلق عادة للشخص.

إن لدى النفس البشرية استعدادًا لاكتساب الخلق عن طريق التعود والتدريب: "إنما العلم بالتعلم، والحلم بالتحلم".
وقد روى البخاري ومسلم - رحمهما الله تعالى - عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن ناساً من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم، ثم سألوه فأعطاهم حتى نفد ما عنده، فقال لهم حين أنفق كل شيءٍ بيده: "ما يكن عندي من خير فلن أدخره عنكم، ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله، ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحدٌ عطاءً خيراً وأوسع من الصبر".
واعتماداً على هذا الاستعداد الفطري في النفوس لاكتساب الفضائل وردت الأوامر الشرعية بالتحلي بفضائل الأخلاق ومحاسنها، وورد النهي عن مساوئ الأخلاق ورذائلها.

ولنضرب مثالاً لاكتساب خلق عن طريق الرياضة والتدريب:
إذا رأى الإنسان من نفسه أنه كثير الكلام وأراد أن يكتسب فضيلة الصمت فليتعمد ألا يتكلم، إلا إذا طُلب منه الكلام، فإذا لم يُطلب منه سكت، وإذا طُلب منه تكلم بكلام قليل، قد يكون الأمر شاقًا في البدايات لكنه بمرور الوقت يصبح شيئاً هيناً ويصير عادة لصاحبه.
وهكذا جميع الأخلاق التي يمكن اكتسابها بالتدريب العملي يضع الواحد لنفسه منهجاً يعتمد على الوقت بحيث يبدأ في وقت معين بالتدريب على اكتساب فضيلة معينة، فإن رأى أنه قد تعود عليها واكتسبها انتقل إلى غيرها.
إننا نرى الرياضيين - مثلاً - يبدأون تدريباتهم بجرعات قليلة تتصاعد مع الوقت، وفي نهاية مدة معينة يكون قد وصل الواحد منهم إلى المستوى المطلوب من اللياقة البدنية، وهكذا الجنود وغيرهم.

والأخلاق كذلك تكتسب وتنمو بالتدريب العملي، وبمرور الوقت، فأسرع الناس استجابة لانفعالات الغضب يستطيع عن طريق التدريب أن يكتسب مقدارا ما من خلق الحلم. والمفطور على نسبة كبيرة من الجبن يستطيع عن طريق التدريب والتمرين والإرادة والتصميم أن يكتسب مقدارا ما من الشجاعة ..وهكذا.
وإذا كان واقع الأمر كما أسلفنا فليضع كلٌّ منا لنفسه هدفاً وبرنامجاً أخلاقيًّا يصبو إلى تحقيقه والوصول إليه، وليستحضر قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق".وقوله:
"إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا".
إسلام ويب

Post: #1049
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:00 PM
Parent: #1001

إن من مبادىْ الإسلام الاجتماعية الأولى تشبيك جماعات المسلمين في وحدة جسدية جماعية عامة. وأولى الناس بذلك الأقربون رحما ، فلهم حق أخوة الإسلام ، ولهم حق قرابة الرحم.
وإن الإساءة إلى الأرحام ، أو التهرب من أداء حقوقهم صفة من صفات الخاسرين الذين قطعوا ما أمر الله به أن يوصل ، بل إن ذلك جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب. وإن الإنسان منا ليسؤوه أشد الإساءة ما يراه بعيـنه أو يسمعه بأذنيه من قطيـعة لأقرب الأرحام الذين فُطر الإنسان على حبهم وبرهم وإكرامهم ، حتى أصبح من الأمور المعتادة قي بعض المجتمعات أن نسمع أن أحد الوالدين اضطر إلى اللجوء للمحكمة لينال حقه من النفقة أو يطلب حمايته من ابنه ، هذا الذي كان سبب وجوده .
ولا يفعل مثل هذا الجرم إلا الإنسان الذي قسا قلبه وقلت مروءته وانعدم إحساسه بالمسؤولية .

معنى قطيعة الرحم:
إن قطيعة الأرحام تكون بهجرهم ، والإعراض عن الزيارة المستطاعة ، وعدم مشاركتهم في مسراتهم، وعدم مواساتهم في أحزانهم، كما تكون بنفضيل غيرهم عليهم في الصلات والعطاءات الخاصة، التي هم أحق بها من غيرهم.
عقوبة قاطع الرحم:
قاطع الرحم ملعون في كتاب الله :
قال الله تعالى: ( فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم . أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم ) . سورة محمد:32-33 .
قال على بن الحسين لولده : يا بني لا تصحبن قاطع رحم فإني وجدته ملعوناً في كتاب الله في ثلاثة مواطن .
واثنتان من هذه المواطن الثلاث هي قوله تعالى:
(فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ . أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23,22)

(وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (الرعد:25)
أما الموطن الثالث فلم نقف عليه صريحا ولعله يقصد قوله تعالى:
(الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27) .والله أعلم.
قاطع الرحم من الفاسقين الخاسرين :
قال الله تعالى: ( وما يضل به إلا الفاسقين . الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ) البقرة:26-27.
فقد جعل الله من صفات الفاسقين الخاسرين الضالين قطع ما أمر الله به أن يوصل ومن ذلك صلة الأرحام .
قاطع الرحم تعجل له العقوبة في الدنيا ، ولعذاب الأخرة أشد وأبقى :
فعن أبي بكر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: [ ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم ] . رواه ابو داود والترمذي وابن ماجه .
وقد رأينا مصداق هذا في دنيا الواقع ، فقاطع الرحم غالباً ما يكون تعباً قلقاً على الحياة ، لا يبارك له في رزقه ، منبوذاً بين الناس لا يستقر له وضع ولا يهدأ له بال.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [ إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت : هذا مقام العائذ بك من القطيعة : قال نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك ؟ قالت : بلى ، قال : فذلك لك ] . رواه البخاري.
وما أسوأ حال من يقطعه الله .. ومن قطعه الله فمن ذا الذي يصله ؟

الحرمان من الجنة:
ومن أعظم العقوبات التي يعاقب بها قاطع الرحم أن يحرم من دخول الجنة ، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : "لا يدخل الجنة قاطع". رواه البخاري ومسلم.
فنعوذ بالله من سيىء العمل ، ومزالق الزلل ، وكبائر الإثم ، وسوء المصير.
إسلام ويب

Post: #1050
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:02 PM
Parent: #1001

مما لاشك فيه أن أعظم زينة يتزين بها المرء في حياته بعد الإيمان هي زينة الصدق، فالصدق أساس الإيمان كما إن الكذب أساس النفاق ،فلا يجتمع كذب وإيمان إلا وأحدهما يحارب الآخر.

الصدق في الظاهر والباطن :
الصدق بمعناه الضيق مطابقة منطوق اللسان للحقيقة ، وبمعناه الأعم مطابقة الظاهر للباطن ، فالصادق مع الله ومع الناس ظاهره كباطنه ، ولذلك ذُكر المنافق في الصورة المقابلة للصادق ، قال تعالى : (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِين..َ)الآية (الأحزاب/24) .

لا صدق إلا بإخلاص :
والصدق التزام بالعهد ، كقوله تعالى : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)(الأحزاب/23) ، والصدق نفسه بجميع معانيه يحتاج إلى إخلاص لله عز وجل ، وعمل بميثاق الله في عنق كل مسلم ، قال تعالى : (وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً * لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/7 ، 8) ، فإذا كان أهل الصدق سيُسألون ، فيكف يكون السؤال والحساب لأهل الكذب والنفاق ؟
والصدق من الأخلاق الأساسية التي يتفرع عنها غيرها ، يقول الحارث المحاسبي : " واعلم - رحمك الله - أن الصدق والإخلاص : أصل كل حال ، فمن الصدق يتشعب الصبر ، والقناعة ، والزهد ، والرضا ، والأنس ، وعن الإخلاص يتشعب اليقين ، والخوف ، والمحبة ، والإجلال والحياء ، والتعظيم ، فالصدق في ثلاثة أشياء لا تتم إلا به : صدق القلب بالإيمان تحقيقـًا ، وصدق النية في الأعمال ، وصدق اللفظ في الكلام " .

الصدق مرتبط بالإيمان :
ولما للصدق من رابطة قوية بالإيمان ، فقد جوّز رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقع من المؤمن ما لا يُحمد من الصفات ، غير أنه نفى أن يكون المؤمن مظنه الوقوع في الكذب ؛ لاستبعاد ذلك منه ، وقد سأل الصحابة فقالوا: (يا رسول الله أيكون المؤمن جبانـًا ؟ قال : " نعم " ، فقيل له : أيكون المؤمن بخيلاً ؟ قال : نعم ، قيل له : أيكون المؤمن كذَّابـًا ؟ قال : " لا " ))(رواه الإمام مالك) .

قد يجانب الصدق من يحدث بكل ما سمع :
والأصل في اللسان الحفظ والصون ؛ لأن زلاته كثيرة ، وشرّه وبيل ، فالحذر منه والاحتياط في استعماله أتقى وأورع ، فإذا وجدت الرجل لا يبالي ، ويكثر الكلام ، فاعلم أنه على خطر عظيم ، فقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كفى بالمرء كذبـًا أن يحدث بكل ما سمع))(رواه مسلم) ؛ لأن كثرة الكلام مظنة الوقوع في الكذب ، باختراع ما لم يحدث ، حين لا يجد كلامـًا ، أو ينقل خبر كاذب - وهو يعلم - فيكون أحد الكذَّابين .

يُنال الصدق بالتحري :
وكل خلق جميل يمكن اكتسابه بالاعتياد عليه ، والحرص على التزامه ، وتحري العمل به ، حتى يصل صاحبه إلى المراتب العالية ، يرتقي من واحدة إلى الأعلى منها بحسن خلقه ، ولذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - : ((عليكم بالصدق ؛ فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، وما يزال الرجل يصدق ، ويتحرى الصدق ، حتى يُكتب عند الله صدِّيقا)) ، وكذلك شأن الكاذب في السقوط إلى أن يختم له بالكذب : ((وإياكم والكذب ؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، وما يزال الرجل يكذب ، ويتحرى الكذب ، حتى يُكتب عند الله كذَّابا))(رواه البخاري ومسلم) .

الصدق = الطمأنينة والثبات :
ومن آثار الصدق ثبات القدم ، وقوة القلب ، ووضوح البيان ، مما يوحي إلى السامع بالاطمئنان ، ومن علامات الكذب الذبذبة ، واللجلجة ، والارتباك ، والتناقض ، مما يوقع السامع بالشك وعدم الارتياح ، ولذلك : ((… فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة))(رواه الترمذي) كما جاء في الحديث .

الصدق نجاة وخير:
وعاقبة الصدق خير - وإن توقع المتكلم شرًا - قال تعالى : (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ)(محمد/21) ، وفي قصة توبة كعب بن مالك يقول كعب بعد أن نزلت توبة الله على الثلاثة الذين خلفوا : " يا رسول الله إن الله تعالى إنما أنجاني بالصدق ، وإن من توبتي أن لا أحدّث إلا صدقـًا ما بقيت " ، ويقول كذلك : " فوالله ما أنعم الله علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن لا أكون كذبته ، فأهلك كما هلك الذين كذبوا … "(رواه البخاري) .
وروى ابن الجوزي في مناقب أحمد أنه قيل له : " كيف تخلصت من سيف المعتصم وسوط الواثق ؟ فقال : لو وُضِع الصدق على جرح لبرأ " .
ويوم القيامة يقال للناس : ( هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُم)(المائدة/119) .

الصادق جريء :
والصدق يدعو صاحبه للجرأة والشجاعة ؛ لأنه ثابت لا يتلون ، ولأنه واثق لا يتردد ، ولذلك جاء في أحد تعريفات الصدق : القول بالحق في مواطن الهلكة ، وعبر عن ذلك الجنيد بقوله : حقيقة الصدق : أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب .

لا تكثر من المعاريض :
ولكي تكون حياتك كلها صدقـًا ، ولتحشر مع الصديقين فاجعل مدخلك صدقـًا ، ومخرجك صدقـًا ، وليكن لسانك لسان صدق ، لعل الله يرزقك قدم صدق ، ومقعد صدق ، ولا تترك فرصة للشيطان ليستدرجك بالاستكثار من المعاريض ، فالصدق صراحة ووضوح ، والميل عنه التواء وزيغ ، وحال المؤمن الصدق ، و(إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُون)(النحل/105) .

درر من أقوال الصالحين والعلماء في الصدق:
قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
من كانت له عند الناس ثلاث وجبت له عليهم ثلاث ، من إذا حدثهم صدقهم ، وإذا ائتمنوه لم يخنهم ، وإذا وعدهم وفى لهم ، وجب له عليهم أن تحبه قلوبهم ، وتنطق بالثناء عليه ألسنتهم ، وتظهر له معونتهم ".
أنشد محمود الوراق:
اصدق حديثك إن في الصـ ـق الخلاص من الدنس
ودع الكــذوب لشــأنه خير مـن الكـذب الخرس
وقيل للقمان الحكيم: ألست عبد بني فلان؟ قال بلى. قيل: فما بلغ بك ما أرى؟ قال: تقوى الله عز وجل ، وصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وترك مالا يعنيني.
وقال بعضهم :من لم يؤد الفرض الدائم لم يقبل منه الفرض المؤقت.قيل: وما الفرض الدائم؟ قال: الصدق.
فنسأل الله الكريم أن يرزقنا الصدق وأن ينزلنا منازل الصديقين.

إسلام ويب

Post: #1051
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:04 PM
Parent: #1001

إذا نظرنا إلى الشجاعة في اللغة فسنجد أنها مصدر شَجُعَ فلان، أي صار شجاعًا، ومادتها (ش ج ع) تدل على الجرأة والإقدام.
وأما في الاصطلاح فقد عرفها بعضهم بأنها: الإقدام على المكاره والمهالك عند الحاجة إلى ذلك، وثبات الجأش عند المخاوف مع الاستهانة بالموت .
وقال ابن حزم رحمه الله: " هي بذل النفس للذَّود عن الدين أو الحريم أو عن الجار المضطهد أو عن المستجير المظلوم، وعمن هُضم ظلمًا في المال والعرض، وسائر سبل الحق سواءٌ قلَّ من يعارض أو كثر " .
من هنا نجد أن الشجاعة المحمودة ما كانت من باب الإقدام على مخاطرة يرجى منها خير أو دفع شر.
وبناءً على ما تقدم فإن الإقدام بغير عقل جنون، والإقدام في غير مخاطرة ليس شجاعة، بل هو نشاطٌ وهمة،والإقدام لا لتحصيل خير أو دفع شر ليس من الشجاعة المحمودة، بل هو تهور مذموم.

وسائل تقوية الشجاعة:
إن الأخلاق بصفة عامة منها ما هو فطري ومنها ما هو مكتسب، وقد ذكر العلماء العديد من الوسائل النافعة لاكتساب الشجاعة وتقويتها في نفوس أهلها ومن هذه الوسائل:
1-التمرين العملي، وذلك بالتعرض للمواقف الصعبة التي لا يُتخلص منها إلا بالشجاعة.
2-الإخلاص لله تعالى والإيمان بالقضاء والقدر، فإن المخلص الذي لا يريد إلا وجه الله تعالى وثوابه لا يبالي بلوم اللائمين، إذا كان في ذلك رضا رب العالمين.
ومتى قوي إيمان العبد بقضاء الله وقدره علم أن الخلق لا يضرون ولا ينفعون، وأن نواصيهم بيد الله تعالى، عندئذٍ يطمئن الفؤاد ويقوى القلب على كل قول وفعل ينفع الإقدام عليه.
3-الاطلاع على سير وقصص الشجعان للاقتداء ومحاولة التشبه بهم.
4-مكافأة الشجعان عن طريق العطاءات المادية والثناء والتمجيد وهي من أعظم الوسائل في التربية بشكل عام ولاسيما اكتساب الفضائل الخلقية.

التربية الإسلامية تُكسب الشجاعة وتقويها:
إذا نظرنا إلى آيات القرآن الكريم وأساليب المصطفى صلى الله عليه وسلم لوجدنا أنها تخرج - عند الالتزام بها - أبطالاً شجعانًا يُقدمون ولا يحجمون، يقتحمون الأهوال برباطة جأش وثبات قلب. فهاهو القرآن يخاطب الأمة:
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيم فئة فاثبتوا)[الأنفال:45].
(يا أيها الذين آمنوا إذا لقيم الذين كفروا زحفًا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفًا لقتالٍ أو متحيزًا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير)[الأنفال:15].
(ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليمًا حكيمًا)[النساء:104].
وغيرها الكثير من الآيات التي إن عاش المسلم في ظلها تشجع وقوي قلبه.
أما سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهي خير شاهد على المعنى الذي أردناه، ويكفي أن هذا الجيل الذي تربى على عينه صلى الله عليه وسلم قد اكتسب من خلق الشجاعة ما فاق به كل الشجعان.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوتهم في هذا الخلق العظيم، فعن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وأشجع ا لناس وأجود الناس، ولقد فزع أهل المدينة فكان النبي صلى الله عليه وسلم سبقهم على فرس .. " الحديث.
وقد تعرض للمواقف الجسام والخطوب العظام فما لان ولا أصابه ضعف أو خور.
نراه في غزوة أحد وقد انفض أكثر الناس من حوله وكان هدفًا لسهام المشركين وسيوفهم ، ومع ذلك يبرز وينادي على المسلمين بنفسه رغم ما يحمله هذا الموقف من تعريضه للخطر لكنه شجاع يقدم ولا يبالي ومثل هذا ما كان منه في غزوة حنين حين انهزم المسلمون في بداية المعركة فنادى عليهم فاجتمعوا إليه ثم كان النصر .ويكفي في الدلالة على شجاعته قول البراء رضي الله عنه: " كنا والله إذا احمر البأس نتقي به . وإن الشجاع منا للذي يُحاذي به - يعني النبي صلى الله عليه وسلم -" .

ولقد تأسى به أصحابه ، فهذا أبو بكر أشجع الأمة بعد نبيها يقول فيه عليٌّ رضي الله عنه حين سأل الناس: من أشجع الناس ؟ فقالوا: أنت، فقال: أما إنه ما صرعني أحد إلا غلبته، لكنه أبو بكر.. " .
إنها شهادة من أحد أشجع فوارس الأمة عليٌّ بن أبي طالب لصدِّيق الأمة بأنه أشجع الناس، كما يدل على شجاعة الصديق ثباته ورباطة جأشه عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك تصميمه على محاربة المرتدين ومانعي الزكاة، وغيرها من المواقف العظيمة الدالة على شجاعته .

وكذلك كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، قيل لعي بن أبي طالب: إذا جالت الخيل، فأين نطلبك ؟ قال: حيث تركتموني.
فمن فرط شجاعته لا يتزحزح عن مكانه ولا يتراجع .
وكان يقول: والذي نفس أبي طالب بيده لألف ضربة بالسيف أهون عليَّ من موتة على فراش .
وقال بعض العرب: ما لقينا كتيبة فيها علي إلا أوصى بعضنا على بعض.
وهذا البراء بن مالك رضي الله عنه بلغ من شجاعته أنه قتل من الشجعان مائة رجل مبارزة ، ومن أعظم مظاهر شجاعته ما كان منه في اليمامة حين زحف المسلمون إليها لقتال المشركين، فألجأوهم إلى حديقة فيها مسيلمة الكذاب فتحصن فيها الأعداء، فقال البراء: يا معشر المسلمين ألقوني عليهم، فحملوه حتى إذا أشرف على الجدار اقتحم فقاتلهم حتى فتح الله على المسلمين ووقع به يومها بضع وثمانون جراحة، فرضي الله عنه من شجاع.

وهذا سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، رجل من أشجع الشجعان بلغ من شجاعته أن يهجم على قائد جيش العدو ويختطفه من بين جنوده وذلك في معركة عين التمر حيث كان على قوات نصارى العرب عقة بن أبي عقة، وكَّل خالد بنفسه حوامي من جانبيه وقال لهم: اكفوني ما عنده فإني حاملٌ عليه، وبينما عقَّة مشغول بتسوية صفوفه إذ بخالد رضي الله عنه يتقدم وحوله عشرة من جنده نحو عقَّة يحتضنه ثم يحمله كالبرق ويعود به أسيرًا إلى صفوف المسلمين وقد تجمدت الدماء في عروق المتنصرة حين رأوا هذا ا لمشهد الرهيب فلم يتحملوا الصدمة ولاذوا بالفرار، وركب المسلمون أكتافهم يقتلون ويأسرون.
أرأيت شجاعة كهذه؟!!.

وما لهم لا يكونون كذلك وقد أيقنوا بقول الله تعالى:
(إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة:111)

أشجع العرب في شعره
قيل لعبدالملك : من أشجع العرب في شعره ؟ فقال : عباس بن مرداس حين يقول :
أشد على الكتيبة لا أبالي ----- أحتفي كان فيها أم سواها

الفرق بين الشجاعة و الجرأة
إن الفرق بين الشجاعة و الجرأة أن الشجاعة من القلب و هي ثبات القلب و استقراره عند المخاوف و هو خلق يتولد من الصبر و حسن الظن ، أما الجرأة فهي إقدام سببه قلة المبالاة و عدم النظر في العاقبة و الاندفاع بدون تفكير و لا حكمة .

من أقوالهم في الشجاعة:
قال الذهبي رحمه الله :لا ينبغي أن يقدم الجيش إلا الرجل ذو البسالة والنجدة والشجاعة والجرأة ، ثابت الجأش، صارم القلب صادق البأس ، ممن قد توسط الحروب ومارس الرجال ومارسوه، ونازل الأقران وقارع الأبطال،عارفا بمواضع الفرص، خبيرا بمواقع القلب والميمنة والميسرة .فإنه إن كان كذلك وصدر الكل عن رأيه كانوا جميعا كأنهم مثله .
وقيل:الشجاع محبب حتى إلى عدوه ، والجبان مبغض حتى إلى أمه.

وقالت الحكماء :
أصل الخيرات كلها في ثبات القلب، ومنه تستمد جميع الفضائل وهو الثبوت والقوة على ما يوجبه العدل والعلم ،...و الشجاعة غريزة يجمعها حسن الظن بالله تعالى.
وقال بعضهم:
ليس الشجاع الذي يحمي فريسته ----- عند القتال و نار الحرب تشتعل
لكن من رد طرفاً أو ثنى وطراً ----- عن الحرام فذالك الفارس البطل
وقالوا
و لـو أن الحياة تبقى لحيّ -----لعددنا أضـلنـا الشـجعـانـا
و إذا لم يكن من الموت بدّ -----فمن العجزأن تموت جبانا.
إسلام ويب

Post: #1052
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:05 PM
Parent: #1001

قال الله تعالى: (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)(المزمل:8) .
والتبتل : الانقطاع .
والتبتل الذي يقصدونه في هذا المقام هو الانقطاع إلى الله بالكلية، بحيث يكون العبد متجردًا لسيده ومولاه .
وإذا كان غاية شرف النفس دخولها تحت رق العبودية طوعًا واختيارًا ومحبة، لا كرهًا وقهرًا . كما قيل :
شرفُ النفوس دخولها في رقهم .. .. والعبد يحوي الفخر بالتمليكِ
فإن المتبتل يخدم بمقتضى عبوديته لا للأجرة.
والتبتل يجمع أمرين لا يصح إلا بهما: الاتصال ، والانفصال.
أما الانفصال فيُقصد به: انقطاع قلب المتبتل عن حظوظ النفس المزاحمة لمراد الرب، وعن التفات قلبه إلى ما سوى الله تعالى .
وأما الاتصال: فهو اتصال القلب بالله تعالى، وإقباله عليه، وإقامة وجهه له، حبًا وخوفًا، ورجاءً وإنابةً وتوكلاً .
ومما يعين على ذلك :
- أن يحسم مادة رجاء المخلوقين من القلب، وذلك بالرضا بحكم الله وقسمه، فمن رضي بحكم الله وقسمه؛ لم يبق لرجاء الخلق في قلبه موضع .
- أن يحسم مادة الخوف، وذلك بالتسليم لله تعالى؛ فإن من علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وعلم أنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له، لم يبق لخوف المخلوقين في قلبه موضع.
- أن يحسم مادة المبالاة بالناس، وذلك برؤية الأشياء كلها من الله وبالله، وفي قبضته وتحت قهره وسلطانه . لا يتحرك منها شيء إلا بحوله وقوته، ولا ينفع ولا يضر إلا بإذنه ومشيئته .
إن من صح فراره إلى الله، صح قراره مع الله، ومن انقطع إلى الله أغناه عمَّن سواه.
هذه مريم البتول انقطعت إلى الله؛ فأثرها على نساء العالمين، وأجرى لها من الكرامة ما أجرى؛ (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً)(آل عمران: 37) .
وهذه آسية انقطعت إلى الله وآثرته على الملك والجاه، فآثرها الله بالقرب منه في جنته ودار علاه .نسأل الله من فضله.
إسلام ويب

Post: #1053
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:07 PM
Parent: #1052

دعت آيات القرآن الكريم ، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم إلى صلة الرحم ، ورغبت فيها أعظم الترغيب ، وكان الترغيب دينياً ودنيوياً ، ولا شك أن المجتمع الذي يحرص أفراده على التواصل والتراحم يكون حصناً منيعاً ، وقلعـة صامدة ، وينشأ عن ذلك أسر متماسكة ، وبناء اجتماعي متين يمد العـالم بالقادة والموجهين والمفكرين والمعلمين والدعـاة والمصلحين الذين يحملون مشاعل الهداية ومصابيـح النور إلى أبناء أمتهم ، وإلى الناس أجمعين ؛ ولأن صلة الرحم من مكارم الأخلاق فإننا سنتناولها بالحديث في هذا المقال.

معنى الرحم وصلة الرحم :
قال الراغب الأصفهاني : ( الرحم : رحـم المرأة .. ومنه استعير الرحم للقـرابة لكونهم خارجين من رحم واحدة ) .
والمراد بالرحم : الأقرباء في طرفي الرجل والمرأة من ناحية الأب والأم . ومعنى صلة الرحم : الإحسان إلى الأقارب في القول والفعل ، ويدخل في ذلك زيارتهم ، وتفقد أحوالهم ، والسؤال عنهم ، ومساعدة المحتاج منهم ، والسعي في مصالحهم .

فضل صلة الأرحام :
1- صلة الرحم من الإيمان :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من كان يؤمن بالله واليوم الآخـر فليـكرم ضيفه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليصل رحمه ، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " رواه البخاري.
أمور ثلاثة تحقق التعاون والمحبـة بين الناس وهي : إكرام الضيف وصـلة الرحـم والكلمة الطيبة. وقد ربط الرسول صلى الله عليه وسلم هذه الأمور بالإيمان فالذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يقطع رحمه ، وصلة الرحم علامة على الإيمان .

2- صلة الرحم سبب للبركة في الرزق والعمر :
كل الناس يحبون أن يوسع لهم في الرزق ، ويؤخر لهم في آجالهم لأن حب التملك وحب البقاء غريزتان من الغرائز الثابتة في نفس الإنسان ، فمن أراد ذلك فعليه بصلة أرحامه .
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" من أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره ، فليصل رحمه " . رواه البخاري.
وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من سره أن يمد له في عمره ، ويوسع له في رزقه ، ويدفع عنه ميتة السوء ، فليتق الله وليصل رحمه " . رواه البزار والحاكم.

3- صلة الرحم سبب لصلة الله تعالى وإكرامه :
عن عائشة رضي الله عنها ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :" الرحم متعلقة بالعرش تقول : من وصلني وصله الله ، ومن قطعني قطعه الله " . رواه مسلم.
وقد استجاب الله الكريم سبحانه ، لها فمن وصل أرحامه وصله الله بالخيروالإحسان ومن قطع رحمه تعرض إلى قطع الله إياه ، وإنه لأمر تنخلع له القلوب أن يقطع جبار السموات والأرض عبدًا ضعيفاً فقيراً .

- صلة الرحم من أسباب دخول الجنة :
فعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " يأيها الناس أفشوا السلام أطعموا الطعام وصلوا الأرحام وصلوا بالليل والناس نيام ، تدخلوا الجنة بسلام " رواه أحمد والترمذي وابن ماجه.

الصلة الحقيقية أن تصل من قطعك :
المرء إذا زاره قريبه فرد له زيارته ليس بالواصل ، لأنه يـكافئ الزيارة بمثـلها ، وكذلك إذا ساعده في أمر وسعى له في شأن ، أو قضى له حاجه فردّ له ذلك بمثله لم يكن واصلاً بل هو مكافئ ، فالواصل حقاً هو الذي يصل من يقطعه ، ويزور من يجفوه ويحسن إلى من أساء إليه من هؤلاء الأقارب .
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " ليس الواصل بالمكافئ ، ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ". رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال : يا رسـول الله إن لي قرابة أصلهـم ويقطعونني ، وأحسن إليهم ويسيؤون إليّ ، وأحلم عليهم ويجهلون عليّ فقال صلى الله عليه وسلم : "إن كنت كما قلت فكأنما تُسِفهّم المَلّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك " . رواه مسلم .
والمَلّ: الرماد الحار ، قال النووي : يعني كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الإثم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شيء على هذا المحسن إليهم لكن ينالهم إثم عظيم بتقصيرهم في حقه وإدخال الأذى عليه .
ففي الحديث عزاء لكثير من الناس الذين ابتلوا بأقارب سيئين يقابلون الإحسان بالإساءة ويقابلون المعروف بالمنكر فهؤلاء هم الخاسرون .
ربيع محمود-إسلام ويب

Post: #1054
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:10 PM
Parent: #1053

مداخل الشيطان إلى القلب

اعلم أن مثال القلب مثال الحصن ، والشيطان عدو يريد أن يدخل الحصن فيملكه ويستولي عليه ، و لا يقدر على حفظ الحصن من العدو إلا بحراسة أبواب الحصن ومداخله، ومواضع ثلمه ، ولا يقدر على حراسة أبوابه من لا يدري أبوابه ، فحماية القلب من وساوس الشيطان واجبة ، ولا يتوصل إلى دفع الشيطان إلا بمعرفة مداخله ، فصارت معرفة مداخله واجبة ، ومداخل الشيطان وأبوابه صفات العبد وهي كثيرة ، ولكننا نشير إلى الأبواب العظيمة الجارية مجرى الدروب التي لا تضيق عن كثرة جنود الشيطان .

فمن أبوابه العظيمة : الغضب والشهوة : فإن الغضب هو غول العقل ، وإذا ضعف جند العقل هجم جند الشيطان ، ومهما غضب الإنسان لعب الشيطان به كما يلعب الصبي بالكرة .

ومن أبوابه العظيمة الحسد والحرص : فمهما كان العبد حريصـًا أعماه حرصه وأصمَّهُ ، ونور البصيرة هو الذي يعرف مداخل الشيطان ، فإذا غطاه الحسد والحرص لم يبصر ، فحينئذ يجد الشيطان فرصة فيحسن عند الحريص كل ما يوصله إلى شهوته ، وإن كان منكرًا فاحشـًا ، وأما الحرص فقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه)).(رواه الترمذي وقال حسن صحيح ، ورواه أحمد ، والنسائي وصححه الألباني) .

ومن أبوابه العظيمة الشبع من الطعام : وإن كان حلالاً صافيـًا فإن الشبع يقوي الشهوات ، والشهوات أسلحة الشيطان .
ومن أبوابه العظيمة العجلة : وترك التثبت في الأمور ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((العجلة من الشيطان والتأني من الله تعالى)).(رواه الترمذي بلفظ الأناة وقال حسن وحسنه الزرقاني والألباني).

ومن أبوابه العظيمة البخل وخوف الفقر : فإن ذلك هو الذي يمنع من الإنفاق والتصدق ويدعو إلى الادخار والكنز والعذاب الأليم .
ومن أبوابه العظيمة التعصب للمذاهب : والأهواء والحقد على الخصوم والنظر إليهم بعين الازدراء والاحتقار ، وذلك مما يهلك العباد والفساق جميعـًا ، فإن الطعن في الناس والاشتغال بذكر نقصهم صفة مجبولة في الطبع من الصفات السبعية .

ومن أبوابه : سوء الظن بالمسلمين : قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ)(الحجرات/12) والمؤمن يطلب المعاذير والمنافق يطلب العيوب .

فإن قلت : فما العلاج في دفع الشيطان ؟ وهل يكفي في ذلك ذكر الله تعالى ، وقول الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله ؟ فاعلم أن علاج القلب في ذلك سد هذه المداخل بتطهير القلب من هذه الصفات المذمومة ، وذلك مما يطول ذكره ، فإذا قطعت من القلب أصول هذه الصفات المذمومة ، كان للشيطان بالقلب اجتيازات وخطرات ولم يكن له استقرار ويمنعه من الاجتياز ذكر الله تعالى ؛ لأن حقيقة الذكر لا تتمكن من القلب إلا بعد عمارة القلب بالتقوى وتطهيره من الصفات المذمومة ، وإلا فيكون الذكر حديثـًا للنفس لا سلطان له على القلب فلا يدفع سلطان الشيطان ، ولذلك قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ)(الأعراف/201) ، خصص بذلك المتقي .

فمثل الشيطان كمثل كلب جائع يقترب منك فإن لم يكن بين يديك خبز ولحم ، فإنه ينزجر بأن تقول له : اخسأ ، فمجرد الصوت يدفعه ، فإن كان بين يديك لحم وهو جائع فإنه يهجم على اللحم ولا ينزجر بمجرد الكلام ، فالقلب الخالي عن قوت الشيطان ينزجر عنه بمجرد الذكر .
فأما الشهوة فإذا غلبت على القلب دفعت حقيقة الذكر إلى حواشي القلب ، فلم يتمكن من سويدائه فيستقر الشيطان في سويداء القلب .
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((في القلب لمتان لمة من الملك ، إيعاذ بالخير وتصديق بالحق فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله سبحانه وليحمد الله ، ولمة من العدو إيعاذ بالشر وتكذيب بالحق ونهي عن الخير ، فمن وجد ذلك فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم)) .(رواه الترمذي وحسنه ورواه النسائي) ، ثم تلا قوله تعالى : (الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاء)(البقرة/268) الآية وقال الحسن : إنما هما همان يجولان في القلب : هم من الله تعالى ، وهم من العدو ، فرحم الله عبدًا وقف عند همه فما كان من الله تعالى أمضاه ، وما كان من عدوه جاهده .

والقلب بأصل فطرته صالح لقبول آثار الملك ولقبول آثار الشيطان صلاحـًا متساويـًا ليس يترجح أحدهما على الآخر ، وإنما يترجح أحد الجانبيين باتباع الهوى والإكباب على الشهوات أو الإعراض عنها ومخالفتها ، فإن اتبع الإنسان مقتضى الغضب والشهوة ظهر تسلط الشيطان بواسطة الهوى وصار القلب عش الشيطان ومرتعه ؛ لأن الهوى هو مرعى الشيطان ومرتعه ، وإن جاهد الشهوات ولم يسلطها على نفسه وتشبه بأخلاق الملائكة عليهم السلام صار قلبه مستقر الملائكة ومهبطهم .

والتطارد بين جندي الملائكة والشياطين في معركة القلب دائم إلى أن يفتح القلب لأحدهما فيستوطن ويستمكن ، ويكون اجتياز الثاني اختلاسـًا ، وأكثر القلوب قد فتحتها جنود الشياطين وتملكتها فامتلأت بالوساوس الداعية إلى إيثار العاجلة وإطراح الآخرة ، ومبدأ استيلائها اتباع الشهوات والهوى ، ولا يمكن فتحها بعد ذلك إلا بتخلية القلب عن قوت الشيطان وهو الهوى والشهوات ، وعمارته بذكر الله تعالى الذي هو مطرح أثر الملائكة .

عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((تُعرض الفتن على القلوب كعرض الحصير عودا عودا ، فأي قلب أشربها نكتت فيه نكتة سوداء ، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء ، حتى تعود القلوب على قلبين : قلب أسود مربادًا كالكوز مُجَخيا لا يعرف معروفـًا ولا ينكر منكرًا إلا ما أشرب من هواه ، وقلب أبيض لا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض)).(رواه مسلم) . فالقلب عندما يتعرض للفتن من الشهوات والشبهات ينقسم إلى قسمين :
قلب إذا عرضت عليه الفتنة أشربها كما يشرب الإسفنج الماء فتنكت فيه نكتة سوداء ، فلا يزال يشرب كل فتنة تعرض عليه حتى يسود وينتكس ، فإذا اسود وانتكس تعرض لآفتين خطيرتين : إحداهما اشتباه المعروف عليه بالمنكر ، فلا يعرف معروفـًا ولا ينكر منكرًا ، وربما استحكم عليه هذا المرض حتى يعتقد المعروف منكرًا والمنكر معروفـًا، والسنة بدعة والبدعة سنة ، والحق باطلاً والباطل حقـًا .

والثانية : تحكيمه هواه على ما جاء به الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وانقياده للهوى واتباعه له .
وقلب أبيض قد أشرق فيه نور الإيمان وأزهر فيه مصباحه ، فإذا عرضت عليه الفتنة أنكرها وردها فازداد نوره وإشراقه .
والفتن التي تعرض على القلب فتن الشهوات وفتن الشبهات ، فالأولى توجب فساد القصد والإرادة ، والثانية توجب فساد العلم والاعتقاد .
وتنقسم أمراض القلوب بحسب ذلك إلى أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، كما فسر مرض الشهوات بقوله تعالى : (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)(الأحزاب/32) ، فإن المريض يؤذيه ما لا يؤذي الصحيح من يسير الحر والبرد والحركة ، فكذلك القلب إذا كان فيه مرض آذاه أدنى شيء من الشهوة أو الشبهة ؛ حيث لا يقوى على دفعهما إذا وردا عليه ، والقلب الصحيح القوي يطرقه أضعاف ذلك وهو يدفعه بقوته وصحته .

أما أمراض الشبهات فكما قال الله عز وجل : (فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً)(البقرة/10) . قال قتادة ومجاهد : أي شك .
فأمراض القلوب تجمعها أمراض الشهوات وأمراض الشبهات ، والقرآن الكريم شفاء للنوعين ، ففيه من البينات والبراهين القطعية ما يبين الحق من الباطل ، فتزول أمراض الشبهة المفسدة للعلم والتصور والإدراك بحيث يرى الأشياء على ما هي عليه ، فهو الشفاء على الحقيقة من أدواء الشبه والشكوك ، ولكن ذلك موقوف على فهمه ومعرفة المراد منه، فمن رزقه الله تعالى ذلك أبصر الحق والباطل عيانـًا بقلبه كما يرى الليل والنهار .

وأما شفاؤه لأمراض الشهوات فذلك بما فيه من الحكمة والموعظة الحسنة بالترغيب والترهيب ، والتزهيد في الدنيا والترغيب في الآخرة ، والأمثال والقصص التي فيها أنواع العبر والاستبصار ، فيرغب القلب السليم إذا أبصر ذلك بما ينفعه في معاشه ومعاده ، ويرغب عما يضره ، فيصير القلب محبـًا للرشد مبغضـًا للغي ، فالقرآن الكريم مزيلٌ للأمراض الموجبة للإرادات الفاسدة فيصلح القلب فتصلح إرادته ، ويعود إلى فطرته التي فُطر عليها .

قال الله تعالى : (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(الإسراء/82) ، وقال تعالى أيضًا : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)(يونس/57) فيتعذى القلب من الإيمان والقرآن الكريم بما يزكيه ويقويه ، وكل من القلب والبدن محتاج إلى أن يتربى فينمو ويزيد حتى يكمل ويصلح ، فكما أن البدن محتاج إلى أن يزكو بالأغذية المصلحة له والحمية عما يضره ، فلا ينمو إلا بإعطائه ما ينفعه ومنعه ما يضره ، فكذلك القلب لا ينمو ولا يتم صلاحه إلا بذلك ، ولا سبيل له إلى الوصول إلى ذلك إلا من خلال القرآن الكريم ، وإذا وصل إلى شيء من غيره فهو نزر لا يحصل به تمام المقصود، وكذلك الزرع لا يتم إلا بهذين الأمرين ، فحينئذ يقال: زكا الزرع وكمل.

فينبغي إذن للعبد أن يدرس علامات مرض القلب وعلامات صحة القلب حتى يتأكد من حالة قلبه ، فإن كان قلبه مريضـًا سعى في علاجه قبل أن يلقى الله تعالى بقلبٍ مريض فلا يؤذن له في دخول الجنة ، وإن كان سليمـًا حافظ على سلامته حتى يموت على ذلك ، وإن كان ميتـًا والعياذ بالله تعالى علم أن الله عز وجل يحيي الموتى ، يقول سبحانه : (اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(الحديد/17) .
البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد

Post: #1055
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:12 PM
Parent: #1001

لما كان القلب للأعضاء كالملك المتصرف في الجنود التي تصدر كلها عن أمره ويستعملها فيما يحب ، فكلها تحت عبوديته وقهره ، وتكتسب منه الاستقامة والزيغ ، وتتبعه فيما يعقده من العزم أو يحله ، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب))(رواه البخاري ومسلم) .

فهو ملكها وهي المنفذة لما يأمرها به القابلة لما يأتيها من هديه ، ولا يستقيم لها شيء من أعمالها حتى تصدر عن قصده ونيته ، وهو المسؤول عنها كلها ، فكل راعٍ مسؤول عن رعيته ، لذا كان الاهتمام بتصحيح القلب وتسديده أول ما اعتمد عليه السالكون والنظر في أمراض القلب وعلاجها أهم ما تنسك به الناسكون .

ولما علم عدو الله إبليس أن المدار على القلب والاعتماد عليه ؛ أجلب عليه بالوساوس ، وأقبل بوجوه الشهوات إليه ، وزين له من الأحوال والأعمال ما يصده عن الطريق ، وأمده من أسباب الغي ما يقطعه به عن أسباب التوفيق ، ونصب له من المصايد والحبائل ما إن سلم من الوقوع فيها لم يسلم من أن يحصل له بها التعويق ، فلا نجاة من مصايده ومكايده إلا بدوام الاستعانة بالله تعالى والتعرض لأسباب مرضاته والتجاء القلب إليه وإقباله عليه في حركاته وسكناته ، والتحقيق بذل العبودية الذي هو أول ما تلبس به الإنسان ليحصل له الدخول في ضمان : (إن عبادي ليس لك عليهم سلطان)(الحجر/42).
أقسام القلوب :
لما كان القلب يوصف بالحياة وضدها انقسم بحسب ذلك إلى أقسام ثلاثة : قلب سليم ـ وقلب ميت ـ قلب مريض .
القلب السليم :
وهو القلب الذي لا ينجو يوم القامة إلا من أتى الله به كما قال تعالى : (يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم)(الشعراء/88) .
والسليم هو السالم الذي صارت السلامة صفةً ثابتةً له كالعليم والقدير ، وأيضـًا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل ، فهو الذي قد سَلِمَ مَن كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ، ومن كل شبهة تعارض خبره ، فسلم من عبودية ما سواه ، وسلم من تحكيم غير رسوله ، فخلصت عبوديته لله تعالى إرادةً ومحبةً وتوكلاً ، وإنابة وإخباتـًا وخشية ورجاء ، وخلص عمله لله ، فإن أحبَّ أحب في الله ، وإن أبغض أبغض في الله ، وإن أعطى أعطى لله ، وإن منع منع لله ، ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيعقد قلبه معه عقدًا محكمـًا على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأفعال .
القلب الميت :
هو القلب الذي لا حياة فيه ، فهو لا يعرف ربه ولا يعبده بأمره وما يحبه ويرضاه ، بل هو واقفٌ مع شهواته ولذاته ، ولو كان فيها سخط ربه وغضبه فهو لا يبالي إذا فاز بشهوته رضى ربه أم سخط ، فهو متعبد لغير الله حبـًا وخوفـًا ورجاءً ورضـًا وسخطـًا وتعظيمـًا وذلاً ، إن أحب أحب لهواه ، وإن أبغض أبغض لهواه ، وإن منع منع لهواه ، وإن أعطى أعطى لهواه ، فهواه آثر عنده من رضا مولاه ، فالهوى إمامه ، والشهوة قائده ، والجهل سائقه ، والغفلة مركبه ، فهو بالفكر في تحصيل أغراضه الدنيوية مغمور ، وبسكرة الهوى وحب العاجلة مخمور ، ينادى إلى الله والدار الآخرة من مكان بعيد فلا يستجيب للناصح ويتبع كل شيطان مريد ، الدنيا تسخطه وترضيه ، والهوى يصمُّه عما سوى الباطل ويعميه ، فمخالطة صاحب هذا القلب سقم ، ومعاشرته سم ، ومجالسته هلاك .
القلب المريض :
قلب له حياة وبه علة ، فله مادتان تمده هذه مرة وهذه أخرى ، وهو لما غلب عليه منهما ، ففيه من محبة الله تعالى والإيمان به والإخلاص له والتوكل عليه ما هو مادة حياته ، وفيه من محبة الشهوات وإيثارها والحرص على تحصيلها والحسد والعجب والكبر وحب العلو والفساد في الأرض والرياسة ما هو مادة هلاكِهِ وعطبه ، وهو ممتحن بين داعيين : داعٍ يدعوه إلى الله ورسوله والدار الآخرة ، وداعٍ يدعوه إلى العاجلة ، وهو إنما يجيب أقربهما منه وأدناهما إليه جوارًا .
فالقلب الأول حي‌ٌ مخبتٌ ، والثاني يابسٌ ميتٌ ، والثالث مريض فإما إلى السلامة أدنى ، وإما إلى العطب أدنى .
البحر الرائق-الشيخ/أحمد فريد

Post: #1056
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:13 PM
Parent: #1001

إن علاج استيلاء النفس الأمارة على قلب المؤمن محاسبتها ومخالفتها ، أخرج الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال : " حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا ، فإن أهون عليكم في الحساب غدًا أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ، وتزينوا للعرض الأكبر يومئذٍ تعرضون لا تخفى منكم خافية "(رواه الترمذي) .
وقال الحسن : " المؤمن قوام على نفسه يحاسب نفسه لله ، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من غير محاسبة ، إن المؤمن يفاجئه الشيء ويعجبه فيقول والله إني لأشتهيك وإنك لمن حاجتي ، ولكن والله ما من حيلة إليك ، هيهات حيل بيني وبينك ، ويفرط منه الشيء فيرجع إلى نفسه فيقول : ما أردت إلى هذا ، مالي ولهذا ، والله لا أعود إلى هذا أبدًا .

إن المؤمنين قوم أوقفهم القرآن ، وحال بين هلكتهم ، إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته ، لا يأمن شيئـًا حتى يلقى الله ، يعلم أنه مأخوذ عليه في سمعه وفي بصره وفي لسانه وفي جوارحه ، مأخوذ عليه في ذلك كله " .
قال مالك بن دينار : " رحم الله عبدًا قال لنفسه : ألست صاحبة كذا ؟! ، ألست صاحبة كذا ؟! ثم زمها ، ثم خطمها ، ثم ألزمها كتاب الله عز وجل ، فكان لها قائدًا " .

فحق على الحازم المؤمن بالله واليوم الآخر ألا يغفل عن محاسبة نفسه والتضييق عليها في حركاتها وسكناتها وخطراتها ، قال الله تعالى : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً )(آل عمران/30) .
ومحاسبة النفس نوعان :

نوع قبل العمل ، ونوع بعده :
أما النوع الأول : فهو أن يقف عند أول همه وإرادته ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه .
قال الحسن - رحمه الله - : " رحم الله عبدًا وقف عند همه ، فإن كان لله أمضاه ، وإن كان لغيره تأخر " .
وشرح بعضهم هذا فقال : إذا تحركت النفس لعمل من الأعمال وهمَّ به العبد وقف أولاً ونظر هل ذلك العمل مقدور عليه أو غير مقدور عليه ، ولا مستطاع ، فإن لم يكن مقدورًا عليه لم يقدم عليه وإن كان مقدورًا عليه وقف وقفةً أخرى ونظر ، هل فعله خير من تركه ؟ أو تركه خير له من فعله ؟ فإن كان الثاني تركه ولم يقدم عليه ، وإن كان الأول وقف وقفة ثالثة : هل الباعث عليه إرادة وجه الله عز وجل وثوابه أو إرادة الجاه والثناء والمال من المخلوق ؟

فإن كان الثاني لم يقدم ، وإن افضى به إلى مطلوبه ، لئلا تعتاد النفس الشرك ويخف عليها العمل لغير الله ، فبقدر ما يخف عليها ذلك يثقل عليها العمل لله تعالى حتى يصير أثقل شيء عليها ، وإن كان الأول وقف وقفة أخرى ونظر هل هو معان عليه وله أعوان يساعدونه وينصرونه إذا كان العمل محتاجـًا إلى ذلك أم لا ؟ فإن لم يكن له أعوان أمسك عنه ، كما أمسك النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الجهاد بمكة حتى صار له شوكة وأنصار ، وإن وجده معانـًا عليه فليقدم عليه فإنه منصور بإذن الله ،ولا يفوت النجاح إلا من فوت خصلة من هذه الخصال ، وإلا فمع اجتماعها لا يفوته النجاح ، فهذه أربعة مقامات يحتاج العبد إلى محاسبة نفسه عليها قبل العمل .

وأما النوع الثاني : فمحاسبة النفس بعد العمل وهو ثلاثة أنواع :
أحدها : محاسبتها على طاعة قصرت فيها من حق الله تعالى فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي ، وحق الله في الطاعة ستة أمور :
- الإخلاص في العمل .
- ا لنصيحة لله فيه .
- متابعة الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
- شهود مشهد الإحسان .
- شهود منة الله .
- شهود تقصيره فيه بعد ذلك كله .
فيحاسب نفسه هل وَفَّى هذه المقامات حقها ؟ وهل أتى بها في هذه الطاعة؟
الثاني : أن يحاسب نفسه على كل عمل كان تركه خيرًا له من فعله .
الثالث : أن يحاسب نفسه على أمر مباحٍ لِمَ فعله ؟ وهل أراد به الله والدار الآخرة؟ فيكون رابحـًا ، أو أراد به الدنيا وعاجلها فيخسر ذلك الربح ويفوته الظفر به .

وإذا أهمل العبد نفسه وترك محاسبتها واسترسل مع رغباته فإن هذا يؤول به إلى الهلاك ، وهذه حال أهل الغرور يغمض عينيه عن العواقب ويتكل على العفو ، فيهمل محاسبة نفسه والنظر في العاقبة ، وإذا فعل ذلك سهل عليه مواقعة الذنوب وأنسَ بها وعسر عليه فطامها ، ولو حضره رشده لعلم أن الحمية أسهل من الفطام وترك المألوف والمعتاد .

وجماع ذلك : أن يحاسب نفسه أولاً على الفرائض ، فإن تذكر نقصـًا تداركه إما بقضاء أو إصلاح ، ثم يحاسبها على المناهي فإن عرف أنه ارتكب منها شيئـًا تداركه بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية ، ثم يحاسب نفسه على الغفلة ، فإن كان قد غفل عما خلق له تداركه بالذكر والإقبال على الله تعالى ، ثم يحاسبها بما تكلم به أو مشته رجلاه أو بطشت يداه أو سمعته أذناه ماذا أرادت بهذا؟ وَلِمَ فَعلته وعلى أي وجه فعلته .. قال الله تعالى : (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الحجر/92 ، 93) .
وقال تعالى : (فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ * فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ)(الأعراف/6 ، 7) .
وقال تعالى : (لِيَسْأَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ )(الأحزاب/8) .
فإذا سئل الصادقون وحوسبوا على صدقهم فما الظن بالكاذبين .
وقال تعالى : (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)(التكاثر/8) .
قال محمد بن جرير - رحمه الله - : يقول الله تعالى ثم ليسألنكم الله عز وجل عن النعيم الذي كنتم فيه في الدنيا : ماذا عملتم فيه ؟ ومن أين وصلتم إليه ؟ وفيم أصبتموه ؟ وماذا عملتم به ؟
وقال قتادة : إن الله سائل كل عبد عمَّا استودعه من نعمه وحقه .
والنعيم المسؤول عنه نوعان : نوع أخذ من حِله وصرف في حقه ، فيُسأل عن شكره .
ونوع : أخذ بغير حِله وصرف في غير حقه فيُسأل عن مستخرجه ومصرفه .

فإذا كان العبد مسؤولاً ومحاسبـًا على كل شيء حتى على سمعه وبصره وقلبه كما قال تعالى : (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً)(الإسراء/36) فهو حقيق أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش الحساب .
وقد دل على وجوب محاسبة النفس قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ)(الحشر/18) .
يقول الله تعالى : لينظر أحدكم ما قدم ليوم القيامة من الأعمال ، أمِنَ الصالحات التي تنجيه ، أم من السيئات التي توبقه ؟
قال قتادة : مازال ربكم يقرب الساعة حتى جعلها كغدٍ .
والمقصود : إن صلاح القلب بمحاسبة النفس وفساده بإهمالها والاسترسال معها .
المصدر: البحر الرائق للشيخ أحمد فريد

Post: #1057
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:14 PM
Parent: #1001

تلعب الأمراض الاجتماعية والآفات الأخلاقية دوراً بارزاً في تقويض عرى الحضارات الإنسانية المختلفة؛ فقد أقامت العديد من الأمم السابقة آيات من البناء المادي، وشيدت منجزات حضارية هائلة سرعان ما بادت وانحسرت بتمحورها حول القطب المادي وإغفالها للقيم الروحية والمثل الأخلاقية ودورهما الهام في عملية البناء الحضاري.

فلم يشهد التاريخ مصرع حضارة فتية المثل والقيم، سليمة من الآفات والعلل الاجتماعية والأخلاقية، ولكنه شهد عدداً من مصارع حضارات وأقوام أفلست أخلاقياً واجتماعياً ودينياً، فحق عليها قول التدمير وكلمة الفناء الأزلي، ولم تغن عنها محصلاتها المادية.
فالقوى المادية ـ وإن كانت تعد من أسباب التحضر والتقدم ـ إلا أنها قد تكون كذلك من عوامل التخلف والشقاء إذا ما قامت الأمم والشعوب بتحويلها إلى أسباب غرور وتفاخر وتسلط وظلم لمن حولها، وتهميش كل ما وراء ذلك.

فالفساد والانحراف لا بد أن تجنيه الأمم تردياً وأفولاً وانحساراً في حضارتها، وتلك سنة الله في الأمم؛ ولن تجد لسنة الله تبديلاً.
والانحراف الأخلاقي من أقوى الأسباب الجالبة لزوال نعم الله وتحول عافيته وفجاءة نقمته؛ فما زالت عن العبد نعمة إلا بذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. قال ـ تعالى ـ: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ}.[الشورى: 30].

المعاصي والانحراف سبب الهبوط

فتغير أحوال الأمم والحضارات من الصعود والرقي إلى التدهور والانحسار لا يكون إلا بتغيرهم وتوجههم نحو المعاصي وارتكاسهم في الانحراف والابتعاد عن منهج الله وفطرته. قال ـ تعالى ـ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الأنفال: 53]. فقد أخبر الله ـ تعالى ـ أنه لا يغير نعمته التي أنعم بها على أحد حتى يكون هو الذي يغير ما بنفسه، فإذا غير طاعة الله بمعصيته، وشكره بكفره، وأسباب رضاه بأسباب سخطه، كان الهبوط والتردي جزاءً وفاقاً. قال ـ تعالى ـ: {إنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ وَإذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ } [الرعد: 11].

الانحراف سبب عدم النهوض

بل إن الانحراف الأخلاقي ليقطع على الأمم طريق النهوض والإقالة من العثرات كذلك؛ فإن نعم الله لا تستجلب إلا بطاعته، كما أن النقم تستجلب بمعصيته والانتكاس عن طريقه؛ فالخالق ـ سبحانه ـ اختط للأمم سنناً في النهوض والبقاء كما وضع لها سنناً وقوانين أخرى في الهبوط والزوال؛ فإذا وظفت الأمم نعم الله عليها من تقدم وتطور في ميادين الحياة المختلفة في معصيته والانحراف عن هديه انقلبت تلك النعم إلى آفات تبطل أعمالها، وتحطم منجزاتها، بل وتكون سائقها إلى سبيل الأفول والانحسار.
فاستعمال النعم في معصية الخالق ـ جل وعلا ـ من أهم أسباب زوالها وتحـولهـا. يقـول ابن القيـم ـ رحمه الله ـ: "إذا أراد الله حفظ نعمته على عبده ألهمه رعايتها بطاعته فيها، وإذا أراد زوالها عنه خذله حتى عصاه بها. ومن العجب علم العبد بذلك مشاهدة في نفسه وغيره، وسماعاً لما غاب عنه من أخبار من أزيلت نعم الله عنهم بمعاصيه وهو مقيم على معصية الله كأنه مستثنى من هذه الجملة أو مخصوص من هذا العموم"ا.ه.

غياب الوعي

إن غياب الوعي بسنن الله في الأنفس والحضارات وأثر الانحراف الأخلاقي في أفولها وانهيارها لا يمكن أن يسوق إلا إلى مزيد من العثرات والانحدارات التي تمهد بدورها السبيل أمام الانحسار التام والسقوط المطبق؛ فالصعود الحضاري في حياة الأمم والشعوب لا يطرأ عليه تغير أو هبوط إلا في حالة سعي تلك الأمم ذاتها في استجلاب ذلك التغيير من خلال انحرافها وحيدتها عن طريق الفطرة الإنسانية وانتكاسها في طريق الضلال.
ولله در القائل:
إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
هل تعي البشرية اليوم تلك السنة الإلهية الثابتة؟!! (أرجو ذلك).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عن مجلة البيان عدد182

Post: #1058
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:15 PM
Parent: #1001

الجبن خلق ذميم يشين صاحبه ويجلب عليه الذل في الدنيا والخزي والهوان في الآخرة.
وصاحبه يموت في اليوم الواحد مرات ومرات:
إذا صوَّت العصفور طار فؤاده....... وليث حديدُ النَّاب عند الثرائد.

والجبن يكون نتيجة تخوف و تغلب المخاوف المرتقبة أو الحاصلة أمام الناظرين فيحجم و لا يعود شجاعاً . و يكبر مرض الجبن عند الجبناء بالوهم ، و أكثر مرض الناس وهم من أحاديثهم و ما تفتعله خواطرهم وما يتلقفونه من الحوادث و ما يشعرون به من نقص إيمان، يقول الله تعالى عن ذلك الصنف من المنافقين : ( يحسبون كل صيحة عليهم ) . فالجبناء يخافون من البشر أكثر من خوفهم من الله ، يقول الله تعالى : (أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً) (الأحزاب:19) ولهذا فإن الجبان لا يسود أبداً.

وإننا نرى الناس جميعاً يتمادحون بالشجاعة والكرم حتى إن ذلك عامة ما يمدح به الشعراء ممدوحيهم في شعرهم، وكذلك يتذامون بالبخل والجبن.
ولأن هذا الخلق من أسوأ الأخلاق التي يتصف بها إنسان فقد وجدنا الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتعوذ بالله من الجبن، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أنه كان يأمر بهذه الكلمات ويحدث بهن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وأعوذ بك من عذاب القبر" .

الجبان لا يدفع عن أهله

فالجبان لا يكاد يدفع حتى عن نفسه ولا عن حرماته وحاله كحال القائل:
أضحت تشجعني هند فقلت لها: إن الشجاعـة مقــرونُ بها العَـطــَبُ
لا والذي حجت الأنصـار كعبته ما يطلب الموت عندي مَنْ له إربُ
للحرب قوم أضل الله سعيهـــمُ إذا دعتـهم إلى حــوماتها وثــبــــوا

الجبن لا يؤخر الأجل

وليعلم الجبان أنه بجبنه لن يؤخر أجله: (فإذا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُون) [الأعراف: من الآية34].
وليتعلم درساً في الشجاعة من سيف الله خالد بن الوليد رضي الله عنه إذ قال عندما حضرته الوفاة: "لقد حضرت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي شبر إلا وفيه ضربةُ بسيف أو طعنةُ برمح أو رمية بسهم، وها أنا أموت على فراشي حتف أنفي كما يموت البعير فلا نامت أعين الجبناء".

الجبن شر الصفات

إن الجبن من شر الصفات التي يتصف بها الرجال، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "شر ما في رجل شُحُّ هالع وجُبْنُ خالع". رواه أحمد وقال الشيخ شاكر إسناده صحيح.
إن الجبن إذا تمكن من صاحبه وغلب على أخلاقه أدى إلى هتك الأعراض وانتهاك المحارم بل واحتلال الأوطان، لأن الجبان يؤثر العيش أي عيش على بذل نفسه أو تعريضها للخطر وإن كان في سبيل حماية نفسه وأهله وماله.

من حكايات الجبناء

من طريف ما يروى من حكايات الجبناء ما حكي عن أبي حية النميري -وكان جباناً- أنه كان له سيف ليس بينه وبين الخشب فرق وكان يسميه: "لعاب المنية" وقد سمع صوتاً في بيته فوقف قائلاً: أيها المغتر بنا المجترئ علينا بئس والله ما اخترت لنفسك، خير قليل وسيف صقيل لعاب المنية الذي سمعت به، مشهورة صولته ولا تخاف نبوته، اخرج بالعفو عنك لا أدخل بالعقوبة عليك ، إني والله إن أدع قيساً تملأ الفضاء عليك خيلاً ورجلاً، سبحان الله ما أكثرها وأطيبها، والله ما أنت ببعيد من تابعها والرسوب في تيار لجتها.
فهبت ريح ففتحت الباب فخرج كلب يشتد فاضطرب الرجل اضطراباً شديداً وتبادرت إليه نساء الحي يهدئن روعته ويقلن له: إنما هو كلب، فجلس وهو يقول: الحمد لله الذي مسخك كلباً وكفاني حرباً.

وهكذا الجبان يقاتل في غير ميدان، ويصول ويجول إذا شعر بالأمان، أما عند المخاوف فإن قلبه يطير وعقله يطيش:
وإذا ما خلا الجبان بأرض طلب الطعن وحده والنزالا.
فاللهم إنا نعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وغلبة الدَّيْن وقهر الرجال.
ماهر السيد

Post: #1059
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:17 PM
Parent: #1001

ينبغي على العاقل اللبيب ألاَّ يقنع بما عليه حاله، بل ينزع إلى معالي الأمور ويعمل على تغيير حاله إلى ما هو أرقى وأسمى وأنفع، فكلما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها في غير ركون إلى الدنيا أو مخالفة لشرع ربه .
وإذا كان الأمر كذلك فإنه لن تكون له غاية دون الجنة، فقد قال عمر بن عبد العزيز - رحمه الله - عن نفسه : " إن لي نفسًا تواقة (تشتاق إلى الشيء) لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نالتها تاقت إلى الخلافة، فلما نالتها تاقت إلى الجنة".
وهذا هو الطموح: أن تتطلع النفس إلى ما هو أكمل وأحسن وأسمى.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدل الأمة دائمًا على تطلب المعالي والتنزه عن الدنايا، فها هو يقول: " إن الله -تعالى - يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها ".

الفرق بين الطموح وعلو الهمة
مما لا شك فيه أن الطموح وعلو الهمة يشتركان في الهدف وهو تطلب معالي الأمور، غير أنهما يختلفان في الباعث والوسيلة، فإن الباعث في علو الهمة قد يكون الأنفة من خمول الضعة، أو دفع مهانة النقص، أما الباعث على الطموح فهو نزوع النفس دائمًا نحو الأعلى، وأما من حيث الوسيلة فإن علو الهمة لا يسلك بصاحبه إلا الدروب الشريفة الموافقة لشرع رب العالمين، بينما نجد أن الطموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلو والإسراف.

والذي لا شك فيه أيضًا أن صاحب الطموح إن لم يبذل جهذه للوصول إلى غايته، فهي مجرد أماني، لكن الطَّمُوح حقًا هو الذي يسعى لنيل ما يريد، بل ويُتعب نفسه في هذا:
وإذا كانت النفوس كبارًا.. .. ..تعبت في مرادها الأجسامُ
وما أحسن ما قال بعضهم:
لا يدرك المجد من لا يركب الخطرا.. .. ولا يـنال العـُلاَ مــن قـدَّم الحـذرا
ومـن أراد العــُلا صـفـوًا بـلا كَــدَرٍ.. .. قَضَى ولم يقضِ من إدراكه وَطَرا
إن معالي الأمور وعرة المسالك محفوفة بالمكاره؛ ولهذا قال معاوية -رضي الله عنه- لعمرو بن العاص -رضي الله عنه-: " من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته ".
وكان عمرو بن العاص يقول: " عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " . يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.

طموح الشرفاء والأكابر
إن الكبار دائمًا يتطلعون إلى المعالي ويتنزهون عن السفاسف والدنايا؛ لذا تجدهم طامحين إلى:
1-الاستزادة من العلم:
لما علموا أن العلم أرفع المقامات التي تتطلع إليها الهمم، وأشرف الغايات التي تتسابق إليها الأمم بذلوا فيه أوقاتهم وأموالهم، ولم يضيعوا بما وصلوا إليه، وقد تحملوا في سبيل ذلك الشدائد والصعاب من شظف العيش وخشونته، والغربة عن الأوطان والأهل ومجافاة النوم واللهو، حتى كان الواحد منهم يرحل من بلده إلى بلدٍ آخر طلبًا لحديث واحدٍ، بعزم لا يبلى، وحرصٍ على الاستفادة من كل لحظة.

2- الشهادة:
لما علم أصحاب الهمم العالية بما أعده الله تعالى لمن يموت في سبيله شهيدا تسابقوا إليها، ولم يؤثروا غيرهم بها، فقد أخرج الطبراني عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه قال يوم أحدٍ لأخيه: " خُذ درعي يا أخي، فقال: أريد من الشهادة مثل الذي تريد فتركاها جميعًا " .
وهذا جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يعقر فرسه ويقاتل القوم وهو يقول:
يا حـبذا الجـنةُ واقترابـُها.. .. ..طـيبة وباردٌ شـرابُها
والروم رومٌ قد دنا عذابها.. .. ..كـافـرٌ بعـيدةٌ أنسابُها
عليَّ إذ لاقيتها ضرابُها
حتى قتل في سبيل الله رضي الله عنه.

3-الطموح إلى الجنة:
فقد قيل للعَتَّابي: فلانٌ بعيد الهمة، قال: إذن لا يكون له غايةٌ دون الجنة " .
فكل غاية دون الجنة فهي بالنسبة إليها حقيرة.
ولا يمنع ذلك من طموح إلى الترقي في أمور الدنيا مع الالتزام بشرع الله والوقوف عند حدوده واستصحاب النية الصالحة في ذلك كله.
إسلام ويب

Post: #1060
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:18 PM
Parent: #1001

إذا كنت ممن يسهل عليهم العطاء ولا يؤلمهم البذل فأنت سَخِي، وإن كنتَ ممن يعطون الأكثر ويُبقون لأنفسهم فأنت جواد.
أما إن كنت ممن يعطون الآخرين مع حاجتك إلى ما أعطيت لكنك قدمت غيرك على نفسك فقد وصلت إلى مرتبة الإيثار.
ورتبة الإيثار من أعلى المراتب، وإنما ينشأ الإيثار عن قوة اليقين وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة، مع الرغبة في الأجر والثواب.
ومن أهم الأسباب التي تعين على الإيثار:
1-الرغبة في مكارم الأخلاق، والتنزه عن سيئها، إذ بحسب رغبة الإنسان في مكارم الأخلاق يكون إيثاره؛ لأن الإيثار أفضل مكارم الأخلاق.
2-بُغض الشُّحِّ، فمن أبغض الشُّحَّ علم ألا خلاص له منه إلا بالجود والإيثار.
3-تعظيم الحقوق، فمتى عظمت الحقوق عند امرئٍ قام بحقها ورعاها حق رعايتها، وأيقن أنه إن لم يبلغ رتبة الإيثار لم يؤد الحقوق كما ينبغي فيحتاط لذلك بالإيثار.
4-الاستخفاف بالدنيا، والرغبة في الآخرة، فمن عظمت في عينه الآخرة هان عليه أمر الدنيا، وعلم أن ما يعطيه في الدنيا يُعطاه يوم القيامة أحوج ما يكون إليه.
5-توطين النفس على تحمل الشدائد والصعاب، فإن ذلك مما يعين على الإيثار، إذ قد يترتب على الإيثار قلة ذات اليد وضيق الحال أحيانًا، فما لم يكن العبد موطنًا نفسه على التحمل لم يطق أن يعطي مع حاجته.
درجات الإيثار:
لقد قسم بعض العلماء الإيثار إلى مراتب ودرجات، فقد قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى:
الأولى: أن تُؤْثِرَ الخلقَ على نفسك فيما لا يخْرُمُ عليك دِينًا، ولا يقطع عليك طريقًا، ولا يُفسد عليك وقتًا، يعني أن تُقدمهم على نفسك في مصالحهم، مثل: أن تطعِمهم وتجوع، وتكسوهم وتعرَى، وتسقيهم وتظمأ، بحيثُ لا يؤدي ذلك إلى ارتكاب إتلافٍ لا يجوز في الدين، وكلُّ سببٍ يعود عليك بصلاح قلبك ووقتك وحالك مع الله فلا تؤثِر به أحدًا، فإن آثرت به فإنما تُؤْثِر الشيطان على الله وأنت لا تعلم.

الثانية: إيثارُ رضا الله على رضا غيره وإن عظمت فيه المحن وثقلت فيه المؤن وضعف عنه الطول والبدن ، وإيثار رضا الله عز وجل على غيره، هو أن يريد ويفعل ما فيه مرضاته، ولو أغضب الخلْق، وهي درجة الأنبياء، وأعلاها لِلرسل عليهم صلوات الله وسلامه. وأعلاها لأولي العزم منهم، وأعلاها لنبينا صلى الله عليه وسلم، وعليهم، فإنه قاومَ العالم كُله وتجرد للدعوة إلى الله، واحتمل عداوة البعيد والقريب في الله تعالى، وآثر رضا الله على رضا الخلق من كل وجه، ولم يأخذه في إيثار رضاه لومةُ لائم، بل كان همُّه وعزْمُه وسعيه كله مقصورًا على إيثار مرضاة الله وتبليغ رسالاته، وإعلاء كلماته، وجهاد أعدائه؛ حتى ظهر دين الله على كل دين، وقامت حجته على العالمين، وتمت نعمتُهُ على المؤمنين، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاد، وعبد الله حتى أتاه اليقين من ربه، فلم ينل أحدٌ من درجةِ هذا الإيثار ما نالَ، صلوات الله وسلامه عليه.

هذا وقد جرت سنة الله التي لا تبديل لها أن من آثر مرضاة الخلق على مرضاته: أن يُسخط عليه من آثر رضاه، ويخذُله من جهته، ويجعل محنته على يديه، فيعود حامدُهُ ذامًّا، ومن آثر مرضاته ساخطًا، فلا على مقصوده منهم حصل، ولا إلى ثواب مرضاة ربه وصل، وهذا أعجز الخلقِ وأحمقهم.

قال الشافعي رحمه الله: " رضا الناس غايةٌ لا تدرك فعليك بما فيه صلاحُ نفسك فالزمهُ"، ومعلومٌ أن لا صلاح للنفس إلا بإيثار رضا ربها ومولاها على غيره، ولقد أحسن من قال:
فليتك تحلُو والحياةُ مريرَةٌ.. .. .. وليتك ترضى والأنامُ غِضَابُ
وليت الذي بيني وبينك عامرٌ.. .. .. وبيني وبين العالمين خرابُ
إذا صحَّ منك الودُّ فالكّلُّ هينٌ.. .. .. وكل الذي فوق التراب تراب
الثالثة: أن تنسب إيثارك إلى الله دون نفسك، وأنه هو الذي تفرد بالإيثار لا أنت، فكأنك سلمت الإيثار إليه، فإذا آثرت غيرك بشيء؛ فإن الذي آثره هو الحق لا أنت فهو المؤثر على الحقيقة، إذ هو المُعطي حقيقةً.

مواقف خالدة في الإيثار
ولقد سجل التاريخ بأحرف من نور مواقف خالدة للمسلمين بلغوا فيها المرتبة العالية والغاية القصوى من الإيثار:
فهذا سيد الخلق وخاتم النبيين وإمام المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم تأتيه امرأة بُبردة فتقول: " يا رسول الله أكسوك هذه ؟ " فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، فلبسها فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال: " يا رسول الله ما أحسن هذه ؟ فاكسنيها " فقال: " نعم " ، فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: " ما أحسنت حين رأيت النبي صلى الله عليه وسلم محتاجًا إليها، ثم سألته إياها وقد عرفت أنه لا يُسأل شيئًا فيمنعه، فقال: " رجوت بركتها حين لبسها النبي صلى الله عليه وسلم لَعلِّي أُكَفَّن فيها " .

وأما أصحابه رضي الله عنهم والتابعون فحدث ولا حرج، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فبعث إلى نسائه فقلن: " ما معنا إلا الماء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من يُضيف هذا ؟ " فقال رجل من الأنصار: أنا، فانطلق به إلى امرأته، فقال: أكرمي ضيف رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: ما عندنا إلا قوت صبياني. فقال: هيئي طعامك وأصبحي سراجك (أوقديه) ونومي صبيانك إذا أرادوا عشاء، فهيأت طعامها وأصبحت سراجها ونوَّمت صبيانها، ثم قامت كأنها تصلح سراجها، فأطفأته، فجعلا يريانه أنهما يأكلان، فباتا طاويين، فلما أصبح غدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: " ضحك الله الليلة - أو عجب - من فعالكما، فأنزل الله: (ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة)[الحشر:].

وهؤلاء هم الأنصار يعرض أحدهم على أخيه من المهاجرين أن يناصفه أهله وماله فيأبى المهاجر ويقول: " بارك الله لك في أهلك ومالك ".
وهذا أبو طلحة أكثر الأنصار مالاً وأحب ماله إليه حديقة تسمى بيرحاء يسمع قول الله تعالى: (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون)[آل عمران:] فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم معلنًا أنه يتصدق بها لوجه الله تعالى.
وذاك قيس بن سعد بن عبادة يمرض ويتأخر إخوانه عن زيارته فيسأل عنهم، فيقال له: "إنهم كانوا يستحيون مما لك عليهم من الدَّين، فيقول: أخزى الله مالاً يمنع الإخوان من الزيارة " .
ثم أمر مناديًا ينادي: " من كان لقيس عليه مالٌ فهو في حلٍّ " .
فما أمسى حتى كسرت عتبة بابه لكثرة الزوار.

وإن تعجب فعجبٌ أمر هؤلاء الثلاثة الذين آثر كل منهم أخاه بالحياة، فقد قال حذيفة العَدَوي: " انطلقت يوم اليرموك أطلب ابن عمٍّ لي، ومعي شيءٌ من ماء، وأنا أقول: إن كان به رمق سقيته ومسحتُ به وجهه، فإذا أنا به، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فإذا رجل يقول: آه، فأشار ابن عمي إليَّ أن انطلق به إليه، فجئته فإذا هو هشام بن العاص، فقلت: أسقيك ؟ فأشار إليَّ أن نعم، فسمع به آخر فقال: آهٍ، فأشار هشام: انطلق به إليه فجئته، فإذا هو قد مات. فرجعت إلى هشام فإذا هو قد مات، فرجعت إلى ابن عمي فإذا هو قد مات. رحمة الله عليهم أجمعين " .

من فوائد الإيثار:
لو لم يكن من فوائده إلا أنه دليل كمال الإيمان وحسن الإسلام ورفعة الأخلاق لكفى، فكيف وهو طريق إلى محبة الرب سبحانه، وحصول الألفة بين الناس وطريق لجلب البركة ووقاية من الشُّحِّ ؟.
إسلام ويب

Post: #1061
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:20 PM
Parent: #1001

فمن علامات مرض القلب أن يتعذر على العبد ما خلق له من معرفة الله ومحبته والشوق إلى لقائه والإنابة إليه وإيثار ذلك على كل شهوة ، فيقدم العبد حظه وشهوته على طاعة الله ومحبته ، كما قال الله عز وجل : (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً) (الفرقان:43) . قال بعض السلف: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه . فيحيا في هذه الحياة الدنيا حياة البهائم لا يعرف ربه عز وجل ولا يعبده بأمره ونهيه كما قال تعالى : ( يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ)(محمد: من الآية12) .

والجزاء من جنس العمل فكما لا يحيا الحياة التي يحبها الله عز وجل ويرضاها وهو كذلك ليس جمادا لا يحس ، بل يحيا من أجل أن يعصى الله عز وجل بنعمه ، فهو كذلك في الآخرة لا يحيا حياة يجد فيها راحته ، ولا يموت فيفقد الإحساس بالألم، فلا يموت ولا يحيا (يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ) (إبراهيم:17) .

ومن علامات مرضه أن صاحبه لا تؤلمه جراحات المعاصي كما قيل :
" وما لجرح بميت إيلام " ، فالقلب الصحيح يتوجع بالمعصية ويتألم لها فيحدث له ذلك توبة ، وإنابة إلى ربه عز وجل ، كما قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ) (لأعراف:201) .
وقال تعالى في وصف المتقين : ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ)(آل عمران: من الآية135) . الآية أي ذكروا عظمة الله عز وجل وتوعده وعقابه فأحدث لهم ذلك استغفارا : فمريض القلب يتبع السيئة السيئة كما قال الحسن في قوله عز و جل : ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب أما سليم القلب فيتبع السيئة الحسنة والذنب التوبة .
ومن علامات مرضه أن صاحبه لا يوجعه جهله بالحق ، فإن القلب السليم يتألم بورود الشبهات عليه ، ويتألم بجهله بالحق وبعقائده الباطلة ، فالجهل مصيبة من أكبر المصائب يتألم بها من كان في قلبه حياة، قال بعض العلماء : " ما عصى الله بذنب أقبح من الجهل ؟ ، " وقيل للإمام سهل : يا أبا محمد أي شيء أقبح من الجهل؟ قال " الجهل بالجهل " ،قيل : صدق لأنه يسد باب العلم بالكلية .
ويقول القائل :
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله وأجسامهم قبل القبور قبور
وأرواحهم في وحشةٍ من جسومهم وليس لهم حتى النشور نشور

ومن علامات مرضه عدول صاحبه عن الأغذية النافعة إلى السموم الضارة ، كما يعرض أكثر الناس عن سماع القرآن الذي أخبر الله عز وجل عنه فقال :
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين) (الإسراء : 82). ويستمعون إلى الغناء الذي ينبت النفاق في القلب ويحرك الشهوات وفيه من الكفر بالله عز وجل ما فيه ، فالعبد يقدم على المعصية لمحبته لما يبغضه الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فالإقدام على المعصية نتيجة لمرض القلب ويزيد في مرض القلب ، وكلما سلم القلب أحب ما يحبه الله عز وجل وما يحبه رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْأِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ) (الحجرات:7)
وقال صلى الله عليه وسلم : ( ذاق حلاوة الإيمان من رضي بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا " .(رواه مسلم وغيره )
وقال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده وأهله والناس أجمعين " . ( البخاري ومسلم )

ومن علامات مرضه أن يستوطن صاحبه الدنيا ويرضى بها ويطمئن فيها ولا يحس فيها بغربة ولا يرجو الآخرة ولا يسعى لها سعيها، وكلما صح القلب من مرضه ترحل إلى الآخرة ، فيعطي الناس ظاهره ويخالفهم بباطنه ، يرى ما هم فيه ولا يرون ما هو فيه ، ويكون حاله في الدنيا كما وصى الرسول الله عليه وسلم :" كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل " . ( البخاري وغيره )
البحر الرائق للشيخ أحمد فريد

Post: #1062
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:22 PM
Parent: #1001

الذكر هو المنزلة الكبرى التي منها يتزود العارفون ، وفيها يتجرون وإليها دائمـًا يترددون ، وهو منشور الولاية الذي من أعطيه اتصل ومن منعه عزل ، وهو قوت قلوب العارفين التي متى فارقتها صارت الأجساد لها قبورًا ، وعمارة ديارهم التي إذا تعطلت عنه صارت بورًا ، وهو سلاحهم الذي يقاتلون به قطاع الطريق ، وماؤهم الذي يطفئون به التهاب الطريق ودواء أسقامهم الذي متى فارقهم انتكست منهم القلوب ، والسبب الواصل والعلاقة التي كانت بينهم وبين علام الغيوب .

به يستدفعون الآفات ويستكشفون الكربات وتهون عليهم به المصيبات ، إذا أظلَّهم البلاء فإليه ملجؤهم ، وإذا نزلت بهم النوازل فإليه مفزعهم ، فهو رياض جنتهم التي فيها يتقلبون ، ورؤوس أموال سعادتهم التي بها يتجرون ، يدع القلب الحزين ضاحكـًا مسرورًا ، ويوصل الذاكر إلى المذكور ، بل يدع الذاكر مذكورًا ، وفي كل جارحة من الجوارح عبودية مؤقتة (والذكر) عبودية القلب واللسان وهي غير مؤقتة ، بل هم يؤمرون بذكر معبودهم ومحبوبهم في كل حال ، قيامـًا وقعودًا وعلى جنوبهم ، فكما أن الجنة قيعان وهو غراسها ، فكذلك القلوب بور خراب وهو عمارتها وأساسها .

وهو جلاء القلوب وصقالتها ودواؤها إذا غشيها اعتلالها ، وكلما ازداد الذاكر في ذكره استغراقـًا ازداد محبة إلى لقائه للمذكور واشتياقـًا ، وإذا واطأ في ذكره قلبه للسانه نسى في جنب ذكره كل شيء ، وحفظ الله عليه كل شيء ، وكان له عوضـًا من كل شيء ، به يزول الوقر عن الأسماع والبكم عن الألسنة ، وتتقشع الظلمة عن الأبصار.
زين الله به ألسنة الذاكرين كما زين بالنور أبصار الناظرين ، فاللسان الغافل كالعين العمياء ، والأذن الصماء واليد الشلاء .
وهو باب الله الأعظم بينه وبين عبده ما لم يغلقه العبد بغفلته ، قال الحسن البصري : " تفقدوا الحلاوة في ثلاثة أشياء : في الصلاة وفي الذكر وقراءة القرآن ، فإن وجدتم وإلا فاعلموا أن الباب مغلق .

فوائد الذكر :
قد ذكر الإمام ابن القيم ـ رحمه الله ـ في كتابه القيم (الوابل الصيب) للذكر أكثر من سبعين فائدة .
· منها أنه يطرد الشيطان ويقمعه ويكسره ، ويرضى الرحمن عز وجل ، ويزيل الهم والغم والحزن ، ويجلب للقلب الفرح والسرور والبسط .
· ومنها : أنه يقوي القلب والبدن ، وينور الوجه والقلب ويجلب الرزق .
· ومنها : أنه يكسو الذاكر المهابة والحلاوة والنضرة ، ويورثه المحبة التي هي روح الإسلام وقطب رحى الدين ومدار السعادة والنجاة .
· ومنها : أنه يورث المراقبة حتى يدخل العبد في باب الإحسان فيعبد الله كأنه يراه ، ويورثه الإنابة والقرب ، فعلى قدر ذكر العبد لربه يكون قربه منه ، وعلى قدر غفلته يكون بعده عنه .
· ومنها : أنه يورث ذكر الله عز وجل ، قال تعالى : ( فاذكروني أذكركم)(البقرة/152) ، وفي الحديث القدسي : " فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي ، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم " .
· ومنها : أنه يورث حياة القلب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : الذكر للقلب كالماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء .
· ومنها : أنه يورث جلاء القلب من صداه ، وكل شيء له صدأ ، وصدأ القلب الغفلة والهوى ، وجلاؤه الذكر والتوبة والاستغفار .
· ومنها : أنه يحط الخطايا ويذهبها ، فإنه من أعظم الحسنات والحسنات يذهبن السيئات.
قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من قال في يوم وليلة سبحان الله وبحمده مائة مرة حطت عنه خطاياه ، وإن كانت مثل زبد البحر))(رواه البخاري ومسلم) .

ومنها أنه سبب لنزول الرحمة والسكينة كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((وما اجتمع قوم في بيتٍ من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده))(رواه مسلم والترمذي) .
· ومنها : أنه سبب لانشغال اللسان عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والباطل ، فمن عَوَّد لسانه ذكر الله صانه عن الباطل واللغو ، ومن يبس لسانه عن ذكر الله تعالى ترطب بكل باطل ولغو وفحش ولا حول ولا قوة إلا بالله .
· ومنها : أنه غراس الجنة كما في حديث جابر عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ((من قال سبحان الله العظيم وبحمده غرست له نخلة في الجنة)) .
·

ومنها : أن العطاء والفضل الذي ترتب عليه لم يرتب على غيره من الأعمال ، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ((من قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب ، وكتبت له مائة حسنة ، ومحيت عنه مائة سيئة ، وكانت له حرزًا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي ، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه))(رواه البخاري ومسلم) .

ومنها : أن دوام ذكر الرب تعالى يوجب الأمان من نسيانه الذي هو سبب شقاء العبد في معاشه ومعاده ، فإن نسيان الرب سبحانه وتعالى يوجب نسيان نفسه ومصالحها قال تعالى : (ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون)(الحشر/19) .
وإذا نسى العبد نفسه أعرض عن مصالحها ونسيها واشتغل عنها فهلكت وفسدت ، كمن له زرع أو بستان أو ماشية أو غير ذلك مما صلاحه وفلاحه بتعاهده والقيام عليه فأهمله ونسيه واشتغل عنه بغيره فإنه يفسد ولابد .
· ومنها : أن الذكر شفاء لقسوة القلوب ، قال رجل للحسن : يا أبا سعيد أشكو إليك قسوة قلبي ، قال : أذِبْهُ بالذكر ، وقال مكحول : ذكر الله شفاء ، وذكر الناس داء .
·

ومنها : أن الذكر يوجب صلاة الله تعالى وملائكته على الذاكر ، ومن صلى الله تعالى عليه وملائكته فقد أفلح كل الفلاح ، وفاز كل الفوز ، قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرًا كثيرًا * وسبحوه بكرةً وأصيلاً * هو الذي يصلي عليكم وملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمنين رحيمـًا)(الأحزاب/41 ـ 43) .
· ومنها : أن الله عز وجل يباهي بالذاكرين ملائكته كما في حديث أبي سعيد الخدري قال : خرج معاوية على حلقة في المسجد فقال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : والله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم استحلفكم تهمة لكم ، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أقل عنه حديثـًا مني ، وإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ خرج على حلقة من أصحابه فقال : ((ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومنَّ علينا بك ، قال : آلله ما أجلسكم إلا ذاك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذاك ، قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله تبارك وتعالى يباهي بكم الملائكة))(رواه مسلم) .

ومنها : أن جميع الأعمال إنما شرعت إقامة لذكر الله عز وجل قال تعالى : (وأقم الصلاة لذكري)(طه/14) ، أي لإقامة ذكري ، وقال شيخ الإسلام في قوله تعالى : (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر)(العنكبوت/45) الصحيح أن معنى الآية أن الصلاة فيها مقصودان عظيمان وأحدهما أعظم من الآخر ، فإنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، ولما فيها من ذكر الله أعظم من نهيها عن الفحشاء والمنكر .
· ومنها : أن إدامته تنوب عن الطاعات وتقوم مقامها حيث لا تنوب جميع التطوعات عن ذكر الله عز وجل ، وقد جاء ذلك صريحـًا في حديث أبي هريرة : ((أن فقراء المهاجرين أتوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالوا : يا رسول الله ذهب أهل الدثور بالدرجات العلي والنعيم المقيم ، يصلون كما نصلي ، ويصومون كما نصوم ، ولهم فضل أموالهم يحجون بها ويعتمرون ويجاهدون ، فقال ألا أعلمكم شيئـًا تدركون به من سبقكم وتسبقون به من بعدكم ولا أحد يكون أفضل منكم إلا من صنع مثل ما صنعتم ؟ قالوا : بلى يا رسول الله ، قال : تسبحون وتحمدون وتكبرون خلف كل صلاة ))(رواه البخاري) .
وعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال : " لأن أسبح الله تعالى تسبيحات أحب إلي من أن أنفق عددهن دنانير في سبيل الله عز وجل " .

· ومنها : أن الذكر يعطي الذاكرة قوة في قلبه وفي بدنه حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه ، وقد علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ابنته فاطمة وعليـًا ـ رضي الله عنهما ـ أن يسبحا كل ليلة إذا أخذا مضاجعهما ثلاثـًا وثلاثين ، ويحمدا ثلاثـًا وثلاثين ، ويكبرا ثلاثـًا وثلاثين لما سألته الخادم وشكت إليه ما تقاسيه من الطحن والسعي والخدمة فعلمها ذلك ، وقال : ((إنه خير لكما من خادم))(رواه البخاري ومسلم) ، فقيل إن من داوم على ذلك وجد قوة في يومه تغنيه عن خادم .
· ومنها : أن كثرة الذكر أمان من النفاق ، فإن المنافقين قليلوا الذكر لله عز وجل ، قال الله تعالى في المنافقين : (ولا يذكرون الله إلا قليلاً)(النساء/142) .

قال كعب : من أكثر ذكر الله عز وجل برئ من النفاق ، ولهذا والله أعلم ختم الله تعالى سورة المنافقين بقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا لا تُلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون)(المنافقون/9) .
· ومنها : أن للذكر من بين الأعمال لذة لا يشبهها شيء فلو لم يكن للعبد من ثوابه إلا اللذة الحاصلة للذاكر والنعيم الذي يحصل لقلبه لكفى به ولهذا سميت مجالس الذكر رياض الجنة .
قال مالك بن دينار : ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل .
· ومنها : أن دوام الذكر تكثير لشهود العبد يوم القيامة .
· ومنها : أن الذكر أفضل من الدعاء : الذكر ثناء على الله عز وجل ، والدعاء سؤال العبد حاجته ، فأين هذا من هذا ، والذكر كذلك يجعل الدعاء مستجابـًا ، فالدعاء الذي تقدمه الذكر والثناء أفضل وأقرب إلى الإجابة من الدعاء المجرد .

أنواع الذكر :
الأول : ذكر أسماء الله عز وجل وصفاته ومدحه والثناء عليه بها نحو : (سبحان الله) و (الحمد لله) و (لا إله إلا الله) .
الثاني : الخبر عن الله عز وجل بأحكام أسمائه وصفاته ، نحو : الله عز وجل يسمع أصوات عباده ويرى حركاتهم .
الثالث : ذكر الأمر والنهي كأن يقول : إن الله عز وجل أمر بكذا ونهى عن كذا .
الرابع : ذكر آلائه وإحسانه .
والذكر يكون بالقلب أو باللسان ، وأفضل الذكر ما تواطأ عليه القلب واللسان ، وذكر القلب أفضل من ذكر اللسان .
إسلام ويب

Post: #1063
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:23 PM
Parent: #1001

اعلم أن المعاصي كلها سموم للقلب وأسباب لمرضه وهلاكه ، وهي منتجة لمرض القلب وإرادته غير إرادة الله عز وجل ، وضررها للقلب كضرر السموم للأبدان .
قال الإمام ابن المبارك :
رأيتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ وقد يورثُ الذّل إدمانُهَــا
وتركُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ القُلُوبِ وخَيْرٌ لِنَفْسِـكِ عِصْيَانُهَـا

وللمعاصي من الآثار المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، وليس في الدنيا والآخرة شرٌ وداء إلا وسببه الذنوب والمعاصي .
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ ما ملخصه : " فما الذي أخرج الوالدين من الجنة دار اللذة والنعيم والبهجة والسرور إلى دار الآلام والأحزان والمصائب ؟ .

وما الذي أخرج إبليس من ملكوت السماء وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه؛ فجعلت صورته أقبح صورة وأشنعها وباطنه أقبح من صورته وأشنع ، وبدل بالقرب بعدًا وبالرحمة لعنة ، وبالجمال قبحـًا ، وبالجنة نارًا تلظى ، فهان على الله غاية الهوان وسقط من رحمته غاية السقوط ، وحل عليه غضب الرب تعالى فأهواه ومقته أكبر المقت فأرداه ، فصار قوادًا لكل فاسق ومجرم ، رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ، فعياذًا بك اللهم من مخالفة أمرك وارتكاب نهيك .
وما الذي أغرق أهل الأرض كلهم حتى علا الماء فوق رأس الجبال ؟ وما الذي سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على وجه الأرض كأنهم أعجاز نخلٍ خاوية ؟

وما الذي أرسل على قوم ثمود الصيحة حتى قطعت قلوبهم في أجوافهم وماتوا عن آخرهم ؟ وما الذي رفع قرى اللوطية حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم ، ثم قلبها عليهم فجعل عاليها سافلها فأهلكهم جميعـًا ، ثم أتبعهم حجارة من سجيل فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمة غيرهم ، ولإخوانهم أمثالها ، وما هي من الظالمين ببعيد؟

وما الذي أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ، فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم نارًا تلظى ؟ وما الذي أغرق فرعون وقومه في البحر ثم نقلت أرواحهم إلى جهنم ، فالأجساد للغرق والأرواح للحرق ؟
وما الذي خسف بقارون وداره وماله وأهله ؟ وما الذي أهلك القرون من بعد نوحٍ بأنواع العقوبات ودمرها تدميرًا ؟
وما الذي بعث على بني إسرائيل قومـًا أولي بأسٍ شديدٍ فجاسوا خلال الديار وقتلوا الرجال وسبوا الذراري والنساء ، ثم بعثهم عليهم مرة ثانية فأهلكوا ما قدروا عليه وتبروا ما علوا تتبيرا ، وما الذي سلط عليهم أنواع العذاب والعقوبات مرة بالقتل والسبي وخراب البلاد ، ومرة بجور الملوك ، ومرة بمسخهم قردة وخنازير ، وآخر ذلك الرب تبارك وتعالى : (لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ)(الأعراف/167) .

فمن آثار الذنوب والمعاصي :
-أنها مدد من الإنسان يمد به عدوه عليه ، وجيش يقويه به على حربه .
- ومنها : أنها تجرئ على العبد من لم يكن يجترئ عليه .
-ومنها : الطبع على القلب إذا تكاثرت ، حتى يصير صاحب الذنب من الغافلين كما قال بعض السلف في قوله تعالى : (كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)(المطففين/14) هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب ، وأصل هذا أن القلب يصدأ من المعصية ، فإذا زادت غلب الصدأ حتى يصير رانـًا ، ثم يغلب حتى يصير طبعـًا وقفـلاً فيصير القلب في غشاوة وغلاف .
- ومنها : أن ينسلخ من القلب استقباحها فتصير له عادة .
- ومنها أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضـًا .
- ومنها : ظلمة يجدها في قلبه يحس بها كما يحس بظلمة الليل ، كما روى عن ابن عباس أنه قال : " إن للحسنة نورًا في الوجه ، وضياءً في القلب ، وسعة في الرزق ، ومحبة في قلوب الخلق ، وإن للمعصية سوادًا في الوجه وظلامـًا في القلب ، وضيقـًا في الرزق ، وبُغْضَةً في قلوب الخلق " .
- ومنها : أن المعاصي توهن القلب والبدن ، أما وهنها للقلب فأمر ظاهر ، بل لا تزال توهنه حتى تزيل حياته بالكلية ، وأما وهنها للبدن فإن المؤمن قوته في قلبه وكلما قوي قلبه قوي بدنه .
- ومنها : تعسير أموره فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقـًا دونه أو متعسرًا عليه كما قال بعض السلف : إني لأعصي الله فأجد ذلك في خُلق دابتي وامرأتي .
- ومنها : الوحشة التي تحصل بينه وبين الناس ولاسيما أهل الخير ، قال أبو الدرداء : ليتق أحدكم أن تعلنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر ، يخلو بمعاصي الله فيلقى الله له البغض في قلوب المؤمنين .
- ومنها سقوط الجاه والكرامة عند الله وعند خلقه : (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِم)(الحج/18) .
- ومنها : أنها تطفئ في القلب نار الغيرة .
- ومنها : ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب .
- ومنها : أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة .
- ومنها : أن العبد لا يزال يرتكب المعاصي حتى تهون عليه وتصغر في قلبه ، قال ابن مسعود : " إن المؤمن يرى ذنبه كأنه في أصل جبل يخاف أن يقع عليه ، وإن الفاجر يرى ذنبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا "(رواه الترمذي) .
وقال أنس ـ رضي الله عنه ـ : " إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر كنا لنعدها على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الموبقات "(رواه البخاري) .
وقال بلال بن سعد : لا تنظر إلى صغر الخطيئة ولكن إلى عظمة من عصيت.
ونخص بالذكر هنا إن شاء الله تعالى خمسة سموم للقلب ، وهي من أكثر السموم انتشارًا ، وأشدها تأثيرًا في حياة القلب : وهي فضول الكلام ، وفضول النظر ، وفضول المخالطة ، وفضول الطعام ، وفضول النوم.
إسلام ويب

Post: #1064
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:25 PM
Parent: #1063

الحمد لله الذي أحسن خلق الإنسان وعدله ،وألهمه نور الإيمان فزينه به وجمله، وعلمه البيان فقدمه به وفضله ، وأمده بلسان يترجم به عما حواه القلب وعقله ، فاللسان من نعم الله العظيمة ولطائف صنعه الغريبة ، فإنه صغير جرمه عظيم طاعته وجرمه ، إذ لا يستبين الكفر والإيمان إلا بشهادة اللسان وهما غاية الطاعة والعصيان ، ومن أطلق عذبة اللسان وأهمله مرخى العنان سلك به الشيطان في كل ميدان ، وساقه إلى شفا جرف هار إلى أن يضطره إلى البوار ، ولا يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ، ولا ينجو من شر اللسان إلا من قيده بلجام الشرع، فلا يطلقه إلا فيما ينفعه في الدنيا والآخرة ويكفه عن كل ما يخشى غائلته في عاجله وآجله ، ففي حديث معاذ رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم :
" وهل يكب الناس في النار على وجوههم ـ أو قال على مناخرهم ـ إلا حصائد ألسنتهم " والمراد بحصائد الألسنة جزاء الكلام المحرم وعقوباته ، فإن الإنسان يزرع بقوله وعمله الحسنات والسيئات ، ثم يحصد يوم القيامة ما زرع ، فمن زرع خيراً من قول أو عمل حصد الكرامة ، ومن زرع شرا من قول أو عمل حصد الندامة .

وظاهر حديث معاذ يدل على أن أكثر ما يدخل الناس به النار النطق بألسنتهم ، فإن معصية النطق يدخل فيها الشرك وهو أعظم الذنوب
عند الله عز وجل ، ويدخل فيها القول على الله بغير علم وهو قرين الشرك ، ويدخل فيها شهادة الزور والسحر والقذف وغير ذلك من الكبائر والصغائر كالكذب والغيبة والنميمة ، وسائر المعاصي الفعلية لا يخلو غالبا من قول يقترن بها يكون معينا عليها .
وقد ورد في فضل الصمت أحاديث كثيرة، منها حديث سفيان بن عبد الله الثقفي قال : " قلت يا رسول الله ما أخوف ما تخاف على ؟ قال : هذا وأخذ بلسانه " .

وفي كتاب الإيمان في صحيح البخاري قوله : " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " ، وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال : " قلت يا رسول الله ما النجاة ؟ قال : أمسك عليك لسانك " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت " وهو من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم، ففيه أمر بقول الخير وبالصمت عما عداه ، فالكلام إما أن يكون خيرا فيكون مأمورا بقوله ، وإما أن يكون غير ذلك فيكون مأموراً بالصمت عنه ، وقد قال الله تعالى : (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) (قّ:18).

وعن سهل بن سعد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة " أي من أدى الحق الذي على لسانه من النطق بما يجب عليه والصمت عما لا يعنيه ، وأدى الحق الذي على فرجه من وضعه في الحلال وكفه عن الحرام ، أضمن له الجنة ، قال ابن بطال : دل الحديث على أن أعظم البلاء على المرء في الدنيا لسانه وفرجه، فمن وقى شرهما وقى أعظم الشر ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه إنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن العبد ليتكم بالكلمة ما يتبين فيها يزل في النار أبعد ما بين المشرق" وأخرجه مسلم بلفظ " أبعد ما بين المشرق والمغرب " قال ابن عبد البر : الكلمة التي يهوى بها صاحبها بسببها في النار هي التي يقولها عند السلطان الجائر . قوله
" ما يتبين فيها " قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : هي الكلمة التي لا يعرف القائل حسنها من قبحها ، قال : فيحرم على الإنسان أن يتكلم بما لا يعرف حسنه من قبحه . قال النووي : في هذا الحديث حث على حفظ اللسان فينبغي لمن أراد ينطق أن يتدبر ما يقول قبل أن ينطق فإن ظهرت فيه مصلحة تكلم وإلا أمسك .


ومن الآثار الواردة في ذلك :
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : والله الذي لا إله إلا هو ليس شيء أحوج إلى طول سجن من لساني . وكان يقول : يا لسان قل خيراً تغنم واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أنصف أذنيك من فيك ، وإنما جعل لك أذنان وفم واحد لتسمع أكثر مما تتكلم .
وعن الحسن البصري قال : كانوا يقولون : " إن لسان المؤمن وراء قلبه فإذا أراد أن يتكلم بشيء تدبره بقلبه ثم أمضاه ، وإن لسان المنافق أمام قلبه فإذا هم بشي أمضاه بلسانه ولم يتدبره بقلبه " .
ـ وعن الحسن قال : ما عقل دينه من لم يحفظ لسانه .

ـ فإن قلت : فهذا الفضل الكبير للصمت ما سببه ؟
فاعلم أن سببه كثرة آفات اللسان من الخطأ والكذب والغيبة والنميمة والرياء والنفاق والفحش والمراء وتزكية النفس والخوض في الباطل والخصومة والفضل والتحريف والزيادة والنقصان وإيذاء الخلق وهتك العورات ، فهذه آفات كثيرة ، وهي سباقه إلى اللسان لا تثقل عليه ، ولها حلاوة في القلب وعليها بواعث من الطبع ومن الشيطان ، والخائض فيها قلما يقدر أن يمسك اللسان فيطلقه بما يحب ويكفه عما لا يحب ، فإن ذلك من غوامض العلم ففي الخوض خطر وفي الصمت سلامة ، فلذلك عظمت فضيلته مع ما فيه من جمع الهم ودوام الوقار والفراغ للفكر والذكر العبادة، والسلامة من تبعات القول في الدنيا ومن حسابه في الآخرة فقد قال تعالى : (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( ق : 18).

ويدل على فضل لزوم الصمت أمر ، وهو أن الكلام أربعة أقسام : قسم هو ضرر محض ، وقسم هو نفع محض ، وقسم فيه ضرر ومنفعة ، وقسم ليس فيه ضرر ولا منفعة .

أما الذي هو ضرر محض فلا بد من السكوت عنه ، وكذلك ما فيه ضرر ومنفعة فإن درأ المفاسد أولى من جلب المنافع ، أما ما لا منفعة فيه ولا ضرر فهو فضول ، والاشتغال به تضييع زمان وهو عين الخسران ، فلا يبقي إلا القسم الرابع ، فقد سقط ثلاثة أرباع الكلام وبقي ربع ، وهذا الربع فيه خطر إذ قد يمتزج بما فيه إثم دقائق الرياء والتصنع وتزكية النفس امتزاجا يخفي دركه فيكون الإنسان به مخاطراً .
ونخص بتفصيل الذكرفيما يلي من مقالات بعض آفات اللسان التي عمت بها البلوى . والله المتسعان.

البحر الرائق الشيخ أحمد فريد

جامع العلوم والحكم لابن رجب الحنبلي

Post: #1065
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:27 PM
Parent: #1001

الاستغفار هو طلب المغفرة ، والمغفرة هي وقاية شر الذنوب مع سترها ، أي أن الله عز وجل يستر على العبد فلا يفضحه في الدنيا ويستر عليه في الآخرة فلا يفضحه في عرصاتها ويمحو عنه عقوبة ذنوبه بفضله ورحمته .
وقد كثر ذكر الاستغفار في القرآن ، فتارة يؤمر به كقوله تعالى (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(المزمل/20) وتارة يمدح أهله كقوله تعالى : (وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ)(آل عمران/17) ، وتارة يذكر الله عز وجل أنه يغفر لمن استغفره كقوله تعالى : (وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء/110) .

وكثيرًا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان ، والتوبة عبارة عن الإقلاع عن الذنوب بالقلب والجوارح ، وحكم الاستغفار كحكم الدعاء ، إن شاء الله أجابه وغفر لصاحبه لاسيما إذا خرج من قلب منكسر بالذنوب ، أو صادف ساعة من ساعات الإجابة كالأسحار وأدبار الصلوات ، وأفضل الاستغفار أن يبدأ بالثناء على ربه ، ثم يثني بالاعتراف بذنبه ، ثم يسأل ربه بعد ذلك المغفرة ، كما في حديث شداد بن أوس عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني ، وأنا عبدك ، وأنا على عهدك ، ووعدك ما استطعت ، أعوذ بك من شر ما صنعت ، أبوء لك بنعمتك عليَّ ، وأبوء بذنبي ، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت "(رواه البخاري) .
وقوله : " أبوء لك بنعمتك علي " أي أعترف لك ، و " أبوء بذنبي " أي أعترف وأقر بذنبي .
وفي حديث عبد الله بن عمرو أن أبا بكر قال : يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلمـًا كثيرًا ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم "(رواه مسلم) .

ومن أفضل الاستغفار أن يقول العبد : " أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه " .
وقد ورد عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن من قاله : " غفر له وإن كان فر من الزحف " .
وعن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : إن كنا لنعد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المجلس الواحد مائة مرة يقول : " رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الغفور "(رواه الترمذي وأبو داود والحاكم) .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال : " والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة "(رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة) .

وعن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إنه لَيُغَانُ على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة "(رواه البخاري ومسلم) .
وقد ورد في حديث أنس أهم الأسباب التي يغفر الله عز وجل بها الذنوب ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال الله تعالى : " يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ، يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة "(رواه الترمذي) .

وقد تضمن هذا الحديث ثلاثة أسباب من أعظم أسباب المغفرة :
أحدها : الدعاء مع الرجاء : فإن الدعاء مأمور به موعود عليه بالإجابة ، كما قال تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )(غافر/60) ، فالدعاء سبب مقتض للإجابة مع استكمال شرائطه وانتفاء موانعه ، وقد تتخلف الإجابة لانتفاء بعض شروطه أو وجود بعض موانعه ، ومن أعظم شرائطه حضور القلب ورجاء الإجابة من الله تعالى ، فمن أعظم أسباب المغفرة أن العبد إذا أذنب ذنبـًا لم يرج مغفرة من غير ربه ، ويعلم أنه لا يغفر الذنوب ويأخذ بها غيره فقوله : " إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي " يعني على كثرة ذنوبك وخطاياك ، ولا يتعاظمني ذلك ولا أستكثره .

وفي الصحيح عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : " إذا دعا أحدكم فليعظم الرغبة ، فإن الله لا يتعاظمه شيء "(رواه مسلم) .
فذنوب العباد وإن عظمت فإن عفو الله ومغفرته أعظم منها ، كما قال الإمام الشافعي عند موته :
وَلمّا قَسَا قَلْبِي وَضَاقَت مَذَاهِبِي جَعَلْتُ الرَّجَـا مِنِّي لِعَفْوكَ سُلَّمـًا
تَعَاظَمَنِي ذَنْبِي فَلَمـَّـا قَرَنْتُهُ بِعَفْوِكَ رَبِّي كَانَ عَـفْوُكَ أَعـظَمَ
الثاني : الاستغفار : فلو عظمت الذنوب وبلغت الكثرة عنان السماء ـ وهو السحاب ، وقيل : ما انتهى إليه البصر منها ـ ثم استغفر العبد ربه عز وجل ، فإن الله يغفرها له .
روي عن لقمان أنه قال لابنه : يا بني عود لسانك اللهم اغفر لي فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلاً .
وقال الحسن : أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم ، فإنكم ما تدرون متي تنزل المغفرة .

الثالث : التوحيد : وهو السبب الأعظم ومن فقده حُرِمَ المغفرة ، ومن أتى به فقد أتى بأعظم أسباب المغفرة .
قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)(النساء/166) ، قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في معنى قوله : " يا ابن آدم لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئـًا لأتيتك بقرابها مغفرة" يُعْفَى لأهل التوحيد المحض الذي لم يشوبوه بالشرك ما لا يعفى لمن ليس كذلك ، فلو لقى الموحد الذي لم يشرك بالله ألبتة ربه بقراب الأرض خطايا أتاه بقرابها مغفرة ، ولا يحصل هذا لمن نقص توحيده ، فإن التوحيد الخالص الذي لا يشوبه شرك لا يبقى معه ذنب ؛ لأنه يتضمن من محبة الله وإجلاله وتعظيمه وخوفه ورجائه وحده ما يوجب غسل الذنوب ، ولو كانت قراب الأرض ، فالنجاسة عارضةٌ ، والدافع لها قوي ، ومعنى " قُراب الأرض " ملؤها أو ما يقارب ذلك ، ولكن هذا مع مشيئة الله عز وجل ، فإن شاء غفر بفضله ورحمته ، وإن شاء عذب بعدله وحكمته ، وهو المحمود على كل حال .

قال بعضهم : الموحد لا يلقى في النار كما يلقى الكفار ، ولا يبقى فيها كما يبقى الكفار ، فإن كمل توحيد العبد وإخلاصه لله فيه وقام بشروطه كلها بقلبه والسانه وجوارحه أو بقلبه ولسانه عند الموت أوجب ذلك مغفرة ما سلف من الذنوب كلها ومنعه من دخول النار بالكلية ، فمن تحقق بكلمة التوحيد قلبه أخرجت منه كل ما سوى الله محبة وتعظيمـًا وإجلالاً ومهابة وخشية ورجاء وتوكلاً ، وحينئذٍ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ولو كانت مثل زبد البحر ، وربما قلبتها حسنات ، فإن هذا التوحيد هو الإكسير الأعظم ، فلو وضعت ذرة منه على جبال الذنوب والخطايا لقلبتها حسنات ، قال ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ : كما أن الله عز وجل لا يقبل طاعات المشركين فنرجو أن يغفر الله عز وجل ذنوب الموحدين أو معناه .
الآثار في فضل الاستغفار :
قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارًا كثيرًا .
وقال علي ـ رضي الله عنه ـ : ما ألهم الله سبحانه عبدًا الاستغفار وهو يريد أن يعذبه .
وقال قتادة ـ رحمه الله ـ : إن هذا القرآن يدلكم على دائكم ودوائكم ، فأما داؤكم فالذنوب ، وأما دواؤكم فالاستغفار .
وسمعوا أعرابيـًا وهو متعلق بأستار الكعبة يقول : اللهم إن استغفاري مع إصراري لَلَؤمٌ ، وإن تركي استغفارَكَ مع علمي بسعة عفوك لعجزٌ ، فكم تتجبب إليَّ بالنعم مع غناك عني ، وكم أتبغض إليك بالمعاصي مع فقري إليك ، يا من إذا وعد وَفّى ، وإذا أوعد عفا ، أدخل عظيم جرمي في عظيم عفوك يا أرحم الراحمين .
لكن قوله : " إذا أوعد عفا " مخالفٌ لعقيدة السلف ـ رضي الله عنهم ـ فوعد الله عز وجل ووعيده حق ، كما قال تعالى : (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيّ)(ق/29) .
فهو سبحانه إن شاء عفا وإن شاء عاقب ، نسأل الله المغفرة والعفو والعافية.
البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد

Post: #1066
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:29 PM
Parent: #1001

إن الإنسان بطبعه عجول يود لو أدرك كل شيء بسرعة (وكان الإنسان عجولاً ) { الإسراء :11}.
ولما كانت هذه العجلة تجلب على صاحبها المتاعب وتوقعه في الإشكالات؛ ندب الشرع إلى تربية النفس على التأني في أمور الدنيا ، ونقصد بالتأني هنا : عدم العجلة في طلب الأشياء والتمهل في تحصيلها .
وإذا كان الله - تعالى - قد قال لنبيه - صلى الله عليه وسلم : -
(وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) (طـه:114) . وهذا في تلقي القرآن فإن التأني يكون مطلوباً من الإنسان في أمور حياته كلها .
التأني من الله والعجلة من الشيطان :
فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن النبي صلى الله عليه وسلم- قال
" التأني من الله ، والعجلة من الشيطان .... " والحديث
و إذا كان التأني من الله ، فإن الله يحبه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لأشج عبد القيس " إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله : الحلم والأناة " .(البخاري ومسلم).
التأني في الدعاء :
ونقصد به أن يقدم المسلم بين يدي دعائه الثناء على الله والصلاة على نبيه فإن ذلك أرجى لقبول دعائه ؟ أما أن يدخل في الدعاء مباشرة فإنه من العجلة ، فقد سمع الرسول صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي فقال له: " عجلت أيها المصلي " ، وسمع رجلاً يصلي فمجد الله وحمده وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :" ادع تُجب وسل تعط " .
ومن العجلة في الدعاء أن يستبطأ الإجابة ، فيترك الدعاء بزعم أنه يدعو ولا يستجاب له .
التأني المذموم :
على الرغم من فضائل التأني وامتداحه عقلاً وشرعاً ، فإن هناك نوعاً منه ليس من التأني الممدوح ،إنه التأني في أمر الآخرة ،وإنه في الحقيقة تثاقل ونوع غفلة ينبغي أن يجاهد المسلم نفسه للتنزه عنه . ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
" التؤدة ( أي التأني والتمهل ) في كل شيء إلا في عمل الآخرة " . (رواه أبو داود وصححه الألباني) ومن التأني المحمود التأني في القضاء بأن يسمع القاضي طرفي النزاع فيسمع من الثاني كما سمع من الأول فإنه أحرى أن تبين له القضاء .
من أقوال الشعراء في التأني :
انطق مصيباً لا تكـن هـذراًَ عيابة ناطقـاً بالفحش والريب
وكن رزينا طويل الصمت ذا فكر فإن نطقت فلا تكثر من الخطب
ولا تجب سائلاً من غير تروية وبالـذي مثـله تسال فلا تجب
وقال آخر :
لا تعجـلن فربمـا عجل الفتى فيما يضره
ولربما كره الفتى أمــراً عـواقـبـه تسـره
فكن أخي متأنيا في أمور دنياك كلها تسعد وتفرح ولا تندم إن شاء الله.
للاستزادة : نضرة النعيم بإشراف الشيخ صالح بن حميد
إسلام ويب

Post: #1067
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:32 PM
Parent: #1001

الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم

قال الله تعالى : (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)(الأحزاب/56) .
قال ابن كثير رحمه الله : المقصود من هذه الآية أن الله سبحانه وتعالى أخبر عباده بمنزلة عبده ونبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه في الملأ الأعلى عند الملائكة المقربين ، وأن الملائكة تصلي عليه ، ثم أمر تعالى العالم السفلي بالصلاة والتسليم عليه ، ليجتمع الثناء عليه من أهل العالمين العلوي والسفلي جميعـًا .

وقال ابن القيم - رحمه الله - في " جلاء الأفهام " : والمعنى أنه إذا كان الله وملائكته يصلون على رسول الله فصلوا أنتم أيضـًا عليه ، فأنتم أحق بأن تصلوا عليه وتسلموا تسليمـًا ؛ لما نالكم ببركة رسالته ويُمْنِ سفارته ، من خير شرف الدنيا والآخرة .
معنى الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
قال أبو العالية : صلاة الله تعالى ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء .
وقال ابن عباس : يصلون يباركون .

قال ابن القيم - رحمه الله - : الصلاة المأمور بها فيها أي في الآية المتقدمة هي الطلب من الله ما أخبر به عن صلاته وصلاة ملائكته ، وهي ثناء عليه وإظهار لفضله وشرفه وإرادة تكريمه وتقريبه .

فضل الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
عن عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - قال : أتيت النبي وهو ساجد فأطال السجود قال :" أتاني جبريل قال : من صلى عليك صليت عليه ، ومن سلم عليك سلمت عليه فسجدت لله شكرًا "(رواه أحمد) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " من صلى علي واحدة صلى الله عليه عشرًا "(رواه الحاكم وأحمد) .
وعن يعقوب بن زيد بن طلحة التيمي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أتاني آتٍ من ربي فقال : ما من عبدٍ يصلي عليك صلاة إلا صلى الله عليه بها عشرًا " .
فقام إليه رجل فقال : يا رسول الله أجعل نصف دعائي لك ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل ثلثي دعائي ؟ قال : إن شئت ، قال : ألا أجعل دعائي كله قال : " إذن يكفيك الله هم الدنيا وهم الآخرة "(رواه مسلم) .

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " رغم أنف رجل ذُكرتُ عنده فلم يصل عَليَّ ، ورغم أنف رجل أدرك أبويه عنده الكبر فلم يدخلاه الجنة ، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له"(رواه الترمذي) .
عن علي بن الحسين قال : أخبرني أبي عن جدي أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لا تجعلوا قبري عيدًا وصلوا عليَّ وسلموا حيثما كنتم فسيبلغني سلامكم وصلاتكم "(رواه أبو داود وأحمد وحسنه الحافظ ، وقال الألباني: صحيح بطرقه وشواهده) .
وعن عبد الله بن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني من أمتي السلام "(رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي وقال الألباني : إسناده صحيح رجاله رجال الصحيح) .

وعن الحسن قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " بحسب امرئ من البخل أن أُذكر عنده فلا يصلي عليَّ "(رواه الترمذي وقال : حسن غريب صحيح ، والحاكم ، وقال الألباني : مرسل صحيح يشهد له ما قبله) .
وعن محمد بن علي قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " من ذُكرت عنده فلم يصل عليَّ خطئ طريق الجنة "(رواه الجهضمي وقال الألباني : إسناده مرسل جيد) .
وعن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "من صلى عليَّ أو سأل لي الوسيلة حقت عليه شفاعتي يوم القيامة "(رواه مسلم) .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " ما جلس قوم مجلسـًا لم يذكروا الله ولم يصلوا على نبيهم - صلى الله عليه وسلم - إلا كان مجلسهم عليهم ترة يوم القيامة ، إن شاء عفا عنهم وإن شاء أخذهم "(رواه الترمذي وصححه الألباني) .

كيفية الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
عن أبي مسعود الأنصاري - رضي الله عنه - قال : " أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن في مجلس سعد بن عبادة فقال له بشر بن سعد : أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : فسكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى تمنينا أنه لم يسأله ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، والسلام كما علمتم "(رواه مسلم) .

الفوائد والثمرات الحاصلة بالصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - :
1- امتثال أمر الله سبحانه وتعالى وموافقته سبحانه في الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - وموافقة ملائكته فيها .
2- حصول عشر صلوات من الله عز وجل على المصلي بالصلاة مرة واحدة على النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3- أنها سبب لشفاعته - صلى الله عليه وسلم - إذا قرنها بسؤال الوسيلة أو أفردها كما تقدم .
4- أنها سبب لكفاية العبد ما أهمه كما في حديث زيد بن طلحة المتقدم .
5- أنها ترمي بصاحبها على طريق الجنة وتخطئ بتاركها عن طريقها .
6- أنها سبب لإبقاء الله سبحانه الثناء الحسن والبركة للمصلي ؛ لأن المصلي طالب من الله أن يثني على رسوله ويكرمه ويشرفه ويبارك عليه وعلى آله ، وهذا الدعاء مستجاب فلا بد أن يحصل للمصلي نوع من ذلك والجزاء من جنس العمل .
7- أنها سبب لدوام محبة العبد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وزيادتها وتضاعفها ، وذلك عقد من عقود الإيمان الذي لا يتم إلا به ، وهي سبب أيضـًا لزيادة محبته - صلى الله عليه وسلم - للمسلم وعرض اسم المصلي عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وكفى بالعبد نبلاً أن يذكر اسمه بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

مواطن الصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - :
الموطن الأول : وهو أهمها وآكدها في الصلاة في آخر التشهد ، وقد أجمع المسلمون على مشروعيته واختلفوا في وجوبه فيها .

الموطن الثاني : صلاة الجنازة بعد التكبيرة الثانية ، عن الزهري قال : سمعت أبا أمامة بن سهل بن حنيف يحدث سعيد بن المسيب قال : " إن السنة في صلاة الجنازة أن يقرأ بفاتحة الكتاب ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يخلص الدعاء للميت حتى يفرغ ، ولا يقرأ إلا مرة واحدة ثم يسلم في نفسه "(رواه النسائي والحاكم وصححه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والألباني) .

الموطن الثالث : عند ذكره - صلى الله عليه وسلم - وقد اختلف في وجوبها كلما ذكر اسمه - صلى الله عليه وسلم - فقال الطحاوي والحليمي : تجب الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - كلما ذكر اسمه ، وقال غيرهما : ذلك مستحب وليس بفرض يأثم تاركه .

الموطن الرابع : عند دخول المسجد وعند الخروج منه ، عن فاطمة - رضي الله عنها - قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دخلت المسجد فقولي بسم الله والسلام على رسول الله ، اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد واغفر لنا وسهل لنا أبواب رحمتك ، فإذا فرغتِ فقولي مثل ذلك غير أن قولي : وسهل لنا أبواب فضلك "(رواه ابن ماجة والترمذي وصححه الألباني بشواهده) .

الموطن الخامس : عقب سماع الأذان لقوله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ، ثم صلوا عليَّ ، فإنه من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا ، ثم سلوا الله لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله ، وأرجو أن أكون أنا هو ، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة "(رواه ) .

الموطن السادس : عند الدعاء لحديث فضالة بن عبيد صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لم يمجد الله ولم يصل على النبي - صلى الله عليه وسلم : " عجل هذا " ثم دعاه فقال له ولغيره : " إذ صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يدعو بعد بما شاء "(رواه).
الموطن السابع : الصلاة عليه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة : لحديث أوس بن أوس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة ، فيه خلق آدم وفيه قبض ، وفيه النفخة ، وفيه الصعقة ، فأكثروا عليَّ من الصلاة ، فإن صلاتكم معروضة عليَّ ، قالوا : يا رسول الله كيف تعرض عليك صلاتنا وقد أَرِمْتَ ؟ يقولون : قد بليتَ ـ قال : " إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء " .
الموطن الثامن : الخطب كخطبة الجمعة والعيدين والاستسقاء وغيرها .
الموطن التاسع : عند القيام من المجلس .
الموطن العاشر : عند خطبة الرجل المرأة في النكاح .

البحر الرائق / الشيخ : أحمد فريد .

Post: #1068
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-28-2015, 11:37 PM
Parent: #1001

فضول النظر هو إطلاقه بالنظر إلى الشيء بملء العين ، والنظر إلى ما لا يحل له ، وهو على العكس من غض البصر، والغض هو النقص ، وقد أمر الله عز جل به فقال . (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ *وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ )(النور: 30، 31).
والله عز وجل لا يأمر بصرف كل النظر وإنما يأمر بصرف بعضه، قال تعالى :
( من أبصارهم ) ولما كان تحريم فضول النظر من تحريم الوسائل فيباح للمصلحة الراجحة، ويحرم إذا خيف منه الفساد ولم تعارضه مصلحة أرجح من تلك المفسدة، ولم يأمر الله سبحانه بغضه مطلقا بل أمر بالغض منه ، وأما حفظ الفرج فواجب بكل حال لا يباح إلا بحقه فلذلك أمر بحفظه .

وقد أمر الله عز وجل بغض البصر وصيانة لفرج وقرن بينهما في معرض الأمر ، وبدأ بالأمر بالغض لأنه رائد للقلب كما قيل :
ألم تر أن العين للقلب رائد فما تألف العينان فالقلب آلف
ولأن غض البصر وسيلة إلى حفظ الفرج وصيانته ، وهو الباب الأكبر إلى القلب ، وأعمر طرق الحواس إليه وبحسب ذلك كثر السقوط من جهته ووجب التحذير منه .

وعن أبى هريرة رضي الله عنه عن البني صلى الله عليه وسلم قال : " كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ، العينان زناها النظر ، والأذنان زناها الاستماع ، اللسان زناه الكلام ، واليد زناها البطش ، الرجل زناها الخطى ، والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه " ( البخاري ومسلم ).
وعن جرير رضي الله عنه قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : " اصرف بصرك " (رواه مسلم ).

آفات فضول النظر :
الآفة الأولى : فضول النظر معصية ومخالفة لأمر الله عز وجل وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى وما سعد من سعد إلا بامتثال أوامره ، وما شقى من شقى إلا بتضييع أوامره .

الآفة الثانية : أنه يفرق القلب ويشتته ويبعده من الله وليس على العبد شيء أضر منه فإنه يوقع الوحشة بين العبد وربه ، وغض البصر يورث القلب أنسا بالله عز وجل وجمعيه عليه .

الآفة الثالثة : أنه يضعف القلب ويحزنه وغض البصر يقوي القلب ويفرحه .

