رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا

رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا


04-21-2013, 04:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1418149684&rn=0


Post: #1
Title: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-21-2013, 04:06 PM

رحلات إبن بطوطة السوداني المدناوي ما بين طنجة وجاكرتا

عمر حسن غلام الله

الحلقة الأولى

من مدني الى أغادير

كانت بداية رحلات بن بطوطة المدناوي (اللي هو أنا) في أواخر عام 1975 حينما قدمت أوراقي لقسم البعثات بوزارة التعليم العالي بالخرطوم، إذ كان قد أُعلن عن منح دراسية لحوالي سبع او تسع دول، على ما أذكر كانت يوغسلافيا ورومانيا ونيجيريا ومصر والعراق والمغرب وليبيا، وكانت حصتنا نحن الأدبيين محصورة فقط في دولتين هما العراق والمغرب، فقدمت لمنح المغرب، ورجعت لمدني..

وبما أن مدرسة شدو كانت تبعد عن منزلنا خمس خطوات، فقد ذهبت الى مديرها وصاحبها المرحوم عباس شدو عليه رحمة الله (ترحموا عليه جزاكم الله كل خير)، ولم اقل له انني اريد العمل في التدريس بمدرسته، بل سألني عن الدرجات التي حصلت عليها في امتحان الشهادة الثانوية، فسردتها عليه، فسر بها ايما سرور، وفوراً بعثني الى الفصول لأدرس مادة الانجليزي للسنة الثالثة (ثانوي عام) ومادة التاريخ للسنة الثانية، ومادة العربي للسنة الأولى..

وأنا في إحدى الحصص طرق باب الفصل زميلي في مدني الثانوية عمر الإمام النور (من أبناء حليوه)، فبشرني بأنه قُبل في منحة المغرب، وكذلك العبد لله، فباركت له، وحمدت الله أنه سيكون زميلي ايضاً في الدراسة الجامعية بالمغرب.. وأكملت ثلاثة أشهر بالتدريس حتى حان موعد السفر وتجهيز الأوراق والتأشيرات.. فذهبت الى الخرطوم، وفي زيارة لي للسفارة المغربية- لمعرفة بعض معلومات عن تلك البلد التي سأدرس بها- هناك سمعت حواراً يدور حول إرسال السودان لوفد تضامني مع المسيرة الخضراء المغربية، وأنا راجع من السفارة المغربية فكرت في الاستفادة من ذلك بأن اسافر مع الوفد بالطائرة الخاصة التي ستقلهم الى هناك، وفي طريقي عرجت على بن عمي محمد قيلي عبد الرحيم رحمة الله (ترحموا عليه جزاكم الله كل خير) وسألته إن كان يعرف أحد في الاتحاد الإشتراكي (هو الذي نظم تلك الرحلة التضامنية)، فقال لي نعم اعرف، وكان من يعرفه هو قريبنا عبد الغفار خلف الله، وكان رئيس المنظمات الفئوية بالإتحاد الإشتراكي، فذهبنا اليه في منزله ببحري، فوعد خيراً، وحينما أُذيعت اسماء الوفد المغادر الى المغرب، وكان عددهم يفوق المائة قليلاً (اتذكر انه كان 109)، كان اسمي ضمن قائمة الطلاب..

وفي اليوم المحدد (على ما أذكر كان يوم 9 نوفمبر 1975م) كانت امي وبعض اخواتي واخوالي في وداعي بمطار الخرطوم، وكان هذا أول فراق لي للسودان، وأذكر ان خالي البروفيسور الصادق حسن الصادق قد قال لي وهو يودعني: (شد حيلك)، ولم افهم مغزى هذه العبارة الا فيما بعد..
ثم اقلعت بنا الطائرة من مطار الخرطوم وبعد ساعتين هبطت في مطار القاهرة للتزود بالوقود، ثم اقلعت من مطار القاهرة متوجهة الى مطار أغادير في المغرب..

وبعد حوالي خمس ساعات وصلنا مطار أغادير أنزقان في أواخر الليل، وحملتنا حافلات فاخرة من المطار الى فندق أطلس الذي يقع على الشاطئ مباشرة- وكان وقتذاك حديث بناء- وكان فاخراً وفخماً بكل المقاييس، حينما تنظر في سقف البهو الرئيسي بعد المدخل ترى قبة لونها لون السماء، مرصعة بالنجوم، فلا تدري أتنظر الى سقف الفندق ام الى السماء حقيقة.. وتم توزيعنا على الغرف، وما أروعها من غرف، ونمنا بعد رحلة طويلة من ملتقى النيلين الى ضفة الأطلسي الشرقية.. حيث أغادير المدينة الحديثة البناء (حيث تم بناؤها بعد عام 1961 عقب زلزالها الشهير الذي دمر المدينة تماماً)..

Post: #2
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Adrob abubakr
Date: 04-21-2013, 06:48 PM
Parent: #1

الأخ غلام الله تحياتي لك ولبوستك الجميل

شخصيا من محبي أدب الرحلات, خاصة لمثل سردك الرائع هذا

وكنت متابع بعض الحلقات في البوست الآخر...

يا ريتك لو تنزل كل الحلقات في هذا البوست


خالص الشكر والتقدير

Post: #3
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-22-2013, 09:47 AM
Parent: #2


شكرا أخي ادروب أن كنتَ أول المتداخلين في بوستي

وأشكرك على تشجعيك لي ومتابعتك لما أكتب..

وبإذن الله سأنزل كل الحلقات في هذا البوست

وتسلم عزيزي ادروب

Post: #4
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-22-2013, 09:58 AM
Parent: #3


الحلقة الثانية

فندق أطلس وشاطئ أغادير

.. نواصل..

عندما استيقظنا من النوم نزلنا الى مطعم الفندق حيث تناولنا طعام الإفطار، وبعده نزلنا الى شاطئ البحر الذي يبدأ مباشرة من أمام الفندق، حيث الرمال البيضاء ومياه المحيط داكنة الزرقة، وتلك الأمواج العالية التي ترى في البعيد.. لقد كان الشاطئ مهيأ كـ Beach أو بلاج بالفرنسية، وطبعاً وجدنا كثيراً من الخواجات متمولصين ومتمسحين بدهان نحاسي اللون (لزوم البرونزيه، اي عشان يكون لونهم برونزي، بعبارة اخرى عشان يبقوا سمر اللون.. هم يفتشوا على البيبقيهم زرق، وبناتنا يفتشوا على البيبقيهم حمر)، ومتبطحين فوق الرمال البيضاء النظيفة، طبعاً كان منظر غريب لكثير مننا خاصة اولئك الذين لم يغادروا السودان من قبل (زي حالتنا)..

طبعاً تجولنا على طول الشاطئ واشكالنا كانت اشكال الغبش، ونظراتنا نظرات قرويين يجو المدينة لأول مره.. والحاجة الكويسة في الخواجات ما بيتنبهوا للغير، يعني ما بيعاينوا لزول، اما المغاربة فكانوا يحاولون التعرف علينا، فكثيراً ما أوقفونا وتكلموا معنا بالفرنسية اولاً ثم بالعربية اذا ما قلنا لهم اننا لا نتحدث الفرنسية، فيقولون لنا باستغراب: انتم تتكلمون العربية؟ ولسان حالهم يقول كيف لهؤلاء الأفارقة ان يتحدثوا العربية؟ فيسألون من أين نحن فنقول لهم من السودان.. فيقولون السودان الفرنسي؟ ويقصدون (مالي)، وهي بالفعل كانت تسمى السودان الفرنسي، وسوداننا يسمونه بالسودان الانجليزي المصري، فإذا عرفوا اننا من هذا الأخير قالوا: آآآآآ جعفر نميري! فهم يعرفون السودان إما بالسودان الانجليزي المصري او السودان بتاع جعفر نميري، خاصة ان نميري قد ارسل لهم عشرة آلاف رأس من الضأن كمساهمة منه في المسيرة الخضراء، سبقت هذا الوفد الكبير..

تجولنا ايضا في الأسواق الشعبية في المدينة، وتسمى (السويقة)، وفيها المنتجات التقليدية خاصة الجلدية مثل الأحذية التقليدية المغربية التي تسمى (البلغه) ومثل التكايات المصنوعة من الجلد والتي تحشى بأي شئ ليتم وضعها على الأرض كتكايات جلدية مزينة برسومات وزخارف، كذلك الأحزمة الجلدية، وبعض الصناعات المعدنية كالسلاسل وعلاقات المفاتيح، وأساور اليد، وغيرها من الصناعات التي يحبها السياح.. كذلك يوجد في هذا السوق الجلابية المغربية المزخرفة للنساء وأخرى للرجال التي انتشرت فيما بعد في كل ارجاء الوطن العربي، حتى اننا نشتريها من هنا من السعودية كجلابية بيت.. في هذا السوق الشعبي ايضاً تجد المحلات المتخصصة في بيع الزيتون، فتجد عشرات الأنواع منه، فالمغرب منتج ومصدر للزيتون ولزيت الزيتون..

قضينا اليوم الأول نتجول في المدينة لنتعرف عليها، ونتعرف على أناسها، وأول ما لفت نظرنا جمال المغربيات بجلاليبهن ذات غطاء الرأس الذي يتركنه يتدلى على أعلى ظهورهن، فإذا ما كانت هناك امطار رفعنه ليغطي الرأس، وهو شبيه بجلابية الرجال المغربية (غير بتاعة النوم التي ذكرناها)، فالجلابية الرسمية للمغاربة هي جلابية طويلة بأكمام طويلة وبغطاء رأس (منو فيهو) أيضاً يتركونه يتدلى على أعلى الظهر، وفي البرد يغطون به الرأس ليحمي الأذنين ايضاً من البرد ومن المطر، وكلاهما الجلابية الرجالية والنسائية بها فتحات جيوب ولكن ليس بها جيوب، إذ هي تلبس فوق الملابس، كالبنطلون وأحياناً تلبس فوق البدلة الكاملة الرجالية، والنسائية تلبس فوق ملابس اشبه ما تكون بجلاليب البيت أو فوق لبس الرياضة (ترينق سوت)، او بنطلون وبلوزة، وتصنع كلا الجلابيتين- الرجالية والنسائية- من أقمشة فخمة، والشتوية تكون صوفية ثقيلة.. وكثير من البنات المغربيات الشابات يلبسن الزي الأوربي بأشكاله المختلفة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..

Post: #5
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-22-2013, 02:49 PM
Parent: #4

الحلقة الثالثة

مدينة طرفايه.. المدينة الحدودية مع الصحراء المغربية

..نواصل..

لم تكن اغادير هي عاصمة المغرب عندما هبطت الطائرة فيها مباشرة عند دخولها الأجواء المغربية، فالعاصمة هي الرباط، والعاصمة الإقتصادية هي الدار البيضاء، ولكنها هبطت في مطار أغادير لأنه آخر مطار في الجنوب المغربي وأقرب مطار للصحراء المغربية التي تنوي المغرب انطلاق المسيرة الخضراء لتحريرها من الاستعمار الاسباني.. وبعد أن قضينا ليلة ثانية في مدينة أغادير ذات الأغلبية من السكان البربر، ركبنا طائرات عسكرية (ناقلة جنود) واحدة منها كانت تابعة للجيش المغربي والأخرى تابعة للجيش السعودي- حيث تشارك السعودية أيضاً بوفد في دعم المسيرة الخضراء- وكان نصيبي أن أركب الطائرة السعودية، وفي المطار توجهنا نحو الطائرة العسكرية التي كانت مراوحها تدور، وكانت قوة الهواء تمنعنا من المشي تجاه باب الطائرة، فانتهرنا القائمون على أمر إركابنا بأن نجري نحو الطائرة، فاضطررنا للجري ورؤوسنا الى أسفل لتفادي قوة الهواء المنطلق من المراوح.. ودخلنا الطائرة، فكانت غريبة الشكل بالنسبة لنا، فهي تختلف جذرياً من الداخل عن طائرات الركاب، فعلى جدرانها كنت ترى كل الأسلاك والمواسير، اي لا تغطي جدرانها اي غطاء، واما المقاعد فكانت في شكل شرائط متقاطعة، شرائط تشبه تلك المصنوعة منها أحزمة الأمان في السيارات، ولكن التي في الطائرة كانت أقل في العرض.. وكانت تلك المقاعد متقاربة جداً بحيث ان الجالس في قبالتك تلتصق ركبتيه بركبتيك..

اقلعت الطائرة متوجهة نحو الجنوب، نحو الحدود مع الصحراء، وفي مدينة (طرفايه) هبطت في مدرج ترابي- وليس مطار- وكان نزولها خشناً، فقد كانت عجلاتها اشبه بعجلات التراكتور، ولم يكن المدرج مسفلتاً، لذلك هبطت ومشت على المدرج الترابي بصوت مزعج وبهزة عنيفة ذكرتني اللواري التي كانت تشق الجزيرة في السودان عبر تلك الطرق الترابية..

المهم وجدنا في مدينة طرفاية تلك، والتي لم تكن أكثر من معسكر للجيش، وجدنا خيام مجهزة لنا (قلنا يا حليل فندق أطلس الراقي وتلك الوسائد الحريرية، وتلك الحمامات الرخامية البيضاء النظيفة، وتلك الموسيقى الهادئة التي تصدح في ممراته المفروشة بالسجاد)..

المهم سألنا عن بقية الوفد الذي صعد في الطائرة العسكرية المغربية، فقالوا أن إشارة أرسلت للطائرة وهي في الجو بأن المسيرة الخضراء قد توقفت، فغيرت الطائرة اتجاهها الى مدينة مراكش في رحلة سياحية، كان خبر توقف المسيرة الخضراء بالنسبة لنا كإعلان يوم العيد.. فركوبنا تلك الطائرة العسكرية، ونزولنا في مدينة طرفاية في خيام أوحى لنا بأننا مقبلون على معركة، خاصة واننا كان يجب ان نسير على أقدامنا مع المسيرة التي انطلقت من طرفاية تجاه عاصمة الصحراء (العيون).. وكان متوقعاً أن تطلق القوات الاسبانية النار على المسيرة، رغم أن الناس الذين شاركوا في المسيرة لا يحملون غير المصاحف والأعلام المغربية..

لماذا توقفت المسيرة الخضراء؟ قالوا بأن اسبانيا قررت الانسحاب من الصحراء.. يا سلام على الأسبان، شعب راقي وحكومة راقية.. وتحولت رحلتنا الى رحلة سياحية، قضينا يومين في تلك المدينة الصحراوية (طرفايه)، غنينا معهم:

العيون عينيّ
والساقية الحمراء ليّ
والوادي وادي يا سيدي
والوادي وادي
نمشيه في كفوف السلامة
الله والنبي والقرآن معانا
الله والنبي والقرآن يا سيدي
اليوم.. اليوم.. بان الحق ينادي
أعلامنا في العيون طرفه تنادي طرفه

والعيون كما أسلفت هي عاصمة الصحراء، والوادي هو مدينة وادي الذهب، والساقية الحمراء هي مدينة في الصحراء ايضاً..

قضينا وقتاً جميلاً في ذلك المعسكر، وبعد يومين ركبنا نفس الطائرة العسكرية متوجهين الى مراكش.. وما أدراك ما مراكش..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..

Post: #6
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: الفاضل يسن عثمان
Date: 04-22-2013, 05:13 PM
Parent: #5

ابداع والله واعجاب بهذا التوثيق الاجتماعي الجميل.
حجزنا مكانا في هذا البوح الجميل.
وياحبذا لو اشرت لاسماء السودانيين الذين شاركوا في المسيرة
الخضراء. وتاثيرات ذلك علي العلاقات الانسانية بينكم والمغاربة.



لك مودتي

Post: #7
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: omer abdelsalam
Date: 04-22-2013, 06:19 PM
Parent: #6

Quote: وياحبذا لو اشرت لاسماء السودانيين الذين شاركوا في المسيرة

مرحب زميلنا العزيز ماندينقو في فضاء جديد
سؤال زميلنا الفاضل اعلاه كان يدور في مخيلتي منذ مدة وكنت اود الاستفسار عنه وجاءت المناسبة
فقد شارك مجموعة من طلاب مدرسة المقرن الثانوبة { اعتقد ثلاثة } كانوا في { الكتيد } في المسيرة الخضراء وكانوا وقتها زملائي يالمدرسة قبل قدومي للدراسة بالمغرب واذكر من الاسماء : احمد عبدالنبي { من اولاد كوستي } , عبدالعظيم ......هل تذكر او التقيت بهذه الاسماء وقتها .؟}

Post: #8
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-23-2013, 10:46 AM
Parent: #7

Quote: ابداع والله واعجاب بهذا التوثيق الاجتماعي الجميل.
حجزنا مكانا في هذا البوح الجميل.
وياحبذا لو اشرت لاسماء السودانيين الذين شاركوا في المسيرة
الخضراء. وتاثيرات ذلك علي العلاقات الانسانية بينكم والمغاربة.

لك مودتي


الأخ العزيز الفاضل يسن عثمان

شكراً لمرورك وشكرا لمداخلتك الهامة جداً
وحبابك عشره في بوستنا المتواضع الذي يفخر بأن لك مقعداً فيه
وأسئلتك مفيدة للبوست.. وهذا يشير إلى أنك لست مجرد قارئ، بل متفاعل مع البوست إيجاباً..
سأحاول أن أتذكر اسماء من كانوا معنا في الوفد، وإن كانت العقود الأربعة التي كادت أن تنصرم منذ تلك الرحلة السعيدة كفيلة بأن تخرب الذاكرة.. لكن سأحاول..

رئيس الوفد كان العم ابو شيبه.. وهو مدير مدرسة ثانوية بالخرطوم.. وشاءت الأقدار أن يرسل إبنه في السنة التالية للدراسة في المغرب، وهو الزميل عباس أبو شيبه، وحالياً عباس محامي في الخرطوم..

ثم كان بعض أعضاء الوفد كشاكلتي طلاب مقبولين في المغرب- سلفاً- واستفادوا من هذه الرحلة مثل جلال حنفي ومحمد خالد (ربما) وربما طارق المحينة (رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة)..
لقد خذلتني الذاكرة يا الفاضل!

أما تأثيرات المسيرة الخضراء على العلاقات فقد كانت إيجابية جداً وقد بدأ المغاربة يعرفون السودان بعد أن شارك السودان بهذا الوفد وبعد أن أرسل 10000 رأس من الضأن هدية للمغرب كمساهمة في المسيرة.. وقد كان وفد السودان كبيراً مقارنة مع الوفود الأخرى، كالوفد العماني الذي كان قليل العدد..
وقد تزامن وصول وفد المسيرة الخضراء من السودان الى المغرب مع الدفعة الثانية من الطلاب السودانيين المقبولين في الجامعات المغربية مما وثق هذا الإهتمام المغاربي بالسودان وبالسودانيين.. وخلال سرد ذكرياتي بالمغرب ستلاحظ مدى حب المغاربة للسودانيين ومدى احترامهم للسودان وللنميري..

شكرا مرة أخرى، وسأنتظر أسئلتك لتنير لي درب الحكاوي

Post: #9
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 04-23-2013, 11:47 AM
Parent: #8

الاخ والزميل / مادنقو
اقول ليك مبروك البوست الجديد
واحيك علي هذا المجهود الادبي الجبار وخاصه انك ح تعيد رحلات ابن بطوطه من جديد في هذ االبوست الجديد
وطالما انك بدات من بدايه الرحله احب ان اوثق لسعاده سفير صاحب الجلاله الاسبق بالخرطوم / السفير عبد اللطيف ملين والذي كان له القدح المعلي في توطيدالعلاقات ما ين البلدين الشقيقين السودان والمغرب في كافه المجالات ،،،وفي عهده شهد اكبر تدفق للطلاب السودانيين الذين درسو بالمغرب من خلال المنح الرسميه وايضا الدراسه علي النفقه الخاصه في المملكه المغربيه ،،،وكما لا ننسي ايضا السيد / نديم عدوي
من مراسم القصر الجمهوي في عهد نميري ،،،من دور كبير في ايفاد الكثير من الطلاب السودانين للمغرب وهم الان اصبحو في سده الحكم في السودان من سفراء ومستشارين وقضاءه ورجال اعمال
ولقد اصبح الان السفير / عبد اللطيف ملين رئيسا لجمعيه الصداقه المعربيه السودانيه بالمملكه المغربيه بالرباط

صوره حديثه للسفير عبد اللطيف ملين بالرباط

Post: #10
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-23-2013, 12:14 PM
Parent: #9


Quote: مرحب زميلنا العزيز ماندينقو في فضاء جديد
سؤال زميلنا الفاضل اعلاه كان يدور في مخيلتي منذ مدة وكنت اود الاستفسار عنه وجاءت المناسبة
فقد شارك مجموعة من طلاب مدرسة المقرن الثانوبة { اعتقد ثلاثة } كانوا في { الكتيد } في المسيرة الخضراء وكانوا وقتها زملائي يالمدرسة قبل قدومي للدراسة بالمغرب واذكر من الاسماء : احمد عبدالنبي { من اولاد كوستي } , عبدالعظيم ......هل تذكر او التقيت بهذه الاسماء وقتها .؟}


العزيز عمر عبد السلام

شكراً لك أن كنت السبب في نقل (رحلات إبن بطوطة السوداني) الى رحاب هذا المنبر

بالنسبة لأسماء زملاءك فقد عجزت عن تذكر الأسماء.. ماذا افعل لهذه الذاكرة الخربة؟ والحمد لله أنني استطعت ان اتذكر الأحداث..
وبالمناسبة عندي مشكلة مزمنة في تذكر الأسماء.. سواء عرفتها في الزمان الغابر أم عرفتها قبل ثواني.. لا أدري لماذا.. وأعتقد لست وحدي في هذا الخلل!

شرفت البوست يا أبا أنس

Post: #11
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-23-2013, 12:20 PM
Parent: #10

Quote: الاخ والزميل / مادنقو
اقول ليك مبروك البوست الجديد
واحيك علي هذا المجهود الادبي الجبار وخاصه انك ح تعيد رحلات ابن بطوطه من جديد في هذ االبوست الجديد
وطالما انك بدات من بدايه الرحله احب ان اوثق لسعاده سفير صاحب الجلاله الاسبق بالخرطوم / السفير عبد اللطيف ملين والذي كان له القدح المعلي في توطيدالعلاقات ما ين البلدين الشقيقين السودان والمغرب في كافه المجالات ،،،وفي عهده شهد اكبر تدفق للطلاب السودانيين الذين درسو بالمغرب من خلال المنح الرسميه وايضا الدراسه علي النفقه الخاصه في المملكه المغربيه ،،،وكما لا ننسي ايضا السيد / نديم عدوي
من مراسم القصر الجمهوي في عهد نميري ،،،من دور كبير في ايفاد الكثير من الطلاب السودانين للمغرب وهم الان اصبحو في سده الحكم في السودان من سفراء ومستشارين وقضاءه ورجال اعمال
ولقد اصبح الان السفير / عبد اللطيف ملين رئيسا لجمعيه الصداقه المعربيه السودانيه بالمملكه المغربيه بالرباط


العزيز احمد محيي الدين

شرفت البوست والله.. أهلاً وسهلاً بك
وأشكرك على اتحافنا بهذه الصورة والتوثيق الجميل لأشخاص عملوا من أجل السودان والمغرب والتقارب بينهما..
في انتظار المزيد من التوثيق من طرفك والصور ..

شكرا لك جزيلاً

Post: #12
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-23-2013, 12:42 PM
Parent: #11

الحلقة الرابعة

مراكش الحمراء

.. نواصل..

هبطنا في مطار مراكش، ومثل كبار الزوار خرجنا من المطار وركبنا حافلات فخمة الى الفندق، كان فندقاً مختلفاً عن فندق أطلس في اغادير، فقد كان أطلس ممتداً رأسياً، اي طوابق، اما فندق مراكش فقد كان ممتداً أفقياً، كل الغرف أرضية ومنتشرة في مساحة واسعة، إضافة الى وجود مساحات خضراء كبيرة حول الغرف، وفيها منطقة للصيد، لا ندري صيد ماذا ولكن عرفت ذلك من بعض النزلاء الذين يحملون بنادق صيد ويتوجهون الى تلك المناطق، ربما طيور او ارانب او غيرها لا اعلم.. وقد بدأت التعرف عن كثب بالمغاربة من هذا الفندق، فقد تعرفت على احد النزلاء المغاربة (ومن الذين كانوا يحملون بندقية صيد)، وعرفني بنفسه واسمه محمد هلال، ويعمل في شركة الكهرباء، وقد اعطاني عنوانه في الدار البيضاء.. وقد ذهبت اليه بعد استقراري في المغرب في داره في عيد الأضحى، فأكرم مثواي وجلست معه ومع زوجته الجزائرية عدة أيام.. أحييه من هذا المنبر ..

تجولنا في مراكش، التي تختلف طبيعتها عن أغادير، فهي في الصحراء بينما اغادير على ساحل المحيط، وتمتاز مراكش بكثرة اشجار النخيل والزيتون فيها، فترى على امتداد البصر غابات من النخيل، وكذلك غابات من اشجار الزيتون.. اما المدينة نفسها فبيوتها تمتاز باللون البني المائل للإحمرار،

وقد نقلت لكم حقائق عنها من موقع وزارة الثقافة المغربية، للتوثيق، فتاريخياً تحدد المصادر التاريخية بناء النواة الأولى لمراكش سنة 1070 م من قبل المرابطين ، وهم مجموعة قبائل أمازيغية رحل أتت من الصحراء. وقد تطورت هذه المدينة تحت حكم السلطان يوسف بن تاشفين (1061م – 1107م) إلى حد كبير من نتائج التوسع المرابطي في افريقية والأندلس لتصبح المركز السياسي والثقافي للغرب الإسلامي.

بعد استتباب الأمر للموحدين عقب دخولهم المدينة سنة 1147م، اتخذوها عاصمة لحكمهم. وأنجزوا بها عدة معالم تاريخية لا زالت تشكل مفخرة عصرهم كصومعة الكتبية بمسجديها، الأسوار، الأبواب والحدائق إضافة إلى قنطرة على وادي تانسيفت ظلت تستعمل حتى عهد قريب. هكذا عرفت مراكش تحت حكم الموحدين إشعاعا كبيرا جعل منها مركزا ثقافيا واقتصاديا وسياسيا لا نظير له في الغرب الإسلامي.

أمام ضعف الموحدين استولى المرينيون القادمون من الشرق سنة 1269م على المدينة غير أنهم اتخذوا فاس عاصمة لهم لقرب هذه الأخيرة من موطنهم الأصلي مما أدى إلى تراجع مدينة مراكش وتحولها لمركز ثانوي. في سنة 1551م استعادت المدينة مكانتها كعاصمة للسعديين ( 1589م –1659م). فعلى عهدهم تم تشييد بنايات ومنشآت جديدة أهمها قصر البديع ومجمع المواسين ومدرسة ابن يوسف وقبور السعديين وعدد من السقايات.

تحت حكم العلويين، قام المولى رشيد بترميم مسجد بن صالح المريني، غير أن خلفه المولى إسماعيل أولى كل اهتمامه بعاصمة حكمه الجديدة مكناس. وقد عمل السلطان سيدي محمد على إعادة مراكش إلى مكانتها وذلك من خلال إنشاء أحياء ومعالم جديدة. ويمكن القول أن مراكش اتخذت شكلها النهائي إبتداءً من فترة حكم هذا السلطان، إذ اقتصرت المراحل القادمة على ترميم ما تم انجازه منذ العصر الوسيط. ونظراً لما تذخر به من إرث حضاري كبير، أصبحت مدينة مراكش قبلة للسياحة العالمية ومقرا للمؤتمرات الدولية ذات المستوى الرفيع، لتحتل بذلك مكانة خاصة في المغرب الحديث.

ومن اشهر معالمها صومعة (أي مئذنة) الكتبية، ويتوسط جامع الكتبية مدينة مراكش، بالقرب من ساحة جامع الفنا، وتسمية المسجد مشتقة من "الكتبيين"، وهو اسم سوق لبيع الكتب يعتقد أنه كان بمقربة من المسجد. لقد بني جامع الكتبية الأول من طرف الخليفة عبد المومن بن علي الكومي سنة 1147م على أنقاض قصر الحجر المرابطي الذي كشفت التنقيبات الأثرية على بناياته ومكوناته المعمارية.

أما المسجد الثاني فقد تم بناؤه في سنة 1158م، وهو يشبه من حيث الحجم البناية الأولى، وفيه قاعة للصلاة مستطيلة الشكل تضم سبعة عشر رواقاً موجهة بشكل عمودي نحو القبلة، تحملها أعمدة وأقواس متناسقة وتيجان فريدة تذكر بتلك التي نجدها بجامع القرويين بفاس. ويشكل التقاء رواق القبلة بقببه الخمسة والرواق المحوري تصميماً وفياً لخاصيات العمارة الدينية الموحدية التي كان لها بالغ التأثير في مختلف أرجاء الغرب الإسلامي. وصومعة الكتبية تشبه تماماً صومعة حسان في الرباط ، وتشبه تماماً صومة الخيرالدا (او الجيرالدا) في قرطبة في الأندلس باسبانيا، (وقد رأيت- أنا عمر- الثلاثة)..

ومن معالم مراكش الشهيرة- حتى يومنا هذا- ساحة جامع الفنا، التي تشكل فضاءً شعبياً للفرجة والترفيه، وتعتبر القلب النابض لمدينة مراكش حيث كانت وما زالت نقطة إلتقاء بين المدينة والقصبة المخزنية (الحكومية) والملاح، ومحجاً للزوار من كل أنحاء العالم للإستمتاع بمشاهدة عروض مشوقة لمروضي الأفاعي ورواة الأحاجي والقصص، والموسيقيين الى غير ذلك من مظاهر الفرجة الشعبية التي تختزل تراثا غنيا وفريدا كان من وراء ترتيب هذه الساحة تراثا شفويا إنسانيا من طرف منظمة اليونيسكو سنة 1997.

(انتهى ما جاء في موقع وزارة الثقافة)

وأثناء تجولنا في ساحة الفناء استدعاني أحد قارئي الكف ليقرأ لي الكف، فرفضت على أساس انه حرام وانه خزعبلات، وعلى أساس أنه سيأخذ أجراً عليه وانا في أمس الحاجة لكل درهم لأنني مقبل على دراسة وغربة ومجتمع وبلد جديد، وتحت الحاح الرجل مددت له يدي فقال كلاماً عادياً كما تقوله الوداعيات عندنا في السودان، كلام يمكن أن يحصل لكل شخص..

وحول ساحة الفناء توجد محلات لبيع عصير الليمون (البرتقال) الطازج، المغاربة يسمون البرتقال ليمون، والليمون حامض، المهم استمتعنا بشراب البرتقال الطبيعي (بدون اضافة ماء)، وحول الساحة ايضاً توجد المحلات التي تبيع المصنوعات المغربية التقليدية مثل التي ذكرناها في أغادير..

قضينا يومين في مراكش الرائعة جداً، واستمتعنا بجوها الصحراوي الدافئ، وناسها الطيبون ذوي الأصول البربرية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #13
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: سيف الدين عيسى مختار
Date: 04-23-2013, 02:33 PM
Parent: #12

الأخ الكريم عمر
سعدت كثيرا بهذا البوست، لا لأنني كنتت قد اقترحت عليك فتحه لوجاهة المذكرات التي يتضمنها، بل لأنني سأتمكن من متابعة الحلقات كلها، حتى تلك التي لم أتمكن من متابعتها في بوست (الى الذين تسللوا الى فاس).. وهي بحق تستحق بوستا منفردا.. وان كان لي من طلب أخير فهو أن تتمهل في اتنزال الحلقات ، يعني كل يوم حلقة واحدة، حتى نتمكن من قراءتها ، ويمكنك دمج الحلقات القصيرة خاصة تلك المتعلقة ببعضها البعض لتترك لنا مساحة للقراءة المتعمقة ومن ثم التعليق الذي قد يشكل اضاءات أو اضافات للموضوعات التي تتناولها، خاصة وان بعض المصطلحات أو المسميات قد تبدو غريبة لبعض القراء الذين لم يقدر لهم زيارة المغرب، فكثير من هذه المذكرات قد نجد أنفسنا فيها ومن ثم يمكننا اثراء المذكرات بالتعليق الذي آمل أن يكون متعلقا بالموضوع، وأود هنا أن اقدم استفسارا واحدا وبعض الاضاءات حول الحلقات الأولى من هذه المذكرات:
- في الحلقة الأولى ذكرت بأنك عرجت على ابن عمك محمد قيلي عبد الرحيم عليه رحمة الله تعالى، وقد لفت انتباهي اسم (قيلي) فربطت بين غلام الله وقيلي ، فاسم قيلي (ومعناه الأحمر بالنوبية) كان اسم أحد أبناء الشيخ غلام الله بن عابد، ذلكم العالم العابد، الذي كان أول من أدخل علم القراءات في السودان حين سكن دنقلا العجوز ومن أحفاده السادة الركابية وأولاد جابر الأربعة الذين كانوا أقطاب وركائز العلم في السودان، هل لهذه المسميات ارتباط بهذا العالم الجليل؟
- في الحلقة الثانية تحدثت عن الأزياء المغربية، الجلابة ذات القب، للنساء والرجال ، وهي أنواع ، فللرجال الجلابة البيضاء والسلهام وهو الذي يكون عادة من قماش ثقيل ثم الجبدور وهو قميص يشبه القميص الباكستاني يلبس تحت السلهام وخاصة للعرسان، أما البلغة وهي حذاء تقليدي ، وسميت البلغة لأنها تبلغ الانسان الى ما يبتغي، وفي العرف المغربي اذا أحدهم الى الآخر بلغة فكأنه تمنى له بأن يبلغ كل مقاصده كما يقول الدكتور عبد الهادي التازي، والبلغة النسائية تسمى (الشربيل) .. وكان المغاربة في الماضي لا ينادون النساء باسمائهن بل ينادونها ب(مولاة الشربيل) اي صاحبة الحذاء.
- في الحلقة الخاصة بالمسيرة الخضراء تذكرت ناس الغيوان وجيل جيلاله، وهما فرقتان ارتكزتا على التراث المغربي وجعلتا الغناء مرتبطا بحياة الناس ومتنفسا حقيقيا، فأغنية الساقية الحمراء لفرقة جيل جيلاله التي تأسست عام 1972م على يد كل من (محمد الدرهم ومولاي الطاهر الأصبهاني وعبد العزيز الطاهري وعبد الكريم) ظلت حية لعقود من الزمان لكلماتها البسيطة ولحنها الصاخب وايقاعاتها الجهيرة .
- الطريق من فاس الى مراكش كان يستغرق في السابق حوالى عشر ساعات عبر افران وخنيفرة وقلعة السراغنة ، أول مرة زرت فيها مراكس عام 1980م توقفت طويلا عند مدخل المدينة الشمالي ، أسوار من الطوب الأخضر وبداخلها اشجار النخيل الباسقة، خيل الى كأنني داخل الى دنقلا من مراغة وأقجة، نفس المنظر ونفس الجو الصحرائي ، لكن ما أن تتوغل في مراكش الا وتشعر بأنك في عالم آخر، جميع الطقوس والموسيقي الخماسية الصاحبة .. مركش هي المدخل الحقيقي للصحراء
-
شكرا أخي عمر على هذا الجمال
سيف الدين عيسى مختار

Post: #14
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-23-2013, 03:38 PM
Parent: #13

Quote: الأخ الكريم عمر
سعدت كثيرا بهذا البوست، لا لأنني كنتت قد اقترحت عليك فتحه لوجاهة المذكرات التي يتضمنها، بل لأنني سأتمكن من متابعة الحلقات كلها، حتى تلك التي لم أتمكن من متابعتها في بوست (الى الذين تسللوا الى فاس).. وهي بحق تستحق بوستا منفردا.. وان كان لي من طلب أخير فهو أن تتمهل في اتنزال الحلقات ، يعني كل يوم حلقة واحدة، حتى نتمكن من قراءتها ، ويمكنك دمج الحلقات القصيرة خاصة تلك المتعلقة ببعضها البعض لتترك لنا مساحة للقراءة المتعمقة ومن ثم التعليق الذي قد يشكل اضاءات أو اضافات للموضوعات التي تتناولها، خاصة وان بعض المصطلحات أو المسميات قد تبدو غريبة لبعض القراء الذين لم يقدر لهم زيارة المغرب، فكثير من هذه المذكرات قد نجد أنفسنا فيها ومن ثم يمكننا اثراء المذكرات بالتعليق الذي آمل أن يكون متعلقا بالموضوع، وأود هنا أن اقدم استفسارا واحدا وبعض الاضاءات حول الحلقات الأولى من هذه المذكرات:
- في الحلقة الأولى ذكرت بأنك عرجت على ابن عمك محمد قيلي عبد الرحيم عليه رحمة الله تعالى، وقد لفت انتباهي اسم (قيلي) فربطت بين غلام الله وقيلي ، فاسم قيلي (ومعناه الأحمر بالنوبية) كان اسم أحد أبناء الشيخ غلام الله بن عابد، ذلكم العالم العابد، الذي كان أول من أدخل علم القراءات في السودان حين سكن دنقلا العجوز ومن أحفاده السادة الركابية وأولاد جابر الأربعة الذين كانوا أقطاب وركائز العلم في السودان، هل لهذه المسميات ارتباط بهذا العالم الجليل؟
- في الحلقة الثانية تحدثت عن الأزياء المغربية، الجلابة ذات القب، للنساء والرجال ، وهي أنواع ، فللرجال الجلابة البيضاء والسلهام وهو الذي يكون عادة من قماش ثقيل ثم الجبدور وهو قميص يشبه القميص الباكستاني يلبس تحت السلهام وخاصة للعرسان، أما البلغة وهي حذاء تقليدي ، وسميت البلغة لأنها تبلغ الانسان الى ما يبتغي، وفي العرف المغربي اذا أحدهم الى الآخر بلغة فكأنه تمنى له بأن يبلغ كل مقاصده كما يقول الدكتور عبد الهادي التازي، والبلغة النسائية تسمى (الشربيل) .. وكان المغاربة في الماضي لا ينادون النساء باسمائهن بل ينادونها ب(مولاة الشربيل) اي صاحبة الحذاء.
- في الحلقة الخاصة بالمسيرة الخضراء تذكرت ناس الغيوان وجيل جيلاله، وهما فرقتان ارتكزتا على التراث المغربي وجعلتا الغناء مرتبطا بحياة الناس ومتنفسا حقيقيا، فأغنية الساقية الحمراء لفرقة جيل جيلاله التي تأسست عام 1972م على يد كل من (محمد الدرهم ومولاي الطاهر الأصبهاني وعبد العزيز الطاهري وعبد الكريم) ظلت حية لعقود من الزمان لكلماتها البسيطة ولحنها الصاخب وايقاعاتها الجهيرة .
- الطريق من فاس الى مراكش كان يستغرق في السابق حوالى عشر ساعات عبر افران وخنيفرة وقلعة السراغنة ، أول مرة زرت فيها مراكس عام 1980م توقفت طويلا عند مدخل المدينة الشمالي ، أسوار من الطوب الأخضر وبداخلها اشجار النخيل الباسقة، خيل الى كأنني داخل الى دنقلا من مراغة وأقجة، نفس المنظر ونفس الجو الصحرائي ، لكن ما أن تتوغل في مراكش الا وتشعر بأنك في عالم آخر، جميع الطقوس والموسيقي الخماسية الصاحبة .. مركش هي المدخل الحقيقي للصحراء
-
شكرا أخي عمر على هذا الجمال
سيف الدين عيسى مختار


العزيز سيف الدين
بل شكراً لك انت على هذا الجمال والمعلومات التوثيقية الهامة التي اتحفت بها البوست
وشكراً لك أن كان سبب هذا البوست اقتراحك في بوست العزيز احمد محيي الدين

أما اسم قيلي وغلام الله فهما فعلاً ما تقصده.. فجدي هو جد الركابية.. غلام الله بن عايد المقبول، وإليك فقرة من مقال سبق ونشرته في جريدة الخرطوم، وفي الفضاء الإسفيري:

(أما داخل السودان فان أحفاد الشيخ غلام الله يعرفون بالركابية نسبة إلى ركاب بن غلام الله، وأبناء رباط بن غلام الله أيضا يسمون بالركابية وهم منتشرون في كل أنحاء السودان شرقه وغربه وشماله ووسطه ودائما هم منشئو الخلاوي والمساجد لتدريس القرآن والفقه ، وقد اشتهر منهم علماء أجلاء منهم جبر الله بن عون بن سليم بن رباط وأخوه جابر وأولاد جابر الأربعة: ابراهيم البولاد وإسماعيل الولي المدفون بالأبيض بكردفان وعبد الرحيم وعبد الرحمن وابنه إدريس وحمد بن حسن أبو حليمة المدفون بقرية أبو حليمة شمال مدينة الخرطوم بحري وحبيب نسي الركابي المدفون بقشابي بالمديرية الشمالية وحسن ود بليل الركابي المدفون بقرية الركابية بالمديرية الشمالية ودوليب ود نسي وابنه محمد ومنهم صغيرون (أمه فاطمة بنت جابر أبو المشايخ الأربعة) ، قش بن سدر والشيخ الهميم الذي تتلمذ على يدي الشيخ تاج الدين البهاري الذي قال: التلميذ بيكوس للشيخ، الشيخ ما بيطلب التلميذ، أنا جيت من بغداد لأجل هذا الولد، ومنهم محمد الحاج نور ومحمد قيلي المدفون بقشابي بالمديرية الشمالية.)

وإليك رابط المقال الذي رأيت أنه طويل لا يتسع المجال لإنزاله كاملاً هنا (المداخلة رقم 10):

http://www.wadmadani.com/vb/showthread.php?t=18969

شكرا على المعلومات الثرة التي أدليت بها هنا عن الزي المغربي، وعلى سرد الذكريات لزيارة مراكش وتشبيهك لها بالشمالية في السودان.. وقد صدقت فأنا أيضاً قد رأيت كلاهما وعجبت للتشابه بينهما
بالنسبة لإنزال الحلقات كل يوم حلقة فسأفعل.. رغم انني كنت قد نويت إنزال حلقتين في كل يوم لكي استطيع اللحاق ببقية المواقع التي أنشر فيها تلك السلسله.. لكن دمج الحلقات الصغيره- حسب اقتراحك- هو الذي سيساعد في ذلك.. يشرفني متابعتك لما أكتب..

Post: #15
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-24-2013, 02:39 PM
Parent: #14


الحلقة الخامسة

بني ملال

.. نواصل..

أذكر أن الحافلات المخصصة لنقلنا من مراكش الى بني ملال كانت قد اصطفت أمام استقبال الفندق، بينما كان بعضنا لم يكمل إفطاره بعد.. ولاحظت من شباك غرفتي أن شرطي المرور الذي يقف في الدوار قد أوقف حركة المرور حيث مد يده في شكل أفقي بطريقة تشريفية مراسمية ليسمح لحافلات الوفد بالمرور، ويبدو أنه قد رأى الحافلة الأولى تكاد تتحرك من أمام استقبال الفندق لذلك أوقف المرور ليسمح لها ولبقية الحافلات بالمرور بينما السيارات الأخرى تنتظر يده لتنخفض فتمر-رغم أن الحافلات بما فيها الحافلة الأولى ما زالت داخل فناء الفندق-إلا أن ذلك طال لدرجة أشفقت على شرطي المرور من تلك الوقفة المؤلمة، وعلى سائقي السيارات الذين تعطلوا في هذا المكان بينما زملائي أعضاء الوفد خاصة الشباب منهم يفطرون ويلبسون في غرفهم داخل الفندق.. ولكن يبدو أن الشرطي متعود على مثل ذلك وكذلك سائقي السيارات المنتظرين.. إنها المغرب.. بلاد البروتوكول والتشريفات..

ثم تحركت بنا الحافلات السياحية الفخمة من مدينة مراكش صوب مدينة بني ملال التي تقع شرق الدار البيضاء على بعد 200 كم تقريبا، وهي مدينة زراعية ويحدها من الشرق جبال الاطلس، حيث استضافنا عاملها (محافظها)، وقدم لنا وجبة مغربية رائعة، حملان مشويه بكاملها، ودجاج يعوم في زيت الزيتون، وعلى ما أذكر أن عامل أغادير قد استضافنا هو الآخر، وأذكر ان اول كلمة مغربية طرقت أذني ولم افهمها وقتها هي كلمة (صافي)، وكان ذلك عندما صب لنا المغربي الماء من ابريق (مزخرف) لنغسل إيادينا، وهو يمسك باليد الأخرى ماعون- مزخرف أيضاً- أشبه بالطشت الصغير، ولكنه مغطى بغطاء مخرم حيث ينزل ماء الغسيل في الإناء السفلي ويختفي تحت الغطاء العلوي المخرم، المهم عندما غسل لنا ذلك المغربي أيادينا قال لنا (صافي؟) فهمناها فيما بعد بأنها (خلاص؟) اي (كفاية؟)..

بعد الغداء مع عامل اقليم بني ملال الزراعي الجميل، صعدت بنا الحافلات الى قمة جبل، وكان الصعود في شكل حلزوني، وقد ذكرني جبل الهدا- فيما بعد عندما زرته في طريقنا الى مدينة الطائف بذلك الجبل في بني ملال- حيث (عين السردون) وهي عين ماء تنبع من الجبل، وهي شديدة الإنحدار لذا أنشئت لها شلالات صناعية لتخفف شدة الإنحدار، والعين شديدة البرودة، وتنحدر من الجبل لتسقي الحقول في السهل المنبسط أسفل الجبل، وفي القمة وجدنا خيمة كبيرة مجهزة لنا.. كان منظراً رائعاً وانت تطل من أعلى القمة الى الحقول تحتك وكأنك تنظر إليها من الطائرة..

ثم هبطنا الى سفح الجبل بنفس الطريقة الحلزونية عبر ذلك الطريق الجبلي، وفي مخيلتنا تلك المناظر الخلابة التي رأيناها من عل، وتلك الجلسة المنعشة الجميلة التي احتسينا فيها الشاي الأخضر بالنعناع- وهو المشروب الشعبي في المغرب، هو والقهوة بالحليب، فالشاي الأخضر يشرب أثناء الوجبات، والقهوة بالحليب تشرب مع الفطور، والفطور غالباً كرواسه (هلاليه) او خبز بالزبده والمربى، وقبل أن انسى كان الطلاب المغاربة (زملاءنا فيما بعد) يرددون دائماً: يا شارب الشاي بلا نعناع ضيعت حقك بلا نزاع.. والنعناع يوجد في اي ركن، وفي اي بقالة، او براكه (والبراكه هي مثل الكشك الصغير، وهي مصنوعة من الخشب، وتوجد دائماً في المناطق ذات العمران الجديد حيث لا يكون هناك بقالة قريبة او سوق، او توجد حول الأحياء الجامعية الطرفية ويباع فيها الضروري من السلع).. ولأهمية النعناع سمعنا وقتذاك أن البرلمان المغربي ناقش موضوع تأميم زراعة النعناع!!

من معالم بني ملال الأثرية قصبة تادلة وقنطرة واد أم الربيع، وموقع الزياتين..

ما أجمل الطبيعة هناك

وانتهت زيارتنا الى اقليم بني ملال سريعاً، ومنها توجهنا الى اقليم (الجديدة) قرب الدار البيضاء..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #16
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-25-2013, 07:05 PM
Parent: #15

الحلقة السادسة

إقليم الجديدة

.. نواصل..

ركبنا الحافلات السياحية من بني ملال الخضراء باتجاه مدينة الجديدة، وقبل الخوض في تفاصيل رحلتنا اليها، أسوق اليكم نبذة عنها منقولة من موقع وزارة الثقافة المغربية..

"مازاكان" كانت عبارة عن قصبة صغيرة برتغالية تم احداثها سنة 1514. التصميم الأول لهذه القصبة كان للأخوين " فوانسيسكو ودييكو دوارودا" وهما مهندسان يتمتعان بشهرة كبيرة نظرا لإنجازاتهما سواء في البرتغال أو في المدن المغربية المحتلة. تم توسيع " مازاكان" سنة 1541 من طرف البرتغال خصوصا بعد انسحابهم من أغادير وآسفي وأزمور. كما تم وضع تصميم نهائي لها من طرف مهندس إيطالي يعمل لحساب البرتغال معروف بنمط معماري خاص به استعمله في دول أخرى كما هو الشأن في مازاكان.

مع توسيع هذه القصبة، عرفت هذه الأخيرة نموا حضاريا مهما وهكذا تم بناء عدة منازل وبنايات مدنية وعسكرية خصوصا بين 1541 و 1548. عمر البرتغاليون مدة 267 سنة تقريبا تخللتها حروب وفترات هدنة وعدة علاقات حضارية مع المغاربة، حتى مجيء السلطان محمد بن عبد الله (1790-1757) حيث حاصر مازاكان مدة شهرين اضطر معها البرتغال إلى الإنسحاب من المدينة. بعد استرجاع المغاربة لهذه المدينة بقيت خالية حوالي 50 سنة، عرفت خلالها بإسم "المهدومة". في سنة 1820، أمر السلطان عبد الرحمان " باشا" المنطقة بإعادة بناء المنازل المهجورة، وبناء مسجد وإعادة تعمير المدينة الجديدة.
وبالرغم من محاولة إضفاء طابع إسلامي على المدينة وذلك من خلال بناء المسجد إلا أن المدينة حافظت على بعض مميزات الماضي البرتغالي بما في ذلك أماكن العبادة والصلاة.

تصميم قصبة الجديدة يشبه تصاميم قصر chambord في فرنسا وقصر Evoramonte بالبرتغال. القصبة البرتغالية كانت محاطة بسور يعزلها عن باقي المدينة وتصميمها هو على شكل نجمة رباعية الشكل. هذه الخصائص المعمارية تذكر بهندسة بداية العهد الحديث والمتميز بظهور الأسلحة النارية.

(انتهى ما جاء في نبذة موقع وزارة الثقافة المغربية)

دخلنا هذه المدينة القديمة الجديدة، ونزلنا في فندق يشبه ذلك الفندق الذي في مراكش، حيث ان غرفه تمتد افقياً وليس رأسياً، وقد لبينا دعوة عامل الجديدة (واليها) على الغداء، وكالمعتاد كان الكرم المغربي سيد الموقف، بقينا يومين في هذه المدينة الصغيرة التي تبعد حوالي 200 كيلومتر من الدار البيضاء،

لم تسجل ذاكرتي اشياء اخرى في مدينة الجديدة، لذلك سأنتقل مع الوفد الى مدينة الدار البيضاء، وإذا تذكرت شيئاً فيما بعد سأوافيكم به..

الى اللقاء في الدار البيضاء (كازبلانكا)..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #17
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-26-2013, 10:12 PM
Parent: #16


الحلقة السابعة

Casablanca

.. نواصل ..

الدار البيضاء

وهي كلمة برتغالية اطلقها عليها البرتغاليون، وأسوق إليكم بعض المعلومات عنها مستقاة من ويكيبيديا (وقد قمت ببعض التعديلات، مع ملاحظة أن تعداد السكان المذكور أشك في صحته):

الدار البيضاء هي العاصمة الاقتصادية للمغرب، وهي تقع على بعد حوالي 95 كم جنوب العاصمة الإدارية الرباط ويبلغ عدد سكانها حوالي 4 ملايين نسمة حسب آخر إحصاء للسكان (2004 م)، وتعتبر القلب النابض للإقتصاد المغربي، فهي تحتوي على معظم الصناعات والوحدات الصناعية.

المدينة القديمة (أي الدار البيضاء القديمة)
كانت عبارة عن مجموعة من الأسوار تحيط بمدينة الدر البيضاء القديمة لم يتبق منها إلا جزء يحد الساحل على مسافة كيلومتر وسط المدينة، فقد تهدم جزء منها إثر زلزال سنة 1755م. والمدينة القديمة المسلمة، الواقعة بمحاذاة الشاطئ، تضم الآثار الأكثر قدما بالمدينة مثل حي القناصلة الذي كانت تتواجد به القوى الأجنبية،

أما وسط المدينة، فقد عرف تدفقا هائلا من الأوروبيين في القرن التاسع عشر وذلك نتيجة للرواج التجاري الذي عرفته المدينة، وقد شيد بها الفرنسيسكان كنيسة بزنقة طنجة سنة 1891.

الملاح: الحي اليهودي القديم، يوجد بالجهة المقابلة للساحل، ولم يكن محدودا كما كان عليه في عدة مدن مغربية أخرى، هدم جزء منه خلال سنوات الثلاثينات إثر تهيئة ساحة فرنسا (ساحة الأمم المتحدة حاليا)، وتم تشييد كنيس اليهود سنة 1938 بزنقة لاميسيون.

الاحياء الرئيسية بمدينة الدار البيضاء:
سباتة، 2 مارس ، عين الذئاب، عين الشق ، عين السبع، أنفا ، كارتييه مازولا ، وسط المدينة ، درب غلف ، درب سادي ، درب السلطان، الفداء ، درب ميلان ، العنق ، حي ليساسفة ، الحبوس ، الحي الحسني ، الحي المحمدي ، حي مولاي رشيد ، المعاريف (وسميت بها صحيفة معاريف الاسرائيلية)، مرسى السلطان ، سيدي البرنوصي ، سيدي مومن ، سيدي معروف ، سيدي عثمان ، حي الأسرة ، حي الصدري ، بين المدن.

كما أضيف نبذة عنها أيضاً من جريدة (المغرب اليوم)، وأيضاً قمت بتصحيحها:

يدللونها فيسميها المغاربة بـ"كازا"، كما يحلو أيضا لزوارها من خارج المغرب إطلاق ذلك الاسم نفسه عليها. "كازا"، هي إحدى عرائس المحيط الأطلسي، تبعد عن أوروبا بأقل من ساعتين وعن نيويورك بأمريكا بأقل من ثماني ساعات، وتعتبر في نفس الوقت بوابة الشمال أيضا، فهي العاصمة التجارية للمملكة المغربية حيث تضم المدينة حوالي 60 في المائة من الشركات العاملة في المغرب، ومنها تلك العاملة في قطاع تقنية المعلومات. إنها الدار البيضاء، هذه المدينة المغربية الشهيرة، والتي لها موقع خاص في قلب كل من زارها، علما بأنها تحتل كذلك تلك المكانة الخاصة في قلوب أبناء المغرب أنفسهم.

تقع الدار البيضاء، المعروفة في جميع أنحاء العالم باسم "كازابلانكا"، على سواحل شمال أفريقيا المطلة على المحيط الأطلسي، وهي تعد أكبر مدن المغرب بلا منازع، وتحفل المدينة بالكثير من فرص الترفيه والرياضة والاستجمام والتسوق والتجوال وتناول أشهى الأطعمة، وعلى الرغم من أن العربية هي اللغة الرسمية، إلا أن الجميع وفي كل مكان تقريبا يتحدثون الفرنسية أيضا، بينما يتحدث العاملون في الفنادق والمتاجر والشركات اللغات الإنجليزية والأسبانية أيضا.

وتحفل مدينة الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية للمغرب، بالميادين الحافلة بالحركة والحيوية والحدائق العامة والنوافير الجميلة والمباني التقليدية والحديثة، وهي مدينة بديعة تجتمع فيها الثقافة والتاريخ والهندسة المعمارية ضمن أسلوب فريد، ويهيمن على المدينة مسجد الحسن الثاني، بينما يتميز حي الحبوس في المدينة القديمة بساحاته المظللة وأزقته الضيقة وأسواقه الشعبية التي تعرض الهدايا التذكارية والمنتجات الحرفية العالية الجودة.

وتقع البلدة العربية القديمة في المنطقة الداخلية مقابل الميناء، وهي عبارة عن متاهة من الأزقة الضيقة والمنازل المصبوغة باللون الأبيض، وتعتبر فردوسا للمتوقين والباحثين عن المنتجات الفنية والحرفية المغربية الأصيلة.

أروع ما يمكن زيارته هي شواطئ الدار البيضاء الجميلة، حيث يمكن لك التوجه إلى الشرق من مركز المدينة حيث الكورنيش، وهي منطقة راقية تنتشر فيها الفنادق والمطاعم الفخمة، ويستطيع الذواقة الاستمتاع في هذه المنطقة بأشهى الأطعمة التي تمتزج فيها فنون الطهي المغربية والفرنسية.

شواطئ الدار البيضاء (البلاج)

أهم ما يميز مدينة كازابلانكا عن بقية المدن الأخرى أنها لا تتمتع بخليج طبيعي يصلح لإقامة ميناء، لهذا السبب تم بناء كاسر أمواج بطول ثلاثة كيلومترات لإقامة ميناء "مولاي يوسف" الذي يعد أكبر ميناء في المغرب والرابع على مستوى قارة أفريقيا.

وللاستمتاع بحياة الدار البيضاء الحقيقية، ننصح بمرافقة حشود الناس على الشواطئ وفي المقاهي والمطاعم والنوادي الليلية التي تجاور الكورنيش، كما يمكن الاكتفاء بالاسترخاء ومشاهدة العالم وهو يمر من أمامك.

أما المعلم الرئيسي بالمدينة البيضاء فهو مسجد الحسن الثاني، وهو من أكبر وأجمل المساجد في العالم، ويتسع لحوالي 25 ألف مصل، ويتضمن هذا المسجد الذي تم تدشينه عام 1993، متحفا وحمامات بخار ومكتبة ومدرسة لتعليم القرآن ومرافق للمؤتمرات، كما تنظم في الموقع طوال اليوم جولات وزيارات استطلاعية للزوار.

هناك كذلك المدينة القديمة، وهي المدينة العربية الأصيلة التي تقع داخل سور قديم وتضم طرقات ضيقة وبيوتا من الفخار الأبيض أو الحجر ومحلات كثيرة وبضائع متنوعة. وفي الجانب الآخر ستجد ميناء الدار البيضاء، وهو الأكبر والأكثر حركة في القارة الإفريقية، ويعج بكل أنواع السفن من ناقلات النفط وحتى السفن السياحية، وتكثر عند الميناء أيضا مراكب صيد السمك والمراكب الخاصة، ويحلو هناك زيارة مركز 2000 الكببر وهو مركز تجاري جذاب.

لكن ما ننصح به هو أن لا تنسى زيارة ميدان محمد الخامس، وهو عبارة عن ساحة في قلب المدينة، تزينها مبان على الطراز المعماري الفرنسي وتضم مكاتب حكومية وعامة وتتوسطها نافورة ماء تنثر المياه الملونة في كل صوب على أنغام موسيقى ساحرة ووسط أسراب من الحمام الأبيض.

أما المدينة الجديدة فتقع في جنوب الدار البيضاء، وتعرف باسم حي الحبوس أو منطقة القديسين، وقد بناها الفرنسيون في محاولة لحل مشاكل السكن في الثلاثينات، ومع اختلاط الهندسة العربية التقليدية بالتخطيط الحديث ازدادت المدينة جمالاً بازدياد الأشكال والألوان والأنوار.

شنو ليكم كازابلانكا يا شباب ?

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #18
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-26-2013, 10:15 PM
Parent: #16


الحلقة الثامنة

.. نواصل ..

دخلنا الدار البيضاء

تحركت بنا الحافلات باتجاه الدار البيضاء.. وبعد مدة من الزمن لمح أحدنا من على البعد مدينة عملاقة ذات عمارات عالية وكثيرة وكلها بيضاء اللون، يبدو أننا قد اقتربنا من الدار البيضاء.. لم أشاهد من قبل مدينة بهذه الضخامة وذات مبانٍ عاليه ومتراصة، فأكبر مدينة رأيتها هي الخرطوم، وأما القاهرة فقد وصلنا مطارها ليلاً وغادرناها ليلاً، ولم نترك مقاعدنا في الطائرة.. لقد أذهلتنا هذه المدينة العملاقة، ولفت نظرنا لون مبانيها الأبيض، وقد علمنا فيما بعد أن هناك الزام من البلدية بأن يطلي كل صاحب عماره او بيت منزله من الخارج باللون الأبيض، ولا أدري هل تسميتها بالدار البيضاء هو الذي جعلهم يصرون على اللون الأبيض؟ أم أن تقليد طلاء البيوت باللون الأبيض هو الذي أعطاها هذا الإسم؟ ولو تذكرون في مدينة مراكش كل المباني مطلية باللون البني المائل للإحمرار، لذلك يسميها البعض (مراكش الحمراء)..

دخلنا الدار البيضاء فوجدناها نظيفة منظمة تزدان بحدائق خضراء وأشجار الزيتون تزين جوانب شوارعها، وكذلك أشجار الحمضيات، فترى اليوسفي البرتقالي اللون يتدلى من الأشجار فيعطي منظراً جميلاً (فيما بعد خبرنا وتذوقنا هذا اليوسفي فوجدنا طعمه حامض جداً لا يستساغ، لذا لا يحتاج لمنع خاص من الناس لكيلا يقطفونه من أشجاره- إلا لمثلنا المستجدين).. كذلك لاحظنا أن النجيلة تغطي كل المساحات غير المغطاة بالأسفلت او البلاط (الرصيف ما بين الشارع والبنايات من بلاط اسمنتي كبير الحجم)، والنجيلة ليست كالتي عندنا، بل هي غليظة كبيرة، وترتفع عدة بوصات فوق سطح الأرض، حتى لتظنها سجادة خضراء كثيفة..

وصلت الحافلات لوسط المدينة، فوجدنا عمارات فخمة ومحلات تجارية راقية، ولاحظنا أن في وسط شوارع متعددة متقاطعة قبة شبه زجاجية ملونة بألوان الطيف، والألوان في شكل مثلثات، هذه القبة في وسط التقاطعات، وتحتها يوجد ممر للمشاة تحت هذه الشوارع يربط ما بين المدينة القديمة وسوقها التقليدي (السويقة) وما بين شارع محمد الخامس التجاري الشهير، ويمنع عبور المشاة في هذه الشوارع، لذا يضطر المشاة الى النزول عبر الدرج الى تحت الأرض، وتحت الشوارع الرئيسية تلك، وتحت تلك القبة، ويمرون على نافورة وسط حوض من الماء، ولاحظنا ان في قاع الحوض عملة معدنية، عرفنا ان الناس- خاصة العشاق- تلقي بها (يبدو ان العادة مأخوذة من اوروبا، اذ لاحظت مثل ذلك في عدة مدن اوروبية)، ويعبر المشاة الى الجهة الأخرى..

وتوقفت بنا الحافلات أمام إحدى البنايات الفخمة في شارع محمد الخامس، وكانت البناية هي فندق (مرحبا) الفخم، حيث كان نزولنا..

كان فندق مرحبا مثل تلك الفنادق التي نزلنا فيها في اغادير ومراكش، من حيث الفخامة والنجوم الخمس، وكانت الغرف مريحة وجميلة..

بعد ايداع امتعتنا في الغرف نزلنا الى الشارع، حيث كان الفندق في وسط المدينة، وبقرب المدينة القديمة، فتجولنا في شارع محمد الخامس التجاري ذا المحلات الفخمة، وسكان الدار البيضاء كسكان المدن الكبيرة، غالب لبسهم الافرنجي خاصة البنات، فالزي الأوروبي هو السائد، مع وجود الزي المغربي الذي ذكرناه عندما تحدثنا عن اغادير، وغالبية الذين يلبسون الزي المغربي هم من كبار السن سواء رجال او نساء..

والذي لفت نظرنا اول خروجنا من الفندق رجال ينتشرون حول الفندق يروجون بضاعة من نوع آخر، بضاعة بشرية، ولقد شاهدنا بعضهن يصعدن مع بعض أعضاء وفدنا الى غرفهم.. اي كان هذا الشئ مسموحاً به في تلك الفنادق، لذا كان استغرابنا..

لاحظنا في (السويقة) أن الموسيقى المغربية التقليدية تصدح في كل ناحية، فأكشاك بيع الأشرطة تفتح مسجلاتها على أعلى صوت، فسمعنا أغاني في لحنها تشبه اللحن السوداني (فهمنا فيما بعد ان الموسيقى المغربية مثل السودانية تستعمل السلم الخماسي)، ولكن الكلمات غير مفهومة لنا، واتضح فيما بعد ان بعض تلك الأغاني كانت باللغة البربرية.. وهناك موسيقى حديثة وموسيقى شعبية، الأخيرة تغنيها فرق شعبية مثل (ناس الغيوان)، (جيل جيلاله)، (أزنزارن) ومعظم الفرق هذه هي بربرية، اما الموسيقى الحديثة فكان على رأسها وقتذاك عبد الوهاب الدوكالي وعبد الهادي بلخياط ونعيمة سميح وغيثة بن عبد السلام، وعزيزة جلال، وقد كانت سميره بن سعيد في أوائل ظهورها في تلك الفترة، واشتهرت بأغنية (وعدي يا وعدي) والتي ما زالت عالقة بذهني منذ ذلك الوقت بعض ابياتها:

وعدي يا وعدي
وعدي خدو مني قلبي ما بقالي حكم عليه
خدوه مني يمي ودوه.. حالي الله عالم بيه
اهرب.. امي يا الحبيبة
كيفاش نهرب ونداري كيفاش نهرب
وانا يمي مغلوبة

وترجمتها:
وأسفي ووأسفي
أسفي أخذو مني قلبي ولم يعد لي تحكم فيه
اخذوه مني يا أمي بعيداً وحالي الله عالم به
أهرب.. أمي يا الحبيبة
كيف أهرب وأداري
وأنا يا أمي مغلوبه

وحتى لا أنسى، فقد زارتنا سميره بن سعيد في كلية الحقوق بالرباط- فيما بعد- وهي اصلاً من مدينة الرباط، وعندما كنا نحن في الجامعة كانت هي في الثانوية..

ولو لاحظتم فإن اسم سميره بن سعيد وليس سميره بنت سعيد، كذلك غيثه بن عبد السلام، وليس غيثه بنت عبد السلام، إذ أن اسم الشخص يقرن بالإسم العائلي وليس باسم الأب كما هو لدينا في السودان وفي مصر، ف (بن سعيد) هو اسم عائلتها، وكذلك (بن عبد السلام)، وكل اسماء المغاربة تتكون فقط من اسمين: اسم العائله، واسم الشخص، وفي غير المشهورين لابد من أن يسبق اسم العائلة اسم الشخص، فلما سجلنا في الكلية فيما بعد (حاكيناهم) فكتبنا اسماءنا هكذا (غلام الله عمر)، ويبدو ان محاكاتنا لم تكن في محلها، فسرعان ما اضطررنا الى الرجوع الى اسمائنا بطريقتنا السودانية، لسبب بسيط، هو ان جوازات سفرنا كانت مكتوبة هكذا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #19
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-27-2013, 12:55 PM
Parent: #18

نواصل ..

الحلقة التاسعة

وصلنا رباط الفتح

لم نمكث في الدار البيضاء غير يوم واحد، إذ كان اليوم التالي هو العيد الوطني للمغرب، وكان الوفد السوداني ضيفاً على الاحتفال، فنقلتنا الحافلات الى الرباط، ولما تحركنا من امام فندق مرحبا اخترقنا مدينة الدار البيضاء، فأدركنا مدى ضخامة هذه المدينة، فنحن من شارع لشارع، ومن حي لحي، حتى خرجنا من العمران فوجدنا على جانبي الطريق المزارع الخضراء والقرى الصغيرة.. ولم تطل لحظات التأمل في تلك الطبيعة الساحرة، فقد لاحت لنا مدينة الرباط، او رباط الفتح، كما يحلو لي ان اسميها، وهي عاصمة المغرب الحديثة، إذ سبقتها كل من مراكش وفاس كعاصمتين سابقتين للمغرب..

وقبل أن أواصل سرد رحلتي لتلك المدينة التي أحببت، أسرد لكم نبذة عنها استقيتها من موقع وزارة الثقافة المغربية..

مدينة الرباط

يرجع تاريخ مدينة الرباط إلى فترات تاريخية مختلفة، إلا أن التأسيس الأولي للمدينة يعود إلى عهد المرابطين الذين أنشأوا رباطا محصنا، ذلك أن هاجس الأمن كان أقوى العوامل التي كانت وراء هذا الإختيار ليكون نقطة لتجمع المجاهدين، ورد الهجمات البورغواطية.

خلال العهد الموحدي عرفت المدينة إشعاعا تاريخيا وحضاريا، حيث تم تحويل الرباط (الحصن) على عهد عبد المومن الموحدي إلى قصبة محصنة لحماية جيوشه التي كانت تنطلق في حملات جهادية صوب الأندلس.

وفي عهد حفيده يعقوب المنصور، أراد أن يجعل من رباط الفتح عاصمة لدولته، وهكذا أمر بتحصينها بأسوار متينة، وشيد بها عدة بنايات من أشهرها مسجد حسان بصومعته الشامخة، وفي القرن الرابع عشر بدأت الرباط تعرف اضمحلالا بسبب المحاولات المتتالية للمرينيين للاستيلاء عليها، وإنشاؤهم لمقبرة ملكية بموقع شالة لخير دليل على ذلك.

وفي عهد السعديين 1609 سمح للمسلمين القادمين من الأندلس بالإقامة بالمدينة، فقاموا بتحصينها بأسوار منيعة والتي ما زالت تعرف بالسور الأندلسي. وفي هذا العهد تم توحيد العدوتين (مدينة الرباط وسلا) تحت حكم دويلة أبي رقراق، التي أنشأها الموريسكيون، ومنذ ذلك الحين اشتهر مجاهدوا القصبة بنشاطهم البحري، وعرفوا عند الأوربيين باسم "قراصنة سلا" وقد استمروا في جهادهم ضد البواخر الأوربية إلى غاية سنة 1829.

موقع شالة

ورد ذكر موقع شالة عند المؤرخين القدامى كمدينة صغيرة تقع على نهر يحمل اسم "سلا " والذي يطلق عليه حاليا اسم واد أبي رقراق، وفي العهد الإسلامي أصبحت هذه التسمية مقتصرة على المدينة الحديثة الواقعة على الضفة اليمنى للوادي أما الموقع فبدأ يحمل اسم شالة.

يرجع تاريخ "شالة" إلى القرن السابع أوالسادس قبل الميلاد، ويبدو أن المدينة قد ازدهرت تحت حكم الملوك الموريين خاصة خلال عهدي الملكين يوبا وابنه بطليموس، حيث جهزت بعدة بنايات عمومية جسد جلها التأثير الهليني والروماني، كما سكت نقودا تحمل اسمها. ابتداء من سنة 40 م شهدت المدينة تحولا جديدا تحت الحكم الروماني، حيث تميزت بتغيير في مكوناتها الحضرية بإنشاء الساحة العمومية والحمامات والمعبد الرئيسي وتحصينها بحائط متواصل امتد من الساحل الأطلسي إلى حدود وادي عكراش، وفي سنة 144م أحيطت المدينة بسور دفاعي، لتبقى خاضعة للاحتلال الروماني حتى أواخر القرن الرابع أو بداية القرن الخامس الميلادي.

ما زالت حدود المدينة القديمة غير معروفة، إذ لم يتم الكشف لحد الآن إلا عن الحي العمومي، هذا الأخير ينتظم بجانبي شارع رئيسي (الديكومانوس ماكسموس) مرصف ينتهي في جهته الشرقية بالساحة العمومية (الفوروم)، أما بشمال غرب الساحة فيتواجد معبد مكون من خمس مقصورات تبرز التأثيرالمعماري الموري، وقد كشفت الحفريات جنوب الديكومانوس عن حوض الحوريات ومخازن عمومية وحمامات، أما بشماله فقد ظهرت بقايا المعبد الرسمي (الكابتول) وهو بناية ضخمة بني جزء منها فوق صف من الدكاكين المقببة، فتعلو بذلك فضاءا واسعا يضم كلا من قوس النصر ودار العدالة التي لم يتبق منها إلا أجزاء من الواجهة الرئيسية.

بقيت شالة مهجورة منذ القرن الخامس حتى القرن العاشر الميلادي حيث تحول الموقع إلى رباط يتجمع فيه المجاهدون لمواجهة قبيلة برغواطة، لكن هذه المرحلة التاريخية تبقى غامضة إلى أن اتخذ السلطان المريني أبو يوسف يعقوب سنة 1284م من الموقع مقبرة لدفن ملوك وأعيان بني مرين حيث شيّد النواة الأولى لمجمع ضم مسجدا ودارا للوضوء وقبة دفنت بها زوجته أم العز.

حظيت شالة على عهد السلطان أبي الحسن باهتمام بالغ. أما ابنه السلطان أبو عنان فقد أتم المشروع، فبنى المدرسة شمال المسجد والحمام والنزالة وزين أضرحة أجداده بقبب مزخرفة تعتبر نموذجا حيا للفن المعماري المتميز لدولة بني مرين. تراجعت شالة مباشرة بعد قرار المرينيين بإعادة فتح مقبرة القلة بفاس، فأهملت بناياتها، بل وتعرضت في بداية القرن الخامس عشر الميلادي للنهب والتدمير لتحتفظ بقدسيتها العريقة وتعيش بفضل ذكريات تاريخها القديم على هامش مدينة رباط الفتح ، وتصبح تدريجيا مقبرة ومحجا لساكنة المنطقة، بل معلمة تاريخية متميزة تجتذب الأنظار.

في القرن الرابع عشر الميلادي (1339) أحيط الموقع بسور خماسي الأضلاع مدعم بعشرين برجا مربعا وثلاث بوابات أكبرها وأجملها زخرفة وعمارة الباب الرئيسي للموقع المقابل للسور الموحدي لرباط الفتح، أما داخل الموقع فقد تم تشييد أربع مجموعات معمارية مستقلة ومتكاملة تجسد كلها عظمة ومكانة مقبرة شالة على العهد المريني.

ففي الزاوية الغربية للموقع ترتفع بقايا النزالة التي كانت تأوي الحجاج والزوار، وفي الجزء السفلي تنتصب بقايا المقبرة المرينية المعروفة بالخلوة، والتي تضم مسجدا ومجموعة من القبب أهمها قبة السلطان أبي الحسن وزوجته شمس الضحى، والمدرسة التي تبقى منارتها المكسوة بزخرفة هندسية متشابكة ومتكاملة وزليجها المتقن الصنع نموذجا أصيلا للعمارة المغربية في القرن الرابع العاشر.

في الجهة الجنوبية الشرقية للموقع يوجد الحمّام المتميز بقببه النصف دائرية، التي تحتضن أربع قاعات متوازية: الأولى لخلع الملابس والثانية باردة والثالثة دافئة و الرابعة اكثر سخونة.

