الذكرى الثلاثين لإستشهاد محمود محمد طه: بقلم عبدالله الشقليني (نقلا عن سودانايل)

الذكرى الثلاثين لإستشهاد محمود محمد طه: بقلم عبدالله الشقليني (نقلا عن سودانايل)


01-27-2015, 06:16 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=480&msg=1422335772&rn=0


Post: #1
Title: الذكرى الثلاثين لإستشهاد محمود محمد طه: بقلم عبدالله الشقليني (نقلا عن سودانايل)
Author: عبدالله عثمان
Date: 01-27-2015, 06:16 AM


الذكرى الثلاثين لاستشهاد محمود محمد طه .. بقلم: عبد الله الشقليني
الإثنين, 26 كانون2/يناير 2015 20:01
مرت السنوات ، ولن تمر ذكرى كبش الفداء الهابط عبر مسارات الأنجم من خلال السماوات ، وتدلى للقاء اليوم الموعود ، بمعية ملاكٍ مأمور . ذلك اليوم لا يشبه يوماً من أيامنا . فمساء الخميس السابع عشر من يناير 1985 ، خَطَب الإمام بالبزة العسكرية ، وقد أعد القتلة الحقيقيون من وراء حجاب للشهيد المسرح المأساوي ، وسنوا سكاكين الذبح.حالوا من قبل بينه وبين أصفيائه من حوارييه. فالحكم قد صدّروه مُذهباً ينتظر التوقيع ،وبتاريخ مضى منذ الستينات من القرن الماضي ، وما من حاجة لاستتابة كما صدروه ، وما على الإمام إلا التوقيع . فما " للحدود " من قول سوى إتّباع قرار ليس له من تبديل. تقمص فيه الجهلة اللئام مشيئة الله وظنوا أنهم كتبوا القرار في اللوح المحفوظ، كأنهم صانعي الموت أو الحياة ! .
الصمت أظلم النهار الفاقع ، وتجمعت المرارة في الحلوق. ونجم شمسنا ملأت أضواء الدنيا ، صامتة حزينة في جمعة الثامن عشر من يناير 1985 .
وحده الكبش كان فرِحاً بالرحيل ، واستطعم إفطاره ، بل كان يعرف ساعته ، وأوصى تلامذته قبل ذلك بأيام من اعتقاله بأن روحه ستذهب قرباناً ، قبل أن يأت الطوفان . قال لحوارييه : أذهبوا أنتم طلقاء من المصير الذي ينتظرني ، وأن دمه عشقٌ مُباح وجُبَّته قميص أبيض رهيف ،وجبهته فنار . تعرفه السُفن الضالة لتهتدي وهي تبحث أين تكون المراسي، وأين يستبين المنهاج؟ .
(2)
أيستبين قاصري النظر الذين خطفوا السلطان المسروق بليل ، وهم يلبسون الناس خُرق رمادية ويبشرون بالموت ؟. جرّبوا كل السُبل وقد اختبئوا من وراء الجناية عند موعدها ، واختاروا أقل الناس وضاعة وجهلاً ولؤماً ليكونوا في منصة القضاء ، يهدرون العدل بالجهالة ، يختارون التُهم ويجربون استخدام التشريع وتبديل القضية أمام المحكمة بأخرى غيرها . وهو وعد قطعوا للذين كانوا يدبرون الأمر كله .وتصدوا للقصاص من الفكر ، وما استطاعوا فقد كانت حُجة الشهيد التأويل ، وحُجتهم البتر . ووجدوا أن اغتيال الجسد وفق رأيهم سيغتال الفكرة ،وما كانوا يعلمون أن جسد الشهيد المذلول لعبادة الله ، هو الجسد الذاكر ، الطاهر والروح الناطقة بذكر الله في السرّ والعلن . تلك اللغة الناصعة ، لا يدركها إلا الذين يعلمون ، وما كان للجهل من سلطان إلا على القتلة ، فالنهج قد اكتمل بناءه . والعين قد زالت غشاوتها ، والبصيرة قد أجْلت ما كُنا نجهله من خبايا التأويل والفضاء المفتوح على المعرفة والفهم المتجدد ، لآيات أزكت الفكر وإعماله ، وكرّمت العقل ووسائل تدبيره .
(3)
لنرى الآن ما جرّ علينا نهج التكفير من ضمور في العقل المفكر ، واستعجال قتل النفوس وإزهاق الأرواح لشُبهة خلاف في الرأي ، أو قُل نقص في إدراك تدبُر مقاصد الذكر الحكيم ، فأسقط الجهل النشط آليته على العقيدة ، وجرّ باسمها الشرور مطلوقة القياد ، بل تصدر ساحة التشفي في القتل وتصويره بآلة حضارية تحط من شأن الإنسان ، بدل أن تكرمه . وباءٌ انتشر ووقوده بين العامّة من المُنوَّمين بسلطان الطاعة الممنوحة لمن لا فكر لهم ولا عقل ولا ضابط. يطلقون الفتوى من علٍ، ويذهب إلى نارها الشباب والأطفال والشيب والنساء ، تزر وازرة وزر أخرى بلا ذنب ! . لم نسمع بشيخ من أصحاب الفتوى يأتزر بحزام ناسف ، بل بُسطاء الشباب ،أو الأطفال الذين لا يعرفون ،يحملون أحزمة القتل ، يفجرون أنفسهم أو يُفجِّرَهم من جَهّزهم للتفجير من بُعد . فئة قليلة من القتلة القادة يهمهم الإعلام ، والمال والسلطة التي تغيب عن أعين البسطاء ، ولكنها لن تغيب عن الذهن الذي يكتشف الحقيقة وسط الضباب المُفتَعَل .