الآفة الرابعة : أنه يكسب القلب ظلمة وإذا أظلم القلب أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل مكان ، فما شئت من بدعة وضلالة واتباع هوى واجتناب هدى وإعراض عن أسباب السعادة واشتغال بأسباب الشقاوة ، فإن ذلك إنما يكشفه النور الذي في القلب فإذا فقد ذلك النور بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس في حنادس الظلام ، وغض البصر لله عز وجل يكسب القلب نورا وإشراقا يظهر في العين وفي الوجه وفي الجوارح، ولهذا ذكر الله عز وجل آية النور عقب الأمر بغض البصر فقال تعالى : (قلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ) (النور:30). ثم قال إثر ذلك : (اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ )(النور: من الآية35). أي مثل نوره في قلب عبده المؤمن الذي امتثل أوامره واجتنب نواهيه ، وإذا استنار القلب أقبلت وفود الخيرات إليه من كل جانب .

الآفة الخامسة : فضول النظر يقسي القلب ويسد على العبد باب العلم ، وغض البصر يفتح للعبد باب العلم ويسهل عليه أسبابه، وذلك بسبب نور القلب فإنه إذا استنار ظهرت فيه حقائق الأشياء .

الآفة السادسة : أنه يسمح بدخول الشيطان إلى القلب فإنه يدخل مع النظرة وينفذ معها إلى القلب أسرع من نفوذ الهواء في المكان الخالي فيمثل له صورة المنظور إليه ويزينها ويجعلها صنما يعكف عليه القلب ، ثم يمنيه ويوفد على القلب نار الشهوة ويلقى عليه حطب المعاصي التي لم يكن يتوصل إليها بدون تلك الصورة ، فيصير القلب في اللهب قد أحاطت به النيران من كل جانب ، فهو وسطها كالشاة وسط التنور ، ولهذا كانت عقوبة أصحاب الشهوات بالصور المحرمة أنه جعل لهم في البرزخ تنورا من نار ، وأودعت أرواحهم فيه إلى حشر أجسادهم ، وغض البصر يسد على الشيطان مدخله إلى القلب .

الآفة السابعة : إن إطلاق البصر يوقع العبد في الغفلة اتباع الهوى ، قال الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً)(الكهف: من الآية28). وإطلاق النظر يوجب هذه الأمور الثلاثة بحسبه، وغضه لله عز وجل يفرغ القلب للتفكير في مصالحه والاشتغال بها .

الآفة الثامنة : إن النظرة تفعل في القلب ما يفعل السهم في الرمية، فإن لم تقتله جرحته ، وهي الشرارة من النار ترمى في الحشيش اليابس فإن لم تحرقه كله أحرقت بعضه كما قيل :

كل الحوادث مبداها من النظر ومعظم النار من مستصغر الشرر
كم نظرة فعلت في قلب صاحبها فعل السهام بلا قوس ولا وتر
والمرء مـا دام ذا عين يقلبها في أعين الناس موقوف على خطر
يـسر مقلته ماضر مهجته لا مرحبا بسرور عادب الضرر

الآفة التاسعة : فضول النظر وإطلاق البصر يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادرا عليه ولا صابرا عنه كما يقول القائل :

وكنت متى أرسلت طرفك رائدا لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رأيت الذي لا كله أنت قادر عليه ولا عن بعضه أنت صابر

الآفة العاشرة : أن النظرة تجرح القلب جرحا فيتبعها جرح على جرح، ثم لا يمنعه ألم الجراحة من استدعاء تكرارها ، كما يقول القائل :

ما زلت تتبع نظرة في نظرة في إثر كل مليحة ومليح
وتظن ذاك دواء جرحك وهو في التحقيق تجريح على تجريح
فذبحت طرفك باللحاظ وبالبكا فالقلب منك ذبيح أي ذبيح

الآفة الحادية عشرة : إطلاق البصر يذهب نور البصيرة والجزاء من جنس العمل ، وغض البصر يسبب إطلاق نور البصيرة ويورث العبد الفراسة كما قال شاه بن شجاع الكرماني : (( من عمر ظاهره باتباع السنة ، وباطنه بدوام المراقبة ، وغض بصره عن المحارم ، وكف نفسه عن الشهوات ، واعتاد الحلال لم تخطئ فراسته )) . وكان شاه هذا لا تخطئ له فراسة .

الآفة الثانية عشرة : فضول النظر يوقع القلب في ذل اتباع وضعف القلب، ومهانة النفس وحقارتها ، وما جعله الله لمن آثر هواه على رضاه ، وقد جعل الله سبحانه العز قرين طاعته والذل قرين معصيته فقال تعالى : (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ )(فاطر: من الآية10). أي من كان يريد العزة فليطلبها بطاعة الله وذكره من الكلم الطيب والعمل الصالح ، فمن أطاع الله فقد والاه، وله من العزة بحسب طاعته ، ومن عصاه فقد عاداه فيما عصاه فيه وله من الذل بحسب معصيته .

الآفة الثالثة عشرة : فضول النظر يوقع القلب في أسر الشهوة ، فإن الأسير هو أسير شهوته وهواه فهو كما قيل : ( طليق برأي العين وهو أسير ) .
ومتى أسرت الشهوة والهوى القلب تمكن منه عدوه وسامه سوء العذاب وصار :
كعصفورة في كف طفل يسومها حِيا ضَ الردى والطفل يلهو ويلعب
الآفة الرابعة عشرة : فضول النظر يوجب استحكام الغفلة عن الله والدار الآخرة ويوقع في سكرة العشق كما قال تعالى عن عشاق الصور
(لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (الحجر:72). فوصفهم بالسكرة التي هي فساد العقل والعمه الذي هو فساد نور البصير، فالنظرة كأس من خمر والعشق هو سكر ذلك الخمر ، وسكران العشق قلما يفيق إلا وهو في عسكر الأموات نادما مع الخاسرين .
المصدر : الجواب الكافي ـ لابن القيم
البحر الرائق ـ أحمد فريد

Post: #1069
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:12 AM
Parent: #1001

الحذر من الفتور
الحمد لله الذي خلق فسوى، وقدر فهدى، والصلاة والسلام على نبي الهدى، ومن بهديه اهتدى ، وبعد:
فإن الفلاح مطلب العاملين ، وقد رتبه الله (تعالى) على تزكية النفس وتربيتها وتطهيرها ، فـقــال (عز وجل): ((قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى)) [الأعلى: 14] ، وقال: ((قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا)) [الشمس: 9 ، 10].

وقد بـعــث الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- معلماً ومربياً ، فقال: ((هُوَ الَذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَـــلالٍ مُّبِينٍ)) [الجمعة: 2] ، فكان -صلى الله عليه وسلم- يتعاهد نفوس أصحابه بالتربية والتزكية.

وإن إصــلاح النفوس وتزكيتها دأبُ السائرين إلى الله (تعالى): الأنبياء وأتباعهم ، فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يكابد من دعوة قومه الشدائد ، فإذا أظلم الليل انتصب لربه راكعاً وساجداً ، يسأله ويرجوه ، ويخضع بين يديه ويتذلل له ، وقد كان قيام الليل واجباً على المسلمين عاماً كاملاً ، وذلك لما له من أثر في إصلاح القلب ، وانطلاقة المسلم وثباته ـ في آنٍ معاً ـ ، مما يجعله ضرورة ملحة لا غنى عنها.
ومن ثَم: كــان واجب كل مسلم ، ـ وخاصة المشتغلين بالعلم والدعوة ـ أن يجعل من أكبر همه إصلاح نـفـسه وتهذيبها ، وتعاهدها في صلته مع الله ، وأخلاقه وسلوكه مع الخلق ، ويجعل من ذلك منطلقاً لدعوة الناس وإصلاحهم.

التخلية والتحلية والمجاهدة:
من أعظم قواعد تربية النفس: تخليتها من اتباع الهوى؛ فإن اتباع الهوى موجب لأمراض لا حصر لها ، وعلـّـة المرض لا تعالج إلا بضدها ، فالطريق لمعالجة القلوب: سلوك مسلك المضادة لكل ما تهواه النفس وتميل إليه ، وقد جمع الله ذلك كله في كلمة واحدة ، فقال (عز وجل):((وَأَمَّا منْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الهَوَى(40) فَإنَّ الجَنَّةَ هِيَ المَأْوَى)) [النازعات:40،41]، وقال:((وَالَّذِِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...)) [العنكبوت: 69].

والأصل المهم في المجاهدة: الوفاء بالعزم ، فإذا عزم على ترك شهوة،وابتلاه الله وامتحنه بتيسير أسبابها ، فالواجب الصبر والاستمرار ، فإن النفس إذا عُوِّدت تــرك العزم ألفت ذلك ، فَفَسَدَت.
ثم يتعين بعد ذلك: تحلية النفس وتعويدها على الخير ، حتى تألفه ويكون سجية لها ، قال: "إنما العلم بالتعلم ، وإنما الحلم بالتحلم ، ومن يتحرّ الخير يُعطَه ، ومن يتق الشر يوقه"." صحيح الجامع ، فإن الأعمال لها أثر يمتد حتى يصل إلى القلب ، فكما أن كل صفة تظهر في القلب يفيض أثرها على الجوارح: فإن كل فعل يجري على الجوارح قد يرتفع منه أثر إلى القلب ، والأمر فيه دَوْر ، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح.

الحذر من الفتور :
فإذا ما تمت تخلية النفس من اتباع الهوى وتحليتها بفعل الخيرات والفضائل: وجب بعد ذلــك أن يَنْصبّ الاهـتـمــــام على مـتــابعة النفس في فعل الواجبات والمستحبات،وتــرك المحرمات والمكروهات والنية في المباحات، فإن النفس من طبعها الكسل والتراخي والفتور.
قال: "لكل عمل شَرّة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد أفلح ، ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك"" المسند: 2/21 ، وصحح أحمد شاكر إسناده ، وانظر: صحيح الجامع ، ح/ 2152 .
قال ابن القيم (رحمه الله): "تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ، ولم تخرجه من فرض ، ولم تدخله في محرم ، رُجي له أن يعود خيراً مما كان" (انظر أيضاً بمعنى هذا الكلام: مدارج السالكين ، جـ3 ، ص (5).

درجات الفتور:
إذن: فالفتور أمر لا بد منه ، ولكن الفتور درجات وأقسام:
1- أخطرها كسل وفتور عام في جميع الطاعات ، مع كره لها ، وهذه حال المنافقين.
2- ثم كسل وفتور في بعض الطاعات ، مع عدم رغبة ، دون كره لها ، وهذه حال كثير من فساق المسلمين.
3- كسل وفتور سببه بدني، فهناك الرغبة في العبادة، ولكن الكسل والفتور مستمر، وهذه حال كثير من المسلمين.
والخطير في هذه الحالة أن العمر يمضي، والأيام تنصرم دون إنتاج ولا عمل يذكر،والأخطر من ذلك: الانتقال إلى حالة أشد منها، فتعظم المصيبة، أو يقع الشبه بالمنافقين في التكاسل عن الطاعات، والتثاقل عن الخيرات؛ لذا: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يستعيذ من العجز ، ومن الكسل في الصباح والمساء ، ويعلم أصحابه أن يستعيذوا منه.
وقد عاتب الله المؤمنين في تثاقلهم عن الجهاد،ودعاهم إلى المسارعة والمبادرة إلى الخيرات، ورغبهم في جزاء السابقين المسارعين إلى الخيرات ، وبيّنه لهم.

الداعية والفتور:
والفتور والكسل داء يدب في الناس على مختلف درجاتهم ، وأخطر ما يكون على الدعاة وطلبة العلم ، مما يجعل تفاديه قبل حلوله ، أو تلافيه بعد نزوله أمراً ضروريّاً ، والدفع أسهل من الرفع.
ومن هنا: وجب تعاهد النفس؛ لئلا تقع في فتور ينقلها من مرحلة إلى مرحلة، فـيـتـعــسر الداء، وتصعب المعالجة؛ لأن أمراض النفس كالنبتة ، أسهل ما يكون قلعها وإزالتها أول نباتها ، فإذا ما تركت أخذت في النمو والكبر والثبات في الأرض ، حتى يحتاج قلعها إلى الرجال والفؤوس، وكذلك أمراض القلوب: تبدأ في ظواهر يسيرة، فــــإذا أهمل صاحبها علاجها تمكنت منه حتى تكون هيئات راسخة ، وطباع ثابتة.
لذلك: كان الواجب علينا ـ معشر الدعاة ـ أن نتفحص أنفسنا ، ونتأمل أحوالنا: هل نجد شيئاً من مظاهر الفتور؟ ، فنبادر إلى معرفة الأسباب والسعي في العلاج.

مظاهر الفتور:
مظاهر الفتور كثيرة ، منها:
ـ التكاسل عن الطاعات ، والشعور بالضعف والثقل أثناء أدائها ، والغفلة عن الذكر ، وقراءة القرآن.
ـ الشعور بقسوة القلب ، وضعف تأثره بالقرآن والمواعظ .
ـ التساهل في ارتكاب المعاصي وإلفها.
ـ عدم استشعار المسؤولية والأمانة ، وضعف هم الدعوة في القلب.
ـ انفصام عرى الأُخُوّة بين المتحابين.
ـ الاهتمام بالدنيا ، والانشغال بها عن فعل الخير.
ـ كثرة الكلام الذي لا طائل تحته ، وكثرة الجدال والمراء ، والحديث عن الأمجاد ، والمشكلات ، والانشغال بذلك عن العمل الجاد والمثمر المفيد للأمة.
ـ ضعف جذوة الإيمان ، وانطفاء الغيرة على محارم الله.
ـ ضياع الوقت ، وعدم الإفادة منه.
ـ عدم الاستعداد للالتزام بشيء ، والتهرب من كل عمل جدي.
ـ الفوضوية في العمل.
ـ خداع النفس؛ بأن يتوهّم بأنه يعمل ، لكنه في الحقيقة فارغ ، أو عمله بلا هدف.
ـ النقد لكل عمل إيجابي.
ـ التسويف ، والتأجيل ، وكثرة الأماني.

أسباب الفتور:
وإذا تساءلنا: ما أسباب هذا الفتور الذي نعاني منه ، وما دواعيه؟ ، فالجواب: إنها كثيرة ، متفاوتة في الأهمية ، ومنها:
ـ عدم الإخلاص في الأعمال ، أو عدم مصاحبته؛ بأن يطرأ الرياء على الأعمال.
ـ ضعف العلم الشرعي؛ فيضعف علم فضائل الأعمال وثوابها ، وفضل الصبر وأثره ، ونحو ذلك.
ـ تعلق القلب بالدنيا ونسيان الآخرة.
ـ فتنة الزوجة والأولاد ، فإنها ملهاة عن كثير من الطاعات ، إذا لم ينتبه لها.
ـ عدم فهم الدين نفسه ، وهذا غريب! ، والأغرب: أن يفهم طبيعة الدين ، ويتذوق حلاوة الإيمان ، ثم ينصرف عن العمل في ميدانه.
ـ الوقوع في شيء من المعاصي والمنكرات ، وأكل الحرام أو المشتبه بالحرام.
ـ عدم وضوح الهدف الذي يدعو من أجله ، وهو: طلب مرضاة الله ، وتعبيد الناس لرب العالمين ، وإقامة دين الله في الأرض.
ـ ضعف الإيمان بالهدف ، أو الوسيلة الدعوية التي يسلكها.
ـ الغلو والتشدد ، بحيث ينقلب ذلك سبباً للملل وترك العمل.
ـ العقبات والمعوقات الكثيرة في طريق الدعوة والداعية ، وتلك سنة الله في الدعاة والدعوات.
ـ الفردية وإيثار العزلة ، فيدركه الملل والسأم.
ـ الجمود في أساليب الدعوة وعدم التفكير في وسائل وأساليب توصل المقصود إلى المدعوين ، وتحافظ على أصول الدعوة وروحها ، ومن ذلك مثلاً: التنويع في أساليب مخاطبة الناس ، كلٍّ حسب مستواه: بالكلمة المسموعة ، والمقروءة ، بشتى صورها وأشكالها ، ومنه: التنويع في كيفية إلقاء دروس العلم والقرآن ، من حيث المكان والوسائل.
ـ عدم استحضار عداوة الشيطان المستمرة ، وأيضاً: عدم استشعار تحدي الكفار للمسلمين ، وأنهم يبذلون كل وسيلة لصد المسلمين عن دينهم والكيد لهم.
ـ الأوهام ووساوس الشيطان التي تزرع الخوف في القلوب ، وتشكك الداعية في سلامة الطريق.
ـ أمراض القلوب: كالحسد ، وسوء الظن ، والغل ، وحب الصدارة ، والكبر...
ـ التقصير في العبادة وعمل اليوم والليلة من الرواتب والسنن والأذكار والورد اليومي...
ـ استبطاء النصر ، واستعجال النتائج.
ـ عدم الاستقرار على برنامج أو عمل معين ، وترك العمل قبل إتمامه ، ثم الانتقال إلى غيره.. وهكذا.
ـ النظر إلى مَنْ دونه في العلم والعبادة ، وذلك مثبط للهمم .
ـ الدخول على أهل الدنيا ومخالطتهم ، وفيه مفاسد عظيمة ، لا ينجو منها إلا من سلّمه الله.
ـ الفتور في معالجة الفتور .

علاج الفتور:
ما أنزل الله من داء إلا وأنزل له دواء، والفتور من أشد الأمراض المعنوية، وتتأكد خطورته حينما لا يحس به الإنسان حتى ينـقـلــه إلى الانحراف ، فيقضي عليه ـ والعياذ بالله ـ ، ومن هنا تتأكد أهمية العلاج باتخاذ سـبـل الـوقـايــة منه ابتداء ، أو عمل الأسباب التي تذهب به بعد وقوعه ، وأهم سبل العلاج: تلافي أسبابه ، وذلك أعظم وسيلة للنجاة ، وإن القناعة بخطورة هذا المرض ووجوب التخلص منه ـ وقاية وعلاجاً ـ أمر ضروري للإفادة من سبل العلاج ، ومنها:
ـ الدعاء والاستعانة؛ فإن الله يجيب المضطر إذا دعاه ، والمصاب بدينه الذي يخاف على نفسه: أعظم المضطرين ، والله هو المستعان على كل خير ، ولذا: أوصى النبي -صلى الله عـلـيـه وسلم- معاذاً أن يقول دبر كل صلاة: "اللهم أعني على ذكرك ، وشكرك ، وحسن عبادتك".
ـ تعاهد الإيمان وتجديده ، والحرص على زيادته بكثرة العبادة؛ مما يكون زاداً للمؤمن ، ومخففاً عنه عناء الطريق.
ـ مراقبة الله، والإكثار من ذكره ، ومراقبته تستلزم خوفه وخشيته ، وتعظيمه ، ومحبته، ورجــاءه ، والإيمان بعلمه وإحاطته وقدرته ، أما الذكر: فهو قوت القلوب ، وبه تطمئن، وأعـظــــم ذلك: الصلة بكتاب الله (تعالى): تلاوة ، وفهماً ، وتدبراً ، وعملاً ، وحكماً ، وتحاكماً ، فإن من لم ينضبط بالقرآن أضله الهوى.
ـ الإخلاص والتقوى؛ ((يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا إن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً)) [الأنفال:29].
ـ تصفية القلوب من الأحقاد ، والغل ، والحسد ، وسوء الظن؛ مما يشرح الصدر ، ويسلم القلب.
ـ طلب العلم ، والمواظبة على الدروس وحلق الذكر والمحاضرات؛ فإن العلم طريق الخشية ، وهو قوت القلوب.
ـ الوسطية والاعتدال في العبادة ، وفي عمل الخير.
ـ تنظيم الوقت ، ومحاسبة النفس.
ـ لزوم الجماعة ، وتقوية روابط الأخوة.
ـ تعاهد الفاترين ومتابعتهم؛ لئلا يؤدي بهم الفتور إلى الانحراف.
ـ التربية الشاملة المتكاملة على منهاج النبوة التي تقي من الفتور ـ بإذن الله (تعالى) ـ.
ـ تنويع العبادة والعمل ، من: الذكر ، وقراءة القرآن ، والصلاة ، وقراءة الكتب المفيـدة ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، وقضاء حوائج الناس ، وإغاثة الملهوفين...
ـ الاقتداء بالأنبياء (عليهم الصلاة والسلام) ، والدعاة المخلصين.. في نشاطهم ، وحرصهم على أوقاتهم وأعمالهم.
ـ علو الهمة ونبل المقصــد والأخذ بالعزيمة ، بأن يكون الهمّ: الجنة ، والمقصود: مرضاة الله ؛ بالسعي في العبادة حتى الموت.
ـ الإكثار من ذكر الموت،وخوف سوء الخاتمة، بزيارة المقابر، ورؤية المحتضرين، فإن ذلك يورث: تعجيل التوبة، وقناعة القلب، ونشاط العبادة.. ونسيان الموت: يورث أضداها.
ـ جعل ذكر الجـنـــــة والنار من الإنسان على بال ، وقراءة صفة كلٍّ منهما في كتاب الله (تعالى) وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- ، فإن ذلك يشحذ الهمم ويذكي العزائم.
ـ الحرص علـى زيادة العمل ، والاستمرار فيه ، والحذر من التكاسل ، خاصة فيما حافظ عليه من عمل ، فإن من ترك سنة يوشك أن يترك واجباً.. وهكذا.
ـ الـصـبـر والمصابرة؛ فإن طريق العلم والعبادة والدعوة إلى الله طريق شاق وطويل ، وكثير المتاعب والمصاعب.
نسأل الله (عز وجل) أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخاتمة الخير..
مراجع أخرى مهمة:
1 - روحانية الداعية ، عبد الله ناصح علوان. 2 - الفتور ، جاسم الياسين
عبد الحكيم بن محمد بلال - البيان

Post: #1070
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:14 AM
Parent: #1001

فضول الطعام
اعلم أن من أعظم المهلكات لابن آدم شهوة البطن، فبها أخرج آدم عليه السلام وحواء من دار القرار إلى دار الذل والافتقار ؛ إذ نهيا عن الشجرة فغلبتهما شهواتهما حتى أكلا منها فبدت لهما سوآتهما ، والبطن على التحقيق ينبوع الشهوات ومنبت الأدواء والآفات ، إذ يتبعها شهوة الفرج ثم تتبع شهوة الطعام والنكاح شدة الرغبة في الجاه والمال اللذان هما وسيلة إلى التوسع في المطعومات ، ثم يتبع استكثار المال والجاه وأنواع الرعونات وضروب المنافسات والمحاسدات وكل ذلك ثمرة إهمال المعدة وما يتولد منها من بطر الشبع والامتلاء، ولو ذلل العبد نفسه بالجوع وضيق مجارى الشيطان لأذعنت لطاعة الله عز وجل ولم تسلك سبيل البطر والطغيان ، عن المقدام بن معد يكرب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " ما ملأ ابن آدم وعاء شراً من بطن ، بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان لا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"( الترمذي وقال : حسن صحيح).

وهذا الحديث أصل جامع لأصول الطب كلها، وقد روى أن ابن أبي ماسويه الطبيب لما قرأ هذا الحديث في كتاب أبي خيثمة قال : لو استعمل الناس هذه الكلمات لسلموا من الأمراض والأسقام ولتعطلت المارشايات ودكاكين الصيادلة، وإنما قال هذا لأن أصل كل داء التخم ، فهذا من منافع قلة الغذاء وترك التملوء من الطعام بالنسبة إلى صلاح البدن وصحته.

وأما منافعه بالنسبة إلى القلب وصلاحه فإن قلة الغذاء توجب رقة القلب وقوة الفهم وانكسار النفس وضعف الهوى والغضب ، وكثرة الغذاء توجب ضد ذلك ، وقد ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى التقلل من الأكل في الحديث المتقدم وقال : " حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه " وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال :
" المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء " والمراد أن المؤمن يأكل بآداب الشرع فيأكل في معي واحد والكافر بمقتضى الشهوة والشره ، والنهم فيأكل في سبعة أمعاء، وندب صلى الله عليه وسلم مع التقلل من الأكل والاكتفاء ببعض الطعام إلى الإيثار بالباقي منه فقال : " طعام الواحد يكفي الاثنين ، وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة " فأحسن ما أكل المؤمن في ثلث بطنه وشرب في ثلث وترك للنفس ثلثا كما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم : قال بعض السلف : كان شباب يتعبدون في بني إسرائيل فإذا كان فطرهم قام عليهم قائم فقال : لا تأكلوا كثيرا فتشربوا كثيرا فتخسروا كثيرا . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه يجوعون كثيرا ، وإن كان ذلك لعدم وجود الطعام إلا أن الله لا يختار لرسوله إلا أكمل الأحوال وأفضلها ؛ ولهذا كان ابن عمر يتشبه به في ذلك مع قدرته على الطعام وكذلك أبوه قبله .

وعن عائشة قالت : " ما شبع آل محمد صلى الله عليه وسلم منذ قدم المدينة من خبز بر ثلاث ليال تباعا حتى قبض " .
قال إبراهيم بن أدهم : من ضبط بطنه ضبط دينه ، ومن ملك جوعه ملك الأخلاق الصالحة ، وإن معصية الله بعيده من الجائع قريبة من الشبعان ، ومن أكبر فوائد الجوع كسر شهوات المعاصي كلها ، والاستيلاء على النفس الأمارة بالسوء ، فإن منشأ المعاصي كلها الشهوات والقوى ، ومادة القوى والشهوات لا محالة الأطعمة فتقليلها يضعف كل شهوة وقوة ، وإنما السعادة كلها في أن يملك الرجل نفسه والشقاوة في أن تملكه نفسه ، وكما أنك لا تملك الدابة الجموع إلا بضعف الجوع ، فإذا شبعت قويت وشردت وجمحت فكذلك النفس.
ويروى عن لقمان أنه قال لابنه : إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة ، وخرست الحكمة ، وقعدت الأعضاء عن العبادة .


ومن فوائد الجوع كذلك أنه يورث الانكسار والذل وزوال البطر والفرح والأشر الذي هو مبدأ الطغيان والغفلة عن الله تعالى ، فلا تنكسر النفس ولا تذل بشيء كما تذل بالجوع ، فعنده تسكن لربها وتخشع له وتقف على عجزها وذلها إذا ضاقت حيلتها بلقيمة طعام فاتتها ، وأظلمت عليها الدنيا لشربة ماء وتأخرت عنها .

وما لم يشاهد الإنسان ذل نفسه وعجزه لا يرى عزة مولاه ولا قهره ، وإنما سعادته في أن يكون دائما مشاهدا نفسه بعين الذل والعجز ، ومولاه بعين العز والقدرة القهر ، فليكن دائما جائعا مضطرا إلى مولاه .

وعلى الجملة لا سبيل إلى إهمال النفس في الشهوات المباحة واتباعها بكل حال ، فبقدر ما يستوفى العبد من شهوته يخشى أن يقال له يوم : ( القيامة أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها )، وبقدر ما يجاهد نفسه ويترك شهوته يتمتع في الدار الآخرة .

البحرالرائق : الشيخ أحمد فريد

Post: #1071
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:15 AM
Parent: #1001

إن التربية بالحدث تفعل فعلها أكثر مما لو كانت كـلامــــاً منمقاً مرصوصاً بأسلوب بديع، والمتأمل لسير الأوائل من هذه الأمة يتعجب من هذه النفـسـيــة العجيبة المعطاءة لأبناء هذا الدين التي لا تكل ولا تمل ـ مهما كانت الظروف والأحوال، سواء أكانت أيام مكة أو بعد الهجرة ـ تقدم وتبذل، وقد تكون محاولات ينجح بعضها ولا يحـالـف الـتـوفـيــق البعض الآخـــــر، ولكنها عطاء لله: ((وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون))، ((ومــا أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه)).

الفاروق والهجرة

من أولئك الـنـفــر الذيـن بـذلـــــوا أنفسهـم: عمر بن الخطاب (رضي الله عنه)، فهو عمر الحريص على دخول الناس في الإســلام والتمسك به، وتثبيت المؤمنين المستضعفين حدثاء العهد بالإسلام، وهو عمر لا ينتظر الأوامـــــر ولا يقف عند مرحلة التفكير، بل يسارع إلى التنفيذ مباشرة، فما كان يعرف التردد في مثل هذه الأمور،... لننظر ماذا فعل أثناء هجرته وبعدها داعياً إلى الله (سبحانه وتعالى)، متبعاً عـدة طرق ووسائل، كان همّه فيها هو هداية الناس إلى الإسلام وثباتهم عليه.
تذكـر كتب السير ـ بإسناد حسن(1) ـ قصة هجرة عمر بن الخطـاب (رضي الله عنه)، أنه قال: اتـعــدت ـ لما أردنا الهجرة إلى المدينة ـ أنا وعياش ابن أبي ربيعة وهشام بن العاص بن وائل السـهـمي التَنَاضُبَ(2) من أضَاةِ بني غفار فوق سَرِف، وقلنا: أينا لا يصبح عندها فقد حُبس، فليمض صاحباه.
قال:فأصبحت أنا وعياش بن أبي ربيعة عند التناضب، وحبس عنها هشام، وفتن فافتتن.
فلما قدمنا المدينة نزلنا في بني عمرو بن عوف بقباء، وخرج أبو جهل ابن هشام والحارث بن هـشـــام إلى عياش بن أبي ربيعة ـ وكان ابن عمهما وأخاهما لأمهما ـ حتى قدما علينا المدينة ـ ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمكة ـ فكلماه، وقالا: إن أمك قد نذرت ألا يمس رأسها مشط حتى تراك، فرقّ لها.
فقلت له: يا عياش إنه ـ والله ـ إن يريدك القوم إلا ليفتنوك عن دينك فاحذرهم..
فقال: أبر قسم أمي، ولي هناك مال فآخذه.
فقلت: والله إنك لتعلم أني لمن أكثر قريش مالاً، فلك نصف مالي ولا تذهب معهما.
فأبى عليّ إلا أن يخرج معهما.
فلما أبى إلا ذلك قـلـت: أمــــا إذا قد فعلت ما فعلت؛ فخذ ناقتي هذه فإنها ناقة نجيبة ذلول، فالزم ظهرها، فإن رابك من القوم ريب فانج عليها، فخرج عليها معهما.
حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال له أبو جهل: والله يا أخي لقد استغلظت بعيري هذا، أفلا تعقبني على ناقتك هذه؟
قال: بلى.
قال: فأناخ وأناخ ليتحول عـلـيـهــا، فلما استووا بالأرض عدوا عليه، فأوثقاه وربطاه، ثم دخلا به مكة وفَتنَاه فافتتن.
قال: فكنا نقول: ما الله بقابل مـمــن افـتـتـن صرفاً ولا عدلاً ولا توبة، قوم عرفوا الله ثم رجعوا إلى الكفر لبلاء أصابهم.
قال: وكانوا يقولون ذلك لأنفسهم، فلما قدم رســـــول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة أنزل الله (تعالى) فيهم وفي قولنا وقولهم لأنفسهم: ((قـل يـا عـبــــادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هـو الغـفـــــور الرحيم * وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون)) [الزمر:53-54].
قال عمر بن الخطاب: فكتبتها بيدي في صحيفة، وبعثت بها إلى هشام بن العاص.
قال: فـقـــال هشام: فلما أتتني جعلت أقرؤها بذي طوى، أصعد بها فيه وأصـــــوب ولا أفهمها، حتى قلت: اللهم فهمنيها.
قال: فألقى الله (تعالى) في قلبي أنها إنما أنزلت فيما كنا نقول لأنفسنا ويقال فينا.
قال: فرجعت إلى بعيري فجلست عليه فلحقت برسول الله -صلى الله عليه وسلم-.أ.هـ.

جلد الكافر

هذه هي القصة، وهذه هي جهود الفاروق (رضي الله عنه) في ذلك الوقت، وإن المرء ـ وهو يمر عليها ـ ليتـعـجـــب أشد العجب من أمرين: أحدهما: حرص أبي جهل، ذلك الذي يسافر، ويقدم ويؤخر، ويـبـــذل، ويستخدم الأساليب الملتوية باسم البر بالوالدين وباسم الرحم ـ كونه قريباً لعياش بن أبي ربـيـعــة ـ، بل ويصطحب الحارث بن هشام إمعاناً في القربى، غير مكترث بنجاح النتائج من عدمها، كل ذلك في سبيل الشيطان والصد عن دين الله، ثم لا يقتصر على ذلك، وبدلاً من دخول عياش إلى مكة على ناقته مكرماً معززاً نظراً لبره بأمه، فإنهما استخدما خدعة ماكرة؛ حـيــث أوثـقـاه وقيداه حتى يدخل مكة ذليلاً حقيراً كناية عن ذلة من اتبع محمداً، وإنذاراً لمن سولت لـه نفسه من قريش سلوك طريق عياش، تماماً كما تُستخدم بعض الأساليب الشبيهة بذلك ضد الدعاة إلى الله اليوم.
وسائل مختلفة

وننتقل إلى الجانب الآخر لننظر إلى ذلك المؤمن الذي يأبى أن يـهـاجــر كما يهاجر غيره، فنراه يختار صحبة رجلين، قد يكون اختارهما على غيرهما لأمر أراده من تقوية عزيمتهما وإنقاذهما مما هما فيه من الفتنة، وحيث قد وفق عياش نجد أن هشاماً لم يستطع اللحاق بهما، ولم يتوقف الأمر على ذلك، بل نجد فصلاً آخر يقدمه عمر؛ ألا وهو محاولته إقناع عياش بن أبي ربيعة بعدم الذهاب مع أبي جهل وكأنه عرف نية أبي جهل المبيتة، فهو هنا يعرض عليه نصف ماله، لا سلفة وإنما عطاء، كل ذلك ليثبته على الإســلام، وعندما لم تنجح هذه المحاولات عرض عليه ناقته ـ وهي ذلول نجيبة من أطايب النــوق آنذاك ـ حتى ينجو لو رابه أمر، ولكن ابن أبي ربيعة لم يعِ هذه المحاولات.

الدعوة بالمراسلة

وهل توقف الأمر عند هذا الحد؟، لا؛ بل تعدى إلى الدعوة بالمراسلة، فهو لم ينس صاحبه الذي حبس ليفتن في دينه، فنجد أن عمراً يسلك طريقة قد غفل عنها الكثير من الدعاة في هـــذا الزمن ـ زمن التقدم المادي والاتصال السريع ـ ألا وهي المراسلة، فأخذ صحيفة كتب فيها هذه الآيات.. ولعل السؤال يبرز هنا: لماذا يرسل عمر هذه الصحيفة لشخص ربما فتن في ديـنـــه؟ وهل سـيفهم هشام بن العاص الصحيفة؟ وعلى فرض فهمها، هل سيرجع إلى الإسلام كـمــا كـــــان؟ وعلى فرض ذلك، هل سيهاجر إلى محمد -صلى الله عليه وسلم- وصحبه؟ هذه اسـتـفهامات العاجزين القاعدين، الذين يديرون أمورهم بالنيات فقط.. وبالقول لا بالعمل، ولكن عمر يلقن هؤلاء هذا الدرس العظيم و((ما على الرسول إلا البلاغ)) وقد نجح البلاغ هـنـــا ـ بإذن الله ـ وتحقـقــت جميع هذه الاستفهامات، ونفع الله بهذه الصحيفة، وهاجر هشام بن العاصي إلى المدينة على يدي عمر (رضي الله عنه).

إن جيلاً فيه أناس بنفسية عمر لهو جيل عامل نشيط، وهكذا فلنكن مثل عمر وبمثل عزمه وحرصه على هذا الدين، إننا إذا كنا كذلك فسنفلح بإذن الله، وسيفتح الله على أيدينا ما هو مغلق، وينفع الله بنا البلاد والعباد، وقبل ذلك أنفسنا قبل غيرنا.

الهوامش :
1- سند القصة حسن، وقد أخرجها الحاكم وقال: صحيح على شرطهما، وفي السند ابن إسحاق، وقد صرح هنا بالتحديث.
2- التناضب وأضاة بني غفار: موضع واحـد ، الأضاة: أرض تمسك الماء فـيـتـكـون فيها الـطـيــن، والتناضـب: شجرات في هذه الأضاة، وهي لا زالت مشاهدة على جانب وادي سرف الشمالي.
عبد العزيز الحويطان

Post: #1072
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:17 AM
Parent: #1001

إذا أراد الله عز وجل بعبدٍ خيرًا بصره بعيوب نفسه، فمن كانت بصيرته نافذة لم تخفَ عليه عيوبه، فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج، ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم، يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه، فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
الطريق الأول : أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس، مطلع على خفايا الآفات، ويتبع إشارته في مجاهدته - وهذا شأن التلميذ مع أستاذه، فيعرِّفه أستاذه عيوب نفسه، ويعرِّفه طريق علاجه.

الطريق الثاني: أن يطلب صديقًا بصيرًا متدينًا، يلاحظ أحواله وأفعاله، فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه ينبهه عليه، فهكذا يفعل الأكابر من أئمة الدين . كان عمر رضي الله عنه يقول : رحم الله امرءًا أهدى إليَّ عيوبي . وكان يسأل حذيفة ويقول له : أنت صاحب سِرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين، فهل ترى عليَّ شيئًا من آثار النفاق .
فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه ، فكل من كان أوفر عقلاً وأعلى منصبًا كان أقل إعجابًا وأعظم اتهامًا وفرحًا بتنبيه غيره على عيوبه، وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا، ويكاد هذا أن يكون مفصحًا عن ضعف الإيمان؛ فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة، فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقربًا لتقلدنا منه منّةً وفرحنا به، واشتغلنا بإزالة العقرب وقتلها، وإنما نكايتها على البدن ولا يدوم ألمها يومًا فما دونه، ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب أخشى أن تدوم بعد الموت أبد الآباد، ثم إنا لا نفرح بمن ينبهنا عليها بإزالتها، بل نشتغل بمقابلة الناصح بمثل مقالته، فنقول له: وأنت أيضًا تصنع كيت وكيت، وتشغلنا العداوة معه عن الانتفاع بنصحه، ويشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب، وأصل كل ذلك ضعف الإيمان، فنسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا، ويشغلنا بمداواتها، ويوفقنا للقيام بشكر من يطلعنا على مساوينا، بمنِّه وفضله.

الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه، فإن عين السخط تبدى المساويا . و لعل انتفاع الإنسان بعدوٍ مشاحن يذكر عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفى عنه عيوبه، إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقول على الحسد، ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه، فإن مساويه لابد وأن تنتشر على ألسنتهم.

الطريق الرابع: أن يخالط الناس، فكل ما رآه مذمومًا فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه، فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أن الطابع متقاربة في اتباع الهوى، فما يتصف به غيره فلا ينفك هو عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه، فليتفقد نفسه ويطهرها عن كل ما يذمه من غيره، وناهيك بهذا تأديبًا، فلو ترك الناس كل ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب.

وهذا كله من حيل من فقد شيخًا مربيًا ناصحًا في الدين، وإلا فمن وجده فقد وجد الطبيب فليلازمه، فإنه يخلصه من مرضه.
......................
كتاب موعظة المؤمنين

Post: #1073
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:19 AM
Parent: #1001

الأخلاق في الإسلام عبارة عن المبادئ والقواعد المنظمة للسلوك الإنساني ، والتي يحددها الوحي لتنظيم حياة الإنسان على نحو يحقق الغاية من وجوده في هذا العالم على الوجه الأكمل والأتم ، ويتميز هذا النظام الإسلامي في الأخلاق بطابعين :
الأول : أنه ذو طابع إلهي، بمعنى أنه مراد الله سبحانه وتعالى .
الثاني : أنه ذو طابع إنساني، أي للإنسان مجهود ودخل في تحديد هذا النظام من الناحية العملية .

وهذا النظام هو نظام العمل من أجل الحياة الخيرية ، وهو طراز السلوك وطريقة التعامل مع النفس والله والمجتمع .
وهو نظام يتكامل فيه الجانب النظري مع الجانب العملي منه، وهو ليس جزءًا من النظام الإسلامي العام فقط ، بل هو جوهر الإسلام ولبه وروحه السارية في جميع نواحيه : إذ النظام الإسلامي - على وجه العموم -مبني على مبادئه الخلقية في الأساس ، بل إن الأخلاق هي جوهر الرسالات السماوية على الإطلاق. فالرسول صلى الله وسلم يقول : " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " [ رواه أحمد في مسنده ] .
فالغرض من بعثته -صلى الله عليه وسلم - هو إتمام الأخلاق ، والعمل على تقويمها ، وإشاعة مكارمها ، بل الهدف من كل الرسالات هدف أخلاقي ، والدين نفسه هو حسن الخلق .

ولما للأخلاق من أهمية نجدها في جانب العقيدة حيث يربط الله سبحانه وتعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم - بين الإيمان وحسن الخلق ، ففي الحديث لما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم : أي المؤمنين أفضل إيمانا ؟ قال صلى الله عليه وسلم : "أحسنهم أخلاقاً " [رواه الطبراني في الأوسط ] .

ثم إن الإسلام عدّ الإيمان برًّا، فقال تعالى : ( لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ)(البقرة: 177)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق " [ رواه مسلم ]. والبر صفة للعمل الأخلاقي أو هو اسم جامع لأنواع الخير.

وكما نجد الصلة بين الأخلاق والإيمان ، نجدها كذلك بين الأخلاق والعبادة إذ إن العبادة روح أخلاقية في جوهرها؛ لأنها أداء للواجبات الإلهية. ونجدها في المعاملات - وهي الشق الثاني من الشريعة الإسلامية بصورة أكثر وضوحاً .
وهكذا نرى أن الإسلام قد ارتبطت جوانبه برباط أخلاقي ، لتحقيق غاية أخلاقية، الأمر الذي يؤكد أن الأخلاق هي روح الإسلام ، وأن النظام التشريعي الإسلامي هو كيان مجسد لهذه الروح الأخلاقية .

الخلق نوعان
1- خلق حسن : وهو الأدب والفضيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال جميلة عقلا وشرعاً .
2- خلق سيئ : وهو سوء الأدب والرذيلة، وتنتج عنه أقوال وأفعال قبيحة عقلا وشرعاً.
وحسن الخلق من أكثر الوسائل وأفضلها إيصالاً للمرء للفوز بمحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والظفر بقربه يوم القيامة حيث يقول : " إن أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً" [ رواه الترمذي ] .

الأخلاق والممارسة الإيمانية
إن الأخلاق في الإسلام لا تقوم على نظريات مذهبية ، ولا مصالح فردية ، ولا عوامل بيئية تتبدل وتتلون تبعا لها ، وإنما هي فيض من ينبوع الإيمان يشع نورها داخل النفس وخارجها ، فليست الأخلاق فضائل منفصلة ، وإنما هي حلقات متصلة في سلسلة واحدة ، عقيدته أخلاق ، وشريعته أخلاق ، لا يخرق المسلم إحداها إلا أحدث خرقا في إيمانه .. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : " لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ولا يسرق السارق وهو مؤمن " [ رواه البخاري].
وسئل صلى الله عليه وسلم : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) (النحل:105) .
فالأخلاق دليل الإسلام وترجمته العملية ، وكلما كان الإيمان قوياً أثمر خلقا قوياً.

دوام الأخلاق وثباتها
كما أن الأخلاق في الإسلام ليست لونا من الترف يمكن الاستغناء عنه عند اختلاف البيئة ، وليست ثوبًا يرتديه الإنسان لموقف ثم ينزعه متى يشاء ، بل إنها ثوابت شأنها شأن الأفلاك والمدارات التي تتحرك فيها الكواكب لا تتغير بتغير الزمان لأنها الفطرة (فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ)(الروم:30)
إسلام ويب

Post: #1074
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:25 AM
Parent: #1001

حاجتنا إلى مكارم الأخلاق

خلق الله الإنسان وجعل له صورتين: صورة ظاهرة وهي الخَلق ، وصورة باطنة وهي الخُلُق ، وكما تفاوت الناس في صورة خَلقهم ما بين حسن وقبيح ، وجميل ودميم ، كذلك تفاوتت صورهم الباطنة المتمثلة في أخلاقهم تمام التفاوت أو أوسع .

الخلق وحسن الخلق
يعرف فلاسفة الأخلاق الخلق بأنه " الطبع والسجية" ، ولكن ليس كل ما يصدر عن الإنسان من أفعال يدخل تحت مسمى الخُلق ، وإنما يعتبر خُلقا منها ما كان صادرًا عن قصد وإرادة ، وقابلاً للوصف بخير أو شر . وعليه فخلاصة تعريف الخلق هو أنه: هيئة راسخة في النفس ، تصدر عنها الأفعال بسهولة ويسر ، من غير حاجة إلى فكر وروية . فإذا كانت هذه الأفعال محمودة شرعًا وعقلا سُميت خُلقا حسنا، وإن كانت قبيحة مذمومة سميت خلقًا سيئًا.

وقال القرطبي في المفهم: الأخلاق أوصاف الإنسان التي يعمل بها غيره ، وهي محمودة ومذمومة ، فالمحمودة على الإجمال أن تكون مع غيرك على نفسك ، فتنصف منها ولا تنصف لها، وعلى التفصيل العفو والحلم والجود والصبر وتحمل الأذى والرحمة والشفقة وقضاء الحوائج والتوادد ولين الجانب ، ونحو ذلك والمذموم منها ضد ذلك.
وقال بعضهم : حسن الخلق هو: حالة نفسية تبعث على حسن معاشرة الناس، ومجاملتهم بالبشاشة، و طيب القول، ولطف المداراة.
وقيل: هو أن تلين جناحك، وتطيب كلامك، وتلقى أخاك بوجه طليق.

وعلى العموم فإن حسن الخلق ملاك الفضائل ونظام عقدها، ومحور فلكها، وأكثرها إعدادًا وتأهيلاً لكسب المحامد والأمجاد، ونيل المحبة بين الناس والاعتداد. ومهما حصَّل الإنسان من الفضائل والخصائص التي تؤهله كفاءته لبلوغها، ونيل أهدافها، كالعلم والأريحية والشجاعة ونحوها من الخلال الكريمة. بيد أن جميع تلك القيم والفضائل، لا تكون مدعاة للإعجاب والإكبار وسمو المنزلة، ورفعة الشأن، إلا إذا اقترنت بحسن الخلق، وازدانت بجماله الزاهر، ونوره الوضاء الباهر، فإذا ما تجردت عنه فقدت قيمتها الأصيلة، وغدت صورًا شوهاء تثير السأم والتذمر.

ولحسن الخلق في الإسلام مكانة خاصة ، بل إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخص رسالة الإسلام بأنها تتميم مكارم الأخلاق كما في الحديث : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" (رواه أحمد وصححه ابن عبد البر) . وآيات القرآن الكريم وأحاديث النبي الأمين صلى الله عليه وسلم تنضح بالأمر بحسن الخلق وتعظيم شأن أهله، وأنهم أكمل الناس إيمانا ، وأقربهم وأحبهم إلى الله ورسوله ، وأن ثوابهم في الدنيا عظيم وفي الآخرة أعظم وأكبر وأكرم.
قال النبي صلى الله عليه وسلم : أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهمخلقا" رواه الترمذي وحسنه.
وقال عليه الصلاة والسلام : " إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا ، الموطؤون أكنافا ، الذين يألفون ويؤلفون"
وكفى بحسن الخلق شرفا وفضلا، أن الله عز وجل لم يبعث رسله وأنبياءه للناس إلا بعد أن حلاهم بهذه السجية الكريمة، وزانهم بها، فهي رمز فضائلهم، وعنوان شخصياتهم.

ولقد كان سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم ) المثل الأعلى في حسن الخلق، وغيره من كرائم الفضائل والخلال. فقد كان أجود الناس كفّا، وأجرأ الناس صدرًا، وأصدق الناس لهجة، وأوفاهم ذمة، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشرة، من رآه بديهة هابة، ومن خالطه فعرفه أحبه ، وكما وصفته الصادقة البرَّة أمُ المؤمنين خديجة رضي الله عنها قالت : "إنك لتصل الرحم، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتعين على نوائب الحق " ، وحسبك أن تذكر ما أصابه من قريش، فبعد أن تألبت عليه، وجرعته ألوان الغصص، حتى اضطرته إلى مغادرة أهله وبلده، فلما نصره الله عليهم، وأظفره بهم، لم يشكـّوا أنه سيثأر منهم، وينكـّل بهم، فما زاد أن قال: ما تظنون أني فاعل بكم ؟ قالوا: خيرًا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم. فقال: أقول كما قال أخي يوسف: لا تثريب عليكم اليوم، اذهبوا فأنتم الطلقاء.
وبمثل هذه الأخلاق استطاع أن يملك القلوب والعقول، واستحق بذلك ثناء الله تعالى عليه بقوله عز من قائل: ((وإنك لعلى خلق عظيم)).

لقد تمثل الأخلاق فزانها حتى أصبح خلقه القرآن وصار قرآنا يمشي بين الناس ، ثم أمر أصحابه أن يتزينوا بصالحها ويتمسكوا بأحسنها : فعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من شيء يوضع في الميزان أثقلُ من حسن الخلق، وإن صاحب حسن الخلق ليبلُغُ به درجة صاحب الصوم والصلاة "
وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : قال معاذ : " يا رسول الله أوصني ، فقال صلى الله عليه وسلم : " استقم وليحسنُنْ خُلقك للناس ".
وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن .
وكان حسن الخلق مطلبا نبويا يدعو ربه أن يجمله به ويديمه عليه فكان من دعائه عليه الصلاة والسلام : " اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي " (أحمد وصححه ابن حبان) ، وكان يقول: " واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت" (رواه مسلم).

لقد صار حسن الخلق مطلبا ملحا للأمة تعود به إلى محاسن الإسلام ، وتظهر به مكارم أخلاقه ، وتسترجع به سالف عزها وسابق مجدها، فقد ملك المسلمون في قرونهم الأولى ـ قرون الخير أعلى مستوى من التربية الأخلاقية ، وكان الناس يدخلون في دين الله أفواجا لما يرون من حسن المعاملة ، وجميل الأخلاق ، و حين بدأ الانحراف عن هذا المنهج القويم وساءت أخلاق الناس ؛ فُقدت القدوة وضاعت القيم ، وتبدلت المفاهيم ، ولقد صدق الإمام مالك ـ رحمه الله ـ حين قال : ( ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها).
إسلام ويب

Post: #1075
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:27 AM
Parent: #1001

مكارم الأخلاق في الشعر العربي
يقال إن لكل شيء نصيبا من اسمه ، وهذا دافع لمعرفة العلاقة بين الآداب والأدب كقيمة خلقية ، ولقد ورد أن الآداب هي: ثروة الأمم الفكرية والحضارية التي تصنع مجتمعًا بشريّا تسوده قيم الخلق والأدب والخير والحق ؛ لذا يحسن سرد أهم ما سطره الشعراء في تناولهم للقيمة الحقيقية للأخلاق في حياتنا . وما من شك أن هزيمتنا السياسية الفاجعة اليوم ، بالإضافة لتدهور مستوانا العلمي والفكري والحضاري .. هي في حقيقتها أزمة خلق وأدب ، أزمة القيم التي بات مجتمعنا الإسلامي يفتقدها بشده في الوقت الراهن ، ربما لأننا أقمنا هذا الحاجز الضخم بين الدين والدنيا . ويمكن أن نفهم هذا المعنى الحقيقي من خلال قول شوقي رحمه الله :
فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت ... فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

حقاً ، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا وذبحوا وهزموا شر هزيمة . ولنتأمل قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : " إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق "، وثناء الله تبارك وتعالى على نبيه أعظم الثناء بقوله: "وإنك لعلى خلق عظيم".

فأما عن أهم ما أنتجته قرائح الشعراء ، فسنتخير منها بعض الأبيات التي تدل على مدى أهمية الأخلاق عند القوم وفي حياة الأمم .
فهذا صردر يؤكد على أن الحُسن يقاس بالخلق أولاً فيقول :
شمائل وبهجة موموقة ... والحسن بالأخلاق ثم الخِلَق
كما لا ننسى قول الشاعر :
فأدب النفس واستكمل فضائلها ... فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

أما صفي الدين الحلي فيزيد على ما تقدم : أن المرء إذا لم يقم منزلته الأدبية في المجتمع على الأخلاق ، كان بناؤه واهي الأساس ، فقال :
إذا عدم الفتى خلقا جميلا ... يسود به ، فلا خُـلق الجمال

ويلمح أبو العتاهية إلى أهمية مكانة الأخلاق في صون الشرف فينشدنا :
هي الأعراق بالأخلاق تنمو ... بقدر أصولها تزكو الفروع

ثم ياتي المعري ليعلن تفضيله للأخلاق على تيجان الملوك فجدير بنا أن نقول معه :
أُسَرٌ إن كنت محموداً على خلقٍ ... ولا أسر بأني الملك محمود
ما يصنع الرأس بالتيجان يعقدها ... وإنما هو بعد الموت جلمود

و بالرغم مما هو معروف عن تفاخر العرب بأنسابهم ، إلا أن بعضا من شعرائهم رأوا أن للأخلاق رابطة اجتماعية قد تفوق رابطة النسب ، فهذا البحتري يقول :
كم سري تقبل السرو منهم ... واشتباه الأخلاق عدوى وإلف
و ربما ذهب أبعد من هذا بقوله :
إذا تشاكلت الأخلاق و اقتربت ... دنت المسافة بين العجم و العرب
وهو تأكيد لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى".

أما أبو تمام فتفوق صلة الأخلاق عنده صلة النسب في متانتها ؛ لذا فقد رثى غالبا الصفدي بأشد ما يرثي الأخ أخاه فقال :
قلت أخي، قالوا أخ من قرابة؟ ... فقلت نعـم .. إن الشكول أقارب
نسيبي في عزم ورأي ومذهب ... إذا باعدتنا في الأصول المناسب

والعجيب أن غالبية الشعراء ذهبوا ( وإن كان في هذا نظر ) على القول بغلبة الطبع على التطبع ، ومن ثم استحالة تغيير الخلق واكتساب أخلاق جديدة حميدة. و نورد في هذا الصدد قول ابي العتاهية الشهير:
كل امرئ متفرد بطباعه ... ليس امرؤ إلا على ما يطبع

كما أن العرب اعتبروا عامل الوراثة هو الأهم في تكوين الأخلاق ، واستدل أصحاب هذا القول بقول زهير بن أبي سلمى:
فما يك من خـير أتوه فإنما ... توارثه أباء أبائهم قبـل
وهل ينبت الخطي إلا وشيجة ... وتغرس إلا في منابتها النخل؟1
و قول التميمي :
أرى كل عـود نابتـا في ارومة ... أبى نسب العيدان أن يتغيرا
بنوا الصالحينَ الصالحونَ ومن يكن ... لآباء سوء يلقهم حيث ســيٌرا
و قول النجاشي :
خلائق فينا من أبينا وجدنا ... كذلك طيب الفرع ينمي على الأصل

أما النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم الذى لا ينطق عن الهوى ، فيقول بإمكانية تغير الطباع واكتساب الأخلاق الفاضلة ، فيقول صلى الله عليه وسلم: " إنما العلم بالتعلم وإنما الحلم بالتحلم" . مما يعني إمكانية تغيير الطبع و السلوك .
و قد ورد على ألسنة الشعراء إمكانية اكتساب الخلق الحميد ؛ شريطة وجود القدوة الحسنة ، وأشاروا إلى أهمية عامل التربية والتأديب ، وأكدوا على ان الوازع الديني هو الوحيد القادرعلى إحداث تغير تام وتأثير ملموس في خلق الإنسان ، كما يدل على ذلك قول الحكم بن عبدل :
لم أجد عروة الخلائق إلا الـ ... دين ، لما اعتبرت ، و الحسبا
ولا ننسى قول الطائي :
فجاور كريما واقتدح من زناده ... وأسند إليه أن تطاول سلما

وورد للبحتري قول يؤكد فيه بأن الأخلاق تتأثر بالعشرة ، ففى مزاحه لأحد أقرانه يقول :
أنت أعديته بحب سعاد ... وكريم الأهواء يعدي الكريما

أما ابن التعاويذى ، فقد حذر من سوء القدوة الذى يؤدي إلى التطبع بأخلاق المقتدي به فأنشد بيته الشهير :
إذا كان رب البيت بالدف مولعا ... فشيمة أهل البيت كلهم الرقص

واختلف الشعراء في وسائل التأديب ، و لكنهم اتفقوا على أن الحر يكفي لتأديبه الترغيب والعتاب ، أما العبد فلا ينجع فيه إلا الترهيب ، فقد جاء في قول ابن دريد :
واللوم للحر مقيم ورادع ... والعبد لا يردعه إلا العصا
وقال بعضهم :
العبد يقرع بالعصا ... والحر تكفيه الإشارة

كما أجمع شعراء العرب على ضرورة التهذيب منذ الصغر و منه قول ابن قريع :
إذا المرء أعيته المروءة ناشئا ... فمطلبها - كهلا - عليه شديد
كما ورد فى الشعر العربى أنه يصعب على المرء إخفاء عيوبه ، ولزهير بن أبي سلمي بيت شهير يقول فيه :
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ... وإن خالها تخفى على الناس تعلم

كثيرة هي القصائد التي تشيد بالقيم الخلقية ، وليس يتسع المجال هنا لحصرها ، ولكن إن فاتك فلا يفوتنك قول الإمام الشافعي في جهاده لنفسه من أجل أن تحظى بالخلق الطيب:
إذا سبني نذل تزايدت رفعـة ... وما العيب إلا أن أكون مساببه
ولو لم تكن نفسي علي عزيزة ... لمكنتها من كل نذل تحاربه
وقوله :
يخاطبني السفيه بكل قبح ... فأكره أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهة فأزيد حلمـا ... كعود زاده الإحراق طيبا

ونختم بأحسن الكلام ، كلام المصطفى صلى الله عليه وسلم أو كما قال: " أكثر ما يثقل ميزان العبد يوم القيامة حسن الخلق" .و قوله: " أفضل الناس إيمانا، أحاسنهم أخلاقا ".
داليا الحديدي

Post: #1076
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:29 AM
Parent: #1001

الأخلاق بين الفطرة والاكتساب
إن الأخلاق ليست مكتسبة على إطلاقها ، كما أنها ليست موهوبة على إطلاقها ، وإنما تتضافر الفطرة السليمة مع دلالة العقل التام السوي في إدراك وتقرير جانب من الأخلاق ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة ، ويحمي العقل ، ويضع الضوابط العامة ، التي ترقى بالفرد والمجتمع من الوجهة الخلقية .

والناس بفطرتهم –مع توفير الظروف الملائمة– يميلون إلى النماذج والصفات الخلقية الخيرة، ويشعرون بالراحة التامة عند ممارسة مثل هذه الأدوار التي توصف بالعدل والحق والجمال، كما ينفرون بفطرتهم، من الاتجاهات الخلقية الشاذة، ويتذمرون من النماذج الخلقية المنحرفة،إذ يشعرون بغرابتها على فطرتهم،ومناقضة تلك النماذج لها .

وكذلك فإنه إذا ما التقت طبيعة القوى الفطرية هنا مع وظيفة العقل ، فإنه يكون ماضيا في تحقيق كماله الوظيفي في الجانب العملي .
ومع هذا فإن أثر هذين الجانبين الفطري والعقلي في مجال الأخلاق يظل ناقصا تماما ، وغير قادر على تحقيق الكمال الإنساني المنشود ، ومن ثم يأتي دور الشرع ليكمل الفطرة ويقوم العقل ، ويرشد أحكامه ، وبذلك تصبح معالم الشرع وتوجيهاته ، مع سلامة الفطرة وصحة النظر العقلي ركائز تتضافر في بناء الكمال الخلقي للإنسان .
من خلال العرض السابق يتبين لنا أن الأخلاق تنقسم إلى قسمين :

الأول : الأخلاق الفطرية :
وقد دلت أحاديث كثيرة على أن من الأخلاق ما هو فطري ، يتفاضل به الناس في أصل تكوينهم الفطري ، ومن ذلك :
ما روى عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (الناس معادن كمعادن الذهب والفضة ، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ، والأرواح جنود مجندة ، فما تعارف منها ائتلف ، وما تناكر منها اختلف ) وهذا الحديث دليل على فروق الهبات الفطرية الخلقية ، وفيه يثبت الرسول –صلى الله عليه وسلم – أن خيار الناس في التكوين الفطري هم أكرمهم خلقا ، وهذا التكوين الخلقي يرافق الإنسان ويصاحبه على جميع أحواله .

وروي عن حذيفة بن اليمان قال : حدثنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حديثين ، قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا : (إن الأمانة نزلت في جدر قلوب الرجال ، ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة ) في هذا الحديث بيان عن الأمانة في الناس وعما تصير إليه فيهم ، فقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم حقيقة من حقائق التكوين الخلقي الفطري في الناس ، وهذه الحقيقة تثبت أن الأصل في الناس أن يكونوا أمناء .
وقوله صلى الله عليه وسلم للمنذر بن عازر : (إن فيك لخصلتين يحبهما الله الحلم والأناة ، فقال يا رسول الله كان بي أم حدثا ؟ قال : (بل قديم ) فقال الحمد لله الذي جبلني على خصلتين يحبهما .

مواقف عملية شاهدة على الأخلاق الفطرية :
أ- هذا أبو بكر رضي الله عنه لم يشرب الخمر قط ، ولما سئل : بم كان يتجنبها في الجاهلية فقال : [كنت أصون عرضي وأحفظ مروءتي ، فإن من شرب الخمر كان مضيعا في عقله ومروءته ]
ب‌- وهذه خديجة رضي الله عنها – حين جاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم أول نبوءته وهو يقول [زملوني ، زملوني ] قالت : والله لا يخزيك الله أبداً : إنك لتصل الرحم ، وتكسب المعدوم ، وتعيين على نوائب الدهر .
ت- ومن خلال المثالين السابقين نلاحظ إن ذلك كان قبل البعثة ومع ذلك كانت هناك آداب وأخلاق متأصلة فيهم وقد أقرها الشرع فيما بعد ، مثل الكرم ، وإكرام الضيف وغيره مما اتصف به العرب قبل البعثة .
ث‌- وحين بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم – النساء قال : {بايعنني على أن لا تشركن بالله شيئا إلى أن قال : (ولا تزنين ) قالت هند بنت عتبة : هل تزني الحرة ؟ فسؤالها يدل على أنفة وعفة وطهارة ، وتلك هي الفطرة السوية التي فطرهن الله عليها تعرف الحق ، وتتجه للخير . والفطرة حين تسلم من العوارض المشوشة عليها ، والتأثيرات المخدرة لها وتسقط عنها الحوائل ، فإنها عندئذ تستقيم لربها وتعرف الحق ، وتدعو إلى كل خلق جميل .

الأخلاق المكتسـبة :
فكما أن هناك أخلاق فطرية ، كذلك بإمكان أي إنسان أن يكتسب بعض الفضائل والأخلاق ، وذلك بالتربية المقترنة بالإرادة والقيم ، والناس في ذلك متفاوتون بمدى سبقهم وارتقائهم في سلم الفضائل كما أن كل إنسان عاقل يستطيع بما وهبه الله من استعداد عام أن يتعلم نسبة من العلوم ، والفنون وأن يكتسب مقداراً ما من أي مهارة عملية من المهارات .
وتفاوت الاستعداد والطبائع لا ينافى وجود استعداد عام صالح لاكتساب مقدار من الصفات الخلقية ، وفي حدود هذا الاستعداد العام ، وردت التكاليف الشرعية الربانية العامة ، ثم ترتقي من بعده مسؤوليات الأفراد بحسب ما وهب الله كللا منهم من فطر ، وبحسب ما وهب كلا منهم من استعدادات خاصة . ووفق هذا الأساس ، وضع الإسلام قواعد التربية على الأخلاق الفاضلة .
.................................
الندوة العالمية لللشباب الإسلامي

Post: #1077
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:30 AM
Parent: #1001

دلت أدلة الكتاب والسنة من الآيات والأخبار على تحريم الرياء وذم فاعله قال تعالى : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الذين هم يراءون )
[ الماعون : 4-6] ويقول الله عز وجل : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] .
وفي الحديث القدسي يقول الله عز وجل : " أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه " وقال صلى الله عليه وسلم :
" إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر " قالوا : وما الشر الأصغر يا رسول الله ؟ قال : " الرياء يقول الله عز وجل يوم القيامة إذا جازى العباد بأعمالهم : ( اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم الجزاء ) .
رأى أبو أمامه الباهلى رجلا في المسجد يبكى في سجوده فقال : أنت أنت لو كان هذا في بيتك .

بيان حقيقة الرياء وجوامع ما يراءى له :
الرياء مشتق من الرؤية ، وأصله طلب المنزلة في قلوب الناس بإرائهم خصال الخير ، والمراد به كثير ويجمعه خمسة أقسام وهي جوامع ما يتزين به العبد للناس وهي : للبدن والزي والقول والعمل ولاتباع والأشياء الخارجة .
فأما الرياء في الدين بالبدن فبإظهار النحول والصفار ليوهم بذلك شدة الاجتهاد وعظم الحزن على أمر الدين وغلبة خوف الآخرة .
وأما الرياء بالهيئة والزي فمثل تشعيث الشعر ، وإطراق الرأس في المشي ، والهدوء في الحركة ، وإبقاء أثر السجود على الوجه ، كل ذلك يراءى به .
وأما الرياء بالقول فرياء أهل الدين بالوعظ والتذكير والنطق بالحكمة والآثار لإظهار شدة العناية بأحوال الصالحين وتحريك الشفتين بالذكر في محضر الناس .
وأما الرياء في العمل فكمراءاة المصلى بطول القيام وطول السجود والركوع وإطراق الرأس وترك الالتفات .
وأما المراءاة بالأصحاب والزائرين كالذي يتكلف أن يستزير عالما لمن العلماء ليقال : إن فلانا قد زار فلانا .

بيان المراءى لأجله :
اعلم أن للمرائي مقصودا لا محالة وإنما يرائي لإدراك حال أو جاه أو غرض من الأعراض ، وله درجات أحدها أن يكون مقصوده التمكن من معصيته كالذي يرائي بعبادته ويظهر التقوى والورع وغرضه أن يعرف بالأمانة فيولى منصبا أو يسلم إليه تفرقة مال ليستأثر بما قدر عليه منه ، وهؤلاء أبغض المرائين إلى الله تعالى ، لأنهم جعلوا طاعة ربهم سلما إلى معصيته ثانيها أن يكون غرضه نيل حظ
من حظوظ الدنيا من مال أو نكاح كالذي يظهر العلم والعبادة ليرغب في تزويجه أو إعطائه ؛ فهذا رياء محظور لأنه طلب بطاعة الله متاع الحياة الدنيا ولكنه دون الأول .
الثالث : أن لا يقصد نيل حظ وإدراك مال أو نكاح ، ولكنه يظهر عبادته خوفا من أن ينظر إليه بعين النقص ولا يعد من الخاصة والزهاد ويعتقد أنه من جملة العامة .

بيان الرياء الخفي :
الرياء جلى وخفي : فالجلي هو الذي يبعث على العمل يحمل عليه ولو قصد الثواب وهو أجلاه ، وأخفى منه قليلا الذي لا يحمل على العمل بمجردة إلا أنه يخفف العمل الذي يريد به وجه الله كالذي يعتاد التهجد كل ليلة ويثقل عليه فإذا نزل عنده ضيف تنشط له وخف عليه ، ومن الرياء الخفي كذلك أن يخفي العبد طاععاته ولكنه مع ذلك إذا رأى الناس أحب أن يقابلوه بالبشاشة والتوفير ، وأن يثنوا عليه ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء وأن يثنوا عليه ، ، وأن ينشطوا في قضاء حوائجه ، وأن يسامحوه في البيع والشراء ، وأن يوسعوا له المكان فإن قصر فيه مقصر ثقل ذلك على قلبه ، ولم يزل المخلصون خائفين من الرياء الخفي يجتهدون في إخفاء طاعاتهم أعظم مما يحرص الناس عل إخفاء فواحشهم ، كل ذلك رجاء أن يخلص أعمالهم الصالحة فيجازيهم الله يوم القيامة بإخلاصهم إذ علموا أنه لا يقبل يوم القيامة إلا الخالص ، وعلموا شدة حاجتهم وفاقتهم في القيامة .

دواء الرياء وطريق معالجة القلب منه:
عرفت أن الرياء محبط للأعمال ، وسبب للمقت عند الكبير المتعال ، وأنه من كبائر المهلكات ، وما هذا وصفه فجدير التشمير عن ساق الجد في إزالته و علاجه ، وها هنا مقامان:.
أحدهما: قطع عروقه وأصوله وهي حب لذة المحمدة والفرار من ألم الذم والطمع فيما أيدي الناس ، فهذه الثلاثة هي التي تحرك المرائى إلى الرياء وعلاجه أن يعلم مضرة الرياء وما يفوته صلاح قلبه وما يحرك عليه في الحال من التوفيق وفي الآخرة من المنزلة عند الله تعالى ، وما يتعرض له من العقاب والمقت الشديد والخزي الظاهر ، كما فمهما تفكر العبد في هذا الخزي وقابل ما يحصل له من العباد والتزين الهم ف الدنيا بما يفوته في الآخر وبما يحبط عليه من ثواب الأعمال فإنه يسهل عليه قطع الرغبة عنه كمن يعلم أن العسل لذيد ولكنه إذا بان له أن فيه سما أعرض عنه .
المقام الثاني : دفع العارض منه أثناء العبادة وذلك لابد أيضا من تعلمه فإنه من جاهد نفسه بقطع مغارس الرياء وقطع واستحقار مدح المخلوقين وذمهم فقد لا يتركه الشيطان في أثناء العبادة بل يعارضه بخطرات الرياء فإذا خطر له معرفة إطلاع الخلق دفع ذلك بأن قال لنفسه مالك وللخلق علموا أو لم يعلموا والله عالم بحالك فأى فائدة في علم غيره ، فإذا هاجت الرغبة إلى لذة الحمد ذكر ما رسخ في قلبه آفة الرياء وتعرضه للمقت الإلهي والخسران الأخرى .

بيان الخطأ في ترك الطاعات خوفا من الرياء :
من الناس من يترك العمل خوفا من أن يكون مرائيا به ، وذلك غلط ومواقفه للشيطان وجر إلى البطالة وترك للخير ، فما دام الباعث على العمل صحيحا وهو في ذاته موافق للشرع الحنيف فلا يترك العمل لوجود خاطر الرياء ، بل على العبد أن يجاهد خاطر الرياء ويلزم قلبه الحياء من الله وأن يستبدل بحمده حمد المخلوقين .
قال الفضل بن عياض : العمل من أجل الناس شرك ، وترك العمل من أجل الناس رياء ، والإخلاص أن يعافيك الله منهما .
وقال غيره : من ترك العمل خوفا من الرياء فقد ترك الإخلاص والعمل .
إسلام ويب

Post: #1078
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:32 AM
Parent: #1001

اعلم رعاك الله أن العجب مذموم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى : ( وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً)[التوبة:25] وقال عز وجل : ( وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا )[الحشر: 2]فرد على الكفار في إعجابهم بحصونهم وشوكتهم . و قال تعالى : ( الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) [ الكهف : 104]. وهذا يرجع أيضا إلى العجب بالعمل وقال صلى الله عليه وسلم : " ثلاث منجيات وثلاث مهلكات ، فأما المنجيات فتقوى الله في السر والعلانية ، والقول بالحق في الرضا والسخط ، والقصد في الغنى والفقر، وأما المهلكات فهوى متبع ، وشح مطاع، وإعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن " .

وقال صلى الله عليه وسلم : " بينما رجل يتبختر في بردين وقد أعجبته نفسه، خسف الله به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة . " قوله : يتجلجل في الأرض أي ساخ فيها .
وقال ابن مسعود : الهلاك في اثنتين : القنوط والعجب .
وإنما جمع بينهما لأن السعادة لا تنال إلا بالسعي والطلب والجد والتشمير ، و الإنسان القنوط لا يسعى ولا يطلب ، والمعجب يعتقد أنه قد سعد وظفر بمراده فلا يسعى ، وقال الله تعالى : ( لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى ) [البقرة:264] . والمن نتيجة استعظام العمل وهو العجب .

بيان خطر داء العجب
إن خطر داء العجب عظيم فإنه يدعو إلى الكبر لأنه أحد أسبابه فيتولد من العجب الكبر، ومن الكبر آفات كثيرة لا تخفى، هذا مع العباد، وأما مع الله تعالى فالعجب يدعو إلى إهمال الذنوب ونسيانها ، فلا يحدث لها توبة ويستعظم أعماله وطاعاته ويمن على الله بفعلها ، والمعجب يغتر بنفسه وبرأيه ويأمن مكر الله وعذابه ويظن أنه عند الله بمكان ولا يسمع نصح ناصح ولا وعظ واعظ ، ويمنعه عجبه عن سؤال أهل العلم فهذا وأمثاله من آفات العجب ، فلذلك كان من المهلكات .ومن أعظم الآفات التي تدخل على المعجب أن يفتر في العمل الصالح الذي هو سب النجاة لظن المعجب أنه قد فاز ، وأنه قد استغنى وهو الهلاك الصريح، نسأل الله العظيم حسن التوفيق لطاعته .

وبسبب هذه الآفات المهلكة التي تنتج عن العجب كان السلف رضي الله عنهم يحذرون منه أشد التحذير، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها:لو كان العجب رجلا لكان رجل سوء.وكان يحيى بن معاذ يقول :إياكم والعجب فإن العجب مهلكة لأهله،وإن العجب يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب. ورأى محمد بن واسعولده يختال فدعاه وقال:أتدري مَن أنت؟ أما أمك فاشتريتها بماتي درهم،وأما أبوك فلا أكثر الله في المسلمين مثلَه.

وقال ابن عوف رحمه الله:

عجبت من مُعجبٍ بصورته وكان بالأمس نطفةً مَذِرة

وفي غدٍ بعد حُسْنِ صورته يصير في اللحد جيفة قذرة

وهـو على تِيهه و نَخْوَته ما بين ثوبيه يحمل العذرة

بيان علاج العجب على الجملة :
اعلم أن علاج كل علة هو مقابلة سببها بضده وعلة العجب الجهل المحض ، أي جهل العبد بنفسه وبربه عز وجل فعلاجه المعرفة المضادة لذلك الجهل ، فالعجب إما بالعلم أو المال أو النسب وكل ذلك بفضل الله عز وجل ومنه ، قال تعالى :
( وما بكم من نعمة فمن الله ) [ النحل : 53)]وقال تعالى : ( ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) [ النساء : 79] والحسنة في الآية هي النعمة، والسيئة هي المصيبة ، وأعظم النعم هي نعمة الهداية والتوفيق للعلم والعمل فمنشأ العجب هو الجهل وكفران نعمة الله عز وجل على العبد قال تعالى : ( وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدا)
[النور: 21).

و العبد مهما بلغ في العلم والعمل فإنه لا يدخل به الجنة حتى يتغمده الله عز وجل برحمته كما قال سيد الخلق صلى الله عليه وسلم وأفضلهم لأصحابه وهم خير الناس : " ما منكم من أحد ينجيه عمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته " .
قال بعضهم : لا تغتر بكثرة العمل فإنك لا تدري أيقبل منك أم لا ، ولا تأمن من الذنوب فإنك لا تدري كفرت عنك أم لا ، إن عملك كله مغيب عنك . أما المال فليس للعبد فضل فيه بل هو محض فضل من الله عز وجل وقد أخبر الله عز وجل عن الكافر الذي أعجب بماله فقال : ( أنا أكثر منك مالاً وأعز نفراً ).
[الكهف : 34] .

وقال عن قارون : ( إنما أوتيته على علم عندي ) [ القصص : 78]وأخبر الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات:13]. وقال صلى الله عليه وسلم " إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية ـ أي كبرها ـ كلكم بنو آدم وآدم من تراب ".

فحري بالعبد أن يتذكر دائما نعم الله تعالى عليه وأن هدايته وتوفيقه للعمل إنما هو محض فضل وإنعام من الله تعالى وليس للعبد في ذلك نصيب،وأن يخاف من سيئاته أن توبقه وتهلكه ،نسأل الله الكريم أن يطهر قلوبنا من كل ما لا يرضيه.
إسلام ويب

Post: #1079
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:34 AM
Parent: #1001

تتفاوت درجات الناس في الثبات أمام المثيرات فمنهم من تستخفه التوافه فيستحمق على عجل ومنهم من تستفزه الشدائد فيبقى على وقعها الأليم محتفظاً برجاحة فكره وسجاحة خلقه.
ومع أن للطباع الأصيلة في النفس دخلاً كبيراً في أنصبة الناس من الحدة والهدوء والعجلة والأناة والكدر والنقاء ، إلا أن هناك ارتباطاً مؤكداً بين ثقة المرء بنفسه وبين أناته مع الآخرين وتجاوزه عن خطئهم ، فالرجل العظيم حقاً كلما حلق في آفاق الكمال اتسع صدره وامتد حلمه وعذر الناس من أنفسهم والتمس المبررات لأغلاطهم، فإذا عدا عليه غِرٌّ يريد تجريحه نظر إليه من قمته فسبق حلمُه غضبَه ، وغلب صفحه وعفوه انتقامَه لنفسه ، وكظم غيظه ممتثلاً أمر ربه في قوله : {والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين}
معنى الحلم
الحلم : هو الأناة والتثبت في الأمر، وضبط النفس وكظم الغيظ .
فالحليم هو الذي لا يستفزه الغضب ، ولا يتسرع بالعقوبة، بل يتريث، ويتصرف على وفق مقتضيات الحكمة .
والحلم صفة من صفات ربنا فهو الحليم بعباده، (وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَلِيماً) (الأحزاب:5) ، ومعناه : الصبور الذي لا يستخفه عصيان العصاة ، ولا يستفزه الغضب عليهم فيعجل بالانتقام منهم، ولكن يفسح لهم باب التوبة والندم، أو يمهلهم ليقيم عليهم الحجة، فإذا أخذهم أخذهم، بحق وحكمة، أخذ عزيز مقتدر : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " .
وليس معنى الحلم التباطؤ والكسل، وإنما هو وسط بين طرفين ، وفضيلة بين رذيلتين ، فإذا زاد عن حدُّه كان توانيًا وإهمالاً أو تبلُّدَ طبع، وانعدامه أو ضعفه عجلة وطيش وسرعة غضب، والأصل هو القصد والاعتدال .
الحلم محمود شرعا وعقلا
والحلم خلق محمود شرعًا وعقلاً، فالعقل السليم يدرك خطر الاندفاع وراء العواطف والغرائز ، أو وراء الانفعالات والشهوات، أو وراء كل ما يميل بصاحبه نحو الجنوح والانحراف. كما أنه يعلم فضيلة التأني والتريث، وضبط النفس وعدم العجلة، وما وراء ذلك من منافع جمة، ومقاصد مهمة.
وأما في الشرع ، فيكفي الحلم فضيلة أن يتصف الله تعالى به ويتسمى به ، فالحلم اسم من أسماء الله الحسنى وصفة من صفاته العلا .

وقد امتدح الله رسوله عليه الصلاة والسلام على كل أخلاقه، ومنها الحلم الذي كان شامة في أخلاقه صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري ومسلم عن أنس رضي الله عنه قال : بينا نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي فقام يبول في المسجد ، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مه ، مه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تزرموه ( أي لا تقطعوا عليه بوله)، دعوه " قال أنس : فتركوه حتى بال، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له : " إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول والقذر، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن " . أو كما قال صلى الله عليه وسلم . قال أنس : وأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فسنَّه ( أي فصبه ) عليه .

وروى الشيخان أيضًا من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : كأني أنظر إلى رسول الله يحكي نبيًا من الأنبياء صلوات الله عليهم ، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول : اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون " .
فأي شفقة وأي عفو وصفح وحلم يضاهي هذا الحلم إلا حلمه هو نفسه عمن آذوه في ثقيف ، فعرض عليه ملك الجبال أن يطبق عليهم الأخشبين فقال :" بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا " . متفق عليه .
أو حلمه العظيم حين مكنه الله من قريش فعفا وصفح ولم يثرِّب ، بل قال قولته المشهورة : "اذهبوا فأنتم الطلقاء" .

واستقصاء مواقف حلمه تستعصي على المستقصى، وفي مواقف أصحابه وأتباعه بعض إشارة لهذا الجانب من جوانب أخلاقه عليه الصلاة والسلام، إذ منه تعلَّموا وعلى يديه تربوا.

قال معاوية يومًا لابنه : يا بني من عفا ساد، ومن حلم عظُم، ومن تجاوز استمال إليه القلوب .
وقد كان معاوية يعرف بالحلم، وله فيه أخبار مشهورة، وآثار مذكورة ، وكان يقول : إني لآنف أن يكون في الأرض جهل لا يسعه حلمي، وذنب لا يسعه عفوي، وحاجة لا يسعها جودي .. وهذا مروءة عالية المرتبة .

وتغيظ عبد الملك بن مروان على رجل فقال : والله لئن أمكنني الله منه لأفعلن به كذا وكذا ، فلما صار بين يديه قال له : رجاء بن حيوة : يا أمير المؤمنين قد صنع الله ما أحببت فاصنع ما أحب الله . فعفا عنه وأمر له بصلة .

قال الحسن البصري : إن أفضل رداءٍ تردى به الإنسان الحلم، وهو والله عليك أحسن من برد الحبر .
عن معاذ بن جبل عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم : " من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه دعاه الله على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من أي الحور شاء " .
...............................إسلام ويب

Post: #1080
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:35 AM
Parent: #1001

قد يعجب المرء من صورة المؤمنين الذين قال عنهم رب العالمين في سورة المؤمنون:(الذين هم من خشية ربهم مشفقون.والذين هم بآيات ربهم يؤمنون. والذين هم بربهم لا يشركون. والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون) فيقول علام خوفهم وحزنهم وهم يسارعون في الخيرات وهم لها سابقون؟

وتزداد دهشته إذا تفكّر في حال النبيين عليهم الصلاة والسلام، كما جاء في حديث الشفاعة عند الشيخين أن الناس يوم القيامة (يأتون آدم فيقولون: يا أبانا استفتح لنا الجنة. فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلاّ خطيئة أبيكم آدم؟ لست بصاحب ذاك) وفي رواية (لست هُناكُم. اذهبوا إلى ابني إبراهيم خليل الله. قال فيقول إبراهيم: لست بصاحب ذاك إنما كنت خليلاً من وراء وراء، اعمدوا إلى موسى صلى الله عليه وسلم الذي كلّمه الله تكليماً. فيأتون موسى صلى الله عليه وسلم فيقول: لست بصاحب ذاك، اذهبوا إلى عيسى صلى الله عليه وسلم كلمة الله وروحه. فيقول عيسى صلى الله عليه وسلم: لست بصاحب ذاك. فيأتون محمداً صلى الله عليه وسلم فيقوم فيُؤذن له).

فهذا الموقف الجليل منهم عليهم السلام في ذلك الموقف العظيم إنما هو شوقٌ دائم إلى مزيد الطاعات، وتوْقٌ دائب إلى الانخلاع من صغائر السيئات، وذلك شأن الولعين بإدراك كمال العبودية، وما أحسنها سجيةً، أن تتوجه النفس دائماً إلى مراقي السعود، فلا ترضى بطاعة ولا تقنع بمرتبة وفيها طاقة للمزيد، ولهذا كان صدّيق هذه الأمة رضي الله عنه يسأل عن الدخول من جميع أبواب الجنة.
ولم أر في عيوب الناس شيئاً .... كنقص القادرين على التمام

فالتواضع ملاحظة للذنب، وندم على التقصير (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرّطت في جنب الله) وهذا يزداد على حسب علم المرء (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماءُ) (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون).

فالتواضع اتهام للنفس واجتهاد في علاج عيوبها وكشف كروبها (قد أفلح من زكاها)، إذ إن قبول الأعمال معلق بالتقوى (إنما يتقبل الله من المتقين) ومعلق بالإخلاص (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وفي غيابهما لا يكون لصدقة الكريم ولا لعلم القارئ ولا لقتل الشهيد اعتبار، بل يكون هؤلاء الثلاثة أول من تُسعّر بهم النار، ولهذا كان أيوب السختياني يقول: "والله ما أزعم أن لي عملاً أنا على يقين من أنني قد أخلصت فيه"، قال الذهبي: "والله ولا أنا". ولعل من هذا الباب مقالة سليمان بن مهران الأعمش: "والله ما أرى أن عيني عمشت إلا من فرط ما يبول الشيطان في أذني"، مع أنه كان حريصاً على قيام الليل!

والتواضع مداومة على استحضار الآخرة وميل إلى احتقار متاع الدنيا، وحرص على الفوز بالنجاة كما كان عمر رضي الله عنه يقول: أين تذهب عنكم (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها)؟ وقد تعلم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال له: (أما ترضى يا عمر أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟)

وهو غلبة الخوف في قلب المؤمن على الرجاء، واليقين بما سيكون يوم (يسأل الصادقين عن صدقهم) و (تبلى السرائر) و (يرفع للغادر لواء) فحينئذٍ (لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار) (وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون) و (قال اخسئوا فيها ولا تكلمون) فهذا عين الفقه في الدين (إنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
وقد ترجم البخاري في كتاب الإيمان ترجمة طويلة ما أحسنها وأكملها، قال: "باب خوف المؤمن من أن يحبط عمله وهو لايشعر. وقال إبراهيم التيمي: ما عرضت قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذَّباً. وقال ابن أبي مليكة: أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول إنه على إيمان جبريل وميكائيل. ويذكر عن الحسن: ما خافه إلا مؤمن ما أمنه إلا منافق. وما يحذر من الإصرار على النفاق والعصيان من غير توبة لقول الله تعالى ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون".

والتواضع ولاء للمسلمين ووفاء بحقوقهم كما قال الله تعالى: (واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين)، (واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعْدُ عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا)، وخاطب نوح عليه السلام قومه ردّاً على سفاهتهم (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي) بقوله: (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوماً تجهلون ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون)، حتى قال عليه السلام: (ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما في أنفسهم إني إذاً لمن الظالمين)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (الكبر بطر الحق وغمط الناس) وقال: (كفى بالمرء إثماً أن يحتقر أخاه المسلم)، ومن هنا جاءت الآداب متشبعة بهذا المعنى، متتبعة أنماط السلوك المختلفة، لا تُغفل ردّ السلام ولا إعانة الرجل على دابته ولا بسمتك في وجه أخيك. وقد كان السلف الصالح أكثر هذه الأمة تواضعاً لأنهم أشد تعاهداً لهذه الأخلاق؛ حتى وصفهم ربهم بأنهم (أذلة على المؤمنين ) و (رحماء بينهم).

والتواضع معرفة الإنسان قدره بين أهل العلم ووزنه إذا قُورن بهم:
لا تعرضنّ بذكرنا مع ذكرهم .... ليس الصحيح إذا مشى كالمقعد
وما أحسن موقف سفيان بن عيينة لما قارنوه بمالك فقد قال:
وابن اللبون إذا ما لُزَّ في قَرَنٍ .... لم يستطع صولة البُزْل القناعيسِ

والمتأمل في تاريخ الاستكبار يعلم أن التواضع فنّ فاز به السحرة ولم يستطعه الكفرة والفجرة ولله در ابن مالك حين قال في ألفيته:
وقد تزاد (كان) في حشو كـ(ما .... كان أصحّ علم من تقدما)
وقال الشيخ علي القاري: (إنما حصل ترقي علماء زماننا بسبب تدني العلم في أواننا)، وانظر إلى الصديق رضي الله عنه كيف يتأخر عن الإمامة ويقول: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم"، وقال علي رضي الله عنه لولده محمد بن الحنفية: "إنما أبوك رجل من المسلمين"، ومن هذا الباب قال الحافظ أبو الحجاج المزي لابن عبد الهادي حين امتحنه بقلب الأسانيد: "لست أنا، ذاك البخاري"، قال ابن كثير: "فكان قوله هذا أحب إلينا من أن لو ردّ كل سندٍ إلى متنه"، وقال الخطيب البغدادي للذي سأله: "أنت الحافظ الخطيب؟" قال: "أنا أحمد بن علي بن ثابت، انتهى الحفظ إلى الدارقطني"، وذكر التاج السبكي أن والده "التقي السبكي" كان يتهجد في الموضع الذي كان يُلقي فيه الإمام النووي دروسه، والتقي السبكي حينئذٍ شيخ الدار الأشرفية فكان يمرغ خديه على المكان الذي كان يضع النووي عليه قدميه ويقول:
وفي دار الحديث لطيف معنى .... على بسط لها أصبو وآوي
عسى أني أمس بحر وجهي .... مكاناً مسّه قدم النواوي

والتواضع حياء العبد من مولاه وشكره على ما آتاه، وقد أثنى الله على خليله عليه الصلاة والسلام بأنه (أوّاه)، والمؤمن كيّس فطِن يدرك أنه عبد الله، أعماله من خلق الله، ونجاحه بتسديد الله، ولا يتقدم إلا بتوفيق الله
إذا لم يكن عوْن من الله للفتى .... فأول ما يجني عليه اجتهاده
ولهذا كان شعار الصحابة رضي الله عنهم :
والله لولا الله ما اهتدينا .... ولا تصدقنا ولا صلينا
وقد تعلموا ذلك من حال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمنا عائشة رضي الله عنها لمّا تورمت قدماه من كثرة القيام (أفلا أكون عبداً شكوراً)، ورحم الله الجنيد؛ فقد ذكر الذهبي في سير أعلام النبلاء قوله: (والشكر أن لا تستعين بنعمة الله على معصيته).
.....................................
الشيخ: محمد عمر دولة 1

Post: #1081
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:36 AM
Parent: #1001

حين يعهد إنسان إلى آخر بسرٍ ويأتمنه عليه ، ثم يقوم الأخير بإفشائه فقد خان الأمانة .
وإذا أودع إنسانٌ آخر وديعة على سبيل الأمانة فأهلمها ، أو لم يحفظها فقد خان الأمانة .
وإذا عاهد إنسان آخر عهدًا فنقضه فقد خان الأمانة ، وإذا عصى الإنسانُ ربه فقد خان الأمانة .
هذه كلها صور من صور الخيانة ، وذلك الخلق الرذيل ، الذي يدل على ضعف الإيمان ، ووضاعة النفس .

والخيانة من كبائر الذنوب ، بل هي من النفاق العملي : ((آية المنافق ثلاث ، إذا حدَّث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا ائتمن خان)) .
والخائن بغيض إلى الله بغيض إلى الناس ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ) ( الحج: 38 ) .
الخائن يعرض نفسه لهتك ستره وافتضاح أمره ، فهو لا يستحق أن يدافع عنه أحد أو يجادل عنه ، قال تعالى : ( وَلا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً ) ( النساء: 105 ) .

ما موقف الخائن في الآخرة؟

وإذا أخفى الخائن عن الناس خيانته وغدره ، ووجد في الدنيا من يجادل عنه ، فكيف يكون حاله وموقفه يوم تبلى السرائر ، قال تعالى : ( هَاأَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً ) ( النساء:109 ) .
ولو علم الخائن أن سعيه وكيده إلى بوار لارتدع ، قال تعالى : ( وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) ( يوسف: 52 ) .
وحين يؤتمن الخائن ، ويخوَّن الأمين ، فقد أتى على الناس السنون الخداعة التي حذر منها الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - بقوله : ((سيأتي على الناس سنون يُصدق فيها الكاذب ، ويُكذَّب فيها الصادق ، ويخوَّن الأمين ، ويؤتمن الخائن ، وينطق فيها الرويبضة )) قيل : يا رسول الله ، وما الرويبضة ؟ قال : ((السفيه يتكلم في أمر العامة)) .

ولأن الخيانة داء عضال ، فقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله منه : ((... وأعوذ بك من الخيانة فإنها بئس البطانة)) .
وما من عبد يخون إلا أوقف يوم القيامة ورفعت راية على إسته فيقال : هذه غدرة فلان ، فأي فضيحة أعظم من هذه ؟‍

ومن صور الخيانة

من أعظم صور الخيانة أن تنشغل الأمة بجهاد أعدائها ، ويخرج المجاهدون لإعلاء كلمة الله في أرضه ، تاركين أهليهم وأولادهم ، ثم يأتي خائن حقير فيخون المجاهد في أهله ؛ إذ لو كان رجلاً لاستشعر مسؤوليته تجاه أبناء المجاهدين ونسائهم ، وأنه بالنسبة لهم الأخ المواسي ، خاصة حال غياب المجاهد الذي يدفع الله به الشر عن البلاد والعباد ، ومنهم ذلك الذي انتهز فرصة الغياب ليخون ، فكيف به إذا أوقفه الله يوم القيامة فجاء المجاهد فأخذ من عمله حتى لا يُبقي له شيئـًا .

ومن صور الخيانة أن يستشير الرجل أخاه فيشير عليه بغير الصواب ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((... ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشدٍ فقد خانه)) ، فالمستشار مؤتمن ، فإن أشار بخلاف ما يرى أنه الأصلح فقد خان .

ومن صور الخيانة أن يوسَّد الأمر إلى غير أهله ، فلا يكون المعيار كفاءة الرجال ، وإنما القرابة أو المحبة أو غيرها .
وإذا سادت المجتمعات الإسلامية هذه الآفة فقد ضُيعت الأمانة ، وعندها تقترب الساعة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : (( فإذا ضُيعت الأمانة فانتظر الساعة)) قيل : كيف إضاعتها ؟ قال - صلى الله عليه وسلم - : ((إذا وسِّد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة)) (رواه البخاري) .

ومن صور الخيانة أن يسير الوالي في رعيته بغير هديً من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وألا يحرص على مصالحهم في دينهم ودنياهم ، ومثل هذا يحرم الله عليه الجنة ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((ما من عبد يستر عليه الله رعيته ، يموت يوم يموت وهو غاشٌ لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة)) .

ولو نظرنا إلى الشرع المطهر لوجدنا أنه زجر عن هذا الخلق ، ولو من باب رد الفعل : ((أدِ الأمانة لمن ائتمنك ، ولا تخن من خانك )). (رواه أبو داود وغيره وصححه الألباني) .
ماهر محمود

Post: #1082
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:38 AM
Parent: #1001

الرشوة هي ما يُعطى لإبطال حق أو إحقاق باطل ، وهي محرمة ، بل هي من الكبائر ، فقد قال الله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة/188) .
قال الذهبي - رحمه الله تعالى - : " لا تُدلوا بأموالكم إلى الحكام : أي لا تصانعوهم بها ولا ترشوهم ليقتطعوا لكم حقـًا لغيركم وأنتم تعلمون أن ذلك لا يحل لكم " .اهـ .
ولا شك أن الذي يأخذ الرشوة إنما يأكل سُحتـًا ، وقد ذم الله تعالى هذا الصنف من الناس ، وشنَّع عليهم أشد التشنيع ، فقال تعالى : (وَتَرَى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسَارِعُونَ فِي الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (المائدة/62) .
الرشوة سبب اللعنة
ولأن الرشوة إذا شاعت في المجتمعات فإنها تؤدي إلى ضياع الحقوق وشيوع الظلم وانتشار الفساد ، فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من تعامل بها ، فعن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : ((لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي)) (رواه الترمذي وأبو داود ، وقال الألباني : صحيح) .
كما بيَّن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما سيلقاه المرتشي من العقوبة ، وما يلحقه من الإثم حين استعمل رجلاً ، فلما قدم قال : هذا لكم وهذا أُهدي لي ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر وقال : ((ما بال عاملٍ أبعثه فيقول : هذا لكم وهذا أُهدي لي ! أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيُهدى إليه أم لا ؟ والذي نفس محمد بيده ، لا ينال أحد منكم منها شيئـًا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه ، بعير له رغاء ، أو بقرة لها خوار ، أو شاة تيعر)) .
فالذي يأكل الرشوة إنما يحملها على عاتقه إثمـًا عظيمـًا ، يُسأل عنه يوم القيامة .
ومما ينبغي أن يُعلم أن الرشوة حرام على الآخذ مطلقـًا ، أما بالنسبة للدافع ففيها تفصيل ؛ فتكون حرامـًا في حقه إن كان دفعها لاقتطاع حق غيره أو لظلمه ، إما إن كان مضطرًا لدفعها للحصول على حقٍ هو له ، أو لدفع ظلم ، أو ما شابه ذلك فهي في حقه ليست حرامـًا .. والله تعالى أعلم .
الفرق بين الرشوة والهدية
إن هناك فرقـًا مهمـًا بين الرشوة والهدية - وإن اشتبها في الصورة - والفرق راجعٌ أساسـًا إلى القصد ، إذ أن القصد في الرشوة هو التوصل إلى إبطال حق ، أو تحقيق باطل ، أما المُهدي فقصده استجلاب المودة والمعرفة والإحسان .
ومن أهم المضار والمفاسد المترتبة على الرشوة أنها :
1) تُغضب الله جل وعلا وتجلب على صاحبها العذاب واللعنة .
2) تُفسد المجتمع حكامـًا ومحكومين .
3) تُبطل حقوق الضعفاء والمظلومين .
4) المرتشي تُشد يساره إلى يمينه ثم يُرمى به في جهنم .
ماهر محمود

Post: #1083
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:39 AM
Parent: #1001

العجلة خلاف البطء ، وهي مأخوذة من مادة ( ع ج ل ) التي تدل على الإسراع .
والعجلة طلب الشيء أو فعله قبل أوانه ووقته اللائق به ، وهي من مقتضيات الشهوة ، بل هي من طبع الإنسان : ( وَكَانَ الإِنْسَانُ عَجُولاً ) (الإسراء:11) ، أي طبعه العجلة ، فيعجل بسؤال الشر كما يعجل بسؤال الخير .
وقد قيل : العجلة من الشيطان ؛ لأن عندها يروج شرَّه على الإنسان من حيث لا يشعر بخلاف من تمهل وتروى عند الإقدام على عمل يريده .

ذم العجلة

ولأن العجلة من مقتضيات الشهوة فقد ذُمت في القرآن الكريم ، ومن ذلك قوله تعالى : ( وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ ) ( يونس: 11 ) ، وقوله تعالى : ( قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتاً أَوْ نَهَاراً مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ * أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) ( يونس:50 ، 51 ) ، وغيرهما من الآيات التي تبين قبح العجلة ، بل إن الله تعالى نهى نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن العجلة بالقرآن : ( وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ) ( طـه:114 )، وقوله تعالى أيضـًا : ( لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ ) ( القيامة:16 ) .

والمرء إذا كان مستجيبـًا لطبعه منساقـًا وراء شهوات نفسه فكان عجولاً ، فإنه لا يكاد يعذر بخير ، بل ربما أدت عجلته إلى هلكته وسوء خاتمته كحالة هذا الرجل الذي قال عنه سهل بن سعد - رضي الله عنه - : إن رجلاً من أعظم المسلمين غناءً عن المسلمين في غزوة غزاها مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فنظر النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ((من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إلى هذا )) ، فاتبعه رجلٌ من القوم وهو على تلك الحال من أشد الناس على المشركين حتى جُرح فاستعجل الموت فجعل ذُبابة سيفه بين ثدييه حتى خرج من بين كتفيه ، فأقبل الرجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - مُسرعـًا فقال : أشهد أنك رسول الله ، فقال : وما ذاك ؟ قال : قلتَ لفلانٍ من أحبَّ أن ينظر إلى رجل من أهل النار فلينظر إليه ، وكان من أعظمِنَا غنَاءً عن المسلمين ، فعرفتُ أنه لا يموت على ذلك ، فلما جُرح استعجل الموت فقتل نفسه ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ذلك : (( إن العبد ليعمل عمل أهل النار وإنه من أهل الجنة ، ويعمل عمل أهل الجنة وإنه من أهل النار ، وإنما الأعمال بالخواتيم)). (رواه البخاري ومسلم) .

من صورالعجلة في الدعاء

وعن أنس - رضي الله عنه - أنه قال : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عاد رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ فَصَارَ مِثل الفرخِ ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((هل كنتَ تدعوه بشيءٍ أو تسألُهُ إيَّاه ؟ )) قال : نعم ، كنت أقول اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فعجّلُه لي في الدنيا ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( سبحان الله لا تُطيقُهُ أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار )) ، وقال : فدعَا الله له فشفاه ". (رواه مسلم) .

وعن فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - أنه قال : سَمِعَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يدعو في صلاته لَمْ يُمجِّدِ الله ولم يُصَلِّ على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((عَجِلْتَ أيُّها المُصلي )) ثم علَّمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وسمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً يُصلي مجَّد الله وحمده وصلى على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((ادعُ تُجَبْ ، وسَلْ تُعْطَ)). (رواه النسائي واللفظ له ، وقال الألباني في صحيح النسائي : حسن ، ورواه أبو داود ورواه الترمذي وقال : صحيح ) .

وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل . يقول : دعوتُ فلم يُستجب لي)). (رواه البخاري واللفظ له ، ورواه مسلم) .

من الخير العجلة في أمر الآخرة

وعن سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - أنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((التُّؤَدةُ في كل شيء إلا في عمل الآخرة )). (رواه أبو داود وقال الألباني في صحيح أبي داود صحيح) .

وعن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت : جلسَ إحدى عشرةَ امرأة ، فتعاهدْن وتعاقدْن أن لا يكتُمنَ مِن أخبار أزواجهِنَّ شيئـًا . قالت الأولى : زوجي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ ، على رأسِ جَبَلٍ وَعْرٍ ، لا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى ، ولا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ . قالت الثانية : زوجي لا أَبُثُّ خَبَرَهُ ، إنِّي أَخَافُ أن لا أذَرَهُ ، إن أذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَه وبُجَرَهُ. قالت الثالثة : زوجي الْعَشَنَّقُ ، إن أنْطِقْ أُطَلَّقْ ، وإن أسْكُتْ أُعَلَّقْ ..".(رواه البخاري ومسلم) .
إسلام ويب

Post: #1084
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:43 AM
Parent: #1001

الحسد خُلُق ذميم مع إضراره للبدن وإفساده للدِّين ، حتى لقد أمر الله تعالى بالاستعاذة من شره : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ)(الفلق/5) .
وناهيك بحال ذلك شرًا ، ولو لم يكن من ذم الحسد إلا أنه خلق دنيء ، يتوجه نحو الأقارب والأكفاء ، ويختص بالمخالط والصاحب ، لكانت النزاهة عنه كرمـًا ، والسلامة منه مغنمـًا ، فكيف وهو بالنفس مُضر ، وعلى الهم مُصِرٌّ ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف من غير نكاية في عدوٍ ، ولا إضرار بمحسود .
إن الحاسد صاحب نفس خبيثة تكره رؤية النعمة بادية على الآخرين ؛ ولهذا يتمنى الحاسد زوال النعمة عن المُنْعَم عليه .

دواعي الحسد
ذكر العلماء دواعي الحسد ، فأورد الماوردي أنها ثلاثة :
1) بُغض المحسود ، فإذا كانت له فضيلة تُذكر أو منقبة تُشكر ثارت نفس من أبغضه حسدًا .
2) أن يظهر من المحسود فضل يعجز عنه الحاسد فيكره تقدمه فيه ، فيثير ذلك حسدًا ، فالحسد هنا يختص بمن علا مع عجز الحاسد عن إدراكه .
3) السخط على قضاء الله تعالى ، فيحسد الآخرين على ما منحهم الله تعالى إياه ، وإن كانت نعم الله عنده أكثر ، ومِنَحه عليه أظهر .
وهذا النوع من الحسد أعمها وأخبثها ؛ إذ ليس لصاحبه راحة ، ولا لرضاه غاية .

دفع شر الحاسد
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : ويندفِعُ شرُّ الحاسد عن المحسود بعشرة أسباب :
السبب الأول : التعوذ بالله من شره ، والتحصن به واللجوء إليه .
السبب الثاني : تقوى الله تعالى ، وحفظه عند أمره ونهيه .
فمن أتقى الله تعالى تولَّى الله عز وجل حفظه ، ولم يكِلْه إلى غيره .
السبب الثالث : الصبر على عدوه ، وألا يقاتله ولا يشكوه ، ولا يحدّث نفسه بأذاه أصلاً فما نُصِرَ على حاسده وعدُوِّه بمثل الصبر عليه .
السبب الرابع : التوكل على الله .

فمن توكل على الله فهو حسبُه ، والتوكُّل من أقوى الأسباب التي يدفع بها العبد ما لا يُطيق من أذى الخلق وظلمهم وعُدوانهم .
وهو من أقوى الأسباب في ذلك ، فإن الله تعالى حسبُهُ ، أي كافيه ، ومن كان الله عز وجل كافيه وواقيه فلا مطمع فيه لعدوّه .
السبب الخامس : فراغُ القلب من الاشتغال به والفكر فيه ، وأن يقصد أن يمحوه من باله كلما خطر له .
فلا يلتفت إليه ، ولا يخافه ، ولا يملأُ قلبهُ بالفكر فيه .
وهذا من أنفع الأدوية ، وأقوى الأسباب المعينة على اندفاع شره .

السبب السادسُ : الإقبالُ على الله تعالى والإخلاص له ، وجعل محبته ورضاه والإنابة إليه في محلِّ خواطرِ نفسه وأمانِيِّها تدِبُّ فيها دبيب تلك الخواطرِ شيئـًا ، حتى يقهرها ويغمرها ويذيبها بالكلية ، فتبقى خواطره وهواجسُهُ وأمانيُّه كُلُّها في محابِّ الرَّبِّ ، والتقرُّب إليه .
السبب السابع : تجريد التوبة إلى الله تعالى من الذنوب التي سَلَّطَتْ عليه أعداءه .
فإن الله تعالى يقول : (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ)(الشورى/30) .
السبب الثامن : الصدقة والإحسانُ ما أمكنه ، فإن لذلك تأثيرًا عجيبـًا في دفع البلاء ، ودفع العين ، وشر الحاسد ، ولو لم يكن في هذا إلا بتجارب الأمم قديمـًا وحديثـًا لكُفي به .
فما حَرَسَ العبدُ نعمة الله عليه بمثل شُكرها ، ولا عرَّضها للزَّوال بمثل العمل فيها بمعاصي الله تعالى ، وهو كُفرانُ النعمة ، وهو بابٌ إلى كفران المُنْعِمِ .

السبب التاسع : وهو من أصعب الأسباب على النفس ، وأشقها عليها ، ولا يُوفَّق له إلا من عظُم حظُّهُ من الله تعالى ، وهو إطفاءُ نار الحاسد والباغي والمؤذي بالإحسان إليه ، فكلما ازداد أذى وشرًا وبغيـًا وحسدًا ازددْت إليه إحسانـًا ، وله نصيحة ، وعليه شفقةً .
وما أظُنُّك تُصدِّقُ بأن هذا يكون فضلاً عن أن تتعاطاه ، فاستمع الآن إلى قوله عز وجل : (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(فصلت/34 - 36) .
السبب العاشر : وهو الجامع لذلك كله ، وعليه مدارُ هذه الأسباب ، وهو تجريدُ التوحيد ، والتَّرَحُّلُ بالفكر في الأسباب إلى المسبب العزيز الحكيم ، والعلمُ بأن هذه الآلات بمنزلة حركات الرياح ، وهي بيد مُحركها ، وفاطرها وبارئها ، ولا تضرُّ ولا تنفعُ إلا بإذنه ، فهو الذي يُحسنُ عبدُهُ بها ، وهو الذي يصرفها عنه وحدهُ لا أحد سواه ، قال تعالى : (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ)(يونس/107).
والحاسد صاحب معصية عظيمة ، فقد قال بعض السلف : " الحسد أول ذنب عُصي الله به في السماء ، يعني حسد إبليس لآدم - عليه السلام - ، وأول ذنب عصي الله به في الأرض ، يعني حسد ابن آدم لأخيه حتى قتله " .
كما أن الحاسد لا ينقطع همه .
قال بعض الأدباء : " ما رأيت ظالمـًا أشبه بمظلوم من الحسود ، نَفَسٌ دائم ، وهَمٌّ لازم ، وقلبٌ هائم " .

والحاسد مسيء للأدب مع الله سبحانه وتعالى .
قال الشاعر :
يا حاسـدًا لـي على نعمـتي أتدري على مَنْ أسأت الأدبْ ؟
أسـأت علـى الله في حُكمـه لأنك لم تـرضَ لي ما وهبْ
فأخـزاك ربـي بأن زادنـي وسَـدَّ عليك وجـوه الطلبْ
ماهر محمود

Post: #1085
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:46 AM
Parent: #1001

لقد حرص الإسلام على تربية أبنائه على معاني الأخوة والوحدة ، وحذرهم من كل ما يتنافى مع هذه الرابطة أو ينتقص منها .
ومن أهم الأخلاق السيئة التي تضر بهذه الرابطة ما يكون من سرور الأخ بما يصيب أخاه من المصائب في الدنيا أو الدين ، وهذه هي الشماتة .
إن الشماتة إذن لا تليق بمسلم تجاه أخيه المسلم أبدًا ، بل هي من صفات الأعداء الذين حذر الله منهم ووصفهم بقوله : ( إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيط ٌ)( آل عمران:120 ) ، وقوله تعالى : ( إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنَا أَمْرَنَا مِنْ قَبْلُ وَيَتَوَلَّوْا وَهُمْ فَرِحُونَ )( التوبة:50 ) .
ولقد كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من شماتة الأعداء ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتعوذ بالله من جَهْد البلاء ، ودَرَك الشقاء ، وسوء القضاء ، وشماتة الأعداء ))(رواه البخاري) .
إن من الأمور المهمة بالنسبة للمجتمع المسلم أن يوطن أبناؤه أنفسهم على الفرح بفرح بعضهم ، والتألم والحزن لما يصيبهم ، وقد جعل الله تعالى من العقوبات القدرية لمن كان شامتـًا بأخيه المسلم أن يُبتلى بمثل ما كان سببـًا لشماتته .
قال - صلى الله عليه وسلم - : ((لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه الله ويبتليك)).(رواه الترمذي وقال : حسن غريب) .
ومن الشماتة المذمومة شرعـًا أن يتوب الله على عبدٍ من ذنبٍ ما فيأتي أخوه فيعيره به ، وقد حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك أيضـًا بقوله : (( من عيَّر أخاه بذنبٍ لم يمت حتى يعمله )).(رواه الترمذي وقال : حسن غريب) .
ولو لم يكن من مضار الشماتة إلا أنها تسخط الربَّ تبارك وتعالى ، وتدل على انتزاع الرحمة من قلوب الشامتين لكفى بذلك زجرًا عنها ، فكيف وهي تورث العداوات ، وتؤدي إلى تفكك أوصال المجتمعات ، ثم هي تعرض أصحابها للبلاء :
إذا ما الدهر جَرَّ على أناسٍ كَلاَكِلَه أَنَاخَ بآخــرينا
فقل للشامتين بِنَا أَفيقــوا سَيَلْقَى الشامتون كما لقينا
ماهر محمود

Post: #1086
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:48 AM
Parent: #1001

معنى السفاهة
السفه نقيض الحلم ، وهو سرعة الغضب ، والطيش من الأمور اليسيرة ، والمسارعة للبطش ، في العقوبة ، والسب الفاحش .
ومما لا شك والإسراع فيه أن أساس هذا كله هو خفة العقل ونقصانه .
والسفه يكون في الأمور الدينية ، والدنيوية .
أما كونه في الأمور الدينية والأخروية فدل عليه قول الله تعالى : (وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطاً) (الجـن:4) .
وقوله عز وجل : (سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (البقرة:142) .
والمراد بالسفهاء هنا - كما أفاده السُّدِّيُّ - رحمه الله تعالى - : الكفار ، والمنافقون ، واليهود .
أما الكفار ، فقالوا لما حُولت القبلة : رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا ، فإنه علم أنا على الحق .
وأما أهل النفاق فقالوا : إن كان أولاً على الحق فالذي انتقل إليه باطل ، وكذلك العكس .
وأما اليهود فقالوا : خالف قبلة الأنبياء ، ولو كان نبيـًا لما خالف .
ولا شك أن هذه المقولات دالة على سفاهة أصحابها ، وقلة عقولهم ؛ إذ غفلوا عن تصريف الله لأمور عباده كيف يشاء ، وأن له سبحانه المشرق والمغرب ، يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم .

فالسفيه في هذا الجانب هو إنسانٌ رديء الفهم ، سريع الذنب ، خدعه شيطانه فجعله أسير الطغيان ، دائم العصيان ، أعاذنا الله من حاله .
ولهذا بيَّن الله تعالى سفاهة هؤلاء حين دعوا إلى الإيمان فقالوا : (أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ) ، فقال الله عز وجل : (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لا يَعْلَمُونَ) (البقرة: 13) .
إذ لو كانوا أصحاب عقل راجح ، ورأي سديد لعلموا أن ما دُعوا إليه هو الحق .

وأما السفاهة في الأمور الدنيوية فهي قلة التدبير وفساد الرأي والعمل نجلاف مقتضى العقل ، ومن ذلك إنفاق السفيه ماله فيما لا ينبغي من وجوه التبذير ، وعجزه عن إصلاحه والتصرف فيه بالتدبير .
ولهذا نهى الله تعالى عن إعطاء هذا الصنف الأموال يعبث بها كيف شاء ، ويبددها على غير الوجه المقبول شرعـًا وعقلاً .. قال تعالى : (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً) (النساء: 5) .

الأزمنة الخداعة

ويوم يتصدر السفهاء ويتكلمون باسم الأمة فقد أتت على الناس الأزمنة التي حذر الرسول - صلى الله عليه وسلم - منها : "إنها ستأتي على الناس سنون خدَّاعة ، يُصَدَّق فيها الكاذب ، ويكذَّب فيها الصادق ، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة ، قيل : وما الرُّوبيضة ؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة" (رواه ابن ماجة ، وأحمد واللفظ له ، وقال الشيخ شاكر - رحمه الله - : إسناده صحيح) .

كما حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من إمرة السفهاء ، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لكعب بن عُجْرَة : ((أعاذك الله من إمارة السفهاء)) . قال : وما إمارة السفهاء ؟ قال : ((أمراء يكونون بعدي لا يقتدون بهدي ، ولا يستنون بسنتي ، فمن صدَّقهم بكذبهم ، وأعانهم على ظلمهم ، فأولئك ليسوا مني ، ولستُ منهم ، ولا يَرِدُون عليَّ حوضي ، ومن لم يصدقهم بكذبهم ، ولم يعنهم على ظلمهم ، فأولئك مني ، وأنا منهم ، وسيردون عليَّ حوضي)) (رواه النسائي ، والترمذي وقال : حسن غريب).

اجتناب السفيه

إن أفضل السُّبل مع السفيه هو اجتنابه وعدم مخالطته أصلاً ، ومن ابتلي بأحدهم فليحلم عليه ، قال عمير بن خماشة يوصي بنيه : " بَنِيَّ إياكم ومجالسة السفهاء ؛ فإن مجالستهم داء ، من يحلم عن السفيه يُسَر ، ومن يُجبْه يندمْ ، ومن لا يرضى بالقليل مما يأتي به السفيه يرضى بالكثير " .
وقال الشافعي - رحمه الله تعالى - :
يخاطبني السفيه بكل قُبْحٍ فأكره أن أكون له مجيبـًا
يَزيد سفاهة فأزيد حِلْمـًا كَعُودٍ زاده الإحراقُ طِيبـًا
وقانا الله تعالى شر السفاهة وأهلها .
ماهر محمود

Post: #1087
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:50 AM
Parent: #1001

قال الله تعالى : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/11) قال أهل التفسير نزلت في الوليد بن المغيرة ، وقال تعالى : (وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ) (المسد:4)
قيل إنها نمامة حمالة للحديث .
وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا يدخل الجنة نمام " .
وعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مر بقبرين فقال : "إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير : أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة ، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله " (رواه البخاري ومسلم) ، قال بعض العلماء : " وما يعذبان في كبير " أي كبير في زعمهما وقيل كبير تركه عليهما .
وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ألا أخبركم بشراركم ؟ قالوا : بلى ، قال : المشاؤون بالنميمة ، المفرقون بين الأحبة ، الباغون للبراء العنت " (رواه أحمد) .
وعن ابن مسعود ـ رضي الله عنه قال : " ألا أنبئكم ما العضه؟ هي النميمة القالة بين الناس "(رواه مسلم) .

معنى النميمة والباعث عليها

ومعنى النميمة : نقل الكلام بين الناس لقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء ، فالنم خلق ذميم ؛ لأنه باعث للفتن وقاطع للصلات ، وزارع للحقد ومفرق للجماعات ، يجعل الصديقين عدوين والأخوين أجنبيين ، فالنمام يصير كالذباب ينقل الجراثيم ، والنميمة اسم يطلق على من ينم قول الغير إلى المقول فيه، كما تقول : فلان كان يتكلم فيك بكذا وكذا وليست النميمة مختصة به ، بل حدها كشف ما يكره كشفه سواء كرهه المنقول عنه أو المنقول إليه أو كرهه ثالث، وسواء كان الكشف بالقول أو بالكتاب أو بالرمز أو بالإيماء ، فكل ما رآه الإنسان من أحوال الناس مما يكره فينبغي أن يسكت عنه إلا ما في حكايته فائدة لمسلم أو دفع لمعصية .

أما الباعث على النميمة إما إرادة السوء للمحكي عنه ، أو إظهار الحب للمحكي له ، أو التفرج بالحديث والخوض في النقول والباطل .
الواجب على من نقلت إليه النميمة

ومن نقلت إليه النميمة عليه ستة أمور :
1- أن لا يصدق النمام ؛ لأن النمام فاسق ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ) (الحجرات/6) .
2- ينهاه عن ذلك وينصح له ويقبح عليه فعله .
3- يبغضه في الله فإنه بغيض عند الله .
4- لا تظن بأخيك الغائب سوءًا لقوله تعالى : (اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ ) (الحجرات/12) .
5- لا يحملك ما حكى على التجسس والبحث للتحقق منه لقوله عز وجل : (وَلا تَجَسَّسُوا) (الحجرات/12) .
6- لا ترض لنفسك ما نهيت النمام عنه ، ولا تحكِ نميمته فتكون نمامـًا ومغتابـًا ، فليتق الله ذوو الألسنة الحداد ، ولا ينطقوا إلا بما فيه الخير لخلق الله ، ويكفيهم في هذا قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت " (رواه البخاري ومسلم) .

الآثار في ذم الغيبة :
قال الحسن : من نم إليك نم عليك .
قال رجل لعمرو بن عبيد : إن الأسوارى ما يزال يذكرك في قصصه بشر ، فقال عمرو : يا هذا ما راعيت حق مجالسة الرجل ؛ حيث نقلت إلينا حديثه ، ولا أديت حقِّي حين أعلمتني عن أخي ما أكره ولكن أعلمه : أن الموتَ يَعُمُّنا ، والقبر يَضُمُّنَا ، والقيامة تجمعنا ، والله تعالى يحكم بيننا وهو خير الحاكمين .
وروى أن سليمان بن عبد الملك كان جالسـًا وعنده الزهري فجاءه رجل فقال له سليمان : بلغني أنك وقعت فيَّ وقلت كذا وكذا وكذا ، فقال الرجل : ما فعلت ولا قلت ، فقال سليمان : إن الذي أخبرني صادق ، فقال له الزهري : لا يكون النمام صادقـًا ، فقال سليمان : صدقت ، ثم قال للرجل : اذهب بسلام .
وقال بعضهم : لو صح ما نقله النمام إليك ، لكان هو المجترئ بالشتم عليك ، والمنقول عنه أولى بحلمك ؛ لأنه لم يقابلك بشتمك .
ويروى أن عمر بن عبد العزيز دخل عليه رجل فذكر عنده وشاية في رجل آخر فقال عمر : إن شئت حققنا هذا الأمر الذي تقول فيه وننظر فيما نسبته إليه ، فإن كنت كاذبـًا فأنت من أهل هذه الآية : (إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا) (الحجرات/6) ، وإن كنت صادقـًا فأنت من أهل هذه الآية : (هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم/11) ، وإن شئت عفونا عنك ، فقال : العَفْوَ يا أمير المؤمنين لا أعود إليه أبدًا .
إسلام ويب

Post: #1088
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:52 AM
Parent: #1001

قال تعالى : (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ) (الأعراف/146) ، وقال تعالى : (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ) (غافر/35) وقال تعالى : (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ) (النحل/23) ، وقال عز وجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر/60) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - ": يقول الله تعالى : الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحدًا منهما ألقيته في جهنم ولا أبالي " (رواه مسلم) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : " لا ينظر الله إلى رجل يجر إزاره بطرًا" (رواه البخاري) .
وروى مسلم في صحيحه عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر ، فقال رجل : إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنـًا ونعله حسنـًا ، فقال : إن الله جميل يحب الجمال ، الكبر بَطَرُ الحقِّ وغمط الناس" (رواه مسلم) .
ومعنى بطر الحق : الاستنكاف عن قبوله ورده والنظر إليه بعين الاستصغار ، وذلك للترفع والتعاظم ، ومعنى غمط الناس : إزدراؤهم واحتقارهم.

بيان ما يتكبر به :
أولاً : العلم :
وما أسرع الكبر إلى بعض العلماء فلا يلبث أن يستشعر في نفسه كمال العلم ، فيستعظم نفسه ويحتقر الناس ويستجهلهم ويستخدم من خالطه منهم وقد يرى نفسه عند الله تعالى أعلى وأفضل منهم .
الثاني : الكبر بالحسب والنسب :
فالذي له نسب شريف يستحقر من ليس له ذلك النسب ، وإن كان أرفع منه علمـًا وعملاً ، وهذا من فعل الجاهلية كما جاء أن أبا ذرٍ - رضي الله عنه - قال : قاولت رجلاً عند النبي - صلى الله عليه وسلم - فعيرته بأمه فغضب - صلى الله عليه وسلم - وقال : " يا أبا ذر إنك امروء فيك جاهلية : هم إخوانكم "(رواه مسلم) .
الثالث : الكبر بالمال :
وذلك يجري بين الأغنياء في لباسهم وخيولهم ومراكبهم فيحتقر الغني الفقير ويتكبر عليه ، وكل ذلك جهل منهم بفضيلة الفقر وآفة الغنى .
الرابع : التكبر الأتباع والأنصار والعشيرة :
فهذه الأمور السابقة هي بعض ما يتكبر به الناس بعضهم على بعض ، نسأله تعالى العون بلطفه ورحمته .
واعلم أن التكبر في شمائل الرجل كصعر في وجهه ، ونظره شزرًا ، وفي أقواله حتى في صوته ونغمته ، ويظهر في مشيته وتبختره ، وقيامه وجلوسه وحركاته وسكناته ، فمن المتكبرين من يجمع ذلك كله ، ومنهم من يتكبر في بعض ويتواضع في بعض ، فمنها التكبر بأن يحب قيام الناس له أوبين يديه ، ومنها أن لا يمشي إلا ومعه غيره خلفه ، ومنها أن لا يتعاطى بيده شغلاً في بيته ، والتواضع خلافه : جاء أن عمر بن عبد العزيز أتاه ليلة ضيوف ، وكان يكتب فكاد السراج يطفأ فقال الضيف : أقوم إلى السراج فأصلحه ؟ فقال : ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه ، قال : أفأنبه الغلام ؟ فقال : هي أول نومة نامها ، فقام وملأ المصباح زيتـًا فقال الضيف : قمت أنت يا أمير المؤمنين ؟ فقال : ذهبت وأنا عمر ، ورجعت وأنا عمر ، ما نقص مني شيء ، وخير الناس من كان عند الله متواضعـًا .
وبالجملة فمجامع حسن الأخلاق والتواضع سيرة النبي - صلى الله عليه وسلم - فينبغي أن يقتدى به .

قال ابن أبي سلمة : قلت لأبي سعيد الخدري : ما ترى فيما أحدث الناس من الملبس والمشرب والمركب والمطعم ؟ فقال : يا ابن أخي ، كل لله واشرب لله والبس لله ، وكل شيء من ذلك دخله زهو أو مباهات أو رياء أو سمعة فهو معصية وسرف ، وعالج في بيتك من الخدمة ما كان يعالج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيته ، كان يحلب الشاة ، ويخصف النعل، ويرقع الثوب ، ويأكل مع خادمه ، ويشتري الشيء من السوق لا يمنعه الحياء أن يعلق الإناء بيده ، ويصافح الغني والفقير ، ويسلم مبتدئـًا على كل من استقبله من صغير أو كبير ، ويجيب إذا دُعيَ ولا يحقر ما دُعيَ إليه ، لين الخلق ، جميل المعاشرة ، طليق الوجه ، شديدًا في غير عنف ، متواضعـًا في غير مذلة ، جوادًا من غير سرف ، رقيق القلب ، زادت عائشة - رضي الله عنها - وأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يمتلئ قط شبعـًا ، ولم يبث إلى أحد شكوى ، وكان يقول : " البذاذة من الإيمان "(رواه أبو داود وابن ماجة والحاكم ، وصححه الألباني) .
فقال هارون : سألت عن معنى البذاذة فقال : هو الدون من اللباس ، فمن طلب التواضع فليقتد به - صلى الله عليه وسلم - ومن لم يرض لنفسه بذلك فما أشد جهله ، فلقد كان - صلى الله عليه وسلم - أعظم خلق الله في الدنيا والدين ، فلا عز ولا رفعة إلا في الاقتداء به .
قال كعب : ما أنعم الله على عبد من نعمة في الدنيا فشكرها لله إلا أعطاه الله نفعها في الدنيا ورفع بها درجته في الآخرة .