أما حوض النون، فيقع في الجهة الجنوبية الغربية للخلوة وقد كان في الأصل قاعة للوضوء لمسجد أبي يوسف، وقد نسجت حوله الذاكرة الشعبية خرافات وأساطير جعلت منه مزارا لفئة عريضة من ساكنة الرباط ونواحيها.

السور الموحدي

شيّد هذا السور من طرف السلطان يعقوب المنصور الموحدي، حيث يبلغ طوله 2263م، وهو يمتد من الغرب حتى جنوب مدينة الرباط، ويبلغ عرضه 2.5م وعلوه 10 أمتار وهذا السور مدعم ب 74 برجا، كما تتخلله 5 أبواب ضخمة (باب لعلو، باب الحد، باب الرواح، وباب زعير).

السور الأندلسي شيد على عهد السعديين من طرف المورسكيين، يقع على بعد21م تقريبا جنوب باب الحد، ليمتد شرقا إلى برج سيدي مخلوف، وهو يمتد على طول 2400م. وقد تم هدم جزء من هذا السور 110م بما فيه باب التبن، والذي يعتبر الباب الثالث لهذا السور مع باب لبويبة وباب شالة، وهو على غرار السور الموحدي مدعم بعدة أبراج مستطيلة الشكل تقريبا، ويبلغ عددها 26 برجا، وتبلغ المسافة بين كل برج 35 مترا.

قصبة الأوداية

كانت الأوداية في الأصل قلعة محصنة، تم تشييدها من طرف المرابطين لمحاربة قبائل برغواطية، ازدادت أهميتها في عهد الموحدين، الذين جعلوا منها رباطا على مصب وادي أبي رقراق، وأطلقوا عليها إسم المهدية. بعد الموحدين أصبحت مهملة إلى أن استوطنها الموريسكيون الذين جاءوا من الأندلس، فأعادوا إليها الحياة بتدعيمها بأسوار محصنة.

وفي عهد العلويين عرفت قصبة الأوداية عدة تغييرات وإصلاحات ما بين ســــــــنة (1757-1789)، وكذلك ما بين سنة (1790 و 1792). وقد عرف هذا الموقع تاريخا متنوعا ومتميزا، يتجلى خصوصا في المباني التي تتكون منها قصبة الأوداية، فسورها الموحدي وبابها الأثري (الباب الكبير) يعتبران من رموز الفن المعماري الموحدي، بالإضافة إلى مسجدها المعروف بالجامع العتيق، أما المنشآت العلوية فتتجلى في الأسوار الرشيدية، والقصر الأميري الذي يقع غربا، وكذلك منشآتها العسكرية: برج صقالة.

مسجد حسان

يعد واحدا من بين المباني التاريخية المتميزة بمدينة الرباط التي تقع عليها عين الزائر، شيد من طرف السلطان يعقوب المنصور الموحدي، كان يعتبر من أكبر المساجد في عهده، لكن هذا المشروع الطموح توقف بعد وفاته سنة 1199، كما تعرض للاندثار بسبب الزلزال الذي ضربه سنة 1755م، وتشهد آثاره على مدى ضخامة البناية الأصلية للمسجد، حيث يصل طوله 180 مترا وعرضه 140 مترا، كما تشهد الصومعة التي تعد إحدى الشقيقات الثلاث لصومعة الكتبية بمراكش والخيرالدا بإشبيلية على وجود المسجد وضخامته، والصومعة مربعة الشكل تقف شامخة حيث يصل علوها 44 مترا، ولها مطلع داخلي ملتو، يؤدي إلى أعلى الصومعة ويمر على ست غرف تشكل طبقات، وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر المنحوت، وذلك على النمط الأندلسي المغربي من القرن الثاني عشر.


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #20
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 04-27-2013, 02:40 PM
Parent: #19

العزيز/ مادنقو
متابعين مغاك الرحله ننن ولكن انزل لك الصور حتي تتم المتعه بمشاهده الصور لتلك الاماكن التاريخيه بالمغرب ويتيسر الاستيعاب للقارئ


صوره تمثل صومعه حسان

صوره لسور الاودايه بالرباط

Post: #21
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عباس الدسيس
Date: 04-27-2013, 02:45 PM
Parent: #20

الاديب الاستاذ عمر غلام الله
تشهي الزول الرحلات بالسرد الممتع السهل
وتخليهو اساسك ما إلاحق في المتابعة للمفترع الجميل
متابعين يا حبيبنا

Post: #24
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-27-2013, 05:46 PM
Parent: #21


Quote:
الاديب الاستاذ عمر غلام الله
تشهي الزول الرحلات بالسرد الممتع السهل
وتخليهو اساسك ما إلاحق في المتابعة للمفترع الجميل
متابعين يا حبيبنا

يا عبس

شكرا على المرور المقدر

ومتابعتك تسعدني

خليك قريب دائماً

Post: #22
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-27-2013, 03:58 PM
Parent: #20


تسلم اخي العزيز احمد محيي الدين

وتشكر على الصور الجميلة

Post: #23
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عزيز عيسى
Date: 04-27-2013, 05:05 PM
Parent: #22

أستاذي الأديب عمر حسن غلام الله،

متعك الله بالصحة والعافية.

Quote: وبما أن مدرسة شدو كانت تبعد عن منزلنا خمس خطوات، فقد ذهبت الى مديرها وصاحبها المرحوم عباس شدو عليه رحمة الله (ترحموا عليه جزاكم الله كل خير)،


رحم الله أستاذي عباس شدو ناظر مدرسة شدو..
نسأل الله أن يجزيه عنا خير الجزاء بقدر ما قدمه من جهد في سبيل العلم والمعرفة.

لقد درست الثانوية العامة بمدرسة شدو وخلال عام 1975م كنت طالباً بها.

سرد جميل ورائع وتوثيق جميل لرحلاتك وحتماً سيستفيد الكثير من هذه التجارب.

واصل وسنكون بالقرب ونتابع.

تسلم يا جميل.

Post: #25
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-28-2013, 09:52 AM
Parent: #23

تلميذي النجيب عزيز عيسى

ياخي زعلتني!

التلميذ بيتذكر استاذو.. اكتر مما الأستاذ يتذكر تلميذو

ما دمت درست في مدرسة شدو في العام 1975م فحتماً أكون درّستك.. فلو كنت في اولى اكون درستك اللغة العربية، ولو كنت في ثانية أكون درستك التاريخ، ولو كنت في ثالثة اكون درستك الإنجليزي..

كيف ما تتذكرني؟

أنا بتذكر تلاميذي اللي درستهم في شدو من حي 114، مثل الريح يوسف، محمد احمد، ميسره، ومن الأساتذة أولاد 114 كان استاذ الهادي السباك.. وكمان صاحبة البوفيه جارتنا عائشه..

طبعاً انتم تذكرون استاذ ياسين ذلك الرجل الطيب الذي عمل في المدرسة منذ إنشائها وحتى إغلاقها.. وأذكر استاذ العمده من المدنيين او العشير او القسم الأول، وأستاذ عبد القيوم الذي كان فني معمل عندما كنا تلاميذ في مدرسة مدني الأهلية أ وكان زميلي في شدو كأستاذ للعلوم..
وأذكر في السنة الثانية كان تلميذي محمد عباس شدو.. طبعاً يوسف عباس شدو دفعتي

Post: #26
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-28-2013, 11:09 AM
Parent: #25

الحلقة العاشرة

.. نواصل ..

احتفالات المغرب بعيد الإستقلال

توقفت بنا الحافلات في شارع حسان، أمام سور عتيق ضخم، هو أحد أسوار مدينة الرباط القديمة، وقد أغلقوا الشارع ونصبوا مقراً للاحتفالات، وتم توزيعنا على المقاعد، وجلسنا عليها، وكنا نقرأ في أعلى مساند المقاعد التي حولنا لوحات ورقية صغيرة مكتوب عليها (الوزير الفلاني، سفير كذا)، أي أجلسونا في منصة كبار الزوار، ووزعوا علينا كتيبات عن الاحتفال وبرنامجه، وكان من يوزعها فتيات أشبه ما يكن بمضيفات الطيران، وربما كن اكثر اناقة وجمالاً من أولئك.. يبدو أنهن مضيفات تابعات للمراسم الملكية او شئ من هذا القبيل..

وأثناء جلوسنا كانت كل عدة دقائق تتوقف سيارة مرسيدس سوداء فارهة أو سيارة ستروين كبيرة رمادية (جميع السيارات التي أنزلت السفراء كانت من هذين النوعين فقط)، ويرفرف عليها علم دولة، فينزل السفير فيستقبله المستقبلون ويجلسونه في مكانه المخصص له.. ثم جاء طفلان أحدهما حوالي عشر سنوات والآخر حوالي ست سنوات، وهبطا من سيارة فارهة، واصطف ضباط كبار، أعلى رتب (يبدو أنهم قيادات الجيش والشرطة) يسلمون على هذين الصبيين، وكانا يقبلان أيديهما.. إنهما مولاي محمد (ملك المغرب الحالي) ومولاي رشيد ابناء الحسن الثاني ملك المغرب عليه رحمة الله- أرجو ان تترحموا معي عليه- ثم بعد تحيتهم جلسا في مكانهما المخصص لهما، وأخيراً وصل الملك الحسن الثاني، وأُلقيت الكلمات، وكانت هذه أول - وآخر- مره أرى فيها الملك الحسن الثاني والملك محمد السادس والأمير رشيد..

وعشان ما أنسى سأذكر لكم شيئاً حدث لي فيما بعد له علاقة برؤية الملك، فبينما نحن ندرس في كلية الحقوق بالرباط، وكنا نأتي من الحي الجامعي بالحافلات، وننزل منها لنعبر الشارع الرئيسي الى مدخل الكلية، فلاحظنا ذات يوم ان حركة المرور توقفت في هذا الشارع، فلم نعد نرى سيارات تعبره، كذلك كنا نرى جنوداً على جانبي الطريق، بين كل جندي وآخر حوالي عشرة أمتار، واستمر ذلك لمدة ثلاثة ايام، وفي اليوم الثالث، وفي حوالي الساعة الثانية ظهراً هبطت من الحافلة وتوجهت نحو الكلية، ولكن لم استطع عبور الشارع، إذ منعني الجنود، فوقفت، وبعد مدة من الزمن ظهرت سيارات الشرطة من بعيد، بأصوات ابواقها (التي تسمى في السعودية الونان، ولا أعرف في السودانية اسم لها) فسألت إحدى الطالبات وكانت تقف بجواري تنتظر السماح لها بالمرور الى الكلية، سألتها ماذا يحدث فقالت لي ان الملك يعبر من هذا الطريق، فقلت فرصة لعلي أرى الملك عن قرب (كان ذلك بعد عامين تقريباً من وصولي للمغرب)،

فركزت بصري على الجهة التي تأتي منها اصوات سيارات الشرطة ومواترها، فظهرت من على البعد، فأردت تبين من بداخل سيارة الملك، فلم استطع، ليس لأن الزجاج مظلل، بل لأنني لم أر السيارة نفسها، هل تصدقون؟ ربما لو مر سهم انطلق من قوسه لرأيته، ولكن سيارة الملك لم أر إلا شيئاً يظهر ثم يختفي كلمح البصر، وفي ثواني- ثواني مين ياعم، ديل أجزاء من الثانية- كان الموكب قد اختفى عن انظارنا تماماً، وفي الثواني التالية انصرف الجنود الواقفون على جانبي الطريق، وعبرنا الشارع الى كليتنا، ثم عادت الحياة للشارع لطبيعتها.. وسألت التي كانت تقف بجواري قبل السماح لنا بالعبور، الى اين يا ترى ذاهب الملك؟ قالت ربما لزيارة أخيه الأمير عبد الله- رحمه الله رحمة واسعة، ترحموا عليه معي- وكان قصر عبد الله خلف غابة البان التي تلي كليتنا، اي كان على مقربة من كلية الحقوق.. ويبدو ان مثل تلك الزيارة كانت نادرة، حيث اننا لم نشاهد مثل ما حدث ذلك اليوم فيما بعد..

وبمناسبة الزيارة الملكية لأخيه، علمنا أن تربية الأميرين محمد ورشيد توكل لوزير، وظيفته (الوزير المكلف بتربية أصحاب السمو الملكي)، وهي ليست تربية دلع، بل فيها تربية عسكرية، وعرفنا ان الأولاد لا يرون أباهم الا في أيام معلومات، يقال ثلاث مرات فقط في الأسبوع، كما أن المدرسة الخاصة التي يدرسون فيها يجلب إليها طلاب من مختلف فئات الشعب، فتجد في المدرسة ولد مزراع وولد عامل وولد موظف وولد تاجر.. وهكذا، وذلك ليكون على احتكاك ومعرفة بفئات الشعب المختلفة..

وحتى لا أنسى ايضاً فإن الأمير محمد درس في كليتنا (الحقوق) فيما بعد- اي بعد تخرجنا- وعلمنا من الطلاب السودانيين الذين درسوا في تلك الفترة أن إدارة الكلية نقلت كل الدفعة التي في السنة الأولى الى السنة الثانية تمهيداً لدخول الأمير الى السنة الأولى، حتى ان هناك طالبة كانت مريضة ولم تحضر للامتحان، فذهبوا اليها في المنزل ونقلوها بسيارة الى الكلية لتؤدي الامتحان- كيفما اتفق، حتى لو تكتب اسمها فقط في ورقة الإجابة- ولم يكرر (يعيد) في السنة الأولى أحد، يعني البـلـيـد لقى فرصة في السنة ديك انو ينتقل للسنة الثانية.. فقط دخل معه السنة الأولى مجموعة معينة معروفة لديه ومعروفة للحكومة (لدواعي امنية ربما، او لدواعي اخرى لا نفهمها).. هذا يقرأ بعدة اتجاهات، هي انه درس في الجامعة مع عامة الناس، وفي نفس الكلية التي يدرس فيها وتخرج فيها طلاب مغاربة وغير مغاربة، ومنها انه له خصوصية بطريقة ما بحيث لم يتركوا معه في الفصل غير عدد محدود من الطلاب..

يعني انا اقدر اقول انو الملك محمد السادس ملك المغرب درس في الكلية التي درست بها، (لاحظتوا اني ما قلت انا درست في الكلية التي درس بها الملك محمد السادس، والسبب اني سبقته في الدراسة فيها)..

وأدرك شهرزاد الصباح.. فسكتت عن الكلام المباح..
.. والحديث ذو صلة..

Post: #27
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-29-2013, 12:53 PM
Parent: #26

نواصل ..

الحلقة الحادية عشر

وداعاً أيام الضيافة المنعمة!

انتهى الاحتفال باليوم الوطني للمغرب، وركبنا الحافلات وتوجهنا لزيارة عمالة (محافظة) الرباط، وأذكر أننا أثناء خروجنا كانت البوابة من الزجاج، وكذلك كل واجهة العمالة، ولا يتميز الباب عن بقية الواجهة بشئ، فاستمر أحد أعضاء الوفد في سيره حتى اصطدم بزجاج الواجهة، ظاناً أنها لا شئ (من نظافة الزجاج وكبر مساحته)، فضحكنا جميعاً..

ثم ركب أعضاء وفد السودان للمسيرة الخضراء الحافلات متوجهين الى المطار حيث كانت تنتظرهم الطائرة السودانية لتقلهم عائدين الى ملتقى النيلين، تاركين وراءهم حوالي ثلاثة او اربعة من اعضاء الوفد هم شخصي ومحمد خالد وطارق المحينة (رحمه الله رحمة واسعة، فقد علمت بنبأ وفاته في اجازتي الأخيرة للسودان في يوليو 2010م من الزميلة ساميه ابراهيم احمد- دفعتنا- التي عرفت الخبر بالصدفة حينما التقت بإبنة عمه في مناسبة وعندما عرفت بأن اسمها ينتهي بالمحينة سألتها إن كان طارق المحينة قريبها، فقالت لها: الله يرحمه هو بن عمي.. فصدمت ساميه بهذا النبأ الأليم، ويبدو أن الوفاة كانت قبل سنوات من تلك المقابلة.. رحم الله طارق المحينة رحمة واسعة وألهمنا الصبر الجميل وحسن العزاء وإنا لله وإنا إليه راجعون..) وجلال حنفي، وكنا جميعاً مسجلين في منحة المغرب، وفيما بعد رجع بعض من كان معنا في الوفد ليسجل معنا في الجامعات المغربية..

أحسست باليتم بعد مغادرة الوفد أرض المغرب، إذ حتى هذه اللحظة كنت اعيش في مجتمع سوداني بحت، وفي ضيافة مغربية كريمة، ولكن بعد مغادرة الوفد انتقلنا من عيشة الفنادق الراقية والعزومات شبه الملكية، عزومات عاملي العمالات (محافظي المحافظات) الى عيشة الحي الجامعي (مولاي اسماعيل) والى أكل سندويتشات الساردين والجبنة والمربى.. فقد أخذنا الى الحي الجامعي بعض من الطلاب الذين سبقونا الى المغرب والذين جاءوا لمقابلة ورؤية الوفد السوداني، فكانت ليلتنا الأولى في الرباط في حجرة كبيرة تحت الأرض (بدروم)، مفروش على أرضيتها المراتب، وفهمت ان هذا سكن مؤقت لمن لم يجدوا له مكاناً في أجنحة (عمارات) الحي الجامعي..

كان الحي الجامعي (مولاي اسماعيل) في السابق ثكنة عسكرية، ثم خرج منه العسكر وسكنه طلاب الجامعات، وكان على شاطئ المحيط الأطلسي مباشرة، ويتكون من حوالي خمسة أجنجة، كل جناح به حوالي ثلاثة طوابق، منها طابق تحت الأرض (بدروم)، ولكن نوافذه تطل على سطح الأرض تقريباً، من هذه الأجنحة الخمسة هناك جناح مخصص للبنات، وفي الحي الجامعي مصلى في ركن من الحي، ومقر للإدارة في نفس الجناح الذي أسكنونا فيه في الليلة الأولى، وعيادة تزورها طبيبة ثلاث مرات في الأسبوع، وكان هذا الحي قريب الى حد ما من وسط البلد ومن السوق ومن المدينة القديمة، وامامه مجموعة من البقالات والمطاعم، ولم يكن مطعم الحي الجامعي نفسه مفتوحاً (فُتح بعد أن غادرناه)، قضينا اليوم الأول على مراتب في الأرض (يا حليل فنادق اطلس ومرحبا)، وأكلنا ساندوتشات الساردين (يا حليل الخروف المشوي والدجاج العائم فوق زيت الزيتون)..

(في اجازتي للسودان ولمدني في العام 2008م، بحثت في صوري فوجدت بعض الصور القديمة، فأردت أن أشرككم في رؤيتها، والصورة المدرجة تضم من اليمين الأخ عبد الله خالد إدريس ووجدت خلف الصورة أنني كتبت بعد اسمه بين قوسين (Comera) ويبدو أنه كان لقبه الذي اطلقه عليه الزملاء السودانيين في الجامعة، والكوميرا تعني الرغيف التوسته الطويل، ولا أذكر لماذا سمي هكذا، ربما لأنه كان طويلاً ونحيفاً، وبجانبه العبد الله، والصورة في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وكما تلاحظون كنا نجلس في ميدان نجيله كبير وواسع، وخلفنا تبدو الأجنحة السكنية وبقية مباني الحي، والصورة تاريخها ديسمبر 1975م وكنا يادوب واصلين من السودان لينا شهر وشويه).

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وجدت في هذه الغرفة الفسيحة مجموعة من الطلاب السودانيين، أعرف منهم عمر الإمام النور الذي كان يدرس معي في مدني الثانوية، وكذلك الذين كانوا معي في وفد السودان للمسيرة الخضراء، وتعرفت على البقية، ومنهم طلحه جبريل الذي اصبح صحفياً لامعاً إذ كان مراسل جريدة الشرق الأوسط في المغرب ثم اصبح مدير المكتب هناك، ثم عمل بعد سنوات طويلة في وكالة يونايتد برس، واخيراً استقر في واشنطون.. (سمعت أخيراً أنه رجع الى المغرب)، كذلك تعرفت على حسن عبد اللطيف قرناص (الذي لقبه الزملاء بـ حسن كسينجر، لأنه كان يتكلم بطريقة رأوا فيها انه أشبه بوزير الخارجية الأمريكي هنري كينسجر)، كذلك كان معنا سيف الدولة عبد المنعم وجمال ميرغني وكمال شرف وعبد اللطيف محمد خير والنور محمد أحمد وغيرهم..

الصورة الثانية في الحي الجامعي مولاي اسماعيل أمام أحد أجنحة الحي ويظهر محجوب البيلي (الدفعة التي سبقتنا بسنة في الوصول للمغرب- 1974) وطلحة جبريل (دفعتي والذي يحمل جريدة العلم المغربية) وخلفهما يبدو مغربيان .. كما تلاحظون فهناك درج (سلم) يؤدي الى الدور الأرضي من الجناح، كما يبدو في داخل الجناح الدرج المؤدي للدور الأول، بينما تبدو شبابيك الدور تحت الأرضي في اقصى يمين الصورة الى الأسفل، وهناك شريط من الطلاء الداكن يحدد الطابق تحت الأرضي ويتضمن الشباك.. والصورة تقريباً في شتاء العام 1975م..
sudand8sudanb3sudand8sudanb3sudand8sudanb3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد أفادونا الذين سبقونا في التسجيل في الكليات، وعرفنا منهم أنه لا مجال إلا في كلية الحقوق قسم القانون، او قسم العلوم السياسية، او كلية الآداب بتخصصاتها المختلفة، إذ ان بقية الكليات كانت الدراسة بها باللغة الفرنسية، وقد حاول البعض دراسة كليات تدرس بالفرنسية مثل الطب، ولكنهم تعبوا، منهم محمد محي الدين – من أبناء بورسودان- إذ وجدناه يدرس في كلية طب جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وكان قد استنفد سنوات الرسوب في كلية الطب بجامعة محمد الخامس بالرباط، فدرس عامين في الرباط، وعامين في الدار البيضاء ولم يستطع تجاوز السنة الأولى، رغم اجادته للغة الفرنسية، ثم انتقل – بعد ان اكملنا دراستنا في المغرب وغادرناها- الى الجزائر.. المهم فيما بعد عرفنا انه تخرج من كلية الطب، وبما أن اسرته تسكن بجوار اسرة خالتي بابو حشيش في بورسودان فقد تابعت اخباره، وعلمت انه طبيب شاطر رغم انه عمومي.

المهم انا سجلت في كلية الحقوق – فرع العلوم السياسية- اسوة ببقية الزملاء، الذين نستثني منهم القليل، فقد سجل عمر الإمام وسيف الدولة في القانون، وسجل طلحه جبريل في كلية الآداب، وكذلك محمد عثمان الخليفة (اخو وزير التربية والتعليم في عهدنا – محمد خير عثمان)، وكان أيضاً قد درس معنا في مدني الثانوية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #28
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: علي عبدالوهاب عثمان
Date: 04-29-2013, 12:58 PM
Parent: #27

سرد جميل ومتابعين ..
ما شاء الله عليك حياة حافلة بالحركة والمساحات الواسعة ..
واصل وآسف للمقاطعة

Post: #29
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-29-2013, 01:27 PM
Parent: #28

تسلم يا علي عبد الوهاب

وشكرا للمداخلة

وبشتجيعكم نواصل

Post: #30
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 04-29-2013, 03:46 PM
Parent: #29



العزيز/ مادنقو
مواصلين معاك ومتابعين
هناك في انزال الصور ،،، والرجاء انزال الصور بنفس الطريقه لان الصور السابقه كانت بحجم كبير جدا جدا مما يؤدي لفتل البوست

Post: #31
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-29-2013, 05:11 PM
Parent: #30

شكرا يا شيخ احمد محيي الدين للمتابعة

بالنسبة للصور انا ما باتعمد اعملها كبيرة او صغيره.. هو البرنامج بتاع التحميل اللي بيعملها كما تظهر..

Post: #32
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 04-29-2013, 06:43 PM
Parent: #31

العزيز / عمر ما دنقو
بالنسبه لموضوع الصور ،،،، يمكنك التحكم في برنامح التحميل الموجود عندك لتحميل الصور من حيث حجم الصوره المناسبه يعني ما تكون كبيره شديد او صغيره،،، لانو الملاحظ في
صزر بوست الي الذين درسو في جامعات المغرب كل الصور كبيره شديد جدا ،،، ويمكنك تصغير تلك الصور جميعها في بوستك الجديد ،،، وكما يمكنك عمل فو تشوب لكل الصور القديمه اي يمكنك من نظافه الصور حاصه تلك التي اتلفتها الامطار بود مدني ،،، وطبعا كل تلك التوجيهات من المعلم عمر عبد السلام واخذنا منه كورس مصغر بالرباط وشفت الود تتلمذ علي يد الاستاذ / عمر عبد السلام وربنا يديه العافيه والصحه

Post: #33
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-30-2013, 11:58 AM
Parent: #32


شكرا شيخ احمد على التوجيهات الفنية..

منكم نستفيد

تحياتي لك وللعزيز عمر عبد السلام

Post: #34
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-30-2013, 12:30 PM
Parent: #33

نواصل ..

الحلقة الثانية عشر

الحي الجامعي مولاي إسماعيل

تسلل زملاء الغرفة الجماعية تباعاً الى الأجنحة المختلفة، والتي هي ايضاً غرفاً جماعية، إلا أن فيها أسرّة (جمع سرير) وبجانب كل سرير دولاب صغير، وفي جانب من الغرفة دواليب كبيرة يضع فيها الطالب ملابسه وحاجياته، وفيها نظام السرائر ابو دورين، يعني سرير فوق الثاني، وجاء دوري للتسلل خارج الغرفة الجماعية الى الجناح E على ما أذكر، وكان سريري في الأعلى، وعندما نقلت حاجياتي من الغرفة الجماعية الى مقري الجديد جاء معي زميلي جمال ميرغني وآخر نسيت من هو، وعندما وجدا السرير الذي تحتي والذي بجانبي خاويان- وكان الوقت ليلاً- حسبا ان السرائر لا يوجد بها أحد، فناما معي فيهما، ولكن أصحاب السراير الذين وصلوا أيقظوهما من نومهما- وهم يرطنون بالفرنسي ظناً منهم أن هؤلاء من دول افريقيا الفرانكفونية، لأنهم لم يروا سودانياً من قبل، ولا يعرفون من الأفارقة غير الناطقين بالفرنسية، وكانت لهجتهم توحي بالعدوانية- ولم يفهم جمال وزميلي الآخر شيئاً مما قالا، لكنهما فهما المقصود، فغادرا الجناح الى الغرفة الجماعية التي أتينا منها..

اعتقدنا ان ذلك طرد، ولكن فيما بعد علمنا أن هؤلاء إن لم ينوما في أماكنهما فلا مكان لهما، إذ هما من أقصى الجنوب المغربي، من البربر، من جهة اغادير، وبالتحديد من انزغان التي هبطت بنا الطائرة السودانية فيها (مطار أغادير انزغان) كأول محطة لنا في المغرب.. وقد أعطاني هذا الذي حدث في الغرفة إحساساً بالخوف من هؤلاء، فهم اول مغاربة أقابلهم- من غير الرسميين الذين استقبلونا في رحلتنا عبر المغرب بعد انتهاء المسيرة الخضراء- وتساءلت هل يا ترى كل المغاربة هكذا؟ وقد توجست خيفة..

ولكن فيما بعد اتضح أنني كنت مخطئ، فقد كان هؤلاء الجيران هم أصدقائي فيما بعد، وكانوا من ألطف الناس، وأذكر فيما بعد عندما عرفت طريق المطعم الجامعي في الحي الجامعي السويسي الأول- وكان بعيداً عن هذا الحي الذي نسكنه بمسافة، ولابد من ركوب الحافلة للوصول إليه، وكان لابد من تكبد المشاق ودفع أجرة المواصلات ذهاباً وإياباً (الرحلة كانت ب 40 سنتيم) بينما ثمن الوجبة درهم و40 سنتيم، اي كنا ندفع 80 سنتيم من اجل وجبة ب 140 سنتيم، لكن كانت الوجبة تستأهل كل هذا الجهد – المال والتعب والوقت- اذ كانت الحافلة التي تنقلنا من امام الحي الذي نسكنه الى الحي الذي فيه المطعم تزدحم بالطلاب والطالبات لدرجة انك لا تستطيع الركوب، واذا ركبت فالدفس والعفص داخل الحافلة، وقد تلتحم الأجساد بضغط شديد، وكان ذلك شديداً علينا نحن القادمين من مجتمع محافظ..

المهم ان الوجبة تستأهل هذا الجهد لأنها وجبة كاملة، فيها كل احتياجات الإنسان، ففيها المقبلات والسلطات والوجبة الرئيسية التي كانت تتكون اما من اللحم او الدجاج او السمك، بالإضافة الى الأرز والخضروات والتحلية والفاكهة، وهذه الوجبة لو تناولناها في المطعم فسوف تستنزف المنحة التي تعطينا إياها الحكومة المغربية، وكانت المنحة 380 درهم، زيدت فيما بعد لتصل 390 ثم بعد ذلك الى 420 درهم..

نرجع الى (عندما عرفت طريق المطعم الجامعي).. فقد عدت من المطعم الجامعي بعد وجبة عشاء دسمة (بمعنى الكلمة)، نمت في سريري – في الدور التاني- وفجأة عند منتصف الليل اندفع ما في بطني الى فمي، ولم يكن هناك وقت للنزول من السرير والذهاب الى الحمام، فحاولت أن أسد فمي بيدي لكن ما في فمي غالبني فغلبني ثم اندفع الى الخارج، وللأسف تأثر بذلك الذي ينام في السرير الذي تحتي، رغم انني وجهت وجهي للجدار خلف رأسي مباشرة، لكن نزل ما نزل على الجدار حتى وصل للمسكين في سريره.. نزلت مسرعاً الى الحمامات، فأكملت الاستفراغ، ولحقني زميلي ليغسل ما ناله من محتويات جوفي.. فاعتذرت له، ويبدو أنه قبل إعتذاري لأنه بدرت منه إبتسامة خفيفة دون أن يرد عليّ..

فيما بعد عرفت أنه ظن بأني قد شربت روج (وهو مسكر يشربه كثير من الطلاب.. أعتقد أنه النبيذ)، وعادة ما يستفرغونه- لا أدري لماذا- ولكن فيما بعد عرف أنني برئ من الروج.. أحسست ان بطني ليست على ما يرام، وفي الصباح دلوني على عيادة الطبيبة في هذا الحي وهي تأتي ثلاث مرات على ما أذكر إلى هذا الحي، المهم اعطتني العلاج وسألتني ان كنت أتناول وجباتي في المطعم الجامعي، فأجبت بالإيجاب فكتبت لي بطاقة (ريجيم) اقدمها للمطعم لأتناول وجبة خاصة خالية من الدهون، فكانوا يعطوني لحم مشوي بدل اللحم المطبوخ في (الدمعة) وبدل الدجاج المطبوخ دجاج مسلوق، ويعطوني بسله بدل العدس (البسله عندهم يسمونها جلبانه)، ويعطوني فاصولياء خضراء بدل الفاصوليا البيضاء (الفاصوليا عندهم يسمونها لوبيا)، وبدل الأرز المطبوخ يعطوني أرز مسلوق.. فارتاحت بطني، وعلمت ان سبب الاستفراغ كان بهذه الدهون (الدسم) التي كانت في الأكل الذي تناولته في مطعم الحي الجامعي، طبعاً لأن الجو بارد جداً في المغرب فإن معظم اللحوم تكون دهينه ويضعون كمية من الشحم في الطبيخ..

أواصل سرد مسميات الخضروات عندهم، فالجزر يسمى عندهم خزّو، والشمام عندهم يسمى بطيخ، والبطيخ يسمى دلاّح، والبطاطس بطاطا، واليوسفي مندرين، وكما اسلفت البرتقال يسمى ليمون، والليمون يسمى الحامض، والكمثرى ابو عويد، والسمك يسمونه الحوت، والضان يسمونه الغنم..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #35
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-01-2013, 12:00 PM
Parent: #34

الحلقة الثالثة عشرة

معهد المغرب الكبير

.. نواصل ..

بعد أن سجلت في الجامعة في كلية الحقوق – شعبة العلوم السياسية- القسم العربي- بدأت أذهب للدراسة، وكانت معظم المحاضرات في معهد (المغرب الكبير)، ولحسن الحظ كان هذا المعهد قريباً من الحي الجامعي مولاي اسماعيل، فلم نكن نحتاج لمواصلات، وكانت المدرجات ضخمة جداً، وتفأجات بأن عدد الطلاب في قسمنا فقط حوالي 1500 طالب (الف وخمسمائة وليس مائة وخمسين)، لذلك كان المحاضر يلقي محاضرته عبر الميكروفون.. وتقريباً نفس العدد يدرس في شعبة العلوم القانونية- القسم العربي- وتقريباً نفس العدد في شعبة العلوم القانونية- القسم الفرنسي، وتقريباً نفس العدد في شعبة العلوم السياسية- القسم الفرنسي، وتقريباً ضعف هذا العدد في شعبة العلوم الاقتصادية- بالفرنسي (ليس هناك اقتصاد بالعربي)، هذا كله في السنة الأولى في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس، وهناك جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وهناك جامعة محمد بن عبد الله بفاس.. لذلك قال الملك الحسن الثاني رحمه الله ذات مرة انه لو حدث انهيار اقتصادي للمغرب فسيكون السبب التعليم، ولاحظ أن كل طالب ينال منحة من الدولة، سواء كان مغربياً او غير مغربي.. بالإضافة الى السكن شبه المجاني، فكنا ندفع فقط ستون درهماً نظير السكن في الحي الجامعي، ويغسلوا لك الملايات وأكياس المخدات كلما اتسخت، وينظفوا الغرف، ووكل الغرف بها التدفئة، والماء الساخن في الحمامات.. ويوفروا الأكل في المطعم الجامعي بسعر رمزي كما أسلفت..

قبل أن أنسى، كنا حينما نمشي الى المحاضرات في معهد المغرب الكبير، كان الصبية الذين يتواجدون في الشارع او يلعبون، كانوا يسألوننا سؤالاً متكرراً : (ايش حال في الساعة؟)، وترجمتها (الساعة كم)، فكنا نجيبهم- مع ملاحظة أن الساعات اليدوية لم تكن منتشرة في ذلك الزمان في المغرب ولا أدري لماذا- ولكن عندما كثرت (ايش حال في الساعة؟) حسبناها (كلام ما كويس) فاصبحنا (نطنش).. لكن فيما بعد فسرت ذلك بأنهم يريدون أن يعرفوا لهجتنا، وما إذا كنا نتكلم اللغة العربية أم لا، سيما واننا أفارقة- وكما اسلفت لم يكن غيرنا من الأفارقة يتحدث العربية، او بالأصح لا يتحدث غير الفرنسية- وأحياناً يكون سؤال هؤلاء الصبية كمدخل للتعارف..

تعرفنا على البقالات التي امام الحي الجامعي، فكان فطورنا نصف رغيفه مدوره يحشوها صاحب البقالة بالزبدة والمربى، او الجبنة الصفراء والمربى (كانت بقرشين، اي 20 سنتيم)، وغداؤنا رغيفه مدوره كاملة يحشوها بالسردين، وكان السردين مغربي الصناعة، وهو نوعان؛ ساردين بالزيت وساردين بالطماطم، وبما ان السردين اكثر وجبة مشبعة، وأرخص وجبة مشبعة (كان الساندوتش يكلف حوالي 3 قروش او اقل) لذا كان هو غداءنا دوماً، لأن السفر الى المطعم الجامعي كما اسلفت يكلف الوقت والمال، وبما انني قد اخذت كفايتي منه، فقد كرهته الى الأبد، الآن لا آكل السردين ولا التونا.. وأما عشاؤنا فكنا نشتري نصف خبزة وكيس حليب (لأول مرة ارى الحليب المعبأ في أكياس نايلون او كراتين، ومبستر، طبعاً في زماننا هذا انتشر المعبأ في الكراتين في السعودية).. ولأول مرة أيضاً رأينا زجاجات المياه الغازية بعدة أحجام (في السودان كان فيه حجم واحد بس)، فوجدنا زجاجة صغيرة جداً، وتلك التي بالسودان، وواحدة أكبر منها، ثم الحجم العائلي الذي ظهر فيما بعد في السعودية، ومؤخراً في السودان.. والمغاربة يسمون المياه الغازية (موناضا)، (طبعاً المصريين يسمونها "حاجة ساقعة" مع قلب الجيم قاف أعجمية والقاف ألف)، فأي نوع سواء كان كولا او فانتا او سفن او خلافه فهو موناضا، طبعاً هم ينطقون الدال والتاء ضاء، بسبب تأثرهم باللغة الفرنسية، فيقولون موريطانيا، طاكسي..

نرجع لمعهد المغرب الكبير (المغرب الكبير يعني دول المغرب العربي- المملكة المغربية، الجزائر، تونس- زائداً ليبيا وموريطانيا).. قلت ان المدرجات ضخمة جداً، بالتالي فإن أماكن الجلوس عبارة عن منصات متواصلة يفصل بين كل صف والآخر ممر، والمقاعد عبارة عن خشبة مسطحة تجلس عليها وترتفع تلقائياً فتصبح رأسية عندما تقوم منها، فإذا أردت ان تجلس لابد لك من إعادتها بيدك الى وضعها الأفقي، وأما مسند الظهر فهو منصة الذين خلفك- وكما اسلفت فهي ادراج متصلة تشبه (Bench) المعامل عندنا.. المشكلة في أنه إذا أراد أحد الطلاب أن يخرج في أثناء المحاضرة او قبل بدئها، وكان في وسط الصف، فلابد لبقية الطلاب أن يقوموا الواحد تلو الآخر لكي يسمحوا له بالمرور من أمامهم- ما بينهم وبين الأدراج أو منصة الكتابة- الى الممر، علماً بأن المار أمامك ليخرج سيضغطك الى الخلف حتى تلتصق بالأدراج التي خلفك بسبب ضيق المكان، وسيحتك بك حتماً، المشكلة مش في الزملاء، المشكلة في الزميلات.. كان ذلك شديداً علينا نحن القادمون من السودان.. من صحرائه الكبرى، ومن شمسه الحرّاقة..

أرفق لكم صورة لجانب من كلية الحقوق بالرباط حيث درسنا، ويظهر في الصورة:

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


على يمينك محمد أبكر ابراهيم، ثم محمد السماني عبد الرازق، ثم عمر حسن غلام الله، ثم طالب مغربي تصادف مروره لحظة التقاط الصورة.

غالباً ما تكون هذه الصورة قد التقطت في عام 1976م- حيث لم اجد تاريخاً مسجلاً في خلفها- وواضح من الملابس التي نلبسها انها في الصيف..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #36
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: علي عبدالوهاب عثمان
Date: 05-01-2013, 01:00 PM
Parent: #35

واصل ونحن متابعين معاك
تحياتي

Post: #37
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-01-2013, 05:26 PM
Parent: #36

تسلم يا علي عبد الوهاب

Post: #38
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-03-2013, 07:32 PM
Parent: #37

الحلقة الرابعة عشرة

بعض طرائف الحي الجامعي مولاي اسماعيل

.. نواصل ..

استكشفنا الحي الجامعي مولاي اسماعيل، فوجدنا أن الحمامات (الدوش) معظمها لا أبواب لها، اي مخلعة الأبواب، وكان هذا غريباً علينا، لكنه لم يكن غريباً على المغاربة.. فكانوا يستحمون في اي وقت، أما نحن فكنا نبحث عن الوقت الذي لا يكون فيه زحمة، او ننتظر خلو تلك التي بها أبواب، وجدنا في الحي ان هنالك كافتيريا، وجلسنا فيها في الأيام الأولى نستمع الى الحديث المغربي الذي لم نكن نفهم منه شيئاً، فوجدنا فتاتين تتونسان مع زملائنا الذين سبقونا في المجئ، وكان منهم عبد المنعم بيومي القادم من مكة المكرمة حيث كانت تقيم أسرته (علمت قبل عامين أنه رجع السودان بعد مكثه في المغرب لأكثر من ثلاثين عاماً، من عام 1975 الى عام 2007، وقبله كان مع أهله بمكة المكرمة)، وعبد السلام بابكر البشير من جزيرة توتي، وكانا من نفس دفعتنا لكنهما سبقانا بالمجئ الى المغرب، لذا كانا هما المترجمان لنا، وكانت الفتاتان صديقات لهذه الشلة، واحياناً نجدهما تغنيان أغاني مغربية، ويردد معهما المذكورين، وإن اسعفتني الذاكرة فكانتا تغنيان اغنية لعزيزة جلال، ربما اتذكرها لاحقاً..

كان هناك مصلى صغير، كنا نصلي فيه، ولكن كان وجود المغاربة شبه معدوم، عدا (الشاويش) وهو فراش مكتب المدير، وكان كبيراً في السن، وأحياناً كنت لا أجد غيره في المصلى، خاصة في صلاة الصبح، ولم أكن مواظباً دوماً في صلاة الصبح، لذا توقعت ان يكون الشاويش لوحده في صلاة الفجر.. أسأل الله أن يتقبلها منه.. وفي مرة كنا فقط نحن الاثنين، فأقام الصلاة فطلبت منه أن يؤمني بحكم أنه الأكبر سناً، فقال لي انت متعلم، وقدمني بإلحاح.. فصليت به، وفي نهاية قراءة السورة في الركعة الثانية أردت الركوع فمسكني من يدي مانعاً إياي من الركوع، وسمعته يقرأ شيئاً (فيما بعد عرفت أنه القنوت)، وبعد انتهائه من القراءة مسكني مرة أخرى من يدي إشارة الى ان اركع.. لقد اتضح لي وقتها انه اعلم مني رغم انني في الجامعة وهو قد يكون نال قسطاً بسيطاً من التعليم، طبعاً القنوت في صلاة الفجر هو من مذهب المالكية، والمغرب كله مالكية..
هنالك أيضاً قاعة المذاكرة، التي تمتلئ بالطلاب والطالبات، وذكرتني هذه القاعة بحكاية طريفة حكاها لي بطلها وهو احد الزملاء السودانيين.. فقد قال لي مرة:

- الحشيش بتاعم ده كعب خلاص! تصدق مره شربتو، وجيت ماشي لقيت البت دي (وأشار الى واحدة من الطالبات في الحي الجامعي) واقفة، بُسْتَها ومشيت، بعدين في المساء مشيت قاعة المذاكرة وقعدت أذاكر، شفتها قاعده هناك في القاعة، بقيت اضاري وشي بغلاف الكتاب منها، يعني عامل خجلان)..
سألته: (ما قالت ليك حاجه لمن بستها؟)
قال لي: (ما قالت اي حاجة)..

والكلام بيجيب الكلام.. هنالك فتاة شكلها يشبه الغجر، نحيفة وقصيرة يعني قليلوووووونه، وكمان عجوز مقارنة بالطلاب جميعاً بما فيهم طلاب السنوات النهائية، وتمشي مشية غريبة، زي ما بيقولوا المصريين (تتقصع)، وكان الصبية والأطفال يشاغلونها، فكلما ذهبت للبقالة التي امام الحي الجامعي او رجعت منها تراهم ينادونها باسمها الحركي (نسيتو هسه) وربما حدفوها بحجر صغير او شئ من هذا القبيل، وعلمنا فيما بعد أنها تبيع الحشيش للطلاب في الحي الجامعي..

حضرنا ايضاً في هذا الحي منافسات رياضية، واذكر منها مباراة في كرة السلة، وكنت اتفرج وكان هناك تصوير تلفزيوني، فركز الكاميرا مان على شخصي الضعيف الفوكس لعدة دقائق، لكني لم أر نفسي في التلفزيون.. لأنه ببساطة لم يكن لدي تلفزيون.. وأذكر بوضوح واحدة من اللاعبات الجميلات جداً والتي كانت تبلس الشورت (جداً)، وقد همت بها حباً، إلا أن حبي لم يتعد النظرات، إلى أن رأيتها عدة مرات في المطعم الجامعي برفقة طالب بدأ من ملامحه وبالطوه انه في السنوات النهائية لكلية الطب..

تذكرت بعض الطرائف، فقد كان من الذين وصلوا معنا في نفس السنة محمد عمر حامد وهو من ابناء شمبات، وكان يدخن الروثمان، بينما زميلنا عمر الإمام النور – الذي درس معي في مدني الثانوية، وهو بالمناسبة من قرية حليوه في الجزيرة- كان يدخن السجائر المصنوع محلياً في المغرب، ويسمى (كازا) وكان بلا فلتر، وكان قوياً جداً وذا دخان كثيف ورائحته غريبة، فكان عمر عندما يدخن هذه السيجارة يعرض علبته على محمد عمر حامد- أي يعزمه على سيجارة- فيجيبه محمد عمر: زح بعرتك دي كدي، فيموت بالضحك عمر الامام، وكلما أراد المزاح معه قدم له سيجارة كازا.. بالمناسبة عمر الإمام الآن موجود بالمغرب وعنده مطعم مشهور بالشاورما في الرباط، فقد عمل في ليبيا بعد التخرج ولم يرجع للسودان كحالتنا، فجمع من هناك مبلغاً من المال ورجع للمغرب وافتتح هذا المطعم، وحسب علمي ما زال حتى الآن هناك، فله التحية، ولمحمد عمر حامد الذي رجع السودان واشتغل في وزارة التعاون على ما أعتقد، له التحية والتقدير، ولكل الزملاء الكرام..
ومن ضمنهم الطيب جاد السيد الذي اختفى اسم ابيه ليحل محله طنجه، فأصبح اسمه الطيب طنجه، ولا أحد غيري يتذكر الآن اسم والده، فأنا أعرف بعضاً من أسرته لذلك اعرف اسم والده، اما زملاءنا في المغرب فقد غطى اسم الطيب طنجه على الاسم الحقيقي، وسبب تسميته بهذا الاسم هو انه كان يردد دائما أنه سيذهب الى طنجه ليشتري الحاجات، واتضح فيما بعد ان الحاجات (وهي البضائع المستوردة من اسبانيا) توجد في مدينة تطوان وليس طنجه، وكلاهما في الشمال، يعني كان (لافحو ساكت).. تحياتي له وهو الآن بالسودان حسبما علمت من مصادر قابلته في الخرطوم قبل حوالي شهرين، بعد أن عمل في إحدى المنظمات الخيرية الإسلامية في تنزانيا او كينيا لست متأكد..

في اجازتي للسودان ولمدني في العام 2008، بحثت في صوري فوجدت بعض الصور القديمة، فأردت أن أشرككم في رؤيتها، والصورة المدرجة تضم من اليمين الأخ عبد الله خالد إدريس ووجدت خلف الصورة أنني كتبت بعد اسمه بين قوسين (Comera) ويبدو أنه كان لقبه الذي اطلقه عليه الزملاء السودانيين في الجامعة، والكوميرا تعني في دارجة المغاربة الرغيف التوسته الطويل، ولا أذكر لماذا سمي هكذا، ربما لأنه كان طويلاً ونحيفاً، وبجانب عبد الله كوميرا في الصورة العبد الله، والصورة في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وكما تلاحظون كنا نجلس في ميدان نجيله كبير وواسع، وخلفنا تبدو الأجنحة السكنية وبقية مباني الحي، والصورة تاريخها ديسمبر 1975م وكنا يادوب واصلين من السودان لينا شهر وشويه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #39
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-04-2013, 04:04 PM
Parent: #38

الحلقة الخامسة عشر

شافت السوداني

.. نواصل ..

كانت الموضة في ذاك الزمان هي الخنفس، اي أن نترك شعرنا بدون قص، وننفشه بالخلال- يبدو أن هذه الموضة عادت مرة أخرى في هذا العصر، فقد رأيت هذه الأيام كثير من الشباب السعوديين والسودانيين وهم مخنفسون، ويسمون الخنفسه (كدش)- وكان بعض الممثلين الزنوج في عصرنا يعملون بشعورهم هكذا، وكان منهم الممثل الزنجي شافت، ويبدو أنني كنت أشبه لهذا الممثل من جهة اللون والشعر الخنفس.. لذلك كانت لي جماهيرية بين بنات البكالوريا (الثانوي)، وقد اسمتني إحداهن بهذا الإسم.. وكنا عندما نمر بقرب مدرستهن الكائنة في طريق معهد المغرب الكبير، كن يشاغلن شافت السوداني.. وشافت عامل فيها خجول.. وذات مرة قال لي صديقي وزميلي محمد ابكر ابراهيم- كان في الامارات لفترة من الزمن ثم انقطعت اخباره عني- وكنا نسير معاً ومررنا من أمام مدرسة البنات، قال لي محمد: ضغط! (وهذه كلمة كنا نتداولها في ذلك الزمان وتعني التعجب الشديد)، ثم أكمل: البت دفرت زميلتا فيك!! ولم أكن ملتفتاً الى جهة البنات وهن يشاغلن شافت، لذلك دفرت إحداهن زميلتها باتجاهي للفت نظري او للمداعبة والمشاغلة، ويبدو أنني كنت قد تجاوزتهن فلم تقع عليّ.. وفي مرة كنت انتظر حافلة الحي الجامعي- وأذكر ان الخط كان رقمه 11- وهي تمر بمحطات معينة منها المحطة القريبة من سور المدينة القديمة، وتقف أمام مركز طبي خاص بالأسنان يرتاده الطلاب، وكنا نجلس على حائط ذلك المركز وهو في شكل حيطة قصيرة مثبت فيها سلك خلفه زراعة، وكنا نجلس على حافة تلك الحيطة القصيرة وظهرنا يستند على السلك، وفي اثناء انتظارنا- كان معي طالب سوداني نسيت اسمه الآن- مرت حافلة تنقل طالبات الثانوية، فوقفت للإشارة المرورية التي كانت حمراء في تلك اللحظة، ونظرت لمن بداخل الحافلة فرأيت بعضهن تنظر اليّ بطريقة غريبة، ثم فجأة التفتت كل البنات في الحافلة المزدحمة- كان عدد الوقوف أكثر من الجلوس زي باصات ابو رجيلة- ويبدو ان التي كانت تنظر اليّ لفتتهن.. وفجأة سمعنا البص يهتف بصورة جماعية وهن ينظرن الى شافت السوداني: (القابون.. القابون).. فضحكت وضحك من بجانبي من الطلاب والطالبات حتى تحرك البص بعد ان أضاءت اشارة المرور الخضراء.. والقابون هي الدولة التي تقع في غرب افريقيا، وكانت الطالبات يعتقدن أنني من القابون لأنهن لم يعرفن بعد ان هناك سودانيين بالمغرب (بنات ثانوي لسه ما دخلن جامعة وشافن الطلاب السودانيين في الجامعة).

Maroc9.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة للمخنفسين في الرباط، وهم: وقوفاً من يمينك: محمد السماني عبد الرازق، عبد العزيز (ربما كان اسمه والده حسن لم أعد أذكر).. وجلوساً إبراهيم ميرغني، عمر حسن غلام الله، عمر محمد صالح.. الجميع من دفعة 1974 (دخولاً للجامعة ما عدا شخصي ومحمد السماني دفعة 1975 (دخولاً).. والصورة في الحي الجامعي السويسي الأول بالرباط، وتقريباً التقطت في شتاء 1977م

وحتى لا أنسى، ففيما بعد- ربما في الاجازة الصيفية الأولى او الثانية لا أذكر- كنت مع عمر الإمام النور في وسط العاصمة الرباط، وفي قلب السوق ننتظر حتى يفتح مكتب السفريات ليأخذ عمر تذكرة القطار والباخرة- إذ كان مسافراً في نفس الصباح الى بريطانيا للعمل هناك في اجازة الصيف- وبما أن الوقت كان باكراً، فقد كان المكتب مغلقاً، لذلك قعدنا على الأرض في برندات السوق، وفرشت منديلي وجلست عليه، وتصادف أن مكاننا هذا بقربه محطة حافلات Bus Stop، فكان الناس ينزلون من الحافلة فيمرون من أمامنا في طريقهم الى أعمالهم، وفي أثناء جلستنا تلك نزلن اربع فتيات من الحافلة واتجهن نحونا.. كل واحدة أجمل من الأخرى، وأدناهن جمالاً كانت اجمل من بارجيت باردو، ولاحظت أنهن كن يركزن النظر باتجاهنا، وكلما قربن منا اتضحت النظرة، فركزت نظري على أجملهن، وحين اقتربت كانت هناك ابتسامة عذبة على محياها.. ثم عندما حاذتني قالت لي بوضوح وعينيها في عينيّ: أيا قمراً في فؤادي نزل!

لم استطع التفوه ببنت شفه، فقد ألجمت لساني بجمالها وبابتسامتها وبكلماتها تلك، وعندما أفقت، لم أجد غير نوتة مذكرات عمر لأسجل فيها الدقيقة والساعة والتاريخ الذي حدثت فيه هذه المغازلة الرائعة، وبالطبع سجلت الجملة الجميلة ولا ادري ان كانت بيتاً في قصيدة او اغنية أو كلمات عبرت بها عما في نفسها تجاه شافت السوداني..

بيقولوا في المثل السوداني: (الصندل في بلدو خشب)، وهذا المثل ينطبق على بنات المغرب، فالجمال غالب في هذه البقعة من الأرض، خاصة بنات فاس، فالمغاربة أنفسهم يقولون أن الجمال يوجد في مدينة فاس، وبالفعل، فقد تعرفت فيما بعد على طالبة من شعبة القانون بكلية الحقوق- الدفعة التي بعدنا- وكانت غاية في الجمال والروعة.. وكان شعر نبيلة يغطي ظهرها حتى منتصفه، طويلاً وغزيراً وأسوداً وناعماً.. وكانت من أسرة ثرية، فأبوها تاجر في فاس، ومشهور عن تجار فاس الغنى، فكانت تضع أسورة ذهبية على معصميها (وكان هذا قليلاً بين الطالبات) ..

ولا يداني المغربيات في الجمال إلا الإيطاليات، والفرق بين الجمالين أن الجمال المغربي يزيد بشئ، شئ يفضله العرب:
فرعاء مقبلة عجزاء مدبرة لا يُشتكى قصرٌ منها ولا طول

بالإضافة الى اللون الذي بين الأسمر والأبيض، اي لسن شقراوات، بل لون المنقه، او لون البرتكان الناير.. وغاية الفتاة المغربية ان تتزوج أجنبي، والأفريقي من ضمن الأجانب، وكثير من السودانيين تزوج مغربيات، فهن يفضلن الأجنبي لأن المغربي يجكسا وبعدين يديها شلوت بعد ان ينال ما يريد ويشبع فيرمي بقية الساندوتش، واما الأجنبي وخاصة الأفريقي فهو يلتزم، والسوداني حسب بيئته ما بيقدر يفلفص..

أطفال المغاربة حلوين، اولاد او بنات، فإذا ما كبر الأولاد صاروا ليس كذلك، فالشعر الكثيف في ظاهر الجسم يغلب عليهم، والاخشوشان كذلك..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #40
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-05-2013, 04:21 PM
Parent: #39

الحلقة السادسة عشر

الدفعة الأولى للطلاب السودانيين بالمغرب (1974م)

.. نواصل ..

دفعتنا تلك تعتبر الدفعة الثانية من السودانيين الدارسين في المغرب، وسمعنا أن هنالك دفعة جاءت الى المغرب سنة 1969م، ولكن لم نسمع اي اسم من هذه الدفعة، لا من المغاربة ولا من أي أحد في السودان، وقد وصلت الدفعة التي سبقتنا في العام 1974م، ولم تجد سوداني قبلها غير قاضي يعمل بالقضاء المغربي اسمه ربيع رحمه الله، فقد توفيّ قبل سنوات قلائل، وتاجر سلاح عالمي هو المرحوم ابراهيم النيّل- قيادي في حزب الأمة خرج من السودان عقب انقلاب مايو 1969م- وزوجته هي ابنة القيادي في حزب الأمة عبد الله عبد الرحمن نقد الله، أظن إسمها نور الشام والتي ما زالت بالمغرب حتى هذه اللحظة حسب علمي، كذلك هناك رجل ضنقلاوي كبير في السن كان يعمل ساعياً أو سائقاً في السفارة السودانية، ثم أعضاء السفارة السودانية الذين وصلوا في نفس السنة 1974م، وكان على رأسهم السفير الرشيد نور الدين رحمه الله الذي توفي بحادث مروري في المغرب في العام 1977م تقريباً، إذ كان راجعاً من مدينة فاس فانقلبت السيارة ومات هو والسائق وأحد أعضاء السفارة، لم أعد أذكر اسمه، ربما ابراهيم.. من أعضاء السفارة ايضاً المرحوم عمر سيد طه، وقد توفي بعد سنوات من مغادرته المغرب، وأذكر أنه التحق بالسفارة في السنة الأخيرة لدراستنا عثمان عمر رضوان، وكان على ما أذكر إدارياً، وكان عريساً يوم وصوله، إذ كانت الحنة ما زالت سوداء في يديه، ويبدو أنه لم يكمل شهر العسل ولا اسبوعه، وربما لم يكمل يومه.. وعلمت فيما بعد أنه أحضر عروسه الى المغرب، ثم في عامنا الأخير أيضاً التحق بالسفارة كملحق ثقافي شاعر تبلدية جعفر محمد عثمان عليه رحمة الله- توفي قبل أقل من سنة- وكانوا لطفاء معنا.. لكن انقلبوا علينا حينما كتبت مقالاً في جريدة الصحافة بعنوان: (أغيثوا أولادكم بالمغرب) وتلك قصة أخرى أرجو أن أذكرها لكم لاحقاً..

الدفعة التي قبلنا كان طلابها اكبر مننا بحوالي سنتين على الأقل، لأنهم بعد تخرجهم من الثانوي تأخرت اجراءاتهم لمدة سنتين، اي انهم يحملون شهادة الثانوي لعام 1972م، وبعضهم كان قادماً من العراق، مثل محمد البشرى الذي درس في الجامعات العراقية ثم جاء الى المغرب، ومن دفعتنا قدم ايضاً عدد من الطلاب من الجامعات العراقية مثل ايوب وحمو ومن الجامعات السورية مثل فيصل وهم من اهلنا الحلفاويين.. اما زعيم الدفعة وأولها في الكلية- خاصة في السنة الأخيرة- فهو الأخ عمر محمد صالح، وهو من ابناء الشمالية- جلاس- وهو حالياً أمين عام مجلس الوزراء السوداني، وأذكر أن في امتحان السنة النهائية كان الدكتور عبد القادر القادري- وكان الطلاب يسمونه الفك المفترس لقسوته في تصحيح الامتحانات، وكان يخرج من قاعة المداولات وهو يقول: (أعطيت 60 صفر بيدي دي)- هذا الدكتور على النقيض من ذلك، خرج ذلك اليوم وليس في لسانه غير السودانيين واداءهم الممتاز، وقال ان اجابة عمر في ورقة الإمتحان تصلح ان تكون رسالة ماجستير وليس اجابة في امتحان البكالوريوس..

من ضمن هذه الدفعة عمر باكمبا، وسمير الحلفاوي، والمرحوم حسن إدريس وهو من أبناء امدرمان – وكان ايضاً من الطلاب الممتازين- وقد التقيته في الطائف فيما بعد، وتوفي بها منذ عدة سنوات- ربما عشرة- كذلك من الذين توفاهم الله في السعودية من نفس الدفعة هو حسبو، وقد توفي قبل عمر بعدة سنوات، ايضاً من نفس الدفعة توفي قبل عامين بومدين احمد خليفه، وهو من ابناء كوستي، وقد تخرج من المغرب، ثم عمل بإحدى دول افريقيا- على ما أظن تنزانيا- ثم عاد للمغرب واستقر بها وعمل في الأملاك الخاصة للشيخ زايد بالمغرب، وتزوج بمغربية وانجب منها اطفالاً (ثلاث بنات) رأيتهم في العام 1997م أبان زيارتي لمنزلهم بالرباط، ثم رأيتهم قبل حوالي ثلاث سنوات في تلفزيون السودان الذي نقل حفل تجمع للجالية السودانية بالمغرب، نسأل الله ان يتغمدهم جميعاً بواسع رحمته وان يجعل مثواهم الجنة، ارجو ان تدعو لهم..

من هذه الدفعة ايضاً صديقي الشاعر محجوب البيلي، والذي نشرتُ له عدة قصائد بمحراب الآداب والفنون، وهو من ابناء الشمالية- منصوركتي- وقد بقي في المغرب من عام 74 الى عام 1984م (قعده واحدة) ثم رجع للسودان لمدة شهرين، ثم عاد واستقر بالمغرب، وفي عام 1995 زار السودان مرة أخرى ثم رجع الى المغرب، فقالوا له مؤكد ان زيارتك التالية للسودان ستكون عام 2006م، وللأسف خيب ظنهم، إذ لم يرجع للسودان بعدها، وحتى تاريخه، إذ انتقل للعمل بالامارات العربية المتحدة، وكان قد تزوج بمغربية، توفيت قبل خمس أو ست سنوات، وكنت قد قابلتها اثناء زيارتي للمغرب في العام 1997م، بل وضيفوني في منزلهم بحي اكدال ابان اقامتي بالرباط، نسأل الله ان يتغمدها بواسع رحمته وان يجعل مثواها الجنة، ارجو ان تدعو لها..

كذلك كان من ضمن الدفعة عم الزين (كنا نسميه هكذا لأنه كان يكبرنا كثيراً، وكانت في تلك الأيام مسلسلة اذاعية بإذاعة امدرمان ينشد فيها ابو عركي البخيت:

وعم الزين محكر في قطار الهم
يشرّق يوم، يغرّب يوم ، شهور ودهور
وزي ما الدنيا سكة طويلة مره تهدي مره تعدي مره تدور

عم الزين هذا علمنا انه هاجر لأمريكا منذ عقود من الزمن، اما عبد العزيز فقد سافر الى فرنسا بعد تخرجه، وأذكر له طرفة، فقد كان مسكين لدرجة غريبه، قليل الكلام، وفي يوم من الأيام أوقفه الأمن المغربي وهو يقود موتره، ويبدو ان هناك نقص في اوراقه او انه لم يكن يحمل اقامته في تلك اللحظة، فأخذه الى مخفر الشرطة، واضطر ان يحمل موتره- رغم ثقله- عبر السلالم الى الغرفة تحت الأرض حيث المعتقل، ويحمله الى اعلى عند خروجه، وكان نادراً أن يعتقل الأمن المغربي سودانياً.. عبد العزيز نال الدكتوراة فيما بعد من فرنسا واعتقد انه عمل محاضراً في جامعاتها..

بمناسبة الأمن سأحكي لكم حكاية حدثت لي معه..

الصورة المرفقة تضم من اليمين شخصي الذي اختفى نتيجة مطر مدني، ثم محمد السماني عبد الرازق، محمد عبد الحليم، عصام محمود (نسميه عصام قطر لأنه كان يسكن مع خاله الذي يعمل بسفارة قطر، ثم بعد التخرج عمل هو أيضاً بسفارة قطر)، محمد أبكر ابراهيم، شاع الدين شمو.. الصورة أمام أحد المحلات بشارع محمد الخامس بالرباط في العام 1976 أو 1977م
Ribatsudan2sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #41
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-06-2013, 02:10 PM
Parent: #40

الحلقة السابعة عشر

حكايتي مع الأمن المغربي

.. نواصل ..

الأمن في المغرب- وككل دولة ملكية- قوي جداً، ومن دلائل ذلك ما سردته لكم سابقاً عندما أراد الملك الراحل الحسن الثاني- رحمه الله- زيارة اخيه، فأخلوا الشارع الذي سيمر فيه لمدة ثلاثة أيام، كذلك كنا نرى دوريات الأمن العام (الشرطة) تجوب شوارع الرباط الخالية تماماً في الليل- إلا منا نحن السودانيين- فكنا ما زلنا متعودين على سهر السودان والعودة من السينما - الدور الثاني- ويبدو أن جو الرباط الهادئ ليلاً جلعنا ندمن السينما - الدور الثاني- في الرباط، وبما أن الرباط تنام من الساعة العاشرة، والمواصلات العامة تقف عند الساعة الثامنة او الثامنة والنصف، فكنا نرجع الى الحي الجامعي راجلين، وكنا غالباً نسير في مجموعات من ثلاث او اربع سودانيين..

وعلى ذكر خروجنا من السينما بالليل، وكان العرض الأخير ينتهي حوالي الساعة 11 او 11 ونص، فنجد باعة الجرائد امام السينما وهم ينادون: (العلم ديال غده، لوبنيو ديال غده) ومعناها جريدة "العلم" عدد يوم الغد، جريدة L'opinion عدد يوم الغد، إذ كانت الجرائد تصدر بالليل ويوزع بعضها في نفس الليلة، يعني كنا بناخد الأخبار طازه من الفرن..

نعود لحكاية المشي ليلاً، فاشتهرنا بذلك، وصار الأمن يحفظنا (صم)، فترى الدورية تمر من بعيد ولا توقف احدنا، ولم نكن نرى في الشوارع غيرنا وتلك الدوريات، ويبدو ان المغاربة الذين يدخلون معنا السينما كانوا يسكنون بقرب تلك السينمات، لذلك يتفادون السير ليلاً في شوارع الرباط، حتى مرة قيل لزميل لنا وهو الأخ سيف الدولة ما معناه: بطل تتسارى (حوامة) بالليل، ولم يقولوا له ذلك أثناء تجوله في الليل، بل قالوا له ذلك بالنهار وفي موقف آخر، وهذا يدل على انهم يعرفوننا بالواحد..

في مرة من المرات كنت ومعي زميلين سودانيين منهم ابو زيد محمد صالح- وهو من أبناء الفاشر- وكنا عائدين في وقت متأخر من الليل من منزل أصدقاء تشاديين، فوقفت بجانبنا سيارة الأمن العام، ولأول مرة منذ اقامتي في الرباط يسألونني هذا السؤال: أين هويتك؟ وكان ذلك في العام الثاني، فبحثت عنها في جيوبي فلم أجدها- يبدو انني قد نسيتها في السكن- ولكن، ويا للغرابة، قالوا لي اركب، فركبت سيارة الشرطة، ولم تكن غير فان صغير خالي من المقاعد، ووجدت من سبقنى اليها، ويبدو انهم يقومون بحملة أمنية في هذا الحي (حي المحيط)، ولم أكن آخر الداخلين في السيارة، فظلوا يجوبون الحي وكلما وجدوا احداً سألوه عن هويته، وإذا لم يكن يحملها – وهذا نادر جداً لدى المغاربة- أركبوه معنا، ولكن تفاجأت بأن احدهم كان يقف على شاطئ المحيط وحيداً في تلك الليلة وفي ذلك الظلام، وعندما طلبوا منه الهوية ابرزها لهم، ومع ذلك أركبوه معنا، يبدو ان وقفته تلك غير طبيعية في نظرهم..

وعندما امتلأت السيارة توجهوا بنا الى قسم الشرطة، ولاحظت أن هناك عدد من العساكر في انتظار السيارة، ويقف معهم واحد يلبس زياً مدنياً، وأول ما نزلنا من السيارة، وما إن رآني هذا المدني حتى حياني وسلم عليّ وأدخلني على الفور الى مكتبه، واجلسني وبدأ يتونس معاي ونسة معرفة، وانا عقلي يودي ويجيب، يا ربي ده منو؟ حتى وصل في حديثه معي ان سألني هل حضرت الحفلة؟ قلت له أي حفلة؟ قال حفلة المركز! قلت له أي مركز؟ قال انت ما عرفتني واللا إيه؟

فأسقط في يدي، كنت في اول الحوار اجاريه بالكلام، لكن عند هذا الحد اكتشف ضابط المخفر انني (ودرتو تب) فقال لي: المركز الثقافي الفرنسي! وبالفعل انا كنت ادرس معه، ولكن الذي تراه في الفصل لا تتوقع ان تراه ضابط مخفر.. فقال لي في النهاية وبعد أن تصببت عرقاً لذلك الموقف المحرج، قال لي فرصة سعيدة، وأوصلني حتى باب المخفر ونظرات زملائي المعتقلين تلاحقني باستغراب، وبحسد ربما..

قفلت راجعاً الى سكني، ويبدو أن زملائي قد احضروا اقامتي الى المخفر فوجدوا أنه قد تم اطلاق سراحي..

في عهدنا كانت الاقامة في شكل دفتر شبيه بدفتر الإقامة الذي في السعودية، وفيما بعد- بعد ان غادرنا المغرب اي منذ حوالي ربع قرن او يزيد- صارت في شكل بطاقة، ويبدو أن السعوديين سيحذون حذوهم الآن، فقد بدأوا في اصدار اقامات في شكل بطاقة بلاستيكية.. بل وقد جددت اقامتي وتسلمت بالفعل هذا النوع الجديد.. وأرفق لكم صورة لشارع محمد الخامس بالرباط (منقولة).

Maroc10.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في وسط الجزيرة التي في وسط شارع محمد الخامس بالرباط، والصورة في سبتمبر 1997م..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #42
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 05-06-2013, 03:26 PM
Parent: #41


العزيز / مادنقو
تحياتي
ونحن نواصل معك هذا التوثيق لهذا الزمن الجميل ،،،، وهذه صوره لبعض زملاء الزمن الجميل ،،، وقد تفرق بهم سبل كسب العيس كثيرا
ومن اليمين :عبد المنعم بيومي ومحمود عثمان بكري ابوشنب ومحمد البشري حجازي ومحمد عمر حامد،،،، ولمه بعد زمن طويل وكما يقول
الفنان / محمد الامين ،،،،بعد فرقتنا ديك ،،،مين كان يفتكرك تعود

Post: #43
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-07-2013, 01:07 PM
Parent: #42

شكرا اخي العزيز احمد محيي الدين على الصورة

إنهم الرعيل الأول..
الثلاثة دخلوا الجامعة عام 1975م معي (الدفعة الثانية)، عدا محمد البشرى حجازي 1974م.. (الدفعة الأولى)

نسأل الله لهم ولنا ولكم العافية والصحة وطولة العمر في طاعة الله

Post: #44
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-07-2013, 05:18 PM
Parent: #43

الحلقة الثامنة عشر

السويقة وشارع محمد الخامس

.. نواصل ..

كان بواب الحي الجامعي مولاي اسماعيل عسكري متقاعد، ولصعوبة مراسه لقبه الطلاب السودانيون ب(كارلوس)، فكان لا يسمح لغير قاطني الحي من الدخول اليه، ويحكي كمال شرف (دفعتنا وهو من ابناء كسلا، وقد عمل بعد التخرج في السعودية ثم رجع للمغرب وحضر للدكتوراه وعمل في دائرة الشيخ زايد بالمغرب) يحكي أنه بعد انتقاله من الحي الجامعي مولاي اسماعيل الى الحي الجامعي السويسي الأول، أنه أراد زيارة بعضاً من زملائه القدامى، فبدأ عند وصوله للبوابة في الونسة مع كارلوس- الذي يعرفه حق المعرفة منذ ان كان مقيماً في الحي- وبعد أن اطمأن ان هذه الونسة هي جواز سفره لدخول الحي، وما إن رفع قدمه ليخطو عبر البوابة الى داخل الحي حتى اوقفه كارلوس: فين غادي؟ (ماشي وين).. ممنوع يا سيدي! وفشلت خطة كمال وعاد أدراجه ولسان حاله يقول: فعلاً كارلوس، لا يتغير ابداً.. وفيما بعد أطلق السودانيون اسم (تل الزعتر) على الحي كله..

توسعت معرفتنا بما حول الحي قليلاً، فبعد التعرف على البقالة انتشرنا قليلاً عبر الشارع، فتعرفنا على (الطنجاوي) ويبدو من اسمه انه من مدينة طنجه، وكان يبيع سندوتشات الكفته، وهي بديل لا بأس به لسندوتشات السردين.. وأذكر فيما بعد أنني كنت مسافراً بالقطار الى اسبانيا، وعند حدود مدينة سبته- المستعمرة الاسبانية والتي على التراب المغربي- التقيت بهذا الطنجاوي، ويبدو انه كان مهاجراً للعمل في اوروبا..

كان الحي الجامعي مولاي اسماعيل قريباً من المدينة القديمة، ومن مركز المدينة خاصة شارع محمد الخامس، الشارع التجاري الأكبر والأشهر في الرباط- كما هو في الدار البيضاء- وكنا في عطلة نهاية الأسبوع، وهي يوم الأحد (ناقشنا المغاربة لماذا لا تكون عطلتكم يوم الجمعة- عطلة المسلمين- فقالوا لنا ومن قال لكم ان عطلة المسلمين يوم الجمعة، وسُقط في أيدينا، بالفعل لا توجد عطلة اسبوعية محددة في الإسلام: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ )..

كنا نجوب شارع محمد الخامس من السويقة (سوق شعبي داخل المدينة القديمة) بعد أن نتفرج على البضائع الرخيصة، وعلى المطاعم الشعبية، ونسمع الأغاني الشعبية التي تبث عبر المسجلات في معظم المحلات خاصة محلات بيع الأشرطة، وأحياناً نجلس في قهوة موريطانيا، ونشرب (نيـقرو بالحليب) اي شاي بلبن، ولكلمة شاي بلبن هذه طرفة جميلة، إذ جلس أحد الطلاب السودانيين الجدد في المقهى وطلب من الجرسون شاي بلبن، فاستغرب الجرسون، وقال له: كيفاش (كيف) شاي بلبن؟ فرد السوداني: ايوه شاي بلبن، وظل هذا يردد: كيفاش شاي بلبن؟ وذاك يردد: ايوه شاي بلبن، وعندما لم يقتنع احدهما بكلام الآخر، ذهب الجرسون وأتي بشاي ساده في كبايه، وبلبن (روب) في علبة كرتون.. وهنا أدرك صاحبنا السوداني بالمفارقة في المصطلحات، فاللبن عندهم هو الروب عندنا، واما اللبن عندنا فهو الحليب عندهم.. وهنا ضحك صاحبنا وقدر للجرسون ذكائه إذ لم يأتيه بالشاي واللبن (الروب) ممزوج به، بل أحضره له منفصلاً.. ومن ذاك اليوم صار الجرسون كلما رأي صاحبنا يقول له: (شاي بلبن)..