(4)
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا } محمد24.
للذكر الحكيم عجائب لا تنقضي ، معاني ترتقي برُقي الفهم والمعرفة ، لمن يُحب أن يتعرف كيف بدأ الذكر الحكيم بـ أقرأ ، والرب يعرف من يخلصون إليه لا الكذبة المُجردين من خصال الإنسانية ، ومن يحبهم مولاهم يفتح لهم سماوات البصيرة فيرون ما لا يرى الناس . لذا لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون . والإبحار كفاحٌ ، ييسره المولى للذين يحب ، فيبصرون كل شيء ولا يُبصر الناس .
أيعرف الواحد منا كيف ينقّي سريرته من الشوائب ويُقبل على قراءة القرآن بتدبّر ، فتنفتح الأبواب المغلقة بينه وبين ربه ، ويتعرف على لذة التلقي بلا واسطة .
هذه الدنيا كلها تتحدث عن فجور التكفير والتقتيل والبشاعة ، أيمكن أن يكون هؤلاء مهتدون ، قبل أن يتحكموا في البشر ؟.وها هو الذكر الحكيم يخاطب النبي الأكرم :
طه{1}مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى {2} طه2 .
أيمكن لهذا الإسماح المبين ، وهذا اللطف الخلوق وتلك الرقة الموصولة بين الرب ونبيه ، أن تكون هادياً للذين قتَّلوا الأنفس وهجّروا مئات الألوف بدعوة نشر العقيدة ؟.
(5)
نجمع قطفاً من مزهرية الشهيد الفكرية من مزرعة الرسالة الثانية :
تأويل الشهيد في فكرة المعاوضة :
{ليـس إلى الحقيقـة وصـول إذا ظللنا أسـرى أوهـام الحواس ، وإنما الـرشد أن نجعـل ما تَرى الأبصار مجـازاً إلى ما تـرى العقـول ، وما ترى العقـول مجازا إلى ما تـرى القلـوب . وهو الحـق ، ثم هو الحقيقـة ، في الفينة بعد الفينة .فالقرآن ساق معانيه مثاني .. معنى قريب في مستوى الظاهر ، ومعنى بعيد في دقائق الباطن ، ولكن القاصرين عن المدارك لم يفطنوا إلى ذلك ، فجعلوا الآيات التي تجاري أوهام الحواس ، والتي تجاري أوهام العقول ، سندهم ، وبنوا عليها علومهم ، فضلّوا كثيرا وأضلّوا .أما الصوفية فقد فطنوا إلى ذلك ، وعَلِموا أن أوهام الحواس ، وأوهام العقول ، يجب التخلص منها بأساليب العبادة المجوّدة ، التي تبلغ بهم منازل اليقين المحجَّبة بحجب الظلمات ، وحجب الأنوار.وكلما قلَّ الجهل ، وزاد العلم، قلَّ الشر ، ورُفعت العقوبة ، عن المعاقبين ، في تلك المنطقة التي وقعت تحت علمهم. (فالعقاب ليس أصلاً في الدين )، وإنما هو لازمة مرحلية ، تصحب النشأة القاصرة ، وتحفزها في مراقي التقدم ، حتى تتعلم ما يغنيها عن الحاجة إلى العقاب ، فيوضـع عنها إصـره ، وتبـرز نفـس إلى مقام عـزّها.}
(6)
لغة صاغها الشهيد واضحة كل الوضوح ، متوسطة الفخامة في معظمها وجزلة في بعضها ،لأن النبؤ في المعرفة تُقرّب من الكشوف النورانيّة للنص القرآني حين تدبُّر معانيه :{ أفلا يتدبرون القرآن ...}النساء: 82].والنص القرآني يُعدي بحلاوته وجزالته ، وعند المحبة الكُبرى تتنفس الريحانة الفكرية .
فقدنا برحيل الشهيد تلك الصبوّة و تلك الحلاوة اللغوية المكتوبة ، وبقينا مع الأثر الذي تركه ،حين تبوأ منصّة الكتابة ، وقد فرّ منها أبناء جيله إلى لغة المشافهة . ففي باب "التسيير خير مُطلق" من كتاب (الرسالة الثانية من الإسلام ) ، نجده قد وضع المنهاج وأبان في صلب الفكرة أن ( العقاب ليس أصلاً في الدين ) ، وذكر عقاب الآخرة وأنه لا يدوم أبد الدهر . والتناول المطلق لنص العقاب ليس أصلاً في الدين ،هي قضية أجَّل الشهيد الغوص في تفاصيلها ، وترك أمرها لمن بعده ، ليحفر الفكر في بواطن المعركة الفكرية في مجتمع لما يزل يتمسك بالقشور ، وتراثه موصول بمؤسسة التقليد والإتّباع . ربما لم يحن وقتها بعد. فقضية "المعاوضة في الشريعة" و"المعاوضة في الحقيقة "باب يحتاج إعمال للفكر يتسق مع منهاج التأويل الذي اتخذه " الشهيد محمود محمد طه " ، لأن العقوبات والمعاوضة ، وردت في الآيات المدنية ، وهي التي شكّلت تحوّل دولة المدينة المنورة عند نشأتها عاصمة لدولة النبوة الأولى، قبل أربعة عشر قرناً.
وتلك أبواب مفتوحة للنهل ، وبِركة محبّة للشراب الحلو.
عبد الله الشقليني
25 يناير 2015
mailto:[email protected]@hotmail.com