الطريق في معالجة الكبر واكتساب التواضع :
اعلم أن الكبر من المهلكات ، وإزالته فرض عين ، ولا يزول بمجرد التمني، بل بالمعالجة ، وفي معالجته مقامان :

أحدهما : قطع شجرته من مغرسها في القلب .
الثاني : دفع العرض منه بالأسباب التي قد يتكبر بها .

المقام الأول : في استئصال أصله ، وعلاجه علمي وعملي ولا يتم الشفاء إلا بمجموعهما إن شاء الله تعالى .
أما العلمي : فهو أن يعرف نفسه ويعرف صفات ربه تبارك وتعالى ، ويكفيه ذلك في إزالة الكبر ، فإنه مهما عرف نفسه حق المعرفة علم أنه لا يليق به إلا التواضع ، وإذا علم صفات ربه عز وجل علم أنه لا تليق العظمة والكبرياء إلا لله عز وجل .

المقام الثاني : يدفع العارض منه بالأسباب التي ذكرناها ، فمن تكبر بنسبه فليداو قلبه بمعرفة أن هذا جهل من حيث أنه تعزز بكمال غيره ، ولذلك قال الشاعر :
لَئِنْ فَخَرْتَ بَآبَاءٍ ذَوي نَسَبٍ لَقَدْ صَدَقْتَ وَلَكَنِ بِئْسَ مَا وَلَدُوا
ومن كان خسيسـًا فمن أين يجبر خسته ؟ بكمال غيره ، وبمعرفة نسبه الحقيقي - أعني أباه وجده - فإن أباه القريب وجده البعيد تراب ، ولقد عرَّف الله تعالى نسبه فقال : (وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ) (السجدة/7 ، 8).

أما التكبر بالغنى وكثرة المال وفي معناه كثرة الأتباع والأنصار والتكبر بالمناصب والولايات فكل ذلك تكبر بمعنى خارج عن ذات الإنسان ، وهذا أقبح أنواع الكبر ، فلو ذهب ماله أو احترقت داره لعاد ذليلاً ، وكم من اليهود من يزيد عليه في الغنى والثروة والتجمل فأفٍ لشرف يسبقه به يهودي أو يأخذه سارق في لحظة فيعود ذليلاً مفلسـًا .

أما التكبر بالعلم والعبادة وهو أعظم الآفات فعلاجه بأمرين :
أحدهما : أن يعلم أن حجة الله على أهل العلم آكد وأنه يحتمل من الجاهل ما لا يحتمل عُشْرُهُ من العالم ، فإن عصى الله تعالى عن معرفة وعلم فجنايته أفحش وخطره أعظم .
ثانيهمـا : أن يعرف أن الكبر لا يليق إلا بالله عز وجل وحده ، وأنه إذا تكبر صار عند الله ممقوتـًا بغيضـًا ، فهذا مما يزيل التكبر ويبعث على التواضع .
البحر الرائق-الشيخ أحمد فريد

Post: #1089
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:54 AM
Parent: #1001

تعريف الغيبة :
عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا الله ورسوله أعلم ، قال : ((ذكرك أخاك بما يكره)) ، قيل إن كان في أخي ما أقول ؟ قال : ((إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته))(رواه أبو داود) .. أي : قال عليه ما لم يفعل .
قال الله تعالى : (ولا يغتب بعضكم بعضـًا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا فكرهتموه ، واتقوا الله إن الله توابٌ رحيم)(الحجرات/12) .
أي لا يتناول بعضكم بعضـًا بظهر الغيب بما يسوؤه ثم ضرب الله تعالى للغيبة مثلاً : ( أيُحبُّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتـًا) وبيانه أن ذكرك أخاك الغائب بسوء بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك ، (فكرهتموه) أي فكما كرهتم هذا الأمر فاجتنبوا ذكر إخوانكم بالسوء ، وفي ذلك إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه وهي من الكبائر .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : " قلت للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حسبك من صفية كذا وكذا " قال بعض الرواة تعني قصيرة ـ ((فقال : لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)) ، قالت : وحكيت له إنسانـًا فقال : ((ما أحب أني حكيت إنسانـًا وإن لي كذا وكذا))(رواه الترمذي) ، والحديث من أبلغ الزواجر عن الغيبة .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وعرضه وماله))(رواه البخاري ومسلم) .

وعن أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع : ((إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هلا بلغت))(رواه البخاري ومسلم) .
قال علي بن الحسين : إياكم والغيبة فإنها إدام كلاب الناس .
فمعنى الغيبة أن تذكر أخاك الغائب بما يكرهه إذا بلغه ، سواء كان ناقصـًا في بدنه أو نسبه أو خلقه أو ثوبه .

وأقبح أنواع الغيبة : غيبة المتزهدين المرائين مثل أن يذكر عندهم إنسان فيقولون : الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان والتبذل في طلب الحطام ، أو يقولون : نعوذ بالله من قلة الحياء أو نسأل الله العافية ، فإنهم يجمعون بين ذم المذكور ومدح أنفسهم ، وربما قال بعضهم عند ذكر إنسان : ذلك المسكين قد بلى بآفة عظيمة تاب الله علينا وعليه ، فهو يظهر الدعاء ويخفي قصده .
واعلم أن المستمع للغيبة شريك فيها ، ولا يتخلص من إثم سماعها إلا أن ينكر بلسانه ، فإن خاف فبقلبه ، وإن قدر على القيام أو قطع الكلام بكلام آخر لزمه ذلك .

الأسباب الباعثة على الغيبة :
1- تشفي الغيظ بأن يجري من إنسان في حق إنسان آخر سبب يوجب غيظه فكلما هاج غضبه تشفى بغيبة صاحبه .
2- من البواعث على الغيبة موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومساعدتهم ، فإنهم إذا كانوا يتفكهون في الأعراض رأى هذا أنه إذا أنكر عليهم أو قطع كلامهم استثقلوه ونفروا منه ، فيساعدهم ويرى ذلك من حسن الصحبة.
3- إرادة رفع نفسه بتنقيص غيره ، فيقول : فلان جاهل وفهمه ركيك ، ونحو ذلك ، وغرضه أن يثبت في ضمن ذلك فضل نفسه ويريهم أنه أعلم منه ، وكذلك الحسد في ثناء الناس على شخص وحبهم له وإكرامهم فيقدح فيه ليقصد زوال ذلك .
4- اللعب والهزل فيذكر غيره بما يضحك الناس على سبيل الحاكاة حتى إن بعض الناس يكون كسبه من هذا .

علاج الغيبة :
فليعلم المغتاب أنه بالغيبة متعرض لسخط الله تعالى ومقته ، وأن حسناته تنتقل إلى من اغتابه ، وإن لم يكن له حسنات نقل إليه من سيئات خصمه ،فمن استحضر ذلك لم يطلق لسانه بالغيبة .
وينبغي إذا عرضت له الغيبة أن يتفكر في عيوب نفسه ويشتغل بإصلاحها ويستحي أن يعيب وهو معيب كما قال بعضهم :
فإن عبتَ قومـًا بالذي فيكَ مثلُهُ فكيفَ يعيبُ الناسَ مَنْ هوَ أعْوَرُ
وَإنْ عِبْتَ قَوْمـًا بالذي ليس فيهم فذلك عند الله والناس أكبــرُ
فلينظر في السبب الباعث على الغيبة فيجتهد في قطعه فإن علاج العلة يكون بقطع سببها .

كفارة الغيبة :
اعلم أن المغتاب قد جنى جنايتين :
أحدهما حق الله تعالى إذ فعل ما نهاه عنه فكفارة ذلك التوبة والندم .
والجناية الثانية : على عرض المخلوق ، فإن كانت الغيبة قد بلغت الرجل جاء إليه فاستحله وأظهر له الندم على فعله .
وإن كانت الغيبة لم تبلغ الرجل جعل مكان استحلاله الاستغفار له والثناء عليه بما فيه من خير أمام من اغتابه أمامهم لإصلاح قلوبهم .
كتاب البحر الرائق-أحمد فريد

Post: #1090
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:56 AM
Parent: #1001

معنى الشُّح :
الشح مأخوذ من مادة (ش ح ح) التي تدل على المنع ، والشُّح بُخْلٌ مع حرص ، وقد فسره ابن رجب - رحمه الله - بأنه : تشوق النفس إلى ما حرم الله ومَنَعَ مِنْه ، وعدم قناعة الإنسان بما أحله الله له من مالٍ أو مزج أو غيرهما .

الفرق بين البخل والشُّح :
قال ابن القيم - رحمه الله تعالى - : " الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة حرص على الشيء ، والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله ، وجَشَع النفس عليه .
والبخل : مَنْع إنفاقه بعد حصوله .. فهو شحيح قبل حصوله ، بخيل بعد حصوله ، فالبخل ثمرة الشح ، والشح يدعو إلى البخل ، والشح كامن في النفس ، فمن بخل فقد أطاع شحه ، ومَنْ لم يبخل فقد عصى شحه ووُقِيَ شرَّه ، وذلك هو المفلح ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9) .

ومما لا شك فيه أن الشُّح من أقبح الصفات ، فهو مُنافٍ للإيمان ، ولهذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ((لا يجتمع غبار في سبيل الله ودخان جهنم في جوف عبد أبدًا ، ولا يجتمع الشح والإيمان في قلب عبد أبدًا))(رواه النسائي وصححه الألباني ، وأحمد ، وقال الشيخ أحمد شاكر : إسناده صحيح) .
والشُّح يُهلك صاحبه ، وإذا شاع في المجتمعات مزقها وأهلكها ، قال - صلى الله عليه وسلم - : ((... وأما الملهكات : فشحٌ مطاع ، وهوىً متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ))(ذكره الألباني في صحيح الجامع ، وقال : حسن من حديث ابن عمر).
ولهذا حذر النبي - صلى الله عليه وسلم - من هذا الخُلق الذميم ؛ لأنه يؤدي إلى شيوع الظلم ، وقطيعة الرحم ، وسفك الدماء ، وأكل الأموال ، فعن عبد اله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((إياكم والشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ..))(رواه أبو داود وأحمد وللفظ وصححه الشيخ أحمد شاكر) .

والأمر الذي يثير العجب أن الشحيح يعيش الفقر وإن كان من أغنى الناس ، إذ يبخل حتى على نفسه ، وهو يجمع لغيره ، وهذا واقع مشاهد في حياة الناس ، مما يروى في هذا (أن الحسن البصري - رحمه الله - دخل على عبد الله بن الأهتم يعوده في مرضه ، فرآه ينظر إلى صندوق في بيته ، ثم قال : يا أبا سعيد ، ما تقول في مائة ألف في هذا الصندوق لم أؤد منها زكاةً ، ولم أصِلْ منها رحمـًا ؟ قال الحسن : ثكلتك أمك ، ولم كَنْتَ تجمعها ؟ قال : لروعة الزمان ، وجَفوة السلطان ، ومكاثرة العشيرة . ثم مات ، فلما فرغوا من دفنه قال الحسن - رحمه الله - : انظروا إلى هذا المسكين ، أتاه شيطانه فخدره روعة زمانه ، وجفوة سلطانه ، ومكاثرة عشيرته ، عما رزقه الله إياه وغمره فيه .
انظروا كيف خرج منها مسلوبـًا محرومـًا ، ثم التفت إلى الوارث فقال : أيها الوارث ، لا تُحذ عن كما خُدع صويحبك بالأمس ، أتاك هذا المال حلالاً فلا يكونن عليك وبالاً ،أتاك عفوًا صفوًا ممن كان له جموعـًا منوعـًا ، من باطل جمعه ، ومن حق منعه .

إن يوم القيامة يوم ذو حسرات ، وإن من أعظم الحسرات غدًا أن ترى مالك في ميزان غيرك فيا لها عثرة ، لا تُقال ، وتوبة لا تُنال .

وقال محمود الورَّاق - رحمه الله تعالى - :
تمتع بمالك قبل الممـاتِ وإلا فلا مـال إن أنت مُتَّا
شَقِيتَ به ثـم خَلَّفْتَـهُ لِغيرك بُعدًا وسُحـقًا ومقْتا
فجاد عليك بِزُورِ البُـكَا وَجُدْتَ له بالذي قـد جمعتا
وأعطيتَه كُلَّ ما في يديك فخلاّك رهنـًا بما قد كسبتا
وقد عدَّه النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - من الموبقات .

أما من طهَّر نفسه من الشح فقد وعده ربه بالفلاح ، قال تعالى : (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(الحشر:9) .
المصادر :
- موسوعة نضرة النعيم في مكارم أخلاق الرسول الكريم .(مجموعة من العلماء).
- الترغيب والترهيب .(المنذري) .
- منهاج المسلم . (أبو بكر الجزائري) .
إعداد ماهر محمود

Post: #1091
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 00:58 AM
Parent: #1001

حين تجد امرءًا سهلاً ميسرًا ، يتنازل عن حظ نفسه أو جزء من حقه ، ليحلّ مشكلة هو طرف فيها ، أو ليطوي صفحة طال الحديث فيها ، أو ليتألف قلبـًا يدعوه ، أو ليستطيب نفس أخيه ، وهو قبل ذلك لا يتعدى على حق أخيه، ولا يلحف في المطالبة بحقوقه ، فذلك هو الرجل السمح ، وتلك هي السماحة.

وقد دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرحمة للرجل السمح : ((رحم الله رجلاً سمحـًا إذا باع ، وإذا اشترى ، وإذا اقتضى))(رواه البخاري)، وفي رواية (وإذا قضى ) . وما هي إلا صور من المعاملات اليومية ، التي تقتضي قدرًا كبيرًا من السماحة .
ويعلق ابن حجر على رواية البخاري بقوله : " السهولة والسماحة متقاربان في المعنى .. والمراد بالسماحة ترك المضجرة ونحوها ، وإذا اقتضى : أي طلب قضاء حقه بسهولة وعدم إلحاف ، وإذا قضى : أي أعطى الذي عليه بسهولة بغير مطل ، وفيه الحض على السماحة في المعاملة ، واستعمال معالي الأخلاق ، وترك المشاحنة ، والحض على ترك التضييق على الناس في المطالبة ، وأخذ العفو منهم ".
وأكثر ما تكون الخصومات في المعاملات المالية ، والمناظرات الخلافية ، والملاسنات الكلامية ، وقلّ أن يسلم فيها من لم يتحلّ بكرم الخلق ، وجود النفس ، وسماحة الطبع .

من صور السماحة :
1- التنازل عن الحق :
إن صاحب السماحة لا تطيب نفسه بأن يحصّل حقـًا لم تطب به نفسه الطرف الآخر ، فيؤثر التنازل أو السماحة ، ,إن كان الحق له ، وهذا ما كان من عثمان - رضي الله عنها - حين اشترى من رجل أرضـًا ، فتأخر صاحب الأرض في القدوم عليه لقبض الثمن ، وتبين له أن سبب تأخره أنه بعد أن تم العقد شعر البائع أنه مغبون ، وكان الناس يلومونه كيف تبيعها بهذا الثمن ؟ قال عثمان : " فاختر بين أرضك ومالك " ثم ذكر له الحديث : ((أدخل الله عز وجل الجنة رجلاً ، كان سهلاً مشتريـًا وبائعـًا ، وقاضيـًا ومقتضيًا))(رواه أحمد) .

2- إنظار المعسر :
إن إنظار المعسر ، أو التجاوز عن القرض أو عن جزء منه ، صورة عظمية من صور الكرم وسماحة النفس ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((كان تاجر يداين الناس ، فإذا رأى معسرًا قال لفتيانه : تجاوزوا عنه ؛ لعل الله أن يتجاوز عنا ، فتجاوز الله عنه))(رواه البخاري) .
بل إن توفيق الدنيا والآخرة مرهون بتيسيرك على أخيك المعسر : ((من يسّر على معسرٍ يسّر الله عليه في الدنيا والآخرة))(رواه مسلم) .
3- رد القرض بأحسن منه :
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم يردّ القرض بخير منه وبالزيادة فيه ، ويقول : ((أعطه ، فإن خيار الناس أحسنهم قضاء))(رواه ابن ماجه).
وما ترك صاحب القرض يمضي إلا وهو راضٍ .

4- السماحة مع الشريك :
كما شهد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - شريكه في التجارة قبل البعثة : (السائب بن عبد الله ) بقوله له : " كنت شريكي في الجاهلية ، فكنت خير شريك ، كنت لا تداريني ولا تماريني "(رواه ابن ماجة) .
أي كنت لا تدافعني في أمر ولا تجادلني ، بل كنت شريكـًا موافقـًا ، ولم ينسها له ، وكانت سببـًا من أسباب محبته له ، وتكون سببـًا من أسباب النجاة من النار لمن تخلَّق بها ((حرم على النار كل هيِّن ليِّن سهل ، قريب من الناس))(رواه أحمد) .

5- رفع الحرج عن الناس :
صاحب السماحة لا يحرص على إيقاع الناس في الحرج ، ولا يشغله التفكير بما له عن التفكير بما عليه من سماحة مع إخوانه وتقدير لظروفهم ، وفي الحديث الصحيح : " أن الصحابي أبا اليسر - رضي الله عنه - كان له على رجل قرض ، فلما ذهب لاستيفاء حقه اختبأ الغريم في داره ؛ لئلا يلقى أبا اليسر ، وهو لا يملك السداد ، فلما علم أبو اليسر أن صاحبه يتخفى منه حياء لعدم تمكنه من أداء ما عليه ، أتى بصحيفة القرض فمحاها ، وقال : " إن وجدت قضاء فاقض، وإلا فأنت في حلّ "(رواه مسلم) . وبسماحته تلك أخرج أخاه من الحرج الشديد .

6- السماحة مع من أساء :
وأبرز مواقف السماحة ما يكون مع من أساء إليك ، كالذي جرى مع أبي بكر - رضي الله عنه - حين أقسم ألاَّ ينفق على مسطح بن أثاثة ؛ لتورطه في حديث الإفك ، فأمره الله تعالى أن يعفو ويصفح ، فكفر عن يمينه ، وعاد ينفق عليه ، وفي ذلك يقول - صلى الله عليه وسلم - : ((ارحموا تُرحموا ، واغفروا يغفر لكم))(صحيح الجامع) . وقد وصف الله عباده المؤمنين بأنهم : ( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ)(الشورى/37) .

7- السماحة بين تهمة العجز أو الفجور :
وقد يوسوس الشيطان للمسلم : إنك لو تسامحت وصفك الناس بالعجز ، وظنوا فيك الضعف ، ولأَنَ تُؤْثِرَ أن يقال فيك ما يقال خير لك من الوقوع في الفجور ، بحيث يخشى الناس شرّك ، وقد ورج في الحديث : ((يأتي عليكم زمان يُخيَّر فيه الرجل بين العجز والفجور ، فمن أدرك ذلك الزمان فليختر العجز على الفجور))(رواه أحمد) .
ولابد من الإشارة إلى أن السماحة هنا مع أصحاب الفلتات من المسلمين، أما الذين يظلمون الناس ، ويصرون على ذلك ، فيُعامَلون بخلق (الانتصار) .

صور تتنافى مع السماحة :
1- كثرة الخصومات : وإن مما يتنافى مع السماحة الانزلاق إلى اللدد والخصومة ، إذ كما يحب الله السماحة فإن ((أبغض الرجال إلى الله الألدُّ الخَصِم))(رواه البخاري) . قال في الفتح : " الألدّ : الكذاب ، وكأنه أراد أن من يكثر المخاصمة ، يقع في الكذب كثيرًا " .
وحين يفتقد المرء السماحة تجده ينحدر في أخلاقه ، إلى أن ينجرف إلى التصايح والجدل لأمر يعلم بطلانه ، أو وقوفـًا على طرف لا يدري مدى أحقيته ! ((… ومن خاصم في باطل - وهو يعلمه - لم يزل في سخط الله حتى ينزع عنه …))(رواه أبي داود) . وقد قيل في المثل : ما استرسل كريم قط .

2- كثرة الجدل : إن خلق السماحة يقتضي من صاحبه المبادرة إلى التنازل عند الوقوع في أي موقف جدلي ، ولنتذكر دائمـًا أن العلم بميقات ليلة القدر خير كبير حرمت منه الأمة ؛ بسبب انعدام روح السماحة بين رجلين من الأمة : ((خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرُفعت))(رواه البخاري). وكم تُحرم الأمة من البركات والنعم والنصر حين تدب الخصومات ، بل إن صفة أساسية من أخلاقيات المنافق أنه : ((وإذا خاصم فجر)(رواه البخاري) .
ولا يليق بالرجل السمح أن يتعنت ويجادل ويشد ويصيح ، ناهيك عن أن يفجر في الخصومة ((والجور : الميل عن الحق والاحتيال في رده))(فتح الباري) .

وإنه مما يتنافى مع روح السماحة أن يقع الإخوة في جدالات تافهة لأمور سياسية ، أو قضايا فكرية ، أو توقعات غيبية ، ثم تجدهم ينفضّون متباغضين ، وما كانت البداية إلا روح الجدل و((ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أُوتوا الجدل))(رواه ابن ماجه) .
ولحث المسلمين على السماحة في الحوار ، والتنازل عند الاختلاف ، وعدم الوقوع في مغبة الجدل ، تعهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيت في الجنة لمن تنازل : ((أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقـًا))(رواه أبي داود) . ولا يمكن أن يكون سماحة وتنازلاً إلاَّ حين يكوم محقـًا ، وإنه لعسير ، وإن أجره لكبير .
3- كثرة اللغو : ومن نتائج انعدام روح السماحة أن تغدر أمتنا تتبارى بألسنتها ، فتنقلب إلى أمة كلام بدل أن تكون أمة عمل ، وتضيع الأوقات في الشد والجذب والأخذ والرد ، وكل يناصر رأيه ، إن مما حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أمته ((منعـًا وهات)) ، ومما كره لهم : ((قيل وقال ، وكثرة السؤال ، وإضاعة المال))(رواه البخاري) .

مواقف تقتضي السماحة :
1- السماحة في الجهاد : ولا يكمل أجر المجاهد إلا بالسهولة والسماحة ((الغزو غزوان : فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام ، وأنفق الكيمة ، وياسر الشريك ، واجتنب الفساد، فإن نومه ونبهه أجر كله))(رواه أبي داود ، وهو حسن) . قال الباجي في (ياسر الشريك) : يريد موافقته في رأيه مما يكون طاعة ، ومتابعته عليه وقلة مشاحّته فيما يشاركه فيه ؛ من نفقة أو عمل .
فلنوفر أوقاتنا ، ولنحفظ أخوتنا ؛ بتعميم روح السماحة فيما بيننا ، وبالنزول عند رغبة إخواننا إيثارًا لما هو أغلى .
2- السماحة مع الزوج : تظهر آثار (السماحة) في جميع مظاهر حياة صاحبها ، فانظر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع زوجه (عائشة) - رضي الله عنها - حين قصدت الحج والعمرة ، فأصابها الحيض ، فحزنت لعدم تمكنها من أداء العمرة ، وبكت لذلك وقالت : " يرجع الناس بحجة وعمرة ، وأرجع بحجة؟!! " يقول جابر بن عبد الله : " وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجلاً سهلاً ، حتى إذا هَوِيَتْ الشيء تابعها عليه ، فأرسلها مع عبد الرحمن بن أبي بكر فأهلّت بعمرة من التنعيم … " . قال النووي : " سهلاً : أي سهل الخلق ، كريم الشمائل ، لطيفـًا ميسرًا في الخلق "(رواه مسلم) .
فما أعظم سماحته - صلى الله عليه وسلم - مع أهله في مثل هذا الموطن المزدحم ، وفي حال السفر .
3- مع المدعوين : وتأمل سماحة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في دعوته : فحين وجد ريح ثوم في مسجده ، نهي الصحابة عن أن يرد أحد مسجده قبل ذهاب ريح الثوم منه ، وكان المقصود بالنهي (المغيرة بن شعبة) يقول - رضي الله عنه - : " أتيته فقلت : يا رسول الله إن لي عذرًا ، ناولني يدك - قال فوجدته والله سهلاً - فناولني يده ، فأدخلتها في كمي إلى صدري ، فوجده معصوبـًا ، فقال : إن لك عذرًا " فعذره حين وجد أنه أكل الثوم لمرض ، وكم نحتاج إلى أن نتأسى بهذه السماحة مع المدعوين لنكون مبشرين غير منفرين ، ميسّرين غير معسّرين .
4- العلاقة بين الصبر والسماحة : وإن مما عرّف به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الإيمان قوله : (الإيمان: الصبر والسماحة)(صحيح الجامع) .

حيث عرّف الإيمان بحسن المعاملة مع الخالق والمعاملة مع المخلوق ، وكأنما يريد بالصبر علاقة العبد مع ربه ؛ بالصبر على طاعته ، والصبر عن معصيته والصبر على أقداره ، وكأنما أراد بالسماحة علاقة العبد بأخيه ؛ بحيث تغلب عليها السهولة والمياسرة والسماحة ، وقابلية التوسيع والتناول لرضى الله ، وفيما يرضي الله وربما كان من حكمة الربط بينما أن السماحة تقتضي قدرًا كبيرًا من الصبر والتحمل : (وَلَمَن صَبَرَ وغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ)(الشورى/43) .
فكن سمحـًا إذا عاملت أو دعوت ، سمحـًا إذا حاورت أو رافقت ، سمحـًا إذا ظُلمت أو جُهل عليك ، فرسالتنا حنيفية سمحة .
...............................
هذه أخلاقنا -الخزندار-رحمه الله

Post: #1092
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 09-30-2015, 08:42 PM
Parent: #1001

التكافل صفة شاملة لصور كثيرة من التعاون والتآزر والمشاركة في سد الثغرات ، تتمثل بتقديم العون والحماية والنصرة والمواساة ، إلى أن تُقضى حاجة المضطر ، ويزول همّ الحزين ، ويندمل جُرح المصاب .
ولا ينعدم خلق التكافل إلا حينما تسود الأنانية ، وتفتر المشاعر الأخوية، ويستغرق الناس في همومهم الفردية ومشاغلهم الشخصية .
وقد تآزر بنو هاشم - مسلمهم وكافرهم - مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لئلا تقتله قريش ، وانحازوا به إلى شعب أبي طالب ، وقاطعتهم العرب وحصروهم في الشعب ، وكتبوا صحيفة المقاطعة وعلقوها في الكعبة ، إلى أن اندفع بعض رجال قريش لاستنكار الحصار المضروب على بني هاشم في شعب أبي طالب بدافع خلق التكافل - رغم جاهليتهم - ولم يطمئنوا حتى نقضوا الصحيفة الظالمة التي قضت بهذه المقاطعة .

وفي واقعنا كثير من صور تكافل أهل الباطل فيما بينهم ، وبعض صور تعاطفهم مع المسلمين ، بدوافع إنسانية أو قومية أو سياسية ، فهل يكون ذلك حافزًا إضافيـًا للتكافل مع أخيك المسلم وأنت به أولى ؟
كما أن السيدة خديجة - رضي الله عنها - لما أرادت أن تخفف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تخوفه من نزول الوحي ، اتخذت من صفة التكافل التي اشتهر بها محمد - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة دليلاً عقليـًا على أن الله لا يخزيه ، فقالت : " كلا والله ، ما يخزيك الله أبدًا ، إنك لتصل الرحم ، وتحمل الكلَّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على نوائب الحق ".(صحيح البخاري) .
والمهاجر من أحوج الناس إلى أنصار يتكافلون معه ، لغربته وفقره وانقطاعه ، وقد ضرب أنصار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أكبر الأمثلة في التكافل مع إخوانهم المهاجرين ، وكان منهم أن أشاروا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يقسم النخل بينهم وبين المهاجرين ، فقال : لا ، فقال الأنصار : " تكفونا المؤونة ، ونشرككم في الثمرة ".(صحيح البخاري) .

وبذلك عمل بعض المهاجرين في بساتين الأنصار ، وقاسموهم الثمار ، وحُلّت مشكلة البطالة والفقر ، وكان من صور تكافلهم أن " المهاجر كان يرث أخاه الأنصاري دون ذوي رحمه) ".(صحيح البخاري) للأخوة التي آخى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بها بينهما ، وكانت مرحلة استصفت فيها النفوس ، وأخلصت لله تعالى ، ثم نُسخ ذلك .

وهذا التكافل لا يبرز بأسمى صوره ، إلا كلما تعمقت معاني الأخوة والإيثار ، واندثرت جذور الأنانية والاستئثار .

سداد دين المدين

ومما يمكن أن يتميز به مجتمع المسلمين من صور التكافل : إعانة المدين (الغارم) بسداد دينه ، حتى أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما فتح الله عليه الفتوح ، واستغنى بيت مال المسلمين ، قال : ((أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، فمن توفي من، المؤمنين فترك دينـًا ، فعليَّ قضاؤه…)). (رواه البخاري) .
تحرير الرقيق

ومن صور التكافل الأخرى ، مساعدة الرقيق في تحصيل حريته ، ومن ذلك أن بريرة - رضي الله عنها - جاءت تستعين بعائشة - رضي الله عنها - في التحرر من رقها ، فكان من تكافل عائشة - رضي الله عنها - معها أن قالت لها : " إن شاء مواليك صببت لهم ثمنك صبة واحدة ، وأعتقتك … ". (مسند الإمام أحمد) .

دفع دية المقتول
ومن صور التكافل الشرعية ، التكافل مع القاتل في دفع دية المقتول ، حيث تكلف عصبته وعشيرته الأقربون الموسرون بتحمل دية المقتول ، مواساة وإعانة للقاتل خطًأ ، الذي قد تأتي الدية على كل ماله فترهقه ، ولو عجزت عصبته ، أو لم يكن له عصبة ، دُفعت الدية من بيت المال .

استنقاذ الأسير

ومن أشد الصور : استنقاذ الأخ الأسير بكل غالٍ وثمين ، وقد روي أن سلمة بن الاكوع غزا " هوازن " مع أبي بكر - رضي الله عنه - فنفله جارية من بني فزارة من أجمل العرب ، فلقيه النبي - صلى الله عليه وسلم - في المدينة ، فقال له : ((لله أبوك ، هبها لي)) فوهبها له ، ففادى بها أسارى من أسارى المسلمين كانوا بمكة .(صحيح سنن ابن ماجة) .
ولا شك أن ذلك من أرقى صور الإيثار والتجرد .

ويروي أبو هريرة - رضي الله عنه - أنه أتى خيبر مع رهط من قومه ، وقد فتحت خيبر على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، (فكلّم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المسلمين ، فأشركونا في سهامهم ).(مسند الإمام أحمد) .
إذا لم تكن النفوس تطيب بمثل هذا ، فسوف تفتقدها في ميادين التضحية ، وسوف لا تجدها عند الهيعة ومظان الموت .
ونقل عن عمر - رضي الله عنه - أيضـًا قوله في الأسرى : " لأن أستنقذ رجلاً من المسلمين من أيدي الكفار أحبّ إلي من جزيرة العرب ".(حياة الصحابة) .

كفالة الأرملة واليتيم

وحين يفرز الجهاد أرامل وأيتامـًا ومعوّقين ، فليس من الوفاء تغافلهم بعد أن قدم أولياؤهم الروح في سبيل الله تعالى ، ولذلك اعتبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الساعي على الأرملة والمسكين ، كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار)). (صحيح البخاري) .
بل وعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كافل اليتيم بأن يكون رفيقه في الجنة .

ولا ننسى أن نشير إلى التكافل النفسي فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عبّر عنه بالإجمال فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((من نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)). (رواه مسلم) .

وقد بلغ من تكافل النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يتفقد صحابته الذين لا يراهم ، ويسأل عن مشاكلهم ، وأمثلة ذلك في السنة كثيرة ، نختار منها ما ورد في قصة إسلام سلمان الفارسي - رضي الله عنه - وفي آخرها أنه جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - من بعض المغازي مثل بيضة الدجاجة من ذهب ، فتذكر سلمان - رضي الله عنه - وأنه بقي عليه مال ليُعتق نفسه ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ((ما فعل الفارسي المكاتَب ؟ )) فأرسل - صلى الله عليه وسلم - إليه واستدعاه ، فلما جاء سلمان قال له: النبي - صلى الله عليه وسلم - ((خذ هذه فأدّ بها ما عليك يا سلمان)). (مسند الإمام أحمد) .
قال سلمان : " فأوفيتهم حقهم وعُتقت فشهدت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الخندق ثم لم يفتني معه مشهد " .
وكم يكتسب الداعية قلوب المدعوين حين يرون أنه يفكر بهم ، ويسعى في أمرهم ويهيئ الخير لهم ؟!

ومن التكافل الشعوري : تفقد حال الأخ والاطمئنان على ظروفه ، وتطييب خاطره ، فقد ورد أن ثابت بن قيس بن الشماس لمّا نزل قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) (الحجرات/2) قال : أنا الذي كنت أرفع صوتي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، حبط عملي وأنا من أهل النار ، وجلس في أهله حزينـًا ، فتفقده رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فانطلق بعض القوم إليه فقالوا له : " تفقدك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مالك ؟ " وأخبروه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ((لا ، بل هو من أهل الجنة)) (مسند الإمام أحمد) .
وهكذا يشعر كل فرد بقيمته وكل مدعو بمنزلته في نفس مربيه .

ومن أسمى الأخلاق : أن يُقابَل التكافل بعفة نفس المحتاج ؛ كما فعل عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - حين رفض تقاسم المال والزوجتين مع الأنصاري ، وقال له : " بارك الله لك في أهلك ومالك ، أين سوقكم ؟ ".(صحيح البخاري) .
وطلب أن يدله على السوق ليعمل بيديه ويعتمد على نفسه ، بل كانت ظاهرة عامة بعد خيبر لما استغنى المهاجرون ؛ إذ ردوا إلى الأنصار ما كانوا أكرموهم به ، فقد ورد أنه : " لما فرغ من قتال أهل خيبر ، فانصرف إلى المدينة ، ردّ المهاجرون إلى الأنصار منائحهم من ثمارهم… ".(صحيح البخاري) .
وإن مجتمعـًا يشيع فيه التكافل ، لهو المجتمع المتماسك الذي يستطيع أن يجاهد في سبيل الله تعالى صفـًا كأنه بنيان مرصوص ، بينما تجد مجتمع الأنانية والبخل متصدعـًا من الداخل ، تأكله العداوات والأحقاد قبل حراب الأعداء ، فأي المجتمعين نختار لأنفسنا ؟! وبأي الأخلاق نتحلّى ؟!
هذه أخلاقنا

Post: #1093
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-03-2015, 06:54 AM
Parent: #1001

حين تستقيم الفطرة وتسلم من اتباع الهوى تتمثل في صاحبها بخلق الأمانة، وفي تفسير قوله تعالى : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) [الأحزاب:72].
يقول القرطبي : ( والأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال ) كما يقول في تفسير قوله تعالى :( وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ)
[المؤمنون :8] : ( والأمانة والعهد : يجمع كل ما يحمله الإنسان من أمر دينه ودنياه قولا وفعلاً ، وهذا يعم معاشرة الناس ، والمواعيد، وغير ذلك, وغاية ذلك حفظه والقيام به ) .

وحين يعم التعامل بالأمانة يؤدي الذي أؤتمن أمانته ، سواء أؤتمن على قنطار أو دينار ، لأن الله أمر بأداء الأمانات إلى أهلها ، ونهى عن خيانة الله والرسول وخيانة الأمانات ، وجعل من صفات المفلحين أنهم يرعون عهودهم وأماناتهم .
والنفوس البشرية بفطرتها تميل إلى الناصح الأمين ، وتثق بالقوي الأمين، حتى غير المسلمين يؤثرون الأمين ، فقد ورد في قصة أهل نجران لما وافقوا على دفع الجزية أنهم قالوا : ( إنا نعطيك ما سألتنا ، وابعث معناً رجلاً أمينا ، ولا تبعث معنا إلا أميناً . فقال : لأبعثن معكم رجلاً أمينا ، حق أمين ) ، وأرسل معهم أبا عبيدة .

إن من أغلى ما يرزقه الله للعبد ، ولا يحزن بعده على أي عرض من الدنيا ، ما جاء في الحديث : ( أربع إذا كن فيك فلا عليك ما فاتك من الدنيا : صدق الحديث، وحفظ الأمانة ، وحسن الخلق ، وعفة مطعم ) فالأمانة ركن من هذه الأركان الأخلاقية الأربعة ، التي لا يعدلها شيء في الدنيا ، بل قد تكون سببا في إقبال الدنيا على العبد ، لما يجده الناس فيه .
والأمانة صفة مميزة لأصحاب الرسالات ، فقد كان كل منهم يقول لقومه ( إني لكم رسول أمين ) [ الشعراء : 107، 125 ،143،162، 178] .
وكانت تلك شهادة أعدائهم فيهم ، كما جاء في حوار أبي سفيان وهرقل ، حيث قال هرقل : ( سألتك ماذا يأمركم ؟ فزعمت أنه يأمر بالصلاة ، والصدق، والعفاف ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ـ قال : و هذه صفة نبي ) وفي موضع آخر في صحيح البخاري : ( .. وسألتك هل يغدر ؟ فزعمت أن لا. وكذلك الرسل لا يغدرون ..).
ولئن كانت هذه صفة أصحاب الدعوات فإن أتباعهم كذلك متميزون ، ولذلك اقترن تعريف المؤمن بسلوكه المميز ، حيث قال صلى الله عليه وسلم :
( والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم ) .

وإذا تمكنت صفة الأمانة من صاحبها تعامل بها القريب والبعيد ، والمسلم ، والكافر ، يقول ابن حجر : ( الغدر حرام باتفاق ، سواء كان في حق المسلم أو الذمي ) . وكذلك حال المؤمن حتى مع من عرف بالخيانة ، واشتهر بالغدر كما في الحديث : ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك ) . وذلك لأن خطورة السقوط في الخيانة ، وفساد الفطرة بنقص العهد ، أشد من مجرد مقابلة الخائن بمثل فعله ، لأن السقوط مرة قد تستمرئه النفس ، وتواصل في منحدر الخيانة .

ومن الصور العملية للأمانة : أن تنصح من استشارك ، وأن تصدق من وثق برأيك ، فقد جاء في الحديث : ( المستشار مؤتمن ) ( .. ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه ) وماذا يكون قد بقي فيه من الخير من أشار على أخيه بما لا ينفعه ، بل ربما بما يضره ؟ ! ..

والمجاهد في أرض المعركة مأمور بالأمانة ، ومنهي عن الغدر والخيانة والغلول :
( لا تغدروا ولا تغلّوا ولا تمثلوا ... ) والقاعد الذي يخلف المجاهد في أهله بخير قائم بالأمانة ، وإن قصر أو خان وقف له المجاهد يوم القيامة ، يأخذ من حسناته ما شاء : ( .. وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم إلا وقف يوم القيامة ، فيأخذ من عمله ما شاء .. فما ظنكم ؟ )
أي هل تظنون أنه يبقي له من حسناته شيئاً ؟.

ومن أخطر الأمانات شأنا حفظ أسرار الناس ، وستر عوراتهم وكتمان أحاديث مجالسهم ، فقد ورد في الحديث ( المجالس بالأمانة ) وإن لم يوص المتحدث بكتمان حديثه الخاص إليك يكن لم لك أن تشيعه إلاّ بإذنه وعلمه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا حدث رجل رجلاً بحديث ثم التفت فهو أمانة) وأقل ما في هذه الأمانة أن ينقله الناقل ـ حين ينقله ـ بنصه ، ولا يحمله ما ليس فيه بتدليس أو تحريف .
ومن الأمانة في العمل إتقانه، وكتمان أسراره ، ولذلك ترجم البخاري في كتاب الأحكام ( باب : يستحب للكاتب أن يكون أمينا عاقلاً ) مشيراً بذلك إلى قول أبي بكر لزيد بن ثابت ـ رضي الله عنهما ـ حين أراد أن يستعمله :
( إنك رجل شاب عاقل لا نتهمك ) .

ومن مخاطر الأزمان المتأخرة اضطراب الموازين ، وفساد القيم ، إلى الدرجة التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : ( سيأتي على الناس سنوات خداعات ،يصدق فيها الكاذب ، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن ، ويخون فيها الأمين ، وينطق فيها الرويبضة في أمر العامة ، قيل وما الرويبضة ؟
قال : الرجل التافه ) .
وقد خشي رسول الله صلى الله عليه وسلم من انتشار الخيانة بعد قرون الخير فقال " .. إن بعدكم قوما يخونون ولا يؤتمنون ... ".
ومنذ ذلك الحين استمر مسلسل السقوط إلى أن أصبحنا نرى الأمر يوّسد إلى غير أهله ، ويؤتمن الخائن ، ويخون الأمين . ويغدو الأمناء ـ حقا ـ ندرة يشار إليهم كما جاء في الحديث : ( .. فيصبح الناس يتبايعون ، فلا يكاد أحدهم يؤدي الأمانة ، فيقال : إن في بني فلان رجلا أمينا .. ) .

ومع ندرة الأمناء يستبعدون ويولى غيرهم ، ويكون ذلك سببا في تضييع الأمانات ـ وهو من علامات الساعة ـ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة . قال أبو هريرة : كيف إضاعتها يا رسول الله ؟ قال : إذا أسند الأمر إلى غير أهله ، فانتظر الساعة " . وفي الفتح : (( قال ابن بطال : معنى
( أسند الأمر إلى غير أهله ) : أن الأئمة قد ائتمنهم الله على عباده وفرض عليهم النصيحة لهم . فينبغي لهم توليه أهل الدين : فإذا قلدوا غير أهل الدين فقد ضيعوا الأمانة التي قلدهم الله تعالى إياها " .
ومن اللمحات الفقهية لتبويب البخاري أنه استشهد بحديث : " فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " في كتاب العلم . ويعلل ابن حجر إيراده في كتاب العلم فيقول : " .. ومناسبة هذا المتن لكتاب العلم أن إسناد الأمر إلى غير أهله إنما يكون عند غلبة الجهل ، ورفع العلم ، وذلك من جملة الأشراط " .

الوفاء بحقوق الأمانة من صفات المؤمنين ، والإخلال بشيء منها خصلة من النفاق، ولذلك جاء في صفات المنافق أنه ( إذا ائتمن خان ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ) .
صاحب خلق ( الأمانة ) حريص على أداء واجبه ، بعيد عن المكر والخيانة ، حافظ للعهود ، وافٍ بالوعود .
ورسالة عظيمة مثل رسالتنا لا يصلح لحملها والمضي بها إِلاّ الأمناء ، فهل نرشح أنفسنا لذلك ؟ ! .
هذه أخلاقنا

Post: #1094
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-04-2015, 11:20 PM
Parent: #1001

إن التوازن في شخصية المسلم ليجمع الشدة والرحمة ، وإن من الحكمة مراعاة كل ظرف بما يناسبه، والتعامل مع كل حالة بما تقتضيه؛ من الأخذ بقوة أو الرفق واللين ، غير أنه يبقى أن الأصل في التعامل الاجتماعي اللين والرقة ، ما لم يقم ما يقتضي خلاف ذلك .
أما حين تنضب ينابيع العاطفة ، فلابد من تطهير القلب من عوامل القسوة ؛ لتنعكس صورة اللين على المعاملة والسلوك .

إن طول الزمن قد يخفف من رقة الشعور ، وتطاول الأيام قد ينسي بعض القيم ، وتقادم العهد قد يغير المشاعر القلبية ، ما لم يتعهد المرء نفسه ويجلو قلبه ، ليبقى حاضر الفكر ، واعي القلب ، يقظ الإحساس ، ولأن اللين ظاهرة سلوكية تنبع عن قلب لين ، فقد عاتب ربنا وعز وجل الصحابة الكرام رضوان الله عليهم حين رأى منهم تغيرا في القلوب ، يقول الله تعالى : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16]. وحدث ابن مسعود فقال : ( ما كان بين إسلامنا وبين أن عاتبنا الله بهذه الآية ... إلا أربع سنين ) وزاد في رواية ( فجعل ينظر بعضنا إلى بعض ويقول : ما أحدثنا ؟ ) فإن كان الصحابة الكرام رضوان الله عليهم قد احتاجوا إلى تلك اللفتة القلبية بعد أربع سنوات من إسلامهم ، فكم تحتاج قلوبنا إلى تعهد وتزكية ؟!

وقسوة القلب قد تكون أحيانا نتيجة المعاصي ، ومظهراً من مظاهر غضب الله سبحانه وتعالى على العبد ، ولذلك يقول مالك بن دينار : ( ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة قلب ، وما غضب الله على قوم إلا نزع الرحمة من قلوبهم . ) .
وإن العيش في أعطاف النعمة ليجعل على القلب غشاوة ، تشغل المرء بذاته ، من همته ، ولذلك رأى محمد بن كعب في الآية السابقة توجيها آخر فقال :
( كانت الصحابة بمكة مجدبين ،فلما هاجروا أصابوا الريف والنعمة ففتروا عما كانوا فيه فقست قلوبهم فوعظهم الله فأفاقوا ) ، ألا فلنتواص حتى نفيق ..

إن الانشغال بلغو الكلام وتتبع الهفوات يجفف منابع اللين في القلب ، وتنعكس الآثار على صورة حدة في التعامل . جاء في موطأ الإمام مالك قوله : ( بلغني أن عيسى عليه السلام قال لقومه : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله تعالى ؛ فتقسو قلوبكم ؛ فإن القلب القاسي بعيد من الله ، ولكن لا تعلمون ، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب ، و انظروا فيها كأنكم عبيد ، فإنما الناس رجلان : معافى ومبتلى .
فارحموا أهل البلاء ، واحمدوا الله على العافية ).

إن شخصية الداعية لتقتضي القدرة على التعامل مع الناس باللين . وقد تعجبت السيدة عائشة من موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين استأذن رجل بالدخول عليه ، فنعته بقوله : (( بئس أخو العشيرة )) ( فلما دخل ألان له الكلام) صحيح البخاري . وليس عجيبا أن يكون هذا شأن نبينا صلى الله عليه وسلم وهو القائل : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ...الحديث ) ولما سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أفضل الأعمال، أوجزها له في صفات ذكر منها : ( لين الكلام وبذل الطعام ... ) ( مسند أحمد ) .
وإذا كان قصدنا الفوز برضا الله عز وجل ، والنجاة من النار ، فإن المسلم لينال باللين ما لا يناله بالغلظة والشدة ، كما في الحديث : ( حُرِّم على النار : كل هيّن ليّن سهل ، قريب من الناس ) صححه الألباني : صحيح الجامع 3135).

ويمكن أن يكون تكلف السلوكيات اللينة مدخلا إلى اكتساب اللين القلبي ، فقد شكا رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم قسوة قلبه فقال له : ( إن أردت أن يلين قلبك ، فأطعم المسكين ، وامسح رأس اليتيم ) حسنه الألباني : صحيح الجامع 1410) .
وكثيرا ما يحرش الشيطان في الصدور ، حتى في لحظة القيام للصلاة ، وتسوية الإمام للصفوف ، بتأخير هذا وتقديم ذاك إلى أن يستقيم الصف ، وقد كان من وصيته صلى الله عليه وسلم قبل الدخول في الصلاة : ( ... ولينوا في أيدي إخوانكم ... ) صححه الألباني ) (صحيح الجامع 1187ورواه أبو داود). لأن إقامة الصفوف وسد الخلل تقتضيان الاستجابة وعدم المعاندة .

وليس المقصود باللين عدم إنكار المنكر ، وإنما اللين في الأسلوب حيث يغني اللين ويحقق الغرض ، وذلك باستنفاذ جميع الوسائل الممكنة التي تضمن الاستجابة ، ولا تستعدي الآخرين ، وراجع ـ إن شئت ـ حديث البخاري في قصة الرجل الذي جامع أهله في نهار رمضان ، كيف عرض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من الخيارات للتكفير عن ذنبه فقال له : ( هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال لا ، قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال :لا قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا ) فجاء النبي صلى الله عليه وسلم تمر ، فأعطاه للرجل ، وقال له : ( خذ هذا فتصدق به فقال الرجل : على أفقر مني يا رسول الله ، والله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي ، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت أنيابه ، ثم قال : أطعمه أهلك . ) ( البخاري ) .

فاللين صورة من صور الرحمة يضعها الله في قلب العبد ، قال تعالى ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) [آل: عمران:159].
والرفيق الرحيم أحق الناس برحمة الله عز وجل كما في الحديث : " الراحمون يرحمهم الرحمن تبارك وتعالى . ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ".( صحيح الجامع 3522).

ولذلك فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كان أرحم الناس بالصبيان والعيال ) ( صحيح الجامع 4797) ونفى كمال الإيمان عمن لا يرحم ، حيث قال عليه الصلاة والسلام : ( ليس منا من لم يرحم صغيرنا ، ويعرف شرف كبيرنا ) ( صحيح الجامع 5444) .

وحتى الرحمة بالمخلوقات من أسباب استحقاق رحمة الله في الآخرة ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ( من رحم ولو ذبيحة عصفور ، رحمه الله يوم القيامة) (حسنه الألباني ) .

والعلاقات الأسرية مع الأهل وذوي الرحم ، ينبغي أن يسودها الرفق واللين ؛ للمحافظة على تماسك بنيان الأسرة المسلمة وصفاء أجوائها ، كما في الحديث :
( إذا أراد الله بأهل بيت خيراً أدخل عليهم الرفق ) . رواه أحمد

والهين اللين ينسحب رفقه على كل صور حياته ، التي تقتضي السماحة واللين في التعامل مع المؤمنين ، حتى يحظى بمحبة الله سبحانه وتعالى ( إن الله تعالى يحب الرفق في الأمر كله ) رواه البخاري. كما نحظى بعون الله عز وجل يقول رسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله رفيق يحب الرفق ، ويرضاه ، ويعين عليه ما لا يعين على العنف ... ) .
وصورة الشديد الغليظ ، الغاضب العنيف ، صورة مشينة معيبة تنفر منها الطباع البشرية ، بينما صورة السهل الرفيق ، اللين اللطيف، صورة تزين صاحبها ، وترتاح إليها النفوس ، وتأنس إليها القلوب ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان الرفق في شيء إلا زانه ، ولا نزع من شيء إلا شانه )
( صحيح الجامع 5654).
ولا ينفي كل ما مضى أن المؤمنين أشداء على الكفار رحماء بينهم، ولا أنهم يغضبون لله ، كما أنهم يلينون لوجه الله عز وجل.
كتاب (هذه أخلاقنا ).

Post: #1114
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-05-2015, 05:22 AM
Parent: #1094

أثبتت الدراسات أن أصحاب المشاريع يفشلون في المتوسط أربع مرات قبل أن يدركوا النجاح في أعمالهم، ولذا فإن الناجح يفكر في الحل، والفاشل يفكر في المشكلة، والناجح لا تنضب أفكاره، والفاشل لا تنضب أعذاره.
أعظم المخترعين والمكتشفين ورؤساء الدول والسلاطين والصناعيين والمبتكرين والاقتصاديين والإعلاميين والموسيقيين والرياضيين.. كلهم يجمعهم شيء واحد. كلهم فشلوا فشلاً ذريعاً قبل أن ينجحوا، كلهم فهموا المعنى الحقيقي للفشل فاحتضنوه، بل جعلوا من كل فشل لبنة في بناء نجاحهم.. كلهم طبقوا مفهوم (الفشل البنَّاء).
عانى من مشاكل في السمع في سن مبكرة، وصفه مدرسوه في المدرسة بـ(المغفل) و(شديد الغباء) الذي لا تجدي محاولات تعليمه. ترك المدرسة بعد ثلاثة أشهر من دخولها فدرسته أمه في البيت، فانكب على قراءة كل ما يقع بين يديه من كتب وموسوعات وصحف ومجلات، وأطلقت يديه ليختبر ما يشاء فأعد مختبر كيمياء في منزله وهو في العاشرة من عمره، وكان يعمل في السوق بائعاً للخضروات، ثم بائعاً للحلوى والصحف في القطارات حتى طرد من عمله بعد اشتعال النيران بمختبره الكيميائي في عربة نقل في محطة القطارات وأُلقي به في الشارع، مما جعله يتفرغ للأبحاث والتجارب.
كان يقول: والدتي صنعتني، فاحترامها لي وثقتها بي أشعرتني أني أهم شخص في الوجود، فعاهدت نفسي ألا أخذلها كما لم تخذلني قط. سجل 122 اختراعاً ولمَّا يبلغ الثالثة والعشرين من عمره. يعد أحد أعظم المخترعين وأكثرهم إنتاجاً في التاريخ، فامتلك 1093 براءة اختراع وأكثر من 1300 جهاز وأداة علمية كان لها الأثر الواضح في حياة إنسان العصر الحديث.
مرضت أمه مرضاً شديداً فقرر الأطباء إجراء عملية جراحية فورية لها، ولكن الليل حال دون ذلك لانعدام الضوء الكافي لإجراء العملية، فاضطروا إلى الانتظار حتى شروق الشمس، فقرر أن يخترع مصباحاً كهربائياً متوهجاً عملياً تجارياً طويل الأجل. فشل في ألف محاولة حتى نجح، وكان يسمي كل تجربة فاشلة خطوة في سبيل تحقيق النجاح. ويقول: أنا لم أفشل، بل وجدت ألف طريقة لا يمكن للمصباح أن يعمل بها، ولم أكن لأنجح في اختباراتي لو لم أدرك حاجات البشر، كنت أرى حاجات الناس ثم أبدأ بالاختراع.
فقد مختبره في حريق كبير عام 1914 وعمره يناهز الـ67 عاماً. وفي الصباح التالي كان يقول: “هناك فائدة عظيمة لما حصل البارحة، فقد احترقت كل أخطائي فالشكر لربي لأنني يمكنني البدء من جديد”. وبعد ثلاثة أسابيع فقط اخترع أول مشغل أسطوانات (فونوجراف)، ومن اختراعاته آلة التصوير السينمائي، وتطوير الآلة الطابعة والهاتف والحاكي وجعل صناعة التلفزيون ممكنة.. وغيرها كثير.
النجاح
أسس أكثر من 14 شركة منها شركة GE” General Electric” العالمية.. يقول: “كل شخص يفكر في تغيير العالم ولكن قليلين هم من يفكرون في تغيير أنفسهم”، ويقول: “سقوط الإنسان ليس فشلاً، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط، فالأشخاص الذين فشلوا في الحياة هم أشخاص لم يتعلموا كم كانوا قريبين من النجاح عندما استسلموا للفشل”.. إنه توماس إديسون.
يقول المؤلف جون ماكسويل في كتابه Failing Forward: “أنت الشخص الوحيد القادر فعلاً على تسمية ما تفعله فشلاً.. وكل عبقري كان يمكن أن يصبح فاشلاً”.
د. وليد فتيحي

Post: #1095
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-06-2015, 00:11 AM
Parent: #1001

نعني بالثبات الاسمرار في طريق الهداية ، والالتزام بمقتضيات هذا الطريق ، والمداومة على الخير ، والسعي الدائم للاستزادة ، ومهما فتر المرء ، فهنالك مستوى معين لا يقبل التنازل عنه أو التقصير فيه ، وإن زلت قدمه فلا يلبث أن يتوب ، وربما كان بعد التوبة خيرًا مما كان قبلها ، ذلك هو حال المتصف بخلق الثبات .
حماس البدايات :
كثيرًا ما نجد شبابـًا يحنون إلى البدايات التي كانوا يتفجرون فيها حيوية ، ويتدفقون حماسـًا ، ويبالغون في الحرص على دقائق السنن ، ناهيك عن البعد عن دائرة الحرام والشبهات ، ثم ماذا ؟ كلَّت النفوس ، وفترت الهمم ، واكتفى بعض الشباب بأن يكونوا من عامة المسلمين ، وهذا أحسن حالاً ممن انقلبوا على أعقابهم ؛ فغدوا يعادون الدعوة ويسخرون من أهلها ، ويحذرون من سبيلها ، إنها معركة تقرير المصير بين الارتداد على الأعقاب والثبات .
من صور الثبات :
1- الثبات أمام الأعداء :
وللثبات صور تشمل عددًا من جوانب حياة المسلم منها : الثبات في المعركة كما ثبت الرّبيّون الكثير من أنبيائهم ، وكان قولهم : (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)(آل عمرا/147) ، والفئة الصابرة بإمرة طالوت الذين قال الله فيهم : (وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُوا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا)(البقرة/250) ، وفي ذلك توجيه للمؤمن أن يلتجئ إلى الله طالبـًا منه التثبيت .
وخوطب أبناء هذه الأمة بأمر الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا)(الأنفال/45) .
ومن الكبائر في ديننا الفرار من الزحف ؛ ولذلك كان من الوصايا العشر التي أوصى بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معاذ بن جبل : ((وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس ، وإذا أصاب الناس موتان وأنت فيهم فاثبت))(رواه أحمد) ؛ لأن الثبات يزيد المؤمنين قوة ، ويوقع في نفوس العدو رهبة ، وتزعزع المواقف يخذل الصديق ويشمت العدو ، وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعمّق هذا المعنى يوم الأحزاب وهو ينقل التراب وقد وارى التراب بطنه وهو يقول : ((لولا أنت ما اهتدينا ، ولا تصدقنا ولا صلينا ، فأنزل السكينة علينا ، وثبت الأقدام إن لاقينا ، إن الألى قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا))(رواه البخاري) .
2- طلب الثبات من الله تعالى :
ولأن مسألة الثبات على الدين قضية تشغل فكر المسلم فإنه يكثر من الدعاء بها ، فقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : ((يا مقلب القلوب ثبّت قلبي على دينك)(رواه أحمد) .
وقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخشى على نفسه في مواجهة الجاهلية أن يداهن أو يلين ، ولذلك خاطبه ربنا عز وجل بفضله عليه بأن أخلص ولاءه لله : (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً * إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ)(الإسراء/74 ، 75) .
3- المتذبذب يفتن الناس :
وقد حذر حذيفة العلماء العباد لأنهم قدوة : " يا معشر القراء استقيموا ، فإن أخذتم يمينـًا وشمالاً لقد ضللتم ضلالاً بعيدًا "(رواه البخاري) .
ولو أن ضلالة المتذبذب يمينـًا وشمالاً يقتصر عليه لهان الأمر ، ولكن يُفتن بضلاله آخرون .
وقد كان من وسائل أهل الكتاب في زعزعة صفوف المسلمين أن يتظاهروا بالدخول في الإسلام ، ثم يرتدون ليرتد معهم آخرون ، (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (آل عمران/72) ، فالسعيد من وفقه الله تعالى للثبات ، وخُتم له بخير ومات وهو يعمل عمل أهل الجنة إلى أن يرزقه الله التثبيت حين يُسأل .
ولو تأملت في أحاديث الحوض من صحيح مسلم لوجدت أناسـًا مُنعوا منه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ((يا رب أصحابي ، فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ، فيدعو عليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سحقـًا ، سحقًا لمن غيّر بعدي)) ، وفي رواية أخرى : يقال له : ((والله ما برحوا يرجعون على أعقابهم)) فكان ابن أبي مليكة - أحد رواة هذا الحديث - يقول : " اللهم إنَّا نعوذ بك أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا " ، وكلمة " ما برحوا يرجعون " توحي بالتراجع البطيء المتواصل المؤدي إلى الهاوية ، وربما يصعب الرجوع بعد طول الاستدارج ، فهنيئـًا لمن استدرك نفسه لئلا تزل قدمه بعد ثبوتها .
كما نجد كثيرًا من الأدعية تركز على معنى الثبات ، ومن ذلك دعاء عبد الله بن مسعود : " اللهم إني أسألك إيمانـًا لا يرتدّ ، ونعيمـًا لا ينفد "(رواه أحمد) .
وقال شداد بن أوس : " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا كلمات ندعو بهنّ في صلاتنا : اللهم إني أسألك الثبات في الأمر وأسألك عزيمة الرشد "(رواه أحمد) .
4- الثبات في أيام الفتن :
ومن صور الثبات في الفتن : الصبر في أيام الصبر التي وصفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((الصبر فيهنَّ مثل القبض على الجمر))(رواه أبي داود والترمذي) ، وفي رواية : ((يأتي على الناس زمان الصابر فيه على دينه ، كالقابض على الجمر))(رواه الترمذي) ، ومن ذا الذي يثبت قابضـًا على الجمر؟! لذلك بشّر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن الثابت من هؤلاء له أجر خمسين من الصحابة : ((إن من ورائكم أيام الصبر ، للمتمسك فيهنَّ يومئذٍ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم))(سلسلة الأحاديث الصحيحة) .
وفي أشد ما يلقاه المسلمون من الفتن حين يخرج الدجال ويعيث يمينـًا وشمالاً ، فإن الوصية الأساسية لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - التي يوصي بها أمته حينئذٍ ك ((يا عباد الله . اثبتوا))(رواه ابن ماجة) .
5- المداومة على الطاعات :
ومن أهم صور الثبات المداومة على الطاعات ، فالمطلوب في بعضها المثابرة عليها ، يروي الترمذي : ((من ثابر على ثنتي عشرة ركعة من السنة بنى الله له بيتـًا في الجنة))(الجامع الصحيح) .
وفي رواية مسلم تقول أم حبيبة راوية الحديث ، ويقول كل من عمرو بن أوس والنعمان بن ثابت - من رجال السند - : ((ما تركتهنَّ منذ سمعتهنَّ))(رواه مسلم) .
وتقول عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: ((وكان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه))(رواه مسلم) .
وعند مسلم كذلك : ((وكانت عائشة إذا عملت العمل لزمته))(رواه مسلم) .
وحين سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أي العمل أحب إلى الله؟ قال : (( أدومه وإن قلَّ))(رواه مسلم) .
وكان آل محمد - صلى الله عليه وسلم - إذا عملوا عملاً أثبتوه .
يقول النووي : أي لازموه وداوموا عليه .
الثبات مظهر الاستقامة :
والثبات مظهر بارز للاستقامة ؛ لأن المذبذب المتقلب لا يقدر على الثبات ، ولا يقوى على الاستقامة ، فقد كان الواحد من الصحابة يقول : يا رسول الله حدثني بعمل أستقيم عليه وأعمله ، فأجبه بأوجب الواجبات وقتها : ((عليك بالهجرة فإنه لا مثل لها))(رواه ؟؟) .
وكان من دقيق ملاحظة الصحابة لظاهرة الثبات في سلوك كل فرد أن بريدة بن الحصيب لقى سلمة بن الأكوع قادمـًا من البادية فظن أنه قطع هجرته إلى المدينة ، وأقام خارجها فقال له : " ارتددت عن هجرتك يا سلمة ؟! فقال سلمة: معاذ الله إني في إذن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "(رواه أحمد).
ومن الملعونين على لسان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ((المرتد أعرابيـًا بعد هجرته))(انظر صحيح الجامع حديث 5) .
هذه صورة الجيل الفريد كيف يحرص على الثبات ويتواصى به ، ويخشى الانقلاب على الأعقاب ، وإلى عام (حجة الوداع) والرسول - صلى الله عليه وسلم - يدعو للصحابة بالثبات على هجرتهم إلى المدينة لتقوى بهم الدولة الناشئة : ((اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم))(رواه البخاري) .
الإسلام إيمان وثبات :
والقول الجامع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيان حقيقة الإسلام : إيمان وثبات : ((قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا بعدك ، قال : قل آمنت بالله ثم استقم).
هذه أخلاقنا

Post: #1096
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-06-2015, 00:13 AM
Parent: #1001

أبناؤنا والصلاة
مما لا شك فيه أن للأبوين أثرا كبيرا في صلاح الأبناء واستقامتهم، ولعل قول النبي صلى الله عليه وسلم : " كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه".لعل في هذا الحديث دلالة واضحة على مدى هذا الأثر للآباء في الأبناء.
وقد لفت النبي صلى الله عليه وسلم أنظار الآباء إلى هذه القضية وذكرهم بمسؤوليتهم تجاه أبنائهم حين قال:" كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته...".
والوالد مسؤول مسؤولية عظيمة عن أسرته والأخذ بأيدي الأبناء نحو الصلاح والاستقامة بل هو مسؤول عن الأخذ بأسباب وقايتهم من النار، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُون}.
وهذا من أوكد حقوق الأبناء على الآباء، حيث قال انبي صلى الله عليه وسلم:" وإن لولدك عليك حقاً".
ومن أهم أسباب صلاحهم وحُسن تربيتهم تنشئتهم على حُبِّ الصلاة والمحافظة عليها والاهتمام بها، امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال:
" مروا أولادكم بالصلاة لسبع سنين واضربوهم عليها لعشر".
والله عز وجل يقول:{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}
وكان عمر بن الخطاب إذا قام من الليل أقام أهله ويقرأ:
{وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى}.
وكان عروة رضي الله عنه إذا رجع من السوق إلى البيت يقول لأهله: الصلاة الصلاة رحمكم الله.
وامتدح الله نبيه إسماعيل عليه السلام فقال:
{وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا}
وكان من دعاء الخليل عليه السلام: ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريّتي ).
كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصطحب عبد الله بن عباس والفضل وأسامة بن زيد وغيرهم من أطفال المسلمين معه فيشهدون صلاة العيد ويستمعون الخطبة تعويداً لهم على الخير.
وقد ذكرت الرُّبَيِّع بنت مُعَوِّذ في تعويد الأطفال على صيام عاشوراء فقالت: ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن...". نعم يأخذونهم إلى المسجد فيتعلمون هناك الصلاة من خلال رؤية الأمهات يصلين.
قال ابن عباس: " توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم" (والمحكم من أول الحجرات إلى سورة الناس).
وابن عباس كان معروفاً بين الصحابة وهو الذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم وأردفه على حماره...إلخ.
وهو الذي قام مع النبي صلى الله عليه وسلم حين بات عند خالته ميمونة.
وكان أبو الدرداء رضي الله عنه يقول لولده: يا بني ليكن المسجد بيتك؟ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن المساجد بيوت المتقين، فمن كانت المساجد بيوته ضمن الله له بالروح والرحمة والجواز على الصراط إلى الجنة".
قال مجاهد: سمعت رجلاً من أصحاب النبي يقول لولده: أدركت الصلاة؟ قال: نعم. قال: أدركت التكبيرة الأولى؟ قال: لا. قال: لما فاتك منها خير من مائة ناقة كلها سود العين.
واظر إلى حرص الآباء الصالحين على استقامة أبنائهم ومحافظتهم على الصلاة متمثلة في رد فعل عبد العزيز بن مروان مع ولده عمر حين تأخر عن الصلاة بسبب ترجيل شعره، فقد أرسل له رسولا وامره أن يدخل على ولده عمر بن عبد العزيز وألا يكلمه حتى يحلق له شعره الذي تسبب في تأخره على الصلاة، فلم يؤثر عن عمر أنه تأخر عن الجماعة بعدها.
من أهم الأساليب لبث الحرص على الصلاة في نفوس الأبناء:
1- القدوة الصالحة: أنت بالنسبة لطفلك الأسوة والقدوة، وقد زين في عين طفلك كل ما تفعله، ولهذا لما رأى بعض السلف رجلا ينقر صلاته ولا يحسنها قال: ما أرحمني بعياله.
ومن ذلك أن يحرص الأب على صلاة النوافل في البيوت.
2- الحرص على اصطحابه إلى المسجد وربطه بالآخرة...
3- التشجيع والتحفيز بوسائل مختلفة، ومن ذلك:
- الثناء الطيب عليه أمام الآخرين لمحافظته على الصلاة..
- رصد مبلغ أو هدية عند محافظته على الصلاة...
- نزهة لمكان يحبه لأنه يصلي،وقد أحسنت بعض المؤسسات الخيرية الإسلامية حين رصدت بعض الهدايا في مناسبات مختلفة وكتبت عليها: هدية لأنك تصلي.
4- الدعاء الكثير لهم وجعل ذلك هماً تحمله...
5- استعمال وسائل التعليم الحديثة.
6- تعليمه آداب المساجد.
ولنتذكر قول القائل:
وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوده أبوه
وما دان الفتى حجى ولكن يعوده التدين أقربوه
قال ابن تيمية: من كان عنده صغير ... فلم يأمره بالصلاة فإنه يُعاقَبُ الكبير إذ لم يأمر الصغير، ويُعَزَّرُ ( أي يعاقب ) الكبير على ذلك تعزيراً بليغاً لأنه عصى الله ورسوله.
وقال ابن القيم:وكم ممن أشقى ولده وفلذة كبده في الدنيا والآخرة بإهماله وترك تأديبه وإعانته على شهواته وهو بذلك يزعم أنه يكرمه وقد أهانه، ويرحمه وقد ظلمه ففاته انتفاعه بولده، وفوّت على ولده حظه من الدنيا والآخرة... ثم قال: وإذا اعتبرت الفساد في الأولاد رأيت عامته من قبل الآباء.
نسأل الله تعالى أن يجعلنا مقيمي الصلاة ومن ذرياتنا إنه سميع الدعاء.
اسلام ويب

Post: #1109
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-02-2015, 04:41 AM
Parent: #1096

Quote: حُكي أن إبنة عُمر بنِ عبدالعزيز دخلت عليه تبكي وكانت طفلةً صغيرةً آنذآك ، وكان اليومُ يوم عيدٍ للمُسلمين ..
فسألها أبوها : لماذا تبكين ؟!
قالت : كُل الأطفالِ يرتدُون ثياباً جديدةً ، وأنا بنتُ أميرِ المُؤمنين أرتدي ثوباً قديماً ..
فتأثر عُمرُ رضي اللهُ عنهُ ببُكائها وذهب إلي خازنِ بيت مالِ المُسلمين وقال لهُ :
أتأذن لي أن أصرف راتبي عن الشهرِ القادم !!
فقال لهُ الخازنُ : لمَ يا أميرِ المُؤمنين ؟!
فحكي لهُ أميرُ المُؤمنين السبب ..
فقال الخازنُ : لا مانعُ ولكن بشرطٍ .. فقال عُمرُ رضي اللهُ عنهُ : وما هو ؟!
فقال الخازنُ : أنْ تضمنَ لي أنْ تبقي حياً لتعمل بالأجرِ الذي ستصرفُهُ مُسَّقاً !!
فتركهُ أميرُ المُؤمنين عُمر رضي اللهُ عنهُ ورجع بيته فسألهُ أبناؤهُ : ماذا فعلت يا أبانا ؟!
قال : أتصبرُون وندخُلُ جميعاً الجنة ؟! أم لا تصبرُون ويدخُلُ { أباكُم } النار ؟!
قالوا جميعاً : نصبرُ يا أبانا .
يا ليت أُمة مُحمدٍ صلي اللهُ عليه وسلم الآن تمتلكُ الثلاثة : [ عمرُ والخازنُ وأبناءُ عمر ] !
أتعبت المُلُوك والأُمراء من بعدك يا عُمر !!

Post: #1097
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-07-2015, 01:48 AM
Parent: #1001

في قلوب الكثير منَّا فرعون صغير؛ يصيح كلما واتته فرصة: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} (24:النازعات)..
ويحتاج إلى موسى ليهتف به: {هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى}(18،19:النازعات).
موسى وكل الأنبياء بُعثوا لقمع الأنانية الطاغية، ومساندة التواضع لله، وكانت رسالتهم العبادة لله وحده، لا تشركوا معه إلهاً آخر من أنفسكم، ولا من ناسكم، ولا من أحجاركم أو أشجاركم!
ولذا كان السجود قمة التواضع وهو ذروة العبادة.

ولذا عزف موسى عن أبهة القصر، وعاهد الله على البُعد عنها: {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِّلْمُجْرِمِينَ} (17:القصص).
وقرر أن يقف مع الضعيف المغلوب في المشاجرات التي حكاها الله عنه، ليُحارب عنصرية الفراعنة ضد بني إسرائيل المستضعفين.
وأدرك بفطرته طبيعة مجتمع ذكوري لا يلتفت لمعاناة امرأةٍ ضعيفةٍ فوقف في صف الفتاتين، وسقى لهما غير آبه بالعيون التي ترمقه باستغراب وتشكك..
ورضي أن يظل عشر سنوات يرعى الغنم كمهرٍ للزوجية، و" السَّكينة والوَقَار في أهل الغنم " (البخاري)، وما من نبي إلا رعى الغنم، وكان محمد -صلى الله عليه وسلم- يرعاها لأهل مكة على قَرَارِيط ..
صُحبة الغنم تورِّث التواضع والسكون والهدوء، وتصنع رابطة غريبة من الإلف والتعارف.. نعم التعارف!
ولذا ظل موسى وهو يناجي ربه يُفسِّر وجود العصا معه بأنه يتوكأ عليها ويهشُّ بها على غنمه، فيضرب الشجر حتى يتساقط ورقها فتأكله غنمه.
والاتكاء على العصا لأنه كان يُكثر المشي على قدميه في البرية؛ هارباً من الظلم، أو باحثاً عن الأمن، أو عائداً إلى أمه وأسرته، أو راعياً لغنمه.. وهي تربية على التواضع.

المرَّة الوحيدة التي أُثر أن موسى قال فيها (أنا)، هي حينما سأله رجل وهو على المنبر: مَنْ أعلم أهل الأرض؟ قال: أنا!
وهذه الـ(أنا) لم تكن من شأن موسى؛ لأنه لا يجزم بذلك، فَعَتَبَ اللهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فيقول: لا أدري، أو الله أعلم.
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ.. وهو الخَضِر.
موسى كان أفضل منه، فهو رسول من أولي العزم، والخَضِر نبي عنده علمٌ من عند الله لم يطَّلع عليه موسى في مسائل مفردة، وكأنها أمثال ضُربت لموسى، وفي طيَّاتها إشارة لسرعته في الجواب عن سؤال: مَنْ أعلم الناس؟!
لم يصبر موسى على التعلُّم من الخَضِر كما وعد، فعاتبه على خرق السفينة؛ خيفة أن يغرق أهلها، وكأن هذا تذكير له بإلقائه في اليَمِّ وهو رضيع؛ لا ليغرق، ولكن ليسلِّم بإرادة الله وتدبيره من بطش الطاغية فرعون، ولذلك عُدَّ هذا نسياناً منه..

على أن موسى قاوم طغيان فرعون حتى انتصر عليه، والخَضِر اكتفى بحماية السفينة والحفاظ على مال المساكين، وبهذا يتبيَّن الفرق العظيم بينهما!
ولم يصبر موسى على قتل الغلام الفاسد فأنكر على الخَضِر قتله، وكأن هذا تنبيه على أن قتل فرعون لأولاد بني إسرائيل وإن كان جرماً إلا أنه قَدَرٌ إلهي له أسراره وأبعاده التي لا يُحيط بها إلا من آتاه الله من لدنه علماً..
أو أنه تنبيه لموسى على قتله للقبطي؛ الذي لم يؤمر بقتله، وأن من ورائه سراً إلهياً لا يعلمه موسى، ولعله لو عاش لأرهق من حوله طغياناً وكفراً أو كان عائقاً عن دعوة الحق، وهذا يُخفف من لوعة موسى من تلك الفعلة..
ولم يصبر على إقامة الجدار بغير أجرة لغلامين يتيمين من أهل قرية أبوا أن يضيفوهما، وكأن هذا نظير ما فعله موسى للفتاتين الضعيفتين في أرض مدين، حيث كان موسى غريباً طارئاً لم يجد منهم الحفاوة، ولذا دعا ربه: {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ} (24:القصص)..
وكان خاتمة اللقاء بينهما هو هذا الموقف الذي يختلف عن سابقيه بأن للنفس فيه بعض الحظ، ولذا قال الخَضِر: {هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ} (78:الكهف)!
في الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: " كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى -صلى الله عليه وسلم- وَاضِعًا إِصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ لَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ مَارًّا بِهَذَا الْوَادِي " (رواه مسلم ).

ذلٌّ وانكسارٌ وتعبُّد هو سر الفضل والسَّبق، ولذا كان موسى هو الرجل الثالث في الفضيلة الإنسانية بعد محمد وإبراهيم -عليهم جميعاً أفضل الصلاة والسلام- على قول الأكثرين.
قتل موسى قبل النبوة رجلاً ظالماً من القبط؛ كان يريد تسخير بعض بني إسرائيل في مصالحه، ولكن لم يكن له في قتله حق، فظل الندم على هذا الفعل يلاحقه طيلة حياته مع أن الله غفر له، وحتى بعد موته لم ينس هذا الذنب، فإذا جاءه أهل الموقف يطلبون شفاعته إلى الله اعتذر وقال:" إِنِّي قَتَلْتُ نَفْسًا لَمْ أُومَرْ بِقَتْلِهَا "( الترمذي)
وأحدنا يفعل أمثال الجبال من الذنوب ثم ينساها أو لا يدري عنها أصلاً؛ لأنها من الذنوب الخفية ..ذنوب القلوب!
ولكنه يحتفظ بذنوب الآخرين وكأنه ربٌّ يحاسبهم، ولذا قال عيسى: (لَا تَنْظُرُوا فِي ذُنُوبِ النَّاسِ كَأَنَّكُمْ أَرْبَابٌ وَانْظُرُوا فِي ذُنُوبِكُمْ كَأَنَّكُمْ عَبِيدٌ فَإِنَّمَا النَّاسُ مُبْتَلًى وَمُعَافًى فَارْحَمُوا أَهْلَ الْبَلَاءِ وَاحْمَدُوا اللَّهَ عَلَى الْعَافِيَةِ)، رواه مالك بلاغاً، والله أعلم
د. سلمان بن فهد العودة

Post: #1098
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-08-2015, 10:15 PM
Parent: #1001

من آداب معاملة الأجير في الإسلام
اشتمل الإسلام على آداب راقية في فن التعامل مع الناس على مختلف مستوياتهم وإكرامهم والاحتفاء بهم مهما كانت الطبقة المادية أو الاجتماعية التي ينتمون إليها، والمتأمل في تشريعات الإسلام يلحظ ما فيها من عناية كبرى بأسلوب المعاملة خصوصا مع تلك الطبقات الدنيا التي غالبا ما تُهضَم حقوقها وتُستغَل حاجتها الملحة لسد حاجياتها الأساسية التي لا تستقر الحياة الإنسانية الكريمة من دون توفرها كالمأكل والملبس والمشرب، وجوانب التأدب والرفق في المعاملة نجدها عامة في تشريعات الإسلام كله إلا أن ما يتعلق منها بالتعامل مع الأجراء وضعاف المجتمع أكثر عمقا وإلحاحا في لسان التشريع .

ثم إن هذه الآداب ليست منحصرة في النصوص الفقهية القانونية التي تَوصَّل إليها الفقهاء من قراءاتهم المتعددة لنصوص الشرع واستنباطاتهم المعمقة من دلالات تلك النصوص وما تحمله بين طياتها من معاني بل إنها لواضحة جلية في التعليمات النبوية المباشرة التي وجهها الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أمته من يوم رسالته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، وقد برز هذا واضحا في سيرته صلوات ربي وسلامه عليه وسيرة إخوانه الأنبياء من قبله؛ فقد كانوا – وهم قمة الكمال البشري نسبا وكَرَم مَحْتِد – يواسون الأجراء ويساكنونهم ولا يتميزون عنهم بمأكل ولا مشرب؛ حتى قال قوم نوح لنوح عليه السلام: {قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ} [الشعراء: 111]؛ يقصدون: أهل الصناعات والأعمال اليدوية كما قال المفسرون؛ والصناعة لا تزري بالديانة فالغنى غنى الدين والنسب نسب التقوى .

وبشكل تفصيلي فإن نصوص السنة النبوية المطهرة قد اشتملت على كثير من الأخلاق وكريم الآداب في التعامل مع الأجراء لم تصل إليها أرقى مواثيق حقوق الإنسان حتى يوم الناس هذا ولم تقرها بعد مجتمعات الغرب ولا الشرق رغم ضخامة الإرث الإنساني والتجربة العملية في مجال التطور نحو إنصاف الأجراء والعمال، ومن تلك الآداب ما يلي:
• مساواة الأجراء بأرباب العمل في المأكل والمشرب والمجلس: فقد روى المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر الغفاري رضي الله عنه وعليه حلة، وعلى غلامه حلة، فسألناه عن ذلك، فقال: إني ساببت رجلا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: «أعيرته بأمه»، ثم قال: «إن إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم عليه»، [ البخاري ومسلم )]؛ في هذا الحديث الشريف يوضح لنا النبي صلى الله عليه وسلم قدرا كبير من المفاهيم الإنسانية الراقية في التعامل مع الأجراء.
أولها: استحضار معنى الأخوة الإنسانية في التعامل معهم.
وثانيها: استيعاب معنى الاستخلاف ومعاملة الأجير على نحو ما يحب رب العمل أن يعامل به لو قُدِّر أن كان هو الأجير.
وثالثها: ألا نَتمَيَّز عن الأجير بفارِهٍ من اللباس أو الحالة، بل إن من السنة التواضع له ومشاركته في العمل ومد يد العون له إن احتاج المساعدة في رفع الأثقال أو نحو ذلك.
وقد ورد في سبب رواية أبي ذر لهذا الحديث أن المعرور بن سويد قال: رأيت أبا ذر بالربذة، وعليه برد غليظ ، وعلى غلامه مثله، قال: فقال القوم: يا أبا ذر، لو كنت أخذت الذي على غلامك، فجعلته مع هذا فكانت حلة، وكسوت غلامك ثوبا غيره ... فذكر لهم الحديث

وتجربة سلفنا الصالح ثَرَّةٌ غنيةٌ في هذا المجال فقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه يلي وَضوء الليل بنفسه ولا يوقظ أحدا من أهله ليعينه على وضوئه، فقيل له: لو أمرتَ بعض الخدم فكَفَوك، فقال: لا، إن الليل لهم يستريحون فيه، وروى محمد بْن أَبِي حاتم الورّاق – وهو النساخ الذي كان يكتب للإمام البخاري الحديث - قال: كَانَ البخاري يقوم فِي اللَيْلَةٍ الواحدةٍ خمس عشرة مرّة إلى عشرين مرّة، فِي كلّ ذَلِكَ يأخذ القُدّاحة فيُوري نارًا ويُسرج، ثمّ يُخرج أحاديث فيُعلِّم عليها، ثمّ يضع رأسه، وكان لَا يوقظني فِي كلّ ما يقوم، فقلتُ لَهُ: إنّك تحمل عَلى نفسك فِي كلّ هذا ولا تُوقظني! قَالَ: أنتَ شاب ولا أحب أن أفسد عليك نومك.

• ودافعت السنة النبوية عن حقوق المستأجر فنهت عن الغرر في عقود الإجارة؛ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نَهَى عَنْ اسْتِئْجَارِ الْأَجِيرِ حَتَّى يُبَيَّنَ لَهُ أَجْرُهُ»، [أخرجه أحمد ] .

• بل لقد توعّد الله تعالى في الحديث القدسي الذي أخرجه أحمد والبخاري وابن ماجه كل من يبخس العامل أو الأجير حقه؛ فعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله: ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ ".

• واستحب الشارع الحكيم التعجيل بتنجيز أجر العامل له فور انتهائه من عمله؛ فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعْطوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ» [أخرجه ابن ماجه ].

وجِماع الأمر أن السنة النبوية المطهرة – بشِقَّيْها؛ العملي والقولي - قد حوت خصالا جمة تمثل الأدب الراقي في التعامل بين الأجير والمستأجر، وحافظت على الحقوق الإنسانية لكليهما؛ وتتبع تلك الخصال يقصر دونه المجال، وقد لخص جلها النبي صلى الله عليه وسلم في مثل ضربه لنا من الأمم السابقة لأمتنا حوى معاني الوفاء والالتزام وقيم الأدب والفضيلة من جانب المستأجر الذي يرعى حق الله فيما استُؤمن عليه؛ وذلك في خبر الرهط الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فدخلوه فانحدرت عليهم صخرة من الجبل فسدت عليهم الغار، فتوسل كل منهم إلى الله بأرجى عمل عمله حتى جاء الدور على الثالث منهم فقال: "اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا، فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ: أَعْطِنِي حَقِّي، فَأَعْرَضْتُ عَنْهُ، فَتَرَكَهُ وَرَغِبَ عَنْهُ حَتَّى اشْتَرَيْتُ بِهِ بَقَرًا وَرَعَيْتُهَا لَهُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَظْلِمْنِي، وَأَعْطِنِي حَقِّي، فَقُلْتُ: اذْهَبْ إِلَى تِلْكَ الْبَقَرِ وَرَاعِيهَا فَخُذْهُ فَهُوَ لَكَ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ، وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَخُذْ تِلْكَ الْبَقَرَ وَرَاعِيهَا، فَأَخَذَهَا وَذَهَبَ، فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرِجْ لَنَا مَا بَقِيَ، فَفَرَجَهَا اللَّهُ عَنْهُمْ "، [رواه البخاري ].

من كل ما مضى نستنبط أن المعاملة بين الأجير والمستأجر في الإسلام تقوم على أسس الفضيلة والعدل والإنصاف، ورغم أن العقد فيها نفعي يرتبط بالمصلحة التي يتحصل عليها كل طرف منهما باستيفاء حق العقد إلا أن السنة النبوية تربطها بمعاني المروءة وقيم الكرم حتى لا تنخدش نفس الأجير من استعلاء المستأجر عليه أو غمصه حقه ولا يبقى شيء في نفس المستأجر على الأجير من عدم استيفاء عمله الذي به يستحق الحقوق التي رتبها الشارع على عقد الاستئجار.
اسلام ويب ( د. محفوظ ولد خيري )

Post: #1103
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-22-2015, 02:44 PM
Parent: #1098

ﺃﻗﻮﻯ ﺍﻋﺘﺬﺍﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ .... {}{}{}
ﺇﺟﺘﻤﻊ ﺍﻟﺼﺤﺎﺑﺔ ﻓﻲ ﻣﺠﻠﺲ ...
ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻣﻌﻬﻢ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ...
ﻓﺠﻠﺲ ﺧﺎﻟﺪ ﺑﻦ ﺍﻟﻮﻟﻴﺪ ..
ﻭﺟﻠﺲ ﺍﺑﻦ ﻋﻮﻑ .. ﻭﺟﻠﺲ ﺑﻼﻝ ﻭﺟﻠﺲ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ ...
ﻓﺘﻜﻠﻢ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻓﻲ ﻣﻮﺿﻮﻉ ﻣﺎ ..
ﻓﺘﻜﻠﻢ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ ﺑﻜﻠﻤﺔ ﺍﻗﺘﺮﺍﺡ:
ﺃﻧﺎ ﺃﻗﺘﺮﺡ ﻓﻲﺍﻟﺠﻴﺶ ﺃﻥ ﻳﻔﻌﻞ ﺑﻪ ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ
ﻗﺎﻝ ﺑﻼﻝ: ﻻ .. ﻫﺬﺍ ﺍﻻﻗﺘﺮﺍﺡ ﺧﻄﺄ
ﻓﻘﺎﻝ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ: ﺣﺘﻰ ﺃﻧﺖ ﻳﺎﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻮﺩﺍﺀ ﺗﺨﻄﺌﻨﻲ؟!!!
ﻓﻘﺎﻡ ﺑﻼﻝ ﻣﺪﻫﻮﺷﺎً ﻏﻀﺒﺎﻥ ﺃﺳﻔﺎً ... ﻭﻗﺎﻝ :
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻷﺭﻓﻌﻨﻚ ﻟﺮﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ...
ﻭﺃﻧﺪﻓﻊ ﻣﺎﺿﻴﺎً ﺇﻟﻰ ﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺻﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ
ﻭﺻﻞ ﺑﻼﻝ ﻟﻠﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ ..
ﻭﻗﺎﻝ : ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ... ﺃﻣﺎ ﺳﻤﻌﺖ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻲ ؟
ﻗﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ: ﻣﺎﺫﺍ ﻳﻘﻮﻝ ﻓﻴﻚ ؟؟
ﻗﺎﻝ ﺑﻼﻝ: ﻳﻘﻮﻝ ﻛﺬﺍ ﻭﻛﺬﺍ ...
ﻓﺘﻐﻴﺮ ﻭﺟﻪ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻭﺳﻠﻢ ..
ﻭﺃﺗﻰ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ ﻭﻗﺪ ﺳﻤﻊ ﺍﻟﺨﺒﺮ .ﻓﺎﻧﺪﻓﻊ ﻣﺴﺮﻋﺎً ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ............ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺭﺳﻮﻝ
ﺍﻟﻠﻪ ... ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻋﻠﻴﻜﻢ ﻭﺭﺣﻤﺔ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺑﺮﻛﺎﺗﻪ ..
ﻗﺎﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻭﺍﻟﺴﻼﻡ:
ﻳﺎ ﺃﺑﺎ ﺫﺭ ﺃﻋﻴﺮﺗﻪ ﺑﺄﻣﻪ ... ؟!!!
ﺇﻧﻚ ﺍﻣﺮﺅ ﻓﻴﻚ ﺟﺎﻫﻠﻴﺔ !!.
ﻓﺒﻜﻰ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ .. ﻭﺃﺗﻰ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻋﻠﻴﻪ ﺍﻟﺴﻼﻡ ﻭﺟﻠﺲ ..
ﻭﻗﺎﻝ ﻳﺎﺭﺳﻮﻝ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﺳﺘﻐﻔﺮ ﻟﻲ .. ﺳﻞ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﻲ ﺍﻟﻤﻐﻔﺮﺓ ..
ﺛﻢ ﺧﺮﺝ ﺑﺎﻛﻴﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ...
ﻭﺃﻗﺒﻞ ﺑﻼﻝ ﻣﺎﺷﻴﺎً .. ﻓﻄﺮﺡ ﺃﺑﻮ ﺫﺭ ﺭﺃﺳﻪ ﻓﻲ ﻃﺮﻳﻖ ﺑﻼﻝ ﻭﻭﺿﻊ ﺧﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ .. ﻭﻗﺎﻝ :
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻳﺎﺑﻼﻝ ﻻ ﺍﺭﻓﻊ ﺧﺪﻱ ﻋﻦ ﺍﻟﺘﺮﺍﺏ ﺣﺘﻰ ﺗﻄﺄﻩ ﺑﺮﺟﻠﻚ
ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻜﺮﻳﻢ ﻭﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﻬﺎﻥ !!.... ـ
ﻓﺄﺧﺬ ﺑﻼﻝ ﻳﺒﻜﻲ .. ﻭﺃﻗﺘﺮﺏ ﻭﻗﺒﻞ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﺨﺪ ﻭﻗﺎﻝ -:
ﻭﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﺍﻃﺄ ﻭﺟﻬﺎ ﺳﺠﺪ ﻟﻠﻪ ﺳﺠﺪﻩ ﻭﺍﺣﺪﻩ ﺛﻢ ﻗﺎﻣﺎ ﻭﺗﻌﺎﻧﻘﺎ ﻭﺗﺒﺎﻛﻴﺎ !!!...
ﻭﺍﻟﻴﻮﻡ !!!! ﺍﻟﻴﻮﻡ!!!
ﺇﻥ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﺴﻲﺀ ﻟﻠﺒﻌﺾ ﻋﺸﺮﺍﺕ ﺍﻟﻤﺮﺍﺕﻓﻼ ﻳﻘﻮﻝ : ﻋﻔﻮﺍ ﺃﺧﻲ .
ﺇﻥ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﻳﺠﺮﺡ ﺑﻌﻀﺎ ﺟﺮﺣﺎ ﻋﻈﻴﻤﺎ ﻓﻲ ﻋﻘﻴﺪﺗﻪ ﻭﻣﺒﺎﺩﺋﻪ ﻭﺃﻏﻠﻰ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻼ ﻳﻘﻮﻝ
.. ﺳﺎﻣﺤﻨﻲ
ﺇﻥ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﻗﺪ ﻳﺘﻌﺪﻯ ﺑﻴﺪﻩ ﻋﻠﻰ ﺯﻣﻴﻠﻪ . ﻭﺃﺧﻴﻪ، ﻭﻳﺨﺠﻞ ﻣﻦ ﻛﻠﻤﺔ: ﺁﺳﻒ ..
ﺍﻹﻋﺘﺬﺍﺭ ﺛﻘﺎﻓﺔ ﺭﺍﻗﻴﺔ ﻳﻌﺘﻘﺪ ﺍﻟﺒﻌﺾ ﺃﻧﻬﺎ ﺇﻫﺎﻧﺔ ﻟﻠﻨﻔﺲ .

Post: #1104
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-23-2015, 02:42 AM
Parent: #1103

ذكروا أن سليمان عليه السلام كان جالساً على شاطيء بحر , فبصر بنملة تحمل حبة قمح
تذهب بها نحو البحر , فجعل سليمان عليه السلام ينظر إليها حتى بلغت الماء فإذا بضفدعة
قد أخرجت رأسها من الماء ففتحت فمها , فدخلت النملة وغاصت الضفدعة في
البحر ساعة طويلة وسليمان يتفكر في ذلك متعجباً. ثم أنها خرجت من الماء
وفتحت فمها فخرجت النملة ولم يكن معها الحبة. فدعاها سليمان عليه السلام
وسألها وشأنها وأين كانت ؟ فقالت : يا نبي الله إن في قعر البحر الذي تراه
صخرة مجوفة وفي جوفها دودة عمياء وقد خلقها الله تعالى هنالك , فلا تقدرأن
تخرج منها لطلب معاشها , وقد وكلني الله برزقها فأنا أحمل رزقها وسخرالله
تعالى هذه الضفدعة لتحملني فلا يضرني الماء في فمها , وتضع فمها على ثقب
الصخرة وأدخلها , ثم إذا أوصلت رزقها إليها وخرجت من ثقب الصخرة إلى
فمها فتخرجني من البحر. فقال سليمان عليه السلام : وهل سمعت لها من
تسبيحة ؟
قالت نعم ,
إنها تقول: (يا من لا تنساني في جوف هذه الصخرة تحت هذه اللجة، برزقك، لا تنس عبادك المؤمنين برحمتك).
إن من لا ينسى دودة عمياء في جوف صخرة صمّاء، تحت مياه ظلماء، كيف ينسى الإنسان؟
فعلى الإنسان أن لا يتكاسل عن طلب رزقه أو يتذمر من تأخر وصوله فالله الذي خلق الانسان
أدرى بما هو أصلح لحاله وكفيل بأن يرزقه من عنده سبحانه.
( دع رساله مثل هذه تدور بين الناس وخذ أجرها ، لأن الدنيا فانية
معلومة جعلتني أصلي قيام الليل ولو ركعة واحدة
يقول الشيخ عمر عبدالكافـي البيوت التي يُصلّى فيها قيام الليل يشّع منها نور يراه أهل السماء ! وكما ننظر إلى السماء ليلاً لنرى نور النجوم تنظر الملائكة إلى الأرض لترى نور البيوت التي تنوّر بصلاة أهلها
والأعجب من ذلك أن الملائكة إذا اعتادت على رؤية نور بيتك كل يوم ولم تُصل قيام الليل يوماً تسأل عنك لأنها رأت بيتك مُظلماً فيُقال لهم إنك لم تقم لأنك مريض أو مهموم أو غير ذلك فتبدأ الملائكة بالدعاء لك بالشفاء أو تفريج الهم والدعاء لك حسب حاجتك ؛ شوقاً لرؤية نور بيتك المضاء بسبت صلاتك
وأخيراً إذا أعجبتك كلماتي فلا تقل شكـرًا بل انقلها لغيرك كي يستفيد .
رحم الله من نقلها عني وجعلها بميزان حسنات

Post: #1105
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-24-2015, 02:25 PM
Parent: #1103

ﺍﻟﻠَّﻬُﻢَّ ﺻَﻞِّ ﻭَﺳَﻠِّﻢْ ﻭَﺑَﺎﺭِﻙَ ﻋَﻠَﻰ ﺳَﻴِّﺪِﻧَﺎ ﻣُﺤَﻤَّﺪٍ ﻋَﺪَﺩَ ﺍﻟﺘَّﺎﻟِﻴﻦَ ﻟِﻠْﻘُﺮْﺁﻥ *
ﻭَﻋَﺪَﺩَ ﺣَﺴَﻨَﺎﺗِﻬِﻢْ ﻭَﻋُﻠُﻮﻣِﻬِﻢْ ﻭَﺑَﺮَﻛَﺎﺗِﻬِﻢْ ﻋَﻠَﻰ ﻣَﺮِّ ﺍﻟﺰَّﻣَﺎﻥ *
ﻭَﺿَﺎﻋِﻒْ ﻫَﺬِﻩِ ﺍﻟﺼَّﻠَﻮَﺍﺕ ﻳَﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻳَﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻳَﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺃَﺿْﻌَﺎﻓًﺎ ﻣُﻀَﺎﻋَﻔَﺔً ﻻ ﻳَﺤْﺼُﺮُﻫَﺎ ﺟَﻨَﺎﻥ *
ﻭَﻻ ﻳُﺤِﻴﻂُ ﺑِﻬَﺎ ﻛَﺎﺋِﻦٌ ﺃَﻳًﺎ ﻛَﺎﻥ * ﺻَﻼﺓً ﻻ ﻳﺤْﺼُﺮُﻫَﺎ حد ﻭَﻻ ﻳَﺤُﺪُّﻫَﺎ ﺑَﻴَﺎﻥ*
ﺻَﻼﺓً ﺗَﺘَﻮَﺍﻟَﻰ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻣِﻦْ ﺑَﺪْﺀِ ﺍﻟْﺒَﺪْﺀِ ﺇِﻟَﻰ ﻣَﺎ ﻻ ﻧِﻬَﺎﻳَﺔَ ﻟِﻜَﻤَﺎﻝِ ﺍﻟﻠﻪِ ﺍﻟْﺤَﻨَّﺎﻥِ ﺍﻟْﻤَﻨَّﺎﻥ *
ﻭَﺍﺟْﻌَﻠْﻨَﺎ ﺑِﻬَﺎ ﻣِﻦْ ﺃَﻫْﻞِ ﺍﻟْﻘُﺮْﺁﻥ * ﺍﻟْﻤَﺨْﺼُﻮﺻِﻴﻦَ ﺑِﺄَﻫْﻠِﻴَّﺔِ ﺍﻟﺮَّﺣْﻤَﻦ *
ﻧَﺤْﻴَﺎ ﺑِﻪِ ﻭَﻧَﻤُﻮﺕُ ﺑِﻪِ ﻭَﻧَﻠْﻘَﺎﻙَ ﺑِﻪِ ﻭَﻧَﺮْﻗَﻰ ﺑِﻪِ ﺍﻟﺪَّﺭَﺟَﺎﺕِ ﺍﻟْﻌُﻠَﻰ ﻓِﻲ ﺍﻟْﺠِﻨَﺎﻥ *
ﻣُﺘَﻤَﺘِّﻌِﻴﻦَ ﺑِﺠِﻮَﺍﺭِ ﺳَﻴِّﺪِ ﺍﻷَﻛْﻮَﺍﻥ * ﻭَﺁﻟِﻪِ ﺷُﻤُﻮﺱِ ﺍﻟْﻌِﺮْﻓَﺎﻥ * ﻭَﺃَﺻْﺤَﺎﺑِﻪِ ﺍﻷَﺋِﻤَّﺔِ ﺍﻷَﻋْﻴَﺎﻥ *
ﻭَﺃَﺣْﺒَﺎﺑِﻪِ ﻓِﻲ ﻛُﻞِّ ﻣَﻜَﺎﻥ * ﻭَﺍﺟْﻌَﻞ ﺛَﻮَﺍﺏَ ﺫَﻟِﻚَ ﻓِﻲﺻَﺤِﻴﻔَﺔِ ﺍﻟْﻤُﺼْﻄَﻔَﻰ ﺻَﻠَّﻰ ﺍﻟﻠﻪُ ﻋَﻠَﻴْﻪِ ﻭَﺁﻟِﻪِ ﻭَﺳَﻠَّﻢَ
ﺁﻣِﻴﻦ ﺁﻣِﻴﻦ ﺁﻣِﻴﻦ.

Post: #1099
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-10-2015, 03:09 PM
Parent: #1001

قبل عشرين سنة ألقيتُ محاضرة عنوانها: (الإغراق في الجزئيات)، وكانت في مسجد الصديق الدائم عبدالوهاب الطريري (جامع الملك عبدالعزيز بالعليا)، وهو الذي تولَّى تقديمها، وطُبعت فيما بعد في كتيب صغير..
أحد المتابعين الأفاضل أُعجب بفكرة المحاضرة، ولكنه لم يتقبَّل الأمثلة التي ضربتها للجزئيات، وخشي أن يكون السياق سبباً للتقليل من شأنها أو التهاون بها!
يا صديقي.. {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} (4 الأحزاب)، وإذا ازدحمت قلوبنا بالفرعيات؛ جدلاً، واستدلالاً، وترجيحاً، ومناظرةً، وتقريراً.. فأين سيكون نصيب قضية الإلوهية، وهي لُبّ الدين، وأساس الإيمان، وجوهر التوحيد في قلب المكلَّف؟
يا صديقي.. أليس نقرأ في كتاب الله هذا النص المحكم: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ}(13 الشورى)؟
ما هو الأمر الذي تواطأ عليه هؤلاء الأنبياء وإخوانهم وأجمعوا على الوصية به ونشره دون اختلاف ولا تَفرُّق؟
أليس هو الدين الجامع في معرفة الله وحبه وتعظيمه وعبادته، ونبذ الآلهة والمعبودات التى تُعبد من دونه؟
أليس هو إخبات القلوب لبارئها، وذلها له، وقربها منه، وتسليمها لأمره، وانقيادها لطاعته؛ محبةً ورضاً ورجاءً لفضله، ومخافةً من أخذه وعقابه؟
أليس يقول تعالى بعد تلك الآية في آية جامعة ذات فقرات عشر:
{فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} (15 الشورى)
نص يتضمن: الدعوة إلى الأصول المحكمة الجامعة، واستقامة الدَّاعي عليها في ذات نفسه، واجتناب أهواء المشركين والكافرين، والإيمان بالكتب السماوية وما تحويه من الحقائق والأخبار والأحكام، والعدل بين الناس، وتقرير الربوبية، ومسؤولية الإنسان عن عمله فلا تزر وازرة وزر أخرى، وقطع الجدال حين يتحول إلى مماحكة وعناد وصدود عن الحق، والإقرار بالبعث وجمع الناس ليومٍ لاريب فيه، وأن الحكم فيه لله الواحد الأحد الصمد..
هذه الأصول أساس يجب السعي لتوصيلها إلى كل المكلَّفين وغرسها في قلوبهم، وإحياء معانيها بشتى الوسائل والأسباب والمناسبات حتى لا يجهلوها ولا يغفلوا عنها ولا ينسوها.. وحتى تؤثر في نفوسهم فتحملهم على فعل الخير وترك الشر، وعلى أن يعلِّموها لأهلهم وأبنائهم، ومن تصلهم دعوتهم.
ومما يترتب عليها أن يعرف المكلَّف تفصيلات ما يحتاجه في حياته العملية بقدر وسعه، ولا يلزم أن يكون فقيهاً عارفاً بالأقوال، والمذاهب، والاستنباطات، وأوجه الترجيح.. فإن الجاهل يسأل العالم.
وربما وقع أن يكون التأليف في مسألة فرعية عبر القرون والأجيال يبلغ مئات الكتب، وأن تدبَّج فيها الخطب والمقالات بأكثر من التأليف في جوهر الإيمان والوحدانية وتعظيم الرب وتزكية النفس..
وكثيراً ما يقع التباعد وتتسع الهوة بين صالحين بسبب تعظيم مسألة جزئية فرعية وقع الخلف فيها بين الصحابة فمن بعدهم؛ كمسألة زكاة الحلي، أو إفطار الصائم بالحجامة، أو موضع اليدين في الصلاة أثناء القيام، أو حكم طواف الوداع للمعتمر..
وقد يقع لمبتدئ أن يغلظ ويشدد على مخالفيه ويتوعّدهم بالعذاب؛ لأنهم اختاروا غير رأيه أو قلَّدوا عالماً غير الذي يتبع.
وليس المقصود إغلاق باب البحث في المسائل، وليس هذا بمطلوب ولا هو في الإمكان، لكن إعطاء الأشياء قدرها واعتدالها و{قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا} (3 الطلاق).
والاشتغال بالمسائل الأصلية والأصولية يجب أن يكون أعظم وأجلّ؛ لأنه يورث خشية الله ومحبته ورجاءه، وإذا رُزق المؤمن هذا فحريٌّ به أن يتحرَّى الصواب والحق في فروع المسائل، وأن يدقق فيمن يتبعه، وأن يحتاط لدينه وعرضه عند التردد والاشتباه.
أما إذا ضعفت حرارة الإيمان في القلب فيُخشى على طالب علم مبتدئ من الوعيد المرويِّ عن رسول الله: «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُجَارِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ يَصْرِفَ بِهِ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ أَدْخَلَهُ اللَّهُ النَّارَ »، والحديث رواه الترمذي، وفيه ضعْف، وله شواهد يتقوَّى بها.
أليس من الأجدر أن يكون للإيمان والتعريف بالله العظيم حظ وافر من دروسنا العلمية ومجالسنا الوعظية وكتاباتنا ودوراتنا وجهودنا، وأن نعيد ونبدئ في أبواب التوكل على الله والحب والخوف والرجاء؟
وأن يكون تقرير ذلك منتزعاً من الكتاب العزيز، ومتأسِّياً بالطريقة الربانية في تقرير الإيمان ومخاطبة العقول والقلوب؛ بعيداً عن المماحكات والمعاندات التي تحرم القلب من التأثر والانفعال بالحق والوحي، مع الانتفاع مما سطَّره الأئمة المعتنون؛ كأكابر المفسرين، وكابن تيمية، وابن القيم، والغزالي، والمقدسي، ومن سبقهم.. بعد تنقيته، وتسهيله، وتقريبه للمتلقين حتى تلين له قلوبهم وتخشع {لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (16 الحديد).
ومن باب أولى فإن من المذموم الانشغال بفرعيات الحياة وجزئياتها في السياسة أو الرياضة أو الأدب أو المجريات اليومية العادية عما هو أهم وأولى من التحقق بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا، وتمجيده، وتعظيمه، وذكره، وشكره جل وعز.
وإنني أقول هذا وأعلم أنني فيه شديد التقصير، ولعل هذه الموعظة تكون درساً لي قبل غيري، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وأسال الله لي ولأحبتي أن يفتح على قلوبنا من لدنه فتحاً حسناً، وأن يرزقنا التأسِّي بالأنبياء، وأن يمنحنا فهم كتابه، والإيمان الصادق بمجمله، وتفصيله، ومحكمه، ومتشابهه.. وهو الفتَّاح العليم.
د. سلمان بن فهد العودة

Post: #1102
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 10-18-2015, 10:54 PM
Parent: #1099


قال الله تعالى : " إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ "[ لقمان:

Post: #1111
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-04-2015, 02:00 PM
Parent: #1102

من أشد الغبن وأجهل الجهل أن يهتم المرء بالفاني على حساب الباقي، وبالترحال عن الحل، وبالزوال عن الخلد .. والدنيا جبلت على الفناء، .. فما حلوها صاف، وما نعيمها خال، بل لابد من المنغصات، ولا مفر من العقبات والكبوات.
هذا وليس المقصود من أحاديث ذم الدنيا أن نُعقّد على الناس أمورهم ومعايشهم، حتى ترى الرجل الذي منّ الله عليه بشيء من متاع الدنيا وبسطة الرزق يجلس في مثل هذه المحاضرات مكسوف البال، مطأطئ الرأس، وكأنه المقصود بالكلام، أو كأنه ارتكب جرما يستحي منه .. وهذا تقدير فاحش وفهم قاصر، فما ذكر أهل الفضل مناقص الدنيا إلا للاعتبار، وتذكرة لمن كان بها منهمكا، وفي هواها منغمسا، ولحبها شغوفا ولآخرته عبوسا، وكأن له مع الخلد في حطامها موعدا ولفراقها مجانبا.

وما زال النجباء يزرعون ويتاجرون ويعمرون، وفي كل مضمار خير لهم سبق، وفي كل بر لهم يد، والمؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، لكن معقد القضية وملخص الأمر أن أهل الصلاح جعلوا الدنيا في أيديهم لا في قلوبهم وشتان بين الفريقين.
وحول هذا المعنى يقول يونس بن ميسرة الجيلاني: "ليس الزهادة في الدنيا بتحريم الحلال ولا إضاعة المال، ولكن الزهادة في الدنيا أن تكون بما في يد اللّه تعالى أوثق منك بما في يديك، وأن يكون حالك في المصيبة وحالك إذا لم تصب بها سواء، وأن يكون ذامّك ومادحك في الحقّ سواء".

هذه هي حقيقة الدنيا .. إقبال وإدبار، فرح وحزن, شدة ورخاء, سقم وعافية، إلا أن الله تعالى لطيف بعباده، رحيم بخلقه، فتح لهم باباً يتنفسون منه الرحمة، وتنزل منه على قلوبهم السكينة والطمأنينة، ألا وهو: الأنس به والتعلق بجنابه جل وعلا .. فلا يزال المؤمن بخير ما تعلق قلبه بربه ومولاه.. {وَإِن الدارَ الآخِرَةَ لَهِىَ الحَيَوَانُ لَو كَانُوا يَعلَمُونَ} [العنكبوت/64] أما هذه الدنيا فنكد وتعب وهمٌّ: {لَقَد خَلَقنَا الإِنسانَ في كَبَدٍ} [البلد/4].
قال بعض السلف: "الدنيا دنيئة، وأدنى منها قلب من يحبّها".
وروي عن عليّ رضي اللّه عنه: "الدنيا جيفة، فمن أرادها فليصبر على مزاحمة الكلاب".
ويقول أبو العلاء المعري: "الدنيا إذا أقبلت بلت، وإذا أدبرت برت، وإذا حلت أوحلت، وإذا جلت أوجلت، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات".
وإنما تهلك الدنيا صاحبها كمدا وغما لأنها إذا أقبلت عليه خلعوا عليه مِن صفات الكمال ما ليس فِيه أصلا، فإذا أدبرت عنه الدنيا لا يسأل عنه سائل.

يقول الأديب إبراهيم عبد القادر المازني: "قد أعرف لماذا أقرأ، وما يستهويني من الكتب ويُغريني بالاطلاع، فإنَّ أقلَّ ما في ذلك أنه نقلة إلى عالم غير دنيانا الحافلة بالمنغِّصات المائجة بالمتعبات، ولكني والله لا أدري لماذا أكتب؟ ولست أراني أفدت شيئًا، ولا لي أملٌ في شيء، وأحسبَنِي بين الكتَّاب الوحيد الذي يعيش بلا أمل جاد أو طمع مستحث؛ بل لعلِّي الكاتب الوحيد الذي يعتقد أنَّ الدنيا لا تخسر شيئًا - وقد تكسب - إذا خلتْ رقعتها من الأدباء والشعراء، واعتقادي هذا فرع من أصل أعمَّ وأشْمل، هو أنَّ الدنيا لا تنقص إذا قضت الحياة نفسُها نَحبها، فلا إنسان، ولا حياة، ولا نبات، وقد تغير زمن كنت فيه مجنونًا كشيللي [تأتي بمعنى سخرية لعدم فهم الشيء أو عدم الاستطاعة على فعله]، فالآن صار جنوني بهوان الحياة وغرور الإنسان، وعبث العيش كله، وما لقيتُ نعماءَ أو أصابَنِي ضرَّاء إلا قلت كما قال سليمان بن داود: (باطل الأباطيل، الكل باطل)؛ حتَّى لقد هممت أن أسمِّي كتابًا لي: (باطل الأباطيل)، كما سميت آخر (قبض الريح)، وثالثًا (حصاد الهشيم)، فليس إيثاري لهذه الأسماء عن تواضع كما توهم البعض، بل عن نُزُوع إلى الاستخفاف حتى بالنفس، وعن شعور قوي بمرارة الهوان الذي أجده لهذه الحياة وكل مظاهرها".

يقول الشيخ عائض القرني: "إذا كانت الحياة في البساط والسياط والسلطة والسطوة، فأين أصحابها بعد موتهم {هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً} [مريم:98]؟ .. عاصر الشافعي خمسة ملوك، عاشوا أغنياء وهو فقير، هم في حشمٍ وخدم وهو في غربة وعزلة، بقي وذهبوا، ذكر ونسوا، عاش وماتوا؛ لأنه أمات الدنيا في حياته، وأحيا الآخرة قبل وفاته، وهم أشربوا في قلوبهم عجل العاجلة، وأخروا في بطاقة أعمالهم الآخرة، ورضوا بأن يكونوا مع الخوالف".

وفي مقدمة كتاب ذم الدنيا من (إحياء علوم) الدين كتب أبو حامد الغزالي يقول: "الحمد لله الذي عرف أولياءه غوائل الدنيا وآفاتها، وكشف لهم عن عيوبها وعوراتها، حتى نظروا في شواهدها وآياتها، ووزنوا بحسناتها سيئاتها، فعلموا أنه يزيد منكرها على معروفها، ولا يفي مرجوها بمخوفها، ولا يسلم طلوعها من كسوفها، ولكنها في صورة امرأة مليحة تستميل الناس بجمالها، ولها أسرار سوء قبائح تهلك الراغبين في وصالها، ثم هي فرارة عن طلابها شحيحة بإقبالها، وإذا أقبلت لم يؤمن شرها ووبالها، إن أحسنت ساعة أساءت سنة، وإن أساءت مرة جعلتها سُنّة، فدوائر إقبالها على التقارب دائرة، وتجارة بنيها خاسرة بائرة، وآفاتها على التوالي لصدور طلابها راشقة، ومجاري أحوالها بذل طالبيها ناطقة، فكل مغرور بها إلى الذل مصيره، وكل متكبر بها إلى التحسر مسيره، شأنها الهرب من طالبها، والطلب لهاربها، ومن خدمها فاتته، ومن أعرض عنها واتته، لا يخلو صفوها عن شوائب الكدورات، ولا ينفك سرورها عن المنغصات، سلامتها تعقب السقم، وشبابها يسوق إلى الهرم، ونعيمها لا يثمر إلا الحسرة والندم، فهي خداعة مكارة طيارة فرارة، لا تزال تتزين لطلابها حتى إذا صاروا من أحبابها كشرت لهم عن أنيابها، وشوشت عليهم مناظم أسبابها، وكشفت لهم عن مكنون عجائبها، فأذاقتهم قواتل سمامها، ورشقتهم بصوائب سهامها، بينما أصحابها منها في سرور وإنعام، إذ ولت عنهم كأنها أضغاث أحلام، ثم عكرت عليهم بدواهيها فطحنتهم طحن الحصيد، ووارتهم في أكفانهم تحت الصعيد، إن ملكت واحدا منهم جميع ما طلعت عليه الشمس جعلته حصيدا كأن لم يغن بالأمس، تُمنى أصحابها سرورا، وتعدهم غرورا، حتى يأملون كثيرا ويبنون قصورا، فتصبح قصورهم قبورا، وجمعهم بورا، وسعيهم هباء منثورا، ودعاؤهم ثبورا، هذه صفتها، وكان أمر الله قدرا مقدورا".

ويقول أيضا: "إن الفائزين المقربين هم علماء الآخرة ولهم علامات: فمنها أن لا يطلب الدنيا بعلمه، فإن أقل درجات العالم أن يدرك حقارة الدنيا وخستها وكدورتها وانصرامها، وعظم الآخرة ودوامها وصفاء نعيمها وجلالة ملكها، ويعلم أنهما متضادتان، وأنهما كالضرتين مهما أرضيت إحداهما أسخطت الأخرى، وأنهما ككفتي الميزان مهما رجحت إحداهما خفت الأخرى، وأنهما كالمشرق والمغرب مهما قربت من أحدهما بعدت عن الآخر، وأنهما كقدحين أحدهما مملوء والآخر فارغ، فبقدر ما تصب منه في الآخر حتى يمتلئ يفرغ الآخر".

وقال بعض الحكماء: "انظر إلى الدنيا نظر الزاهد المفارق لها، ولا تتأملها تأمل العاشق الْوَامِقِ بها".
وسئل علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- عن الدنيا فقال: "تَغُرُّ وَتَضُرُّ وَتَمُرُّ".
وسأل بعض خلفاء بني العباس جليسا له عن الدنيا فقال: "إذا أقبلت أدبرت".
وقال عمرو بن عبيد: "الدنيا أمد والآخرة أبد".
وقال أَنُوشِرْوَانَ: "إن أحببت أن لا تغتم فلا تقتن ما به تهتم".

ولما قتل بَزَرْجَمْهَرُ وجد في جيب قميصه رقعة فيها مكتوب: "إذا لم يكن جد ففيم الكد، وإن لم يكن للأمر دوام ففيم السرور، وإذا لم يرد الله دوام ملك ففيم الحيلة".
وقال عمر بن عبد العزيز في خطبته: "إن الدنيا ليست بدار قراركم، دار كتب الله عليها الفناء، وكتب على أهلها الظعن عنها، فكم من عامر موثق عما قليل يخرب، وكم من مقيم مغتبط عما قليل يظعن، فأحسنوا رحمكم الله منها الرحلة بأحسن ما بحضرتكم من النقلة، وتزودوا فإن خير الزاد التقوى، إنما الدنيا كفيء ظلال، قلص فذهب، بينا ابن آدم في الدنيا ينافس وهو قرير العين إذ دعاه الله بقدره ورماه بيوم حتفه فسلبه آثاره ودنياه، وصير لقوم آخرين مصانعه ومغناه .. إن الدنيا لا تسر بقدر ما تضر، إنها تسر قليلا وتحزن طويلا".
د/ خالد سعد النجار

Post: #1112
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-04-2015, 02:08 PM
Parent: #1111

اشتهر اليابانيون منذ قديم الزمان بحبهم الشديد للسمك الطازج. لكن الأسماك لم تكن تعيش في المساحات القريبة من الجزر اليابانية بكميات كبيرة. لذلك كان على صيادي السمك الدخول لعمق البحر مما تطلب وجود قوارب أكبر. وكلما زادت المسافة التي يقطعها الصيادون في عرض البحر، كلما تأخرت عودتهم إلى الشاطئ مرة أخرى. الأمر الذي يعني أن السمك الذي اصطادوه لم يعد طازجاً كما يحبه اليابانيون.
ولحل المشكلة قام الصيادون بتركيب ثلاجات كبيرة على ظهر المراكب لكي يحفظوا فيها الأسماك لحين عودتهم إلى الشاطئ. إلا أن ذلك لم يحل المشكلة لأن السمك يأتي مثلجاً والزبائن يفرقون جيداً بين الطازج والمثلج.
لذلك قرر أحد الصيادين أن يضع خزاناً مملوءا بالماء فوق القارب بحيث يتم اصطياد السمك ووضعه في الخزان لكي يظل حياً إلى أن يصل إلى الشاطئ. إلا أن الخزانات كانت صغيرة وكانت الأسماك تبقى حبيسة دون حراك طوال رحلة الصيد الطويلة. وبالتالي أصيبت الأسماك بالكسل وربما الشلل، وعندما تصل إلى الشاطئ يشعر المشترون أنه سمك ميت فلا يقبلون عليه.
اضطر الصيادون اليابانيون إلى وضع سمك قرش صغير في هذه الخزانات، فلا يؤذي الأسماك، ولكنه كان يبعث الرعب فيها فتظل متحفزة دائمة الحركة طوال الرحلة إلى أن تصل إلى الشاطئ.
وبهذا نجح اليابانيون في الحصول على سمك طازج وبيعه لمحبي السمك الطازج.
إن طموحات الإنسان وأحلامه هي ما تدفعه للمستقبل بكامل طاقته، تماماً كما تفعل أسماك القرش بالأسماك الأخرى. فينبغي على العاقل اللبيب ألا يقنع بما عليه حاله، بل ينزع دائما إلى معالي الأمور، ويعمل على تغيير وضعه إلى ما هو أرقى وأسمى وأنفع، وكلما نال مرتبة نظر إلى ما فوقها في غير ركون إلى الدنيا أو مخالفة لشرع ربه.
وإذا كان الأمر كذلك فإنه لن تكون له غاية دون الجنة .. قال عمر بن عبد العزيز -رحمه الله-: " إن لي نفسًا تواقة [تشتاق إلى الشيء] لم تزل تتوق إلى الإمارة، فلما نالتها تاقت إلى الخلافة، فلما نالتها تاقت إلى الجنة، وأرجو أن أنالها".
وهذا هو الطموح الصادق، وحقيقته: أن تتطلع النفس إلى ما هو أكمل وأحسن وأسمى. وقد كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يدل الأمة دائمًا على طلب المعالي والتنزه عن الدنايا، فيقول –صلى الله عليه وسلم-: " إن الله تعالى يحب معالي الأمور وأشرافها، ويكره سفسافها " [رواه الطبراني]. وما أكثر ما يوصي –صلى الله عليه وسلم-المسلم بالحرص على ما ينفعه والاستعاذة من العجز والكسل.
بين الطموح وعلو الهمة
مما لا شك فيه أن الطموح وعلو الهمة يشتركان في هدف طلب معالي الأمور، غير أنهما يختلفان في الباعث والوسيلة، فالباعث في علو الهمة قد يكون الأنفة من خمول الضعة، أو دفع مهانة النقص، أما الباعث على الطموح فهو نزوع النفس دائمًا نحو الأعلى، وأما من حيث الوسيلة فإن علو الهمة لا يسلك بصاحبه إلا الدروب الشريفة الموافقة لشرع رب العالمين، بينما نجد أن الطموح قد يجنح بصاحبه إلى الغلو والإسراف في استخدام الوسائل.
والذي لا شك فيه أيضًا أن صاحب الطموح إن لم يبذل جهده للوصول إلى غايته، تبقى دوافعه مجرد أماني، لكن الشخص الطَّمُوح حقًا هو الذي يسعى لنيل ما يريد، بل ويُتعب نفسه في هذا:
وإذا كانت النفوس كبارًا......تعبت في مرادها الأجسامُ
الطموح محفوف بالمكاره
الطموح خصلة نفسية لا يملكها إلا ذو العزيمة الصلبة والإرادة القوية والصبر المستميت على كل الأمور، فمعالي الأمور دائما وعرة المسالك محفوفة بالمكاره؛ ولهذا قال معاوية لعمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: "من طلب عظيمًا خاطر بعظيمته". وكان عمرو بن العاص يقول: "عليكم بكل أمرٍ مَزْلَقَةٍ مَهْلَكَةٍ " يعني عليكم بجسام الأمور وعظيمها.
إن الإنسان يملك طاقات كبيرة وقوى خفية يحتاج أن يزيل عنها غبار التقصير والكسل .. فأنت أقدر مما تتصور، وأقوى مما تتخيل، وأذكى بكثير مما تعتقد .. اشطب كل الكلمات السلبية عن نفسك مثل: " لا أستطيع، لا أحسن " وردّد باستمرار: " أنا أستحق الأفضل، أنا مبدع، أنا ممتاز، أنا أقدر".
أنبل أنواع الطموح
أنبل أنواع الطموح هو ذلك الذي تتعدى أهدافه الفرد لتصل إلى المجموع، إذ تتجسد من خلاله أروع صور نكران الذات والذوبان في الآخر، وهذا الصنف من الطموح له مظاهر عدة، فعلى الصعيد الأسري نجد طموح الوالدين فيما يتعلق بمستقبل أطفالهما، وعلى الصعيد الاجتماعي يتجلى هذا الطموح من خلال ميل الجماعات والأمم لحفظ تراثها وتاريخها باسم المجموع لا الفرد، ولعل الكثير من الحكم والأشعار التي تزخر بها أغلب الثقافات الإنسانية تصلح أن تكون مثالا على ذلك، فأغلبها ليس لها مؤلف تعرف به، بل شعب تدل على وجوده !
كلمات في الطموح
• قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم: 7].
• " لولا سعي الإنسان للكمال لاستحال دودة " [هنري ميلر _ كاتب أمريكي].
• " ليس المرء بما يفعله، لكن بما قد يفعله " [ روبرت براونيغ _ شاعر بريطاني ].
• " إن شئت الارتقاء في هذا العالم فعليك تعزيز حسناتك .. تحريكها وضبطها .. عليك نفخ البوق باسمك، وإلا خذها مني: لا فرصة لديك " [ دبليو إس جلبرت _ كاتب مسرحي ].
• " إنك طموح .. وهو أمر ينفع أكثر مما يضر، طالما بقي في حدوده المعقولة " [ إبراهم لينكون _ الرئيس الأمريكي السادس عشر ].
• " الطموح يا سيدتي، جنون العظماء " [ جون ويستر _ كاتب مسرحي بريطاني ].
• " بمجرد أن تقنع بالدرجة الثانية، فستبقى كذلك طيلة حياتك " [ جون كينيدي _ الرئيس الأمريكي الثالث والخمسون ].
• " الطموح حجة واهية لعدم قدرتك على أن تكون كسولا " [ تشارلي ماك كارثي _ خبير أمريكي في فنون القتال ].
• " ثمة دوما مكان في القمة " [ دانيال ويستر _ سياسي أمريكي ].
• " الإنسان هو المخلوق الوحيد على هذه الأرض الذي يسعى إلى التفوق على ذاته، والوحيد الذي يحن إلى المستحيل " [إيريك هوفر _ كاتب اجتماعي أمريكي].
• " الشخـص الذي يتحـدث بأهدافه ويدونها يحقق نسبـة عالية منها بعون الله ".
• " حيـن نجعـل أهدافنا سامية: تكـون همتنا عالية، وأمانينا غالية، ونستثمر كل دقيقة وثانية ".
إسلام ويب

Post: #1113
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-04-2015, 08:52 PM
Parent: #1112

الشيشة .. جليس السوء
تعالت صيحات التحذيرات من مخاطر تدخين «الشيشة» مؤخرا، ويصف المراقبون تفشيها في العالم بأنه «وباء حقيقي»!! وقد أظهر المسح العالمي لاستخدام التبغ بين الشباب الذي يغطي الحقبة 1999-2008م ويشمل نصف مليون مشارك حول العالم، أن تدخين السجائر قد استقرّت نسبته أو تراجعت، ولكن أنواعاً أخرى من التدخين آخذة في الانتشار وأهمها تدخين الشيشة.