ومن الطرائف الخاصة بالمطاعم والمقاهي، أن صاحبنا بانقا ومعه أحد الزملاء كانوا في ضيقٍ مادي شديد- وكثيراً ما يحدث هذا خاصة في الإجازة الصيفية عندما تتوقف المنحة الدراسية المغربية وتتأخر منحة الإجازة من السودان- فجلسا في مطعم شعبي داخل سور مدينة الرباط العتيق، فطلبا من الجرسون واحد بصاره وجوج عشائق.. وترجمتها: واحد (كورية) بصاره- وهو الفول المصري المطحون، واتنين ملعقه.. فحكيا تلك الواقعة لنا فيما بعد فصارت من النوادر الطريفة..

أيضاً عندما حضر قريبي عباس وداعه- وهذا جاء بعدنا وما زال بالمغرب حتى الآن- نزلوا في فندق، وقريب من الفندق كان يوجد بائع عصير برتقال، وهو يحسبه يبيع البرتقال نفسه، فأعطاه مبلغاً كبيراً- ربما درهم- واظن كانت كباية العصير بحوالي 20 سنتاً، اي بالدرهم يعطيك خمس كبايات، فصار الرجل يعصر ويملأ الكبايات ويعطي عباس، وعباس يشرب، واضطر صاحبنا ان يشرب خمس كبايات (شب) من عصير البرتقال، وهو لم يفهم لماذا يعصر هذا الرجل كل هذا البرتقال..

أما المقاهي الفخمة في شارع محمد الخامس، فكنا نمر من أمامها فقط ولا نجرؤ على الدخول اليها، ومن ضمن تلك المقاهي مقهى شهير قبالة مبنى البرلمان المغربي- يفصله عنه شارع محمد الخامس- هو مقهى (باليما) وكان هذا المقهى في الهواء الطلق، محاطاً بأشجار وسياج ويوجد على كل طاولة مظلة واقية من المطر ومن الشمس.. دخلت هذا المقهى بعد 22 عاماً، في زيارة لي للمغرب في العام 1997م، وقلت في نفسي خليني ادخل هذا المقهى العجيب الذي كنا لا نرى فيه غير علية القوم ومنهم بعض اساتذتنا في الجامعة.. وعندما دخلت فوجئت بأنه عادي جداً- ربما كان عادي بالنسبة لي الآن في العام 1997م، وأنني لو كنت دخلته في العام 1975م لأحسست بالرهبة وبالفخامة.. او ربما تدهور بفعل عوامل الزمن.. او .. او .. المهم أنني اشفيت غليلي واشبعت رغبة قديمة، ولكني لم اشرب فيه شئ، ببساطة لأن الخدمة كانت فيه سيئة، فلم يأتيني جرسون طيلة فترة انتظاري الطويلة..

المقاهي في المغرب عامة جميلة جداً- حتى الشعبية منها- فالكراسي العادية والترابيز توضع في برندات المقهى فتطل على الشارع تتفرج على الرائح والجاي، واما بالداخل فتوجد المقاعد الوثيرة (Sofa)، وبعض المقاهي لها طابق اعلى (للتجكيس) أو المذاكرة- إذا كان المقهى يقع قريباً من جامعة او كلية- وغالباً ما تكون هناك العاب داخل هذه المقاهي للشباب، وفيها ايضاً اجهزة موسيقى من النوع الذي يعمل بالاسطوانات، فإما أن يلقي الزبون بدرهم معدني بعد ان يختار اغنية بعينها، او أن يشغل صاحب المقهى الجهاز باستمرار فيأخذ الجهاز اوتوماتيكياً اسطوانة تلو الأخرى على مدار الساعة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #45
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-08-2013, 01:21 PM
Parent: #44

الحلقة التاسعة عشرة

.. نواصل ..

شارع محمد الخامس و.. حوريه

كنا نجوب شارع محمد الخامس من السويقة وعبر بوابة المدينة القديمة- وهي احدى البوابات الضخمة في السور الضخم جداً والذي يحيط بالمدينة القديمة (سبق ذكره في التعريف بالرباط)، وعند عبورنا من البوابة نواجه سوقاً للخضر واللحوم على اليمين، ثم نواصل سيرنا فنرى موقف (الستيام ctm) وهو موقف الحافلات الفخمة التي تنقل الركاب من الرباط الى الدار البيضاء وفاس وغيرها من مدن المغرب، لكن في السنة الثانية لوصولنا للمغرب نقل الموقف من هذا المكان، ورأينا حفرة ضخمة في الأرض، ثم بدأت شبكات من حديد التسليح تظهر من جوف الأرض ثم ما لبثت أن قامت أعمدة ضخمة.. ثم في نهاية الأمر قامت عدة عمارات ضخمة جداً ربما ارتفاعها اربعة عشر طابقاً او أكثر.. هذا من ناحية موقف (الستيام ctm)،

أما موقف (الكيران) وأعتقد انها جمع car فمكانه عند باب الحد (الأحد) وهو لا يبعد كثيراً عن هذا الموقف، ولكن نوعية الحافلات اقل فخامة واقل سعراً، وعند باب الحد هذا كنا نجد نساء جالسات وأمام كل واحدة منهن طشت، وكل ما مررنا بمحاذاتهن نادت احداهن علينا: (تصبن)؟ وترجمتها: تغسل؟ اي تغسل ملابسك، وفهمنا فيما بعد أن هؤلاء النسوة تخصصن في غسل الملابس، فيذهبن مع الزبون الى منزله فيغسلن له الحوائج (الملابس) بمبلغ بسيط.. وعلى ذكر (تصبن حوائجك) اي تغسل ملابسك، فهم يستخدمون لكوي الملابس عبارة اخرى، هي (تحدد)، والمكوة (حدّاده)، ونادراً ما يكوي المغربي ملابسه، فإما يأخذها الى الدراي كلين واما يلبسها بدون مكوه.. بالمناسبة المكوه عند السعوديين شئ آخر خلاف ما عندنا.. ولا علاقة له بكي الملابس.. بل ربما له علاقة بما تحت الملابس..

كذلك كنا نجد نسوة بجانب هؤلاء النسوة يبعن شيئاً أشبه بكسرة الحبش، فكنا نشتريها أحياناً ونعمل عليها ملاح ويكه (تقليه).. طبعاً كنا بنجيب معانا خيرات السودان من ويكه ناشفه وكركديه وطحنيه (لا توجد طحنية في المغرب)..

نعود لمواصلة المشوار عبر شارع محمد الخامس، فبعد ان نجتاز موقف الـ (الستيام ctm) تبدأ فخامة الشارع، فكل المحلات على الجانبين ذات مستوى عالي، وفي نفس الشارع توجد الخزينة العامة، وهي تعادل الخزانة العامة عندنا، اما الخزانة العامة عندهم فتعني المكتبة العامة عندنا.. اي خزانة الكتب.. وبعد الخزينة العامة- وربما قبلها لم أعد اتذكر بوضوح- يوجد البريد، وبعدهما يوجد البرلمان المغربي، ومقابله وعبر شارع محمد الخامس- كما اسلفت- يوجد فندق ومقهى باليما، كما يوجد في صف هذا الفندق والمقهى سينما Renascence وتعني النهضة، كما توجد محطة القطار La Gare وينطقها المغاربة دوماً (اللاقار) وهي توجد في صف البرلمان، والقطارات تعبر من تحت هذا الشارع الكبير، وتظل تحت الأرض حتى تخرج من مدينة الرباط، وتوجد محطتان داخل الرباط، هذه التي نحن بصددها وتسمى محطة الرباط المدينة، والأخرى تسمى الرباط أكدال- لأنها توجد في هذا الحي- وهي لا تبعد عن هذه غير كيلومتر او كيلومترين.. وربما ثلاثة.. عند اللاقار يوجد تقاطع كبير لشارع محمد الخامس مع مجموعة شوارع- على ما أظن احدها شارع حسان الذي يؤدي الى صومعة (مئذنة) حسان- وقبل هذا التقاطع، وفي منتصف شارع محمد الخامس، تبدأ جزيرة بين المسارين، تلك الجزيرة مزروعة بالنجيله وعلى جانبيها أشجار النخيل، وهذا المنظر كثيراً ما يشاهده الناس في التلفزيونات متى ما كانت هناك احداث في الرباط، خاصة الاعتصامات امام البرلمان، وفي هذه الجزيرة يجلس الناس ويستريحون والأطفال يلعبون خاصة في المناسبات والعطلات، ولالتقاط الصور التذكارية،

وبمناسبة الصور، في تلك الحقبة كان يوجد مصورون متجولون- خاصة في المناسبات والعطلات- يلتقطون لك الصور ويعطونك ايصالاً لتستلم الصور من ستديو، وكانت مثل هذه الصور في الشارع وفي برندات المحلات الفخمة وفي تلك الجزيرة الخضراء المزدانة بالنخيل، كانت مثل هذه الصور لها وقع خاص وتسجل حقبة جميلة وأمكنة أجمل، ولم تكن غالية، بل في متناول الجميع..

بمناسبة الصور و موقف الـ (الستيام ctm)، فقد تعرفت على طالبة في كلية الطب، كانت مليحة، ولكن اهم من ذلك كانت مسكينة وليس عندها صديق!! عرفتني بها زميلة سودانية كانت تسكن معها في نفس الحي الجامعي، وكنا نسير على ارجلنا خارج الحي الجامعي السويسي، والتقيت بهن، فتركتنا عائشة مسافة خلفهم، وتونسنا، وصارت صديقة لي (ليس بالمعنى المغربي)، فكنت اتحدث معها في امور شتى، وسألتها عن بلدها فقالت انها من صفرو، وهي من جهة فاس، وتشتهر صفرو بالتزلج على الجليد في موسم الشتاء، وعن مهنة والدها قالت إنه (مغرّق) ثم ضحكت، فاستفسرت عن هذا المغرّق، فقالت لي: أوليس المحامي من يحاول إنقاذ المتهم؟ قلت نعم، قالت، ومحامي الدولة (المدعي العام) يريد أن يلبسه التهمه؟ (اي يريد ان يغرقه)، قلت نعم، قالت فإن ابي هو وكيل الملك، أي هو وكيل الدولة، اي وكيل النيابة في منطقة صفرو.. المهم لاحظت على حورية عدم إقامة اي علاقة عاطفية مع اي شاب- وكان هذا نادراً في المغرب- وصارحت عائشة بهذه الملاحظة، فأمنت على كلامي، بل أضافت أن خال حوريه حينما يأتي ليزورها في الحي الجامعي كانت تتردد في الخروج معه..

في أول اجازة لنا بعد انتهاء العام الدراسي الأول كانت حورية مسافرة الى بلدها ومعها صديقتها وزميلتها في كلية الطب جميلة، فذهبت معهم الى موقف الـ (الستيام ctm)، وجاء المصور يعرض علينا تصويرنا، ولحسن الحظ كانت الكاميرا فوريه، فالتقط لنا صورة، وكان شعر حوريه في شكل ضفيره واحدة جاءت من وراء رأسها وبجانب عنقها لتستقر على صدرها وتمتد لتنزل الى قرب نهاية الفستان الذي كانت ترتديه.. اي الى ما بعد وسطها..

وهاهي تلك الصورة وقد وجدتها مؤخراً لدى والدتي في مدني ولكن الأمطار قد فعلت فعلها فيها:

Maroc12.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وعندما قابلتها بعد انتهاء الاجازة الصيفية وجدتها قد قصت شعرها الى حد كتفيها، فسألتها لماذا قصصتي شعرك الحرير؟ فقالت انه يأخذ منها وقتاً كثيراً في تسريحه، وهي طبعاً طالبة طب والوقت بالنسبة لها كالذهب.. والغريب أن شكلها بدأ أجمل بقصة شعرها تلك، وعندما سافرت في اجازة الربيع، وهي اول اجازة بعد بدء العام الدراسي، ورجعت وجدتها قد قصت شعرها اكثر، فأصبح حول رأسها فقط، والغريب أنها كانت أجمل من المرة السابقة أيضاً..

بمناسبة الشعر، مرة رأيت مغربية تسير باتجاهي، وكانت تلبس سروال (ما تتخلعوا، السروال يعني بلغتهم بنطلون)، كانت تسير باتجاهي فرأيت ضفيرتها من بين أرجلها، وكانت الضفيرة من وراء ظهرها.. لكن لطولها برزت للعيان من الأمام.. كان ذلك شديداً علينا نحن السودانيون القادمون من قلب افريقيا وصحرائها الكبرى، التي لفحتني بالحرارات الشموس، فجعلتني منها كعود الأبنوس..

الصورة المرفقة كانت تضمني، فأصابتها عوامل التعرية المدناوية من خريف وأمطار فطمست صورتي وأبقت على الباقين، وهم من اليمين بعد شخصي المختفي: محمد السماني عبد الرازق، محمد عبد الحليم، عصام محمود، محمد أبكر ابراهيم، شاع الدين شمو، والصورة في أحد برندات شارع محمد الخامس بالرباط في عام 1976 أو 1977م

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #46
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-11-2013, 11:30 AM
Parent: #45

الحلقة العشرين

Home sick

.. نواصل ..

عند مغادرتي للسودان ودعني خالي البروف الصادق حسن الصادق وقال لي: شد حيلك.. ولم أفهم مغزاها إلا حينما انتهت رحلتنا السياحية التي بدأت كمشاركة في المسيرة الخضراء، وما إن غادر وفد السودان المغرب متوجهاً الى الخرطوم حتى أحسست باليتم، وفي الليلة الأولى بالحي الجامعي مولاي اسماعيل جاءني إحساس غريب لم أعهده من قبل، شوق جارف للأهل وللوطن، بل شئ أكثر من الشوق، لا أدري كنهه.. حينها تذكرت وصية خالي: شد حيلك.. فعلمت ما كان يرمي إليه، فلابد أن اشد حيلي لأتحمل جحيم فراق الأهل.. لقد جرب خالي ذلك أبان ابتعاثه لدراسة الماجستير في امريكا، لذلك فقد توقع ما سيحدث لي.. نعم لقد جرفني حزن طاغٍ لدرجة أنني تمنيت أن تتعثر اجراءات تسجيلي في الكلية لأرجع لأهلي فوراً!!

أول خطاب وصلني من السودان كان من بن خالي الذي تربى معي في حي 114 وهو عادل سراج حسن، وكان يسكن في منزل جدي، ووقتها كان يدرس في مدرسة مدني الأهلية (ب)، ويبدو أنه أرسل الرسالة قبل أن استقر في الرباط- فقد كنت أرسل كروت مناظر وخطابات من كل مدينة نزلنا بها بدءاً بأغادير مروراً بمراكش وانتهاء بكازابلانكا- وعلى ما أذكر وصلتني عبر عنوان السفارة.. المهم هذه الرسالة الأولى عندما بدأت اقرأها أحسست أن شيئاً من جوفي يتحرك للأعلى.. لم أعرف ماهو، لكنه حين وصل الى صدري أحسست بضيق في صدري، ثم ارتفع ذلك الشئ الى عنقي، فإذا حلقي ينسد، وإذا عبرة تخنقني، ثم خرجت العبرة دموعاً غزيرة.. لم يكن في خطابه ما يجعلني أبكي، فقد كان خطاباً عادياً، ولم أصل في قراءته الى نصفه ولا حتى الى ربعه، ولكن لأنه أول خطاب يصلني من السودان، ولأنه أشعرني أنني خارج السودان، وانني بعيد عن اهلي وعشيرتي.. وكنت في سريري في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وجاري المغربي الذي أخبرتكم عنه في السابق كان قد لاحظ إجهاشي بالبكاء، فقال بصوت رقيق ومواسي ما معناه: عسى ألا يكون هناك مكروه، ويريد ان يقول عسى ألا يكون هناك خبر سيئ في هذا الخطاب..

فيما بعد لجأنا الى وسيلة جديدة لم تكن مألوفة لإرسال الرسائل واستقبالها، ألا وهي التسجيل الصوتي، فكنا نسجل حديثنا ونرسل الشريط بالبريد الى أهلنا، ويصلنا الرد كذلك بالبريد.. وأذكر أن أول شريط وصلنا كان مسجلاً لي فيه حديث اهلي، وأغنية محمد جباره الشهيرة في ذلك الزمان: بحر الموده

شوفى الزمن يا يمه ساقنى بعيد خلاص
دردرنى .. اتغربت .. واتبهدلت ورينى الخلاص
ساقنى القدر منك بعيد .. جرعني كأس
***
يا يمه يا فيض الحنان الما كمل
يا يمه يا بدرى البشع دايماً يهل
يا يمه يا نور الصباح وكتين يطل
واشرى يا (زينوبه) ولدك فى دروب الشوق كتل
محروم من الحب والمحنه وراك همل
***
يا يمه يا بحر المودة وكت يفيض
يا يمه يا شعلة أمل زادت وميض
يا يمه يا عنقود كلام منظوم قريض
يا يمه يا نغماً حنين بالشوق يرن
وافكارى فيهو .. بيرتعن
دمعاتى شانو .. بينزلن
***
واتذكرك يا يمه
فى الدغش النسايمو يهبهبن
قايمى الصباح متكفلتى
شايلى الحليلى على المراح
والساعة ديك يادوبو ديكنا بدا الصياح
والطير صغارو يغردن.. جبتى اللبن بانشراح
***
واتذكرك يا يمه في ساعة الهجير
صالاكى نار الدوكى عُستيلنا الفطير
رشيتى.. قلتى اكلوهو خير
واتذكرك يا يمه يا بسمة الطفل الغرير
وكت الخلوق ترقد تنوم
واسهر براى أرعى النجوم
والشوق يرف جنحيهو بى فوق لى يحوم
اهتف باسمك فى الخيال
طيفك كمان بي فوقى جال
واتمنى لو لحظات يدوم .. لكنى فجأة القاهو زال
***
واتذكرك يا يمه ساعة الناس يجونا من البلد
ناعم ترابو على جسيماتن رقد
ريحة التمر فوق الهدوم لون الخدار خالف لبد
والشوق أوارو بيشتعل كان ظنى فيهو يكون خمد
***
واتذكرك يا يمه والناس قالو قايمين البلد
رصو الهديمات ..عدلوا
ركبوا اللوارى وقبلوا
خلونى وحدى بلا أنيس
كيف انفرادى ..اتحملوا
شالوا السلام أنا مني ليك
وان شاء الله عندك يوصلوا
***
يا يمه ساعة يوصلوا ويقولوا ليك شفناه فى بلد الامان
مبسوط ورايق فى امان
أنبسطى يا نبع الحنان
وانا حالى يشهدبو الزمان
يا يمه رسلى لى عفوك
ينجينى من جور الزمان

كان معي مجموعة من الأخوة السودانيين في تلك اللحظة، أذكر منهم جمال ميرغني والنور محمد احمد، المهم الجميع بدأ بالبكاء.. وعندما انصرفوا قال لي جاري المغربي: لأول مره أبكي منذ زمن بعيد.. فقد أبكيتموني عندما بكيتم.. ويبدو أنه أحس بما أحسسنا به، فهو أيضاً بعيد عن أهله، فهم كما أسلفت من جهة أغادير في أقصى الجنوب المغربي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #47
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-12-2013, 11:54 AM
Parent: #46


الحلقة الحادية والعشرين

نواصل ..

الإذاعة المغربية وأغنية يا وطني

كانت الخطابات عندما تصلنا نحس بفرح غامر، فرح الطفل عندما تهديه لعبة، او حلوى، وكان تأخر وصولها يصيبنا بالاكتئاب- خاصة خطابات الجكسويات- لقد كان بعض الزملاء يساومونك على خطابك بمبالغ مالية او هدية حتى يعطونك إياه، لقد كانت الخطابات هي همزة الوصل الوحيدة بيننا وبين الوطن، ففي ذاك الزمان لم تكن هناك فضائيات، فالتلفزيون أرضي يغطي جزء من مساحة السودان، واما الإذاعة فلا تكاد تُسمع في بورسودان، ناهيك أن نسمعها في الرباط، وطبعاً بالضرورة لم يكن هناك ايميل ولا مسنجر ولا خلافه..

ذكرتني حكاية الإذاعة دي قصة جميلة، ففي مرة كنت استمع لإذاعة الرباط من جهاز الراديو/ المسجل الذي كنت قد اشتريته من اخينا محجوب البيلي، وكان البرنامج (ما يطلبه المغتربون) والمقصود طبعاً المغتربين المغاربة، فهم كُثر في أوروبا.. وطبعاً كانت اغاني البرنامج الأولى كلها مغربية.. ثم أطالت المذيعة قراءة اهداءات المغتربين المغاربة للأغنية الأخيرة، ولكثرة هؤلاء الذين يطلبون الأغنية؛ فقد بدأ لحن الأغنية في الظهور والمذيعة ما زالت تقرأ اهداءات المستمعين.. لقد بدأ لحن مقدمة الأغنية مألوفاً لدي.. وما إن انتهت المذيعة من اهداءات آخر مغترب حتى بدأ المغني يغني الأغنية، وكانت الأغنية:

يا وطني

يا وطنى يا بلد أحبابى فى وجودى احبك وغيابى
يا الخرطوم يا العندى جمالك .. جنة رضوان
طول عمرى ما شفت مثالك.. فى اى مكان
انا هنا شبيت يا وطني.. زيك ما لقيت يا وطني
فى وجودى أريدك وغيابى
يا وطني يا بلد أحبابى
بتذكر فيك عهد صباي.. على شاطئ النيل
وحبيبى الساهر معاي.. أسمر وجميل
انا بفخر بيك يا وطني
بالروح افديك يا وطني
يا وطنى يا بلد أحبابى فى وجودى احبك وغيابى
ياحليلك وياحليل ايامك
على بالي دوام
وقلبى عايش لغرامك.. ما بعدو غرام
طول عمري ما شفت مثالك في اي مكان
كانت أيام يا وطني
زى الأحلام يا وطني
يا وطنى يا بلد أحبابى فى وجودى احبك وغيابى

نعم، لقد كان المغني هو سيد خليفه- اسأل الله له الرحمة والمغفرة، أدعو له بالرحمة معي- وما إن بدأ سيد خليفه الأغنية حتى تلاحقت دموعي، لم تكن دموعي ساهلة كما تظنون، ولكن من عاش مثل ما عشت فسيعرف مغزى ذلك..

وللعلم فإن الفنان سيد خليفة كان معروفاً جداً في المغرب، فقد قال لي زملائي الطلاب المغاربة في الجامعة أنهم عندما كانوا في الابتدائية، كانوا ينشدون في طابور الصباح نشيد يا وطني للفنان سيد خليفه، اي أنهم كانوا يفعلون ذلك في أواسط وأواخر الستينات.. وطبعاً يعرفون ايضاً أغنية (إزيكم).. سأحكي لكم لاحقاً زيارة سيد خليفة ومحمد ميرغني لنا في المغرب (بس ذكروني).

فيما بعد وعندما اغتربت في السعودية، كنت أحياناً أجد أحد الزملاء الفلبينين في حالة اكتئاب، فاسأله ما بك؟ فيقول لي Home sick وتفسيرها طبعاً هو فقدان مشاهدة الأهل والبعد عن الوطن، اي ما ذكرته في الفقرات السابقة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #48
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 05-12-2013, 02:57 PM
Parent: #47


صوره من الزمن الجميل ومن ارشيف الزميل / محجوب البيلي،،،، وهي تمثل زياره المرحوم الفنان / سيد خليفه للرباط وتلك الزياره الشهيره
من اليمين عبد الرؤف موظف بالسفاره السودانيه وثم طلحه جبريل والفنان سيد خليفه وثم الفنان / محمد ميرغني والزميل / محجوب البيلي

Post: #49
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-13-2013, 05:13 PM
Parent: #48


الحلقة الثانية والعشرون

سيد خليفة ومحمد ميرغني.. في المغرب

.. نواصل ..

سأحكي قصة زيارة سيد خليفة ومحمد ميرغني لنا في المغرب، حتى لا أنسى، رغم انها حدثت في السنة الثانية لوجودي بالمغرب.. اي سنة 1976م أو 1977 تقريباً..

بينما انا خارج من الجناح الذي اسكنه في الحي الجامعي السويسي الثاني، إذ لمحت على الباب ورقة ملصقة بها اعلان عن حفلة بالحي الجامعي مولاي اسماعيل، يغني فيها الفنانان سيد خليفة ومحمد ميرغني، ففرحت فرحاً شديداً أفرح صديقي مصطفى محفوظ طالب كلية الطب، الذي أوصلني بموتره الى مكان الحفل.. وتفاجأت هناك بوجود خالي علي ميرغني عازف الكمان المشهور وسكرتير اتحاد الفنانين وقتها- رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن اولئك رفيقاً، أسألكم الدعاء له- ووجوده زادني فرحاً على فرح، وكان يرأس الوفد الفني هذا، وبالفعل غرد الفنانان في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وفرح المغاربة ايما فرح بوجود سيد خليفة لحماً ودماً بينهم..

رقصنا في ذلك الحفل، ولم يكن هو الحفل الوحيد، فقد أقاموا حفلاً آخر في مسرح محمد الخامس، وهو المسرح الرئيسي والأكبر في الرباط، وحضر الحفل هذه المرة مسؤولون مغاربة بالإضافة الى اعضاء السلك الدبلماسي السوداني، وامتلأ المسرح بالناس، وغنى سيد خليفة تلك الأغاني الخفيفة، فطلبنا منه ان يغني الأغاني التي تعجبنا كأغاني ادريس جماع، والأغاني الجميلة: انا لو رضيت بالهم ما بيرضى بي همي، واشباهها، فقال لنا: (انا جيت اغني للمغاربة، وانتو بتسمعوني كان في السودان او في الاذاعة او المسجلات).. اي انه يريد ان يطرب المغاربة بالأغاني الخفيفة السريعة الإيقاع، وقد غير بعض الكلمات في اغانيه لتتوافق مع اللهجة المغربية، اذكر منها:

ازيكم .. كيفنكم .. انا لي زمان ما شفتكم
ازيكم .. لا باس عليكم (وهو سلام المغاربة)
في الحي معاكم.. وأنا ليكم جار
وعندما ينطق كلمة الحي يضيف لها كلمة (هنا) ويشير بأصبعه الى الأرض، اي في الحي الجامعي مولاي اسماعيل..
طبعاً في الخليج يغني نفس الأغنية ويغيرها:
ازيكم .. كيفنكم .. انا لي زمان ما شفتكم
ازيكم .. إيش لونكم (وهو سلام الخليجيين)

وبعد انتهاء الحفلات تلك كنت ازور خالي في الفندق الذي ينزلون فيه، ووجدت هناك بعض زملائنا الطلاب السودانيين، وبينما انا جالس مع خالي في غرفته اعطاني العود وقال لي: (امشو لسيد في أوضتو يغني ليكم).. فذهبت الى سيد خليفه واعطيته العود وقلت له ان خالي قال ليك غني لينا.. فرفض اولاً (مازحاً) ثم اخذ العود وبدأ يغني لنا تلك الأغاني التي نحبها.. وقد غنى اغنية لم نسمعها من قبل، وكانت حزينة جداً، فطأطأنا رؤوسنا مستمتعين بها ومتأثرين أيما تأثر بها، سيما زميلي بومدين احمد خليفة – رحمه الله رحمة واسعة وادخله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً، أسألكم الدعاء له- وكان أن حضر خالي علي ميرغني رحمه الله ووجدنا على تلك الحال، فقال لسيد خليفه: (بكّيتهم ياخي)..

وسألنا سيد خليفه عن تلك الأغنية فقال ان فلاناً (نسيت اسمه) قد اعطاها له، وقبل ان يكمل لحنها مات هذا الشاعر، وهو لا يذكر غير هذه الأبيات التي غناها لنا، وللأسف لم اسمع هذه الأغنية بعد ذلك ابداً..

مرفق صورة تضم بعض الطلاب مع الفنانين سيد خليفة ومحمد ميرغني أبان زيارتهم المذكورة الى المغرب، وهي تضم من اليمن الزميل عبد الرؤوف، ثم طلحة جبريل، ثم سيد خليفة، ثم محمد ميرغني، ثم محجوب البيلي، والصورة من ألبوم الزميل محجوب البيلي

SaeedKhalifa.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


جاءت سيارة من السفارة لتنقل الوفد الفني الى السفارة، فذهبت معهم، وكان في السيارة خالي وعلي ميرغني، وسيد خليفه ومحمد ميرغني، وكلما رأي سيد مغربية جميلة في الشارع عبر بطريقة مرحة عن احساسه بالجمال، وكنا طوال الرحلة نضحك مع تعليقاته رحمه الله.. فيما بعد عند رجوعنا للسودان قابلت خالي علي ميرغني ومعه الفنان محمد ميرغني، وكان ذلك في موقف بصات مدني (كانوا في رحلة فنية الى مدني) فما إن رآني محمد ميرغني- وقبل أن أصله وأسلم عليه- حتى قال لي: (الجابك من البلد السمحة ديك شنو؟) لقد اعجبتهم المغرب ايما اعجاب..

نسيت أقول ليكم أن السلطات المغربية سلمتنا- نحن الطلاب الذين شاركنا في وفد المسيرة الخضراء- عبر السفارة وسام المسيرة الخضراء، وبطاقة مشاركة، وما زلت احتفظ بالوسام حتى الآن، وقد سمعت أن له قيمة خاصة في المغرب، لكني لم استخدمه إلا عندما كنت في الطائف بالسعودية وأردت زيارة المغرب، وكان ذلك عام 1985م، اي بعد سبعة أعوام من تخرجي.. وسأذكر تلك القصة لاحقاً بمشيئة الله..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #50
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-13-2013, 05:20 PM
Parent: #48

عزيزي احمد محيي الدين

شكراً على الصورة.. وكنت أنوي بالفعل إنزالها في الحلقة التالية- وقد فعلت- وهي فعلاً من أرشيف الأخ العزيز محجوب البيلي..

ملاحظة على تعليقكم تحت الصورة.. فإن الأخ عبد الرؤوف زميلنا في نفس دفعتنا، وليس موظفاً في السفارة، وهو حالياً في كندا.. وقد مرّ علي قبل حوالي عقد من الزمان في مكتبي ببرج دله بجدة قادماً من كندا.. التحية له ولك وللبيلي وطلحه ومحمد ميرغني ورحم الله سيد خليفه

Post: #51
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-18-2013, 02:15 PM
Parent: #50

الحلقة الثالثة والعشرين

الفنيدق وريستينقا

.. نواصل ..

في المغرب يهتمون بالطلاب وبراحتهم وبترفيههم، فكنا نجد ملصقات في أبواب أجنحة الحي الجامعي تدعو الى رحلة ترفيهية الى مناطق سياحية، وكان بعضها ينظمها اتحاد الشباب المغربي او شئ من هذا القبيل، واحياناً ينفذها الحي الجامعي، وكانت الرسوم رمزية، ومؤكد أن تكلفة الرحلة أكثر من ذلك بكثير، ولكن يدفع الباقي الاتحاد او الحي الجامعي، ففي مرة اشتركنا في احدى هذه الرحلات، وكانت الى الشمال، وبالتحديد الى منطقة تسمى الفنيدق، وهي قريبة من مدينة سبته (المستعمرة الاسبانية في التراب المغربي)..

كان معي من السودانيين في هذه الرحلة محمد ابكر ابراهيم- من امدرمان حي العمده- وجمال ميرغني من الخرطوم حي الزهور- وتجمعنا في مقر الجمعية وتحرك بنا البص باتجاه الشمال.. وفي الطريق كانت توجد نقاط تفتيش- الهم الأمني في الدول الملكية وكذلك في الدول العسكرية هو المسيطر دائماً- المهم في نقطة التفتيش صعد العسكري الى البص يسأل كل راكب عن هويته، وعندما وصلنا- وكنا ثلاثتنا نجلس في مقاعد متجاورة- رطن معي بالفرنسية، وكنت الأقرب اليه إذ كنت في مقعد الممر، فتحدثت معه بالعربية، فقال لي تعرف العربية قلت نعم، قال من أين انت قلت من السودان، وكالمعتاد قال لي: جعفر نميري؟ قلت نعم، وكانت اقامتي في يدي لأعطيها له، فلم يمد يده لي ولا لزميلي محمد ابكر- فكلانا سودانيو السحنة والملامح- وانما مد يده لجمال ميرغني، وكان مغربي اللون والملامح، وما إن مد جمال بإقامته للعسكري، ولاحظ العسكري انها اقامة أجانب وليست بطاقة مغربي حتى سحب يده دون أن يأخذها، وقال سوداني برضو؟ لقد كان لنا نحن السودانيون مكانة في نفوس المغاربة..

ووصلنا الى الفنيدق، وكانت الفنيدق عبارة عن فندق على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، ومن خلف الفندق سلسلة جبال.. ويبدو أن اسم الفنيدق سببه هذا الفندق، فليس هناك شئ آخر في المنطقة غير هذا الفندق.. كان مكاناً رائعاً للراحة والاستجمام.. ودخلنا الفندق، وكل شخصين استلما مفتاح غرفة، وعلى ما أظن كل ولدين في غرفة وكل بنتين في غرفة، لكن لاحظنا فيما بعد أن المغاربة (شكوها ووزعوها من جديد، وبقت الدامه مع الولد والولد مع الدامه، والشياب براهم- زي حالتنا- مع اني الزمن داك كان عمري عشرين سنة بس..) طبعاً نحن ما كنا عارفين انو ممكن حاجات زي دي بتحصل، عشان كده ما نسقنا كويس من الأول، وكنا برالمه ساااااااكت.. المهم حصرنا استمتاعنا بالطبيعة الساحرة للبحر والجبل والرمال الناعمه، والوجبات الشهية المجانية- ضمن المبلغ الزهيد الذي دفعناه- اضافة للونسة..

على مسافة من الفنيدق كانت هناك قرية فيها البضائع الأسبانية- ربما كانت (كابو نيقـرو) وهي كلمة اسبانية معناها (الرأس الأسود) ويبدو أن الجبل الذي في المنطقة يشبه رأس الزنجي لذلك سمي بهذا الإسم، او ربما كانت القرية هي الفنيدق نفسها، وانها قرية نمت قرب الفندق، او العكس ان الفندق بني قرب القرية- لم اعد أتذكر جيداً- المهم اننا تسوقنا في هذه القرية من البضائع الاسبانية (المهربة) او التي تأتي من سبته بدون جمارك- فالجمارك توجد على مسافة بعيدة من منطقة الشمال في طريق الرباط، فإذا كان حملك من البضائع كبيراً فربما تعرضت لدفع جمارك، ولكن الحاجات الخفيفة (صحبة راكب) لا تدفع جمارك لها..

في رحلة أخرى ذهبنا الى ريستنيقا، وهي منطقة في الشمال أيضاً، وتفاصيل هذه الرحلة كرحلة الفنيدق تماماً، إلا أنني أذكر شيئاً وهو أن الحافلات مرت في طريقها مدينة تطوان، وهبطنا في باب النوادر وتبضعنا منها، وطبعاً مررت على دار أصدقائي آل محفوظ.. فأعدت لي الخالة عائشه ام مصطفى صديقي ساندوتش بالكفتة- كفتة مدردمه في شكل كرات- أكثرت في الخبزة التخينة كمية الكفتة حتى لتكاد تتمزق الخبزة، رغم تكراري لها بأن الوجبات توفرها لنا الرحله، ولكنها اصرت، فحملت الساندوتش منها.. رحم الله الخالة عائشه وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنة.. لقد كان لي نعم الأم في الغربة.. جعلتني أحد أبنائها.. المهم أخذت معي الساندوتش وأكلته عندما وصلت الى الفنيدق، ثم جاءت الوجبة الفندقية فكانت بطني ملأي بالكفتة.. وقد وجدت صورتان لي في ريستينقا ومعي بعض الزملاء المغاربة ونحن نقف فوق درج مؤدي للفندق:

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudansudan007.2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

والصورة الثانية لي في ريستينقا

Maroc13.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد وجدت أنني كتبت خلف الصورة ما يلي:
(ريستنكا- شمال المغرب في 14 مايو 1978م- معي مجموعة من الأخوة المغاربة بينهم الأخ ستيتو في الوسط مع الواقفين- عمر حسن غلام الله)..
الشئ الذي استغربت له لماذا ذكرت فقط ستيتو؟ ولماذا لم أكن أعرف اسماء البقية؟ ومن هو ستيتو هذا الذي ذكرته؟ لقد أصاب الذاكرة الضباب فلم أتذكر الشخصية صاحبة الإسم ولا الشكل دلني على تلك الشخصية في الصورة.. وأظن أن الذي يقف على يمين الناظر في الصورة هو مصري..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #52
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-19-2013, 04:00 PM
Parent: #51

الحلقة الرابعة والعشرين

طنجه

.. نواصل ..

في رحلة أخرى ذهبنا الى مدينة طنجة، ويا لروعة طنجة، واهلها ينطقونها (طنزه)..

وأدرج لكم نبذة عن مدينة طنجة استقيتها من موقع وزارة الثقافة المغربية:

مدينة طنجة

تتميز طنجة بكونها نقطة التقاء بين البحر الأبيض المتوسط من جهة، و بين القارة الأوروبية والقارة الإفريقية من جهة أخرى. هذه الوضعية الإستراتيجية الهامة مكنتها من الاستئثار باهتمام الإنسان، وجعلت منها محطة اتصال وعبور وتبادل الحضارات منذ آلاف السنين، مما تشهد عليه المواقع والبقايا الأثرية المتواجدة بطنجة ومنطقتها، والمنتمية إلى حضارات ما قبل التاريخ وحضارات الفنيقيين والبونيقيين التي ربطت اسم طنجة في أساطيرها العريقة باسم " تينجيس " زوجة " آنتي " ابن" بوسايدون " إله البحر و " غايا " التي ترمز للأرض.

ثم الفترة الرومانية التي خلالها أصبحت طنجة تتمتع بحق المواطنة الرومانية، بل من المحتمل جدا أن روما جعلت من طنجة عاصمة لموريتانيا الطنجية، المقاطعة الغربية لروما بشمال إفريقيا.

بعد فترة من السبات، استعادت طنجة حيويتها مع انطلاق الفتوحات الإسلامية لغزو الأندلس علي يد طارق بن زياد سنة 711م، ثم من طرف المرابطين و الموحدين الذين جعلوا من طنجة معقلا لتنظيم جيوشهم و حملاتهم. بعد ذلك تتالت على طنجة فترات الاحتلال الإسباني والبرتغالي والإنجليزي منذ 1471م إلى 1684م، والتي تركت بصماتها حاضرة بالمدينة العتيقة كالأسوار و الأبراج والكنائس.

لكن تبقى أهم مرحلة ثقافية وعمرانية مميزة في تاريخ طنجة الوسيط والحديث هي فترة السلاطين العلويين خصوصا المولى إسماعيل وسيدي محمد بن عبد الله. فبعد استرجاعها من يد الاحتلال الإنجليزي سنة 1684م في عهد المولى إسماعيل، استعادت طنجة دورها العسكري والدبلوماسي والتجاري كبوابة على دول البحر الأبيض المتوسط، و بالتالي عرفت تدفقا عمرانيا ضخما، فشيدت الأسوار والحصون والأبواب. وازدهرت الحياة الدينية والاجتماعية، فبنيت المساجد والقصور والنافورات والحمامات والأسواق، كما بنيت الكنائس والقنصليات والمنازل الكبيرة الخاصة بالمقيمين الأجانب، حتى أصبحت طنجة عاصمة ديبلوماسية بعشر قنصليات سنة 1830م، ومدينة دولية يتوافد عليها التجار والمغامرون من كل الأنحاء نتيجة الامتيازات الضريبية التي كانت تتمتع بها.

أسوار المدينة العتيقة : تمتد على طول 2200م، مسيجة بذلك الأحياء الخمسة للمدينة العتيقة : القصبة، دار البارود، جنان قبطان، واد أهردان، و بني إيدر، بنيت أسوار المدينة على عدة مرا حل، و التي من المحتمل جدا أنها بنيت فوق أسوار المدينة الرومانية "تينجيس". تؤرخ الأسوار الحالية بالفترة البرتغالية (1471-1661م)، إلا أنها عرفت عدة أشغال الترميم و إعادة البناء والتحصين خلال الفترة الإنجليزية (1661-1684)، ثم فترة السلاطين العلويين الذين أضافوا عدة تحصينات في القرن 18م، حيث دعموا الأسوار بمجموعة من الأبراج: برج النعام - برج عامر - برج دار الدباغ و برج السلام . كما فتحوا بها 13 بابا منها: باب القصبة - باب مرشان- باب حاحا - باب البحر- باب العسة - باب الراحة و باب المرسى.

قصبة غيلان : تقع على الضفة اليمنى لوادي الحلق, على الطريق المؤدية إلى مالاباطا شرق المدينة العتيقة، تم بناؤها حوالي 1664م، و يرتبط اسمها باسم الخدير غيلان قائد حركة الجهاد الإسلامي ضد الاستعمار الإنجليزي الذي احتل مدينة طنجة ما بين 1662م و 1684م، وتتوفر القلعة على جهاز دفاعي محكم، عبارة عن سورين رباعيا الأضلاع محصنين ببرجين نصف دائريين و بارزين، تتوسطهما باب عمرانية ضخمة.

قصر القصبة أو دار المخزن : تحتل هذه البناية موقعا استراتيجيا في الجهة الشرقية من القصبة, من المرجح جدا أنه استعمل خلال فترات أخرى من التاريخ القديم. بني قصر القصبة أو قصر السلطان مولاي إسماعيل في القرن الثامن عشر الميلادي، من طرف الباشا علي أحمد الريفي، على أنقاض القلعة الإنجليزية « uper castel »، وهو يحتوي على مجموعة من المرافق الأساسية: الدار الكبيرة، بيت المال، الجامع، المشور، السجون، دار الماعز والرياض. في سنة 1938م تحولت البناية إلى متحف إثنوغرافي و أركيولوجي لطنجة و منطقتها.

الجامع الكبير : على مقربة من سوق الداخل يتواجد الجامع الكبير. تم تحويله إلى كنيسة خلال فترة الاستعمار البرتغالي، بعد استرجاعه في سنة 1684م عرف عدة أعمال ترميم و توسيع خلال الفترة العلوية.

تتميز هذه المعلمة ببهائها وغنى زخارفها، حيث استعملت فيها كل فنون الزخرفة من فسيفساء و زليج وصباغة ونقش ونحت و كتابة على الخشب و الجبس. يحتوي الجامع الكبير على بيت للصلاة مكون من ثلاثة أروقة متوازية مع حائط القبلة وصحن محاط من كل جانب برواقين، و بذالك فهو يعتبر نموذجا للمساجد العلوية المعروفة ببساطة هندستها.

جامع الجديدة : يعرف كذلك باسم جامع عيساوة وأحيانا بمسجد النخيل، يقع أمام الزاوية العيساوية على زنقة الشرفاء.. يتميز المسجد بمنارته ذات الزخارف الفسيفسائية.

جامع القصبة : يوجد بزنقة بن عبو، بني في القرن الثامن عشر الميلادي من طرف الباشا علي أحمد الريفي، و يعتبر من ملحقات قصر القصبة أو ما يسمى بدار المخزن.

السفارة الأمريكة :تعتبر هذه البناية أول مؤسسة أصبحت في ملكية الولايات المتحدة خارج أمريكا بعد أن أهداها لها السلطان مولاي سليمان الأول سنة 1821م. فبعد أن استعملت كسفارة أمريكية بالمغرب لمدة 135 سنة تم إخلاؤها لفترة حتى حدود سنة 1976م حيث أصبحت متحفا للفن المعاصر. تحتوي البناية على فناء وسط يذكر بنموذج العمارة الإسبانية الموريسكية، تحيط به مجموعة من القاعات المخصصة لعرض مجموعة من اللوحات الفنية التي أنجزت في المغرب خلا ل القرنين الثامن عشر الميلادي والتاسع عشر الميلادي. كما يوجد بها خزانة عامة للكتب الإنجليزية وخزانة متخصصة في تاريخ المغرب العربي وقاعات أخرى للدراسة والبحث، بالإضافة إلى أنها تعتبر فضاء مناسبا لاحتضان مجموعة من الأنشطة الثقافية والموسيقية بالمدينة.

الكنيسة الإسبانية :بعد أن قضت البناية فترة في ملكية أسرتين يهوديتين خلال القرن الثامن عشر الميلادي اشتراها السلطان محمد بن عبد الله حوالي 1760م، تم إهداؤها للحكومة السويدية لتؤسس بها أول قنصلية لها سنة 1788م. وفي 1871م استغلها الحاكم الإسباني ليجعل منها إقامة للبعثة الكاثوليكية، فبنى بها كنيسة كبيرة سماها "لابوريشيما" على السيدة مريم أم المسيح. لكن منذ حوالي ثلاثين سنة، ولأنه لم يعد يتردد المسيحيون على الكنيسة بكثرة، أصبحت المؤسسة تعنى بأنشطة اجتماعية مختلفة. أما حاليا فلم يبق من البناية سوى الجزء العلوي من السلم الرئيسي.

Post: #53
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-20-2013, 12:11 PM
Parent: #52

الحلقة الخامسة والعشرين

طنجة مسقط رأس بن بطوطة (سيد الإسم)

.. نواصل ..

نزلنا في فندق في وسط المدينة القديمة، وأجمل ما في هذا الفندق هو أنك عندما تخرج من بوابته الرئيسية، تنزل في درج طويل ومتعرج حتى تصل الى الشارع.. وهذا بسبب أن طنجه فيها مرتفعات وجبال، لذلك تجد مباني وعمارات مبنية فوق جبل، وأخرى في شبه وادي.. كان منظراً جميلاً وممتعاً أن تنزل من شارع لشارع عبر درج..

في المدينة القديمة أيضاً توجد السويقة، وهي أزقة ضيقة ومزدحمة بالدكاكين والبسطات، وايضاً تجد دكاكين تصعد اليها بدرج، كأنها في دور أعلى، وهي ليست كذلك، وإنما تركيبة االسويقة هي هكذا، فعبر الدرج تنتقل من مستوى الى مستوى آخر من السوق، وهي ليست في شكل عماره بها عدة طوابق، وانما هي كالمدرجات، بعض الدكاكين تكون في مدرج أعلى من الآخر.. وهكذا..

اما البضائع فكانت معظمها اسبانية الصنع، فما بين طنجة واسبانيا مضيق جبل طارق فقط، وتتنوع البضائع الاسبانية من الملابس الى الأواني المنزلية الى العطور الى الاكسسوارات الى الأدوات والمعدات الكهربائية.. بالإضافة الى الصناعة التقليدية المغربية من مصنوعات جلدية واكسسوارات وملابس وأحذية وأحزمة جلدية..

لاحظنا وجود أناس بدويون في طنجة، تلبس نساؤهم زياً شبه موحد، بل هو موحد، إذ يلبسن فوق ملابسهن غطاء سميك يلففن به اجسادهن لونه أحمر مخطط بالأبيض، او أبيض مخطط بالأحمر، ويلبسن قبعات من ا لقش كبيرة، وهذا اللبس يذكرني لبس المكسيكيين، غير ان هذا لونه مختلف، ودائماً هؤلاء النسوة يربطن أولادهن وراء ظهورهن (زي الفلاته عندنا)، وعرفنا أن هؤلاء هم من جبال الريف، ويعيشون في قرى خارج طنجه، ويأتون ببضاعتهم لطنجه ويشترون احتياجاتهم منها.. وتبدو النساء متشابهات، وكلهن مدورات، فوجههن مدوره واجسادهن مدوره، يعني مبغبغات..

أخذونا الى رحلة داخل مدينة طنجة وخارجها، والذي رسخ بذهني هو كهف هرقل الذي يبعد عن طنجة 14 كيلومتر الى الغرب عند Cap Spartel على شاطئ المحيط الأطلسي، وهو منذ عام 6000 قبل الميلاد كان مسكناً لأجدادنا القدماء في ا لعصر الحجري الحديث، وفي عام 1878 تم اكتشافه، وفي عام 1920 فُتح أمام الجمهور.. وتعزى شهرته الى هرقل الذي تقول الأسطورة انه كان يسكنه، وأنه هو الذي أوجد طنجه والمضيق (مضيق جبل طارق) بضربة سيف واحدة- حسبما تقول الأسطورة..

حينما تصل الى الكهف تشتري تذكرة دخول، وتدلف من مدخل من جهة الجبل عبر درج حجري الى داخل الكهف، ثم تستمر في المشي حتى تصل الى فتحة تطل على البحر، هذه الفتحة تظهر في شكل خريطة افريقيا، وذكر لنا الدليل السياحي أن المغاربة كانوا يراقبون السفن الداخلة من المحيط الأطلسي الى البحر المتوسط عبر مضيق جبل طارق من هذا الكهف، فهو آمن، إذ ما إن يحس أحدهم بالخطر حتى يدخل الى الكهف من جهة البحر، ثم ما يلبث أن يكون خارجه من جهة الجبل، وهذا الجبل يمنع اي شخص من البحر ان يصل الى البر، هذا الكهف يصعب الدخول إليه من جهة البحر اذا كان المد عالياً..

نسيت أن أقول ان اهالي طنجة يتكلمون اللغة الانجليزية ايضاً بالإضافة الى الفرنسية وكثيرون يجيدون اللغة الأسبانية- بحكم القرب من اسبانيا- وبحكم وضع المدينة السياحي في مدخل المغرب من جهة الشمال حيث يعبر الأوربيون بمختلف اجناسهم ولغاتهم الى باقي المغرب، خاصة في فصل الصيف، حيث يبكر الصيف هنا عن أوروبا..

وبما أنني في طنجه، وبما أنني قد اسميت نفسي بن بطوطة السوداني، وبما أن بن بطوطة (الأصلي) من طنجة فلابد أن أعرفكم بسيد الإسم، وقد استقيت المعلومات من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة، فابن بطوطة هو محمد بن عبد الله بن محمد بن إبراهيم اللواتي الطنجي، عرف بابن بطّوطة، هو رحّالة ومؤرخ وقاضي وفقيه أمازيغي لقب امير الرحالين المسلمين.

ولد في طنجة سنة 703هـ/1304م بالمغرب لعائلة عرف عنها عملها في القضاء وفي فتوته درس الشريعة وقرر عام 1325م وهو ابن 20 عاماً، أن يخرج حاجاً كما أمل من سفره أن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة في أنحاء بلاد الاسلام. وخرج من طنجة سنة 725هـ فطاف بلاد المغرب و مصر و الشام و الحجاز و العراق و فارس واليمن والبحرين و تركستان وما وراء النهر وبعض الهند والصين والجاوة وبلاد التتار وأواسط أفريقيا. واتصل بكثير من الملوك والأمراء فمدحهم - وكان ينظم الشعر- وأستعان بهباتهم على أسفاره.

وعاد إلى المغرب الأقصى، فانقطع إلى السلطان أبي عنان (من ملوك بني مرين) فأقام في بلاده. وأملى اخبار رحلته على محمد بن جزي الكـلبي بمدينة فاس سنة 756 هـ وسماها تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار. ترجمت إلى اللغات البرتغالية والفرنسية والإنجليزية، ونشرت بها، وترجم فصول منها إلى الألمانية نشرت أيضا.

اضافة إلى لغته الامازيغية كان يحسن التركية والفارسية. واستغرقت رحلته 27 سنة (1325-1352 م) ومات في مراكش سنة 779 هـ/1377 م. تلقبه جامعة كامبريدج في كتبها وأطالسها بأمير الرحالة المسلمين.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #54
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-21-2013, 01:18 PM
Parent: #53

الحلقة السادسة والعشرون

الرباط: صومعة حسان وضريح محمد الخامس

.. نواصل ..

المغاربة كما أسلفت ينطقون الثاء تاء، لذلك يقولون (اتارات) ويقصدون الآثار، ونحن السودانيون ننطقها (آسار)، وبمناسبة الآثار نعود بكم الى الرباط، ونحكي لكم عن صومعة (مئذنة) حسان، وسبق أن نوهنا عنها عندما تكلمنا عن صومعة الكتبية في مراكش، وسأسوق لكم نبذة عن صومعة حسان استقيتها من موقع قناة الجزيرة، وقبل ذلك أحكي لكم زيارتنا لها في أبان دراستنا في المغرب، وأذكر كان معي في الزيارة زميلنا وابن مدينتنا الغالية، المدينة الحالمة ود مدني، وابن جزيرة الفيل العريقة، اخينا يوسف نايل، وكان دائماً يلبس كاب فوق رأسه، وعندما وقفنا امام الضريح المهيب لمحمد الخامس، وهو في منطقة صومعة حسان، أمر الحارس -الذي يلبس يونيفورم خاص اشبه باليونيفورم العسكري- اخينا يوسف بخلع الكاب- احتراماً لساكن الضريح- فامتثل يوسف للأمر، وبانت صلعة اخينا يوسف بعد مداراة لزمن طويل..

والتقطنا صوراً تذكارية أمام الضريح، ولا أدري اين هذه الصور الآن، إذا كانت موجودة فهي بالسودان.. ولا تنسو أن عمرها اكثر من ثلث القرن..

وإليكم مقال موقع قناة الجزيرة، وهو بقلم الحسن سرات:

على رابية تطل على نهر أبي رقراق- الذي يفصل بين مدينتي الرباط وسلا- بالغاً مستقره الأخير بالمحيط الأطلسي، تقع صومعة حسان شامخة في الزمان والمكان، لا يضاهيها في هذه المكانة إلا قصبة الأوداية المقابلة لها والمحاذية للمحيط والنهر.

ولئن ظلت الصومعة مستفردة بهذا المكان، فإن ضريح الملك محمد الخامس أخذ يزاحمها بعد أن بناه الملك الراحل الحسن الثاني ليكون قبرا لوالده، ثم ما لبث الولد أن التحق بأبيه وأخيه الأمير عبد الله ليستقر الثلاثة على بعد أمتار من مسجد لم يكتمل بناؤه، ولو اكتمل لعد أكبر مسجد بالغرب الإسلامي في زمن الموحدين.

جامع عظيم

في العام 593 للهجرة (1197-1198 للميلاد) أصدر مؤسس مدينة الرباط الخليفة الموحدي الثالث يعقوب المنصور أمراً بتشييد "جامع حسان" العظيم على مرتفع مقابل لمدينة سلا مطل على الضفة الجنوبية لنهر أبي رقراق وعلى مقربة من مصبه بالمحيط الأطلسي.

ويبلغ طول المسجد 183 مترا، وعرضه 139 مترا، ويبلغ علو صومعته حوالي 44 مترا، ومساحة كل ركن من أركانها المربعة 16 مترا و20 سنتيمترا. أما سمك جدرانها فيبلغ عرضه مترين ونصف، ولها مطلع داخلي ملتو يؤدي إلى أعلى الصومعة ويمر على ست غرف تشكل طبقات.

وقد زينت واجهاتها الأربع بزخارف ونقوش مختلفة على الحجر، وذلك على النمط الأندلسي المغربي من القرن الثاني عشر، والتركيب المعماري المكون من الضريح والمسجد والمتحف يكتسي طابع الفن المعماري الإسلامي، إذ انكب أكثر من 600 صانع ومعلم من مختلف الصناعات الأصلية في الإبداع والإتقان على إنجاز الزخارف الرائعة في البنايات الثلاث.

كان المسجد يعتبر يومذاك أكبر مسجد بالعالم الإسلامي بمساحة 26 ألفا و100 متر مربع. لكن انشغال الدولة الموحدية بمشاكل الأندلس وإغاثة السلطان الموحدي لهم من زحف المسيحيين حال دون إتمام المسجد العظيم، حسب عضو جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث محمد جطاري.

وكان يعقوب المنصور قد وضع التصميم الكامل لمدينة الرباط وبنى أبوابها الكثيرة وسورها المحيط لتكون عاصمة له بدلا من مدينة مراكش.

تعرض المسجد للخراب بعد زلزال لشبونة في أول نوفمبر/ تشرين الثاني 1755، وبقي خرابا إلى لحظة بناء الضريح. وكان السلطان المنصور قد بنى منارتين أخريين مماثلتين لصومعة حسان، واحدة في الخيرالدا بالأندلس الموجودة في إشبيلية، والثانية بمراكش المغربية وهي صومعة مسجد الكتبية. و"الصوامع الثلاث توجد في خط واحد من خطوط الطول بالكرة الأرضية".

تتحلى هذه البقعة الإسلامية اليوم بمظهر آخر، إذ قرر الملك الراحل الحسن الثاني في أوائل عام 1961 أن يقام ضريح والده محمد الخامس هنالك. وأهم سبب دعا الحسن الثاني لبناء ضريح والده في ذلك المكان، حسب توضيحات محافظة الضريح للجزيرة نت، هو أن هذا المكان صلى فيه محمد الخامس أول صلاة للجمعة بعد عودته عام 1955 من منفى دام 32 عاما على يد الاستعمار الفرنسي في جزيرة مدغشقر.

وكانت هذه البقعة بعد ست سنوات من ذلك مسرحا للوداع الشعبي الكبير لتشييع جنازته.

آلاف الزوار

يزور الموقع 600 زائر يوميا من سياح مغاربة وأجانب حسب معطيات إدارة الضريح، ويزوره في العطل 10 آلاف يوميا، بالإضافة إلى الزيارات الرسمية للوفود الزائرة للمغرب.

وصار في السنوات الأخيرة نقطة في جدول أعراس أهل مدينتي الرباط وسلا إذ يقصده العرسان لأخذ صور تذكارية لهم ولأهليهم.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #55
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-22-2013, 11:47 AM
Parent: #54

الحلقة السابعة والعشرون

الانتقال للحي الجامعي السويسي الثاني

نواصل ..

قدمنا طلباً لإدارة الحي الجامعي السويسي الثاني وبعد انتظار وصلتنا الموافقة، ولكن كانت الغرفة الممنوحة لي غرفة جماعية، اي بها 8 سرائر، كل سريرين فوق بعض، اي دورين، وهناك بعض الغرف الجماعية ولكن بها 6 أسرة، أيضاً دورين، ولكن المحظوظون هم من يسكنون في غرفة بها فقط سريرين منفردين (مش فوق بعض)، وانتقلت من الحي الجامعي مولاي اسماعيل الى هذا الحي الذي (كان) يقع في اطراف الرباط، وكان ما حوله خلاء تنبت فيه ازهار الربيع والحشائش، لا يسقيها إلا المطر.. ولولا وجود المطعم في الحي الذي يجاوره (الحي الجامعي السويسي الأول)، ولولا وجود الكافتيريا فيه، وكذلك عدد من البراكات (شرحتها سابقاً) حوله، لتعبنا في الأكل والشرب والحصول على الاحتياجات البسيطة .. فقد كان اقرب عمران فيه بقالات ومطاعم يبعد عنا مسيرة مواصلات، وكان الحي قريباً الى حد ما من مستشفى بن سينا – وهو اكبر مستشفى حكومي في الرباط- وفيما بعد بنيت كليات بجوار هذا الحي.. لكن كنا نذهب الى كلية الحقوق بحي أكدال او الى معهد المغرب الكبير في حي المحيط بالحافلات..

كان يجاور هذان الحيان، حيان آخران، احدهما الحي الجامعي الخاص بالمعهد الزراعي، والثاني خاص بمعهد الإحصاء، أما الحيان السويسي الأول والثاني فقد كان لكل طلاب كليات جامعة محمد الخامس، السويسي الأول كانت أجنحته الخمسة كلها مخصصة للاولاد، السويسي الثاني به اربعة اجنحة مخصصة للأولاد والخامس مخصص للبنات، وغير مسموح للزيارة من الجانبين.. اما بالنسبة للحي الخاص بالمعهد الزراعي فليس هناك تخصص في الأجنحة، بل التخصص في الغرف فقط، اي هذه الغرفة مخصصة للأولاد وتلك مخصصة للبنات، وإدارة الحي لا تتدخل إذا أصحاب الغرف شكوها ووزعوها تاني، يعني لو جابت الشكة الدامه مع الولد والولد مع الدامه فهذا شأنهم.. لذلك غار طلاب معهد الإحصاء وأعلنوا الاضراب لمدة اسبوع من اجل مطالبهم (العادله) بالسماح بالزيارات المتبادلة بين الأولاد والبنات في غرفهم!!! فاستجابت ادارة الحي لمطالبهم ولكن سمحت فقط بزيارة البنات لأجنحة الأولاد، وفي غرفهم كمان، وليس العكس!! واستغربت لهذه العنصرية والتفريق في المعاملة، ولكن عذرت ادارة الحي لهذا التفريق في المعاملة عندما زرت اصدقاء لي من طلاب الإحصاء، فوجدت أن كل طالب له غرفة لوحده!! شفتو البرجوازية دي كيف؟ لكن الحمامات مشتركة، والحمامات (الدوش) ليس بها أبواب (من أصلو.. أي ليست مخلوعة الأبواب وإنما صممت هكذا بدون أبواب)!! يعني معاهم حق ما يسمحوا للأولاد بزيارة البنات في جناحهم!!

في الغرفة الجماعية وجدت ستة مغاربة وفلطسيني.. لأول مرة التقي بفلسطيني، وللأسف كان سيئاً للغاية، وكان يكرهني لأنني أؤدي الصلاة !! وعندما تمادى- وأنا كنت أترفع عن الرد عليه- رد عليه أحد الزملاء المغاربة وقال له: أراك تحمل على عمر، لماذا؟ وبعدها لم يتكلم معي حتى رحل من الغرفة، وكان يقول لأحد الزملاء السودانيين أنه فقط يؤمن بالقضية الفلسطينية، بمعنى انه لا يؤمن بالله، لا حول ولا قوة الا بالله، وقد ذكر له ايضاً انهم (في منظمة فتح) يخططون لقتل النميري والملك فيصل.. فقال له محمد السماني عبد الرازق: عايزين تمشو للأسد في عرينو؟ (يقصد الملك فيصل عليه رحمة الله).

أحد المغاربة- وكان يدرس في كلية الطب- أصبح صديقي، رغم انه انتقل بسرعة من تلك الغرفة الجماعية، إلا أنه ظل صديقي حتى هذه اللحظة! إنه مصطفى محفوظ من ابناء مدينة تطوان، وتطوان تلك إحدى المدن التي كانت مستعمرة من قِبل اسبانيا، لذلك كان سكانها محافظون الى حد كبير مقارنة ببقية المدن المغربية التي كان مستعمرة من قِبل فرنسا.. ومصطفى الآن بروفيسور جراحة العظام بكلية الطب بجامعة محمد الخامس، ودكتور في مستشفى بن سينا بالرباط، وقد عرفني ببعض ابناء تطوان منهم الأمين بوخبزه، وهو أيضاً دكتور في الفلسفة، وحالياً عضو البرلمان المغربي..

الصورة المرفقة تضمني وثلاثة من زملاء الغرفة الجماعية، لم أعد اذكر اسمائهم، إلا أن الطويل فيهم ربما كان اسمه الهاشمي، والصورة في الحي الجامعي السويسي الثاني حيث نبت الزهور البرية، وفي خلفية الصورة يظهر معهد الإحصاء المذكور أعلاه..

OmarsudanMorocco.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #56
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-25-2013, 04:19 PM
Parent: #55

الحلقة الثامنة والعشرين

لا وحبك لن تكون أبداً نهاية

.. نواصل ..

كانت غرفتنا تطل على خلاء شاسع ملئ بالحشائش والأزهار البرية، خاصة في فصل الربيع الذي يبدأ في مارس، وتهطل الأمطار طيلة فصل الشتاء، ويكون الجو طوال الشتاء ملبداً بالغيوم، بل أحياناً لا نرى غيوماً وسحاباً واضحاً كالذي نراه في السودان في فصل الخريف (مجازاً، وهو في الحقيقة فصل الصيف، فأمطار السودان صيفية، حيث لا يوجد في السودان غير فصلي الصيف والشتاء).. فعندما نطالع السماء فوقنا في الرباط لا نرى غير لون داكن، لا ندري هل هو سحاب ام ضباب! وعندما تهطل الأمطار تظل تهطل بالساعات وأحياناً بالأيام، وهي ناعمة وخفيفة، ونادراً ما تسقط بغزارة او بقطرات كبيرة كما يحدث عندنا في السودان.. وغالباً يصحب المطر ضباب، وترى بخار الماء يخرج من الأنف والفم مع التنفس- وهذا ما كنا نراه في الأفلام- وإذا دققت النظر الى اشياء أخرى تخرج من جسمك لرأيت هذا البخار أيضاً، وتفسيره العلمي أن البخار الذي يخرج من الإنسان يكون دافئاً، ودرجة حرارته أعلى من درجة الحرارة الخارجية، فيتكثف بخار الماء بمجرد ملامسته الهواء البارد..

وسأحكي لكم طرفة حدثت لزميلنا كمال شرف، فقد كان يدخن سيجارة وهو واقف في الشارع بانتظار الحافلة، ولاحظ أن السيجارة لا تنتهي، فهو يدخن وهي في حالها لا تنقص، فدقق في طرفها فوجدها قد انطفأت بفعل الشبوره، وهو لم يلاحظ ذلك إذ كان كلما شفط الدخان أخرج من فمه وأنفه البخار المذكور آنفاً، وليس دخان السيجارة كما كان يتوهم..

بعد انتهاء الشتاء ودخول فصل الربيع تطلع الشمس وينتشر الناس في الميادين والخلاء- مثل الذي يطل عليه الحي الجامعي السويسي- فتجد النساء ينشرن غسيلهن فوق الحشائش، بعد أن يحضرنه معهن من البيت حيث لا شمس، ويجلسن يتونسن وحولهن الأطفال يلعبون.. فهم لطول فصل الشتاء يتوقون للشمس، فما إن تظهر لهم في الربيع حتى يبتهجوا بهذا الجو الربيعي وينتشروا تحت أشعة الشمس الهادئة، ليست كشمسنا في السودان التي ترسل دبابيس صغيرة ولكنها حادة لتثقب جلودنا..

يفصل الخلاء الذي أطل عليه من شباك غرفتي بالحي الجامعي عن الحي الرباطي العتيق يعقوب المنصور، وهو حي شعبي عريق، وأرى من على البعد القطار وهو ينطلق متجهاً الى محطة الرباط أكدال.. كان منظراً رومانسياً، حيث الهدوء الشديد، فبالكاد كنت اسمع صوت القطار عندما يمر من هناك.. وكان الهدوء يزداد عندما يخلي الطلاب المغاربة الحي الجامعي في إجازات الربيع او إجازات العيد، فكنت تراني وحيداً أقف على تلك النافذة اتأمل هذا المنظر البديع (مرفق صورة لشخصي ومعي عبد الرحمن الزميل والصديق المغربي الذي يسكن معي في نفس الحي الجامعي، والصورة في الفضاء المذكور وخلفنا يبدو الحي الجامعي السويسي الثاني، والصورة تقريباً في صيف 1977م)..

Maroc14.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



وكانت روعة التأمل تكتمل عندما استمع لأغنية الراحل المقيم عثمان حسين يرحمه الله والتي ألفها الشاعر المرهف حسين بازرعه (لا وحبك):

لا وحبك.. لا وحبك لن تكون أبداً نهاية
لا وحبك يا وحيدي مستحيل أقبل نهاية
إنت عارف نظرتك كانت بداية
وما بتغير حبنا السامي وشاية
*****
كنت من أيام بتسأل عني خلاني وصحابك
وكنت تنظر أصف حسنك وأستجلي شبابك
رحت تغريني بحنانك ومرة تأسرني بعتابك
وقلبي في الحالتين سقيته المر في جنة عذابك
*****
حبنا أكبر من الدنيا وأطول من سنينها
فيه من وطني المسالم أحلى طيبة وأغلى زينة
وفيه من حريتي معنى وغنوة من روحك حزينة
يسعد العشاق صداها وتفرح الدنيا الحزينة
وبرضو يحصل تنسى حبي في النهاية
لا وحبك.. لا وحبك لن تكون أبدا نهاية

كنت أستمع لهذه الأغنية من ذلك المسجل الذي اشتريته من صديقي محجوب البيلي، كان المسجل موضوعاً على طاولة المذاكرة الحجرية، وكنت أقف في النافذة واسرح بعيداً مع هذه الأغنية الجميلة الحزينة.. وحتى هذه اللحظة عندما أسمعها أعود فوراً بذاكرتي الى تلك الأيام والى ذلك الشباك والى ذلك المنظر الذي يطل عليه الحي الجامعي السويسي الثاني.. وأحس بالفعل بأنني هناك الآن.. رغم مضي سبعةً وثلاثين عاماً، اي قرابة الأربعة عقود.. فتدمع عيناي.. يالها من ذكريات، ويالها من أيام مضت ولكنها عشعشت في أعماق الذاكرة.. مهما طال بها الزمن فهي تنبلج من حين لحين كبرق في دجى ليلة مطيرة في ود مدني..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #57
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-26-2013, 12:05 PM
Parent: #56

نواصل ..

الحلقة التاسعة والعشرين

إمتحان دورة يونيو ونهاية السنة الدراسية والاستعداد للسفر

جلسنا لامتحان دورة يونيو، وظهرت النتيجة، وتدافعنا- طلاب وطالبات- أمام لوحة الإعلانات بالكلية والتي ألصقت بها كشوف اسماء الناجحين، والحمد لله نجحت في الكتابي (3 مواد)، ولم يكن الناجحون من مجموع الممتحنين- ويزيد عددهم على 1500 طالب وطالبة- غير بضع عشرات، وبالتالي أصبحتُ مؤهلاً للجلوس للامتحان الشفوي- بعد شهر- وما أدراك ما الامتحان الشفوي، وكانت 8 مواد على ما أذكر، وطبعاً تقعد قدام الأستاذ او الدكتور ويلقي عليك الأسئلة، وفين وفين لما راسك تجّمع المعلومات وترتبها وتقولها، لذلك كانت اصعب امتحانات هي امتحانات الشفوي، وظهرت نتيجتها والحمد لله نجحت.. في الصورة المرفقة يظهر خلفنا جدار، هذا الجدار توجد خلفه لوحة الإعلانات.. الصورة تضمني ومحمد أبكر ومحمد السماني..

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-4.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في إجازتي الأخيرة بالسودان (يوليو/ أغسطس 2010) كنت في زيارة للأخ عبد القادر سعيد خريج جامعة محمد الخامس، فوجدت عنده ورقة من السفارة المغربية في السودان توضح فيها أن درجة مقبول في المغرب تعادل جيد في السودان، ودرجة مستحسن تعادل جيد جداً، ودرجة حسن تعادل ممتاز.

ودخلنا في الإجازة الصيفية، وكان لابد من الرجوع للوطن في هذه الإجازة، لأننا في شوق رهيب للأهل وللوطن العزيز، وطلبت من أهلي إرسال تذكرة سفر على الخطوط السودانية (روما- الخرطوم) فقط، وعلى ما أذكر كان ثمنها عامذاك 40 جنيهاً وكانت في وقتها تساوي هذه الأربعون جنيهاً حوالي 120 دولار.. كانت رخيصة بالجنيه وبالدولار أيضاً، وكان الدولار يساوي 33 قرشاً، فقد اشتريت دولارات واصدرت ترافلر شيك (شيكات سياحية) بحساب 33 قرشاً للدولار حينما سافرت من الخرطوم للمغرب في نوفمبر 1975م، وكنا في المغرب نحسب الدرهم ريال (عشرة قروش) والعشر سنتيمات كنا نحسبها قرش، والخمسة سنتيمات تعريفه..

قد تتساءلون لماذا تذكرة من روما الى الخرطوم وليس من الرباط او الدار البيضاء الى الخرطوم!! ذلك أنني فكرت أن اسافر الى روما بالقطار!! قلت اتفسح شويه واشوف – ولو على الطائر- تلك القارة الجميلة التي تسمى أوروبا.. تصوروا من الدار البيضاء الى روما بتذكرة قطار واحدة.. تقدم.. تطور.. وفي أواسط السبعينات؟؟!! بالفعل قطعت تذكرة (الدار البيضاء- روما) بمبلغ 360 درهم (يعني 36 جنيه بحسابنا)..

وكان لابد من استخراج تأشيرة لاسبانيا ولفرنسا ولايطاليا، وقد تقدمت لسفارات تلك الدول، والحمد لله كلهم اعطوني التأشيرة بدون تعقيد- الدنيا كانت بخير زماااااااااان- بعد دفع الرسوم، والتي كانت معقولة أيضاً، طبعاً احتجت لتأشيرات هذه الدول لأنه لابد من المرور عبر اسبانيا وفرنسا للوصول الى ايطاليا للإقلاع منها الى الخرطوم، طبعاً كانت الخطوط السودانية تصل الى روما والى لندن، وكانت روما اقرب محطة للمغرب، أيام عز الخطوط الجوية السودانية (سودانير) وطائراتها البوينج 707 ، وكانتا طائرتين تسميان Blue Nile و White Nile..

بعد أخذ التأشيرات، اشتريت بعض الهدايا للأهل وبعض الملابس لشخصي ومستلزماتي الشخصية، وكذلك بعض المأكولات للسفر بالقطار، مثل الجبن والساردين، طبعاً المغرب ما فيها طحنيه، وإلا كان اهم شئ الطحنية في السفر.. الطحنية كانت من ضمن عفشنا حين العودة من السودان الى المغرب.. وطبعاً شراء المأكولات من المغرب الأرخص سعراً من اوروبا، وكذلك لتفادي أكل المحرمات في أوروبا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #58
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-27-2013, 12:13 PM
Parent: #57

نواصل ..

الحلقة الثلاثين

مضيق جبل طارق

ركبت القطار المغربي الفاخر جداً (بالمقارنة مع القطارات الأوربية الفاخرة، فهو بالفعل فاخر جداً) من الدار البيضاء او من الرباط- لم اعد اذكر، لكن الغالب من الدار البيضاء، رغم ان القطار لابد ان يمر بالرباط- وكان القطار مريحاً وجميلاً وجديداً وفخماً، وكان الركاب بعضهم مغاربة وبعضهم خواجات، وكان سريعاً جداً..

ووصلنا الى طنجة، وكانت محطة القطار بجوار الميناء، فأخذنا حقائبنا وتوجهنا الى السفينة الراسية على ميناء طنجة، وتسابق الناس يصطفون أمام السقالة التي تتصل بالسفينة، وتسابقت معهم، ولا ادري لماذا يتسابقون، فالكل سيركب، واستغربت هذا الفعل من الخواجات، وعندما اصطف الناس- نساء ورجالاً- كان يضغطون بعضهم البعض نتيجة التدافع، والحمد لله أنه لم تكن تقف امامي أنثى..

ركبنا الباخرة، وكانت عبّارة – اي باخرة ركاب- وبعد ان استقررنا داخلها بالكراسي المصطفة على مساحة واسعة كالمسرح او كالقاعة الكبيرة..

Maroc15.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي على سطح الباخرة ويبدو ميناء طنجة..

