رسالة من الاديب عبد العزيز بركة ساكن الى محسن خالد

رسالة من الاديب عبد العزيز بركة ساكن الى محسن خالد


02-15-2015, 04:41 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1424014860&rn=0


Post: #1
Title: رسالة من الاديب عبد العزيز بركة ساكن الى محسن خالد
Author: usama Babiker
Date: 02-15-2015, 04:41 PM

03:41 PM Feb, 15 2015
سودانيز أون لاين
usama Babiker -
مكتبتي في سودانيزاونلاين



عبد العزيز بركة ساكن
ما لم أقله للسيد
(الى محسن خالد في غيبوبته)
-----------------------------------------
مرة مرة - نخرج من نطاق الشعر الى رحاب الأدب العام
-------------------------------------------------
هذا النص من أدب الرسائل الراقي - يبين لنا كيف يُدار الإختلاف في طبيعة و شكل القناعات. و لكن من محسن خالد؟
محسن خالد كاتب سوداني - راوي و ناقد له (تيموليت) و (الحياة السرية للأشياء) و ( كلب السجّان)
إنقلب على كل تاريخه الجمالي و أصبح يصدِر أفكاراً الله وحده يعلم مدى غرابتها - لكن لماذا كل ما أتذكر محسن يأتيني بهنس؟
.......................................
لقد أخَذَكَ الشيطان بعيداً عنّا, أو أخَذَنَا بعيداً, فبدأت – كما قال الفيتوري
((مثل سارية تغرق في الرمال)). و سوف لا نفتقدك, لأنك نحتَّك عميقاً
في المكان, و ستبقى هنا إن شئتَ أم لم تشاء, و لكني أجريت محاورة
طازجة مع من قال لي إنه الشيطان و انتهينا إلى الآتي: إن كلّ ما يتعلق
بِك و الرموز – و نقصد بالرمز, بقايا ذكريات الحضارات البائدات – لا دَخل
لهُ فيما يحدث في الأرض الآن. و إن ذلك ليس سوى تشوهات في
الخَلق قام بها نفراً عُرفوا مؤخراً بالبشر- تفاصيل ذلك لدى الصديق عبد
الله ديدان. سأوافيك برقم بيته لاحقاً.
ثانياً: لم يكن للشيطان أيضاً دخل, أو بالأحرى إنه لم يتدخّل بعد في
مسألة تخُصّك أنت بالذات – لم نُسمِّي ذلك لَعنتَك – فقد قال لي
صراحة: (لو علِمت أنّ السُّجود ينجِيني لسَجدتُ)
طبعاً إنتحل تلك الفقرة من طاسين شيخي الحلّاج, و أضاف: أنا لا
أسجد إذا سجدت لغير الله.
أما الأمر الأهم من ذلك: هو السؤال الذي فاجئني به الشيطان و هو
يحملق في عينيَّ, و بفمه إبتسامة شاسعة لها رائحة أشبه بطعم
العرديب, و لم أرهُ رغم ذلك جاداً أكثر مما هو الآن: من أنا؟
قلت له: أنت أنت.
قال لي – و هو يتمطّى, فتقع القبعة الصغيرة البيضاء عن رأسه, فيظهر
فراغ شاسع لا حدود له, فراغ مُرعِب و مُربِك, فلما لم يكن تحت القبعة
غيرها تَحَرَّكَت عيناه الكبيرتان تمسحان وجهي, و تعبرانه إلى ما لا
نهاية, و فضَّلت أن أساعده في وضع القبعة في مكانها, حتى أجِدَهُ و
أُدرك ضالّتي فيه و لكنه كان الأسرع مني على الرغم من إنه كان طاعناً
في السن, و يبدو مرهقاً من ثقل الأزمان عليه, وَضعها, سألني: ماذا
رأيت؟
قلت له: الفراغ.
أبتسم و هو يستعير من الفيتوري بيتاً آخر: ((الغافل من ظنّ الأشياء هي
الأشياء)) سألته دون تفكير: أتعرف الفيتوري؟
أبتسم, كانت أسنانه بيضاء و جميلة و منتظمة, و بشاربه الأبيض يحلّق
ما يشبه الوردة كلما ابتسم. في الحقيقة كانت هذه المرة الأولى التي
يبتسم فيها, ابتسم بعد ذلك مرتين أجابني: لا من هو الفيتوري؟ أنا لا