ويعتبر الشرق الأوسط واحدا من المناطق الأكثر استهلاكا للتبغ في العالم .. وبحسب أطلس التبغ، فقد شهد العقد الأخير زيادة لافتة في عدد المدخنين بدول الشرق الأوسط، وشكلت فئة الفتيان نسبة تقترب من 15 % والفتيات نسبة 9 % من إجمالي عدد المدخنين.

وتشير الدراسات المسحية الحالية إلى حقائق مقلقة، إذ تُظهر دراسة من العام 2011م في لبنان أن ما يقرب من 35% من الفتيان والفتيات الذين تتراوح أعمارهم بين 13-15عاماً يدخّنون الشيشة بانتظام، التي قد تختلف تسمياتها (أرجيلة ونارجيلة). وبالإضافة إلى ذلك، فإن ما يقارب60% من المراهقين من الفئة العمرية ذاتها جرَّبوا تدخينها مرة واحدة على الأقل في تلك السنة.

أما في الأردن فقد ارتفعت نسبة تدخين الشيشة بين المراهقين بمقدار 72% بين الفتيان، 36% بين الفتيات، ما بين العامين 2008 -2011م، بحسب دراسة نُشرت في العام 2013م في المجلة الأوروبية للصحة العامة.

وقال البروفسور (توماس أيسنبرج) الأستاذ المشارك في دائرة علم النفس في كلية الإنسانيات والعلوم ومدير مركز دراسة المنتجات التبغية في جامعة فرجينيا كومونولت: "إن تدخين الشيشة شعبي جداً في العالم العربي. وأردنا أن نُصدر الملحق للفت النظر خلال «المؤتمر العالمي حول التبغ أو الصحة» إلى أن هذا النوع قد انتشر بشكل بتنا نعرف أنه خطير".

وكشفت بعض الأوراق البحثية أن ستة ملايين شخص في العالم يموتون سنويا بسبب التدخين، وهو رقم يفوق إلى حدٍّ بعيد أعداد ضحايا الكوارث الطبيعية، وحتى الأوبئة الفيروسية والجرثومية.

فروق خطيرة
نعم التدخين كله شر لا فرق بين السجائر أو الشيشة أو غيرها من وسائل التدخين، كما أن الموضوع ليس دعوة لاستبدال الشيشة بالسجائر، لكنه نوع من تجلية الحقائق وإيضاح المضار المترتبة من الشيشة والتي تفوق مخاطر السجائر، ورغم أن معسل الشيشة هو نفسه تبغ السجائر الحنتوي على النيكوتين والقطران وأول أكسيد الكربون والمعادن الثقيلة مثل الزرنيخ والرصاص وإلا أنها تتفوق عليها ضررا من وجوه كثيرة:
- كل «نفس» شيشة يوازي تدخين سيجارة واحدة. كما أوضحت منظمة الصحة العالمية أنّ جلسة واحدة من تدخين الشيشة قد تساوي تدخين من 20 - 30 سيجارة.

- تدخين دورة واحدة من الشيشة يطلق ما معدله أربعة أضعاف المادة المسرطنة (PAH)، وأربعة أضعاف الألدهايد الطيار، وثلاثين ضعف أول أكسيد الكربون ما تطلقه سيجارة واحدة. كما أظهرت دراسات أن تدخين ساعة من كاملة من الشيشة يطلق في الجو المحيط من المواد المسرطنة والسامة ما تطلقه 10-20 سيجارة. أي أن تأثير التدخين السلبي الناتج عن تدخين الشيشة قد يفوق في خطره تدخين السجائر.

- تدخين الشيشة لمرة واحدة لمدة 45 دقيقة له أثرا سلبيا على وظائف الرئة. وارتفاع حاد بنسبة غاز أول أكسيد الكربون السام من 307 جزء في المليون إلى 24.2 جزء في المليون.

- تدخين الشيشة لمدة ساعة يعرض المدخنين لمستويات كبيرة جداً من الدخان تقدر بنحو 100 -200 ضعف من كمية دخان السجائر. لأن قارورة الشيشة الزجاجية يتجمع بها قدرا كبيرا من الدخان مما يجعل المدخن كما لو أنه يتنشق علبة سجائر كاملة أو أكثر في وقت واحد.

- أثناء تدخين الشيشة يميل المدخنون إلى إطالة زمن سحب الدخان مما يزيد من تشبع الرئة به وارتفاع نسبة الخطورة منه بالمقارنة بالضرر الناجم من تدخين السجائر (100 ضعف السموم الموجودة بالسجائر العادية) حيث يحتوي دخان الشيشة على أكثر من أربعة آلاف مادّة ضارّة أهمها: النيكوتين، والمعادن الثقيلة، وأوّل أكسيد الكربون والقطران وغيرها من المواد السامّة.

- الدخان المنبعث من الشيشة يحتوى على مستويات قاتلة من اليورانيوم والرصاص، وهى من العناصر السامة التي ترفع فرص الإصابة بأمراض القلب والسرطانات على المدى البعيد، وخاصة ًسرطان الرأس والعنق. جدير بالذكر أن مستويات اليورانيوم بالدم جراء تدخين الشيشة تصل إلى حدود خطيرة للغاية، تقدر بنحو 26 ضعف المستويات الموصى بها.

- توصى منظمة الصحة العالمية "WHO" وإدارة الغذاء والدواء الأمريكية "FDA" بألا يزيد الحد الأقصى من اليورانيوم داخل مياه الشرب التي يتناولها الإنسان عن 30 ميكروجرام بكل لتر "30 جزءا في المليون"، بينما كشفت النتائج المخبرية أن مستوياته في دخان الشيشة بلغ حوالي 800 جزء من المليون، وهو ما يعد أمراً خطيراً للغاية.

- من السموم الإضافية في دخان الشيشة (الهيدروكربون الاروماتي البوليسكلي) وهي مادة لا توجد في دخان السجائر وهي أحد المواد المسرطنة الفتاكة، حيث وجد أن 85 - 90 % من مرضى سرطان الرئة هم من المدخنين للمعسل.

- تدخين الشيشة يؤدي إلى ارتفاع مستوى النيكوتين والكوتينين في بلازما الدم واللعاب وكذلك في البول وبالتالي فهو يؤثر على أنسجة الفم واللثة، ويسبب سرطان الشفاه لأن الاحتراق يؤدي إلى تقرحات شديدة تصيب النسيج الحرشفي للشفة السفلية فيتغير لونها وتتورم.

- التبغ المستعمل في تحضير المعسل يحتوي على نسبة كبيرة من المبيد الكيماوي السام (دي تي تي) بنسبة مرتفعة، بل هنالك أكثر من 140 ملجم من المعادن الثقيلة وكمية كبيرة من السموم في كل كيلو جرام من التبغ .

- الخرطوم الذي يستخدمه المدخن في السحب عند تدخين الشيشة والصمام الذي يطرد منه الدخان الزائد هما مصدر الخطورة الأكبر في الشيشة، ففيهما تنتقل ملايين الميكروبات من مدخن إلى أخر حتى أصبحت الشيشة أهم ناقل للعدوى الميكروبية بين أوساط المدخنين وخاصة مرض الدرن (30-40% من أنابيب الشيشة تحتوي على العصيّات المسبّبة للسلّ الرئويّ)، وبكتيريا الهليكوبكتر التي تسبب قرحة المعدة، ومسببات التهاب الكبد الوبائي (ب).

- المعسل المنكه بالتفاح -وغيره من أنواع المنكهات- ليس أقل ضررا كما يعتقد البعض، حيث كشفت البحوث أن خطر المواد السرطانية في حالة الشيشة بالنكهات يتضاعف. كما أن الرائحة المميزة لدخان شيشة التفاح يعطى انطباع باللذة والمتعة مع إحساس بأنها أكثر قبولا لدى الجالسين في مجلس تدخين الشيشة حتى ولو كانوا من غير المدخنين، وهذا من شأنه أن يزيد النهم للتدخين ويزيد الطين بلة بالنسبة لنعمة الصحة.

- لا يفوتنا أن نذكر أضرار أوراق الألومونيوم التي تتفاعل مع الفحم الساخن لتنتج في نهاية المطاف المواد المسرطنة. بالإضافة إلى أن المواد المستخدَمة لإشعال التبغ، مثل الخشب سريع الاحتـراق أو الفحم الخطيرةً على صحة الإنسان، بسبب المواد السامّة الّتي تنبعث منها.

- يعتقد بعض مدخني الشيشة أنها لا تسبب الإدمان لأن النيكوتين يمتص في المياه المستخدمة في الشيشة .. ولكن هذا الأمر غير صحيح, حيث أن المياه تمتص بعضاً من النيكوتين فقط. بالإضافة إلى أن الماء لا يفلتر المواد السامة والمسرطنة التي يحتويها تبغ الشيشة.

- مادة النيكوتين في الشيشة لها تأثير على الأوعية الدموية، وتجعلها تتقلص وهذا يؤدي إلى شحوبة الوجه ويجعل وجه المرأة رمادياً، كما إنه يسبب تجاعيد مبكرة ويؤثر على الشعر والأظافر، إضافة إلى اصفرار الأسنان، والشيشة لها تأثير على الدورة الشهرية وتقلل من خصوبة المرأة وتسبب العقم أحياناً، والمرأة الحامل يسبب تدخين الشيشة لها نقصاً في نمو الجنين وصعوبة في تنفسه، إضافة إلى الإجهاد المتكرر لها.
اسلام ويب

Post: #1116
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-07-2015, 10:24 PM
Parent: #1113

الاسم الأعظم (الله)
ورد هذا الاسم الأعظم في الآية الأولى والثانية من (الفاتحة)، وتكرر في القرآن الكريم في (2707) من المرات، منها 980 مرة في حالة الرفع، و592 مرة في حالة النصب، و1135 في حالة الجر فلنتعرف إلى مكامن الجمال والجلال والكمال في هذه الكلمة المباركة:

هل هذه الكلمة المعظمة (الله) مشتقة؟

الجواب: قيل: إن هذه الكلمة المعظمة (الله) مشتقة من (إله) بمعنى معبود، دخلت عليه (أل)، ثم حذفت همزته لكثرة استعمال هذا اللفظ عند الدلالة عليه تعالى كما حذفوا همزة الأناس فقالوا الناس، ولذلك أظهروها في بعض الكلام. قال البعِيث بن حريث:

معاذ الإِله أن تــكـــون كظبـــيـــــة .... ولا دمــــيـــةٍ ولا عـــقـــيــلة ربــــرب
ولكـنها زدت علـى الحـسـن كـــله .... كمالا، ومن طـيب علــى كــل طـــيب

وبعد حذف الهمزة أدغم اللامان فصارت الكلمة (الله)

كلمة (الله) ولو كان لها أصل اشتقاقي فهي عَلَمُ الأعلام:

ولذا قال الإمام الشافعي: (الله) اسم علم لا اشتقاق له، يُنادى به الله سبحانه وتعالى، فهو الإله الحق، وينطق باللام المفخمة ما لم تسبقه الكسرة أو الياء، ويذكر عادة مقرونا بألفاظ تدلّ على الإجلال.

تعريف الاسم العظيم (الله)، واحتواء الاسم المبارك على دليل الوحدانية:

يعرف العلماء هذا الاسم العظيم (الله): بأنه عَلَمٌ على واجب الوجود الجامع لصفات الألوهيّة، وقولهم (واجب الوجود) أي أنه لا يمكن تصور الكون والخلق بدونه، فالاسم العظيم ذاته يشير إلى الرد على الملحدين، ولذا ذكر سيبويه أن هذه الكلمة المباركة تُشير إلى أعرف المعارف كما قال الله –تعالى ذكره- {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم:65].. سبحانه لا سمي له، ولا مثيل ولا نِدَّ ولا نظير.. فماذا يريد الملحدون.. ماذا يريدون دليلاً على وجود الله ووحدانيته جلَّ في علاه؟ وكل ذرةٍ من الوجود تشهد بذلك، كما قال العارفون: "كيف يُعرف بالمعارف من به عُرِفَتْ المعارف؟ أم كيف يُعْرف بشيءٍ من سبق وجودُه وجودَ كلِّ شيء؟".

ولذا فإن تصور الكون من دون خالقٍ هو تصورٌ يدل على سفهٍ في التفكير، وخللٍ في العقل، واستكبارٍ وتعاظمٍ بغيضٍ كما قال الله عن أصحاب هذا المرض العقلي الخلقي: {لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا} [الفرقان:21]، فإنه لا يمكن لعاقلٍ أن يتصور وجود الكون دون الخالق العظيم الأول الذي ليس قبله شيء، ولذا نحن نستعيذ به في كل شيء، ونلجأ إليه في كل شيء، لأنه الأول قبل كل شيء، والآخر بعد كل شيء، وكم نتلذذ ونحن نردد بعقولنا وقلوبنا قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم –فيما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه- كان يقول قبل نومه: ((اللهم رب السموات ورب الأرض ورب العرش العظيم، ربنا ورب كل شىء، فَالق الحب والنوى، ومنزِل التوراة والإِنجيل والفرقَان أعوذ بك من شر كل شىء أنت آخذ بناصيته اللهم أنت الأول فليس قَبلك شىء، وأنت الآخر فليس بعدك شىء، وأنت الظاهر فليس فوقك شىء، وأنت الباطن فليس دونك شىء اقض عنا الدين وأغننا من الفقرِ))

اللهُ حـــــــــق أول كـــــــــان ولـــــم يكن سواه ثم من بعد العدم
أنشــــــأَ خلــــــقَه اختـيـــاراً بقَــــدر لـحـكم لا عبـــثاً ،كما ذكـــر
بقــــــوله كُنْ فيــــــــكُون مـــــا طلب بِلا علاجٍ ولغوب ونصب
قل صــدق اللهُ، فما في الله شــك مــالـــك كل مالـــك وما ملـــك
خـــــالق كل فاعل وما فَعـــــــل مسبب الأسباب واضــع العــلل

يترتب على ذلك الآتي:

1) لا يجوز أن يتسمى بهذا الاسم العظيم (الله) أحد، ولم يجرؤ أحد على فعل ذلك بحمد الله.
2) لفظ الجلالة (الله) هو علم يوصف ولا يوصف به.
3) أسماء الله الحسنى الأخرى هي صفات تجرِي على هذا الاسم العظيم، فهي أسماء تدل على صفات كما قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ} [الأعراف:180].
4) تسند إِلَى هذا الاسم العظيم (الله) أفعال تلك الأسماء، فيقال فيما يشتق من اسم (الرحمن) مثلاً: رحم الله فلانا، ويرحمه الله، واللهم ارحم فلانا.
5) تضاف إِلَى هذا الاسم العظيم (الله) مصادر الأسماء الأخرى، فَيقال: رحمة الله وربوبِيته ومغفرته {إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:56].
6) هذه الأَسماء المشتقّة (كالرحمن والغفار..) كل منها يدل على ذات الله تعالى، وعلى الصفة التي اشتق منها معا بالمطابقة، فمثلاً: الرحمن يدل على ذات الله، وعلى رحمته بالمطابقة لهذا الاسم العظيم (الرحمن).
وَتدل هذه الأسماء على الذات وحدها أوِ الصفة بالتضمن، فـ(العظيم) يتضمن الذات كما يتضمن صفة العظمة، ولكل منها لوازم يدل عليها بالالتزام، كدلالة الرحمن على الإِحسان والإِنعام، ودلالة الحكيم على الْإِتقان والنظام.

لا اسم لإله النصارى:

هرب الـمُحَرِّفة من أهل الكتاب من تسمية رب العالمين بهذا الاسم العظيم (الله)، ولم يوجد له ذكرٌ في الكتاب المقدس عندهم مع أن كل الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- عندما دعوا أقوامهم إنما قالوا: {أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:36]، ولا يمكن لنا تصور أن الأنبياء يدعون قومهم إلى عبادة من لا اسم له، ولكن المعتدين حرفوا الكلم عن مواضعه، ووضعوا كلامهم وخرافاتهم في مواقعه، ولم يذكروا اسم {الله} عَلَماً على رب العالمين مع أنه اسمه الأعظم جل في علاه، واكتفى النصارى بالإشارة إليه بأنه (الآب)، واتخذوا له أسماء أخرى مع اليهود كاسم: يهوه، وألوهيم، وإيل، ثم تقرباً من المسلمين بغيةَ إضلالهم استخدموا في الإعلام لفظ الجلالة (الله) مع عدم وروده بهذا الاسم في كتابهم المقدس المتعارف عليه بطبعاته الحديثة، فكم حرموا أنفسهم من خير، وكم جلبوا على أنفسهم بهذا التحريف من سوءٍ وضير.. {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة:74].

أثر ترديد الاسم الأعظم (الله) على النفس:

مجرد نطقك بهذه الكلمة العظيمة (الله) يجعل قلبك يمتلئ حباً وإجلالاً وتعظيماً وارتياحاً، واطمئناناً وأُنساً وانشراحاً، ولذا روى الشيخان عن ابن عباس رضي اللَّه عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو عند الكرب: ((لا إله إلا اللَّه العظيم الحليم، لا إله إلا اللَّه رب العرش العظيم، لا إله إلا اللَّه رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم))، لكم يعيد ترديد الاسم العظيم على الشفاه الراحة والفرحة، ويزيل كل غصةٍ وقُرحة



(اللهُ) يا أعذبَ الألفاظ في لــغتي ويــــا أجــــلَّ حـــروفٍ فـــي معــانيــــها
(اللهُ) يا أمتعَ الأسماء كم ســعدت نفسي، وفاض ســروري حين أرويـــــها
(اللهُ) أُنســـــي وبســـتاني وقـــــافيـــتي (اللهُ) يا زينةَ الدنيــا ومــــا فـيــــها
(اللهُ) يرتـــاح قلـبي حين أسمــعـهــا وحـــين أُبصــرها نقـــشـــاً وأُمــليــها
(اللهُ) فـيــهـا إجــابـاتـي وأسـئـلـتــي ومـن معانـي الـرضا والـحـب صافيها
(اللهُ) فيـها بيـاـي، بسمـتِي، طـربِـي مشاعـرِي، حاضـر البشـرى وماضيها
(اللهُ) روحي، طموحي، راحتي، سكني لا أجـتـنـي الأنـس إِلا مـن مغانـيـهَا
(اللهُ) شـهـد الـهوى والــود لـيس لـهـا فــي مهـجـة الـمـتقـي شــيء يساويها

إسلام ويب

Post: #1117
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-07-2015, 10:27 PM
Parent: #1116

واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام
"خليل الرحمن" ذاك هو اللقب الخاص بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وهي منزلةٌ عليّةٌ نالها دون غيرِه من الأنبياء والمرسلين، ولإبراهيم عليه السلام وصفٌ آخر مذكورٍ في القرآن، وهو وصفُ الحنيفيّة، أي الميلُ عن الشرك.

وقصّةُ نبي الله إبراهيم عليه السلام في مناظرةِ قومِه إثباتاً للوحدانيّةٍ وإبطالاً للوثنيّة والمسالك الشركيّة معروفةٌ، وأحداثُها مسطورةٌ في سورة الأنعام، إلا أن ما يلفتُ انتباهنا في قصّته عليه السلام في هذا الموضع، دعاؤه على أعتاب البيت الحرام: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنا واجنبني وبني أن نعبد الأصنام} (إبراهيم:35).

إن الداعي بهذا الدعاء هو نفسُه الذي عاتب أباهُ "آزر" من قبل قائلاً له: {أتتخذ أصناما آلهة إني أراك وقومك في ضلال مبين} (الأنعام:74)، {إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنك شيئا} (مريم:42)، وهو الذي شهدَ الله له بالرّشْدِ والنجابة منذ نعومةِ أظفارِه، لِيُدرك ضلال قومِه وعدم معقوليّةِ ما يفعلونَه: {ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين * إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون} (الأنبياء:51-52)، {قال أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم شيئا ولا يضركم * أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون} (الأنبياء-66-67)، {وإبراهيم إذ قال لقومه اعبدوا الله واتقوه ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * إنما تعبدون من دون الله أوثانا وتخلقون إفكا إن الذين تعبدون من دون الله لا يملكون لكم رزقا فابتغوا عند الله الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون} (العنكبوت:16-17)، فصاحبُ الحجج العقليّة النجيبةِ عليه الصلاةُ والسلام، يدعو ربّه أن يجنّبه ويجنّب بنيه من بعدِه عبادة الأصنام، فما دلالةُ ذلك؟

إن الدرسَ الذي نستفيدُه هنا، وينبغي التأكيد عليه مراراً وتكراراً، أن الكفرَ والإيمان ليسا عمليّةً عقليّةً محضة، بحيث تكونُ إقامةُ البراهين العقليّة على التوحيد وبطلان الشرك ضامنة لصاحبِها أن يبقى على هذه الهداية حتى مماتِه، بل إن مسألة الهدايةِ والثبات لها طرْفٌ خفيٌّ غيبيّ ليس بيد الناس، وإنما هو بيدِ الله تعالى، ولذلك فإننا نستدِيم طلب الهداية والثبات على الحق يوميًّا في صلواتنا وفي كلّ ركعةٍ منها إذ ندعوا: {إيّاك نعبد وإياك نستعين * اهدنا الصراط المستقيم} (الفاتحة:5-6)، فلا بد من الاستعانةِ الدائمةِ بالله جلّ وعلا؛ كي نبقى على طريق الحق، ولا بد من الإلحاح الدائم أن يُلهمنا العزيمةَ على الرُّشْد، والثبات على الحق.

قال إبراهيم بن يزيد التيمي، تعليقاً على دعوة الخليل عليه السلام: "ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم؟ ويتهاون بكلمة التوحيد، ويعيب على من اجتهد في تعلمها إلا من هو أكبر الناس شركًا، وأجهلهم بلا إله إلا الله".

دعونا ننظر نظرةَ تجرّدٍ للواقع التاريخي بعد الخليل عليه السلام، إن الذي خافه الخليل عليه السلام على نفسه وبنيه وسأل الله السلامة منه، صارَ واقعاً كرّستْه الأيّامُ من أقوامٍ يشهدون ألا إله إلا الله، ويُنكرون عبادة الأصنام، ثم هم يقعون فيما يحذرون، فبعد القرون المفضّلة ومع قلّة العلم وانتشار الجهل، وقع الكثيرُ من أمّة التوحيد في ألوانٍ من الشرك تسلّلت إليهم، ومظاهرُ ذلك لا تخفى من بناءِ المساجد والمشاهد على القبور، والذبح لها والاستغاثةِ بأصحابها من الأولياء وأصحابِ الكرامات، وصرف العبادات بأنواعِها لها، وتفريغ سدنةٌ وخدّامٌ تقوم بشأنها كما كان عليه الأمر في الجاهليّة، فهذا من الشرك الذي خاف منه الخليل عليه السلام، وإن اختلفت الصور والقوالب والأسماء، وليس شرطاً أن تكون الأصنام لاتاً وعزّى، بل كلّ ما صُرف فيه نوعٌ من العبادةِ صار صنماً أو وثناً، فما أشبه ما وقع في آخر هذه الأمة بحال أهل الجاهلية من مشركي العرب وغيرهم.

قالت أمُّ سلمة رضي الله عنها: كان أكثرُ دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم : (اللهمّ يا مصرّف القلوب، صرِّف قلوبنا على طاعتك) قالت: يا رسول الله: أو إن القلوب لتتقلب قال: (نعم، ما من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فإن شاء أقامه، وإن شاء أزاغه) رواه أحمد.

قد قالَها إبليس منذ إعلانِه عن لحظة المعركة الكبرى مع الجنس البشري: {فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم * ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} (الأعراف:16-17) فأعظمُ أمانيه إيقاع الناس في الشرك، الذي لا يغفرُه الله، ولا يقبلُ من صاحبِه صرفاً ولا عدلاً، فكانت هذه القضيّة على سلّم أولويّاتِه، ومقدّمِ اهتماماتِه، وجنّد جنودَه لهذا المقصِد مستعينين بما لهم من فصاحةٍ وتزيينٍ وشبهات.

كل ذلك يدعونا إلى أن نكون أكثرَ تعلّقاً بالله جلّ وعلا واستعانةً به، وألا نغترّ بأنفسنا مهما آتانا الله من العلم والفهم حتى لا نهلك، والله الموفق.
إسلام ويب

Post: #1118
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-07-2015, 10:31 PM
Parent: #1117

معاقد الفرج.. كلماتٌ ثلاث
من بين ظلماتٍ ثلاث: ظلمةِ أكبرِ كائنٍ بحري، وظلمةِ البحرِ اللجّي الهائج، وظلمةِ السماء الملبّدةِ بالغيوم السود، ومع الرياح العاصفة التي أهاجت الموج فجعلتْه كأمثال الجبال، ولعبتْ بالسفن التي تحاول عبثاً أن تحافظ على استقرارها، من بين ذلك كلّه: انطلقت دعواتٌ خالصةٌ تشق هذا الركام الظلاميّ إلى السماء مسرعةً، فتفتّحت لها أبوابها، ولأجلها جاء الجواب الإلهي سريعاً ومنقذاً من هذه المهالك، وتحقّق الفرجُ لصاحبها.

لا إله إلا أنت..سبحانك..إني كنت من الظالمين، كلماتٌ ثلاث اختصرت الكثير من معاناة نبيٍّ من الأنبياء، أراد الله أن يكون ابتلاؤه في السجن، ولكن أيُّ سجن ذلك الذي احتواه؟ ليس لذلك السجن بابٌ يوصد ولا قفلٌ يُفتح، بل ليس فيه حرّاسٌ يُؤمرون فيَأتمرون، ويُطلب منهم فكاك من حُبس عندهم فيُطلقوا سراحه؛ لأن السجنَ والسجّانُ هنا هو مخلوقٌ واحدٌ، لا يفهم خطاب البشر، وهو الحوت الذي احتوى سيدنا يونس عليه السلام، والشهير باسمِه الآخر: ذي "النون"، والذي جاء من قصّتِه مع الحوت.

القصّة معروفةٌ ومشهورة، وليس القصدُ سردُها أو تناولُها، إنما المُراد الحديث عن تلك الدعوة النبويّة التي ما فَتَرَ لسان هذا النبي الكريم من تردِيدها وهو في ظُلمة الحوت، وتتداعى في الذهن أسئلة عديدة عنها: ما معنى تلك الدعوة النبوية؟ولم كانت كاشفة للكرب؟ وما مناسبة ذكر الاعتراف بالظلم ووقوع الذنب؟ والأهم من هذا كلّه: كيف يمكن تناول هذه الدعوة النبويّة من منظورٍ عقديٍّ يكشف عن عظمتِها وأهميّتها وارتباطها بمنهجٍ عامٍ له أبعادُه العقديّة؟ وللإجابةِ عن هذه التساؤلات ينبغي الشروع في التعليق على هذه الألفاظ، فنقول وبالله التوفيق.

اللفتة الأولى:لا إله إلا أنت

كلمةُ التوحيد شاملةٌ للنفي والإثبات، فهي كمثلِ قولِ الله تعالى: {إياك نعبد وإياك نستعين} (الفاتحة: 5) فلا نعبد إلا إياك، ولا نستعين إلا بك، وقوله سبحانه: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة: 5). وقوله تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل} (الحج: 62 )، فكلّ معبودٍ من دون الله فهو باطلٌ، مهما كان لهذا المعبودِ من فضلٍ أو مكانةٍ أو منزلة، لا أنبياءَ ولا أولياءَ ولا ملائكةَ ولا غيرّهم، فكلّ معبودٍ غير الله تعالى فهو باطل، وعبادةُ صاحبِه باطلةٌ، وعابدُه على باطلٍ، والمقصودُ بــ"الباطل" هنا: الذي لا يَنفع عابدَه، ولا ينتفع المعبودُ بعبادتِه، كما يقولُ العلماء، ولذلك ثمّنَ النبيُّ –صلى الله عليه وسلم- قولَ لبيد معتبراً إياه أصدق كلمة قالها في حياتِه:

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

واللافت هنا، أن كثيراً من الأذكار والأدعيّة النبويّة استُفتحت بشهادة التوحيد، نذكر منها على سبيل المثال، سيد الاستغفار كما جاء في صحيح البخاري: (سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).

وفي الدعاء بقوله: (لا إله إلا أنت) معنىً عميق قلّ من ينتبهُ إليه، وهو أن التقديم والاستفتاح في هذا الدعاء بذكر شهادةِ التوحيد القصدُ منه الإقرار والعهد على البقاء والتفيّؤ في ظلال العبوديّة مهما اشتدّت المحن وتوالت الابتلاءات، قال تعالى: {ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين} (الحج:11)، لأن الأساس الذي بنى عليه توحيده كان على تقوى من الله ورضوان، وهذا هو السببُ في ثباتِ صاحبِه على المِحَن: {أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم} (التوبة: 109)، وبذلك يتبيّن السرّ في تقديم هذه الكلمات بين يدي الدعاء، لأنها متضمّنةٌ لمعنى التوسّل بالأعمال الصالحة، وأعظمها ولا شك: توحيد الله جلّ وعلا، فكأن صاحب الابتلاء يقول: "إلهي! مهما صنعتَ من شيء وقدّرتَ من بلاء فلن أعبدَ غيرك".

اللفتة الثانية: سبحانك

(التسبيح) في اللغة: التنزيه، تقول: سبحان الله تسبيحاً، أي: نزهته تنزيهاً، فهو تنزيه الحق عن النقائص، وما لا يليق بعظمته وكماله.

والنفيُ هنا عن النقائص ليس نفياً مجرّداً عن السوء، أو كما يقول علماء المعتقد: ليس نفياً محضاً، ولكنه نفيٌ يُقصد به إثبات المحاسن والكمال لله تعالى، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالنفي لا يكون مدحاً إلا إذا تضمن ثبوتاً، وإلا فالنفي المحض لا مدح فيه، ونفي السوء والنقص عنه، يستلزم إثبات محاسنه وكماله".

واللفظ هنا وإن كان نفياً عامًّا لكل أنواع النقص، إلا أن المقصود الأعظم منه في هذا المقام: نفي الظلم عن الله تبارك وتعالى، حيث قدّر هذا الابتلاء على عبدِه دون أن يكون ذلك منه ظلماً أو عقوبةً بغير ذنب؛ لأن الظلمَ من أقبح الأمور التي يُنزّه عنها الباري تبارك وتعالى؛ لتمام عدلِه وإحسانِه: {إن الله لا يظلم مثقال ذرة وإن تك حسنة يضاعفها ويؤت من لدنه أجراً عظيماً} (النساء:40)، {وما الله يريد ظلما للعالمين} (آل عمران:108) ، {وما الله يريد ظلما للعباد} (غافر:31)، {ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلماً ولا هضما} (طه:112)، ويؤكّد ذلك ما جاء في السنة من مثلِ قول الله تعالى في الحديث القدسي: (يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا...يا عبادي! إنما هي أعمالكم، أحصيها لكم، ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله عز وجل، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه) رواه مسلم.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "ففي قوله: {سبحانك} تبرئته من الظلم، وإثبات العظمة الموجبة له براءته من الظلم؛ فإن الظالم إنما يظلم لحاجته إلى الظلم أو لجهله، والله غني عن كل شيء، عليم بكل شيء، وهو غني بنفسه، وكل ما سواه فقير إليه، وهذا كمال العظمة".

أما فائدة هذا التسبيح وثمرتُه، فهي مذكورةٌ في قوله سبحانه: {فلولا أنه كان من المسبحين * للبث في بطنه إلى يوم يبعثون} (الصافات:143-144)، فكان هذا التنزيه المتتالي لله تعالى عن النقائص والعظائم سبباً في تعجيل الفرج وانتهاء المحنة.

اللفتة الثالثة: إني كنت من الظالمين

بعد أن نفى يونس عليه السلام الظلم عن الله تبارك وتعالى، كان الاعتراف بالذنب والتقصير، ولا شك أنه هو السبب الحقيقي لنزول البلاء، وفي إثبات ظلم العباد لأنفسهم وردت الكثير من الآيات، التي تثبت ذلك، نذكر بعضاً منها: {وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} (النحل:118)، {وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم} (هود:101)، {وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين} (الزخرف:76)، وقول نبي الله آدم عليه السلام: {ربنا ظلمنا أنفسنا} (الأعراف:23).

وهذه ثنائيّةٌ رائعةٌ نستقيها من مشكاة النبوّة، أن يجمع العبدُ بين حالين عظيمين من حالات التوسّل: التوسّل بالعمل الصالح، وبضعفِ حال السائل، فكان جديراً بالإجابة، ولذلك كان التعليم النبوي لأصحابه أن يقولوا في كل صلاةٍ، وعند دعاء الاستفتاح: (اللهم أنت الملك لا إله إلا أنت، أنت ربي وأنا عبدك، ظلمت نفسي واعترفت بذنبي، فاغفر لي ذنوبي جميعاً، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) رواه مسلم في "صحيحه".

وهذا الاعتراف والإقرار ووصفِ النفسِ بدخولها في جملةِ الظالمين -والظلمُ وصفٌ لازمٌ للإنسان إما لنفسِه وإما لغيرِه- كان ذلك الإخبار سبباً للنجاة، كما قال الحسن البصري: "ما نجا إلا بإقراره على نفسه بالظلم"، ثم إن هذا الإخبار قد تضمّن طلباً للمغفرة من الله تعالى، فكان سبباً للنجاة.

اللفتة الرابعة: إلا استجاب الله له

حينما تضمّنت تلك الكلمات الإقرار بالتوحيد، والتوسّل بالعمل الصالح، وتنزيه الباري سبحانه عن الظلم، والإقرار بالذنب، شكّلت بمجموعها صورةً مثاليةً للعجز والانكسار والاطّراح بين يدي رب العباد، والله تعالى قد اتصف بالحياء والكرم كما جاء في الحديث الصحيح: (إن ربكم حييٌّ كريم، يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا) رواه أصحاب السنن عدا النسائي، فكيف بمن أحسن الدعاء، وأحسن التضرّع؟ ولذلك كانت الاستجابةُ وعداً إلهياً أكيداً، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له) رواه الترمذي.
إسلام ويب

Post: #1119
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-08-2015, 06:38 PM
Parent: #1118

كثيراً ما نمرّ على الآيات ونقرأ الأحاديث، فنجد حبلاً ينظم بين عددٍ منها، ونلحظ علاقاتٍ تقوم بينها، لا تظهر إلا عند التأمّل في هذه النصوص الشرعيّة وتدبّرها، ولعل من اللافت في ذلك، ما نراه من رابطةٍ متينة، وتوافقاتٍ لطيفة، قامت بين شهادة أن لا إله إلا الله، وبين الاستغفار وطلب التجاوز والعفو منه تعالى.
لنتأمّل كيف ذكر الله سبحانه وتعالى هذين الأمرين جميعاً في سياقٍ واحد: {فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات} (محمد: 19)، ثم لننظر كيف اشتملت الآية السابقة على هاتين العبادتين، وما جمع الله بينهما إلا ليُنبّه عباده على التلازم والتوافق الحاصل بينهما.
والسرّ في هذه العلاقة أن التوحيد سببٌ في تحصيل الخيرات بأنواعها، والاستغفار سببٌ في محو الذنوب التي تسوء الإنسان في دنياه وأخراه، فيتحصّل من هاتين العبادتين: تحقيق الخير بأنواعه، وإزالة الشرّ بأصنافه، وفي هذا المعنى يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " فالتوحيد هو جماع الدين الذي هو أصلُه وفرعه ولُبّه، وهو الخير كلُّه، والاستغفارُ يُزيل الشرَّ كلَّه، فيحصل من هذين جميعُ الخَيْر وزوالُ جميع الشرّ. وكلُّ ما يُصيب المؤمن من الشرِّ فإنما هو بذنوبه".
ويمكن القول كذلك: إن تحقيق التوحيد الخالص يقتلع من القلب شجرة الشرك الخبيثة من جذورها، وأما الاستغفار: فيمحو الذنوب والعثرات التي هي من عوالق الشرك، فالتوحيد يُذهب أصل الشرك، والاستغفار يمحو فروعه، ولذلك نجد أن الحديث القدسي تعرّض لهاتين القضيّتين في الحديث الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (قال الله تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) رواه الترمذي.
وإننا لنجد هذه العلاقة تتكرّر بين الحين والآخر، فنراها في قوله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه} (فصلت: 6)، فهنا الأمر الإلهي ببيان حقيقة التوحيد، والمتضمّنة لإفراد الله بالعبودية، ولزوم الاستقامة النابعة من هذه الحقيقة، مع المداومة على الاستغفار؛ لأن العامل وفق مقتضى التوحيد، لا مناص من وقوعه في التقصير والخلل؛ وحتى يصحّح الموحّد مساره ويقوّم صراطه، كان ينبغي عليه أن يُلازم الاستغفار.
وقد يحسن بنا أن نضرب لهذه القضيّة مثلاً، فإن من أراد بأحد الملوك حاجةً، فإن أوّل ما يُفكّر فيه: كيف يستطيع الوصول إلى هذا الملك؟ وكيف تُزال عنه الموانع التي تمنع من محادثته ومخاطبته بطلبه وحاجته، كذلك أمرُ التوحيد والاستغفار، فالتوحيد –كما يقول الإمام ابن القيم-: "يدخل العبد على الله عزّ وجل، والاستغفار والتوبة يرفع المانع ويزيل الحجاب الذي يحجب القلب عن الوصول إليه، فإذا وصل القلب إليه: زال عنه همّه وغمّه وحزنه"، ولعل ذلك هو ما جعل من دعوة يونس عليه السلام خير ما دعا بها أهل البلاء والكروب، فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دعوة ذي النون، إذْ دعا وهو في بطن الحوت: لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين، فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط، إلا استجاب الله له) رواه الترمذي، وذو النون هو نبي الله يونس عليه السلام.
ثم نجد هذه الرابطة اللطيفة في حديث اشتُهر وعُرف باسم سيد الاستغفار، وهو حديث شداد بن أوس رضي الله عنه، أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سيد الاستغفار أن تقول:اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء لك بذنبي فاغفر لي، فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت) ثم خُتم الحديث بفضلٍ آخر يدلّ على حُسْن خاتمة الملازِمين والمداومين لهذا الدعاء الجليل، قال عليه الصلاة والسلام: (ومن قالها من النهار موقناً بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقنٌ بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة) رواه البخاري.
قال ابن أبي جمرة تعليقاً: "جمُع في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى سيد الاستغفار، ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه هو الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذ عليه، والرجاء بما وعده به، والاستغفار من شر ما جنى العبد على نفسه".
وجرت العادة في العُرف الشرعي أن تُختتم العبادات بالدعاء المتضمّن لطلب التجاوز من العلي الغفّار جلّ جلاله، خصوصاً لما يقع من الإنسان من الخطأ والتقصير، الأمر الذي يوضّح ويُبرز هذا التلازم جليّاً واضحاً، ففي الوضوء يُسنّ اختتامه بدعاء: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) رواه الترمذي، وفي مُختتم الصلاة يقول المصّلي قبل تسليمه: (اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أسرفت وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم وأنت المؤخر، لا إله إلا أنت) رواه الترمذي بطوله، ورواه أبو داود مختصراً.
ويروي ابن عباس رضي الله عنهما قائلاً:كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا تهجّد من الليل، قال: ( اللهم لك أسلمت، وبك آمنت، وعليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، أنت إلهي لا إله إلا أنت) رواه البخاري.
وقد تجاوز الأمر دائرة العبادات ليشمل مجالس الناس التي يحدث فيها اللغو والكلام الذي لا يكون في ميزان حسنات العبد، فجاءت السنّة لتُقرّر ختم هذه المجالس بالدعاء المشتمل على شهادة التوحيد والاستغفار، ففي الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي، أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: (من جلس في مجلس فكثر فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم من مجلسه ذلك: سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك، إلا غُفر له ما كان في مجلسه ذلك).
فيتبيّن مما سبق، شمول اقتران الاستغفار بشهادة أن لا إله إلا الله، وشمول دائرة التوحيد والاستغفار للخلق كلهم، فحق الله أن نوحّده ولا نُشرك به شيئاً، ومقتضى الإنسانيّة أن نستغفر الله من ذنوبنا وخطئنا وتقصيرنا، وبهاتين العبادتين يحصل الفلاح للعبد وتتحقق له النجاة.
اسلام ويب

Post: #1120
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-08-2015, 06:39 PM
Parent: #1119

كيف نتوسل إلى الله تعالى؟
العبادات في جوهرها تجمع بين غاية الحب والذل والتوحيد، وبين إثبات صفات الكمال لله سبحانه وتعالى والإخلاص له، مصداقاً لقول الحق تبارك وتعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء} (البينة: 5)، ومن بين تلك العبادات التي يصدق عليها ذلك: عبادة التوسّل؛ فإنك ترى باعثها محبّة الله، وتنطوي في ألفاظها على الحب لله تعالى والاستشفاع بكماله، والتوحيد لذاته.

وإذا كانت حقيقة التوسّل: الإتيان بالسبب الموصل إلى المطلوب، واتخاذ الوسيلة التي توصل العبد إلى مقصوده ومُراده، فإن الإتيان بالتوسّل على الوجه الصحيح يقتضي أن يكون منضبطاً بضوابط الشرع كغيره من العبادات، وآيات القرآن الكريم بمختلفِ أساليبها ومضامينها، وسنّة المصطفى –صلى الله عليه وسلم- قد اشتركا في رسمِ الأوجه الصحيحة التي يكون بها التوسّل موافقاً للشرع، وبالتالي يكون أرجى للقبول وأدعى للإجابة.

ولكل إنسان مسألتُه من الله تعالى، يرجو أن يُجاب طلبُه فيها، فمن الأهميّة بمكانٍ أن نتعلّم كيف نحقّق عبادة التوسّل على أكملِ وجهٍ وأتمّ صورة، عسى أن يُقبل منّا الدعاء والرجاء، ويتحقّق لنا المقصود.

ويمكن القول: إن أنواع التوسّل الصحيح ستّة، نتناولها فيما يلي:

التوسل بأسماء الله تعالى

لله سبحانه وتعالى أسماءٌ هي الغاية في الحُسْن والجمال، وهي تليق بجلاله وعظمته، وليست مجرّد أسماءٍ لا ارتباط بينها وبين من تسمّى بها، كما هو الحال في أسماء المخلوقات. ومن حُسْنها أنه أمر العباد أن يدعوه بها لأنها وسيلة مقربة إليه، ودالّةٌ عليه، قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها} (الأعراف:180).

والظاهر من استقراء النصوص الشرعيّة أن التوسّل بأسماء الله سبحانه وتعالى يكون على وجهين:

الأوّل: التوسّل بأسمائه سبحانه على سبيل العموم؛ فإذا أراد الداعي الدعاء فإنّه يتوسّل بأسمائه تعالى دون تحديد واحدٍ منها، وشاهدُ ذلك ما جاء في حديث عبد الله بن مسعودٍ رضي الله عنه، في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم الشهير بدعاء الهم والغم، حيث قال: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حُزني، وذهاب همّي) رواه أحمد، فألفاظ الدعاء هنا لم تحدّد اسماً له سبحانه معيّناً، وإنما كان توسّلاً عامّاً غير مخصّص، ولا شكّ أن هذا التوسّل من أعظم أنواع التوسّل، ليس لتعلّقِه بالأسماء الحسنى فحسب، ولكنّ عمومه يشمل جميع الأسماء التي نعرفها أو نجهلها، كما قال ابن القيم: "فجعل أسماءه ثلاثة أقسام: قسم سمّى به نفسه، فأظهره لمن شاء من ملائكته أو غيرهم، ولم ينزل به كتابه، وقسم أنزل به كتابه، وتعرّفَ به إلى عباده، وقسمٌ استأثر به في علم غيبه، فلم يُطلِعْ عليه أحداً من خلقه". ولعظم هذا النوع من التوسّل كان حقيقاً على من أتى به تحقّق مراده، ولننظر إلى خاتمة الحديث السابق: (إلا أذهب الله همه وحزنه، وأبدله مكانه فرحاً) بل دعا النبي عليه الصلاة والسلام إلى تعلّم التوسّل المذكور على نحوٍ يدلّ على أهميّته، فقال: (ينبغى لمن سمعهنّ أن يتعلمهنّ).

الثاني: أن يتخيّر الداعي من أسماء الله تعالى ما يتناسب مع مُرادِه فيتوسّلَ به، وهذا الاتّساق والمناسبةُ أدعى لإجابة الدعاء، فمن كان يشكو قلّة المال وضيق الحال ناسبَ أن يتوسّل باسم "الرزّاق" و"الغني"، ومن أذنبَ وأسرف على نفسه بالمعاصي كان الأجدى به أن يتوسّل بأسماء: "الرحمن، والرحيم، والتوّاب، والعفو الغفور"، ولننظر إلى الدعاء النبوي التالي: (اللهم إني ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً، ولا يغفرُ الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك، وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم) متفق عليه، فالشاهد هنا هو اختيار اسمي: "الغفور الرحيم" للوصول إلى غفران الذنوب وتكفير السيئات.

وعلاوةً على دلالة الشرع، فإن ذلك من مقتضى العقل؛ لأن من يُريد حاجةً ممّن هو فوقه، ذكرَ له من الألفاظ التي تتناسب مع مطلوبه، وكذلك ينبغي للمتوسّل بالله تعالى أن يتخيّر الاسم المناسب لمطلوبه.

التوسل إلى الله تعالى بصفاته

وهذا القسم مثل سابقِه، فإن التوسّل بصفاتِ الله كالتوسّل بأسمائه، لتساويهما في الفضل والمكانة، ومن صفاتِ الله أفعاله سبحانه وتعالى، فإن الأفعال صفات كما يقرّر علماء التوحيد.
وكما قيل في الأسماء، فإن التوسّل بالصفات على وجهين:

الأوّل: أن يكون توسّلاً عامّاً بالصفات، كقول القائل: "اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا"، أو قوله: "يا من اتصف بجميل الصفات، وتكلّل بعظيم السجايا والنعوت.." فهذا كلّه توسّل مجملٌ بالصفات دون تعيينٍ لها.

الثاني: أن يكون توسّلاً خاصّاً بالصفات، وذلك بتحديد صفاتٍ إلهيّة أو أفعالٍ ربّانيّةٍ، تناسب مطلوب العبد ومسألتَه من خالقه ومولاه، كقول القائل: أسألك بجاهك العظيم، وبعلمك الذي أحاط بكل شيء، أو: برحمتك وإحسانك، أو: بجبروتك وعزتك، ثم يذكرُ مطلوبَه الذي يتناسب مع معاني هذه الصفات، فإن ذلك يكون أرجى في الإجابة.

ومن أدلّة ذلك وأمثلته، دعاء إبراهيم عليه السلام وقوله: {الذي خلقني فهو يهدين * والذي يطعمني ويسقين * وإذا مرضت فهو يشفين * والذي يميتني ثم يحيين * والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين * رب هب لي حكماً وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الأخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم} (الشعراء:78-85) الآيات.

ومن دعاء النبي صلى الله عليه وسلم قوله: (اللهم فالق الحب والنوى، ومنزِّل التوراة والإنجيل والفرقان، أعوذ بك من شر كل شيء أنت آخذ بناصيته، اللهم أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، اقضِ عنا الدين، وأغننا من الفقر) رواه مسلم.

ومن جميل المناسَبة بين الصفات المذكورة، والمطلب المُراد من الله، قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي) رواه أحمد والنسائي، فكان التوسّل بصفة العلم وسيلة إلى طلب اختيار الله تعالى وتحديد عمرِه، وكان التوسّل بصفة الخلقِ مرتبطاً بالإحياء والإماتة.

ومن التوسّل بأفعال الله، الأبيات المشهورة المنسوبة لابن القاسم السهيلي، حيث قال:
يـا من يرى ما في الضمـير ويسمع أنت المعد لكل ما يتوقع
يـا من يرجّى للشدائد كلها يا من اليه المشتكى و المفزع
يـا من خزائن رزقه في قول كن امنن فان الخير عندك أجمع

التوسّل بالعمل الصالح

من التوسّل المشروع: التوسّل إلى الله بالعمل الصالح؛ فإن الأعمال الصالحة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم هي الوسيلة التامة إلى سعادة الدنيا والآخرة، وتحقيق المراد وإجابة المطلوب، فيتخيّرُ العبد من الأعمال ما يرى فيها تحقّق الإخلاص لوجهه تعالى، وما يرى تقيّدها بالهدي النبوي، بعيدةً عن الأعمال المبتدعة المخترعة.

وتشتمل سنة النبي صلى الله عليه وسلم على هذا النوع من التوسّل، ومن أمثلة ذلك، دعاؤه عليه الصلاة والسلام في استفتاح صلاة الليل: (اللهم عليك توكلت، وإليك أنبت، وبك خاصمت، وإليك حاكمت، فاغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت) متفق عليه.

أما أشهر الأدلّة المرويّة في هذا النوع من التوسّل، فهو حديث الثلاثة الذين أطبقَ عليهم الغار، وهم أصحاب الرقيم المذكورون في قوله سبحانه: {أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجبا} (الكهف:9)، فقد توسّل ثلاثتهم بأعمالٍ صالحةٍ قاموا بها، ورأوا في أنفسهم خلوصها من شوائب الرياء، فجعلوها ذخراً لهم ووسيلة لتحقّق مطلوبهم من انفراج الصخرة التي سدّت عليهم باب الغار، فتوسّل الأوّل بعظيم برّه بوالديه. والثاني بعفافِه عن مقاربة الفواحش رغم تيسّر الوقوع فيها، وتهيؤ الظروف المعينة على ملابستها. والثالث توسّل بوفائه لأجيره، وإعطائه كامل مستحقّاته رغم ضخامة المبلغ، فانفرجت عنهم الصخرة بعد ذلك، والحديث طويل السياق مذكور بتمامه في "الصحيحين".

التوسّل بالإيمان

من التوسّل المشروع، أن يتوسّل العبد بإيمانِه بالله ورسولِه، وهذا توسّلٌ داخلٌ في العموم السابق، فإن إيمان العبدِ هو من أعمالِه الصالحة، إلا أنه أُفردَ هنا لأهميّته، ولكونه أفضل ما يُتوسّل به من الأعمال الصالحة، والأدلّة فيها كثيرة، منها قول الله تعالى: {ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار} (آل عمران:193)، وقوله سبحانه:{ربنا آمنا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين} (آل عمران:53)، وقول الحق سبحانه: {الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار} (آل عمران:16) فإنهم قدموا ذكر الإيمان قبل الدعاء.

التوسل بحال الداعي

بيان ضعف السائل وذلّه وافتقارِه إلى مولاه، هو من أنواع التوسّل المشروع، وهو دالٌّ على حسن الأدب في السؤال والدعاء، فإن قول القائل لمن يعظّمه ويرغب إليه: أنا جائع، أنا مريض، أولى من تصريحه بمطلوبه وقوله: أطعمني، داوِنِي؛ لأن وصف الحال تستجلب الرحمة واللطف والإحسان، ونحن نرى حدوث ذلك في عالم الناس، إذ يكفي بيان سوء الحال والمعيشة حتى يدفع الآخرين إلى تقديم العون، وبذل المساعدة، وقد قال أمية بن أبي الصلت يمدح ابن جدعان:
أأذكر حاجتي أم قد كفاني حباؤك إن شيمتك الحياء
إذا أثنى عليك المرء يوما كفاه من تعرضه الثناء

فإذا كان ذلك في مخلوقٍ يخاطب مخلوقاً مثلَه، فكيف بالخالق تعالى؟

ولذلك نرى من حُسن آداب الدعاء التي تعلّمناها من الأنبياء والمرسلين، شكايَتَهم لربّهم ما يمرّ بهم من الضيق والكربات، فهذا نبي الله أيوب عليه السلام يدعو قائلاً: {أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين} (الأنبياء:83) فوصف نفسه ووصف ربه بوصف يتضمن سؤال رحمته بكشف ضره، فجاء السؤال بصيغة خبرية؛ تأدباً معه سبحانه، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، ومن أمثلة ذلك قول موسى عليه السلام {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} (القصص:24)، وقول زكريا عليه السلام: {رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا * وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا * يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا} (مريم:4-6) ولا شك أن ذلك يُعدُّ من حسنِ الأدب في السؤال.

التوسّل بدعاء الرجل الصالح

من أنواع التوسّل المشروع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابتُه، فهذا مما دلّ عليه الشرع وبيّن جوازَه، من ذلك حديث أنس بن مالك رضي الله عنه أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: يا رسول الله هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه وقال: (اللهم أغثنا). يقول أنس: فما وضع يديه حتى ثار السحاب أمثال الجبال، فلم ينزل عن منبره حتى رأيت ماء السماء يتحادر على لحيته. وبقي الغيث أسبوعًا كاملًا، وفي الجمعة الأخرى جاء الأعرابي فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا، فرفع النبي عليه الصلاة والسلام يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) فما يشير إلى ناحية من السماء إلا انفرجت، حتى خرج الناس يمشون في الشمس. متفق عليه.

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يطلبون من بعضهم الدعاء، فقد روى مسلم عن صفوان بن عبد الله رضي الله عنه قال: "قدمت الشام، فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده، ووجدت أم الدرداء –وكانت أم زوجته- فقالت: أتريد الحج العام؟ فقلت: نعم، قالت: فادع الله لنا بخير؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة، عند رأسه ملك كلما دعا لأخيه بخير قال الملك الموكل به: آمين ولك بمثل) رواه مسلم، قال: فخرجت إلى السوق، فلقيت أبا الدرداء، فقال لي مثل ذلك، يرويه عن النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وعلى الرغم من جواز هذا النوع من الدعاء والتوسّل، إلا أن الخشيةَ أن يكون أكثرُ توسّل الإنسان من هذا النوع، في حين أن بقيّة الطرق المذكورةِ قبلها أولى وأفضل؛ لارتباطها بعمل المرءِ نفسِه، وإذا كان الصحابة قد توسّلوا بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم في حياته، وبدعاء العباس رضي الله عنه من بعدِه، فإن توسّلهم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله، وبحالهم وضعفهم أكثر من ذلك بكثير، حيث يحقّق القرب والارتباط المباشر بالخالق واستشعار معيّته، فيفوز بكل مرغوب، وينجو من كل مرهوب.
إسلام ويب

Post: #1121
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-08-2015, 11:37 PM
Parent: #1120

الحسد ومنافاته لعقيدة القضاء والقدر
"لله دّر الحسد ما أعدله بدأ بصاحبه فقتله"
كلمةٌ عظيمة تدل على شناعة هذا المرض القلبي العُضال، والناشيء من بذرةٍ خبيثةٍ أثمرت حنظلاً من الأخلاق الرديّة، وكانت سبباً في النزاع والشقاق والخصام.
إنه الداء العُضال، والسمٌّ القاتل، حزن لازم، وحقدٌ دائم، وعقل هائم، وحسرةٌ لا تنقضي، وهو أول ذنب عُصِيَ الله تعالى به في السماء، حينما حسد إبليس آدم عليه السلام، وأول ذنب عُصِيَ الله به في الأرض، حينما حسد ابن آدم أخاه حتى قتله، ومثالب الحسد أكثر من أن تذكر، وأشهر من أن تسطّر، وأوسع من أن تستوعب.
يقول الماوردي: "اعلم أنّ الحسد خلق ذميم، مع إضراره بالبدن، وإفساده للدّين، حتّى لقد أمر الله بالاستعاذة من شرّه، فقال تعالى: {ومن شرِّ حاسد إِذا حسد} (الفلق/ 5)، وناهيك بحال ذلك شرّاً، ولو لم يكن من ذمّ الحسد إلا أنه خلق دنيء، يتوجّه نحو الأكفاء والأقارب، ويختصّ بالمخالط والصاحب، لكانت النزاهة عنه كرماً، والسلامة منه مغنماً، فكيف وهو بالنّفس مضرّ، وعلى الهمّ مصرٌّ، حتى ربما أفضى بصاحبه إلى التلف، من غير نكاية في عدوّ، ولا إضرار بمحسود".
وإذا كان الحسد بمثل هذا السوء، فما علاقة الحسد بأركان الإيمان؟ وما مدخله في مباحث العقيدة الإسلاميّة؟ وما وجه منافاته ومصادمته لعقيدة القضاء والقدر؟
للإجابة على هذه الأسئلة نقول: لقد جعل الله سبحانه وتعالى مسألة الإيمان بما قضاه الله وقدّره على الخلائق ركيزةً إيمانيّة أساسية وعروةً وثقى لا انفصام لها، ولا يمكن تصوّر إيمان عبدٍ دونها، قال الله تعالى: {إنا كل شيء خلقناه بقدر} (القمر:49)، فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء بقضاءٍ سبق به علمه، وجرى به قلمه، فحدّد وقته ومقداره، وحقيقته وماهيّته، وجميع ما اشتمل عليه من الأوصاف والهيئات، وانظر إلى العموم في قوله سبحانه: { وخلق كل شيء فقدره تقديرا} (الفرقان:2).
ولا يمكن تصوّر مفهوم القضاء والقدر، دون إثبات علم الله عز وجل الأزليّ الواسع المطلق، والإيمان بأن الله جلّ جلاله كتب جميع ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة في اللوح المحفوظ، وإدراك مشيئة الخالق النافذة، فلا يُعجزه شيءٌ في الأرض ولا في السماء، فما شاءه كان، وما لم يشأ لم يكن، مع الإيمان بأن الله هو خالق كلّ شيء، ويدخل ضمن ذلك أفعال العباد، وأنه سبحانه على كلّ شيءٍ قدير.
وعليه، فإن توزيع الأرزاق والأقوات على العباد، إرادةٌ إلهيّة نافذةٌ ومشيئةٌ عامّةٌ تنطلق من صفات العدل وتمام المُلك، والرحمة والإحسان، وقدرته التامة، وعلمه المحيط، والحكمة البالغة في كل ما أعطى وما أخذ، وما منح وما منع، قال سبحانه: { قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير* تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب} (آل عمران:26-27).
وحقيقة الحسد: تمني الحاسد زوال نعمة المحسود، أو هو كراهة الحاسد وصول النعمة إلى المحسود، ولا شكّ أن ذلك ناتجٌ في حقيقته إلى الاعتراض على أقدار الله الكونية ؛ وأحكامه الشرعية، وعدم الرضا بقضائه، والتسليم لقدره، وقد جرى مجرى الأمثال قولهم: " من رضي بقضاء الله لم يسخطه أحد، ومن قنع بعطائه لم يَدْخله حسد" .
والحاسد حين يحسد فهو يُنكر حكمة الله سبحانه في تدبيره، ومعلومٌ بالضرورة أن أفعال الله سبحانه منزهةٌ عن النقائص والمعايب، بل هي في غاية الحسن والكمال، ومن فروع ذلك مسألة توزيع الهبات والعطايا والمواهب والنعم على العباد، ولذلك جاء النكير على الحاسدين في عدّة مواضع في كتاب الله، منها قوله تعالى: { أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله} (النساء: 54)، وفي سورة الزخرف: { أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون} (الزخرف:32).
والحسد عداءٌ صراح واعتراضٌ فجّ على الله فيما قضى وقدّر، فإنّ غيظه من حاسده ناتجٌ عن رؤيته عدم أهليّة المحسود لتلك النعمة وعدم استحقاقه لها، وهو الذي يستلزم اتهام الخالق في قسمته بين عباده؛ وهذا سوء أدبٍ مع الله تعالى:
ألا قل لمن بات لي حاسداً أتدري على من أسأت الأدب
أسأت على الله سبحانه لأنك لم ترض لي ما وهب
والحاسد لا يُدرك جانباً مهماً من جوانب الإيمان بالقضاء والقدر، وهو أنه ربما طمحت نفسه لسبب من الأسباب الدنيوية الموجودة عند غيره، والتي يظن فيها إدراك بغيته، فيعلم الله سبحانه وتعالى أنها تضره وتصدّه عما ينفعه، فيحول بينه وبينها، فيظلّ العبد كارهاً لهذه القسمة الإلهيّة حيث حرمه منها وأعطاها لغيره، ولم يدر أن ربه قد لطف به حيث أبقى له الأمر النافع، وصرف عنه الأمر الضار، ولهذا كان الرضى بالقضاء في مثل هذه الأشياء من أعلى المنازل، وصدق أحكم الحاكيمن إذ قال: {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون} (البقرة:216).
ويذكر العلماء أن الحسد يضر الحاسد في الدين والدنيا، أما ضرره في الدين، فإن الحاسد قد سخط قضاء الله تعالى وأنكر حكمة الله في تدبيره، فكره نعمته على عباده، وهذا قذى في بصر الإيمان، ويكفيه أنه شارك إبليس في الحسد وفارق الأنبياء في حبهم الخير لكل أحد.
ومن فقه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه كان يقول: "لا تعادوا نِعَم الله"، فقيل له: "ومن يعادي نعم الله؟!" قال: "الذين يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله".
وفي صحيح ابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).
والمقصود به كما يُفهم من كلام العلماء: أن الإيمان الصادق الكامل الذي يستحضر صاحبه أن كل أفعال الله عز وجل لحكمة، يتناقض مع الحسد الذي هو غضبٌ من فعل الله وقسمته، ناتجٌ عن ضيق النفس وعدم إرادتها وكراهتها للخير على الغير.
وإلى من ابتُلي بهذه الآفة كلمةٌ لعل الله ينفعه بها، قالها محمد بن سيرين رحمه الله: "ما حسدتُ أحدا على شيء مِن الدنيا؛ لأنه إن كان من أهل الجنة فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى الجنة؟ وإن كان من أهل النار فكيف أحسده على شيء من الدنيا وهو يصير إلى النار؟".
اسلام ويب

Post: #1122
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-09-2015, 06:04 PM
Parent: #1121

والجبال أوتادا
ورد ذكر لفظ (الجبال) بصيغة الجمع في القرآن الكريم ثلاثاً وثلاثين مرة، وورد بصيغة المفرد ست مرات، ما يعني أهمية الجبال في حياة الكون والإنسان، وأنها آية من آيات الله المبثوثة في هذا الكون، والدالة على عظمته وقدرته سبحانه وتعالى.
وقد ذكر القرآن الكريم وأشار في عدد من آيته إلى ظاهرة الجبال شكلاً ووظيفة، والتي لم يستطع الإنسان أن يصل إليها كحقيقة معروفة إلا بعد التقدم والتطور العلمي والتقني الهائل الذي حصل في القرنين الأخيرين من عمر البشرية.
لقد عرف الإنسان الجبال منذ القدم، وتعامل معها، وعاش في أكنافها، واستفاد منها، ومن مكوناتها المستفادة المباشرة التي عرفها من خلال شكلها الظاهري؛ فقد عُرِّف الجبل بأنه: كل ما ارتفع عن سطح الأرض واستطال وتجاوز التل ارتفاعاً. فهل يفي هذا التعريف (الجبل) حقه الآن؟
إجابة على هذا التساؤل سنجول في صفحات (تاريخ الجبال) على مدى القرون الثلاثة الأخيرة، والتي تميزت بالكثير من الكشوف العلمية الهامة في شتى المجالات الكونية.
لقد فُتن الإنسان بالجبال شكلاً، وجُذب إليها؛ لما فيها من منافع واكتفى بمعرفتها ظاهريًّا إلى بداية القرن الثامن عشر عندما تنبه (بير بوجر) والذي كان يرأس بعثة إلى جبال (الأنديز) إلى أن قوة الجذب المقاسة في هذه المنطقة لا تتناسب مع كتلة هذه الجبال الهائلة، وإنما هي أقل بكثير مما هو متوقع، معتمداً على الانحراف في اتجاه القمم البركانية في تلك المنطقة، والملاحظ على قياس الجذب التقليدي الذي كان متوفراً لديه، والمسمى بميزان البناء (Plumb Bab) ونتيجة لهذه الملاحظة الأولية، افترض (بوجر) ضرورة وجود كتلة صخرية هائلة غير مرئية، ليس لها مكان إلا أسفل تلك الجبال البارزة.
ولقد حفلت بدايات القرن التاسع عشر الميلادي بالكثير من أعمال المسح الجيولوجي، التي قامت بها بعثات جيولوجية بريطانية في شبه الجزيرة الهندية، وفسرت من خلالها الكثير من الظواهر. غير أن ظاهرة الشذوذ في قراءات الجاذبية قريباً من جبال الهيمالايا، والتي اشتهرت باسم لغز الهند، لم تفسر تفسيراً منطقيًّا إلا في منتصف ذلك القرن من خلال أعمال المسح، التي كان يتولى الإشراف عليها (جورج أفرست) والتي كانت تشير بوضوح إلى أنه لا يمكن تفسير هذا الشذوذ إلا بافتراض وجود امتدادات لهذه الجبال الهائلة منغرسة في جوف القشرة الأرضية إلى مسافات عميقة، وأن هذه الامتدادات إما أن تكون من نفس مادة الجبال البارزة، أو أكثر كثافة منها.
بهذه الفرضية أمكن حل مشكلة الفارق الملاحظ في قياس المسافة بين محطة (كإلىانا) الواقعة في أحضان جبال الهيمالايا، و(كإلىان بور) البعيدة نسبياً عن جبال الهيمالايا، والواقعة في المنطقة المنبسطة، والذي قدر بحوالي (153) مترا، هذا الفرق كان قد لوحظ عندما قيست المسافة بطريقتي قياس مختلفتين: الأولى تعتمد علي حساب المثلثات، وتسمى بطريقة المسح الثلثي (Triangulation Technique) والثانية تعتمد على موقع النجم القطبي، وتسمي بطريقة المسح الفلكي (Astronoical Technique) وقد عزى جون هاري برات ( John Henry Pratt) هذا الفارق إلى تأثر الطريقة الثانية المستخدمة في القياس بقوة جذب كتلة غير منظورة، لم يتم إدخالها في المعادلات المستخدمة لإنجاز الحسابات النهائية للقياسات. وبعبارة أخرى كان يشير إلى وجود جذور (Roots) لجبال الهيمالايا ممتدة أسفل منها، وهي التي أثرت على القياسات، وأظهرت الفارق سالف الذكر.
في عام (1865م) تقدم جورج أيري (George Airy) بنظرية مفادها أن القشرة الأرضية لا تمثل أساساً مناسبا للجبال التي تعلوها، وافترض أن القشرة الأرضية وما عليها من جبال لا تمثل إلا جزراً طافية على بحر من صخور أعلى كثافة. وعليه، فلا بد للجبال لضمان ثباتها واستقرارها على هذه المادة الأكثر كثافة، أن تكون لها جذور ممتدة من داخل تلك المنطقة العالية الكثافة.
إن التفسير العلمي لنظرية جورج أيري أتى من خلال النموذج الذي قدمه الجيولوجي الأمريكي دتون في عام (1989م) (Theory of Isostasy) شارحاً به نظريته المسماة بـ (نظرية الاتزان) والمتمثل في مجموعه من حوض مملوء بالماء، شكل المجسمات الخشبية المختلفة الارتفاعات طافية فيه، وقد تبين من هذا النموذج أن الجزء المغمور في الماء من المجسمات الخشبية يتناسب طرداً مع ارتفاعه، ذاكراً أنها في حالة أسماها بحالة الاتزان الهيدروستاني (State of Hydrostatic Balance) أما التمثيل الطبيعي والتقليدي لهذه الحالة فهي في الواقع حالة جبال الجليد العائمة (Iceebergs).
ثم تطورت العلوم وتوالت الكشوف، وانتقلت قضية جذور الجبال من مرحلة النظرية إلى الحقيقة والواقع الملموس، ثم تقدمت الأبحاث والمعارف بتركيب الأرض الداخلي عن طريق القياسات (السايزمية تحت السطحية) والتي كشفت أن القشرة الأرضية الصلبة التي نحيا عليها لا تمثل إلا طبقة رقيقة جداً قياساً بما تحتها من طبقات وتراكيب أخرى، وأن هذه الطبقة في الواقع تطلق على طبقة أعلى كثافة منها، ولكنها في حالة مانعة تكسا بالوشاح، ثم عرفنا حقيقة أخرى، تتمثل في أن استقرار واتزان القشرة الأرضية بما تحمله من جبال وتلال ووديان، لا يتم على طبقة الوشاح إلا من خلال امتدادات من مادة القشرة داخل نطاق الوشاح، وأن هذه الامتدادات لا يمكن أن تُمَثَّل عمليًّا إلا بوتر الأوتاد في تثبيت الخيمة على سطح الأرض لضمان ثباتها وعدم اضطرابها.
ثم وصلت الأبحاث إلى مرحلة من المعرفة أمكن من خلالها رسم العديد من الخرائط تحت السطحية في أجزاء عديدة من الكرة الأرضية، كما أمكن من خلالها إثبات أن الجذور التحت سطحية تتناسب طرداً مع ما يعلوها من تراكيب؛ فهي ضحلة في حالة المنخفضات، وعميقة جداً في حالة الجبال المرتفعة. ليس هذا فحسب، بل أمكن أن نقيس أطوال هذه الجذور، وتوقع تركيبها وخواصها الطبيعية والكيميائية.
هذا ما قاله العلم فماذا قال القرآن؟
أليىست هذه الحقائق التي ثبتت الآن بيقين، هي ما أشار إليه كتاب الله الكريم بإيجازه المعجز، عندما قال جل من قائل: {وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم} (النحل:15) مشيراً إلى ما خفي على الإنسان من دور ووظيفة الجبال في ثبات واستقرار الأرض التي يعيش عليها هذا الإنسان، وفي قوله تعالى: {والجبال أوتادا} (النبأ:7) مشيراً إلى الشكل الحقيقي للجبل وجذره الخفي الممتد أسفل منه. كل ذلك في كلمتين سهلتين واضحتين. ولقد أدرك العلماء المسلمون الأوائل هذه الحقائق من كتاب ربهم عندما تعرضوا لتفسير هذه الآيات الكريمة.
مقارنة بين ما ذكره القرآن وما ذكرته الموسوعة البريطانية
عرَّفت الموسوعة البريطانية (Encyclopedia Britannica) ذائعة الصيت (الجبال) حيث قالت: "إن الجبل هو منطقة من الأرض مرتفعة نسبياً عما حولها". ثم تحدثت الموسوعة عن سلاسل الجبال وأنواعها المختلفة. وهكذا نجد أن الموسوعة قد اقتصرت في تعريفها للجبال على الشكل الخارجي فحسب.
والقرآن الكريم كان قد لفت انتباه الإنسان إلى (ظاهرة الجبال) كونها آية من آياته الكونية عندما قال: {أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت * وإلى السماء كيف رفعت * وإلى الجبال كيف نصبت} (الغاشية:17-19)، كما أن القرآن الكريم كان قد وجه الإنسان إلى تلك الحقيقة من خلال الآية الكريمة: {والجبال أوتادا} (النبأ:7) ومعرفة أسرار هذه الحقيقة ما كان متيسراً في القرون التي سبقت قرون الكشوف العلمية، وهو ما أشار إليه القرآن الكريم أيضاً في قوله تعالى: {لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون} (الأنعام:67) إلا أن ذلك لم يمنع العالم المسلم من أن يسبق عصره في فهمه لبعض الظواهر والسنن الكونية -على الأقل في صورتها الجمالية- فكيف به لو استفاد مما هو متوفر له الآن، أو يتوفر في المستقبل من إمكانات علمية ومفاتيح معرفية.
وسيكون العلم في عصرنا والعصور التالية برهاناً ساطعاً على صدق الوحي. وسيشهد العلماء قبل غيرهم بهذا، قال تعالى: {ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ويهدي إلى صراط العزيز الحميد} (سبأ:6) وستتجلى آيات الله في الآفاق والأنفس حتى يتبين للناس أن الذي أنزل على محمد هو الحق.
* مادة المقال مستفادة من موقع (الإعجاز العلمي في القرآن والسنة) بتصرف.
إسلام ويب

Post: #1123
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-09-2015, 10:51 PM
Parent: #1122

قصة سمكتين
توضّح هذه القصّة قضيّة الإيمان بالغيب ، وكيف يستدلّ العاقل بآثار الكون على وجود الخالق سبحانه وتعالى ، وبإخبار النبي – صلى الله عليه وسلم - على ما لا تدركه الحواسّ من عالم الملائكة والجن والشياطين ، وما يدور في عالم البرزخ ، وأحداث يوم القيامة ، وغيرها من الأمور .
المشهد الأول
تحت أمواج البحار .. وبين الشعاب المرجانية ..
عالم يموج بالحياة .. ألوانٌ شتّى من مخلوقات الله تسبح يمنةً ويسرة تبحث عن رزقها وقوت يومها ..
وبين تلك الشعاب سمكتان توثّقت بينهما رابطة الصداقة منذ الطفولة على الرغم من اختلافهما في كل شيء .. فالسمكة (غيداء) اشتهرت بين أقرانها بجمالها الباهر .. أما السمكة ( لبيبة ) فلم يكن لها ذلك الحظ الوافر من البهاء والروعة كما لدى صاحبتها .. إلا أن الله عوضها عن ذلك بذكاء وفطنة.
وفي صباح يوم هادئ ، خرجت السمكتان كعادتهما تتجولان بين الصخور والشعاب .. فإذا بهما تشعران بحركة واضطراب في مياه البحر .. ثم أعقبه هدوء نسبيّ يتخلّله صوت حلقات المياه المتراجعة التي سبّبها ذلك الاضطراب .. وكان سبب ذلك الصخب اقتراب أحد القوارب الكبيرة ..
توقّف القارب بعد دقائق بالقرب من الشعاب .. ومرت لحظات من الصمت الثقيل قطعها صوت ارتطام جسم غاص في الأعماق بسرعة .. كان ذلك الجسم قطعة من المعدن اتصل بها خيط رفيع يمتد إلى السطح .. وهناك فرعٌ آخر لذلك الخيط كان يحتوي على طُعم للأسماك ..
نظرت السمكة (غيداء) إلى الطعام أمامها فلم تتمالك نفسها من الاندفاع نحوه للفوز به .. لكن السمكة (لبيبة) أسرعت نحوها واستوقفتها قائلة :
- ما بك يا مجنونة ؟ إلى أين تريدين أن تذهبي ؟
- إلى الطعام بالطبع ، أتريدين أن تمنعيني من رزقٍ ساقه الله إلي ؟
- لا تنخدعي بالمظاهر ؛ إنه فخٌّ محكم لك ولأمثالك
- أي فخٍّ تتكلمين عنه ، ذاك طعامٌ شهيّ وفرصة لا تعوّض
- لا تتعجّلي في الحكم على الأمور ، إنك لا تدرين ما الذي سيصيبك لو حاولت الحصول على ذلك الطعام ، سيعلق الخيط بك ، وستحاولين التخلّص منه دون جدوى ، ثم ستودّعين مملكتنا إلى عالم قاسٍ ورهيب ، فهناك فوق السطح صيّادٌ من بني البشر ينتظر قدومك بشغف ، ليس حبّاً فيكِ ، ولكن رغبةً في أن تكوني طعاماً له ولأولاده ، مصيرك يا زميلتي شواءٌ على صفيحة ساخنةٍ تتقلّبين عليها.
نظرت السمكة (غيداء) إليها بسخرية وقالت : أي سخفٍ تقولين ؟ أنا لا أرى شيئاً مما تذكرينه ، ثم من قال لك أن وراء الأمواج التي تعلونا عالمٌ آخر ؟ إنها أفكارٌ ساذجة ابتدعها خيالك المريض.
وبصوتٍ يملأه الشفقة قالت السمكة (لبيبة) : مسكينة أنتِ إن كنت لا تدركين وجود عالم علوي لا علم لنا به على وجه التفصيل ، فيه سماءٌ وجبال ، وأشجار ونباتات ، وشكلٌ آخر يختلف تماماً عما ترينه حولك من مظاهر الحياة عندنا .
- ومن الذي ملأ رأسك بهذه الخيالات العجيبة التي لا دليل عليها ؟
- تريدين الدليل ؟!! إذاً تعالي معي
المشهد الثاني
انطلقت السمكتان (غيداء) و (لبيبة) نحو منطقة نائية وموحشة من قاع البحر ..
كانت مليئة بالقوارب الغارقة التي علت أركانها الطحالب ، واستوطنتها بعض الكائنات الأخرى ..
ظلام دامس وسكون كانا يبعثان في النفس القشعريرة ، ويثيران مكامن الخوف .. وانتهى المسير بالسمكتين إلى داخل إحدى تلك القوارب.
قالت السمكة (غيداء) : ما الذي جعلك تأتين بنا إلى مثل هذا المكان المخيف ؟ ، فأجابتها صديقتها : اصبري قليلاً يا أختاه ، فثمّة أمور يهمّك مشاهدتها!!.
ومن شقّ لآخر .. ومن غرفة لأخرى .. وقفت السمكتان أمام مجموعة من الأدوات التي يستخدمها البشر ، وقد علاها الصدأ .
نظرت السمكة (غيداء) حولها بدهشة وقالت : ما هذا الذي أراه؟ لا أذكر أنني شاهدت ما يشبه هذه الأدوات.
قالت السمكة (لبيبة) : هذه مجموعة من الأدوات التي صنعها البشر ، انظري إلى تلك القطعة المعدنية ؟ إنها الأداة التي يقطّعون بها أغذيتهم ، وهذه هي صفيحة الشواء التي حدّثتك عنها ، وفوقها أداةٌ أخرى يسمّونها ( شوكة) ، ويستخدمونها في تناول أطعمتهم ، وأنت بتهوّرك تريدين أن تكوني ذلك الطعام.
أطلقت السمكة (غيداء) نظرها نحو تلك الأطلال .. واستغرقت في تفكير عميق مدّة من الزمن ثم قالت : على الرغم مما أراه ، إلا أنه يصعب علي تصديق ما تقولين ، كما أنه لا يمكنني الجزم بأن تلك الأدوات من صنع البشر ، ولعل لها تفسيراً آخر لم تبلغه أفهامنا بعد.
ردت عليها صاحبتها : يا عزيزتي ، إن أي عاقل تكفيه مثل هذه الدلائل على وجود العالم الآخر .. ودعيني أقدّم لك برهاناً جديداً على صدق ما ذكرته لك ، هلمّي بنا نزور شخصّية مهمّة في مملكتنا ، وأرجو أن تجدي في زيارتها ما يجيب على تساؤلاتك .
المشهد الثالث
في ناحية من الشعاب المرجانية .. وقفت السمكتان (غيداء) و (لبيبة) أمام إحدى البيوت . نظرت السمكة (غيداء) إلى البيت ثم قالت لصاحبتها: ولكنك لم تخبريني من الذي سنقوم بزيارته ؟
فأجباتها قائلة : إنها السمكة (حكيمة) ، وهي من القلائل الذين أتيحت لهم فرصة الذهاب إلى ذلك العالم ثم العودة إلى الوطن .
فتحت السمكة (حكيمة) باب المنزل ، وتبادلت الترحاب مع ضيوفها ، حتى قالت السمكة (لبيبة) : آمل ألا نكون سبباً في إزعاجك في مثل هذا الوقت ، ولكننا في الحقيقة سمعنا عن قصّتك المدهشة في الصعود إلى سطح البحر ومشاهدة ذلك العالم المجهول ، فأحببنا سماع القصّة منك مباشرة .
- بنيّاتي !! لقد أرجعتموني بالذاكرة إلى واقعة أليمة .. وأحداث لا تمحى من سجلّ أيامي .. ولولا فضل الله عليّ ولطفه بي لما كنت بينكم الآن ..
كان ذلك قبل وقت طويل من الزمن .. عندما كنت شابة في مثل سنّكم .. أسبح بين الشعاب ، وألتقط الطعام من هنا وهناك ، وفي يوم من الأيام ، رأيت طعاماً كبير الحجم .. جميل المنظر .. يتدلّى من أعلى سطح البحر .. فاندفعت نحوه بسرعة ودون أدنى تفكير ..
وفجأة تغيّر حولي كل شيء .. فلا ماء ولا قاع ولا أسماك .. ولكن سماء وقارب وآلاتٌ غريبة ..
عندها أدركت أنني غادرت عالمي إلى العالم المجهول .. ثم أبصرت أمامي واحداً من أولئك البشر الذين سارعوا بانتزاعي من الماء .. وحرّرني من الخيط الذي علق بي ثم وضعني داخل سلّة أنا ومجموعة من السمك .. كان الصيّاد يأتي بين الحين والآخر لينتزع إحدى تلك السمكات .. ثم ..
توقّفت السمكة (حكيمة) عن الحديث ، وشخصت ببصرها لتسبح في بحر تلك الذكريات المؤلمة ، ثم قالت : رأيته يقوم بتقطيع السمكة وإخراج أحشائها .. ثم يلقيها دون رحمة في وعاء كبير تتصاعد منه الأبخرة .. فتملّكني الهلع .. وأدركت أن مصيري هو ذات المصير ما لم أتمكّن من الخروج من هذا المأزق ..
وهكذا حزمت أمري .. وجعلت أتحرّك بسرعة وأحاول القفز .. حتى تمكّنت من الخروج من تلك السلّة .. أبصرني ذلك الصيّاد فأسرع للقبض علي .. ولكني استطعت الإفلات من يده والعودة إلى المياه من جديد .. والحمد لله على نعمة النجاة ..
لقد تركت تلك التجربة في نفسي جروحاً غائرة وفي جسدي آثاراً لا يمحوها الزمن .. وإن كان من نصيحة أقدمها لكما ، فهي أن تحذروا من ذلك العالم .. فكم من فضول قتل صاحبه.
المشهد الرابع
أمام ذلك الطعم من جديد .. وقفت السمكتان ترمقان المشهد في صمت .. حتى قالت السمكة (لبيبة) : والآن .. ما رأيك؟ هل اكتفيت بما شاهدته من الآثار ، وما أخبرتنا به السمكة (حكيمة)، على ما يحصل في ذلك العالم ؟
-بصراحة ، لم يكفني ذلك ، وأرغب في المزيد .
- أي مزيدٍ تطلبين أكثر من ذلك ، لا تكابري يا صديقتي .
- لست مكابرة ، ولكن أخبريني بصراحة ، لماذا يجب عليّ أن أصدّقك أنت وتلك السيّدة ؟!!
- لأنني أريتك الآثار الدالة على وجود ذلك العالم ، والسمكة (حكيمة) أخبرتنا بمشاهدتها وتجربتها ، والعاقل يصدّق الأخبار التي تصله من الثقات ، ويؤمن بالأدلة والقرائن التي يقف عليها.
تبدي السمكة (غيداء) عدم قناعتها فتقول لها السمكة (لبيبة) : هل رأيت سمكة القرش من قبل ؟
-بالطبع لا .
- كيف تؤمنين إذاً بوجودها رغم أنك لم ترينها من قبل ؟ أليس السبب أن أجدادنا قد أخبرونا بوجودها ونحن نصدّقهم ونثق بهم ؟.
-ولكني أرى أنه لا سبيل إلى اليقين بوجود ذلك العالم إلا بأن أجرّب بنفسي الذهاب إليه.
- ذاك هو الجنون بعينه ، أتطلبين الخروج من عالمنا ومشاهدة العالم الآخر حتى تصدقينني؟ .. لن يفيدك ذلك شيئاً .. نعم ، ستدركين حقيقة ذلك العالم .. لكن بعد فوات الأوان .. وسترين بنفسك ما يفعله البشر بك وبأمثالك .. ولن يفيدك وقوفك على الحقيقة حينئذٍ .. لأنك –وببساطة – لن يمكنك العودة إلى عالمنا!!.
- اعذريني يا زميلتي العزيزة ، لا تحاولي منعي من المحاولة ، فأنا مصرّةٌ على ذلك!!
- لك مطلق الحريّة فيما تفعلين ، ولكن أرجو ألا تقولي بعد ذلك أنني لم أبالغ في نصيحتك وتحذيرك .
وانطلقت السمكة (غيداء) نحو ذلك الطعم فابتلعته ، وسرعان ما جرّها الخيط إلى العالم الآخر ، عندها أبصرت بعينها كل ما سمعته من قبل ، وعاينت الأهوال بنفسها ، وتملّكها الندم حين لا ينفع الندم .
اسلام ويب

Post: #1124
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-10-2015, 07:35 PM
Parent: #1123

ركب إلى جواري في الطائرة ذات مرة شاب غريب ، بدت عليه ملامح الحزن والكآبة والانعزال عن الآخرين ، وكأنه يتوجس خيفة من كل أحد يجالسه أو يحادثه أو يصافحه .. ويتساءل عن نوع الأذى الذي ينوي إلحاقه به !
خطر في بالي أن هذا الشاب هو بيت مغلق بأقفال ، ولكي تلج إلى هذا البيت لأي غرض كان عليك أن تبحث عن المفاتيح .
ربما تريد أن تدخل مع هذا الإنسان أو غيره في مشاركة تجارية ، أو في مشروع تقني ، أو منجز ثقافي ، أو تطمع في دعوته إلى خير ، أو حمايته من شر ، أو تريد أن تنتفع منه بحكم وجود حالة إيجابية لديه يمكن توظيفها .. وهب أنك تريد أن تقدم له خدمة ما يحتاجها ..
أنت هنا أمام ثري ، أو مبدع ، أو قارئ ، أو منحرف ، أو شحاذ ، أو ما شئت ..
هو إنسان قبل أن يكون أياً من ذلك ، ويوم ولد لم يكن له لون ولا شيء معه (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً)(النحل) ، (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ ..)(الأنعام) .
وأي محاولة تواصل تتجاوز مبدأ الإنسانية ستمنى بالفشل .
ومن حسن الحظ أنك أنت إنسان أيضاً فلديك الكثير من المعرفة المفصلة والواقعية عن الإنسان وحاجاته وضروراته ومداخله ومشاعره وأحاسيسه .
لم يكن بمعزل عن الحكمة الإلهية العظيمة أن يبعث الله رسله من الناس ، مثلهم يأكلون الطعام ، ويمشون في الأسواق ، ويتزوجون وينجبون ، ويصحون ويمرضون ، وتصيبهم الأدواء .
ولكل إنسان أسوار لا ينبغي تقحمها ولا تجاوزها ، ومداخل تناسبه بيد أنها تحتاج إلى اللطف والبصيرة وحسن التأتي .
وحين قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ وَيَدْخُلَ الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ..) (رواه مسلم).
كان يرسم منهجاً نبوياً رائعاً في التعامل مع الآخرين ، أن تضع نفسك في موضع الإنسان الذي أمامك وأنت تتعامل معه ، ما الذي يروقه ويعجبه منك ؟
أن تثني عليه بخير ، ولا أحد إلا ولديه من الخير ما يمكن أن يثنى به عليه ، وبصدق ، دون خداع أو تزيّد .
أن تعرب له عن محبتك وتقديرك لشخصه الكريم .. وكيف لا تقدّر إنساناً كرمه ربه واصطفاه وأحسن خلقه ، (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) (الإسراء:70) ، (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (فاطر:32) ، (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين:4) .
انظر في عينيه ، وابتسم له بصفاء ، وصافحه بحرارة ، وتحدث إليه وأنت منبسط هاش باش ، واختر الكلمات الجميلة السحرية
أُضاحك ضَيفي قَبلَ إِنزال رحله وَيُخصَب عِندي وَالمَحَلُّ جَديب
وَما الخَصبُ للأَضياف أَن يَكثُر القِرى وَلَكِنَّما وَجه الكَريم خَصيب
قبل أن تعطيه المال ، أو توفر له الاحتياج ، أو تجود عليه بما يطلب ، أعطه وجهك وقلبك واحترامك وتقديرك ، (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذىً)(البقرة: من الآية263) ، اصنع هذا لزوجك الذي تدوم معه عشرتك طوال الحياة ، واصنعه لولدك الذي خرج منك فأصبح كياناً مستقلاً له شخصيته وتكوينه وحسابه ومسؤوليته الكاملة في الدنيا والآخرة .
واصنعه مع زميلك في العمل أو شريكك أو جارك الذي تلقاه كل يوم أو كل صلاة .
واصنعه مع الخادم أو السائق دون ازدراء لإنسانيته أو تحقير لشخصيته ، واعتقد في داخلك أنه إن كان الله فضلك عليه في الدنيا بمال أو منصب فربما يكون فضله عليك في الآخرة بتقوى أو إيمان أو سريرة من إخلاص أو عمل صالح .
واصنعه مع الغريب الذي تراه لأول مرة ، وربما لا تراه بعدها لتوفر لديه انطباعاً إيجابياً عنك ، وعن الفئة أو الجماعة التي تنتمي إليها ، ولتمنحه قدراً من الرضا والسرور والفرح والاغتباط ، وتبعث إليه برسائل من السعادة سوف يكافؤك الله العظيم بما هو خير منها عاجلاً ، فالمعطي ينتفع أكثر من الآخذ ؛ وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلاً .
واصنع ذلك بصفة أساسية لأولئك الناس الذين تريد أن توجههم أو تنتقدهم أو تقدم لهم نصحاً يحميهم من ردى أو يحملهم على هدى وأنت عليهم مشفق بار راشد فإياك أن تتعسف أو تتهم أو تجفو في أسلوبك فتحكم على محاولتك بالفشل المحتم حتى قبل أن تشرع فيها ، وكان الإمام أحمد يقول : " قلما أغضبت أحداً فقبل منك " .
فإلى أولئك الذين يتبوؤون مقام التعليم والدعوة والإصلاح والاحتساب نهدي هذه الكلمات النورانية النابعة من عمق التجربة ، والمتوافقة مع هدي الأنبياء ومنهجهم ، ونص القرآن ودعوته ، رزقنا الله الحكمة والبصيرة وكفانا شر نفوسنا الأمارة بالسوء.
د. سلمان بن فهد العودة

Post: #1125
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-10-2015, 07:37 PM
Parent: #1124

الاستفهام كما يراه البلاغيون أسلوب عقلي يستخدم لإيقاظ الوجدان واستثارة العواطف شوقاً إلى ما بعد الاستفهام، لذا يعد من أميز الأساليب وأفضلها في مجال المحاجة والجدل والمناقشات التي تدور بين طرفين أو عدة أطراف، وفي مجال الخطاب الإقناعي كذلك، حيث أن له مميزات هامة وجذابة ولافتة للانتباه وجاذبة للفكر آخذة للعقل شادة للنشاط العقلي.
لذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يطرح بعض الأسئلة على أصحابه بهدف تقرير معنى، أو تثبيته لديهم، ومن ذلك ما رواه الإمام مسلم بسنده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: قُدم عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْيٍ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنَ السَّبْيِ، تَبْتَغِي، إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ، أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَتَرَوْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةَ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ؟" قُلْنَا: لَا، وَاللهِ وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا"، هذا الأسلوب شائع كثير في كلام العرب وفي القرآن الكريم، ولكن اللافت للانتباه أن نصوص السنة المطهرة حافلة بظاهرة أخرى عكس هذه الظاهرة، وذلك عندما يذكر النبي صلى الله عليه وسلم مفردات غريبة على الاستخدام في ذلك الوقت أو يذكر معان جديدة لمفردات مطروقة فيستثير بذلك استفهام السامعين فيتوجهون إليه بالسؤال طالبين تفسير معناها وهذا ما يعرف عند البلاغيين بالاختراع؛ وهو خَلقُ الأديب المعاني التي لم يسبق إليها، وربما سماه بعضهم: سلامة الابتداع أو سلامة الاختراع .
مهدنا بهذه المقدمة لنقول كلمتنا التي أردنا أن نعقد عليها هذه المقالة؛ وهي أن الإسلام مثلما تضمن تطورا وارتقاء بالحياة في مختلف مشاربها وشتى أنحائها وضروبها تضمن كذلك ارتقاء بدلالات اللغة وتطويرا لمفرداتها ويلوح ذلك من خلال خطب النبي صلى الله عليه وسلم وسنته القولية في منحيين اثنين:
المنحى الأول: إثراء مفردات اللغة بكلمات جديدة لم تكن معروفة أو شهيرة من قبل؛ ومن أبرز الأمثلة على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " والذي نفسي بيده لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن ويهلك الوعول وتظهر التحوت، قيل: وما الوعول والتحوت؟ قال: الوعول: وجوه الناس والتحوت: الذين كانوا تحت أقدامهم"، [أخرجه الحاكم (4/590 ، رقم 8644) وقال: حديث رواته كلهم مدنيون ممن لم ينسبوا إلى نوع من الجرح، وابن حبان في صحيحه (15/258 ، رقم 6844)]، وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ؟ " قَالَ: " هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ "[مسلم] .
المنحى الثاني: تحرير دلالات معاني بعض المفردات بقصرها على جزئيات مخصوصة من معاني دلالاتها أو بتغيير معانيها؛ ومن أمثلة ذلك حديث العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة أن رسول الله عليه السلام قال: "أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا يَمْلِكُ دِرْهَمًا لَهُ، قَالَ: الْمُفْلِسُ مِنْ أُمَّتِي من يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصِيَامٍ وَصَلَاةٍ وَزَكَاةٍ , وَيَأْتِي قَدْ قَذَفَ هَذَا، وَشَتَمَ عِرْضَ هَذَا وَضَرَبَ هَذَا وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، فَيَقْعُدُ فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْضِيَ الَّذِي عَلَيْهِ مِنَ الْخَطَايَا أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحْنَ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ" [أخرجه الترمذي، وابن حبان] وعن الزبير بن العوام أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الْحَسَدُ، وَالْبَغْضَاءُ، وَالْبَغْضَاءُ: هِيَ الْحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعْرَ، وَلَكِنْ تَحْلِقُ الدِّينَ " أخرجه أحمد.
قال ابن فارس – معللا أسباب هذه الظاهرة وأهم مظاهرها -: كانت العرب في جاهليتها على إرث من إرث آبائهم في لغاتهم وآدابهم ونسائكهم وقرابينهم، فلما جاء الله جل ثناؤه بالإسلام حالت أحوال ونسخت ديانات وأبطلت أمور ونقلت من اللغة ألفاظ من مواضع إلى مواضع أخرى بزيادات زيدت وشرائع شرعت وشرائط شرطت، فعفى الآخرُ الأولَ، فكان مما جاء في الإسلام ذكر المؤمن، والمسلم، والكافر والمنافق؛ وإن العرب إنما عرفت المؤمن من الأمان والإيمان، وهو التصديق، ثم زادت الشريعة شرائط وأوصافًا بها سمي المؤمن بالإطلاق مؤمنًا؛ وكذلك الإسلام والمسلم: إنما عرفت منه إسلام الشيء، ثم جاء في الشرع من أوصافه ما جاء؛ وكذلك كانت لا تعرف من الكفر إلا الغطاء والستر؛ فأما المنافق فاسم جاء به الإسلام لقوم أبطنوا غير ما أظهروه، وكان الأصل من نافقاء اليربوع .
وإضافة إلى ما ذكره ابن فارس هنا من أن الإسلام أحدث ألفاظا ومعاني لم تكن موجودة قبله نجد أن الإسلام والسنة على وجه الخصوص هذبت اللغة وشذبتها فحذفت منها الألفاظ ذات الدلالات السلبية أو تلك التي تكرس معاني العنصرية والتفريق الانتقائي بين بني البشر؛ من ذلك: نهيه صلى الله عليه وسلم أن يقول الرجل: خبثت نفسي، ولكن ليقل: لقِسَتْ نفسي [رواه البخاري، ومسلم]، مع أن خبثت ولقست معناهما واحد - أي: ضعفت نفسي وساء خُلقها - لكن كره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم لفظ الخبث؛ لما فيه من القُبح والشناعة، وأرشدنا إلى استعمال الحسن، وهجران القبيح، وإبدال اللفظ المكروه بأحسن منه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: " لا يقولن أحدكم لمملوكه: عبدي، وأمتي، ولكن يقول: فتاي، وفتاتي، ولا يقول المملوك: ربي، وربتي، ولكن يقول: سيدي وسيدتي"، ومثل هذا كثير، وكما أنتجت السنة النبوية المطهرة ألفاظا جديدة للتعبير عن معان جديدة، اقتضاها الشرع والعلم فقد محت من اللغة ألفاظا قديمة، ذهبت بذهاب بعض اعتقادات الجاهلية وعاداتهم منها قولهم: "المرباع" وهو ربع الغنيمة الذي كان يأخذه كبير القوم في الجاهلية و"النشيطة" وهي ما يحوزه الغزاة لأنفسهم من المغنم قبل قسمه، وكقولهم: "أنعم صباحا وأنعم ظلاما"، وتسمية من لم يحج "صرورة" إلى غير ذلك من ألفاظ الجاهلية التي أميتت في الإسلام.
وهكذا نجد أن السنة النبوية المطهرة قد ارتقت بآداب الأمة وأخلاقها وسلوكها إلى قمم عالية من الرقي والسمو وارتقت كذلك بلسانها ولغتها وهذبتها غاية التهذيب فحذفت وأضافت وطورت في الدلالة مواكبة للتطور الحضاري الذي اكتنف شتى مناحي حياة الأمة بظهور الإسلام.
اسلام ويب ( دكتور محفوظ ولد خيري )

Post: #1126
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-10-2015, 07:39 PM
Parent: #1125

يروي أهل الأدب أن زياد ابن أبيه مر بالحيرة، فنظر إلى دير هناك، فقال لخادمه: لمن هذا؟ قيل له: هذا دير حُرَقة بنت النعمان بن المنذر الذي كان ملكا على الحيرة قبل الإسلام، فقال: ميلوا بنا إليه نسمع كلامها، فجاءت إلى وراء الباب فكلمها الخادم فقال لها: كلمي الأمير، فقالت: أأوجز أم أطيل؟ قال: بل أوجزي، قالت: كنا أهل بيت طلعت الشمس علينا وما على الأرض أحد أعز منا، وما غابت تلك الشمس حتى رحمنا عدونا، قال: فأمر لها بأوساق من شعير، فقالت له: أطعمتك يد شبعاء جاعت، ولا أطعمتك يد جوعاء شبعت، فسر زياد بكلامها، وقال لشاعر معه: قيد هذا الكلام ليدرس، فقال :
سل الخير أهل الخير قدماً ولا تسل ... فتىً ذاق طعم الخير منذ قريب
وروى أحمد بن موسى بن حمزة قال: رأيت مروان بن أبي حفصة الشاعر في دار الخلافة وهو شيخ كبير، فسألته عن جرير والفرزدق أيهما أشعر؟ فقال لي: قد سُئلت عنهما في أيام المهدي وعن الأخطل قبل ذلك، فقلت فيهم قولا عقدته في شعر ليثبت، فسألته عنه فأنشدني:
ذهب الفرزدق بالهجاء وإنما حلو القريض ومره لجرير
ولقد هجا فأمضَّ أخطل تغلب وحوى النهى ببيانه المشهور
إن صحت هاتان الروايتان فهما تمثلان البداية الأولى للظاهرة التي عرفت بعد ذلك بالشعر التعليمي؛ أو الأنظام التعليمية، وهي ظاهرة تمددت في الثقافة الإسلامية وفي التعليم التقليدي كافة، بعد أن وصل القائمون عليها لقناعة بدور ملكة الحفظ والتلقين في استيعاب العلوم اللغوية والشرعية، وقد نبعت هذه الفكرة من فكرة أخرى مؤداها أن الكلام المنظوم المقفى يسهل حفظه ويكثر بين النقلة تداوله نقيض الكلام المرسل المنثور فهو لا يعلق بالذهن ولا يبقى مقتضاه في النفوس.
وينبري الأستاذ شوقي ضيف ليوضح الفوارق الفنية بين هذا النوع من نظم الكلام وبين الشعر بمفهومه الأدبي التقليدي حيث يقول: " نحن إذن بإزاء متون تؤلف لا بإزاء أشعار تصاغ و يعبر بها أصحابها عن حاجاتهم الوجدانية أو العقلية، فقد تطور الشعر العربي وأصبحت الأرجوزة منه خاصة تؤلف من أجل حاجة المدرسة اللغوية وما تريده من الشواهد و الأمثال، والأرجوزة الأموية من هذه الناحية تعد أول شعر تعليمي ظهر في اللغة العربية، ولعل في هذا ما يدل علی المکان الذی ينبغي أن توضع فيه، أو الذی وضعت فيه فعلاً، فمکانها صحف العلماء من مثل يونس و أبي عمرو بن العلاء، يتعلمونها و يعلمونها الناس، وينقلونها إلی أذهانهم وينقشونها في عقولهم، ليدللوا بها علی مدی علمهم في اللغة ومعرفتهم بألفاظها المستعملة والمهملة".
ثم لما نضج هذا الفن واستوى على سوقه أصبح فنا ذا حدود معرفية معروفة وألفت فيه الأنظام المتعددة في الفنون كلها وحاز إعجاب المعلمين والمتعلمين على حد سواء في مدارس علوم اللسان والشريعة، حتى أصبحت معظم الفنون التي تدرس فيها هي من فصيل الشعر التعليمي لا سواه، ومعظم المؤلفات التي يتأهل بها المتخرجون والتي اعتمدت مراجع أصيلة في التعليم منه، وما زال كثير من المنظومات معتمدا في التدريس حتى يوم الناس هذا رغم مضي أكثر من 700 عام على زمان تأليفها؛ وتتصدر هذه المراجع ألفية ابن مالك في علم النحو وهي أشهر الألفيات على الإطلاق والمستأسرة بلفظ "الألفية" عند الإطلاق دونهن، ثم ألفية الحافظ العراقي في علم مصطلح الحديث، ومنظومة الإمام الشاطبي في علم القراءات والتي تقع 1173 بيتا يتمحض منها لمباحث علم القراءات نحو 1000 بيت، وقد غطت هذه الألفيات علوما شتى منها علم النحو وعلم الصرف، وعلوم الحديث والتفسير وأصول الفقه والسيرة النبوية وعلوم البلاغة وغيرها وحتى تعبير الرؤى نظم فيه زين الدين عمر بن الوردي ألفية طبعت لأول مرة بمطبعة بولاق سنة 1285هـ.
تربعت هذه الألفيات على قمة هرم التخصص الدقيق في فنونها إذ تحلقت حولها شبكة ضخمة من الشروح الموسوعية، ثم إن سنة الله في التطور والنمو شملتها لتظهر موسوعات شعرية أعلى تشتمل على عدة ألوف من الأبيات؛ ومن أعجب ما رأيت في ذلك أن أحد الأدباء ألف منظومة في مائة وعشرين ألف بيت طبعت في عشر مجلدات! إلا أن هذه الألفيات المطولة لم يكتب لها من القبول ما كتب للألفيات البسيطة فلم تجد من حظوة التدارس والشروح ما وجدت تلك .
لم تلبث هذه الموسوعات الشعرية أن أصبحت تمثل عماد الثقافة الإسلامية وعمودها الفقري، خاصة بعد أن ترتب المقرر المدرسي في كل المدارس الإسلامية على ثلاث وحدات رئيسية وهي المتن والشرح والحاشية، حيث يمثل المتن لب الموضوع ويختصر مضامينه الرئيسة في ألَفاظ قليلة بحيث لا يتجاوز في المجموع صفحات قليلة يتأبطها الرجل ويخرج، ويحسن استظهار المتن وحفظه عن ظهر قلب من طرف الأستاذ والتلميذ معا، ثم الشرح وهو الكتاب الذي يتضمن حلحلة ألفاظ المتن وبسط مختصره وإيضاح مجمله، أما الحاشية: فهي شرح الشرح؛ إذ هي تعليقات على الشرح وإضافات عليه تتضمن تفصيلات نادرة غالبا، وفي الأعصار الأخيرة أضيفت وحدت رابعة وهي التقريرات على الحواشي ومن أشهرها تقريرات الأنبابي وهي عبارة عن تعليقات لطيفة على الحواشي، تعتبر حاشية على الحاشية، وهكذا نجد أن المؤلفين – منذ القرن الخامس الهجري – انخرطوا في سلك التأليف في ضمن حدود هذه الدوائر المتداخلة: المتون المستقلة ثم الشروح الموضوعة على المتون ثم الحواشي ثم حواشي الحواشي أو التقريرات، وتقيدوا بمعالجة الكتب المتداولة على هذا النمط، حتى عرف لكل فن من الفنون متون متدرجة حسب حجم المعلومات من مرحلة ابتداء طلب العلم إلى مرحلة الانتهاء أو التخصص الدقيق، وعلى كل متن من هذه المتون وضع كم هائل من الشروح يثري المادة العلمية للكتاب ويزيدها بكمية كبيرة من المعلومات لدرجة ظهرت معها الشروح المتخصصة؛ بمعنى الشروح التي تهتم بالتحليل اللغوي للمتن، فالشروح التي تهتم بالاستدلال الحديثي لأحكام المتن، فالشروح الجامعه وهكذا! بل إن معظم المؤلفين في الثقافة الإسلامية في العصور المتأخرة هم من شراح المتون أو من مؤلفي الحواشي عليها وقل الابتكار والتأليف المستقل فيها جدا، وهذا أمر تسهل ملاحظته من مطالعة أي فهرس من فهارس مؤلفات علماء الإسلام.
هذه الطريقة في التأليف أعطت أهمية متزايدة للمتن ومن ثم ابتكر المؤلفون فكرة معالجة المتن عن طريق النظم كوجه من أوجه العطاء الفكري الذي لقي رواجا كبيرا، وإن كان بعض الكتاب يقسوا كثيرا على هذا المنهج في التأليف وينظر إليه كشكل من أشكال دخول المسلمين مرحلة الانحطاط، ولا يخفى ما في هذا الرأي من التطرف وإن كنا لا ننكر أن المبالغة في استخدام النظم ضيقت عطن العلوم وقيدت فضاءات التعبير ومساحات التفكير فيها، لكن لا ينبغي – مع ذلك - تناسي الجوانب المشرقة لحركة الأنظام الزاهية وقِوام فنها الذي لم يزل مبدعوا الأمة ينسجونه لقرون، لم تفتر فيها همم إبداعهم ولم يتوقف سيرها واستمرارها منذ زمانهم إلى اليوم.
اسلام ويب ( د. محفوظ خيري )

Post: #1127
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-13-2015, 00:13 AM
Parent: #1126

الحق هو الصحيح الثابت الذي لا يسع عاقل إنكاره بل يلزمه إثباته والاعتراف به، ومن صفاته أنه واضح لمن أراد أن يسلكه، مَنْ تَعَدَّاه ظلم ومن قصر عنه ندم، ومَنْ صارعه صرعه . وأتباعه هم خيار الخلق، عقولهم رزينة ، وأخلاقهم فاضلة، إذا عَرَفُوا الحقّ انقادوا له، وإذا رأوا الباطل أنكروه وتزحزحوا عنه.
أمَّا الباطل فهو ما لا ثبات له ، وما لا يستحق البقاء بل يستوجب الترك والقلع والإزالة. وأتباعه من أسافل الناس وأراذلهم وسَقَطهم، يُعْرَفُون بتكبرهم عن الحق، وجهلهم بالحقائق، بل إِنْ شئت فقل سُلِبُوا نعمة العقل، فالجهل لهم إماما، والسّفهاء لهم قادة وأعلاما. فَمَا إِنْ يتكلم أحدهم حتى يُعْرَفُ فساد ما عنده، يصور الباطل في صورة الحقّ، ويستر العيوب بزخرف القول، يتلون كالحرباء، فلا يثبت على مبدأ ، ولكن إذا شاء طفا، وإذا شاء رسب،. فيصدق فيه المثل القائل : يُطَيِّنُ عَيْنَ الشَّمْسِ . أي ينكر الحقَّ الجلىَّ الواضحَ بحجج سخيفة، وإذا كان الساكت عن الحقّ شيطان أخرس ، فالمتكلّم بالباطل شيطان ناطق.
وقد حظيت المقارنة بين الحق والباطل باهتمام الحكماء والأدباء فقالوا : الحقُّ أَبْلَجُ والباطل لَجْلَجٌ، والمعنى: الحق واضح مُشْرِق والباطل غامض . ومن أقوالهم الجامعة : دولة الباطل ساعة ودولة الحقّ إلى قيام السَّاعة، للباطل جولة ثم يضمحل وللحق دولة لا تنخفض ولا تذل ، العاقل لا يبطل حقاً ولا يحق باطلاً ، الرجوع إلى الحق خيرٌ من التمادي في الباطل ، حقّ يضرُّ خيرٌ من باطل يسرُّ .
والتدافع بين الحق والباطل أمرٌ حتمي و سُنَّةٌ مِنْ سُنَنِ الله في كونه ، وقديما قال ورقة بن نوفل للرسول صلّى الله عليه وسلّم في بداية نزول الوحي : « إِنَّه لم يأت أحد قطّ بمثل ما جئت به إلا عُودِي » والسبب في ذلك أن الحق والباطل ضِّدِّان والضِّدِّان لا يجتمعان ، بل لم يزل أحدهما ينفر من الآخر ويدافعه حتى يزيله ويطرده ، أو على الأقل يضعفه ويمنعه من أَنْ يكون له تأثير في واقع الحياة ، لذا فمَنْ حاول الجَمَعَ بين الحق والباطل لم يجتمعا له، وكان الباطلُ أولى به!!
والعجيب أنَّ أهل الباطل لا يكفيهم بقاؤهم على باطلهم ، وإنما يسعون إلى محق الحق وأهله وإزالتهم وصَدّ الناس عنهم بكل ما أوتوا من قوة ، ويحْتَالُون في إِضْلَالِهم بكل حِيلَةٍ و إمالتهم إِليهم بكل وسيلة ، وقد صَوَّرَ القران طَرَفًا من ذلك ، قال سبحانه frown emoticon وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ] أي : ولقد كان مكرهم بالحق وبمن جاء به من الشدة بحيث كادت الجبال بسببه تزول وتنقلع من أماكنها، لكن الله بقدرته وقوته يَرُدُّ كيدهم في نحورهم ، فلا يغن عنهم كيدهم ولا مكرهم شيئا، قال سبحانه : [ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ] أي: يفسد ويبطل ، ويظهر زيفهم عن قريب لأولي البصائر والنهى، فأمرهم لا يروج ويستمر إلا على غبي أو متغابي.
والباطل مهما ملك من القوة والعتاد دائما ذليل ، و الحق دائما عزيز شعار صاحبه و المدافع عنه [لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى]، وهي العبارة التي ذَكَّر الله بها موسى عندما أَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً من سحر فرعون وضخامته، ومعناها كما يقول صاحب الظلال : أنت الأعلى لأن معك الحق ومعهم الباطل. معك العقيدة ومعهم الحرفة. معك الإيمان بصدق ما أنت عليه ومعهم الأجر على المباراة ومغانم الحياة. أنت متصل بالقوة الكبرى وهم يخدمون مخلوقا بشريا فانيا مهما يكن طاغية جبارا. ان القوة المادية- كائنة ما كانت- لا تملك أن تستعبد إنساناً يريد الحرية، ويستمسك بكرامته الآدمية. فقصارى ما تملكه تلك القوة أن تملك الجسد، تؤذيه وتعذبه وتكبله وتحبسه. أما الضمير. أما الروح. أما العقل. فلا يملك أحد حبسها ولا استذلالها، إلا أن يسلمها صاحبها للحبس والإذلال! انتهى كلامه
والثابت بيقين أَنَّ الغلبة دائما للحق، أَمَّا الباطل فأمره الى زوال، وتلك سنة لا تتخلف أبداً : [فَأَما الزّبد فَيذْهب جفَاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض] والزَبَد :ما يعلو الماءَ وغيره من الرَّغوة عند غليانه أو سرعة حركته، ووجه الشبه هنا أَنَّ الحق في استقراره ونفعه كالماء المستقرّ النافع، وكالمعدن النّقي الصّافي. والباطل في زواله وعدم نفعه كالرغوة التي يقذفها السّيل على جوانبه، وكشوائب المعدن التي يطرحها ويتخلّص منها عند انصهاره، فيبقى الحقّ ويثبت، ويزول الباطل ويتبدّد.
ومما يجب أنْ يُعرف أنَّه إِذا كان النصر أمر لا شك فيه فإِنَّه لا يأتي دون جهد عظيم يُبْذَلُ وتضحيات تُقَدَّمُ ، كما أنَّه قد يتأخر لأنَّ الله تعالى يريد لأهله النصر الأكبر والأكمل والأعظم والأدوم والأكثر تأثيراً في واقع الحياة وفي عموم الناس ، يدل على ذلك أنَّ نصر الرسول الكريم ومن معه من المؤمنين لم يحصل في يوم وليلة ولا سنة واحدة ، وإنَّما تأخر مدة ، ثم جآءهم النصر الذي دخل بسببه الناس في دين الله أفواجاً . اللهم ارزقنا حسن الثقة بك ، واجعلنا ممن يعلمون الحق ويعملون له ويوقنون بانتصاره كأنما يرونه رَأْيَ الْعَيْنِ. آمين
دكتور : أحمد عبد المجيد مكي

Post: #1128
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-13-2015, 00:14 AM
Parent: #1127

الإسعافات الأولية ... عندما يساوي الوقت الحياة
يكتسب الوقت قيمة كبيرة في الحياة، قد تزداد هذه القيمة أو تنخفض حسب الإحساس بأهميته، والقدرة على تحقيق الاستفادة القصوى منه، لكن ثمة ظروف ولحظات يبلغ فيها مؤشر أهمية الوقت حده الأقصى، خصوصا عندما يصبح فارقا بين الحياة والموت، فبضع دقائق – وربما ثوان – إذا ما أحسنت إدارتها واستغلالها قد تنقذ حالات من موت محقق كما أن نفس اللحظات قد تتسبب وبشكل مباشر في الموت إذا ما لم يتم استغلالها على النحو الأمثل، مجال الإسعافات الأولية وطب الطوارئ بشكل عام من المجالات التي تتعاظم فيها أهمية الوقت لحضوره كعامل أساسي وفيصلي في محافظة المصاب على حياته أو انتقاله إلى سجلات الموتى أو المعاقين في أحسن الأحوال.
بشكل تفصيلي أصبح مجال الإسعافات الأولية من المجالات الضرورية والمهمة في الحياة العامة، وجزءً من الثقافة الصحية التي لا يسع أحدا جهلها مهما كان اختصاصه أو دائرة عمله، ذلك أن وسائل الرفاهية والدعة المعاصرة جلبت معها الكثير من نوبات الطوارئ الصحية التي لا بد لها من تدخل سريع يشكل إعادة لنفث دورة الحياة مرة أخرى في عجلة النشاط الصحي التي أصبحت تعاني من المرور بالكثير من محطات التوقف؛ فالسكتات بشتى أنواعها؛ السكتة القلبية والدماغية ونوبات ضعف التنفس أو توقفه قد تفاجئك في أي لحظة ودون سابق إنذار، ولا بد من إدراك تام بالكيفية اللازمة لإدارة والتعامل مع هذا النوع من الحالات حتى نستطيع المساهمة في إنقاذ نفس يساوي إنقاذها إحياء الناس جميعا، كما أن إصابات السير وحوادث الطرق والاصطدام والسقوط والارتطام هي الأخرى تمثل قدرا لا يستهان به من الحالات التي تحدث يوميا وبشكل متكرر على مقربة منا، وقد نكون - لا قدر الله – شاهد عيان عليها أو جزء منها؛ ذلك أن حضور الآلة وبشكل مكثف بكل ما تحمله من خصائص صلبة وميكانيكية حادة في نمط حياتنا اليومي زاد من مضاعفات الخطر، فالتسلح بسلاح المعرفة خير ما يعين على التفاعل بشكل إيجابي مع هذا النوع من المواقف .
ولحسن الحظ فإن الدورات المتخصصة في مجال إسعاف حالات الطوارئ أصبحت متوفرة ويمكن الحصول عليها أو على الأقل مشاهدتها دون كبير مشقة، كما أن المراجع المتخصصة في هذا المجال الحيوي متوفرة وبكل اللغات، ويمكن تحقيق قدر لا بأس به من الوعي اللازم بثقافة التدخل الصحي في حالات الطوارئ من مجرد الاطلاع عليها وتطبيقها تحت إشراف المختصين، لكن ما نحب أن نلفت الانتباه إليه هنا هو بعض القواعد والخطوات العامة؛ المتعلقة باستثمار الوقت في إنجاح عمليات الإسعاف:
أولا: لا بد من ضبط الأعصاب والتعامل مع الموقف بالهدوء والثقة اللازمين حتى يتسنى للمسعف مساعدة أكبر قدر من المصابين في وقت زماني قياسي .
ثانيا: في حالات كثيرة قد لا يوفر محل الإصابة - بالضرورة – البيئة النموذجية للمعالجة ومن ثم فإن المسعف الناجح هو الذي يستفيد منه فقط بالقدر الذي يسمح بالمحافظة على صحة وحياة المصاب حتى يصل إلى أقرب مشفى أو نقطة صحية ليتلقى علاجا متخصصا.
ثالثا: لا بد من ترتيب الأوليات فمثلا لا ينبغي الاهتمام بظروف وإصابات سطحية على حساب إصابات أعمق وأخطر، حتى الرعاية والاهتمام بالمصابين أو المرضى لابد أن تتناسب مع حِدَّة الإصابة ودرجتها؛ فعلينا تركيز العناية أولا على المرضى ذوي الإصابات الخطيرة التي قد تهدد الحياة مثل النزيف الدموي الحاد وحالات انسداد مجاري التنفس كليا أو جزئيا ثم العناية بمن هم أخف منهم إصابة ... وهكذا، وعلى مستوى المصاب الواحد يجب ترتيب العناية بالإصابات – في حالة وجود أكثر من إصابة – بالقانون ذاته؛ البدء بالإصابات الخطيرة ثم الأخف.
رابعا: في حالة وجود مسعفين ذوي خبرة أكثر أو مهارات أكبر ينبغي إفساح المجال أمامهم توفيرا لجزء من الوقت الشحيح في مثل هذا النوع من الظروف.
تبدو الطبيعة البيولوجية لتركيبة الكائن الحي حساسة تجاه الصدمات وحوادث الارتطام وهو ما يعط الوقت أهمية متعاظمة في حالات الطوارئ والحوادث وتدخلات الإنقاذ السريع، والأمثلة التالية خير شاهد على ذلك:
• فقدان الدم عن طريق خروجه من الأوعية الدموية إلى خارج الدورة الدموية أي ما يعرف بالنزف الدموي بمعدل أكثر من 2,2 لتر للكبار و6 لتر للأطفال حسب الوزن يؤدي إلى قطع الأوكسجين عن بعض الأعضاء الحساسة والحيوية في الجسم مثل الدماغ والقلب مما يسبب لها التلف والوفاة.
• لا يستطيع الدماغ أن يبقى حيا سوى أربع دقائق تقريبا بعد انقطاع التروية الدموية عنه، وهو أول الأعضاء تأثرا وموتا نتيجة توقف القلب عن النبض، وتوقف الدم عن الجريان في الأوعية الدموية .
• النزف الدماغي الداخلي يمكن أن يؤدي من خلال الضغط على خلايا الدماغ إلى الوفاة في فترة لا تتعدى الدقائق حسب نوع ومنطقة الخلايا المتأثرة (دماغ، معدة، رئتين) .
• تضيق المسالك الهوائية العلوية إلى حد الانسداد أو شبه الانسداد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتلقى المصاب إنعاشا رئويا وقلبيا في فترة لا تتعدى الخمس دقائق .
• توقف القلب وفقدانه لوظيفته الحيوية يؤدي إلى موت محتوم ما لم يتلق المصاب الإسعاف الفعال وبشكل فوري، لكن فرصة النجاة تنخفض بنسبة 10 % مع كل دقيقة تأخير، وتنعكس أعراضه بشكل مباشر في فقد الوعي وعدم وجود نبض للمريض وتوقف التنفس تقريبا .
كل هذه التظاهرات المرضية شائعة ومنتشرة في حالات الحوادث والصدمات الطارئة التي تحتاج تدخلا إسعافيا عاجلا، وكل هذا يجعل من مجال الإسعافات الأولية وسرعة تلقي المصاب لها بعد أقل فترة عقب الحادث أمرا ضروريا وهاما في النشاط الحياتي اليومي، لذلك فإن من إجراءات السلامة الضرورية - التي لا نعمل بها غالبا اليوم مع الأسف - اصطحاب حقيبة إسعافات أولية وإيداعها في الصندوق الخلفي للسيارة مثلا بعد الإطلاع على الإجراءات اللازمة لاستخدامها
غني عن القول أن هذه الإصابات كلها أو بعضها قد تفاجئنا في أنفسنا أو في عزيز علينا أو في أي نفس بشرية لذلك فإن الاستعداد التام للتدخل في مثل هذه المواقف والتسلح بالأدوات والمعرفة اللازمة لإنقاذ النفس البشرية في مثل هذه المواقف يعد من الأهمية بمكان، وفيه استثمار للطاقة والوقت اللذين يساعدان بشكل كبير في إنقاذ حياة الكثيرين وتجنيبهم عاهات مستديمة كانت يمكن أن تقعد بهم بقية حياتهم أو تسلبهم حياتهم، ومن هذا المنطلق يؤكد اختصاصيو طب الطوارئ أن كل دقيقة تمر على المصاب من دون إسعاف أو تلق للعلاج تقلل من فرص هذا المصاب في النجاة والبقاء على قيد الحياة، لذا فإن الوقت هنا يعني الفرق بين الحياة والموت.
د. محفوظ ولد خيري

Post: #1131
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-15-2015, 09:55 PM
Parent: #1128

ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
الاعتراض على نصوص الشريعة - قرآنًا وسنة - والنيل منها، والتنقص من قدرها، وتوهين أمرها، أمر كان ولا يزال شغل المشككين في هذا الدين، والضعفاء من أتباعه وأشياعه.
وفي هذا السياق، يطالعنا من يعلم ظاهرًا من العلم دون حقيقته، بأن ثمة تعارضًا بين آيات وردت في القرآن الكريم، تصرح بأن دخول الجنة إنما يكون بعمل العبد، ونتيجة لسعيه وكسبه؛ في حين أن هناك أحاديث وردت في "الصحيحين" تصرح أيضًا أن دخول الجنة ليس جزاء لعمل العبد، ولا هو نتيجة لسعيه، وإنما هو بفضل الله ورحمته.
ويفصل البعض الشبهة، بقوله: "إن حديث: (لن يدخل أحدًا عمله الجنة) مخالف لقوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل:32) ويضيفون إلى هذا قائلين: إن في القرآن آيات كثيرة في هذا المعنى...وإن (صحيح البخاري) فيه أصح الأحاديث، ولكن الناس بالغوا في تقديره، حتى وصلوا إلى تقديسه، مع أن المحدِّثين يقررون أن الحديث مهما كانت درجته، إذا خالف القرآن، ولم يمكن التوفيق بينه وبين الآية، نحكم بأن الرسول لم يقله".
هذا حاصل قول من قال بهذه الشبهة. ومراد قائلها أن يضع ويقلل من قيمة (صحيح البخاري) ومن باب أولى أن يسحب هذا الطعن إلى ما سواه من كتب السنة؛ وذلك بحجة أن فيها ما يعارض القرآن ويخالفه!!
وليس غرض مقالنا الرد على من أراد الطعن في كتب السنة، وما حوته من أحاديث وآثار، فقد كتب في هذا الكثير، وفي محور الحديث على موقعنا ما يفي بهذا الغرض، لكن حسبنا في مقالنا هذا أن نبين وجه التوفيق والجمع فيما يبدو من تعارض بين الآية والحديث، إذ هو الأليق بموضوع هذا المحور، محور القرآن الكريم.
وللوصول إلى ما عقدنا المقال لأجله، نستعرض بداية بعضًا من الآيات القرآنية التي تثبت وتصرح بأن دخول العبد الجنة إنما هو بعمله، وجزاء لسعيه؛ ثم نردف تلك الآيات ببعض الأحاديث التي تقرر وتصرح بأن دخول الجنة ليس نتيجة لعمل العبد، ولا هو جزاء على سعيه وكده، وإنما هو بفضل الله ورحمته؛ ثم نعطف على ذلك بنقل أقوال أهل العلم في وجوه التوفيق بين الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع، محاولين أن نستخلص منها القول الفصل في هذة المسألة. لكن قبل هذا وذاك نرى من المناسب -بل وربما من المهم- أن نمهد بكلمة موجزة تتعلق بمسألة التعارض بين نصوص الشريعة، فمن هذه النقطة نبدأ، فنقول:
إن القول بوجود تعارض حقيقي بين نصوص الشريعة -قرآنًا وسنة صحيحة- إنما يصدر عن أحد رجلين؛ إما عن جاهل لا حظ له من علم الشريعة في شيء، فمن كان هذا شأنه فليس من المستغرب أن يصدر عنه مثل هذا القول، ويبني عليه ما يريد أن يبني؛ وإما عن حاقد مضاد لهذه الشريعة، يتقول عليها ما يوافق أغراضه وأهوائه، وغير هذين الرجلين لا نقف على قائل بوجود تعارض تام بين نصوص الشريعة، أو تناقض فيما جاءت به من أحكام وأخبار.
ثم إنه من المفروغ منه عند كل من رضي الإسلام دينًا، والتزم به شرعة ومنهجًا، أن القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة، كلاهما يصدران عن مشكاة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك كان وجود التعارض بين نصوص الشريعة - قرآنًا وسنة - أمرًا غير واقع، بل هو غير وارد بحال من الأحوال، وإن بدا شيء من ذلك فهو فيما يبدو للإنسان بسبب محدودية قدراته العقلية، لا على أن واقع الأمر كذلك. كيف لا وقد قال الله سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82) فالآية الكريمة تقرر وتبين أن القرآن لو كان من عند غير الله سبحانه، لكان الاختلاف فيما جاء فيه وتضمنه أمر كائن وحاصل، بل هو الأمر الطبعي، أما وإنه ليس كذلك، إذ هو من عند الله سبحانه، فإن وقوع الاختلاف فيه أوالتناقض أمر غير وارد؛ لأن ذلك مما لا يليق بصفات الله سبحانه وتعالى.
ثم إن نفي الاختلاف الوارد في الآية الكريمة الآنفة الذكر، ليس عن القرآن فحسب، بل هو أيضًا عن السنة الصحيحة الثابتة؛ لأنها شارحة ومفصلة ومبينة للقرآن، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) وإذا كان الأمر كذلك، ثبت أن شأن القرآن والسنة واحد، ما دام أن مصدرهما واحد، وبالتالي امتنع أن يقع التعارض الحقيقي بينهما.
على أنه لا يُنكر وجود تعارض من حيث الظاهر بين آية وأخرى، أو بين آية وحديث، أو بين حديث وحديث؛ لكن كل ما يبدو من هذا وذاك، هو عند التحقيق والتدقيق منتف ومعدوم، وإنما هو تعارض فيما يبدو للناظر، لا أنه كذلك في واقع الأمر.
أجل هذا الملحظ، وجدنا أهل العلم -وخاصة علماء الأصول- يخصصون فصولاً في كتبهم تحت عنوان (التعارض والترجيح بين الأدلة) أو شيء من هذا القبيل، وهم يبحثون فيها ما كان من الأدلة ظاهره التعارض، ويقررون في ذلك قواعد تتعلق بالتوفيق والترجيح بين النصوص المتعارضة في ظاهرها، والمتوافقة في حقيقتها.
فإذا تبين ما تقدم، ظهر لنا أن ما قامت عليه هذه الشبهة من بنيان، إنما هو في الحقيقة بنيان هاو وهار؛ من جهة أن النصوص التي قامت عليها هذه الشبهة نصوص ثابتة لا شك في سندها، ولا مطعن فيها بحال، وإنما الطعن والشك قد يرد على طريقة فهمها، ومنهج التوفيق بينها، مما قد تختلف فيه الأنظار، وتتباين فيه الأفكار.
بعد هذا التوضيح لمسألة التعارض بين النصوص، نتجه صوب الشبهة -موضوع حديثنا- لنرى مدى صحة هذه الشبهة، ومدى قوة أو ضعف ما قامت عليه واستندت إليه. وهذا ما نسعى إلى توضيحه في الفقرات التالية، فنقول:
وردت في القرآن الكريم آيات صريحة، تبين أن دخول الجنة مرتبط بعمل الإنسان، ومتوقف على سعيه وجهده في هذه الحياة. ويفهم من تلك الآيات أن ثمة علاقة سببية بين فعل الإنسان ودخوله الجنة، وأن العمل سبب للدخول، وأن الدخول نتيجة للعمل؛ من ذلك نورد الآيات الآتية:
- قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف:43) وقال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل:32) ويقول سبحانه: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:72) فهذه الآيات وما شاكلها تدل على أن سعي الإنسان وكسبه والعمل بما أمر الله به كان سببًا لدخوله الجنة. ويفهم من هذه الآيات أن من لم يعمل بطاعة الله في هذه الدنيا، ولم يلتزم بأحكام شرعه فليس له نصيب من الجنة، ولن يكون من داخليها ولا من أصحابها. فهذا بعض من الآيات الواردة في هذا الشأن؛ أما الأحاديث، فنسوق منها:
- ما رواه البخاري في "صحيحه" أن أبا هريرة رضي الله عنه،قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) وقد روى البخاري هذا الحديث في موضعين آخرين من "صحيحه" بألفاظ متقاربة.
- وروى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله ! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا) وقد روى مسلم هذا الحديث في مواضع أُخر من "صحيحه" بألفاظ متقاربة أيضًا.
- والحديث رواه عدد من أئمة الحديث؛ فهو في (صحيح ابن حبان) و(مسند الإمام أحمد) و(سنن ابن ماجه) و(السنن الكبرى للبيهقي) وهو عند الطبراني في (المعجم الكبير) و(الأوسط) وهو في (مسند أبي يعلى) و(مسند الطيالسي) وغيرها من كتب الحديث.
وإذا كان الأمر كذلك، فالحديث ثابت سندًا لا شك فيه ولا مطعن، وهو إن لم يكن إلا في "الصحيحين" لكفى، فكيف وهو في غيرها من كتب الحديث.
بعد ما تبين من تحرير موضع الشبهة، يجدر بنا أن نتجه إلى أقوال أهل العلم -وشراح الحديث منهم خاصة- لنرى ماذا يقولون في توجيه هذا التعارض، وماذا يقررون في منهج التوفيق بين الآية والحديث؛ والبداية مع الإمام النووي في شرحه على (صحيح مسلم) فماذا يقول النووي عند شرحه لحديث: (لن ينجي أحدًا منكم عمله)؟
- بعد أن يقرر الإمام النووي عقيدة أهل السنة في مسألة الثواب والعقاب، وأن ذلك ثابت بالشرع لا بالعقل، خلافًا للمعتزلة، يقول بعد تلك التقدمة: "...وفى ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لايستحق أحد الثواب والجنة بطاعته) ثم يورد ما يَرِدُ من اعتراض أو تعارض بين هذا الحديث -وما شاكله من أحاديث- وبعض الآيات القرآنية، فيقول: (وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} {وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدْخَل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال، أي: بسببها، وهي من الرحمة"، إذن، يقرر النووي ألا تعارض بين الآيات والأحاديث، وأن وجه التوفيق بينهما، بأن يقال: إن دخول الجنة نتيجة لعمل العبد، لكن عمل العبد لا يكون إلا بتوفيق من الله، وفتح منه، وبذلك تتفق النصوص وتتوافق. وهذا حاصل ما قرره النووي في هذه المسألة.
- أما ابن حجر في (فتح الباري) فهو ينقل بعضًا من أقوال أهل العلم في المسألة؛ لبيان وجه التوفيق بين الأحاديث والآيات الواردة في هذا الشأن؛ فنقل قول ابن بطال بأن: "تحمل الآية على أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها".
ويدلي ابن حجر بدلوه في المسألة، فيقول: "ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر، وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولاً، وإذا كان كذلك، فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه. وعلى هذا، فمعنى قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أي: تعملونه من العمل المقبول. ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية". وما قرره ابن حجر يلتقي في المحصلة مع ما قرره النووي.
- أما ابن كثير، فيقول في توجيه هذا التعارض: "...{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} أي: أعمالكم الصالحة كانت سببًا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدًا عمله الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات يُنال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات...) ثم يؤيد هذا التوجيه للآية، بما رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أهل النار يرى منـزله من الجنة، فيكون له حسرة، فيقول: {لو أن الله هداني لكنت من المتقين} (الزمر:57) وكل أهل الجنة يرى منـزله من النار، فيقول: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} (الأعراف:43) فيكون له شكراً) قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا وله منـزل في الجنة ومنزل في النار؛ فالكافر يرث المؤمن منـزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منـزله من الجنة . وذلك قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:72). وحاصل كلام ابن كثير في هذه المسألة، أنه لا تعارض بين الآيات الدالة على ارتباط الجزاء بالعمل، وبين الأحاديث الدالة على أن دخول الجنة إنما يكون بفضل الله وبرحمته؛ من جهة أن القيام بالأعمال إنما هو حاصل من الله سبحانه بتوفيق العبد للقيام بها، وليس للعبد في ذلك سببية حقيقية في القيام بهذه الأعمال، ونيل الجزاء عليها، بل هي سببية عادية على حسب ما أقام الله عليه أمر الدنيا من الأسباب الظاهرة.
- ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية وجه التوفيق بين الآية والحديث، بأن نيل الجنة ليس لمجرد العمل؛ إذ العمل مجرد سبب فحسب؛ ولهذا قال النبى صلى الله عليه و سلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل..) أما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} قال: فهذه (باء السبب) أي: بسبب أعمالكم؛ والذى نفاه النبي صلى الله عليه وسلم ( باء المقابلة ) كما يقال: اشتريت هذا بهذا، أي: هذا مقابل هذا؛ ويكون المعنى: ليس العمل عوضًا وثمنًا كافيًا لدخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته؛ فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات.
- وقد سار ابن القيم على درب شيخه في التوفيق بين ما يبدو من تعارض الآية والحديث، واستحسن في الجواب أن يقال: إن (الباء) المقتضية لدخول الجنة، غير (الباء) التي نفي معها الدخول؛ فالمقتضية هي (باء) السببية، الدالة على أن الأعمال سبب لدخول الجنة، ومقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها؛ و( الباء ) التي نفي بها الدخول، هي (باء) المعاوضة والمقابلة، التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا؛ فالحديث النافي أن يكون العمل سببًا لدخول الجنة، يقرر ويفيد أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل العبد، بل هو برحمة الله وفضله، فليس عمل العبد وإن تناهى موجبًا وكافيًا بمجرده لدخول الجنة، ولا عوضًا لها. فإن أعمال العبد وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فهي لا تقارن نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا، ولا تعادلها، بل لو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مقابلة اليسير من نعمه، وتبقى بقية النعم مقتضية لشكرها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرًا له من عمله. وهذا حاصل جواب ابن القيم في هذه المسألة.
- على أن المتأخرين من أهل العلم، لم يخرجوا في التوفيق بين الآية والحديث عن فحوى ما قاله المتقدمون؛ فهذا ابن عاشور في (التحرير والتنوير) يقول: "و(الباء) في قوله: {بما كنتم تعملون} سببية، أي: بسبب أعمالكم، وهي الإيمان والعمل الصالح". لكن السببية هنا ليست سببية محضة، بل هي سببية ظاهرة كما قدمنا؛ لذلك نجده يُتبع ما تقدم من كلامه بالقول: "وهذا الكلام ثناء عليهم بأن الله شكر لهم أعمالهم، فأعطاهم هذا النعيم الخالد لأجل أعمالهم، وأنهم لما عملوا ما عملوه من العمل، ما كانوا ينوون بعملهم إلا السلامة من غضب ربهم، وتطلب مرضاته شكرًا له على نعمائه، وما كانوا يمتون بأن توصلهم أعمالهم إلى ما نالوه، وذلك لا ينافي الطمع في ثوابه والنجاة من عقابه،. وقد دلل ابن عاشور على هذا التوجيه، بأن الآية جمعت بين لفظ (الإيراث) في قوله سبحانه: {أورثتموها} وبين (باء) السببية، في قوله تعالى: {بما كنتم تعملون} وذلك أن لفظ (الإيراث) دال على أنها عطية، بدون قصد تعاوض ولا تعاقد، وأنها فضل محض من الله تعالى؛ لأن إيمان العبد بربه وطاعته إياه لا يوجب إلا نجاته من العقاب، الذي من شأنه أن يترتب على الكفران والعصيان، وإلا حصول رضى ربه عنه، ولا يوجب جزاء ولا عطاء. وهذا محصل كلام ابن عاشور في هذه المسألة.
وفي الجملة، نستطيع أن نلخص أقوال أهل العلم في التوفيق بين الآية والحديث، بالنقاط التالية:
* أن الأعمال ليست سببًا حقيقًا لدخول الجنة، وإنما هي سبب حسب الظاهر والمعتاد والمألوف؛ وأن دخول الجنة إنما يحصل بفضل الله ورحمته.
* أن الأعمال سبب لدخول الجنة، لكن التوفيق للقيام بالأعمال، إنما هو من الله سبحانه؛ فضلاً منه على عباده، ورحمة منه لخلقه؛ ولولا رحمة الله وفضله لما وِفِّق العباد لفعل الطاعات، التي يحصل بها دخول الجنات.
* أن الأعمال سبب لدخول الجنة، لكنها ليست مقابلاً لها؛ فمن أراد دخول الجنة بعوض يقابلها، فلن يجد إلا رحمة الله وفضله، وتكون أعمال العباد سببًا لنيل تلك الرحمة.
* أن أصل دخول الجنة إنما هو بفضل الله، لكن اقتسام درجاتها ومنازلها، مرده إلى عمل العباد؛ فيقع التفاوت في تلك الدرجات والمنازل بحسب الأعمال؛ كما قال بعض السلف: ينجون من النار بعفو الله ومغفرته، ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم.
على أن الأمر الذي يجدر التنبيه إليه في هذا المقام، أن ما نص عليه الحديث من كون دخول الجنة إنما يكون بفضل الله ورحمته، لا يفهم منه التقليل من سعي العبد وكسبه؛ لذلك جاء في الحديث نفسه: (سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) أي: اقصدوا بعملكم الصواب، أي: اتباع السنة من الإخلاص وغيره، ليقبل عملكم، فتنـزل عليكم الرحمة.
نخلص من كل ما تقدم -وهو ما عقدنا المقال لأجله- أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الأمين، وأن وجود تعارض من حيث الظاهر بين آية وحديث، لا يعني بحال إسقاط ذلك الحديث، وعدم اعتباره. ومن ظن أو اعتقد خلاف ذلك، فليس على بينة من أمره.
إسلام ويب

Post: #1132
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-16-2015, 01:39 PM
Parent: #1131

ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون
الاعتراض على نصوص الشريعة - قرآنًا وسنة - والنيل منها، والتنقص من قدرها، وتوهين أمرها، أمر كان ولا يزال شغل المشككين في هذا الدين، والضعفاء من أتباعه وأشياعه.
وفي هذا السياق، يطالعنا من يعلم ظاهرًا من العلم دون حقيقته، بأن ثمة تعارضًا بين آيات وردت في القرآن الكريم، تصرح بأن دخول الجنة إنما يكون بعمل العبد، ونتيجة لسعيه وكسبه؛ في حين أن هناك أحاديث وردت في "الصحيحين" تصرح أيضًا أن دخول الجنة ليس جزاء لعمل العبد، ولا هو نتيجة لسعيه، وإنما هو بفضل الله ورحمته.
ويفصل البعض الشبهة، بقوله: "إن حديث: (لن يدخل أحدًا عمله الجنة) مخالف لقوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل:32) ويضيفون إلى هذا قائلين: إن في القرآن آيات كثيرة في هذا المعنى...وإن (صحيح البخاري) فيه أصح الأحاديث، ولكن الناس بالغوا في تقديره، حتى وصلوا إلى تقديسه، مع أن المحدِّثين يقررون أن الحديث مهما كانت درجته، إذا خالف القرآن، ولم يمكن التوفيق بينه وبين الآية، نحكم بأن الرسول لم يقله".
هذا حاصل قول من قال بهذه الشبهة. ومراد قائلها أن يضع ويقلل من قيمة (صحيح البخاري) ومن باب أولى أن يسحب هذا الطعن إلى ما سواه من كتب السنة؛ وذلك بحجة أن فيها ما يعارض القرآن ويخالفه!!
وليس غرض مقالنا الرد على من أراد الطعن في كتب السنة، وما حوته من أحاديث وآثار، فقد كتب في هذا الكثير، وفي محور الحديث على موقعنا ما يفي بهذا الغرض، لكن حسبنا في مقالنا هذا أن نبين وجه التوفيق والجمع فيما يبدو من تعارض بين الآية والحديث، إذ هو الأليق بموضوع هذا المحور، محور القرآن الكريم.
وللوصول إلى ما عقدنا المقال لأجله، نستعرض بداية بعضًا من الآيات القرآنية التي تثبت وتصرح بأن دخول العبد الجنة إنما هو بعمله، وجزاء لسعيه؛ ثم نردف تلك الآيات ببعض الأحاديث التي تقرر وتصرح بأن دخول الجنة ليس نتيجة لعمل العبد، ولا هو جزاء على سعيه وكده، وإنما هو بفضل الله ورحمته؛ ثم نعطف على ذلك بنقل أقوال أهل العلم في وجوه التوفيق بين الآيات والأحاديث الواردة في هذا الموضوع، محاولين أن نستخلص منها القول الفصل في هذة المسألة. لكن قبل هذا وذاك نرى من المناسب -بل وربما من المهم- أن نمهد بكلمة موجزة تتعلق بمسألة التعارض بين نصوص الشريعة، فمن هذه النقطة نبدأ، فنقول:
إن القول بوجود تعارض حقيقي بين نصوص الشريعة -قرآنًا وسنة صحيحة- إنما يصدر عن أحد رجلين؛ إما عن جاهل لا حظ له من علم الشريعة في شيء، فمن كان هذا شأنه فليس من المستغرب أن يصدر عنه مثل هذا القول، ويبني عليه ما يريد أن يبني؛ وإما عن حاقد مضاد لهذه الشريعة، يتقول عليها ما يوافق أغراضه وأهوائه، وغير هذين الرجلين لا نقف على قائل بوجود تعارض تام بين نصوص الشريعة، أو تناقض فيما جاءت به من أحكام وأخبار.
ثم إنه من المفروغ منه عند كل من رضي الإسلام دينًا، والتزم به شرعة ومنهجًا، أن القرآن الكريم والسنة الصحيحة الثابتة، كلاهما يصدران عن مشكاة واحدة، وإذا كان الأمر كذلك كان وجود التعارض بين نصوص الشريعة - قرآنًا وسنة - أمرًا غير واقع، بل هو غير وارد بحال من الأحوال، وإن بدا شيء من ذلك فهو فيما يبدو للإنسان بسبب محدودية قدراته العقلية، لا على أن واقع الأمر كذلك. كيف لا وقد قال الله سبحانه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا} (النساء:82) فالآية الكريمة تقرر وتبين أن القرآن لو كان من عند غير الله سبحانه، لكان الاختلاف فيما جاء فيه وتضمنه أمر كائن وحاصل، بل هو الأمر الطبعي، أما وإنه ليس كذلك، إذ هو من عند الله سبحانه، فإن وقوع الاختلاف فيه أوالتناقض أمر غير وارد؛ لأن ذلك مما لا يليق بصفات الله سبحانه وتعالى.
ثم إن نفي الاختلاف الوارد في الآية الكريمة الآنفة الذكر، ليس عن القرآن فحسب، بل هو أيضًا عن السنة الصحيحة الثابتة؛ لأنها شارحة ومفصلة ومبينة للقرآن، قال تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} (النحل:44) وإذا كان الأمر كذلك، ثبت أن شأن القرآن والسنة واحد، ما دام أن مصدرهما واحد، وبالتالي امتنع أن يقع التعارض الحقيقي بينهما.
على أنه لا يُنكر وجود تعارض من حيث الظاهر بين آية وأخرى، أو بين آية وحديث، أو بين حديث وحديث؛ لكن كل ما يبدو من هذا وذاك، هو عند التحقيق والتدقيق منتف ومعدوم، وإنما هو تعارض فيما يبدو للناظر، لا أنه كذلك في واقع الأمر.
أجل هذا الملحظ، وجدنا أهل العلم -وخاصة علماء الأصول- يخصصون فصولاً في كتبهم تحت عنوان (التعارض والترجيح بين الأدلة) أو شيء من هذا القبيل، وهم يبحثون فيها ما كان من الأدلة ظاهره التعارض، ويقررون في ذلك قواعد تتعلق بالتوفيق والترجيح بين النصوص المتعارضة في ظاهرها، والمتوافقة في حقيقتها.
فإذا تبين ما تقدم، ظهر لنا أن ما قامت عليه هذه الشبهة من بنيان، إنما هو في الحقيقة بنيان هاو وهار؛ من جهة أن النصوص التي قامت عليها هذه الشبهة نصوص ثابتة لا شك في سندها، ولا مطعن فيها بحال، وإنما الطعن والشك قد يرد على طريقة فهمها، ومنهج التوفيق بينها، مما قد تختلف فيه الأنظار، وتتباين فيه الأفكار.
بعد هذا التوضيح لمسألة التعارض بين النصوص، نتجه صوب الشبهة -موضوع حديثنا- لنرى مدى صحة هذه الشبهة، ومدى قوة أو ضعف ما قامت عليه واستندت إليه. وهذا ما نسعى إلى توضيحه في الفقرات التالية، فنقول:
وردت في القرآن الكريم آيات صريحة، تبين أن دخول الجنة مرتبط بعمل الإنسان، ومتوقف على سعيه وجهده في هذه الحياة. ويفهم من تلك الآيات أن ثمة علاقة سببية بين فعل الإنسان ودخوله الجنة، وأن العمل سبب للدخول، وأن الدخول نتيجة للعمل؛ من ذلك نورد الآيات الآتية:
- قوله تعالى: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} (الأعراف:43) وقال تعالى: {الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (النحل:32) ويقول سبحانه: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:72) فهذه الآيات وما شاكلها تدل على أن سعي الإنسان وكسبه والعمل بما أمر الله به كان سببًا لدخوله الجنة. ويفهم من هذه الآيات أن من لم يعمل بطاعة الله في هذه الدنيا، ولم يلتزم بأحكام شرعه فليس له نصيب من الجنة، ولن يكون من داخليها ولا من أصحابها. فهذا بعض من الآيات الواردة في هذا الشأن؛ أما الأحاديث، فنسوق منها:
- ما رواه البخاري في "صحيحه" أن أبا هريرة رضي الله عنه،قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله ! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمة، سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) وقد روى البخاري هذا الحديث في موضعين آخرين من "صحيحه" بألفاظ متقاربة.
- وروى مسلم في "صحيحه" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه قال: (لن ينجي أحدًا منكم عمله، قال رجل: ولا إياك يا رسول الله ! قال: ولا إياي، إلا أن يتغمدني الله منه برحمة، ولكن سددوا) وقد روى مسلم هذا الحديث في مواضع أُخر من "صحيحه" بألفاظ متقاربة أيضًا.
- والحديث رواه عدد من أئمة الحديث؛ فهو في (صحيح ابن حبان) و(مسند الإمام أحمد) و(سنن ابن ماجه) و(السنن الكبرى للبيهقي) وهو عند الطبراني في (المعجم الكبير) و(الأوسط) وهو في (مسند أبي يعلى) و(مسند الطيالسي) وغيرها من كتب الحديث.
وإذا كان الأمر كذلك، فالحديث ثابت سندًا لا شك فيه ولا مطعن، وهو إن لم يكن إلا في "الصحيحين" لكفى، فكيف وهو في غيرها من كتب الحديث.
بعد ما تبين من تحرير موضع الشبهة، يجدر بنا أن نتجه إلى أقوال أهل العلم -وشراح الحديث منهم خاصة- لنرى ماذا يقولون في توجيه هذا التعارض، وماذا يقررون في منهج التوفيق بين الآية والحديث؛ والبداية مع الإمام النووي في شرحه على (صحيح مسلم) فماذا يقول النووي عند شرحه لحديث: (لن ينجي أحدًا منكم عمله)؟
- بعد أن يقرر الإمام النووي عقيدة أهل السنة في مسألة الثواب والعقاب، وأن ذلك ثابت بالشرع لا بالعقل، خلافًا للمعتزلة، يقول بعد تلك التقدمة: "...وفى ظاهر هذه الأحاديث دلالة لأهل الحق أنه لايستحق أحد الثواب والجنة بطاعته) ثم يورد ما يَرِدُ من اعتراض أو تعارض بين هذا الحديث -وما شاكله من أحاديث- وبعض الآيات القرآنية، فيقول: (وأما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} {وتلك الجنة التى أورثتموها بما كنتم تعملون} ونحوهما من الآيات الدالة على أن الأعمال يُدْخَل بها الجنة، فلا يعارض هذه الأحاديث، بل معنى الآيات: أن دخول الجنة بسبب الأعمال، ثم التوفيق للأعمال والهداية للاخلاص فيها وقبولها برحمة الله تعالى وفضله، فيصح أنه لم يدخل بمجرد العمل، وهو مراد الأحاديث، ويصح أنه دخل بالأعمال، أي: بسببها، وهي من الرحمة"، إذن، يقرر النووي ألا تعارض بين الآيات والأحاديث، وأن وجه التوفيق بينهما، بأن يقال: إن دخول الجنة نتيجة لعمل العبد، لكن عمل العبد لا يكون إلا بتوفيق من الله، وفتح منه، وبذلك تتفق النصوص وتتوافق. وهذا حاصل ما قرره النووي في هذه المسألة.
- أما ابن حجر في (فتح الباري) فهو ينقل بعضًا من أقوال أهل العلم في المسألة؛ لبيان وجه التوفيق بين الأحاديث والآيات الواردة في هذا الشأن؛ فنقل قول ابن بطال بأن: "تحمل الآية على أن الجنة تُنال المنازل فيها بالأعمال، فإن درجات الجنة متفاوتة بحسب تفاوت الأعمال، وأن يحمل الحديث على دخول الجنة والخلود فيها".
ويدلي ابن حجر بدلوه في المسألة، فيقول: "ويظهر لي في الجمع بين الآية والحديث جواب آخر، وهو أن يحمل الحديث على أن العمل من حيث هو عمل لا يستفيد به العامل دخول الجنة ما لم يكن مقبولاً، وإذا كان كذلك، فأمر القبول إلى الله تعالى، وإنما يحصل برحمة الله لمن يقبل منه. وعلى هذا، فمعنى قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} أي: تعملونه من العمل المقبول. ولا يضر بعد هذا أن تكون الباء للمصاحبة أو للإلصاق أو المقابلة، ولا يلزم من ذلك أن تكون سببية". وما قرره ابن حجر يلتقي في المحصلة مع ما قرره النووي.
- أما ابن كثير، فيقول في توجيه هذا التعارض: "...{وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} أي: أعمالكم الصالحة كانت سببًا لشمول رحمة الله إياكم، فإنه لا يدخل أحدًا عمله الجنة، ولكن برحمة الله وفضله، وإنما الدرجات يُنال تفاوتها بحسب الأعمال الصالحات...) ثم يؤيد هذا التوجيه للآية، بما رواه ابن أبي حاتم عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كل أهل النار يرى منـزله من الجنة، فيكون له حسرة، فيقول: {لو أن الله هداني لكنت من المتقين} (الزمر:57) وكل أهل الجنة يرى منـزله من النار، فيقول: {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} (الأعراف:43) فيكون له شكراً) قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من أحد إلا وله منـزل في الجنة ومنزل في النار؛ فالكافر يرث المؤمن منـزله من النار، والمؤمن يرث الكافر منـزله من الجنة . وذلك قوله تعالى: {وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون} (الزخرف:72). وحاصل كلام ابن كثير في هذه المسألة، أنه لا تعارض بين الآيات الدالة على ارتباط الجزاء بالعمل، وبين الأحاديث الدالة على أن دخول الجنة إنما يكون بفضل الله وبرحمته؛ من جهة أن القيام بالأعمال إنما هو حاصل من الله سبحانه بتوفيق العبد للقيام بها، وليس للعبد في ذلك سببية حقيقية في القيام بهذه الأعمال، ونيل الجزاء عليها، بل هي سببية عادية على حسب ما أقام الله عليه أمر الدنيا من الأسباب الظاهرة.
- ويقرر شيخ الإسلام ابن تيمية وجه التوفيق بين الآية والحديث، بأن نيل الجنة ليس لمجرد العمل؛ إذ العمل مجرد سبب فحسب؛ ولهذا قال النبى صلى الله عليه و سلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله ، قالوا: ولا أنت يا رسول الله، قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل..) أما قوله تعالى: {ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون} قال: فهذه (باء السبب) أي: بسبب أعمالكم؛ والذى نفاه النبي صلى الله عليه وسلم ( باء المقابلة ) كما يقال: اشتريت هذا بهذا، أي: هذا مقابل هذا؛ ويكون المعنى: ليس العمل عوضًا وثمنًا كافيًا لدخول الجنة، بل لابد من عفو الله وفضله ورحمته؛ فبعفوه يمحو السيئات، وبرحمته يأتي بالخيرات، وبفضله يضاعف البركات.
- وقد سار ابن القيم على درب شيخه في التوفيق بين ما يبدو من تعارض الآية والحديث، واستحسن في الجواب أن يقال: إن (الباء) المقتضية لدخول الجنة، غير (الباء) التي نفي معها الدخول؛ فالمقتضية هي (باء) السببية، الدالة على أن الأعمال سبب لدخول الجنة، ومقتضية له، كاقتضاء سائر الأسباب لمسبباتها؛ و( الباء ) التي نفي بها الدخول، هي (باء) المعاوضة والمقابلة، التي في نحو قولهم: اشتريت هذا بهذا؛ فالحديث النافي أن يكون العمل سببًا لدخول الجنة، يقرر ويفيد أن دخول الجنة ليس في مقابلة عمل العبد، بل هو برحمة الله وفضله، فليس عمل العبد وإن تناهى موجبًا وكافيًا بمجرده لدخول الجنة، ولا عوضًا لها. فإن أعمال العبد وإن وقعت منه على الوجه الذي يحبه الله ويرضاه، فهي لا تقارن نعمة الله التي أنعم بها عليه في دار الدنيا، ولا تعادلها، بل لو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مقابلة اليسير من نعمه، وتبقى بقية النعم مقتضية لشكرها، فلو عذبه في هذه الحالة لعذبه وهو غير ظالم له، ولو رحمه لكانت رحمته خيرًا له من عمله. وهذا حاصل جواب ابن القيم في هذه المسألة.
- على أن المتأخرين من أهل العلم، لم يخرجوا في التوفيق بين الآية والحديث عن فحوى ما قاله المتقدمون؛ فهذا ابن عاشور في (التحرير والتنوير) يقول: "و(الباء) في قوله: {بما كنتم تعملون} سببية، أي: بسبب أعمالكم، وهي الإيمان والعمل الصالح". لكن السببية هنا ليست سببية محضة، بل هي سببية ظاهرة كما قدمنا؛ لذلك نجده يُتبع ما تقدم من كلامه بالقول: "وهذا الكلام ثناء عليهم بأن الله شكر لهم أعمالهم، فأعطاهم هذا النعيم الخالد لأجل أعمالهم، وأنهم لما عملوا ما عملوه من العمل، ما كانوا ينوون بعملهم إلا السلامة من غضب ربهم، وتطلب مرضاته شكرًا له على نعمائه، وما كانوا يمتون بأن توصلهم أعمالهم إلى ما نالوه، وذلك لا ينافي الطمع في ثوابه والنجاة من عقابه،. وقد دلل ابن عاشور على هذا التوجيه، بأن الآية جمعت بين لفظ (الإيراث) في قوله سبحانه: {أورثتموها} وبين (باء) السببية، في قوله تعالى: {بما كنتم تعملون} وذلك أن لفظ (الإيراث) دال على أنها عطية، بدون قصد تعاوض ولا تعاقد، وأنها فضل محض من الله تعالى؛ لأن إيمان العبد بربه وطاعته إياه لا يوجب إلا نجاته من العقاب، الذي من شأنه أن يترتب على الكفران والعصيان، وإلا حصول رضى ربه عنه، ولا يوجب جزاء ولا عطاء. وهذا محصل كلام ابن عاشور في هذه المسألة.
وفي الجملة، نستطيع أن نلخص أقوال أهل العلم في التوفيق بين الآية والحديث، بالنقاط التالية:
* أن الأعمال ليست سببًا حقيقًا لدخول الجنة، وإنما هي سبب حسب الظاهر والمعتاد والمألوف؛ وأن دخول الجنة إنما يحصل بفضل الله ورحمته.
* أن الأعمال سبب لدخول الجنة، لكن التوفيق للقيام بالأعمال، إنما هو من الله سبحانه؛ فضلاً منه على عباده، ورحمة منه لخلقه؛ ولولا رحمة الله وفضله لما وِفِّق العباد لفعل الطاعات، التي يحصل بها دخول الجنات.
* أن الأعمال سبب لدخول الجنة، لكنها ليست مقابلاً لها؛ فمن أراد دخول الجنة بعوض يقابلها، فلن يجد إلا رحمة الله وفضله، وتكون أعمال العباد سببًا لنيل تلك الرحمة.
* أن أصل دخول الجنة إنما هو بفضل الله، لكن اقتسام درجاتها ومنازلها، مرده إلى عمل العباد؛ فيقع التفاوت في تلك الدرجات والمنازل بحسب الأعمال؛ كما قال بعض السلف: ينجون من النار بعفو الله ومغفرته، ويدخلون الجنة بفضله ونعمته ومغفرته، ويتقاسمون المنازل بأعمالهم.
على أن الأمر الذي يجدر التنبيه إليه في هذا المقام، أن ما نص عليه الحديث من كون دخول الجنة إنما يكون بفضل الله ورحمته، لا يفهم منه التقليل من سعي العبد وكسبه؛ لذلك جاء في الحديث نفسه: (سددوا، وقاربوا، واغدوا، وروحوا، وشيء من الدلجة، والقصد القصد تبلغوا) أي: اقصدوا بعملكم الصواب، أي: اتباع السنة من الإخلاص وغيره، ليقبل عملكم، فتنـزل عليكم الرحمة.
نخلص من كل ما تقدم -وهو ما عقدنا المقال لأجله- أنه لا يوجد تعارض حقيقي بين آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول الأمين، وأن وجود تعارض من حيث الظاهر بين آية وحديث، لا يعني بحال إسقاط ذلك الحديث، وعدم اعتباره. ومن ظن أو اعتقد خلاف ذلك، فليس على بينة من أمره.
إسلام ويب

Post: #1133
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-21-2015, 03:42 PM
Parent: #1132

المحبة شعور متدفق بالحب لا يمكن أن يحده حد أو إطار. فكل إنسان يحب بطريقته. فالشاغل هو المحبوب وحين ينشغل المحب بالمحبوب يشعر أن لا أحد في الكون موجود إلا حبيبه. فالإيماءة مغزي والحركة رسالة والسكنة وصال للمحبوب. وجاء سؤالي للشيخ الجليل: وماذا عن البسطاء لماذا نستهزئ بمحبتهم؟، ولماذا نسخر حينما يخرج الحب في تصرفاتهم البسيطة؟ فكان رد الشيخ بابتسامة عريضة كلها محبة وود: وقال في زمن المصطفي - صلي الله عليه وسلم - كان رجلا لا يملك إلا جلبابا واحدا وامرأته كمثله تملك جلبابا واحدا. فحينما جاء موعد الصلاة كان جلبابه مبتلاً لأن امرأته كانت قد غسلته. فقال لامرأته اخلعي جلبابك، فلبسه وذهب للصلاة خلف سيدنا محمد - صلي الله عليه وسلم - فلما فرغت الصلاة، أخذ نعله وذهب إلي داره. فالتفت المصطفي - صلي الله عليه وسلم - خلفه بعد أن فرغ من ختام الصلاة ولم يسأل علي أحد إلا علي هذا الرجل. فقالت الصحابة ذهب إلي داره يا رسول الله. قال: آتوني به. فذهبوا إليه وجاءوا به بجلباب زوجته وجلس أمام المصطفي - صلي الله عليه وسلم -. فسأله الرسول: كيف الحال؟ فأجاب: الحمد لله علي ما تراه. فقام المصطفي - صلي الله عليه وسلم - وخلع جلبابه وأعطاه إياه.
فذهب الرجل إلي زوجته وحينما رأت الجلباب نظرت إليه في غضب شديد وقال: أشكوت الخالق للمخلوق؟ فقال لها: لم يحدث ولن يحدث. حينما رآني المصطفي - صلي الله عليه وسلم - سألني عن الحال فحمدت خالق الأكوان. فرق قلب صاحب الأوان ومعلم كل الأزمان حامل لواء الحمد أول من عبد الرحمن. وقام صلي الله عليه وسلم وأعطاني هذا الجلباب. فقالت زوجته: وماذا أنت صانع به؟ فقال لها: حينما تبلغ روحي التراقي وتلتف الساق بالساق فكفنيني به. فقالت لماذا؟ فقال لها: حينما يواريني التراب ويوجه إلي السؤال من قبل الملائكة في القبر، ما دينك؟ أقول لهم الإسلام، ومن نبيك؟ أقول لهم هذا جلبابه. فهذا نوع من أنواع محبة المساكين الذين طلب المصطفي - صلي الله عليه وسلم - أن يحشر معهم. فأنواع المحبة كثيرة وكل يعبر بطريقته وبما يجول في صدره وبالذي أسسه من عبادات وصلوات علي المصطفي - صلي الله عليه وسلم -. فكل شخص يحب بمخزون إنائه فكل إناء بما فيه ينضح. وإنما البعض ينكر طريقة تعبير المساكين عن محبتهم وهو التعبير الفطري. فلو أخذ أحدنا قطعة من الجلد وقسمها نصفين وقام بتجليد كتاب الله بنصف الجلد والنصف الآخر جلَّد به كتابا عاديا وقام بتقبيل كتاب الله لوجدنا الأمر عاديا ولكننا سوف نتعجب إذا قبل أحدنا الكتاب العادي رغم وحدة الجلد الذي تم به التجليد للكتابين. فلماذا نقبل كتاب الله؟ لأنه يحوي كلام الله. وهنا عظم الجلد لما يحويه. كما تعظم الورقة حينما نكتب عليها أسماء الله. فكل شيء يعظم بما يحويه كما عظمت مقامات أهل البيت بما تحويه من أجساد طاهرة. وننظر إلي من قيل في حقه «إذا وضع إيمانه في كفة وإيمان الأمة في كفة لرجحت كفته» وهو الصديق. حينما جلس بين يدي المصطفي - صلي الله عليه وسلم - وقال له: ماذا استفدت من هذه الدنيا؟ ومن عباداتك؟ وماذا أحببت منها؟ فقال الصديق وهو يهمس: حبب إلي في هذه الدنيا ثلاثة. أول شيء، النظر إليك. فهو لا يطمئن ولا يشعر بالسكينة ولا الرضا إلا حينما ينظر إلي المصطفي- صلي الله عليه وسلم -. وقال: أما ثاني شيء هو الجلوس بين يديك. فيداه هما الحصن والأمان، فأمان بغير حصن وهم وهدي بغير ما تقول ضلال. فإذا لم يكن بحصنك أمني فإلي من تري يبث سؤالي. يا سيدي يا رسول الله. وقال الشيء الثالث: إنفاق كل مالي عليك. وعليك هنا تعني، إنفاق مالي لنصرة دينه وعلو رايته. إذا أحب الصديق ثلاثة كما قال الصديق للمصطفي - صلي الله عليه وسلم - النظر إليك والجلوس بين يديك وإنفاق كل مالي عليك. فلماذا ننكر الحب؟، وهو القائل صلي الله عليه وسلم: «لا يؤمن أحدكم حتي يكون الله ورسوله أحب إليه من ماله وولده». كما قال أيضا: «لا يؤمن أحدكم حتي يكون الله ورسوله أحب إليه من نفسه التي بين جنبيه». فكل شيء بُني علي الحب. كالرجل وزوجته، إذا حافظ علي المودة والرحمة التي جعلها الله بينهما لولد الحب. فالحب في كل آدمي، خلق معه، وهو في رحم أمه. فننظر إلي الطفل المتمرد الذي يرفض التعامل مع أبويه في لحظات التمرد، حينما يقابل فتاة في سنه تلاقي قبولا لديه، فيقف أمامها ساكنا ويتودد إليها. فمن الذي علمه هذا التودد والمحبة، إنها الفطرة التي فطرنا الله عليها والتي تولد مشاعر جميلة تحفز الإنسان علي تجاوز كثير من المصاعب والمتاعب. فأبواب المحبة كثيرة تبدأ معنا من الطفولة حتي الكهولة ولكن لابد لنا من موجه للعبور بنا إلي الصراط المستقيم الذي عليه سيد الأولين والآخرين. وهنا وقف الشيخ سيدي فخرالدين ودعا لنا بالستر.
محبنا آمن الدارين منتصر محبنا وادع في كهف جنتنا
فيا نبي الهدي لله نسألكم وقاية الحب إذ أنتم وقايتنا
ويا أمانا لأهل الدين أجمعهم ويا مجيرا فلا يرضي إهانتنا
.منقول

Post: #1134
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-22-2015, 01:31 PM
Parent: #1133

روعة البلاغــــــة:


⭕ما الفرق بين "السِبْط" و"الحَفِيد" ؟!


السبط: هو ابن البنت، لذلك الحسن والحسين رضي الله عنهما سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم.


الحفيد هو ابن الإبن..


🔘════🍥════🔘


▫{ إنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً }


⭕ما الفرق بين "المُخْتَال" و"الفَخُور"؟!


المختال: في هيئتـه


الفخـور: في قولـه


🔘════🍥════🔘


⭕ما الفرق بين " الغدوة" و"الروحة" و"الدلجة" ؟!


الغدوة: أول النهار


الروحة: آخر النهار


الدلجة: آخر الليـل


🔘════🍥════🔘


⭕ما الفرق بين "المغفرة" و"الرحمة" إذا اقترنتا ببعضهما؟!


المغفرة: لما مضى من الذنوب


الرحمـة: السلامة من الذنوب في المستقبل


🔘════🍥════🔘


⭕ما الفرق بين "جَنازة" بالفتح و"جِنازة" بالكسر ؟؟!!


جَنازة: بالفتح إسم للميّت.


جِنازة: بالكسر اسم للنعش الذي يُحمل عليه الميت.


🔘════🍥════🔘


▫قال تعالى: {أحل لكم صيدُ البحر وطعامه}


⭕فما المقصود بـ "الصيد" و"الطعام" ؟!


قال ابن عباس رضي الله عنه:


صيـده: ما أُخِذَ حيـاً


طعامه: ما أُخِذَ ميتاً


🔘════🍥════🔘


▫قال تعالى: {ومَا يُكَذِّبُ بِهِ إلا كُلُّ مُعْتَدٍ أثِيم}


⭕فما الفرق بين "المعتد" و"الأثيم" ؟!


المعتد: في أفعاله


الأثيـم: في أقواله وفي كسبه


🔘════🍥════🔘


▫قال تعالى : {ويلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لمُزَةٍ }


⭕فما هو الهمز واللمز ؟؟!!


الهمز: بالفعل، كأن يعبس بوجهه


اللمز: باللسان


🔘════🍥════🔘


⭕ما الفرق بين "الصنم" و"الوثن" ؟


الصنم: ما جعل على صورة إنسان يعبد من دون الله.


الوثن: ما عبد من دون الله على أي وجه كان، فالوثن أعمّ من الصنم..


🔘═══🍥═══🔘


⭕ما الفرق بين "أعوذ" و"ألوذ" ؟!


العياذ: للفرار من الشر


اللياذ: لطلب الخير .


✿┈┈••✿🍥✦••┈┈✿


〰〰〰〰〰〰


جزى الله خيرًا من قرأها وساعد على نشرها..


Post: #1135
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-22-2015, 07:41 PM
Parent: #1134


كل بيت في هذه


القصيدة يعادل كتّاب أقرأها جيد . هي إحدى القصائد الخالدة للشاعر صالح بن عبدالقدوس احد شعراء الدوله العباسيه .الرجاء التمعن في كلماتها ومعانيها..



فدَّعِ الصِّبا فلقدْ عداكَ زمانُهُ


وازهَدْ فعُمرُكَ مرَّ منهُ الأطيَـبُ



ذهبَ الشبابُ فما له منْ عودةٍ


وأتَى المشيبُ فأينَ منهُ المَهربُ



دَعْ عنكَ ما قد كانَ في زمنِ الصِّبا


واذكُر ذنوبَكَ وابِكها يـا مُذنـبُ



واذكرْ مناقشةَ الحسابِ فإنه


لابَـدَّ يُحصي ما جنيتَ ويَكتُبُ



لم ينسَـهُ الملَكـانِ حيـنَ نسيتَـهُ


بـل أثبتـاهُ وأنـتَ لاهٍ تلعـبُ



والرُّوحُ فيكَ وديعـةٌ أودعتَهـا


ستَردُّها بالرغمِ منكَ وتُسلَـبُ



وغرورُ دنيـاكَ التي تسعى لها


دارٌ حقيقتُهـا متـاعٌ يذهـبُ



والليلُ فاعلـمْ والنهـارُ كلاهمـا


أنفاسُنـا فيهـا تُعـدُّ وتُحسـبُ



وجميعُ مـا خلَّفتَـهُ وجمعتَـهُ


حقاً يَقيناً بعـدَ موتِـكَ يُنهـبُ



تَبَّـاً لـدارٍ لا يـدومُ نعيمُهـا


ومَشيدُها عمّا قليـلٍ يَـخـربُ



فاسمعْ هُديـتَ نصيحةً أولاكَها


بَـرٌّ نَصـوحٌ للأنـامِ مُجـرِّبُ



صَحِبَ الزَّمانَ وأهلَه مُستبصراً


ورأى الأمورَ بما تؤوبُ وتَعقُبُ



لا تأمَنِ الدَّهـرَ فإنـهُ


مـا زالَ قِدْمـاً للرِّجـالِ يُـؤدِّبُ



وعواقِبُ الأيامِ في غَصَّاتِهـا


مَضَضٌ يُـذَلُّ لهُ الأعزُّ الأنْجَـبْ



فعليكَ تقوى اللهِ فالزمْهـا تفـزْ


إنّّ التَّقـيَّ هـوَ البَهـيُّ الأهيَـبُ



واعملْ بطاعتِهِ تنلْ منـهُ الرِّضـا


إن المطيـعَ لـهُ لديـهِ مُقـرَّبُ



واقنعْ ففي بعضِ القناعةِ راحةٌ


واليأسُ ممّا فاتَ فهوَ المَطْلـبُ



فإذا طَمِعتَ كُسيتَ ثوبَ مذلَّةٍ


فلقدْ كُسيَ ثوبَ المَذلَّةِ أشعبُ



وابـدأْ عَـدوَّكَ بالتحيّـةِ ولتَكُـنْ


منـهُ زمانَـكَ خائفـاً تتـرقَّـبُ



واحـذرهُ إن لاقيتَـهُ مُتَبَسِّمـاً


فالليثُ يبدو نابُـهُ إذْ يغْـضَـبُ



إنَّ العدوُّ وإنْ تقادَمَ عهـدُهُ


فالحقدُ باقٍ في الصُّدورِ مُغَّيبُ



وإذا الصَّديـقٌ لقيتَـهُ مُتملِّقـاً


فهـوَ العـدوُّ وحـقُّـهُ يُتجـنَّـبُ



لا خيرَ في ودِّ امـريءٍ مُتملِّـقٍ


حُلـوِ اللسـانِ وقلبـهُ يتلهَّـبُ



يلقاكَ يحلفُ أنـه بـكَ واثـقٌ


وإذا تـوارَى عنكَ فهوَ العقرَبُ



يُعطيكَ من طَرَفِ اللِّسانِ حلاوةً


ويَروغُ منكَ كمـا يـروغُ الثّعلـبُ



وَصِلِ الكرامَ وإنْ رموكَ بجفوةٍ


فالصفحُ عنهمْ بالتَّجاوزِ أصـوَبُ



واخترْ قرينَكَ واصطنعهُ تفاخراً


إنَّ القريـنَ إلى المُقارنِ يُنسبُ



واخفضْ جناحَكَ للأقاربِ كُلِّهـمْ


بتذلُّـلٍ واسمـحْ لهـمْ إن أذنبوا



ودعِ الكَذوبَ فلا يكُنْ لكَ صاحباً


إنَّ الكذوبَ يشيـنُ حُـراً يَصحبُ



وزنِ الكلامَ إذا نطقـتَ ولا تكـنْ


ثرثـارةً فـي كـلِّ نـادٍ تخطُـبُ



واحفظْ لسانَكَ واحترزْ من لفظِهِ


فالمرءُ يَسلَـمُ باللسانِ ويُعطَبُ



والسِّرُّ فاكتمهُ ولا تنطُـقْ بـهِ


إنَّ الزجاجةَ كسرُها لا يُشعَبُ



وكذاكَ سرُّ المرءِ إنْ لـمْ يُطوهِ


نشرتْـهُ ألسنـةٌ تزيـدُ وتكـذِبُ



لا تحرِصَنْ فالحِرصُ ليسَ بزائدٍ


في الرِّزقِ


بل يشقى الحريصُ ويتعبُ



ويظلُّ ملهوفـاً يـرومُ تحيّـلاً


والـرِّزقُ ليسَ بحيلةٍ يُستجلَبُ



كم عاجزٍ في الناسِ يأتي رزقُهُ


رغَـداً ويُحـرَمُ كَيِّـسٌ ويُخيَّـبُ



وارعَ الأمانةَ * والخيانةَ فاجتنبْ


واعدِلْ ولاتظلمْ يَطبْ لكَ مكسبُ



وإذا أصابكَ نكبةٌ فاصبـرْ لهـا


مـن ذا رأيـتَ مسلَّماً لا يُنْكبُ



وإذا رُميتَ من الزمانِ بريبـةٍ


أو نالكَ الأمـرُ الأشقُّ الأصعبُ



فاضرعْ لربّك إنه أدنى لمنْ


يدعوهُ من حبلِ الوريدِ وأقربُ



كُنْ ما استطعتَ عن الأنامِ بمعزِلٍ


إنَّ الكثيرَ من الوَرَى لا يُصحبُ



واحذرْ مُصاحبةَ اللئيم فإنّهُ


يُعدي كما يُعدي الصحيحَ الأجربُ



واحذرْ من المظلومِ سَهماً صائباً


واعلـمْ بـأنَّ دعـاءَهُ لا يُحجَـبُ



وإذا رأيتَ الرِّزقَ عَزَّ ببلـدةٍ


وخشيتَ فيها أن يضيقَ المذهبُ



فارحلْ فأرضُ اللهِ واسعةَ الفَضَا


طولاً وعَرضاً شرقُهـا والمغرِبُ



فلقدْ نصحتُكَ إنْ قبلتَ نصيحتي


فالنُّصحُ أغلى ما يُباعُ ويُوهَـبُ .


Post: #1136
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-23-2015, 02:22 PM
Parent: #1135

* ثلاث أعمال يبقى ثوابهم جاريا للإنسان بعد موته: صدقة جارية, علم ينتفع به, دعاء من ولد صالح.
* نبي الله إسماعيل هو أول شخص ركب الخيل
* صحيح البخاري, صحيح مسلم, سنن النسائي, سنن الترمذي, سنن ابن ماجة, سنن أبي داود, هي الكتب الصحاح للسنة.
* 25 هو عدد الأنبياء والرسل الذي تم ذكرهم في القرآن الكريم.
* قابيل هو الإبن الأول لآدم عليه الصلاة والسلام
* سورة النمل هي السورة التي ذكرت فيها البسملة مرتين
* سعد بن أبي وقاس هو أول من قام بإطلاق سهم في سبيل الله
* زرقاء اليمامة كانت تستطيع الإبصار من مسيرة تقار 3 أيام
* أول طبعة للمصحف الكريم في هامبورغ بألمانيا سنة 113 هجرية.
* القلم هو أول شيء قام الله بخلقة.
* علي بن أبي طالب هو أول من حفظ الفرقان بعد رسولنا الكريم
* زيد بن حارثة هو الصحابي الوحيد الذي ذكر آسمه في المصحف الكريم, ومريم إبنة عمران أم عيسى عليه السلام هي المرأة التي ذكر إسمها في هذا الكتاب العظيم.
* الفخذ والكفان هم أول من ينطق من جسم الإنسان يوم القيامة ويشهدون عليه
* المجادلة هي السورة الوحيدة التي ذكر إسم الجلالة (الله) في جميع آياتها.
* داود عليه السلام هو أول من آستعمل عبارة "أما بعد".
منقول

Post: #1137
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-24-2015, 02:49 PM
Parent: #1136


👇ﻟﻐﺰ ﺷﺮﻋﻲ👇
😮 ﺭﺟﻞ ﺗﺰﻭﺝ ﺑﺄﺭﺑﻊ ﻧﺴﺎﺀ ﺛﻢ ﻣﺎﺕ ﻭﻛﻞ ﺍﻟﻨﺴﺎﺀ ﺍﻷ‌ﺭبع ﻋﻠﻰ ﺫﻣﺘﻪ : 😵😵
ﺍﻷ‌ﻭﻟﻰ : ﺗﺮﺙ ﻭ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﺪﺓ
ﺍﻟﺜﺎﻧﻴﺔ : ﺗﺮﺙ ﻭ ﻻ‌ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﺪﺓ
ﺍﻟﺜﺎﻟﺜﺔ : ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﺪﺓ ﻭ ﻻ‌ ﺗﺮﺙ
ﺍﻟﺮﺍﺑﻌﺔ : ﻻ‌ ﺗﺮﺙ ﻭ ﻻ‌ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻌﺪﺓ
ﻓﻜﻴﻒ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ؟؟؟
اللغز للجميع
☺☺☺ الزوجة الأولى : تعتد وترث.
هي زوجته المسلمة فهي تعتد وترث
الزوجة الثانية : ترث ولا تعتد
الزوجة الحامل في الشهور الأخيرة تنتهي عدتها عند الولادة فهي ترث ولا تعتد
الزوجة الثالثة: تعتد ولا ترث
هي زوجته المسلمة التي قتلته فتعتد ولا ترث لأنها أتت بمانع من موانع الإرث الزوجة الرابعة : لا تعتد ولا ترث.
الزوجة الكتابية فلاترث لاختلاف الدين عن الزوج ولا تعتد لأنها كتابيه.
منقول

Post: #1138
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-25-2015, 12:55 PM
Parent: #1137

قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، حدثنا نافع بن
عمر، عن ابن أبي مليكة، عن عبيد بن عمير قال: قال لقمان
لابنه وهو يعظه:"يا بني اختر المجالس على عينك، فإذا رأيت
المجلس يذكر فيه الله عز وجل فاجلس معهم، فإنك إن تك عالما
ينفعك علمك، وإن تك غبيا يعلموك، وإن يطلع الله عليهم برحمة
تصيبك معهم، يا بني لا تجلس في المجلس الذي لا يذكر الله فيه، فإنك
إن تك عالما لا ينفعك علمك، وإن تك غبيا يزيدوك غبيا، وإن يطلع الله
إليهم بعد ذلك بسخط يصيبك معهم."

Post: #1139
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-26-2015, 02:30 PM
Parent: #1138

يا مغرور … أتعلم أن الله يعاقبك وأنت غافل؟ … يا مسكين…
قال أحد الطلاب لشيخه: "كم نعصي الله ولا يعاقبنا".
فرد عليه الشيخ: "كم يعاقبك الله وأنت لا تدري".!
ألم يسلبك حلاوة مناجاته ..!!
وما ابتلي أحد بمصيبة أعظم عليه من [قسوة القلب].
إن أعظم عقاب يمكن أن تلقاه هو قلة التوفيق إلى أعمال الخير .
ألم تمر عليك الأيام دون قراءة للقرآن ..!!
بل ربما تسمع قوله تعالى: {لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله} ..
وأنت لا تتأثر كأنك لم تسمعها ..!!!
ألم تمر عليك الليالي الطوال وأنت محروم من [القيام] ..
ألم تمر عليك مواسم الخير:
رمضان ..
ست شوال ..
عشر ذي الحجة ..
ولم تُوفق إلى استغلالها كما ينبغي ..!!
أي عقاب أكثر من هذا!!
يا مغرور بنفسك
ألا تحس بثقل الطاعات..!!
ألم يُمسِك لسانك عن ذكره تعالى ..!!
ألا تحس بضعف أمام الهوى والشهوات ؟
ألم تبتلى بحب المال والجاه والشهرة ؟
أي عقاب أكثر من ذلك
ألم تسهل عليك الغيبة والنميمة والكذب
ألم يشغلك الفضول بالتدخل فيما لا يعنيك
ألم يُنسِك الآخرة ويجعل الدنيا أكبر همك
هذا الخذلان ما هو إلا صور من عقاب الله .
إحذر يا بني فإن أهون عقاب لله : " ما كان محسوساً" في المال أو الولد أو الصحة .
وأن أعظم عقاب "ما كان غير محسوس"في القلب .
فاسأل الله العافية واستغفر لذنبك.
أستغفر الله العظيم وأتوب إليه.
اللهم أغفر ما سترته علينا
وأرزقنا خشيتك في الغيب والشهادة
وكلمة الحق في الرضى والغضب.

Post: #1140
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-27-2015, 02:01 PM
Parent: #1139

أعداء الإيمان الثلاثة
{واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون} (الأنفال:24)، كم يرتجف قلب المؤمن حينما يستذكر هذه الآية، لأنه يفهمُ منها أن لذّة الإيمان التي يتذوّقها في يومِه وليلتِه قد يحول بينَه وبينها سببٌ إلهيٌ يكون سبباً في تناقص منسوب الإيمان في قلبِه، وخفوتِ بريقِه الذي يسْطَعُ من روحِه، فالإيمان قد يعتريه الضعف، والقلبُ قد يشتكي القسوة، ونقاءُ النفس الإيماني قد يشوبُه شائبة.

وما مِن أحدٍ إلا ويريد أن يظلّ على مسيرتِه الإيمانيّة المستمرّة في الرقيّ والصعود نحو الأعلى، وما من مؤمنٍ إلا ويكره أن يتراجع أو يتقهقر نحو الخلف، فلهؤلاء نقول: حتى يتحقّق لكم ما تريدونَه وما تأملونه، فاحذروا أعداء الإيمان الثلاثة.

وكلّ واحدٍ من هؤلاء الأعداء سببٌ رئيس في نقصان الإيمان وضعفِه، فلابد إذن من التعرّف على هذه الأسباب واتّقائها، وإدراكِ أثرها على القلب والنفس، وهي كالآتي:

الشيطان ووساوسه

{فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم* ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين} (الأعراف:16-17)، بهذه الكلمات أعلن إبليس لعنه الله معركته الطويلة مع السلالة البشريّة بطولها وعرضها حتى قيام الساعة، وإنها لأعظم الحروب في الدنيا وأخطرها على الإطلاق، فيها من الاستفزاز بالصوت وإجلاب الخيل والرجال للمبارزات: { واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا} (الإسراء:64)، وفيها من نسج المؤامرات وإغواء النفوس، وتزيين الباطل وإفساد القلوب، ما يعجز المرء عن تسطيره بيده، أو تصوّره بعقله مهما جنح به الخيال واشتطّ به التفكير.

وقد تعدّدت مكائد إبليس وتنوّعت صور مكره، وكثرت مداخله على قلوب بني آدم بحسبِ كل نفسٍ وما تشتهيه، وكل امريءٍ وما يتناسب مع طبيعته ومكامن القوّة والضعف فيه، فنجد أنه يدخل للبعض من باب الرياء والعجب، ولآخرين من باب الزهد والورع، ولغيرهم من باب حب المال والرئاسة، ولمن دونهم من باب تزيين الباطل وتزويقه وترويجه، أو تسهيل الصغائر للإيقاع في الكبائر، ناهيك عماّ يدخل في باب الشهوات والشبهات.

ومن مكائد إبليس سعيُه الدائم في إفساد الإيمان وإضعافه بشكل متدرّج قد لا يفطِنُ إليه المؤمن، فيبدأُ بتزيين الاشتغال بالأعمال المفضولة عن الفاضلة، ثم ينتقلٌ منها إلى الاشتغال بالمباحات، ثم مواقعة الصغائر، ثم الوقوع في الكبائر، ثم ألوان البدع، ثم الكفر والشرك، فإذا استرسلَ المؤمن في التراجع والضعف فقد يَصِلُ إلى أخطرِ الذنوبِ وهي الكفرُ والعياذ بالله، وهذا ما يجعلنا نضع الشيطان في المقام الأوّل من العداوة، وهو أمرٌ مفهوم في ظلّ النصوص القرآنية الكثيرة والأحاديث الصحيحة التي تحذّرنا من الشيطان وتأمرنا بعداوتِه، قال تعالى: {إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدوا إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير} (فاطر:6)، فهو لا يدعوا الإنسان إلى خير، ولا ينتهي به إلى نجاة، وفي آيةٍ أخرى: {ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين} (البقرة:208).

لقد بين الله تعالى أن الشيطان عدو لبني آدم، ويريد ضلالتهم ليجرهم مع نفسه إلى النار، فالواجب على العاقل أن يجتهد في مجاهدته لكي يخلص نفسه منه.

الدنيا وفتنتها للإنسان

روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إن الدنيا حلوة خضرة)، والنفسُ تتأثّرُ بالعاجل الحاضر وقد تفضّله على الآجل الغائب، وليس المقصود أن الاستمتاع بما وهبَه الله وسخّره لنا مذمومٌ بذاتِه، ولكن القصد بيان أن النفس قد تنشغل بهذه الملذات فيضعفُ اشتغال صاحبِها في أمرِ الآخرة، فيتعلّق قلبُه بهذه الملذاتِ الفانية، فينقص الإيمان عندَه.

يقول الإمام ابن القيم: ".. وعلى قدر رغبة العبد في الدنيا ورضاه بها يكون تثاقله عن طاعة الله، وطلب الآخرة".

لهذا السبب نجد الخشيةَ النبويّة من فتنة الدنيا واضحةً جليّةً في قوله –صلى الله عليه وسلم-: (والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم، كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها، كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم) متفق عليه، وإذا زهدت القلوب في موائد الدنيا قعدت على موائد الآخرة، وإذا تعلّقت بالدنيا، ضعف ارتباطها في الآخرة، فقلّ مستوى إيمانها.

قرناء السوء

من أضرّ الأمور على إيمان العبد، صداقة السوءِ التي تُضعف دينَه وتسبّب فتورَه عن الطاعة وقصورَه في العبادة، حتى قال سفيان: "ليس شيء أبلغُ في فساد رجلٍ وصلاحِه من صاحب".

ولأن صديق السوء لا يريد الخير لصديقِه، ويبغي إبقاءه على ضلاله وغيّه، وإضعافِ يقينِه وإيمانِه، حذرنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من مجالسته، تعليماً لأمّته بأن الصاحب ساحب، قال –صلى الله عليه وسلم-: (إنما مَثَلُ الجليس الصالح والجليس السوء، كحامل المسك ونافخ الكير؛ فحامل المسْكِ إما أن يُحذِيَكَ، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبةً، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة) متفق عليه.

فهؤلاء إذن أعداؤنا الثلاثة، يتربّصون بنا كلّ حين، ويترقّبون منّا أي غفلة، حتى يُلقوا بسهامهم على قلوبنا أملاً في إسقاطنا، ولا نقول إلا: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك.
إسلام ويب

Post: #1141
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-27-2015, 02:03 PM
Parent: #1140

نحن المتوكلون!
كم من الأخطاء تُرتكب عن حُسْن نيّة؟ وكم من التصوّرات الخاطئة تقوم في الأذهان فتُصادم الحقائق الشرعيّة بسببِ الجهلِ بالدين؟ وكم تكشفُ الأيامُ وجود قصور في الفهم عند المدعوّين، نتج عنهُ الخلل في العمل.
هذا ما يُمكنُ أن يُقال في فاتحة الحديث عن موقفٍ مذكورٍ في كتب السنّة يجسّد صورةً من صورِ الجهل بالشريعة وإن لم يكن مقصوداً من صاحبِه.
لقد كان الداعية الأوّل لأهل اليمن معاذٌ بن جبلٍ رضي الله عنه، وهو المعروف بين الصحابة في سعة علمِه وقوّة فهمِه وقدرتِه على التعليم والإرشاد، وكان مما علّمهم إيّاه: الحج إلى البيت العتيق، فما كان منهم إلا أن يمّموا وجوههم شطر المسجد الحرام، فحجّوا كما حجّ غيرُهم، إلا أنه قد صدرَ منهم ما يدلّ على وجود خللٍ لديهم في فهمِ إحدى العبادات القلبيّة، فما هو ذلك الخلل؟
روى ابن عباس رضي الله عنهما فقال: " كان أهل اليمن يحجّون ولا يتزوّدون، ويقولون: نحن المتوكلون، فإذا قدموا مكة سألوا الناس، فأنزل الله تعالى: {وتزودوا فإن خير الزاد التقوى} (البقرة: 197) رواه البخاري.
ويبدو أن هذا الفهم الخاطيء قد استمرّ في أهل هذه الناحية حتى زمان الخليفة عمر رضي الله هنه، فقد ذكر الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم والحكم"، عن معاوية بن قرة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لقي ناسًا من أهل اليمن، فقال: من أنتم؟ قالوا: نحن المتوكلون. فقال: "بل أنتم المتَّكلون، إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله".
لقد أدرك هؤلاء القوم جزءاً من معنى التوكّل، وهو: الاعتماد على الله سبحانه وتعالى اعتمادًا صادقًا في مصالح الدين والدنيا، وتفويض جميعِ الأمورِ إليه والاستعانةِ به، كما قال سبحانه وتعالى: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} (التوبة:51)، وقال سبحانه: {وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه} (هود:123)، وغيرِها من الآيات، وأما الجزء الذي أغفلوه ولم يُدركوا أهميّته: فهو ضرورةُ فعل الأسباب المأذون فيها شرعاً، وأن إتيان هذه الأسباب ومباشرتِها هو جزءٌ أصيلٌ من مفهوم التوكّل لا يصحُّ إلا به.
ذلك أن الله سبحانه وتعالى حين خلق هذا الكون، وضع له سنناً تنظّم سيرَه، وهي سننٌ كونيّةٌ ثابتةٌ لا تتغيّرٌ ولا تتبدّل، ومن بينها: الربط بين الأسباب ومسبّباتها، فقد جعل الله لكل شيءٍ سبباً، فلا ولد من غيرِ زواج، ولا حصادَ من غير بذرٍ وزراعة، ولا نجاحَ من غير جدٍّ واجتهادٍ ومثابرة.
وإذا كان الله تعالى قد ربط بين الأخذ بالأسباب وحصولِ رغباتِ الإنسان وأمانِيه، فيكون إلغاء الأسباب طعناً مباشراً في حكمةِ الله تعالى؛ لأن حكمته سبحانه وتعالى اقتضت وجود هذا الربط بالأسباب، فالأخذُ بالأسباب المأذونِ بها ضرورةٌ شرعيّة، وحكمةٌ كونيّة، فالتوكّل إذن: اعتمادٌ على الله، وأخذٌ بالأسباب، فهذا هو التوكّل الذي أمرنا اللهُ به، وما سواه فهو اتكالٌ وتواكل.
وانطلاقاً مما سبق، وضع علماء العقيدة قاعدةً مهمّةً ينبغي لمن أراد أن يحقّق التوكّل، وهي: "الالتفات إلى الأسباب شركٌ في التوحيد، ومحو الأسباب نقصٌ في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكليّةِ قدْحٌ في الشرع".
تلك هي الحقيقةُ التي لم يستوعبْها أولئك الحجّاج، إذْ ظنّوا أن تحقيق التوكّل على الله وصدق الاعتمادِ عليه يقتضي أن يُعرضوا عن الأخذ بالأسباب باعتبارِ أنها نوعُ التفاتٍ نحو أمورٍ دنيويّة تتنافى وتتصادم مع الثقة بمن بيدِه الأمر كلّه، وهذا غير صحيح، كما قال الحافظ ابن رجب: "واعلم أن تحقيق التوكل لا ينافي السعي في الأسباب التي قدّر الله سبحانه وتعالى المقدورات بها، وجرت سنّته في خلقه بذلك؛ فإن الله تعالى أمر بتعاطي الأسباب مع أمرِه بالتوكل، فالسعي في الأسباب بالجوارحِ طاعةٌ له، والتوكّل بالقلبِ عليه إيمانٌ به".
إذن فالسماء لا تمطرُ ذهباً كما يُقال، فلابد من السعي في الأرض وبذلِ الأسباب المشروعة ولكن مع دوام اتصال القلب بالله تعالى، وهذا هو ما سعى عمرُ رضي الله عنه إلى بيانِه وتوضيحه لأولئك الحجّاج حينما عبّروا عن أنفسِهم بالمتوكّلين، فقد قال لهم: "إنما المتوكل الذي يلقي حبة في الأرض، ويتوكل على الله" فكلّ ما يؤدي إلى ترك العمل فليس من التوكل في شيء.
إن التوكّل الحقيقي لا يكون على تمامِه ولا يستوي على سوقِه إلا بالأخذ بالأسباب، وهذا ما استفاضت به آيات القرآن في الدعوة إليه وتأصيلِه، ومن ذلك قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم فانفروا ثبات أو انفروا جميعاً} (النساء: 71)، وقال سبحانه: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم} (الأنفال: 60)، وقال سبحانه: {هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور } (الملك: 15).
وإن سيّد المتوكّلين هو محمد –صلى الله عليه وسلم- ولقد كان يأخذ الزاد في السفر، ويوم الهجرة اختفى في الغار كي يتخفّى عن عيون أعدائه، ولما خرج من الغارِ إلى المدينة أخذ من يدلّه الطريق، ويوم أحد لبس درعين اثنين، ولم يستند على توكّله فحسب، وعندما دخل عليه الصلاة والسلام مكّة فاتحاً، كان يلبس البيضة على رأسه –وهي خوذة الرأس- بالرغم من عصمة الله له ودفاعِه عنه: {والله يعصمك من الناس} (المائدة:67).
قال سهل: "من قال: التوكل يكون بترك العمل، فقد طعن في سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
والحاصلُ أن التوكل من أعظم الأسباب التي يحصل بها المطلوب، ويندفع بها المكروه. فمن أنكر الأسباب لم يستقم معه التوكل، وبالله التوفيق.
إسلام ويب

Post: #1142
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-27-2015, 05:41 PM
Parent: #1141


سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن
اهتم النبي صلى الله عليه وسلم اهتماما خاصاً بجنوب الجزيرة حيث قبائل اليمن، فقد كان حريصاً على تأمين الجبهة الجنوبية للدولة الإسلامية في المدينة المنورة، وظهر أثر هذا الاهتمام والحرص في النتائج الباهرة التي حققتها الدعوة في كثرة عدد الوفود التي كانت تنساب من كل أطراف اليمن متجهة إلى المدينة، مما يدل على أن نشاط المبعوثين إلى اليمن للدعوة كان متصلا وبعيد المدى، وكانت سرايا النبي صلى الله عليه وسلم تساند هذا النشاط الدعوي السلمي، حيث بعث خالد بن الوليد ثم علي بن أبي طالب رضي الله عنهما في سريتين متتابعتين إلى اليمن.

ففي رمضان من السنة العاشرة من الهجرة النبوية أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية إلى اليمن بقيادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فأسلمت على يده همدان (قبيلة معروفة في اليمن) كلها في يوم واحد، فقد روى البيهقي في الدلائل، وابن القيم في زاد المعاد وغيرهما عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام، قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوه، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث عليّ بن أبي طالب وأمره أن يُقْفِل خالداً (يرجعه ويردّه)، وقال: مُرْ أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقّب معك فليعقّب ومن شاء فليقبل. قال البراء: فكنت فيمن عقّب (بقي) مع عليّ، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا، وقرأ عليهم كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلمت همدان جميعاً، فكتب عليّ إلى رسول الله بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب خرَّ ساجداً، ثم رفع رأسه فقال: السلام على همدان، السلام على همدان). ثم تتابع أهل اليمن علي الإسلام، وقدمت وفودهم إلى المدينة المنورة .

فائدة: سجود الشكر:

السجود لله عز وجل شكراً عبادة مشروعة، وهو من السنن النبوية الثابتة التي هجرها كثير من المسلمين، ويُشرع سجود الشكر كلما حصلت للمسلمين نعمة عامة، أو اندفعت عنهم نقمة، أو حصلت للمسلم نعمة خاصة، سواء تسبب في حصولها أو لم يتسبب، وكلما اندفعت عنه نقمة، قال الشوكاني: "فإن قلتَ: نعَمُ الله على عباده لا تزال واردة عليهم في كل لحظة؟ قلتُ: المراد النعَم المتجددة التي يمكن وصولها ويمكن عدم وصولها، ولهذا فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسجد إلا عند تجدد تلك النعم، مع استمرار نعم الله سبحانه وتعالى عليه وتجددها في كل وقت".
وكان من عادة الصحابة رضوان الله عليهم أن يسجدوا شكراً لله تعالى كلما تجددت لهم نعمة أو انصرفت عنهم نقمة، وقد تعلموا ذلك من سنة وهدي النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن القيم في زاد المعاد: "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم وهدي أصحابه سجود الشكر عند تجدد نعمة تسر، أو اندفاع نقمة، كما في "المسند" عن أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسره، خرَّ لله ساجداً شكراً لله تعالى، وذكر ابن ماجه عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم: بُشِّر بحاجة فخر لله ساجداً. وذكر البيهقي بإسناد على شرط البخاري أن علياً رضي الله عنه لما كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام همدان خرَّ ساجداً ثم رفع رأسه، فقال: (السلام على همدان، السلام على همدان)، وفي "المسند" من حديث عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سجد شكراً لما جاءته البشرى من ربه أنه من صلى عليك صليتُ عليه، ومن سلم عليك سلمتُ عليه .. وسجد كعب بن مالك لما جاءته البشرى بتوبة الله عليه، ذكره البخاري. وذكر سعيد بن منصور أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه سجد حين جاءه قتل مسيلمة".
ولا يشترط لسجود الشكر ما يشترط للصلاة من الطهارة واستقبال القبلة، وهذا قول كثير من السلف، ورجحه الشيخ عبد العزيز بن باز، والشيخ ابن عثيمين، والشيخ عبد الله بن جبرين وغيرهم.

اليمن:

أهلُ اليمن أهل دينٍ وإيمان، فقبل الإسلام كانوا أهل كتاب ـ يهوداً أو نصارى ـ، فلما جاء الإسلام دخلوا في دين الله أفواجا، طواعية دون إكراه أو طمع في دنيا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنه حين بعثه إلى اليمن: (إنك ستأتى قوماً من أهل الكتاب، فإذا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ..) رواه البخاري، ودعا النبي صلى الله عليه وسلم لليمن وأهلها كما دعا للشام وأهلها بالبركة، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اللَّهمّ بارك لنا في شامنا، اللَّهمّ بارك لنا في يمننا..) رواه البخاري.
لقد بشَّرَ النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كثيراً عن انتشار الإسلام وظهور أمره، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيبي لا دخل فيه للتوقع والظن، خاصة أن بعض هذه البشارات قالها في وقت ضعف المسلمين، وعلى عكس ونقيض ما تُوحي به الأحداث، وكان من ضمن بشاراته صلوات الله وسلامه عليه دخول اليمن وأهلها في الإسلام، ففي غزوة الأحزاب والمسلمون في حال شديدة من جوع وبردٍ شديدٍ، وعددٍ قليلٍ وأعداء كُثر، وفي أثناء مشاركة النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في حفر الخندق قال: (بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأُبْصِر أبواب صنعاء من مكاني هذا) رواه أحمد وحسنه الألباني.
إسلام ويب

Post: #1143
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 01:03 AM
Parent: #1142


من صور حب النبي لأمته
صور ومظاهر حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته في السيرة النبوية كثيرة، ولم يُؤْثَر عن نبي من الأنبياء عليهم السلام ذلك الحرص والحب الشديد لأمته كما أثِر عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله تعالى حين قال: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:28 ). قال ابن كثير في تفسيره: "وقوله: {عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} أي: يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها، {حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ} أي: على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم". وقال السعدي في تفسيره: "أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم، ولهذا كان حقّه مقدماً على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره".

والناظر في السيرة النبوية المشرفة يجد صوراً وأمثلة كثيرة تدل على مدى حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، نذكر منها:

دعوته لأمته في كل صلاة

عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: (لما رأيتُ من النبي صلى الله عليه وسلم طِيب نفس، قلت: يا رسول الله! ادع الله لي، فقال: (اللهم اغفر لعائشة ما تقدَّم من ذنبها وما تأخر، وما أسرَّتْ وما أعلنتْ)، فضحكت عائشة رضي الله عنها حتى سقط رأسها في حجرها من الضحك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيسرُّك دعائي؟) فقالت: وما لي لا يسرُّني دعاؤك؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (والله إنها لدعوتي لأمَّتي في كل صلاة) رواه ابن حبان وحسنه الألباني.

شفاعته لأمته

أعطى الله عز وجل كل نبي من الأنبياء دعوة، أعلمهم أنها تُستجاب لهم، فنالها كل نبي في الدنيا، لكن نبينا صلى الله عليه وسلم ادَّخر دعوته إلى يوم القيامة؛ ليشْفَع لأمته بها عند الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه في حديث طويل ومشهور في الشفاعة، قوله: (.. يا محمد! ارفع رأسك، سل تعطه، واشفع تشفع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقول: يا محمد! أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لكل نبي دعوة مستجابة، فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً) رواه البخاري.

شفقته على أمته

عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيمَ عليه السلام: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (إبراهيم:36)، وقال عيسى عليه السلام: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم} (المائدة:118)، فرفعَ يديهِ وقال: (اللهمَّ! أُمَّتي أُمَّتي، وبكى)، فقال الله عز وجل: يا جبريل! اذهب إلى محمد، -وربُّكَ أعلم- فسَلهُ، ما يُبكيكَ؟ فأتاهُ جبريل عليهِ الصلاة والسلام فسَأله، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ: إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُك) رواه مسلم. قال النووي: "هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد، منها: بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم".

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما مثَلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله، جعل الفراشُ وهذه الدواب التي تقع في النار يقعْنَ فيها، فجعل ينزَعُهَّن ويغلِبْنَه فيقتحمنَ فيها، فأنا آخذ بحُجَزِكم عن النار، وأنتم تقتحمون فيها) رواه البخاري.

نحره الأضاحي بدلاً عن فقراء أمته

عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ضحَّى اشترى كبشينِ سمينين أقرنين أملحين، فإذا صلَّى وخطب الناسَ أتى بأحدهما وهو قائمٌ في مصلاَّه، فذبحه بنفسه بالمدية، ثم يقول: (اللهم، إن هذا عن أمتي جميعاً ممن شهد لك بالتوحيدِ، وشهد لي بالبلاغ) رواه ابن حبان وحسنه الألباني. وفي كتاب "عون المعبود شرح سنن أبي داود": "والثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يضحي عن أمته ممن شهد له بالتوحيد وشهد له بالبلاغ، وعن نفسه، وأهل بيته، ولا يخفى أن أمته صلى الله عليه وسلم ممن شهد له بالتوحيد، وشهد له بالبلاغ، كان كثير منهم موجوداً زمن النبي صلى الله عليه وسلم، وكثير منهم توفوا في عهده صلى الله عليه وسلم، فالأموات والأحياء كلهم من أمته صلى الله عليه وسلم دخلوا في أضحية النبي صلى الله عليه وسلم".

دفعه للمشقة عن أمته

من صور وشواهد حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمته أنّه كان حريصاً على ألا يشقَّ على أمته، وربما تركَ بعضَ الفضائل التي يحبها خشيةَ أن تُفرضَ فيشقَّ ذلك عليها، وذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سريَّةٍ، ولوَدِدتُ أني أُقتَل في سبيل الله ثم أُحيا، ثم أُقتَل ثم أُحيا، ثم أُقتَل) رواه البخاري. وقوله: (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا..) رواه البخاري، وقوله: (لولا أنْ أشُقَّ على أمَّتِي لأمرتُهُمْ بالسِّوَاكِ عندَ كلِّ صلاة، ولأَخَّرْتُ صلاة العشاء إلى ثُلث الليل) رواه الترمذي. وقوله صلى الله عليه وسلم عندما قال له جبريل عليه السلام: (إن الله يأمرك أن تَقرأ أمتُك القرآن على حرف، فقال: (أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك)، ثم أتاه الثانية فقال: إن الله يأمرك أن تَقرأ أمتُك القرآن على حرفين، فقال: (أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك)، ثم جاءه الثالثة فقال: إن الله يأمرك أن تَقرأ أمتُك القران على ثلاثة أحرف، فقال: (أسأل الله معافاته ومغفرته وإن أمتي لا تطيق ذلك) ثم جاءه الرابعة فقال: إن الله يأمرك أن تَقرأ أمتُك القران على سبعة أحرف، فأيما حرف قرءوا, فقد أصابوا) رواه مسلم.

تمنِّيه رؤية من جاء بعده من أمته

جرى حالُ المحبِّ أن يحدوه الشوق لرؤية من يعرفه ويحبه وطال فراقه، أما أن يحدوه الحب إلى رؤية من لم يرَهُ من قبل، فهذا حب اقتصر على رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أتباعه من أمته، الذين أتوا بعده، ولم يرهم، فهو صلى الله عليه وسلم يود أن يلقانا، وقد قال عنا: إننا إخوانه، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وددتُ أني لقِيت إخواني) قال: فقال أصحابه: أوليس نحن إخوانك؟ قال: (أنتم أصحابي، ولكن إخواني الذين آمنوا بي ولم يرَوني) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني.

مما لا شك فيه أن حب النبي صلى الله عليه وسلم لأمتِه أكثرُ بكثير من حبها له، كيف لا، وقولته المشهورة صلى الله عليه وسلم يوم القيامة: (أمتي أمتي)، وقد قال الله عن حاله مع أمته: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (التوبة:28)، وإذا كان هذا حبه صلوات الله وسلامه عليه لنا ـكأفراد وأمةـ فحريٌّ بنا أن نحبه من أعماق قلوبنا، وأن يكون حبنا له حباً صادقاً بالقلب واللسان والأعضاء، وذلك بتوقيره وطاعته والاقتداء به، قال القاضي عياض: "اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه وكان مدعياً، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، والتأدب بآدابه في عسره ويسره ومنشطه ومكرهه".
إسلام ويب

Post: #1144
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 04:35 PM
Parent: #1143

من الهدي النبوي مع المسيء
اصطفى الله عز وجل نبيَّه محمداً صلى الله عليه وسلم، وفضَّله على العالمين، وفطره على صفات وأخلاق عظيمة، ظهرت على معاملاته الطيبة مع الصديق والعدو، والموافق والمخالف، وكان من أثر ذلك أن القلوب فاضت بحبه، بما لا تعرف الدنيا لرجل غيره، فالذين عاشروه أحبوه، لما رأوا من كمال خُلُقِه، فقد أدبه ربه فأحسن تأديبه، حتى خاطبه مثنياً عليه، فقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4). ومن جميل وعظيم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أن حلمه مع من أساء إليه وجهل عليه اتسع حتى جاوز العدل إلى الفضل، والمواقف الدالة على هديه صلى الله عليه وسلم مع من أغلظ معه وأساء إليه من السيرة النبوية كثيرة، نذكر منها:
ـ ما رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوب نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي، فجبذ بردائه جبذة شديدة، قال أنس رضي الله عنه: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أثَّرتْ بها حاشية الرداء من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد! مُرْ لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه فضحك، ثم أَمَر له بعطاء) رواه البخاري.
لقد جبذ الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم بردائه جبذة شديدة، أثَّرت في عاتقه، ولم يتلطَّف في طلب مسألته بل قال: "يا محمد! مُر لي من مال الله الذي عندك"، فناداه باسمه، وفي هذا جفاء وغلظة وسوء أدب مع النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} (النور:63)، روى ابن كثير عن ابن عباس، قال: كانوا يقولون: يا محمد! يا أبا القاسم! فنهاهم الله عز وجل، عن ذلك، إعظاماً لنبيه صلوات الله وسلامه عليه. قال: فقالوا: يا رسول الله! يا نبي الله. وقال مقاتل بن حيان في قوله: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} يقول: لا تسموه إذا دعوتموه: يا محمد! ولا تقولوا: يا ابن عبد الله! ولكن شرفوه، فقولوا: يا نبي الله! يا رسول الله!.
ومع ما فعله الأعرابي من الغلظة والإساءة باليد واللسان إليه صلى الله عليه وسلم، فقد التفت إليه مبتسماً، وأمر له بعطاء، قال النووي: "فيه احتمال الجاهلين، والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حد فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يُتعجب منها في العادة، وفيه كمال خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وحلمه وصفحه".
ـ وروي عن عائشة رضي الله عنها قالت: (اشترى رسول الله صلى الله عليه وسلم جزوراً من أعرابي بوسق من تمر، فجاء منزله فالتمس التمر فلم يجده، فخرج إلى الأعرابي، فقال: (عبد الله! إنا قد ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذّخيرة، ونحن نرى أن عندنا فلم نجده) فقال الأعرابي: واغدراه! واغدراه! فوكزه الناس، وقالوا: إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم تقول هذا؟! فقال: (دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالاً) فردد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرتين أو ثلاثاً، فلما رآه لا يفقه عنه، قال لرجل من أصحابه: (اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية، فقل لها: رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول لك: إن كان عندك وسق من تمر الذّخيرة فسلفينا حتى نؤديه إليك إن شاء الله تعالى) فذهب إليها الرجل، ثم رجع، قال: قالت: نعم هو عندنا يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم للرجل: (اذهب فأوفه الذي له) فذهب، فأوفاه الذي له، قال فمرَّ الأعرابي برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيراً، فقد أوفيت وأطيبت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (أولئك خيار الناس الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُون (الذين يؤدون ما عليهم من الحق بطيب نفس) رواه أحمد، وحسنه الألباني.
ـ وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يتقاضاه فأغلظ، فهمَّ به أصحابه فقال صلى الله عليه وسلم: (دعوه فإن لصاحب الحق مقالا) ثم قال: (أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّه) قالوا: يا رسول الله! إلا أمثل من سنه (أكبر منها وأغلى في الثمن)، فقال: (أعطوه، فإن من خياركم أحسنكم قضاء) رواه البخاري. قال المناوي: " قوله: (دعوه) يعني اتركوا يا أصحابنا من طلب منا دَيْنه فأغلظ، فلا تبطشوا به، (فإن لصاحب الحق مقالاً) أي: صولة الطلب وقوة الحجة، فلا يلام إذا تكرر طلبه لحقه، لكن مع رعاية الأدب، وهذا من حسن خلق المصطفى صلى الله عليه وسلم وكرمه وقوة صبره على الجفاة مع القدرة على الانتقام".
لقد مَلَك النبي صلى الله عليه وسلم بحسن خلقه وجميل عفوه وعظيم حلمه شغافَ قلوب أصحابه، بل والمسيئين إليه، فقد سبق حلمُه جهلَه، ولم يزده شدة الجهل عليه إلا حلماً وفضلاً، وهذا من عظيم أخلاقه وجميل صفاته، ودلائل نبوته، كما قال زيد بن سعنة رضي الله عنه حين أسلم ـوقد كان أحد أحبار اليهود وعلمائهم الكبارـ: "إنه لم يكن من علامات النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نظرت إليه، إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمُه جهلَه (غضبه)، ولا تزيده شدة الجهل عليه إلا حلماً، فقد خبرتهما، فأشهدك يا عمر أني قد رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً" رواه ابن حبان.
إسلام ويب

Post: #1145
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 04:54 PM
Parent: #1144

ضرب الأمثال أسلوب من أساليب التربية الناجحة، يحث المُرَبِّي والمعلِّم من خلاله النفوس والعقول على فعل الخير والبِر, ويدفعها إلى الخُلُق والفضيلة، ويحجزها عن الشر والمعصية، وهو أسلوب استخدمه النبي صلى الله عليه وسلم في تعليم وتربية أصحابه رضوان الله عليهم في أحداث ومواقف متعددة, لما يحمله من سرعة إيصال المعنى المراد، والذي من خلاله تغرس في النفس القيمة التربوية، ويستقر في العقل المعنى المطلوب, والأمثلة الدالة على ذلك من السيرة النبوية كثيرة، ومنها:

الدنيا:

في بعض المواقف كان يكفي النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد رداً مباشراً على تساؤلٍ أو استفسار وُجِّه إليه من أحد أصحابه، لكنه صلوات الله وسلامه عليه آثر في بعض المواقف ضرب المثل رداً على ذلك، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: نام رسول الله صلى الله عليه وسلم على حصير، فقام وقد أثر في جنبه، قلنا: يا رسول الله، لو اتخذنا لك وطاء، فقال: (ما لي وللدنيا؟ ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة ثم راح وتركها) رواه الترمذي وصححه الألباني. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بالسوق، داخلاً من بعض العالية، والناس كنفتيه (عن جانبيه) فمر بجدي أسك (مقطوع الأذنين) ميت، فتناوله، فأخذ بأذنه، ثم قال: (أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا: ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟! قال: أتحبون أنه لكم؟ قالوا: والله لو كان حيا كان عيبا فيه، لأنه أسك، فكيف وهو ميت؟ فقال: فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم) رواه مسلم.
ومع هذا المثل من النبي صلى الله عليه وسلم للدنيا فقد ربَّى وعلَّم أصحابه أن تكون نظرتهم للدنيا نظرة متوازنة، تَزْهد فيها دون أن تترك إعمارها، فليس الزهد وعدم التعلُّق بالدنيا داعياً إلى خرابها، بل يعمرها المسلم دون أن يُفْتَنَ بها، ويحاول جمعها من حلال أو حرام، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل) رواه أحمد وصححه الألباني.

خاتم الأنبياء:

اصطفى الله من بين عباده خَلْقا هم أشرفهم حسباً ونسباً، وأرفعهم مقاماً وقدْراً، وأحسنهم خَلقاً وخُلُقاً، وكان نبينا صلى الله عليه وسلم أفضلهم وخاتمهم، قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الأحزاب: 40)، وقد مَثَّل النبي صلى الله عليه وسلم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وتعاقب إرسالهم إلى الناس بالبيت الذي أُسِّسَت قواعده، ورُفِع بنيانه, وقد اعتنى صاحبه عناية شديدة بعمارته وتزيينه حتى بلغ الغاية في الحسن والجمال, ولم يبق له إلا موضع حجر في زاوية به يتم هذا البناء ويكتمل حسنه وجماله, فشبه النبي صلى الله عليه وسلم نفسه وما بعث به من الرسالة الخاتمة, بهذا الحجر الذي اكتمل به هذا البنيان, فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مثلي ومثل الأنبياء كرجل بنى داراً فأكملها وأحسنها إلا موضع لبنة، فجعل الناس يدخلونها، ويتعجبون، ويقولون: لولا موضع اللبنة) رواه البخاري.
قال ابن هبيرة: " شبههم (الأنبياء) صلى الله عليه وسلم ببناء دار بُنِيَت حتى لم يبق فيها إلى موضع لبنة، حتى إن تلك اللبنة إذا وُضِعَت لم يبق فيها محل لأن يُعمل فيها شيء، فكان خبر النبي صلى الله عليه وسلم هذا مُشْعِرَاً أنه ختم الأنبياء كما ختمت تلك اللبنة ذلك البناء، فلم يبق بعده لبانٍ عمل، لأنه صلى الله عليه وسلم تمم البناء".
وقال ابن حجر: "وفي الحديث ضرب الأمثال للتقريب للأفهام".

المؤمنون جسد واحد:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى) رواه مسلم. قال ابن الجوزي: "إنما جعل المؤمنين كجسد واحد لأن الإيمان يجمعهم كما يجمع الجسد الأعضاء، فلموضع اجتماع الأعضاء يتأذى الكل بتأذى البعض وكذلك أهل الإيمان، يتأذى بعضهم بتأذي البعض".
وقال النووي: "وفيه جواز التشبيه وضرب الأمثال لتقريب المعاني إلى الأفهام".

الصلاة والطهرة من الذنوب:

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه سمِع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا) رواه البخاري. قال ابن العربي: "وجه التمثيل أن المرء كما يتدنس بالأقذار المحسوسة في بدنه وثيابه ويطهره الماء الكثير، فكذلك الصلوات تطهر العبد من أقذار الذنوب حتى لا تبقي له ذنبا إلا أسقطته وكفرته".

فرح الله بتوبة عبده:

بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أن الله عز وجل يفرح بتوبة عبده المؤمن ـ فرحاً يليق بجلاله وكماله، ولا يشبه فرح المخلوقين ـ، وضرب المثل على ذلك بمثل رجل سار في صحراء مقفرة، شديدة الحر، ضاعت منه راحلته، وفيها متاعه وطعامه وشرابه، حتى استيأس فنام موقناً بالموت، فاستيقظ فوجد وسيلة سيره وسفره (راحلته) وفيها متاعه وطعامه وشرابه، ففرح لذلك فرحاً شديداً، فالله عز وجل أفرح بتوبة عبده المؤمن من هذا الرجل، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (للهُ أشدُّ فرحاً بتوبة عبده المؤمن من رجلٍ في أرضِ دوِّيَّةٍ مَهلَكةٍ، معه راحلتُه، عليها طعامه وشرابه، فنام فاستيقظ وقد ذهبت، فطلبها حتى أدركه العطشُ، ثم قال: أرجع إلى مكاني الذي كنت فيه فأنام حتى أموتَ، فوضع رأسَه على ساعدهليموت، فاستيقظ وعنده راحلتُه وعليها زادُه طعامه وشرابُه، فاللهُ أشدُّ فرحاً بتوبةِ العبد المؤمن من هذا براحلته وزاده) رواه مسلم.
قال ابن حجر: "وقال القرطبي: هذا مثل قُصِدَ به بيان سرعة قبول الله توبة عبده التائب، وأنه يقبل عليه بمغفرته، ويعامله معاملة من يفرح بعمله".

قراءة القرآن:

عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن، مثل الأترجة (نوع ثمر من أفضل الثمار)، ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثل التمرة، لا ريح لها وطعمها حلو، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن، مثل الريحانة، ريحها طيب وطعمها مُر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن، كمثل الحنظلة، ليس لها ريح وطعمها مُر) رواه مسلم.
قال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن) إلى آخره فيه: فضيلة حافظ القرآن، واستحباب ضرب الأمثال لإيضاح المقاصد". وقال ابن عثيمين: "هذا الحديث ساقه المؤلف (النووي) رحمه الله في باب فضل قراءة القرآن في رياض الصالحين، في بيان أحوال الناس بالنسبة للقرآن، أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أمثلة للمؤمن والمنافق .. فالمؤمن الذي يقرأ القرآن كله خير في ذاته وفي غيره فهو كالأترجة، لها رائحة طيبة ذكية، وطعمها طيب، أما المؤمن الذي لا يقرأ القرآن فهو كمثل التمرة طعمها حلو ولكن ليس لها رائحة ذكية كرائحة الأترجة".

الصاحب الصالح:

ضرب النبي صلى الله عليه وسلم مثلاً لتأثير الرفقة والمجالسة في حياة الإنسان، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنما مثل الجليس الصالح وجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك، إما أن يحذيك (يعطيك)، وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير (الحَدَّاد)، إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد منه ريحاً منتنة) رواه البخاري.
قال ابن حجر: "وفي الحديث النهي عن مُجالسة من يُتأذّى بمجالسته في الدين والدنيا، والترغيب في مُجالسة من يُنتفع بمجالسته فيهما". وقال ابن عثيمين: "يعني أن الإنسان يكون في الدين، وكذلك في الخُلُق على حسب من يصاحبه، فلينظر أحدكم من يصاحب، فإن صاحب أهل الخير، صار منهم، وإن صاحب سواهم، صار مثلهم".

المعاصي والشهوات:

من الأحاديث التي ضرب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مثلاً للتحذير من المعاصي واتباع الشهوات ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم - يقول : (إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد ناراً، فلما أضاءت ما حوله جعل الْفَرَاشُ وهذه الدواب التي تقع في النار يَقَعْنَ فيها، يَنْزِعُهُنَّ وَيَغْلِبْنَهُ فَيَقْتَحِمْن فيها، فأنا آخذ بِحُجَزِكُمْ عن النار، وهم يقتحمون فيها).
قال ابن هُبَيْرَة: "في هذا الحديث من الفقه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّى أعمال النار ناراً، لأنها تؤدي إليها .. فهو صلى الله عليه وسلم بشرعه ووصاياه يمسك بالحجز عن التهافت في أعمال النار المؤدية إلى النار، والآدميون يتهافتون عليها تهافت الفراش على النار اتباعًا لطباعهم التي تؤدي من ذلك إلى ما يتلفها".
وقال ابن بطال: "هذه أمثال ضربها النبى صلى الله عليه وسلم لأمته لينبههم بها على استشعار الحذر، خوف التورط فى محارم الله والوقوع فى معاصيه، ومثَّل لهم ذلك بما عاينوه وشاهدوه من أمور الدنيا، ليقرب ذلك من أفهامهم، ويكون أبلغ فى موعظتهم، فمثل صلى الله عليه وسلم اتباع الشهوات المؤدية إلى النار بوقوع الفراش فى النار، لأن الفراش من شأنه اتباع ضوء النار حتى يقع فيها، فكذلك متبع شهوته يئول به ذلك إلى العذاب، وشبه جهل راكب الشهوات بجهل الفراش، لأنها لا تظن أن النار تحرقها حتى تقتحم فيها".

يُعدّ ضرب الأمثال أسرع في التأثير، وأوقع في النفس، وأبلغ في الوعظ، وأقوى في الزجر، وأقوم في الإقناع، وهو أسلوب تربوي يؤدي دوراً عظيماً في الدعوة والتربية والتعليم، لما فيه من تقريب وتسهيل للمعاني البعيدة أو الغامضة، عن طريق عرض أمثالها وما يشابهها من المعاني المحسوسة والواضحة، وقد استعمل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الأسلوب في قضايا مختلفة وفي مواطن متعددة، والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة الدالة على ذلك.
إسلام ويب

Post: #1146
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 05:17 PM
Parent: #1145


نبينا صلى الله عليه وسلم هو خير أسوةٍ وأفضل قدوة، بما اشتُهر به من جمال الخَلق والخُلق، وحسن السمت وطيب الرائحة، وكانَ من شأنه وصفته التي عُرِف بها بين أصحابه: رائحته الطيبة، فكان إذا صافحه أحد يعرف ذلك من أثر طيب يده التي صافح بها رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، روى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (ما شممتُ عنبرًا قطُّ، ولا مسكاً ولا شيئاً أطيبَ من ريحِ رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وكان صلوات الله وسلامه عليه يحب الطِّيبِ، ويأمر به خاصة في يوم الجمعة، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (منِ اغتسل يومَ الجمعة فأحسنَ الغُسْل، وتطهَّر فأحسَنَ الطُّهور، ولبِسَ مِنْ أحسن ثيابه، ومَسَّ مَا كتَبَ الله له مِنْ طيبِ أوْ دُهْنِ أهله، ثُمَّ أتى المسجد، فلم يَلْغُ، ولم يُفَرِّقْ بينَ اثنينِ، غفر الله له ما بينه وبين الجمعة الأُخْرى) رواه الطبراني.

فالطيب والعِطْر سنة نبوية، وله في حياة النبي صلى الله عليه وسلم شأنٌ وأهمية، وهو من الأمور التي حُبِّبت إليه من أمور الدنيا، وأمر بها صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم: (كان يحب الطيب، ويأمر به). قال ابن القيم: "لما كانت الرائحة الطيبة غذاء الروح، والروح مطيةُ القوى، والقوى تزداد بالطيب، وهو ينفع الدماغ والقلب، وسائر الأعضاء الباطنية، ويُفرح القلب، ويسرُّ النفس، ويبسُط الروح، وهو أصدق شيءٍ للروح، وأشدُّ مُلاءمةً لها، وبينه وبين الروح الطيبة نسبة قريبة، كان أحد المحبوبين من الدُّنيا إلى أطيب الطَّيبين صلوات الله عليه وسلامه". وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم: (حُبِّبَ إليّ من دنياكم: النساء، والطيب، وجعلت قرة عيني في الصلاة) رواه النسائي. قال ابن القيم: "هذا لفظ الحديث، ومن رواه: "حُبّب إليّ من دنياكم ثلاث" فقد وهِم، ولم يقل صلى اللَّه عليه وسلم: ثلاث، والصلاة ليست من أمور الدنيا التي تضاف إليها، وكان النساء والطيب أحب شيء إليه صلى اللَّه عليه وسلم". وقال النيسابوري: "مراده صلى الله عليه وسلم أن يفهم السامع أن ما حُبِّب إليه من أمور الدنيا ليس يلهيه عن أمور الآخرة وطلبها، فأشار إلى أن الصلاة -المتضمنة لمناجاته ربه- تسمو على ما حبب إليه من أمور الدنيا، فهي تشغله عن ذلك، لا أن الصلاة مما حبب إليه من أمور الدنيا فتأمل". وعن أنس رضي الله عنه قال: (كانت للنبي صلى الله عليه وسلم سُكَّةٌ يتطيَّبُ منْها) رواه أبو داود. (سُكَّةٌ) بضم السين المهملة وتشديد الكاف: نوع من الطيب عزيز، وقيل: وعاء يوضع فيه الطيب، والظاهر أنه المراد هنا.

الطيب لا يُرد

ما عُرِضَ عليه صلَّى الله عليه وسلم طيبٌ قطُّ فردَّهُ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن عُرِضَ علَيهِ طيبٌ فلا يرُدَّهُ، فإنَّهُ طيِّبُ الرِّيح، خفيفُ المَحمل) رواه أبو داود، وصححه الألباني، وفي رواية مسلم: (من عُرِض عليه ريحان فلا يرده، فإنه خفيف المحمل طيب الريح). قال المنذري: "ويحتمل أن يراد بـ (الريحان) جميع أنواع الطيب، يعني مشتقاً من الرائحة". وقال النووي: "وفي هذا الحديث: كراهة رد الريحان لمن عُرِض عليه إلا لعذر". وقال ابن العربي: "إنما كان لا يردُّ الطيب لمحبته فيه، ولحاجته إليه أكثر من غيره، لأنه يُناجي مَنْ لا نُناجي، وأما نهيه عن رد الطيب فهو محمول على ما يجوز أخذه لا على ما لا يجوز أخذه، لأنه مردود بأصل الشرع".

فائدة: تطيب وتعطر المرأة

استعمال المرأة الطيب والعطر له حالتين، يختلف حكمهما بحسبهما، وبيان ذلك:

الحالة الأولى: استعماله للزوج، فهو مستحب ومندوب، وهو داخل في أمره صلى الله عليه وسلم بالطيب، وذلك لأنه من حسن المعاشرة بالمعروف بين الزوجين، وهو أدْعى لزيادة المودة وتأكيد المحبة بينهما، وذلك حين يعتني كل منهما بما يحبه الآخر، قال المناوي: "أما التطيب والتزين للزوج فمطلوب محبوب، قال بعض الكبراء: تزيُّنُ المرأة وتطيُّبُها لزوجها من أقوى أسباب المحبة والألفة بينهما، وعدم الكراهة والنفرة؛ لأن العين رائد القلب، فإذا استحسنت منظراً أوصلته إلى القلب فحصلت المحبة، وإذا نظرت منظراً بشعاً أو ما لا يعجبها من زي أو لباس تلقيه إلى القلب، فتحصل الكراهة والنفرة، ولهذا كان من وصايا نساء العرب لبعضهن: إياك أن تقع عين زوجك على شئ لا يستملحه، أو يشم منك ما يستقبحه".

الحالة الثانية: وضع الطِّيبِ والعِطر والخروج به بقصد أن يجد ريحَه الرجالُ الأجانب فهذا مُحَرَّم، والنبي صلى الله عليه وسلم سد ذرائع الشر، وأغلق أبواب الفتنة حرصاً على سلامة قلب المسلم وطهارة نفسه، ومن ثم نهى النساء عن التطيّب والتعطّر عند غير زوجها ومحارمهن من الرجال، وقد وردت في ذلك جملة من الأحاديث النبوية الشريفة منها: ما رواه الطبراني وصححه الألباني عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية). وقوله صلى الله عليه وسلم: (فَهِيَ زَانِيَة) ليس معناه أنها زانية حقيقة، وأن ذلك يبيح قذفها بالزنا، وإنما سُمِّيت زانية مجازاً، مبالغة وتهديداً وتشديداً عليها، فهو كقوله صلى الله عليه وسلم في "صحيح مسلم": (فالعينانِ زناهما النَّظرُ). قال المناوي: "(أيما امرأة استعطرت) استعملت العطر، أي الطِّيبِ الظاهر ريحه في بدنها أو ملبوسها، (فمرت على قوم) الرجال (ليجدوا) أي لأجل أن يشموا (ريحها) أي: ريح عطرها، (فهي زانية) أي: هي بسبب ذلك متعرضة للزنا، ساعية في أسبابه، داعية إلى طلابه، فسُمِّيت لذلك زانية مجازاً". وعن زينب الثقفية رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا خرجَتْ إحداكنّ إلى المسجدِ فلا تقربنّ طيباً) رواه مسلم. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة أصابت بخوراً فلا تشهد معنا العشاء الآخرة) رواه مسلم.

قال الإمام هُبَيْرَة الشيبانيّ: "في هذا الحديث كراهية الطيب للنساء اللاتي يشهدن الجماعة، فإذا خالفت امرأة وتطيبت، فلا تشهد الجماعة حتى يذهب ريح الطيب، وهذا لأنه يوجب الالتفات إليها ويثير الشهوة". وقال ابن دقيق العيد: "وفيه حرمة التطيب على مريدة الخروج إلى المسجد؛ لما فيه من تحريك داعية شهوة الرجال". فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن التطيب حال خروجها إلى المسجد فعند خروجها إلى غيره أولى.

لقد علّمنا صلى الله عليه وسلم بسنّته القولية والفعلية كيف يكون المؤمن معتنياً بمظهره كاعتنائه بمخبره، ليتحقّق التوازن المنشود في الشخصيّة المسلمة، من جمال الظاهر والباطن، وحسن السمت والمظهر، وجمال السلوك والأخلاق. قال ابن القيم في كتابه الطب النبوي: "وفي الطِّيبِ من الخاصية أن الملائكة تحبه، والشياطين تنفر عنه، وأحب شيء إلى الشياطين الرائحة المنتنة الكريهة، فالأرواح الطيبة تحب الرائحة الطيبة، والأرواح الخبيثة تحب الرائحة الخبيثة، وكل روح تميل إلى ما يناسبها، فالخبيثات للخبيثين، والخبيثون للخبيثات، والطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات، وهذا وإن كان في النساء والرجال، فإنه يتناول الأعمال والأقوال، والمطاعم والمشارب، والملابس والروائح".
إسلام ويب

Post: #1147
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 05:20 PM
Parent: #1146


تمر السنون والأعوام، وتظل السيرة النبوية بأحداثها ومواقفها نبراساً يضيء لنا الطريق في التربية والتعليم، والعزة والتمكين، لما تحمله بين ثناياها من مواقف تربوية كثيرة تضع للدعاة والآباء والمعلمين والمربين المنهج القويم في التربية، والأسلوب الأفضل في التعليم، فنبينا صلى الله عليه وسلم كان نِعْمَ المُرَبِّي والمُعَلِّم، بل أفضل مُرَبًّ ومعلم، فعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً) رواه مسلم، وعن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه قال: (بينا أنا أصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم، فقلت: واثُكْلَ أُمِّياه (وافَقْد أمي لي)، ما شأنكم تنظرون إليَّ؟! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم -فبأبي هو وأمي- ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ما كهرني (ما نهرني ولا عبس في وجهي)، ولا ضربني ولا شتمني، قال صلى الله عليه وسلم: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن) رواه مسلم.

قال النووي: " فيه بيان ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته وشفقته عليهم...وفيه التخلق بخلقه صلى الله عليه وسلم في الرفق بالجاهل، وحسن تعليمه واللطف به، وتقريب الصواب إلى فهمه".

وكان صلوات الله وسلامه عليه في تعليمه وتربيته لأصحابه ينتقل من أسلوبٍ إلى آخر، مراعياً حال المخاطَب، فكان يلجأ في بعض الأوقات ووفقاً لواقع الحال إلى استخدام أساليب مناسبة أسلوب الحوار والمناقشة، أو ضرب الأمثال والتشبيه، واستخدام القصة، والتعبير بحركة اليد والرسم، ورفع وإظهار المُتَحَدَّث عنه، والتعليم العملي بفعل الشيء أمام المُتَعَلِّم، واستخدام أسلوب الترغيب والترهيب على حسب الحال، حرصاً منه صلى الله عليه وسلم على أن تنتقل توجيهاته الكريمة وتعاليمه النبوية من مرحلة القول إلى مرحلة الفهم الصحيح والتطبيق والفعل للمتعلم.

ومن هذه الأساليب النبوية في تعليمه وتربيته: أسلوب التعليم والتربية من خلال طرح السؤال ليجيب عنه المُخَاطَب إنِ استطاع، أو ينتظر ليسمع الإجابة منه صلى الله عليه وسلم، أو السؤال عن بعض المعاني المعروفة للمتعلم، وحينما يخبر بما يعرفه يأتي النبي صلى الله عليه وسلم بمعنى آخر لهذا السؤال، ليترسخ في عقل وقلب المُعَلَّم والمُرَبَّى المعنى المقصود منه صلوات الله وسلامه عليه، وهذا من باب الملاطفة وزيادة العلم وحُسْن التربية، ولذلك خصص البخاري باباً في "صحيحه" في أول كتاب العلم تحت عنوان: "باب طرح الإمام المسألة ليختبر ما عندهم من العلم".

والمواقف النبوية الدالة على أسلوبه في تعليمه لأصحابه بالسؤال كثيرة، منها:

عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وهي مَثَلُ المسلم، حَدِّثوني ما هي؟! فوقع الناس في شجر البادية، ووقع في نفسي أنها النخلة، قال عبد الله: فاستحييت، فقالوا: يا رسول الله أخبرنا بها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي النخلة، قال عبد الله: فحدَّثت أبي بما وقع في نفسي، فقال: لأن تكون قلتها أحب إليّ من أن يكون لي كذا وكذا) رواه البخاري. وفي هذا الموقف والسؤال من النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه فوائد كثيرة منها:

ـ حُسْن تعليمه لهم، حيث ألقى عليهم المعنى والمعلومة المراد تعليمهم إياها، على هيئة سؤال ليجعلهم يفكرون لمعرفة الإجابة، فإذا عجزوا عن الإجابة كانوا أشد اشتياقاً لمعرفة الجواب، وهذا يحقق فائدة اكتساب العلم، وترسيخ المعنى على أفضل وجه، بالإضافة إلى دفع الملل عن المتعلم، الذي قد يحدث إذا كان أسلوب التعليم يسير على وتيرة واحدة، إضافة إلى ما يحققه هذا أسلوب السؤال من إدخال النشاط والسرور والبهجة في نفوس المتعلمين.

ـ ما ينبغي أن يكون عليه سلوك المسلم الصغير مع الأكبر منه ِسنَّاً، من أدب وتوقير وعدم إكثار من الكلام، إذا لم يترتب على عدم الكلام كتمان علم، أو تفويت مصلحة، فإن ظهرت مصلحة وفائدة لتكلم الصغير، فيجب عليه أن يراعي آداب الحديث المعروفة، فابن عمر رضي الله عنه قد سمع السؤال الذي ألقاه النبي صلى الله عليه وسلم على مسامع كل الحاضرين، ولم يخص بها الكبير دون الصغير، وقد علم إجابته، وكان هناك مصلحة أن يجاوب الرسول صلى الله عليه وسلم ليظهر فضله ويقر عين الرسول صلى الله عليه وسلم بما عليه أبناء الصحابة من علم وفكر، إلا أنه مع كل ذلك، آثر السكوت كراهية للتكلم في حالة سكوت أبي بكر وعمر مراعياً فضلهما وكبرهما رضي الله عنهما، ففي رواية للبخاري قال ابن عمر: (ورأيتُ أبا بكرٍ وعُمَرَ لا يتكلمان فكَرِهتُ أن أتكلم).

ـ حرص الآباء على إظهار فضل أولادهم، خاصة في حضرة أهل الفضل لا حرج فيه، بل هو أمر مطلوب في تربية الأبناء، ولذا قال عمر رضي الله عنه لابنه عبد الله: (لأن تكون قلتها أحب إليَّ من كذا وكذا). قال ابن حجر: "فيه التحريض على الفهم في العلم، وينبغي للمُلغَز له أن يتفطَّن لقرائن الأحوال الواقعة عند السؤال، كما ينبغي للملغِز ألا يبالغ في التعمية، بحيث لا يجعل للمُلغَز باباً يدخل منه، بل كلما قرَّبه كان أوقع في نفس سامعه".

وقال النووي: "وفي هذا الحديث فوائد: منها استحباب إلقاء العالم المسألة على أصحابه ليختبر أفهامهم، ويرغبهم في الفكر والاعتناء. وفيه: ضرب الأمثال والأشباه. وفيه: توقير الكبار كما فعل ابن عمر، لكن إذا لم يعرف الكبار المسألة، فينبغي للصغير الذي يعرفها أن يقولها. وفيه: سرور الإنسان بنجابة ولده، وحسن فهمه، وقول عمر رضي الله عنه: "لأن تكون قلتَ هي النخلة أحب إليَّ من كذا وكذا"، أراد بذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو لابنه، ويَعلم حسن فهمه ونجابته".

ومن المواقف النبوية في التعليم والتربية من خلال السؤال: ما رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال صلى الله عليه وسلم: إن المفلس من أمتي مَنْ يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وَسَفَك دم هذا، وضرب هذا، فيُعْطَى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أُخِذَ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طُرِح في النار)، وفي رواية ابن حبان: (أتدرون من المفلسُ؟).
قال ابن عثيمين: "قوله: (أتدرون ما المفلس؟) الاستفهام هنا للاستعلام الذي يُراد به الإخبار؛ لأن المستفهِم تارة يستفهم عن جهل، ولا يدري فيسأل غيره، وتارة يستفهم لتنبيه المُخَاطَب لما يُلْقَى إليه، أو لتقرير الحكم". وقال الطيبي: "وهذا سؤال إرشاد لا استعلام".

وقال النووي: "قوله صلى الله عليه وسلم: (إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا) إلى آخره، معناه: أن هذا حقيقة المفلس، وأما من ليس له مال ومن قلَّ ماله فالناس يسمونه مفلساً، وليس هو حقيقة المفلس؛ لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث، فهو الهالك الهلاك التام، فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا فرغت حسناته أُخِذَ من سيئاتهم، فوُضِعَ عليه ثم أُلْقِيَ في النار، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه".

إن التعليم بطريق إلقاء السؤال من الوسائل التعليمية والتربوية المهمة؛ حيث ينمي التواصل القوي بين المُعَلِّم والمتعلم، والمُرَبِّي والمُرَبَّى، ولذلك استخدم النبي صلى الله عليه وسلم السؤال في صور ومواقف متعددة لتعليم أصحابه رضوان الله عليهم، مما كان له كبير الأثر في حسن تعليمهم، وتفاعلهم عمليًّا وسلوكيًّا مع المعاني التربوية المقصودة منه صلوات الله وسلامه عليه، وهو ما ينبغي أن يسلكه الآباء والمعلمون والمربون، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
إسلام ويب

Post: #1148
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 05:26 PM
Parent: #1147


إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة
أمة النبي صلى الله عليه وسلم وإن تأخر وجودها في الدنيا عن الأمم الماضية، فهي سابقة لها في الآخرة منزلة وفضلا، فقد اختص الله تبارك وتعالى الأمة المحمدية بخصائص كثيرة لم تُعْطهَا غيرها من الأمم، وفي ذلك تكريم لنبيها صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110)، قال ابن كثير: "يُخْبِر تعالى عن هذه الأمة المحمدية بأنهم خير الأمم"، وعن معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} قال: إنكم تتمون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله) رواه الترمذي وحسنه الألباني.

ومما اختُص به نبينا صلى الله عليه وسلم في أمته أنهم أكثر أهل الجنة مقارنة بالمشركين، لقوله صلى الله عليه وسلم: (وما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأبيض) رواه مسلم، وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم) رواه ابن ماجه وصححه الألباني. وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قلنا: نعم، قال: والّذي نفس محمّد بيده إنّي لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنّة، وذلك أنّ الجنّة لا يدخلها إلّا نفس مسلمة، وما أنتم في أهل الشّرك إلّا كالشّعرة البيضاء في جلد الثّور الأسود، أو كالشّعرة السّوداء في جلد الثّور الأحمر) رواه البخاري. وفي رواية مسلم: (أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قال: فكبَّرنا، ثم قال: أما ترضونَ أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قال: فكبَّرنا، ثم قال: إني لأرجو أن تكونوا شطر أهل الجنة، وسأخبرُكم عن ذلك، ما المسلمونَ في الكفار إلا كشعرةٍ بيضاءَ في ثورٍ أسود، أو كشعرةٍ سوداء في ثورٍ أبيض)، قال ابن التين: "أطلق الشعرة وليس المراد حقيقة الوحدة، لأنه لا يكون ثور في جلده شعرة واحدة من غير لونه".

فضْلُ الله تعالى على أمتنا عظيم، إذ جعلها نصف أهل الجنة، وفي بعض الروايات في غير الصحيحين ثلثي أهل الجنة، وهي في المقام الأول خصوصية وتكريم لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم في أمته، ففي حديث الشفاعة المشهور: (.. فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يُسمع لك، وسَلْ تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله) رواه البخاري. وفي رواية أخرى يقول الله عز وجل : (يا جبريل! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ: إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُك) رواه مسلم.

وفي بشارة النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه وأمته من بعدهم ـ بأنهم نصف أو ثلثي أهل الجنة ـ إظهار لمدى حبه وشفقته ورحمته صلى الله عليه وسلم بهم، وقد قال الله تعالى عنه صلى الله عليه وسلم: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128)، وهو القائل صلى الله عليه وسلم في حرصه وحبه لأصحابه وأمته: (أصحابي أصحابي) رواه البخاري، (أمتي يا رب، أمتي يا رب) رواه البخاري.

وقد بشر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه رضي الله عنهم بصيغة الاستفهام مرتين وثلاثة وذلك لإرادة تقرير البشارة، (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنّة؟ قلنا: نعم، قال: أترضون أن تكونوا شطر أهل الجنّة؟ قلنا: نعم)، فلم يُبَشِّرِهم ويخبرهم أنهم نصف أهل الجنة ابتداءً، لأن التدريج أوقع فى النفس وأبلغ فى الإكرام، ولأن الإعطاء مرةً بعد أخرى دليل الاعتناء بالمُعْطَى، ولتتكرر منهم عبادة الشكر ويزداد سرورهم وفرحهم، قال النووي: "أما تكبيرهم فلسرورهم بهذه البشارة العظيمة، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ربع أهل الجنة، ثم ثلث أهل الجنة، ثم الشطر، ولم يقل أولاً شطر أهل الجنة فلفائدة حسنة، وفي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم، فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته، وفيه فائدة أخرى هي تكريره البشارة مرة بعد أخرى، وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه، والله أعلم. ثم إنه وقع في هذا الحديث: شطر أهل الجنة، وفي الرواية الأخرى: نصف أهل الجنة، وقد ثبت في الحديث الآخر: أن أهل الجنة عشرون ومائة صف، هذه الأمة منها ثمانون صفاً، فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولاً بحديث الشطر، ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعلم بحديث الصفوف، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة".

فائدة:

لا حرج في تكبير المسلم عند سماعه ما يُفْرِحُه خاصةً في أمور الدين، لما ورد في رواية مسلم: (أما ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قال: فكبّرنا)، ففي ذلك دلالة على مشروعية التكبير عند رؤية الشيء المُسْتَحْسَن، أو عند التعجب من أمْرٍ ما، وأنه لا حرج على من يفعل ذلك، قال العيني: "(فكبَّرنا) أي: فعظَّمنا ذلك، أو قلنا: الله أكبر، سروراً بهذه البشارة"، وقد بوب البخاري في صحيحه باباً بقوله: "باب التكبير والتسبيح عند التعجب". وقال ابن بطال في شرحه لصحيح البخاري:" التكبير والتسبيح معناهما تعظيم الله وتنزيهه من السوء، واستعماله عند التعجب واستعظام الأمور حسن، وفيه تمرين اللسان على ذكر الله، وذلك من أفضل الأعمال". وعلق ابن حجر في فتح الباري على كلام ابن بطال بقوله: "وهذا توجيه جيد، كأن البخاري رمز إلى الرد على مَنْ منع من ذلك".

خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم التي أكرمه الله واختصه بها كثيرة، منها: أنه صلى الله عليه وسلم أفضل الرسل والأنبياء، وأنه سيد ولد آدم، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة, وأنه أكثر الأنبياء تبعاً يوم القيامة, وأول من يقرع ويُفتح له باب الجنة, كما أنه صلى الله عليه وسلم أول من يعبر الصراط من الرسل، وقد شرَّفه الله تعالى بالشفاعة لأمته، وأكرمه بالكوثر, وهو النهر العظيم الذي وعده الله به في الجنة.. ومن هذه الخصائص: تكريم الله عز وجل له أن جعل أمته نصف أهل الجنة وثلثيها .. تلك هي بعض خصائصه صلى الله عليه وسلم التي اختصه الله بها دون غيره من الأنبياء، وهي تبين مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم بين الرسل، وتبين لنا كذلك مكانة أمته بين الأمم، وتُعطينا صورة حقيقية عن عظيم مكانته عند ربه وكرامته عليه, فصلوات الله وسلامه عليه.
إسلام ويب

Post: #1149
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 05:32 PM
Parent: #1148


يا ربيعةُ ألا تَزَوَّجُ ؟
ما مِن خصلة من خصال الخير إلا ولرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفر الحظ والنصيب منها، وقد وصفه الله تعالى بلين الجانب لأصحابه فقال: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }(آل عمران: من الآية: 159) .
والمتأمل في السيرة النبوية تستوقفه مواقف كثيرة، يظهر فيها حب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه، وحسن معاملته لهم، والاهتمام بهم، فكان يؤلفهم ولا ينفرهم، ويتفقدهم ويعودهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، حتى يظن جليسه أنه ليس أحدٌ أكرم منه، وكان يقضي حوائجهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم وآمالهم، ومن هذه المواقف: موقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع ربيعة بن كعب الأسلمي الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ .

عن ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت أخدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقال لي: يا ربيعة ألا تزوج؟، قال: قلت: والله، يا رسول الله، ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، فخدمته ما خدمته، ثم قال لي الثانية: يا ربيعة، ألا تزوج؟، فقلت: ما أريد أن أتزوج، ما عندي ما يقيم المرأة، وما أحب أن يشغلني عنك شيء، فأعرض عني، ثم رجعت إلى نفسي، فقلت: والله، لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني، والله، لئن قال: تزوج، لأقولن: نعم يا رسول الله، مرني بما شئت .
قال: فقال: يا ربيعة، ألا تزوج؟، فقلت: بلى، مرني بما شئت، قال: انطلق إلى آل فلان، حي من الأنصار، وكان فيهم تراخ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقل لهم: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، لامرأة منهم، فذهبت، فقلت لهم: إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرسلني إليكم، يأمركم أن تزوجوني فلانة، فقالوا: مرحبا برسول الله، وبرسول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والله، لا يرجع رسولُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بحاجته، فزوجوني وألطفوني، وما سألوني البينة .
فرجعت إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حزيناً، فقال لي: ما لك يا ربيعة؟، فقلت: يا رسول الله، أتيت قوما كراما، فزوجوني وأكرموني وألطفوني، وما سألوني بينة، وليس عندي صداق، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا بريدة الأسلمي، اجمعوا له وزن نواة من ذهب، قال: فجمعوا لي وزن نواة من ذهب، فأخذت ما جمعوا لي، فأتيت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: اذهب بهذا إليهم، فقل: هذا صداقها، فأتيتهم، فقلت: هذا صداقها، فرضوه وقبلوه، وقالوا: كثير طيب .
قال: ثم رجعت إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حزيناً، فقال: يا ربيعة، ما لك حزين؟، فقلت: يا رسول الله، ما رأيت قوما أكرم منهم، رضوا بما آتيتهم، وأحسنوا، وقالوا: كثيراً طيباً، وليس عندي ما أولم، قال: يا بريدة، اجمعوا له شاة، قال: فجمعوا لي كبشا عظيما سمينا، فقال لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: اذهب إلى عائشة، فقل لها: فلتبعث بالمكتل الذي فيه الطعام، قال: فأتيتها، فقلت لها ما أمرني به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقالت: هذا المكتل فيه تسع آصع شعير، لا والله، إن أصبح لنا طعام غيره، خذه، فأخذته، فأتيت به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخبرته بما قالت عائشة، فقال: اذهب بهذا إليهم، فقل: ليصبح هذا عندكم خبزاً، فذهبت إليهم، وذهبت بالكبش، ومعي أناس من أسلم، فقال: ليصبح هذا عندكم خبزا، وهذا طبيخا، فقالوا: أما الخبز فسنكفيكموه، وأما الكبش فاكفونا أنتم، فأخذنا الكبش، أنا وأناس من أسلم، فذبحناه وسلخناه وطبخناه، فأصبح عندنا خبز ولحم، فأولمت، ودعوت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فَأَجَابَنِي ) رواه أحمد .