وأبحرت بنا الباخرة عبر مضيق جبل طارق، وإليكم بعض المعلومات عنه استقيتها من مواقع عدة، فهذا المضيق البحري يقع بين شبه جزيرة إيبيريا من الشمال والساحل الإفريقي من الجنوب، ويصل بين مياه المحيط الاطلسي ومياه البحر الأبيض المتوسط، وعلى شواطئ المضيق تقع كل من المغرب واسبانيا ومنطقة الحكم الذاتي جبل طارق البريطانية، وسمي بذلك لأن القائد طارق بن زياد قد عبره في بداية الفتح الاسلامي لاسبانيا عام 711 م، وقد تحرف لفظ الاسم في اللغات الأوروبية حيث يسمى ب"جبرالتار" بالإنكليزية أو "خبرالتار" بالإسبانية، ويبلغ عمق المياه فيه حوالي 300 متر، وأقل مسافة بين ضفتيه هي 14 كيلومتر، ويعتبر من أهم المعابر البحرية في العالم.

أما شبه جزيرة جبل طارق التي ظهرت لنا من ميناء طنجة فتقع في جنوب أوروبا وعاصمتها مدينة جبل طارق، وتمتد جنوبي غرب الساحل الإسباني فتطل على البحر المتوسط، وترجع تسميتها إلى القائد العربي طارق بن زياد كما أسلفنا، وقد تصارع البريطانيون والهولنديون عام 1704 م للاستيلاء على مضيق جبل طارق إلى أن تمّت اتفاقية اوترخت عام 1713 التي منحت بريطانيا حق امتلاك جبل طارق، فجعلته قاعدة عسكرية بحرية وجوية.

طالبت إسبانيا باسترجاع جبل طارق فرفضت بريطانيا، فمنحت جبل طارق قدراً من الحكم الذاتي منذ عام 1964 وانضمت للجموعة الأوروبية عام 1973. وفي سنة 1988 تولت حكومة اشتراكية الحكم فيها. وفي عام 1991 اتفقت بريطانيا وإسبانيا على اقتسام السلطة فيها بالتساوي، غير أن الحكومة طالبت بالاستقلال. وما زال الخلاف قائماً.

مساحتها: 5,600 كلم2 وعدد سكانها: 31,000 وأهم مدنها: جبل طارق

دياناتها: 85% مسيحيون، 8% مسلمون، 2% يهود.

عملتها: جنيه جبل طارق وجنيه استرليني واليورو، ومتوسط دخل الفرد: 10,000 دولار.
انتهت النبذة عن المضيق

وبعد حوالي الثلاث ساعات من الإبحار عبر المضيق وصلنا الى الجزيرة الخضراء، او الجزيراس أو الخسيراس حسب النطق الاسباني..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #59
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-28-2013, 01:58 PM
Parent: #58

نواصل

الحلقة الحادية والثلاثين

أخيراً.. أنا في أوروبا

أبحرت بنا الباخرة عبر مضيق جبل طارق وكان البحر هادئاً نسبياً إذ كنا في فصل الصيف، والمضيق يقع في منطقة بعيدة عن أعالي البحار سواء المحيط الهادي او البحر الأبيض المتوسط، فهو ملتقى هذين البحرين، وكان الجو لطيفاً وليس حاراً، فهواء البحر كان عليلاً..

وبعد إبحار ثلاث ساعات بدأنا نقترب رويداً رويداً من الجزيرة الخضراء التي تحرف اسمها الى (الجزيراس) ثم حسب نطق الاسبان للجيم التي يقلبونها خاء يصبح الاسم (الخسيراس)، ثم رست العبارة في ميناء الجزيرة الخضراء التي كانت بالفعل خضراء وجميلة.. وهبطنا من الباخرة الى أرض الميناء، وإليكم نبذة مختصرة عن الجزيرة الخضراء استقيتها من موقع ويكيبديا:

الجزيرة الخضراء (بالإسبانية: Algeciras‏) هي إحدى بلديات مقاطعة قادس التي تقع في منطقة الأندلس جنوب إسبانيا. يبلغ عدد سكانها 106.710 نسمة وفقاً لإحصائية سنة (2002).

ولد فيها محمد ابن إبي عامر (الملك المنصور) كما عسكر فيها جند المرابطين لإنقاذ الأندلس وإلتقى فيها يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد.

في أواخر سنة 769 هـ ضم محمد الخامس من بني نصر إلى أملاكه مدينة الجزيرة الخضراء وحررها من النصارى الذين تمكنوا باحتلالها وقطعوا الصلة بين المغرب والأندلس. سقطت سنة 743 هـ. بعد أن تم تدمير المدينة في 1379 تحولت المدينة إلى ركام مهجور تماما، إلى أن بدأ إعادة توطين المدينة بدخول منفيين من جبل طارق. رغم ذلك لم يمثل اللاجئين زيادة كبيرة في عدد السكان، بحكم أن منهم من استقروا في البلدة المجاورة سان روكي.

انتهت النبذة عن الجزيرة الخضراء


الرحلة الى مدريد

بعد أن هبطنا أرض الميناء وجدنا محطة القطار داخل الميناء- كما في طنجه- وركبت القطار المتجه الى مدريد.. لم يكن هذا القطار رغم فخامته يرقى الى مستوى القطار المغربي.. وعلى ما أذكر كان المساء قد حل عندما انطلق بنا القطار الاسباني، ولم أعد أذكر كم قضينا في هذا القطار حتى وصلنا الى مدريد، ولم أعد أذكر تفاصيل أخرى، ربما لأنني كنت نائماً طيلة الرحلة، او لأنه ليس هناك شئ قد حدث يستحق ان يرسخ في الذاكرة او لأن الظلام كان دامساً فلم نر ما بالخارج..

المهم وصلنا أخيراً الى مدريد، وما أدراك ما مدريد.. بمجرد ان نزلت من القطار وجدت مكاتب متراصة مهمتها حجوزات الفنادق، فتوجهت للذي مكتوب على لافتته باللغة الانجليزية، اي ان من به يتعامل باللغة الانجليزية، وكذلك الفنادق التي يحجز لها بها اناس يتكلمون الإنجليزية- والانجليزية نادر من يتحدث بها من الاسبان، وقد فهمت فيما بعد من الذين التقيتهم في اسبانيا ان من يتحدث منهم بالانجليزية فهذا شخص هام ويحق ان يفاخر بذلك..

المهم عرض عليّ الموظف في المكتب عدة خيارات من الحجوزات، فاخترت احدها وهي معقولة السعر وتتماشى مع وضعي المادي، ولا أذكر المبلغ بالضبط ولكن لم تكن غالية، ربما كانت قريبة مما في المغرب.. دفعت له المبلغ، فسلمني الإيصال واعطاني خريطة لأصل بها الى الفندق (البنسيون أو اللوكاندة كما نسميها في السودان)، وشرح لي كيف اصل، وبالفعل كان مدخل المترو على مقربة من بوابة محطة القطار، مجرد خطوات الى السلم المؤدي الى باطن الأرض حيث المترو، وحسب الخريطة وإرشادات موظف المكتب ركبت المترو المحدد ونزلت في المحطة المحددة وخرجت الى ظاهر الأرض ولم يكن مقر الفندق بعيداً عن محطة المترو التي نزلت فيها.. فبعد مشي على الأقدام لمسافة قصيرة في شوارع عتيقة وعمارات كلاسيكية وصلت الى الفندق، فدخلت ووجدت موظف الاستقبال فسلمته الإيصال وأخذ جواز سفري وسجل المعلومات، وأعطاني مفتاح غرفتي، فدخلتها ووضعت شنطتي وأكلت بعض ما اشتريته من المغرب وكان زادي في رحلتي، على ما أذكر جبنة مثلثات وساردين وشئ من هذا القبيل، أويت بعد ذلك الى فراشي الوثير لأنام لأول مرة لي في سرير في أوروبا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #60
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-29-2013, 01:13 PM
Parent: #59

نواصل ..

الحلقة الثانية والثلاثين

مدريد.. يا لروعة المدينة

بعد أن نمت نوماً قلقاً غير مريح بسبب الإرهاق من السفر، استيقظت وخرجت الى الشارع.. كانت مدريد رائعة جداً ونظيفة، وقد لاحظت أن شوارعها الداخلية التي بين العمارات مرصوفة بطوب اسود (يشبه الطوب الأحمر المحترق في الكمينة، فيصبح أسوداً وأملساً وملتوياً بسبب شدة الحرارة- اللهم قنا عذاب النار)، فكان عامل النظافة يستخدم خرطوم اطفاء الحريق المركب في الشوارع ويفتح الماء من الصنبور (المخصص للحريق أيضاً) فيندفع الماء بقوة، وفي ثواني يكون قد غسل الشارع لقوة اندفاع الماء ولكبر حجم الخرطوم.. وكان يتم غسيل الشوارع في الليل بعد ان تخف الحركة فيها..

عمارات مدريد من الطراز القديم خاصة في وسط المدينة، تجولت في شوارعها القريبة من النزل (البنسيون)، كنت اقف متأملاً مدخل العمارات لأن فوق المدخل يكتبون تاريخ انشائها، فأبحلق مشدوهاً بتاريخ مثل 1882م، 1870م بمعنى أن تلك العماره التي اقف امامها عمرها قرابة القرن أو أكثر من القرن، وما زالت مسكونة وجميلة وفخمة، نعم لم تكن تلك العمارات عالية كعمارات اليوم ولكنها ضخمة، اي مساحتها كبيرة والحجارة التي بنيت بها ضخمة..

اثناء تجوالي كنت اتفرج على المحلات التجارية من الخارج، وطبعاً كل واجهات المحلات التجارية من الزجاج، وخلف الزجاج تجد المعروضات كالملابس على موديلات (اي مجسمات بلاستيكية)، وأذكر انني وقفت امام زجاج احدى المحلات وانا اتفرج على الملابس المعروضة في تلك المجسمات، وكانت ملابس نسائية، وبالتالي كانت الموديلات تماثيل نساء، وتصادف أن كانت العاملات في المحل يبدلن الملابس على هذه الموديلات، فيخلعن الفستان او البلوزة او الاسكيرت ليضعن أخرى محلها.. والى هنا والأمر عادي، ولكن بدأن يخلعن الملابس الداخلية للموديلات، وفي هذه اللحظة التفتن اليّ ثم ضحكن.. ضحكة ذات مغزى..

تجولت حتى أحسست بالجوع، فبحثت عن مطعم فلم اصادف مطعماً، وزادت حدة الجوع، وفي النهاية وجدت بار وفي الفاترينه صحون صغيرة بها بعض الأشياء التي تؤكل.. نظرت فيها جميعاً فلم اجد شيئاً معروفاً لدي او مفهوماً غير سمك صغير.. صغير جداً.. ربما كان في حجم طرف اصبعي الصغير، ولكنه يشبه السمك الكبير تماماً.. وبما انني لم اكن اعرف اللغة الاسبانية فقد تعبت في البحث عن مطعم، فلم استطع سؤال الاسبان، وعندما وجدت هذا البار لم استطع افهامهم انني اطلب طعاماً، فما كان لي إلا ان طلبت من هذا السمك (البعيو)، فأعطوني قليل منه في صحن صغير يشبه صحن الكباية، فطلبت خبز، لحسن الحظ أن لديهم خبز، فبدأت آكل ذلك السمك البعيو مع الخبز، فأحسست به ناشفاً ولا لحم فيه، وكان يجرحني في حلقي عندما ابتلعه لقسوته، فاضطررت أن أبلعه بالخبز، المهم في النهاية كأنني أكلت خبزاً حافاً (الله ينعل الجوع)..

خلاص اكلت ولابد ان اشرب لينزل الخبز الناشف والسمك الأنشف من حلقي ومن فم المعدة.. كيف أطلب الماء، قلت للعامل الذي يقف خلف الكاونتر بالانجليزية اريد ماءأً، ثم بالفرنسية، فلم يفهم، سألت من على يميني هل يتكلم الانجليزية، قال لا، قلت له هل تعرف الفرنسية فاشار برأسه نافياً، سألت من على يساري نفس الأسئلة ورد بالنفي عليها.. اشرت بيدي علامة الكأس ورفعت يدي الى فمي، اي اريد ماء اشربه، فأمسك البائع بزجاجة الخمر، فهززت رأس علامة النفي، ثم أشرت بيدي كمن يفتح صنبوراً او حنفية، فتوجه نحو برميل البيره الذي يصب البيرة عبر صنبور، فهززت رأسي بالنفي ايضاً.. كيف أفهم هؤلاء بأني أريد ماءاً.. ولأنه لا يوجد ماء في هذا المكان لم استطع ان اشير اليه لأفهمهم، ولم يعرفوا لغات، ولم يفهموا لغة الاشارات.. بعد لأي وجهد فهموا قصدي- لا أدري كيف فهموه- فأشاروا الى مكان في ناحية البار، فتوجهت اليه فإذا هو الحمامات اكرمكم الله، وكان لابد مما ليس منه بد، اضطررت للشراب من حنفية الحمامات.. لأنهم لا يشربون في البار الماء، بل البيرة او الخمور.. الله ينعل ابو العطش..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #61
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-01-2013, 01:04 PM
Parent: #60

نواصل ..

الحلقة الثالثة والثلاثين

نبذة عن مدريد

أنقل إلكم نبذة عن مدريد نسختها من موقع الويكيبيديا قبل أن أواصل ذكرياتي بها، فمدريد هي عاصمة مملكة إسبانيا وأكبر مدنها. عدد سكانها يقارب الـ 3 ملايين نسمة و حوالي 6 ملايين نسمة مع ضواحيها. تعد ثالث أكبر مدن الإتحاد الأوروبي بعد لندن وبرلين. بها مقر الحكومة الإسبانية والعائلة المالكة وأهم شركات البلاد وست جامعات حكومية والعديد من المعاهد العليا. تعتبر مدريد من أحد أهم مدن أوروبا استراتيجيا وثقافيا واقتصاديا. تضم متحف ديل برادو ونادي ريال مدريد لكرة القدم الشهيرين.

الموقع

تقع مدريد في وسط إسبانيا في منطقة قشتالة التاريخية ويخترقها نهر صغير يدعى مانزانارس. تقع سلسلة جبال سييرا دي غواداراما إلى الشمال الغربي من المدينة، التي يصل علوها إلى 2429 متر فوق سطح الأرض في قمة بينيالارا. إلى الشرق يقع وادي هينارس، الذي تمر فيه طرق برية وسكك حديدية تربط مدريد بسرقسطة وبرشلونة. على بعد 50 كم تقريبا إلى الجنوب، تقع العاصمة القديمة لمملكة كاستيا والمدينة الأم لمدريد مدينة توليدو.

المناخ

مناخ مدريد قاري مع صيف حار وجاف وشتاءا باردا نسبيا. ذلك يرجع إلى ارتفاعها عن سطح الأرض بمعدل 665 متر وبعدها عن ساحل المتوسط أو المحيط الأطلسي. تتراوح درجات الحرارة في شهر يوليو معدل ال 26.2 درجة مئوية، بينما هي 6.4 درجة مئوية في شهر يناير.

تاريخ مدريد

تعتبر مدريد مقارنة مع العواصم الأوروبية الأخرى مدينة حديثة العهد، حيث يرجع تاريخ تأسيسها إلى ما بين 852 و886 حين تم إنشاء قصر صغير (بالتسمية الإسبانية: ألكازار) من قبل المسلمين لأحد أمراء قرطبة في مكان القصر الملكي الحالي في مدريد. سميت المنطقة المحيطة ب "مجريط" أي المجاري او منبع المياه. كان المكان مسكون من قبل المسلمين وقلة من اليهود و المسيحين الي ان سيطر عليها عن طريق الملك ألفونسو الرابع اثناء زحفه إلى طليطلة وتم ترحيل العديد من سكان المنطقة المسلمين واليهود منها و تحويل مسجدها إلى كنيسة. آل حكم مدريد إلى مملكة قشتالة في عام 1081. حوصرت المدينة مجددا في عام 1109 من قبل قوات المرابطين المسلمين بقيادة علي بن يوسف بن تاشفين ولكنهم فشلوا في الاستيلاء عليها. أسوار المدينة التي بناها المسلمون مازالت قائمة حتى الآن. انعقد "كورتيس دي كاستيليا" (Cortes de Castilla) أو برلمان كاستيا تحت رئاسة الملك فرديناند الرابع فيها في عام 1309.

نقل برلمان الدولة الإسبانية في عام 1561 ولاحقا مقر إقامة الملك في عام 1588 من مدينة توليدو إلى مدريد من قبل فيليب الثاني. اعتبرت مدريد بعد ذلك عاصمة إسبانيا وبدأت بالنمو والصعود لتأخذ مكانتها كأهم مدينة في البلاد. بين عامي 1701 و1713 نشبت حروب الخلافة الإسبانية، التي تنازعت فيها عدة أطراف أوروبية على أحقية حكم إسبانيا بعد موت ملك إسبانيا تشارلز الثاني. سيطر بموجبها الإنجليز والبرتغاليون على المدينة في عام 1706. كما سيطر الفرنسيين على مدريد بين عامي 1808 و1813، حين أعلن وقتها جوزيف أخو نابليون بونابرت ملكا على إسبانيا. قام الفرنسيون بهدم عدد من الكنائس وحتى أحياء كاملة من مدريد لفرض سلطتهم ولإيجاد مكان لمنشآتهم. ثار أهل مدريد في 2 مايو 1808 ضد المحتل ولحقها بعد ذلك معظم المدن الإسبانية الكبيرة. تعطل المحال والدوائر الرسمية الآن في مدريد في هذا اليوم احتفالا بذكرى هذه الثورة.

بين عامي 1833 و1876 نشبت الحروب القشتالية وساهم وباء الكوليرا بالقضاء على الكثير من سكان مدريد في نفس الفترة. أعلنت أول جمهورية في البلاد في المدينة عام 1873 من قبل الديكتاتور إيميليو كاستيلار ولاحقا في عام 1923 من قبل الجنرال ميغيل بريمو دي ريفيرا. أعلنت الجمهورية الثانية في مدريد في 14 أبريل 1931. اندلعت الحرب الأهلية الإسبانية بين 1936 و1939 وكانت مدريد فيها تحت سيطرة الجمهوريين حتى 28 مارس 1939. ساهمت الطائرات الحربية الألمانية والإيطالية بقصفها بشكل واسع أثناء الحرب، حيث كان هذان البلدان يدعمان القوميين بقيادة الجنرال فرانكو ضد الجمهوريين. تمكن فرانكو من فرض سيطرته على المدينة وعلى البلاد ودام حكمه حتى 1975 وشهدت مدريد في هذه الفترة نموا كبيرا. قام العمال والطلاب بتنظيم سلسلة من الإضرابات في آواخر الستينات وآوائل السبعينات.

رتب فرانكو الأمور بعد موته لعودة الحياة الديمقراطية ولتنصيب الملك خوان كارلس الأول على عرش البلاد، وفعلا تم ذلك في 1975 عند مات فرانكو . نظم بعض الضباط العسكريين إنقلاب عسكري يدعى (23-F) في 23 فبراير 1981 مما هدد عملية إعادة الديمقراطية للنظام السياسي الإسباني ولكن سرعان ما فشل الإنقلاب وأعيدت الأمور إلى مجاريها. أعلنت مدريد عام 1992 كعاصمة ثقافية لأوروبا. عانت المدينة من سلسلة هجمات إرهابية في 11 مارس 2004 نفذت على بعض خطوط السكك الحديدية، مما أدى إلى مقتل حوالي 191 شخص. اتهمت الحكومة الإسبانية المتشددين الإسلاميين المقربين من حركة القاعدة بتنفيذ العمليات. يربط البعض هذه العمليات بدعم إسبانيا لحرب الولايات المتحدة الأمريكية على الإرهاب وقتها. خسرت مدريد عام 2005 سباق التنافس على تنظيم الألعاب الأوليمبية 2012.

رياضة

مدريد هي المكان الاصل لريال مدريد احدى الفرق المعروفة في كرة القدم العالمية . ومنافسها من المدينة نفسها هي اتلتيكو مدريد . وفي المدينة فرقتان تلعب في الدوري العالي لكرة السله ACB الأسبانية . وايضا يوجد في المدينة طريق سباق الفورملا 1 وايضا فيها طريق لسباق الدراجات الهوائية تور دي فرانس .

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #62
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-02-2013, 02:27 PM
Parent: #61

نواصل ..

الحلقة الرابعة والثلاثين

تعرفت على سوداني بمدريد

عندما تجولت اكثر في مدريد عرفت اين توجد المطاعم، فدخلت مطعماً وطلبت الشئ الذي لا يمكن ان يكون لحم خنزير، وهو الدجاج، فأحضروا لي مع الدجاج شرائح بطاطس مقلية (شيبس)، وكسروا بيضة فوق طرف البطاطس الحار، فأصبحت البيضة ثُمن استوا (على وزن نص استوا)، يعني فقط استوت بسخانة البطاطس الذي خرج للتو من المقلاة، أكلته لأنني كنت جوعان، ووجدته روعة، ومنذ ذلك الحين أصبحت اطلب البيض (ربع استوا) طبعاً لو طلبت بيض مقلي في السودان وقلت ليهم نص استوا حيجيبوهو ليك شبه قراصه، يعني لا نص استوا ولا يحزنون، فاصبحت اقول لهم ربع استوا، لكن برضو مافي فايدة، ولما اعملو براي في البيت مافي زول بياكلو معاي، كلهم يقرفوا من منظر البيض السائل او شبه السائل وانا آكله..

بعد الانتهاء من الأكل أحضروا لي فاتورة الحساب، وبما أنني لم افهم بعد عملتهم فقد مددت يدي بمجموعة من القطع المعدنية فبدأ يلتقط منها ثمن الوجبة، لكنني أحسست أنه أخذ أكثر مما يستحق، لكن لابد من ثمن للتعلم، وكمان المعيشة رخيصة نوعاً ما في اسبانيا في ذلك الزمان (1976م)، وأهم من الأكل احضروا لي ماء للشرب (ما من الحمام أعزكم الله)، كذلك اثناء تجوالي في مدريد وجدت كثيراً من صنابير مياه الشرب (زي سبيل يعني، بس سبيل حكومي، الظاهر عاملاه البلدية) تجده في شكل مجسم مبني ومقوس (يشبه المحراب) وتخرج منه الحنفية المخصصة لمياه الشرب، وهي بالطبع باردة وحلوه.. اخيراً عرفت كيف ومن اين اشرب الماء النقي..

مرفق صورة لي وأنا جالس على كنبة في أحد شوارع مدريد:

Madrid-Omar.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


من بداية كتاباتي عن اسبانيا وأنا أحاول أن أتذكر كيف التقيت بأحد الطلاب السودانيين، ويدعى محمد الأمين، ولم افلح حتى هذه اللحظة في التذكر.. ولكن أتصور أنني التقيت شخصاً افريقياً (وجدت صورة تضمني وشخص افريقي وأعتقد أنه هو الشخص المقصود، وأرفقت الصورة هنا وهي في وسط مدريد):

Madrid-Omar1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


واللون حن، وأظن هو من أبلغني أنه يعرف سوداني ويدرس معه (أو شئ من هذا القبيل، المهم انني التقيت هذا السوداني، وجاء معي الى البنسيون، ويبدو ان مدير البنسيون الذي لم ارتح له كان ايضاً يبادلني نفس الشعور، فما إن رأي محمد الأمين معي حتى هاج وماج (بطريقة أوروبية وليس بطريقة عربية افريقية سودانية، يعني ببرود)، فهاج صاحبي محمد الأمين (بطريقة سودانية) ورطن معه بالاسبانية، فأصبحت اهدئ من صاحبي، ولكن دون جدوى، وكانت النتيجة أن قال لي المدير بالانجليزية انه لن يجدد لي الاقامة في البنسيون بعد انتهاء المدة التي أخذتها من المكتب الذي في المحطة..

كان محمد الأمين يسكن مع إمرأة عجوز في شقتها، وهناك نظام معمول به في اوروبا، وهو ان تؤجر أرملة غرفة في شقتها لطالب او طالبة او عازب او عازبة، منها دخل مادي لها، ومنها ونس ورفقة، وذهبت معه الى مكان سكناه، وقابلت صاحبة الشقة التي مات زوجها منذ فترة وجيزة.. وعلمت ايضاً أن مثل هؤلاء لا يفضلون الزيارات لمن يسكنون معهم.. ولم يكن طبعاً في نيته ان يسكنني معه..

لكنه أخذني الى شباب يستأجرون شقة كاملة، وكان بعضهم في اجازة في السودان، لذلك كان هناك مجال لأن أسكن معهم بقية ايامي- وهي حوالي ثلاثة او اربعة ايام- ورغم انني تحسست من السكن معهم الا انه اصر، وقال لي ان الشقة شبه فاضية، وان الشباب طيبون ومضيافون، وجاء معي الى البنسيون وأخذت شنطتي وركبنا مترو الأنفاق، ومن مترو لمترو – فكنا نركب أحد الخطوط حتى محطة معينة، ثم ننزل منه لنأخذ خطاً آخر، وقد لاحظت أن مستويات أنفاق المترو مختلفة، فبعضها تحت الأرض ويمكن ان تسميه ناقص واحد تنزل له من سطح الأرض بسلم، لكن قد يكون هناك مستوى آخر تحت المستوى الأول، تنزل اليه بسلم آخر، ويمكن أن تسميه ناقص اثنين، وهكذا .. أخيراً وصلنا الى المحطة المعنية، وخرجنا من تحت الأرض، ووجدنا أنفسنا في أطراف مدريد حيث يقيم هؤلاء الطلاب، وبخلاف وسط مدريد فإن العمارات هنا حديثة وشاهقة، ولأول مرة أرى نظام جرس الباب الموصل بميكروفون داخل الشقة حيث يتحدث اليك الساكن من شقته التي قد تكون في الدور العشرين او الثلاثين وانت في البوابة، ثم يفتح لك الباب بضغطة زر من عنده.. طبعاً بعدها بقليل او ايامها ربما، ظهر مع هذا النظام نظام اكثر تطوراً وهو نظام الكاميرا، فيراك من بداخل الشقة وانت على مدخل العماره قبل ان يفتح لك الباب، وذلك عبر شاشة موجودة في شقتك، وكاميرا موجودة عند مدخل العمارة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #63
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-03-2013, 02:47 PM
Parent: #62

نواصل ..

الحلقة الخامسة والثلاثين

طلاب سودانيون في مدريد

فتحو لنا الباب الخارجي للعمارة وصعدنا بالمصعد الى شقتهم في الدور السادس عشر او السابع عشر لا أذكر، ودخلنا الشقة، فوجدنا فيها طالبين سودانيين وفتاة أمريكية هي صديقة أحد الطالبين، كان أحدهما اسمه الرشيد، والآخر عثمان، وعلى ذكر اسم الرشيد، كنت أعرف أن شقيق زميلي في المدرسة الأهلية وفي مدني الثانوية طارق بابكر عبد الحي، أن شقيقه يدرس في اسبانيا، بل وقد سافر اليه طارق في إحدى إجازات المدرسة عندما كان في الصف الثاني ثانوي، وقد سألت عنه هذين الطالبين فقالوا لي أنه يقيم في برشلونه، وعلى ما أذكر انه حالياً (في زيارتي تلك) في اجازة في السودان..

بالفعل رحب بي الرشيد وعثمان والأمريكية (سالي)، وقضيت معهم يومين او ثلاثة غاية في الروعة، وأذكر ان في الشقة المقابلة لهم كان يسكن طالب فلسطيني، وكثيراً ما كان يأتي الى السودانيين في شقتهم ويتونس معهم.. وفي إحدى المرات كنت جالساً معهم في الصالة، هذا الفلسطيني والرشيد وسالي، وكنا نتونس، وقد لاحظت أن قدم الفلسطيني كانت تنقر باستمرار تحت المقعد الذي تجلس عليه سالي، وكان كنبه (Sofa) يجلس في طرفها الآخر الرشيد صديقها، وكان لتلك النقرة معنى، وأحست سالي بذلك، وعندما تمادى انتهرته، فكف عما كان يفعل.. ولم يطرف له جفن، ولم نحس بأنه خجل من فعلته او من تلك النهرة، والرشيد لم يقل له شيئاً..

بعد قليل دخلت المطبخ لأعد شاي، وأذكر بوضوح ان سالي تبعتني الى المطبخ وشكت الىّ بصوت هامس حتى لا يسمع من بالصالة، شكت الى مُرّ الشكية من هذا الفلسطيني، فقالت انه قبل ايام كان جالساً كجلسته هذه مع الجميع، فاستأذن الرشيد ليخرج، فخرج هو ايضاً، وبعد قليل رجع مرة اخرى وقال لها انت وحدك؟ وكلام من هذا القبيل، فطلبت منه الخروج، وقد فهمت قصده ومرامه، ويبدو أنه لم ييأس فعاد يفعل حركات صبيانية لا معنى له.. قلت هذا ثاني فلسطيني أقابله في حياتي- الأول زميل الغرفة في الحي الجامعي السويسي الثاني في الرباط- واستغربت أن يكون بالدنيا مثل هؤلاء، وكنا نتعاطف مع الفلسطينين وقتها- وما زلنا- ولكن هناك افراد منهم في غاية الغرابة..

وحتى لا أنسى، فقد ذكر لي محمد الأمين الذي زارنا في المغرب فيما بعد- ربما في السنة التالية- وعندما سألته عن اصحابي الذين نزلت معهم في شقتهم في مدريد قال لي أن الفلسطيني عمل فيهم مقلب، كيف؟ قال لي أنه كان معه فتاة في شقته، ولسبب ما ارتفع صياحهم، فاتصل الجيران بالشرطة- في اوروبا اذا طلع صوتك بعد الساعة 10 بالليل يشتكيك الجيران للشرطة بدعوى الإزعاج- المهم جاءت الشرطة ووجدت عنده ما وجدت (بينها مخدرات).. المهم لشئ في نفسه جاب سيرة السودانيين، فما كان من الشرطة الإسبانية الا أن كسرت باب شقة السودانيين ووجدتهم نياماً واعتدت عليهم بالضرب واخذتهم للمخفر، وقضوا هناك حوالي اسبوعين دون ان يثبتوا عليهم شئ، وكتبت الجرائد الاسبانية بالخطوط العريضة ما معناه (السودانيين والمخدرات)، وجاء سفير السودان بروما – إذ لم يكن في اسبانيا وقتها سفارة- وقابلهم ووعدهم برد اعتبارهم، ويبدو ان شيئاً من ذلك لم يتم، في النهاية طلعوا براءة، ولكن بعد البهدلة والفضائح التي لا ذنب لهم فيها وإنما كان السبب ذلك الجار الفلسطيني الذي أبت نفسه إلا أن يشاركوه فضيحته..

إرفق لكم صورة فيها شخصي (على يمينك) ثم الرشيد، ثم عثمان، وأمامنا سالي الأمريكية.. طبعاً كما تلاحظون كلنا خنافس، والصورة في بلكونة شقة الرشيد وعثمان بمدريد، ويظهر جانب من العمارات المجاورة على يساري، واعتقد ان الذي التقط الصورة هو محمد الأمين.. وتاريخ الصورة 31 يوليو 1976م..

Spain001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأدرك شهرزاد الصباح.. فسكتت عن الكلام المباح..
.. والحديث ذو صلة

Post: #64
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-04-2013, 02:48 PM
Parent: #63

نواصل ..

الحلقة السادسة والثلاثين

ساحة اسبانيا قلب مدريد

بصحبة محمد الأمين- وهو من العاصمة ولكن خالته في مدني، وهي زوجة المرحوم الشاذلي مدير مركز التدريب المهني بمدني في السبعينات، وقد أرسلني لهم أبان اجازتي في السودان فتعرفت عليهم في منزلهم الكائن بالدرجة جوار مركز التدريب المهني- تعرفت على سوق الخضر والفاكهة في مدريد، فكنا نشتري منه الفاكهة بدلاً عن البقالات الغالية، فنحملها معنا ونحن نتجول ونقزقز بها طيلة الطريق، ونشرب الماء من ذلك الشئ الذي يشبه السبيل الذي وصفته لكم سابقاً.. كذلك عرفت طريق الغسالات العامة- كان هذا قبل أن انتقل الى شقة الطلاب الرشيد وعثمان- والغسالات العامة نظام أراه لأول وآخر مرة- سوى في الأفلام- وهو مكان فيه مجموعة من الغسالات الفل اوتوماتيك، مختلفة الأحجام، فتختار ما يتناسب مع عدد ملابسك، وتدخل قطعة من العملة المعدنية فتفتح لك الغسالة وتضع ملابسك والصابون اللازم، ثم تدير مفتاح التشغيل وتنتظر، فتقوم الغسالة بالغسل والشطف والعصر والتنشيف، ولا عامل يديرها ولا موظف كاشير ياخد الفلوس، كله Self Service ..

أكثر مكان اعجبني في مدريد القديمة هو ساحة اسبانيا (Plaza de Espana)، فهي تعتبر قلب مدريد، ومنها تستطيع رؤية قصر خوان كارلوس ملك اسبانيا، وهو تحفة معمارية تحيط بها حدائق غناء ومياه متدفقة ونوافير.. وايضا ساحة اسبانيا تمتاز بكثرة النوافير بها، وكذلك كثرة التماثيل، فغالباً ما تكون بعض النوافير محاطة بتماثيل لحيوانات او بشر تخرج من افواهها المياه، وفي كل ميدان او ساحة تجد التماثيل، وهي تماثيل عتيقة كثير منها من البرونز، وبعضها من الحجارة، وكلها منحوتة بدقة متناهية..

Madrid1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

وأرفق صورة لشخصي - على يسارك- ثم سوداني- لا أذكر من هو، ولا أظن أنه محمد الأمين، لأن هذا بطولي تقريباً، ولكنه ربما كان عثمان أو سوداني آخر- ثم شخص ثالث- ربما مغربي- والصورة أمام عمائر شهيرة في ساحة بلازا دي اسبانيا في قلب مدريد..

عرفني محمد الأمين ببعض الطلاب الآخرين، منهم واحد نسيت اسمه، ولكنه من ابناء حي السجانة بالخرطوم، اسمر اللون، طيب القلب، ضحوك وصاحب نكتة، ذهبت معه مرة الى معهد تعلم اللغة الاسبانية الذي يدرس فيه تمهيداً للدراسة الجامعية، وقد رأيت لأول مرة نظام الكرسي الملحق به طاولة -أي مكان تسند يدك اليمنى- فهناك حديدة معلق عليها خشبة مسطحة تضع فيها دفترك وتكتب عليها، فإذا ما فرغت من الكتابة رفعتها قليلاً وحررتها من مقبض معين فتنزل بشكل رأسي، وهذا توفير للمساحة وللأثاث أيضاً، وهنا يتم الاستغناء عن الطاولة او الدرج ويكتفى بكرسي فقط.. وقد علقت لصاحبي هذا- عندما لاحظت ان الخشبة المسطحة تلك والتي هي بمثابة درج او طاولة كتابة- عندما لاحظت انها على الجانب الأيمن من الكرسي، فقلت له لو أن احد الطلاب أيسر أو (أعسر) لشرب المقلب.. فضحك كثيراً على تلك الملاحظة التي اعتبرها ملاحظة ذكية لم يلاحظها احد من قبل.. وقد علمت فيما بعد من محمد الأمين ان صاحبي هذا قد مكث في المستشفى شهوراً عديدة نتيجة اصابته بأمراض البرد، وكما اسلفت فإن البرد هناك إذا لم تنتبه له فسيؤذيك كثيراً بدءاً من اطراف الأصابع، حيث يجعلها تتفصد ولا تبرأ لشهور عدة- لذا وجب لبس القفازات السميكة- وانتهاء بأمراض الصدر، نرجو ممن يعرف شخص من السجانة كان في مدريد في اواسط السبعينات ان يخبرنا، لعلنا نعرف اخباره، كذلك الأخ محمد الأمين وايضاً الأخوة رشيد وعثمان..

عرفت فيما بعد أن أحد أبناء مدني يعمل في اسبانيا منذ عقود من الزمن، وأن مهنته هو (حانوتي)، ومنها كسب مالاً وفيراً، وعلى ما أظن هو من فريق الحلبه.. ولا أدري إن ما زال في اسبانيا ام عاد الى مدني.. كذلك الدكتور راشد دياب الذي كان يدرس في اسبانيا ثم بقي هناك وتزوج اسبانية وعاش عقوداً هناك قبل أن يرجع للسودان ويستقر فيه نهائياً، وهو من ابناء الدرجة ، ولم اقابله في اسبانيا، ربما وقتها كان في اجازة او كان في برشلونه لا أذكر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #65
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-05-2013, 01:00 PM
Parent: #64

الحلقة السابعة والثلاثين

وداعاً مدريد

مدريد من أجمل المدن التي رأيتها في حياتي، فأنا أحب الأشياء المعتقة، والشوارع العتيقة والمباني المعمرة، تجولت في المدينة القديمة ودخلت البيوت التي عمرها مائة عام أو مائتي عام، وتجولت كذلك في وسط البلد، وفي حدائق بلازا دي اسبانيا حيث الاطلالة الجميلة على قصر خوان كارلوس، وتعلمت بعض الجمل والعبارات الاسبانية التي نفعتني في زيارتي الثانية لاسبانيا.. ايضا رأيت جانب مدريد الحديث ذا المباني الحديثة العالية وذلك حين سكنت مع الأخوة الأفاضل الذين يمثلون النموذج الطيب لشعب السودان الأصيل وهما الرشيد وعثمان..

أثناء تجوالي انا والأخ محمد الأمين التقطنا كثير من الصور، ولكن للأسف أمطار ود مدني خربت كثير منها فلم يبق إلا القليل، ومنها الصورة المرفقة، وقد أشار إليّ محمد الأمين ان اجلس في الكنبة التي تجلس بها تلك الفتاة، فترددت (بحكم خلفيتي المحافظة) فقال لي اجلس ولا يهمك، فتقدمت نحو الكنبة وجلست ولم تتأثر الجالسة على الكنبة ولم تعترض وهو يصورني وأنا جالس بجانبها.. وكما تلاحظون فإن هناك مكان خالي في الكنبة على يساري، اي كان يمكن ان اجلس في طرف الكنبة القصي، ولكن جلست بجانبها تماماً ولا أدري إن كان ذلك بتأثير كلام محمد الأمين أم لجس النبض!! ولا أدري إن كانت الآن هذه الفتاة جدة (حبوبة)!! فقد مضت 34 عاماً عليها..

Picture175.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


بالمناسبة، ارجو من القارئ ان يسجل كل شئ يمر عليه خاصة اذا كان في رحلة خارج وطنه، فربما احتاجها (مثلي الآن) بعد ثلث القرن فلن تسعفه الذاكرة وحدها، وانصح كل من يلتقط صورة ان يسرع بتسجيل مكان وتاريخ الصورة خلفها، فإذا تكاسل او اهمل فقد تمضي الأيام والسنين ولا يفعل ولا يستطيع تحديد زمن ومكان الصورة..

بعد انتهاء اسبوع في مدريد الجميلة قررت الرحيل عنها ومغادرة الأراضي الاسبانية، فودعت محمد الأمين والرشيد وعثمان وسالي وتوجهت بشطنتي التي أضفت إليها بعض مشترياتي البسيطة من مدريد مثل بعض الخواتم البلاستيكية الجميلة وبعض العطور وأذكر انني اشتريتها من sale في مدريد، وهم كما في المغرب يعملون الـ sale في بعض الشوارع، وتعمدت ألا اشتري اشياء تثقل شنطنتي الوحيدة لأنني سأحلمها طالع نازل من القطار..

وركبت القطار من محطة مدريد متوجهاً الى الأراضي الفرنسية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #66
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-08-2013, 02:47 PM
Parent: #65

الحلقة الثامنة والثلاثين

نواصل

رحلة القطار من مدريد نحو الحدود الفرنسية

ركبت القطار مساء من محطة مدريد، وكان مزدحماً، لذلك لم أجد قمرة بها مكان شاغر، فافترشت الأرض في نهاية العربة، ولم أكن وحدي، فقد افترش بجانبي جوز اسباني، شاب وفتاة، وعندما استلقيت على أرضية العربة رأسي الى جدار آخر قمرة ووجهي نحو الممر الفاصل بين العربتين، وكنت أقرب الى الممر الذي يفصل القمرات عن شبابيك العربة، لذلك كان من يعبر من العربة الأخرى الى عربتنا يمر بجانبي تماماً، وبما أن الدنيا كانت صيفاً فقد كان معظم لبس الفتيات الاسكيرت، وكان دائماً ميدي او اقصر، فذقت الأمرين من منظر العابرات بجانبي، وبما انهن اوروبيات في الغالب فلم يكن يكترثن إذا نظر أحدهم من تحت لفوق..

أشعل الجوز الذي بجانبي سيجارة حشيش، فانتشر دخانها الكثيف في المكان، فارادا أن يصرفا هذا الدخان الكثيف، ففتحا باب العربة، وبما ان القطار كان ينطلق بأقصى سرعة، فقد كان الهواء البارد يدخل العربة بعنف، ولما لاحظا ذلك ابتسما ابتسامة اعتذار لكن لم يغلقا الباب حتى أكملا سيجارتهما، ثم راحا في سبات عميق..

حكى لي أحدهم قصة مشابهة حدثت له أيضاً، حيث قال: (كانت البنت ترقد بجانبي مباشرة، فيما يرقد الشاب بجوار باب العربة، وانقلبت الشابة على شقها الأيسر فواجهت رفيقها وأعطتني ظهرها.. وكان منظر العابرات بجانبي واسكيرتاتهن الواسعة من أسفل التي تبين ما سفل منهن، كان المنظر ما زال مؤثراً فيّ، فزادته هذه التي ترقد بجواري سوءاً.. كان ذلك شديداً علينا نحن القادمون من افريقيا من صحرائها الكبرى.. المهم انقلبت انا على الجهة المعاكسة فصار ظهري الى ظهرها، ولكن يدي التي كانت ترقد على جانبي انزلقت الى الخلف فاصطدمت بالشابة وتحركت كفي جيئة وذهابا، فتفاعل معها كل شئ في جسدي، وتعاضدت المناظر الاسكرتية السابقة مع اللمسات الاسكرتية الحالية فقلبت جسمي مائة وثمانين درجة فاصبحت مواجهاً لباب العربة، في نفس الاتجاه للشابة...
وعندما استدرت راجعاً الى الجهة الأخرى رأيت أحد الاسبان واقفاً امام نافذة العربة ووجهه الى الخارج، لكنه كان يراقب صورتنا المنعكسة على زجاج النافذة.. لم يبد أي شئ كأي اوروبي لا يتدخل فيما لا يعنيه، ولم اكترث له، ونمت كالذين بجانبي).. انتهت رواية صاحبي..

لا أذكر ان كنت هبطت في محطة برشلونة ام لا.. او كنت مستيقظاً عندما مر القطار بها، لكن كان الوقت نهاراً عندما وصلنا الحدود الاسبانية الفرنسية عند بلدة سيربر..

وأدرك شهرزاد الصباح.. فسكتت عن الكلام المباح..
.. والحديث ذو صلة

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #67
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-09-2013, 11:52 AM
Parent: #66

الحلقة التاسعة والثلاثين

نواصل

المدينة الحدودية سيربر Cerbere

في صباح اليوم التالي وصلنا الى مدينة صغيرة على الحدود بين اسبانيا وفرنسا تسمى سيربر، فهبطنا من القطار في المحطة الصغيرة، ثم تحركنا خطوات قليلة عبر حاجز معدني الى مكتب جوازات الحدود، وفي دقائق ختم لنا موظف الجوازات الفرنسي جوازاتنا فأصبحنا بذلك داخل التراب الفرنسي..

علمنا أن القطار سواصل الرحلة بعد سبع ساعات، لذلك جلسنا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وعند خليج صغير جميل محصور بالجبال وعلى شاطئ رملي جميل وهادئ قضينا معظم مدة الانتظار، ولم تكن بلدة سيربر كبيرة، بل اشبه بقرية، وما زالت صورة ذلك الخليج الجميل في ذاكرتي حتى الآن، وقد وجدت صور مشابهة لما حفر في تلافيف المخ منذ ما يزيد على ثلث القرن.. تلك الصور من موقع ( port-vendres.com) والصورة الأولى هذه هي نفس النقطة التي وقفت فيها في أوائل أغسطس 1976م
Cerbsudanre.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية: ما أجمل تلك البلدة
Cerbsudanre2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


بعد التسكع سبع ساعات في ربوع تلك المناظر الخلابة ركبنا القطار مرة أخرى وانطلق بنا بمحاذاة الساحل.. كانت المناظر رائعة جداً، فعن يميننا مياه البحر الزرقاء، وعن يسارنا المزارع الخضراء والجبال المغطاة بالأشجار الجميلة.. وكنت أقاوم النعاس لكي استمتع بهذه المناظر، وأحياناً أجاهد لأبقي عيوني مفتوحة.. مع ملاحظة انني وجدت مقعداً داخل قمرة، ولم تعد تلك المثيرات التي في الممرات تؤرقني، لكن كان هناك نوع آخر منها.. فالشباب لا يخجلون من الآخرين الذين هم داخل القمرة، فيقبلون وكأنهم في غرف نومهم، وقد لاحظت أن الآخرين من العجائز كأنهم لا يرون شيئاً، ولكن كان هناك شئ لفت نظري، وهو أن من كان يفعل ذلك كان ينظر اليّ من طرف خفي، وكأنه يريد ان يقول لي شوف نحن عندنا حرية كيف؟ او يالك من تعيس لأنك وحدك وليس مثلنا نسافر ازواجاً وازواج، وكنت قد لاحظت تلك النظرات التي من طرف خفي ايضاً داخل المدن الأوروبية مثل مدريد وغيرها (فيما بعد) وكأن تلك الرغبة لا تأتيهم إلا عندما أمر بجانبهم او أكون بقربهم..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #68
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-10-2013, 12:06 PM
Parent: #67

الحلقة الأربعون

نواصل

مرسيليا

واصل بنا القطار عبر البلاد الفرنسية بمحاذاة ساحل البحر الأبيض المتوسط، وكما ذكرت كانت المناظر الخلابة هي التي تشدني لأنظر عبر نافذة القطار الكهربائي السريع، وكانت القرى المنتشرة في السهول وسفوح الجبال تسر الناظرين، ومن حين لآخر نشاهد الأبقار السمينة والخراف ذات الصوف الغزير وهي ترعى الحشائش..

ووصل القطار الى محطة مدينة مارسيليا، وقررت النزول بها، ونزلت، وفي المحطة هنالك مستودع للأمتعة، تجد الخزانة داخل الجدار مفتوحة الباب، وضعت شطنتي ودفعت الرسوم وهي بالعملة المعدنية لكي تستطيع إغلاق الباب وأخذ المفتاح، وهذه لعمري فكرة جميلة، فالذي لا يريد أن يتلتل بالعفش طالع نازل يضع امتعته في إحدى هذه الخزانات التي تختلف في الحجم، فالكبيرة أجرتها أكثر.. وعلى ما أذكر ليست الأجرة كثيرة.. المهم تخلصت من عبء الشنطة وخرجت من محطة القطار وتجولت في المدينة، وكانت المحطة داخل الميناء او بقربها.. وفي المساء رجعت الى المحطة حيث قضيت الليلة بها، وكانت مزدحمة بالنائمين من الخواجات..

أثناء تجوالي التقيت بشاب مصري، يبدو انه جاء يبحث عن عمل، تجولنا سوياً، وأذكر اننا احتجنا للحمام، فذهبنا الى حمام عام، وكان نظامه أن الكبائن مغلقة من الخارج ولا تفتح الا إذا وضعت عملة معدنية من فئة الفرنك الواحد، فإذا دخلت وقضيت حاجتك ثم خرجت يقفل الباب ولا يفتح الا بوضع عملة مرة اخرى، فهممت أن ادخل العملة لكي ادخل، فأوقفني المصري بيده، فاستغربت، فقال لي اصبر، فصبرت، وبعد قليل خرج احد الخواجات من أحد الحمامات، فجرى المصري نحو الباب وهتف فيه ان توقف، فاستغرب الخواجه، ولكن صاحبي المصري لحق الباب قبل ان يغلق ودخل دون ان يضع العملة، ثم بعد ان خرج مسك لي الباب فدخلت انا ايضا دون ان ادفع..

اثناء تجوالي في مرسيليا اضطررت لعبور احد الشوارع، وما زالت ذاكرتي تحتفظ بقوس النصر فوق ذلك الشارع، وقوس النصر مشهور في فرنسا، فشارع الشانزليزيه فيه قوس النصر الذي مر من تحته زين الدين زيدان محمولاً على الأعناق عندما أتى بالنصر لفريق فرنسا لكرة القدم.. المهم حاولت عبور هذا الشارع، فكانت السيارات تأتي مسرعة ومتتالية، فوقفت قرابة ربع الساعة دون ان استطيع عبور الشارع الى الجهة المقابلة حيث الحديقة العامة الكبيرة.. المهم في آخر الأمر قدرت المسافة بين السيارات التي أراها قادمة وبين الزمن الذي يمكن ان استغرقه في عبور الشارع، فانطلقت اعدو بأقصى سرعة حتى عبرت الشارع، وما زال جلدي يقشعر حتى الساعة حينما اتذكر تلك المجازفة، فقد عبرت بالكاد للجهة الأخرى قبل ان يصلني رتل السيارات، وطبعاً نسيت ان اقول انني لم اكن ارى موقع عبور او اشارة قريبة او جسر مشاة حتى اعبر من خلاله.. المهم عبرت بسلام الى تلك الحديقة الغناء الوارفة الظلال.. طبعا في الحديقة يمكنك ان ترقد وتستريح وتتفرج على الخلق خاصة اولئك المجكسين (كلمة مجكسين مستحدثة لم تكن وقت الرحلة معروفة)..

طبعاً لم استطع النزول في فندق أو بنسيون بسبب السرقة التي تعرضت لها في القطار الاسباني كما ذكرت سابقاً، ولذلك تعمدت ان اتجول اطول وقت ممكن لكي اتفرج في اقل فترة زمنية، وكنت آكل الأشياء الخفيفة مثل سندوتشات الجبن والبسكويت ولا أقرب المطاعم لأنها فوق مستوى طاقتي المالية.. المهم متعت نظري بشوارع مرسيليا ومبانيها وميناءها المتوسطي وطيور النورس تحلق فوق المراكب والسفن..

طبعاً ابتعدت كثيراً عن المحطة، وعندما اردت العودة لم اعرف الطريق اليها، حتى استوقفت امرأة مسنة وبنتها الشابة في احد الشوارع الفرعية وسألتهما بما عرفته من لغة فرنسية بسيطة عن المحطة، فوصفوا لي كيف اركب الاتوبيس، ولكني فضلت المشي على قدمي- وربما ركبت الاتوبيس لا أذكر- المهم عدت الى المحطة وركبت القطار بعد ان قضيت أربعاً وعشرين ساعة في مرسيليا، حيث توجه القطار نحو الحدود الإيطالية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #69
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-11-2013, 01:56 PM
Parent: #68


الحلقة الحادية والأربعين

نواصل

الجنوب الإيطالي وإمارة موناكو

هذه المرة أيضاً ركبت داخل قمرة القطار رغم ازدحامه، وكان كل المسافرين أوربيون عدا واحد يبدو عليه انه من شرق آسيا، فلبيني، المهم تعرف عليّ هذا الرجل على أساس- كما ظننت- اننا الوحيدان الأجنبيان عن هذه القارة، وكان يتكلم معي بانجليزية سليمة، ويتكلم مع الآخرين بالفرنسية او الايطالية لست اذكر.. ثم بعد الونسة أخرج من حقيبته طعاماً ودعاني لآكل معه، وكان الطعام عبارة عن لحم ملفوف في ورقة، فبدأ لي شكله غريباً، لونه احمر كأنه نئ، فتقززت منه، وأحسست أنه لحم خنزير (مبخر) وكنت قد رأيت في حانات مدريد لحماً معلقاً في سقوفها علمت انه لحم خنزير معالج بالبخار ويترك معلقاً هكذا لزمن طويل فيغلى ثمنه- تماماً كالخمر المعتق، كلما قَدِم غلا ثمنه.. المهم شكرت صديقي هذا بأنني لن آكل معه، ومددت يدي الى الرف لآخذ منها زادي الذي كان خبزاً وجبناً وشئ من هذا القبيل، فاستغرب صديقي من اعتذاري عن مشاركته الطعام، ولكنه كان ذو فراسة قوية، فقرأ في وجهي ما دفعه للضحك فجأة، ثم قال لي: أنت (مهمديان)؟ أي أنت (محمدي) أي مسلم؟ (هم يقولون للمسيحي كريستيان منسوباً الى جيسس كريست أو المسيح عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) ثم جعل يلم أطراف الورقة التي بداخلها اللحم كمن يريد ان يخبئه من نظري، فضحكت على فعلته هذه، وظل هو يضحك حتى سأله الخواجات عن الحاصل، فقال لهم أن هذا مسلم ولا يأكل الخنزير.. كان هذا الرجل وناساً ويبدو أنه موسوعة في كل شئ، فقد أدرك بقوة ملاحظته انني اعتذرت عن مشاركته لطعامه بسبب أن اللحم خنزير لأنني لم أعتذر إلا حينما رأيت اللحم، وعرف من نظرتي إلى اللحم أنني اشمأززت منه دون أن أذكر شيئاً يوحي بذلك، وعرف أن المسلمين لا يأكلون الخنزير.. أذكر انني سألته ماذا يشتغل فقال لي: جاسوس.. فضحكت و قلت له لا يمكن ان تكون جاسوس، لأن الجاسوس لا يقول انا جاسوس، رد عليّ قائلاً انك ستفكر وتقول هل هو جاسوس أم لا.. وستظل تدور في هذه الحلقة المفرغة دون ان تصل لنتيجة.. كان فاكهة القمرة يتونس مع الكل بشتى اللغات..

أثناء مرور القطار رأينا جزيرة صغيرة أشبه بصخرة كبيرة تبرز من اليابسة الى البحر (مرفق صورة لنفس المكان الذي رأيته قبل ثلث القرن، وقد نقلتها من أحد المواقع، وهي التي فيها شئ مثل الجسر والقلعة)، رأيت فيها فيلاً افريقياً ضخماً (في نفس المكان الذي يظهر فيه الناس في هذه الصورة)..

monaco2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ثم قرأت اللوحة التي تشير إلى انها إمارة موناكو وعاصمتها مونت كارلو.. تلك الجزيرة الصغيرة/الدولة/المدينة المشهورة بصالات القمار، ثم اشتهرت لدى العرب بإذاعة مونت كارلو القسم العربي.. مر القطار بجانبها دون ان يتوقف، أو ربما توقف في محطة فرنسية قريبة منها، وما زال منظر الفيل فوق تلك الصخرة عالقاً بذهني، ولا أدري لماذا لم التقط له صورة، ربما لأنني لم اتوقع ان امر بمنظر كهذا في ربوع اوروبا وفي فرنسا بالتحديد، ولم اكن اعلم اننا سنمر بإمارة موناكو لذلك لم أجهز الكاميرا.. (صورة أخرى منقولة لموناكو ويبدو العمران فيها وقد ارتفع الى عنان السماء، وحتماً قبل ثلث قرن لم تكن هناك عمارات بهذه الضخامة).

monaco.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


لم تكن الحدود الفرنسية الإيطالية كالحدود الاسبانية الفرنسية، فلم يتوقف القطار على الحدود، بل ظل منطلقاً في طريقه، ولم نعلم أين تقع نقطة الحدود بالضبط، فقط مرّ ضابط الجوازات على عربات القطار.. وكان يمر سريعاً دون أن يأخذ من أحدهم اي هوية او يسأله عنها.. فقط عندما وقف في باب قمرتنا مد يده لي يطلب جواز سفري.. فعلق صاحبي: أرأيت.. أنت الوحيد الذي سئل عن جوازه.. فضحكت وضحك، وبالفعل اطلع الضابط على جوازي وسلمني إياه ولم يسأل صاحبي هذا عن جوازه رغم ان ملامحه لا تدل على أنه أوروبي.. وواصل الضابط مروره على عربات القطار دون أن يتوقف كثيراً عند أبواب القمرات الأخرى، فيبدو انهم كلهم اوروبيون..

وقفت على شباك عربة القطار من جهة الممر اتفرج على الأراضي الإيطالية، فكانت أجمل من فرنسا واسبانيا.. البحر الأزرق والجبال الخضراء والمزارع ذات اللون الأخضر الزاهي، وتتميز ايطاليا بكثرة الأنفاق داخل الجبال وبالجسور التي تربط بين جبل وآخر.. وقد قال لي صاحبي إياه عليكم بإحضار شركة إيطالية لتنفذ لكم الجسور في بلادكم وذلك عندما علقت على كثرتها في ايطاليا وجودة تصميمها، فقلت له ان الشركات الصينية هي التي تنفذ الجسور عندنا فقال لي ان الايطاليين افضل من ينفذ الجسور والأنفاق.. وبالفعل كان القطار يمر بنفق قد يكون طوله عدة كيلومترات، ثم ما إن يخرج منه حتى يدخل نفقاً آخر أطول منه، ثم بعد قليل يمر فوق جسر معلق بين جبلين..

المهم انا واقف على الشباك وشعري الكثيف الخنفس تدفعه الرياح الى الوراء بقوة إذ مددت رأسي الى الخارج ليكون في الضوء حتى يلتقط لي صاحبي صورة توضح وجهي والمنظر الذي في الخارج (مرفق الصورة ويبدو منظر القرية على الجبل)،

Italy-Omar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



المهم بعد التقاط الصورة ظللت واقفاً في الشباك اتفرج على جنوب ايطاليا الجميل فجاءت صبية ووقفت بجانبي في نفس الشباك وكنت اضع يداي على قاعدة الشباك مستنداً عليهما، فألصقت صدرها بيدي، فحركت يدي لأخلصها، فلم تتحرك، فجال إصبعي في المجال حتى وقف القطار في المحطة التالية فنزلت ومعها أمها (شوفوها في الصورة التي التقطها لي صاحبي الفلبيني، وقد وجدت كتابة على ظهرها : (أنا في القطار في جنوب فرنسا أو جنوب إيطاليا، تظهر في الصورة صبية إيطالية بجانبي، يوم 3 أغسطس 1976م، التقط الصورة فلبيني)).. طبعاً الصحيح أنها في جنوب إيطاليا وليس جنوب فرنسا..

Italy001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


آه يا إيطاليا ويا بنات إيطاليا الجميلات جداً والخفيفات خالص، واللائي أشبه بالعرب منهن بالأوروبيات، خاصة في الجسم المكتنز والعيون السود والشعر الأسود، كل شعوب البحر المتوسط تتشابه، سواء شماله او جنوبه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #70
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-12-2013, 03:06 PM
Parent: #69

الحلقة الثانية والأربعين

نواصل

روما

في الطريق توقف القطار لفترة طويلة غير معتادة، فحتى في المحطات كان القطار يقف لمدة دقائق قليلة، ثم ينطلق، لكن هنا توقف لحوالي ساعة او يزيد، ولا ندري إن كان ثمة عطل في القطار او قطار آخر سد الطريق.. المهم بدأ الناس يملون الانتظار، وبينا كنت أنظر عبر النافذة كان هناك شباب من ضمن المسافرين يقفون مع بعض على الأرض، فوضع أحدهم زجاجة فارغة بجانب عجلات عربة القطار التي نحن بها، ثم صوب حجراً نحوها، وبدأ زملائه يفعلون نفس الشئ، ثم وضعوا زجاجة أخرى، وأخرى وصار المكان ميدان رماية، فتطوعت النسوة من داخل قمرتنا بمدهم بالزجاجات الفارغة، وصاروا يتصايحون كلما أصابوا زجاجة، وأطل الجميع من خلف شبابيك القمرات ينظرون الى تلك اللعبة.. فعلاً الملل يجعل أي شئ تسلية حتى لو كان رمي الزجاجات الفارغة بالحجر..

ثم تحرك القطار يشق الجبال والمزارع والقرى الإيطالية الجميلة، ثم وصل الى محطة روما.. نزل الركاب في المحطة، فتوجهت الى مكان مستودع الشنط، وحسبته مثل ذلك الذي بمدينة مرسيليا، خزائن مفتوحة عليها مفاتيحها تضع شنطتك وتدخل عملة فيخرج لك المفتاح بعد أن تغلق الخزانة.. أما هنا في روما فقد كان المستودع أشبه بمخزن عفش كالذي في محطات السكة حديد بالسودان.. وهناك موظف يأخذ منك الشنطة ثم يعطيك بطاقة صغيرة عليها رقم لتستلم به شنطتك فيما بعد، وكانت الأجرة مناسبة كتلك التي في مرسيليا، أو ربما أقل..

أثناء تحركي داخل محطة روما لاحظت ان هناك فتاة ومعها فتى في مثل سنها يتبعاني، ثم تقدمت مني الفتاة وتكلمت معي بالإيطالية (وهي باين عليها إيطالية)، فقلت لها بالإنجليزية ما معناه: هلا تكلمتي بالإنجليزية؟ فقالت لي بالانجليزية: ما اسمك؟ فقلت لها اسمي عمر، فقالت لي اسمي منو كده ما عارف، ثم لفت حول الفتى كأنها تختبئ وراءه خجلاً.. وبما أنني كنت زهجان من شيل الشنطة وتعبان من الرحلة فلم أعرها التفاتاً ومضيت في حال سبيلي، يعني فوّت لي ونس ساكت.. أو على الأقل مرافق يفرجني على روما، أو.. أو.. لكني استغربت في الموضوع لأنها كانت مع فتى! يا ربي المعاها ده كان اخوها واللا شنو؟

في المحطة برضو لاقاني واحد بيغير عملة، فقلت له بكم الدولار، قال لي بكذا.. عندك كم؟ فقلت له عندي عشرين دولار، فضحك، يعني دي قروش دي.. فتركته وحولت من محل رسمي لتحويل العملة، وكانت الليرة الإيطالية زي المليم السوداني في ذلك الوقت.. وعلى ما أذكر كان المبلغ الذي استلمته من الصراف حوالي سبعة آلاف ليرة ايطالية..

وفي الليل وجدت مكاناً في حرم المحطة أشبه بالحديقة الصغيرة ينام فيه المسافرون، ومعظمهم خواجات، فرقدت تحت شجرة، وكنت محصوراً جداً، فزحفت الى جذع الشجرة لأفرغ مثانتي- يبدو أن الجميع كانوا يفعلونها لأن رائحة النشادر النفاذة تدل على ذلك- فلم استطع.. كان- وما زال- طبعي غريباً في هذه الناحية، فإذا كنت قريباً من الناس، حتى لو كانوا وراء ظهري لمسافة فلا استطيع أن أفعلها.. المهم جلست لمدة أحاول أن أفرغ ما في مثانتي لكن دون جدوى، فلاحظ أحد الشباب الخواجات الذين يرقدون في هذا المكان أنني أطلت المكوث تحت جذع الشجرة، فظن بي السوء، فصار ينادي صديقه الذي كان يغط في نوم عميق ليوقظه، ربما هذا الشخص ظن أنني أنوي سرقة زميله او شئ من هذا القبيل، المهم رجعت الى مكاني وحاولت النوم فلم استطع لأنني محصور، وعلى ما أظن المحطة كانت قد أغلقت لذلك لم استطع دخول حماماتها.. الله ينعل ابو الفلس، وابو الحرامية السرقو قروشي في قطار اسبانيا، المهم تحملت الفلس وقل المال لأني سأبقى في روما فقط أربعاً وعشرين ساعة..

مرفق صورة لشخصي في روما أمام قوس يشبه قوس النصر في فرنسا.. والصورة ملتقطة يوم 4 أغسطس 1976م، ويبدو خلف القوس حديقة غناء وارفة الظلال..

Italy001sudan2sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #71
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-15-2013, 03:58 PM
Parent: #70

الحلقة الثالثة والأربعين

نواصل

نبذة عن إيطاليا

تجولت في روما في محيط محطة السكة حديد، وهي روما القديمة، وكانت تشبه الى حد ما مدريد، إلا أنها لم تكن بروعة مدريد..

وقبل أن أواصل سقت لكم نبذة مختصرة عن ايطاليا من موقع ويكيبيديا:

الجمهوريّة الإيطاليّة (بالإيطالية: Repubblica Italiana) التسمية أصلها لاتيني ايتاليا، أما مصدر التسمية اللاتينية فهو غير مؤكد. وفقاً لأحد التفسيرات الأكثر شيوعاً فإن التسمية مستعارة من الإغريقية من الاسم الأوسكاني فيتيليو Vandiacute;telianduacute; والتي تعني "أرض الماشية اليافعة" (باللاتينية: vitulus) "عجل" أو (بالأومبرية vitlo "عجل")، كان الثور رمزاً لقبائل جنوب إيطاليا وكان يصور في كثير من الأحيان ناطحاً الذئب الروماني كرمز تحدي لحرية إيطاليا خلال الحروب السامنية.

أطلق الاسم إيطاليا في الأصل على جزء مما هو الآن جنوب إيطاليا، وفقاً لأنطيوخس من سيراكيوز الجزء الجنوبي من شبه جزيرة بروتيوم (كالابريا حالياً). لكن في وقته كانت اينوتريا وإيطاليا مترادفتين كما ينطبق الاسم على معظم لوكانيا كذلك. أطلق الإغريق تدريجياً اسم "ايطاليا" على منطقة أوسع ولكن التسمية لم تشمل كامل شبه الجزيرة حتى زمن الفتوحات الرومانية.

هي دولة تقع في جنوب أوروبا جزئياً في شبه الجزيرة الإيطالية وأيضاً تضم أكبر جزيرتين في البحر الأبيض المتوسط صقلية وسردينيا. تشترك إيطاليا في الحدود الشمالية عبر جبال الألب مع فرنسا وسويسرا والنمسا وسلوفينيا. بينما يوجد داخل الأراضي الإيطالية دولتان مستقلتان هما مكتنفا سان مارينو ومدينة الفاتيكان، كما يوجد مكتنف كامبيوني ديتاليا في سويسرا. تغطي الأراضي الإيطالية مساحة 301,338 كم2 وتتأثر بمناخ موسمي معتدل. يسكن البلاد 60.2 مليون نسمة وهي سادس دولة من حيث عدد السكان في أوروبا، وتحل في المرتبة 23 الأكثر تعداداً سكانياً في العالم.

كانت الأراضي المعروفة اليوم باسم إيطاليا مهد الثقافات والشعوب الأوروبية مثل الإتروسكان والرومان. كما كانت العاصمة الإيطالية روما لقرون عديدة المركز السياسي للحضارة الغربية باعتبارها عاصمة للإمبراطورية الرومانية. بعد تراجع الإمبراطورية تعرضت إيطاليا لغزوات من قبل شعوب أجنبية من القبائل الجرمانية مثل القوط الشرقيين واللومبارديين وشعب النورمان في وقت لاحق والبيزنطيين وغيرها. وبعد عدة قرون أصبحت إيطاليا مهد النهضة والتي كانت حركة فكرية مثمرة جداً والتي أثبتت قدرتها على تشكيل مسار الفكر الأوروبي لاحقاً.

خلال أغلب تاريخ البلاد ما بعد الحقبة الرومانية، كانت إيطاليا مجزأة إلى العديد من الممالك ودول المدن (مثل مملكة سردينيا ومملكة الصقليتين ودوقية ميلانو)، ولكن البلاد وحدت في عام 1861 بعد فترة مضطربة في تاريخ البلاد تعرف باسم "إعادة الولادة". من أواخر القرن التاسع عشر وخلال الحرب العالمية الأولى حتى الحرب العالمية الثانية تحولت إيطاليا إلى إمبراطورية استعمارية حيث امتد حكمها إلى ليبيا وإريتريا والصومال الإيطالي وإثيوبيا وألبانيا ورودوس ودوديكانيسيا وامتياز في تيانجين في الصين.

إيطاليا الحديثة جمهورية ديمقراطية. تصنف في المرتبة 18 عالمياً من بين الدول الأكثر تقدماً، كما صنفت جودة الحياة فيها من ضمن المراكز العشرة الأولى في العالم. تتمتع إيطاليا بمستوى معيشة عال جداً، وهي ذات ناتج محلي إجمالي اسمي عال للفرد. إيطاليا دولة عضو مؤسس في ما هو الآن الاتحاد الأوروبي ومنظمة حلف شمال الأطلسي. كما أنها عضو في مجموعة الثمانية ومجموعة العشرين. الناتج المحلي الإجمالي الاسمي للبلاد هو السابع عالمياً بينما الناتج المحلي الإجمالي (تعادل القوة الشرائية) يحل في المرتبة العاشرة. كما تمتلك خامس أكبر ميزانية حكومية في العالم. هي أيضاً دولة عضو في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ومنظمة التجارة العالمية ومجلس أوروبا واتحاد أوروبا الغربية. ميزانية الدفاع الإيطالية هي التاسعة عالمياً كما تساهم في خطة المشاركة النووية التابعة للناتو.

تلعب إيطاليا دوراً عسكرياً وثقافياً ودبلوماسياً بارزاً في أوروبا والعالم، كما تساهم في منظمات عالمية مثل منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي والصندوق الدولي للتنمية الزراعية ومنتدى غلوكال وكلية دفاع الناتو والتي توجد مقراتها في روما. نفوذ البلاد السياسي والاجتماعي والاقتصادي على الساحة الأوروبية جعلها قوة إقليمية كبرى جنباً إلى جنب مع المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وروسيا، كما صنفت إيطاليا في دراسة حول قياس السلطة في المرتبة الحادية عشرة عالمياً. مستوى التعليم العام في البلاد مرتفع والقوة العاملة وفيرة وهي أمة معولمة كما تمتلك سادس أفضل شهرة عالمية عام 2009 كما تحل في المرتبة 19 من حيث متوسط الأعمار المتوقع. في عام 2000 كان نظام الرعاية الصحية في المرتبة الثانية في العالم وفقاً لتقرير منظمة الصحة العالمية. في عام 2007 كانت خامس دولة من حيث عدد الزوار مع ما يزيد على 43.7 مليون زائر دولي. تزخر البلاد بتقاليد عريقة في مجال الفنون والعلوم والتكنولوجيا بما في ذلك أعلى رقم لمواقع التراث العالمي على قائمة اليونسكو(44).

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #72
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-16-2013, 01:20 PM
Parent: #71


الحلقة الرابعة والأربعين

نبذة عن روما

نواصل

ما دمنا في روما فدعونا نسرد نبذة مختصرة عنها نقلتها من موقع ويكيبيديا مع بعض التعديل الطفيف والتصحيح:

روما (بالإيطالية: Roma) بالانكليزية (rome) هي عاصمة إيطاليا وأكبر مدنها. تقع في وسط دولة إيطاليا على ضفاف نهر التيفيرة ويبلغ عدد سكانها حوالي 2.555.000 نسمة. وهي عاصمة مقاطعة روما التي تعداد سكانها حوالي 3,615,972 نسمة، وأيضا عاصمة إقليم لاتسيو الذي تعداد سكانه حوالي 5,270,000 نسمة. سميت نسبة إلى الرومان. كانت المدينة في العصور القديمة عاصمة الإمبراطورية الرومانية وأصبحت عاصمة إيطاليا الحديثة منذ 1871. هي عاصمة مقاطعة لاتيوم والتقسيم الإداري روما.

لقرون عدة، دعِيت روما المدينةَ الأبديةَ، عنوان كَسبته كونها أحد أهم وأعظم المدنِ في الحضارةِ الغربية، فقد كانت عاصمة الإمبراطورية الرومانيةِ، وهي الآن القلب الروحي للكنيسةِ الكاثوليكية الرومانيةِ. ومنذ 1871 هي عاصمةَ إيطاليا الموحدة.

تقع دولة الفاتيكان، أصغر دولة في العالم، داخل حدود مدينة روما. أضاف اليونسكو مركز مدينة روما القديم وكنيسة القديس بطرس ومدينة الفاتيكان لقائمة التراث العالمي. تتخذ كل من منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) والصندوق الدولي للتنمية الزراعية وبرنامج الأغذية العالمي من المدينة مقرا لها.

تنقسم روما إلى 19 بلدية و155 منطقة. البلديات يشكلون ضواحي المدينة. تم إدخال تقسيم البلديات ال 19 فقط منذ التسعينات من القرن السابق. كانوا في السابق 20 بلدية، ولكن تم فصل بلدية فيوميشينو عن المدينة لتصبح مدينة مستقلة إداريا. ضواحي روما مرقمة بالأرقام الرومانية للدلالة على تاريخ روما العريق.