أعرف غير الله.
تخطينا هذا الإشكال أيضاً و إشكالين آخرين صغيرين, تخطينا
إشكالاً آخراً, ثم صلينا معاً – ليس الفجر و ليس العصر, و ليست هي
صلاة النقطة, و ليس الصبح ولا المغرب, و ليس العشاء أو الظهر. و
ليست صلاة جنازتنا
صلينا معاً في الوقت و في المكان, أيضاً سقطت قبعته مرة أُخرى و
هو ينهض فبدأ رأسه مرعباً و شاسعاً ولا نهاية له, و لكن عيناه
الشرستان تلاحقان الأشياء و وجهي. بظفر جارح إلتقطها, ثم قال لي:
ماذا رأيت؟
قلت له: ((الغافل من ظنّ الأشياء هي الأشياء)) ألم تعلمني ذلك!؟
قال: لا علم لي
قلت له: لم أرَ غير الفراغ
إذاً يا صديقي: ماذا بعد؟
ما حَمَلته لما لا يَحتمِل, ما شَيدّته لمن لا يَسكن, ما قَوّلته لمن لا
قول له ولا لسان, ما أطعمته إلى من ليس بذي بطن و عاطفة و جوارح.
لما صلّيته و أركعته لمن لا مواقيت له و لا هُدىً, لما أنكحته لمن هو بلا
فرج. لمن!؟
إذ قال لي الشيطان: يا بركة ساكن, أسمع عني كل شيء, و
أنكرني بكل شيء, و إذا عَبدتَني عبدتُك, و إذا كفرت بي فأنما تكفر بك,
إذا رأيت في الشمس شيئاً غير القمر, فأنك لم تَرَ الشمس و لم تَرَ
القمر, و كانت السماء مُسحِبة, و لم يكن الوقت ليلاً و لم يكن نهاراً. ما
كنّا ننتظر القيامة لنعرف الحقيقة, و ما كنّا لنتوق للموت لِنصحوَ, و ما كنّا
لنتأمل الجُرح لنعرف وقاحة المدية, و ما كنّا لنستنشق الدم, أو نبارك
المبولة, لنتحرى ديمومة الجسد, و لكن في سعة الفراغ مقبرة تكفي
للجهل و المعرفة, سرير وثير للصحو و النسيان, جِرار الأغنيات الطيبات و
موسيقى نهاياتنا, سننشدنا بأناملنا, و صرصور العقل الذكي: السقوط
في الهاوية يعني أن تدرك اللاقاع, و النهايه قد تحدث دون معانقة غرار
صلب, الهواء الطازج يذبح كما السكين.
دعنا نبدأ من أول القول: ليس كل ما يقود الى مكان ما, هو طريق, و
ليس كل ما لا يقود إلى مكان ما, هو غير الطريق, من قال لك: إن
الشيطان لا يلبس لباس الشيء؟ و من قال لي: ما لم لبس لباس
الشيء هو ليس بشيطان
ما لم أقله للسيد: إنه عندما سقطت قبعته رأيت في فراغ جُمجمته
جميع الأشياء, أظنني لم أرَ سواي.
..............................................
ذوالنون

Post: #2
Title: Re: رسالة من الاديب عبد العزيز بركة ساكن الى محسن خالد
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 02-15-2015, 07:12 PM
Parent: #1

شكرا, أخي الكريم أسامة, وتحياتي, وبعد, لا أذكر أنني قرأت أخيرا نصا سرديا بالغ الجمال, مثل ما ألهم الخيال به بركة ساكن هنا. رد الله غربة محسن. إذا رأى البعض في خروجه الأخير غربة. وأمنياتي الطيبة على كل حال إلى جانبه. لكن بركة صانع الدهشة, الحاذق بمهارة, العميق في بساطته, يجعلك تحمد الخالق الواسع العميق على أمرين: الحياة والإنسان.

Post: #3
Title: إعلان هام لجميع الأعضاء ممن لا يملكون مكتبة في سودانيزاونلاين ..
Author: محمد حيدر المشرف
Date: 02-16-2015, 03:48 AM
Parent: #2

هل يحتاج محسن خالد لجرعات إبداعية تطلق عفاريت ابداعه القديم من حبسها ..
لو كان الأمر كذلك, لكان هذا النص فعالا جدا ..
أزروايز .. لا جديد !!
أقولها والقبعة مرفوعه عاليا ..