وفي موقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع ربيعة بن كعب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ الكثير من الفوائد، منها:

ـ اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأصحابه ـ لا سيما الفقراء منهم ـ، وحرصه عليهم، وتلمس احتياجاتهم، وشفقته بهم، وصدق الله ـ تعالى ـ في قوله عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة الآية: 128)، وفي ذلك تعليم للأمة على اهتمام المسؤول برعيته .
ـ معرفة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأحوال أصحابه واحتياجاتهم، وبما يصلح لهم دنياهم وآخرتهم، فقد قال لربيعة ـ رضي الله عنه ـ: ( يا ربيعةُ ألا تَزَوَّجُ؟ )، كما أن فيه رجاحة عقل ربيعة ـ رضي الله عنه ـ، وثقته ويقينه في حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ويظهر ذلك من قوله ـ رضي الله عنه ـ ( والله لرسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بما يصلحني في الدنيا والآخرة أعلم مني ) .
ـ سرعة استجابة أهل البنت لأمر النبي ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وفرحهم بذلك واعتبارهم له بركة وكرم، وقولهم: ( مرحبا برسول الله، وبرسول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والله، لا يرجع رسولُ رسولَ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلا بحاجته، فزوجوني وألطفوني )، وفي ذلك منقبة عظيمة من مناقب الأنصار تضاف إلى مناقبهم ـ رضي الله عنهم ـ الذين مدحهم الله ـ عز وجل ـ بقوله: { وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ }(الحشر الآية: 9) .
ـ استجابة الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ وتعاونهم في جمع المهر وإقامة ولية زواج ربيعة ـ رضي الله عنه ـ تعطي صورة المجتمع المسلم في المدينة المنورة، والذي قام على السمع والطاعة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والأخوة والإيثار والتكافل الاجتماعي .

لم يكن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعيش بعيداً عن أصحابه، بل كان يتفقدهم ويسأل عنهم، فما أن يفتقد أحدهم ويغيب عن مجلسه إلا ويسأل عنه، فإن كان مريضاً سارع إلى عيادته، وإن كان مسافراً خَلَفَه في أولاده، وإن كان في حاجة سارع إلى قضائها له، فكان مع أصحابه بمثابة الأب الحاني، والصاحب المعطاء، يفرح لفرحهم، ويحزن لحزنهم، ويشاركهم مشكلاتهم ويعينهم على حلها، ويقترح عليهم ما يصلح شأنهم، ويعلمهم ما ينفعهم، ولا يضجر من مساعتهم، وقد قال عنه صاحبه وزوج ابنتيه وخليفته عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ: " لقد صحبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير " .

إسلام ويب

Post: #1150
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 05:37 PM
Parent: #1149


بلغت رحمة النبي صلى الله عليه وسلم مبْلغاً عجيباً في الكمال والسعة، حيث شملت تلك الرحمة الناس جميعاً؛ الضعيف منهم والقوي، والعبد والسيد، والقريب والبعيد، والصاحب والعدو، بل امتدت شفقته ورحمته صلوات الله وسلامه عليه لتشمل الطير والحيوان، ولا عجب في ذلك فالذي أوجد وغرس في قلبه صلوات الله وسلامه عليه تلك الرحمة الشاملة هو ربه سبحانه الذي قال عنه: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ}(الأنبياء:107)، وقال: {فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ} (آل عمران:159)، {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة:128)، وقال هو عن نفسه صلى الله عليه وسلم: (أنا نبي الرحمة) رواه مسلم، وقال: (يا أيها الناس! إنما أنا رحمة مهداة) رواه الحاكم.

يقول ابن تيمية: "الرسول صلى الله عليه وسلم بعثه الله تعالى هدى ورحمة للعالمين؛ فإنه كما أرسله بالعلم والهدى والبراهين العقلية والسمعية، فإنه أرسله بالإحسان إلى الناس، والرحمة لهم بلا عوض، وبالصبر على أذاهم واحتماله".

وإذا كان الناس بوجه عام بحاجة إلى الرحمة والرعاية، فالأطفال بوجه خاص في حاجة إلى الكثير من الحب والرحمة والشفقة بهم، والمتأمل في سيرته ومواقفه صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان أرحم الناس بالأطفال، فعن أنس رضي الله عنه فال: (ما رأيتُ أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم.

فكان صلى الله عليه وسلم مع الأطفال أباً حنوناً، شفوقاً رحيماً، يداعب ويلاعب، وينصح ويربي، ومن ثم صنع من الأطفال والصغار رجالاً، وأنشأ منهم جيلاً مثاليًّا في إيمانه وأخلاقه ومعاملاته، ولمعت على يديه أسماء كثير من الأطفال الأبطال، كان لهم تأثيرهم الواضح في المجتمع الإسلامي الأول، مثل: عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل ومعاذ بن عفراء ومعاذ بن عمرو بن الجموح وسمرة بن جندب وغيرهم رضوان الله عليهم، الذين كانوا على مر السنين نماذج مثالية لأطفال المسلمين، بل لكبارهم.

وقد تجلّت رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم بالأطفال في كثيرٍ من المظاهر والمواقف، ومنها:

ما رواه عبد الله بن شداد عن أبيه قال: (خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل الحسن أو الحسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه، ثم كبر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهري صلاته سجدة أطالها، قال: إني رفعت رأسي فإذا الصبي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت في سجودي، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة، قال الناس يا رسول الله! إنك سجدت بين ظهري الصلاة سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، أو أنه يوحى إليك، قال: كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلني (ركب على ظهري) فكرهت أن أعجله، حتى يقضي حاجته) رواه أحمد.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج النبي صلى الله عليه وسلم في طائفة النهار لا يكلمني ولا أكلمه، حتى أتى سوق بني قينقاع، فجلس بفناء بيت فاطمة، فقال: أثم لكع، أثم لكع (أين الحسن)؟! فحبسته شيئا (أخرته) فظننت أنها تلبسه سخاباً (قلادة) أو تغسله، فجاء يشتد، حتى عانقه وقبَّله، وقال: اللهم أحبه، وأحب من يحبه) رواه البخاري، وهكذا كان من حبه ورحمته صلى الله عليه وسلم بحفيده أنه كان يأخذ من وقته ليذهب إليه ويتعهده ويقبِّله، ويضعه في حجره ويدعو له.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (جاء أعرابيٌّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيان؟ فما نُقَبِّلُهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمةَ) رواه البخاري. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (قبّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسن بن عليّ وعنده الأقرع بن حابس التّميميّ جالساً، فقال الأقرع: إنّ لي عشرة من الولد، ما قبّلت منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمّ قال: من لا يَرْحم لا يُرْحم) رواه البخاري.

قال ابن عثيمين: "ففي هذا دليلٌ على أنه ينبغي للإنسان أن يستعمل الرحمة في معاملة الصغار ونحوهم، وأنه ينبغي للإنسان أن يُقَبِّل أبناءه، وأبناء بناته، وأبناء أبنائه، يقبلهم رحمة بهم، واقتداءً برسول الله صلى الله عليه وسلم، أمَّا ما يفعله بعض الناس من الجفاء والغلظة بالنسبة للصبيان، فتجده لا يُمَكِّن صبيه من أن يحضر مجلسه، وإذا رآه عند الرجال انتهره، فهذا خلاف السنة وخلاف الرحمة".

وفي موقف النبي صلى الله عليه وسلم مع الأقرع بن حابس التّميميّ فوائد كثيرة، منها:

ـ عظيم شفقة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال، ومن مظاهر تلك الشفقة قيامه صلى الله عليه وسلم بتقبيل حفيده الصغير الحسن بن علي رضي الله عنه، قال ابن بطال: "رحمة الولد الصغير ومعانقته وتقبيله والرفق به من الأعمال التى يرضاها الله ويجازي عليها، ألا ترى قوله عليه السلام للأقرع بن حابس حين ذكر عند النبى أن له عشرة من الولد ما قبَّل منهم أحدًا: (من لا يَرْحم لا يُرْحَم) فدلَّ على أن تقبيل الولد الصغير وحمله والتحفي به مما يستحق به العبد رحمة الله".

- إنكار النبي صلى الله عليه وسلم على الأقرع بن حابس التميمي رضي الله عنه، حيث إنه لم يقبل أحداً من أولاده العشرة، بقوله: (من لا يَرْحَم لا يُرْحَم).

- تهديد النبي صلى الله عليه وسلم وتخويفه لكل من لا يرحم الأطفال بأنه لا يُرحم، ولم يقيد النبي صلى الله عليه وسلم عدم الرحمة بأناس معينين لتعم الفائدة؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (من لا يَرْحَم لا يُرْحَم)، وإن كان هذا الموقف النبوي خاص برحمة الوالد ولده، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، قال النووي: "قال العلماء هذا عام يتناول رحمة الأطفال وغيرهم".

- وجوب شمول الأطفال بكل أنواع الرحمة، فالأمر لا يقتصر على التقبيل وحده؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وسَّع نطاق الرحمة ليشمل كل أنواعها ومظاهرها، وإن كان مورد الحديث أصلاً على التقبيل، فعلى الوالدين بذل كل عمل يكون من شأنه إظهار الحب والرحمة والشفقة بالأطفال والصغار، من الاهتمام بهم وملاعبتهم وإدخال السرور عليهم، وحملهم إذا تطلب الأمر ولو في الصلاة. روى أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: (كان لي أخ يقال له: أبو عمير، كان إذا جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا أبا عمير! ما فعل النُغير) رواه البخاري. (النغير: طائر صغير). وعن أبي قتادة الأنصاري رضي الله عنه (أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصليّ وهو حامل أُمَامَة بنت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس، فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها) رواه البخاري.

قال ابن بطال: "ألا ترى حمل النبى عليه السلام أُمَامَة ابنة أبى العاص على عنقه فى الصلاة، والصلاة أفضل الأعمال عند الله، وقد أمر عليه السلام بلزوم الخشوع فيها والإقبال عليها، ولم يكن حمله لها مما يضاد الخشوع المأمور به فيها، وكره أن يشق عليها لو تركها ولم يحملها فى الصلاة، وفي فعله عليه السلام ذلك أعظم الأسوة لنا، فينبغى الاقتداء به في رحمته صغار الولد وكبارهم والرفق بهم".

ـ من فوائد هذا الموقف النبوي: الجزاء من جنس العمل، فمن لا يَرْحَم لا يُرْحَم، وكذلك بيان ما أوتيه النبي صلى الله عليه وسلم من جوامع الكلم، حيث كل المعاني السابقة وغيرها مستنبط من جملة صغيرة، ومع تكرار الفعل مرتين فيها، أحدهما بالبناء للمعلوم والآخر بالبناء للمجهول (مَنْ لا يَرْحم لا يُرْحَم)، لا تشعر الأذن بسماعه أي تكلف أو نكارة، بل تشعر فيه بقوة البلاغة؛ لأن الله عز وجل أعطاه صلى الله عليه وسلم جوامع الكلم، فكان يتكلم بالقول الموجز القليل، الكثير المعاني، روى أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (فُضِلتُ على الأنبياء بست: أُعطيت جوامع الكلم، ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طهوراً ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون) رواه مسلم.

في حياة النبي صلى الله عليه وسلم الكثير من المواقف التربوية التي تحتاج إلى وقفات من المعنيين بشأن التربية لاستخراج فوائدها والاقتداء بها، والتعامل من خلالها مع أطفالنا الذي هم رجال الغد والمستقبل، ومن يتأمل السيرة النبوية يعلم إلى أي مدى كان اهتمام نبينا صلوات الله وسلامه عليه بالأطفال وتنشئتهم النشأة الصالحة، التي من أهم سماتها الحب والشفقة والرحمة، فهو القائل صلى الله عليه وسلم: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) رواه الترمذي.
إسلام ويب

Post: #1151
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 10:08 PM
Parent: #1150


اشتهر عند بعض الناس أن نبينا صلى الله عليه وسلم له معجزة واحدة، وهي القرآن الكريم، ويستدلون بما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثلُه آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيتُ وحياً أوحاه الله إليّ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة). وهذا الحديث لا يدل على نفي المعجزات الحسية الكثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم، ولكن يدل على المنزلة العظيمة لمعجزة القرآن الكريم، المحفوظ بحفظ الله له، الذي يستمر انتفاع الناس به إلى قيام الساعة، قال ابن حجر في قوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما كان الذي أوتيتُ وحيا أوحاه الله إليّ): "أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها الوحي الذي أُنزل عليَّ وهو القرآن، لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره؛ لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به، لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه".

وقد غفل البعض عن المعجزات الحسية الكثيرة والصحيحة للنبي صلى الله عليه وسلم التي أثبتها وسجلها العلماء في كتب السيرة والسنة النبوية، مثل نبع الماء بين أصابعه الشريفة، وانشقاق القمر، وحنين الجذع له، وتسليم الحجر عليه، وانقياد الشجر إليه، وتسبيح الحصى بين يديه...قال ابن تيمية: "ومعجزاته صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف معجزة، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات".

ومن هذه المعجزات الصحيحة والثابتة التي أكرم الله عز وجل بها نبينا صلى الله عليه وسلم تأييداً له، وإظهاراً لقدْره، ودلالة على صدقه ونبوته، شهادة الذئب له بالنبوة، والتي ينبغي تصديقها وقبولها، وإن خالفت عقول البشر. نعم، نطق الذئب وتكلم، وشهد بنبوة نبينا صلى الله عليه وسلم، بل ودعا الناس إلى الإيمان به...وقصة شهادة الذئب للنبي صلى الله عليه وسلم وردت من رواية أبي سعيد الخدري ومن رواية أبي هريرة رضي الله عنهما، وقد أخرجهما الإمام أحمد في مسنده، وذكرها ابن كثير في البداية والنهاية، والبيهقى فى دلائل النبوة، وابن حبان في صحيحه، والترمذي في سننه، والحاكم في مستدركه، وصححها الألباني في السلسلة الصحيحة.

تقول الرواية فيما فيما رواه أبو سعيد الخدريّ رضي الله عنه قال: (عدا الذئب على شاةٍ فأخذها، فطلبه الراعي، فانتزعها منه، فأقعَى (جلس مفترشاً رجليه) الذئب على ذَنَبِه، وقال: ألا تتقي الله؟ تنزع مني رزقًا ساقه الله إليَّ؟ فقال: يا عجبي! مُقْعٍ على ذَنَبِه يكلمني بكلام الإنس؟ فقال الذئبُ: ألا أخبرك بأعجب من ذلك؟: محمدٌ صلى الله عليه وسلم بيثرب يخبر الناس بأنباء ما قد سبق، قال: فأقبل الراعي يسوقُ غنمه حتى دخل المدينة، فزواها إلى زاوية من زواياها، ثم أتى رسول الله فأخبره، فأمر رسول الله فنودي: الصلاة جامعة، ثم خرج، فقال للراعي: أخبرهم، فأخبرهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق، والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، ويكلم الرَّجُلَ عَذَبَةُ (طرف) سَوْطِه وشِرَاكُ (سير) نعْلِه، ويخبره فخِذه بما أحدث أهلهُ بعده) رواه أحمد وصححه الألباني.

وفي رواية أبي هريرة رضي الله عنه عندما كلم الذئب راعي الغنم، فقال الرجل: (تالله إنْ رأيتُ كاليوم ذئباً يتكلم، قال الذئب: أعجب من هذا رجل في النخلات بين الحرتين (المدينة) يخبركم بما مضى وبما هو كائن بعدكم، وكان الرجل يهوديًّا، فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم وخبَّرَه، فصدقه النبي صلى الله عليه وسلم) رواه أحمد.

وفي قصة شهادة الذئب للنبي صلى الله عليه وسلم: إخباره صلوات الله وسلامه عليه عن أمور متعلقة بأشراط وعلامات الساعة، وذلك بقوله: (والذي نفس محمد بيده لا تقوم الساعة حتى تكلِّم السِّبَاعُ الْإِنْسَ، وَيُكلم الرَّجُلَ عَذَبَةُ (طرف) سَوْطِه وشراك (سير) نَعْلِه، ويخبره فَخذه بما أحدث أهله بعده)، فقد أقسم النبي صلى الله عليه وسلم للتأكيد على ما سيُخْبِر به ـوهو الصادق وإن لم يُقْسمـ أن الساعة لن تقوم حتى تقع هذه الأمور: الأول: أن تكلم السباع ـأي سباع الوحش كالأسدـ الناس كما يكلم بعضهم بعضاً. الثاني: أن تكلم عذبة السوط صاحبها، وعذبة السوط طرفه التي في رأسه، فتكلم صاحبها بكلام يفهمه. الثالث: أن فخذ الإنسان نفسه يكلمه فيخبره بما فعل أهله في غيبته.. وهذه الثلاث من خوارق العادات، فهذه الأمور لا تتكلم في الأصل، ولكن عند اقتراب الساعة تتغير بعض نواميس الكون إيذاناً بقرب انتهائه، فيُنطق الله تعالى الذي أنطق كل شيء هذه الأشياء، ولله الأمر من قبل ومن بعد.

هل سمع أحدٌ أنَّ حيواناً شهد لإنسان بصدقه ونبوته؟ أو دلّ عليه، وأرشد إليه؟ هذا هو ما حدث من الذئب مع نبينا صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنها آية كريمة ومعجزة عظيمة، ضمن دلائل ومعجزات كثيرة وصحيحة، أكرم الله عز وجل بها نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم، وجعلها شاهدة على صدقه، ودليلاً من دلائل نبوته. قال ابن القيم ـ بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام ـ: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين مع بُعْدِ العهد، وتشتت شمل أمتيهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة مَنْ معجزاته وآياته تزيد على الألف، والعهد بها قريب، وناقلوها أصدق الخلق وأبرهم، ونقلها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن".
إسلام ويب

Post: #1152
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 10:10 PM
Parent: #1151


لم يمنع زهد النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وشدة خوفه من الله عز وجل، وكثرة عبادته، من دوام بشره، وطلاقة وجهه، وملاطفته لأهله وأصحابه، فكانت معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله وأصحابه والناس كافة أكمل معاملة وأحسنها، كما شهدت بذلك كتب السيرة والأحاديث النبوية، والأمثلة على ذلك كثيرة، منها:

خيركم خيركم لأهله:

الناظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يجد أنه كان يحسن معاشرة ومعاملة أهله، ويُولِيهم عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان مع زوجاته حنوناً ودوداً، تجلّت فيه العواطف في أرقى معانيها، والمشاعر في أسمى مظاهرها، فكان يُكرم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، ولا يعنِّف ويَجْرَح، روى أنس رضي الله عنه قال: (ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً قط بيده، ولا امرأة ولا خادماً، إلا أن يجاهد في سبيل الله) رواه مسلم. بل وجعل صلى الله عليه وسلم حسن معاملة وعشرة الزوجة معياراً من معايير خيرية الرجال، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي.

ومن هديه صلى الله عليه وسلم في حسن معاملته لأهله (زوجته) النَّظَر إلى الجوانب الحَسَنَة فيها وهي كثيرة، والتغاضي عن عيوبها، فلا تخلو الزوجة من جوانب طيبة متعدِّدة، سواء ما يتعلَّق بالجانب الظاهري الشكلي أمِ الديني والأخلاقي، ولذا قال صلى الله عليه وسلم: (لا يَفْرك (يبغض) مؤمن مؤمنة، إن كَرِه منها خُلُقًا رضيَ منها آخر) رواه مسلم. قال الشيخ ابن عثيمين: "يعني لا يعادي المؤمن المؤمنة كزوجته مثلاً، لا يعاديها ويبغضها إذا رأى منها ما يكرهه من الأخلاق؛ وذلك لأن الإنسان يجب عليه القيام بالعدل، وأن يراعي المعامل له بما تقتضيه حاله، والعدل أن يوازن بين السيئات والحسنات، وينظر أيهما أكثر وأيهما أعظم وقعاً، فيغلب ما كان أكثر وما كان أشد تأثيراً، هذا هو العدل".

ومن حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لزوجته: مواساتها والتخفيف عنها حين حزنها وبكائها، ورقيتها حين مرضها، فعن أم المؤمنين صفية بنت حىّ رضي الله عنها: (أن النبي صلّى اللَّه عليه وسلم حج بنسائه، حتى إذا كان في بعض الطريق، نزل رجل فساق بهن فأسرع، فقال النبي صلى اللَّه عليه وسلم: (كذاك سوقك بالقوارير(النساء)، فبينما هم يسيرون، برك بصفية بنت حيي جملُها ـوكانت من أحسنهن مركباًـ فبكت، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أُخْبِرَ بذلك فجعل يمسح دُمُوعَهَا بيده) رواه النسائي. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم اذا مرض أحدٌ من أهله نفثَ عليهِ بالمعوِّذات) رواه مسلم، وفي رواية الطبراني: (من أهل بيته).

ومِن حسن معاملته صلى الله عليه وسلم لأهله مَدْحُهنَّ، والثناء عليهنَّ، وبيان فضلهنَّ، وما لهنَّ من مزايا، فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كَمُل منَ الرِّجال كثيرٌ، ولم يكملْ منَ النساء إلاَّ آسية امرأة فرعون، ومريم بنت عمران، وإن فضل عائشة على النساء، كفضلِ الثريد على سائر الطعام) رواه البخاري. وكان صلى الله عليه وسلم يستمع لهن، وربما يعاتِبْنَهُ، ويردِّدن القول عليه، ويقابل ذلك بالصبر والإحسان، روى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (كنا معشر قريش نغلب النساء، فلمَّا قدمنا على الأنصار، إذا هم قوم تغلبهم نساؤهم، فطَفِق نساؤنا يأخذْنَ مِن أدب نساء الأنصار، فصحتُ على امرأتي فراجعتني، فأنكرت أن تراجِعَنِي، فقالتْ: ولِمَ تُنكر أن أراجعكَ؟، فوالله، إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ليُرَاجِعنه، وإن إحداهنَّ لتهجره اليوم حتى الليل) رواه البخاري.

ومِن جميل معاملته وعشرته صلى الله عليه وسلم لأزواجه، حفظه لودَّهُنَّ، واعترافه بِجَمِيلهنَّ حتى بعد وفاتهنَّ، وكذلك حُسن معاملة أهل الزوجة والمقربين منها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (ما غِرْت على نساء النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ على خديجة، وإني لم أدركْها، قالت: وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ذَبَحَ الشاة يقول: أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة)، وكان صلى الله عليه وسلم يقول عنها: (إنها كانتْ وكانتْ، وكان لي منها ولد) رواه البخاري.

ومن لطيف معاملته صلى الله عليه وسلم لزوجته أنه كان يشرب من موضع شربها، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كنتُ أشربُ وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيَضَعُ فاه على موضِعِ فيَّ فيشرب، وأَتَعَرَّقُ العَرَقَ (تأكل من العظم الذي عليه لحم)وأنا حائضٌ، ثم أُنَاوِلُه النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيَضَعُ فاه على مَوضِعِ فيَّ) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تنفق نفقة الا أجرت عليها حتى اللقمة ترفعها إلى فِّيّ امرأتك) رواه البخاري. قال ابن كثير: "وكان من أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه جميل العشرة، دائم البِشر، يداعب أهله، ويتلطف بهم، ويوسعهم نفقة، ويضاحك نساءه".

لقد كان نبينا صلى الله عليه وسلم مع أهله الزوج الحبيب، والموجِّه الناصِح، والجليس المؤانِس، يمازحهن ويداعبهن، ويواسيهنَّ ويمسح دموعهن بيده، ولا يؤذيهنَّ بلسانه أو بيده، يتحمَّل منهنَّ كما يتحمل أحدنا من أهله، وما ضرب بيده امرأةً قط، وكان يوصي أصحابه بزوجاتهم خيراً، فعن عمرو بن الأحوص الجشمي ـ رضي الله عنه ـ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع يقول: (ألا واستوصوا بالنساء خيراً، فإنما هن عوانٌ عندكم) رواه الترمذي، (العوان: الأسير).

مع أصحابه:

في معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حُسن الخُلق واللين والحُب ما لا يخفي، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159)، فكان صلى الله عليه وسلم يتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويمازحهم ويداعبهم، ويشفق عليهم ويقضي حوائجهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، حتى يظن جليسه أنه ليس أحدٌ أكرم منه، وكان لا يواجه أحداً منهم بما يكره. روى أنس رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسع الناس صدراً، وألينهم عريكة، وأكرمهم عشيرة، وكان يمازح أصحابه، ويخالطهم ويحادثهم، ويداعب صبيانهم، ويجلسهم في حجره، ويجيب دعوة الحرّ والعبد، والأمة والمسكين، ويعود المرضى في أقصى المدينة". وعن أنس رضي الله عنه أيضاً قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزور الأنصار، فيسلم على صبيانهم، ويمسح برؤوسهم، ويدعو لهم".

وعن سهل بن حنيف رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي ضعفاء المسلمين ويزورهم، ويعود مرضاهم، ويشهد جنائزهم". وعن عبد الله بن الحارث رضي الله عنه قال: "ما رأيت أكثر تبسّما من رسول الله صلى الله عليه وسلم". وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: "جالست رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من مائة مرّة، فكان أصحابه يتناشدون الشعر، ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهليّة، وهو ساكت وربّما تبسّم معهم". وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إني لا أقول إلا حقاً) قال بعض أصحابه: فإنك تداعبنا يا رسول الله؟!، فقال: (إني لا أقول إلا حقا) رواه أحمد.

ومن جميل وحسن معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه مشاركته آلامهم وآمالهم، وشعوره بأحزانهم، والتخفيف عنهم، وتحويل ألمهم أملاً، ومحنتهم منحة، فعن أنس رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى الخندق، فإذا المهاجرون والأنصار يحفرون في غداة باردة، فلما رأى ما بهم من النَصَب والجوع قال: (اللهم إن العيش عيش الآخرة، فاغفر للأنصار والمهاجرة). فقالوا مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما بقينا أبدا) رواه البخاري. وقال قرة بن إياس رضي الله عنه: (كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس يجلس إليه نفر من أصحابه، وفيهم رجل له ابن صغير، يأتيه من خلف ظهره، فيقعده بين يديه، فمات، فامتنع الرجل أن يحضر الحلقة، لذكر ابنه، فحزن عليه، ففقده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: (ما لي لا أرى فلانا؟)، قالوا: يا رسول الله! بنيه الذي رأيته مات، فلقيه النبي صلى الله عليه وسلم، فسأله عن بنيه، فأخبره أنه مات، فعزاه عليه، ثم قال: (يا فلان! أيما كان أحب إليك: أن تمتع به عمرك، أو لا تأتي غداً إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدته قد سبقك إليه يفتحه لك؟)، قال: يا نبي الله! بل يسبقني إلى باب الجنة، فيفتحها لي لهو أحب إليَّ، قال: (فذاك لك)، فقالوا: يا رسول الله! أله خاصة، أم لكلنا؟ قال: (بل لكلكم) رواه النسائي وصححه الألباني.

لقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أروع الأمثلة في حسن عشرته ومعاملته لأهله وأصحابه، وسَمَتْ معاملاته معهم سموًّا لا يدانيه فيه أَحد، فكان صلوات الله وسلامه عليه القدوة الحسنة لنا في ذلك. فما أحوجنا إلى أن نتأسى بهديه صلى الله عليه وسلم، وأن نحول هديه وخلقه وتعامله مع أهله وأصحابه والناس عامة إلى سلوك عملي، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا} (الأحزاب:21).
إسلام ويب

Post: #1153
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 10:12 PM
Parent: #1152


حسبي الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين أُلْقِيَ فى النار، وقالها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عندما قيل له بعد غزوة أحد أن قريشاً ومَنْ معها قد أجمعوا على الرجوع إلى المدينة المنورة واستئصال وإبادة المسلمين، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنه قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلْقِيَ في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173)) رواه البخاري.

لما انصرف المشركون من غزوة أُحُد وأصابوا من المسلمين ما أصابوا لحكمة يريدها الله عز وجل، قال المسلمون في هَمّ وحيرة: "أنَّى هذا ؟!"، وقد قال الله تعالى عن ذلك: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عمران:165). قال ابن كثير: " {قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} أي: من أين جرى علينا هذا؟ {قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} أي: بسبب عصيانكم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أمركم أن لا تبرحوا من مكانكم فعصيتم، يعني بذلك الرماة، {إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي: ويفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، لا معقب لحكمه".
أحسَّ النبي صلى الله عليه وسلم بما يقاسيه ويعانيه أصحابه من مرارة وحُزن بعد أحد، وخشي أن يعود جيش المشركين لغزو المدينة، فقرر ـ رغم ما به هو وأصحابه من آلام وجراح ـ، أن يقوم بعملية مطاردة للمشركين، وكان ذلك صباح اليوم التالي من معركة أحد في شهر شوال من السنة الثالثة من الهجرة النبوية، قال ابن إسحاق: "كان أحُد يوم السبت للنصف من شوال، فلما كان الغد يوم الأحد سادس عشر من شوال: أذّن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس بطلب العدو، وأن لا يخرج معنا إلا من حضر بالأمس، فاستأذنه جابر بن عبد الله في الخروج معه فأذن له، وإنما خرج مرهباً للعدو، وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم". وعن عائشة رضي الله عنها أنها: (قرأت قول الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (آل عمران: 172)، فقالت لعروة ابن أختها: يا ابن أختي كان أبوك منهم الزبير وأبو بكر، لما أصاب الرسول صلى الله عليه وسلم ما أصاب يوم أحد فانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا، فانتدب منهم سبعين رجلاً كان فيهم الزبير وأبو بكر) رواه البخاري.

سار النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه حتى بلغوا حمراء الأسد، على بعد ثمانية أميال من المدينة المنورة، فعسكروا هناك وأقاموا فيها ثلاثة أيام، فلم يتشجع المشركون على لقائه، غير أن أبا سفيان حاول أن يشن حرب نفسية ضد المسلمين، فقد مر به رَكْبٌ من عبد القيس يريد المدينة، فقال لهم: هل أنتم مُبلغون عني محمداً رسالة، وأوقر لكم راحلتكم هذه زبيباً بعكاظ إذا أتيتم إلى مكة؟ قالوا: نعم، قال: فأبلغوا محمداً أنّا قد أجمعنا الكَرَّة (الرجعة) لنستأصله ونستأصل أصحابه. فمر هذا الركب بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو بحمراء الأسد فأخبروه بالذي قال أبو سفيان، فقال صلى الله عليه وسلم هو والمسلمون: (حسبنا الله ونعم الوكيل)، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عن قاله: (حسبنا الله ونعم الوكيل، قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران: 173)) رواه البخاري، واستمر المسلمون في معسكرهم، فخاف أبو سفيان ومن معه وآثروا السلامة ورجعوا إلى مكة.

إن خروج النبي صلى الله عليه وسلم بجيشٍ مُتْعَبٍ مُثقل بالآلام والجراح، وقولهم أمام تهديد وتخويف عدوهم لهم: "حسبنا الله ونعم الوكيل"، هو خير رسالة لأعدائه بأن المسلمين لا زالوا أعزّة قادرين على المواجهة، فلا يمكن أن يعوقهم أو يوقفهم عن مواصلة الجهاد في سبيل الله شيء، فأزال النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ما حدث لأصحابه في أُحُد، ورجعوا إلى المدينة المنورة أعزة مرفوعي الرأس، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في قول الله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ * الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ * إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران:172: 175). قال القرطبي: "{وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} أي: كافينا الله"، وقال السعدي في تفسيره لهذه الآيات: "لما رجع النبي صلى الله عليه وسلم من أحد إلى المدينة، وسمع أن أبا سفيان ومن معه من المشركين قد هموا بالرجوع إلى المدينة، ندب أصحابه إلى الخروج، فخرجوا ـ على ما بهم من الجراح ـ استجابة لله ولرسوله، وطاعة لله ولرسوله، فوصلوا إلى حمراء الأسد، وجاءهم من جاءهم وقال لهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} وهمّوا باستئصالكم، تخويفاً لهم وترهيباً، فلم يزدهم ذلك إلا إيماناً بالله واتكالاً عليه، {وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ} أي: كافينا كل ما أهمَّنا {وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} المفوَّض إليه تدبير عباده، والقائم بمصالحهم".

لا شك أن قولنا: "حسبنا الله ونعم الوكيل" له عظيم النفع وبالغ الأثر في كشف الضر والبلاء، لما فيه من اعتصام بالله عز وجل، وركون إليه، وتفويض الأمر له، وإظهار التوكل عليه سبحانه، وهو دعاء يناسب كل موقف يصيب المسلم فيه هَمٌّ أو فزع أو خوف، أو شدة أو كرب أو مصيبة، فيكون لسان حاله ومقاله الالتجاء إلى الله، والاكتفاء بحمايته وجنابه العظيم عن الخلق أجمعين، ولذلك بوّب النسائي على هذا الدعاء: "حسبنا الله ونعم الوكيل" بقوله: "مَا يَقُول إذا خَافَ قوماً"، وذكره ابن القيم في كتابه "الوابل الصيب" في فصل: "الذكر عند لقاء العدو ومن يخاف سلطاناً وغيره"، وقال ابن عثيمين:"(حَسْبُنَا) أي: كافينا في مهماتنا وملماتنا، (وَنِعْمَ الوكيل) إنه نعم الكافي جلَّ وعلا، فإنه نعم المولى ونعم النصير".. وقد قاله إبراهيم الخليل عليه السلام حين أُلْقِيَ في النار، فصَرَف الله عنه شَـرّ ألأشرار، وكفاه حَـرّ النار، وجعلها برداً وسلاماً عليه، قال الله تعالى: {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ} (الأنبياء:69)، وقاله محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام بعد غزوة أحد حين قيل لهم: {إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (آل عمران:173)، فحفظهم الله عز وجل ورجعوا بعافية وفضل من ربهم، لم يمسسهم مكروه من عدوّهم ولا أذى، قال الله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللهِ وَاللهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ} (آل عمران: 174).
إسلام ويب

Post: #1154
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 10:17 PM
Parent: #1153

تجمع السيرة النبوية عدة مزايا تجعل دراستها ضرورية لعلماء الشريعة والدعاة إلى الله والمهتمين بالإصلاح والتربية؛ إذ هي منهج متميز, وعِبَر متجددة, ومادة علمية تربوية ذات أهداف اعتقادية وأخلاقية وتشريعية؛ لأنها سيرة الرسول الأسوة، والإمام القدوة صلى الله عليه وسلم، الذي لا يصح عمل ولا عبادة إلا باتباعه، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21)، وقال: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)، وقال: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور:54).
ومن أهم هذه المزايا والسمات للسيرة النبوية الشمول والوضوح، فقد ثبتت تفاصيل سيرته وحياته صلى الله عليه وسلم بصورة شاملة وواضحة في جميع مراحلها، منذ زواج أبيه عبد الله بأمه آمنة بنت وهب، إلى ولادته صلى الله عليه وسلم وطفولته وشبابه، ثم إلى بعثته ودعوته وهجرته، وكل ما مر به قبلها وبعدها، إلى يوم ولحظة وفاته صلوات الله وسلامه عليه، فكل من أراد أن يعرف تفاصيل حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستطيع ذلك بيسر ومن مصادر صحيحة متعددة وثابتة؛ لأن المسلمين الأوائل اهتموا بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم وسننه ومغازيه من قبل أن تُدوَّن الأحاديث تدويناً عاماً في آخر القرن الأول الهجري، إذ كانوا يحفظونها كما يحفظون السورة من القرآن، ويتواصون بتعلمها وتعليمها لأبنائهم ، فكان علي بن الحسين رضي الله عنه يقول: "كنا نُعلَّم مغازي النبي صلى الله عليه وسلم كما نعلم السورة من القرآن".
وقد توفر لسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحفظ والصون ما لم يتهيأ لبشر من قبله، ولن يتوفر لكائنٍ منْ كان مِن بعده، ما يجعلنا على يقين تام بصحة هذه السيرة، وأنها سيرة النبي الخاتم محمد بن عبد الله ـصلى الله عليه وسلم، إذ لم تُعْنَ أمةٌ من الأمم في القديمِ والحديث بآثار نبيِّها وحياته وكل ما يتصل به مثل ما عنيت الأمة الإسلامية بسيرة نبيها صلى الله عليه وسلم، والتي كانِ من آثارها هذه الثروة من الكتب المؤلفة والصحيحة في مولده وسيرته، وحياته وشمائله، وفضائله وخصوصياته، ومعجزاته وأخلاقه وآدابه، وأزواجه ونسبه، وخدمه ومرضعاته وحاضناته، وسراياه وغزواته...إلى غير ذلك، ما يدل على غاية الحب والعناية بآثاره، والدقة في تدوين كل شىء عن حياته وسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وعلاوة على وضوح سيرته صلى الله عليه وسلم، فهي تتسم أيضاً بشمولها لكل النواحي الإنسانية في الإنسان؛ فهي توضح للمسلم حياة نبيه صلى الله عليه وسلم بدقائقها وتفاصيلها، منذ ولادته وحتى موته، مروراً بطفولته وشبابه ودعوته، وجهاده وصبره وانتصاره على عدوه، وكيف كان زوجاً وأًباً، وقائداً ومحارباً، ومربياً وداعية، وزاهدًا وقاضياً، فكل مسلم يجد بغيته فيها...فهي تحكي لنا سيرة محمد صلى الله عليه وسلم الشاب العفيف المستقيم، الصادق الأمين من قبل أن يكرمه الله بالرسالة، فقد عُرِفَ النبي صلى الله عليه وسلم في قومه قبل بعثته بخلال عذبة، وأخلاق فاضلة، وشمائل كريمة، فكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خُلقاً، وأصدقهم حديثاً، وأعفهم نفساً، وأوفاهم عهداً، وأشهرهم أمانة حتى سماه قومه: "الصادق الأمين"، فكانت قريش إذا ذهب أو جاء يقولون: جاء الأمين، وذهب الأمين، ويدل على ذلك قصة الحجر الأسود عند بناء الكعبة المشرفة بعدما تنازعت قريش في استحقاق شرف رفعه ووضعه في محله، حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل المسجد الحرام، فكان محمد صلى الله عليه وسلم هو أول من دخل عليهم، فلما رأوه قالوا: "هذا الأمين، رضينا، هذا محمد".
كما تحكي لنا سيرته صلى الله عليه وسلم الداعي إلى الله، المتلمس أحسن السبل والوسائل لقبول دعوته، الباذل منتهى طاقته وجهده في إبلاغ رسالته، ومعلوم أن هديه صلى الله عليه وسلم هو الميزان الذي توزن به الأعمال، فما كان منها موافقاً لهديه فهو المقبول، وما كان مخالفاً لهديه فهو مردود، يقول سفيان بن عيينة: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل".
وفي السيرة النبوية المنهج الصحيح والأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله عز وجل، من حيث طريقته صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وآدابه، وتواضعه مع المدعوين ورفقه بهم، وأساليب الدعوة ومراحلها، والوسائل المناسبة لكل مرحلة منها، ويستشعر الجهد العظيم الذي بذله رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل إعلاء كلمة الله، والصبر والثبات أمام المحن والابتلاءات، وكيفية التصرف أمام العوائق والعقبات، وما هو الموقف الصحيح أمام الشدائد والفتن...إلى غير ذلك من الأمور التي هي من مقومات الدعوة إلى الله، وقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} (يوسف :108).
قال ابن القيم: "فلا يكون الرجل من أتباعه حقاً حتى يدعو إلى ما دعا إليه، ويكون على بصيرة".
كما تروي لنا سيرته صلى الله عليه وسلم سيرة الرسول الزوج والأب في حنو العاطفة، وحسن المعاملة للزوجة والأولاد، فلم يمنعه زهده صلى الله عليه وسلم في الدنيا، وشدة خوفه من الله عز وجل، وكثرة عبادته، وعظم مسئولياته عن دوام بِشْرِهِ وطلاقة وجهه وملاطفته لأهله وأولاده، فكان يُولِيهم عناية فائقة ومحبَّة لائقة، فكان مع زوجاته حنوناً ودوداً، تجلّت فيه عواطف الأبوة في أرقى معانيها، ومشاعر الرحمة في أسمى مظاهرها، فكان يُكرم ولا يهين، يُوجِّه وينصح، ولا يعنِّف ويَجْرَح، ومع أولاده كان أباً حنوناً رحيماً، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) رواه الترمذي.
كما تعلمنا سيرته صلى الله عليه وسلم سيرة الرسول الصاحب، الذي يحب أصحابه ويحسن إليهم، ويتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم، ويمازحهم ويداعبهم، ويشفق عليهم ويقضي حوائجهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويعطى كلَّ مَنْ جالسه نصيبه من العناية والاهتمام، ويشاركهم آلامهم وآمالهم، ويشعر بأحزانهم ويخففها عنهم، ويحول ألمهم أملا، ومحنتهم منحة...ما جعل أصحابه رضوان الله عليهم يحبونه كحبهم لأنفسهم، وأكثر من حبهم لأهليهم وأولادهم وأقربائهم، حتى قال أبو سفيان رضي الله عنه قبل إسلامه: "ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً".
ففي معاملته صلى الله عليه وسلم لأصحابه من حُسن الخُلق واللين والحُب ما لا يخفي، قال الله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ القَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُتَوَكِّلِينَ} (آل عمران:159).
كما يتعلم المربي من سيرته صلى الله عليه وسلم دروساً نبوية في التربية من خلال مواقفه مع أصحابه الذين رباهم، فأخرج منهم جيلاً قرآنيًّا فريداً، وجعل منهم أمة هي خير أمة أخرجت للناس، وأقام بهم دولة نشرت العدل في مشارق الأرض ومغاربها، فالمتأمل في حياته وسيرته صلى الله عليه وسلم يعجب من فقهه في معاملة النفوس، وحكمته في تربيتها وإصلاح أخطائها، وعلاج ما بها من خلل، وتصحيح ما يظهر منها من انحراف في القول أو السلوك أو الاعتقاد، ولو أن االدعاة والمربين اقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبمواقفه التربوية مع أصحابه، وما فيها من حلم ورفق، ونصح وحكمة، لأثروا فيمن يعلمونهم تأثيراً يجعلهم يستجيبوا لتنفيذ أمر الله وهدي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
كما يجد الحاكم والقائد في السيرة النبوية زاده وقدوته في أصول القيادة والسياسة، وإقامة العدل بين الرعية، فرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، فما ظلم أحداً، ولا حابى أحداً، ولا جار في حكم أبداً، ومن أخلاقه وصفاته التي عُرِف بها العدل في الرضا والغضب، فكان مثالاً للعدل مع أهله وأولاده وأصحابه، ووسع عدله القريب والبعيد، والصديق والعدو، والمؤمن والكافر، وقل مثل ذلك في القضاة والأغنياء والفقراء، وكل طوائف المجتمع، فكل أولئك إذا اتخذوا من السيرة النبوية المباركة أسوةً وقدرةً وجدوا فيها النور الذي يُسْتَضاء به في ظلمات الحياة، والمثل الأعلى الذي تنشده الإنسانية للوصول إلى الأمن والسعادة، قال الله تعالى واصفاً خلقه صلى الله عليه وسلم: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم:4)، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (النجم:3-4)، وقال سبحانه: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} (النور:54)، وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَة} (الأحزاب:21).
وتعدُّ السيرة النبوية تجسيداً حيًّا للإسلام، فلا يستغني عن دراستها والنظر فيها أي مسلم، فهي دوْحة عظيمة فيها من كل الثمرات، كلُّ يقطف منها ما يناسبه، وكيف لا تكون كذلك، وهي سيرة نبينا وحبيبنا محمد صلوات الله وسلامه عليه، والتي تشتمل على أدق تفاصيل حياته في المرحلة المكية والمدنية، بل ومنذ ولادته إلى يوم وفاته صلى الله عليه وسلم، وتتميز وتختص بخصائص كثيرة، منها: الشمولية التي لا نجد مثلها ولا قريباً منها فيما بقي لنا من سير الرسل السابقين، ومؤسسي مناهج الإصلاح والفلاسفة المتقدمين والمتأخرين، ومن ثم تمر السنون والأعوام وتظل سيرته صلى الله عليه وسلم نبراساً وهادياً، يضيء لنا الطريق في التربية والإصلاح، والعزة والتمكين.
إسلام ويب

Post: #1155
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-28-2015, 11:01 PM
Parent: #1154

سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي الصفحة الجَلِيَّة والروضة الندِيَّة التي نتنسم فيها ونتعلم منها الأخلاق النبوية الكريمة، فقد نشأ نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أول أمره إلى آخر يوم في حياته متحلياً بكل خُلُقٍ كريم، مبتعداً عن كل وَصْفٍ ذميم، أدَّبه ربُه فأحسن تأديبه، فكان أحسن الناس عِشْرةً وأدباً، فهو أشد الناس حياءً من العذراء(البنت البكر) في خِدرها(بيتها وسترها)، ضُرِبَ به المثل في الأمانة والصدق، وقد أسموه الصادق الأمين، وكان أكرمَ الناس نَفساً، فما ردَّ سائلاً ولا فقيراً .. ومع علو قدره ومنزلته كان أشد الناس تواضعاً، وأبعدهم عن الكبر، قال له رجلٌ: يا خيرَ البريّة، فقالَ مُتواضعًا ( ذاك إبراهيم )، ولما جاءه رجل ترعد فرائصه قال له: ( هوِّن عليك، فإني لست بملك، إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد ) رواه ابن ماجه .

وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أوفى الناس بالعهود، وأوصلهم للرحم، وأعظمهم شفقة ورحمة، يتَجوَّز في صلاتِه إذا سمِع بكاءَ الصَّبيّ كراهَةَ أن يشقَّ علَى أمّه، ورحمته شملت الإنسان والحيوان .. وكان خير الناس لأهله، لم يضرِب شيئًا قطّ بيدِه لا امرأةً ولا خادماً، ويقول: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .
ومن جميل صفاته وعظيم أخلاقه أنه أوفر الناس حِلماً، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، فقد آذاه قومُه فسَأله ملَك الجِبال أن يطبقَ عليهم جبلين فأبَىَ وقال: ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله لا يشرك به شيئا ) رواه الطبراني . وعندما دخل مكة المكرمة فاتحاً منتصراً كان قوله لمن حاربوه وعادوه: ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) .. ومع كثرة أعبائه ومسئولياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أطلق الناس وجهاً وتبسماً، فقد قال عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه: " ما رأيتُ أحدًا أكثرَ تبسُّمًا من رسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ "، وقال جرير ـ رضي الله عنه ـ: " ما رآني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلاَّ تَبَسَّم " .
وبالجملة فإن نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خُلقا، ويكفيه شهادة ربه ـ عز وجل ـ له بقوله: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4)، وقد سأل سعد بن هشام أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت له: ( ألست تقرأ القرآن؟، قال: بلى، قالت: فإن خلق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان القرآن ) رواه مسلم .
قال القاضي عياض: " وأما الأخلاق المكتسبة من الأخلاق الحميدة، والآداب الشريفة التي اتفق جميع العقلاء على تفضيل صاحبها، وتعظيم المتصف بالخلق الواحد منها فضلا عما فوقه، وأثنى الشرع على جميعها، وأمر بها، ووعد السعادة الدائمة للمتخلق بها، ووصف بعضها بأنه جزء من أجزاء النبوة، وهي المسماة بحسن الخُلق، فجميعها قد كانت خلق نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

حسن خلقه من أسباب دخول الناس الإسلام :

السيرة النبوية مليئة بأمثلة كثيرة لصحابة دخلوا في الإسلام بسبب حسن خلقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في عفوه وصفحه، أو جوده وكرمه، أو حلمه ورفقه، أو تواضعه وعدله، أو رحمته وشفقته، فهذا ثُمامةُ بن أُثال يُسلِمُ بسبب عفو النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ويقول: ( واللهِ ما كان على وجه الأرض وجهٌ أبغض إليَّ من وجهِكَ، فقد أصبح وجهُك أحب الوجوهِ كلِّها إليّ، واللهِ ما كان على وجه الأرض دينٌ أبغضَ إليّ من دينِك، وقد أصبحَ دينُك أحبّ الأديانِ كلِّها إليّ، والله ما كان على وجه الأرض بلادٌ أبغض إليَّ من بلادك، فأصبح بلدك أحبّ البلاد كلِّها إليّ ) رواه البخاري، وآخر يتأثر بكرمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجوده فيقول: ( يا قومي أسلموا، فإن محمدًا يُعطي عطاءً لا يخشى الفاقة ) رواه مسلم، وزيد بن سعنة الحبر اليهودي يقول: " ما من علامات النبوة شيءٌ إلا وقد عرفتُها في وجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نظرتُ إليه إلا اثنتين لم أخبرهما منه: يسبق حلمُهُ جهلَه، ولا تزيده شدَّةُ الجهلِ إلا حلمًا، وقد اختبرتُهما فأشهدك يا عمر أني قد رضيتُ بالله ربًّا، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً " .
قال ابن حجر في كتابه ( الإصابة ) حين عرَّف بالصحابي الجلندى ملك عمان أنه قال: " لقد دَلَّنِي على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر ( لا يتلفظ بقبيح )، وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " .

قطوف من أحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حُسْنِ الخُلُق ومنزلته :

ـ عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلقًا، وخيارُكم خيارُكم لنسائهم ) رواه الترمذي .
ـ وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إنَّ من أحبِّكم إليّ، وأقربِكم مني مجلساً يومَ القيامةِ أحاسِنُكم أخلاقا ) رواه الترمذي .
ـ وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لم يكنِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فاحشًا ولا مُتَفَحِّشاً، وكان يقول: إن مِن خِيارِكم أحسنَكم أخلاقاً ) رواه البخاري
ـ وعن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما شيءٌ أثقلُ في ميزان المؤمن يوم القيامةِ مِن خُلُقٍ حسَنٍ ) رواه الطبراني، وعن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنه ـ قالت: قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنَّ المؤمنَ ليُدْرِكُ بحُسْنِ خُلُقِه درجةَ الصَّائمِ القائم ) رواه أبو داود .
ـ وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: سُئِلَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن أَكْثرِ ما يُدخلُ النَّاسَ الجنَّة؟، فقال: ( تَقوى اللَّه وحُسنُ الخلُق ) رواه الترمذي .

ولأهمية الخلق الحسن ـ للفرد والمجتمع والأمة ـ أوصى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المسلمين عامة، وأهل القدوة من الدعاة والمربين والولاة والقضاة ـ خاصة ـ، ولذلك لما بعث رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ إلى اليمن قاضياً ومعلماً وأميراً، أوصاه بوصايا كثيرة، منها: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) رواه أحمد، بل جعله النبي - صلى الله عليه وسلم ـ حسن الخلق سبباً من أسباب بعثته، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ: ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه أحمد .

إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنْ هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وكثيراً ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم يدعو ربه أن يهديه للخلق الحسن، قائلا: ( واهدني لأحسن الأخلاق، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ) رواه مسلم، ويقول: ( اللَّهمَّ كما حَسَّنتَ خَلقي، فحسِّن خُلُقي ) رواه ابن حبان .

لقد أصبحت الأخلاق الطيبة مطلبا أساسياً لنا ـ أفراداً ومجتمعات ـ، ندعو بها إلى الله، ونسترجع بها سالف عِزِّ ومَجْدِ أمتنا الإسلامية، فقد كان الناس يدخلون في دين الله لِمَا يروا من عظيم أخلاق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومن حسن معاملة الصحابة وجميل أخلاقهم مع بعضهم البعض ومع أعدائهم، ومن أجل ذلك جعل الله تعالى رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صاحب الخلق العظيم قدوة ونموذجاً، يطبق ويُجَّسِّد الإسلام الذي أُرْسِل به واقعًا عملياً، بكلِّ ما يحمله من مبادئ تدعو إلى الأخلاق، وقِيَم تحث على الفضيلة، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ }(الأحزاب من الآية: 21) .
قال ابن كثير : " هذه الآية أصل كبير في التأسي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أُمِرَ الناسُ بالتأسي بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم الأحزاب في صبره ومصابرته، ومرابطته ومجاهدته، وانتظاره الفرج من ربه ـ عز وجل - " .
إسلام ويب

Post: #1156
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 04:42 PM
Parent: #1155


المرضُ مظهرٌ من مظاهر الضعف البشري، وهو ابتلاء من الله ـ عز وجل ـ، يُصيب الصالح والفاسد، والطائع والعاصي، وما منّا من أحدٍ إلا ويصيبه المرض، أو يصيب من حوله ممّن يحبّ

ثمانية لابد منها على الفتى ولابد أن تجري عليه الثمانية
سرور وهَمٌّ، واجتماع وفُرْقة ويُسْر وعُسْر، ثم سقم وعافية

والمرض فيه وجوه متعددة من الفضل والخير لمن يصبر عليه، ويرضى بقدر الله فيه، علمها من عَلِم، وجهلها من جهل، والكثير من الناس يُبتلى بالمرض لكنه قد ينسى ما في المرض من مِنحٍ، إذِ المرض في السنة النبوية مِنحة لا مِحنة، فإذا صبر المسلم عليه تُكَفَّر سيئاته، وتزداد حسناته، وتُرفع به درجاته، وذلك عام في الأسقام والأمراض، ومصائب الدنيا وهمومها، فعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما يصيب المسلم من نصب (تعب) ولا وصب (وجع وألم)، ولا همّ ولا حزن، ولا أذى ولا غمّ، حتّى الشّوكة يشاكها، إلّا كفّر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري .
فالمرض وإن كان في ظاهره بلاء ومحنة، إلا أنه يحمل في طياته خيراً ومنحة، فعند كل مريض منح ربانية، وهدايا نبوية، وثمرات الصبر على الابتلاء بالمرض في السنة النبوية كبير وكثير، ومن ذلك :

تكفير الذنوب :

عن عبد اللَّه بن مسعود ـ رضي اللَّه عنه ـ قال: ( دخلتُ علي رسول اللَّه ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ وهو يوعك، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول اللَّه: إنك توعك وعكا شديداً، فقال ـ صلى اللَّه عليه وسلم ـ: أجل، إني أوعك كما يوعك رجلان منكم، قلت: ذلك بأن لك أجرين، قال: أجل ذلك كذلك، ثم قال: ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا كفر اللَّه ـ تعالى ـ بها سيئاته، كما تحط الشجرة ورقها ) رواه البخاري، وفي رواية مسلم: ( ما من مسلمٍ يصيبُه أذًى من مرضٍ فما سواه ، إلا حطَّ اللهُ به سيئاتِه ، كما تَحُطُّ الشجرةُ ورقَها ) .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه ) رواه البخاري، وهذا الحديث فيه دليل على أن المرض النفسي كالمرض البدني في تكفير السيئات، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في الحديث: ( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب )، والنصب هو التعب، والوصب: هو المرض، وهذه أشياء بدنية، ثم قال: ( ولا هم ولا حزن .. ولا غم ) وهذه أشياء نفسية، فالهموم والأحزان والغموم، وهي أشياء نفسية يكفر الله ـ عز وجل ـ بها من الخطايا والذنوب كالأمراض البدنية .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها ) رواه البخاري، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ للصحابية أم العلاء في مرضها: ( أبشري يا أم العلاء، فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة ) رواه أبو داود .

رفع الدرجات :

من فوائد وثمرات الصبر على المرض رفع الدرجات، فقد يكون للعبد منزلة عظيمة عند الله ـ عز وجل ـ، لكن عبادته وأعماله الصالحة التي يعملها لا تؤهله للوصول إليها، فيبتليه الله ـ عز وجل ـ بمرض فيرتقي إلى تلك الدرجة التي كتبها الله له، فقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبَّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
وعن عائشة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما من مسلمٍ يُشَاكُ شوكة فما فوقها إلا كتب له بها درجة ومحيت عنه بها خطيئة ) رواه مسلم .
قال النووي: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ما من مسلم يشاك شوكة فما فوقها إلا كتبت له بها درجة، ومحيت عنه بها خطيئة ) وفي رواية: ( وحُطَّ عنه بها )، وفي رواية: ( إلا كتب الله بها حسنة، أو حط عنه بها خطيئة ): في هذه الأحاديث بشارة عظيمة للمسلمين، فإنه قلما ينفك الواحد منهم ساعة من شيء من هذه الأمور، وفيه تكفير الخطايا بالأمراض والأسقام، ومصائب الدنيا وهمومها، وإن قلت مشقتها، وفيه رفع الدرجات بهذه الأمور، وزيادة الحسنات، وهذا هو الصحيح الذي عليه جماهير العلماء " .

استمرار الأجر والثواب :

ما كان يعمله المريض من الطاعات والعبادات ومنعه المرض من فعل ذلك، فالله ـ عز وجل ـ بفضله يكتب له أجر وثواب ما كان يفعله وهو صحيح مُعافى، فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إذا مرض العبدُ أو سافر، كتب اللهُ تعالى له من الأجرِ مثلَ ما كان يعملُ صحيحًا مُقيماً ) رواه الطبراني وصححه الألباني .

دخول الجنة :

من الأمراض أمراض يجعلها الله ـ عز وجل ـ سبباً لدخول الجنة، فالجنة قد حُفَّت بالمكاره، والأمراض لا شك من المكاره، وقد أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ربه ـ سبحانه ـ أن الذي يصبر على فقد بصر عينيه يعوضه الله بالجنة، ( إنَّ اللَّهَ قال: إذا ابتليتُ عبدي بحبيبتَيهِ (عينيه) فصبَرَ، عوَّضتُه منهما الجنَّة ) رواه البخاري .
وبَشَّر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ المرأة السوداء التي كانت مصابة بالصرع بالجَنَّة، فعن عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابنُ عباسٍ: ( ألا أُريك امرأةً من أهلِ الجنة؟، قلتُ بلى، قال: هذه المرأةُ السوداء، أتتِ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ قالت: إني أُصْرَعُ، وإني أتكشَّفُ، فادعُ اللهَ لي، قال: إن شئتِ صبرتِ ولكِ الجنة، وإن شئتِ دعوتُ اللهَ أن يعافيكِ، قالت: أصبر، قالت: فإني أتكشَّفُ، فادعُ اللهَ أن لا أتكشَّفُ فدعا لها ) رواه مسلم، فكانت تُصرع ولا تتكشف، من حرصها على ستر عورتها ـ رضي الله عنها ـ، وحرصها على الأجر في ذات الوقت.

قدْ يُنعم الله بالبلوى وإن عَظُمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم

فائدة : سلِ الله العفو والعافية :

العافية للمؤمن خيرٌ من البلاء والمرض، ولذلك فلا يجوز للمسلم أن يتمنى المرض، لأنه قد يُبتلى بما لا يطيقه، وقد لا يستطيع الصبر عليه، فيتسخط من قدر الله ـ سبحانه ـ, بل ربما ساقه ذلك البلاء إلى الكفر والعياذ بالله، ومن ثم فقد علمنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن نسأل الله ـ تعالى ـ دائما العفو والعافية، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( لم يكن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصبح ولا يمسي إلا ويدعو بهذه الكلمات: اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي، وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني وعن شمالي ومن فوقي، اللهم إني أعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي ) رواه أبو داود .
وكان من مشهور دعائه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام وسيء الأسقام ) رواه الترمذي، ( اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء (الأمراض)) رواه الحاكم، وقد ثبت عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه قال: ( سلوا الله اليقين والعافية، فما أوتي أحد شيئاً بعد اليقين خيراً من العافية، فسلوهما الله ) رواه أحمد .
وعن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( ما من رجل رأى مُبْتَلى، فقال (ولا يُسمع المريض): الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلا، إلا لم يصبه ذلك البلاء كائناً ما كان ) رواه الترمذي .
فمع الأجر الكبير والدرجات العالية للصابر على مرضه، فالسنة النبوية تعلمنا ألا يتمنّى المسلم المرض، وألا يدعو به على نفسه، فعن أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عاد (زار) رجلاً من المسلمين قد خَفَتَ (ضعف من شدة المرض)، فصار مثل الفرْخِ، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: هل كنت تدعو الله بشيء أو تسأله إياه؟، قال: نعم، كنت أقول: اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة، فعجله لي في الدنيا، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سبحان الله! لا تطيقه ولا تستطيعه، أفلا قلت: اللهم آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار؟، قال: فدعا الله به، فشفاه الله ) رواه مسلم .. وهذا يشبه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناسُ ! لا تتمنوا لقاءَ العدو، واسألوا اللهَ العافية، فإذا لقيتُمُوهم فاصبروا، واعلموا أنَّ الجنةَ تحتَ ظلالِ السيوفِ ) رواه مسلم .
قال النووي: " نهَى عن تمني لقاء العدو لما فيه من صورة الإعجاب والاتكال على النفس والوثوق بالقوة وهو نوع بَغْيٍ ... وقد كثرت الأحاديث في الأمر بسؤال العافية، وهي من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والباطن، في الدين والدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العافية العامة لي ولأحبائي ولجميع المسلمين " .

المرض من سنن الله وقدره، لا يَسْلم منه بشر، ولا ينجو منه أحد، وهو يختلف من شخص لآخر، ومن مرض لمرض، فما على المسلم إلا أن يصبر على ما أصابه، ويضع نصب عينيه الجزاء العظيم للصابر على مرضه، ويطلب علاجه عبر الوسائل المشروعة، ويسأل الله دائما العفو والعافية .
إسلام ويب

Post: #1157
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 04:47 PM
Parent: #1156


من حقوق النبي صلى الله عليه وسلم
فضَّل الله تعالى نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم على جميع الخلق، فهو سيد ولد آدم، وهو خاتم الأنبياء وإمامهم، قال الله تعالى: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ} (الحج:75)، وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله اصطفى كِنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشاً من كنانة، واصطفى بني هاشم من قريش، واصطفاني من بني هاشم) رواه مسلم، وقال صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع) رواه مسلم. ولا نجاة لأحدٍ كائناً مَنْ كان إلا بالإيمان به صلوات الله وسلامه عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفس محمدٍ بيده، لا يسمع بي أحدٌ مِن هذه الأمةِ يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثم يموت ولم يُؤْمِنْ بالذي أُرْسِلْتُ به، إلا كان مِن أصحاب النار) رواه مسلم.

ومن المعلوم أن الله أوجب علينا حقوقاً كثيرة، ومن أهم هذه الحقوق ـ بعد حق الله تعالى ـ حق رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي وردت في شأنه نصوص كثيرة في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهذه الحقوق كثيرة، نذكر منها:

الإيمان به ومحبته

من حقه صلى الله عليه وسلم علينا أن نؤمن به، ونشهد أنه رسول الله حقاً، قال الله تعالى: {فَآَمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} (التغابن:8)، وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} (الحديد:28)، ومما يترتب على الإيمان به صلى الله عليه وسلم، ومعرفة فضله ومنزلته، والاطلاع على شمائله وأخلاقه ومعجزاته: امتلاء القلب بمحبته، وأن نحقق هذه المحبة اعتقاداً وقولاً وعملاً، ونقدمها على محبة النفس والولد والناس أجمعين، قال الله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ} (التوبة:24). قال القاضي عياض معقباً على هذه الآية: "فكفى بهذا حضاً وتنبيهاً ودلالة وحجة على إلزام محبته، ووجوب فرضها، وعظم خطرها، واستحقاقه لها صلى الله عليه وسلم، إذ قرَّع سبحانه من كان ماله وأهله وولده أحب إليه من الله ورسوله، وأوعدهم بقوله تعالى: {فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ}، ثم فسَّقهم بتمام الآية، وأعلمهم أنهم ممن ضل، ولم يهده الله". وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين) رواه البخاري.

الأدب معه

وذلك بتعزيره وتوقيره، وعدم رفع الصوت على صوته، كما قال الله تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح:9)، قال ابن كثير: "قال ابن عباس وغير واحد: يعظموه، {وَتُوَقِّرُوهُ} من التوقير وهو الاحترام والإجلال والإعظام"، وقال السعدي:" {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} أي: تعزروا الرسول صلى الله عليه وسلم وتوقروه أي: تعظموه وتُجِّلوه، وتقوموا بحقوقه، كما كانت له المنة العظيمة برقابكم". وقال ابن تيمية: "ومن ذلك: أن الله أمر بتعزيره وتوقيره فقال: {وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ} (الفتح:9)، و(التعزير) اسم جامع لنصره وتأييده ومنعه من كل ما يؤذيه، و(التوقير) اسم جامع لكل ما فيه سكينة وطمأنينة من الإجلال والإكرام، وأن يُعامَل من التشريف والتكريم والتعظيم بما يصونه عن كل ما يخرجه عن حد الوقار".

قال ابن القيم: "رأس الأدب مع الرسول صلى الله عليه وسلم كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يُحَمِّله معارضة بخيال باطل يسميه معقولاً، أو يحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال". ومن المعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وهو ميت كحرمته وهو حي، والأدب معه بعد موته يلزم المسلم كالأدب معه وهو حي، قال القاضي عياضي: "واعلم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته وتوقيره وتعظيمه لازم كما كان حال حياته".

عدم ذكر اسمه مُجَرداً، أو رفع الصوت فوق صوته

من حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا ألا نذكر باسمه مجرداً، بل نذكره بوصف النبوة والرسالة، فلا يقال: محمد، ولكن: نبي الله، أو الرسول، ونحو ذلك .. وهذه خصوصية للنبي صلى الله عليه وسلم دون إخوانه من الأنبياء، فلم يخاطبه الله تعالى ـ قَط ـ باسمه مجرداً، وحين قال الله تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ} (الأحزاب:40)، قال بعدها: {وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} (الأحزاب:40). وقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً} (النور:63)، قال ابن كثير: "قال الضحاك عن ابن عباس: كانوا يقولون: يا محمد، يا أبا القاسم، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك؛ إعظاماً لنبيه صلى الله وسلم عليه، فقالوا: يا رسول الله، يا نبي الله". وقال قتادة: "أمر الله أن يُهاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأن يُبَجَّل، وأن يعظَّم، وأن يُسَوّد".

أما عدم رفع الصوت على صوته فلقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (الحجرات:2)، قال ابن كثير: "هذا أدب ثان أدب الله به المؤمنين ألا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم (فوق صوته)"، وقال الشنقيطي: "وهذه الآية الكريمة علَّم الله فيها المؤمنين أن يُعَظِّموا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ويحترموه ويوقروه، فنهاهم عن رفع أصواتهم فوق صوته، وعن أن يجهروا له بالقول كجهر بعضهم لبعض، أي ينادونه باسمه: يا محمد، يا أحمد، كما ينادي بعضهم بعضاً، وإنما أمروا أن يخاطبوه خطاباً يليق بمقامه ليس كخطاب بعضهم لبعض"، وقال ابن القيم: "ومن الأدب معه صلى الله عليه وسلم: أن لا ترفع الأصوات فوق صوته، فإنه سبب لحبوط الأعمال، فما الظن برفع الآراء ونتائج الأفكار على سنته وما جاء به؟! أترى ذلك موجباً لقبول الأعمال، ورفع الصوت فوق صوته موجباً لحبوطها؟! ".

طاعته وعدم معصيته

من الحقوق الهامة للنبي صلى الله عليه وسلم: اتباعه وطاعته، وعدم معصيته ومخالفة أمره، وقد كثرت النصوص في ذلك، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21)، وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} (الحشر:7)، وقال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النور:63). وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله) رواه البخاري، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل الناس يدخل الجنة إلا من أبَىَ، قالوا: يا رسول الله! ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبَى) رواه البخاري. قال القاضي عياض: "اعلم أن من أحب شيئاً آثره وآثر موافقته، وإلا لم يكن صادقاً في حبه، وكان مدّعياً، فالصادق في حب النبي صلى الله عليه وسلم من تظهر علامة ذلك عليه، وأولها الاقتداء به، واستعمال سنته، واتباع أقواله وأفعاله، والتأدب بآدابه في عسره ويسره، ومنشطه ومكرهه".

الصلاة عليه

من حقوق نبينا صلى الله عليه وسلم علينا الصلاة عليه، قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (الأحزاب:56)، وقال صلى الله عليه وسلم: (ما جَلَس قومٌ مجلساً لم يذكروا الله فيه، ولم يصلّوا على نبيهم إلا كان عليهم تِرَة (حسرة وندامة)، فإن شاء عذبهم، وإن شاء غفر لهم) رواه الترمذي وصححه الألباني.

إنزاله مكانته صلّى الله عليه وسلّم بلا غلو ولا تقصير

لا شك أن نبينا صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء والمرسلين, وهو سيد الأولين والآخرين, وصاحب المقام المحمود، والحوض المورود, ومع علو منزلته وحبنا له فمن حقه علينا صلوات الله وسلامه عليه ألا نغالي فيه، ولا نرفعه فوق منزلة النبوة التي رفعه الله لها، فهو عبد لله ورسوله, وهو بشر لا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً، قال الله تعالى: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللهِ وَلَا أَعْلَمُ الغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الأنعام:50)، وقال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف:188). وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الهَ عليه وسلم قال: (لا تُطْروني (تبالغوا في مدحي) كما أطْرَتِ النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبدُه، فقولوا: عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

هذه بعض حقوق النبي صلى الله عليه وسلم علينا، ذكرناها لعل الله أن يزيد المُحِب حُبّاً، والمتبع اتباعاً، وأن يُبّدِّل الغالي قصداً واعتدالاً، والجافي حُبّاً وأدباً، والبعيد قرباً وطاعة لنبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم.
إسلام ويب

Post: #1158
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 04:50 PM
Parent: #1157


فضل تربية البنات في السنة النبوية
البنات نعمة من نعم الله ـ عز وجل ـ علينا، متى ما قمنا بما افترضه الله علينا من الإحسان إليهن، ومن المعلوم أن العرب في الجاهلية كانوا لا يحبون البنات، ويترقبون الأولاد، للوقوف إلى جانبهم ومساندتهم في حياتهم وحروبهم، أما البنت فكانوا لا يحبونها، وكان عدم حبهم لها والخوف من عارها يحمل بعضهم على كراهتها بل وعلى قتلها ووأْدِها، كما قال الله تعالى ـ عن ذلك: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ القَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ }(النحل الآية 58: 59)، وقال: { وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ }(التكوير الآية: 8: 9) .
حتى بعث الله نبينا محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فجرَّم وحرم هذه الفِعلة الشنعاء وهي وأد البنات، فعن المغيرة بن شعبة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمهات، وَمَنْعاً وهات، ووَأد البنات، وكَرِهَ لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال ) رواه البخاري .
قال ابن حجر في " فتح الباري": قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ووَأدَ البنات ) هو دفن البنات بالحياة, وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك كراهة فيهن " .
وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (مَنْ وُلِدَتْ له ابنةٌ فلم يئِدْها ولم يُهنْها، ولم يُؤثرْ ولَده عليها ـ يعني الذكَرَ ـ أدخلَه اللهُ بها الجنة ) رواه أحمد، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وحسنه الشيخ أحمد شاكر ..
وهذان الحديثان وما جاء في معناهما يدلان صراحة على أنَّ البنات كنَّ محلاً لجهالات وبُغض بعض العرب إبان بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

لم يكتفِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالنهي الشديد عن وأد البنات، بل جاء معتنياً بهن، بغية تصحيح مسار االبشرية وإعادتها إلى طريق الإنسانية والرحمة، وتكريماً للبنات وحماية لهن، وحفظاً لحقوقهن، بل وأمر ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أحاديث كثيرة بالإحسان إليهن، ووعد من يرعاهن ويحسن إليهن بالأجر الجزيل والمنزلة العالية، ومن ذلك :
عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَنْ عال جارتين (بنتين) حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو وضم أصابعه ) رواه مسلم .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( دخلتْ امرأةٌ معها ابنتانِ لها تسأَل (فقيرة)، فلم تجدْ عندي شيئًا غيرَ تمرةٍ، فأَعطيتُهَا إيَّاها، فَقَسَمَتْهَا بينَ ابنتيْها ولم تأكُلْ منها، ثم قامتْ فخرجتْ، فدخلَ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ علينا فأخبرته، فقال: من ابْتُلِي من هذهِ البناتِ بشيٍء كُنَّ لهُ سِترًا من النار ) رواه البخاري .
وعن أنس ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا، حتَّى يَبِنَّ (ينفصلن عنه بتزويج أو موت)، أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ - وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني .
وعن عقبة بن عامر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَنْ كان له ثلاث بنات فصبَرَ علَيْهِنَّ، وأطعَمَهُنَّ وسقاهُنّ، وكساهُنَّ مِنْ جِدَتِهِ (سعته وطاقته)، كُنَّ لَهُ حجاباً مِن النارِ يومَ القيامة )، وفي رواية الترمذي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ لم يحدد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عددا من البنات، فقال: ( مَن ابتُلي بِشَيءٍ من البناتِ فصبرَ عليهِنَّ كُنَّ له حجاباً من النَّار ) .
قال النووي: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( من ابتلي بِشَيءٍ من البناتِ ) إِنَّمَا سَمَّاهُ اِبْتِلاء لأَنَّ النَّاس يَكْرَهُونَهُنَّ في الْعَادَ،ة وَقَالَ اللَّه تعالَى: { وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدهمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهه مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيم }( النحل الآية 58) " .
وعن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ أو ثلاثُ أخَوات، أو ابنتان أو أُختان، فأحسَن صُحبتَهنَّ واتَّقى اللهَ فيهنَّ َفلهُ الجنَّةَ ) رواه الترمذي .
وقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث: ( أو ) للتنويع لا للشك، ففي رواية جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( مَن كان له ثلاثُ بناتٍ يُؤدِّبُهنَّ ويرحَمُهنَّ ويكفُلُهنَّ وجَبَت له الجنَّةُ ألبتةَ، قيل يا رسولَ اللهِ: فإن كانتا اثنتينِ؟، قال: وإن كانتا اثنتين، قال: فرأى بعضُ القوم أن لو قال: واحدةً، لقال: واحدة ) رواه أحمد وصححه الألباني .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله ـ صلى الله علي وسلم ـ: ( ليسَ أَحَدٌ من أمتي يعولُ ثلاثَ بنات، أو ثلاثَ أخوات، فيُحْسِنَ إليهنَّ إلا كُنَّ لهُ سِترًا من النارِ ) رواه الطبراني وصححه الألباني .
قال المباركفوري: " واختُلِفَ في المراد بالإحسان هل يقتصر به على قدر الواجب، أو بما زاد عليه؟، والظاهر الثاني، وشرط الإحسان أن يوافق الشرع لا ما خالفه، والظاهر أن الثواب المذكور إنما يحصل لفاعله إذا استمر إلى أن يحصل استغناؤهن بزوج أو غيره " .

وفي هذه الأحاديث تأكيد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على حق البنات على آبائهم أو من يقوم على تربيتهن، وذلك لما فيهن من الضعف غالباً عن القيام بمصالح أنفسهن، وليست القضية طعاماً ولباساً وتزويجاً فقط، بل أدباً ورحمة، وحسن تربية واتقاءً للهِ فيهنَّ، فالعَوْل في الغالب يكون بالقيام بمئونة البدن، من الكسوة والطعام والشراب والسكن والفراش ونحو ذلك، وكذلك يكون في غذاء الروح، بالتعليم والتهذيب والتوجيه، والأمر بالخير والنهي عن الشر، وحسن التربية، وهذه فائدة جمع الروايات في الحديث .
قال النووي: " ومعنى عالهما قام عليهما بالمؤنة والتربية ونحوهما " .
وقال ابن باز: " وهذا يدل على فضل الإحسان إلى البنات والقيام بشئونهن، رغبةً فيما عند الله ـ عز وجل ـ فإن ذلك من أسباب دخول الجنة والسلامة من النار، ويُرْجَى لمن عال غير البنات من الأخوات والعمات والخالات وغيرهن من ذوي الحاجة فأحسن إليهن وأطعمهن وسقاهن وكساهن أن يحصل له من الأجر مثل ما ذكر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حق من عال ثلاث بنات، وفضْل الله واسع ورحمته عظيمة، وهكذا من عال واحدة أو اثنتين من البنات أو غيرهن فأحسن إليهن يُرجى له الأجر العظيم والثواب الجزيل .. "، وقال: " الإحسان للبنات ونحوهن يكون بتربيتهن التربية الإسلامية وتعليمهن، وتنشئتهنّ على الحق، والحرص على عفتهن، وبعدهن عما حرم الله من التبرج وغيره، وبذلك يُعلم أنه ليس المقصود مجرد الإحسان بالأكل والشرب والكسوة فقط، بل المراد ما هو أعم من ذلك من الإحسان إليهن في عمل الدين والدنيا " .

لقد رفع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قيمة ومنزلة البنات، وجعل لمن رزقه الله بنات بل بنتاً واحدة من الفضائل والمِنح، ما تمتدُّ نحوَها الأعناق، وتهفو إليها القلوب .. فيا عائلاً للبنات، أبشِر بحِجاب من النار، وأبشر بالجَنَّة بصُحْبة النبي المختار ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهو القائل: ( مَن عال ابنتينِ أو ثلاثًا، أو أختينِ أو ثلاثًا حتَّى يَبِنَّ أو يموتَ عنهنَّ كُنْتُ أنا وهو في الجنَّةِ كهاتينِ - وأشار بأُصبُعِه الوسطى والَّتي تليها ) .
إسلام ويب

Post: #1159
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 05:19 PM
Parent: #1158

المتأمِّل في أحداث الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، ومنذ خروج النبي صلى الله عليه وسلم من بيته مع صاحبه أبي بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، ومُروراً بأحداث الطريق والسَّفر، وحتَّى دخول المدينة المنورة يجد مواقف فيها الكثير من الفوائد والدروس والعبر، ومن هذه المواقف موقف أبي بكر رضي الله عنه مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو في طريق سيره إلى المدينة المنورة، الذي ظهر من خلاله مدى حب أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم.

يخبرنا عن هذا الموقف البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (اشترى أبو بكر رضي الله عنه من عازب رحلاً بثلاثة عشر درهماً، فقال أبو بكر لعازب: مُر البراء فليحمل إليَّ رحلي، فقال عازب: لا، حتى تحدثنا: كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة، والمشركون يطلبونكم؟ قال: ارتحلنا من مكة، فأحيينا، أو: سرينا ليلتنا ويومَنا حتى أظهرنا، وقام قائم الظهيرة (اشتد الحر)، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه، فإذا صخرة، أتيتها فنظرت بقية ظل لها فسويته، ثم فرشت للنبيِّ صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قُلت له: اضطجع يا نبيَّ الله، فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب (الذين يبحثون عنا من المشركين) أحداً، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا، فسألته فقُلْت له: لمن أنت يا غلام؟ قال: لرجل من قريش، سماه فعرفته، فقُلْت: هل في غنمك من لبن؟ قال: نعم، قُلْت: فهل أنت حالب لبنا لنا؟ قال: نعم، فأمرته فاعتقل شاة من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال: هكذا، ضرب إحدى كفيه بالأخرى، فحلب لي كُثْبة (قليل) من لبن، وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله، فانطلقت به إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فوافقته قد استيقظ، فقُلت: اشرب يا رسول الله، فشرب حتى رضيت، ثم قُلْت: قد آن الرحيل يا رسول الله؟ قال: بلى. فارتحلنا والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحَدٌ منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم على فرس له، فقُلْت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله، فقال: لا تحزن إن الله معنا) رواه البخاري.

قال النووي: "وقوله: (فشرب حتى رضيت) معناه: شرب حتى علمت أنه شرب حاجته وكفايته". وقال ابن حجر: " قوله: (فشرب حتى رضيت) قال أبو إسحاق: فتكلم بكلمة والله ماسمعتها من غيره كأنه يعني قوله: (حتى رضيت) فإنها مشعرة بأنه أمعن في الشرب، وعادته المألوفة كانت عدم الإمعان، قوله: (قد آن الرحيل يا رسول الله) أي: دخل وقته. قال المهلب بن أبي صفرة: إنما شرب النبي صلى الله عليه وسلم من لبن تلك الغنم؛ لأنه كان حينئذ في زمن المكارمة (عادتهم حينئذ سقي غيرهم اللبن)، ولا يعارضه حديثه لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه. وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم: خدمة التابع الحر للمتبوع في يقظته والذبّ (الدفاع) عنه عند نومه، وشدة محبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، وأدبه معه، وإيثاره له على نفسه، وفيه: أدب الأكل والشرب، واستحباب التنظيف لما يؤكل ويُشرب، وفيه استصحاب آلة السفر كالإداوة والسفرة، ولا يقدح ذلك في التوكل".

حب أبي بكر الصديق رضي الله عنه للنبي صلّى الله عليه وسلم

بلغ أبو بكر رضي الله عنه في حب النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره وإيثاره له على نفسه مبلغاً لم ولن يبلغه غيره، وشواهد ذلك من الهجرة النبوية كثيرة، من ذلك:
ـ فرحه رضي الله عنه بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته، مع أن هذه الصحبة والرفقة قد تعرضه لفقدان نفسه وماله، لكن ما دامت في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا أمرٌ يُبْكَىَ من الفرح لأجله، روت عائشة رضي الله عنها قالت: قال صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ الله أذن لي بالخروج والهجرة) فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: (الصحبة) قالت عائشة: فوالله ما شعَرْتُ قطُّ قبل ذلك اليوم أن أحداً يبكي من الفرح حتى رأيتُ أبا بكر يومئذ يبكي) رواه البخاري.

- افتداؤه رضي الله عنه النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأحب ما عنده، بأبيه وأمه، ففي بداية الهجرة النبوية من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: قال أبو بكر رضي الله عنه: (فداء له أبي وأمي والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر) رواه البخاري.

- حبس نفسه رضي الله عنه في مكة، وعدم هجرته مع من هاجر طمعاً في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم إلى دار الهجرة، ففي الحديث: (فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه) رواه البخاري.

ـ عنايته رضي الله عنه بوضوء النبي صلى الله عليه وسلم، وشرابه من حيث نظافته ومناسبته للشرب، فقال رضي الله عنه: (ومعي إداوة أرتوي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم ليشرب منها ويتوضأ)، وقوله للراعي: (ثم أمرته أن ينفض ضرعه من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه)، وقوله رضي الله عنه: (وقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة، فصببت على اللبن حتى برد أسفله) رواه البخاري.

ـ خوفه رضي الله عنه على النبي صلّى الله عليه وسلّم من العدو، بل خوفه على النبي صلّى الله عليه وسلّم من أشعة الشمس وحرها، وهو أدنى ما يمكن أن يصيب الرجل في السفر الطويل، ولكن هذا يأباه أبو بكر رضي الله عنه على حبيبه ونبيه صلّى الله عليه وسلّم ففي الحديث: (حتى أصابت الشمس رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأقبل أبو بكر حتى ظلل عليه بردائه) رواه البخاري. وكذلك خوفه رضي الله عنه على النبي صلّى الله عليه وسلّم من هوام (حشرات) الأرض حتى يستطيع النوم، ولو أدى ذلك إلى عدم نومه هو، ففي الحديث على لسانه رضي الله عنه قال: (ثم قلت: نم يا رسول الله، وأنا أنفض لك ما حولك، فنام وخرجت أنفض ما حوله) رواه البخاري.

وقد أخرج الحاكم في "مستدركه" عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله إلى الغار ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسأله، فقال له: أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك. فقال: يا أبا بكر! لو شَيْء أحبَبْتَ أَنْ يكون بك دُونِي؟ قال: نعم، والذي بعثك بالحق، ما كانت لتكون مِن مُلِمّة إلاَّ أن تكون بي دونك، فلما انتهيا إلى الغار، قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى أستبرىء لك الغار، فدخل واستبرأه، حتى إذا كان في أعلاه ذكر أنه لم يستبرئ الحجرة، فقال: مكانك يا رسول الله حتى أستبرئ الحجرة، فدخل، واستبرأ، ثم قال: انزل يا رسول الله، فَنَزَل, فقال عمر: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر".

- اهتمامه رضي الله عنه بكل ما يخص النبي صلى الله عليه وسلم أثناء سيره ونومه:من حيث تسوية الفراش، واختيار مكان الظل والراحة، قال رضي الله عنه: (فأتيت الصخرة فسويت بيدي مكاناً ينام فيه النبي صلّى الله عليه وسلّم في ظلها، ثم بسطت عليه فروة) رواه البخاري.

- شفقته رضي الله عنه بالنبي صلّى الله عليه وسلّم، وذلك لكراهيته أن يوقظ النبي صلّى الله عليه وسلّم وهو نائم، فلا حرج بالنسبة إليه أن يقف بما معه من شراب، ينتظر أن يستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من نفسه، وهذا أهون عليه أن يقطع على النبي صلّى الله عليه وسلم نومته، ففي رواية مسلم قول أبي بكر رضي الله عنه: (وكرهت أن أوقظه من نومه، فوافقته استيقظ).

- فرحه ورضاه، بل وسعادته القلبية رضي الله عنه بعد أن اطمأن أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرب حتى ارتوى، وذهب عنه ما به من ظمأ وعطش، وذلك من قوله رضي الله عنه: (فشرب حتى رضيت) رواه البخاري.

لقد شرَّف الله عز وجل أبا بكر رضي الله عنه بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وملازمته والقرب منه حياً وميتاً، فقد عاش معه ولازمه وصاحبه طوال حياته، وقد دُفن رضي الله عنه بجوار النبي صلى الله عليه وسلم، ومن ثم فلا يجتمع في قلب عبدٍ حب وتعظيم النبي صلى الله عليه وسلم وبُغْض أبى بكر الصديق رضي الله عنه والحط من منزلته، كيف ذلك وقد لقبه القرآن الكريم بالصاحب، قال الله تعالى: {إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (التوبة:40)، وقد أجمعت الأمة على أن الصاحب المقصود هنا هو أبو بكر رضي الله عنه، وقال النبي صلى الله عليه وسلم عنه: (لو كنتُ متَّخِذاً من أهل الأرض خليلاً، لاتَّخذتُ ابن أبي قحافة خليلاً، ولكن صاحبَكم خليل الله (يعني نفسَه صلى الله عليه وسلم) رواه مسلم. وقد سأل عمرو بن العاص رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً: (أيُّ الناسِ أحَبُّ إليك؟ قال: عائشة، قلتُ: منَ الرجال؟ قال: أبوها) رواه البخاري.

هذا طرف من حب وإجلال وتوقير أبي بكر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم في حدث واحد، وهو حادث الهجرة النبوية، فهل بعد هذا الحب من حب؟ فأين نحن من حب وتوقير وإجلال أبي بكر والصحابة الكرام رضوان الله عليهم للنبي صلّى الله عليه وسلّم؟!!
إسلام ويب

Post: #1160
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 05:22 PM
Parent: #1159


خُبَيْب بن عدي بن مالك الأوسي الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ، صحابي جليل، شهد بدراً، وكان له موقف من مواقف الثبات والشجاعة والتضحية والوفاء، التي سجلها الصحابة الكرام بأسطر من نور في السيرة النبوية وفي سجل التاريخ الخالد لأمتنا، وهو القائل رضي الله عنه ـ :

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِماً على أي شِقِّ كَانَ لله مَصْرَعِي

في شهر صفر من السنة الرابعة من الهجرة أرسلت قبيلتان من القبائل العربية المجاورة للمدينة المنورة ـ عضل والقارة ـ وافدهم إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقالوا: يا رسول الله إن فينا إسلاما فابعث معنا نفراً من أصحابك يفقهوننا في الدين ويقرئوننا القرآن ويعلموننا شرائع الإسلام، ولما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حريصاً على نشر الإِسلام وإظهاره استجابة لأمر الله ـ عز وجل ـ:{ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }(المائدة من الآية: 67 )، فقد استجاب لهم وبعث لهم عشرة من أصحابه ـ وقيل سبعة ـ وكان منهم: خبيب بن عدي، مرثد بن أبي مرثد، خالد بن أبي البكير، معتب بن عبيد، عاصم بن ثابت، زيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق .. فلما وصلوا إلى مكان يُسمى الرجيع بين عسفان ومكة، أغار عليهم بنو لحيان (من هذيل) وهم قريب من مائتي مقاتل، فأحاطوا بهم، وقتلوا بعضهم وأسروا البعض الآخر، وقد عرفت هذه الحادثة المفجعة بالرجيع نسبة إلى ماء الرجيع الذي حصلت عنده، وقد سجلت فيها مواقف بطولية، ومنها موقف خبيب بن عدي ـ رضي الله عنه ـ .
وقد روى الإمام البخاري هذه الحادثة بتفاصيلها في صحيحه في كتاب: المغازي، وفي كتاب: الجهاد والسِّيَر، عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط سرية علينا وأمَّر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر، فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان، فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام، فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم تمرا تزودوه من المدينة، فقالوا هذا تمر يثرب، فاقتصوا آثارهم، فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤوا إلى فدفد، وأحاط بهم القوم فقالوا لهم: انزلوا وأعطونا بأيديكم ولكم العهد والميثاق ولا نقتل منكم أحداً، قال عاصم بن ثابت أمير السرية: أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر، اللَّهم أخبر عنا نبيك، فرموهم بالنبل فقتلوا عاصماً في سبعه، فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن الدثنة ورجل آخر، فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم، فقال الرجل الثالث: هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن في هؤلاء لأسوة يريد القتلى، فجرروه وعالجوه على أن يصحبهم، فأبى فقتلوه، فانطلقوا بخبيب وابن الدثنة حتى باعوهما بمكة .. فابتاع خبيباً بنو الحارث بن عامر بن نوفل ابن عبد مناف، وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر، فلبث خبيب عندهم أسيرا، فأخبرني عبيد الله بن عياض أن بنت الحارث أخبرته أنهم حين اجتمعوا استعار منها موسي يستحد بها، فأعارته، فأخذ ابناً لي وأنا غافلة حين أتاه، قالت: فوجدته مجلسه على فخذه والموسي بيده ففزعت فزعة عرفها خبيب في وجهي، فقال: تخشين أن أقتله؟، ما كنت لأفعل ذلك، والله ما رأيت أسيرا قط خيراً من خبيب، والله لقد وجدته يوماً يأكل من قطف عنب في يده وإنه لموثق في الحديد وما بمكة من ثمر، وكانت تقول إنه لرزق من الله رزقه خبيبا، فلما خرجوا من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: ذروني أركع ركعتين، فتركوه فركع ركعتين ثم قال: لولا أن تظنوا أن ما بي جزع لطولتها، اللَّهم أحصهم عددا ..

وَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أي شِقِّ كَانَ لله مَصْرَعِي
وَذَلِكَ في ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْو مُمَزَّعِ

فقتله ابن الحارث، فكان خُبَيْبٌ هو سَنَّ لكلِّ مُسلمٍ قُتِلَ صَبْراً، فاستجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه خبرهم وما أصيبوا، وبعث ناس من كفار قريش إلى عاصم حين حدثوا أنه قتل ليؤتوا بشيء منه يعرف، وكان قد قتل رجلًا من عظمائهم يوم بدر، فبعث على عاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسولهم فلم يقدروا على أن يقطعوا من لحمه شيئا ) رواه البخاري .

قال ابن إسحاق وكان مما قيل من الشعر في هذه الغزوة قول خبيب حين أجمعوا على قتله :

إلى الله أشكو غربتي ثم كربتي وما أرصد الأحزاب لي عند مصرعي
فذا العرش صبرني على ما يُراد بي فقد بضعوا لحمي وقد يأس مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد خيروني الكفر والموت دونه وقد هملت عيناي من غير مجزع
وما بي حذار الموت إني لميت ولكن حذاري جحم نار ملفع
ووالله ما أخشى إذا مت مسلمًا على أي جنب كان في الله مضجعي
فلستُ بِمُبْدٍ للعدوّ تخشعًا ولا جزعاً إني إلى الله مرجعي

قال ابن هشام: " وبعض أهل العلم ينكرها لخبيب "، قال الزرقاني: " والمثبت مُقَّدَّم على النافي، كيف وبيتان منها في الصحيح ".
قال الحافظ ابن حجر: " وفيه إنشاء الشعر، وإنشاده عند القتل، وقوة نفس خبيب، وشدة قوته في دينه " .

ومع ما في هذه الحادثة من آلام إلا أن فيها من الفوائد الكثير التي ينبغي الوقوف معها، ومنها :

المسلم لا يغدر :

إن أفعال الغدر مما يتميز به المشركون قديمًا وحديثًا، وينبغي أن يتنزه عنها أتباع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولنا عبرة في قصة الصحابي الجليل خبيب ـ رضي الله عنه ـ الذي ظل أسيراً حتى إذا أجمع المشركون على قتله استعار الموس من بنات الحارث، ليستحدّ فأعارته، وغفلت عن صبيٍّ لها فجلس على فخذه، ففزعت المرأة لئلا يقتله انتقاماً منهم، فقال خبيب: " أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى "، فالمسلم يعكس بخلقه الحسن وتصرفه الطيب صورة مشرقة عن دين الإسلام، فقد كان خبيب ـ رضي الله عنه ـ قادرأ على أن يقتل هذا الصبي انتقاما منهم قبل قتله لكنه لم يفعل، لأنه تربَّى في مدرسة النبوة على الوفاء وعدم الغدر، فترفع عن مقابلة الغدر بالغدر، عملاً بقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) رواه الترمذي، فكسب في نفس هذه المشركة ومن نقلت الخبر إليه موقعاً عظيماً، ولذلك قالت: " والله ما رأيت أسيراً قط خيراً من خبيب " .

الكرامات :

قال الله تعالى: { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }(يونس من الآية 62: 64 )، قال الشيخ ابن باز: " من عقيدة أهل السنة والجماعة الإيمان بكرامات الأولياء وأنها حق، وهي خوارق العادات التي يخرقها الله لبعض أوليائه إما لحاجة به، أو لإقامة حجة على أعداء الله لنصر الدين وإقامة أمر الله ـ عز وجل ـ، فهي تكون لأولياء الله المؤمنين، تارة لحاجتهم كأن يسهل الله له طعاماً عند جوعه، أو شراباً عند ظمئه لا يدرى من أين أتى، أو في محل بعيد عن الطعام والشراب أو نحو ذلك، أو بركة في طعام واضحة، أو غير ذلك من خوارق العادات، والميزان في ذلك أن يكون مستقيماً على الكتاب والسنة " .
وكرامات أولياء الله تعالى واضحةً في قصة خبيب ـ رضي الله عنه ـ، فقطْف العنب عنده ـ وهو أسير مُقيَّد كرامة من الله ـ عز وجل ـ له، إذ لا يوجد في مكة عنب، والمرأة المشركة فوجئت بعنقود من العنب يأكله خبيب ـ رضي الله عنه ـ فقالت: " ما رأيت أسيرا خيراً من خبيب، لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة ثمرة وإنه لموثق في الحديد، وما كان إلا رزقا رزقه الله إياه " .
وقال ابن تيمية: " ومن أصول أهل السنة والجماعة: التصديق بكرامات الأولياء وما يجري الله على أيديهم من خوارق العادات في أنواع العلوم والمكاشفات، وأنواع القدرة والتأثيرات، كالمأثور عن سالف الأمم في سورة الكهف وغيرها، وعن صدر هذه الأمة من الصحابة والتابعين وسائر قرون الأمة وهي موجودة فيها إلى يوم القيامة " .

تعظيم الصحابة للسُنًّة :

ومن فوائد هذه الحادثة: بيان تعظيم الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ لسنة النبي - صلى الله عليه وسلم -، والحرص عليها في أشد المواقف حتى الموت، وقد ظهر ذلك فيما فعله خبيب ـ رضي الله عنه ـ لما أسره المشركون، وعلم أنه سيُقتل، ومع ذلك كان حريصاً ـ رضي الله عنه ـ على سنة من سنن الفطرة التي تعلمها من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهي سنة الاستحداد (حلق العانة)، فاستعار السكين لذلك، وفي هذا تذكير لمن يستهين بكثير من السنن النبوية .

صلاة ركعتين، والدعاء على الكافرين :

في موقف خبيب ـ رضي الله عنه ـ وصلاته ركعتين قبل مقتله مشروعية صلاة ركعتين عند ذلك، ففي رواية أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ لهذه الحادثة أن خبيباً ـ رضي الله عنه ـ صلى ركعتين قبل قتله، وقال أبو هريرة: ( وكان خُبَيْبٌ هو سَنَّ لكلِّ مُسلمٍ قُتِلَ صَبْرًا ) رواه البخاري، ومعنى ( قُتِلَ صبرًا ) : قال ابن الأثير: " صبرتَ القتيل على القتل: إذا حبسته عليه لتقتله بالسيف وغيره من أنواع السلاح وسواه، وكل من قُتل أيَّ قِتلة كانت إذا لم يكن في حرب ولا على غفلة ولا غِرة فهو مقتول صبراً " .
ففي صلاة خبيب ـ رضي الله عنه ـ ركعتين عند قتله مشروعية وسُنية ذلك، لأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما علم بما حدث مع خبيب ـ رضي الله عنه ـ وما فعله من صلاة ركعتين أقرَّ هذا الفعل ولم ينكره، فصارت صلاة هاتين الركعتين مشروعة عند القتل، بعد إقرار النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ لهما، والسنة كما قال الشاطبي وغيره: " السنة ثلاثة أنواع: قول، وفعل، وإقرار " .
والسنة التقريرية: هي أن يقال قول أو يفعل فعل أمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيراه أو يسمع به فيسكت عنه، لأنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُشرِّع لا يجوز سكوته على معصية، ولذلك يعتبر سكوته عن هذا الفعل أو القول إقراراً بمشروعيته .
قال ابن هشام في السيرة النبوية: " فكان خبيب بن عدي أول من سنَّ هاتين الركعتين عند القتل للمسلمين، قال: ثم رفعوه على خشبة، فلما أوثقوه، قال: اللهم إنا قد بلغنا رسالة رسولك، فبلغه الغداة ما يصنع بنا، ثم قال: " اللهم أحصهم (أهلكهم) عددا، واقتلهم بَدَدَا (متفرقين)، ولا تغادر منهم أحدا "، ثم قتلوه رحمه الله " .

وفي موقف خبيب ـ رضي الله عنه ـ إشارة ودلالة على عظم حب الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد قال سعيد بن عامر: " شهدت مصرع خبيب وقد بضعت قريش لحمه ثم حملوه على جذعة فقالوا: أتحب أن محمدًا مكانك؟، فقال: والله ما أحب أني في أهلي وأن محمدًا شيك بشوكة "، ونقل مثل ذلك عن زيد بن الدثنة ـ رضي الله عنه ـ، وكان لهذا الموقف وغيره الأثر الكبير في نفوس المشركين، لما رأوا من حب وتعظيم الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى قال أبو سفيان ـ رضي الله عنه ـ قبل إسلامه: " ما رأيت أحدا يحب أحدا كحب أصحاب محمدٍ محمدا " .

إن السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي فيهما الكثير من مواقف الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ، في الثبات على دينهم، والتضحية من أجل نصرته، والتي يجدر بنا أن نقف معها للاستفادة منها في حياتنا وواقعنا، ومن هذه المواقف : موقف خبيب ـ رضي الله عنه ـ في الثبات والتضحية ..

إسلام ويب

Post: #1161
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 05:25 PM
Parent: #1160


من الدلائل والمعجزات التي أيَّد الله بها نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم ما جاء على لسانه من الإخبار بموت بعض أصحابه وآل بيته وأعدائه، ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم مُدَّعِّياً للنبوة لمَا أخبر عن أمرٍ مستقبلي غيبيّ، لا يعرفه أحد من البشر، ولم يطالبه به أحد. وإذا كان من المعلوم أن الموت وما يتعلق به من مكان وزمان وكيفية علم اختص الله عز وجل به، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (لقمان:34)، فما ورد وثبت من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم في إخباره بكيفية موت بعض أصحابه وأعدائه، وتحقق كما أخبر به، فبوحي من الله تعالى؛ للدلالة على نبوته وعلو قدره ومنزلته، وأنه رسول من عند الله لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} {النَّجم:4)، وقال سبحانه: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا} (الجنّ:26-27)، وفي ذلك يقول حسان بن ثابت رضي الله عنه:

نبيٌ يرى ما لا يرى الناسُ حولَه ويتلو كتابَ الله في كل مشهد

فإِنْ قال في يومٍ مقالةَ غائبٍ فتصديقُها في ضحوة اليومِ أو غد

ومن هذه الأخبار إخباره صلوات الله وسلامه عليه أن موت عمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير رضي الله عنهم أجمعين لن يكون موتاً عاديًّا، بل سيكون شهادة في سبيل الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان على جبلِ حراءٍ فتحرك، فقال: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ، أو صدِّيقٌ، أو شهيدٌ) وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكرٍ وعمر وعثمانُ وعليُّ وطلحةُ والزبيرُ وسعدُ بنُ أبي وقاصٍ رضيَ الله عنهم) رواه مسلم. قال النووي: "وفي هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: منها إخبارُه أنّ هؤلاء شهداء, وماتوا كلٌّهم غيرَ النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر شهداء، فإنّ عمرَ وعثمان وعليّاً وطلحة والزّبير رضي الله عنهم قُتلوا ظلماً شهداء، فقتلُ الثلاثةِ (عمر وعثمان وعلي) مشهور, وقُتلَ الزّبير بوادي السّباع بقرب البصرة منصرفاً تاركاً للقتال, وكذلك طلحة اعتزل النّاس تاركاَ للقتال, فأصابه سهم فقتله, وقد ثبت أنّ من قُتل ظلماً فهو شهيدٌ".

عمر بن الخطاب رضي الله عنه:

بشّر النبي صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه بالشهادة مرة أخرى حين رآه يلبس ثوباً أبيض، فعن عبد الله بن عمر رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى على عُمر قميصاً أبيضَ فقال: (ثوبُكَ هذا غسيلٌ أم جديدٌ؟ قال: لا، بل غسيلٌ، قال: البَس جديدًا، وعِش حميداً، ومت شَهيداً) رواه ابن ماجه وصححه الألباني، وقد وقع الأمر كما قال النبي صلى الله عليه وسلم،، فقد قتله أبو لؤلؤة المجوسي وهو قائم يصلي الصبح إماماً بالمسلمين في المسجد النبوي سنة ثلاث وعشرين للهجرة النبوية، ليكون مقتله رضي الله عنه علامة من علامات نبوته صلوات الله وسلامه عليه.

عثمان بن عفان رضي الله عنه:

ثاني الشهداء في نبؤته صلى الله عليه وسلم هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي بشّره النبي صلى الله عليه وسلم بالشهادة، وأنبأه أنها ستكون في فتنة طلب منه أن يصبر عليها، وذلك لما جلس أبو موسى الأشعري مع النبي صلى الله عليه وسلم على بئر أريس في بستان من بساتين المدينة، يقول أبو موسى: فقلتُ: إن يرد الله بفلان خيراً يأت به، فجاء إنسان يحرك الباب، فقُلْتُ: من هذا؟ فقال: عثمان بن عفان، فقُلْت: على رسلك، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: (ائذن له، وبشره بالجنة على بلوى تصيبه) فجئته، فقُلْت له: ادخل، وبشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة على بلوى تصيبك) رواه البخاري، وقد استشهد عثمان بن عفان رضي الله عنه وأرضاه زوج ابنتي النبي صلى الله عليه وسلم، والمبشَّر بالجنة والشهادة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من موضع.

علي بن أبي طالب رضي الله عنه:

ثالث المبشرين بالشهادة في قوله صلى الله عليه وسلم لجبل حراء: (اسكن حراء! فما عليك إلا نبيٌّ أو صدِّيقٌ أو شهيدٌ) هو علي رضي الله عنه، وقد أنبأه النبي صلى الله عليه وسلم في موقف وحديث آخر بأنه سيُقتل بضربة في صِدْغَيه، ولعلم ويقين علي رضي الله عنه بما أخبره به النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سيقتل ويموت شهيداً، فإنه ما كان يخاف على نفسه الهلكة من أي مرض يصيبه، فعن أبي سنان الدؤلي أنه عاد (زار) عليًّا رضي الله عنه في شكوى له شكاها، قال: فقلت له: "لقد تخوّفنا عليك يا أمير المؤمنين في شكواك هذه، فقال: لكني والله ما تخوّفت على نفسي منه، لأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم الصادق المصدوق يقول: (إنك ستُضرب ضربةً ههنا، ويكون صاحبها أشقاها، كما كان عاقرُ الناقة أشقى ثمود) رواه الحاكم وصححه، وحسنه الهيثمي.

لنبينا صلى الله عليه وسلم من الدلائل والمعجزات الكثير والكثير، فهو أكثر الرسل والأنبياء معجزة، قال ابن تيمية: "وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة". وذكر النووي في مقدمة شرحه لصحيح مسلم أن معجزات النبي صلى الله عليه وسلم تزيد على ألف ومائتين. وقال ابن القيم: "ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن".

والسيرة النبوية زاخرة بالأمثلة من الدلائل والمعجزات في إخباره صلى الله عليه وسلم عن أمر غيبي مستقبلي وقع كما أخبر به، من ذلك إخباره صلى الله عليه وسلم بكيفية وفاة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم، ولذا كان عبد الله بن رواحة رضي الله عنه يقول:

وفينا رسول الله يتلو كتابَه إذا انشق معروف من الصبح ساطع

أرانا الهُدَى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أنَّ ما قال واقع
إسلام ويب

Post: #1162
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 05:34 PM
Parent: #1161


لا تُنْزَع الرحمة إلا من شقيّ
حين تنعدم من القلوب الرحمة وتحل القسوة بدلا منها فإنها تصبح مثل الحجارة أو أشد قسوة، وقد ذمَّ الله ـ عز وجل ـ أقواماً وصلوا إلى تلك الحالة من القسوة وانعدام الرحمة، فقال تعالى عن بني إسرائيل: { ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً }(البقرة من الآية: 74) .
وقسوة القلب تعني البعد عن الله، وتؤدي إلى الشقاء، قال الله تعالى: { فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ }(الزمر الآية: 22)، وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي ) رواه الترمذي .
قال ابن القيم: " ما ضُرب عبد بعقوبة أعظم من قسوة القلب والبعد عن الله " .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا تنزع الرحمة إلا من شقي ) رواه الترمذي وحسنه الألباني .
قال الطيبي: " لأن الرحمة في الخلق رقة القلب، والرقة في القلب علامة الإيمان، فمن لا رقة له لا إيمان له، ومن لا إيمان له شقي، فمن لا يرزق الرقة شقي " .
وقال القرطبي: " الرحمة رقة وحنوّ يجده الإنسان في نفسه عند رؤية مُبْتَلَى أو صغيرٍ أو ضعيف، يحمله على الإحسان إليه، واللطف والرفق به، والسعي في كشف ما به .. فمن خلق اللّه في قلبه هذه الرحمة الحاملة على الرفق وكشف ضرر المُبتلى، فقد رحمه اللّه بذلك في الجنان، وجعل ذلك على رحمته إياه في المآل، فمن سلبه ذلك المعنى وابتلاه بنقيضه من القسوة والغلظة، ولم يلطف بضعيف، ولا أشفق على مُبتلى، فقد أشقاه حالاً وجعل ذلك علماً على شقوته مآلاً، نعوذ باللّه من ذلك " .

فالشفقة والرحمة بالآخرين أمر يحبه الله ـ عز وجل ـ ويرضاه لعباده، وهو هدي وحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الناس عامة، ومع المؤمنين خاصة، قال الله ـ تعالى ـ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية: 107)، وقال: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة الآية: 128)، وعن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) رواه الترمذي .
وقد عرف الصحابة الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ هذا الخلق من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأحسوا به في تعاملهم معه، فعن مالك بن الحويرث ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أتيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نفر من قومي، فأقمنا عنده عشرين ليلة، وكان رحيما رفيقا ) رواه البخاري، وعن عمران بن حصين ـ رضي الله عنه ـ قال: ( وكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيما رقيقا ) رواه مسلم .

فنبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ له النصيب الأوفر من الشفقة والرحمة بالآخرين، ويظهر ذلك واضحاً جلياً في مواقف كثيرة من حياته وسيرته، ومنها :

عن بريدة بن الحصيب الأسلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول اللَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخطبُنا إذ جاء الحسنُ والحُسَيْنُ عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثُران، فنزل رسول اللَّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ منَ المنبرِ فحملَهُما ووضعَهُما بينَ يديه، ثمَّ قال: صدقَ اللَّهُ: { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }( التغابن من الآية: 15)، نظرتُ إلى هذينِ الصَّبيَّينِ يمشيانِ ويعثُرانِ فلم أصبِر حتَّى قطعتُ حديثي ورفعتُهُما ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وذكر ابن حجر: " أن عبد الله بن الزبير رأى الحسن بن علي يجيء والنبي ساجد فيركب رقبته، أو قال ظهره، فما ينزله حتى يكون هو الذي ينزل، ولقد رأيته يجيء وهو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الاخر، وذكر أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا سجد وثب الحسن والحسين على ظهره، فإذا أرادوا أن يمنعوهما أشار إليهم: أن دعوهما ".
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا دخلت عليه ابنته فاطمة ـ رضي الله عنه ـ يقوم لها ويقبلها ويقول لها: ( مرحبا بابنتي ) رواه البخاري .

وعن عائشة ـ رضي الله عنه ـ قالت: ( جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: تُقَبِّلونَ الصِّبيان؟، فما نُقَبِّلُهم، فقال النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أوَ أملِكُ لك أن نزَعَ اللهُ من قلبِك الرحمة ) رواه البخاري .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: ( أن الأقرع بن حابس ـ رضي الله عنه ـ أبصر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقبل الحسن فقال: إن لي عشرة من الولد ما قبلت واحدا منهم، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم: إنه من لا يَرحم لا يُرْحم ) رواه الترمذي .
قال المناوي في فيض القدير: " لأنَّ الرحمة تتخطى إلى الإحسان إلى الغير، وكل من رحمته رقَّ قلبك له فأحسنتَ إليه، ومن لم يعط حظه من الرحمة غلظ قلبه وصار فظًّا، لا يرقُّ لأحد ولا لنفسه، فالشديد يشدُّ على نفسه ويعسر ويضيق، فهو من نفسه في تعب، والخلق منه في نصب، مكدوح الروح، مظلم الصدر، عابس الوجه، منكر الطلعة، ذاهبًا بنفسه، تيهًا وعظمةً، سمين الكلام، عظيم النفاق، قليل الذكر لله وللدار الآخرة، فهو أهل لأن يسخط عليه، ويغاضبه ليعاقبه " .

وكان ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ إذا دخل في الصلاة وهو ينوي الإطالة، يقصر ويخفف فيها إن سمع بكاء الطفل الصغير، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( إنِّي لأدخُلُ في الصلاة، وأنا أُريدُ إِطالتها، فأسمع بكاء الصبيّ فأتجوَّزُ في صلاتي، ممَّا أعلمُ من شِدَّةِ وَجْدِ أُمِّهِ من بكائه ) رواه البخاري .

وبكى ـ صلى الله عليه وسلم ـ لدى موت طفله الصغير إبراهيم، حتى تعجب عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ من ذلك، فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( دخلنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبي سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيم عليه السلام، فأخذ رسول الله ـ صلَّى الله عليه وسلَّم ـ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليه بعد ذلك وإبراهيم يَجُودُ بنفسه ، فجعلتْ عَيْنَا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلَّم ـ تذرفان، فقال له عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ: وأنتَ يا رسول الله؟، فقال: يا ابنَ عوف، إنَّها رحمة ) رواه البخاري .

وكما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ رحيما شفوقا في السلم وفي حياته العامة، كان كذلك في الحرب، التي كثيراً ما تحكمها عواطف الغضب على العدو، وتبرر عوامل الغلظة عليه، والانتقام منه، فيُقتل من لا يستحق القتل، أو يقتل بطريقة لا تليق بالإنسان، فيها تعذيب له، أو تمثيل بجثته، فعن بريدة ـ رضي الله عنه ـ قال: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمَّر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله، ومن معه من المسلمين خيراً، ثم قال: ( اغزوا باسم الله في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا فلا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليدا ) رواه البخاري .
قال النووي: " قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (ولا تغدروا) بكسر الدال، والوليد الصبي، وفي هذه الكلمات من الحديث فوائد مجمع عليها وهي تحريم الغدر، وتحريم الغلول، وتحريم قتل الصبيان إذا لم يقاتلوا، وكراهة المثلة، واستحباب وصية الإمام أمراءه وجيوشه بتقوى الله تعالى، والرفق بأتباعهم، وتعريفهم ما يحتاجون في غزوهم وما يجب عليهم، وما يحل لهم وما يحرم عليهم، وما يكره وما يستحب " .
وأوصى بالأسرى خيرا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( استوصوا بالأُسَارَى خيرا ) رواه الطبراني .
وانحاز ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى رأي أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الذي كان يرى العفو عن الأسرى في بدر، ورفض أن يدعو على قريش في أُحُد، وقد بلغوا منه ما لم يبلغوه من قبل، بل رفع يديه وقال: ( رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) رواه البخاري .
وفي أشد يوم مر به ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يوم الطائف، بعث الله ـ عز وجل ـ له ملَكَ الجبال لِيُطْبق على من آذاه الجبال، فرفض النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال: ( بل أرجو أن يُخرجَ اللهُ من أصلابهم من يعبد اللهَ وحده، لا يشركُ به شيئًا ) رواه البخاري .

ومن المواقف التي تعبر عن مدى رحمته بالخَلْقِ جميعاً (الإنسان والحيوان) ما رواه عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنا مع النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى سفر فانطلق لحاجته، فرأينا حُمَّرةً (طائر صغير) معها فرخان، فأخذنا فرخيها، فجاءت الحمرة فجعلت تفرش (تقترب) من الأرض، فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: من فجع هذه بولدها؟، ردوا ولدها إليها ) رواه أبو داود وصححه الألباني .

إن من نعم الله علينا وعلى البشرية أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما بُعِث إلا لتحقيق ونشر الرحمة بين الناس كما قال الله تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }( الأنبياء:107) ، وما ذكرناه ما هو إلا القليل من مواقفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ الكثيرة التي تعبر عن رحمته العظيمة، وخلقه الكريم، وصفاته الجليلة، والتي ينبغي على أتباعه الاقتداء به فيها .

إسلام ويب

Post: #1163
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 05:37 PM
Parent: #1162

أجَّل الأعمال، والدعاة إلى الله الذين يرشدون الناس إلى الخير ويبصرونهم بالحق في سيرة وسنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم قدرهم ومنزلتهم، وقد قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ مبيناً أجرهم: ( من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ) رواه مسلم، وقال: ( لَأَنْ يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حُمُرِ النَّعَمِ ) رواه البخاري، ومعنى حمر النعم هي: الإبل الحمر، وهي أنفس أموال العرب، يضربون بها المثل في نفاسة الشيء، وأنه ليس هناك أعظم منه، وقد نص على هذا النووي في شرحه لهذا الحديث .

ومعلوم أن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهديه هما الميزان الذي توزن به الأعمال، فما كان منها موافقاً لهديه فهو المقبول، وما كان منها مخالفا لهديه فهو مردود، يقول سفيان ابن عيينة: " إن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الميزان الأكبر، فعليه تعرض الأشياء، على خُلقه وسيرته وهديه، فما وافقها فهو الحق، وما خالفها فهو الباطل " .
وفي السيرة النبوية المنهج الصحيح والأسلوب الأمثل في الدعوة إلى الله، من حيث طريقته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأخلاقه وآدابه وتواضعه مع المدعوين ورفقه بهم، إلى غير ذلك من الأمور التي هي من مقوِّمات الدعوة إلى الله، وقد قال الله تعالى لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ: { قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي }(يوسف من الآية: 108 ) .
قال ابن القيم: " فلا يكون الرجل من أتباعه حقا حتى يدعو إلى ما دعا إليه، ويكون على بصيرة " .

الرحمة والرفق في دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

الداعية الفظ الغليظ يبعد الناس عنه, ولا تبلغ دعوته غايتها وإن كان ما يدعو إليه حقاً وصدقاً, إذ الناس ينفرون من الغلظة ولا يقبلون صاحبها، لذا قال - صلى الله عليه وسلم -: ( إنَّ الرفقَ لا يكون في شيءٍ إلا زانه, ولا ينـزع من شيءٍ إلا شانه ) رواه مسلم، وقال: (من يحْرَمُ الرفق يُحْرَمُ الخير كله ) رواه مسلم .
أما الداعية إلى الله على طريقة وهدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإنه يعلم أن نبيه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ جاء رحمة للبشرية كلها ـ مؤمنها وكافرها ـ قال الله تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية: 107}، ومن هنا كان لابد للداعية أن يكون رحيماً رفيقاً، ينبض قلبه بالشفقة على الناس وإرادة الخير لهم, ولا يكن همه أن يقيم عليهم الحجة والدليل، ويبين لهم بطلان ما هم فيه فقط، بل هو يسعى ويهدف إلى إنقاذهم من الكفر إلى الإيمان، ومن الضلالة إلى الهدى, ومن المعصية إلى الطاعة، متأسياً في ذلك برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سألت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( يا رسول الله، هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد؟، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لقد لقيت من قومك ما لقيت، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كُلال فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب (ميقات أهل نجد)، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني، فقال: إن الله قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، ولقد أرسل إليك ملَك الجبال لتأمره بما شئت، فناداني ملك الجبال وسلم عليَّ، ثم قال: يا محمد، إن الله قد سمع قول قومك لك، وأنا ملَك الجبال، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك فيما شئت؟، إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين (الجبلين)، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) رواه البخاري .
ومن خلال مقترح ملَك الجبال باستئصال وإهلاك المشركين الذين آذوه ولم يقبلوا دعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين )، ورد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه: ( بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئا ) نرى منهجه وأسلوبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الشفقة والرحمة والرفق بمن يدعوه وإن تعرض له بالأذى، وهذا من شدة حرصه على هداية الناس .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان غلامٌ يهودي يخدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرض فأتاه يعوده، فقعد عند رأسه فقال له: أسلم، فنظر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطع أبا القاسم، فأسلَمَ، فخرج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يقول: الحمد لله الذي أنقذه من النار ) رواه البخاري، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنَّمــا مثلي و مثلُكم كمثل رجلٍ استوقد نارًا، فجعلت الدوابُّ والفراش يقعن فيه ,فأنا آخذ بحُجزكم وأنتم تقتحمون فيه ) رواه مسلم .

ولم تكن أقواله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي سبيل دعوته إلى الله فقط، بل كان فعله وخُلُقه مع قوله وكلامه، إذ كيف يدعو الداعية إلى شيءٍ وهو لا يفعله ولا يطبقه على نفسه, فسلوك الداعي وأفعاله أكبر أثراً في المدعوين من أقواله, ومن ثم حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من يخالف فعلُهَ قوْلَه تحذيراً شديدا، فقال: ( يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون:يا فلان مالك، ألم تك تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟, فيقول: بلى, كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهى عن المنكر وآتيه ) رواه البخاري .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي رِجَالاً تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَار، قُلْتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟، فقال: الخطباء من أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟ ) رواه أحمد .
وكم عانت الدعوة إلى الله والأمة مِنْ دعاة خالفوا هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طريقة دعوته، وخالفت أفعالهم وأخلاقهم أقوالهم ودعوتهم، ولقد قال ابن القيم واصفا لهم: " علماء السوء جلسوا على باب الجنة يدعون إليها الناس بأقوالهم، ويدعونهم إلى النار بأفعالهم, فكلما قالت أقوالهم للناس هلمّوا، قالت أفعالهم: لا تسمعوا منهم, فلو كان ما دعوا إليه حقًا كانوا أول المستجيبين له, فهم في الصورة أدلاء, وفي الحقيقة قطاع طرق " .

يا أيها الرجل الْمُعَلِّمُ غَيْرَهُ هَلَّا لِنَفْسِك كَانَ ذَا التَّعْلِيمُ
تَصِفُ الدَّوَاءَ لِذِي السِّقَامِ وَذِي الضَّنَى كَيْمَا يَصِحَّ بِهِ وَأَنْتَ سَقِيمُ
ابْدَأْ بِنَفْسِك فَانْهَهَا عَنْ غَيِّهَا فَإِذَا انْتَهَتْ عَنْهُ فَأَنْتَ حَكِيمُ
فَهُنَاكَ تُعْذَرُ إنْ وَعَظْتَ وَيُقْتَدَى بِالْقَوْلِ مِنْك وَيحصل التسليمُ
لَا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وَتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْك إذَا فَعَلْت عَظِيمُ

إن السيرة النبوية هي السجل الكامل الذي يبين لنا حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وما جرى له فيها من أحداث في مكة والمدينة، ويظهر لنا من خلالها كيفية دعوته وطريقة تعامله مع أصناف الناس، ـ المؤمن منهم والكافر، والطائع والعاصي ـ، ونستلهم منها أساليب الدعوة ووسائلها الصحيحة، لأنها تعطينا نموذجا حيّاً لمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن تتكرر مع الدعاة إلى الله في كل زمان ومكان، فما مِنْ موقف يقع فيه الداعي، أو حدث يمر به أو مشكلة تواجهه، إلا ويجد مثلها ـ أو قريب منها ـ في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .


إسلام ويب

Post: #1164
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 07:23 PM
Parent: #1163


يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل
اصطفى الله ـ عز وجل ـ محمداً ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الناس وأنشأه من أول أمره متحلياً بكل خلق كريم، مبتعداً عن كل وصف ذميم، فهو أعلم الناس وأفصحهم لساناً، ثم لما بلغ أشده حُبِّب إليه اعتزال الناس والخلوة في غار حراء، يتعبد لله تعالى الليالي العديدة ثم يعود إلى زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ،وبدأت طلائع النبوة وإرهاصاتها في الظهور، ومن ذلك: أن حجرًا من مكة كان ينطق ويتكلم ليسلم عليه، ومن ذلك الرؤيا الصادقة في منامه، حيث كان لا يرى أي رؤيا إلا وقعت كما رآها تمامًا واضحة مثل فلق الصبح .
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: ( أول ما بدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ) رواه البخاري .
وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسَلِّم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .
وقال الخطابي: " هذه الأمور التي كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد بدئ بها من صدق الرؤيا وحب العزلة عن الناس والخلوة في غار حراء والتعبد فيه ومواظبته عليه الليالي ذوات العاد إنما هي أسباب ومقدمات أرهصت لنبوته وجعلت مبادئ لظهورها .. فجعلت هذه الأسباب مقدمات لما أرصد له من هذا الشأن ليرتاض بها ويستعد لما ندب إليه، ثم جاءه التوفيق والتبشير وأخذه بالقوة الإلهية، فجبرت منه النقائص البشرية وجمعت له الفضائل النبوية " .

وبعد بلوغ النبي - صلى الله عليه وسلم - الأربعين من عمره، نزل عليه جبريل بالوحي في يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان، ويحدثنا الإمام البخاري في صحيحه عن عائشة أم المؤمنين ـ رضي الله عنها ـ عن كيفية وبداية نزول وإشراق الوحي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول:
( أول ما بُدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء، يتحنث ( يتعبد ) فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }(العلق الآية 3:1)، فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان امرًأً تنصر بالجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رأى، فقال له ورقة : هذا الناموس ( جبريل عليه السلام ) الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا ( شابا )، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: أَوَ مُخرجي هم؟، قال نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ( يلبث ) ورقة أن توفي، وفتر الوحي ) رواه البخاري .