روما اليوم

معظم الإنشاءات الكبيرة التي تمت في المدينة بنيت في الضواحي الخارجية مثل منطقة ال E.U.R. بلاتسو ديل لافورو (قصر العمل). يسمح بشكل ضيق البناء داخل مركز روما، ذلك خوفا من التعرض لآثار المدينة العريقة. تجري الآن حفريات ضخمة في منطقة الميدان القديمة (حيث المدرج الكولوسيوم). بشكل عام فإن تأثير تاريخ المدينة على البناء واضح. كما أن أي مشروع لتطوير أو توسيع بناء مهم في المدينة يواجه معارضة، على سبيل المثال واجه مشروع بناء مصف سيارات تحت ساحة القديس بطرس عام 2000 معارضة شديدة. لذلك على عكس المدن الأوروبية الكبرى الأخرى فإن شبكة القطارات التحت أرضية (مترو) متواضعة جدا مقارنة مع مثيلاتها في أوروبا. خط المترو رقم 3 لم يتم استكماله لحد اليوم لهذا السبب. الحفاظ على نمط روما القديم أثر سلبا على الضواحي الخارجية للمدينة، فقد سمح البناء بشكل عشوائي أحيانا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية مما أنتج صورة بنائية غير جميلة في هذه المناطق. كما أن وجود عدد كبير من الكنائس في مركز المدينة وارتفاع مصاريف الحفاظ عليهم جعل بناء ورعاية كنائس أخرى جديدة في الضواحي أمرا صعب التحقيق. مشروع "حمامات عامة للجميع" القديم أهمل وهو غير موجود في الواقع اليوم. تحسن وضع روما قليلا بعد انتخاب السياسي روتيلي من حزب الخضر في التسعينات من القرن السابق. تحت ولاية البابا يوحنا بولس الثاني عاشت المدينة أكبر تجمعين بشرين في تاريخها. الأول كان في القداس الذي أقيم أثناء فعاليات يوم الشباب العالمي، حيث حضرها حوالي مليونان شخص. كما شارك ما بين ثلاثة إلى أربعة مليون نسمة في جنازته في 8 نيسان/أبريل 2005

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #73
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-17-2013, 12:15 PM
Parent: #72


الحلقة الخامسة والأربعين

تجولت في روما وغادرتها

..نواصل

تجولت في روما وأكثر ما لفت نظري هو وجود كثافة ملحوظة للوجود الاثيوبي والاريتري والصومالي في شوارع ومقاهي روما، فأحياناً كنت أرى المقهى ممتلئ بهم ولا يوجد أوروبي واحد، يعني تحس بأنك في الديم في الخرطوم.. ولو تذكرون كانت الحرب أيامذاك مستعرة بين الثوار والحكومة في أديس أبابا، كذلك الثورة الاريترية، ويبدو ان معظم هؤلاء طالبي لجوء سياسي في ايطاليا.. المهم كنت أتجول فقابلت شخص ظننت أنه سوداني، لكني تراجعت وقلت أكيد يكون اثيوبي او اريتري، لكنني تشجعت وسألته بالانجليزية إن كان سوداني، ويا للمفاجئة، فقد كان سوداني بالفعل.. يا لمحاسن الصدف.. اتونست مع السوداني الذي كان بحاراً ولكنه ترك البحر وآثر البقاء في إيطاليا.. وعندما علم أنني قادم من المغرب وأنني أدرس بها قال لي كيف تعيشون مع المغاربة؟ استغربت سؤاله، فوضح لي بأن المغاربة هنا (شفّاره) أي لصوص، وبمعنى سوداني أدق (رباطه) أو بتاعين نهب مسلح، وهم يستعملون (الموس) وبلغتنا السكين او المطوة في تهديدهم لضحاياهم، وان الايطاليين يهابونهم أكثر مما يهابون المافيا.. وقال لي هذا السوداني أنه يعيش في منطقة يسكنها أعضاء المافيا الإيطالية، وهؤلاء يخافون من المغاربة! الغريبة ان نفس الملاحظة قالها لي السودانيون الذين قابلتهم في اسبانيا.. ولكني أوضحت للجميع ان المغاربة شعب طيب وليس هناك إجرام كالذي تذكرون.. إلا أنني ادركت ان الحكم الصارم في المغرب ألجم المجرمين وحدّ من نشاطهم الإجرامي، لكن في أوروبا يمارسون هذا النشاط والأوربيون يهابونهم، وقد قال لي أحد السودانيين في اسبانيا اذا قلت للأسباني (مور) وتعني مغربي فسيهرب منك..

تونست مع السوداني هذا على الماشي ثم ودعته وتجولت في روما وشوارعها وأزقتها ومقاهيها، وهي كمدريد تكثر فيها التماثيل في الشوارع والميادين، وكذلك المياه العذبة التي تتدفق من ما يشبه السبيل، ثم حينما اقترب موعد الطائرة دخلت حماماً عاماً (بفلوس) واستحميت وقشرت بالبدلة الما خمج الفل سوت، وخلعت القميص الذي زينته بطباعة من تنفيذي، وكذلك البنطلون الجينز وركبت الحافلة من وسط روما- ربما من أمام محطة السكة الحديد- المتوجهة الى مطار روما، وتحركت الحافلة فأكملت الفرجة من عبر نوافذها، ومررنا بمبنى الكولِّسيوم- وينطقه السودانيون كلوزيوم- وفعلاً هو مبنى مهيب وضخم.. ثم اقتربنا من مطار روما، وهو مطار كبير مقارنة بالمطارات التي رأيتها- الخرطوم والدار البيضاء وأغادير- ثم وصلنا الى مطار روما، وأثناء نزولنا من الحافلة رأيت شرطي مرور يضع ورقة مخالفة لسيارة تقف في المواقف التي أمام الصالات، والغريب ان السيارة واقفة بين الخطين المتوازيين، ولكنها لم تكن متوازية مع الخطين تماماً.. أي هناك انحراف بسيط لم يخرجها من بين الخطين ولكنها بدت وكأنها (خربت الرصة)! شوف الدقة والنظام ده كيف؟ ده لو في السودان او في السعودية لوجدت كم سيارة قافلة على سيارات أخرى، وتنتظر الى حين يأتي سيادته ليخرج سيارته لتخرج بعده انت، وربما لا يقدم لك اعتذار وربما نظر اليك نظرة احتقار ان كيف تجرؤ على لومه..

كذلك لاحظت أن هناك طفلان ولد وبنت يلعبون في أحد بوابات الدخول، وكانت من الزجاج وتفتح اتوماتيكياً عندما يقترب منها الشخص- طبعاً كان غريباً علينا في ذلك الزمان، أما الآن فقد انتشرت هذه الأبواب في كل بقاع الدنيا، المهم لاحظت ان الطفلين يدخلان ويخرجان من البابين المزودجين (باب وبعده باب وبينهما مساحة فاضية)، فأحياناً يقفان داخل تلك المساحة الى حين مرور شخص من الخارج لينفتح الباب فيخرجان من جهة الدخول أو يدخلان من جهة الخروج، وما لفت نظري أن أحداً لم ينهرهما ولم يوقفهما، ولو حدث هذا في السودان او في السعودية لضربوهم او نهروهم او سبوا والديهم..

تجولت في المطار، ووجدت مكان لبيع الطعام فاشتريت سندوتش بيض مقلي، واشتريت قهوة من جهاز للبيع الذاتي- ايضاً كان غريباً في ذلك الزمان- فوضعت حوالي 300 ليرة فنزل كأس الورق الخالي، ثم صبت القهوة من تلقاء نفسها وأخذت السكر من الجهاز، وشربت القهوة ساخنة.. طبعاً لو كنت حكيت هذه التكنولوجيا زمان لكان لها وقع خاص، فوقتها لم توجد الا في اوروبا..

دخلت المطار وقدمت تذكرتي وجواز سفري لموظف الخطوط فختم لي الجواز واصدر لي بطاقة صعود الطائرة، ثم توجهت لبوابة المغادرة ومنها الى الطائرة السودانية البوينق 707 (النيل الأزرق) وقد كانت للخطوط السودانية طائرتين من نفس النوع، الأخرى هي (النيل الأبيض) وكلا الإسمين مكتوبين باللغة الإنجليزية.. وأقلعت سودانير.. ووداعاً روما، ووداعاً إيطاليا، ووداعاً أوروبا..

الصورة المرفقة لشخصي في أحد شوارع روما، وتبدو المباني التي تشبه الى حد ما مباني مدريد، وقد وجدت خلف الصورة بخط يدي مكتوب: (روما 4 أغسطس 1976، التقط الصورة إيطالي، عمر حسن غلام الله)، وكما أسلفت فالكتابة خلف كل صورة يحفظ تاريخها ومناسبتها ومكان التقاطها وبعض المعلومات التي قد لا تبدو في وقتها هامة، ولكن بعد مرور 37 سنة قد تصبح المعلومات ضبابية في الذاكرة الخربة التي تقدمت بها السن، لذا تكون أهمية المعلومات المكتوبة..

Rome-Omar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة عدت عليها عاديات الزمن فطمرتها أمطار مدني كما أسلفت، والحمد لله ان هذه الصورة بها جانب سليم، فبعض الصور طمست تماماً ..

وأرفق أيضاً صورة للكلسيوم نسختها من أحد المواقع التي تشجع السياحة الى أوروبا

Coliseum.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #74
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-19-2013, 04:10 PM
Parent: #73

الحلقة السادسة والأربعين

الطائرة السودانية ومطار الخرطوم

نواصل..

في الطائرة السودانية كانت بعض المضيفات بريطانيات.. تصوروا.. كنا نستقدم بريطانيات للعمل لدينا في سودانير.. شوفوا أيام العز.. وإحدى هؤلاء المضيفات البريطانيات كانت تقدم الحلوى في طبق لزوم الضيافة، فلاحظت انها كانت كلما قدمت الحلوى لراكب ابتسمت له، ولكن الإبتسامة كانت ميكانيكية! نعم، لم أخطئ في الكلمة، ميكانيكة بمعنى الكلمة، فكانت كمن يقول له المصور قل (بليز) ليبدو في الصورة كأنه يبتسم، كانت تصطنع الابتسامة، وما إن تفعل حتى يرجع فمها كما هو متجهماً، وهكذا من راكب الى آخر بحركة واحدة متكررة ومملة جداً قد لا يلاحظها الراكب الذي تقدم له الحلوى ولكن لو أحدهم تابعها بنظره من بعيد فسيرى تلك الحركة التي يبدو أنها درستها عندما كانت تتعلم الضيافة استعداداً للتوظف كمضيفة جوية.. والغريبة أن المضيفات السودانيات كن على طبيعتهن، لا يبتسمن أبداً، وبما أننا متعودون عليهن فلم نلاحظ غرابة في ذلك، بل وربما أغلظت لك إحداهن القول او نهرتك.. كلو عند السودانيين جايز.. لكن عند البريطانيين ومن لف لفهم فلا يتعاملون إلا حسب الأصول حتى ولو كانت الأصول ابتسامة مزيفة.

في الطائرة وجدت فتاتان سودانيتان صغيرتان في السن، ربما 15 و16 سنة مسافرتان لوحدهما من روما الى السودان، وعلى ما أذكر أنهما كانتا قادمتان من لندن، تونست معهما، ولكن بقيت جملة في ذاكرتي من تلك الونسة منذئذ، فكانتا قد سألتاني هل كنت أعمل في اوروبا أم سائح، قلت لهما بل جئتها سائحاً، فقالتا ان من يعمل في اوروبا يعمل في الأعمال الهامشية مثل غسيل الصحون في المطاعم.. ويبدو أن بدلتي الفل سوت قد ضللتاهما فحسبتا انني من ابناء الذوات مثلهما، فعابتا من يذهب إلى أوروبا للعمل في مثل تلك الأعمال الهامشية.. كل تلك الونسة وأنا راجع من الحمامات وقفت فوق كرسييهما أسألهما ويجيبانني ويسألاني وأجيبهما، وكان هناك ولد صغير عمل الدرب ساساقا، فكل حين يمر جيئة وذهاباً وأنا أنحشر جهة الكراسي لأفسح له الطريق ليمر عبر الممر الضيق، ويبدو أنه زادها حبتين (متعمداً) فعلقت الفتاتان على ذلك، يعني معناها انت حاسدنا واللا شنو يا ولد..

كانت الرحلة طويلة نسبياً، حوالي أربع او خمس ساعات، وكان الشوق الى الأهل والى الوطن يخيل لي أنني لن أصل الى الخرطوم، خفت ان تسقط الطائرة او يحدث لي شئ قبل أن أرى أهلي، فكنت أدعو الله أن أصل وأراهم ثم بعد ذلك يحدث ما يحدث.. كان شوقاً جارفاً للأهل بعد أول فراق- رغم أنه لم يتعد التسعة أشهر- لكنها كانت مثل سنوات طوال..

وهبطنا في مطار الخرطوم بسلام، كان ذلك يوم 5 أغسطس 1976م، بدأ لي مطار الخرطوم كئيباً وصغيراً وكأنه كوخ ويبدو أن ذلك كان بسبب مقارنة ذهني له بمطار روما الضخم.. وقبل أن أرى مطار روما ومطار الدار البيضاء كان مطار الخرطوم بالنسبة لي فخم وضخم، خاصة عندما دخلته لأول مرة، وكان ذلك في العام 1970 عندما جئنا من مدني لنودع خالي الصادق حسن الصادق المسافر الى أمريكا لنيل الماجستير، وقتها رأيت مطار الخرطوم فخماً وجميلاً، لكنني الآن وأنا قادم من مطار روما فبدأ لي كمطار مدني الذي لم يكن غير ساحة ترابية تستخدم كمدرج وغرفة واحدة لإدارة المطار..

استقبلني خالي الصادق في المطار وذهبت معه الى منزله بشمبات الزراعة، وبعد السلام والترحاب رحت في سبات عميق، فأيقظوني لأتعشى، فتعشيت وأنا شبه نائم، بل مغمض العينين، فكنت أدخل الخبزة في صحن القراصة وأنا لا أدرك ماذا أكلت.. لقد كنت منهكاً وفاقد نوم بسبب تلك الرحلة الطويلة وعدم النوم المريح منذ أن فارقت مدريد، فإما نائم في القطار وأنا جالس، او في محطة القطار او في الحدائق..

استيقظت في الصباح فأخذني خالى الى منزل عمي خضر غلام الله- رحمه الله رحمة واسعة.. أدعو له بالرحمة- في الديم، حيث أخذني هذا الى موقف مدني وكان يومئذ في الخرطوم ثلاثة، ولكن قبل أن يصل الى الموقف ذكر لي أن كل الأهل مجتمعين في حديقة في سوبا، وكان اليوم جمعة، وبالفعل وجدت معظم أهلنا الذين يسكنون العاصمة، سلمت عليهم ولكن إحدى قريباتي قالت لي (البركة فيكم في ...)، ولم استوعب الاسم الذي ذكرته.. فانقبض صدري ولكني لم استطع الاستفسار منها، خفت أن أعرف، اصبحت مثل النعامة التي تدفن رأسها في الرمال.. كنت ابتسم لمن يسلم علي ابتسامة المضيفة البريطانية إياها.. ثم سرعان ما يتجهم وجهي.. ثم انتهى السلام واستودعت أهلي بتلك الجنينة في سوبا وأخذني عمي ومعي بن عمتي عبد المطلب عكاشه الذي كان في زيارة للخرطوم وكان عائداً أيضاً الى مدني، ركبنا سوياً أنا وبن عمتي البص المتجه الى مدني، وطيلة الطريق أحاول أن اسأله عن الشخص الذي قالوا لي البركة فيك من هو، ولكن يلجمني الخوف.. وبعد مجاهدة عنيفة مع النفس سألته.. فقال لي مافي أحد مات، ولكني ألححت عليه وقلت له ان فلانة قالت لي البركة فيكم.. في النهاية فجر في وجهي القنبلة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #75
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-22-2013, 04:42 PM
Parent: #74


الحلقة السابعة والأربعين

لبنى

نواصل..

لبنى

يا الله...

إنها أختى الصغرى، أصغر أخواتي، آخر العنقود التي لم تكمل عامها الرابع.. كانت صدمة عنيفة رغم التمهيد بالخبر من تلك المرأة في جنينة سوبا.. بكيت في البص.. وانتحبت في صمت.. قال لي بن عمتي: عشان كده أنا ما كنت عايز أكلمك..
وصل البص مدني ونزلنا في محطة البصات بالسوق الجديد، ومنها بتاكسي الى حي 114 .. وانقلبت حلاوة اللقاء الى علقم..

أُعيد العزاء مرة أخرى بقدومي، رغم أنه لم يكن هناك عزاء بالمعنى المفهوم لأن الفقيدة مسبلة لصغر سنها، ولكن مجئ الناس خاصة الجيران والأهل ليعزوني أعاد الحزن مرة اخرى رغم انه لم يبرحهم في الأساس..
حمى ليوم واحد فقط مكثته في المستشفى ثم أسلمت الروح.. قالت لي امي لقد بكاها الناس كأنها شخص كبير وليس طفل.. وقالت لي أنهم لم يشاءوا أن يخبروني لأنهم يعلمون أنني في وقت امتحانات، وآثروا ألا يخبروني وأنا في الغربة حتى لا يكون وقعها صعباً على نفسي، سيما وأنهم علموا بأنني قررت أن أعود في الإجازة الى السودان..
خففت عني أمي آلام المصاب بأن قالت لي أن هي الحياة هكذا، لا بد أن يتوقع الإنسان كل شئ.. نعم صدقت، ولكن دائماً النفس تأبى الفراق.. خاصة فراق الصغار، فهم المحبوبون دائماً، طاهري القلوب صافو النفوس.. ولكن لا نقول إلا ما يرضي ربنا.. إنا لله وإنا إليه راجعون..

والصورة التالية تضم لفيف من الأسرة والجيران والأصدقاء وكانت في يوم وداعي حينما سافرت الى المغرب في نوفمبر 1975م، أي قبل عشرة أشهر من تاريخ عودتي في تلك الإجازة المشؤومة، والفقيدة هي في أقصى يسارك خلف زينب اختها الأكبر منها مباشرة (زينب التي تضع ذقنها على كفها وتجلس على الكرسي الصغير)، وأمام اختنا ابتسام التي تلبس فستان المدرسة الأخضر والتي تقف في أقصى اليسار أيضاً

114Madani1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ما كان يجب أن أحزنكم معي وأنا أسوق إليكم ذكريات السفر وطرائف الرحلات سيما وأنه مضى على هذه الأحزان ما يزيد على ثلث القرن.. لذا سأنقلكم الى محطة أخرى مفصلية في حياتي، بل هزت كياني هزاً..

مضت الأيام بين ظهراني الأهل وترحابهم بي وعزاءهم لي، والتقيت بأصحابي وزرت أهلي.. وبدأت أشم روائح زكية لطالما اشتهيتها وأنا في الغربة، روائح مرتبطة بموسم معين.. لقد كنا في شهر شعبان، وبقي لرمضان أقل من اسابيع ثلاث.. وتلك الروائح الزكية التي تنبعث من هنا وهناك، مرة في بيتنا ومرة في بيت الجيران وثالثة في بيت الجيران الذين خلفنا.. حيث تجتمع النسوة لعواسة الآبري والحلو مر..
ويهل رمضان، ونجتمع في قطعة الأرض غير المبنية التي بين بيتنا وبيت جيراننا ناس محمد مالك، ويتم تنظيف مكان فيها من الطوب والزجاج المكسور، وفي أول يوم من رمضان تفرش البروش والأكاليم ونجتمع نحن وأسرة العم محمد مالك، وأحياناً العم محمد عابدين حينما يكون موجوداً بمدني..
وعقب الإفطار نصلي المغرب ثم يأتي الشاي، وبعدها يرقد من يريد على البروش وندخل صواني الطعام وجكوك المياه الحلوة من حلو مر وآبري أبيض ونشاة، ثم يذهب بعضهم الى الأندية وبعضهم الى السوق وبعضهم الى أصدقائه..

وفي منتصف رمضان بدأت رائحة زكية أخرى تزكم الأنوف.. رائحة الخبيز والكعك.. بدأت النسوة في إعداد الأفران وعجن الدقيق وإعداد الخبيز والكعك..

وفي رمضان أيضاً كانت المسلسلات العربية.. وكان الجميع يحرص على مشاهدتها.. وكان جهاز التلفزيون في ذلك الزمان من الترف الذي لا ينتشر في الأحياء الفقيرة مثل حينا العمالي البسيط.. لكن جارتنا فوزيه المصرية ذات حج أحضرت معها هذا الجهاز وكان بالأبيض والأسود، ورغم ذلك لم يوجد غيره في الحي إلا ما ندر.. على الأقل في محيطنا ومحيط الشوارع القريبة منه.. كنا محظوظين إذ كنا نشاهد المسلسل من فوق الجدار الفاصل بيننا وبين جيراننا ناس محمد عابدين.. ولكن الجيران الآخرين كان لابد ان يدخلوا البيت- وكان هذا متاحاً للجميع، ما أحلى أيام زمان، لا يحس الضيف بأنه ثقيل ولا المضيف بأنه يستثقل ضيفه، بل يرحبون به ويفرشون البروش للصغار ويهيئون المقاعد والكراسي والأسرّة للكبار..

وكانت بينهم..

تلك التي ستغير مجرى حياتي لعقود قادمات..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #76
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-23-2013, 12:29 PM
Parent: #75

الحلقة الثامنة والأربعين

أفروديت

نواصل..

لفت نظري جمالها رغم صغر سنها.. ولكن عيونها أسرتني، ونظرتها أوقعتني في حبها.. ولكن ابتسامتها أكدت لي حبها لي.. كل ذلك في الثواني الأولى.. إنه الحب.. الحب من أول نظرة..

حتماً لم يكن جمالها سبب حبي لها، فالجمال في المغرب لا حدود له يذكرك بالمثل القائل ان الصندل في بلده حطب.. ومع ذلك لم أقع في حب مغربية رغم إعجابي بجمالهن وحلاوتهن وطلاوتهن.. وقعت في حب هذه السمراء الصغيرة..

رفعت يدي إليها محيياً وعيناي ما زلتا عالقتين بعينيها الباسمتين الواسعتين، فرفعت يدها بحياء ترد التحية، وعرفت مِن الذي يقف بجانبي مَن هي.. ويبدو أنها عرفتْ من أكون.. وعرفتُ أنا انها تقيم مع خالها الذي يجاور منزله منزل جيراننا أصحاب التلفزيون من الجهة الخلفية، وكانت في مهمة مساندة لزوجة خالها التي كانت في الوضوع.. وكان عثمان- المولود، الذي عمره الآن يناهز الرابعة والثلاثين- هو الذي نؤرخ به حبنا..

بعد أيام قلائل من هذا اليوم التاريخي، جاءت في غير موعد المسلسل وعبر الجدار الفاصل بيننا وبين جيراننا وقفت ونادتني وقدمت لي لفافة من ورق الجرائد، أخذتها وبدأت في فتحها، فترجتني ألا أفتحها حتى تذهب، ولكني كنت قد شرعت في ذلك، فوجدت حلاوة العيد وخبيز وكعك.. أكبرت فيها تلك الروح، هدية بسيطة لكنها رائعة.. إنها عربون المحبة.. وكأني أراها الآن تتوارى خجلاً إذ فتحت الهدية وهي ما زالت واقفة..

وهلّ علينا هلال العيد، وبعد صلاة العيد دخلنا كل بيوت الحي كالمعتاد، ولكن قلبي كان يدق كلما اقتربنا من بيت خالها حمد- نسيت أقول لكم أنني اكتشفت أن شقيقها درس معي في مدرسة مدني الأهلية (أ)، وهم يسكنون معنا في نفس الحي- 114- ولكن لم أدخل منزلهم من قبل.. دخلنا منزل العم حمد وكان معي بن عمي، فسلمنا على أهل البيت وكانت هي بينهم، فابتسمت لي ابتسامة لاحظها بن عمي عثمان، وما إن خرجنا حتى قال لي: بسمات.. وصار يرددها حتى رجعنا الى بيتنا حيث أخبر بها أهل منزلنا الذين كانوا قد لاحظوا ما أنا فيه من تجليات الحب.. وأسماها عثمان (بسمات) فصار هذا إسمها عنده..

في مساء نفس يوم العيد وكنا في الغرفة فشممنا عبر شباك الشارع عطراً كان مشهوراً في ذلك الزمان، وهو عطر كارينا، فالتفتنا جميعاً عبر النافذة لنعرف مصدر هذا العطر فإذا فتاتي تمر بالقرب من النافذة في طريقها الى باب بيتنا.. وهاك يا تعليقات.. وما هي إلا ثوانٍ حتى كانت بيننا.. لقد كان حباً جارفاً طاغياً.. كانت رغم صغر سنها قوية الشخصية، وكانت تعرف ما تريد، وتنال ما تريد، ولا تكترث لشئ آخر ولا لشخص آخر..

أسميتها افروديت.. وكنت قد شاهدت فيلماً مصرياً فيه تمثال افروديت بدون رأس، فجاءت سعاد حسني ووقفت خلف التمثال ووضعت ذقنها على عنق التمثال، فبدأ وكان التمثال اكتمل، فما كان من عماد حمدي حينما التفت فرأي هذا المنظر إلا أن قال: (افروديت تحيا من جديد).. ولحبي الشديد لسعاد حسني عليها رحمة الله، صعد فجأة هذا الإسم من الذاكرة لتشابه الجمال في الحالتين.. فصار اسم ملهمتي افروديت..

لم تمض أيام حتى عرفت اسرتينا بما بيننا، وكذلك الجيران، والأهل الأقربون.. كان الحب الأول الحقيقي إن استثنينا مغامرات المراهقة الأولى والقصص التي انتهت الى لا شئ، والإعجاب ببعضهن دون أن يتمخض عن الإعجاب شئ.. كانت أسرة فتاتي متفتحة الى حد كبير مقارنة مع بقية الأسر في الحي، باستثناء والدها، فكان إخوانها يعلمون بما بيننا، ولكنهم لثقتهم في أختهم ومعرفتهم بشخصي خاصة حسن زميلي السابق، فقد تركوا لنا هامش كبير من الحرية التي أغاظت بنات وشباب الحي.. وتلك قصة أخرى..

انتهت عطلة العيد وفتحت المدارس، وفتاتي ما زالت في بيت خالها، فكانت لابد أن تصبّح على حبيبها، وكان حبيبها ينتظرها كل صباح لتمر عليه، فاضطرت لتغير خط سيرها الى المدرسة فتدلف الى شارعنا ثم تعود مرة أخرى- بعد اللقاء الصباحي- بموازاة شارعهم لتذهب الى مدرستها، اي كانت تتجه جنوباً ثم ترجع لتتجه شمالاً مرة أخرى.. ولم تكن تكترث لأحد رغم وضوح سبب تغيير خط سيرها الى المدرسة.. ألم أقل لكم كانت شخصيتها قوية.. وحين عودتها من المدرسة الى المنزل كانت أيضاً تمر عليّ، وكنت أحرص على أن أكون في تلك الساعة في المنزل.. مين زيك يا عمر..

أخذتها ذات مساء الى ستديو اشراقة، وكان زميل الدراسة في مدني الثانوية خالد علي يعمل به، التقط لها المصور الشيخ الصورة، وقبل أن يضغط على زر الكاميرا رفع أصبعه فوق الكاميرا وقال لها انظري الى اصبعي، فنظرت، فجاءت الصورة وقد بدت فيها في أجمل حالة، أبرزت جمال عينيها وعذوبة ابتسامتها، وعلمت بعد سفري أنه طبع منها أكبر مقاس وضعه في واجهة الاستديو- كان هذا عادياً في ذلك الزمان، وربما الآن كذلك- وأكيد لروعة الصورة.. وطبعاً كتبت لي على ظهر صورتها إهداء جميل..

كانت العفاف نفسه، والطهر ذاته، والصفاء في أبهى صوره..

ويوم مغادرتي مدني الى الخرطوم للعودة الى المغرب، مرت بي كالمعتاد في طريق عودتها من المدرسة وكتبت لي في مذكرتي الخاصة كلمات بديعة كتذكار، ووعدتني بأن تحضر في العصر لتودعني، ولكنها لم تأت.. وحين غادرتُ منزلنا في طريقي الى موقف بصات الخرطوم، ظللت التفت الى ناحية منزلهم لعلي ألمحها آتية.. ولكن دون جدوى..

تلفتُ نحو الحي حتى وجعتُ من الإصغاء ليتاً وأخدعا..

فيما بعد عرفت أنها كانت تدرك انها لن تأتي ولكنها قالت ذلك حتى لا أصر عليها، وتبريرها لذلك هو أن العيون ستكون مركزة علينا ساعة الوداع من كل الناس خاصة الجيران والأهل، وستكون في موقف صعب.. أكبرت فيها هذا التفكير رغم صغر سنها، وقدرت أن هذا هو عين الصواب رغم زعلي من عدم حضورها حسب وعدها لي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #77
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-24-2013, 02:37 PM
Parent: #76

الحلقة التاسعة والأربعين

العودة الى مغرب الأحباب

نواصل..

بقيتُ أياماً قليلة في العاصمة السودانية الخرطوم قبل أن أمتطي صهوة النيل الأزرق (طائرة سودانير 707) المتوجهة الى روما وذلك في أوائل نوفمبر 1976م، وفي الطائرة كانت مسافرة معي زميلتنا سامية ابراهيم احمد، وكان خالها طياراً في سودانير فصعد معها الى متن الطائرة وتعرف عليّ واطمأن على سفرها الى المغرب، وقبل أن أنسى فإن المرحوم السفير الرشيد نور الدين هو أيضاً خالها..

ودعت أمي وأخوالي في مطار الخرطوم وغادرتها الى روما، وهذه المرة لم نغادر المطار، فقط غيرنا الطائرة السودانية الى الطائرة المغربية المتجهة الى الرباط.. ووصلنا الرباط، وهبطنا الى أرض المطار وقدمنا جوازاتنا الى العسكري، فاتضح ان تأشيرة عودتي منتهية، ولم أكن أتصور أن هؤلاء المغاربة الطيبين يمكن أن يمنعوني من الدخول الى المغرب وأنا مقيم بها ولدي دفتر إقامة.. وكان الجو بارداً، وتضامن ذلك مع تخوفي من إرجاعي على أعقابي فبدأت أرتجف، ولاحظ ذلك أحد الزملاء السودانيين ولا أدري هل قابلناه في مطار روما حيث تصل بعض الطائرات قبل موعد إقلاع الطائرة المتجهة الى المغرب فيبقون في الفندق، فربما كان هؤلاء قد سبقونا الى روما وتخلفوا فيها يوماً او يزيد، ثم ركبوا معنا نفس الطائرة من روما الى الرباط، ولا أذكر من هم ولم يكونوا معنا في الطائرة من الخرطوم الى روما، لاحظ هذا الزميل ارتجافي فسألني لماذا ارتجف فقلت له بأني بردان..

المهم سمحوا لي بدخول المغرب، فغادرنا المطار، ساميه توجهت نحو منزل خالها السفير، وتوجهنا نحن الى الحي الجامعي مولاي اسماعيل حيث زملاءنا السودانيين، وقضيت الليل معهم، ثم في الصباح انتقلت الى الحي الجامعي السويسي، وكنت قبل سفري الى السودان في اجازة قد تقدمت لإدارة الحي الجامعي السويسي الثاني لانتقل الى غرفة ذات سريرين كان قد أخبرني بعض الزملاء انها خالية، فذهبت الى فؤاد الحسيسني في مكتبه فقال لي لا توجد غرفة خالية، فقلت له بل يوجد وهي الغرفة الفلانية في الجناح الفلاني، فقال لي لا توجد، فاحتددت معه في الكلام وارتفع صوتي، وكان نائبه متواجداً معه، فلاحظت أنه لا يرفع نظره اليّ بل ينظر الى الطاولة أمامه، ويبدو انه كان مستغرباً في هذا الزول الذي يرفع صوته على فؤاد الحسيسني مدير الحيين الجامعيين مولاي اسماعيل والسويسي الثاني، وكان لا شخصية له امام الحسيسني الصعب.. المهم جاء الحارس وأخذني برفق الى الخارج.. فخرجت.. والآن يبدو أن تلك الشكلة جابت نتيجة، فقد اخترت غرفة مميزة، بها بلكونة واسعة وتطل على جناح البنات، فمنحوني إياها.. لكن لم تكتمل فرحتي بها، فقد قابلني أحد الزملاء السودانيين وقال لي ان فلان سيسكن معك، نفيت له تلك المعلومة فقال لي أنه قابله وهو من أخبره بذلك، وتذكرت انه قال لي ذات مرة انه يريد ان يسكن معي في تلك الغرفة المميزة 222 في جناح 2 او جناح بي، فجاملته وقلت له كويس، ويبدو انه كان جاداً ولم يصدق ان يجد احداً يرحب بالسكنى معه، فذهب الى مدير الحي الجامعي واعطاه رقم الغرفة واسم ساكنها اللي هو انا فوافق مدير الحي، وتفاجأت به يسكن معي.. قد تتساءلون لماذا لا يقبله احد.. والسبب انه شرير وكثير المشاكل، ولا يستطيع احد ان يعاشره..

وعندما سكن معي عرفت سبب كل هذا، فقد حكى لي- بعد شكلة معتبرة بيني وبينه- أن ابيه قاسٍ جداً وأنه على سبيل المثال كان يوقظهم الصباح بضربهم بخشبة مسنود بيها الباب.. كان زميلي في الغرفة يسيئ الظن بكل انسان، وهذا شئ طبيعي، فمن فقد الثقة بأبيه لن يثق بغيره.. وذات مساء رأيته يقرأ في خطاب، وبعدها خرج من الغرفة وكان الوقت متأخراً في الليل، وكان وقتها مخاصمني- تصوروا زول ساكن معاك في غرفة واحدة ومخاصمك- المهم بعد خروجه أطفأت نور الغرفة ورقدت في فراشي، فرجع بعد قليل وهاج وماج ورفع الكرسي يريد ان يضربني به لأنني أطفأت نور الغرفة.. المهم بعد أن هدأ حكى لي ان سبب ثورته تلك هو هذا الخطاب الذي وصله من أخيه الذي طرده ابوه من البيت فسافر الى مصر..

وكان أكثر ما يهيجه ان يرى زميل سوداني يزورني، وكان حينما يفتح باب الغرفة وهو داخل يفتحه بطريقة مزعجة، فهو يفتح الباب قبل ان يرفع المزلاج تماماً مما يجعل الباب يصدر صوتاً مزعجاً، وبمجرد أن ينفتح الباب ترى عيونه تدور في الغرفة كمن يبحث عن عدو، وكانت عيناه كبيرتان وبارزتان، لذلك كانت تلك النظرة التي يبحث فيها عن شخص داخل الغرفة كمن يتوقع شراً داخل الغرفة من عدو له..

رغم خصاماته المتكررة لي فكنت أوقظه للامتحان- وهو مخاصمني برضو- ولا أجعل مستقبله الدراسي رهناً بخصامه معي، وكان لا يستيقظ لوحده حتى للإمتحان، وكان يقول لي لا توقظني برفق فلن استيقظ- يبدو ان طريقة والده في ايقاظه ما زالت هي الوسيلة الأمثل لإيقاظه ..

نسيت أن أصف لكم الغرفة.. فهي مكونة من سريرين، والسرير عبارة عن دكة اسمنتية مرتفعة الجوانب قليلاً بجوار الحائط، بداخلها سرير ياي بدون أرجل، فالدكة هذه ترفعه عن الأرض بمقدار أرجل السرير تقريباً.. وفوقه ترقد المرتبة العالية القوية، ومخدة اسطوانية وملاءة وبطانية، وعلى الجدار الآخر يوجد السرير الثاني مثل الأول، وعلى الجدار الثالث توجد طاولة المذاكرة الحجرية/ الخشبية التي يعلوها مصباحان، وبجانبها كرسيان، ودولابان للملابس حجريان لكن أبوابهما خشبيان، وفي الجدار الرابع شباك يطل على البلكونة، ويوجد بين باب الغرفة وسريري مغسلة أيدي (حوض) عليها مصباح أيضاً، وفي سقف الغرفة يوجد مصباح أيضاً، اما الحمامات فكانت في خارج الغرف ومجمعة في كل طابق مجموعة منها..

OmarsudanJamalDahab001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة وجدت على ظهرها هذه الكتابة بخط يدي:

(صورة تذكارية جمعت بين إخوة بعضهم من المشرق وبعضهم من المغرب جمعتهم عقيدة واحدة لولاها لما تحابوا، ثم جمعتهم هذه الصورة التي أخذت في شرفة غرفة عمر حسن غلام الله رقم 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2 بالرباط المغرب والتقطت يوم

وتضم من يمينك: عمر حسن غلام الله ثم أحمد الفتوح ثم الأمين بوخبزه ثم محمد جمال ثم حسنين)

طبعاً الأمين بوخبزه نال درجة الدكتوراة من مصر، وأصبح عضو البرلمان المغربي عن حزب العدالة والتنمية، علمت ذلك عندما زرته في بيته في تطوان في العام 1997م..

للأسف لم أجد تاريخاً مكتوباً على ظهر الصورة، ولكن غالباً في العام 1976 أو 1977م..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #78
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-25-2013, 02:32 PM
Parent: #77

الحلقة الخمسين

غرفة 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2

نواصل..

كان يعجبني أن أكتب على ظهر خطاباتي المرسلة عنواني أعلاه، فهو يتكون من رقم 2 المكرر 5 مرات، وكما أسلفت فهي تطل على جناح البنات على اليسار، وعلى بقية الأجنحة على اليمين، وهي في الدور الثاني، وفي الصورة المرفقة في المداخلة السابقة تبدو ثلاثة أجنحة للأولاد، الجناح الذي وراء محمد جمال دهب مباشرة هو الجناح الذي كنت أسكنه سابقاً في الغرفة الجماعية.. وربما الجناح الذي يظهر طرفه في أقصى يسار الصورة هو الجناح الذي تحته يوجد الفوييه، وتعني الكافتيريا، حيث يباع الشاي المغربي والقهوة الفرنسية وبعض الحلويات، كما توجد بعض الألعاب البسيطة، وطبعاً أسعار هذه الأشياء مدعومة ولا تساوي التي بالسوق، فهي أسعار خاصة بالطلاب..

كنت أحياناً في غير موسم الشتاء وفي غير وقت الأمطار أجلس قليلاً في الشرفة وكنت من مكاني هذا أرى البنات في غرفهن، فهن عادة يتركن شبابيك غرفهن مفتوحة خاصة في الصيف والربيع، والشئ الذي لفت نظري واستغربت له هو أنهن كن ينشرن ملابسهن الداخلية في الشرفات وفي الشبابيك، فنحن في السودان لا نرى ملابس داخلية للبنات حتى في بيوتنا، ونحتار أين ينشرنها بعد غسلها، اما هنا في المغرب فتجد حتى في الشقق منشورة خارج الشبابيك في حبال مشدودة تحت الشباك..

تعرفت على إحدى الطالبات ساكنات جناح البنات، تعرفت عليها في البراكة التي نشتري منها احتياجاتنا البسيطة وتقع خارج الحي بعد عبور الشارع الرئيسي، وتصادف انها تسكن في الشرفة التي تواجه شرفتي مباشرة، فكانت إذا خرجت الى الشرفة حيتني، ولكن الذي رسخ بذهني هو أنها كانت تنحنى على جدار الشرفة وتضع ساعديها على حافة الجدار وتطل على فناء الحي الجامعي، ولكنها كانت تتعمد حسبما بدا لي أن يكون جسدها منحنٍ في زاوية قائمة مما يجعل بنطلون الكوردروي مشدوداً جداً، وتبالغ في هذا الوضع فتحاول أن تصغر الزاوية القائمة لتصبح أقل من 90 درجة مما يجعل تلك الزاوية (مقعرة الى أعلى)، وتلتفت ناحيتي لترى تأثير هذا الوضع على شخصي المسكين..

لا أدري قبل هذه او بعدها تعرفت على أخرى يطل شباك غرفتها خلف الجناح، وكانت تسكن مع أختها، وقد لاحظت ان اختها شجعتني على التعرف عليها، وكنت حينما أمر بتلك الجهة اراها فأرفع لها يدي بالتحية فترد، وأحياناً تأتي الى الشباك وتتحدث معي، وأحياناً يأتي حارس الجناح ليتأكد من أنني بعيد بما فيه الكفاية عن الشباك بحيث لا يمكنني القفز عبر الشباك الى الغرفة، وقد علمت سبب حضوره الدائم كلما أحس ان طالباً واقفاً خلف الجناح، والسبب أن بعض الطلاب إذا تأكدوا من خلو المنطقة من الناس- مع ملاحظة ان خلف هذا الجناح لا يوجد اي مبنى آخر، بل تمتد مساحة خلاء كبيرة- فإذا تأكدوا من أن أحداً لا يراهم قفز الى داخل الغرفة عبر الشباك الذي لا يرتفع كثيراً عن الأرض، طبعاً بالاتفاق مع ساكنة الغرفة.. وأحياناً عندما يكون الحي شبه خاوي في نهايات العام الدراسي او قبيل عطلات الربيع والأعياد والمناسبات الأخرى كان بعضهم يجلس في تلك الجهة بجوار الشبابيك التي تفتح على هذا الخلاء ومعهم بعض ساكنات الجناح، وهذا ينطبق على السودانيين من الجنسين..

تلك التي تعرفت عليها وشجعتني اختها على ذلك استمر الحال على هذا المنوال وكانت جميلة جداً، ولكن في مرة ركبت الحافلة وتصادف وجودها أمامي في المقعد المقابل، فتحدثت معها ويبدو انه حدثت بيننا ملامة لا أذكرها، وعملت زعلانة، والحمد لله على ذلك، لأنني صدمت برائحة فمها.. بالمناسبة هذا عيب في المغاربة، فهم لا يهتمون ابداً بنظافة الفم ولا بالسواك، حتى علية القوم منهم، وهم ليسوا بدعاً من بقية كثير من الشعوب العربية..

وبمناسبة جناح البنات إياه، كانت إحداهن لها طريقة غريبة في لفت نظري، فما إن تدخل قاعة المحاضرات حتى تنادي عليّ أعلى صوتها (الجرسي): يا غلام الله ما شفت محمد السماني، وأكون أنا في مقدمة القاعة الكبيرة وهي يادوبك داخلة، فأجيبها بكل صدق أنني لم أره أو إنه هنا، أو.. وتكرر ذلك في مرات أخرى، ثم تغير الموجة: يا غلام الله ما شفت النور؟ فأجيبها كذلك، ولكن بدون إضافات وبدون أن استجيب لما وراء هذا السؤال الذي حتماً ليس المقصود به معرفة اين محمد السماني او أين النور.. ودون أن تزيد هي على ذلك ودون أن أقدم أنا على أي خطوة إيجابية، وذلك لأنني لا أجازف بهكذا علاقة مع سودانية وأنا مرتبط في السودان..

المهم في يوم من الأيام ذهبت الى خلف هذا الجناح لآخذ مذكرة منها، وكانت الوسيلة لمناداة ساكنة تلك الغرف هو إلقاء حجر صغير (حصاة) على شباكها، فحذفت الحصاة على شباكها وكانت غرفتها في الطابق الثالث، ففتحت الشباك ووقفت ونور الغرفة خلفها، وكانت في قميص نوم.. لا .. بل في قنلة داخلية شفافة وقصيرة، وحسبت أنها سترجع لتضع شيئاً حول جسدها ولكنها لم تفعل.. وظلت واقفة تخاطبني وأنا أراها من أسفل الى أعلى وقطع الملابس الأخرى غير القنلة هي الأوضح..

قلت لها أنزلي.. قالت لي يا مولانا أدعو لينا عشان أنجح في الامتحان!
قلت لها انتصرتي عليّ أخيراً.. لذا سأسميك انتصار!
اكتفت بانتصارها هذا، وعدت الى غرفتي وانا اشتعل، لقد هزمتني وأقررت لها بالهزيمة..
لم تنزل لي، ولكن رأيتها ذات يوم هادئ تجلس بجانب أحدهم- سوداني- خلف الجناح، وتحت شباكها، وكانا ملتصقان!

أرفق لكم صورة ليس لها علاقة بما كتبت أعلاه، فقط هي في الحي الجامعي السويسي الثاني، وتبدو خلفنا مئذنة جامع الحي الجامعي السويسي الأول- لم يكن مفتوحاً رغم أنه بنى مع الحي نفسه- وقد وجدت مكتوباً خلف الصورة:

OmarsudanAishasudanAmalsudanSamia001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


(ذكرى حلوة في الحي الجامعي السويسي الثاني بالرباط
أنا ثم مجدي (مصري) ثم عائشة عمر الخبير ثم سامية احمد ابراهيم (وصحة الاسم سامية ابراهيم احمد) ثم آمال ثم فتحي (مصري)
والذكريات في كل ليلة بتوحي للأحباب أشياء جميلة..

الرباط- المغرب
عمر حسن غلام الله)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #79
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-26-2013, 12:02 PM
Parent: #78


الحلقة الحادية والخمسين

الجاليات العربية والإفريقية في الجامعة

نواصل..

بمناسبة الصورة في الحلقة السابقة (الثانية والخمسين) والتي يظهر فيها زميلان مصريان، فالملاحظ في تلك الحقبة من الزمن لم يكن عدد الأخوة المصريين الطلاب كثيراً في المغرب، ويبدو أنه ليست هنالك جالية مصرية، فكل المصريين الذين درسوا معنا في المغرب لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة او اليدين، فبالإضافة لهذين الزميلين مجدي غانم (والده دبلماسي في أحد دول غرب افريقيا- ربما ساحل العاج - وبالتالي فالمغرب هي أقرب دولة عربية لساحل العاج) ومجدي يسكن في نفس الطابق الذي أسكن فيه في الجناح 2 في الحي الجامعي السويسي 2، وفتحي (لا أذكره جيداً)، فهناك يسري عواض والذي والده يعيش بالمغرب ومتزوج من إمرأة أخرى مغربية وهو يعمل خطاط على ما أذكر، وبن عمه مجدي ادريس عواض وهو صديقي، وهما من النوبة، وقد أراني صور لقريتهم في النوبة فوجدت الرجال عندهم يلبسون الجلاليب والعمم تماماً مثلنا، ورأيت والدته فيما بعد وقد خرجنا معها في مرة في القاهرة وهي تلبس التوب السوداني، وجميعهم لم يروا السودان، بل إن هذا هو زيهم، ومجدي يدرس معي في نفس السنة.. مصري آخر هو محمد سيد القالع وهو من القاهرة وطالبان آخران نسيت اسميهما..

من الطلاب الذين صادقتهم وكانوا طيبين معنا هم الموريتانيون، فقد كان من ضمنهم مختار ولد ده الذي يدرس بكلية الطب، وهو من العرب الذين يسمون الحسانية، وآخر اسمه داؤود وهو من الزنوج الموريتانيين، وكانوا يسكنون مع بعض في شقة مستأجرة في حي أكدال، وكنت أزورهم في شقتهم من حين لآخر، وقدرتهم على السكن في شقة في هذا الحي الراقي هو لأنهم يأخذون منحة دراسية من المغرب وكذلك منحة أخرى من الأمم المتحدة، نظراً لأن موريتانيا تعتبر من الدول الفقيرة التي تدعم الأمم المتحدة طلابها، ونفس الشئ كان ينطبق على تشاد.. المهم كلما ذهبت لزيارة اصدقائي الموريتانيين هؤلاء وجدت عندهم فتيات مغربيات، خاصة في عطلة نهاية الأسبوع، ويبدو أنهم ملوا وجودهن الدائم عندهم فقرر صاحبي المختار ألا يسكن في شقة بعد هذا العام، وبالفعل انتقل في العام التالي الى الحي الجامعي السويسي الأول..

نفس الشئ كان يحدث لأصدقائي التشاديين، وكان من بينهم ابوبكر دوده وهو قد تربى في الفاشر، وكنت كلما زرتهم وجدت عندهم الفتيات المغربيات، ولكن في إحدى المرات- حكى لي ابو بكر دوده- بأن فاطمة- وقد رأيت صورتها وهي تلبس زياً شتوياً في أحد شوارع باريس حيث كانت تدرس- فاطمة هذه جاءت في اجازة من فرنسا الى المغرب وفي عطلة نهاية الأسبوع وجدت منزل اصدقائي ممتلئ فتيات مغربيات وأخريات تشاديات طالبات في المغرب، ولاحظت ان التشاديات يجلسن بلا أنيس والمغربيات يسيطرن على الساحة، فما كان من فاطمة هذه إلا ان طردت المغربيات وأغلقت دونهن الباب وقالت للتشاديين هؤلاء اخواتكم التشاديات لو عايزين... فضحكت وقلت له ماذا فعل التشاديون؟ قال لي رضخوا لدعوتها وخافوا من لسانها السليط واكتفوا- على الأقل في وجود فاطمة- ببناتهم التشاديات..
صاحبي السوداني الذي سكن معي في الغرفة إياها، في الإجازة استأجر شقة، زرته فيها، فقلت له شقتك هذه (شقة سرير) على وزن شقة ثلاثة غرف وصالة، او شقة غرفتين ومطبخ، او شقة غرفة وصالة.. فغرفة صاحبي هذا تسع سرير واحد فقط، وهي أسفل عمارة وتحت السلم مباشرة، ربما تكون في بير السلم، فحتى السرير هذا ليس هناك فراغ بينه وبين الجدران ولا حتى الباب، فإذا دخلت فلن تكمل الخطوة الواحدة حتى تصطدم بالسرير.. ورغم ضيق شقته تلك فقد وجدت لديه فتاة مغربية، بل فتاتان.. ويبدو أنه كان عازمهم على السينما وأراد تقسيم (حق) السينما على قسمتين فدعاني للذهاب معهم الى السينما لأدفع تذكرة السينما للأخرى.. طبعاً في السينمات المغربية الخلط راااقد، خاصة لما تطفأ الأنوار ويشتغل الفيلم..

بعض الطلاب السودانيين تركوا الأحياء الجامعية واستأجروا شقق لهم، ولكن في أحياء تلائم دخلهم المحدود من المنحة المغربية او مما يصلهم من أهليهم في السودان، لذلك سكنوا في احياء مثل حي المحيط وفي الجي سانك (j5) وأيضاً لم تكن تخلو هذه الشقق من البنات، وكان الذين يفضلون السكنى خارج الأحياء الجامعية يريدون الحرية، في كل شئ، ففي الأحياء الجامعية يمنع الزيارات المتبادلة بين البنين والبنات (عدا معهد الأحصاء والمعهد الزراعي كما أسلفت)، ويمنع كذلك السكر، مع أن بعض الطلاب كان يأتي الى الحي الجامعي وهو ثمل، وفي عطلة نهاية الأسبوع تصبح أحواض الغسيل (المغاسل) مقرفة بسبب استفراغ الثملين لـ(الروج) الذي يسبب لهم الغثيان (لا أدري لماذا)!

الصورة المرفقة تضمني وصديق مغربي عزيز ولحسن الحظ وجدت خلفها مكتوباً إسم صاحبي المغربي (عبد الرحمن)، ويبدو من كتابتي خلفها انها كانت مرسلة لأهلي من الرباط، والمكتوب خلفها:

Maroc16.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

(صورة تذكارية تجمعني والأخ الصديق المغربي عبد الرحمن، ومن خلفنا يبدو الحي الجامعي السويسي الثاني وجزء من مباني ملحق الكليات بالسويسي- الرباط
عمر حسن غلام الله)

ونقف في الخلاء الذي يفصل بين الأحياء الجامعية السويسي الأول والثاني، وبين خط السكة الحديد ويعقوب المنصور، وهذا المكان الذي نقف فيه الآن هو الذي كنت أتملاه وأنا أقف على شباك غرفتي واستمع الى أغنية (لا وحبك) للفنان عثمان حسين.. وكما تلاحظون الأرض مليئة بالحشائش والربيع (والربيع عند المغاربة هو العشب) والزهور البرية التي تنمو بفعل الأمطار.. والصورة مأخوذة في عصرية وقبيل الغروب بقليل.. ولم أجد تاريخاً مدوناً على ظهر الصورة، لكن ربما كانت في ربيع أو صيف 1977 أو ربيع أو صيف 1978م..
ويبدو الحي الجامعي السويسي خلفنا، ومباني ملحق الكليات باللون البني خلف أجنحة الحي الجامعي السويسي الثاني بيضاء اللون والمتدرجة مثل الهرم المتدرج، ويظهر ايضاً فوق مباني ملحق الكليات أوناش الرفع.. مما يدل على أن العمل كان لا يزال جارياً في تلك الكليات ولم تكتمل ساعتها بعد، كذلك يدل لونها البني على ذلك إذ أنها لم تطلى بعد..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #80
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-01-2013, 03:34 PM
Parent: #79

الحلقة الثانية والخمسين

طرائف المواصلات والركوب بالمجان

نواصل..

المواصلات معروفة، ولكن الركوب بالمجان هذه قد تكون غريبة بعض الشئ، وقد درسناها في القانون المدني على ما أذكر، وهي (يا عم وصلنا معاك) أو (الركوب الملح) أو (الأوتوستوب) أو أن تقف في الشارع وتمد ابهامك الى أعلى فإذا ما مرّت بك سيارة او غيرها اتجهت بابهامك الى اتجاه الطريق الذي انت ذاهب فيه.. الركوب بالمجان معروف في العالم كله، ويكثر أمام الجامعات والمدارس خاصة، وفي السودان أسموه (فضل الظهر)، ولكن قال لي خالي بروف الصادق حسن الصادق الذي درس في أمريكا أن المجرمين هناك استغلوا هذا النوع من المواصلات لتنفيذ جرائمهم، فما إن يقف له أحدهم ليوصله حتى يهدده بالسلاح ليأخذ ما عنده، وقال لي أن أخطرهم من يقف بجوار الجامعات.. يعني اولاد الحرام ما خلو شئ لأولاد الحلال.. أي بسبب هؤلاء فقد يتردد اصحاب السيارات كثيراً قبل أن يقفوا لأحدهم ليوصلوه معهم..

نبدأ بطرفة زميلنا أحمد المصري الذي يسميه زملاؤنا المصريين أحمد السوداني.. فقد وقف له طالب افريقي بسيارته ليوصله معه الى الحي الجامعي- طبعاً خط المواصلات الجامعي هو رقم 11، اي حافلة النقل الحضري رقم 11 هي التي تمر من الحي الجامعي مولاي اسماعيل لتقف في عدة نقاط تجمع للطلاب منها التي قرب السوق- على ما أظن أمام كلية الطب القديمة- ثم تمر امام كلية الآداب، فكلية الحقوق الى ان تصل الى الحي الجامعي السويسي الأول والثاني ثم تختم بالمعهد الزراعي- المهم هذا الإفريقي وقف لأحمد وركب معه احمد فتكلم هذا الافريقي معه باللغة الفرنسية ظاناً منه ككل الذين في المغرب- بمن فيهم المغاربة- ان كل اسمر يتكلم الفرنسية، وبما أن احمد لا يعرف الفرنسية فقد قال له you speak Engilsh فما كان من الإفريقي إلا أن قال له yes فسقط في يد أحمد لأنه لا يعرف الإنجليزية أيضاً.. حكى لي ذلك أحمد بنفسه بلهجته المصرية المحببة.. (قائلاً كمن يخاطب ذلك الطالب الآن: يخرب بيتك)

في مرة كنت أقف في محطة الاتوبيس التي امام الحي الجامعي السويسي، وبجانبي صلاح (ابو سن كاحله) وسماه هذا الإسم المغاربة، إذ كانت له سن أمامية لونها بني غامق، والمغاربة يسمون الأسود أكحل، بالتالي أطلقوا عليه هذا الإسم باعتبار ان سنه مسودة.. المهم وقفت لنا سيارة دون أن نشير اليها بإبهامنا، ولم نفعل ذلك لأن التي تقودها إمرأة وتقعد بجانبها إمرأة أخرى.. فترددنا انا وصلاح على اعتبار انها ربما كانت تريد ان تسألنا عن جهة او مكان، ولكنها قالت لنا: ألا تريدون أن نوصلكم؟ فقلنا لها نريد ان توصلونا، فقالت اركبوا، فركبنا في المقعد الخلفي، وسارت بنا السيارة الى ان وصلنا الى كلية الحقوق بأكدال، فأوقفت السيارة ونزلنا انا وصلاح.. وبعد أن شكرناهما انطلقتا بسيارتهما، فقال لي صلاح: لقد تخيلت أنهما سيأخذاننا الى بيتهما و.. و..، فضحكت لدرجة أن سالت دموعي.. والسبب أن خيالي أيضاً ذهب في نفس الإتجاه..

في مرة وانا أقف في محطة الاتوبيس التي قرب كلية الحقوق بأكدال، وكان الوقت متأخراً حيث أنني كنت في المكتبة، وكما أسلفت فإن المواصلات العامة في المغرب تقف عند الثامنة مساء، فإذا فاتك آخر بص فلن تستطيع الوصول إلا بالتاكسي او بأرجلك او بطريقة الركوب بالمجان.. المهم وانا واقف وفاقد الأمل جاء موتر من أمامي فأشرت إليه بإبهامي، وعندما حاذاني رأيت الراكب يلبس بنطلوناً وفنيلة أكمام طويلة وخوذة، فلما وقف على بعد خطوات مني مشيت نحوه، وما إن اقتربت حتى ظهرت لي ضفيرة هابطة من تحت الخوذة، فابطأت خطاي حتى توقفت قبل الموتر ولم اشأ أن أركب، فالتفتت نحوي وقالت لي: غادي الحي الجامعي؟ وترجمتها ماشي الحي الجامعي؟ فقلت نعم، قالت هيا اركب، فركبت خلفها في الموتر، وكان المقعد واحداً- بعض المواتر تجد مقعد أساسي ثم مقعد آخر منفصل أدنى منه، يعني زي العجلة- لكن هذا مقعده واحد وطويل يسع لشخصين.. ركبت وتركت مسافة بيني وبينها حتى كدت أسقط الى الخلف.. وكانت ضفيرتها ترقد على المقعد بيني وبينها ، وتحركت، وبعد مسيرة دقائق تغير صوت الموتر، فتوقفت وانحنت الى الأمام وفتحت خزان الوقود، يبدو أن الوقود قد نفد، ثم استقامت في جلستها بعد تلك الانحناءة، فضاقت المسافة التي بيني وبينها في المقعد، والتصقت بي.. ثم ساقت الموتر الى أقرب محطة وقود ولم تكن تبعد عن مكاننا هذا غير عدة أمتار، فصبت الوقود، فأردت المشاركة ودفع ثمن الوقود، فقالت لي: هو طاكسي؟ فاستحيت وارجعت فلوسي ودفعت هي.. ثم تحركنا باتجاه الحي الجامعي.. وكنت أمسك ضفيرتها- التي تنسدل أمامي حتى يرتاح طرفها في المقعد- بيدي وأحس بنعومة الشعر، ولا أدري هل كانت تعرف أنني أداعب ضفيرتها أم لا؟ ولكن منذ تلك اللحظة التي التصقت بي بدأت أرتجف، ويبدو أنها أحست بتلك الرجفة فسألتني لماذا ارتجف، فأجبتها بنصف الحقيقة وقلت لها: ارتجف من البرد.. والواقع أن البرد زاد رجفاني ولم يكن هو السبب.. فزادت الطين بلة حينما قالت لي: تمسك بي! يا للهول، ووضعت يداي حول خاصرتها.. وربما أحطت بساعدي بطنها لا أذكر .. كان ذلك شديداً علينا نحن القادمون من قلب افريقيا من صحرائها الكبرى التي حرقتني بالحرارات الشموس فجعلتني منها كعود الأبنوس..

وصلنا الى الحي الجامعي السويسي الثاني وعلمت انها تسكن فيه كما أسكن، وكانت فوزية تشبه الأوربيين، فقد كان شعرها ذهبياً ويغطي النمش خدودها ولونها أشقر.. صارت بيننا معرفة كلما التقينا سلمنا على بعض، وفي مرة سألتها أين موترها فقالت لي أخذه صاحبه، ومن صاحبه؟ قالت صاحبي.. وفي مرة عقب انتهاء السنة الدراسية وظهور نتيجة الامتحانات وجدتها أمام جناح 2 الذي أسكن فيه حيث مكاتب إدارة الحي الجامعي، وسألتها عن النتيجة فقالت لي: والوو.. قلت لها يعني إيه والوو، قالت لي يعني ولا شئ.. أي رسبت.. قالتها ببساطة أضحكتني كثيراً.. قالت لي لماذا تضحك؟ قلت لها لأنك قلتيها بلا اكتراث..

ذكرني عدم اكتراثها هذا بأخرى زميلة لنا، رسبت أيضاً وعقب النتيجة مباشرة كانت تأكل ساندوتش او شئ من هذا القبيل بلا مبالاة، فقال لي محمد السماني شوف دي تاكل وفلانة- إحدى زميلاتنا السودانيات- قالت البآكل ليها شنو وانا راسبة، لقد انتابتها حالة هستيرية فظلت تصرخ وتبكي، وفشلت زميلتاها في تهدئتها مما اضطر حارس الجناح من تجاوز القانون والسماح لحبيبها- عليه رحمة الله- من الدخول إليهن في غرفتهن للمساعدة في تهدئتها.. ربما نحن الأجانب نحس بالألم إذا رسبنا، ولكن أهل البلد لا يأبهون، ربما لأنهم في بلدهم ولا يفرق معهم رسوبهم او حتى تأخرهم سنة أو سنتين.. مع ان الرسوب في الامتحان التحريري لدورة يونيو يمكن تعويضه بالجلوس لامتحان دورة اكتوبر، والرسوب في الشفوي أيضاً يمكن تجاوزه في امتحان الشفوي لدورة اكتوبر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #81
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-02-2013, 01:03 PM
Parent: #80


الحلقة الثالثة والخمسين

طرائف المواصلات والركوب بالمجان (2)

نواصل..

في مرة وانا واقف في محطة كلية الحقوق بأكدال منتظراً الحافلة مرّ بي سوداني راكباً موتر، وكنت الوحيد الواقف في تلك المحطة، وكان الوحيد الذي يمر في الشارع في تلك اللحظة، ووقعت عيناه على شخصي، وأنا أنظر إليه متوقعاً أن يقف لي كما وقفت لي فوزية من قبل، ولكنه لم يفعل، بل لم يسلم او حتى يشير برأسه ليحييني، بل نظر أمامه في الشارع حتى لا ينظر إليّ.. وواصل وتركني في حيرة من أمري، كان موقفاً غريباً وقاسياً على نفسي..طيلة هذه السنين الطويلة لم أفهم لماذا رغم علاقتي الطيبة به ورغم أنه من منطقة قريبة من منطقتنا في الشمالية، وكان يسكن معنا في نفس الغرفة الجماعية التي سكنا بها في الحي الجامعي مولاي اسماعيل أول وصولنا الى الرباط.. وكان من القلائل الذين يملكون موتر.. ومن القلائل الذين ملكوا سيارات- بعد مغادرتنا للمغرب- ولعله يقرأ كلامي هذا فيفسر لي ما حدث منذ ثلث القرن، سيما وأنه أصبح مشهوراً..

في مرة كنت اقف في محطة بصات كلية الآداب، وكان الوقت ليلاً، فمرت بي سيارة ما لبثت ان توقفت وأشار لي سائقها بأن يوصلني في طريقه، فلاحظت أنه خواجه، فحاولت إفاهمه بالفرنسية بأنني ذاهب الى الحي الجامعي السويسي، فلم يفهم مني وبدأ انه لا يكترث الى وجهتي، بل يريد أن يوصلني بصرف النظر عن اتجاه سيره هو ووجهتي أنا- المهم ركبت معه ولاحظت أن في المقعد الخلفي يوجد كـلـب (أكرمكم الله) لم أرّ أكبر منه حجماً، لا الكـلب البوليسي ولا الوولف.. عرفت ان صاحب السيارة اسباني، وفهمت ان الهدف من توصيلي ليس هو عمل خير، بل يريد مني شيئاً آخر.. تلاقيهو قال في نفسو الافريقي ده يجي منو.. المهم أوصلني الى قرب الحي الجامعي السويس بعد أن عبثت يده بأشياء تخصني كانت تحت كتبي التي أضعها على حجري.. ورغم أنه من إياهم إلا أن يده كانت غليظة وخشنة لا توحي بأنه من تلك الفئة من الرجال التي تفضل أن تكون نساء..

ننتقل الى المواصلات، فنبدأ بالتاكسي، ويسمونه المغاربة طاكسي، فتجد لوحة في أعلى السيارة مكتوب عليها (طاكسي صغير) وهو عادة من السيارات الصغيرة ماركة الفيات الإيطالية، وتسع فقط ثلاث ركاب، واحد في الأمام واثنان في المقعد الخلفي، والتاكسي غير الصغير هو من نوع المرسيدس، وهذا ينقل الركاب بين المطار والبلد، او بين المدن، وغالباً يشتغل بالطرحة، ويسع ضعف ركاب التاكسي الصغير تقريباً.. والطاكسي الصغير تتغير تسعيرة العداد بعد الساعة الثامنة والنصف مساء، حيث تزيد خمسين بالمائة.. وأذكر في أيامنا تلك أضرب أصحاب التاكسيات الصغيرة، والسبب أنهم يريدون أن تحسب المرأة الحامل التي تركب معهم شخصان وليس شخص واحد، لأن شركات التأمين ستحملهم الشخص الزائد في حالة حدوث حادث وكان عدد الركاب أكثر من الذي يرخص به في رخصة التاكسي.. وبالضرورة المرأة الحامل تحسب شخصين لدى دفع التعويض..

يوجد مواقف خاصة بالتاكسيات الصغيرة، وتجد ساعة الزحمة الناس تقف على الرصيف في صف يحفظ كل واحد منه دوره، فإذا جاء تاكسي فاضي يركب الذي وصل أولاً، ثم الذي يليه وهكذا.. ولن يسمحوا لك اذا تجاوزت هذا النظام- وكنا أول أيام لا نفهم ذلك فنجري لنركب مجرد وقوف التاكسي فتأتي إمرأة وترطن معنا بالفرنسي أن هذا ليس دوركم، بل دوري أنا لذا سأركب قبلكم- وطبعاً التاكسي الصغير رخيص جداً بالمقارنة بالمواصلات العامة وبالدول الأخرى بما فيها السودان، فكان أفضل لنا ان نركب تاكسي اذا كنا ثلاثة فغالباً لا يكون نصيب الواحد منا أكثر من درهم، ولو اردنا الذهاب الى مكان يحتاج الى مواصلتين (بصين) فمعناها ان الفرد منا سيدفع ما يقارب الدرهم في الخطين، مع وجود الزحمة والعفص والدفس، طبعاً التاكسي بالعداد..

أحياناً الزحمة فيها مشاكل، ولكن قبل التطرق الى الزحمة أشير الى أننا لاحظنا كتابات غريبة في الحافلات أول وصولنا الى المغرب، فنجد داخل البص مكتوب لوحة: (ممنوع ركوب الوسـخانين والمعفنين).. واستغرابنا زال عندما عشنا في المغرب، فلا يوجد في البيوت القديمة حمامات (دوش)، بل من أراد ان يستحم فعليه ان يذهب الى الحمامات العامة، وهي حمامات بخار يسمونها في الشرق (ساونا)، وطبعاً هي بفلوس، ورغم انها ليست فلوس كثيرة الا ان بعض الناس لا يستطيعون دفعها، وفي الشتاء الناس تتحاشي الاستحمام في البرد، لذلك تتراكم روائح الجسد مع روائح الملابس غير النظيفة مع عدم استعمال المياه في المراحيض حيث يستعملون الورق، وفي الحي الجامعي لاحظت استعمالهم لورق الجرائد.. لذلك اصدرت إدارة المواصلات هذا التنبيه في الحافلات..

الزحمة نخليها للحلقة القادمة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #82
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-03-2013, 12:03 PM
Parent: #81

الحلقة الرابعة والخمسين

طرائف المواصلات والركوب بالمجان (3)

نواصل..

الحافلات في المغرب تشبه بصات أبو رجيلة التي ظهرت في السبعينات من القرن الماضي، ففيها مقاعد قليلة وبقية الركاب وقوف ويتمسكون بسيور معلقة في مواسير على طول البص.. والمفترض ان يقوم الشباب من مقاعدهم لكبار السن او للنساء، رغم أن هناك مقاعد مخصصة لهؤلاء، وفي مرة كان يجلس في المقعد الذي بجانبي شاب مغربي صغير السن، فجاءت إمرأة كبيرة وقالت له:

- قوم لي يا وليدي خليني اقعد..

فجاءها الرد:

- أنا بنيّة أنا ما وليد!

فضحكت كثيراً حيث لم استطع حبس ضحكتي، وكنت انا نفسي اعتقد انها شاب، فقصة شعرها كما لو كانت قد حلقت في صالون حلاقة رجالي، بما في ذلك القطعية، وتلبس بنطلون وقميص لا يختلف عما يلبسه الأولاد، وفوق ذلك لا تضاريس بارزة تبين أنها (بنيّة).. وقد لبت طلب المرأة وقامت لها من مقعدها لتجلس..

أحياناً تكون الزحمة مبالغة، خاصة في محطة مولاي اسماعيل حيث يتوجه منه الطلاب الى كلياتهم سواء الآداب أو الطب او الحقوق او الى المطعم في الحي الجامعي السويسي الأول، وفي مرة كانت الزحمة في قمتها، فما وجدت مكاناً غير في الباب، وكان لابد أن يُغلق الباب الأوتوماتيكي حتى يتحرك البص، فانحشرت حشراً في المنطقة التي تلي الباب بعد أن أغلق، وكنت اقف في الدرجة السفلى من السلم الذي يؤدي لداخل البص، وكانت هناك بنت مصرة على الركوب، فانحشرت أيضاً في هذه المنطقة، ولكن لم تجد موطئ قدم لها، فجعلت ظاهر قدميّ موطئ قدم لها.. نعم كانت قدميها تقفان على قدميّ تماماً، وانعصر جسمها على جسمي بضغط هائل، والتصق كل شئ في جسدها بكل شئ في جسدي، فكان شعر رأسها تحت حنكي ومؤخرة جمجمتها على قصبتي الهوائية وكتفيهاعلى صدري وظهرها على بطني.. إلى آخره.. حيث قدميها فوق قدمي.. ومع ذلك كنت طبيعياً على غير العادة، فالظروف هي التي حتمت هذا الموقف، واستمرينا هكذا الى أن فتح الباب في محطة ما ونزل بعض الطلاب..

في مرة أخرى، ومن نفس محطة مولاي اسماعيل ركبنا الحافلة، وكانت في المحطة بنت من بنات تطوان أعرفها، فسلمت عليّ وتونسنا على بال ما الحافلة وصلت ووقفت أمامنا تماماً لحسن حظنا، فعملت لها حماية من خلفها وأحطتها بساعديّ حتى فتح باب الحافلة وصعدنا أول ناس للحافلة التي كانت ممتلئة الى حد ما، وليست كسابقتها، ورغم عدم امتلائها تماماً فقد التصقت بها، وحدث ما لم يحدث في الحالة السابقة.. ويبدو أنها كانت تتوقع ذلك، لا أدري لماذا.. ولم يبدو عليها رد فعل سلبي او شئ من هذا القبيل، بل واصلنا ونستنا التي بدأنها في الأرض كأن شيئاً لم يكن، ودفعت لها ثمن التذكرة..

في رحلة بالحافلة عكس الاتجاه السابق كنت قادماً من السويسي الى كلية الحقوق، وكنت واقفاً في زاوية يحدها الشباك من الخارج وماسورة عرضية على يميني، فجاءت إحدى الزميلات اللاتي يسكن معنا في الحي الجامعي السويسي الثاني ووقفت بجانبي، وإلى هنا والأمر عادي، ولكنها كانت متكئة على ذارعي التي تستند على حديدة الشباك، وأيضاً ليس الأمر ذي بال، ولكن الذي أثارني كان اقترابها مني بطريقة بدت وكأنني أحضنها، وكانت نظرتها رومانسية وإيحائية لدرجة انني كدت أفقد السيطرة على نفسي، بل كنت على وشك ان اقول لزميلي السوداني الذي كان بجانبي ان يضربني أو يقرصني حتى لا يحدث ما لا يحمد عقباه، سيما وانني في طريقي الى الكلية، ولا ألبس الجينز كما في الحالة السابقة.. حاولت ان أتلهى بأي شئ حتى نصل الى محطة كلية الحقوق، وبالكاد وصلناها قبل أن يحدث شئ، ونزلت من الحافلة بحذر شديد كمن يحمل صينية بها أكواب عصير ممتلئة تماماً ويخاف ان تنكشح..

يبدو أننا الطلاب السودانيين لا نتحمل مثل هكذا أوضاع، ربما لأننا آتين من قلب افريقيا من صحرائها الكبرى، حيث لفحتنا بالحرارات الشموس فجعلتنا منها كعود الأبنوس، فبقية المغاربة والجاليات الأخرى- ربما- تجدهم في الحافلات يلتصقون رجالاً ونساء دون أن يحس أحدهم بأن الذي أمامه أو الذي خلفه من جنس آخر، فلا الرجل تراه متأثراً بالأنثى التي أمامه، ولا المرأة تتحرك إذا ما التصق بها الذي خلفها، وتلاحظ أن الجميع لا ينفعل كما ننفعل نحن، يا ترى لأنهم شبعانين؟ واللا برد المغرب بردهم؟

في حافلات المغرب هناك مفتشين يفاجئون الركاب في بعض المحطات في بعض المرات، فيصعد المفتش قبل أن يفتح السائق الباب لنزول الركاب، ويطلب المفتش من الركاب إبراز التذكرة، فإذا لم يجد مع أحدهم تذكرة فسيأخذ منه أكثر من ضعف ثمن التذكرة غرامة، وكان الطلاب الذين يزوغون من دفع سعر التذكرة (كانت 40 سنتيم فزادت الى 50 سنتيم- نصف درهم- أي بقروشنا الزمان شلن إذا حسبنا الدرهم ريال سوداني، اي 10 قروش).. فإذا فاجأهم المفتش قفزوا من الشبابيك.. وفي مرة قطعت تذكرة ولم أدر أين وضعتها ، فجاء المفتش فجلست أبحث عنها ولم أجدها (تذكرة البص في المغرب صغيرة جداً ربم لا تتعدى 5 سنتمترات في سنتمتر ونصف)، فاضطررت الى دفع الغرامة التي على ما أذكر كانت درهم او درهمين، لكن أهم من الغرامة كان موقفي أمام الطلاب والطالبات..

أرفق صورة تضمني- جالس على الصخرة- والأخ محمد السماني عبد الرازق على شاطئ المحيط الأطلسي، ربما خلف الحي الجامعي مولاي اسماعيل، ولم أجد خلفها اي معلومات عن التاريخ، فربما كانت في العام 1976م..

OmarsudanSammani001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #83
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-04-2013, 11:34 AM
Parent: #82

الحلقة الخامسة والخمسين

طرائف الطبابة

نواصل..

كلمة الطبابة هذه أخذتها من أستاذنا الجليل مامون الكزبري الذي كان يدرسنا مادة القانون العقاري، وهو سوري، بل كان رئيس وزراء سوريا في يوم من الأيام..

لو تذكرون قلت لكم في بداية الحلقات انه كانت تأتينا في مولاي اسماعيل طبيبة مرتين في الأسبوع في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، ولكن اكتشفنا أن هناك مركز صحي دائم في الحي الجامعي أكدال وهو الحي الجامعي الخاص بالبنات فقط وفيه بنات من كل الكليات، وهو يجاور كلية الحقوق، طبعاً الدخول للأولاد ممنوع إلا للذي يريد زيارة المركز الصحي فيسمح له بالدخول.. وقد انتقلت إليه صديقتي حورية طالبة الطب التي حدثتكم عنها سابقاً.. المهم كنت أتردد على هذا المركز بسبب نزلات البرد المتكررة، طبعاً ثقافتنا الصحية لم تنتبه الى أمراض البرد، حيث اننا كنا نخلع الملابس الشتوية بمجرد أن يخف البرد، مع ان المغاربة كانوا يظلون يرتدونها حتى ينتهي البرد تماماً ويحل الربيع وربما حتى بداية الصيف، طبعاً هم أدرى ببلادهم ولهم تاريخ طويل في البرد وأمراض البرد، ونحن فقط نمل لبس الملابس الشتوية لأننا غير متعودين عليها.. وأذكر ان زميلنا ابو زيد محمد صالح كان يستحم الصباح قبل ان يذهب الى الكلية، ويقود موتره وهو بعد لم يجف تماماً فأصابه مرض البرد الذي استمر معه شهور طويلة قبل ان يتعافى، ويبدو انه متعود من السودان- ككل السودانيين- ان يستحم في الصباح قبل الخروج من منزله، ولكن الجديد هنا انه سيقود الموتر والهواء بارد جداً.. لذلك تأخر برؤه.. أما الصحيح فكان يجب ان يستحم بالليل وينام، ويكتفي بحمام الليل فقط..