Post: #2
Title: Re: الذكرى الثلاثين لإستشهاد محمود محمد طه: بقلم عبدالله الشقليني (نقلا عن سودانايل)
Author: Khalid Elmahdi
Date: 01-27-2015, 06:27 PM
Parent: #1

يا أستاذ شقليني سلام..
هؤلاء نزل في حقهم: "وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا" صدق الله العظيم
وكل عام وأنت بألف خير

Post: #3
Title: Re: الذكرى الثلاثين لإستشهاد محمود محمد طه: بقلم عبدالله الشقليني (نقلا عن سودانايل)
Author: عبدالله الشقليني
Date: 01-28-2015, 06:46 AM
Parent: #2

أخي الأكرم : الدكتور عبد الله عثمان
تحية واحتراماً
إني لك شاكر هذا التمييز بأن خصصتنا بفضل التقديم . قبل اليوم الذي أنزلنا فيه المقال في سودانايل ،
كنتُ أمني نفسي بأن نتقدم برؤى جديدة تتناول شيئاً من القضايا الفكرية الكثيرة التي مرت مرور الكرام دون أن تنال ما تستحق .
لعلها نفحات تكون في ميزان الفِكر والاستدلال الفكري شيئا مذكورا ، فقد كتبنا ، و الخواطر المكتوبة لديّ أكثر دقة ،
بل أن بعضها يتم أثناء كتابة النص ، كأنه تلبُس حالة لا نقدر على وصفها . قرأت ما كتبت كأني لست كاتب المقال .
كان في نهاية اليوم محاضرة كان من حضورها الصديق الدكتور عبد الرحيم الريّح ،
وقلت له إن مقالي عن الذكرى الثلاثين قد اكتمل و نزل في سودانايل ، فابتسم وقال : إنك مداوم على ثراء الذكرى ،
ودائماً الكتابة الفكرية عندك مُيسرة . لن أنام قبل القراءة وكانت الساعة الحادية عشر والنصف مساء .
الشكر لضيف الملف :
الأكرم :
خالد كودي
*