شبهة ورد :

الوحي : هو إعلام الله أنبياءه بما يريد أن يبلغه إليهم من شرع أو كتاب، بواسطة أو غير واسطة، وهو أكبر الدعائم التى ترتكز عليها حقيقة النبوة، قال الزهري: " الوحي ما يوحي الله إلى نبي من الأنبياء، فيثبته في قلبه، فيتكلم به ويكتبه، وهو كلام الله "، وقال الحافظ ابن حجر: " هو الإعلام بالشرع "، وعرفه البعض بأنه كلام الله المنزل على النبى المُوحَى إليه .
وقد أثار أعداء الاسلام ـ قديما وحديثا ـ شبهات كثيرة حول الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتستهدف هذه الشبهات في الغالب التأكيد على تطلع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمقام النبوة، وأن هذا الوحي ليس مرتبطاً بالله ـ عز وجل ـ، وإنما هو نابع من ذات محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فزعموا تارة: أن الوحي الذى نزل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أمر ذاتى من داخل نفسه الصافية، وعقله العبقرى، وتارة أخرى: يزعمون أنه عبارة عن أمراض عقلية ونفسية، وتارة ثالثة: أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ اقتبسه من اليهودية والنصرانية، أو أنه وحى شيطانى .. وقد أرادوا بذلك الطعن في الوحي، لأنهم يعلمون أن القدْح فى الوحي هو قدح في نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والنيل من الوحي والتشكيك فيه يؤدى إلى انهيار صرح الإسلام، إذ الوحي هو الأساس الذى بُنِيَ عليه الإسلام، قال الله تعالى: { يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الكَافِرُونَ }(التوبة الآية: 32 ) .
وللرد على ذلك: ينبغي العلم بأن الوحي ليس أمراً كَسْبيا يناله الإنسان بسعيه، فالنبوة اصطفاء لا اكتساب، ولا يمكن للعبد بالاجتهاد في الطاعة والترقي في مقامات العبودية أن ينال مرتبة النبوة، فهي ليست باباً مفتوحاً يصل إليه من سمت نفسه وروحه، وعظم عقله وفكره .. فالنبوة لا تكون إلا لمن اختاره الله واصطفاه، وليس معنى ذلك أن الأنبياء لم يكن فيهم مزية عن غيرهم، أو أنهم لم يكونوا أهلاً للنبوة، وإنما معناه أنهم لم ينالوا هذه المرتبة باجتهادهم، وإنما نالوها بفضل الله عليهم، واجتبائه لهم، والأنبياء كما هو معلوم أفضل الخلق، ونبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو الرسول المُصطفى والنبي المُجْتَبىَ الذي قال عن نفسه: ( إن الله اصطفى كنانة من ولد إسماعيل، واصطفى قريشا من كنانة، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم ) رواه البخاري، وقال: (إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتا فأحسنه وأجمله، إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون ويعجبون له ويقولون: هلاَّ وُضِعت هذه اللبنة؟، قال: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين ) رواه البخاري .
فالنبوة والرسالة اصطفاء إلهي يختص الله به من يشاء من عباده، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ }(الحج من الآية: 75) .
قال السعدي في تفسيره : " أي: يختار ويجتبي من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلًا، يكونون أزكى ذلك النوع، وأجمعه لصفات المجد، وأحقه بالاصطفاء، فالرسل لا يكونون إلا صفوة الخلق على الإطلاق، والذي اختارهم واصطفاهم ليس جاهلًا بحقائق الأشياء، أو يعلم شيئًا دون شيء، وإنما المُصْطَفِي لهم، السميع البصير، الذي قد أحاط علمه وسمعه وبصره بجميع الأشياء، فاختياره إياهم عن علم منه أنهم أهل لذلك، وأن الوحي يصلح فيهم، كما قال تعالى: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }(الأنعام من الآية: 124 ) " .

ولم يكن نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستشرف النبوة، ولا يتطَّلَّع لها، ولا يحلم بها، ولو كان يتطلع لها، لما فزع من نزول الوحي عليه، ولما رجع إلى خديجة ـ رضي الله عنها ـ خائفاً يستفسرها عن سر تلك الظاهرة التي رآها في غار حراء، ولم يتأكد من أنه رسول إلا بعد رؤية جبريل يقول له: " يا محمد أنت رسول الله، وأنا جبريل "، وبعد أن أكد له ورقة بن نوفل أن ما رآه في الغار هو الوحي الذي كان ينزل على موسى ـ عليه السلام ـ .
وقد أجمع كل من رأى النبيَّ - صلى الله عليه وسلم ـ وقت نزول الوحي عليه بعد ذلك، أنه كان يعاني في أثناء نزوله شدة وصعوبة، يبقى على ذلك ما شاء الله، فلا يهدأ ولا يذهب عنه الروع إلا بعد انتهاء الوحي، قال الله تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }(المزمل الآية: 5)، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: قالت: ( ولقد رأيتُه - تعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد ( يسيل ) عرقا ) رواه البخاري .
ومن هنا يظهر كذب وافتراء المشركين قديماً وبعض المستشرقين حديثاً في طعنهم وتشكيكهم في حقيقة الوحي إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقولهم: حديث نفس وإشراق روحي، أو: إلهام ومنام، وقد ردَّ الله على هذه الفرية وأكد على أن ما كان ينزل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما هو وحي من الله، كما أوحى الله إلى غيره من الأنبياء والرسل، والذي لم يكن يعلم عنه شيئا، ولم يكن متشوقا ولا متوقعا له، فقال تعالى: { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }(النساء الآية: 163)، وقال تعالى: { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ }(الشعراء من الآية 192: 195 ) .
قال ابن كثير: " { لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ } أي: أنزله الله عليك وأوحاه إليك، { نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ } : وهو جبريل ـ عليه السلام ـ، قاله غير واحد من السلف: ابن عباس، ومحمد بن كعب، وقتادة، والسدي، والضحاك، والزهري، وابن جريج، وهذا ما لا نزاع فيه " .
وقال تعالى: { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْأِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ }(الشورى:52) .
قال السعدي في تفسيره: " { مَا كُنْتَ تَدْرِي } أي: قبل نزوله عليك { مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ } أي: ليس عندك علم بأخبار الكتب السابقة، ولا إيمان وعمل بالشرائع الإلهية، بل كنت أميا لا تخط ولا تقرأ، فجاءك هذا الكتاب الذي { جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا } يستضيئون به في ظلمات الكفر والبدع، والأهواء المردية، ويعرفون به الحقائق، ويهتدون به إلى الصراط المستقيم " .

وكان ورقة بن نوفل يقول فيما ذكرت له خديجة ـ رضي الله عنها ـ: من أمر جبريل مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

يَا لِلرِّجَالِ وَصَرْفِ الدَّهْرِ وَالْقَدَرِ وَمَا لِشَيْءٍ قَضَاهُ اللهُ مِنْ غِيَرِ
حَتَّى خَدِيجَةُ تَدْعُونِي لِأُخبِرَهَا وَمَا لَهَا بَخَفِيِّ الْغَيْبِ مِنْ خَبَرِ
جَاءَتْ لِتَسْأَلَنِي عَنْهُ لِأُخبِرَهَا أَمْراً أُرَاهُ سَيَأْتِي النَّاسَ مِنْ أُخَرَ
فَخَبَّرَتْنِي بِأَمْرٍ قَدْ سَمِعْتُ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنْ قَدِيمِ الدَّهْرِ وَالْعُصُرِ
بِأَنَّ أَحْمَدَ يَأْتِيهِ فَيُخْبِرُهُ جِبْرِيلُ أَنَّكَ مَبْعُوثٌ إِلَى الْبَشَرِ
فَقُلْتُ علَّ الَّذِي تَرْجِينَ يُنْجِزُهُ لَكِ الْإِلَهُ فَرَجِّي الْخَيْرَ وانْتَظِرِي
وَأَرْسِلِيهِ إِلَيْنَا كَيْ نُسَائِلَهُ عَنْ أَمْرِهِ مَا يَرَى فِي النَّوْمِ وَالسَّهَرِ
فَقَالَ حِينَ أَتَانَا مَنْطِقًا عَجَبًا يَقِفُّ مِنْهُ أَعَالِي الْجِلْدِ وَالشَّعَرُ
إِنِّي رَأَيْتُ أَمِينَ اللهِ وَاجَهَنِي فِي صُورَةٍ أُكْمِلَتْ مِنْ أَهْيَبِ الصُّوَرِ
ثُمَّ اسْتَمَرَّ فَكَادَ الْخَوْفُ يَذْعُرُنِي مِمَّا يُسَلِّمُ مِنْ حَوْلِي مِنَ الشَّجَرِ
فَقُلْتُ ظَنِّي وَمَا أَدْرِي أَيَصْدُقُنِي أَنْ سَوْفَ تُبْعَثَ تَتَلُو مُنْزَلَ السُّوَرِ

إسلام ويب

Post: #1165
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 07:26 PM
Parent: #1164


هل سمع أحدٌ أنَّ حجراً أحبّ إنساناً وسلم عليه؟ أو أن حيواناً اشتكى إليه؟ أو أن شجراً أطاعه وحنَّ إليه؟ هذا هو ما حدث مع نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، آيات كريمة ومعجزات عظيمة، أكرم الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم لتشهد بصدقه وعلو منزلته، وجعلها دليلاً من دلائل نبوته، فسبحان من أنطق له الجماد، فسلم عليه الحجر، وانقاد إلى أمره الشجر، وحنَّ له الجذع، وشكا إليه الجمل، وسبح بين يديه الحصى صلوات الله وسلامه عليه.

لقد كانت حياة نبينا صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، بل منذ رضاعته وولادته ملفتة للنظر، فيها من الإشارات والدلائل والمعجزات ما يشير إلى بعثته ونبوته، وعناية الله به وحفظه له؛ لأنه سيكون فيما بعد هادي البشرية، وخاتم النبيين ورحمة الله للعالمين، ومن ثم قدَّر الله عز وجل أمورًا خارقة للعادة يسلط به الضوء عليه صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك سلام الحجر عليه.

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الملك بن عبيد الله بن أبي سفيان بن العلاء بن جارية الثقفي -وكان حافظاً- عن بعض أهل العلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراده الله بكرامته، وابتدأه بالنبوة، كان إذا خرج لحاجته أبعد عن البيوت، ويفضي إلى شعاب بين جبال مكة وبطون أوديتها، فلا يمر رسول صلى الله عليه وسلم بحجر ولا شجر إلا قال: السلام عليك يا رسول الله! قال: فيلتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم حوله وعن يمينه وشماله وخلفه، فلا يرى إلَّا الشجر والحجارة، فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك، يرى ويسمع ما شاء الله أن يمكث، ثم جاءه جبريل بما جاءه من كرامة الله، وهو بحراء في شهر رمضان".

وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني لأعرف حجراً بمكة، كان يسلم علي قبل أن أُبْعَث، إني لأعرفه الآن) رواه مسلم. قال النووي: "فيه معجزة له صلى الله عليه وسلم، وفي هذا إثبات التمييز في بعض الجمادات، وهو موافق لقوله تعالى في الحجارة: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} (البقرة:74)، وقوله تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُم} (الاسراء:44)، وفي هذه الآية خلاف مشهور، والصحيح أنه يسبح حقيقة ويجعل الله تعالى فيه تمييزاً بحسبه".

وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم بمكة، فخرجنا في بعض نواحيها، فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله) رواه الترمذي. وقال عبد الله بن مسعود: "كنت أمشي في مكة، فأرى حجراً أعرفه ما مرَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة إلا وسمعته بأذني يقول السلام عليك يا رسول الله". قال السهيلي: "وهذا التسليم الأظهر فيه أن يكون حقيقة، وأن يكون الله أنطقه إنطاقاً كما خلق الحنين في الجذع".

ولم تقف الدلائل النبويّة مع الجماد والحجر عند حدود النطق والكلام والسلام عليه صلى الله عليه وسلم فحسب، بل امتدّت لتشمل الحب والشوق، والمشاعر والأحاسيس، فعن سهل رضي الله عنه عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أحدٌ جبلٌ يحبنا ونحبه) رواه البخاري. وروى أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد أحداً، وأبو بكر وعمر وعثمان، فرجف بهم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اثبت أُحُد، فإنما عليك نبي وصِّديق وشهيدان) رواه البخاري، و(الصِّديق) هو أبو بكر رضي الله عنه، و(الشهيدان) هما عمر وعثمان رضي الله عنهما، وقد ماتا شهيدين.

قال ابن القيم بعد أن ذكر معجزات موسى وعيسى عليهما السلام: "وإذا كان هذا شأن معجزات هذين الرسولين، مع بُعد العهد وتشتت شمل أمّتيْهما في الأرض، وانقطاع معجزاتهما، فما الظن بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم, ومعجزاتُه وآياتُه تزيد على الألف والعهد بها قريب، وناقلوها أصدقُ الخلق وأبرُّهم، ونقلُها ثابت بالتواتر قرناً بعد قرن؟".

لَئِن سَبَّحت صُمُّ الْجِبَالِ مُجِيْبَةً لِدَاودَ أَوْ لاَنَ الْحَدِيدُ الْمُصفحُ

فإن الصَّخُورَ الصُّم لاَنَتْ بِكَفِّهِ وإن الْحَصَى فِي كَفِّهِ لَيُسَبِّحُ

لقد رافق بعثة نبينا صلى الله عليه وسلم من مهدها وقبلها وبعدها العديد من الآيات والمعجزات الدالة على صدقه ونبوته، فله صلوات الله وسلامه من الدلائل والمعجزات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، وهي كثيرة حتى قال البيهقي: "إنها بلغت ألفاً"، وقال ابن تيمية: "وكان يأتيهم بالآيات الدالة على نبوته صلى الله عليه وسلم، ومعجزاته تزيد على ألف معجزة، مثل انشقاق القمر وغيره من الآيات"، وذكر النووي في مقدمة "شرح صحيح مسلم" أنها تزيد على ألف ومائتين.

ولا شك، فإن أعظم المعجزات على الإطلاق معجزة القرآن الكريم، إلا أنه لا يمكن تجاهل باقي المعجزات والدلائل الحسية الثابتة والصحيحة في السيرة النبوية، والتي تمثَّل بعضها في نطق وسلام الحجر عليه صلى الله عليه وسلم، وطاعة الشجر له، وتسبّيح الطعام بين يديه، وحنين الجذع إليه، وغيرها من دلائل ومعجزات ليست من قبيل المجاز اللغويّ، ولكنّها آياتٌ ودلائل ومعجزات حسية، أكرم الله عز وجل بها نبيه صلى الله عليه وسلم، وشاهدها الصحابة رضوان الله عليهم واقعاً حياً أمام أعينهم, فكان لها الأثر البالغ في معرفتهم لعلو قدر نبيهم ومنزلته صلى الله عليه وسلم، وعظيم حبهم له، وشدة حرصهم على طاعته واتباعه، ومن ثم ستظل عباراته صلوات الله وسلامه عليه تُسْمِع الدنيا بأسرها قوله: (أنا دعوة أبي إبراهيم، وبشرى عيسى) رواه أحمد، وقوله صلوات الله وسلامه عليه: (أنا النبي لا كذب) رواه البخاري.

مَحَاسِنُ أَصْنَافِ النَّبِيِّينِ جَمَّةُ وَمَا قَصَبَاتُ السَّبْقِ إِلا لأَحْمَد
إسلام ويب

Post: #1166
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-29-2015, 07:29 PM
Parent: #1165


عاش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاثة وستين عاماً، وأتاه الوحي في سنّ الأربعين، فظلّ يجاهد ويكافح ويدعو قومه، ويربّي أتباعه ثلاثاً وعشرين سنةً، يقضي فيها على الوثنية المترسّخة في فكر العرب، ويؤسس لدعائم الحضارة التوحيديّة الفاضلة .
والنظرة الفاحصة لسيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والمتأمل لأخلاقه لا يملك إلا أن يقرّ بنبوته من خلالها، وبصدق دعوته على ضوئها، وفيها مِنَ العِبر والتأسي ما يكون منهاجاً للبشرية جمعاء، مفتاحاً لسعادتي الدنيا والآخرة، ذلك أن أخلاقه ـ عليه السلام ـ قائمةٌ على قيم الإسلام وتعاليمه، وعظمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ هي نابعةٌ من عظمة هذا الدين القيّم، وكفى بالله ـ سبحانه ـ شاهداً إذ يثني على رسوله في سورة القلم : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية: 4 ) ..
وتزيد أم المؤمنين عائشةٌ ـ رضي الله تعالى عنها ـ حين سألها قتادة ـ رضي الله عنه ـ عن خلُق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : ( كان خلقه القرآن ) رواه مسلم .
فمن كان هذا حاله فإن كلّ صفةٍ من صفاته وكل سلوكٍ من سلوكه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مكرمةٌ تستحق الوقوف عندها، والاقتداء بها .

فالمتتبع لسيرته يجد أن أخلاقه كالرحمة، والشجاعة، والصدق والأمانة وغيرها، موجودةٌ فيه منذ صغره، تبرز بسرعة وبشكلٍ طبيعيٍّ دون تكلّفٍ، لذلك عُرف ـ عليه السلام ـ بين رجال قريشٍ بلقب " الأمين "، فكانوا لا يرتابون في صدقه، أو أمانته أو إخلاصه، مما جعلهم يطمئنون لرأيه أثناء تحكيمه بين قبائل العرب فيمن يضع الحجر الأسود موضعه من الكعبة، بعد أن اختلفوا في ذلك طويلاً، دون أن يصلوا إلى حلٍّ يرضي الجميع .
فتصرف ـ صلى الله عليه وسلم ـ بحكمةٍ بالغةٍ، فخلع رداءه، ووضع عليه الحجر الأسود، وأمر رؤساء القبائل كلها أن تحمل هذا الرداء لرفع الحجر الأسود إلى مكانه، وهذا كان قبل النبوّة فتأمل ! .
فحكمته ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنقذت القبائل العربية من الفتنة والاقتتال، وزادت أخلاقه تأدّباً واكتمالاً بالوحي .
لذلك لما سُئلت عائشةٌ ـ رضي الله عنها ـ عن أخلاقه، أحالت السائل على القرآن الكريم لأنه تأدّب بتوجيهاته وتخلّق بتعاليمه، بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، فلو أرادت أن تذكر أخلاقه وصفاته بالتفصيل لما استطاعت الإحاطة بها .
يقول ابن هشام في سيرته : " فشبّ رسول الله تعالى، والله يكلؤُه ويحفظه ويحوطه من أقذار الجاهلية، لما يريد به من كرامته ورسالته، حتى بلغ أن كان رجلاً أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقاً، وأكرمهم حسَباً، وأحسنهم جواراً، وأعظمهم حلماً، وأصدقهم حديثاً، وأعظمهم أمانةً، وأبعدهم عن الفحش والأخلاق التي تُدنّس الرجال تنزّهاً وكرماً " .

مكارم أخلاقه في معاملته لأصحابه :

يقول الله تعالى مخاطباً نبيّه : { خُذِ العَفْوَ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ }(الأعراف الآية: 199)، فالنص القرآني جمع مكارم الأخلاق في ثلاثة عناوين جامعةٍ :
{ خُذِ العَفْوَ }: وفي أخذه بالعفو صلةٌ لمن قطعه، وصفحٌ عمن ظلمه، وغفرانٌ لمن عاداه .
{ وَأْمُرْ بِالعُرْفِ }: وفي الأمر بالعرف تقوى الله وهي منبع كل خير، ودعوة لكل مكرمة ونهي عن كل رذيلة وفاحشة .
{ وَأَعْرِضْ عَنِ الجَاهِلِينَ }: وفيه تنزيه النفس عن مماراة السفيه، وتضييع الوقت معه .
وفي تتبّع سيرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخصوص تعامله مع أصحابه، نجد أنفسنا أمام الجانب العمليّ لهذه الأخلاق القرآنية ومنها :

التفقّد والرعاية :

فقد كان يتفقّد أصحابه، ويسأل عنهم، فمن كان غائباً دعا له باليُمْن والسلامة، ومن كان حاضراً زاره، ومن كان مريضا عاده، ومن ذلك ما رواه مسلم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال : ( كنا جلوسا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ جاء رجل من الأنصار فسلم عليه ، ثم أدبر الأنصاري ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا أخا الأنصار ، كيف أخي سعد بن عبادة ؟، فقال : صالح ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مَنْ يعوده منكم ؟، فقام وقمنا معه ) .
ومن ذلك ما قاله عثمان ـ رضي الله عنه ـ : ( لقد صحبنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في السفر والحضر، وكان يعود مرضانا، ويتبع جنائزنا، ويغزو معنا، ويواسينا بالقليل والكثير ) رواه أحمد .

احترام مشاعر أصحابه :

فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتجنّب جرح أحاسيسهم، وكلما أراد تقويم وانتقاد تصرّف من تصرفاتهم، لا يسمي صاحب الخطأ حتى لا يخجل صاحبه، بل ينتقد الفعل الخاطئ ويوجه إلى الصواب، ومن ذلك ما يكون في الأحاديث من استعمال صيغة ( ما بال أقوام ) .

الصبر والحِلم :

ما لم يخلّ الخطأ بمقاصد التشريع الإسلامي، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصبر على المسيء، ويقابل الإساءة بالعفو والصفح، لمعالجة أسباب الخطأ والإساءة .

توجيه اهتمامات أصحابه لفعل الأولويات :

بحيث لا يقبل أن يضيعوا وقتهم في تعليم وتعلّم أمر لا نفع فيه، فقد سأله أعرابي : ( متى الساعة ؟، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : وما أعددتَ لها ؟، فقال الأعرابي : لا شيء، إلا أني أحب الله ورسوله، فقال : أنت مع من أحببت ) رواه البخاري .
فوجّه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الأعرابي إلى عدم السؤال عن شيء لا يفيد إن لم يرافقه عملٌ واستعدادٌ صالح .

التواضع :

فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكره أن يتميّز عن الناس بالقيام له حين دخوله، فقد خرج على أصحابه يوماً متوكّئاً على عصا، فقاموا إليه فقال : ( لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظّم بعضهم بعضاً ) رواه أبو داود .
كما كان يبدأ من لقيه بالسلام والمصافحة، ولا يلبس لباساً متمّيزاً به، حتى أن الغريب يأتي ولا يدري أيّهم رسول الله حتى يسأل .

وأخلاق الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه، لم تهتمّ بترسيخ القيم الاجتماعية والأخلاقية فحسب ، بل دعمها ووجّهها عمليّاً نحو الدفاع عن الدين والجماعة، من خلال الاعتماد على المبادئ التالية :

ـ إعطاء المثل في الصبر والشّجاعة على الجهاد، لتربية أصحابه على ضرورة الدّفاع عن الدّين والأمة، قال علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ : ( كنا إذا حمي الوطيس، أو اشتدّ البأسر واحمرّت الحَدَق ـ أي اشتدّت المعركة وغالبهم العدو ـ اتّقينا برسول الله، فما يكون أحدٌ أقرَب إلى العدو منه " رواه أحمد .
ـ تفضيل الطرق السلمية لحلّ الخلافات بين الأعداء، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتحاشى إراقة الدّماء ما استطاع، وذلك ما فعله عندما حلّ بالمدينة مع اليهود في البداية قبل نقضهم العهد، حيث وادعَهم وأقرّهم على حرية ممارسة دينهم وحفظ أموالهم .
ـ قبوله مبايعتهم على أساس الالتزام بالكتاب والسنة .
ـ تعويد أصحابه العمل الشّريف، والبعد عن الاتّكال ابتغاء مرضاة الله وطاعة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
ـ استشارة أصحابه، والاستفادة من إمكانياتهم العقليّة، وخبراتهم في الحياة، أثناء السّلم أو الحرب. فكان ـ عليه السلام ـ لا يتأخّر عن الاستشارة، امتثالاً لقوله تعالى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ }(آل عمران من الآية:159) .

هذه بعض معالم حياة النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاجتماعية بين أصحابه، إذْ مَنْ كان خُلُقه القرآن تصعب الإحاطة بكلّ صفاته وفضائله الدّالة على نبوّته، وحسبنا في هذا الباب ما يحقق المقصود، على أن نقف على بابٍ آخر من حياته - صلى الله عليه وسلم ـ في الجزء الثاني من المقالة .
عشنا في الجزء الأول بعضاً من اللطائف الماتعة، والأخلاق الرقراقة، والمواقف الخالدة لخير البشريّة ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ .
واليوم نقفُ مع أخلاقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ من خلال حياته مع أهله، فقد جعل ـ عليه السلام ـ مقاييس الأخلاق الإسلامية حسن معاملة الرجل لأهله، معاملةً تحفظ حقوقهم، وتضمن لهم الراحة النفسية، والعيش السعيد، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ الزوجَ المثالي في المعاشرة والتوادد، بما يقدّمه من أرقى أمثلة الأسوة، ويتبين ذلك مما يلي :

حسن المعاشرة :

فقد كان ـ عليه الصلاة والسلام ـ يحسن معاشرة زوجاته بالمعروف، لم يُلحق ضرراً بإحداهنّ قولاً وفعلاً : كالغلظة في القول، أو الحطّ من المنزلة، أو جرح الكرامة، فكان يتأنّق ويتجمّل لهن، ويجمعهنّ في بيت صاحبة المبيت، فيجلس بينهنّ فيأنسن به ويأنس بهنّ، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي ) رواه الترمذي .
وعن عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال: ( ما رأيتُ أحدًا أَكثرَ تبسُّمًا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) رواه الترمذي .

العدل بين الزوجات :

في السكن والزيارة : فكان لكلّ واحدةٍ منهنّ بيتها الخاصّ،فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا صلّى العصر زار كل واحدةٍ منهنّ، واطّلع على حالها، وقضى لها ما كانت بحاجةٍ إليه، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفضل بعضنا على بعض في القَسْم مِنْ مُكثه عندنا ) رواه أبو داود .

في المبيت والنفقة :

وقد حرص ـ صلى الله عليه وسلم ـ على العدل مع زوجاته، فرغم التفاوت بينهن في السنّ والجمال، لم يكن يصرفه شيء من ذلك عن العدل بينهن، فلكل واحدةٍ منهن حق المبيت، ولذلك كان يراعي المساواة فيه، وطالما هو حقٌّ، فليس له أن يسقطه دون إذن صاحبته، مما دفعه ـ عندما أثقله المرض ـ إلى استئذان نسائه ليمرَّض في بيت عائشة ـ رضي الله عنها ـ .

في السفر :

ولما كانت الزوجة تحب أن تكون مع زوجها في كل أحواله وأحيانه، فإن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أراد السفر أقرَعَ بين نسائه، فأيهن خرج سهمها خرج بها معه .

مساعدة زوجاته :

فمن أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه لم يكن يرى غضاضةً في مساعدة الرجل لزوجته في أمور البيت، على عكس كثير من رجال زماننا مما لا يحرك جفناً حين يرى زوجته قائمة بشؤون البيت تاعبةً في توظيبه ، وقد روى الإمام أحمد في مسنده عن الأسْود أنه قال : قلتُ لعائشة : ما كان رسول الله يصنع في بيته ؟، قالت : ( كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة خرج فصلّى ) رواه الترمذي .

معالجة القضايا الأسرية بالحكمة والإرشاد الإلهي :

وقد عاش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حياةً عاديةً مع زوجاته، وكان من الطبيعي أن تقوم بعض القضايا في الحياة الزوجية، فكان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعالجها إمَّا بالوحي الذي يُرشده إلى التصرّف السليم، أو بما عُرِفَ به من حكمة .

معاملته لأبنائه :

وإضافةً لكلّ ما سبق فقد كان من أخلاقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أولاده الرحمة بهم، والرعاية لهم، والتربية على هدي الإسلام وقيمه، فكان يلعب مع أبنائه إشباعاً لمناحي شخصيتهم، فعن أنسٍ بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أرحم النّاس بالصّبيان والعيال ) رواه ابن عساكر .

معاملته لخدمه :

إن معاملة الإنسان لخدمه تعتبر أدقّ مقياسٍ لنفسية وأخلاق هذا الإنسان، لأنه لا رادع له فيها إلا رقيبَ الخلق، والدين، فهذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتخلّق بمكارم القرآن، لم يثبت عليه أن تأفَّفَ من خادمه، وهو أقلّ ما يعبَّر به عن الاستياء، وعدم الرضى والسّخط، فبالأحرى الشّتم أو الضّرب، بل كان لا يأنف من السير إلى خدّامه ليزورهم في بيوتهم، فيمكث فيها ويداعب أطفالهم، ويدخل المسرّة على نفوسهم، وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال : ( خدمت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عشر سنين، فما قال لي أفٍّ قطّ، وما قال لشيء صنعتُه، لم صنعتَه، ولا لشيءٍ تركتُه، لم تركتَه ) رواه أبو داود، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( ما ضرب رسول الله بيده خادماً قطّ، ولا امرأةً ولا ضرب بيده شيئاً، إلا أن يجاهد في سبيل الله، ولا انتقم لنفسه من شيءٍ يؤتى إليه، حتى تُنتهك حرُماتُ الله، فيكون هو ينتقم لله ) رواه أحمد .

ومن هنا كانت سيرة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهجاً يكفل سلام الأسرة والمجتمع، فأخلاقه ـ عليه الصلاة والسلام ـ في هذا الجانب تدفع كلاًّ من الزوج والزوجة إلى أن تكون علاقتهما الزوجية مبنيّةً على أساس المودّة والرّحمة والتساكن، واحترام الضوابط الأخلاقية، كما يكفل الحقوق الشرعيّة لجميع أفراد الأسرة، ليعمّ السلام والأمن الاجتماعي ، فالفرد الذي لا يستمتع في بيته بالسلام لن يعرف له قيمةً، ولن يكون عامل سلامٍ في مجتمعه .
كما أن سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهجٌ لتحسين العلاقات الاجتماعية ، وتعتبر نموذجاً حيّاً في العلاقات الإنسانية الراقية، المؤسَسَة على العفو، والتسامح، والإحسان، والتكافل بشتى صوره وحاجاته، وغيرها من القيم التي تكوّن النظام الأخلاقي والاجتماعي في الإسلام، وعلى المسلم أن يمتثلها في حياته الاجتماعية لما تحققه فيها من توازنٍ مادّيٍ وروحيٍّ، ومن انسجامٍ مع وجوده، وهويته الدينية والحضارية .
وكل هذا مصداق قوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }(الأحزاب الآية: 21) .

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


أبو عبد الرحمن الإدريسي

Post: #1167
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 01:04 AM
Parent: #1166


مكث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثلاث عشرة سنة في مكة، يدعو قومه إلى عبادة الله وحده، وترك ما كانوا عليه وآباءهم من عبادة الأصنام، فاستجاب له قلة قليلة آمنوا به، ولقوا في الله من الأذى والعنت ما الله به عليم، فأمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالهجرة إلى الحبشة، ليأمنوا على أنفسهم وعلى دينهم من الفتن، وبقي هو ونفر معه، صابراً على أذى قريش، حتى ماتت زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ، التي كانت تقف دونه بمنزلتها ومن يؤازرها من عشيرتها، ومات أبو طالب الذي كان يدافع عنه، فجعل يعرض نفسه على قبائل العرب في موسم الحج، حتى شرح الله ـ عز وجل ـ له صدور طائفة من الأوس والخزرج فآمنوا به، وبايعوه بيعتي العقبة الأولى والثانية على أن يمنعوه مما يمنعون منه أولادهم ونساءهم إن هو قدِم عليهم، ووعدوه بالنصرة والطاعة، ووعدهم بالجنة .

وفي المقابل ضاق كفار قريش ذرعا بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ووجدوا أنفسهم قد فشلوا في كل محاولاتهم في القضاء عليه وعلى دعوته الجديدة،، إذ فشلوا في وسائل التعذيب والإرهاب، كما فشلوا في أساليب الإغراء والمساومات، وعلموا بما تم بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأهل المدينة في بيعة العقبة، فأزعجهم ذلك، وشعروا بأن الإِسلام ستكون له دولة يأرز إليها، وحِصنٌ يحتمي به، وتوجسوا خيفةً من عواقب هذه المرحلة الخطيرة في دعوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعزموا على أن يتخذوا قراراً حاسماً للقضاء عليه مهما كلفهم ذلك ..
وفي وم السادس والعشرين من شهر صفر في السنة الرابعة عشرة من البعثة النبوية وبعد شهرين ونصف من بيعة العقبة الكبرى، اجتمع في دار الندوة: أبو جهل بن هشام، وجبير بن مُطْعِم، وطُعَيْمَة بن عدي، والحارث بن عامر، وشيبة وعتبة ابنا ربيعة، وأبو سفيان بن حرب، والنَّضْر بن الحارث، وأبو البَخْتَرِي بن هشام، وزَمْعَة بن الأسود، وحَكِيم بن حِزَام، وأمية بن خَلَف وغيرهم من صناديد الكفر حينئذٍ بمكة، وأجمعوا أمرهم على قتل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولما جاءوا إلى دار الندوة اعترضهم إبليس في هيئة شيخ جليل وشاركهم في هذا الاجتماع، وقد قال الله تعالى عن ذلك: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(الأنفال الآية: 30 ) .

وقد روي ابن هشام في السيرة النبوية، وابن إسحاق صاحب المغازي، وابن كثير في تفسيره، ما دار من حوارٍ بين المشركين في هذه الجلسة عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أن نفرا من قريش من أشراف كل قبيلة اجتمعوا ليدخلوا دار الندوة، فاعترضهم إبليس في صورة شيخ جليل، فلما رأوه قالوا له: من أنت؟ قال: شيخ من أهل نجد، سمعت أنكم اجتمعتم، فأردت أن أحضركم، ولن يعدمكم رأيي ونصحي، قالوا: أجل، ادخل، فدخل معهم فقال: انظروا في شأن هذا الرجل!، والله ليوشكن أن يواثبكم في أمركم بأمره، فقال قائل منهم: احبسوه في وثاق، ثم تربصوا به ريب المنون حتى يهلك كما هلك من كان قبله من الشعراء، زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم، قال فصرخ عدو الله، الشيخ النجدي، فقال: والله ما هذا لكم برأي، والله ليخرجنه ربه من محبسه إلى أصحابه، فليوشكُن أن يثبوا عليه، حتى يأخذوه من أيديكم، فيمنعوه منكم، فما آمن عليكم أن يخرجوكم من بلادكم، قالوا: صدق الشيخ، فانظروا في غير هذا، قال قائل منهم: أخرجوه من بين أظهركم، فتستريحوا منه، فانه إذا خرج لن يضركم ما صنع، وأين وقع، إذا غاب عنكم أذاه، واسترحتم، وكان أمره في غيركم، فقال الشيخ النجدي: والله ما هذا لكم برأي، ألم تروا حلاوة قوله، وطلاقة لسانه، وأخذ القلوب ما تسمع من حديثه؟، والله لئن فعلتم ثم استعرض العرب ليجتمعُن عليه، ثم ليأتين إليكم حتى يخرجكم من بلادكم، ويقتل أشرافكم، قالوا: صدق والله، فانظروا رأياً غير هذا، قال: فقال أبو جهل، لعنه الله: والله لأشيرن عليكم برأي ما أراكم أبصرتموه بعد، لا أرى غيره، قالوا: وما هو؟، قال: تأخذون من كل قبيلة غلاما شاباً وسيطا نهدا، ثم يُعطى كل غلام منهم سيفا صارما، ثم يضربونه ضربة رجل واحد، فاذا قتلوه تفرق دمه في القبائل كلها، فما أظن هذا الحي من بني هاشم يقوون على حرب قريش كلها، فإنهم إذا رأوا ذلك قبلوا العقل واسترحنا، وقطعنا عنا أذاه، قال: فقال الشيخ النجدي: هذا والله الرأي، القول ما قال الفتى، لا أرى غيره، قال: فتفرقوا على ذلك، وهم مجمعون له، فأتى جبريلُ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأمره أن لا يبيت في مضجعه الذي كان يبيت فيه، وأخبره بمكر القوم، فلم يبت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في بيته تلك الليلة، وأذن الله له عند ذلك بالخروج، وأنزل الله عليه بعد قدومه المدينة الأنفال، يذكر نعمه عليه، وبلاءه عنده: { وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(الأنفال الآية:30) ) .

وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( إن الملأ من قريش اجتمعوا في الحجر فتعاقدوا باللات والعزَّى ومناتَ الثالثةِ الأُخرى ونائلةَ وإساف، لو قد رأينا محمدًا لقد قمنا إليه قيام رجل واحد فلم نفارقه حتى نقتله، فأقبلت ابنته فاطمة ـ رضي الله عنها ـ تبكي حتى دخلت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت: هؤلاء الملأ من قريش قد تعاقدوا عليك، لو قد رأوك لقد قاموا إليك فقتلوك فليس منهم رجل إلا قد عرف نصيبه من دمك؟، فقال: يا بُنَيَّةُ أَرِيني وُضوءاً، فتوضأ ثم دخل عليهم المسجد، فلما رأوه قالوا، ها هو ذا، وخفضوا أبصارهم، وسقطت أذقانهم في صدورهم، وعقروا في مجالسهم فلم يرفعوا إليه بصرًا، ولم يقم إليه منهم رجل فأقبل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى قام على رؤوسهم فأخذ قبضة من التراب فقال: شاهت (قبحت) الوجوه، ثم حَصَبَهم بها فما أصاب رجلًا منهم من ذلك الحصى حصاة إلا قُتِلَ يوم بدرٍ كافراً ) .
وروى البيهقي في دلائل النبوة: ( وأقام رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينتظر أمر الله حتى إذا اجتمعت قريش فمكرت به وأرادوا به ما أرادوا أتاه جبريل ـ عليه السلام ـ، فأمره أن لا يبيت في مكانه الذي كان يبيت فيه، فدعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليَّ بن أبي طالب، فأمره أن يبيت على فراشه، ويتسجى ببرد له أخضر ففعل، ثم خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على القوم وهم على بابه، وخرج معه بحفنة من تراب فجعل يذرها على رءوسهم، وأخذ الله ـ عز وجل ـ بأبصارهم عن نبيه وهو يقرأ : { يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ }(يس الآية: 1: 2)، إلى قوله -: { فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ }(يس: من الآية: 9 )، ثم قال البيهقي: " ورُوِيَ عن عكرمة ما يؤكد هذا " .

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ :

لقد مكر كفار قريش و قرروا أن يقتلوا ويتخلصوا من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ،على أن يتولى ذلك المنكر العظيم فتية من القبائل جميعاً، ليتفرق دمه في قبائل كثيرة، فيعجز بنو هاشم عن قتال العرب كلهم، فيرضوا بالدية، ولكن الأمر انتهى إلى النتيجة التي أرادها الله ـ عز وجل ـ وهي حفظ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإفشال مكرهم ومخططهم، فإن الله ـ سبحانه ـ هو القاهر فوق عباده، الغالب على أمره، قال الله تعالى: { وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ }(الأنفال من الآية: 30).
وهذا المكر المضاف إلى الله ـ عز وجل ـ ليس كمكر المخلوقين، لأن مكر المخلوقين مذموم، وأما المكر المضاف إلى الله ـ سبحانه ـ فإنه محمود، لأن مكر المخلوقين معناه الخداع والتضليل، وإيصال الأذى إلى من لا يستحقه، أما المكر من الله ـ عز وجل ـ فإنه محمود، لأن فيه حفظ الله لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وإيصال العقوبة لمن يستحقها، فهو عدل ورحمة .
قال الشيخ ابن عثيمين: " فالمكر صفة مدح في محله، لأنه يدل على القوة وعلى العظمة، وعلى الإحاطة بالخصم، وعلى ضعف الخصم، وعدم إدراكه ما يريده به خصمه .. وعلى هذا فلو قال قائل هل يصح أن يوصف الله بالمكر؟، فالجواب: أن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق لا يجوز، وأما وصف الله بالمكر في موضعه في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسله فإن هذا جائز، لأنه في هذه الحال يكون صفة كمال " .
وقال الشيخ الألباني: " كل ما خطر ببالك فالله بخلاف ذلك، فإذا توهم الإنسان أمراً لا يليق بالله، فليعلم رأساً أنه مخطئ، فهذه الآية هي مدح لله ـ عز وجل ـ، وليس فيها أي شيء لا يجوز نسبته إلى الله تبارك وتعالى " .

إن من دلائل نبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخصوصياته: عصمة بدنه الشريف من القتل، والأمثلة من سيرته وحياته التي تدل على ذلك كثيرة، ومنها هذه المؤامرة التي دبرها زعماء قريش في دار الندوة .
قال الماوردي: " فمن معجزاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ: عصمتُه من أعدائه، وهم الجمُّ الغفير، والعددُ الكثير، وهم على أتم حَنَقٍ عليه، وأشدُّ طلبٍ لنفيه، وهو بينهم مسترسلٌ قاهر، ولهم مخالطٌ ومكاثر، ترمُقُه أبصارُهم شزراً، وترتد عنه أيديهم ذعراً، وقد هاجر عنه أصحابه حذراً حتى استكمل مدته فيهم ثلاث عشرة سنة، ثم خرج عنهم سليماً، لم يكْلَم في نفسٍ ولا جسد، وما كان ذاك إلا بعصمةٍ إلهيةٍ وعدَه الله تعالى بها فحققها، حيث يقول: { وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ }المائدة من الآية: 67) فعَصَمَه منهم "..
ومن دروس وفوائد هذا الموقف من السيرة النبوية: مَنْ حفظ الله حفظه الله، فهذا درس عظيم، وسُنَّةٌ ماضية في: أنَّ مَنْ حفِظ اللهَ حفظه الله، والحفظُ من الله عام وشامل، وأعظم ما في ذلك أن يُحْفَظَ الإنسان في دينه ودعوته، وهذا الحفظ يشمل حفظ البدن، ولكن ليس بالضرورة أن يُحفظ المؤمن الذي حفظ الله، فلا يصل إليه أعداؤه بالأذى، فقد يُصاب ويُبتلى لترفع درجاته، وتُكَفَّر ذنوبُه، فعن سعد بن أبى وقاص ـ رضى الله عنه ـ قال: ( قلت: يا رسول الله! أى الناس أشد بلاءً؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يُبْلَتَى الرجلُ على حسب دينه، فإن كان دينه صلباً اشتد بلاؤه، وإن كان فى دينه رقة ابْتُلِىَ على حسب دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشى على الأرض ما عليه خطيئة ) رواه الترمذي .
إسلام ويب

Post: #1168
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 01:42 AM
Parent: #1167


تبسمك في وجه أخيك صدقة
رسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو أعظم الناس قدرا، وأعلاهم شرفا، وأشرحهم صدرا، وكان يملك قلوب أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ بوجهه البسَّام، وابتسامته المشرقة، وكلماته الطيبة، وقد قال الله تعالى عن حاله مع أصحابه: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ }(آل عمران من الآية: 159)، وقال هند بن أبي هالة ـ رضي الله عنه ـ: " كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ دائم الْبِشْرِ، سهل الخُلُق، لَيِّنَ الجانب " .
قال ابن عيينة: " البَشَاشَة مصيدة المودَّة، و البِرُّ شيء هيِّن، وجه طليق، وكلام ليِّن " .

أخو البِشْرِ محبوبٌ على حُسْنِ بِشْرِهِ ولن يعدم البغضاءَ منْ كان عابسا

الابتسامة في الوجوه أسرع طريق إلى القلوب، وأقرب باب إلى النفوس، وهي من الخصال المتفق على استحسانها وامتداح صاحبها، وقد فطر الله الخَلْقَ على محبة صاحب الوجه المشرق البسَّام، وكان نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الناس تبسُّمًا، وطلاقة وجهٍ في لقاء من يلقاه، وكانت البسمة إحدى صفاته التي تحلّى بها، حتى صارت عنواناً له وعلامةً عليه، وكان لا يُفَرِّق في حُسْن لقائه وبشاشته بين الغنيّ والفقير، والأسود والأبيض، حتى الأطفال كان يبتسم في وجوههم ويُحسِن لقاءهم، يعرف ذلك كل من صاحبه وخالطه، كما قال عبد الله بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ: ( ما رأيت أحدا أكثر تبسّما من رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
وتصف عائشة ـ رضي الله عنها ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فتقول: ( كان ألين الناس، وأكرم الناس، وكان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكًا بسّامًا ) .
والبعض تراه عابساً دائماً، يظن أن التبسم فيه إنزال من مكانته، ونقص من هيبته أمام الآخرين، فهؤلاء واهمون ينفرون أكثر مما هم يقربون، لأن التبسم في وجه أخيك مع كونه مفتاحاً للقلوب، وتأليفاً للنفوس فهو سنة نبوية، فعن جرير بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ( ما حجبني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذُ أسلمتُ، ولا رآني إلا تبسمَ في وجهي ) رواه مسلم .

ولم يكتفِ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأن يكون قدوة عملية في الابتسامة، بل إنه دعا إليها وحثَّ عليها بقوله، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تَبَسُّمُك في وَجْه أَخِيك لك صدقة ) رواه الترمذي .
قال المناوي: " ( تبسُّمك في وجه أخيك ) أي في الإسلام، ( لك صدقة ) يعني: إظهارك له البَشَاشَة، والبِشْر إذا لقيته، تؤجر عليه كما تؤجر على الصَّدقة "
وقال ابن بطَّال: " فيه أنَّ لقاء النَّاس بالتَّبسُّم، وطلاقة الوجه، من أخلاق النُّبوة، وهو مناف للتكبُّر، وجالب للمودَّة " .
وقد جمع الإمام البخاري أحاديث كثيرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبوَّب لها : ( باب التبسم والضحك )، وفي ذلك دليل على الابتسامة التي كان يحرص عليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكذلك جمع الإمام مسلم في صحيحه أحاديث بوب لها الإمام النووي فقال في كتاب الفضائل: ( باب تبسمه وحسن عشرته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ) .

التبسم في الوجوه عمل بسيط ويسير، غير مكلف ولا مجهد، ولكن له الأثر الكبير في نشر الألفة والمحبة بين الناس، وهو في سنة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من المعروف الذي يؤدي إلى مرضاة الله ـ عز وجل ـ، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كلُّ معروف صدقة، وإنَّ من المعروف أن تلقى أخاك بوجهٍ طَلْق ) رواه الترمذي .
وعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال لي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْـمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ ) رواه الترمذي وصححه الألباني .
قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ولو أن تلقى أخاك بوجه طَلْق )، روي ( طَلْق ) على ثلاثة أوجه: إسكان اللام، وكسرها، وطليق بزيادة ياء، ومعناه: سهل منبسط، وفيه الحثُّ على فضل المعروف، وما تيسَّر منه وإن قلَّ، حتى طلاقة الوجه عند اللِّقاء .
قال المباركفوري: " ( وإنَّ من المعروف ) أي: من جملة أفراده، ( أن تلقى أخاك ) أي: المسلم، ( بوجهٍ ) بالتنوين، ( طَلْق ) معناه: تلقاه منبسط الوجه متهلِّله " .
وقال ابن علان في دليل الفالحين: " أي بوجه ضاحك مستبشر، وذلك لما فيه من إيناس الأخ المؤمن، ودفع الإيحاش عنه، وجبر خاطره، وبذلك يحصل التَّأليف المطلوب بين المؤمنين " .
وقال أيضًا: " أي: متهلِّلٌ بالبِشْر والابتسام، لأنَّ الظَّاهر عنوان الباطن، فلُقْيَاه بذلك يشعر لمحبَّتك له، وفرحك بلُقْيَاه، والمطلوب من المؤمنين التوادُّ والتحابُّ " .

ومما ثبت أيضا في استحباب البشاشة وطلاقة الوجه عند اللقاء قوله - صلى الله عليه وسلم-: ( إِنَّكُمْ لا تَسَعون النَّاسَ بِأَمْوَالِكُمْ، وَلَكِنْ يَسَعُهُمْ مِنْكُمْ بَسْط الْوَجْه، وَحُسْنُ الْخُلُق ) رواه البيهقي في شعب الإيمان، وقال الألباني: حسن لغيره .
وعن جابر بن سليم الْهُجَيْمِىُّ - رضي الله عنه - قال: قلت: ( يا رسول الله إِنَّا قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَة، فَعَلِّمْنَا شَيْئاً يَنْفَعُنَا الله ـ تبارك وتعالى ـ بِه، قال: لاَ تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوف شَيْئاً وَلَوْ أَنْ تُفْرِغَ مِنْ دَلْوِكَ فِي إناء الْمُسْتَسْقِي، وَلَوْ أَنْ تُكَلِّمَ أَخَاك ووجْهُك إليه مُنْبَسِط ) رواه ابن حبان وصححه الألباني .
قوله - صلى الله عليه وسلم -: ( مُنْبَسِط ) أي: منطلق بالسرور والانشراح، قال حبيب بن ثابت: " من حسن خلق الرجل أن يحدث صاحبه وهو مقبل عليه بوجهه ".
وقال الإمام الغزالي:" فيه رد على كل عالم أو عابد عبس وجهه، وقطب جبينه كأنه مستقذر للناس، أو غضبان عليهم، أو منزه عنهم، ولا يعلم المسكين أن الورع ليس في الجبهة حتى تُقطَّب، ولا في الخد حتى يُصَعَّر، ولا في الظهر حتى ينحني، ولا في الرقبة حتى تُطاطأ، ولا في الذيل حتى يضم، إنما الورع في القلب ".

الابتسامة إحدى وسائل غرس الألفة والمحبة بين الناس، وهي سنة نبوية ووسيلة دعوية، ومفتاح للقلوب، وكنز تنفق منه مع أهلك وإخوانك وجيرانك وكل من تقابله وتدعوه، وصدقة لا تكلفك ديناراً ولا درهماً، فعن أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( تبسمك في وجه أخيك لك صدقة ) رواه الترمذي .
إسلام ويب

Post: #1169
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 01:46 AM
Parent: #1168


كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ أعظم وأجَّل في نفوس الصحابة من أن يرفعوا أصواتهم بحضرته، أو يلغوا إذا تحدث، وينشغلوا عنه إذا تكلم، وإنما كانوا يلقون إليه أسماعهم ويتأدبون معه، فعن علي بن أبي طالب ـ رضي الله عنه ـ في وصف حال أصحابه ـ رضوان الله عليهم ـ عند سماع قوله وحديثه - صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( وإذا تكلم أطرق جلساؤه، كأنما على رؤوسهم الطير، فإذا سكت تكلموا ) رواه الترمذي .
قال ابن القيم: " رأس الأدب مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كمال التسليم له، والانقياد لأمره، وتلقي خبره بالقبول والتصديق، دون أن يُحَّمِّله معارضة، بخيال باطل يسميه معقولا، أو يحمله شبهة أو شكاً، أو يقدم عليه آراء الرجال " .
والأعراب هم ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة، وليست قبائل بعينها، فهم لذلك أقسى قلوبا وأقل علما بحقوق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ والأدب معه، قال ابن الجزري: " والأعراب ساكنو البادية من العرب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة "، وكذا قال الشوكاني في فتح القدير .
وجُفَاة الْأَعْرَاب من حديثي العهد بالإسلام الذين أساء بعضهم الأدب مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد صبر وحلم على جفائهم وغلظتهم معه, بل وأحسن إليهم، فكان مثالا للمعلم والمربي الذي يدرك أحوالهم, وطبيعة بيئتهم وحياتهم المتصفة بالشدة والقسوة، فكان يبين لهم برفق، ويعاملهم بحكمة على قدر عقولهم وتفكيرهم وطبيعتهم، بل اتسع حلمه عليهم حتى جاوز العدل إلى الإحسان إليهم، فكان بهم رحيماً، ولهم محسنا ومصلحاً .

رحابة الصدر فيه غير خافية من أجلها عظمت فيهم مكانته

وهذه بعض المواقف النبوية التي تدل على حسن معاملته ـ صلى الله عليه وسلم ـ للأعراب رغم غلظتهم معه، وإساءتهم له :

أكثرْتَ عليَّ مِن أبشر :

عن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعرابي فقال: ألا تنجز لي ما وعدتني؟، فقال له: أبشر، فقال: قد أكثرت عليَّ من أبشر، فأقبل على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان، فقال: ردَّ البشرى، فاقبلا أنتما، قالا: قبلنا، ثم دعا بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه، ومج فيه ثم قال: اشربا منه، وأفرغا على وجوهكما ونحوركما وأبشرا، فأخذا القدح ففعلا، فنادت أم سلمة من وراء الستر أن أفضلا لأمكما, فأفضلا لها منه طائفة ) رواه البخاري .
قال الحافظ ابن حجر في الفتح : ( أبشر ) بهمزة قطع، أي بقرب القسمة، أو بالثواب الجزيل على الصبر" .
وقال النووي: " في الحديث: فضيلة ظاهرة لأبي موسى وبلال وأم سلمة - رضي الله عنهم -، وفيه استحباب البشارة واستحباب الازدحام فيما يتبرك به وطلبه ممن هو معه، والمشاركة فيه " .
وعن محمَّد بن جبير قال: أخبرني جبير بن مطعم أنه: ( بينما يسير هو مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مقفله (رجوعه) من حنين، فَعَلِقَهُ (تبعه) الأعراب يسألونه، حتى اضطروه إلى سمرة (شجرة)، فخطفت رداءه، فوقف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: أعطوني ردائي، فلو كان لي عدد هذه العضاه (شجر له شوك) نعما، لقسمته بينكم، ثم لا تجدوني بخيلا ولا كذابا ولا جبانا ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " في هذه الأحاديث وفي معناها: ذم الخصال السيئة، وهي البخل والكذب والجبن، وأن إمام المسلمين لا يصلح أن يكون فيه خصلة منها، وفيه ما كان في النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الحلم وحسن الخلق وسعة الجود، والصبر على جفاة الأعراب " .

حلمه مثل سنا الشمس وهل لسنا الشمس يُرى من جاحد

ما أريدَ بهذه القسمة وجه الله :

عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه ـ قال : ( فلما كان يوم حنين آثر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ناسا في القسمة، فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل، وأعطى عيينة مثل ذلك، وأعطى أناسا من أشراف العرب، وآثرهم يومئذ في القسمة، فقال رجل: والله إن هذه القسمة ما عُدِل فيها وما أريد فيها وجه الله، قال : فقلت: والله لأخبرن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال: فأتيته فأخبرته بما قال، قال: فتغير وجهه حتى كان كالصِرف (صبغ أحمر)، ثم قال: فمن يعدل إن لم يعدل الله ورسوله؟!، قال : ثم قال : يرحم الله موسى، قد أوذي بأكثر من هذا فصبر )، قلت: لا جرم لا أرفع إليه بعدها حديثا ) رواه مسلم .
يقول ابن القيم في كتابه زاد المعاد: " ومعلوم أن الأنفال لله ولرسوله يقسمها رسوله حيث أمره لا يتعدى الأمر، فلو وضع الغنائم بأسرها في هؤلاء لمصلحة الإسلام العامة، لما خرج عن الحكمة والمصلحة والعدل .. ولعمر الله إن هؤلاء من أجهل الخلق برسوله، ومعرفته بربه وطاعته له، وتمام عدله، وإعطائه لله، ومنعه لله " .

يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك :

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كنت أمشى مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه (جذبه) بردائه جبذة شديدة، نظرت إلى صفحة عنق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد أثرت بها حاشية الرداء من شدة جبذته ، ثم قال : يا محمد مُرْ لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك ثم أمر له بعطاء ) رواه مسلم، وفي رواية النسائي ( ضعفها الألباني ) أن الأعرابي قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " فإنك لا تعطي من مالك ولا مال أبيك " .
لقد جمع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الموقف بين الحلم والصبر على جفاء الأعرابي وغلظته، وبين الإحسان إليه، بل أضاف إلى الموقف الابتسامة والضحك .
قال النووي: " فيه احتمال الجاهلين والإعراض عن مقابلتهم، ودفع السيئة بالحسنة، وإعطاء من يتألف قلبه، والعفو عن مرتكب كبيرة لا حدَّ فيها بجهله، وإباحة الضحك عند الأمور التي يتعجب منها في العادة، وفيه كمال خلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحلمه وصفحه " .

واغدراه، واغدراه :

عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( ابتاع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جزورا من أعرابي بوسق من تمر الذّخيرة (العجوة)، فجاء منزله، فالتمس التمر، فلم يجده، فخرج إلى الأعرابي فقال: عبد الله، إنا قد ابتعنا منك جزورك هذا بوسق من تمر الذّخيرة، ونحن نرى أن عندنا، فلم نجده، فقال الأعرابي: واغدراه، واغدراه، فوكزه الناس وقالوا:إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ تقول هذا؟!، فقال: دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالا، فردد ذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ مرتين أو ثلاثا، فلما رآه لا يفقه عنه قال لرجل من أصحابه: اذهب إلى خولة بنت حكيم بن أمية فقل لها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ يقول لك إن كان عندك وسق من تمر الذّخيرة فسلفينا حتى نؤديه إليك إن شاء الله تعالى، فذهب إليها الرجل ثم رجع قال: قالت: نعم هو عندنا يا رسول الله، فابعث من يقبضه، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ للرجل: اذهب فأوفه الذي له، فذهب فأوفاه الذي له، قال فمرَّ الأعرابي برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو جالس في أصحابه، فقال: جزاك الله خيرا، فقد أوفيْتَ وأطيبت، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلّم ـ: أولئك خيار الناس الْمُوفُونَ الْمُطَيِّبُون (الذين طيب الله أوصافهم) ) رواه أحمد وحسنه الألباني .

ما أظلت الخضراء وما أقلت الغبراء أحسن خُلُقَاً مِنْ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم -، ومن عظيم أخلاقه وجميل صفاته التي ظهرت في مواقفه مع الأعراب وغيرهم: حلمه على من جهل عليه، وعفوه عمن ظلمه، وإحسانه مع من أساء إليه، امتثالاً لقول الله تعالى: { فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُحْسِنِينَ }(المائدة من الآية: 13) .

يعفو ويصفح قادراً عمَّن جَنى عملاً بقول الله فاعف واصفح

إسلام ويب

Post: #1170
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 01:51 AM
Parent: #1169


الاهتمام بقضاء حوائج الناس والإحسان إليهم لا يُحسِنه كُلُّ أحدٍ، ورسولنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ قبل بعثته كان من ضمن شمائله الكريمة قضاء حوائج الناس، كما أثنت عليه بذلك زوجته خديجة ـ رضي الله عنها ـ حيث قالت له يوم أن جاء فزعاً من الغار في بداية الوحي: " كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقرى الضيف، وتعين على نوائب الحق ".
فالإحساس بآلام الناس والقيام بخدمتهم وقضاء حوائجهم من تمام رحمته، وكمال جُودِه وسَعيِه، وحسن أخلاقه وجميل صفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وقد قال الله تعالى عنه: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ }(الأنبياء الآية:107)، وقال: { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم الآية:4 )، وعن جابر بن عبد الله - رضِي الله عنه - قال: ( ما سُئِل رسول الله - صلّى الله عليه وسلَّم - شيئًا قطُّ فقال: لا ) رواه البخاري .
وفي سيرته وسُنته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ القولية والفعلية شواهد كثيرة تدل على اهتمامه الكبير بقضاء حوائج المسلمين، والحث والعمل على تفريج كُرَبِهم .

من السُنَّة القولية :

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من نفَّس ( أزال ) عن مؤمن كربة من كُرَب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسَّر على معسر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه ) رواه مسلم .
قال النووي: " وهو حديث عظيم، جامع لأنواع من العلوم والقواعد والآداب، وفيه فضل قضاء حوائج المسلمين، ونفعهم بما تيسر من علم، أو مال، أو معاونة، أو إشارة بمصلحة، أو نصيحة، وغير ذلك ".
وعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة ) رواه مسلم، ( من كان في حاجة أخيه ) أي: في قضائها بالفعل أو بالتسبب .
وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: ( لدغتْ رجلاً منا عقرب ونحن مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال رجل: يا رسول الله، أرقيه؟، فقال - صلى الله عليه وسلم -: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل ) رواه مسلم .

ومنها ترغيبه - صلى الله عليه وسلم ـ في قضاء حاجة الأرملة واليتيم ـ خاصة ـ فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، - وأحسبُه قال - وكالقائمِ لا يفتُرُ، وكالصائمِ لا يفطر ) رواه البخاري .
وعن سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا، وأشارَ بالسَّبَّابةِ والوُسطى ، وفرَّجَ بينَهما شيئًا ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رجلاً جاء إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال يا رسول الله: أي الناس أحب إلى الله؟، وأي الأعمال أحب إلى الله؟، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخ في حاجة أحب إلي من أن أعتكف في هذا المسجد ( مسجد المدينة ) شهراً، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ـ ولو شاء أن يمضيه أمضاه ـ ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يثبتها له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام ) رواه الطبراني .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( سئل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أي الأعمال أفضل؟ قال: أن تدخل على أخيك المؤمن سروراً، أو تقضي له ديناً، أو تطعمه خبزاً ) رواه البيهقي .
قال المناوي في فيض القدير: ( أي الأعمال أفضل؟ ) : أي من أفضلها بعد الفرائض، والمراد الأعمال التي يفعلها المؤمن مع إخوانه، ( أن تدخل ) أي إدخالك على أخيك المؤمن أي أخيك في الإيمان وإن لم يكن من النسب، ( سروراً ) أي سبباً لانشراح صدره من جهة الدين والدنيا، ( أو تقضي ) تؤدي عنه ديناً لزمه أداؤه، لما فيه من تفريج الكرب وإزالة الذل، أو تطعمه ولو خبزاً فما فوقه من نحو اللحم أفضل، وإنما خص الخبز لعموم تيسر وجوده، حتى لا يبقى للمرء عذر في ترك الإفضال على الإخوان، والأفضل إطعامه ما يشتهيه " .
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( من سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فليُنفِّس عن معسر أو يضع عنه ) .

من السُنَّة الفعلية في قضاء حوائج المسلمين :

كان من هديه - صلَّى الله عليه وسلَّم ـ مع أصحابه من حسن الخُلق ما لا يخفي، ومن ذلك أنه كان يسأل عنهم، ويتواضع معهم، ويزور مرضاهم، ويشهد جنائزهم، ويشفق عليهم، ويشعر بآلامهم، ويسعى في تفريج همومهم وقضاء حوائجهم، فكان يقوم على حاجة أصحابه عامة، وعلى حاجة الأرامل والمساكين واليتامى خاصة، فلا يأنَفُ أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي حاجتهم .
عن عبد الله بن أبي أوفى ـ رضي الله عنه ـ في وصفه للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( ولا يأنف أن يمشي مع الأرملة والمسكين فيقضي له حاجته ) رواه النسائي .
وعن أنس بن مالك - رضِي الله عنْه - قال: ( كانت الأمَة من إماء أهل المدينة لَتأخذ بيد رسول الله فتنطَلِق به حيث شاءت ) رواه البخاري، وعنه - رضِي الله عنْه -: ( أنَّ امرأةً كان في عقلها شيء، فقالت: يا رسول الله، إنِّي لي إليك حاجة، فقال: يا أمَّ فلان، انظُرِي أي السكك شئتِ حتى أقضي لك حاجتك، فخلاَ معها في بعض الطُّرُق حتى فرغت من حاجتها ) رواه مسلم .
قال النووي: " ( خلا معها في بعض الطرق ) أي وقف معها في طريق مسلوك ليقضي حاجتها ويفتيها في الخلوة، ولم يكن ذلك من الخلوة بالأجنبية، فإن هذا كان في ممر الناس ومشاهدتهم إياه وإياها، لكن لا يسمعون كلامها، لأن مسألتها مما لا يظهره ـ والله أعلم ـ " .
وعن حصين بن محصن ـ رضي الله عنه ـ عن عمِّةٍ له، أنها أتَتْ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَطلُب حاجةً، فلمَّا قَضَتْ حاجتها، قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ( ألك زوج؟، قالت: نعم، قال - صلَى الله عليه وسلم -: فأين أنت منه؟، قالت: ما آلُوه خير إلا ما عجزت عنه، قال: انظري فإنَّه جنَّتك ونارُك ) رواه الحاكم، والشاهد أن هذه المرأة أتَتْ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَطلُب حاجة فقضاها لها .
قال ابن القيِّم: " كان - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعظمَ الناس صدَقةً بما ملَكَتْ يده، وكان لا يستَكثِر شيئًا أعطاه لله - تعالى - ولا يستقلُّه، ولا يَسأَله أحدٌ شيئًا عندَه إلا أعطاه، قليلاً كان أو كثيرًا، وكان عَطاؤه عطاءَ مَن لا يخاف الفقر، وكان العطاء والصدقة أحبَّ شيءٍ إليه، وكان سروره وفرحه بما يُعطِيه أعظمَ من سرور الآخذ بما يأخذه، وكان أجودَ الناس بالخير، يمينه كالرِّيح المرسلة، وكان إذا اعتَرض له محتاجٌ آثَرَه على نفسه، تارةً بطعامه، وتارةً بلباسه، وتارةً بالصدقة، وتارةً بالهديَّة، وتارةً بشِراء الشيء، ثم يُعطِي البائع الثمن والسِّلعة جميعًا، كما فعَل بجابر، وتارةً كان يقتَرِض الشيءَ فيرد أكثر منه وأفضل وأكبر، ويشتَرِي فيعطي أكثر من ثمنه ويَقبَل الهديَّة ويُكافِئ عليها بأكثر منها أو بأَضعافِها، تلطُّفًا وتنوُّعًا في ضروب الصدقة والإحسان بكلِّ مُمكِن، وكانت صدقته وإحسانه بما يَملِكه وبحاله وبقوله، فيُخرِج ما عنده ويَأمُر بالصدقة، ويَحُضُّ عليها، ويدعو إليها بحاله وقوله، فإذا رآه البَخِيل الشَّحِيح دَعاه حالُه إلى البذل والعَطاء، وكان مَن خالَطَه وصَحِبَه ورأى هديَه لا يملك نفسَه من السماحة والنَّدَى .. وكان هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يدعو إلى الإحسان والصدقة والمعروف، ولذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أشرح الخلق صدرا، وأطيبهم نفسا، وأنعمهم قلبا، فإن للصدقة وفعل المعروف تأثيرا عجيبا في شرح الصدر " .

قضاء حوائج الناس سنة نبوية، وهي من أعظم القربات، ومن أجلّ الأعمال التي يتقرّب بها المسلم إلى ربّه، ومن رحمة الله ـ سبحانه ـ أنه جعل لقضاء حوائج الناس أهلا، فتراهم يسارعون إلى إسداء المعروف وخدمة الناس بنفس راضية ووجه مبتسم، فنعم الرجال هم، ذهبوا بشرف الدنيا وكرامة الآخرة، وإن الله إذا أراد بعبده خيرًا جعل قضاء حوائج الناس على يديه، ومن قام بما يجب عليه من شكر الله على نعمته عليه، بأن جعله مفتاحا للخير وقضاء حوائج الناس فقد شكرها وحافظ عليها، ومن قصَّر ولم يقم بحق المسلمين عليه ـ بقضاء حوائجهم ومساعدتهم ـ فقد عرَّضها للزوال، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إنَّ لله تَعَالَى أقْواماً يَخْتَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لمنافعِ العباد، ويُقرُّها فيهم ما بذلوها، فإذا منعوها نزعها منهم، فحولَّها إلى غيرِهم ) رواه الطبراني وحسنه الألباني .

اقْضِ الحوائج ما استطعـتَ وكُنْ لِهَمِّ أخيك فارج
فَـلَخَيْر أيام الفــــــتى يوم قضى فيه الحوائج

إسلام ويب

Post: #1171
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 01:55 AM
Parent: #1170


يا غلام أتأذن لي ؟
أولادنا هم فلذات أكبادنا، وأمانة في أعناقنا، وسيسألنا الله ـ عز وجل ـ إن قصَّرنا في تربيتهم، والناظر في حياة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد أنه مع كثرة أعبائه وشدة اشتغاله بأمور الدعوة والدولة قد أعطى للصغار نصيباً من وقته، وجانباً كبيراً من اهتمامه، والسيرة النبوية الشريفة مليئة بالمواقف التربوية مع الصغار، والتي تحتاج من الأمهات والآباء، والدعاة والمربين، وقفات للتأمل بقصد التأسي والاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في تربية الصغار، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }(الأحزاب الآية:21) .

ومن هذه المواقف ما رواه سهل بن سعد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أُتِيَ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقدح فشرب، وعن يمينه غلام هو أحدث (أصغر) القوم، والأشياخ عن يساره، قال: يا غلام أتأذن لي أن أُعْطِيَ الأشياخ؟، فقال: ما كنتُ لأُوثِرَ بنصيبي منك أحداً يا رسول الله، فأعطاه إيَّاه ) رواه البخاري .
هذا الغلام هو عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ، وقيل الفضل بن العباس ـ رضي الله عنه ـ، والصحيح أنه عبد الله، كما قال ابن حجر في فتح الباري: " وقوله: " ( وعن يمينه غلام ) هو الفضل بن عباس حكاه ابن بطال، وقيل أخوه عبد الله حكاه ابن التين وهو الصواب " .
وفي تصرف عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ دليل على فطنته، وقد أصبح حبر الأمة بعد ذلك، وكذلك فيه دلالة على عِلمه ـ رضي الله عنه ـ رغم صغره ببركة وفضل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وقد كان الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ صغاراً وكباراً يرون هذه البركة بأعينهم، فكانوا يقتتلون على وضوئه، ويأخذوا من ريقه وعرقه، ويمسحوا أبدانهم بيده، ويحرصوا على ملامسته، وكل ذلك بمرأى منه وإقرار ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .
وقد استأذن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ الغلام الصغير عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ بقوله: ( أتأذن لي أن أعطي هؤلاء؟ ) لأنه كان عن يمينه، فهو في السنة النبوية أحق من غيره، وقد كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كما قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحب التيامن، يأخذ بيمينه، ويعطي بيمينه، ويحب التيمن في جميع أموره ) رواه النسائي .
وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري: " مشروعية تقديم مَنْ هو على يمين الشارب في الشرب وإن كان مفضولا بالنسبة إلى من كان على يسار الشارب، لفضل جهة اليمين على جهة اليسار، وهل هو على جهة الاستحباب أو أنه حق ثابت للجالس على اليمين؟، فقال القاضي عياض: إنه سنة، قال: وهذا مما لا خلاف فيه، وكذا قال النووي: إنها سنة واضحة " .
وقال ابن حجر: " مشروعية الأيمن فالأيمن في الشرب، وأنه من السنة .. ، وفيه أن الغلام لو تبرع وتنازل عن حقه جاز فعله " .

فائدة :

التيامن سنة نبوية، والأحاديث في ذلك كثيرة منها حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) رواه البخاري، وقول عائشة ـ رضي الله عنها ـ: (في شأنه كله) عام في تقديم اليمين في كل أمرٍ مستحسن .
قال ابن الملقن: " والضابط في ذلك: أن كل ما كان من باب التكريم والزينة كان باليمين، وما كان بخلافه فباليسار " .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ: ( أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أُتِيَ بلبن قد شيب بماء، وعن يمينه أعرابي، وعن شماله أبو بكر، فشرب ثم أعطى الأعرابي، وقال: الأيمن فالأيمن ) رواه البخاري .
قال النووي: " فيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام، وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيرا أو مفضولاً " .
ومن المعلوم كذلك أن من السُنَّة تقديم الكبير في وجوه الإكرام عامة، وقد وردت أحاديث صحيحة في تقديم الكبير في صلاة الجماعة، والتحدث إلى الناس، وفي الأخذ والعطاء عند التعامل، منها حديث ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا سقى قال: ابدؤوا بالكبير ) رواه أبو يعلى .
وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : (قَدِمَ وفد جهينة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقام غلام ليتكلم ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : مه، فأين الكبير ؟! ) رواه الحاكم .
وعن سهل بن أبي حثمة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( انطلق عبد الله بن سهل ومحيصة بن مسعود بن زيد إلى خيبر وهي يومئذ صلح فتفرقا، فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة، فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فذهب عبد الرحمن يتكلم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كَبِّر، كَبِّر، وهو أحدث القوم فسكت فتكلما ) رواه البخاري .
قال ابن حجر : " قوله: ( كَبِّر، كّبِّر )، أي: قدم الكبير السن " .

ولا تعارض بين تقديم الكبير وبين سنة التيامن، فحديث تقديم الشراب للأيمن وإن كان صغيراً أو أعربياً لا يخالف الحث على تقديم الأكبر، لأن الحق هنا غير متساوٍ فالأيمن أولى به لجهته، فبعضهم أولى به من بعض، فيُعْطَى كل ذي حقٍ حقه، والغلام كان أولى بالشراب من الأشياخ فقُدِّم له حقه .
قال النووي: " وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف، ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسَنِّ الشيب في الإمامة في الصلاة " .
وقال ابن عبد البر: " وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء لم يُدْفع عنه، ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه، صغيراً كان أو كبيراً، إذا كان ممن يجوز له إذنه، وليس هذا موضع: ( كبِّر، كبِّر )، لأن السِنَّ إنما يُراعَى عند استواء المعاني والحقوق، وكل ذي حق أولى بحقه أبداً، والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة " .
وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للشيخ الألباني حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستن وعنده رجلان، فأوحي إليه: أن أعط السواك الأكبر ) رواه أبو داود .
قال الشيخ الألباني: " قال ابن بطال: فيه تقديم ذي السن في السواك، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام، وقال: المهلب: هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس، فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن، وهو صحيح " .
وجمع ابن حجر بقوله: " ويُجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساويين، إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم، أو خلفه، أو حيث لا يكون فيهم، فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن " .

إن المتأمل في سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومواقفه وسُنته، يجد أنه أعطى الصغار جانبا كبيرا من اهتمامه، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ معهم مربياً حكيما، ينصح ويربي، ومن مظاهر اهتمامه بهم تنشِئتهم على الثِّقة بِالنَّفْس، وعدم الانْتقاصِ مِنْ قَدْرِهِم، أَو إِهانتِهِم والسُّخْرِية منهم، وتأكيده على إعطائهم حقهم، ليشعرهم بقيمتهم، ويعودهم على الشجاعة في أدب، ويؤهلهم مستقبلا أن يعرفوا حقوقهم ..
فطُوبَى لِمَنْ وَعَى النَّهْج النَّبوِيَّ القائم علَى إِعطاء كل إنسان حقه وقِيمته، صغيراً كان أو كبيراً، فكل منهما ـ الصغير والكبير ـ له في سنته وهديه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ حقه وقدْره، فهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ليس مِنَّا منْ لم يرحم صغيرنا، ويوقر كبيرنا ) رواه الترمذي .

إسلام ويب

Post: #1172
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 02:12 AM
Parent: #1171


الصحيفة والحصار
بعد سبع سنوات من بعثة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعاهد أئمة الكفر في مكة على مقاطعة بني هاشم وبني المطلب لأنهم آزروا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وكتبوا صحيفة بذلك علقوها على الكعبة، اتفقوا فيها على أن لا يجالسوهم ولا يبايعوهم ولا يتزاوجوا منهم حتى يسلموا لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليقتلوه، وكتبوا صحيفة بهذا المعنى وعلقوها في جوف الكعبة لكي يعطوها معنى القداسة، وقد شملت هذه الصحيفة مناحي الحياة كلها، ولم تكن قاصرة على الجانب الاقتصادي فقط، فقد شملت الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية . وقد أنشد أبو طالب قصيدته الشهيرة في ذلك والتي جاء فيها :

وَلَمَّا رَأَيْتُ القَوْمَ لا وُدَّ فيهِمُ وقَدْ قَطَعُوا كُلَّ العُرى وَالوَسائِل
وَقَدْ صارَحُونا بالعَداوةِ وَالأَذى وَقَد طاوَعُوا أَمْرَ العَدوَّ المُزايِل
وَقَدْ حالَفُوا قَوْماً عَلَيْنا أَظِنَّةً يَعَضُّونَ غَيْظا خَلْفَنا بِالأَنامِلِ

وكان لتلك القصيدة مفعولها في حشد همم بني هاشم وبني عبد المطلب ودخولهم جميعاً مسلمهم ومشركهم في حلف الحماية والنصرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، علما بأن هذه النصرة كانت عصبية للقبيلة لا لنصرة للإسلام والدعوة، ومع ذلك قبل الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلك الحماية ليبين لنا جواز الاستفادة من الأعراف والتقاليد الجاهلية من أجل خدمة الإسلام وتطويعها وفق الشرع، لتكون وسيلة من وسائل النصرة والدعوة لدين الله تبارك وتعالى .

شدة وبلاء :

حاصرت وقاطعت قريش النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه، ومنعت عنهم الطعام والشراب وكلَ ما يحتاجونه، فاشتد وعظم الأمر عليهم فأكلوا أوراق الشجر، وكلَّ شيء رطب، وكان صياحُ الصبيانِ يُسمع من وراء الشِعْب ( الوادي ) من شدة الجوع والمخمصة، قال سعد بن أبي وقاص ـ رضي الله عنه ـ: " كنا قوما يصيبنا ظلف العيش بمكة مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشدته، فلما أصابنا البلاء اعْتَرَفْنَا بذلك وصبَرْنَا له ومَرَنَّا علَيْه، ولقد رأيتني مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمكة خرجت من الليل أبول وإذا أنا أسمع بقعقعة (صوت) شيء تحت بولي، فإذا قطعة جلد بعير فأخذتها فغسلتها ثم أحرقتها فوضعتها بين حجرين ثم استففتها وشربت عليها من الماء فقويت عليها ثلاثا ".
وقال عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ: " فحُصِرْنا في الشِعْبِ ثلاث سنين، وقطعوا عنا الميرة ( الطعام ) حتى أن الرجل منا ليخرج بالنفقة فما يُبَايع حتى يرجع، حتى هلك منا مَن هلك " .

نقض الصحيفة :

مرَّ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه في الشعب محاصرين ثلاث سنوات كاملة قاسوا خلالها من ويلات الحصار ما لم تشهده العرب ولا الإنسانية من قبل، حتى قيض الله ـ عز وجل ـ مِن مشركي مكة أنفسهم مَن مشى في نقض تلك الصحيفة الظالمة الجائرة، ففي المحرم سنة عشر من النبوة وبعد ثلاث سنوات من الحصار حدث نقض الصحيفة وفك الميثاق، وذلك أن قريشا كانوا بين راض بهذا الميثاق وكاره له، فسعى في نقض الصحيفة من كان كارها لها، وكان القائم بذلك هشام بن عمرو من بني عامر بن لؤي - وكان يصل بني هاشم في الشعب مستخفيا بالليل بالطعام - فإنه ذهب إلى زهير بن أبي أمية المخزومي - وكانت أمه عاتكة بنت عبد المطلب - وقال: يا زهير، أرضيت أن تأكل الطعام، وتشرب الشراب، وأخوالك بحيث تعلم؟، فقال: ويحك، فما أصنع وأنا رجل واحد؟، أما والله لو كان معي رجل آخر لقمت في نقضها، قال: قد وجدت رجلا، قال: فمن هو؟، قال: أنا، قال له زهير: ابغنا رجلا ثالثا .
فذهب إلى المطعم بن عدي، فذكَّره أرحام بني هاشم وبني المطلب ابني عبد مناف، ولامه على موافقته لقريش على هذا الظلم، فقال المطعم: ويحك، ماذا أصنع؟، إنما أنا رجل واحد، قال: قد وجدت ثانيا، قال: من هو؟، قال: أنا، قال: ابغنا ثالثا، قال قد فعلت، قال: من هو؟، قال: زهير بن أبي أمية، قال: ابغنا رابعا .
فذهب إلى أبي البختري بن هشام، فقال له نحوا مما قال للمطعم، فقال: وهل من أحد يعين على هذا؟، قال: نعم، قال: من هو؟، قال: زهير بن أبي أمية، والمطعم بن عدي، وأنا معك، قال: ابغنا خامسا .
فذهب إلى زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد، فكلمه وذكر له قرابتهم وحقهم، فقال له: وهل على هذا الأمر الذي تدعوني إليه من أحد؟، قال: نعم ثم سمى له القوم، فاجتمعوا عند الحجون، وتعاقدوا على القيام بنقض الصحيفة، وقال زهير: أنا أبدأكم فأكون أول من يتكلم .
فلما أصبحوا غدوا إلى أنديتهم، وغدا زهير عليه حلة، فطاف بالبيت سبعا، ثم أقبل على الناس، فقال: يا أهل مكة أنأكل الطعام، ونلبس الثياب، وبنو هاشم هلكى، لا يباع ولا يبتاع منهم؟، والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة .
قال أبو جهل - وكان في ناحية المسجد -: كذبت، والله لا تشق، فقال: زمعة بن الأسود: أنت والله أكذب، ما رضينا كتابتها حيث كتبت، قال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها ولا نقر به، قال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو نحوا من ذلك، فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشاوروا فيه بغير هذا المكان، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، إنما جاءهم لأن الله كان قد أطلع رسوله على أمر الصحيفة، وأنه أرسل عليها الأرضة (حشرة مثل النملة)، فأكلت جميع ما فيها من جور وقطيعة وظلم إلا ذكر الله ـ عز وجل ـ، فأخبر بذلك عمه، فخرج إلى قريش فأخبرهم أن ابن أخيه قد قال كذا وكذا، فإن كان كاذبا خلينا بينكم وبينه، وإن كان صادقا رجعتم عن قطيعتنا وظلمنا، قالوا: قد أنصفت .
وبعد أن دار الكلام بين القوم وبين أبي جهل، قام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها إلا: " باسمك اللهم "، وما كان فيها من اسم الله فإنها لم تأكله، ثم نقض الصحيفة، وخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن معه من الشعب .

حُجة وعِناد :

قيام الحجج الدامغة والبراهين الساطعة والمعجزات الخارقة لا يؤثر في أصحاب الهوى والأحقاد، فقد رأى المشركون آية من آيات نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، بإخباره لهم أن الأرضة قد أكلت صحيفتهم الظالمة إلا: " باسمك اللهم "، ولكنهم أعرضوا من هذه الآية وازدادوا كفرا إلى كفرهم، لأنهم أغلقوا قلوبهم وعقولهم عن التدبر، وأغمضوا أعينهم عن الاهتداء إلى الحق بعد قيام الأدلة عليه، حيث أيد الله تعالى نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحشرات الصغيرة التي أكلت ما في صحيفتهم من جور وظلم وقطيعة، ومع ذلك لم يصدقوا ويؤمنوا بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فصدق فيهم قول الله تعالى: { فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللهِ يَجْحَدُونَ }(الأنعام:33)، وقوله سبحانه: { وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرّ }(القمر: 2) .

شكر النعم :

لما أذن الله بنصر دينه، وإعزاز رسوله، وفتح مكة، ثم حجة الوداع، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يؤثر أن ينزل في خيف بني كنانة ليتذكر ما كان المسلمون فيه من الضيق والاضطهاد في مكة وفي شعب أبي طالب، وحينما سئل ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حجته أين تنزل غدا؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ ( نحن نازلون غداً بخيف بني كنانة، المحصب، حيث تقاسمت قريش على الكفر، وذلك أن بني كنانة حالفت قريش على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤوهم ) رواه البخاري، والخيف: هو المكان الذي اجتمعت فيه قريش لعقد مقاطعتهم الظالمة .
قال ابن حجر: " قيل إنما اختار النبي ـ صلى الله عليه و سلم ـ النزول في ذلك الموضع ليتذكر ما كانوا فيه، فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح العظيم، وتمكنهم من دخول مكة ظاهرا، على رغم أنف من سعى في إخراجه منها " .

لقد واجه المشركون دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - بأساليب مختلفة، للقضاء على هذا الدين الجديد وعلى أتباعه، وقد باءت تلك الوسائل بالفشل، فانتقلوا إلى أسلوب الحصار والمقاطعة والتجويع الذي اتفقوا عليه في صحيفتهم الظالمة، وهو أسلوب يلجأ إليه الأعداء ـ قديما وحديثا ـ عندما لا يتمكنوا من مقابلة الحُجَّة بالحُجة، وهدفه القضاء على المسلمين، أو إنزالهم عند شروطهم الظالمة، ولكن هيهات أن يتحقق لهم ذلك، فالمسلمون يستمدون قوتهم من الله تعالى، ويتحلون بالصبر والثبات على الحق، كما ثبت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه أمام هذه الصحيفة والمقاطعة، والتي كانت مرحلة مِن مراحلَ تربوية، صنعت جيلاً من الصحابة يستطيع أن يواجه الأهوال والمصاعب دون تردد أو ضعف، جيل تربى على يد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ووصفهم الله تعالى بقوله: { مِنَ المُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا }(الأحزاب:23) .
إسلام ويب

Post: #1173
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 02:15 AM
Parent: #1172


الحكمة النبوية في البناء والإصلاح
دخل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يثرب ( المدينة المنورة ) وأهلها مجموعات مختلفة في عقيدتها، متباينة في أهدافها، متفرقة في حياتها، وقد كانت هذه المجموعات على قسمين: عرب من قبيلتي الأوس والخرزج بينهما حروب وخلافات شديدة، ويهود من عدة قبائل: بنو قينقاع وكانوا حلفاء للخزرج، وبنو النضير وبنو قُريظة حلفاء للأوس .. وقد بدأ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ وصوله إلى المدينة المنورة في إنجاز المهمة الكبيرة الملقاة على عاتقه في مطلع المرحلة الجديدة من الدعوة، والتي تستهدف الإصلاح والتأليف بين القلوب، وبناء الدولة الإسلامية الجديدة على أسس راسخة، فقام ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ بخطوات هامة لتحقيق ذلك، ومنها: بناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ودعوة اليهود إلى الإسلام، وإصدار وثيقة لتنظيم العلاقات بين المسلمين وأنفسهم، وبين المسلمين وغيرهم .

بناء المسجد :

بناء المسجد النبوي والصلاة والاجتماع فيه كان أول عمل قام به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لتوحيد الصف، والتأليف بين القلوب، واشترك المسلمون جميعًا في بنائه، وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وجاء إنشاء المسجد النبوي بعد وقتٍ قصيرٍ من مقدم النبي ـ صلى الله عليه وسلم -، فلم يمض أسبوعان على وصوله حتى شرع في البحث عن مكان مناسب للبناء، واستقرّ رأيه على مربد - وهو الموضع الذي يُجفّف فيه التمر - كان ملكاً لغلامين يتيمين في المدينة يعيشان عند أسعد بن زرارة ـ رضي الله عنه ـ، ووقع اختياره ـ صلى الله عليه وسلم ـ على ذلك المكان عندما بركت راحلته فيه أثناء بحثه، وقال حينها : ( هذا إن شاء الله المنزل ) رواه البخاري .
وسرعان ما غدا المسجد رمزا لما يتسم به الإسلام من شمولية وتكامل، وأخوة ومحبة، وببناء المسجد النبوي تحقّق للمسلمين حلمهم الكبير في الاجتماع للعبادة وذكر الله، ولم يتوقّف دور المسجد عند هذا الحد بل صار مدرسة علمية وتربوية يجتمع فيها أصحاب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وتلقى على منبره التعاليم والعظات، ومؤسسة اجتماعية يتعلم المسلمون فيها النظام والمساواة والوحدة والإخاء، وموضعاً للحكم والقضاء وإدارة الدولة وسياستها، ومنطلقا لقوافل الجهاد، ومأوى للفقراء من أهل الصفّة، والتقت فيه العناصر والزعامات المختلفة التي طالما نافرت بينها النزعات الجاهلية والقبلية، فلم تعد في المدينة جماعات واختلافات، وبهذا تجمعت الأحياء، وتآلفت الأرواح والقلوب، وتعاونت الأجسام، وانقلبت الفرقة إلى وحدة، وأصبح المسلمون صفًا واحدًا .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار:

من الحكمة النبوية أن أول عمل قام به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعد بنائه للمسجد تحقيقه لرابطة المؤاخاة في المجتمع، وهي رابطة جمعت بين المهاجرين والأنصار، وقامت على أساس العقيدة، ووثقت مشاعر الحب والمودّة، والنصرة والحماية، والمواساة بالمال والمتاع، وقد آخى بينهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في دار أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ ..
وتذكر لنا مصادر السيرة النبوية أسماء بعض الذين آخى بينهم النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد آخى بين أبي بكر وخارجة بن زهير، وآخى بين عمر بن الخطاب وعتبان بن مالك، وبين أبي عبيدة بن الجراح و سعد بن معاذ، وبين الزبير بن العوام و سلامة بن سلامة بن وقش، وبين طلحة بن عبيد الله و كعب بن مالك، وبين مصعب بن عمير و أبو أيوب خالد بن زيد ـ رضي الله عنهم أجمعين ـ ..
وعند مراجعة أسماء هؤلاء الصحابة وغيرهم، نجد أن تلك المؤاخاة لم تُقم وزناً للاعتبارات القبلية أو الفوارق الطبقية، حيث جمعت بين القوي والضعيف، والغني والفقير، والأبيض والأسود، والحرّ والعبد، وبذلك استطاعت هذه الأخوّة أن تنتصر على العصبيّة للقبيلة أو الجنس أو الأرض، لتحلّ محلّها الرابطة الإيمانيّة والأخوّة الدينيّة، فسقطت بينهم فوارق النسب واللون والوطن، فلا يتقدم أحد أو يتأخر إلا بدينه وتقواه، وكانت عواطف الأخوة والإيثار والمواساة تملأ المجتمع الجديد بأروع الأمثال، فلم تكن هذه المؤاخاة معاهدة دُوِّنت على الورق فحسب، ولا كلمات قيلت باللسان فقط، وإنما كانت مؤاخاة سُجِّلَّت على صفحات القلوب، إنها مؤاخاة في القول والعمل، والنفس والمتاع والأملاك، وفي العسر واليسر .
ومن الأمثلة الدالة عل بذل الأنصار وإيثارهم لإخوانهم من المهاجرين، وعفة المهاجرين وسعيهم، ما رواه البخاري في صحيحه: ( آخى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بين عبد الرحمن بن عوف وسعد بن الربيع، فقال سعد: قد علمت الأنصار أني من أكثرها مالًا، فسأقسم مالي بيني وبينك نصفين، ولي امرأتان، فانظر أعجبهما إليك فسمها لي أطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها، فقال عبد الرحمن: بارك الله لك في أهلك ومالك، أين سوقكم؟، فدلوه على سوق بني قينقاع، فما انقلب إلا ومعه فضل من أقط وسمن، ثم تابع الغدوة ثم جاء يومًا وبه أثر صُفرة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: مَهْيَم ( كلمة استفهام، أي: ما حالك؟)، قال: تزوجت امرأة من الأنصار، فقال: ما سقت فيها؟، قال: وزن نواة من ذهب، أو نواة من ذهب، فقال: أولِم ولو بشاة ) .
وهكذا كانت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار حكمة نبوية فذَّة، وسياسة صائبة لحل الكثير من المشكلات في بداية بناء الدولة الإسامية الجديدة، وقد حفظ النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الفضل للأنصار فمدحهم بقوله: ( لو أن الأنصار سلكوا وادياً أو شِعْباً، لسلكت في وادي الأنصار ) رواه البخاري، وقال: ( اللهم اغفر للأنصار ، ولأبناء الأنصار، ولأزواج الأنصار ، ولذراري الأنصار ) رواه أحمد .

دعوة اليهود إلى الإسلام :

اليهود كانوا يفخرون بأنهم من أهل الكتاب، وقد اقترب ظهور نبي آخر الزمان الذي بشرت به كتبهم المقدسة، وأنهم يتطلعون أن يكون هذا النبي من بينهم، فلما بعث الله رسوله محمدا ـ صلى الله عليه وسلم - من العرب، غضبوا وطارت قلوبهم وعقولهم حسدا أن النبوة لم تكن فيهم ؟، فأجمعوا أمرهم وقرروا أن لا يؤمنوا بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومع ذلك فمن وسائل الإصلاح والتأسيس والبناء التي قام بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم - بعد أن دخل المدينة دعوة اليهود إلى الإسلام .
روى ابن إسحاق عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ـ رضي الله عنها ـ قالت : " كنت أحَبَّ ولد أبي إليه، وإلى عمي وكان عبد الله بن سلاَم ـ رضي الله عنه ـ حَبْرا من فطاحل علماء اليهود، ولما سمع بمقدم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المدينة في بني النجار جاءه مستعجلا، وألقى إليه أسئلة لا يعلمها إلا نبي، ولما سمع ردوده ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها آمن به ساعته، ثم قال له: إن اليهود قوم بُهت (يفترون بالكذب)، إن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم بَهَتُونِي عندك، فأرسل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فجاءت اليهود، ودخل عبد الله بن سلام البيت، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( أي رجل فيكم عبد الله بن سلام؟، قالوا: أعلمنا وابن أعلمنا، وأخيرنا وابن أخيرنا ـ وفي لفظ : سيدنا وابن سيدنا، وفي لفظ آخر : خيرنا وابن خيرنا، وأفضلنا وابن أفضلنا ـ فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أفرأيتم إن أسلم عبد الله؟، فقالوا: أعاذه الله من ذلك ـ مرتين أو ثلاثا ـ، فخرج إليهم عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول الله، قالوا : شرّنا وابن شرّنا، ووقعوا فيه ) رواه البخاري، وفي رواية أخرى: ( فقال لهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا الله فوالله الذي لا إله إلا هو إنكم لتعلمون أني رسول الله حقًا، وأني جئتكم بحق، فأسلموا ) .

الصحيفة :

الصحيفة (الوثيقة) ميثاق المهاجرين والأنصار وموادعة اليهود، من الخطوات الهامة التي اتخذها النبي - صلى الله عليه وسلم ـ في الإصلاح وبناء الدولة الإسلامية الجديدة في المدينة المنورة، من أجل توفير الأمن والسلام للناس جميعا، ولتنظيم العلاقة بين المسلمين أنفسهم من جهة، وبين من عايشهم وجاورهم من القبائل من جهة أخرى، وبما أن قبائل اليهود كانت أكثر القبائل حضوراً في المدينة فقد جاءت أغلب بنود تلك الوثيقة متعلقاً بتنظيم العلاقة معهم، وبتتبع بنود الوثيقة نجد أنها تضمنت بنوداً خاصة بالمؤمنين ـ من المهاجرين والأنصار ـ، وبنوداً خاصة باليهود، وبنوداً عامة تشمل الجميع، وقد أظهرت هذه الوثيقة حكمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومدى العدالة التي اتسمت بها معاملته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لليهود رغم عدم إيمانهم به، كما أنها اشتملت على جميع ما تحتاجه الدولة، ونظمت علاقة الأفراد بالدولة، وعلاقة بعضهم ببعض، وبنود هذه الصحيفة مبنية على مصالح معتبرة، وقواعد شرعية، ونصوص ثابتة، منها قول الله تعالى: { لَا يَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ }(الممتحنة الآية:8)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ( المؤمنون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم، لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده ) رواه أبو داود .

هذه الخطوات الهامة: بناء المسجد، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، ودعوة اليهود إلى الإسلام، والميثاق (الصحيفة)، أزال بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم - بفضل الله تعالى - الخلاف الشديد والقديم بين سكان المدينة (الأوس والخزرج)، وألف ووحَّد بها بين قلوب المسلمين (المهاجرين والأنصار)، وعاهد وأَمِن بها من اليهود، وأصبحت المدينة المنورة عاصمة الدولة الإسلامية الجديدة، التي أشعَّت وانتشرت منها الدعوة إلى الله إلى جميع دول العالم ..
إسلام ويب

Post: #1174
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 02:18 AM
Parent: #1173


مداعبات نبوية مع الأطفال
المزاح والمداعبة شيء مُحَبب إلى النفس، ولا حرج فيه ما دام منضبطا بضوابط الشرع، ولا يترتب عليه ضرر، بل هو مطلوب ومرغوب، خاصة مع الصغار والأطفال، وذلك لأن النفس يعتريها السآمة والملل، وليس أدل على أهمية المزاح والحاجة إليه، مما كان عليه نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد كان يمازح أصحابه ويداعب أهله، وكان يعتني بصغار السن ويجعل لهم جزءاً من اهتمامه ومداعباته .. فمن مكارم أخلاقه وجميل صفاته ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلطفه بالأطفال ومداعبته لهم، وإدخال السرور عليهم .
ومن المعلوم أنه لا يوجد من هو أكثر حملا لِهَمِّ الدين واهتماما بالدعوة من رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليس هناك من تعددت لديه الواجبات كما تعددت لنبينا ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، ومع ذلك ففي السيرة النبوية الكثير من المواقف والأمثلة الدالة على مدى تلطفه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالأطفال ومداعبته لهم، وإدخال السور عليهم، ومن ذلك :

مداعبته صلى الله عليه وسلم محمود بن الرُّبيع :

عن ابن شهاب الزهري، عن محمود بن الربيع ـ رضي الله عنه ـ قال: ( عَقلتُ من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مَجَّةً مجَّها في وجهي وأنا ابن خمس سنين من دلوٍ ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " قوله " عقلت ": هو بفتح القاف أي: حفظت، قوله: " مجة " بفتح الميم وتشديد الجيم ـ والمج هو إرسال الماء من الفم ـ، وقيل لا يسمى مجا إلا إن كان على بعد، وفعله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع محمود إما مداعبة منه، أو ليبارك عليه بها كما كان ذلك من شأنه مع أولاد الصحابة " .
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: " وقال المهلب: فيه جواز سماع الصغير وضبطه للسنن، وفيه: جواز شهادة الصبيان بعد أن يكبروا، فيما علموه في حال الصغر " .

مع جابر بن سمرة :

عن جابر بن سَمُرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( صليتُ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة الأُولى ثم خرج إلى أهله وخرجتُ معه، فاستقبلهُ وِلدانٌ فجعل يمسح خدَّيْ أحدهم واحدًا واحدًا، قال: وأما أنا فمسح خدَّيَّ فوجدت لِيَدِهِ بردًا أو ريحًا، كأنما أخرجها من جؤنة عطَّار ) رواه مسلم .
قال النووي: " صلاة الأولى: هي صلاة الظهر، ( ثم خرج ) أي: من المسجد ( إلى أهله ) أي: متوجها إلى إحدى الحجرات الشريفة، ( وخرجت معه، فاستقبله ولدان ) ، جمع وليد وهو الصبي، ( فجعل ) أي: شرع، ( يمسح ) أي: بيديه الكريمتين، ( خدي أحدهم واحدا واحدا )، ( وأما أنا فمسح خدي ) بصيغة التثنية، وفي نسخة بالإفراد على إرادة الجنس ( فوجدت ليده بردا ) أي: راحة ( أو ريحا ) أي: رائحة طيبة، والظاهر أن ( أو ) بمعنى الواو أو بمعنى : بل، ( كأنما أخرجها ) أي: إذا أخرج يده من الكم فكأنه أخرجها، (من جؤنة عطار) بضم الجيم وسكون الهمز أي: سلته أو حقته .. وفي الحديث بيان طيب ريحه ـ صلوات الله عليه وسلامه ـ، وهو ما أكرمه الله سبحانه وتعالى به " .

أنس :

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أحسن الناس خُلُقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد قبض بقفاي من ورائي، قال: فنظرت إليه وهو يضحك، فقال: يا أنيس، أذهبت حيث أمرتك؟، قال : قلت: نعم ، أنا أذهب يا رسول الله ) رواه مسلم .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم يمازح أنساً ـ رضي الله عنه ـ قائلا : ( يا ذا الأذنين ) رواه أبو داود .
( يا ذا الأذنين ) يعني: أنه يمازحه، وهو يمزح ولا يقول إلا حقاً .
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: " وقيل إن هذا القول من جملة مداعباته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولطيف أخلاقه " .

أبو عُمير :

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خُلقًا، وكان لي أخٌ يُقال له: أبو عُمير - أحسبه فَطِيمًا - وكان إذا جاء ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: يا أبا عُمير ما فعل النُّغير؟ ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " نُغير كان يلعبُ به، أي طير صغير كان يلعب به أبو عمير، فمات النُّغير، فرآه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حزينًا على النغير، فداعبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وقال: " وذكر ابن القاصّ في أوّل كتابه أنّ بعض الناس عاب على أهل الحديث أنّهم يروون أشياء لا فائدة فيها، و مثل ذلك التحديث بحديث أبي عمير هذا، قال: و ما درى أنّ في هذا الحديث من وجوه الفقه و فنون الأدب و الفائدة ستين وجهاً، ثمّ ساقها مبسوطة " .
وقال ابن القاص: " وفيه جواز الممازحة، وتكرير المزح، وأنها إباحة سنة لا رخصة، وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة، وتكرير زيارة الممزوح معه " .
وقال النووي: " وفى هذا الحديث فوائد كثيرة جدا منها: جواز تكنية من لم يولد له وتكنية الطفل وأنه ليس كذبا .. وجواز المزاح فيما ليس إثما .. وجواز تصغير بعض المسميات .. وجواز لعب الصبي بالعصفور وتمكين الولي إياه من ذلك .. وجواز السجع بالكلام الحسن بلا كلفة .. وملاطفة الصبيان وتأنيسهم .. وبيان ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليه من حسن الخلق وكرم الشمائل والتواضع " .

مداعبة أم خالد باللغة الحبشية:

عن أم خالد بنت خالد بن سعيد ـ رضي الله عنها ـ قالت: ( أتيت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع أبي وعليَّ قميص أصفر، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: سَنَهْ سَنَهْ، قالت: فذهبت ألعب بخاتم النبوة فزبرني أبي ( زجرني ونهرني )، قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: دعها، ثم قال: أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي، ثم أبلي وأخلقي ) رواه البخاري .
( سنه، سنه ) هي بالحبشية: حسنة، حسنة ".
وفي مداعبة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَمَة بنت خالد بن سعيد بن العاص المكناة بأم خالد ـ رضي الله عنها ـ نرى كيف اتسع وقته واهتمامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ لإدخال السرور على طفلة صغيرة، ولا عجب فهو الذي سئل عن أحب الأعمال إلى الله ـ عز وجل ـ فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( سرور تدخله على مسلم ) رواه الطبراني .

إن مداعبة الصِّغار لها أكثر من بُعد طيب وأثر إيجابي في نفس الصغير وأهله، ومن تأمل مزاحه ومداعباته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمحمود بن الربيع، وجابر بن سمرة، وأبو عمير، وأنس، وأم خالد: أمَة بنت خالد بن سعيد بن العاص وغيرهم ـ رضي الله عنهم ـ نرى أن من هديه وسنته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ اهتمامه بإدخال السرور على الصغار والأطفال .
إسلام ويب

Post: #1175
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 02:25 AM
Parent: #1174


إذا كان لكل أمّة رسول تقتدي به في جميع شؤونها، ولكل فرد شخصية تكون مثله الأعلى وقدوته في هذه الحياة، فنحن المسلمين نملك أفضل وأعظم قدوة، إنه سيِّد ولد آدم، وأفضل الأنبياء المرسلين، وهو القدوة العملية والأُسوة الحسنة للمؤمنين، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا }(الأحزاب: 21) .
قال ابن حزمٍ: " مَنْ أراد خيرَ الآخرة، وحكمة الدنيا، وعدل السيرة، والاحتواء على محاسن الأخلاق كلها، واستحقاق الفضائل بأسرها، فليقتدِ بمحمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وليستعمل أخلاقه، وسيره ما أمكنه، أعاننا الله على الاتساء به بمَنِّه، آمين " .
ومن المعلوم أن المناهجَ والنظرياتِ التربويةَ في حاجةٍ دائمةٍ إلى من يُطَبِّقُهَا ويعملُ بها، وبدون ذلك تظلُّ حِبراً على ورق، لا تحقق جدواها، ولذلك كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذا أمر بشيء عمل به أولا، وإذا نهى عن شيء كان أول المنتهين عنه، قال ابن حجر في كتابه ( الإصابة ) : " قال الجلندى: لقد دَلَّنِي على هذا النبي الأمي أنه لا يأمر بخير إلا كان أول آخذ به، ولا ينهى عن شر إلا كان أول تارك له، وأنه يغلب فلا يبطر، ويغلب فلا يهجر ( لا يتلفظ بقبيح )، وأنه يفي بالعهد وينجز الوعد، وأشهد أنه نبي " .

والسيرة النبوية فيها الكثير من المواقف التي يظهر من خلالها مدى تأثيرُ القُدوة العملية في المدعوين، والتي قد لا تتوافر لمجرد الدعوة النظرية، ومن هذه المواقف مشاركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لأصحابه العمل والحفر في غزوة الأحزاب، وموقفه مع أصحابه في عمرة الحديبية .

في غزوة الأحزاب (الخندق) أعطى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ القدوة العملية في مشاركته لأصحابه التعب والعمل، والآلام والآمال، فقد تولى المسلمون وعلى رأسهم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، المهمة الشاقة في حفر الخندق، ورغم طوله الذي بلغ خمسة آلاف ذراع، بعرض تسعة أذرع، وعمق يقرب من عشرة أذرع، فقد تم إنجازه في سرعة كبيرة، وكان لمشاركة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ الفعلية، الأثر الكبير في الروح العالية التي سيطرت على المسلمين في موقع العمل، وكان أثناء حفره يردد أبيات عبد الله بن أبي رواحة ـ رضي الله عنه ـ :

اللهم لولا أنت ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلن سكينة علينا وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا وإن أرادوا فتنة أبينا

والمسلمون يرددون بعده قائلين :

نحن الذين بايعوا محمدا على الإسلام ما بقينا أبدا

وفي ذلك تعليم للقادة والدعاة والمربين أن يعطوا القدوة بفعلهم مع قولهم، فالرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ أمر بحفر الخندق وشارك أصحابه في الحفر وحمل الحجارة، وجاع كما جاعوا، وقد تأثر الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ بذلك تأثرا كبيرا، وعبروا عن ذلك بإنشادهم :

لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المُضَلل

عمرة الحدييية :

لما صدَّ المشركون الرسولَ ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه عن البيت الحرام، حين أرادوا العمرة عام الحديبية، وبعد إبرام الصلح مع قريش، كان وقع ذلك عظيماً على الصحابة ـ رضوان الله عليهم -، فلما أمرهم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بنحر ما معهم من الهَدْي ليُحِلُّوا من إحرامهم، ترددوا مع شدةِ حرصهم على طاعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وهنا يتجلى الأثرُ العظيم للقدوة العملية، إذ أشارت أمُّ سَلَمَة - رضي الله عنها ـ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقوم هو أولاً فينحر ويحلق شعره ـ عمليا ـ، لأن صحابته سيقتدون به عند ذلك لا محالة .
عن المسور بن مخرمة ومروان بن الحكم - رضي الله عنهما - في حديث طويل، ذكرا فيه: أنه لما تم الصلح بين النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومشركي قريش، قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ( يا أيها الناس انحروا واحلقوا، قال: فما قام أحد، قال: ثم عاد بمثلها، فما قام رجل حتى عاد بمثلها، فما قام رجل، فرجع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فدخل على أم سلمة فقال: يا أم سلمة! ما شأن الناس؟، قالت: يا رسول الله قد دخلهم ما قد رأيت، فلا تكلمن منهم إنساناً، واعمد إلى هديك حيث كان فانحره، واحلق فلو قد فعلتَ ذلك، فعل الناس ذلك، فخرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يكلم أحدا حتى أتى هَدْيَه فنحره ثم جلس فحلق، فقام الناس ينحرون ويحلقون ) رواه أحمد .
وفي الرواية التي ذكرها ابن القيم في كتابه " زاد المعاد ": ( فخرج ـ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فلم يكلم أحداً منهم حتى فعل ذلك، نَحَرَ بُدْنَهُ، ودعا حالقَه فحلقه، فلما رأى الناس ذلك قاموا فنحروا، وجعل بعضهم يحلق بعضاً، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً ) .
وفي هذا الموقف دلالة ظاهرة على أهمية القدوة العملية، والتفاوت الكبير بين تأثير القول وتأثير الفعل، ففي حين لم يتغلب القولُ على هموم الصحابة وتألُّمِهم مما حدث، فإنهم بادروا إلى التنفيذ اقتداءً بالرسول - صلى الله عليه وسلم - حين تحوَّل أمرُهُ القَولي إلى تطبيقٍ عمليٍّ، حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً، ولهذا يدعو الإسلام إلى دعم القول بالعمل، ومطابقة الأفعال للأقوال، قال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ }(الصف الآية 2: 3) .

كان خُلُقُهُ القُرآن :

بدراسة السيرة النبوية يتم حسن الاقتداء بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومعرفة شمائله، فإنها ترشد المسلم إلى مكارم الأخلاق، وتعينه على اكتسابها، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو القدوةَ التي ترجمت المنهج الإسلامي وأخلاقه إلى حقيقة وواقع، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يغرس في أصحابه الأخلاق الطيبة بفعله وسلوكه مع قوله، ولذلك لما سُئِلَت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها - عن خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم - قالت: ( كان خُلُقُهُ القُرآن ) رواه مسلم .
فجميع ما في القرآن الكريم من أخلاق وآداب وفضائل ومكارم متمثّلة في شخصيته وحياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد تأدب بآدابه، وتخلق بأخلاقه، فما مدحه القرآن، كان فيه رضاه، وما ذمه القرآن، كان فيه سخطه، وجاء في رواية البخاري، قالت عائشة ـ رضي الله عنها ـ: ( كان خلقه القرآن، يرضى لرضاه، ويسخط لسخطه ) .

وقد أحسن شوقي في تعداد بعض أخلاق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ العظيمة، وخِصاله الكريمة، وشمائله المباركة، حين قال:

زَانَتْكَ فِي الخُلُقِ العَظِيمِ شَمَائِلٌ يُغَرَى بِهِنَّ وَيُولَعُ الكُرُمَاءُ
وَالحُسْنُ مِنْ كَرَمِ الوُجُوهِ وَخَيْرُهُ مَا أُوتِيَ القُوَّادُ وَالزُّعَمَاءُ
فَإِذَا سَخَوْتَ بَلَغْتَ بِالجُودِ المَدَى وَفَعَلْتَ مَا لاَ تَفْعَلُ الأَنْوَاءُ
وَإِذَا عَفَوْتَ فَقَادِرًا وَمُقَدَّرًا لاَ يَسْتَهِينُ بِعَفْوِكَ الجُهَلاَءُ
وَإِذَا رَحِمْتَ فَأَنْتَ أُمٌّ أَوْ أَبٌ هَذَانِ فِي الدُّنْيَا هُمَا الرُّحَمَاءُ
وَإِذَا غَضِبْتَ فَإِنَّمَا هِيَ غَضْبَةٌ فِي الحَقِّ لاَ ضِغْنٌ وَلاَ بَغْضَاءُ
وَإِذَا رَضِيتَ فَذَاكَ فِي مَرْضَاتِهِ وَرِضَا الكَثِيرِ تَحَلُّمٌ وَرِيَاءُ
وَإِذَا خَطَبْتَ فَلِلمَنَابِرِ هِزَّةٌ تَعْرُو النَّدِيَّ، وَلِلقُلُوبِ بُكَاءُ
وَإِذَا قَضَيْتَ فَلاَ ارْتِيَابَ كَأَنَّمَا جَاءَ الخُصُومَ مِنَ السَّمَاءِ قَضَاءُ
وَإِذَا بَنَيْتَ فَخَيْرُ زَوْجٍ عِشْرَةً وَإِذَا ابْتَنَيْتَ فَدُونَكَ الآبَاء
وَإِذَا صَحِبْتَ رَأَى الوَفَاءَ مُجَسَّمًا فِي بُرْدِكَ الأَصْحَابُ وَالخُلَطَاءُ
وَإِذَا أَخَذْتَ العَهْدَ أَوْ أَعْطَيْتَهُ فَجَمِيعُ عَهْدِكَ ذِمَّةٌ وَوَفَاءُ
يَا أَيُّهَا الأُمِّيُّ حَسْبُكَ رُتْبَةً فِي العِلْمِ أَنْ دَانَتْ بِكَ العُلَمَاءُ
الذِّكْرُ آيَةُ رَبِّكَ الكُبْرَى الَّتِي فِيهَا لِبَاغِي المُعْجِزَاتِ غَنَاءُ

لقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صورةً حيةً لأخلاق وتعاليم الإسلام السامية، رأَى الناس فيه الإسلام رأْيَ العين، فهو أفضل معلم وأعظم قدوةً في تاريخ البشرية كلها، والذي أمرنا ربنا ـ سبحانه ـ بطاعته واتباعه والاقتداء به، قال الله تعالى: { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا }(الحشر من الآية:7)، وقال: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }(آل عمران:31)، وقال:{ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }(الأحزاب:21) ..

إسلام ويب

Post: #1176
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 02:27 AM
Parent: #1175


مروا أولادكم بالصلاة لسبع
الأبناء غِراس حياة، وقطوفُ أمل، وقرة عين الإنسان، ونعمة تستحق الشكر، وفي الوقت نفسه هم مسؤولية يجب العناية بهم، فالطفل أمانة عند والِديه، وقلبه عبارة عن جوهرة قابلة لكل نقْش، فإن عوِّد الخير نشأ عليه، وإن عوِّد الشر نشأ عليه، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( ما مِنْ مولودٍ إلا يولَدُ على الفَطرَةِ، فأبواه يُهَوِّدانِه أو يُنَصِّرانِه أو يُمَجِّسانِه ) رواه البخاري .

وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه

والآباء سيحاسبون على أولادهم، فعن عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( كلكم راع فمسئول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسئول عنهم، والرجل راع على أهل بيته وهو مسئول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسئولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسئول عنه، ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) رواه البخاري، ومن هذه المسئولية تربية الأبناء وتنشئتهم من صغرهم على الدين والأخلاق .
وفي سيرة وأحاديث النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ معيناً لا ينضب من المواقف والوصايا التي لو استخدمت في الحقل التربوي للصغار، لكانت كفيلة بترسيخ أروع القيم والمثل العليا في نفس الطفل، ولجعلت منه شخصية سويّة قادرة على القيام بدورها في بناء المجتمع وإصلاحه، لأن صغار اليوم هم بُناة الغد ورجال المستقبل .

ومن هذه المواقف والوصايا النبوية في معاملة الصغار وتربيتهم :

تنشئتهم على العقيدة :

عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت خلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوما فقال: يا غلام، إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام، وجفت الصحف ) رواه أحمد .

السلام عليهم، ومسح رؤوسهم وتقبيلهم :

السلام على الصغار ومسح رؤوسهم وتقبيلهم، أمر نغفل عنه كثيرًا، ومما لا شك فيه أن الصغار يحتاجون إلى الكثير من الاهتمام والحنان، وإشباع هذه الحاجة لا يكون إلا من قِبَل الوالدين أو من هو قريب منهما، وعلماء النفس والتربية يوصون بأهمية مسح رأس الطفل وتقبيله كأحد أهم وسائل الاهتمام العاطفي لإظهار الحب والتعبير عن الود، ومن ثم تكرر في مواقف كثيرة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الأولاد مسحه على رؤوسهم وتقبيله لهم، كما حدث مع محمد بن حاطب، وعمرو بن حريث، وغضيف بن الحارث، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن بسر وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ .
ولم يكُن اهتمام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالصغار والسلام عليهم وتقبيلهم موقفا عارضًا، بل كان منهجًا دائمًا في حياته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، فعن أنس - رضي الله عنْه - قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يزور الأنصار، ويسلم على صبيانِهم، ويَمسح رؤوسهم ) رواه ابن حبان .
وعن ثابت البناني قال: كُنتُ مع أنسٍ، فمرَّ على صبيانٍ فسلَّمَ عليهم، وقالَ أنس ـ رضي الله عنه ـ: ( كنتُ مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فمرَّ على صبيانٍ فسلَّمَ عليهم ) رواه الترمذي .

مداعبتهم وتكنيتهم :

التلطف مع الصبي والسؤال عن حاله ومداعبته وتكنيته يدخل السرور والحب عليه وعلى أهله، ويعتبر ذلك سلوكاً تربوياً ودعوياً، ويساعد في تكوين شخصيته تكوينا سليما، والتكنية - وهي ما صُدِّرِت بأمٍ أو بأبٍ - تجوز ولو لم يولد لِمَنْ كُنِّيَّ ولد، وذكر الحافظ ابن حجر في فتح الباري: كتاب الأدب باب " الكنية للصبي وقبل أن يولد للرجل " .
وعن أنس - رضي الله عنه - قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أحسن الناس خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقال له أبو عمير - أحسبه فطيمًا ـ وكان إذا جاء قال: يا أبا عمير ما فعل النُّغَير ( طائر صغير كالعصفور ) ) رواه مسلم .

أمرهم بالصلاة :

مع اهتمامه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالناحية النفسية للأولاد ومداعبته لهم، كان لا يترك فرصة أو موقفا يحتاج الطفل فيه إلى تعليم أو تأديب إلا أرشده ووجهه برفق وحب، فعن عمر بن أبي سلمة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت غلاماً في حجر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك، فما زالت طعمتي ( طريقة أكلي ) بعد ) رواه البخاري .
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ frown emoticon مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر، وفرقوا بينهم في المضاجع ) رواه أحمد .
لقد توجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالخطابَ للآباء والأمهات لحثهم على تعويد أولادهم المحافظة على الصلاة، حتى ينشأ الواحد منهم حسن الصلة بالله، ومَنْ لَمْ يَمْتثلِ الأمر ولَمْ يأمُر أولاده بالصلاة ويُتابعهم فيها، فقد عرِّض نفسه للعقوبة لأن أولاده أمانة عنده وسيحاسب عليهم .
قال ابن تيمية في "مجموع الفتاوى: " يجب على كلِّ مطاعٍ أن يأمر مَن يطيعه بالصلاة، حتى الصغار الذين لم يبلغوا، ومَن كان عنده صغيرٌ، يتيمٌ أو ولد، فلم يأمره بالصلاة فإنه يعاقَبُ الكبير إذا لم يأمرِ الصغيرَ، ويُعَزَّرُ الكبير على ذلك تعزيرًا بليغًا، لأنه عصى الله ورسوله " .
ولم يكن مِن هديه - صلى الله عليه وسلم - منع الصبيان من حضور المساجد، فقد كان يحضرهم ويقر حضورهم، فعن بريدة - رضيَ الله عنه - قال: ( بينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على المنبر يخطب، إذ أَقْبَلَ الحسن والحسين - عليهما السلام - عليهما قميصان أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل وحملهما، فقال: صدق الله { إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ }(التغابن: 15)، رأيتُ هذين يمشيان ويعثران في قميصَيْهما، فلم أَصْبِرْ حتى نزلتُ فحملتهما ) رواه النسائي .

فائدة :

كما أن مِن هَدْي النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر الصغارِ بالطاعات ليعتادوا عليها، كان من هديه - صلوات الله وسلامه عليه ـ نهيهم عن الوقوع في المُحَرَّمات، فعن ابن عمر - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى صبيًّا قد حلق بعض شعره وترك بعضه، فَنَهَاهُم عن ذلك، وقال: ( احلقوه كله، أو اتركوه كله ) رواه أبو داود، فنهاهمُ عنِ القَزَع، وهو حَلْق بعض الشَّعْر، وتَرْك بعضه، وَوَجَّه الخطاب للمُكَلَّفين، ولَمْ يعتبرِ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن هذا الصغير غير مُكَلَّف وذلك حتى لا يعتاد الخطأ .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسن بن علي - رضي الله عنه - تمرةً مِن تَمْر الصدقة، فجعلها في فيه، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( كخ كخ، ارم بها، أَمَا علمْتَ أنَّا لا نأكُلُ الصدقةَ )، وفي رواية أخرى: ( إنا لا تَحِلُّ لنا الصدقة ) رواه مسلم .
وعن أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( حُرِّمَ لِبَاسُ الحرير والذَّهَب على ذكور أمتي، وَأُحِلَّ لإناثهم ) رواه الترمذي، فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - التحريمَ متعلقًا بالذُّكوريَّة، ولم يجعلْه متعلقًا بالبلوغ والتكليف .
قال ابن تيميَّة: " ما حُرِّمَ على الرجل فِعْلُه حُرِّمَ عليه أن يُمَكَّن منه الصغير، فإنه يأمُره بالصلاة إذا بلغ سبع سنين، ويضربه عليها إذا بلغ عشرًا، فكيف يحل له أن يُلبسه المحرمات " .

لم يترك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرصة ولا موقفا إلا وقدم النصح للصغار، وأرشد هم إلى السلوك الصحيح، وما سبق ما هو إلا غيض من فيض من هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومواقفه ووصاياه في تربية الصغار والاهتمام بهم، وإذا كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد أمر الآباء بحسن تربية الأبناء، فإنه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ قد أعطى من نفسه القدوة الصالحة ليتأسى به الآباء والمربون في كل زمان ومكان، قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا }(الأحزاب:21) .
إسلام ويب

Post: #1177
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 03:03 AM
Parent: #1176

ماذا يخسر المسلم اذا ترك قيام الليل؟
💔 الخسارة الأولى:
. . يفقد لقب عباد الرحمن :
💝 ( وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً .....وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا)
💔 الخسارة الثانية:
. . يفقد لقب المتقين :
💝 ( إن المتقين في جنات وعيون... كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ. يَسْتَغْفِرُونَ)
💔 الخسارة الثالثة:
. . . يخسر لقب القانت وأولي الألباب :
💝 (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ ۗ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ. يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ۗ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ)
💔 الخسارة الرابعة:
. . .يخسر المقام المميز للقائمين :
💝 (لَيْسُوا سَوَاءً ۗ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ)
💔 الخسارة الخامسة:
. . .يخسر فرصته في اجابة الدعاء كما منحها ربنا لزكريا :
💝 (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)
💔 الخسارة السادسة:
. . يخسر عناية الله به بتحمل القول الثقيل:
💝 ( ...قم الليل إلا قليلا ...إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً إن ناشئة الليل هي أشد وطأً وأقوم قيلاً )
💔 الخسارة السابعة:
. . يخسر أن لا تُذهب حسناته سيئاته فمن أحد شروطها أن أقيم الصلاة زلفاً من الليل:
💝 (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ ۚ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ۚ ذَٰلِكَ ذِكْرَىٰ لِلذَّاكِرِينَ)
💔 الخسارة الثامنة:
. . يخسر أن لا يبعثه ربي مقاماً محموداً :
💝 (وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَىٰ أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا)
💔 الخسارة التاسعة:
. . يخسر الرضى الذي وعد به ربي عزوجل :
💝(... وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَىٰ)
💔 الخسارة العاشرة:
. . يخسر عناية الله التي يوليها لمن يراه قائماً بالتوكل عليه:
💝 (وتوكل على العريز الرحيم الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ)
💔 الخسارة الحادية عشر:
. . يخسر الصبرلحكم الله ولا يكون ممن يقال لهم (فإنك بأعيننا) :
💝 (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ)
💔 الخسارة الثانية عشر:
. . يخسر ما أخفى الله للقائمين من قرة أعين
💝 (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
💔 الخسارة الثالثة عشر:
. . . يخسر اتباعه لحبيبي سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم والذين معه من الصحابة
💝(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَىٰ مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ ۚ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ۚ ...)
فهل بعد كل هذه الخسائر الفادحة هل تُراني سأضيع قيام الليل؟

Post: #1179
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 10:59 PM
Parent: #1177

من كريم أخلاق نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وجميل عشرته، وحسن هديه وشمائله، أنه كان يعيش مع أصحابه أفراحهم وأحزانهم، وآلامهم وآمالهم، ويقبل دعوتهم، ويهتم بالعطف على أولادهم، ويدعو لهم بالخير .
ومن ذلك ما كان في قصته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع عبد الله بن بُسْر ـ رضي الله عنه ـ، حيث دعاه والد عبد الله للطعام فلبَّى دعوته، وفي هذه القصة ظهرت معجزة من معجزاته ودلائل نبوته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ .

روى الحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة وغيرهما ـ وذكره الألباني في الصحيحة ـ عن عبد الله بن بُسْر ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أتى رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منزلنا مع أبي، فقام أبي إلى قطيفة ( كساء أو وسادة ) لنا قليلة الخملِ، فجمَعها بيدِه ثم ألقاها للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقعد عليها ثم قال أبي لأُمي: هل عندك شيء تُطعمِينا؟، فقالت: نعم، شيءٌ من حَيسٍ ( تمر منزوع نواه )، قال فقرَّبتْه إليهما فأكلا، ثم دعا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ثم التفت إليَّ رسولُ الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنا غلامٌ فمسح بيده على رأسي ثم قال: يعيش هذا الغلامُ قرْنًا )
وفي رواية ابن عساكر: أخبرنا محمد بن القاسم الطائي عن عبد الله بن بسر : ( قلت: بأبي وأمي يا رسول الله! وكم القرن؟، قال: مائة سنة )، قال عبد الله: " فلقد عشت خمسا وتسعين سنة، وبقيت خمس سنين إلى أن يتم قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، قال محمد: فحسبنا بعد ذلك خمس سنين ثم مات " .

عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ قال عنه الذهبي في سير أعلام النبلاء: " ابن أبي بُسْر، الصحابي المُعَمِّر، بركة الشام، أبو صفوان المازني، نزيل حمص، له أحاديث قليلة، وصحبة يسيرة، ولأخويه عطية والصماء ولأبيهم صحبة " .
وقال عنه ابن الأثير في كتابه " أُسْد الغابة " : " عبد الله بن بسر المازني، من مازن بن منصور بن عكرمة، يكنى أبا بسر، وقيل: أبا صفوان، صلى القبلتين، وضع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يده على رأسه ودعا له، صَحِبَ النبيَّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هو، وأبوه، وأمه، وأخوه عطية، وأخته الصماء " .

لقد كان عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ من العُبَّاد الصالحين، وخُتِمَ له بالحسنى، إذ مات وهو يتوضأ وعمره حينئذ مائة عام، وكان ذلك في خلافة سليمان بن عبد الملك، وفي العمر الطويل الخير الكثير لمن اغتنمه، وسلك الهدي المستقيم والصراط المستقيم، فعن أبي بكرة ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رجلا قال: يا رسول الله! أي الناس خير؟، قال: من طال عمره وحسن عمله، قال: فأي الناس شر؟، قال: من طال عمره وساء عمله ) رواه الترمذي .