المهم مرضت انا بدوري بأمراض البرد، وغلّبت الطبيبة، في النهاية قررت علاجي بالحقن إذ ان الحبوب لم تفد في حالتي.. ولم أكن أخاف الحقن ولكني كرهتها من كثرة ما اخدتها في مدني لعلاج الملاريا التي كانت تسكن دمي وكبدي لسنوات طويلة.. وأتذكر مرة وانا داخل لهذا المركز الصحي قابلني زميلي ابوبكر دودة التشادي وهو خارج من المركز ويعرج- وهو ليس اعرج- ووجهه يبدو عليه الألم، سلمت عليه وسألته عن حاله وعما به، فقال لي: (أدوني حقنة حاره خلاص عشان النزله، هسه ماسكة رجلي كلها).. المهم عندما قررت الطبيبة علاجي بالحقن تذكرت حقنة ابو بكر دودة.. وعندما جاءت الممرضة بالحقنة- والحقنة في المغرب لازم في العضل (الإيليا)، إذ ليس لديهم حقنة في الذراع، وكمان لازم تاخدها وانت واقف وليس راقد على بطنك كما عندنا- ولكبر أمبولة الدواء وكثرة الدواء فيها ولما تسببه من ألم فإن الممرضة كانت تفرغ الدواء من الحقنة بالتدريج، وأنا واقف.. كل تلك العوامل السابقة أدت الى ان أتصبب عرقاً في ذلك المناخ البارد، وتتلاحق انفاسي، وأسخف (باللهجة المغربية ومعناها أدوخ)، ويحملوني الى الكنبة ويطعنوني حقنة تانية ويتركوني حتى أهدأ، والحقنة التانية علمت انها مضادة لدواء الحقنة الأولى باعتبار ان الدواء هو الذي سبب لي الدوخة، ثم عندما أفقت وجدت الغرفة مليانة بالناس، الدكتورة والممرضات والممرض الذي صرف الحقنة ومحمد عمر حامد الذي كان موجوداً بالمركز وعندما علم ان هناك سودانياً دايخ دخل.. والغريب في الأمر ان الدكتورة عندما عملت لي حقنة الحساسية التي تطعن في الساعد لم تعمل لي حساسية، بمعنى أن ليس لدي حساسية ضد الدواء..

بعد مدة عاودتني تلك النزلة اللعينة فذهبت لنفس الدكتورة وكتبت لي نفس الحقن، فقلت لها إن الحقنة ستعمل فيّ ما عملته المرة الفائته، فقالت لي لابد من الحقنة لأن الحبوب لا تفيد في مثل حالتك تلك.. فذهبت لنفس الممرض الذي يصرف الحقن، الذي تذكرني وتذكر ما حدث لي، فأخذ الحقنة وجاء معي وأعطاها للممرضة ولم يذهب، بل بقي حتى بدأت الممرضة في طعني بالحقنة في العضل، وبدأ كل ثانية يسألني: لا باس؟ وترجمتها (كويس؟) فأقول له لا باس، وبعد ثلاث أو أربع مرات من هذا السؤال وتلك الإجابة والممرضة تفرغ الدواء بالتدريج، سكت، فقال لي: ليش سكت، انطق.. فقلت له: طلعها.. فقال للممرضة على الفور: طلعيها، فطلعتها، وحدث لي ما حدث في المرة السابقة.. بزيادة أنني ذهبت للمغسلة (حوض الغسيل) الموجود في الغرفة وأفرغت ما في معدتي.. فهدأت قليلاً، وبعد أن هدأت تماماً سأل الممرض الممرضة التي أعطتني الحقنة هل مر عليك مثل هذا من قبل؟ قالت لا.. وعلمت أن هذا أول يوم عمل لها في هذا المركز.. مسكينة خوفتها.. وقالت لهم الدكتورة عندما يهدأ أحضروه لي، فذهبت لها فابدلت الحقن بالحبوب.. وكتبت على واجهة الدفتر المخصص لي (اليوم أصبح ملف ورقي وملف رقمي في الكمبيوتر) أنه يجب ألا آخذ حقن..

في المرة التي تليها، نفس الدكتورة كتبت لي نفس الحقن، فقلت لها اقرأي تعليقك على واجهة الدفتر- والذي لم تنتبه له في هذه اللحظة- فقرأته وقالت لي: آه.. هو انت اللي بغينا (أردنا أن) نقتله؟ قلت لها نعم انا هو.. فاستبدلت لي الحقن بحبوب..

ملاحظة لاحظتها في المغرب، وهو ان مقياس الحرارة لا يوضع في الفم كما عندنا في السودان، بل بين الآليتين، يعني لكي يقاس لك حرارتك لابد ان تذهب للستارة وتنزل بنطلونك وسروالك الداخلي وتمد يدك للخلف وتضع المقياس، ثم تسحبه وتلبس هدومك حتى تسلم مقياس الحرارة للممرض او الممرضة.. طبعاً فيما بعد ظهرت هذه الطريقة في الشرق وخاصة للأطفال، وأحياناً في الشرق يضعون مقياس الحرارة في إبط الطفل.. وفي أول مرة لي في المغرب اعطاني الممرض المقياس وقال لي قيس حرارتك، والحمد لله انني سألته هل أضعه في فمي؟ فأسرع بالقول: لا .. لا، وكان مستغرباً من كلامي هذا، فشرح لي أن أضعه..

أيضاً لأول مرة رأيت اللبوس في المغرب، فمن ضمن الأدوية التي كتبتها لي الدكتورة لبوس، وبما أنها لم تشرح لي استعمالها- باعتبار انها معروفة في المغرب ولم تتصور أن يفكر احد باستعمالها بالفم- فكدت ابلعها لولا انني لاحظت انها كبيرة وشمعية الملمس وكذلك تعفصت في جيبي، ولم استعملها فلما رجعت للممرض قال لي هذه الحبوب تستعمل من أسفل.. إيه حكايتكم يا المغاربة، كل شئ عندكم من أسفل؟ الحبوب والحقن وقياس الحرارة.. المهم حاولت استعمال هذا اللبوس فلم أفلح فكانت تسيح من كثرة المحاولات دون ان استطيع ادخالها، وكان زميلنا عبد الله قد حكى لنا حكاية هذه الحبوب الغريبة التي تؤخذ من أسفل، ولكن ما شرحه لنا لم يحدث معي، اي لم تنزرق الحبة داخل الجسم، فرجعت الى صاحبي الممرض الذي يصرف الدواء فأعاد لي شرح كيفية ادخالها والوضعية التي يجب ان اكون عليها واتجاه اللبوسة.. ومع ذلك فشلت..

الصورة تضمني والأخ محمد أبكر ابراهيم، وعلى ما أذكر التقطت في الحديقة التي تجاور كلية الحقوق، والتي بين الكلية وقصر الأمير عبد الله شقيق الملك الراحل الحسن الثاني رحمهما الله.. والصورة ليس مسجل عليها تاريخ، ولكن يبدو أنها في العام 1976م (لسه نشاف السودان ظاهر علينا)..
OmarsudanAbakkar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #84
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-08-2013, 04:19 PM
Parent: #83


الحلقة السادسة والخمسين

طرائف الطبابة (2)

نواصل..

كتبت لي الطبيبة صورة أشعة للمعدة، فأمرني ممرض الأشعة بأن أحضر إليه صائماً في يوم حدده لي، وذهبت في اليوم المحدد بعد أن شربت حليب- ناسياً- وعندما وقفت أمام جهاز الأشعة رأي شيئاً عبر الجهاز فسألني إن كنت شربت شيئاً او أكلت شيئاً، فقلت له نعم، شربت حليب، فأطفأ الجهاز وأعطاني موعداً آخر، وقال لي لو وجهت لك الأشعة وفي معدتك شئ فسوف تتأذى بها.. وفي الموعد الجديد لم أنس أنني صائم وجئت إليه قبل أن أشرب شيئاً.. فأدخلني في غرفة تغيير الملابس لأنزع كل ملابسي عدا قطعة واحدة، وبما أن الجهاز لم يكن بعد معداً، فقد انتظرت في غرفة الملابس لفترة من الزمن، وكانت هناك فتاتان شابتان تعملان كمساعدات، علمت أنهن يعملن مؤقتاً أو يعملن في في الإجازة المدرسية لم أعد أذكر، فجلسن أمامي في كرسيين وبدأن يتونسن معي، وسألتاني إن كانت لي صديقة، وسارت الونسة في هذا المنحى، والغريب أنهن كن يجلسن معي في تلك الغرفة الضيقة جداً التي بالكاد تسع الثلاث كراسي، والأغرب أنني كنت مجرداً من الملابس عدا (الإسليب) كما يسميه المغاربة، وأحياناً يسمونه الكلوت مثل المصريين، وهو الداخلي الصغير، وكان وقتذاك في السودان غير معروف وغير محبذ أيضاً واضطررنا في المغرب لاستعماله لأن لا بديل له.. الغرابة في أن الفتاتان جلستا تتونسان معي في مواضيع الحب والصداقة وانا هكذا دون ان يبدو عليهن اي شئ وكأنهن يجلسن معي في مكان عام وأنا بكامل ملابسي.. إلى أن ناداني الممرض والتقط صورة الأشعة، ورجعت لألبس ملابسي بعد أن أعطتني الفتاتان عناوين منزليهما للتواصل- الذي لم يتم- ولا أدري لماذا لم يتم..

بمناسبة الإسليب والكلوت وعدم وجود البديل له في المغرب.. فقد قالت إحداهن لزميل سوداني عندما رأت الداخلي الذي يلبسه وهو من النوع الذي يصل الركبة: (ويلي على الإسليب).. كانت مستغربة على هذا الإسليب الذي يصل الركبة.. طبعاً الموجود والمنتشر في المغرب هذا يلبسه حتى كبار السن من الرجال وليس الشباب فقط..

راجعت مستشفى الأسنان الذي يقع قرب المدينة القديمة، في خط البص الجامعي 11 وبجوار كلية الطب (القديمة)، وكانت المعالجة دكتورة أيضاً (إيه يا مغرب الأحباب.. كل الدكاترة عندكم بنات؟).. عملت لي صورة أشعة للضرس بجهاز صغير (لم يكن وقتها معروفاً في السودان، ثم ظهر بعد سنين طويلة في السعودية) تضعه على الضرس من الخارج وتضع الفيلم الصغير جداً داخل فمي، ثم تضغط على الأشعة وتحمض الفيلم الذي أظهر خطاً أسوداً راسياً بطول الضرس، كان هذا الخط هو السوسة.. نحتت الدكتورة ضرسي ووضعت لي قطنة بها دواء وغطت عليها بحشوة مؤقتة وقالت لي خد موعد من بره، مررت على الموظف المختص أعطاني موعد بعد حوالي شهر، رجعت في الموعد فأزالت الحشوة المؤقتة وأدخلت مجساً في قلب الضرس فلما تألمت وضعت قطنة مرة أخرى بها دواء ثم حشوة مؤقتة ثم موعد.. وهكذا استمر الحال لمدة عشرة أشهر، وفي المرة الأخيرة أدخلت المجس في قلب الضرس فلم يؤلمني، فعملت لي صورة أشعة فظهر مكان الخط الأسود خطاً أبيض، فقالت لي لقد زالت السوسة.. فوضعت لي الحشوة الدائمة- من البلاتين- التي استمرت في ضرسي لأكثر من عشرين عاماً.. وبعد العشرين عاماً هذه لم تطير الحشوة بل انكسر الضرس رأسياً لكبر الحشوة مقارنة مع ما بقي من الضرس.. ثم بدأت علاج ضرس آخر استمر أيضاً عدة شهور، ايضا هذا الضرس استمر فترة طويلة.. فيما بعد اضطررت الى حشو أضراس اخرى في السعودية لكنها لم تكن بمتانة تلك التي عملتها في المغرب..

طبعاً كل العلاج السابق بما فيه الأسنان وأشعة البطن وعلاج النزلة وغيرها كان مجاناً بما فيه الدواء.. لم يكلفنا العلاج في المغرب شئ، كان الطلاب يعيشون في بحبوحة من العيش، سواء كانوا مغاربة ام أجانب.. يا حليل أيام المغرب..

في طاولة المذاكرة في غرفتي كنت ألاحظ وجود زجاجة دواء مربعة الشكل عليها ورقة حمراء باهتة، كانت تخص زميلي السوداني في الغرفة.. جاء أحد الزملاء الذين كانوا يريدون الدراسة في الكليات العلمية- والتي كانت باللغة الفرنسية مما أضطره للسفر الى فرنسا لدراسة كورس في اللغة الفرنسية- ودخل كلية العلوم ولكنه لم يستطع اجتياز الامتحان لمدة عامين مما حجب عنه المنحة المغربية، فأصبح لا دخل له إلا ما يأتيه من اهله في السودان، ولضيق ذات اليد ولعدم استطاعته السكن في الحي الجامعي وكذلك عدم قدرته على السكن في الشقق المستأجرة، سكن معنا في الغرفة، وكان ينام على فرش في أرضية الغرفة لأن الغرفة ليس بها الا سريرين كما أسلفت، ولكنه كان ينام في سريري عندما لا أكون موجوداً، وفي سرير زميلي كذلك عندما لا يكون موجوداً..

المهم لاحظت زميلنا الثالث هذا يردد: (والله فعلاً دواء الحكة العجيب) وهو يشير الى علبة صغيرة كنت أسمع الباعة عند باب الحد ينادون بها وهم يسوقونها: (دواء الحكة العجيب)، ولم أفهم وقتها شيئاً عن هذا الدواء العجيب..

بعد مدة من الزمن شعرت بأنني أحك الملاين (باطن أعلى الفخذين) باستمرار، ولما دققت النظر وجدت في المنطقة قشور تشبه بقاق اليدين، ولأنني لم أفهمها فقد أهملتها حتى شعرت بأنها شملت المناطق الحساسة المتاخمة لها.. وعندما شرحت ما أحس به لبعض الأصدقاء قالوا لي إن هذه فطريات ووصفوا لي دواء فاستعملته ولكنه لم يشفيني من تلك الأكولة التي أصبحت مؤلمة جداً عندما أحك مكانها.. في النهاية لجأت للدكتورة فكتبت لي دواء عندما صرفته علمت أنه نفس الدواء الذي كنت رأيته في طاولة المذاكرة في غرفتي.. الآن فهمت!

لقد جاءتني العدوى عبر فراشي الذي كان ينام عليه في غيابي زميلنا الثالث، الذي أصيب به نتيجة العدوى من فراش زميلي الثاني في الغرفة، الذي اصيب به من علاقاته النسائية.. وعلمت أن المغرب مبتلى بتلك الفطريات بكثافة لذلك كانوا يبيعون الدواء العجيب في كل مكان.. ويتضافر على انتشاره كثرة العلاقات غير الشرعية وكذلك قلة النظافة الشخصية بسبب البرد الشديد.. الدواء الذي صرفته لي الطبيبة كان كالشطة في الملاين والمناطق المجاورة لها.. ولم ينفعني الدواء العجيب كما نفع زميلنا الثالث.. وللأسف استمر معي لفترة طويلة رغم استعمالي لأقوى مرهم له وهو الكانستين، ووصل مرحلة سبب لي تفصدات في أعضاء حساسة.. استمر معي هذا المرض حتى عودتي للسودان، بل ولسنوات قاربت الخمس سنوات إلى أن تخلصت منه بعد زيارتي للدكتور عمر عجلاوي اخصائي الجلدية والتناسلية في مدني، ومع العلاج ارشادات أخرى كانت غائبة عني منها التخلص من الشعر الزائد باستمرار، وبنصيحة من الراحل المقيم بابكر محمد محمود عميد كلية الصيدلة بجامعة الخرطوم وهو بن حينا 114 بمدني، الذي نصحني بعدم لبس (الإسليب).. فعدت الى قديمي، ومن فات قديمو تاه..

يا شباب ابعدوا عن هكذا أمراض بالبعد عن مسبباتها.. ودي هينة، فهناك أمراض مميتة!!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #85
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-09-2013, 03:20 PM
Parent: #84


الحلقة السابعة والخمسين

معرض الدار البيضاء الدولي

نواصل..

شددنا الرحال الى الدار البيضاء نحن مجموعة من الطلاب السودانيين لزيارة معرض الدار البيضاء الدولي، وذلك لأن السودان كان مشاركاً فيه، وأي شئ آتٍ من السودان فنحن نهرول نحوه.. ونسعد بلقاء من فيه ريحة الوطن..

صادفت زيارتنا للمعرض وجود بعض الوزراء السودانيين، أذكر منهم الراحل الرشيد الطاهر بكر عليه رحمة الله، ومن رجال الأعمال الراحل فتح الرحمن البشير عليه رحمة الله، والتقطنا معهم صوراً جميلة ولكن للأسف لم أعثر إلا على واحدة فقط، ربما دمر بقية الصور المطر وربما اختفت في بيتنا في مدني والصورة الوحيدة التي عثرت عليها تضمني وزميلي محمد أبكر ابراهيم وأحد المسؤولين السودانيين الذين شاركوا في المعرض، وقد وجدت خلف الصورة تاريخها 5/5/1977 ..
(هناك مشكلة في إنزال الصور)
وشربنا الكركديه في جناح السودان.. بالمناسبة الكركديه من الأشياء المهمة التي كنا نأتي بها من السودان معنا او يرسلها لنا أهلونا، وكانت في تلك الأيام توجد بودره (وليس مسحوق) الكركديه وكان ينتجه مصنع ألبان بابنوسة حينما يرحل الرعاة بمواشيهم بعيداً عن بابنوسة، فيستغل المصنع الفرصة ويستخلص من الكركدية تلك البودرة.. ثم تجولنا في بقية المعرض، وصادفنا زميلتنا نادية حسن التي كانت تنزل في الدار البيضاء في منزل زميلتها التي تسكن معها في الحي الجامعي السويسي الثاني..

تجولنا جميعنا في أروقة وصالات العرض، ولاحظت ان إحدى قريبات زميلة نادية المذكورة أعلاه تلازمني كظلي، فكلما التفت وجدتها تسير او تقف بجواري، ثم أكملت ذلك بأن أحاطت بيدها ساعدي وقالت لي يجب ان نمسك بعض حتى لا نضيع من بعض!! الظاهر البت حبتني واللا شنو.. كنت يومها ألبس البدلة الفل سوت الما خمج التي فصلتها عند محمد الخياط الذي أدعى- وقد يكون صادقاً- أنه كان يخيط للملك.. ويبدو ان البدلة أعطتني شيئاً من الوجاهة مما لفت نظر الفتيات ومنهن تلك التي طوقت ساعدي بيدها.. وجاءتني الجرأة أيضاً بحيث ان من نظرت إليّ شاغلتها مثل تلك التي كانت تسير مع شلة من البنات وتأكل شيئاً وكن ينظرن الى شخصي ويبتسمن وأعتقد أنهن لفتن نظر بعضهن الىّ، فتجرأت وقلت لها: ما تقولو اتفضلو؟ فقالت لي اتفضل، قلت لها شكراً انا اعتقدت انك تأكلين (اسفنج) وهو الزلابية او اللقيمات التي في شكل حلقة، وفي الواقع هي كانت تأكل ساندوتش، فقالت لي خد اقرضها بأسنانك البيضاء هادي! وكانت مثل هذه المداعبات كثيرة في ذلك اليوم.. فضحكتُ وضحكن، وقلت في نفسي ماذا لو رأت أسنان خالتي خديجة المرصوصة البيضاء الصغيرة؟ فأسناني انا كبيرة وليست ناصعة البياض مقارنة بأسنان خالتي وكثير من السودانيين والسودانيات، ولكنها بالمقارنة مع اسنان المغاربة فهي بالفعل بيضاء وسليمة وما كبيرة، فالمغاربة يعانون من اسنانهم كثيراً، لذلك أول ما لفت نظرنا في المغرب محلات (صانع الأسنان)، فتجد على باب عمارة او على ناصية شارع صندوق زجاجي به أطقم أسنان.. أي ان في هذا المكان صانع أسنان.. فعدم الاهتمام بالسواك وأكل الحلويات كثيراً وعدم غسل الفم بعد الأكل بسبب البرد كل ذلك يؤدي الى خراب اسنانهم..

ودعت البنت المعجبة وودعت كازابلانكا ورجعت الى الرباط بعد يوم عامر بالمرح والتجوال والتعارف مع علية القوم من وجهاء السودان.. وبعد ايام من ذلك قابلت نادية في المطعم برفقة حسناء شابة قريبة زميلتها البيضاوية- نسبة الى الدار البيضاء- وبالطبع لم تكن نفس الفتاة المعجبة إياها، بل كانت قريبتها.. تعشينا ثلاثتنا وتونسنا داخل المطعم، ثم خرجنا وفي طريقنا الى أجنحة الحي- وكان جناح البنات هو الأقرب الى المطعم- لاحظت نادية انني وتلك الفتاة اندمجنا في الونسة، فتقدمتنا خطوات ثم قالت انها محصورة وستصعد الى غرفتها.. وكانت الرسالة واضحة وذكية.. فقلت للفتاة هل نجلس لنكمل حديثنا؟ قالت نعم.. فانحرفنا جهة ملعب الكرة المجاور من جهة للمطعم ومن جهة لجناح البنات، فجلسنا على النجيلة.. كانت رائعة الجمال، وجهها مدور وشعرها كثيف وأسود، وكانت ممتلئة.. وعرفت انها طالبة في البكالوريا (يعني ممتحنة الثانوية)..

وأغلق المطعم أبوابه، وتوقفت حركة الطلاب منه وإليه.. وساد الحي سكون جميل لأن الطلاب كانوا في غرفهم يذاكرون، فغداً كان هناك امتحان.. حتقولوا لي انت مذاكرتك وين يا سجم الرماد؟ حأقول ليكم انا ليلة الامتحان ما بذاكر.. دي طبيعتي من زمان.. ليلة الامتحان امشي السينما، اسمع أغاني، اقعد مع الجكسي زي هسه (مع ملاحظة ان كلمة جكسي دي ما كانت زمان معروفة لينا).. المهم أدى خلو الحي الجامعي من المشاة الى ان تكون الجلسة رومانسية على الآخر.. و.. كانت أبيات أغنية الحقيبة يا مداعب الغصن الرطيب للشاعر سيد عبد العزيز تبين تلك الجلسة، خاصة البنان وما أدراك ما البنان.. مفتاح ما بعده:

يا مداعب الغصن الرطيب
في بنانك ازدهت الزهور
زادت جمال ونضار وطيب
*
*
أنا وأنت في الروض يا حبيب
راق النسيم وحلى للمرور
بقى أحلى من ساعة السرور
وأدق من فهم اللبيب

وكانت أغنية الكاشف حاضرة:

شفاه لشفاه مقاربة
عيون لعيون محاربة

والفنان منو كده ما عارف اللي كان مثقف لدرجة انو كان عارف يافا في فلسطين مشهورة بالبرتكان فقال: نهيداتا برتكان يافا..

وحمد الريح القال:

منظر شئ بديع ما أحلى الغزل
بدر الكون على غصن البان نزل
تيه في تيه رفل
ونجم الليل بالبدر احتفل
نور النفل زح نام في الكفل
أسفل مره وأعلى ومرة الكان سفل
وشنو كده ما عارف ..

لم يعكر صفونا شئ، رغم مرور مجموعة من الطلاب والطالبات المغاربة في ملعب الكرة وهم يتونسون ويضحكون ويبدو انهم يريدون الترفيه قبل مواصلة المذاكرة.. ولا أدري ان كان عوض أمير زميلنا السوداني كان معهم ام لا، ففي اليوم التالي قابلني فقال لي وهو يضحك: شاااااايفك امبارح.. ومؤكد انني لم أره امبارح.. الظاهر كنت غرقان في بدر الكون العلي غصن البان نزل.. رحم الله عوض أمير، فقد علمت مؤخراً أنه توفي قبل عدة أشهر في القاهرة، وكان يعمل بالإمارات العربية المتحدة.. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، اللهم ارزقه الجنة بغير حساب.

أرفق لكم صورة التقطناها في حديقة أمام أحد أجنحة الحي الجامعي السويسي الأول، وقد وجدت أنني كتبت خلفها:
(هناك مشكلة في إنزال الصور)
من اليمين وقوفاً: محمد عبد الرحمن البيلي، هاشم النور منزول (رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)، عائشة عمر الخبير، جلال الدين حنفي مصطفى، ونادية حسن
من اليمين جلوساً: كوكا حسن كاشف، عمر حسن غلام الله، محمود ابو شنب، وسامية ابراهيم احمد
الحي الجامعي السويسي الأول- الرباط- المملكة المغربية
يونيو 1977

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #86
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-10-2013, 11:58 AM
Parent: #85


الحلقة الثامنة والخمسين

معرض الدار البيضاء الدولي (تداعياته)

نواصل..

في تلك الليلة نمت نوماً هادئاً بعد ذلك الصخب في أول الليل، في اليوم التالي ذهبت لأداء الإمتحان، وأديته بأحسن ما يكون، بعد أداء الإمتحان رجعت للحي الجامعي ودخلت المطعم فوجدت أمينة فيه، وضعت صينية طعامي وجلست أمامها على طاولة الطعام.. تأملتها في ضوء النهار.. لم أصدق نفسي أنني كنت ذاك الذي بالأمس وكانت هي التي قال عنها حمد الريح ما قال في المشاركة السابقة، وكنا كما قال فينا الكاشف.. لقد ارتفعت معنوياتي وظننت انني دون جوان.. هل كل هذا الجمال كان لي البارحة؟ بدل أن أتناول وجبتي رحت أحدق في هذا الجمال الرائع وأحلل ما صار بالأمس..

وخرجنا من المطعم، وطلبت منها الحضور الى نفس المكان الليلة، فوعدت، ولم تأت.. وسافرت الى كازا في اليوم التالي.. قالت لي نادية انها طلبت منها الإعتذار لي نيابة عنها لعدم استجابتها لطلبي.. لماذا يا نادية؟ قالت انها مخطوبة، وانها قد أنّبها ضميرها لما فعلت.. ولا تريد تكراره.. واختفت أمينة بعد أن أهدتني ليلة جميلة خضراء غير حمراء، و.. عربدت بى هاجسات الشوق إذ طال النوى.. و .. كان ... ما كان ... وبتنا كلنا نأي وغريب..

رحم الله أبو داؤود

همسات من ضمير الغيب تشجي مسمعي
وخيالات الأماني رفرفت فى مضجعي
وأنا .. بين ضلوعي .. لا أعي
عربدت بي هاجسات الشوق إذ طال النوى
وتوالت ذكرياتي .. عطرات بالهوى
كان لي فى عالم الغيب غرام .. و أنطوى
كان لي فى الأمس أحلام وشوق وحبيب
كان للجرح طبيب .. لا يدانيه طبيب
كان ما كان .. وبتنا كلنا نأي وغريب
سكر السمّار و الخمّار في حان الغرام
وأنا الصّاحي أرى فى النور أشباح الظلام
وغدت كأسي على راحي بقايا من حطام
عادنى الوجد إلى ليلي وكأسي المترع
وسعير الحب يشقيني ويشقي مضجعي
ولهيب الشوق يدعوني فهل أنت معى؟

طبعاً هناك حالات أشبه بالليالي الحمراء ناقصاً الشراب تحدث في محيط الحي الجامعي، فقد قال لي عمر الإمام مرة حين مرور طالبة تسكن معنا في الحي الجامعي، قال لي أنه رأى هذه الفتاة قبل قليل في الغابة وهي في وضع غريب- غريب على عمر ولكنه لم يكن غريباً على أهل البلد في ذلك الزمان- وقارنته بما حدث لي فكان ما حدث لي لا شئ بما حدث لتلك البنت، إذ كان وقتنا ليلاً ووقتها عصراً، وتحت الشجرة، وكان الجميع: عمر وهي وشريكها في نزهة مذاكرة في تلك الغابة التي تجاور الحي الجامعي وتفصله عن مستشفى بن سينا.. وكثير من الطلبة يذاكرون فيها أو يحملون الكتاب ويقرأون وهم يسيرون من الحي الى تلك الغابة المكونة أساساً من اشجار البان.. وأثناء مسيرهم يقرأون- كنوع من التغيير لأوضاع المذاكرة في الغرف أو في قاعات المطالعة- ولكن هذه الطالبة وهذا الطالب كانت جرأتهم عجيبة فلم يكلفوا أنفسهم عناء التحرز أو الاختباء او حتى الانتباه للذي مرّ بقربهم ورآهم..

قريب من موقعنا الذي كان بالأمس كان هناك جانب من ملعب كرة القدم فيه مربع نجيله يجلس عليه المتفرجون، وكانت النجيلة من النوع الغليظ، وكانت عالية عن الأرض، وارتفاعها عن الأرض يجعلها مثل السجادة السميكة، لذلك وبينا نحن جلوس جاءت نادية لتجلس معنا- وكنا سودانيين طلاباً وطالبات- فلاحظنا ان نادية حينما أرادت الجلوس معنا خلعت حذاءها خارج النجيلة ثم دخلت منطقة النجيلة واستمرينا في الونسة الى أن انتبهت بعد مدة لما فعلت: ليه انا خلعت حذائي؟ فقلت لها ربما أعطاك قوام النجيلة السميك إحساس بأنك تدخلين إلى سجادة .. فقالت بالفعل هذا كان إحساسي ودون أن أشعر خلعت حذائي.. ما أجملك يا مغرب الأحباب.. لاحظوا انني اتكلم عن فترة السبعينات من القرن الماضي!

وسأريكم بعضاً من تلك المناظر وتلك النجائل في هذه الصورة، مع ملاحظة ان النجيلة المذكورة أعلاه ليست هي التي في الصورة، بل التي في الصورة نجيلة عادية وخفيفة، بل تشبه تلك التي كنا نجلس عليها ليلة البارحة..

الصورة تضمني ومحمد البيلي ووجدت أنني كتبت خلف الصورة: العبد لله ومحمد البيلي
في الحي الجامعي السويسي الأول
الرباط- المملكة المغربية
يونيو 1977
عمر حسن غلام الله
(لم استطع تحميل الصورة)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #87
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-11-2013, 02:46 PM
Parent: #86

الحلقة التاسعة والخمسين

وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا

نواصل..

في تلك الجلسة السودانية على السجادة العشبية في الحي الجامعي السويسي، وفي عصرية بديعة، وونسة ظريفة وبيننا أوجه جميلة، مر أصدقائي علي أبو بكر التشادي ومصطفى الشريف التونسي وحسن لريبي المغربي، مروا بجانبنا وهم في طريقهم من المطعم الجامعي الى سكناهم معهد الإحصاء المجاور، وعندما مروا بمحاذاتنا القى علينا السلام علي أبوبكر.. فرددت السلام، وبعد أن جاوزونا قال علي لهم: عمر جالس مع أخواته- حكى لي ذلك علي ابو بكر فيما بعد- فما كان من مصطفى إلا أن أطلق ضحكة عالية تهكمية .. وكان علي يريد أن يخفف ردة فعل مصطفى على جلوسي مع البنات (طبعاً لسن بناتاً صرفاً وإنما كان هناك اولاد) فاشار الى البنات بأنهن اخواتي، يعني ملخص عبارته: ان عمر يتونس مع زميلاته.. وسبب ضحكة مصطفى انه فهم الرسالة، واستنكرها، ولا يريد من علي ان يدافع عني.. فهو يعتبر جلوسي مع البنات وإن كان في ميدان الكرة وفي وضح النهار (طبعاً هو ما عارف قعادي في الليلة الخضراء ديك)، يعتبره منافياً للدين، وضحكته ضحكة زعل مننا الاثنين، انا وعلي..

فيما بعد قال لي حسن لريبي أن مصطفى وجد في غرفته طالبة زميلتهم في الكلية، ولو تذكرون في مشاركة سابقة ذكرت لكم كيف ان طلاب معهد الإحصاء اضربوا حتى ينفذ طلبهم بالسماح بالزيارات المتبادلة بين الطلاب والطالبات في أجنحتهم وغرفهم، فتم السماح للبنات بزيارة الأولاد ولم يوافقوا على العكس.. المهم أن هذه البنت جاءت لتطبخ لحسن، فغضب مصطفى غضباً شديداً وزعل من حسن وقاطعه، فشكى لي حسن من ذلك وقال لي أن نفس هذه البنت أكل من يدها قبل الآن، أي طبخت له أيضاً في غرفته.. وأنا أعلم ان كلاهما ملتزمان وليس لهما علاقة غير علاقة الزمالة بهذه الطالبة.. ولكن مصطفى صار صعباً.. لذلك سأحكي لكم كيف دخلوا ثلاثهم الإسلام- طبعاً هم مسلمين ولكن قصدي أنهم عرفوا الإسلام- وكنت قد لخصت ذلك في مقال لي نُشر بجريدة المستقلة بتاريخ 1/11/1996م، وكان المقال تعقيباً على عمود صاحب الجريدة ورئيس تحريرها محمد الهاشمي الحامدي، وكان عنوان العمود"بقايا مداد"، بالمناسبة أنشأ محمد الهاشمي الحامدي قناة تلفزيونية بنفس الإسم (المستقلة).. وسأسرد لكم المقال هنا ومنه ستعرفون قصة هؤلاء الثلاثي وقصة الصحوة الدينية في المغرب.. مع ملاحظة أنني لم أعنون المقال، بل أرسلته في شكل خطاب، ولكن الهاشمي هو من وضع له العنوان: (وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا).. وإليكم المقال:

((قد عاد بي بقايا مداد الأخ محمد الهاشمي الحامدي في العدد (123) عشرين عاماً فهيّج لواعج الشجون ومكامن الشوق في نفسي الى وطني الثاني المغرب، ورغم أن كثيراً من الصحف - بما فيها المغربية- نشرت لي خلال تلك المدة الطويلة عدد من المقالات لعديد من الموضوعات إلا انني لم أتطرق لما سأتطرق إليه الآن، فقد كنت خائفاً على هؤلاء الذين سأذكر اسمائهم، وخوفي عليهم ربما كان وهماً وربما كان غير ذلك، فقد كان التنفيذيين آنذاك يتوجسون خيفة من اليساريين ومن الشباب المتدينين؛ لذلك لم يكن يُسمح بتكوين أحزاب تحمل لون هؤلاء أو طابع أولئك. أما الآن وقد تكونت جماعات تحمل الطابع الديني مثل "حركة الإصلاح والتجديد" و "رابطة المستقبل الإسلامي" و "جماعة العدل والإحسان" فوجدت أنه لم يعد ثمة مبرر للخوف على أصدقائي - الذين لم يكونوا حزبيين ولا سياسيين وإنما كانوا مصلحين.

في العام 1976 سكن معي في الغرفة طالب الطب محفوظ مصطفي من أبناء تطوان وكان له أصدقاء من بلدته تطوان يسكنون في نفس الحي الجامعي السويسي الثاني فتعرفت عليهم بحكم علاقتي بمصطفى، وفي يوم من الأيام قال لي أحدهم وهو بوخبزه الأمين "بما أنك تؤدي الصلاة فلماذا لا نؤديها مع بعضنا جماعة؟ فإن الذئب يأكل من الغنم القاصية" فصرنا نصلي جماعة في غرفة في الطابق الرابع من أحد أجنحة الحي المذكور هي غرفة العربي بوسلهام طالب الطب وهو من أبناء طنجه، وكنا نحن الأربعة مع طالبين أو ثلاثة آخرين نفترش بطانية العربي لنصلي عليها، وفي أيام قلائل لم تعد الغرفة تسع المصلين الذين جذبهم بوخبزه بتلك العبارة البسيطة البليغة : "فإن الذئب يأكل من الغنم القاصية"، فاضطررنا الى الصلاة خارج الغرفة في مساحة صغيرة- لكنها أكبر من الغرفة- بين الغرفة وبيت الدرج، وافترشنا بطانيتين، ثم احتجنا لثالثة فرابعة.

ثم لم تعد تلك المساحة تسع المصلين، فاتصل بوخبزه بمدير الحي الجامعي فؤاد الحسيسني (مازال مديراً للحي الجامعي) وطلب استغلال بدروم أحد الأجنحة لنتخذها مصلى، فوافق مدير الحي فنقلنا البطانيات الى ذلك البدروم ، وتمم الحسيسني جميله فتبرع لاحقاً بموكيت فرشناه بدلاً عن البطانيات، وعندما وصل عدد المصلين لنحو صفين قررنا إقامة صلاة الجمعة في هذا المصلى- إذ كان أقرب مسجد جامع يبعد حوالي خمسة كيلومترات (إما في حي أكدال أو في حي يعقوب المنصور، فقد كان الحي الجامعي خارج العمران في ذاك الزمان)- وتم إبلاغ المصلين بذلك، وفي يوم الجمعة رفع أحد الطلاب الآذان من قرب المصلى (بدون مكبر صوت)، فإذا بشبابيك الغرف في الحي الجامعي تُفتح وتطل منها وجوه مستغربة ومندهشة وبعضها- للأسف متهكمة- ولا أنسى عبارة أحدهم التهكمية حين مررت من تحت نافذته في طريقي الى المصلى (غادي الصلاة؟)، وأقيمت صلاة الجمعة وخطبتيها ولم يكن هناك منبر وإنما كرسي وقف خلفه الخطيب - العربي بوسلهام - وجلس عليه بين الخطبتين.))

سأكمل المقال في المشاركة القادمة بإذن الله..

وأدرج صورة هنا(لم يحن وقت إدراجها لأنها تخص فاس) لأن فيها بعض الأطراف المذكورين أعلاه مثل مصطفى محفوظ،
(لم استطع تحميل الصورة)
وقد كتبت خلف الصورة الآتي:

الوحدة العربية.. لا بل الوحدة الإسلامية جمعتنا العقيدة.. وجمعتنا هذه الصورة..
بعضنا من المشرق والبعض الآخر من المغرب اجتمعنا في فاس عاصمة المغرب الثقافية
تلك كانت أياماً جميلة التي قضيناها بين ظهراني هؤلاء الأصدقاء الطيبين وهم
من يمينك: أنا، عبد الوهاب الشريف، محمد عثمان، مصطفى أبو ادريس، محمد اسماعيل، مصطفى محفوظ، الشيخ، أحمد محفوظ
في 22 فبراير 1978 - المغرب
عمر حسن غلام الله

كما أدرج صورة أخرى سبق وأدرجتها في مشاركة سابقة، ولكن لوجود الأمين بوخبزه فيها أعدت إدراجها..
(لم استطع تحميل الصورة)
وقد كتبت خلف الصورة:
صورة تذكارية جمعت بين أخوة بعضهم من المشرق وبعضهم من المغرب، جمعتهم عقيدة واحدة لولاها لما تحابوا، ثم جمعتهم هذه الصورة التي أخذت في شرفة غرفة عمر حسن غلام الله رقم 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2 بالرباط- المغرب، والتقطت يوم
وتضم من يمينك: عمر حسن غلام الله ثم أحمد الفتوح ثم الأمين بوخبزه ثم محمد جمال ثم حسنين..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #89
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-15-2013, 02:42 PM
Parent: #87

في الحلقة الثامنة والخمسين تعذر تنزيل الصور.. وقد تيسرت الآن، وهأنذا أنزل صورة

Maroc096.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة تضمني ومحمد البيلي ووجدت أنني كتبت خلف الصورة: العبد لله ومحمد البيلي
في الحي الجامعي السويسي الأول
الرباط- المملكة المغربية
يونيو 1977
عمر حسن غلام الله


وهاهي صور الحلقة التاسعة والخمسين

وأدرج صورة هنا (لم يحن وقت إدراجها لأنها تخص فاس) لأن فيها بعض الأطراف المذكورين أعلاه مثل مصطفى محفوظ،

OmarsudanFes001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

وقد كتبت خلف الصورة الآتي:

الوحدة العربية.. لا بل الوحدة الإسلامية جمعتنا العقيدة.. وجمعتنا هذه الصورة..
بعضنا من المشرق والبعض الآخر من المغرب اجتمعنا في فاس عاصمة المغرب الثقافية
تلك كانت أياماً جميلة التي قضيناها بين ظهراني هؤلاء الأصدقاء الطيبين وهم
من يمينك: أنا، عبد الوهاب الشريف، محمد عثمان، مصطفى أبو ادريس، محمد اسماعيل، مصطفى محفوظ، الشيخ، أحمد محفوظ
في 22 فبراير 1978 - المغرب
عمر حسن غلام الله

كما أدرج صورة أخرى سبق وأدرجتها في مشاركة سابقة، ولكن لوجود الأمين بوخبزه فيها أعدت إدراجها..
OmarsudanJamalDahab001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتبت خلف الصورة:
صورة تذكارية جمعت بين أخوة بعضهم من المشرق وبعضهم من المغرب، جمعتهم عقيدة واحدة لولاها لما تحابوا، ثم جمعتهم هذه الصورة التي أخذت في شرفة غرفة عمر حسن غلام الله رقم 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2 بالرباط- المغرب، والتقطت يوم
وتضم من يمينك: عمر حسن غلام الله ثم أحمد الفتوح ثم الأمين بوخبزه ثم محمد جمال ثم حسنين..


Post: #88
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-15-2013, 01:24 PM
Parent: #85

في الحلقة السابعة والخمسين تعذر تنزيل الصور.. وقد تيسرت الآن، وهأنذا أنزل صورة

Maroc034.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأعيد كتابة الفقرة التي تخصها:
صادفت زيارتنا للمعرض وجود بعض الوزراء السودانيين، أذكر منهم الراحل الرشيد الطاهر بكر عليه رحمة الله، ومن رجال الأعمال الراحل فتح الرحمن البشير عليه رحمة الله، والتقطنا معهم صوراً جميلة ولكن للأسف لم أعثر إلا على واحدة فقط، ربما دمر بقية الصور المطر وربما اختفت في بيتنا في مدني والصورة الوحيدة التي عثرت عليها تضمني وزميلي محمد أبكر ابراهيم وأحد المسؤولين السودانيين الذين شاركوا في المعرض، وقد وجدت خلف الصورة تاريخها 5/5/1977 ..


وهذه الصورة الثانية:
sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-1003-Copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أرفق لكم صورة التقطناها في حديقة أمام أحد أجنحة الحي الجامعي السويسي الأول، وقد وجدت أنني كتبت خلفها:
من اليمين وقوفاً: محمد عبد الرحمن البيلي، هاشم النور منزول (رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا)، عائشة عمر الخبير، جلال الدين حنفي مصطفى، ونادية حسن
من اليمين جلوساً: كوكا حسن كاشف، عمر حسن غلام الله، محمود ابو شنب، وسامية ابراهيم احمد
الحي الجامعي السويسي الأول- الرباط- المملكة المغربية
يونيو 1977

Post: #90
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-15-2013, 02:49 PM
Parent: #88

الحلقة الستون

وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا (2)

نواصل تكملة المقال..

(وكثر عدد المصلين في هذا المصلى، وكان بوخبزه يجتذب بعض الشباب الذين لا يصلّون ولكن يحس أنهم متكاسلون فقط وأن الأمل كبير في استجابتهم لنداء الصلاة، وقد ارتأي هؤلاء الفتية جذب غير المصلين الى هذا المصلى، فأنشأوا داخله مكتبة صغيرة جمعوا كتبها من مكتباتهم الخاصة ومن تبرعات البعض، ووزعوا إعلاناً على أجنحة الحي ومقصفه بوجود تلك المكتبة وأن هذه المكتبة متاحة للجميع (مصلين وغير مصلين)، وكانت فكرتهم أن من يدخل المصلى من أجل الكتب ربما يهدي الله قلبه حين يرى الصلاة أو يسمع الذكر الحكيم.

وحين كبر العدد وانتظم في الصلاة وضاق عليه هذا المصلى، تم افتتاح المسجد الرسمي الملحق بالحي الجامعي السويسي الأول الذي يجاور الحي الجامعي السويسي الثاني ولا يفصل بينهما سور (في الثمانينات أقيم بينهما سور)، وهذا المسجد أنشئ وقت بناء أجنحة الحي ومطعمه ولكن لم يُفتح للمصلين منذ إنشائه وطيلة سنوات إلى أن كان ذلك اليوم الذي بلغ فيه عدد المصلين في مصلانا المذكور ما يكفي لإقناع إدارة الحي بافتتاحه، وأذكر أن أول خطيب لأول صلاة جمعة كان الشيخ/ صلاح - سوري الجنسية - الدارس في دار الحديث الحسنية عامئذ وكان خطيباً مفوهاً، وأذكر أنه كان يرتجل الخطبة ولا يقرأها من ورقة، وامتلأ الجامع بالمصلين من الطلبة ومن غيرهم من عمال الحي الجامعي وموظفيه.

لقد غرس بوخبزه وبوسلهام وقلة معهم غرسة رأينا فروعها تمتد في سماء الحي الجامعي السويسي، وكانت دعوتهم بسيطة ولكنها فعّالة وجذبت ليس الذين يصلون بمفردهم في غرفهم ولا أولئك الذين لا يصلون ولكن الأمل فيهم كبير؛ بل إنها جذبت من كان لا يتورع عن فعل كل منكر، فقد تعرفت في مصلانا الصغير على ثلاثة أصدقاء يدرسون في معهد الإحصاء المجاور للحي الجامعي السويسي الثاني، مصطفى من تونس (اسمه الكامل مصطفى الشريف، ولم أكتبه في مقالي هذا الذي أرسلته للمستقلة خوفاً عليه، أما الآن وقد انتفض الشعب التونسي ضد من حرمهم الصلاة في المساجد وأدخل السجن كل من أطلق لحيته، فإني أكتب اسمه الآن كاملاً ولعله- أو من يعرفه- يطلعه على ما كتبت ليدلي بدلوه هنا ولأتواصل معه بعد طول افتراق دام عقودا) وعلي من تشاد وحسن من المغرب، قالوا لي أنهم كانوا يعملون كل الموبقات، وبدون مقدمات دخلوا مصلانا المذكور ومن يومها تركوا كل فعل قبيح وصاروا من المواظبين على الصلاة في المصلى- ولاحقاً المسجد-، وكنت أخاف عليهم فجاءة التحول وأن ينتكسوا، ولكن وبحمد الله استمروا على أداء الفرائض واجتناب النواهي؛ فقد تخرجت في العام 1978 وتركتهم يواصلون دراستهم وزرت المغرب في العام 1985م والتقيت أحدهم بالصدفة البحتة وهو التشادي علي أبوبكر الذي كان قد رجع الى المغرب لمواصلة السلك الثالث (الماجستير)، وقد أوصلني بالمغربي لريبي حسن الذي يعيش في الرباط، وكانا بأحسن حال وسألته عن زميله مصطفى فقال أنه مذ عاد الى وطنه تونس انقطعت صلته به لظنه أنهم هناك يتابعون المتدينين ولخوفه عليه من ذلك لم يراسله. وفي زيارتي للمغرب عام 1988 كان كل شئ على ما يرام، لكني علمت من حسن أن صديقنا التشادي علي أبوبكر قد رجع لبلاده وأنه على صلة به عبر الرسائل وأعطاني عنوانه فراسلته لفترة من الزمن ثم انقطع عن الرد، فعلمت بعدها من حسن باستشهاد علي أبوبكر في الطائرة الفرنسية التي فُجرت في سماء النيجر (فجرها سيئ الذكر القذافي) وكان رحمه الله قد وصل الى منصب وكيل وزارة في بلاده.)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #91
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-16-2013, 03:20 PM
Parent: #90

الحلقة االحادية والستين

وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا (3)

نواصل تكملة المقال..

( قد يرى البعض أن إعادة هؤلاء الطلاب الى حظيرة الدين شئ عادي لا يحتاج الى كل هذا السرد، ولكن إذا عرفوا بيئة الطلاب في تلك الحقبة لزال الإستغراب، فحكاية أصدقائي الثلاثة قبل أن يعرفوا طريق المسجد كانت حال غالبية سكان الحي الجامعي من الطلاب ولم يكن حال بقية الطلاب بأحسن حال من هؤلاء (في كلية الحقوق لم يكن هناك مصلى، وكنا نصلي على التراب أو على النجيلة خلف قاعات المحاضرات ولم نكن نجد من يصلي من الطلاب إلا القليل جداً، كما أن مصلى الحي الجامعي مولاي اسماعيل كان مرتادوه قلة وكنت في مرات أصلي الفجر فيه ولا يكون هناك غيري والشاويش) ولم تكمن الطامة في أنهم لا يركعون ولا يسجدون لله أو أنهم يفعلون ما نهى الله عنه؛ بل لأن كثير منهم كانوا الحاديين متأثرين بأساتذتهم الفرنسيين وبفلاسفة الغرب، وهذا ما حدا بالأمين بوخبزه أن يغير مسار حياته من دراسة الطب الى دراسة الفلسفة وذلك حتى يستطيع مقارعة حجج المكابرين منهم الفلسفية بفهم تلك الفلسفة ودحضها بعد ذلك بحجج الإسلام الدامغة، أما الذي عانى كثيراً فهو بوسلهام العربي إذ كان زملاؤه في كلية الطب يضايقونه بسبب دعوته تلك.

تبدلت تلك الصورة القاتمة- التي لم تكن تشمل كبار السن ولا السيدات اللائي يلبسن الزي المغربي المحتشم- فعند عودتي لمغرب الأحباب بعد تخرجي بسبع سنين في زيارة قصيرة وجدت أن نسبة المصلين الشباب في المساجد قد زادت، وظاهرة الفتيات المحجبات لا تخطئها العين، وتحفيظ القرآن أضحى ظاهرة تسر الخاطر، وظل جامع الحي الجامعي السويسي يعج بالمصلين من الطلاب، وفي زيارتي الأخيرة للمغرب أواخر 1987 كان الحال أحسن، أما الآن وبعد قراءتي لمقال الحامدي أحسست أن ما زرعه الإستعمار الفرنسي وراءه قد قضت عليه النبتة الطيبة التي غرسها بوخبزه وبوسلهام وصحبهم في الرباط، وحتما هناك من غرس مثلها في أرجاء المغرب الأصيل سواء في أوساط الجامعيين أو غيرهم، أو تابع نموها وازدهارها واعتنى بها ورعاها، فهنيئاً للدكتور بوخبزه الأمين (الذي نال دكتوراة الدولة من الجامعات المصرية أواسط الثمانيات) وللأخ الدكتور الطبيب/ بوسلهام محمد والأخ الدكتور محفوظ مصطفى استاذ جراحة العظام بطب الرباط ولأخوة كافحوا معهم لهداية زملائهم وأنستني السنون أسماءهم، ولكن الله لا ينسى صنيعهم.

أرجو أن أكون بهذا السرد البسيط قد فتحت شهية آخرين للإدلاء بدلوهم مؤكدين ما ذكرته أو مضيفين أو داحضين، طالما أن الحقيقة هي مبتغى الجميع، وبعدي عن المغرب وبعد الشقة بين تلك الحقبة وتاريخ كتابة هذه السطور ربما أنساني أحداثاً أو أشخاصاً آمل أن يستجيب الزملاء ويكملوا مابدأت.

ولكم خالص التحية والتقدير،،

عمر حسن غلام الله)

وانتهى المقال

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #92
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-17-2013, 10:08 AM
Parent: #91


الحلقة الثانية والستين

مولانا عبد الرحيم

نواصل..

Quote: بالمناسبة يا ماندينغو،
هناك شخصية من زمنكم في الرباط، ياريت تكلمنا عنها،
ألا وهو: مولانا عبد الرحيم!


استجابة لنداء الأخ صلاح فقير (زميل دراسة بالمغرب ولكن جاء بعد تخرجنا) أعلاه، فسأسرد ذكرياتي مع المرحوم مولانا عبد الرحيم..

ونحن في السنة الثانية- على ما أظن- جاء الى المغرب، وكان يكبرنا كثيراً في العمر، وفي المقام، وكان دائماً باسماً ضاحكاً، وأذكر في بدايات تعارفي به، أن قال لي عند لقاء معه: (شاااايفك.. يومداك) ومعها ابتسامة معناها: (يا مطموس)، والذي شافني فيهو ده هو أنني كنت في زيارة لمنزل حسن قطر- وهو خال عصام قطر- وكان حسن يعمل في سفارة قطر بالرباط لذا اطلقنا عليه حسن قطر، وفيما بعد على عصام الذي اشتغل في نفس السفارة، وكان حسن قطر يسكن في حي المحيط بقرب الحي الجامعي مولاي اسماعيل، بالضبط قصاد المحطة الثانية من بداية الخط عند مولاي اسماعيل.. المهم في زيارتي تلك لمنزلهم العامر لاحظت ان هناك سودانية من جيلنا معهم، وبعد ان غادرت المنزل متجها الى محطة البص حضرت تلك الفتاة ووقفت بجانبي- طبعاً سلمت عليها في منزل حسن ولكن لم نتعارف- المهم كنت مستنداً على سور حوش في محطة البص فوقفت بجانبي، ولكن انتبهت لشئ في وقفتها، وهي أن رأسها كان مائلاً ناحيتي لدرجة ان من يرانا يعتقد أن رأسها ينام على كتفي لشدة قربها مني.. ويبدو هذا ما رآه مولانا عبد الرحيم رحمه الله- والذي لم أكن قد رأيته في تلك اللحظات، ربما رأيته بعد أن ركبنا الحافلة، أو ربما لم أره أبداً في ذلك اليوم.. المهم ملاحظته تلك ووقفة الفتاة تلك نبهتني إلى رغبة الفتاة في إقامة علاقة معي، لا سيما عندما التقيتها مرة أخرى أمام أحد أجنحة الحي الجامعي السويسي الثاني (الخاص بالأولاد)، وعلى ما أذكر كانت برفقة إحدى السودانيات.. المهم سلمت عليهم ولاحظت أن فتاتي تلك قد ظلت ممسكة بيدي في يدها لفترة طويلة مما جعلني أحس بالحرج امام الأخرى.. تلك الفتاة أصبحت زميلتنا في الجامعة..

الشاهد ان مولانا عبد الرحيم كانت روحه مرحة وشبابية رغم أنه قد عمل بالشرطة بعد تخرجه من كلية الحقوق جامعة القاهرة فرع الخرطوم (على ما أعتقد) لفترة من الزمن قبل حضوره للمغرب لمواصلة دراسته في الماجستير في دار الحديث الحسنية.. فقد وصل الى رتبة نقيب في شرطة السودان، وقال لي:

( يا عمر ما رأيت أفسد من جهاز الشرطة في السودان.. لقد قدمت استقالتي منه مسببة في ثلاث صفحات، وقد قال لي رئيسي أن هذه الإستقالة ستدينك لأنك تتهم جهاز بأكمله، فرددت عليه بأنني لن أسحب ولو كلمة واحدة من استقالتي.. وسافرت الى المغرب دون أن أسلم بدلتي العسكرية- وهذه مخالفة خطيرة للقانون- ولكن زملائي سلموها- تفادياً للمشاكل التي يمكن أن تسببها لي- بعد سفري بثلاثة أشهر..

ومن الأشياء التي دعتني للإستقالة أن هناك إمرأة ساقطة ومعروفة في الخرطوم كانت تسافر باستمرار الى السعودية، حولوا أوراقها إليّ لتوقيعها بالموافقة على السفر، فرفضت التوقيع، فجاءني رئيسي وقال لي وقع لها الأوراق، قلت له لن أوقع، وقع أنت.. ولم أوقع، ولكن سافرت رغم ذلك..

وفي مرة جاءتنا إخبارية أن هناك منزل تديره إمرأة فيه أطفال لبيع عفتهم.. تنكرنا في زي مدني وخبطنا على الباب ففتحت لنا الباب فأبرزنا بطاقاتنا العسكرية فقالت لنا المرأة (انتو وليدات صغار ساكت)، فضربتها على رأسها بكعب المسدس ودخلنا البيت ووجدنا أطفالاً صغاراً بعضهم لا يتعدى السبع سنين.. وقبضنا على المرأة، ولكن للأسف خرجت كما تخرج الشعرة من العجين، ويبدو أننا فعلاً وليدات صغار لأن الكبار هم من أخرجوها..)

انتهى كلام مولانا عبد الرحيم، وأطلقنا عليه كلمة مولانا لتديّنه وللحيته ولدراسته في دار الحديث الحسانية، وكان متفوقاً جداً، حيث قابلني ذات مرة بعيد انتهاء السنة الدراسية الأولى له في الماجستير وقال لي: قريبك (يقصد نفسه) جاء أول الدفعة.. فعلاً كان الأول على ثلاثين طالباً من مختلف أنحاء العالم الإسلامي يدرسون في نفس الماجستير.. وكان من ضمن أساتذتهم الدكتورة بنت الشاطئ..

سكن مولانا عبد الرحيم في منزل مستأجر شبه شعبي قرب شاطئ المحيط وقرب الجوطية (الحراج/ الدلاله)، وكنا نزوره في بيته وكان كريماً للغاية.. وكان حبيب الجميع، يحب كل الطلاب بأبوية صادقة، فكما أسلفت هو يكبرنا في العمر كثيراً.. لقد كان رحمه الله يعاني من الربو، وقد علمنا أن نوبة ربو أودت بحياته حيث فاجأته ولم يكن البخاخ معه فأسلم الروح الى بارئها رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الجنة بقدر حبه للناس وطيبته وسماحته ورفعته لإسم السودان بين المغاربة وطلاب الماجستير وطلاب دار الحديث الحسنية، وقد توفي الى رحمة مولاه بعد مغادرتنا المغرب، لا أدري في السنة التالية مباشرة 1979 ام بعدها..

وعندما وصلت الى الطائف في العام 1983 وتعرفت على سودانيين قرب المكتب الذي أعمل به وعرفوا انني درست في المغرب أتوا لي في المكتب بشقيق مولانا عبد الرحيم، وقد فرحت وحزنت.. لأنه من ريحة الحبايب كما يقول اخوتنا في شمال الوادي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #93
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-18-2013, 01:16 PM
Parent: #92

الحلقة الثالثة والستين

نواصل

الرحلة الميمونة الى فاس

اتفقت مع صديقي المغربي إبن تطوان طالب الطب آنذاك مصطفى محفوظ أن نسافر في عطلة الربيع الى فاس.. وفي اليوم المحدد للسفر اتفقنا ان نلتقي في موقف الحافلات- لا أذكر إن كان موقف الكيران الذي بباب الحد او موقفاً آخر- وأذكر أنني دخلت المطعم في الحي الجامعي مولاي اسماعيل وتغديت وزنقني الوقت، فأسرعت الى الموقف، وحين وصولي رأيت البص يتحرك.. فأشرت له فتوقف (ويبدو كذلك ان زملائي رأوني أركض أمام الحافلة فأخبروه أن يقف) فركبت وأنفاسي متقطعة من الجري الى هذا المكان.. فوجدت مصطفى وزملائه قلقين لتأخري، فما إن صعدت الى الحافلة حتى سألني مصطفى عن سبب التأخير، فلم استطع الإجابة فوراً لأنني لم التقط أنفاسي بعد، فقال له زملاؤه: خليه ياخد نفسو أول.. وبعد أن أخدت نفسي قلت لهم كنت أتغدى في المطعم، فقال لي مصطفى: دي فاس يا عمر! يعني المطعم كل يوم لكن فاس مرة واحدة.. المهم حمدت الله أنني لحقت بالحافلة في آخر لحظة قبل خروجها من الموقف..

لم تكن الرحلة بالقصيرة الى فاس، ولكنها كانت ممتعة، فالجبال في الطريق كانت مخضرة، والقرى كانت هادئة وجميلة.. بالمناسبة كانت لي رحلتان الى فاس، واحدة بالحافلة وأخرى بالقطار، والتي بالقطار سافرت لوحدي، ولا أستطيع الآن التفريق بين الرحلتين، لذلك ربما دمجت أحداث الرحلتين في حكاية واحدة..

المهم وصلنا فاس، ونزلنا على ما أذكر مع أبناء تطوان أصدقاء صديقي مصطفى، ولا أذكر ان كانوا يقيمون في الحي الجامعي ام في منزل مستأجر، ويبدو انني نزلت في إحدى الرحلتين في الحي الجامعي بضهر المهراس.. وبعد ان اخذنا قسطا من الراحة تجولنا في مدينة فاس، وبالذات فاس القديمة، حيث زرنا جامعة القرويين وصلينا في جامعها الشهير، وأذكر انني أدركت صلاة فيه وكان المسجد كبيراً وفيه أعمدة كثيرة، ولكي ألحق الركعة صليت في مكان لا أرى فيه الإمام ولا بقية الصفوف، فكنت اركع واسجد ثم لاحظت أنني اركع إذ هم يسجدون واسجد اذ هم يركعون، فما كان مني إلا أن قطعت صلاتي، وصليت بمفردي بعد انتهاء صلاة الجماعة..

Maroc068-Copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي داخل جامع القرويين بفاس- 22/2/1978

أذكر أن خلف المسجد كان هناك نهر صغير.. تم تغطية جزء من مجراه بصبات خرسانية، فقال لي أصدقائي المغاربة ان هذا النهر يأتي من الجبال ويشق فاس، وقد انحسر وضاق مجراه وغُطي جزء منه حينما دخل وسط المدينة.. نسيت اسم هذا النهر.. وفي ذات المكان وجدت حائطاً كبيراً يبدو انه حائط خارجي للمسجد او لأحد بنايات الجامعة، فكتبت بالنحت بآلة حادة ربما مسمار او زجاجة مكسورة او شئ من هذا القبيل تذكاراً بإسمي وبتاريخ ذلك اليوم.. وكان بخط كبير يكاد يأخذ مساحة واسعة من الحائط- ساعدني في ذلك طولي- (في زيارة لفاس بعد عشرين عاماً بحثت عن هذا الحائط فلم استدل عليه، وكذلك عن مجرى ذلك النهر، لا أدري بسبب النسيان أي لم أعرف مكانهما، أم بسبب تغيير حدث للمكان وربما تمت إزالة أجزاء او بناء أبنية حول المكان او في ذات المكان)..

Maroc067-Copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة داخل جامع القرويين بفاس، على يمينك جلوساً: عمر حسن غلام الله، مصطفى محفوظ رضوان، مصطفى، عبد الله الشريف
وقوفاً من يمينك: عبد الوهاب الشريف، أحمد محفوظ (رحمه الله رحمة واسعة)، صحراوي

كذلك زرنا ضريح الشيخ أحمد التيجاني، الذي لا يبعد كثيراً عن جامع القرويين، وهو من المعالم الهامة في مدينة فاس.. كذلك تجولنا في حديقة كبيرة جداً فيها بحيرات وأشجار وارفة وجسور فوق تلك البحيرات، كانت رائعة بكل معنى الكلمة، وقضينا يوماً كاملاً فيها انا واصدقائي المغاربة والتقطنا صوراً جميلة .. وقد عرفت اصدقائي المغاربة بالطلاب السودانيين هناك، وإليكم بعض الصور :

Maroc066-Copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي في حديقة فاس بتاريخ 22/2/1978

بالمناسبة المغاربة يعتبرون أن أجمل بنات المغرب في فاس، وأن أغنى الناس في المغرب هم ناس فاس.. وبالفعل إذا تجولت في فاس فسترى الجمال في كل مكان.. عموم نساء المغرب جميلات، ولكن لو افترضنا ان نسبة الجمال في كل مدن المغرب 85% فإن نسبتهن في فاس هي 100%، وقد تعرفت في الرباط على إحدى بنات فاس، وهي إبنة تاجر في فاس، واجتمعت فيها الروقة مع الجمال، كانت طويلة وممتلئة في تناسق عجيب، الشعر ينسدل على ظهرها فيغطيه، فهو طويل وغزير وحالك السواد، عيناها واسعتان ورموشها طويلة وغزيرة.. التقيتها في حافلة الخط الجامعي، أعجبتني جداً، بدأت أحث نفسي أن تتشجع وتتكلم معها.. وكلما حاولت أن أتحدث اليها وهي جالسة امامي مباشرة في الحافلة، أجد نفسي لا أقوى على مخاطبة تلك الجميلة الراقية واتضاءل وانزوي وانطوي على نفسي، وهي ركبت الحافلة من المحطة التي قرب السوق، فقلت ربما تكون ساكنة في الحي الجامعي اكدال، إذ لم ارها في حينا السويسي الثاني.. وكانت الحافلة تقترب من محطة اكدال، فقلت لا استطيع ان ابدأ معها الكلام وهي ستنزل بعد قليل فلا فائدة من الكلام ولن استطيع توصيل اي رسالة في هذا الوقت القصير، فلما توقفت الحافلة في محطة اكدال ولم تنزل تأكدت انها تسكن في حينا، فما ان أُغلق باب الحافلة وتحركت حتى تجرأت واسرعت بالكلام حتى لا أقع في حفرة التردد مرة اخرى، قلت لها فوراً: هل تدرسين في الآداب؟ وفي نظري أن هذا الجمال لا يمكن ان يكون غير في كلية الآداب (الحنينة السكرة)، فقالت لي بأريحية وبمحيا باسم: أنا في كلية الحقوق.. غريبة، فأنا أيضاً في كلية الحقوق، فقالت لي انا في السنة الثانية، اي ورائي بسنة..

صارت نبيلة صديقتي على خفيف، نلتقي في المطعم فنجلس في طاولة واحدة، نلتقي في الحي الجامعي فنتونس حتى أوصلها الى جناحها، تعرفت على اختها التي تصغرها والتي تدرس في كلية الطب في السنة الأولى، وكانت جميلة ولكن حجمها كان صغيراً وليست كنبيلة، كانتا تلبسان أحسن الملابس، وتحيط ساعديهما أسورة الذهب (وكان هذا نادراً في أوساط الطالبات)، وكانت بشرى تدرس في كلية الطب وتسكن مع اختها في الحي الجامعي السويسي الثاني.. ولم تتعدى علاقتي بنبيلة تلك الونسات الخفيفة واللقاء في المطعم او في ساحات الحي الجامعي.. وفي مرة وجدتها مع رجل سلمت عليها فعرفتني به فإذا هو والدها..

أخذني الكلام عن نبيلة من الكلام عن فاس.. سنكمل لاحقاً..

وإليكم صورة في حي الليدو بفاس، المغرب
OmarsudanFes1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتبت خلف الصورة الآتي:

الوحدة العربية.. لا بل الوحدة الإسلامية جمعتنا العقيدة.. وجمعتنا هذه الصورة..
بعضنا من المشرق والبعض الآخر من المغرب اجتمعنا في فاس عاصمة المغرب الثقافية
تلك كانت أياماً جميلة التي قضيناها بين ظهراني هؤلاء الأصدقاء الطيبين وهم
من يمينك: أنا، عبد الوهاب الشريف، محمد عثمان، مصطفى أبو ادريس، محمد اسماعيل، مصطفى محفوظ، الشيخ، أحمد محفوظ
في 22 فبراير 1978 - المغرب
عمر حسن غلام الله

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #94
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-22-2013, 03:16 PM
Parent: #93

الحلقة الرابعة والستين

نواصل

الرحلة الميمونة الى فاس (2)

تجار فاس شطار.. هذا ما تأكد لي عندما اشتريت فستانين واحد لخطيبتي والتاني لأختي، وطلعت من الدكان فرحان، وطبعاً البياع الشاب كان لطيفاً وكلامه عسل، ودفعت القروش ولسان حالي يقول ما أجمل الفستانين وما أرخص سعرهما وما أظرف هذا البياع.. وعندما رجعت لمقر سكني فاجأني الزملاء المغاربة باستغرابهم من هذا السعر المرتفع الذي اشتريت به الفستانين، وقالوا لي أن البائع غشاك واخذ منك السعر مضاعف.. وقالوا لي أن تجار فاس معروفون بطلاوة لسانهم وشطارتهم في التجارة..

بيني وبينكم غلى الدم في عروقي.. يضحك عليّ البياع الفاسي؟ فرجعت له وتناقشت معه وأخرجت مافي جعبتي من قوانين ولوائح كنت قد درستها في الكلية مثل الغبن والتدليس وما إليها.. المهم في النهاية البياع رجع لي مبلغ لا بأس به، وعلى ما أذكر كان الفستان بـ 130 ورجع لي 50 درهم، او كان كلاهما بهذا السعر لم أعد أذكر.. الهم فشيت مغستي وأجبرته على إرجاع جزء من المبلغ..

طبعاً فاس تشتهر بالصناعات التقليدية، خاصة الجلدية منها والأدوات المنزلية مثل أطقم الشاي المغربي المزخرفة، وأريد أن أضيف نبذة عنها، فأتيت بنبذة عنها من الويكيبيديا:

فاس هي ثاني أكبر مدن المملكة المغربية بعدد سكان يزيد عن 1.9 مليون نسمة وأكثر من المليونين مع حساب المناطق المجاورة (زواغة، بنسودة، عين الله (إحصائيات 2010 م). تأسست مدينة فاس 182 هجري/ 4 يناير 808 (808-01-04) (العمر 1203)، على يد إدريس الثاني الذي جعلها عاصمة الدولة الإدريسية بالمغرب، حيث احتفلت المدينة سنة 2008 بعيد ميلادها ال1200. وتنقسم فاس إلى 3 أقسام، فاس البالي وهي المدينة القديمة، وفاس الجديد وقد بنيت في القرن الثالث عشر الميلادي، والمدينة الجديدة التي بناها الفرنسيون إبان فترة الاستعمار الفرنسي.

التاريخ:
يعود تاريخ مدينة فاس إلى القرن الثاني الهجري، عندما قام إدريس بن عبد الله مؤسس دولة الأدارسة عام 172هـ الموافق لعام 789 م ببناء مدينة على الضفة اليمنى لنهر فاس. وفد إلى مدينة فاس عشرات العائلات العربية من القرويين ليقيموا أول الأحياء في المدينة والذي عرف باسم عدوة القرويين. كما وفد إليها الأندلسيون الذين أرغموا على الهجرة من الأندلس ليكونوا حي عدوة الأندلسيين. وكان هناك حي خاص لليهود وهو حي الملاح. بعد وفاة إدريس الأول بعشرين سنة أسس ابنه إدريس الثاني المدينة الثانية على الضفة اليسرى من النهر. وقد ظلت المدينة مقسمة هكذا إلى أن دخلها المرابطون فأمر يوسف بن تاشفين بتوحيدهما وجعلهما مدينة واحدة فصارت القاعدة الحربية الرئيسية في شمال المغرب للدول المتتالية التي حكمت المنطقة بالإضافة لكونها مركزا دينيا وعلميا في شمال أفريقيا وأسست فيها جامعة القرويين عام 859 م التي كانت مقصد الطلاب من جميع أنحاء العالم الإسلامي وأوروبا.[1]

كانت مدينة فاس أحد ركائز الصراع بين الأمويين في الأندلس والفاطميين الذين حكموا ( مصر وليبيا وتونس ) و ظلت المدينة تحت سيطرة الأمويين في الأندلس لمدة تزيد على الثلاثين عاما وتمتعت خلال تلك المدة بالازدهار الكبير. وعندما سقطت الخلافة الأموية بقرطبة وقعت مدينة فاس تحت سيطرة أمراء زناتة الحكام المحليين للمغرب في تلك الفترة، سيطر بعدها المرابطون على المدينة، وتلاهم الموحدون الذين حاصروا المدينة تسعة أشهر ودخلوها في عام 1143 م. قام بنو مرين بالسيطرة على المدينة بعد سقوط دولة الموحدين واتخذوها مركزا لهم بدلا من مراكش، وأنشأوا مدينة ملكية وإدارية جديدة عرفت بالمدينة البيضاء. في عهد المرينيين عرفت مدينة فاس عصرها الذهبي إذ قام أبو يوسف يعقوب المنصور ببناء فاس الجديدة سنة 1276 م وحصنها بسور وخصها بمسجد كبير وبأحياء سكنية وقصور وحدائق.[2]

وأصبحت مركزا للدولة العلوية في المغرب في 1649 م، وبقيت مركزا تجاريا هاما في شمال أفريقيا. ظلت المدينة المصدر الوحيد للطربوش الفاسي حتى القرن التاسع عشر الميلادي، عندما بدأ يصنع في كل من تركيا وفرنسا.

في التاريخ الحديث، كانت فاس عاصمة للمملكة المغربية حتى عام 1912 م (فترة الاحتلال الفرنسي والتي استمرت حتى 1956 م) وتم فيها تحويل العاصمة إلى مدينة الرباط. هاجر العديد من سكان فاس إلى المدن الأخرى وخاصة يهود المدينة، إذ أفرغ حي الملاح تماما من ساكنيه، وكان لهجرة السكان من المدينة أثرا اقتصاديا سيئا.

أبواب مدينة فاس:
باب الفتوح، باب الخوخة، باب المحروق، باب الحديد، باب الدكاكين، باب المكينة، باب أبي الجنود، باب البرجة، باب السمارين، باب جبالة، باب الكيسة، باب سيدي بوجيدة، باب شمس، باب زيات.

للإشعاع الكبير للمدينة الحضاري والعلمي فقد كان يراد للمدن الجديدة التي كان يبنيها المغاربة أن تكون مثل مدينة فاس، ومن أبرز هذه المدن مدينة القاهرة المصرية التي حملت أبوابها أسماء أربعة أبواب قديمة لفاس ولها جامعة الأزهر كما أن لفاس جامعة القرويين.

الجغرافيا:
تقع مدينة فاس في أقصى شمال شرق المملكة المغربية. تشغل الطرق السهلة التي تصل بين ساحل المغرب المطل على المحيط الأطلسي ووسطه. يصل عدد سكانها لأكثر عن 1.9 مليون نسمة

موقع المدينة:
التقسيم الاداري لمقاطعات مدينة فاس:
لموقع فاس ميزة ذات أهمية في المغرب، وهي غزارة مياهها حيث تمتص الطبقات الكلسية في الأطلس المتوسط لتكون منطقة من المياه الجوفية تتفجر منها في سهل يسمى سهل سايس ينابيع كثيرة تتجمع وتتحد لتغذي نهر فاس أو على الأصح أنهار فاس يضاف إلى ذلك الينابيع التي تتفجر من العدوات الشديدة الانحدار التي حفرها نهر فاس مسيلا له. وتمتد بمدينة فاس قنوات المياه مثل الشرايين لتصل إلى كل مسجد ومدرسة وبيت، ويتفجر فيها عيون نهر سبو وروافده. وهو ما جعل المدينة ذات موقع إستراتيجي واستطاعت أن تصمد تحت الحصارات المتتالية عبر التاريخ.

وتقع مدينة فاس في واد خصيب وكأنها واسطة العقد بين التلال المحيطة بها من كل الجهات. ويوجد قرب المدينة الغابات التي تتوفر فيها أشجار البلوط والأرز والتي يستخرج منها أخشاب عالية الجودة، وتحيط بها أراض كثيرة صالحة لكافة أنواع الزراعة حيث تنمو الحبوب والكروم والزيتون وأنواع عديدة من أشجار الفاكهة. ولكثرة بساتين البرتقال والتين والرمان والزيتون بصورة خاصة تبدو المدينة زمردية اللون محاطة بعقود من الحدائق والبساتين وبجبال خضراء داكنة متوجة بشجر الأرز والصبير وزهر عود السند. ومن الارتفاعات العالية يبدو اللون الأخضر هو الغالب على كل الألوان بينما تتخلله نقاط بيضاء ما هي إلا الخراف والماعز والأبقار التي تنتشر في المراعي.

أرفق هنا صورة تضمني (على يمينك) ثم مصطفى أبو ادريس، ثم المسلمي الزين، ثم محمد عثمان الأمين، والصورة في حي الليدو بفاس والتقطت بتاريخ 22 فبراير 1978م
Maroc093.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #95
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-29-2013, 12:53 PM
Parent: #94



الحلقة الخامسة والستين

نواصل

نبذة عن فاس

السياحة

يوجد بفاس معالم آثرية تدل على حضارتها عبر العصور الإسلامية، ومن أهم ما بقي من هذه الآثار السور وبواباته الثمانية والتي تم تشييدها بطريقة التربة المدكوكة (باب محروق ،باب الدكاكين، باب المكينة، باب أبي الجنود، باب الفتوح، باب البرجة، باب السمارين، باب جبالة، باب الكيسة، باب سيدي بوجيدة، باب الخوخة، باب زيات، باب الحديد) بأقواسها الرائعة والنقوش والتخريم البارز فوقها والتي ترجع إلى عهد المرينين. وقد تجدد بعضها في العصور التالية ولكنها ظلت محتفظة بطابعها.

وفي داخل الأسوار تميزت المدينة بوجود عشرة آلاف بناية أصلية، وسبعين كيلو مترا من القنوات المتدفقة من مياه الوادي والعيون، وبها أربعة آلاف نافورة وسقاية. تميز المدينة قصورها التي شيدها المرينيون على التلال التي تطل على فاس من جهة الشمال، وكذلك المنازل القديمة المكونة من طابقين حولها أفنية ضيقة لكنها كسيت بحشوات من الفسيفساء الخزفية، والأبواب المزخرفة بزخارف جصية محفورة، ويحاط بعض المنازل بالحدائق والبساتين.

المارستانات

تعددت بفاس المستشفيات وكثرت، ويوجد عدد كبير من المستشفيات في خارج أبواب المدينة إلا أنها تقل جمالا عن تلك التي كانت بداخلها. وكانت هذه المستشفيات غنية جدا إلا أنه في أيام حرب سعيد عندما كان السلطان في أشد الحاجة إلى المال أشاروا عليه ببيع إيراداتها وأملاكها، وبقيت المستشفيات فقيرة محرومة تقريبا من وسائل العمل. وكان بالقرب من سوق العطارين وسوق الحناء مكان يقيم به المرضى بأمراض عقلية، وكان بناؤه قديما يرجع تأسيسه إلى عهد سلاطين بني مرين، حيث بنى أبو يعقوب يوسف بن يعقوب هذا المارستان لما تولى الملك سنة 685 هـ/1286 م، وعهد إدارته إلى أشهر الأطباء وخصص له الأوقاف الكثيرة من العقار للصرف عليه، ولما عظم أمر المارستان واتسعت أعماله أدخل عليه السلطان أبو عنان زيادات عظيمة. وفي سنة 900هـ / 1495 م لما أقام أهل الأندلس من المسلمين في فاس تولى رئاسة هذا المارستان طبيب من بني الأحمر يسمى فرج الخزرجي ولذلك سمي بمارستان فرج، فأصلح فيه وجعل الموسيقيين يعزفون أمام المرضى.

المساجد

انتشرت بفاس العديد من المساجد إلا أن أشهرها على الإطلاق هو جامع القرويين الذي أسس في 857 م حيث كانت مساحته صغيرة ثم هدم وقام بتشييده علي بن يوسف المرابطي وزاد في مساحته زيادة كبيرة، وقام بزخرفته صناع أندلسيون، وقد بنى مئذنته الخليفة الأموي عبد الرحمن الناصر على نفقته الخاصة. وما زال مسجد القرويين يحتفظ بمنبره المصنوع من الخشب المحفور والمطعم. وقد زود هذا المسجد بثريا فخمة وحجرة للوضوء. ومن أجمل الآثار الباقية جامع الأندلسيين وهو من التحف الخالدة حيث تميز بسقف المصلى، وهو أثر فني خالد بجمال نقوشه وفسيفساء نوافذه الزجاجية التي تجتمع في رسومها ألوان شتى كما تميزه نجفته النحاسية المدلات من السقف وجمال تخريمها وقد أعيد بناؤه في عهد محمد الناصر وشيده تشيدا عظيما.

كما يوجد أيضا العديد من المساجد مثل مسجد الحمراء، ومسجد الرصيف وغيرها من المساجد المنتشرة في أنحاء المدينة. وجميعها لا تقل روعة معمارها عن مسجد القرويين.

الزوايا

لقد انتشرت العديد من الزوايا في كل المساجد ومنها مسجد القرويين.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #96
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-30-2013, 03:19 PM
Parent: #95

الحلقة السادسة والستين


نواصل

نبذة عن فاس 2

فاس العاصمة العلمية والروحية

يوجد في مدينة فاس واحد من أعرق وأقدم المؤسسات العلمية وهو جامع القرويين الذي أسسته السيدة فاطمة بنت محمد الفهري عام 245هـ / 859م بعد تأسيس المدينة بـ 51 عاما. وقد بقي الجامع والجامعة العلمية الملحقة به مركزا للنشاط الفكري والثقافي والديني قرابة الألف سنة. وبعد أن وسعه أبو يوسف يعقوب المريني صار الجامع يستوعب 22 ألف مصل. كما صار يدخل إليه من 17 بابا منها بابان لدخول النساء، وكان هذا الجامع الفريد في بنائه وهندسته يضاء في عصوره الأولى بـ 509 مصباحا قائما فوق قواعد قد يزيد وزنها على 700 كيلو جراما. وتعتبر جامعة القرويين في العصر الحديث ثاني أقدم جامعة ثقافية في العالم بعد جامع الزيتونة بتونس (116 هـ736م) حيث تخرج منها بعض علماء الغرب وفيها تعلم جربرت دي لوفرينه الثاني الذي أصبح فيما بعد سلفستر الثاني. وفيها تعلم (الصفر) العربي في علم الحساب وهو الذي نشر ذلك في أوروبا.

كما درس في جامع القرويين أيضا ابن الشيخ الفيلسوف الرئيس موسى بن ميمون اليهودي القرطبي الذي كان من أعظم الأطباء في عصره والذي غادر الأندلس إلى المشرق وعين طبيبا لصلاح الدين الأيوبي ثم عين مدرسا بالقاهرة. وفضلا عن هذا الجامع فإن فاس كانت تضم 785 مسجدا جميعها أو معظمها كانت مدارس بالضبط كمساجد البصرة والكوفة تدرس فيها علوم الدين وعلوم اللغة والتاريخ وغير ذلك من العلوم. ولعل من أكبر مدارس فاس مدرسة السلطان أبو عنان المريني التي أسسها عام 756هـ / 1355 م وكان قد ألحق بها مسجدا للصلاة يتحلى بمنارة "مئذنة" لا مثيل لها في الجمال والأناقة.

وتميزت فاس بمدارسها التي بنيت حول جامع القرويين وانتشرت في أنحاء المدينة خصوصا في القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي على يد العديد من الأمراء، وقد زينت هذه المدارس بذوق فني رفيع ومتنوع وهي تشكل واحدة من أروع التشكيلات الزخرفية في مدينة فاس. ويأتي في مقدمة هذه المدارس مدرسة فاس، والمدرسة المصباحية التي أسسها أبو الحسن سنة 743هـ / 1343 م، والمدرسة التي أسسها أبو عنان وهي المدرسة الوحيدة المزودة بمنبر ومئذنة، وغيرها كثير من المدارس. أما أقدم مدارس فاس فهي مدرسة الصفارين التي أمر ببنائها أبو يوسف المريني عام 678هـ / 1280 م وزودها بمكتبة ثرية وقد نقلت فيما بعد إلى جامعة مسجد القرويين. وتعتبر مدرسة العطارين أصغر مدرسة في زمانها ولكنها كانت من حيث الهندسة المعمارية من أجملها وأبهاها وكانت تقع عند طرف سوق العطارين ومؤسسها هو السلطان أبو سيد. وكانت هذه المدارس تدرس فيها العلوم الابتدائية بدءا من القرآن والكتابة والقراءة إلى مبادئ الحساب وغيرها ثم يلتحقون بعدها بالجامعة وكانت مدة الدراسة في جامعة القرويين تستغرق بين خمسة أعوام و15 عاما وكان الطلاب يختارون بمحض إرادتهم أساتذتهم كل أستاذ حسب اختصاصه في مادة أو أكثر فيجلسون في حلقات حول الأستاذ الذي كان يستند بظهره إلى سارية من سواري المسجد.

وكان كل من السلطان أبي الحسن والسلطان أبي عنان يهتم بتثقيف الناشئة والأساتذة ويرعى شئون المسلمين رعاية بالغة وقد أعطيا كل اهتمامهما إلى تدريس القرآن الكريم والحديث وعلوم اللغة. ولقد اشتهر من فاس جماعة من أهل العلم منهم أبو عمران الفاسي فقيه أهل القيروان في وقته. وأبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الشهير بابن البناء وهو أشهر رياضي في عصره، وأبو بكر محمد بن يحيى بن الصائغ الشهير بابن باجة وكان ممن نبغوا في علوم كثيرة منها اللغة العربية والطب وكان قد هاجر من الأندلس وتوفي بفاس. ومن العلماء الذين أقاموا بفاس ودرسوا بجامعتها ابن خلدون المؤرخ ومؤسس علم الاجتماع، ولسان الدين بن الخطيب، وابن العربي الحكيم وابن مرزوق.

ثقافة

لم يكن اختيار مدينة "فاس" عاصمة للثقافة الإسلامية، عشوائيًا؛ فهي مدينة تعيش تحركًا ثقافيًا متميزًا على مدار السنة يتجسد في مهرجانات واحتفالات دينية وأنشطة مختلفة ومتنوعة تتلون بشتى ألوان الإبداع.

قد صنفت مدينة فاس كثراث إنساني عالمي منذ سنة 1981 حيث أصبحت مقصدا وفضاء لعقد عدد من التظاهرات الدولية والوطنية في هذا المجال، ونذكر منها المؤتمر الدولي لمدن الثراث العالمي سنة 1993، والمؤتمر العربي للمدن التاريخية العربية الإسلامية.

الصور المرفقة:

الأولى:
Maroc073001-Copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي فوق تلال حول فاس حيث يظهر منظر عام لمدينة فاس.. ويبدو في يمين الصورة جامع القرويين (المئذنة التي بجانبها القبة الخضراء مربعة الشكل) وبعدها تبدو قبة ضريح السيد أحمد التيجاني باللون الأخضر كذلك .

الثانية:
Maroc068-Copy1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي داخل جامع القرويين

(انتهت النبذة عن فاس)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #97
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-31-2013, 02:46 PM
Parent: #96

الحلقة السابعة والستين

نواصل

الزوار السودانيين للمغرب

أثناء دراستنا بالمغرب نادراً ما كنا نجد زواراً سودانيين من غير طالبي العلم الذين كانوا يأتون للتسجيل في الجامعات المغربية، بعضهم كان يحالفه الحظ فيسجل وبعضهم لا يحالفه فيغادر لبلد آخر.. وبما أنني سردت لقائي العجيب مع الفاضل سانتو وابو العز، فلن أكررها هنا، وسأسرد بقية الحكايات حسبما جاءت في ذاكرتي، لذلك قد تكون واحدة أسبق من الأخرى زمنياً، ولكن قد اتذكرها تالياً..

أذكر من الذين جاءوا بحثاً عن الدراسة في المغرب صديقي الذي التقيته في اسبانيا محمد الأمين، فقد صعبت عليه الحياة والدراسة هناك فجاء يبحث عن التسجيل في الجامعات المغربية.. وحسب علمي فإنه لم يسجل في المغرب، ولا أذكر إن كان قد رجع لاسبانيا ام رجع للسودان ام لمكان آخر..

كذلك جاء الى المغرب من ليبيا عدد من العاملين هناك لقضاء الإجازة في المغرب او للبحث عن عمل، أذكر منهم طيب الذكر الراحل المقيم أبو بكر الصديق الشريف الذي عمل صحفياً وأصبح لاحقاً نقيب الصحفيين العرب، وآخر نسيت اسمه ولكني أتذكر إهدائه لي شريط لحمد الريح فيه أغنية (انتو في وادي ونحن في وادي وبرضو الروح للروح بتنادي) وكنا نسمعها لأول مرة، وقد نزل معي ضيفاً في شقة كنت استلفتها من أصدقائي البربر.. وأذكر أنه كان قادما للمغرب من ليبيا في اجازة ترفيهية.. وتذكرت هذا الرجل رغم عدم تذكري لاسمه لأنني نسخت قبل اسبوعين او ثلاثة أغاني على إم بي 3 واستمع إليها في السيارة، وقالت لي زوجتي عندما سمعت الأغنية أعلاه انها تسمعها لأول مرة، قلت لها انا سمعتها في أواسط السبعينات، أي منذ أكثر من ثلث القرن..

كذلك رجل آخر من ليبيا قال أنه معيد بإحدى جامعات ليبيا، وقال انه يحمل ماجستير في العلوم، ولكن سلوكياته وتصرفاته لا تدل على ذلك، وكان زميل غرفتي الذي ذكرته سابقاً على خلاف و(شكَل) دائم معه، وأذكر انه كان عندما يحتد معه يبتسم هذا القادم من ليبيا ابتسامة غريبة، فيصيح فيه زميلي: (ما تبتسم لي ابتسامتك الصفراء دي).. وفي مرة كان حوض الغسيل (المغسلة) الموجود داخل الحمام (أكرمكم الله) في الشقة إياها؛ كانت المغسلة لا تصرف الماء، فكتبت ورقة تشير الى ذلك، وعمدت الى غسل الحوض وإزالة ما ترسب عليه من أوساخ، وجعلته (يرقش) وذلك حتى أتركه نظيفاً لمن منحوني الشقة، ففوجئت بماء قذر في الحوض نتيجة استخدامه في السواك (أعزكم الله) فسألت عن هذا الجاهل الذي فعل ذلك وتجاهل الورقة المكتوبة بوضوح تمنع استعمال هذه المغسلة، وعلمت أنه حامل الماجستير..

وقد صادف رمضان وأنا في شقة اصدقائي البربر تلك، وكان احد اصدقائي الضيوف القادمين من خارج المغرب ينزل معي، ورجعت مرة في نهار رمضان وفتحت باب الشقة فإذا بي أفاجأ بضيفي ومعه القادم من ليبيا هذا- وكنت أعطيت ضيفي نسخة من مفتاح الشقة- وجدتهما في صالة الشقة المواجهة لباب الشقة الخارجي، ومعهما فتاة تلبس قطعتين.. وما إن دلفت من الباب حتى غطت الفتاة وجهها بركبتيها، وكانت تجلس في وسط السرير وظهرها الى الجدار.. يبدو أن ما يهمها أن تستره هو وجهها.. وعبرت الصالة ودخلت الغرفة ومسكت المصحف وبدأت أقرأ فيه بصوت عالي، وبدون أن أوجه اي كلام لأحدٍ منهم، وبعد قليل سمعت باب الشقة الخارجي يفتح ويغلق وساد الشقة صمت.. لقد ذهبوا..

وذات يوم وأنا في السويقة فوجئت بعدد كبير جداً من السودانيين يملأون شارع السويقة ومقاهيها.. طبعاً كان منظراً غريباً ان تجد سودانيين من غير الطلاب كما أسلفت وبهذا العدد الضخم، سألناهم من أنتم قالوا نحن من حرس الرئيس (نميري) الخاص.. وماذا أتى بكم قالوا جئنا في دورة تدريبية.. وكانوا كلهم جنود بسيطون، فأخبرونا أنهم أول ما وصلوا الرباط وكان وقت وصولهم متأخراً فظنوا أنهم قبل بدء التدريب سيُعطون وقتاً للراحة والتنزه في هذا البلد الجميل الذي رأوه وهم في طريقهم من المطار، ففوجئوا بإيقاظهم في الرابعة فجراً ومن اللحظة الأولى وقد (درشوهم في التدريب جنس درش) حسب تعبيرهم.. ويبدو ان المغاربة أشداء في التدريب العسكري، وفي العسكرية.. ويصدق فيهم قول شاعر أغنية (آسيا وافريقيا) تاج السر الحسن- رحمه الله وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة- والذي أنشدها في مناسبة مؤتمر باندونق، وغناها الفنان عبد الكريم الكابلي، عندما قال:

أنت يا غابات كينيا يا أزاهر
يا نجوما سمقت مثل المنائر
يا جزائر ..
هاهنا يختلط القوس الموشى
ها هنا
من كل دار .... كل ممشى
نتلاقى كالرياح الآسيوية..
كأناشيد الجيوش المغربية
وأغني لرفاقي في البلاد الآسيوية
للملايو ولباندونق الفتيـــــــة


وأدرك شهرزاد الصباح.. فسكتت عن الكلام المباح..


.. والحديث ذو صلة


Post: #98
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-01-2013, 02:41 PM
Parent: #97

الحلقة الثامنة والستين

نواصل

الزوار السودانيين للمغرب (2)

قبل أن أبتعد كثيراً عن فاس- وقد ذكرني بها رسالة زميل مغربي درس في فاس وكان صديقاً للسودانيين هو عبد الخالق حموتي، وقد كتب في سودانيز أونلاين يقترح إنشاء بنكا تربويا خاصا بالمرحوم البروف عبد الله الطيب يجمع فيه كل ما له علاقة بالمنظومة التعليمية اخصها وعامها سواء التي وردت في كتاباته أو التي وردت شفوية على لسانه أو تلك التي كان يصرح بها في جلساته ومن أمثلتها تلك المتعلقة بالعلاقة المغربية السودانية القديمة والتي مكنت مجموعة من العلماء من الهجرة رغبة في نشر علم أو إشاعة فكر أو تتبع نهج صوفي أو......- وكنت قد نسيت زيارتنا للعلامة الراحل البروف عبد الله الطيب، ولا بأس أن أدرج تلك الزيارة الى منزله العامر بفاس في هذه المشاركة سيما وقد غادرت فاس في المشاركة قبل السابقة، والسبب أن البروف قدم علينا ونحن في المغرب فاعتبرته من زوار المغرب، والسبب الآخر أن بنت اخته قدمت لزيارته في المغرب وكانت في معيته عندما زار مدينة الرباط لتقديم محاضرة في قاعة الثقافة الكبرى وكانت المحاضرة عن أبي الطيب المتنبي.. إذاً فمن زوار المغرب تلك الحسناء الخضراء الصغيرة فادية او فدوى (كلاهما ينادونها به)، وعلقت في ذاكرتي لأنها تشبه حبيبتي التي تركتها في مدني، وقد علق على ذلك زميلي محمد عثمان الخليفة الذي رأى اهتمامي بها وونستي معها فقال لي: (أعرف ان سبب اهتمامك بها شبهها بحبيبتك)- وكان قد رأي صورتها- أين أنت يا فادية بعد كل هذه السنوات الطوال؟

لقد حضر المحاضرة وزير الثقافة وعدد من رجالات المغرب، وقد علق المرحوم طيب الذكر مولانا عبد الرحيم الذي حضر المحاضرة أيضاً على وزير الثقافة إذ كانت شفاهه تتلو شعر أبي المتنبي تماماً مع تلاوة البروف، مما يدل على حفظه لشعر أبي الطيب.. رحم الله البروف ورحم الله مولانا عبد الرحيم..

عندما زرت البروف في منزله بفاس تفاجأت ببساطة الرجل وتواضعه الجم، لقد كان يخدمنا بنفسه، وكان كرمه فياضاً، فخلال الفترة الوجيزة التي قضيناها في منزله العامر لم يتركونا هو وزوجته جوهره (صامين) خشومنا.. فالعصير والشاي والحلويات والمكسرات والقهوة... الخ.. وكانت جوهره تونسنا عن تاريخهما معاً بما فيه فترة تواجدهم في نيجيريا، وقد علمنا انها ظلت على دينها المسيحي بعد الزواج، ثم أسلمت بعد ذلك وغيرت إسمها من قريزلده الى جوهرة.. وكانت تتكلم بلغة عربية جميلة فيها لكنة أعجمية بسيطة حتى علق أحد زملائنا ان جوهرة كانت تتكلم العربية أحسن من نصر الدين.. ونصر الدين هذا حلفاوي جاء الى المغرب للتسجيل في جامعاته، ولم يوفق لسبب بسيط هو أنه راسب في الشهادة السودانية.. وكان في نفس الوقت الأول في الرياضيات حيث حصل على مائة في المائة في الرياضيات فإذيع اسمه من ضمن أوائل المواد، ولكنه للأسف راسب في جميع المواد الأخرى وعلى رأسها اللغة العربية التي لابد من اجتيازها للحصول على شهادة.. لقد كان نصر الدين نموذجاً في العبقرية الرياضية، لكنه كان ضحية الروتين واللوائح البالية، فمثل هذا كان يجب أن يستثنى من شروط القبول ليستفاد من عبقريته في الرياضيات.. المهم نصر الدين هذا كان ضاحكاً دوماً، فإذا تكلم باللغة العربية ولم يستطع أن يواصل فيها او يبين ما يود قوله؛ فإنه (يتمها) ضحكة.. ثم غادر نصر الدين المغرب ولا أدري أين حل في هذه الدنيا الفسيحة التي ارجو ان تكون ضيقة فيفيدنا الزملاء بمكانه الآن..

في منزل البروف في فاس استفدنا من علمه الغزير، فاي سؤال في اللغة العربية خطر ببالي سألته إياه، وكنت أحمل شيئاً ملفوفاً في ورق جرائد لا أذكر ما هو، ربما كان غيار او شئ من هذا القبيل، فكنت كلما تذكرت سؤال كتبته على ورق الجريدة الملفوف بها الغرض حتى إذا وجدت الفرصة قرأت عليه السؤال، وكان رحمه الله يجيبنا، وقد حكى لنا قصته مع جامعة الخرطوم وسبب مغادرته لها-زعلان- إلى نيجيريا، ولكن لحساسية الموضوع وخراب الذاكرة لن استطيع سرده هنا.. وكان رحمه الله كالمعتاد يلبس ملابس عادية أذكر أنه يلبس بنطلوناً وقميصاً وفوقه فانيلة صوف بأكمام طويلة.. وكان زيه دائماً بسيطاً ومتواضعاً، وخفنا أن يظهر في تلك المحاضرة في الرباط في قاعة الثقافة بهذا الزي المتواضع، ولكن الحمد لله كان يلبس البدلة الفل سوت..

لقد عملت جوهرة استاذة للغة الإنجليزية في جامعة فاس، بينما عمل البروف استاذاً للغة العربية وآدابها.. وعلمنا فيما بعد أن البروف أصبح رقماً ثابتاً في الدروس الرمضانية للراحل الملك الحسن الثاني رحمه الله، لقد رفع رأسنا عالياً نحن السودانيين..

أرفق بعض صور فاس التي لم أنشرها في المشاركات السابقة..

Maroc092.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتبت خلف الصورة:

في حي الليدو ب فاس- المغرب.. قضيت مع هؤلاء الأصدقاء السودانيين لحظات لا تنسى.. سجلناها في هذه الصورة لتبقى دليلاً على حنية السودانيين أينما حلو.. أدامها الله لهم.. ما أروعها وما أروعهم، وهم
من يمينك: الطيب، كامل، محمد عثمان، أنا، ومحمد اسماعيل

22 فبراير 1978
عمر حسن غلام الله

والصورة الثانية:

Maroc094.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


كتبت خلفها:

محمد عثمان، أبريده، مصطفى أبو ادريس، مسلمي الزين، حامد

ولا أدري لماذا لم أكتب اسمي!! ولم أجد تاريخ الصورة مكتوباً خلف هذه الصورة.. وأعتقد أنه هو نفس تاريخ الصورة السابقة (22 فبراير 1978)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #99
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: أحمد محيي الدين جمال
Date: 08-01-2013, 06:28 PM
Parent: #98

العزيز عمر مادنقو
مواصلين معاك رحله التوثيق لايام الدراسه بالمغرب
لكن تصحيح لبعض الاسماء قفي الصوره الاخيره بحكم مقابلتي لبعض الاخوه بالمغرب وفاس خاصه
وفي صورتك الاخيره بتارخ 22 فبراير 78 بفاس والثاني من اليمين هو الزميل / محمد اسماعيل حمدون وليس الزميل / عبد المنعم اب ريدا
واب ريدا قطع دراسه القانون ودرس في الاتجاد السوفيتي بكليه الطب ///والان دكتور بمستشفي شندي وهذا للتنويه فقط

Post: #100
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-13-2013, 04:25 PM
Parent: #99


Quote: العزيز عمر مادنقو
مواصلين معاك رحله التوثيق لايام الدراسه بالمغرب
لكن تصحيح لبعض الاسماء قفي الصوره الاخيره بحكم مقابلتي لبعض الاخوه بالمغرب وفاس خاصه
وفي صورتك الاخيره بتارخ 22 فبراير 78 بفاس والثاني من اليمين هو الزميل / محمد اسماعيل حمدون وليس الزميل / عبد المنعم اب ريدا
واب ريدا قطع دراسه القانون ودرس في الاتجاد السوفيتي بكليه الطب ///والان دكتور بمستشفي شندي وهذا للتنويه فقط


معك حق يا احمد محيي الدين.. ففي الصورة التي قبل هذه كتبت اسم محمد اسماعيل صحيحاً.. ويبدو أنني قد نقلت ما هو مكتوب بخط يدي خلف الصورة.. ولا أدري لماذا ومن أين أتيت بإسم ابو ريده.. وهل كان موجوداً في صورة أخرى فاختلط عليّ الأمر ام ماذا
وشكرا على التصحيح والتوضيح.. فهذا يفيد كثيراً في التوثيق.. خليك معاي على طول بالله..

Post: #101
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-13-2013, 05:14 PM
Parent: #100


الحلقة التاسعة والستين

نواصل

الزوار السودانيين وغير ا لسودانيين للمغرب (3)

أيام كنت في الحي الجامعي مولاي اسماعيل دخل عليّ شاب افريقي عرفت بعد أن تعرفت عليه أنه صومالي، وأنه بحار وعلى ما أذكر كان اسمه عبد الله برعو، وكما أوضح لي أن برعو هذه بلدة أو إقليم في الصومال، وكان هذا الشاب يكبرنا في العمر، وكان يتحدث الانجليزية بطلاقة.. ويبدو أنه سأل عن أفارقة فدلوه على السودانيين الموجودين في الحي الجامعي، وقادته قدماه او دليله الذي استدل به الى غرفتي.. علمت منه انه نزل من الباخرة إذ فقد جواز سفره او اوراقه الثبوتية او شئ من هذا القبيل لم أعد أذكر.. بقي معي عدة أيام، وكان يبادر الى سداد الحساب إذا جلسنا في مقهى وشربنا قهوة او شاياً، ورغم ضآلة المبلغ الذي يدفع فإن ذلك كان يسجل لصالحه، ليس لأنه المبادر بالدفع، ولكن لأنه كان مقطوع، ولم يكن يملك إلا القليل من النقود ومع ذلك كان يبادر بالدفع، وهذه فرصة لوصية لمن يكون خارج بلاده خاصة الطلاب، فإذا كان مقطوع فلا يظهر أنه كذلك، حتى لا ينفر منه الآخرون.. ومن طرائفه التي حكاها لي أنه لم يكن يعلم قيمة النقود، فجلس ذات مرة في المقهى وأراد ان يحاسب الجرسون، فاختار أكبر قطعة نقدية حجماً وقدمها للجرسون، فضحك الجرسون، لأن القطعة تلك كانت من فئة الخمس سنتيم، يعني تعريفة بلهجتنا، وأذكر ان هذه العملة المعدنية كانت من الألمنيوم الأبيض الخفيف الرهيف، وعلى ما يبدو كانت في أيامها الأخيرة، حيث ظهرت في تلك الأيام عملة معدنية فئة الخمس سنتيمات من النحاس، وكانت نسبياً سميكة وكانت واضحة الكتابة التي عليها، ويبدو أنها حلت محل تلك القديمة..

ذات يوم وجدت منه رسالة باللغة الانجليزية- هو طبعاً يتكلم العربية ولكن يبدو أنه لا يجيد كتابتها- تفيد بأنه قد استلم أوراقه وسافر فجأة وهو يتأسف لأنه لم يقابلني حينما غادر، وودعني في هذه الرسالة.. ولم ألتقه بعدها ولم أسمع عنه، ولعل الشبكة العنكبوتية تجمعني به ذات يوم..

شخص آخر أيضاً افريقي من بوروندي او رواندا لم أعد أذكر، وكان شاباً يكاد يكون في مثل سننا، وقال انه قادم من امريكا او ذاهب لأمريكا ولديه تأشيرة أو شئ من هذا القبيل، وأيضاً أوصله أحدهم الى غرفتنا في الحي الجامعي السويسي الثاني، وأحد الزملاء ذوي الفراسة او الشكاكين لست أدري، فتح جواز سفره عندما غاب لفترة وجيزة عن الغرفة، فوجد انه قادم من دولته وليس من امريكا.. يعني كب لينا مكنة أمريكا دي ساكت ربما ليسوق نفسه بطريقة افضل، ولكن زي ما قالوا حبل الكذب قصير.. ولم يبق معنا هذا كثيراً ولا أدري أين ذهب وكيف ذهب..

وصل وفد من طلاب الجامعات السودانية يتبعون الاتحاد الاشتراكي يضم طلاباً من مختلف الجامعات والكليات.. وكانوا في رحلة منظمة من قِبل الاتحاد الاشتراكي، وأول ما لفت نظرنا هو كمية النقد الممنوحة لهم من قِبل الاتحاد الاشتراكي، في حين كنا نشكو من انقطاع المنحة الدراسية المغربية في الصيف والتي تعوضها لنا حكومة السودان، ونذوق الأمرين لكي نحصل عليها، وهي فقط ثمانمائة درهم في مجملها او أقل لتغطي شهري إجازة الصيف.. المهم في الأمر أن هؤلاء كانوا يريدون السكن معنا في الحي الجامعي، ولا أذكر إن سمحت لهم إدارة الحي الجامعي أم لا، ولكننا كنا نأويهم في غرفنا رغم تشدد حراس أجنحة الحي الجامعي، ولكن المشكلة كانت في المطعم، إذ كان لابد من بطاقة السكن لكي يسمح لك بالدخول الى المطعم لتناول الوجبة، وأدى هذا الى حرج بالنسبة لنا.. رغم أننا كنا ندرك أنهم يستطيعون الأكل في المطاعم الخارجية لما لهم من مقدرة مالية جيدة..

وفد آخر وصل من السودان، وهم طلاب من كلية الإقتصاد جامعة الخرطوم، ولم يكن عددهم كبيراً كطلاب الاتحاد الاشتراكي، وكان ثلاثة منهم نازلين في فندق بسيط في المدينة القديمة، وكانت بينهم آمال النور، وكانوا في رابعة اقتصاد.. وسجلت لهم زيارة في الفندق وسجلوا لي زيارة في بيتي المؤقت، المنزل الذي تركه لي اصدقائي البربر. كان الثلاثة الذين رافقناهم طيلة مكوثهم في الرباط من أبدع وأروع البشر، وقد صادف وجودهم إجازة الصيف وكنا متفرغين تماماً لبرنامج الفسحة لهم.. وأذكر اننا كنا نسير في منطقة قصر الملك، وكنت أنا وهي نسير جنباً الى جنب، وأمامنا يسير زميلها وأحد زملائنا، فسمعنا صوتاً ينادي: يا فطيمة، يا فطيمة، ولم نعبأ به، فليس بيننا فطيمة، وبعد قليل وصلت صاحبة الصوت الينا وكانت تخب في أثرنا، فقالت لنا أن هذه الصورة- أعطتنا إياها- قد سقطت منكما.. وبالفعل كنا نتفرج على الصور ونحن نسير فوقعت تلك الصورة.. سردت هذه الواقعة لأبين أننا كنا نتجول معهم في كل أنحاء الرباط، ومن تلك الجولة كانت منطقة القصر حيث لفت نظرنا ان كل المارين هناك كانوا سمر البشرة، وعلمنا أن هؤلاء سكان القصر الملكي حيث كانوا يُجلبون من افريقيا جنوب المغرب، وكانوا يخدمون في القصر، ويسمون الطواركة، ولا أدري إن كانت الكلمة تحريف لكملة الطوارق ام كلمة غيرها، وأذكر ان إحدى المغربيات الخمريات اللون قالت لي مرة ان المغاربة لا يحبوننا نحن التواركه لأنهم يحسدوننا إذ نعمل في القصر وأن وضعنا المادي أفضل ونلبس الذهب، فقلت لها ما معنى التواركة قالت لي: الكحل، وتقصد السود.. لكن ما أجمل كحلهم، قصدي ما أجمل سوادهم، إنه اللون الخمري كما يقول المرحوم عثمان الشفيع..

Maroc065copy.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

وجدت أنني كتبت خلف هذه الصورة: ((كمال شرف، جمال ميرغني (طالبين سودانيين بالمغرب)، كمال عبد القادر (طالب بكلية الإقتصاد جامعة ا لخرطوم)، عمر حسن غلام الله (طالب سوداني بالمغرب)، آمال محمد النور (طالبة سودانية بكلية الإقتصاد جامعة الخرطوم)- أمام مطعم صغير قرب سينما رويال- الرباط- المغرب- أغسطس 1977م))..

وعند وداعنا لهم- وفد كلية الاقتصاد- عند عودتهم الى السودان زرفت دموعهم، وكذلك نحن، وأذكر بعد عودتهم الى السودان أرسلت لي آمال مع أحد الطلاب الذين ذهبوا في اجازة الصيف ذلك العام، أرسلت لي رسالة فيها: (أرسل لكم شيئاً من خيرات السودان) وكانت كسرة ما زالت طرية- الى حد ما- رغم انها (اتعاست) في الخرطوم، ثم سافرت الى روما، وباتت هناك، ثم من ايطاليا وصلت الى المغرب.. وفي الرباط عملنا ليها ويكة تقلية وضربناها حيث عزمت عليها نفر من الزملاء.. ومع الكسرة كانت هناك خيرات أخرى ربما طحنية وكركديه وخلافه.. المهم لم تنس آمال تفرغنا لهم في الرباط فجازتنا بتلك الخيرات، وكانت رسائلها تتري من السودان، تحمل الأخبار والكلام الجميل..
Maroc037.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

الصورة أعلاه على ما يبدو كانت في وداع وقد كلية الإقتصاد.. وقد وجدت أني كتبت خلفها: (صورة لطلاب سودانيين- يدرسون في المغرب، وبعضهم جاء في رحلة من جامعة الخرطوم- وتشاديين، موقف بصات "الكيران"- الرباط- المغرب- أغسطس 1977م)
اثنان من طلاب اقتصاد الخرطوم هؤلاء عملا بعد تخرجهما في البنك السوداني للإستثمار- فيما بعد البنك السوداني الفرنسي- أحدهما أصبح مديراً لفرع الأبيض في السنوات الأولى، وآمال أصبحت مدير قسم في الرئاسة بالخرطوم حتى تزوجت من أحد مدراء البنك الكبار وهاجرا الى الإمارات، وعند عودتي النهائية من المغرب للسودان عزمتني آمال وزميلها عشاء في حديقة عامة ربما كانت حديقة المقرن، وقد زرتهم في منزلهم بأبي روف.. لقد كان هذا الوفد أروع وفد يزورنا في المغرب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #102
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-14-2013, 02:03 PM
Parent: #101

الحلقة السبعين

نواصل

الزوار السودانيين وغير السودانيين للمغرب (4)، والامتحانات

وجدنا أفارقة في الحي الجامعي السويسي الأول، تعارفنا عليهم فعرفنا أنهم من ساحل العاج (كوت ديفوار)، كانوا طلاباً وطالبات، وقد منحتهم إدارة الحي الجامعي غرفاً لإقامتهم، جلسنا على النجيلة التي في طرف الحي وقرب المطعم، وكان هنالك جهاز تسجيل تنطلق منه أغاني غربية، فقام بعضاً من شبابهم يرقصون فطلبوا من بناتنا أن يرقصن معهم، فتمنعت عائشة بذوق رغم اصرار هؤلاء الشباب، ويبدو أن ذلك كان عندهم أمراً عادياً، ورغم وجود فتياتهم في تلك الجلسة إلا انهم طلبوا من السودانيات الرقص معهم، ربما أعجبهم حسنهن وربما أرادوا مجاملة الأجانب (بالنسبة لهم) في تلك الجلسة..

أعطتني إحداهن رقم غرفتها في الحي الجامعي، فزرتها فيه في اليوم التالي، واستغربت سماح حارس الجناح لزيارتي لها وهو يدري انني فتىً أزور فتاة، فدخلت الى الجناح وانا اترقب ان يناديني في اي لحظة ليمنعني، والغريب ان تلك الغرفة التي تسكن فيها تلك العاجية هي غرفة زميلي عمر الإمام النور، وطبعاً هذا يؤكد ان هذا كان في الإجازة، ولا أدري إن كانت الإجازة الصيفية ام غيرها، وربما كانت بداية الإجازة الصيفية وان عمر سافر الى بريطانيا، وربما كانت إجازة الربيع او إجازة عيد لم أعد أذكر.. المهم طرقت باب الغرفة ففتحت لي العاجية الباب، ولا أذكر هل معها زميلة أخرى في الغرفة ام لا، المهم جلست وتونست معها/ معهما فترة ثم استأذنت وذهبت، وما لفت نظري أن الأمر كان عادياً بالنسبة لها/ لهما، اي زيارة شاب لهن في الغرفة.. طبعاً مؤكد لو كن سودانيات لما سمحن بدخول شاب لغرفهن..

أذكر ان تلك العاجية راسلتني من أبيدجان وعلى ما أذكر حتى حين عودتي للسودان كانت تراسلني هناك، وأذكر انها ارسلت لي بطاقة بريدية لمنظر عام لأبيدجان، وكانت ابيدجان تبدو كمدينة أوروبية ذات عمارات عالية وشوارع منظمة وجميلة.. وإليكم صورة لها اقتبستها من القوقل:
abidjan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأخرى مسائية رائعة:
Abidjan2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


انتظرت كثيراً لأتذكر بقية الزائرين لنا بالمغرب ولم أفلح بتذكر المزيد، لذا سأنتقل الى موضوع آخر هو موضوع الامتحان.. فقد لاحظت أن بعض الذين يجلسون بجواري في قاعات الامتحانات من كبار السن، فقد قرأت تاريخ ميلاد أحدهم وكان 1945م والآخر 1936م- كنا في العام 1976 أو العام 1977م- ويبدو أنهم من الموظفين الذين رأوا ان يواصلوا دراستهم الجامعية، أكبرت فيهم ذلك، وأيضاً كانت معنا في كلية الحقوق مصرية اسمها عفاف، وكان ابنها يدرس في الجامعة أيضاً في نفس الوقت، وهي كانت قد أكملت دراسة الآداب وعملت معلمة لمرحلة الثانوي، ثم قررت الرجوع للدراسة الجامعية فسجلت في كلية الحقوق.. ومن ذكريات الامتحانات- ربما كانت امتحانات السنة الأولى- فقد كانت القاعة الكبرى مليئة بالطلاب، ربما 1500 او 2000 طالب، وفجأة نسمع صوت طالب يستجدي المراقب أن يسامحه للغش الذي فعله في الامتحان والمراقب ينهره بأعلى صوته: أقعد! كان هذا الطالب فلسطيني، وبالعودة الى العجائز- المذكورين أعلاه- الذين كانوا يمتحنون معنا في قاعة صغيرة من قاعات كلية الحقوق بالرباط؛ فقد كانوا يطلبون مساعدتنا في حل الامتحان، وأذكر أنني - سامحني الله- كنت أُري ورقة إجابتي لأحدهم لينقل منها.. يعني الحركات دي ما قاصرة على جنس معين ولا على سن معينة..

جلسنا لامتحانات يونيو، وظهرت النتيجة، وكنا نتدافع- طلاب وطالبات- لنرى النتيجة المعلقة على البورد، وكان التدافع والاحتكاك والالتصاق مع التوتر البالغ والقلق يؤدي لاستنزاف طاقات الجسد وسوائله من عرق وغيره.. ليس هنا فقط، ولكن داخل قاعات الامتحانات بسبب التوتر الشديد، واحتياج الجسد للإرتخاء، فسبحان الله لا شئ يرخي تصلب الجسد وينهي التوتر مثل استنزاف سوائل الجسد.. فحالما يتم ذلك يزول التوتر ويستعيد الانسان توازنه وتستقر حالته النفسية ويبدأ في فهم السؤال الذي هو نصف الإجابة..

أذكر انني كنت قد حفظت آيات أرددها ساعة الامتحان: (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي and#64831;and#1634;and#1637;and#64830; وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي and#64831;and#1634;and#1638;and#64830; وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي and#64831;and#1634;and#1639;and#64830; يَفْقَهُوا قَوْلِي and#64831;and#1634;and#1640;and#64830;)، وكنت أنصح بها زملائي السودانيين وغير السودانيين، فتسامع الطلاب بهذا، فأصبحوا يقصدونني- سودانيين وغير سودانيين، بنين وبنات- لأحفظهم إياها، حتى دعاني صديقي محمد أبكر ابراهيم بأنني (عراف الكلية) او شئ من هذا القبيل..

ورسبت في امتحان دورة يونيو للسنة الثانية، نقصت نمرتين، وكنت أتوقع ذلك.. فقد كنت كثير السرحان في المحاضرات، قليل التركيز في المذاكرة، شاهدت النتيجة في الكلية وخرجت ووقفت في محطة الاتوبيس، وجدت زميلي محمد عثمان الخليفة، حاول أن يواسيني، ومن حيث لا يدري هيِّج في نفسي لواعج الشوق فبكيت.. إذ قال لي: ان شاء الله تمشي الإجازة تشوف أهلك وتجي تمتحن لدورة أكتوبر.. هنا أحسست أنني افتقدت السفر للأهل هذا العام.. ولكني كنت قد قررت بيني وبين نفسي أن أبقى في المغرب هذا العام، ربما لمزيد من الصياعة التي لا أجدها أثناء الدراسة، وربما لأوفر قيمة التذكرة لأهلي، لا أذكر بالضبط لماذا قررت أن أبقى في المغرب ذلك العام- طبعاً القرار كان قبل ظهور النتيجة، وربما قبل الامتحانات أيضاً، فلما ظهرت النتيجة سلبية دعمت قراري بالبقاء.. تذكرت- وأنا أبكي- زميلتي السودانية التي رسبت في العام الماضي، والتي قلبتها مناحة مما أضطر حراس الجناح ان يسمحوا لحبيبها بالدخول الى غرفتها لتهدئتها بعد ان فشلت زميلتاها في ذلك..

وجلست لامتحان دورة اكتوبر ونجحت، والحمد لله، وجلست لامتحان الشفوي ونجحت والحمد لله.. وتأهلت للالتحاق بالسنة الثالثة.. والأخيرة .

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #103
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-15-2013, 10:44 AM
Parent: #102

الحلقة الحادية والسبعين

نواصل

أهم الزوار السودانيين للمغرب

الطيب صالح

سأكتفي بنقل مقالي الذي أدرجته سابقاً في عدة مواقع الكترونية ليشرح زيارة الراحل المقيم الطيب صالح للمغرب..

عندما التقيت بالطيب صالح الإنسان

قرأت "موسم الهجرة الى الشمال" وأنا في بداية مرحلة المراهقة، لذا كان أكثر ما يدهشني وابناء جيلي هو كلام "بت مجذوب" غير المتحرج في الجنس والكوميدي في نفس الوقت، كذلك وصف " مصطفى سعيد" لعلاقاته مع البيضاوات بنات الانجليز اللاتي أصابهن المرض منذ الف عام، قرأتها بشغف في أوائل السبعينات وكنت في المرحلة الدراسية المتوسطة، وقرأت بقية درر العقد، "دومة ود حامد" و "عرس الزين" وبعد سنوات ظهرت "ضو البيت" ثم "مريود" .. وكلما قرأت واحدة من تلك الدرر رجعت فقرأت واسطة العقد ودرته الكبرى "موسم الهجرة الى الشمال" .. ولولا مشاغل الحياة والأسرة لقرأتها للمرة العاشرة ولكن حتما لن تكون العاشرة هي الأخيرة، بل ستكون الأولى بعمق آخر .. فما قرأت "موسم الهجرة الى الشمال" تكرارا ، بل كرواية جديدة ، نعم ، ففي كل قراءة أغوص في عمق جديد واكتشف معنى أعمق وأحس بمتعة أكثر وأجمع لاليء أبدع، انها ليست مجرد رواية ، ولكن ماذا هي إذاً؟ وأعجز عن معرفة ماهيتها وأكتفي بمتعة قراءتها.

حكيت له عن صديقي المغربي طالب الطب الذي قرأ "ضوء البيت" وأكمل قراءتها عند منتصف ليل الرباط فلم يستطع الصبر حتى الصباح فجاءني يستنجد بي - لكوني سوداني - ويقول "الحقني" فأجبته بأنني أنا نفسي أبحث عمن "يلحقني"، فقد اندمج في الرواية حتى دار رأسه مع غموض أحداثها وميتافيزيقيتها، ولم أشف غليل صديقي مصطفى محفوظ إذ لم أجد أنا ما يشفي غليلي حتى تلك اللحظه، حكيت تلك الواقعة للطيب صالح فشفى من غليلي القليل إذ أوضح أن الذي "أصابنا بالدوار" في الرواية هو اختلاط الواقع بالخيال .

وكان الطيب صالح في زيارة عمل للرباط في أغسطس 1976م قادما من مقر عمله بدولة قطر، وكنت طالبا بكلية الحقوق بالرباط، فسمعنا بوجوده بالمغرب وتوصلنا لمكان اقامته الذي كان هيلتون الرباط وذهبنا إليه يحدونا الشوق الى "مصطفى سعيد" ، وجاء الينا في بهو الفندق، ورغم انها كانت المرة الأولى التي نلتقيه إلا أنه جعلنا بأسلوبه المميز وسودانيته التي لم تؤثر عليها سنوات الغربة في بريطانيا وغيرها، جعلنا نحس أننا نتعارف منذ أمد بعيد، وسألته بلا تردد ان كان مصطفى سعيد هو الطيب صالح فنفى ذلك، وحاصرناه بالأسئلة أنا وزميلي فأجاب ولكنه كان يحاول ألا يتكلم عن أعماله ولا عن نفسه ولما ازداد حصارنا له قال لنا انه يريد ان يسمع منا ويسألنا عن حياتنا وعن دراستنا وعن المغرب - وكان يزورها للمرة الأولى في حياته - وكانت دردشة سودانية في ليلة رباطية وأوصلنا الى دارنا بالسيارة التي خصصت له ونزل من السيارة ليصافحنا مودعا على أمل اللقاء مساء اليوم التالي لتناول العشاء معه بالفندق بناء على دعوته - وكان الأولى أن ندعوه نحن فهو كان ضيفا على المغرب وكنا نحن مقيمين ولكن ضيق ذات اليد حبسنا عن تقديم واجب الضيافة - واستجبنا لدعوته لحرصنا على الاستماع إليه وحصاره بالاسئلة.

والتقيناه ثانية في اليوم التالي - وكان معي زميلي عمر الامام النور ومحمد عثمان الخليفه- وكان كريما معنا في الكلام أيضا وصحح لنا بعض نطقنا لأسماء أبطال رواياته وسألنا هو عن نشاطاتنا وهواياتنا واستنكر عدم وجود نشاطات ابداعية أو أدبية لدينا واستحثنا على الكتابة- وقد آتت نصيحته أكلها فيما بعد- وعند الافتراق لم أجد ما أقدمه له هدية تذكارية غير بطاقة بريدية كنت أحتفظ بها من مدة عليها منظر طبيعي لاحدى مدن المغرب، فأمسكها بكلتا يديه متمعنا فيها متمتما بعبارات الشكر والثناء لي وبالاعجاب بالمنظر، ما رأيت تواضعا وأدبا أكثر من تواضع وأدب ذلك الرجل.. وعندما غادر المغرب ترك لي رسالة : (لقد سعدت بمقابلتك أنت وزميليك، أسمح لي أن أترك لك هذه الهدية البسيطة) ولم تكن بسيطة فقد حلت لي مشكلة مادية ملحه، ولكن كلماته تلك كانت الهدية الأكبر مع أتوقراف خطه علي نسختي من (الأعمال االكاملة - الطيب صالح) وهي مجلد يضم رواياته الأربعه، وكان يرى هذا المجلد لأول مرة رغم انه على علم بصدوره.

وأذكر أنني سألته عن ذريته، فقال لي أن لدي ثلاث بنات، فقلت له كم أعمارهن، فقال لي كبراهن تبلغ الرابعة عشر.. ثم سكت لثوانٍ ثم أردف قائلاً: (صغيرة مش كده؟) فقلت على الفور: (لا .. عز الطلب) فانفجر ضاحكاً .. ألم أقل لكم أنك تحس بالألفة في أول لقاء معه وكأنك تعرفه منذ أمد بعيد!!

في ديسمبر 1992م استضافه نادي جدة الأدبي في ندوة أدبيه، وانتهزت الفرصة وزرته في مقر اقامته فرأيته أصغر سنا مما رأيته أول مرة في الرباط منذ ستة عشر عاما، وأبديت له تلك الملاحظة مقرونة ب(ماشاء الله) ويبدو أن تواضعه وبساطته وحب الناس له وحبه لهم وراء ذلك، فمازال الرجل كما عرفته أول مرة، متواضعا بلا تكلف، يكره أن يتكلم عن نفسه وعن أعماله، سودانيا رغم امتداد سنوات الغربة الى باريس وبلاد أخرى.

ثم كانت أصيلة الأصيلة، وكان تكريم الرواية العربية ، وتكريم الروائي العالمي العربي السوداني الطيب صالح، وقرأت أوراق أصيلة على صفحات "الشرق الأوسط" وأبدع محي الدين اللاذقاني في عموده طواحين الكلام عن عرس الطيب وأفاض في وصف "الجلابية السودانية" وأنه "يشع كالأبنوس" ووصف "العمامة الثلجية البيضاء" مما أثلج صدورنا نحن السودانيون، ولخص حفل العرس حاتم البطيوي وعلي انوزلا، ولاتعليق لي على أوراق كبار الأدباء فقد أكفوا وأوفو.. ومن أصيلة عرفت أن "موسم الهجرة الى الشمال" قد ترجمت الى ثلاثين لغة.. وكانت آخر معلوماتي أنها ترجمت الى ثمان لغات كانت ثامنتها الى اللغة العبرية، وأذكر أنني سمعت وقتها أن الطيب صالح طلب تحويل حقوق التأليف الى صالح صندوق القضية الفلسطينية!

ووددت لو أن مقالات الدكتور معجب الزهراني الأستاذ بالجامعات السعودية والمنشورة في جريدة "الرياض" أضيفت لأوراق أصيلة، فقد كتب الدكتور الزهراني ثلاث مقالات مطولة ومسلسلة في ثلاثة أعداد من صفحة الثقافة في الجريدة المذكورة وعلى كامل الصفحة وبخط ذو بنط صغير، كتب عن ثلاثة أشياء في رواية "موسم الهجرة الى الشمال" هي "السواد والبياض والموت" هذا البحث في تلك الجزئيات الثلاث - الذي يمكن أن يكون كتيبا صغيرا - كان يمكن أن يكون أحد أوراق أصيلة الهامة ، فلم أقرأ دراسة نقدية أبدع من دراسة الدكتور الزهراني وكم تمنيت أن يتكرم الطيب صالح باعطاء المقالات الثلاثة المذكورة للجنة المهرجان - إذ كنت قد أعطيته اياها ابان زيارته لجدة في ديسمبر 1992م وأنا على يقين من أن اللجنة كانت ستدرجها ضمن أوراقها.. التحية موصولة لاصيلة الأصيلة ولأهلها خاصة ولأهلي المغاربة ذوي الكرم والضيافة والأصاله عامة.

كان هذا المقال قد نشر في جريدة الشرق الأوسط منذ زمن طويل، وقد وددت أن اشارك به في هذا التأبين المفتوح للفقيد والشهيد الطيب صالح الكاتب والقاص والإنسان، له الرحمة والمغفرة، ولا نقول إلا ما يرضي الله.. إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

والعزاء موصول لأرملته ولبناته ولشقيقه مولانا بشير ولأبناء شقيقته علويه ولكل اهل كرمكول والدبة ولكل اصدقائه وأحبائه ومعجبيه وقرائه وزملائه وكل الشعب السوداني وكل الأمة العربية وكل مثقفي وأدباء العالم أجمع..

ملاحظة: اليوم (25/2/2009م) بالصدفة وجدت هذا المقال منشور في موقع (مكتوب) بتاريخ 18/2/2009م، وقد اشاروا الى أن النقل تم من موقع (ود مدني)، وبالفعل كنت قد نشرته في الموقع بعد نشره بجريدة الشرق الأوسط بسنوات.

عمر حسن غلام الله

TaibSalih002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي والراحل المقيم الطيب صالح في جدة ديسمبر 1992م

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #104
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-18-2013, 03:25 PM
Parent: #103

الحلقة الثانية والسبعين

نواصل

الطيب صالح.. الإجازة.. والسكن في الشقة

قبل أن أدلف لموضوع الإجازة أكمل قصة لقاءنا بالراحل المقيم الطيب صالح- والتي حدثت أيضاً في الإجازة- حيث توجهنا من البيت الذي نسكنه في شارع مدغشقر، وما زلت أذكر رقم العمارة (20) ورقم الشقة (9)، الى فندق الهليتون على أقدامنا لزيارة الطيب صالح، وبعد الزيارة التي ذكرت تفاصيلها في الحلقة السابقة أوصلنا بالسيارة المخصصة له حتى مدخل العمارة، ودعانا لتناول العشاء معه في اليوم التالي، فذهبنا متأخرين لأننا مشينا راجلين إلا قبيل الوصول للفندق بقليل، عند مفترق الطريق المؤدي لفندق الهليتون حيث وقف لنا صاحب سيارة وأوصلنا الى الفندق.. وجلسنا نتونس مع الراحل المقيم، ووجدنا عنده السكرتير الثالث في السفارة السودانية- ربما كان إسمه الحاج- ولما توجهنا لمطعم الفندق لتناول الطعام وجدنا أن زمن العشاء قد انتهى، فاكتفينا بالونسة الجميلة مع الطيب صالح، وقد أخذنا معه في سيارته السكرتير الثالث ليوصلنا الى شقتنا، ولكن بعد أن تعشينا معه بالعدس (ابو جبة) في شقته حيث كان عزابياً مثلنا.. وبعد ان تعشينا أوصلنا الى بيتنا مشكوراً حيث لم نكن- ثلاثتنا- نملك ثمن وجبة العشاء ولو كانت بصاره..

كما أسلفت فقد كانت منحة المغرب لنا عشرة اشهر، على اعتبار ان السنة الدراسية تسعة اشهر، والمفروض الطالب يكون في الشهرين الباقيين في إجازة مع أهله.. المغاربة بالفعل يسافرون لقراهم ومدنهم، وتقفل الأحياء الجامعية أبوابها.. هنا تكمن مشكلة الطلاب الأجانب الذين لا يسافرون لبلدانهم لضيق ذات اليد او لوجود امتحان دورة اكتوبر في جدولهم (كحالتي).. فتواجههم مشكلة السكن في الحي الجامعي.. فيلجأ بعضهم الى السكن مع الزملاء الساكنين في غير الحي الجامعي من منازل أو شقق مستأجرة، أو في شقة مستلفة من أصدقاء كما فعلت أنا، فلقد استلفت شقة اصدقائي البربر الذين سيقضون اجازتهم الصيفية في قراهم نواحي أغادير، وعلى ما أذكر مدينة أنزغان التي هبطت فيها طائرة وفد السودان للمشاركة في المسيرة الخضراء.. وكان هؤلاء الأصدقاء زملاء دراسة، ولكن كان يسكن معهم جندي في الجيش المغربي اسمه احمد نور الهدى، وكان أطيبهم..

أخذت منهم مفتاح الشقة وسكنت بها، وجاء زميلي محمد عثمان الخليفة وسكن معي.. وكنت أذاكر أحياناً في سطح العمارة، وتعرفت على أطفال الشقة التي تواجه الشقة التي أسكنها، وكنت أترك المذاكرة لأتفرج عليهم وهم يلعبون.. فقد كنت أفتقد مثل هكذا منظر.. وفي أحد المرات احضرت الكاميرا والتقطت معهم صور.. أكبرهم حميد (10 سنوات)، ثم نجاة (7 سنوات)، ثم فايزه (سنتان)..

Maroc014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

إحدى تلك الصور، ويبدو شخصي في الوسط وعلى يميني حامد (عليه رحمة الله) وعلى يساري نجاة..
ويبدو أنهم حكوا لوالديهم ذلك وعندما استخرجت الصور اعطيتهم نسخة منها أروها لهما.. وعلى ما أعتقد أنهما طلبوا مني الحضور الى شقتهم، وأنني زرتهم.. وعندما دعوت عائشه وثريا لتناول أفطار رمضان معي ذات يوم من أيام رمضان طلبت من جيراني صحون إضافية، فمدوني بها مشكورين، ولكن لم أزرهم في منزلهم إلا بعد سنوات من التخرج والعودة للمغرب.. (أعتقد أنني زرتهم بناء على طلبهم بعد إرسال الصور لهما مع الأطفال)..

وهذه صورة أخرى تضمني ونجاة

Maroc063.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي هذا البيت استضفت آمال النور وزميلها (وفد رحلة كلية الاقتصاد جامعة الخرطوم).

ذات مرة سافرت من هذا البيت الى تطوان- ربما- وتركت المفتاح مع محمد عثمان او غيره لا أذكر، فجاء الزملاء السودانيين يسمرون في البيت ويلعبون الكوتشينة، وكانوا كُثر، وجعلوا البيت فوضى و######، وجاء أحد سكان الشقة ووجد هذه الفوضى في شقته.. فغضب وهددهم بإخراجي من البيت وخرج من الشقة غاضباً، فخرج الزملاء من الشقة بعده، وعندما حضرت أخبرني أحدهم بما حصل.. فحملت هماً لتبرير ما حدث.. فما كان لي أن أفرط في الأمانة التي أخذتها منهم.. والأدهى أين أذهب والحي الجامعي ما زال مغلقاً.. عمدت الى تنظيف البيت نظافة ليكون أنظف مما تركوه هم - أصحاب الشقة- واشتريت علبة طلاء وطليت باب الشقة بلون جميل، المهم بعد حضور ساكن آخر تقبل اعتذاري، واعتذر لي عما بدر من زميله من تهديد، بل وقال لي نادراً ما يفعل شخص ما فعلته انت من نظافة للبيت وترتيب وتزيين، وبخور.. (فقد أشعلت الند لتطييب رائحة الشقة).. واستمررت في الشقة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #105
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-19-2013, 12:12 PM
Parent: #104

الحلقة الثالثة والسبعين
نواصل

تأخر المنحة.. والموضوع الذي كتبته حولها في جريدة الصحافة

تأخرت علينا منحة الإجازة التي تأتينا من السودان تكملة لمنحة المغرب، فكتبت موضوعاً بعنوان: (أغيثوا أولادكم بالمغرب) وأرسلته لجريدة الصحافة السودانية، فلخصوه ونشروه كما يلي:

(أغيثوا أولادكم بالمغرب

إلى أهلنا وأحبابنا الطيبين والى كل المسئولين الشوق والتحية

نحن أولادكم الطلاب بالمغرب وصلنا الى حالة يرثى لها، وذلك لعدم وصول الإعانة الصيفية التي تصلنا من دولتنا وقد بدأت العطلة منذ أكثر من شهر، كنا نسكن فيما مضى في الأحياء الجامعية ولكن في الشهر الأخير أغلقت كل الأحياء الجامعية فإلى أين نتجه والأكثر إلحاحاً أمر الطالبات الى أين يتوجهن؟ أإلى الفنادق أم إيجار المنازل وليس لديهم من المال ما يكفي لإعاشة يوم واحد، أثقلت كواهلنا بالديون وأريق ماء الوجه فأغيثونا فالأمر أصبح أكثر من الاحتمال،، الأمل قوي في الاستجابة السريعة جداً من السادة المسئولين.

المغترب عمر حسن غلام الله

جامعة محمد الخامس

الرباط)

أُرسلت لي الجريدة التي بها هذا الموضوع على عنوان الشقة التي أسكنها في الإجازة، واستلمتها من الصندوق المخصص لبريد الشقة..

ولما رجع الطلاب السودانيين الذين كانوا يقضون اجازاتهم في السودان قالوا لنا إن هذا المقال أثار ضجة في السودان، فما إن قرأوه حتى توجه أولياء أمور الطلاب المعنيين الى قسم البعثات بوزارة التعليم العالي للاستفسار عن الموضوع، ويبدو أنهم ضغطوا على المسؤولين فنشروا رداً على موضوعي، وكذلك كتب محمد الطاهر حمدان زميلنا الذي كان في اجازة في السودان رداً أيضاً هذا نصه:

(إلى طلابنا في المغرب الإعانة في طريقها إليكم

إلى الأخ عمر غلام الله وبقية الزملاء أؤكد لكم أنني تابعت كل المشاكل في المؤتمر التداولي الثاني للطلاب السودانيين بالخارج وفيما يتعلق بمشكلة الإعانة الصيفية فقد اهتم السيد مكاوي عوض المكاوي أمين الشباب اهتماماً شخصياً بالمشكلة وارسل برقية للسيد السفير الرشيد نور الدين كما تم إرسال شيكين لشهري يوليو وأغسطس الأول برقم 667391 والآخر تحت رقم 667422 وإعانة شهر سبتمبر في الطريق- أما تصديق بنك السودان فسيصل بأول حقيبة لكم.

محمد الطاهر حمدان

عضو اللجنة التحضيرية

للمؤتمر التداولي الثاني للطلاب)

وتحت هذا الموضوع مباشرة نشر الموضوع التالي:

(طلابنا بالمغرب أيضاً

رداً على ما كتبه الطالب عمر حسن غلام الله- الذي يدرس بجامعة محمد الخامس بالرباط (المغرب) ولكي يعرف طالباتنا وطلابنا بالمغرب الحقيقة نفيدهم جميعاً بأن إدارة العلاقات الثقافية الخارجية قد قررت منح 109 طالباً (مائة وتسعة طالباً) يدرسون بالمغرب إعانة شهرية قدرها عشرين جنيهاً في الشهر ابتداء من يوليو 1977، حتى نهاية سبتمبر 1977. بما في ذلك الطالب عمر حسن غلام الله الذي دعا الى إغاثة طلابنا بالمغرب.

والجدير بالذكر أن الإعانة المقدمة لطلابنا بالخارج يتجدد التقديم لها كل عام..)

انتهت المواضيع المنشورة في جريدة الصحافة، ورغم انني لم أجد تاريخ النشر إلا أنه كما يبدو مما ذكر فيها انها نشرت في يوليو أو أغسطس.. وبعد مرور كل هذه السنوات- أكثر من ثلث القرن- فإنه تؤرخ لأشياء هامة، أولها ان مكاوي عوض المكاوي كان أمين الشباب وقتها (أكيد في الاتحاد الاشتراكي)، وثانيها ان الرشيد نور الدين (رحمه الله) كان سفير السودان في المغرب، وأن وفاته حدثت بعد يوليو أو أغسطس 1977م ، وثالثها أن عدد الطلاب في ذاك العام كان 109 طالب وطالبة، طبعاً كانت الدفعة الأولى التي وصلت المغرب عام 1974 كان عددها 22 طالب، ودفعتنا التي وصلت عام 1975 كانت 35 طالباً منهم ثلاث طالبات، والدفعة التي وصلت العام 1976 كانت حوالي 52 مما يجعل إجمالي طلاب الدفعات الثلاث 109 طالب وطالبة، ورابعها أن المنحة الشهرية لأشهر الإجازة كانت عشرون جنيهاً، وهذا مؤشر على قيمة الجنيه آنذاك.. فقد كانت المنحة المغربية لنا 380 درهم، ثم زيدت الى 390 قبل أن تصل ونحن في سنة التخرج الى 420 درهم.. وأخيراً فإنه كانت هناك مؤتمرات طلابية تعقد ومنها هذا المؤتمر التداولي الثاني للطلاب السودانيين بالخارج..

والأهم من ذلك أن ناس إدارة العلاقات الثقافية الخارجية كانوا زعلانين مني في تعقيبهم هذا، ربما بسبب احتجاج أولياء الأمور نتيجة موضوعي إياه.. ولكن نتيجة المقال كانت قاسية علينا من قِبل السفارة السودانية في المغرب!!

وإليكم نسخة من المقالات:
sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #106
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-20-2013, 01:58 PM
Parent: #105

الحلقة الرابعة والسبعين

نواصل

المقال وتداعياته والسفارة

كان قلة عددنا يعطينا وضعاً خاصاً لدى السفارة، فكانت علاقتنا بموظفيها ودبلماسييها علاقات أخوية وليست رسمية، وليست كعلاقة إخوتنا المصريين الذين كانوا وقتها يجدون صعوبة في مقابلة السفير فكلما أرادوا مقابلته أفادهم السكرتير بأن (اللمبة حمرا) أي ان السفير في اجتماع، ودائماً تلك اللمبة المثبتة أعلى باب مكتبه حمراء.. أما نحن فكنا نقابل السفير الرشيد نور الدين ونقابل كل أعضاء السفارة وندخل بسهولة الى السفارة ونجلس في الصالون ونقرأ الجرائد السودانية.. ونستلم خطاباتنا المرسلة لنا من السودان، فقد أرسلنا عنوان السفارة لأهلنا لأنه لم يكن لنا عنوان سيما قبل أن نصل الى الحي الجامعي مولاي اسماعيل، فصار عنواننا على السفارة الى حين استقرارنا في الحي الجامعي، وكنا نمشي الى السفارة راجلين رغم انها تبعد كثيراً عن الحي الجامعي وعن آخر محطة اتوبيس نعرفها، وعلى ما أذكر كانت في حي حسان، وكنا نمر في طريقنا إليها بالسفارة السوفيتية، وكان مثبتاً على باب تلك السفارة كاميرا، وعلمنا وقتها ان اي شخص يمر من أمام تلك السفارة كان يراه من بداخلها، وكان ذلك غريباً جداً وقتها (1975)، وكان عنوان السفارة السودانية الذي أحفظه حتى الآن: (9 زنقة تيداس) واستمرت في موقعها ذاك حتى تخرجنا، وفيما بعد انتقلت إلى حي الرياض على ما أذكر في آخر زيارة لي الى المغرب في العام 1997م..

وكنا كذلك نعرف أسرة السفير وزوجته خالدة، فزميلتنا سامية كانت بنت أخت السفير، فتعرفنا على أسرته عبرها، وكان أطفالها عامذاك اثنين هما نور الدين وأخته الصغيرة.. وزميلنا خالد كان شقيق خالدة، وكان في الدفعة التي سبقتنا، وكان خلوقاً طيباً .. وكانت خالدة كذلك.. واستمرت علاقتنا طيبة بالسفارة وبالسفير والموظفين والدبلماسيين الى أن وصلت الجرائد وفيها مقالي المذكور.. وبدأت المشاكل برفع تلك الجريدة بالتحديد وبقية الجرائد من الصالون.. منذ ذلك اليوم وإلى الأبد.. والذي لا أنساه أنني ذات يوم كنت أبحث في الرسائل الموجودة في دولاب في الصالون عن رسائل تخصني، وكان هذا معتاداً ونعرف مكان الرسائل فنأخذها بأنفسنا، وأثناء بحثي عن رسائل تخصني خرج السفير من أحد المكاتب فلمحته وهو يتجه صوب الباب فبدأ لي أنه قد ذهب، ولكنه بحركة عسكرية- إلى الخلف دور- وجدته واقفاً في باب الصالون، ودون أن يسلم قال لي بصوت صارم وبنهره: بتسوي شنو هنا؟ قلت له: أفتش عن رسائل تخصني! فقال لي: مين أذن ليك تفتش؟ قلت له: أصلنا متعودين ناخد رسائلنا من هنا.. تفاجأت تماماً بما حدث، ولكن أرجعته الى مقالي إياه.. ومنذ ذلك الحين خربت علاقتنا بالسفارة.. ثم بعد ذلك بعدة أيام أو عدة أسابيع لا أذكر أغلق باب الصالون دوننا، فكنا إذا أردنا انتظار الدخول لأحدهم ظللنا واقفين في الممرات حتى يؤذن لنا أو لا يؤذن لنا فننصرف..

ثم ذات يوم وجدنا باب السفارة الخارجي- باب الحوش- مغلق في وجهنا، ولم يسمح لنا الحارس بالدخول، وقال لنا هذه تعليمات المسؤولين!! وأصبح النظام أن نكتب ورقة ونحن في الشارع ونسلمها للحارس فيدخلها للموظف المراد زيارته فيسمح لنا بالدخول او لا يسمح.. وأذكر أنني في مرة من المرات ظللت انتظر حتى كلت قدماي، فاضطررت للجلوس على الأرض أمام سور السفارة بجانب الباب، وحتى لا تتسخ ملابسي وضعت منديلي تحتي وجلست عليه.. وفي هذه الأثناء خرج من السفارة سودانيان عرفت انهما زائران رسميان قدما من السودان احدهما دكتور، وعلى ما أذكر كانا في زيارة للمغرب لتقييم الجامعات المغربية، أو ربما لغير ذلك، والشئ الذي أذكره انهما كانا شخصيات مرموقة في السودان، وربما كان أحدهم طبيب مشهور.. المهم عندما خرجا من السفارة ألقيا عليّ السلام، وكانت نظراتهما مليئة بالاستغراب كوني جالساً على الأرض خارج السفارة، وربما كانت نظراتهما فيها العتاب للسفارة..

وبعد هذا المقال تعقدت مسألة المنحة القادمة من السودان، فصاروا في السفارة يعقدونها حتى عند وصولها إليهم.. وأذكر اننا ذهبنا ذات يوم ونحن مجموعة لنناقش الموضوع، فانتدبني الزملاء لمقابلة المسؤولين فاعتذرت لأنني حاد في النقاش وقد أخرب قضيتهم بسبب ذلك، ولأنني مغضوب عليه بسبب ذلك المقال، ولذلك وقع اختيارهم على طالبين او ثلاثة وربما أربعة أذكر منهم زميلنا عمر محمد صالح.. وصعدوا للتفاوض معهم، وعندما نزلوا من عندهم أفادوني- بلسان عمر محمد صالح- بأن المسؤولين في السفارة قد وعدوهم خيراً وأن المنحة ستصرف لهم قريباً.. وبالفعل صرفت لهم المنحة وكنت يومها في تطوان او في رحلة في الشمال، وعندما حضرت قالوا لي أنهم صرفوا منحتهم فذهبت الى السفارة لأخذ منحتي فقال لي الموظف: المنحة كملت! قلت له: هي نبق تكمل؟ مش جايه من السودان محددة لكل طالب؟ قال لي: انت كنت وين لما الطلاب صرفوا؟ قلت له كنت مسافر.. قال لي: خلاص حقك في رجليك – او شئ من هذا القبيل- ويبدو ان الجميع قصدوا تعقيد أموري بسبب هذا المقال..

من تداعيات هذا الموضوع أنه سرت شائعات أن السفارة خصتني بمنحة دون سائر الطلاب، لا أدري من أطلق هذه الشائعة، فالذي حدث انني لم استلم منحتي مثل بقية الطلاب حينما رجعت من السفر فوجدت المنحة (كملت).. ومما زاد من قوة الإشاعة هو أنني كان لي حساب إدخار في البريد، وحينما تأزمت أموري المالية- مثل بقية الطلاب الباقين في المغرب في الإجازة- ذهبت للبريد لأسترد ما بقي من مدخراتي، فطلبت استرداد كل المتبقي، فقال لي الموظف إنني إذا أردت تصفية المدخرات فعلي ان اكتب طلب ولكن الاستلام يكون بعد اسبوع او عشرة ايام او شهر لا أذكر.. قلت له اريد الدراهم الآن، قال لي إذاً تأخذ جزء منها وتبقي الحد الأدنى، وعلى ما اذكر ان كل المتبقي كان كم وخمسين او كم وستين درهم.. المهم صرفت جزء من هذا المبلغ ومررت على السويقة فاشتريت سكر وشاي وعدس واشياء يمكن أن تكون قوت ضروري لقادمات الأيام العصيبة إذا لم نستلم المنحة القادمة من السودان، وأنا في السويقة وبعد شراء تلك الأشياء وجدت بعض زملائي في مقهى موريطانيا- المقهى المفضل للطلاب السودانيين وقتذاك والذي يقع في السويقة عند تقاطع شارع محمد الخامس مع السويقة- فرأوا ما أحمل من (خيرات) فرأيت في نظراتهم ذلك الاتهام بأنني اخذت منحتي من السفارة دونهم، فأردت نفي الشائعة بطريقة غير مباشرة فحكيت لهم ما حدث في البريد والنقاش الذي دار بيني وبين موظف البريد واضضراري لسحب جزء من المبلغ وليس كله، وأريتهم دفتر الإدخار وما صرفته منه اليوم وما تبقى لي فيه.. ولا أدري إن كانوا قد اقتنعوا أم لا، لكن الذي حدث بعد ذلك عندما رجعت من السفر ولقيت المنحة كملت أيد (روايتي) تلك..