ووجه المعجزة في هذا الموقف والحديث النبوي هو إخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأمر من الأمور الغيبية المستقبلية، والتي يستحيل أن يعرفها احد إلا الله ـ عز وجل ـ، الذي أطلع نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على بعضها، قال الله تعالى: { عَالِمُ الغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا }(الجنّ:26 : 27) .
ولو كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مُدَّعِّياً للنبوة لما أخبر عن أمر مستقبلي غيبي لا يعرفه أحد من البشر ولم يطالبه به أحد، وهو أن عبد الله بن بسر ـ رضي الله عنه ـ سيعيش قرنا من الزمان، فتحقق بالفعل تصديقا لإخباره ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فكان معجزة من معجزاته ودليلا من دلائل نبوته التي وقعت بعد وفاته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ، وصدق حسان بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ في قوله :

نبي يرى ما لا يرى الناس حوله ويتلو كتاب الله في كل مشهد

فإن قال في يوم مقالة غائب فتصديقها في صحوة اليوم أو غد

مسح رأس الطفل سُنَّة نبوية :

يوصي علماء النفس والتربية بأهمية مسح رأس الطفل كأحد أهم وسائل الحوار العاطفي لإظهار الاهتمام به والتعبير عن حبه، والناظر في سيرته وأحاديثه ـ صلى الله عليه وسلم ـ يجد أنه أعطى الطفل جانبا كبيرا من اهتمامه، ومن صور اهتمامه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ التي تكررت في مواقف كثيرة مع الأطفال مسحه على رؤوسهم والدعاء لهم، كما حدث مع محمد بن حاطب، وعمرو بن حريث، وغضيف بن الحارث، ويوسف بن عبد الله بن سلام، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن بسر وغيرهم ـ رضوان الله عليهم ـ، ومن المشهور عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يزور الأنصار ويمسح على رؤوس صبيانهم .
إسلام ويب

Post: #1180
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 11:04 PM
Parent: #1179

لم تكن رسالة الإسلام لجيل من الناس دون جيل، ولا يختص بها مِصْر دون مصر، ولا عصر دون عصر، شأن الرسالات التي تقدمتها، بل كانت رسالة عامة للناس جميعا أبيضهم وأسودهم، عربًا كانوا أو عجمًا، وقد صرح القرآن الكريم بأن محمدًا ـ صلى الله عليه وسلم ـ رسول الله إلى الناس جميعاً ، قال الله تعالى: { قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }(الأعراف: 158)، وقال تعالى: { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا }(الفرقان:1)، وقال: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ }(الأنبياء: 107)، وقال: { وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ * فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }(آل عمران: 81 : 82) .
قال ابن كثير في تفسيره: " قال علي بن أبي طالب وابن عمه عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: ما بعث الله نبيا من الأنبياء إلا أخذ عليه الميثاق، لئن بُعِثَ محمد وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذ الميثاق على أمته: لئن بعث محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهم أحياء ليؤمنن به ولينصرنه " .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم : ( فُضِّلْتُ على الأنبياء بست : أعطيت جوامع الكلم، ونُصِرْتُ بالرعب، وأحلت لي الغنائم . وجعلت لي الأرض طهورا ومسجدا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون ) رواه مسلم، وفي رواية أخرى: ( وبُعِثْتُ إلى كلِّ أحمرَ وأسْود ) .
ولا شك أن هذا نص واضح بعمومية رسالته ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وأنه أرسل إلى الناس كافة، وفي ذلك خصوصية له - صلوات الله وسلامه عليه - دون غيره من الأنبياء .
وقد بيَّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه رسول الله إلى الناس أجمعين بصورة عملية، فأرسل رسله وبعث كتبه في أقطار الأرض إلى كسرى، وقيصر، والنجاشي، وسائر ملوك الأرض يدعوهم إلى الإسلام .

الإنس والجن :

من الآيات القرآنية التي تشهد بأن بعثته ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم تكن إلي الإنس وحدهم بل كانت إلي الجن أيضا‏,‏ قول الله ـ تعالي ـ: { قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا }(الجنّ: 1: 2 )، وقوله: { وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَسْتَمِعُونَ القُرْآَنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ * قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ * يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللهِ وَآَمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ }( الأحقاف 29 : 32 ) .
ومن الأحكام التي أخذها العلماء من هذه الآيات الكريمة‏:‏ أن رسالة النبي ـ صلي الله عليه وسلم ـ كانت إلي الأنس والجن‏,‏ لأن هذه الآيات تحكي إيمان بعض الجن به ـ صلي الله عليه وسلم ـ، كما تحكي دعوتهم غيرهم إلي الإيمان به‏ .‏

لقد أراد الله - عز وجل - ألا يترك عباده يسيرون في الأرض على غير هدى، فأرسل إليهم الأنبياء والرسل، وفضل بعض الأنبياء على بعض، ورفع بعضهم درجات، ففضل أولي العزم على باقي الرسل، وهم خمسة: نوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى، ومحمد ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ، قال الله تعالى: { وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا }{الإسراء:55}
وإذا كان الله قد خص بعض الأنبياء بخصوصيات، فلا عجب أن يخص محمدا - صلى الله عليه وسلم - بإرساله للخَلق كافة ـ إنسهم وجنهم ـ، وهذا ثابت بنص القرآن الكريم والسنة الصحيحة، ومن ثم فلا طريق إلى الله - عز وجل ـ إلا بالإيمان به واتباعه ـ صلى الله عليه وسلم ـ، حتى لو أدركه موسى وعيسى، وغيرهما من الأنبياء ـ عليهم الصلاة والسلام ـ لوجب عليهم اتباعه، فعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( والذي نفسي بيده لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني ) رواه أحمد .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرْسِلْتُ به إلا كان من أصحاب النار ) رواه مسلم .
قال ابن كثير: " والآيات في هذا كثيرة، كما أن الأحاديث في هذا أكثر من أن تُحْصَر، وهو معلوم من دين الإسلام ضرورة أنه رسول إلى الناس كلهم " .
إسلام ويب

Post: #1181
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 11:06 PM
Parent: #1180

سيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحياته أعظم نبعٍ لمن يُريد تربية المجتمع على قيم الرأفة والرحمة، والتي ظهرت في حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الناس عامَّة، وأُمَّته خاصَّة، وكان هذا الحرص دليلاً على حسن خلقه وصدق نُبُوَّتِهِ، ولذلك وصفه الله ـ عز وجل ـ بقوله: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة: 128) .
ذكر القرطبي في تفسيره عن الحسين بن الفضيل قوله: " لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي محمد ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فإنه قال: { بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة: من الآية128)، وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(الحج: من الآية65) "
وقال الشيخ السعدي في تفسيره: " أي شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم، ولهذا كان حقّه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به وتعظيمه وتعزيره وتوقيره " .

والأمثلة والصور التي تدل على حرص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته ورأفته ورحمته بهم ـ أفرادا وجماعات ـ كثيرة، منها :

عن أبى هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: ( قبّل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الحسن بن علىّ، وعنده الأقرع بن حابس التيمى، فقال الأقرع: إن لى عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر إليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم قال: من لا يرحم لا يرحم ) رواه البخاري .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : ( دخلَ أعرابِيٌّ المسجد ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ جالس، فصلَّى، فلما فرغ قال: اللهمَّ ارحمني ومحمدًا، ولَا ترحمْ معنا أحدا، فالتفَتَ إليهِ النبيُّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: لقدْ تَحَجَّرْتَ واسعًا، فلم يلبثْ أنْ بال في المسجد، فأسرع إليه الناس ، فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: أهْريقوا عليْهِ سَجْلًا مِنْ ماءٍ، أوْ دلْوًا مِنْ ماء، ثُم قال : إِنَّما بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَمْ تُبْعَثوا مُعَسِّرين ) رواه أبو داود .
وعن معاوية بن الحكم السلمي ـ رضي الله عنه ـ قال: ( بينا أنا أصلي مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ عطس رجل من القوم، فقلت: يرحمك الله، فرماني القوم بأبصارهم فقلت: واثكل أمياه ما شأنكم تنظرون إليّ! فجعلوا يضربون بأيديهم على أفخاذهم، فلما رأيتهم يصمتونني لكني سكت. فلما صلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فبأبي هو وأمي ما رأيت معلماً قبله ولا بعده أحسن تعليماً منه، فوالله ماكهرني، ولا ضربني ولا شتمني قال: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن ) رواه مسلم .
قال النووي: " فيه بيان ما كان عليه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من عظيم الخُلق الذي شهد الله تعالى له به، ورفقه بالجاهل، ورأفته بأمته، وشفقته عليهم " .

ومع أن التقرُّب إلى الله أمرٌ محمود ومأمور به، إلا أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان يعرض عن عبادة من العبادات، أو يترك عملا من الأعمال - وهو ومحبَّب إلى قلبه - لا لشيء إلاَّ لخوفه أن يشقّ على أحدٍ من أمته، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: (إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيُفرض عليهم ) رواه البخاري .
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم – قال : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها، فأسمع بكاء الصبي فأَتَجَوَّزْ (أخفف) في صلاتي، كراهية أن أشق على أمه ) رواه أحمد .

ومن صور حرصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته ورحمته ورأفته بهم : خوفه عليهم من النار، ورغبته أن يكونوا أكثر أهل الجنة، فعن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار كتهافت الفراش أو الذباب ) رواه أحمد .
وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال - صلى الله عليه وسلم ـ : ( إذا كان يوم القيامة ماج الناس بعضهم في بعض، فيأتون آدم فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، فيقول: لست لها ولكن عليكم بإبراهيم فإنه خليل الرحمن، فيأتون إبراهيم، فيقول: لست لها ولكن عليكم بموسى فإنه كليم الله، فيأتون موسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بعيسى فإنه روح الله وكلمته، فيأتون عيسى فيقول: لست لها ولكن عليكم بمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فيأتوني فأقول: أنا لها، فأستأذن على ربي فيؤذن لي، ويلهمني محامد أحمده بها لا تحضرني الآن، فأحمده بتلك المحامد وأخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه مثقال شعيرة من إيمان، فأنطلق فأفعل ثم أعود فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي فيقال انطلق فأخرج منها من كان في قلبه مثقال ذرة أو خردلة من إيمان، فأنطلق فأفعل، ثم أعود فأحمده بتلك المحامد ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع، وسل تعط، واشفع تشفع، فأقول: يا رب أمتي، أمتي، فيقال: انطلق فأخرج من كان في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال حبة خردل من إيمان فأخرجه من النار، فأنطلق فأفعل ثم أعود الرابعة فأحمده بتلك المحامد، ثم أخر له ساجدا، فيقال: يا محمد ارفع رأسك، وقل يسمع لك، وسل تعطه، واشفع تشفع، فأقول: يا رب ائذن لي فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول: وعزتي وجلالي وكبريائي وعظمتي لأخرجن منها من قال لا إله إلا الله ) رواه البخاري .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ قال: ( أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تلا قول الله ـ عز وجل ـ في إبراهيمَ ـ عليه السلام ـ: { رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ }( إبراهيم الآية : 36 )، وقال عيسى عليه السلام: { إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيم }( المائدة الآية : 118 )،فرفعَ يديهِ وقال اللهمَّ أُمَّتي أُمَّتي، وبكى، فقال الله ـ عز وجل ـ: يا جبريل ! اذهب إلى محمد، - وربُّكَ أعلم -، فسَلهُ ما يُبكيكَ؟، فأتاهُ جبريل عليهِ الصلاة والسلام فسَأله، فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بما قال، وهو أعلم، فقال الله: يا جبريل! اذهبْ إلى محمدٍ فقلْ : إنَّا سنُرضيكَ في أُمَّتكَ ولا نَسُوءُك ) رواه مسلم .
قال النووي: " هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد، منها: بيان كمال شفقة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أمته واعتنائه بمصالحهم، واهتمامه بأمرهم، ومنها: استحباب رفع اليدين في الدعاء، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة، زادها الله تعالى شرفا بما وعدها الله تعالى بقوله: سنرضيك في أمتك ولا نسوءك، وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها، ومنها: بيان عظم منزلة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عند الله تعالى، وعظيم لطفه سبحانه به ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .

للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الصفات والأخلاق أعظمها وأكملها، قال الله ـ تعالى ـ عنه: { وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم:4) .
قال السعدي: " الآيات الحاثات على الخلق العظيم، كان له منها أكملها وأجلها، وهو في كل خصلة منها، في الذروة العليا، فكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ سهلا لينا، قريبا من الناس، مجيبا لدعوة من دعاه، قاضيا لحاجة من استقضاه، جابراً لقلب من سأله، لا يحرمه، ولا يرده خائبا، وإذا أراد أصحابه منه أمرا وافقهم عليه، وتابعهم فيه إذا لم يكن فيه محذور، وإن عزم على أمر لم يستبدّ به دونهم بل يشاورهم، وكان يقبل من محسنهم، ويعفو عن مسيئهم، ولم يكن يعاشر جليسا له إلا أتم عشرة وأحسنها، فكان لا يعبس في وجهه، ولا يغلظ عليه في مقاله، ولا يطوي عنه بشره، ولا يمسك عليه فلتات لسانه، ولا يؤاخذه بما يصدر منه من جفوة، بل يحسن إلى عشيرته غاية الإحسان، ويحتمله غاية الاحتمال ـ صلى الله عليه وسلم ـ " .
وقد وصفه الله تعالى بالحرص على أمته والرأفة والرحمة بها فقال: { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ }(التوبة:128) .

ومما زادني شرفاً وتيها وكدت بأخمصي أطأ الثريا
دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيّرت أحمد لي نبيا
إسلام ويب

Post: #1182
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 11:09 PM
Parent: #1181

أجرى الله ـ تعالى ـ على أيدي أنبيائه ورسله من المعجزات الباهرات والدلائل القاطعات التي تدل على صدق دعواهم أنهم رسل الله .. ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أكثر الرسل معجزة، وأبهرهم آية، فله من المعجزات ما لا يُحَدُّ ولا يُعَدُّ، وقد أيد الله ـ سبحانه ـ نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالعديد من المعجزات الدالة على صدقه ونبوته، وعلو قدره وشأنه، وكان أعظمها على الإطلاق القرآن الكريم، والذي يعد أعظم دلائل نبوَّته - صلَّى الله عليه وسلم -، قال الله تعالى: { قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا }(الإسراء: 88)، وقال: { وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ }(البقرة: 23 : 24 ) .
قال ابن كثير في كتابه البداية والنهاية: " ومثل هذا التحدِّي إنما يصدُر عن واثقٍ بأنَّ ما جاء به لا يمكن للبشر معارضته ولا الإتيان بمثله، ولو كان من مُتَقوِّل من عند نفسه لخاف أن يُعارَض فيُفتَضَح ويعود عليه نقيضُ ما قصده من مُتابَعة الناس له، ومعلوم لكلِّ ذي لُبٍّ أنَّ محمدًا - صلَّى الله عليه وسلم - من أعقل خلق الله، بل أعقلهم وأكملهم على الإطلاق، فما كان ليُقدِم على هذا الأمر إلا وهو عالمٌ بأنه لا يمكن مُعارَضَتُه، وهكذا وقع، فإنه من لَدُنْ رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وإلى زماننا هذا لم يستطع أحدٌ أن يأتيَ بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدًا " .

وإذا تجاوَزنا النفر القليل الذين كانت شخصية النبي- صلَى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه وصفاته هي السبب الرئيسي في إسلامهم كزوجه خديجة، وصديقه أبي بكر، وابن عمِّه علي، ومولاه زيد، وأمثالهم ـ رضي الله عنهم ـ، فإننا نجد القرآن الكريم كان أحد العوامل الهامة في إيمان الكثير ممن آمن أوائلَ أيام الدعوة، ومن أشهر الذين دخَلُوا في الإسلام بسبب إعجاز القرآن الكريم واقتِناعهم أنه ليس ممَّا يستطيع البشر أن يأتوا بمثله: عمر بن الخطَّاب، وأُسَيد بن حُضَير، وسعد بن معاذ - رضي الله عنهم - .. وقصة إسلام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه – وإعراض الوليد بن المغيرة نموذجان من قَصَصٍ كثيرة تكشف عن إعجاز القرآن الكريم الذي يستوي في الإقرار به المؤمن والكافر .
قال القاضي عياض: " فالقرآن في نفسه وجميع ما تضمنه من معجز معلوم ضرورة، وكما شهدت به الأعداء كالوليد بن المغيرة، إذ قال حين تُلِيَ عليه منه: إنّ له لحلاوة وإنّ عليه لطلاوة، وإنّ أسفله مغدق، وإن أعلاه لمثمر، وما هو من كلام البشر. ووجه إعجازه معلوم ضرورة بجزالة لفظه، وفخامة تأليفه، وبلوغه أقصى درجات مراتب البلاغة والفصاحة، وحسن التئام كلماته ونظم آياته ،وبراعة إيجازه وغرابة فنونه، وفصاحة وجوه فواتحه وخواتمه، فلا يحتاج العلم به إلى دليل ".

وفي القرآن الكريم من دلائل إعجازه، ونبوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : إخباره عن الأنبياء السابقين وأقوامهم، وحديثه عن قصصٍ ومشاهد تفصيلية لأمم سابقة لم يكن لها اتصالٌ مباشرٌ بأهل الجزيرة العربية، وحضارات سادت ثم اندثرت، وذلك مثل قوله سبحانه: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ }(آل عمران:44)، وقوله: { ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ }(هود: 100) .
ووجه الإعجاز في ذكر تلك القصص، هو أن البيئة العربية لم تكن على علمٍ تفصيلي بها، وهذا يُثبت أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ علم بها من مصدر آخر، وإذا أضيف إلى ذلك أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان أمّياً لا يُحسن القراءة ولا الكتابة، فلم يكن من المٌتَصوّر أن يتلقّى مثل هذه الأخبار عن كتب أهل الكتاب، وبالتالي لا سبيل إلى معرفة تلك التفاصيل إلا عن طريق الوحي الإلهي، ولهذا المعنى أقرّ بعض الأحبار بصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في نبوّته، وإلى ذلك أشار القرآن الكريم بقوله: { تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ }(هود: 49)، { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ }(النحل:103)، وقوله: { وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ المُبْطِلُونَ }(العنكبوت:48) .

ومن دلائل إعجاز القرآن الكريم إخباره عن الغيوب المستقبَلة، كإخباره عن انتِصار الروم على الفرس في قوله تعالى: { الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ }(الروم: 1: 4)، وإخباره عن دخول المسلمين المسجدَ الحرام محلِّقين رؤوسهم في قوله تعالى: { لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ }(الفتح: 27)، فدخَلُوه بعد سنة معتمرين، ودخلوه بعد سنتين فاتحين .
وكذلك فإن اشتمال القرآن الكريم على إشارات صادقة إلى بعض النظريات والحقائق العلمية في الكون والإنسان التي كشف عنها العلم الحديث، لمن دلائل إعجازه، وصدق النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والأمثلة على هذه النظرات والإشارات كثيرة في كتب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم .

إن كل نبي من الأنبياء أوتي آية ومعجزة حسية كانت فاعلة معه ما دام حيًّا، فلما مات الأنبياء ماتت بموتهم هذه المعجزات، وفنيت بفنائهم، حتى جاء نبينا ـ صلى الله عليه وسلم ـ بمعجزة القرآن الكريم المحفوظة والباقية بقاء الدهر، قال ابن حجر في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( وَإِنَّمَا كان الذي أُوتِيتُ وَحْيًا أَوْحاه الله إِلَيَّ ): " أي إنَّ معجزتي التي تحدَّيت بها ( الوحيُ الذي أُنزل عليَّ ) وهو القرآن، لِمَا اشتمل عليه من الإعجاز الواضح، وليس المراد حصر معجزاته فيه، ولا أنه لم يُؤْتَ من المعجزات ما أُوتِي مَنْ تقدَّمه، بل المراد أنه المعجزة العظمى التي اخْتُصَّ بها دون غيره، لأن كلَّ نبي أُعْطِيَ معجزة خاصَّة به لم يُعْطَهَا بعينها غيرُه، تحدَّى بها قومه، وكانت معجزة كل نبي تقع مناسِبة لحال قومه " .
وقال العز بن عبد السلام : " ومن خصائصه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن معجزة كل نبي تصَّرمت ( انقطعت ) وانقرضت، ومعجزة سيد الأولين والآخرين وهي القرآن العظيم، باقية إلى يوم الدين " .

لقد انتقل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الرفيق الأعلى وبقيت أعظم معجزاته ودلائل نبوته ـ القرآن الكريم ـ محفوظة، وشاهداً ودليلاً على خلود هذا الدين، وأنه الدين الذي ارتضاه الله سبحانه لعباده، والذي لا يقبل من أحد سواه، قال الله تعالى: { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ }(الحجر:9)، وقال: { وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآَخِرَةِ مِنَ الخَاسِرِينَ }(آل عمران : 85 ) .

إسلام ويب

Post: #1183
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 11-30-2015, 11:33 PM
Parent: #1182

للظلم عواقب سيئة على الأمم والأفراد، وهو خُلق ذميم، وذنب عظيم، يحيل حياة الناس إلى شقاء وجحيم، ويأكل الحسنات، ويجلب الويلات على المجتمعات، قال الله تعالى: { وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً }(الكهف:59) .. ولشدة خطره وعظيم أثره كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يكثر من الاستعاذة منه فيقول: ( وأعوذ بك أن أَظلِم أو أُظلم ) رواه النسائي .
وعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( إن الله ليُمْلِي للظالم، حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ: { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ }(هود:102) .
وقال ابن تيمية: " إن الله يقيم الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة، ويقال: الدنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظلم والإسلام " .

وسيرة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مليئة بالأحاديث والمواقف التي حرص النبي - صلى الله عليه وسلم ـ من خلالها على ترسيخ خطورة الظلم في نفوس أصحابه والمسلمين من بعدهم، وتحذر من الظلم وشره، وتبين آثاره على الأفراد والأمم، ومنها :

عن جابر - رضي الله عنه - قال: ( لما رجع مهاجروا البحر ( الحبشة ) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: ألا تحدثوني بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟! ، قال فتية منهم: بلى يا رسول الله! بينما نحن جلوس، إذ مرت عجوز من عجائز رهابينهم تحمل على رأسها قُلَّةً من ماء، فقام إليها فتىً من فتيانهم فوضع إحدى يديه بين كتفيها ثم دفعها فخرت على ركبتيها، فانكسرت قلتها، فلما ارتفعت، التفتت إليه فقالت: سوف تعلم، يا غُدر (غادر)، إذا وضع الله الكرسي، وجمع الأولين والآخرين، وتكلمت الأيدي والأرجل بما كانوا يكسبون، فسوف تعلم كيف يكون أمري وأمرك عنده غداً، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: صدقت .. صدقت، كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ؟! ) رواه ابن ماجه .
قال السِّندي: ( يقدِّس الله ) أي: يُطَهِّرهم من الدَّنس والآثام " .
وقال المناوي: " ( كيف يقدس الله أمة لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم ): استخبار فيه إنكار وتعجُّب، أي: أخبروني كيف يُطهِّر الله قومًا لا ينصرون العاجز الضَّعيف على الظَّالم القويِّ، مع تمكُّنهم من ذلك؟!، أي: لا يطهِّرهم الله أبدًا، فما أعجب حالكم إن ظننتم أنَّكم مع تماديكم في ذلك يُطهِّركم! ".

وعن النعمان بن بشير ـ رضي الله عنه ـ : أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له، فقالت : لا أرضى حتى تُشْهِدَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ما وهبتَ لابني، فأخذ أبى بيدي وأنا يومئذ غلام فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال يا رسول الله : إن أم هذا بنت رواحة أعجبها أن أُشْهِدك على الذي وهبتُ لابنها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( يا بشير ألك ولد سوى هذا؟، قال: نعم، فقال: أكلهم وهبْتَ له مثل هذا ؟، قال: لا، قال: فلا تُشْهِدني إذاً، فإني لا أشهد على جور( ظلم ) ) رواه مسلم .

وعن أبي مسعود البدري ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنتُ أضرب غلامًا لي بالسَّوط، فسَمِعتُ صوتًا من خلفي: اعْلَم أبا مسعود، فلم أفهم الصَّوت من الغضب، قال: فلمَّا دنا مني إذا هو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود، اعلم أبا مسعود، قال: فألقيتُ السَّوط من يدي، فقال: اعلم أبا مسعود أنَّ الله أقدر عليك مِنْك على هذا الغلام، قال: فقلتُ لا أضرب مملوكًا بعده أبدًا، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : أما لو لم تفعل لَلَفَحَتْكَ النار ـ أو لَمَسَّتْكَ النار ـ ) رواه مسلم .

وعن أبي أمامة الباهلي ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار، وحرم عليه الجنة، فقال رجل: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟!، فقال - صلى الله عليه وسلم -: وإن كان قضيباً من أراك ) رواه مسلم .

وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال - صلى الله عليه وسلم -: ( من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه، أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أُخِذ منه بقدر مظلمته، وإن لم يكن له حسنات، أخذ من سيئات صاحبه فحُمل عليه ) رواه البخاري .

وعن جابر بن عبد الله ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ) رواه مسلم .
قال النووي: " قال القاضي: قيل : هو على ظاهره فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حتى يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم " .

وعن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بعث معاذا إلى اليمن، فقال ( اتّق دعوة المظلوم، فإنّها ليس بينها وبين الله حجاب ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " أي تجنب الظلم لئلا يدعو عليك المظلوم، وفيه تنبيه على المنع من جميع نوازع الظلم " .

وعن خزيمة بن ثابت ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( اتقوا دعوة المظلوم فإنها تحمل على الغمام، يقول الله: وعزتي وجلالي لأنصرنك ولو بعد حين ) رواه الطبراني .

لا تظلمن إذا ما كنتَ مُقتدِرا فالظلم يرجع عقباه إلى الندمِ
تنام عينك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم

إسلام ويب

Post: #1184
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-01-2015, 04:21 PM
Parent: #1183

🌠جواهر سوره الكهف.🌠
🌠جواهر سورة الكهف
أن على المسلم أن يأوي إلى سورة الكهف تلاوةً وتدبراً وعملاً لينجو من أعظم الفتن فتنة الدجال وفتنة الدين والمال والعلم..
🌠جواهر سورة الكهف
(فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا )
لاتأكل إلاطيباً ولاتُطعِم إلاطيباً
فالله طيبٌ لايقبل إلاطيباً..
🌠جواهر سورة الكهف
( وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا) الصديق الصالح من إذا صاحبته
تعلقتَ بالآخرة..
🌠جواهر سورة الكهف
أنه لا سبيل إلى نيل الهداية إلا من الله فهو الهادي المرشد لمصالح الدارين سبحانه ( مَن يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا )..
🌠جواهر سورة الكهف
أن الرب الذي أمات أصحاب الكهف ثلاث مائة عام وازدادوا تسعا ثم أحياهم بعد ذلك قادر على أن يحيي أمتنا مهما طال سباتها..
🌠جواهر سورة الكهف
من الأدب مع الله تعالى أن لا يقول العبد سأفعل كذا مستقبلاً إلا قال بعدها إن شاء الله:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَٰلِكَ غَدًا❄❄إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ)..
🌠جواهر سورة الكهف
(وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَىٰ أَن يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَٰذَا رَشَدًا).
أنه أعظم علاج للنسيان هو الإكثار من ذكر الله
فذكر الله والدعاء علاج للنفس والنسيان"
🌠جواهر سورة الكهف
أن عذاب الدنيا مهما بلغ
فإنه لا يقارن بعذاب الآخرة
(قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا)
نعوذ بالله من النار..
🌠جواهر سورة الكهف
( احفظ الله يحفظك )
( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ
) قال ابن عباس لو لم يُقَـلّبوا لأكلتهم الأرض."
فمن حفظ أوامر الله حفظه الله،ومن حفظه الله
،سخر له كل شيء السماءوالأرض والبشر والجمادات والحيوانات.
🌠جواهر سورة الكهف
( وَلْيَتَلَطَّفْ وَلَا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا)
قال أهل العلم يستفاد من هذه الآية : مشروعية كتمان بعض الأعمال وعدم إظهارها..
🌠جواهر سورة الكهف
" فانطلقا "
" فانطلقا "
" فانطلقا
أن النجاح والفلاح في الدارين يحتاج إلى
انطلاق ..."
🌠جواهر سورة الكهف
أن الدنيا(وَاضْرِبْ لَهُم مَّثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا)
فماأقصرهاحياة.!
ومـاأهونهاحياة.!”
🌠جواهر سورة الكهف
إياك أن يأثر فيك إعراض الناس وعدم قبولهم في مسيرة دعوتك (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا)
🌠جواهر سورة الكهف
( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا)
انتبه لأقوالك ! فرب كلمة تخرجها ترجح بكفة سيئاتك..
🌠جواهر سورة الكهف
أن لا أتعلق إلا بالله فلا ناصر إلا إياه(وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللهِ وَمَا كَانَ مُنتَصِرًا)
🌠جواهر سورة الكهف
أن قول:(سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر)خير مما على الأرض من متاع وولد
(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا)
🌠جواهر سورة الكهف
أنه مهما بلغَتْ قوة قلبك وجسدك ،
فأنت ضعيف في نفسك قوي بإخوانك..
(فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)
🌠جواهر سورة الكهف
(لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
ولم يقل سُبحانه أكثر وأدوم !
بل أحسن ..
بإخلاص النية واتباعه لمحمد صلى الله عليه وسلم
🌠جواهر سورة الكهف
أني كلما تعاليت واستكبرت على خلق الله تذكرت
(أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا)
فلمَ الكِبر والخُيلاء.؟
🌠جواهر سورة الكهف
أن من أعظم أسباب الثبات التمسك بالقرآن، فالله قص علينا ثبات أهل الكهف، ثم أعقب ذلك بالوصية:
(وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا)
🌠جواهر سورة الكهف
أن من المهارة في القيادة نفع الآخرين بتوظيف طاقاتهم، كما وظف ذو القرنين طاقات قوم لا يكادون يفقهون قولا..!!
🌠جواهر سورة الكهف
أن الكهف أوسع من الفضاء إذا عبدت الله فيه , وأن الفضاء أضيق من الكهف إذا لم تستطع عبادة الله فيه ..
🌠جواهر سورة الكهف
أن صلاح الأب فيه حفظ لأبنائه بعد مماته .
( وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا )

Post: #1185
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-01-2015, 06:59 PM
Parent: #1184

رسولنا - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة كان يحب الخلوة والعزلة، فكان يأخذ التمر والماء ويذهب إلى غار حراء الذي يبعد عن مكة بمقدار ميلين، وهناك كان يقضي وقته في عبادة الله والتفكر في قدرته العظيمة في الكون، وبدأت مبشرات النبوة وإرهاصاتها في الظهور، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أنها قالت: ( أول ما بُدِئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِّب إليه الخلاء، فكان يخلو بغار حراء يتحنّث فيه - وهو التعبّد - الليالي ذوات العدد ) رواه البخاري، وعن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( إني لأعرف حجراً بمكة كان يُسَلِّم عليَّ قبل أن أبعث، إني لأعرفه الآن ) رواه مسلم .

وأشرقت شمس النبوة ونزل الوحي على رسولنا - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لإحدى وعشرين مضت من شهر رمضان، الموافق 10 أغسطس سنة 610 م، وكان عمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ ذاك أربعين سنة قمرية، وستة أشهر، و 12 يوما، وذلك نحو 39 سنة شمسية وثلاثة أشهر و 12 يوما كما ذكر ذلك المباركفوري في الرحيق المختوم، وقد استدل ابن إسحاق على أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بُعِث في شهر رمضان بقول الله تعالى: { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ }(البقرة:185 ) .
وعن أبي قتادة ـ رضي الله عنه ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ سئل عن صوم يوم الاثنين فقال: ( ذاك يوم ولدت فيه، ويوم أنزل عليّ فيه ) رواه مسلم .
وعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - قال: ( بُعِث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأربعين سنة، فمكث بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه، ثم أمر بالهجرة عشر سنين، ومات وهو ابن ثلاث وستين ) رواه البخاري .

وتحدثنا عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن بداية نزول وإشراق الوحي فتقول: ( أول ما بُدئ به رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من الوحي هو الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حُبِب إليه الخلوة، وكان يخلو في غار حراء، يتحنث ( يتعبد ) فيه الليالي ذوات العدد، قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء، فجاءه الملَك فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجَهد، ثم أرسلني فقال اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، قال فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال: اقرأ، قلت: ما أنا بقارئ، فأخذني فغطنى الثالثة ثم أرسلني فقال: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }(العلق3:1)،فرجع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يرجف فؤاده، فدخل على زوجته خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ، فقال: زملوني، زملوني، فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة : لقد خشيت على نفسي، فقالت خديجة : كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل ابن عمها، وكان امرًأً تنصر بالجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله له أن يكتب، وكان شيخا كبيرا قد عمي، فقالت له خديجة: يا ابن عم، اسمع من ابن أخيك، فقال له ورقة : يا ابن أخي ما ذا ترى؟ فأخبره رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما رأى، فقال له ورقة : هذا الناموس الذي نزّل الله على موسى، يا ليتني فيها جذعا ( شابا )، ليتني أكون حيا إذ يخرجك قومك، فقال: أَوَ مُخرجي هم؟، قال نعم، لم يأت رجل قَط بمثل ما جئت به إلا عُودِي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا، ثم لم ينشب ( يلبث ) ورقة أن توفي، وفتر الوحي ) رواه البخاري .

وفي بدء نزول الوحي وإشراق شمس النبوة الكثير من الدروس والفوائد، منها :

الصراع بين الحق والباطل :

التكذيب والإيذاء والمعاداة سنة من سنن الصراع بين الحق والباطل في كل زمان ومكان، قال الله تعالى: { وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ }(إبراهيم: 13)، وقال تعالى: { أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ }(البقرة: 87)، وقال تعالى:{ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ } (إبراهيم:13) .. وهذا يؤخذ من قول ورقة بن نوفل للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك )، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( أوَ مُخْرجي هم؟!، قال: نعم، لم يأت أحدٌ بمثل ما جئت به إلا عودي ).
فالمعركة بين الحق والباطل مستمرة إلى يوم القيامة، ولكن الله ـ عز وجل ـ أخبرنا أن العاقبة للمتقين، وأن النصر للصالحين، فقال تعالى: { وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ }(الأنبياء: 105)، وقال تعالى: { إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ }(غافر:51) .

فضل العلم :

للعلم منزلته في بناء الأفراد والمجتمعات، ومازال الإسلام يحث على العلم ويأمر به، ويرفع درجة أهله، ويميزهم على غيرهم، قال تعالى: { يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير }(المجادلة: من الآية11)، وفي قصة بداية نزول الوحي على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيان لاهتمام الإسلام بالعلم، فأول آية نزلت من القرآن الكريم على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحث على القراءة وطلب العلم: { اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ }(العلق: 1 : 5 ) .

فضل أم المؤمنين خديجة - رضي الله عنها -:

الزوجة لها دور عظيم في نجاح زوجها في مهمته في هذه الحياة، وأمنا خديجة ـ رضي الله عنها ـ كانت مثالا للزوجة الصالحة التي تعين زوجها، وتقف إلى جانبه، وتفرج همه بكلمة طيبة وموقف حسن، وقد اتضح ذلك في وقوفها ـ رضي الله عنها ـ بجانب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو يواجه الوحي أول مرة، وأزالت عنه الهم والخوف عندما رجع إليها وقال لها : ( لقد خشيت على نفسي )، فقالت له: ( كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَل، وتكَسب المعدوم، وتَقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ) .
فكانت ـ رضي الله عنها ـ من نعم الله الجليلة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقد آزرته في أحرج الأوقات، وأعانته على إبلاغ رسالته، وشاركته آلامه وآماله، وواسته بنفسها ومالها، وبقيت ربع قرن تحمل معه كيد الخصوم وآلام الحصار ومتاعب الدعوة، وقد توفيت ـ رضي الله عنها ـ في العام العاشر من بعثته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فحزن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عليها حزنا شديدا .
قال الذهبي عنها : " هي أول من آمن به وصدقه قبل كل أحد، وثبتت جأشه، ومضت به إلى ابن عمها ورقة بن نوفل عندما جاءه جبريل أول مرة في غار حراء، ومناقبها جمة، وهي ممن كمل من النساء، كانت عاقلة جليلة دينة مصونة من أهل الجنة، وفي فضلها ـ رضي الله عنها ـ، أن جبريل عليه السلام، قال للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( هذه خديجة أقرئها السلام من ربها، وأمره أن يبشرها ببيت في الجنة من قصب ( لؤلؤ أو ذهب )، لا صخب فيه ولا نَصَب ) رواه البخاري .

فضل ورقة بن نوفل :

ورقة بن نوفل هو أحد الأربعة الذين اجتمعوا في يوم احتفال قريش بصنم من أصنامهم وتحدثوا فيما بينهم، واجتمعت كلمتهم على أن قريشاً انحرفت عن دين إبراهيم عليه السلام، وأنه لا معنى لعبادة الأصنام، وانطلقوا يبحثون عن دين إبراهيم الصحيح، فأما ورقة فقد تنصَّر وقرأ ما وجد من كتب الأقدمين، فاستقر على النصرانية وكان من علمائها، وبعدما أكرم الله تعالى نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرسالة كان ورقة شيخاً كبيراً قد عمي - كما قال الذهبي .
قال ابن كثير: " وقوله: ثم لم ينشب ورقة أن توفي، أي توفي بعد هذه القصة بقليل رحمه الله ورضي عنه، فإن مثل هذا الذي صدر عنه تصديق بما وجد، وإيمان بما حصل من الوحي ونية صالحة للمستقبل " .
وقال ابن حجر: " فهذا ظاهره أنه أقر بنبوته ولكنه مات قبل أن يدعو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الناس إلى الإسلام " .
وقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ورقة من أهل الجنة، فعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا تسبوا ورقة، فإني رأيت له جنةً أو جنتين ) رواه الحاكم .

فائدة :

إن تلقي واستقبال الوحي ليس أمرا كَسْبيا يناله المرء بسعيه وكسبه، ولا يخضع لجهد فكري، أو ترق روحي وأخلاقي، ولا ينال بالقيم الدنيوية، ولا الاعتبارات المادية، فليس بابا مفتوحا يلج من خلاله من سمت نفسه، أو عظم إشراقه، بل هو اصطفاء إلهي يختص الله به من يشاء من عباده، قال الله تعالى: { اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ }(الحج:75)، وقال: { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }(الأنعام: من الآية124) ..
وقد أجمع الصحابة - رضوان الله عليهم - على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يعاني في أثناء نزول الوحي عليه شدة وصعوبة، يبقى على ذلك ما شاء الله، فلا يهدأ ولا يذهب عنه الروع إلا بعد انتهاء الوحي، قال الله تعالى: { إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً }(المزمل:5)، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: قالت: ( ولقد رأيتُه - تعني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم - ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه، وإن جبينه ليتفصد ( يسيل ) عرقا ) رواه البخاري .
ومن هنا يظهر كذب وافتراء المشركين وبعض المستشرقين من بعدهم الذين طعنوا وشككوا في حقيقة الوحي بقولهم: حديث نفس،أو: إشراق روحي وإلهام، أو: كان في المنام .

لقد كانت لحظة نزول الوحي أعظم لحظة مرت على الأرض كلها، إذ كانت إشراقا لشمس النبوة، وميلاداً جديداً للبشرية، فببعثته ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أتم الله ـ عز وجل ـ على البشرية نعمته، وأكمل لهم دينهم، وكان الإسلام هو الدين الذي ارتضاه الله لعباده جميعاً، ولن يقبل الله من أحدٍ ديناً سواه، قال الله تعالى: { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً }(المائدة: من الآية3) .
اسلام ويب

Post: #1186
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-02-2015, 06:44 PM
Parent: #1185


وخيرهما الذي يبدأ بالسلام
ما مِن سبيل يزيد من ترابط المسلمين ووحدتهم إلا جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحث عليه، ولذلك أمر بالبر والصلة، وإفشاء السلام وإطعام الطعام، والحب في الله والزيارة فيه، وإجابة الدعوة وتشميت العاطس، وعيادة المريض واتباع الجنائز، وأرشد إلى كثير من الآداب والأخلاق التي من شأنها أن تقوي الروابط وتديم الألفة، وتزيد في المودة والمحبة بين الناس .. وما من طريق يؤدي إلى التفرق والاختلاف، والشحناء والبغضاء، إلا نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنه وحذر منه، فنهى عن الغيبة والنميمة، والقذف والبهتان، وسؤ الظن والحسد، والشتم والسباب، وغير ذلك من الأقوال والأفعال التي من شأنها أن تسبب الضغائن والخصومات بين أفراد المجتمع .

والإنسان ـ أحيانا ـ يعتريه غضب أو غفلة، فيسيء إلى أخيه بقول أو فعل، فيؤدي ذلك إلى الخصومة والقطيعة بين المسلم وأخيه، وقد حذر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ذلك تحذيرا شديدا، فعن الزبير بن العوام - رضي الله عنه -: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ( دب إليكم داء الأمم قبلكم: الحسد والبغضاء، وهي الحالقة، أما إني لا أقول: تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين، والذي نفسي بيده، لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنون حتى تحابوا، ألا أدلكم على ما تتحابون به؟ افشوا السلام بينكم ) رواه الترمذي .
وعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( تفتَح أبواب الجنة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفر لكل عبد مسلم لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بينَه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظِروا هذين حتى يصطلحا، أنظروا هذين حتى يصطلحا ) رواه مسلم .
قال الباجي: " يعني - والله أعلم - أخروا الغفران لهما حتى يصطلحا ".
وعن أبي أيوب الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ قال:قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ) رواه البخاري .

وبيَّن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن الصلح بين المتخاصمين من أفضل الصدقات، وأفضل من الاشتغال بنوافل العبادات، لما في الإصلاح بين الناس من النفع المُتَعَّدي الذي يكون سببا في وصل أرحام قُطِعَت، وزيارة إخوان هُجِروا، وذلك يؤدي إلى وحدة وسلامة المجتمع وقوته، بتآلف أفراده وحبهم وتماسكهم .
عن أبي الدرداء ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟!، قالوا: بلى. قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة )، وفي رواية : ( لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين ) رواه الترمذي .
قال الطِّيبي في عون المعبود: " في الحديث حث وترغيب في إصلاح ذات البين واجتناب الإفساد فيها، لأن الإصلاح سببٌ للاعتصام بحبل الله وعدمِ التفرق بين المسلمين، وفسادُ ذات البين ثُلمة في الدين، فمن تعاطى إصلاحها ورفع فسادها، نال درجةً فوق ما يناله الصائمُ القائم المشتغل بخاصة نفسه " .
وقال الأوزاعي: " ما خطوةٌ أحبُ إلى الله ـ عز وجل ـ من خطوة في إصلاح ذات البين، ومن أصلح بين اثنين كتب الله له براءةً من النار " .

ومع كونه ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أكثر الناس عملاً ومسؤوليات، فإن ذلك كله لم يشغله عن أن يسارع في رأب الصدع وعلاج الخلافات بين أفراد مجتمعه، إذ أن إصلاح ذات البين فيه تأليفٌ للقلوب، وتقويةٌ للروابط، ودفْع للشحناء، وبِه يزول الخلاف، وتذهب الفُرْقة ..
عن سهل بن سعد - رضي الله عنه -: أن أهل قباء اقتتلوا حتى تراموا بالحجارة، فأُخْبِرَ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقال: ( اذهبوا بنا نصلح بينهم ) رواه البخاري .
قال ابن حجر: " في هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس، وجمعِ كلمة القبيلة، وحسمِ مادة القطيعة، وتوجهِ الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك " .
وقال ابن بطال: " فيه: ما كان عليه النبي - صلى الله عليه وسلم - من التواضع والخضوع، والحرص على قطع الخلاف، وحسم دواعِي الفُرقة عن أمته كما وصفه الله تعالى " .

إن إصلاح ذات البين خِصْلة جليلة أمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بها، وحث عليها بقوله وفعله، لما فيها من نشر المحبة والألفة بين الناس، كما أن فساد ذات البين يضر المجتمع بما يسود فيه من الخلافات والخصومات، ومن سعى إليه أخوه بالإصلاح فليقبل منه، وليكن خير الخصمين، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام، كما أخبرنا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ..
إسلام ويب

Post: #1187
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-02-2015, 06:48 PM
Parent: #1186


التفاؤل سنة نبوية، وصفة إيجابية للنفس السوية، يترك أثره على تصرفات الإنسان ومواقفه، ويمنحه سلامة نفس وهمة عالية، ويزرع فيه الأمل، ويحفزه على الهمة والعمل، والتفاؤل ما هو إلا تعبير صادق عن الرؤية الطيبة والإيجابية للحياة .

وفي المقابل هناك علاقة وطيدة بين التشاؤم وكثير من مظاهر الاعتلال النفسي وضعف الهمة، حيث يجعل صاحبه ينتظر حدوث الأسوأ، ويتوقع الشر والفشل، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره التشاؤم، ويحب الفأل الحسن الذي له علاقة بالعمل والأمل، فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا عدوى ولا طيرة ، ويعجبني الفأل الصالح: الكلمة الحسنة) رواه البخاري، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه الفأل الحسن، ويكره الطيرة" رواه البخاري، وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك، الطِّيَرَة شِرْك) رواه أبو داود، قال النووي: "الطيرة شرك أي اعتقاد أنها تنفع أو تضر، إذا عملوا بمقتضاها معتقدين تأثيرها فهو شرك لأنهم جعلوا لها أثرا في الفعل والإيجاد".

والتفاؤل نور في الظلمات، ومخرج من الأزمات والكربات، وهو سلوك نفسي حث عليه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بقوله وفعله، وهو مقرون بالإيمان بالله ـ عز وجل ـ، ومعرفته بأسمائه الحسنى وصفاته العليا، لأن المؤمن يستشعر معية الله {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} (التوبة: 40)، كما يعرف ربه بأسمائه الحسنى وأنه أرحم الراحمين {وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} (يوسف:64)، لطيف بالعباد {اللَّهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ} (الشورى: 19)، وسعت رحمته كل شيء {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} (الأعراف: 156)، يدافع عن المؤمنين {إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا} (الحج: 38)، واسع المغفرة قابل التوب وغافر الذنب {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ} (غافر:3)، ناصر لعباده المؤمنين {إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ} (غافر:51)، وغيرها من صفات الله الحسنى التي تجعل المؤمن في تطلع للأمل، وتوقع للخير، وانتظار دائم للفرج، وهذه كلها تصب في معنى التفاؤل الذي أمر به وحث عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله، وربَّى عليه أصحابه رضوان الله عليهم.. ومن الأمثلة الدالة على ذلك :

في الهجرة :

انطلق المشركون في آثار رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبه، يرصدون الطرق، ويفتشون في جبال مكة، حتى وصلوا غار ثور، وأنصت الرسول صلى الله عليه وسلم وصاحبه إلى أقدام المشركين وكلامهم.

يقول أبو بكر رضي الله عنه: قلتُ للنبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا!، فقال صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر! ما ظنك باثنين الله ثالثهما) رواه البخاري .

ويصف أبو بكر رضي الله عنه ما حدث مع سُراقة فيقول: فارتحلنا بعد ما مالت الشمس وأتبعنا سراقة بن مالك، فقلت: أُتينا يا رسول الله، فقال: (لا تحزن إن الله معنا)، فدعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فارتطمت به فرسه إلى بطنها، فقال: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوَا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه وسلم فنجا، فجعل لا يلقى أحدا إلا قال: كفيتكم ما هنا، فلا يلقى أحدا إلا رده، قال: "ووفىَّ لنا" رواه البخاري.

قال أنس: " فكان سراقة أول النهار جاهدا - مبالغا في البحث والأذى - على نبي الله صلى الله عليه وسلم، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له - حارسا له بسلاحه -".

يعلِّم أصحابه التفاؤل :

لم يكتفِ النبي صلى الله عليه وسلم بتحقق هذه السمة لديه في شخصه، بل كان يربي أصحابه عليها ويعلمهم إياها، ففي أشد المواقف وأصعبها كان صلى الله عليه وسلم يغرس في نفوس أصحابه الضعفاء والمضطهدين التفاؤل والأمل، وعدم اليأس، واليقين بموعود الله ونصره لعباده المؤمنين.

عن عدي بن حاتم قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أتاه رجل، فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل، فقال: يا عدي! هل رأيت الحيرة؟، قلتُ: لم أرها، وقد أنبئت عنها، فقال: إن طالت بك حياة لترين الظعينة -المرأة- ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدا إلا الله، قلتُ في نفسي: فأين دعّار طيئ -قطاع الطريق- الذين سعروا في البلاد؟!، ولئن طالت بك حياة لتفتحن كنوز كسرى، قلتُ: كسرى بن هرمز؟! قال: كسرى بن هرمز!!، ولئن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة، يطلب من يقبله فلا يجد أحدًا يقبله منه. رواه البخاري.

قال عدي: "فرأيتُ الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز، ولئن طالت بكم حياة لترون ما قال النبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم يخرج ملء كفه".

وعن خَباب بْنِ الأَرَتِّ ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا، ألا تدعو الله لنا؟، قال: كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له في الأرض، فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين، وما يصده ذلك عن دينه، ويُمشَّط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت، لا يخاف إلا الله، أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري.

قال الحافظ في الفتح: " يحتمل أن يريد صنعاء اليمن، وبينها وبين حضرموت من اليمن أيضاً مسافة بعيدة نحو خمسة أيام، ويحتمل أن يريد صنعاء الشام والمسافة بينهما أبعد بكثير " .

ومن خلال غزوة الأحزاب وما فيها من ظروف عصيبة شديدة، وحصار جماعي من مختلف قبائل العرب واليهود بجيش يبلغ عشرة آلاف مقاتل، وشدة البرد والجوع والخوف، ، والمعاناة الشديدة في حفر الخندق، مع ذلك كله كان صلى الله عليه وسلم يغرس في أصحابه التفاؤل والأمل، فيعدهم ويبشرهم بفتح الشام وفارس واليمن ـ، فعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق، قال وعرض لنا فيه صخرة لم تأخذ فيها المعاول، فشكوناها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء فأخذ المعول ثم قال: باسم الله، فضرب ضربة ، فكسر ثلث الحجر، وقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال : باسم الله، وضرب أخرى، فكسر ثلث الحجر، فقال : الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن، وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: باسم الله، وضرب ضربة أخرى، فقلع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا. رواه أحمد .

وفي مقابل اعتنائه صلى الله عليه وسلم بتعليم أصحابه وتربيتهم على التفاؤل الذي يبعث على الأمل والعمل، والصبر والثبات على الدين، كان يحذرهم من النظرة التشاؤمية التي تقعدهم عن العمل والدعوة، وتدفعهم للإحباط واليأس الذي لا يرى في الناس أملاً لصلاح أو هداية، فقال صلى الله عليه وسلم: (إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكُهُم) رواه مسلم، أهلكهم على وجهين مشهورين: رفع الكاف وفتحها، والرفع أشهر، قال الحميدي في الجمع بين الصحيحين: "الرفع أشهر ومعناه أشدهم هلاكا، وأما رواية الفتح فمعناها هو جعلهم هالكين، لا أنهم هلكوا في الحقيقة".

إن المتأمِّل في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم يجدها نبعًا ثريَّا لكل الأخلاق الطيبة، والصفات النبيلة، وكيف لا تكون سيرة ـ نبينا وحبيبنا ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك وقد اصطفاه الله على بني آدم، وختم به أنبياءه ورسله .. فما أحوجنا إلى اتباع هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في التفاؤل بل في حياته وأخلاقه كلها، قال الله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً} (الأحزاب:21) .
إسلام ويب

Post: #1188
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-02-2015, 06:54 PM
Parent: #1187


كيف نعَّظم الحبيب صلى الله عليه وسلم
اهتم أهل السنة والجماعة واعتنوا بجمع خصائص النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وإبراز فضائله وحسن أخلاقه ، فلم يخل كتاب من كتب السنة من ذكر مآثره ، كما أُفردت كتب مستقلة للحديث عنه وعن سيرته وشمائله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، مما يدعو كل مسلم أن يعظمه ويوقره ، قال الله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } (الفتح:9:8) .

يقول ابن القيم : " ومما يُحْمد عليه - صلى الله عليه وسلم - ما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق وكرائم الشيم ، فإن من نظر في أخلاقه وشيمه - صلى الله عليه وسلم - علم أنها خير أخلاق الخلق ، وأكرم شمائل الخلق ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان أعظم الخلق ، وأعظمهم أمانة ، وأصدقهم حديثاً ، وأجودهم وأسخاهم ، وأشدهم احتمالاً ، وأعظمهم عفواً ومغفرة ، وكان لا يزيد شدة الجهل عليه إلا حلماً ، كما روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو ـ رضي الله عنهما ـ أنه قال في صفة رسول الله في التوراة : " محمد عبدي ورسولي ، سميته المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا لا إله إلا الله، وأفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا " . وأرحم الخلق وأرأفهم بهم ، وأعظم الخلق نفعاً لهم في دينهم ودنياهم ، وأفصح خلق الله وأحسنهم تعبيراً عن المعاني الكثيرة بالألفاظ الوجيزة الدالة على المراد ، وأصبرهم في مواطن الصبر ، وأصدقهم في مواطن اللقاء ، وأوفاهم بالعهد والذمة ، وأعظمهم مكافأة على الجميل بأضعافه ، وأشدهم تواضعاً ، وأعظمهم إيثاراً على نفسه ، وأشد الخلق ذبَّاً عن أصحابه ، وحماية له ، ودفاعاً عنهم ، وأقوم الخلق بما يأمر به ، وأتركهم لما ينهى عنه ، وأوصل الخلق لرحمه " .

ومن أسباب تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

تعظيم الله ـ عز وجل ـ له ، حيث أقسم بحياته في قوله تعالى : { لَعَمْرُكَ إنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ }(الحجر: 72)، كما أثنى عليه فقال: { وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ }(القلم: 4)، وقال: { ورَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ }(الشرح: 4) ، فلا يُذكر بَشَر في الدنيا ويثنى عليه كما يُذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - ويثنى عليه .

ومنها : أن من شروط إيمان العبد أن يعظم النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال - تعالى - : { إنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً ومُبَشِّراً ونَذِيراً * لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ وتُعَزِّرُوهُ وتُوَقِّرُوهُ وتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأَصِيلاً }(الفتح 8 : 9) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه الصارم المسلول: " إن قيام المدحة والثناء عليه ، والتعظيم والتوقير له ، قيام الدين كله ، وسقوط ذلك سقوط الدين كله ".

ومن أسباب تعظيمه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كذلك ما ميزه الله - تعالى - به - من شرف النسب ، وكرم الحسب ، وصفاء النشأة ، وأكمل الصفات والأخلاق والأفعال ، وما تحمله - صلى الله عليه وسلم - من مشاق نشر الدعوة ، وأذى المشركين بالقول والفعل حتى أتم الله به الدين وأكمل به النعمة .

تعظيم الصحابة للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

لما نال الصحابة - رضوان الله عليهم أجمعين - شرف لقاء وصحبة النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان لهم النصيب الأوفى من توقيره وتعظيمه مما سبقوا به غيرهم ، ولم ولن يدركهم أحد من بعدهم .. وأجمل من وصف شأنهم في ذلك عروة بن مسعود الثقفي - رضي الله عنه ـ حين فاوض النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية ، فلما رجع إلى قريش قال : " أي قوم ! والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى والنجاشي ، والله إنْ رأيت ملكاً قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا ، والله إن تنخمَّ نخامةً إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يحدُّون النظر إليه تعظيما له .." رواه البخاري .

إن الأمر بتعظيم وتوقير النبي - صلى الله عليه وسلم - يعني أن ذلك عبادة ، ومن ثم فالسؤال الذي يطرح نفسه : كيف نعظم الحبيب - صلى الله عليه وسلم - ؟

إن من أجَّل وأعظم صور توقير الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ الاقتداء به واتباعه ، فمتابعته - صلى الله عليه وسلم - هي مقتضى الشهادة بأن محمداً رسول الله ، ولازم من لوازمها ، إذ معنى الشهادة له بأنه رسول الله حقاً ـ كما يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب : " طاعته فيما أمر ، وتصديقه فيما أخبر ، واجتناب ما عنه نهى وزجر ، وأن لا يُعْبد الله إلا بما شرع " .
وهذا من كمال التعظيم والتوقير ، إذ أي تعظيم أو توقير للنبي - صلى الله عليه وسلم - لدى من شك في خبره ، أو استنكف عن طاعته ، أو ارتكب مخالفته ، أو ابتدع في دينه ، وعَبَد اللهَ من غير طريقه ؟! ، ومن ثم قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد(مردود عليه) ) رواه مسلم .

ومن صور تعظيم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ :

الثناء والصلاة عليه ، والتأدب عند ذ كره - صلى الله عليه وسلم - بأن لا يذكر باسمه مجرداً ، بل يوصف بالنبوة أو الرسالة ، والإكثار من ذكره ، والشوق لرؤيته ، وتعداد فضائله وخصائصه ، ومعجزاته ودلائل نبوته ، وتعريف الناس بسنته وتعليمهم إياها ، وتذكيرهم بمكانته ومنزلته وحقوقه ، وذكر صفاته وأخلاقه وخلاله ، وما كان من أمور دعوته وسيرته وغزواته ..

ومتى كان تعظيم النبي - صلى الله عليه وسلم - مستقراً في القلب ، فإن آثار ذلك ستظهر على الجوارح واللسان حتماً لا محالة ، حيث يجري اللسان بمدحه والثناء عليه وذكر محاسنه ، وترى باقي الجوارح ممتثلة لما جاء به ومتبعة لشرعه وأوامره ، ومؤدية لمالَه من الحق والتكريم ، وذلك كله في حدود المشروع ، وسطاً بين الجفاء وبين الغلو.

ومن صور التعظيم للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ تعظيم ما جاء به من الشريعة المتضَّمَنَة في الكتاب والسنة كما فهمها سلف الأمة ، وذلك باتباعها والتزامها قلباً وقالباً ، وتحكيمها في كل مناحي الحياة ، وشؤونها الخاصة والعامة ، فإن هذا هو مقتضى التعظيم الحقيقي ، والتوقير الصادق للحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

ولذا قدم الله - عز وجل ـ هذه الصورة من صور تعظيمه ، وهذا الأدب على سائر الآداب الواجبة معه - صلى الله عليه وسلم - ، فنهى عن التقدم بين يديه بأمر دون أمره ، أو قول دون قوله ، فقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ورَسُولِهِ واتَّقُوا اللَّهَ إنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (الحجرات: 1) .
ومن ثم فأسعد الناس حظاً بتعظيمه ، وأقربهم إلى الشرب من حوضه ، هم من أحيوا سنته واتبعوا شريعته وهديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ .

إن ادعاء تعظيم الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينبغي ترجمته باتباعه ، والاقتداء بأفعاله ومواقفه ، التي عاشها في العسر واليسر ، وفي الرضا والغضب ، والفقر والغنى ، والفرح والحزن ، وحين أدبرت عنه الدنيا ، وحين كانت تقبل عليه ، بل في حياته كلها ، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..

نسأل الله تعالى أن يجعلنا من المعظمين لرسولنا - صلى الله عليه وسلم ـ المتبعين لسنته ، وأن يحشرنا في زمرته ، ويسقينا من يده الشريفة شربة لا نظمأ بعدها أبدا ..
اسلام ويب

Post: #1189
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-02-2015, 07:00 PM
Parent: #1188


الطب النبوي
الصحة من نعم الله - عز وجل ـ العظيمة على الناس ـ أفرادا ومجتمعات ـ، فعن عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة والفراغ )(البخاري) ..
والأخذ بمبادئ وتعاليم الصحة وسيلة للتقوي على القيام بأركان الإسلام، وإعزاز ذروة سنامه الجهاد، وهو أيضا وسيلة الاكتساب والسعي على الرزق ..

وقد احتوت كتب السنة على أحاديث الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ التي تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كتبا خاصة في ذلك ، مثل : النووي في كتابه الطب النبوي، وابن القيم في كتابه زاد المعاد، وابن حجر في شرحه لصحيح الإمام البخاري، والذهبي في كتابه الطب النبوي وغيرهم ..
والطب النبوي هو مجموع ما ثبت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما له علاقة بالعلاج والشفاء من الأمراض والأوجاع .. والطب النبوي ينقسم إلى قسمين :

الأول : الطب النبوي الوقائي :

تناولت السنة النبوية جوانب طبية وقائية عديدة في الصحة العامة منها : الأخذ بوسائل صحة البدن، وأسباب وقاية الإنسان من الأمراض قبل وقوعها، وهو ما يسمى بالحَجْر الصحي، وذلك بمنع المصابين بالأمراض الوبائية من مخالطة وملامسة غيرهم، ومنع غير المصابين بالاختلاط بمن هو مصاب بمرض وبائي، والتحذير من عدوى الأمراض كالجذام والطاعون .
فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع وأنتم بأرض فلا تخرجوا منها فرارا منه )(البخاري)، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا توردوا الممرض على المصح )(البخاري) ..

وهذه الأحاديث وغيرها يؤخذ منها إثبات العدوى والحجر الصحي، والأخذ بأسباب الوقاية من الأمراض .. ومن المعلوم أنه قد ثبتت أحاديث في نفي العدوى مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا عدوى ولا طيرة )(البخاري)، وهذه من الإشكالات التي تُسمَّى في علم الحديث بالمتعارض، وقد أزال العلماء هذا التعارض وجمعوا بين النصوص ..
قال الإمام النووي بعد أن نقل وجوب الجمع بين الأحاديث التي في ظاهرها تعارض : " ثم المختلف قسمان : أحدهما يمكن الجمع بينهما فيتعين ويجب العمل بالحديثين جميعا، ومهما أمكن حمل كلام الشارع على وجه يكون أعم للفائدة تعين المصير إليه، ولا يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع، لأن في النسخ إخراج أحد الحديثين عن كونه مما يعمل به .. ومثال الجمع حديث ( لا عدوى ) مع حديث ( لا يورد ممرض على مصح )، ووجه الجمع أن الأمراض لا تعدى بطبعها، ولكن جعل الله - سبحانه وتعالى - مخالطتها سببا للإعداء، فنفى في الحديث الأول ما يعتقده الجاهلية من العدوى بطبعها، وأرشد في الثاني إلى مجانبة ما يحصل عنده الضرر عادة بقضاء الله وقدره وفعله .." .
وقال الشيخ الألباني : " واعلم أنه لا تعارض بين الحديث وبين أحاديث العدوى، لأن المقصود منها إثبات العدوى، وأنها تنتقل بإذن الله تعالى من المريض إلى السليم " ..
فعلى المسلم أن يعلم الارتباط بين الأسباب والتوكل على الله، وأن الأخذ بالأسباب الشرعية لا ينافي التوكل على الله، وكذلك لا يعتقد في الأسباب فيقع في شرك الأسباب، ولا يترك الأسباب الشرعية فيقع في التواكل والتفريط ..

الثاني : الطب النبوي العلاجي :

وهو الأخذ بوسائل الاستشفاء والعلاج من الأمراض التي قد وقعت، وذلك بالتداوي بالرقى الشرعية والأدعية، وبالأدوية المباحة، والأمثلة في ذلك كثيرة منها :

العلاج بالرقى الشرعية والدعاء :

الفاتحة :

فاتحة الكتاب هي السبع المثاني وأم القرآن، والرقية والدواء النافع، التي من أسمائها الشافية من الهم والغم، والخوف والحزن، وأما تضمنها لعلاج وشفاء الأبدان فقد دلت عليه السنة الصحيحة، فعن أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ : ( أن رهطا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم : لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا : يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء فهل عند أحد منكم شيء ؟، فقال بعضهم : نعم والله إني لراق، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلا(أجرا) ، فصالحوهم على قطيع من الغنم .. فانطلق فجعل يَتْفُل (النفخ مع قليل من الريق) ويقرأ: { الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ }(الفاتحة:2)، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة(عِلة) ..
قال : فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم : اقسموا، فقال الذي رقى : لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنذكر له الذي كان فننظر ما يأمرنا .. فقدموا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكروا له فقال : وما يدريك أنها رقية ؟ أصبتم اقسموا واضربوا لي معكم بسهم )(البخاري).
فدل ذلك على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، بل مشروعية الرقية عامة وبفاتحة الكتاب خاصة، وعلى أن أخذ الجُعل عليها لا بأس به مطلقا ..

وصحَّ عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الرقية أشياء كثيرة، منها :

عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما من مسلم يدخل على مريض ، لم يحضر أجله فيقول : أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عافاه الله )(أحمد)..
وعن عثمان بن أبي العاص الثقفي ـ رضي الله عنه ـ أنه شكا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعا يجده منذ أسلم، فقال له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل : بسم الله ثلاثا، وقل : أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات )(ابن حبان)..
وعن أبى نضرة عن أبى سعيد أن جبريل أتى النبي - صلى الله عليه وسلم – فقال : ( يا محمد اشتكيت ؟، فقال : نعم، قال : باسم الله أرقيك من كل شىء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك، باسم الله أرقيك )(مسلم).
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان إذا أتى مريضا، أو أُتِيَ به قال : ( أذهب الباس، رب الناس، اشف وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما )(البخاري) ..
وغير ذلك من الرُقَى التي هي من أسباب الشفاء ورفع البلاء بإذن الله، وفي ذلك دلالة على أنَّ الرقية مشروعة، وهي من وسائل الطب النبوي ..

قال ابن القيم : " .. ومن أعظم علاجات المرض فعل الخير والإحسان، والذكر والدعاء، والتضرع إلى الله والتوبة، والتداوي بالقرآن الكريم، وتأثيره أعظم من الأدوية، لكن بحسب استعداد النفس وقبولها " ..

الدعاء :

الدعاء من أنفع الأدوية، خاصة حينما يوقن الداعي بإجابة الله لدعائه، وان يلح في الدعاء، ويترصد لدعائه الأوقات والأحوال الشريفة، كيوم عرفة ورمضان ويوم الجمعة ووقت السحر، ونزول المطر، والسجود، والتحام القتال في سبيل الله، وافتتاح الدعاء بحمد الله والثناء عليه، والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ..
وهذه نبذة مختصرة من الأدعية المأثورة عن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ مشتملة على الشفاء من أمراض القلوب والأبدان :
( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيء الأسقام )(أحمد).. ( اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، والجبن والبخل، والهرم والقسوة، والغفلة والعيلة والذلة، والمسكنة، وأعوذ بك من الصمم والبكم والجنون والجذام والبرص وسيء الأسقام )(الحاكم).. ( اللهم إني أسألك العفو والعافية )(أبو داود) ، ( اللهم إني أعوذ بك من منكرات الأخلاق والأعمال والأهواء والأدواء )(الترمذي) ..

من أدوية العلاج النبوي :

العسل :

عن أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ قال : ( جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ فقال : إن أخي استطلق بطنه(أصابه إسهال)، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اسقه عسلا، فسقاه ثم جاءه فقال : إني سقيته عسلا فلم يزده إلا استطلاقا، فقال له ثلاث مرات، ثم جاء الرابعة فقال : اسقه عسلا، فقال لقد سقيته فلم يزده إلا استطلاقا، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : صدق الله وكذب بطن أخيك ، فسقاه فبرأ )(مسلم).
وقد أثبت العلماء أن للعسل خاصية عالية في علاج كثير من الأمراض، وله من الفوائد الكثيرة العظيمة ما يجعله موصوفا بما قاله الله ـ عز وجل ـ : { فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ }(النحل: من الآية69)..

ماء زمزم :

أشرف المياه وأعظمها قدرا، وأحبها إلى النفوس وأغلاها، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال لأبي ذر ـ رضي الله عنه ـ وقد أقام بين الكعبة وأستارها أربعين ما بين يوم وليلة ليس له طعام إلا ماء زمزم : ( إنها مباركة، إنها طعام طعم )، وزاد غير مسلم : ( وشفاء سِقم ) .. وعن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : ( ماء زمزم لما شُرِب له )(ابن ماجه) ..
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يحمل ماء زمزم في الآنية ، فكان يصب على المرضى ويسقيهم ..
وعن مجاهد قال : " ماء زمزم لما شُرِبَ له ، إن شربته تريد شفاء شفاك الله ، وإن شربته لظمأ أرواك الله .." ..
وقال ابن القيم في كتابه زاد المعاد : " وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقى عليه أربعين يوما .. " ..

الحجامة :

والحجامة : لغة المص، وهي تشريط موضع الألم لإخراج الدم الفاسد منه، وهي علاج ودواء تعرفه العرب قديما، وأقره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولا يزال يستعمل حتى يومنا هذا، وقد احتجم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ .
فعن حميد قال : سئل أنس بن مالك عن كسب الحجام فقال : ( احتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حجمه أبو طيبة ، فأمر له بصاعين من طعام، وكلم أهله فوضعوا عنه من خراجه، وقال : إن أفضل ما تداويتم به الحجامة أو هو من أمثل دوائكم )(مسلم).
وفي حديث عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( الشفاء في ثلاثة : في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنا أنهى أمتي عن الكي )(البخاري)..
والحجامة نافعة ـ بإذن الله ـ من أوجاع كثيرة خاصة من وجع الرأس، فعن سلمى ـ رضي الله عنها ـ خادمة رسول الله ـ صلى الله عليه وسل ـ قالت : ( ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجعا في رأسه إلا قال : احتجم ..)(أبو داود) ..

الحبة السوداء :

الحبة السوداء وتسمى بحبة البركة أو الكمون الأسود أو الشونيز، وقد عُنِيَت بالاهتمام من قبل الطب الحديث لما احتوته من مستخلصات نافعة للصحة، وعلاج لكثير من الأمراض، وتقوية لجهاز المناعة للإنسان ..
عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أنها سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم- يقول : ( إن هذه الحبة السوداء شفاء من كل داء ، إلا من السَّام ، قلت : وما السام ؟ قال : الموت )(البخاري) ..
يقول ابن القيم : " .. وقد تقدم في هديه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه كان يسأل المريض عن شكواه، وكيف يجده ويسأله عما يشتهيه، ويضع يده على جبهته، وربما وضعها بين ثدييه، ويدعو له، ويصف له ما ينفعه في علته، وربما توضأ وصب على المريض من وضوئه، وربما كان يقول للمريض : ( لا بأس، طهور إن شاء الله )، وهذا من كمال اللطف، وحسن العلاج والتدبير " ..

لقد تناول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في طِبه أدواء كثيرة، وبين خصائص كثير من الأدوية .. والطب النبوي هو مجموع ما ثبت وروده عنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ مما له علاقة بالطب، سواء كان آية قرآنية كريمة، أو أحاديث نبوية صحيحة ..
قال ابن القيم في كتابه (زاد المعاد إلى هدي خير العباد) : " وليس طِبُّه ـ صلى الله عليه وسلم ـ كطِبِّ الأطباء، فإن طبَّ النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ متيقَّنٌ قطعي إلهيٌ، صادرٌ عن الوحي ومِشْكاةِ النبوة وكمالِ العقل، وطبُّ غيرِه أكثرُه حَدْسٌ وظنون، وتجارِب، ولا يُنْكَرُ عدمُ انتفاع كثير من المرضى بطبِّ النبوة، فإنه إنما ينتفعُ به مَن تلقَّاه بالقبول، واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان .." ..

فلنحرص على صحتنا البدنية والروحية بتطبيق هدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حياتنا ، فهديه أكمل الهدي ، فصلوات الله وسلامه عليه ..
اسلام ويب

Post: #1190
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-02-2015, 07:03 PM
Parent: #1189


زيارة المسجد النبوي .. فضائل وآداب
زيارة مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وشد الرحال إليه عبادة مستحبة في أي وقت ، وهي من القربات التي انعقد الإجماع على استحبابها ، وقد قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ومسجد الأقصى )(البخاري) ..

وعلى المسلم أن يستشعر نعمة الله عليه إذا وفقه لزيارة مدينة الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومسجده ، ويستحضر في قلبه شرف المدينة ، إذ هي حرم رسول الله ، ودار هجرته ، ومهبط وحيه ، ومثواه بعد موته ، بها قامت دولة الإسلام ، وانتشر منها نور الهداية إلى جميع بقاع الأرض ، وهي أفضل البقاع بعد مكة ، من أرادها بسوء أذابه الله ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال أبو القاسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( من أراد هذه البلدة بسوء ـ يعني المدينة ـ أذابه الله كما يذوب الملح في الماء )(مسلم) .

فالمدينة المنورة بالحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ لها حرمة كحرمة مكة ، ولم يثبت لغيرها ذلك ، فقد روى مسلم عن جابر ـ رضي الله عنه ـ قال : قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن إبراهيم حرم مكة ، وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها (طرفيها) ، لا يقطع عِضَاهُها (شجر فيه شوك) ، ولا يصاد صيدها )(مسلم) ..
ومن ثم ينبغي رعاية حرمتها ، وأن يصرف المسلم وقته حال وجوده بها في طاعة الله ، وليحرص كل الحرص على الصلاة والعبادة في المسجد النبوي ، لما في ذلك من الأجر الكبير والثواب العظيم ، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام )(البخاري) .

ولمسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وزيارته آداب كثيرة ينبغي التأدب بها ، إذ حرمة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ حيا كحرمته ميتا ..

فإذا وصل زائر المدينة إلى مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ سُنَّ له أن يقدم رجله اليمنى وأن يقول : ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك )(مسلم) ، وهذا الذكر مسنون عند دخول سائر المساجد في أي مكان ..

ثم يصلي تحية المسجد ، والأفضل ـ إن استطاع دون ضرر أو إيذاء لأحد ـ أن يصليها في الروضة الشريفة ، لقول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة )(البخاري) .
وبعد الصلاة يزور قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وقبري صاحبيه : أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ، فيقف تجاه قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأدب وخفض صوت ، ثم يسلم عليه قائلا : " السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته " .
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (ما من أحد يسلم عليّ إلا ردّ الله عليَّ روحي حتى أردّ عليه السلام )(أبو داود) ..

ويجمع بين التسليم والصلاة عليه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، لما تقرر من استحباب الجمع بين الصلاة والسلام عليه ، عملاً بقول الله تعالى: { إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً }(الأحزاب:56) . ثم يسلم على أبي بكر وعمر ـ رضي الله عنهما ـ ، ويدعو لهما ..
وكان ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ إذا سلم على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه ، لا يزيد غالباً على قوله : " السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه " ، ثم ينصرف .
قال ابن تيمية : " وإذا قال في سلامه : السلام عليك يا رسول الله يا نبي الله ، يا خيرة الله من خلقه ، يا أكرم الخلق على ربه ، يا إمام المتقين ، فهذا كله من صفاته بأبي هو وأمي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وكذلك إذا صلى عليه مع السلام عليه فهذا مما أمر الله به .." .

ويُسن للزائر أن يصلي الصلوات الخمس في مسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، خاصة في الروضة الشريفة ، وأن يكثر فيه من الذكر والدعاء والصلاة على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وغير ذلك من الطاعات ، اغتناماً لما في ذلك من شرف المكان ، وعظم الأجر والثواب ..

ولا يجوز لزائر مسجد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يتمسح بالحجرة أو يقبلها أو يطوف بها ، لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح ، بل هو بدعة منكرة ..
قال ابن الصلاح : " .. وليس من السنة أن يمس الجدار ويقبله .." .
وقال النووي : " .. ويكره مسحه باليد وتقبيله ، بل الأدب أن يبعد عنه كما يبعد منه لو حضر في حياته ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، هذا هو الصواب وهو الذي قاله العلماء ، وأطبقوا عليه ، وينبغي ألا يغتر بكثير من العوام في مخالفتهم ذلك " .
ومن ثم فمن باب أوْلى أن لا يُسْأل الرسول - صلى الله عليه وسلم - قضاء حاجة ، أو تفريج كربة ، أو شفاء مريض ونحو ذلك ، لأن ذلك كله لا يطلب إلا من الله سبحانه ، وطلبه من الأموات شرك بالله وعبادة لغيره ، ودين الإسلام مبني على أصلين : أحدهما : ألا يعبد إلا الله وحده ، والثاني : ألا يعبد إلا بما شرعه الله والرسول - صلى الله عليه وسلم - .

ويلزم الزائر لمسجد الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن لا يرفع صوته فيه ، لأن الله سبحانه نهى المؤمنين عن رفع أصواتهم فوق صوت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن الجهر له بالقول كجهر بعضهم لبعض ، وحثهم على غض الصوت عنده في قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ }(الحجرات:2-3 ) .
وعن السائب بن يزيد ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كنت نائماً في المسجد فحصبني رجلٌ فنظرت فإذا عمر بن الخطاب ، فقال : اذهب فأتني بهذين ، فجئته بهما ، فقال : مِن من أنتما ؟ ـ أو من أين أنتما؟ ـ ، قالا : من أهل الطائف ، قال : لو كنتما من أهل البلد لأوجعتكما ، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ )(البخاري) ..
ولذا فلا يرفع الصوت في مسجده ، ولا يطال القيام عند قبره ، لأن طول القيام عند قبره - صلى الله عليه وسلم - ، والإكثار من تكرار السلام يفضي إلى الزحام وكثرة الضجيج ، وارتفاع الأصوات ، وذلك يخالف ما شرعه الله للمسلمين في هذه الآيات المحكمات ، وهو- صلى الله عليه وسلم - محترم حياً وميتاً ، فلا ينبغي للمؤمن أن يفعل عند قبره ما يخالف الأدب الشرعي .

وإذا أراد الزائر الدعاء فليتوجه إلى القبلة ويدع ، ولا يحرص على تحري الدعاء عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مستقبلاً للقبر رافعاً يديه يدعو ، فهذا كله خلاف ما كان عليه السلف الصالح من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأتباعهم بإحسان ، بل هو من البدع المحدثات ..
روى ابن أبي شيبة : أن علي بن الحسين - رضي الله عنهما ـ رأى رجلاً يجيء إلى فرجة كانت عند قبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيدخل فيها فيدعو فنهاه ، وقال له : ألا أحدثك بحديث سمعته من أبي عن جدي عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: ( لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا ، وصلوا عليَّ ، فإن صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم ) ..
قال ابن تيمية : " يشير بذلك ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى أن ما ينالني منكم من الصلاة والسلام يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم منه ، فلا حاجة بكم إلى اتخاذه عيدا ، والأحاديث عنه بأن صلاتنا وسلامنا تعرض عليه كثيرة " .

ومعلوم أن الذي أصلح أول هذه الأمة هو السير على منهاج النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه الراشدين وصحابته المرضيين وأتباعهم بإحسان ، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا تمسكهم بذلك ، وسيرهم عليه ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي ، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومحدثات الأمور ، فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة )(أبو داود) ..

إن زيارة المسجد النبوي مستحبة في أي وقت ، ومشروعة قبل الحج وبعده ، ولا تعلق لها بمناسك الحج والعمرة ، فهي عبادة مستقلة ، خلاف ما يعتقد البعض من أنه لابد منها في الحج أو العمرة ، فليست ركنا ولا شرطا فيهما ، ولكن إذا وصل الحاج أو المعتمر إلى تلك البقاع الطاهرة فليحرص على زيارة مسجد الحبيب ـ صلى الله عليه وسلم ـ والصلاة والإكثار من العبادة فيه ، لما في ذلك من فضل وشرف وأجر كبير، مع التزامه بآداب هذه الزيارة ..


اسلام ويب

Post: #1191
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-03-2015, 00:46 AM
Parent: #1190


من دلائل نبوته وأمارات صدقه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبادته لربه وخشيته منه ، ولو كان دَعِّياً لما تعبَّد لله ، وما أتعب نفسه ، ولا ألزمها مشقة العبادة التي قرحت رجليه ، ـ فحاشاه أن يكون دعيا ـ ، فما من دعي يكذب على ربه ثم يُجْهد نفسه بالعبادة له .. فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ أعبد الناس لله ، وأخوفهم منه ، وهو القائل ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله وأعلمكم بما أتقى )(مسلم) .

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت : ( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى قام حتى تفطر رجلاه .. قالت عائشة : يا رسول الله أتصنع هذا وقد غُفِرَ لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ؟! ، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : يا عائشة أفلا أكون عبدا شكورا )(مسلم) .

وشواهد خوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبادته لله كثيرة ..

عن ابن عباس ـ رضي الله عنه ـ قال : قال أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ يا رسول الله قد شِبْتَ ! ، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( شيبتني هود ، والواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلون ، وإذا الشمس كورت )(الترمذي) . وذلك لما في هذه السور من أهوال يوم القيامة ..

وتصف أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ خوف النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من ربه فتقول : ( ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مستجمعا ضاحكا حتى أرى منه لهواته ، إنما كان يتبسم .. قالت : وكان إذا رأى غيما أو ريحا عرف ذلك في وجهه ، فقالت : يا رسول الله أرى الناس إذا رأوا الغيم فرحوا رجاء أن يكون فيه المطر ، وأراك إذا رأيته عرفتُ في وجهك الكراهية ؟! ، فقال : يا عائشة ما يؤمنني أن يكون فيه عذاب ، قد عُذِّب قوم بالريح ، وقد رأى قوم العذاب فقالوا : { هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا }( الأحقاف : من الآية24) )(أبو داود)..
مستجمعا : مبالغا في الضحك ، واللهوات : جمع لهاة ، وهي اللحمات في سقف أقصى الفم ..

وأما عبادته ـ صلى الله عليه وسلم ـ لربه فهي شاهد عدل على صدقه ودليل من دلائل نبوته ، فقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ كثير العبادة من صلاة وصيام وذكر ودعاء وغير ذلك من أنواع العبادة ، وكان لا يدع قيام الليل ، ويقوم من الليل حتى تتفطر قدماه ..
عن حذيفة بن اليمان ـ رضي الله عنه ـ قال : ( صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت : يركع عند المائة ، ثم مضى ، فقلت : يصلي بها في ركعة فمضى ، فقلت يركع بها ، ثم افتتح النساء فقرأها ، ثم افتتح آل عمران فقرأها ، يقرأ مترسلا ، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح ، وإذا مر بسؤال سأل ، وإذا مر بتعوذ تعوذ ، ثم ركع فجعل يقول : سبحان ربى العظيم ، فكان ركوعه نحوا من قيامه ، ثم قال : سمع الله لمن حمده ، ثم قام طويلا قريبا مما ركع ، ثم سجد فقال : سبحان ربى الأعلى ، فكان سجوده قريبا من قيامه )(مسلم) .

ويصف علي ـ رضي الله عنه ـ حاله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في يوم بدر حين تعب الصحابة وأسلموا أعينهم للنوم ، فيقول : ( ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح )(أحمد) .
وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ : ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي إحدى عشرة ركعة - تعني في الليل - ، يسجد السجدة من ذلك قدر ما يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه ، ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر ، ثم يضطجع على شقه الأيمن حتى يأتيه المنادي للصلاة )(البخاري) .
فهل سمعت الدنيا عن مدع للنبوة يقوم نصف ليله أو أكثر يصلي ويتضرع لربه باكيا بين يديه ؟! ، قال الله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ }(المزمل: من الآية20) ..

ومع ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخفف في صلاته بالناس رأفة بهم ويقول : ( إذا صلى أحدكم للناس فليخفف ، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير ، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء )(البخاري).
وعن أبي قتادة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم ـ قال : ( إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطوِّل فيها ، فأسمع بكاء الصبي فأَتَجَوَّزْ (أخفف) في صلاتي ، كراهية أن أشق على أمه )(أحمد) .
وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينهى ويحذر من التشدد والغلو في العبادة فيقول : ( .. عليكم بما تطيقون ، فوالله لا يمل الله حتى تملوا ،ـ وكان أحب الدين إليه ما دوام عليه صاحبه ـ )(البخاري) .
قال ابن حجر : " قوله : عليكم بما تطيقون : أي اشتغلوا من الأعمال بما تستطيعون المداومة عليه ، فمنطوقه يقتضى الأمر بالاقتصار على ما يطاق من العبادة ، ومفهومه يقتضى النهي عن تكلف ما لا يطاق .." ..

وأما صومه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيصفه أسامة بن زيد ـ رضي الله عنه ـ فيقول : ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يصوم الأيام يسرد حتى يقال لا يفطر ، ويفطر الأيام حتى لا يكاد أن يصوم إلا يومين من الجمعة إن كانا في صيامه وإلا صامهما ، ولم يكن يصوم من شهر من الشهور ما يصوم من شعبان .. فقلت : يا رسول الله إنك تصوم لا تكاد أن تفطر ، وتفطر حتى لا تكاد أن تصوم إلا يومين إن دخلا في صيامك وإلا صمتهما ؟! ، قال : أي يومين ؟ ، قال : قلت يوم الاثنين ويوم الخميس ، قال ذانك يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم ، قال : قلت : ولم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان ؟! ، قال ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر يرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم )(أحمد).

وما كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يترك صيامه هذا في أيام الصيف الشديد ، يبتغي بذلك المحبة والأجر والقرب من الله ـ عز وجل ـ ، فيقول أبو الدرداء ـ رضي الله عنه ـ : ( كنا مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفر وإن أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما منا صائم إلا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعبد الله بن رواحة )(أحمد) .

وفي مجال الصدقة والمبادرة إليها ، عن عقبة بن الحارث ـ رضي الله عنه ـ قال : ( صليت مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم العصر، فلما سلم قام سريعاً ، فدخل على بعض نسائه ، ثم خرج ورأى ما في وجوه القوم من تعجبهم لسرعته ، فقال : ذكرت وأنا في الصلاة تِبْراً (ذهباً) عندنا ، فكرهت أن يمسي أو يبيت عندنا ، فأمرت بقسمته )(البخاري).
ويقول أبو ذر ـ رضي الله عنه ـ : كنت أمشي مع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في حرّة(أرض ذات حجارة سود) المدينة ، فاستقبلَنا أُحُدٌ ، فقال : ( يا أبا ذر : قلت : لبيك يا رسول الله ، قال : ما يسرني أن عندي مثل أحد هذا ذهبا ، تمضي علي ثالثة وعندي منه دينار ، إلا شيئاً أرصده لدين ، إلا أن أقول به في عباد الله هكذا وهكذا وهكذا عن يمينه وعن شماله ومن خلفه .. )(البخاري) ..

وأما عبادة الذِكْر، فقد كان لسان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يفتر من ذكر الله ـ عز وجل ـ ، فكان يذكر الله في كافة أحواله ، وكان يكثر من الاستغفار .. فعن ابن عمر ـ رضي الله عنه ـ قال : ( إن كنا لنعد لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المجلس الواحد مائة مرة : رب اغفر لي وتب عليّ إنك أنت التواب الرحيم )(أبو داود) .

لقد كان رسول ـ الله صلى الله عليه وسلم ـ المثل الأعلى وصاحب السبق في كل نوع من العبادة ، وكانت عبادته مستمرة ومتواصلة ، فهو أكمل الناس عبادة وطاعة ، وظل هذا حاله حتى لبى نداء ربه ، وهو في كل ذلك يمتثل أمر ربه : { وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ }(الحجر:99)..
عن علقمة ـ رضي الله عنه ـ قال : سألت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ : قلت يا أم المؤمنين : (كيف كان عمل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ هل كان يخص شيئا من الأيام ؟ ، قالت : لا كان عمله ديمة (دائما) ، وأيكم يستطيع ما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستطيع )(البخاري) .
قال ابن حجر : " قوله كان عمله ديمة بكسر الدال المهملة وسكون التحتانية أي دائما ، والديمة في الأصل المطر المستمر مع سكون بلا رعد ولا برق ، ثم استعمل في غيره وأصلها الواو فانقلبت بالكسرة قبلها ياء .. قوله : وأيكم يستطيع الخ : أي في العبادة كمية كانت أو كيفية ، من خشوع وخضوع وإخبات وإخلاص والله اعلم .." ..

فليكن لنا في عبادته ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخلاقه وحياته وسيرته أسوة لنسعد في الدنيا والآخرة ، فهنيئاً لمن اتبعه واقتفى أثره ، قال الله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً }(الأحزاب:21) ..
اسلام ويب

Post: #1192
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-04-2015, 11:12 PM
Parent: #1191


اللَّهُمَّ يا مَنْ لا يَصِفُهُ نَعْتُ الْواصِفِينَ، وَيا مَنْ لا يُجاوِزُهُ رَجاءُ الرَّاجِينَ، وَيا مَنْ لا يَضِيعُ لَدَيْهِ أَجْرُ الْمُحْسِنِينَ، وَيا مَنْ هُوَ مُنْتَهَى خَوْفِ الْعابِدِينَ، وَيا مَنْ هُوَ غايَةُ خَشْيَةِ الْمُتَّقِينَ، هَذا مَقامُ مَنْ تَداوَلَتْهُ أَيْدِي الذُّنُوبِ وَقادَتْهُ أَزِمَّةُ الْخَطايا، وَاسْتَحْوَذَ عَلَيْهِ الشَّيْطانُ، فَقَصَّرَ عَمَّا أَمَرْتَ بِهِ تَفْرِيطاً، وَتَعاطَى ما نَهَيْتَ عَنْهُ تَعْزِيزاً، كَالْجاهِلِ بِقُدْرَتِكَ عَلَيْهِ، أَوْ كَالْمُنْكِرِ فَضْلَ إِحْسانِكَ إِلَيْهِ، حَتَّى إِذا انْفَتَحَ لَهُ بَصَرُ الْهُدَى، وَتَقَشَّعَتْ عَنْهُ سَحائِبُ الْعَمَى، أَحْصَى ما ظَلَمَ بِهِ نَفْسَهُ، وَفَكَّرَ فِيما خالَفَ بِهِ رَبَّهُ، فَرَأَى كَبِيرَ عِصْيانِهِ كَبِيراً، وَجَلِيلَ مُخالَفَتِهِ جَلِيلاً، فَأَقْبَلَ نَحْوَكَ مُؤَمِلاً لَكَ، مُسْتَحْيياً مِنْكَ، وَوَجَّهَ رَغْبَتَهُ إِلَيْكَ ثِقَةً بِكَ، فَأَمَّكَ بِطَمَعِهِ يَقِيناً، وَقَصَدَكَ بِخَوْفِهِ إِخْلاصاً، قَدْ خَلا طَمَعُهُ مِنْ كُلِّ مَطْمُوعٍ فِيهِ غَيْرِكَ، وَأَفْرَجَ رَوْعُهُ مِنْ كُلِّ مَحْذُورٍ مِنْهُ سِواكَ، فَمَثَلَ بَيْنَ يَدَيْكَ مُتَضَرِّعاً، وَغَمَّضَ بَصَرَهُ إِلَى الْأَرْضِ مُتَخَشِّعاً، وَطَأْطَأَ رَأْسَهُ لِعِزَّتِكَ مُتَذَلِّلاً، وَأَبَثَّكَ مِنْ سِرِّهِ ما أَنْتَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ خُضُوعاً، وَعَدَّدَ مِنْ ذُنُوبِهِ ما أَنْتَ أَحْصَى لَها خُشُوعاً، وَاسْتَغاثَ بِكَ مِنْ عَظِيمِ ما وَقَعَ بِهِ فِي عِلْمِكَ، وَقَبِيحِ ما فَضَحَهُ فِي حُكْمِكَ، مِنْ ذُنُوبٍ أَدْبَرَتْ لَذَّاتُها فَذَهَبَتْ وَأَقامَتْ تَبِعاتِها فَلَزِمَتْ، لا يُنْكِرُ يا إِلهِي عَدْلَكَ إِنْ عاقَبْتَهُ، وَلا يَسْتَعْظِمُ عَفْوَكَ إِنْ عَفَوْتَ عَنْهُ وَرَحِمْتَهُ، لأَنَّكَ الرَّبُّ الْكَرِيمُ الَّذِي لا يَتَعاظَمُهُ غُفْرانُ الذَّنْبِ الْعَظِيمِ؛ اللَّهُمَّ فَها أَنَا ذا قَدْ جِئْتُكَ مُطِيعاً لأَمْرِكَ فِيما أَمَرْتَ بِهِ مِنَ الدُّعاءِ، مُتَنَجِّزاً وَعْدَكَ فِيما وَعَدْتَ بِهِ مِنَ الْإِجابَةِ، إِذْ تَقُولُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، اللَّهُمَّ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالْقَنِي بِمَغْفِرَتِكَ كَما لَقَيْتُكَ بِإِقْرارِي، وَارْفَعْنِي عَنْ مَصارِعِ الذُّنُوبِ كَما وَضَعْتُ لَكَ نَفْسِي، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِكَ كَما تَأَنَّيْتَنِي عَنِ الْانْتِقامِ مِنِّي، اللَّهُمَّ وَثَبِّتْ فِي طاعَتِكَ نِيَّتِي وَأَحْكِمْ فِي عِبادَتِكَ بَصِيرَتِي، وَوَفِّقْنِي مِنَ الْأَعْمالِ لِما تَغْسِلُ بِهِ دَنَسَ الْخَطايا عَنِّي، وَتَوَفَّنِي عَلَى مِلَّتِكَ وَمِلَّةِ نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلامُ إِذا تَوَفَّيْتَنِي، اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ فِي مَقامِي هَذَا مِنْ كَبائِرِ ذُنُوبِي وَصَغائِرِها، وَبَواطِنِ سَيِّئاتِي وَظَواهِرِها، وَسَوالِفِ زَلاَّتِي وَحَوادِثِها، تَوْبَةَ مَنْ لا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِمَعْصِيَةٍ، وَلا يُضْمِرُ أَنْ يَعُودَ فِي خَطِيئَةٍ، وَقَدْ قُلْتَ يا إِلهِي فِي مُحْكَمِ كِتابِكَ إِنَّكَ تَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِكَ، وَتَعْفُو عَنِ السَّيّئاتِ، وَتُحِبُّ التَّوَّابِينَ فَاقْبَلْ تَوْبَتِي كَما وَعَدْتَ، وَاعْفُ عَنْ سَيِّئاتِي كَما ضَمِنْتَ وَأَوْجِبْ لِي مَحَبَّتَكَ كَما شَرَطْتَ، وَلَكَ يا رَبِّ شَرْطِي أَلاَّ أَعُودَ فِي مَكْرُوهِكَ، وَضَمانِي أَلاَّ أَرْجِعَ فِي مَذْمُومِكَ، وَعَهْدِي أَنْ أَهْجُرَ جَمِيعَ مَعاصِيكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَعْلَمُ بِما عَمِلْتُ، فَاغْفِرْ لِي مَا عَلِمْتَ وَاصْرِفْنِي بِقُدْرَتِكَ إِلَى ما أَحْبَبْتَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيَّ تَبِعاتٌ قَدْ حَفِظْتُهُنَّ وَتَبِعاتٌ قَدْ نَسِيْتُهُنَّ، وَكُلُّهُنَّ بِعَيْنِكَ الَّتِي لا تَنامُ، وَعِلْمِكَ الَّذِي لا يَنْسَى، فَعَوِّضْ مِنْها أَهْلَها وَاحْطُطْ عَنِّي وِزْرَها، وَخَفِّفْ عَنِّي ثِقْلَها، وَاعْصُمْنِي مِنْ أَنْ أُقارِفَ مِثْلَها، اللَّهُمَّ وَإِنَّهُ لا وَفاءَ لِي بِالتَّوْبَةِ إِلاَّ بِعِصْمَتِكَ، وَلا اسْتِمْساكَ بِي عَنِ الْخَطايا إِلاَّ عَنْ قُوَّتِكَ، فَقَوِّنِي بِقُوَّةٍ كافِيَةٍ، وَتَوَلَّنِي بِعِصْمَةٍ مانِعَةٍ، اللَّهُمَّ أَيُّما عَبْدٍ تابَ إِلَيْكَ وَهُوَ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ فَاسِخٌ لِتَوْبَتِهِ وَعائِدٌ فِي ذَنْبِهِ وَخَطِيئَتِهِ، فَإِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَكُونَ كَذلِكَ، فَاجْعَلْ تَوْبَتِي هَذِهِ لا أَحْتاجُ بَعْدَها إِلَى تَوْبَةٍ، تَوْبَةً مُوْجِبَةً لِمَحْوِ ما سَلَفَ وَالسَّلامَةِ فِيما بَقِيَ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ إِلَيْكَ مِنْ جَهْلِي وَأَسْتَوْهِبُكَ سُوءَ فِعْلِي فَاضْمُمْنِي إِلَى كَنَفِ رَحْمَتِكَ تَطَوُّلاً، وَاسْتُرْنِي بِسِتْرِ عافِيَتِكَ تَفَضُّلاً، اللَّهُمَّ وَإِنِّي أَتُوبُ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ ما خالَفَ إِرادَتَكَ أَوْ زالَ عَنْ مَحَبَّتِكَ مِنْ خَطَراتِ قَلْبِي وَلَحَظاتِ عَيْنِي وَحِكاياتِ لِسانِي، تَوْبَةً تَسْلَمُ بِها كُلُّ جارِحَةٍ عَلَى حِيالِها مِنْ تَبِعاتِكَ وَتَأْمَنُ مِمَّا يَخافُ الْمُعْتَدُونَ مِنْ أَلِيمِ سَطَواتِكَ، اللَّهُمَّ فَارْحَمْ وَحْدَتِي بَيْنَ يَدَيْكَ وَوَجِيبَ قَلْبِي مِنْ خَشْيَتِكَ، وَاضْطِرابَ أَرْكانِي مِنْ هَيْبَتِكَ، فَقَدْ أَقامَتْنِي يا رَبِّ ذُنُوبِي مَقامَ الْخِزْيِ بِفِنائِكَ فَإِنْ سَكَتُّ لَمْ يَنْطِقْ عَنِّي أَحَدٌ وَإِنْ شَفَعْتُ فَلَسْتُ بِأَهْلِ الشَّفاعَةِ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِهِ وَشَفِّعْ فِي خَطايايَ كَرَمَكَ، وَعُدْ عَلَى سَيِّئاتِي بِعَفْوِكَ، وَلا تُجْزِني جَزائِي مِنْ عُقُوبَتِكَ وَابْسُطْ عَلَيَّ طَوْلَكَ، وَجَلِّلْنِي بِسِتْرِكَ، وَافْعَلْ بِي فِعْلَ عَزِيزٍ تَضَرَّعَ إِلَيْهِ عَبْدٌ ذَلِيلٌ فَرَحِمَهُ، أَوْ غَنِيٌّ تَعَرَّضَ لَهُ عَبْدٌ فَقِيرٌ فَنَعَشَهُ، اللَّهُمَّ لا خَفِيرَ لِي مِنْكَ فَلْيَخْفُرْنِي عِزُّكَ وَلا شَفِيعَ لِي إِلَيْكَ فَلْيَشْفَعْ لِي فَضْلُكَ، وَقَدْ أَوْجَلَتْنِي خَطايايَ فَلْيُؤْمِنِّي عَفْوُكَ، فَما كُلُّ ما نَطَقْتُ بِهِ عَنْ جَهْلٍ مِنِّي بِسُوءِ أَثَرِي وَلا نِسْيانٍ لِما سَبَقَ مِنْ ذَمِيمِ فِعْلِي لكِنْ لِتَسْمَعَ سَماؤُكَ وَمَنْ فِيها وَأَرْضُكَ وَمَنْ عَلَيْها، ما أَظْهَرْتُ لَكَ مِنَ النَّدَمِ وَلَجَأْتُ إِلَيْكَ فِيهِ مِنَ التَّوْبَةِ، فَلَعَلَّ بَعْصَهُمْ بِرَحْمَتِكَ يَرْحَمُني لِسُوءِ مَوْقِفِي أَوْ تُدْرِكُهُ الرِّقَّةُ عَلَيَّ لِسُوءِ حالِي فَيَنالَنِي مِنْهُ بِدَعْوَةٍ، هِيَ أَسْمَعُ لَدَيْكَ مِنْ دُعائِي، أَوْ شَفاعَةٍ أَوكَدُ عِنْدَكَ مِنْ شَفاعَتِي تَكُونُ بِها نَجاتِي مِنْ غَضَبِكَ وَفَوْزِي بِرِضاكَ، اللَّهُمَّ إِنْ يَكُنْ النَّدَمُ تَوْبَةً إِلَيْكَ فَأَنَا أَنْدَمُ النَّادِمِينَ، وَإِنْ يَكُنِ التَّرْكُ لِمَعْصِيَتِكَ إِنابَةً فَأَنَا أَوَّلَ الْمُنِبِينَ، وَإِنْ يَكُنِ الْاسْتِغْفارُ حِطَّةً لِلذُّنُوبِ فَإِنِّي لَكَ مِنَ الْمُسْتَغْفِرِينَ، اللَّهُمَّ فَكَما أَمَرْتَ بِالتَّوْبَةِ وَضَمِنْتَ الْقَبُولَ، وَحَثَثْتَ عَلَى الدُّعاءِ وَوَعَدْتَ الْإِجابَةَ فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِ مُحَمَّدٍ، وَاقْبَلْ تَوْبَتِي وَلا تَرْجِعْنِي مَرْجِعَ الْخَيْبَةِ مِنْ رَحْمَتِكَ، إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ عَلَى الْمُذْنِبِينَ، وَالرَّحِيمُ لِلْخاطِئِينَ الْمُنِيِبينَ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِهِ كَما هَدَيْتَنا بِهِ، وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِهِ كَما اسْتَنْقَذْتَنا بِهِ وَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَالِهِ صَلاةً تَشْفَعُ لَنا يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَوْمَ الْفاقَةِ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَهُوَ عَلَيْكَ يَسِيرٌ.
منقول

Post: #1193
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-05-2015, 06:14 PM
Parent: #1192

Quote: الصلاة ليست كالعجله الاحتياطيه تستعمل فقط عند الحاجة ، بل إنها المقود الذي يستعمل في توجيه الحياة !
Prayer is not a “spare wheel” that you pull out when in trouble, But it is a “steering wheel” that directs the right path throughout!
* * *
هل تعلم لماذا الزجاج الامامي للسياره كبير في حين أن مرأة النظر الى الخلف صغيره
لأن ماضينا ليس مهماً قدرمستقبلنا ، لذا إنظر للأمام ودع حياتك تتحرك !
... ... Do you know why a Car’s WINDSHIELD is so large and The Rear view Mirror is so small,
Because our PAST is not as important as our FUTURE. Look Ahead and Move on!
* * *-
: الصداقه أشبه بالكتاب تحتاج ثواني معدوده لحرقه ، لكنك تحتاج سنين لكتابته!
Friendship is like a BOOK. It takes few seconds to burn, But it takes years to writ!
* * *
: كل الأشياء في هذه الحياة هي وقتيه ، فأذا كانت تسير بصوره جيده فتمتع بها
وأذا كانت تسير بصوره خاطئة فلا تقلق ، لأنها لا تبقى طويلا !
All things in life are temporary. If going well, Enjoy it, They will not last forever ، If going wrong, don’t worry, They can’t last long either.
* * *
ألأصدقاء القدامي كالذهب والأصدقاء الجدد كالماس ، فأذا حصلت على الماس فلا تنسى الذهب
لأنه حتى تحمل قطعة الماس فأنك تحتاج الى قاعدة من الذهب
Old Friends are Gold! New Friends are Diamond ، if you get a Diamond, Don’t forget the Gold!
Because to hold a Diamond, you always need a Base of Gold!
* * *
دائما عندما تفقد الأمل وتعتقد أنها النهايه فتذكر ، أنها مجرد منعطف وليست النهايه !
Often when we lose hope and Think this is the end; remember “It’s just a bend, not the end!
* * *
عندما تصلي للاخرين فأن الله يستمع اليك ويباركهم ، فأذا كنت في أمان وسعيد فأعلم أنه هنالك شخصا ما يدعو لك !
When you pray for others, God listens to you and blesses them, and sometimes, When you
are safe and happy, Remember that someone has prayed for you.
* * *
القلق لن يزيل مشاكل الغد ، ولكنه يزيل سلام وراحة اليوم !
WORRYING does not take away tomorrow’s TROUBLES; it takes away today’s PEACE

Post: #1194
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-07-2015, 03:24 PM
Parent: #1193


/ ﺩﻋﺎﺀ ﻣﺮﺗﺐ ﺣﺴﺐ ﺗﺮﺗﻴﺐ ﺍﻟﻤﺼﺤﻒ ﺍﻟﺸﺮﻳﻒ:

💖ﺭﺑﻨﺎ ﺗﻘﺒﻞ ﻣﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﺴﻤﻴﻊ ﺍﻟﻌﻠﻴﻢ، ﻭﺗﺐ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﺘﻮﺍﺏ ﺍﻟﺮﺣﻴﻢ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﺓ ﺣﺴﻨﺔ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺃﻓﺮﻍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺻﺒﺮﺍ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﻗﺪﺍﻣﻨﺎ ﻭﺍﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ،
💖 ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺆﺍﺧﺬﻧﺎ ﺇﻥ ﻧﺴﻴﻨﺎ ﺃﻭ ﺃﺧﻄﺎﻧﺎ، ﺭﺑﻨﺎ ﻭﻻ ﺗﺤﻤﻞ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺇﺻﺮﺍ ﻛﻤﺎ ﺣﻤﻠﺘﻪ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻨﺎ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻭﻻ ﺗﺤﻤﻠﻨﺎ ﻣﺎ ﻻ ﻃﺎﻗﺔ ﻟﻨﺎ ﺑﻪ ﻭﺍﻋﻒ ﻋﻨﺎ ﻭﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﺭﺣﻤﻨﺎ ﺃﻧﺖ ﻣﻮﻻﻧﺎ ﻓﺎﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺰﻍ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﺑﻌﺪ ﺇﺫ ﻫﺪﻳﺘﻨﺎ ﻭﻫﺐ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﺭﺣﻤﺔ ﺇﻧﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻮﻫﺎﺏ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺟﺎﻣﻊ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻟﻴﻮﻡ ﻻ ﺭﻳﺐ ﻓﻴﻪ ﺇﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻻ ﻳﺨﻠﻒ ﺍﻟﻤﻴﻌﺎﺩ،
💖 ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻨﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭﻗﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ،
💖ﺍﻟﻠﻬﻢ ﻣﺎﻟﻚ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺗﺆﺗﻲ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺀ ﻭﺗﻨﺰﻉ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﻣﻤﻦ ﺗﺸﺎﺀ ﻭﺗﻌﺰ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺀ ﻭﺗﺬﻝ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺀ ﺑﻴﺪﻙ ﺍﻟﺨﻴﺮ ﺇﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺪﻳﺮ، ﺗﻮﻟﺞ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻭﺗﻮﻟﺞ ﺍﻟﻨﻬﺎﺭ ﻓﻲ ﺍﻟﻠﻴﻞ ﻭﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﺤﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻭﺗﺨﺮﺝ ﺍﻟﻤﻴﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﺤﻲ ﻭﺗﺮﺯﻕ ﻣﻦ ﺗﺸﺎﺀ ﺑﻐﻴﺮ ﺣﺴﺎﺏ،
💖ﺭﺏ ﻫﺐ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﺫﺭﻳﺔ ﻃﻴﺒﺔ ﺇﻧﻚ ﺳﻤﻴﻊ ﺍﻟﺪﻋﺎﺀ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﺑﻤﺎ ﺃﻧﺰﻟﺖ ﻭﺍﺗﺒﻌﻨﺎ ﺍﻟﺮﺳﻮﻝ ﻓﺎﻛﺘﺒﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻟﺸﺎﻫﺪﻳﻦ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭﺇﺳﺮﺍﻓﻨﺎ
ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﻭﺛﺒﺖ ﺃﻗﺪﺍﻣﻨﺎ ﻭﺍﻧﺼﺮﻧﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ،
💖 ﺭﺑﻨﺎ ﻣﺎ ﺧﻠﻘﺖ ﻫﺬﺍ ﺑﺎﻃﻼ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﻓﻘﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﻨﺎﺭ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﻣﻦ ﺗﺪﺧﻞ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻓﻘﺪ ﺃﺧﺰﻳﺘﻪ ﻭﻣﺎ ﻟﻠﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻣﻦ ﺃﻧﺼﺎﺭ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻨﺎ ﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﻨﺎﺩﻳﺎ ﻳﻨﺎﺩﻱ ﻟﻺﻳﻤﺎﻥ ﺃﻥ ﺍﻣﻨﻮﺍ ﺑﺮﺑﻜﻢ ﻓﺂﻣﻨﺎ، ﺭﺑﻨﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺫﻧﻮﺑﻨﺎ ﻭﻛﻔﺮ ﻋﻨﺎ ﺳﻴﺌﺎﺗﻨﺎ ﻭﺗﻮﻓﻨﺎ ﻣﻊ ﺍﻷﺑﺮﺍﺭ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺍﺗﻨﺎ ﻣﺎ ﻭﻋﺪﺗﻨﺎ ﻋﻠﻰ ﺭﺳﻠﻚ ﻭﻻ ﺗﺨﺰﻧﺎ ﻳﻮﻡ ﺍﻟﻘﻴﺎﻣﺔ ﺇﻧﻚ ﻻ ﺗﺨﻠﻒ ﺍﻟﻤﻴﻌﺎﺩ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺃﺧﺮﺟﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻘﺮﻳﺔ ﺍﻟﻈﺎﻟﻢ ﺃﻫﻠﻬﺎ ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﻭﻟﻴﺎ ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﻧﺼﻴﺮﺍ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻇﻠﻤﻨﺎ ﺃﻧﻔﺴﻨﺎ ﻭﺍﻥ ﻟﻢ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺗﺮﺣﻤﻨﺎ ﻟﻨﻜﻮﻧﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻓﺘﺢ ﺑﻴﻨﻨﺎ ﻭﺑﻴﻦ ﻗﻮﻣﻨﺎ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻔﺎﺗﺤﻴﻦ،
💖 ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻓﺮﻍ ﻋﻠﻴﻨﺎ ﺻﺒﺮﺍ ﻭﺗﻮﻓﻨﺎ ﻣﺴﻠﻤﻴﻦ، ﺃﻧﺖ ﻭﻟﻴﻨﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﺭﺣﻤﻨﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻐﺎﻓﺮﻳﻦ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﻠﻘﻮﻡ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﻭﻧﺠﻨﺎ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ،
💖ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﺃﻥ ﺃﺳﺎﻟﻚ ﻣﺎ ﻟﻴﺲ ﻟﻲ ﺑﻪ ﻋﻠﻢ ﻭﺇﻻ ﺗﻐﻔﺮ ﻟﻲ ﻭﺗﺮﺣﻤﻨﻲ ﺃﻛﻦ ﻣﻦ ﺍﻟﺨﺎﺳﺮﻳﻦ،
💖ﺭﺏ ﺃﻧﺖ ﻭﻟﻴﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻵﺧﺮﺓ ﺗﻮﻓﻨﻲ ﻣﺴﻠﻤﺎ ﻭﺃﻟﺤﻘﻨﻲ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺗﻌﻠﻢ ﻣﺎ ﻧﺨﻔﻲ ﻭﻣﺎ ﻧﻌﻠﻦ ﻭﻣﺎ ﻳﺨفى ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺷﻲﺀ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻭﻻ ﻓﻲ ﺍﻟﺴﻤﺎﺀ،
💖ﺭﺏ ﺍﺟﻌﻠﻨﻲ ﻣﻘﻴﻢ ﺍﻟﺼﻼﺓ
ﻭﻣﻦ ﺫﺭﻳﺘﻲ ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺗﻘﺒﻞ ﺩﻋﺎﺀ، ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﻭﻟﻮﺍﻟﺪﻱ ﻭﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻳﻮﻡ ﻳﻘﻮﻡ ﺍﻟﺤﺴﺎﺏ
💖ﺭﺏ ﺃﺩﺧﻠﻨﻲ ﻣﺪﺧﻞ ﺻﺪﻕ ﻭﺃﺧﺮﺟﻨﻲ ﻣﺨﺮﺝ ﺻﺪﻕ ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﺳﻠﻄﺎﻧﺎ ﻧﺼﻴﺮﺍ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺁﺗﻨﺎ ﻣﻦ ﻟﺪﻧﻚ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻫﻴﺊ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﻣﺮﻧﺎ ﺭﺷﺪﺍ، ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﻭﻫﻦ ﺍﻟﻌﻈﻢ ﻣﻨﻰ ﻭﺍﺷﺘﻌﻞ ﺍﻟﺮﺃﺱ ﺷﻴﺒﺎ ﻭﻟﻢ ﺃﻛﻦ ﺑﺪﻋﺎﺋﻚ ﺭﺏ ﺷﻘﻴﺎ،
💖ﺭﺏ ﺍﺷﺮﺡ ﻟﻲ ﺻﺪﺭﻱ ﻭﻳﺴﺮ ﻟﻲ ﺃﻣﺮﻱ ﻭﺍﺣﻠﻞ ﻋﻘﺪﺓ ﻣﻦ ﻟﺴﺎﻧﻲ ﻳﻔﻘﻬﻮﺍ ﻗﻮﻟﻲ، ﺭﺏ ﺯﺩﻧﻲ ﻋﻠﻤﺎ،
💖ﻻ ﺍﻟﻪ ﺇﻻ ﺃﻧﺖ ﺳﺒﺤﺎﻧﻚ ﺇﻧﻲ ﻛﻨﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ،
💖ﺭﺏ ﻻ ﺗﺬﺭﻧﻲ ﻓﺮﺩﺍ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻮﺍﺭﺛﻴﻦ ،
💖 ﺃﻧﻲ ﻣﺴﻨﻲ ﺍﻟﻀﺮ ﻭﺃﻧﺖ ﺍﺭﺣﻢ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ،
💖ﺭﺏ ﺃﻧﺰﻟﻨﻲ ﻣﻨﺰﻻ ﻣﺒﺎﺭﻛﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﻤﻨﺰﻟﻴﻦ،
💖ﺭﺏ ﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﻣﻦ ﻫﻤﺰﺍﺕ ﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ ﻭﺃﻋﻮﺫ ﺑﻚ ﺭﺏ ﺃﻥ ﻳﺤﻀﺮﻭﻥ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺁﻣﻨﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﺍﺭﺣﻤﻨﺎ ﻭﺃﻧﺖ ﺧﻴﺮ ﺍﻟﺮﺍﺣﻤﻴﻦ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﺻﺮﻑ ﻋﻨﺎ ﻋﺬﺍﺏ ﺟﻬﻨﻢ ﺇﻥ ﻋﺬﺍﺑﻬﺎ ﻛﺎﻥ ﻏﺮﺍﻣﺎ ﺇﻧﻬﺎ ﺳﺎﺀﺕ ﻣﺴﺘﻘﺮﺍ ﻭﻣﻘﺎﻣﺎ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻫﺐ ﻟﻨﺎ ﻣﻦ ﺃﺯﻭﺍﺟﻨﺎ ﻭﺫﺭﻳﺎﺗﻨﺎ ﻗﺮﺓ ﺃﻋﻴﻦ ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﺎ ﻟﻠﻤﺘﻘﻴﻦ ﺇﻣﺎﻣﺎ
💖ﺭﺏ ﻫﺐ ﻟﻲ ﺣﻜﻤﺎ ﻭﺍﻟﺤﻘﻨﻰ ﺑﺎﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻭﺍﺟﻌﻞ ﻟﻲ ﻟﺴﺎﻥ ﺻﺪﻕ ﻓﻲ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ﻭﺍﺟﻌﻠﻨﻲ ﻣﻦ ﻭﺭﺛﺔ ﺟﻨﺔ ﺍﻟﻨﻌﻴﻢ ﻭﻻ ﺗﺨﺰﻧﻲ ﻳﻮﻡ ﻳﺒﻌﺜﻮﻥ ﻳﻮﻡ ﻻ ﻳﻨﻔﻊ ﻣﺎﻝ ﻭﻻ ﺑﻨﻮﻥ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺃﺗﻰ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻘﻠﺐ ﺳﻠﻴﻢ،
💖ﺭﺏ ﻧﺠﻨﻲ ﻭﺃﻫﻠﻲ ﻣﻤﺎ ﻳﻌﻤﻠﻮﻥ،
💖ﺭﺏ ﺃﻭﺯﻋﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﺷﻜﺮ ﻧﻌﻤﺘﻚ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻧﻌﻤﺖ ﻋﻠﻰ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﻭﺍﻥ ﺍﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﺗﺮﺿﺎﻩ ﻭﺍﺩﺧﻠﻨﻰ ﺑﺮﺣﻤﺘﻚ ﻓﻲ ﻋﺒﺎﺩﻙ ﺍﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ،
💖 ﺭﺏ ﺇﻧﻲ ﻇﻠﻤﺖ ﻧﻔﺴﻲ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻲ، ﺭﺏ ﺍﻧﺼﺮﻧﻲ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻤﻔﺴﺪﻳﻦ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺳﻌﺖ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﺭﺣﻤﺔ ﻭﻋﻠﻤﺎ ﻓﺎﻏﻔﺮ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺗﺎﺑﻮﺍ ﻭﺍﺗﺒﻌﻮﺍ ﺳﺒﻴﻠﻚ ﻭﻗﻬﻢ ﻋﺬﺍﺏ ﺍﻟﺠﺤﻴﻢ،
💖 ﺭﺑﻨﺎ ﻭﺃﺩﺧﻠﻬﻢ ﺟﻨﺎﺕ ﻋﺪﻥ ﺍﻟﺘﻲ ﻭﻋﺪﺗﻬﻢ ﻭﻣﻦ ﺻﻠﺢ ﻣﻦ ﺁﺑﺎﺋﻬﻢ ﻭﺃﺯﻭﺍﺟﻬﻢ ﻭﺫﺭﻳﺎﺗﻬﻢ ﺇﻧﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ ﻭﻗﻬﻢ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻭﻣﻦ ﺗﻖ ﺍﻟﺴﻴﺌﺎﺕ ﻳﻮﻣﺌﺬ ﻓﻘﺪ ﺭﺣﻤﺘﻪ ﻭﺫﻟﻚ ﻫﻮ ﺍﻟﻔﻮﺯ ﺍﻟﻌﻈﻴﻢ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻛﺸﻒ ﻋﻨﺎ ﺍﻟﻌﺬﺍﺏ ﺇﻧﺎ ﻣﺆﻣﻨﻮﻥ،
💖ﺭﺏ ﺃﻭﺯﻋﻨﻲ ﺃﻥ ﺍﺷﻜﺮ ﻧﻌﻤﺘﻚ التی أنعمت ﻋﻠﻰ ﻭﻋﻠﻰ ﻭﺍﻟﺪﻱ ﻭﺍﻥ ﺍﻋﻤﻞ ﺻﺎﻟﺤﺎ ﺗﺮﺿﺎﻩ ﻭﺃﺻﻠﺢ ﻟﻲ ﻓﻲ ﺫﺭﻳﺘﻲ ﺇﻧﻲ ﺗﺒﺖ ﺇﻟﻴﻚ ﻭﺍﻧﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ،
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﻭﻹﺧﻮﺍﻧﻨﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺳﺒﻘﻮﻧﺎ ﺑﺎﻹﻳﻤﺎﻥ ﻭﻻ ﺗﺠﻌﻞ ﻓﻲ ﻗﻠﻮﺑﻨﺎ ﻏﻼ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﺍﻣﻨﻮﺍ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺭﺀﻭﻑ ﺭﺣﻴﻢ، ﺭﺑﻨﺎ ﻋﻠﻴﻚ ﺗﻮﻛﻠﻨﺎ ﻭﺍﻟﻴﻚ ﺃﻧﺒﻨﺎ ﻭﺍﻟﻴﻚ ﺍﻟﻤﺼﻴﺮ، ﺭﺑﻨﺎ ﻻ ﺗﺠﻌﻠﻨﺎ ﻓﺘﻨﺔ ﻟﻠﺬﻳﻦ ﻛﻔﺮﻭﺍ ﻭﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺭﺑﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﺃﻧﺖ ﺍﻟﻌﺰﻳﺰ ﺍﻟﺤﻜﻴﻢ
💖ﺭﺑﻨﺎ ﺍﺗﻤﻢ ﻟﻨﺎ ﻧﻮﺭﻧﺎ ﻭﺍﻏﻔﺮ ﻟﻨﺎ ﺇﻧﻚ ﻋﻠﻰ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ ﻗﺪﻳﺮ، ﺭﺏ ﺍﺑﻦ ﻟﻲ ﻋﻨﺪﻙ ﺑﻴﺘﺎ ﻓﻲ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﻭﻧﺠﻨﻲ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﻮﻡ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ،
💖 ﺭﺏ ﻻ ﺗﺬﺭ ﻋﻠﻰ ﺍﻷﺭﺽ ﻣﻦ ﺍﻟﻜﺎﻓﺮﻳﻦ ﺩﻳﺎﺭﺍ ﺇﻧﻚ ﺇﻥ ﺗﺬﺭﻫﻢ ﻳﻀﻠﻮﺍ ﻋﺒﺎﺩﻙ ﻭﻻ ﻳﻠﺪﻭﺍ ﺇﻻ ﻓﺎﺟﺮﺍ ﻛﻔﺎﺭﺍ،
💖ﺭﺏ ﺍﻏﻔﺮ ﻟﻲ ﻭﻟﻮﺍﻟﺪﻱ ﻭﻟﻤﻦ ﺩﺧﻞ بﻴﺘﻲ ﻣﺆﻣﻨﺎ ﻭﻟﻠﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ﻭﺍﻟﻤﺆﻣﻨﺎﺕ ﻭﻻ ﺗﺰﺩ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﻴﻦ ﺇﻻ ﺗﺒﺎﺭﺍ
ﺃﺭﺳﻠﻬﺎ ﻭﺍﺣﺘﺴﺐ ﺍﻷﺟﺮ ﻋﻨﺪ ﺍلله

Post: #1195
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-08-2015, 12:43 PM
Parent: #1194

Quote: أكثر الصرخات ألمـاً يوم القيامة { ياليتني قدمت لحياتي } أنتهت مدة أقامتهم وذهبوا ليروا النتيجة
| فبـادر قبـل أن تغـادر

Post: #1196
Title: Re: مقالات متنوعة عن الأسرة و المجتمع
Author: سيف اليزل برعي البدوي
Date: 12-09-2015, 02:14 PM
Parent: #1195

عشرة من أسماء اﻹناث المحرمة مع معانيها كما قال بذلك الشيخ خالد الجبير.
1-راما
2-لارا
3-مايا
4-ريناد
5-لمار
6-ريماس
7-يارا
8-وجد
9-وتين
10-هنوف
يقول الشيخ خالد الجبير: تجنب أسماء البنات تلك ولو كانت اسم بنتك حاول تغيره.
[من كتم علماً يعلمه لجم يوم القيامة بلجام من نار]
إنــكــم تــدعــون يــوم الــقــيــامــة بــأســمــائــكــم و أســمــاء آبــائــكــم فــأحــســنــوا أســمــاءكــم.
بعض الناس هداهم الله اسموا بناتهم هذه الأسماء مع جهلهم بمعانيها ويعذرني اصحاب هذه الاسماء.
الاسم: رامــا
المعنى: إله من آلهة الهندوس والذين ظنوا معناه أرض الحرم فالمقصود بالحرم هو الحرم الذي يتبع آلهتهم الهندوسية. ويعتبر راما المثل الأعلى في الفروسية والفضيلة من خلال الملحمة الهندوسية.
وقد نص العلماء على حرمة التسمية بأسماء الأصنام والشياطين، ورؤوس الكفر كفرعون.
الاسم: لارا
المعنى: روح ترعى العائلات عند الرومان وإلهة البيوت. يتضمن معنى يتنافى مع الدين في قصص أديان الوثنيين - إن لارا هي آلهة تيبر - وهو نهر أظنه في ايطاليا - و قد شاع هذا الاسم في ايطاليا أولا قبل القرن التاسع عشر ظناً من الايطاليين أنه اسم مشتق من الاسم اليوناني Larissa.
الاسم: ريـنـاد
المعنى: أن يسود القلب من الذنوب والمعاصي.
وقيل أحاطة الذنوب بالقلب من كثرتها.
وقيل الذنب على الذنب حتى تحيط الذنوب بالقلب وتغشاه فيموت.
الاسم: ريماس
المعنى: قيل ظلمة القبور الموحشه وقيل مؤخرة الغزال
وقيل صغير الجن
الاسم: لــمـار
المعنى: كلمة فارسية بمعنى انثى الكلب ومذكرها دليمار.
(ما تلاحظون أن اي اسم غريب نسمعه يقولوا معناه الذهب - بريق الالماس - ماء الذهب... وبعد البحث والتحقق عن معنى الاسم نجد أنه ليس له اصل في اللغة العربية)
فظن كثير أن معنى لمار بريق الالماس وماء الذهب، ولكن هذا غير صحيح.
الاسم: مـايـا
المعنى: مايا اسم أكثر آلقبائل تخلف في العالم وتعيش في امريكا!
الاسم: يارا
المعنى: كلمه فارسيه تعني الأكل المحترق
الاسم: وجد
المعنى: حرقة فالقلب و اسم من أسماء الجن
يعاني صاحب الاسم من أمراض تؤدي لهلاكه
الاسم: وتين
المعنى: يقال انه من الحبل الوتين ولكن هو اسم جماعه من الكفار يقمن بفعل الفاحشه يقال عنهم وتين
الاسم: هنوف
المعنى: يقال انه من الغرام ولكن هو اسم جنيه تعيش في الحمامات أوالخلاء
(الشيخ خالد آلجبير)
ٱللھم إجعلها بموازين حسنات
من يساعد على نشر..