ما قلت ليكم أجمل الذكريات هي التي في أيام الجامعة بحلوها ومرها؟!!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #107
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-21-2013, 11:47 AM
Parent: #106

اكتب النص هنا الحلقة الخامسة والسبعين

نواصل

الأندلس

قررت في الإجازة القصيرة في نهاية العام 1977م أن أزور الأندلس.. وتجربتي السابقة في زيارة مدريد مدتني بالعزيمة وقوّت الرغبة في زيارة بلاد الأجداد، فأعددت العدة وأخذت التأشيرة من السفارة الإسبانية في الرباط بكل سهولة وتسلحت بتلك الجمل والكلمات الاسبانية التي التقطتها في زيارتي السابقة لاسبانيا، وكذلك حفّظني أحمد محفوظ أخو صديقي مصطفى محفوظ حين مروري الى الأندلس عبر تطوان، بعض الجمل باللغة الاسبانية التي قد احتاجها هناك.. وسأترك مقالي المنشور بجريدة الصحافة الصادرة يوم الاثنين 13/7/1981م يتحدث عن تلك الرحلة:

الفردوس المفقود

الأندلس

الجزيرة المسلمة وسط بحر الفرنجة الصاخب

منذ ذلك اليوم الذي ألقى فيه الأستاذ في المدرسة الثانوية العامة قصيدة "فتح الأندلس" بدأت أحلم بالأندلس، تلك الجزيرة المسلمة وسط بحر الفرنجة الصاخب.. لابد أن يتحقق ذلك الحلم الذي بدأ في ذلك الزمان أشبه بغزو زحل، ولكنه الآن وأنا متوجه الى بلاد فاس يدنو رويداً رويدا.

ووصلت بلاد مراكش وبدأت في تلقي العمل وتحصيله والحلم الجميل ينمو ويزهر، وحين ملأ عليّ نفسي تماماً كنت ساعتئذ قد جمعت شيئاً من الدراهم كنت اقتصدها من المنحة الدراسية.. وشددت الرحال الى حلمي الكبير، ولكن آثرت العبور من مدينة سبته تلك المدينة المغربية التي يرتفع عليها العلم الاسباني حتى الآن!

من سبته هذه عبرنا مضيق جيل طارق بباخرة صغيرة الى مدينة الجزيرة الخضراء على التراب الاسباني.. هأنذا على آثار عقبة بن نافع وطارق بن زياد، ولكن هيهات هيهات ما بيني وبينهم، فهم هبطوا الجزيرة لينشروا دعوة الحق ولينيروا العقول والقلوب، وأما أنا فقد كنت فقط زائراً لبلاد الفرنجة لألقي نظرة على (آثار) الأجداد العرب! الجزيرة الخضراء هي أول بقعة نزل فيها أجدادنا الشجعان لينشروا النور في القارة المظلمة، وما زال الاسبان يسمون الجزيرة الخضراء (الخسيراس) وبقية الأوربيين يسمونها (الجسيراس) ويقصدون (الجزيرات).

من الجزيرة الخضراء ركبت الحافلة الى ملقه إحدى مدن الأندلس ذات الآثار الإسلامية الباقية.. مررت بها سريعاً ثم توجهت الى غرناطه.

*****

غرناطة

ذلك هو الحلم.. غرناطة.. دخلتها بالليل، وفي نزل صغير قرب محطة القطار قضيت الليل ناشداً الصباح لاتصبح بآثار الأجداد، وعند الشروق استفسرت من صاحبة النزل عن موقع قصر الحمراء فدلتني بواسطة خرائط كتاب السياحة على ضالتي، وقلبي يخفق توجهت الى قصر الحمراء، وكان في مخيلتي صوراً باهتة عن تلك الآثار، وكنت أظنها خرابات وأحجار وأعمدة عارية، ولكني فوجئت بها وكأنها قد خلت من ساكنيها بالأمس فقط.

(ولا غالب إلا الله).. عبارة منحوتة فوق مدخل قصر الحمراء، وقفت أمامها طويلاً أتاملها في أناة وخشوع ممزوجتان بدمع ترقرق في عيني.. ربما بسبب هيبة المكان وربما بسبب عظمة القرآن.. ولجلال الموقف برمته.. أفي أوروبا أجد هذا مكتوباً؟ لم يخطر لي على بال من قبل.

وخطوت الى الداخل، إلى قاعة فسيحة الأرجاء عالية الجدران منقوشة جميعها بآي الذكر الحكيم (وما بكم من نعمة فمن الله)، (قل أعوذ برب الفلق)، ومدح للملوك (عز لمولانا الملك المجاهد أبو الحجاج عز نصره)، (عز لمولانا السلطان الملك السلطان المجاهد)، (تبارك من ولاكم أمر عباده فأولى بك الإسلام معلا وأنعما)، (ولا عجب فأنت الشهب في العلى وأرجاؤه فيها المدى المتناهيا).

الحضارة العربية.

ودلفت الى قاعة أخرى أروع وأعظم، وتطلعت الى السقف.. مستحيل أن يكون العرب هم أصحاب هذا الإبداع، فمعاشرة هذا العصر لم تقل لي أن العرب يستطيعون أن يفعلوا ذلك.. ودار برأسي تساؤل: لم لا يكون العرب الآن بمثل هذه العظمة؟ عرفت الإجابة بعد تطوفي ببقية تلك البقاع..

ما أروع هذه الأسود التي تتوسط تلك الباحة! إنها إثنتي عشر اسداً تصب المياه من أفواهها.. ما قصتها يا ترى؟ عرفت أنها كانت ساعة.. وكانت مضبوطة جداً وطريقة عملها متقنة، أما سرها فعلمه عند الله.. أما طريقة عملها فكانت كالآتي:

عند الساعة الواحدة تماماً يكون الماء مندفعاً من فم الأسد الأول فقط ويكون في قمة الإندفاع، وبعد دقائق من هذا الإندفاع يبدأ الأسد الذي يليه بصب الماء أيضاً وفي منتصف الواحدة يتساوى إندفاع الماء من الأسدين ثم يبدأ إندفاع الماء من الأول في التناقص ليزيد بنفس المعدل إندفاع الماء من الثاني، وفي تمام الساعة الثانية يتوقف إندفاع الماء من الأسد الأول تماماً ويكون في قمته من الأسد الثاني الذي يقل ماؤه بعد الدقيقة الأولى ليبتدئ الأسد الثالث في صب الماء، وهكذا.. فن.. إبداع.. حضارة، وأين أنتم يا عرب اليوم من عرب الأمس؟ أفيقوا.. استجوبوا التاريخ في غرناطة واعلموا أن أجدادكم كانوا أقوياء لأنهم مؤمنين.. كانت لهم حضارة لأنهم كانوا نزيهين.. وعندما أفل الإيمان وولت النزاهة وانغمسوا- أقصد أحفاد الفاتحين الأوائل- في اللهو والمجون كنتيجة للإستغلال السيئ للنعيم الذي ورثوه، وأضاعوا الحضارة وأضاعوا الأندلس وطُرِدوا منها، وفقدوا الفردوس!!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #108
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-22-2013, 11:43 AM
Parent: #107

الحلقة السادسة والسبعين

نواصل

الأندلس 2

نواصل مقالي بجريدة الصحافة

وندخل الى الحمامات، ما أجملها من حمامات، طريقة بناؤها الهندسية أعجز تماماً عن وصفها، فمثل هذا الإبداع لا يوصف بل يُتذوق.. ونمضي الى قاعة فسيحة على شكل قبة (مثل نصف الكرة المقلوب) وأغرب مافي تلك القبة هو أنه حينما تقف لصق الجدار وتتكلم أو تهمس بحيث لا يسمعك الذي يقف بجوارك يسمعك الذي يقف لصق الجدار من الناحية الأخرى اي في نهاية القطر الذي يبدأ من عندك.. يسمعك بوضوح رغم بعد المسافة بينكما، وعلى ما يبدو فإن الجدار هو الذي ينقل ذلك الصوت، ولكن كيف؟ لست أدري.. كل الذي أدريه أن أجدادي كانوا أذكياء وكانوا فنانين..

Andalus002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لباحة في قصر الحمراء.. الصورة التقطها آرون قرين.. الصديق الأمريكي الذي تعرفت عليه هناك.. وأرسلها لي من أمريكا بعد عودته اليها..

وهناك تلك القاعات ذات القباب المزخرفة والمنقوشة بدقة.. ومركز القبة يقاصد تماماً فوهة النافورة التي تتوسط ارض القاعة.

Andalus003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي وبجانبي ميري قرين - قرينة المصور- على يمين الصورة.. ونحن في باحة في قصر الحمراء أقرأ لميري المكتوب على الجدران وأترجمه لها.. الصورة التقطها آرون قرين

ومجموعة الأعمدة المنقوشة في غاية الإبداع، وذلك الغدير الصناعي الذي يوجد في فناء القصر والذي تقف في أركانه الأربعة أسود أربعة تتدفق من أفواهها المياه الى الغدير، تقف شاهدة على أمجاد العرب وعلى رغد العيش الذي كان يعيشه الأندلسيون.. وما أبهى بهو الشقيقتين!

Andalus001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي جالس على نافذة في قصر الحمراء تطل على فناء القصر حيث تبدو الحدائق الغناء.. الصورة التقطها لي آرون قرين.. الصديق الأمريكي الذي تعرفت عليه هناك..

وهذه صورة أخرى لشخصي وأنا أقف أمام إبداع أجدادي الأندلسيين في قصر الحمراء

Andalus004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


جنات العريف

لو أراد أحدكم أن يرى جنة على الأرض فأدله على (جنات العريف) التي يسميها الإفرنج (جنراليف).. حدائق غناء وجداول تجري بالماء العذب وأشجار باسقة وظلال مورفة وأدراج تقود من جزء في الجنة الى جزء آخر.. تنتقل من أسفل الجنة إلى أعلاها بالدرج الذي تنحدر المياه على حوافه.. وأنت صاعد أو هابط على الدرج ينحدر الماء على يمينك وعلى يسارك.. تلك النافورات وهذه الغابة و.. ما أروع الطبيعة ويا لسحرها في غرناطة.

ولقد حافظ الاسبان على هذه الجنة وعلى غيرها من الآثار لجذب السياح من مختلف ارجاء الأرض- عدا الوطن العربي- لأنني وطيلة تجوالي في بلاد الأندلس كافة لم أصادف إلا أسرة عربية واحدة- عراقية- أما بقية السواح الذين جاءوا من أصقاع الدنيا ليشاهدوا آثار أجدادنا فقد كان جلهم من الولايات المتحدة واليابان، من فرنسا وانجلترا وتايوان.. إذاً فأين العرب؟ لابد انهم يستمتعون بدراهمهم في باريس ولندن وواشنطن حيث المدن الحديثة واللهو والمتعة.. لا.. يجب ان تأتوا الى هنا لتعرفوا ماذا كان العرب وكيف أصبحوا بعد ان اتبعوا أهواءهم وانغمسوا في اللذات، وليس أدل على ذلك من قصة ذلك الملك الذي كان يسمر ويسكر فجاءه الناعي إليه ينعى سقوط طليلطه باضطراب وفزع، فما كان من هذا الملك إلا أن قال له "ثكلتك أمك، ظننتك جئت لتقول لي أن دن الخمر قد إنكسر فتقول لي أن طليلطة قد سقطت؟"

كان دن الخمر أهم عنده من طليطلة، ولكنه دفع الثمن غالياً فقد طُرد والى غير رجعة من الأندلس.. فيا ناطقي الضاد ويا مسلمي الأرض زوروا فردوسكم المفقود عساكم تعتبروا، وقليل من المال يكفي في هذه البلاد، فهي رخيصة جداً أرخص مما تظنون..

أبراج الحراسة

ويحيط بقصر الحمراء مجموعة أبراج عالية تحرس المدينة وأعلاها وأكبرها ذلك البرج الذي يسمى "القصبة" فهو لمراقبة المدينة من الغرق وكذلك لمراقبة الري والحياض، ويطل هذا البرج من جهة على حي "البياسين" وربما عنت هذه الكلمة البائسين وربما البيتين، وحي البياسين حي عربي لم يتغير مع الزمن وسقوف منازله حمراء محدودبة وجدرانها مصبوغة بطلاء أبيض ناصع نصوع الثلج في قمم "سيرا نيبادا" التي تحيط بغرناطة، وعلى سفوح هذه الجبال يمارس الاسبان والسياح رياضة التزحلق على الجليد، ومن القصر يمتد سور قديم الى حي "السكرمنتو" وهو الحي الذي يسكنه الغجر.. هذا السور كان من ضمن الأسوار التي تحمي غرناطة العربية.

وحي السكرمنتو يوجد على مسافة من قصر الحمراء على مرتفع صغير، أما الحمراء نفسها فتوجد على هضبة عالية، ومن المرتفعات التي تحيط بغرناطة ينحدر نهر "حدرة" ويسميه الاسبان "داروا" وهو الآن يجري تحت أرض المدينة حينما يدخلها.

عند الخروج من قصر الحمراء تجد مطبوعات معروضة للبيع أهمها ذلك المطبوع الكبير الذي يحمل اسم الحمراء وجنة العريف، ويحتوي المطبوع على صور ملونة كبيرة الحجم للحمراء وجنة العريف، وهناك مطبوع آخر يسمى "الحمراء" وهو مؤلف يحكي تاريخ غرناطة ووصف دقيق لها مع بعض الصور الملونة، وكل هذه المطبوعات تجدها منسوخة بكل اللغات الحية عدا العربية! ولمن يطبعونها بالعربية؟ فالعرب لا يأتون إلى هنا!!

وقضية اللغة تذكرني بسؤال طريف ألقته عليّ إمرأة أمريكية حينما رأتني مندمجاً في كتابة ما خُط على الجدران في مذكرتي؛ قالت لي: هل تستطيع أن تقرأ هذا؟ وعندما أجبتها بالإيجاب أردفت قائلة: وكيف تقرأه وهو مكتوب قبل قرون عديدة؟ قلت لها إن هذه اللغة المكتوبة هنا هي نفسها التي نستعملها اليوم، فارتسمت الدهشة على وجهها وعبرت عنها بقولها : "مدهش!".. وكنت فخوراً جداً وأنا أترجم وأشرح الكتابة التي على الجدران حتى حسبني الكثيرون مرشداً سياحياً، وكنت أجتهد في تعريف الأجانب بماضينا التليد..

تلك هي غرناطة الجميلة بآثارها العربية الإسلامية، بل بعروبتها.. الناس هنا دماؤهم عربية.. نساؤهم سود العيون، سود الشعر، وكثير من مفردات لغتهم عربية مثل زيتون ووادي وثور..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #109
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-26-2013, 12:28 PM
Parent: #108

الحلقة السابعة والسبعين

نواصل مقالي بجريدة الصحافة

الأندلس 3

قرطبة الفيحاء

من غرناطة الرائعة ركبت القطار الى قرطبة الفيحاء التي تقع على نهر "قـوادي الكيفير" وهي تحريف أعجمي لكلمتي "الوادي الكبير"، والوادي الكبير تصل بين ضفتيه قنطرة قيل أن الرومان القدامى هم الذين بنوها، ثم جاء العرب المسلمون فجددوها، ومازالت معبراً حتى اللحظة، وقد عبرتها راجلاً، وأهم أثر عربي مسلم في قرطبة هو مسجدها الأعظم، وحقاً إنه أعظم فهو أضخم مسجد في زمانه، وأضخم مسجد في أوروبا اليوم، وقد حاول الإفرنج أن يحولوه الى كنيسة فلم يستطيعوا لضخامته، كل الذي فعلوه أنهم أقاموا داخله عدة كنائس، أما بقية المسجد الأوسع فبقيت كما هي شاهداً على أن الإسلام قد دخل هذه المدينة يوماً وكان له شأن فيها.

وفي باحة المسجد توجد نافورة وسط حوض مائي كبير وتتراص أشجار البرتقال في صفوف منتظمة، وندخل الى المسجد بـ "تذكرة"! فنشاهد هذا العدد الضخم من الأعمدة البديعة الصنع والتلوين، ونقترب من المحراب فنجد فن النقش يتمثل فوق المحراب بديعاً رائعاً: آيات من الذكر الحكيم حول باب المحراب، وداخل المحراب أيضاً، وسقف المحراب يبدو على شكل صدفة بحرية (shell) بيضاء مصنوعة على ما يبدو من الجبس، وكان أن سألتني إحدى السائحات الناطقات بالإنجليزية عن ما تعنيه (الصدفة shell ) بالنسبة للمسلمين، وهل لها دلالة تعبدية معينة؟ فأجبتها بالنفي، وأضفت أنه ربما وضعت هنا للزينة فقط (ديكور).

وفي واجهة المصلى على الجدار توجد آيات من القرآن كتبت بالفسيفساء والزجاج الملون، أما مئذنة المسجد الأعظم فقد علقت فيها الأجراس لتقرع أيام الآحاد والمناسبات الدينية المسيحية.. والشئ المؤلم حقاً هو رؤية غير المسلمين وهم يطأون المسجد والمحراب بأحذيتهم.. متى يعود هذا المسجد مسجداً للصلاة فيه بدلاً أن يكون مزاراً سياحياً؟

من مسجد قرطبة الأعظم انتقلت الى "القصر" وكما علمت فإنه روماني الأصل ثم جاء المسلمون فجددوه وعمروه وأطلقوا عليه هذه التسمية "القصر" التي ما زالت سارية حتى الآن.. وبعد العرب جاء النصارى ثم أصبح الآن من الآثار التي تزار.. والقصر فسيح الأرجاء وغرفه مبنية بهندسة عجيبة حقاً.. بعض من الغرف يصلها بالبعض الآخر سلم معلق! وبالقصر حديقة كبيرة تتوسطها بحيرة صناعية، وهنا يقل النقش والكتابة العربية لحد كبير ويطغى الطابع الأوروبي.

وحول منطقة المسجد و"القصر" توجد الدور العربية ا لتي تزين مداخلها وجدرانها النقوش العربية.. ترى أين كان يلاقي بن زيدون حبيبته ولادة بنت المستكفي؟ أفي هذه الدار أم تلك؟ أفي هذا الدرب أم ذاك؟ لابد أنه كان يستلهم الشعر وهو في هذا المكان من الشاطئ يتأمل مياه "الوادي الكبير" ويقرض الشعر في "ولادته":

يا أخا البدر سناء وسنى * رحم الله زماناً أطلعك
إن يكن قد طال ليلي * فلكم بتُ أشكو قصر الليل معك

اشبيلية

بسيارة خاصة لأصدقاء استراليين تعرفت عليهم هناك سافرت الى اشبيلية الشهيرة برقصة "الفلامينكو"، وبالفتيات ذوات الملابس الاشبيلية المميزة والوردة التي على الشعر، وتلك العربات التي تجرها الدواب.. طابع تقليدي جميل.. والأثر الإسلامي الواضح هنا هو صومعة "الخيرالدا" تلك الصومعة (المئذنة) التي بناها ذلك الملك المغربي المرابطي أو الموحدي لا أذكر، وهو نفسه الذي بنى صومعة حسان في الرباط وصومعة الكتبية في مراكش.. وهذه الصوامع (المآذن) الثلاث تشبه بعضها شبهاً يؤكد أن بانيها واحد..

وقطعنا "تذكرة" للصعود الى تلك المئذنة العملاقة، وبعد جهد وصلنا الى القمة.. ترى هل كان المؤذن يصعد كل تلك الدرجات وفي كل وقت صلاة ليؤذن في المسلمين الذين كانوا يسكنون اشبيلية؟ وفي أعلى المئذنة هاجت بي الشجون، ودون إدراك مني لنفسي وجدتني أؤذن بصوت خفيض.. ولكن لمن أؤذن غير نفسي؟ فلا أحد هنا يفقه ما أقول.. اللهم أعد مجدها ومجد الإسلام.. وأما المسجد الذي كانت تلحق به الصومعة فقد هُدم وحُوّل الى كاتدرائية!!

في وسط اشبيلية توجد كاتدرائية كبيرة بها ساحة واسعة، وفي هذه الساحة وعلى طول جدران الكاتدرائية الخارجية توجد مجموعة من اللوحات القديمة المصنوعة من السيراميك، إحدى هذه اللوحات تمثل الملك العربي راكعاً وهو يسلم مفتاح مدينته الى الملك الإفرنجي.. صورة ما أقسى وقعها على نفسي.. الجنود المسلمون يخرجون من بوابة المدينة ذات الأسوار العالية والجنود الإفرنج يتسلمون مفتاح المدينة ليدخلوها منتصرين.. ودالت دولة العرب والمسلمين في اسبانيا، وفي أوروبا..

وفارقت الأندلس وفي نفسي خليط من المشاعر والأحاسيس.. مشاعر الفرح والسعادة وأنا أتجول بين آثار الأجداد، ومشاعر حزن طاغية وأنا أدرك أن كل ما للإسلام هنا لا يعدو أن يكون أثراً، ربما طيباً يؤكد ماضينا التليد، وربما موجعاً يذكر بحاضرنا المخجل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #110
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-27-2013, 04:28 PM
Parent: #109


الحلقة الثامنة والسبعين

الأندلس 4

نواصل

إليكم صورة لجزء من المقال أعلاه والمنشور بجريدة الصحافة بتاريخ 13/7/1981م، ودعوني أعيد سرد الرحلة مرة أخرى بتفاصيل غير تلك التي جاءت بالجريدة، فالحيز المتاح في الجريدة والقراء قد لا تسمح بنشر كل شئ..

Alandalus001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


تحركت من الرباط الى تطوان ونزلت ضيفاً على أصدقائي مصطفى محفوظ وأسرته حيث بقيت معهم يومين او ثلاثة، ومنها عبر التاكسي على ما أذكر الى مدينة سبته، وكان ذلك في الأسبوع الأخير من عام 1977م يوم 23 أو 24 ديسمبر.. وفي رحلتي هذه الى اسبانيا آثرت العبور من مدينة سبته تلك المدينة المغربية التي يرتفع عليها العلم الاسباني حتى الآن! وفي مدخل مدينة سبته التي وصلنا إليها من حدود المغرب عبر بوابة جمارك، حيث تصل إليها الحافلات المغربية ونترجل حيث نجتاز مكتب الجوازات والجمارك المغربي أولاً، وأذكر انني قدمت جوازي وشنطتي لموظف الجمارك، فلم يدقق معي كثيراً، ثم تفرغ للمغاربة الذين كانوا معي وتعرفت عليهم في البص، وربما كان منهم طنجاوي صاحب المطعم الصغير امام الحي الجامعي مولاي اسماعيل حيث كنا نشتري منه سندوتشات الكفتة، ووجدته في هذه الرحلة مسافراً- وربما مهاجراً – الى اوروبا، وربما اختلط عليّ الزمان والمكان فكان هذا الطنجاوي في رحلتي السابقة الى مدريد عبر طنجة ..



لا.. الآن تذكرت، لم يكن معي في رحلة طنجة ، بل كان معنا في هذه الرحلة.. المهم أن ضابط الجمارك قال لي – بعد ان لاحظ أنني ما زلت واقفاً رغم انتهائه من فحص حقائبي وجوازي- قال لي: خلاص روح، قلت: له انا انتظر هؤلاء، واشرت الى اصحابي المغاربة، فقال لي: هؤلاء معك؟ فأجبته بالإيجاب، فقال لي: خصنا نقلبك، وترجمتها: كان كدي نفتشك.. اي ما دام هؤلاء المغاربة معك فلابد أن يكونوا قد اعطوك دراهمهم لتمررها لهم عبر الجمارك.. فضحكت، ولكني خفت في نفس الوقت.. والسبب أنني كنت أضع بعض العملة الورقية في شعري! نعم.. كان شعري خنفس وغزير وطويل، فقلت لزملائي المغاربة- قبل أن نصل لموظف الجمارك- انني يمكنني ان أهرب العملة في شعري هكذا.. فبرمت الورقة حتى صارت كعود النالة وأدخلتها في شعري الكثيف فاختفت.. ثم نسيت الورقة في شعري، لذا خفت اذا نفذ كلامه وفتشني تفتيشاً دقيقاً كما كان يفتش المغاربة فحتماً كان سيجد الدولارات في شعري، وحينها لن يصدق انني وضعتها على سبيل التجربة والونسة.. وقد ذكر لي طنجاوي أن ضابط الجمارك قال له بعد ان فتشه تفتيشاً دقيقاً ولم يجد معه عملة، قال له أنه لا يمكن ان تكون مسافراً لأوروبا وليس معك عملة، قال لي الطنجاوي أنه أجابه بأنه ذاهب الى اوروبا لجلب المال وليس لانفاقه.. وكان هذا كلاماً منطقياً ولكن كلاهما ضابط الجوازات والطنجاوي يعلمان أنه يحمل عملة ما في مكان ما.. المهم في الأمر أن ضابط الجوازات قال هذا الكلام (خصنا نقلبك) ثم تركنا نذهب ..

ثم مشينا خطوات قليلة لنصل الى ضابط الجوازات الاسباني الذي سيختم على جوازاتنا ختم دخول اسبانيا- ونحن ما زلنا في القارة الإفريقية وفي التراب المغربي- وأتذكر أنهم بدأوا يتكملون بلغتهم عني، ثم مسك أحدهم يدي وصار يمرر يده على ساعدي كأنه يتحسس جلدي ليثبت ما كان يقوله لزملائه، فتذكرت ما قاله لي ذات مرة زميل دراستي في المغرب محمد أبكر ابراهيم عن الانجليزيات عندما كن يتحسسن أيادي خالاته أثناء زيارتهن للندن ويبدين اعجابهن بنعومة أجساد السودانيات، وبالفعل فالنساء والرجال الأوربيون بشرتهم خشنة ومشعرة في الجنسين، لذلك فإنهم يستغربون من بشرة السود ونعومتها..

وندخل سبته- وتنطق باللغات الأوروبية (سوتا)- ونجد ان جل سكانها من المغاربة والبقية اسبان.. وقد تجولت في مدينة سبتة قليلاً، ووضعت شنطتي في مقهى يملكه مغربي، وعلى ما أذكر دلني عليه الطنجاوي، وفي نفس المقهى يتم تغيير العملة المغربية الى بيزيتا اسبانية.. ومدينة سبته صغيرة ولكنها جميلة ومتحضرة نسبياً عن مدن المغرب.. ولم تكن غالية، فالمشروبات كالشاي والقهوة أثمانها كما في المغرب.. وبعد التجوال واكتشاف ما استطعنا اكتشافه من معالم سبته ركبنا الباخرة المتوجهة الى الجزيرة الخضراء، ولم تكن المسافة من سبتة إليها كبيرة، بل عبرنا المضيق في ساعة واحدة فقط- من طنجة كانت الرحلة ثلاث ساعات- وهبطنا في الجزيرة الخضراء، ولم أبق فيها غير وقت انتظار الحافلة، ثم من الجزيرة الخضراء ركبت الحافلة الى ملقه إحدى مدن الأندلس ذات الآثار الإسلامية الباقية.. مررت بها سريعاً ثم توجهت الى غرناطه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #111
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-28-2013, 02:26 PM
Parent: #110


الحلقة التاسعة والسبعين

نواصل

الأندلس 5

لا أذكر هل استبدلت الحافلة بالقطار في ملقة او في مكان آخر، لكن الذي أذكره أنني وصلت غرناطة بالقطار، وأول ما خرجت من محطة القطار وجدت أمامي عبر الساحة فندق صغير أو قل نزل (بنسيون)، فذهبت إليه واستأجرت فيه غرفة، وعلى ما أذكر لم تكن غالية على ميزانية طالب.. وكانت صاحبة النزل تديره ومعها أولادها الصغار منهم صبية في أواسط سني المراهقة وأخرى صغيرة لم تبلغ العاشرة، وكانوا دائماً معها في استقبال الفندق.. أعطوني مفتاح الغرفة فصعدت إليها ونمت، وفي الصباح الباكر سألت صاحبة النزل عن موقع قصر الحمراء، فأعطتني خريطة فذهبت راجلاً، وكان الطريق جميلاً والأشجار تزينه ووصلت الى قصر الحمراء وتجولت في جنباته وغرفه وقاعاته وكنت استصحب معي دفتري لكي اسجل ما أراه، فقد أخذ موظفو الجمارك الاسبان كاميرتي، وكان قد نبهني زميلي المغربي بأن أخفي الكاميرا التي كنت أعلقها على صدري، فقلت له انها كاميرا عادية ولا أعتقد انهم سيتكلمون عنها.. ولكن خاب ظني فقد أشار إليها موظف الجمارك قائلاً: (la paree) أي أعطني هذه الكاميرا.. فخيروني بين أن ادفع جماركها او أتركها امانة عندهم لحين رجوعي للمغرب.. وبما أنني أوفر كل درهم وبيزيتا لهذه الرحلة فتركت الكاميرا لديهم واعطوني ورقة بموجبها استردها حين مغادرتي لاسبانيا..

وكنت قد نسيت قلمي في النزل، لذا عندما رأيت أحدهم يضع قلماً في جيبه أشرت إلى القلم في جيبه- دون أن أتكلم- فأعطاني إياه، وكنت أظن أنه لا يتكلم الانجليزية، ولكن عندما سمعته يتكلم مع زوجته بالانجليزية فرحت، ففي هذا المكان من يتكلم بالانجليزية يكون كمن يتكلم معك بلغة بلدك.. فقلت له هل تتكلم الانجليزية فقال نعم، فسألته من أين هو فقال انه من امريكا، من شيكاقو بالتحديد ويعمل مدير الإحصاء في مستشفى شيكاقو، و.. أنه يهودي! ويبدو أنني صدمت وظهر ذلك على محياي، والدليل أنه قال لي بعد ردة الفعل تلك: Don’t be complex فاستدركت بسرعة وطرحت وجهي وابتسمت وقلت له ما معناه: لا.. لاشئ، لا شئ.. أي أنني لم (أتعقد ولا حاجة).. ويبدو أن الصدمة جاءت من كوني لم ألتق يهودياً من قبل!

بدأت أكتب ما كان على الجدران والأبواب من شعر وآيات قرآنية تزين غرف وقاعات قصر الحمراء.. وعرف هذا الأمريكي اليهودي من نقلي لما هو مكتوب في جدران القصر انني عربي، ومسلم، فبدأ يناقشني في بعض الأمور الخاصة بالقضية الفلسطينية، والعبارة التي أذكرها من ذلك الحوار والتي قالها لي: وهل ترمي اسرائيل في البحر؟ ويبدو ان هذه العبارة جاءت بعد أن قلت له أن اسرائيل اغتصبت أرض فلسطين.. المهم الخواجه السبعيني الذي اخذت منه القلم تجول ثم رجع لي فلما انتبهت له حسبته جاء ليسترد قلمه، لكنه قال لي welcome for the pen يعني خليتو ليك، فشكرته، ثم ذهب وعاد بعد دقائق وقال لي أنه يريد أن يعزمني على العشاء، لأنه يريد ان يتناقش معي أكثر.. فوافقت على دعوته، فقال لي نلتقي الساعة الثامنة مساء في وسط غرناطة في ساحة معروفة سماها لي.. ثم ذهب، وبقيت اتجول ما بين قصر الحمراء وبهو الأسود والساعة المائية ذات الأسود الاثنتي عشر، وجنة العريف التي ما رأيت أجمل منها..

كما أسلفت في مقالي المنشور بجريدة الصحافة، فقد كان السائحون يستغربون كتابتي لما في الجدران ويسألونني هل استطيع قراءة وكتابة تلك المدونة هنا منذ ألف عام؟ وعندما اجبتهم بالإيجاب استغربوا وصرت اشرح لهم المكتوب، وأذكر انني اثناء شرحي لمجموعة منهم وجه احدهم الكاميرا ليلتقط لي صورة قائلاً: لنصور المرشد.. يقصد المرشد السياحي، فأحسست بأنني ذا شأن هنا رغم انني لا آخذ أجراً على ذلك، بل افتخاري بأني حفيد هؤلاء الذين تركوا هذا الأثر العجيب في اوروبا.. وقد لاحظت أن إحدى الأسر تتكون من رجل وإمرأة وفتاة شابة ربما لا تتجاوز الخمسة عشر عاماً، والذي لفت نظري ان كل المجموعات من السياح يكون عددها كبيراً ومعهم مرشد سياحي، ولكن هذه الأسرة لها مرشد خاص بها..

يبدو ان الفتاة أعجبت بذلك الأسمر الذي يقرأ ويكتب تلك اللغة المكتوبة منذ ألف عام، فتعرفت بي وعرفتني بنفسها، وهي ايضاً امريكية، وقد لاحظت من الزي الذي تلبسه هي والذي يلبسه والدها ووالدتها أنهما إما دبلماسيين او من علية القوم، فزيهم شبه رسمي، وحتى هي تلبس ذلك الفستان الطويل الذي يذكرني بالأفلام الأمريكية الكلاسيكية.. هذه الفتاة صارت كلما ذهبت الى قاعة او الى بهو أجدها بقربي، تترك والديها والمرشد وتأتي لتقف معي ونتحدث، وتتجاهل نداء والديها لها، حتى وفي مرة نادتها أمها وبررت ذلك بأن تأتي لكي لا يفوتها شرح المرشد.. فذهبت، ولكن ليس فوراً.. وقد التقيتها مرة أخرى في أعلى القصبة التي تبعد مسافة طويلة عن قصر الحمراء، وكنت أطل من أعلى القصبة الى تحت حيث تبدو مدينة غرناطة والمزارع.. وفجأة أجد من يناديني بإسمي من خلفي، فالتفت فإذا بتلك الفتاة الأمريكية الجميلة تقف خلفي وتسلم علي وتقول ما معناه ها نحن قد التقينا ثانية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #112
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 08-29-2013, 10:12 AM
Parent: #111


الحلقة الثمانون

نواصل

الأندلس 6

أيضاً وقفت معي طويلاً فوق سطح القصبة- وهي أكبر وأعلى أبراج الحراسة المذكورة آنفا- وتأملنا المزارع وقنوات الري تحتنا والبيوت العتيقة محدودبة الأسطح، وعلى البعد تأملنا سلسلة جبال سيرا نيبادا المغطاة بالثلوج.. كانت لحظات رومانسية رائعة.. فتى من وادي النيل تؤانسه فتاة من بلاد العم سام على سطح أثر من آثار الأجداد في الأندلس، في القارة العجوز الجميلة الراقية.. ثم استدعاها والداها فذهبت معهم..

طبعاً صليت الظهر والعصر جمعا وقصرا في قصر الحمراء.. ثم واصلت تجولي حتى المغيب، فخرجت من القصر وعند موقف السيارات استوقفني زوج خواجات في منتصف العمر، وسلما علي، وسألاني من أين أنا فأخبرتهم، وسألتهم هل تعرفون السودان قالا نعم، ومن أين أنتما قالا من أمريكا- كاليفورنيا- وقد لاحظت ان الأمريكان ودودون جداً وانهم ميالون للتعارف أكثر من غيرهم، ويجيدون الدخول إليك بكلمات بسيطة وبأريحية وبثقة، ويبدو أن تنوع الأعراق والألوان في امريكا يجعلهم متعودين على الأفارقة وغيرهم، دون الأوربيين الذين قد لا يلتقون بأفارقة كثيراً- باستثناء بريطانيا وفرنسا ذات التواجد الكبير من الأفارقة والجامايكيين- فكل الذين تعرفوا عليّ، او بالأصح بادروا بالتعرف عليّ، هم من الأمريكيين.. سألت هذا الزوج- واسمه آرون قرين- من أين في كاليفورنيا قالوا من سان فرانسسكو، قلت لهم إن خالي- عبد الغفار الحاج سعيد- يدرس الدكتوراة في كاليفورنيا- لوس انجلز وفي مدينة ريفر سايد بالتحديد، فوعداني أن يتصلا به حين رجوعهما لأمريكا ويخبرانه بلقائنا هذا..

رغم أن لغتي الانجليزية لا بأس بها، ولكني أحسست أنهم جاملوني حينما قالوا لي أن لغتك الانجليزية جيدة (فيما بعد أرسلت لي ميري قرين كتابها الذي عنوانه: "كيف يمكن أن تسافر حول العالم وتكون رحلتك مدفوعة" وفيه ذكرت أنها حينما تقابل شخص ليست لغته الانجليزية ويتكلم معها بالانجليزية فإنها تشجعه بأن تقول له إن لغتك الانجليزية جيدة.. لذا بعد قراءة كتابها فيما بعد تأكدت من أنهما كانا يجاملانني..)

كنا نتونس ونحن في موقف السيارات، وهما يتكآن على سيارة، فيأتي صاحبها، فيتحولان إلى أخرى، ثم يأتي صاحب هذه فيتحولان إلى ثالثة، فعلقا على ذلك، وقد لاحظت أن أصحاب السيارات كانوا يتعاملون برقة مع المتكيئ على سيارته.. ورويداً رويداً بدأ الموقف يخلو من السيارات، وبدأ المكان يتسم بالهدوء لقلة المارة حيث بدأ الغروب يغطي المنطقة بظلاله.. ونظرت الى ساعتي فوجدت أن موعدي مع الأمريكان اليهود قد اقترب، فاستأذنت من هذا الزوج الظريف وانطلقت عبر شوارع غرناطة وازقتها الهادئة الخالية من البشر وكأنني أعيش فيها منذ زمن، ويبدو أن منطقة قصر الحمراء كانت في هضبة او مرتفع، فالشوارع منها الى وسط المدينة تنحدر بصورة واضحة، بل وأحياناً أحس أن ركبي تتيبس لانثنائهما بزاوية للمحافظة على توازني، إذ كنت أمشي وأنا منكب على وجهي، وأحياناً أجري لأخفف الضغط على ركبي، ولألحق الموعد في نفس الوقت.. وكنت إذا أحسست بالتعب وأردت التوقف أضطر الى تخفيف سرعتي بالإمساك بالأشجار التي على جانب الطريق او أعمدة الهاتف، فتجدني أميل تدريجياً الى جانب الطريق ثم أحاول مسك الشجرة بلف ساعدي حولها، او حول عمود هاتف ثم أتركه بسرعة حتى لا ألف بكاملي حوله او يتخدش ساعدي- وقد تخدش بالفعل- فتخف سرعتي قليلاً ثم أكرر نفس الحركة مع شجرة أخرى او عمود آخر ثم في النهاية استطيع الوقوف وأنا ألهث..

وأنا ألهث دخلت الى الميدان المضروب فيه الموعد، وكان مكتظاً بالناس، وتوجهت الى أمام عمارة عالية- بل هي الأكبر في هذه الساحة- زجاجية الواجهة، ويبدو أن أمامها موقف حافلات او شئ من هذا القبيل، ومن على البعد رأيت الزوج العجوز واقفاً وهما يشرفان برأسيهما من مكانهما الى البشر المتواجدين في الساحة، وما إن وقعت عيناهما عليّ حتى أشارا لي فتوجهت نحوهما، وكانت ساعتي تشير الى الثامنة مساء تماماً.. موعد اللقاء.. وما إن وصلتهما حتى قالا لي: "من النادر أن يأتي الناس في موعدهم".. فأحسست بالفخر إذ أعطيت هؤلاء الأمريكان انطباعاً إيجابياً عن السودانيين (وهم ما عارفيين طبع السودانيين والعرب في حكاية المواعيد)، ومعناها إنني صنفت من الذين يحترمون مواعيدهم.. حتى على مستوى الأمريكان.. وتحركنا ثلاثتنا، وقالا لي أننا سنذهب الى مطعم صغير وقريب.. وبالفعل بعد مسيرة قصيرة على الأقدام دخلنا المطعم، ورغم أنه كان صغيراً الى أنه كان فاخراً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #113
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-01-2013, 02:40 PM
Parent: #112


الحلقة الحادية والثمانين

نواصل

الأندلس 7

جلسنا ثلاثتنا على الطاولة، فإذا بي أفاجأ بهارون وميري قرين في نفس المطعم.. يا الله! انتو جايين لنفس المطعم وخليتوني أجي جاري المسافة دي كلها من قصر الحمراء وأنتو جايين راكبين؟

ولم تمض دقائق حتى سمعت من يناديني بإسمي، ولكن بلهجة أعجمية: (هاي أومار).. معقول؟ في غرناطة، في اسبانيا، في أوروبا.. زول يناديني بإسمي وأنا يادوب لي 24 ساعة؟ والتفت فإذا هي فتاتي الأمريكية (المعجبة).. فهييتها (هاي فلانة) أي حييتها.. وعلى طول جابت والديها وأجلستهم في الطاولة المجاورة لطاولتنا.. إيه الهناء الأنا فيه ده؟! فعرّفت مضيفيّ بهذه الأسرة وبأسرة قرين.. أنا السوداني أعرّف الأمريكان ببعضهم البعض.. أكيد كان فيه حاجة في الزول الاسمو عمر ده ، انا شخصياً ما عارفها شنو!

وبدأنا الونسة مرة أخرى.. وبما أنني علمت أنها تعرف اللغة الفرنسية (ما قلت ليكم ماهي أمريكية عادية، بل من علية القوم)، فقد قلت لها tu est tres belle ومعناها بلغة الضاد (أنت جميلة جداً)، فردت بصيحة امريكية مع تقليبة عيونها الجميلة.. طبعاً دقّست والديها والناس المعاي والتانيين.. ولو كنت قلت لها هذا الغزل بلغتها لما كانت هناك ردة فعل منهم أكثر من ردة فعلها.. فهؤلاء امريكان! وقالت لي بالفرنسية أن امها تعرف بعضاً من اللغة الإيطالية تعلمتها حينما كانت هناك، وبما أن سيرة أمها قد وردت باللغة الفرنسية فقد استفسرت منها الأم فترجمت ما قالت الى الانجليزية.. وهنا زاد يقيني بأن هذه الأسرة دبلماسية، وربما كان والدها سفيراً لبلده او دبلماسياً كبيراً.. وكأنها ذكرت لي ذلك في سياق هذا الكلام او فهمت انا ذلك من تلقاء نفسي..

كانت قائمة الطعام (المينو) بسبع لغات، وأعطوني واحدة فقرأت التي بالانجليزية، ومع ذلك لم أفهم شئ، ليس لأنني لا أعرف الإنجليزية ولكن لأن اسماء الوجبات غريبة بالنسبة لي، فلما رأي مضيفيّ ما أنا فيه من الحيرة قالوا لي نحن سنختار لك، قلت لهم نعم ولكن إلا الخنزير، فقالا لي نحن أيضاً معشر اليهود محرم علينا الخنزير.. وتلك المعلومة لأول مرة أعرفها.. فاختاروا لي لحم عجل مطهي بطريقة تجعله أشبه بالكبده عندنا، ولم أذق لحماً أطعم منه من قبل ولا ألذ.. وهما طلبا مأكولات بحرية، وقالا لي أنهما اختاراها لأنهما كبيران في السن، فهي تمنحهما بعض الطاقة.. وكانت هذه المأكولات البحرية أشياء غريبة، التي استطعت أن أصفها تشبه حلقوم الخروف المقطع دوائر، والثانية لا استطيع وصفها من غرابتها..

ثم جاء دور التحلية، فقلت لهما اختارا لي أنتما أيضاً، فقال لي أحدهما: (ارضاؤك سهل يا عمر).. فاختارا لي شيئاً بداخله شئ.. فهمتو حاجة؟ حأوصف ليكم الحاجة الجوه.. حاجة زي الكستر وما كستر، زي الكريمة وما كريمة.. زي الآيس كريم وما آيس كريم.. حاجة لذيذة وتتاكل بالملعقة.. فبدأت أغرف بالمعلقة هذا الشئ من داخل الشئ الآخر، والشئ الآخر يشبه برميل البيره بتاع الكاوبويات، لكنه صغير طبعاً ولا يتعدى حجمة قبضة اليد، ولونه بني زي برميل البيره.. ولما وصل المحتوى الى النصف تقريباً، وأنا لا أدري ما كنه هذه الحاوية، نادتني فتاتي الأمريكية قائلة: Omar, you can eat the outside of it وترجمتها: يا عمر ممكن تأكل الجزء الخارجي أيضاً، فضحكت وضحك مضيفيّ وضحك والديها وهارون وميري.. فبدأت بقطع الجزء الخارجي بالمعلقة واتضح انه ثمرة حلوة وضعوا داخلها هذا المحتوى من التحلية.. أهو اتعلمنا حاجة..

كانت ليلة جميلة، وأغرب ما فيها أنني خلال 24 ساعة فقط في مدينة أزورها لأول مرة في حياتي؛ التقي في مطعم بسبعة أشخاص سبق أن عرفتهم في مكان ما من تلك المدينة، ومعظمهم التقيه بالصدفة البحته!! ضحكنا كثيراً وتونسنا ونسة عبر طاولات الطعام، وافترقنا بعد ذلك، على أمل اللقاء غداً في بقية آثار غرناطة.. وسجلت تلك اللحظات في ذاكرتي، وقبل أن أهرم، وأقول.. هرمنا.. هرمنا.. أخرجت ما استطعت من ذكريات هنا، ورغم أنها جاءت متأخرة، لكن أن تأتي متأخراً خيرٌ من ألا تأتي!

ونصيحة لكل من يسافر أن يسجل كل شئ في دفتره مهما كان بسيطاً ولا معنى له، فسيأتي اليوم الذي يكون له معنى، وكلما مضى الزمن ستنمحي من الذاكرة التفاصيل الصغيرة او حتى الكبيرة.. ولا تنسو الاحتفاظ بالصور! ونصيحة لمن لم يسافر.. سافروا فللأسفار خمس فوائد: (تفريج هم واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد).

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #114
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-02-2013, 03:22 PM
Parent: #113


الحلقة الثانية والثمانين

نواصل

الأندلس 8

رجعت بعد تلك الدعوة الجميلة والأنس الظريف مع أولاد جون الجايين من بلاد العم سام، وكنت قابض الجو (ما عارف بشنو)، وكملت الظرافة مع بنات ست الفندق- واحدة في الطاشر والتانية صغيره واظن معاهم اخوهم صغير، وأذكر انني كنت اغني لهم اغنية انجليزية كانت سائدة في تلك الأيام وهم يضحكون مطلعها I LOVE YOU

في اليوم التالي ذهبت مرة أخرى الى قصر الحمراء بعد الوعد مع آرون وميري قرين بأن نلتقي هناك ويلتقطوا لي صور بعد أن علموا بقصة كاميرتي التي حُجزت في الحدود.. تجولنا في قصر الحمراء سوياً والتقطوا لي كثيراً من الصور، وكانا ودودين معي جداً، وكلما قلت لهم يكفي تصوير لي قالوا لي أن الصورة لا تكلفهم شيئاً ، ففي امريكا طباعة الصور الملونة رخيصة..

وبعد يوم طويل وحافل قالا لي يجب ان نودعك، وأخذا عنواني البريدي في المغرب، وقالت لي ميري انها ستراسلني، فقال لي آرون: ستراسلك ميري ولكني سأكتفي بإرسال الصور لك.. وفي مقهى شربنا فيه الشاي والقهوة التي دعياني إليها، ورسم لي آرون صورة في ورقة بيضاء وأعطاني إياها، وهو كما علمت من ميري مهندس معماري، ويبدو أنه مهندس كبير ومشهور لأنها قالت لي حينما دُهشت من تلك القاعة التي في شكل قبة وتسمع همس الذي في الطرف الآخر منها إذا وضعت أذنك على الجدار، وحينما أوضح لي آرون أن كل قاعة مبنية بهذا الشكل يحدث فيها مثل هذا، حينها قالت لي أنه- أي آرون قرين- قد بنى قاعة مشابهة في إيران ولكنها تكبرها بخمسة أضعاف او ثمانية أضعاف لا أذكر.. إذاً فالرجل ما هين أبداً..

ثم وقفا ليودعاني.. مددت يدي الى ميري.. فصافحتني ثم جذبتني من يدي إليها وقبلتني على خدي! بحماسة وعاطفة شديدة.. كانت مفاجأة بالنسبة لي، فارتبكت، لم أكن أتوقع أن يكون الوداع بهذه الحميمية، ومددت يدي الى آرون فمد يده إليّ وصافحني مودعاً.. وغادرتهما وأنا في حيرة..

ولقد أوفياء بعهدهما، فأرسل آرون الصور، كمية كبيرة منها التي انا بها، ومنها لمناظر عامة لقصر الحمراء، وسأريكم بعضها، ثم واصلت ميري مراسلتي لفترة طويلة حتى رجوعي النهائي للسودان، ومع إحدى تلك المراسلات كان كتابها المذكور آنفاً: (HOW YOU TRAVEL AND PAY FOR YOUR VISITS)..

حاولت التأكد من إسم الكتاب، فبحثت في القوقل، فكانت النتيجة أن قادني البحث إلى بعض المواقع، من بعضها وجدت مكتوباً:

(Mary Green is an innovative lingerie designer located in San Francisco. She has been in the apparel industry for 25 years, and millions of people all over the world are devoted to her products.)

ثم بحثت أكثر فوجدت أن لها موقعاً، ووجدت هذه النبذة عنها

(“Mary Green is a visionary of ethical and sustainable entrepreneurship, a creative and compassionate strategy that other American business leaders might find rewarding, encompassing both good humanism and good business….along with her design skills, her commitment to creating better lives for people living in the shadow of poverty and deprivation throughout the third world. Mary Green’s signature is adapting and uniting the unique artistic skills of workers in various countries with their innate entrepreneurship. By doing so she has created stable business communities that have emerged to produce her exceptional fashion designs. It is her creative humanism that truly makes her a woman of vision.”

Speaker of the House Nancy Pelosi,

in The House of Representatives,

The Congressional Record, June 20, 2008

“She is the queen of lingerie”

VANITY FAIR ITALY

Mary Green has taken her love of both international travel and cultures and people of the world, and, with her great sense of style and design, has created an internationally recognized lingerie firm. The firm specializes in silk undergarments combining the beauty of the finest Chinese silk with the creativity and design sense that has always been her hallmark.

With Mary Green’s business savvy and sense of ethical entrepreneurship, what had started as a small business headquartered in San Francisco, has grown into a modest empire that counts over seven thousand vendor locations around the world with reps all over the U.S., Canada and the EEC. During the course of her business, Mary Green has become a hands-on vital force in undergarment fashions, turning Mary Green Enterprises into one of the most successful and trend-setting high-fashion lingerie firms. The high quality luxurious designs have become noted for bringing to the world of lingerie a vast and spectacular array of new colors, color combinations, prints and designs rarely found in this fashion genre.

The Mary Green/Mansilk designs have become a wardrobe staple for some of Hollywood’s most recognizable faces including Renee Zellweger, Jessica Biel, Jennifer Lopez, Eva Longoria and Kate Hudson. They are often featured on the top stars and starlets in films and leading television shows. The luxurious undergarments are displayed repeatedly in top fashion magazines around the world including InStyle, Vogue, Glamour, W, Vanity Fair, Cosmopolitan, Elle, Self, Essence, Marie Claire, Redbook, Allure and Lucky. Mary Green’s designs have also made their way to the O List, Oprah Winfrey’s personal recommendation of a product, considered the country’s most coveted and sought-after magazine placement.

Mary Green’s status as an international businesswoman has brought her invitations to serve on the Boards of Directors of top charitable and business organizations, including the Women’s Leadership Board at Harvard’s Kennedy School of Government. Her business and humanitarian accomplishments were accorded international recognition when she was honored with the prestigious Leading Women Entrepreneurs of the World Award. In 2006, Mary Green was invited to participate in China’s first high-end fashion trade show and was the only American lingerie designer present at this historic event. In 2008, along with the two founders of You Tube, she was accorded the Vision Award for world leadership. Her recent CILA Award wins have made her the only designer to have won the fashion industry’s prestigious trophy on two consecutive years in multiple categories.

mary.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ومن الصورة المرفقة في موقعها (أعلى) ومقارنتها بصورتها التالية والتي تضمني معها، تظهر من ظهرها فقط وأنا واقف أمامها (الناس اللي على اليمين)،

Andalus1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


تأكدت من أن هذه هي التي قابلتها قبل ما يزيد عن ثلث القرن رغم أن وجهها ليس واضحاً، وكذلك لأن عنوان مؤسستها في سان فرانسسكو والذي كانت اوراق خطاباتها المرسلة لي والمروسة تذكره، هو هنا ايضا في سان فرانسسكو.. فأرسلت لها رسالة عبر إيميل موجود في الموقع، وهذا نص الإيميل، لنرى ما إذا كانت ستتذكرني وترد علي..

Dear Lili,
I am an old friend of Mary Green, met her in Spain in 1977, I found your site, but I found no email for her, if you don't mind please forward this email to her..
Attached is a photo of her and myself, shoted by her husband Aaron Green in December 27, 1976 at Alhambra Palace in Granada, Andalus, Spain.

Best regards,
Omar Ghoulam Allah Vice Chairman Office Manager ROTANA Media Group
Tel: +966 12110000x2212 Fax: 966 12112166

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #115
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-03-2013, 04:06 PM
Parent: #114


الحلقة الثالثة والثمانين

نواصل

الأندلس 9

تذكرت اسم كتاب ميري قرين، وهو (How to Be an Importer and Pay for Your World Travel).. وبعد أن ودعتني هي وزوجها عدت إلى الفندق.. ثم بالقطارغادرت غرناطة الجميلة التي رأيت فيها جمال الطبيعة وجمال المعمار الإسلامي القديم، ورأيت من على البعد الثلوج في قمة سيرا نيبادا- رغم أن اصدقائي الأمريكيين صعدوها وتزلجوا على ثلوجها حتى أصيبت إحداهن بنزلة برد- غادرت غرناطة وقصر الحمراء وجنة العريف بذكريات جميلة وصداقات جديدة..

كان القطار الذي استقليته يتكون من ثلاث عربات فقط (ذكرني بقطار الوحدة الذي كان يربط مدينة ود مدني بالعاصمة الخرطوم في ستينات وأوائل سبعينات القرن الماضي حيث كان يتكون من ثلاث عربات فقط وكان سريعاً جداً).. قطار اسبانيا هذا المتجه من غرناطة الى قرطبة توقف في محطة من المحطات ولاحظت ان كل من بقي من الركاب- وكانوا شخصين فقط، شاب وفتاة- نزلوا من القطار وتركاني وحيداً.. ثم جاءاني - او ربما جاءني الكمساري لا أذكر- وقالوا لي أن القطار سيتوقف هنا لفترة طويلة، ويمكنني استبداله بقطار آخر سيأتي بعد وقت قليل.. فقلت في نفسي أنا الآن (ماخد قطر طلب)، على وزن تاكسي طلب، بمعنى أنني الآن استقل كامل القطار وانا بمفردي، زي الواحد لما ياخد تاكسي طلب لوحده- وليس طراحه- يعني على حسابه.. لكن فكرة انزل وآخد قطار آخر حرمتني من تلك الميزة.. وأنا في القطار لوحدي في أحد محطات الأندلس تذكرت القطار الذي استقليته من مدريد الى فرنسا ثم إلى إيطاليا في صيف العام الماضي، وكيف أنه كان مزدحماً لدرجة انني كنت أنام في الممر الذي بنهاية العربة.. وكيف انه من الزحام كان هذا المكان الضيق ما بين جدار آخر قمره وما بين الفاصل بين العربتين، كان هذا المكان الضيق ينام فيه شخصي وبجانبي أمريكية تعرفت عليها في القطار- وكنا نرقد - وبريطانية جالسة ومتكئة على جدار القمرة الأخيرة ووجهها ناحيتنا ولم تجد مكان لترقد فيه، فظلت جالسة- مسكينة- وظهرها على جدار القمرة ورأسها على ركبتيها المرفوعتين بموازاة كتفيها.. وقد لاحظت أنها كلما أرادت أن تمد رجليها او ترفع ركبتيها الى أعلى رفعت تنورتها (الاسكيرت) الى أعلى وغطت بها ركبتيها وساقيها، ولكن عند الرفع ينكشف كل شئ قبل ان يغطي..

ثم غالبها النعاس فنامت.. ووصل طرف التنورة السفلي الى ركبتيها.. وكلما مر شباب فرنسيون- وكنا قد عبرنا الحدود الفرنسية- ورأوا المنظر أطلقوا من أفواههم صفارة تعجب.. حتى على الفرنسيين كان المنظر ملفتاً للنظر.. ومدعاة للصفير.. لم يكن من أعلى الركبتين وحتى القدمين شئ يسترها غير ورقة التوت.. وحتى ورقة التوت كانت تنحسر الى جانب كاشفة نصف ما كان يجب أن تغطيه.. وعندما رأت الأمريكية هذا المنظر أخذت بشكيري الصغير (الذي كنت أضعه على كتفي لزوم التنشيف بعد الغسيل أو الوضوء وأحياناً أضعه كمخدة) - وغطت به عيوني! يعني ما تعاين! ما عارف نظام غيره يا ربي واللا شنو؟ الغريب ان البريطانية كانت تستيقظ من حين لآخر وتعرف أنها مكشوفة على الآخر ولكنها لا تبالي فتعود الى نومها وكأنها في غرفة نومها وليس في عربة قطار مزدحم وعلى مقربة منها شاب لا يبعد عنها سوى سنتمرات، تساوي المسافة بين جنب شابة أمريكية وجنبها الآخر!

تذكرت كل ذلك وأنا استمتع بركوب قطار كامل لوحدي.. ثم هبطت منه وانتظرت الآخر، وركبته ووصلت الى قرطبة الفيحاء.. وتجولت في مسجدها الكبير والقصر واستمتعت بمنظر (الوادي الكبير) وقنطرته التي عبرتها بين ضفتيه، وإليكم نبذة عن قرطبة استقيتها من الويكيبيديا:

قرطبة الإسلامية

عصر الولاة

فتح المسلمون الأمويون قرطبة على يد القائد مغيث الرومي مولى الخليفة الوليد بن عبد الملك في سنة 92 هـ/ 710 م، بعد أن عبر بقواته إلى أيبيريا التي سماها المسلمون ببلاد الأندلس) وقتل ملكها لذريق (رودريك)، وقد جعل الأمويون الأندلس ولاية تابعة لولاية المغرب، حتى جعلها عمر بن عبد العزيز ولاية الأندلس تتبع للعاصمة الأموية في دمشق بشكل مباشر. وجعل الأمويون قرطبة مقراً لولاتهم على الأندلس فظلت كذلك حتى سقوط الدولة الأموية على أيدي العباسيين عام 750 م.

العصر الأموي

و لكن لم يعل شأن قرطبة إلا مع قدوم الأمير الأموي عبد الرحمن الداخل إلى الأندلس فاراً من العباسيين، فاستولى على مقاليد الأمور في الأندلس الإسلامية وجعل قرطبة عاصمة له عام 756 م. وقد كان هذا بداية لعصر قرطبة الذهبي، حيث أصبحت عاصمة الأندلس الإسلامية بأكملها وأهم مدينة في شبه الجزيرة، وفي عهد الداخل بدأ العمل على جامع قرطبة الكبير الذي لا زال قائماً في المدينة اليوم.

CordobaMosque.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


مسجد قرطبة (الصورة ملطوشة من القوقل)

واستمر الحكم بيد الأمويين من سلالة عبد الرحمن الداخل في هذه الفترة.

و قد تعرضت الدولة الأموية لعدد من الثورات المتعاقبة وفقد أمراؤها مقاليد الأمور حتى تمكن أحد أحفاد الداخل- عبد الرحمن الثالث الملقّب بالناصر- من إعادة توطيد ملك الأمويين وإخضاع معظم الأندلس لسلطته في قرطبة، وذلك في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري). وقد بلغت به القوة إلى أن اتخذ لنفسه لقب خليفة المسلمين، مستنداً إلى ما اعتبره حق أسرته القديم في الخلافة السابق لحق بني العباس. وقام الناصر بنقل حكومته إلى مدينة جديدة اختطها على بعد أميال من قرطبة أسماها الزهراء، إلا أن قرطبة ظلت المدينة الرئيسية في البلاد. بعد أحداث وقعة الربض وصلت المدينة لأوج مجدها في عهد الخليفة عبد الرحمن الناصر (912 - 961)، وابنه الحكم الثاني (961-976)، ثم تلاهم الحاجب المنصور بن أبي عامر (981 - 1002)، الذي استولى على مقاليد السلطة في قرطبة وصيّر الخليفة الأموي سجيناً في قصوره في الزهراء وابتنى له قصراً للحكم في طرف قرطبة أسماه بالمدينة الزاهرة. وقد كانت دولة قرطبة من أهم الدول الأوروبية في القرن العاشر، كما كانت منارة للعلم والثقافة في أوروبا، وعاصمة من عواصم الأدب والثقافة العربية والإسلامية، وأنجبت المدينة في هذه الفترة الشاعر ابن زيدون، والشاعرة الأموية ولادة بنت المستكفي، والفقيه ابن حزم، والعالم عباس بن فرناس، كما أنتقل إليها الموسيقي زرياب وأسس دار المدنيات.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #116
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-04-2013, 12:43 PM
Parent: #115


الحلقة الرابعة والثمانين

نواصل

الأندلس 10

متابعة النبذة عن قرطبة

عصر ملوك الطوائف والمرابطين

جمهورية قرطبة

في العقدين 1020، 1030 سقطت الخلافة بسبب ثورة البربر ونشوء ملوك الطوائف الذين قسموا الدولة إلى أكثر من 12 دويلة، منها غرناطة وإشبيلية والمرية وبلنسية وطليطلة وسرقسطة والبرازين وبطليوس. وتنازع حكام إشبيلية وطليطلة المسلمين على قرطبة حتى استقرت المدينة بيد ملك إشبيلية الطموح المعتمد بن عباد سنة 1078 م، ففقدت قرطبة مكانتها كعاصمة لدولة، وبزغ نجم إشبيلية المجاورة لها بدلاً منها.
وبينما ورثت تلك دويلات الطوائف ثراء الخلافة، إلا أن عدم استقرار الحكم فيها والتناحر المستمر بين بعضها البعض جعل منهم فريسة لمسيحيي الشمال. إلى أن أفتى الفقهاء وأهل الشورى من المغرب والأندلس ليوسف بن تاشفين، زعيم دولة المرابطين في المغرب العربي بخلعهم وانتزاع الأمر من أيديهم وصارت إليه بذلك فتاوى أهل الشرق الأعلام مثل : الغزالي والطرطوشي فاقتحم عامة الأندلس من أيدي ملوك الطوائف وانتظمت بلاد الأندلس، بما فيها قرطبة، في مملكة يوسف بن تاشفين، وذلك عام 1091 م.

عصر الموحدين.

وسقطت دولة المرابطين على يد حركة إسلامية أخرى هي حركة الموحدين، فصارت قرطبة وباقي الأندلس الإسلامية بأيديهم في منتصف القرن الثاني عشر. وقام الموحدون بإعادة عاصمة الأندلس إلى قرطبة، فاستعادت شيئاً من مكانتها السابقة. وفي هذه الفترة ظهر في قرطبة الفيلسوف المسلم ابن رشد، بالإضافة إلى العالم الديني اليهودي ابن ميمون، أشهر فلاسفة اليهودية في العصور الوسطى.
و لم يصمد الموحدون طويلاً بعد ذلك، فقد انهزموا هزيمة قاصمة في معركة العقاب "لوس ناباس دي تولوزا" بالإسبانية عام 1212م، فتهاوت بعد ذلك معظم المدن الإسلامية في الأندلس في أيدي مملكة قشتالة المسيحية، فسقطت قرطبة عام 1236 م على يد فرناندو الثالث بعد ما يزيد على خمسة قرون من الحكم الإسلامي للمدينة.

قرطبة الإسبانية

فرغت قرطبة سريعاً بعد ذلك من معظم سكانها المسلمين، وسمح الملوك الإٍسبان لمن تبقى منهم بالبقاء على الإسلام بعد استيلائهم على المدينة، أسوة بباقي المسلمين في الأندلس، واستخدموا العمال والمهندسين المسلمين في تصميم مباني وقصور وكنائس لهم على الطراز الأندلسي، وسمي المسلمون الباقون تحت حكم الإسبان بالمدجنين ("مديخار" بالإسبانية)، ولكن ذلك لم يستمر طويلاً، إذ بدؤوا بعد ذلك بالتضييق عليهم ثم إجبارهم على اعتناق المسيحية من خلال محاكم التفتيش، التي أستخدمت أنواع التعذيب والقتل حتى أن البعض منهم يخشى أن يُكتشف إسلامه حتى لايقتل، إلى أن قرّرت إسبانيا طرد المسلمين وأحفادهم ممن اعتنق المسيحية من سائر البلاد، كما تم طرد اليهود منها أيضاً، وذلك في بداية القرن السابع عشر، وتم توزيع الأراضي والإقطاعيات على مهاجرين مسيحيين من الشمال أعادوا توطين المدن مثل قرطبة.

و لا يزال الحيّان الإسلامي واليهودي القديمان معروفين في قرطبة الحالية، كما بقي مسجدها الضخم قائماً في وسطها، إلا أنه تم بناء كنيسة في قلب المسجد في القرن السادس عشر، ويستخدم الجامع الآن ككاتدرائية تتبعالكنيسة الكاثوليكية. وقد جعلت اليونيسكو وسط مدينة قرطبة (أي الحي القديم بما فيه المسجد والحي اليهودي) موقعاً من مواقع التراث العالمي، بالإضافة إلى مدينة الزهراء المجاورة لقرطبة.

وقد مرت جنوب إسبانيا ("أندلسيا" كما أسماها الإسبان) بفترة من الانحدار الاقتصادي والثقافي بعد ذلك مقارنة بباقي إسبانيا، وازدهرت إشبيلية على حساب قرطبة بسبب استخدامها كميناء يربط إسبانيا بالعالم الجديد، إلا أن المنطقة بأسرها باتت تعيش رخاء اقتصادياً في الوقت الحالي بفعل تنشيط السياحة وإنشاء منطقة أندلسيا ذات الحكم الذاتي. وتشكّل قرطبة مقر محافظة قرطبة داخل هذه المنطقة، وسكانها يتجاوزون الثلاثمائة ألف نسمة.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #117
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-05-2013, 12:53 PM
Parent: #116


الحلقة الخامسة والثمانين

نواصل

الأندلس 11

متابعة النبذة عن قرطبة

مواقع أثرية

أهم معالم قرطبة الرومانية

• الجسر الروماني، الذي يقطع نهر الوادي الكبير، وقد تم ترميمه في العصر الإسلامي، ولا يزال مستخدماً اليوم.
• المعبد الروماني، إلى الشمال من المدينة القديمة.
• الضريح الروماني.
أهم معالم قرطبة الإسلامية
• مسجدها الجامع من أجمل ما أبدعه المسلمون في الأندلس، وقد صنفه اليونسكو كموقع تراث عالمي.
• مدينة الزهراء التي أنشأها عبد الرحمن الناصر باسم زوجته. وقد احترقت تماماً خلال ثورة البربر عام 1020. ويجري حاليا ترميمها، إلا أن مجرّد 10% فقط من إجمالي مساحتها قد تم التنقيب عنه حتى الآن. وتقع في قلبه دار الروضة، وهي قصر "عبد الرحمن الناصر"، وجلب إليه الماء من الجبل.
• الحمامات العربية
• الحي اليهودي بقرطبة، وتسمى في الإسبانية بالخوديريا أي "مكان اليهود"، رغم أن اليهود قد طردوا من قرطبة منذ القرن السابع عشر.
• قلعة "كالاهورا"، وهي قلعة إسلامية تقع على الجانب الآخر (الجنوبي) للوادي الكبير عند نهاية الجسر الروماني، أجرى عليها الملوك الإسبان إضافات فيما بعد، وتحوي الآن متحفاً.
• بقايا أسوار المدينة وبعض بواباتها، خصوصاً في الجانب الغربي.
• الناعورة، وتقع بجوار الجسر الروماني.

آثار أخرى

• قصر قرطبة (Alcazar) وهو قصر ابتناه حكام قرطبة المسيحيون بعد استيلائهم عليها على موقع قصر قرطبة القديم، ومنه تم السماح لكريستوفر كولمبوس عام 1492 بالسفر بحثاً عن طريق جديد إلى الهند.

انتهت النبذة المقتبسة من الويكيبيديا (التي عدلت ونقحت فيها).. ونواصل حكايتي في قرطبة الفيحاء..

وهناك في قرطبة التقيت بسياح بيض يتكلمون الانجليزية فتعرفت عليهم- إذ من يتكلم الانجليزية في هذه المناطق كأنه أخوك او كأنه يتكلم معك بلهجة سودانية- وكانوا ثلاثة: زوج وزوجته واخته، من استراليا، قافن كول وزوجته صوفيا الاسترالية التي بها دم ايطالي او يوناني حسبما ذكر لي قافن، لذا كان لونها لون سكان البحر الأبيض المتوسط، اما قافن فكان ابيض شديد البياض وغليظ الجثة كثيف اللحية- رغم انه لا يؤمن بدين- وكان استاذا للرياضيات في استراليا، وشقيقته شقراء يكاد الدم يبان في جلدها، وشعرها أصفر.. وكانت طالبة ثانوي او شئ من هذا القبيل، أذكر انني سألته عن استراليا وعن موقعها من العالم (حضارياً ومدنياً) فقال لي انها في الدرجة التي بين امريكا واوروبا، اي أقل من امريكا وأحسن من أوروبا.. كان هو وزوجته لطفاء معي جداً، وكانت شقيقته حذرة او (مفترية) لذلك لم نتبادل كثير حديث انا وهي..

ورغم انهم كانوا غربيي الحضارة والثقافة وعديمي الديانة؛ فإنهم كانوا مؤدبين ومنضبطين في تصرفاتهم، على عكس شابين مغربيين التقيانهم هناك، فقد كان الشاب يلعب مع فتاته- التي قال للاستراليين انها صديقته- في الشارع حيث كان يتسلق ظهرها ونحن نسير، بينما الاستراليين يمشون مؤدبين رغم انهم زوج وزوجته..

سألاني عن وجهتي التالية بعد قرطبة فقلت لهم اشبيليه، فقالوا لي أنهم ايضاً متوجهين اليها، فدعاني قافن الى السفر معهم في سيارتهم إذا لم أكن أحمل عفشاً كثيراً (لأنني سأضعه على حجري إذ أن ضهرية السيارة ملأي بعفشهم)، وبما أنني كنت أحمل شنطة واحدة فقط فقد قبلت دعوتهم وشكرتهم عليها، واتفقنا على السفر في صباح اليوم التالي، وبالفعل جئتهم في المكان والزمان المحددين وركبت في المقعد الخلفي بجانب اخته بينما هو يقود السيارة وبجانبه زوجته.. وفهمت منهم ان السيارة شحنوها من استراليا واستلموها في اوروبا وعند انتهاء رحلتهم سيشحنونها الى استراليا ثم يركبون الطائرة.. وقد لاحظت ايضا انهم ما إن يصلوا الى مدينة حتى يذهبوا الى مكتب البريد ويتسلموا رسائل رغم انهم يكونون قد وصلوا هذه البلدة او المدينة لأول مرة في حياتهم، وسألتهم عن كيف يتم ذلك فقالوا لي ان هناك طريقة ان تصلهم الرسائل من ذويهم على مكاتب البريد في تلك المدن حيث يبعثون لأهلهم واصدقائهم خط سيرهم، فيرسل هؤلاء الرسائل الى بريد تلك المدن في وقت معين معلوم للطرفين، ولا يمكن ان يتأخر او يتقدم، فيذهب هو ويبرز جواز سفره فيسلمونه الرسالة.. ما تنسوا ان ذلك كان في العام 1976م!!


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #118
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-08-2013, 02:21 PM
Parent: #117


الحلقة السادسة والثمانين

نواصل

الأندلس 12

بعد رحلة رائعة في ربوع الأندلس ووسط سهولها الخضراء وجبالها المزدانة بالأحراش الجميلة وقراها ذات البيوت المحدودبة سقوفها، وأبقارها وأغنامها التي ترعى في مراعي حديثة، وكنت لأول مرة أسافر في سيارة صغيرة، وكنت أتخيل أن السفر بالسيارة الصغيرة متعب والجلسة ستكون مؤلمة، ولكن وجدتها مريحة ربما أكثر راحة من البص.. ووصلنا إلى إشبيلية.. وبحث قافن كول عن فندق، ووجد فندق غالي نسبياً عن فنادق قرطبة وغرناطة، وسألني إن كان يناسبني السعر، فأجبته بالإيجاب رغم انه لم يكن في حساباتي ذلك السعر العالي، ولكن لكي أظل معهم وافقت، فأخذنا ثلاث غرف، واحدة له وزوجته وواحدة لشقيقته وواحدة لي- مش كان نوفر حق غرفه وناخد غرفتين بدل ثلاثة!- وكان الجو بارداً، وكذلك الغرفة، وفي الليل قال لي قافن انهم ذاهبون لحفلة (فلامنكو) وما إذا كنت أرغب الذهاب إليها، وبما ان التذكرة كانت غالية فاعتذرت وذهبوا وبقيت في غرفتي.. سيما واننا قادمون من سفر ولابد من التمدد في السرير بعد تلك الجلسة الطويلة في السيارة من قرطبة الفيحاء الى إشبيلية..

في الصباح تجولنا سوياً في الآثار الإسلامية مثل صومعة الخيرالدا التي ذكرتها في مقالي المذكور آنفاً، وكذلك الكاتدرائية الشهيرة في وسط اشبيلية.. لا أدري إن كنا بتنا ليلة أخرى في اشبيلية ام لا.. لكن بعد إنتهاء زيارتنا لإشبيلية غادرناها بسيارة أصدقائي الاستراليين الى الجزيرة الخضراء (الجزيراس أو الخسيراس) كما في اللغتين الإنجليزية والإسبانية، في طريقنا على ما أذكر مررنا بمدينة الزهراء، (لامدينا الزهرا) حسب نطقها بالإسبانية، ولم نتوقف فيها، وهي أيضاً من مدن الأندلس الإسلامية كما يبدو من اسمها.. طبعاً ما زالت الأندلس تسمى الأندلس، ويسمونه (أندلوثيا) أو أندلوسيا، وهو إقليم من أقاليم أسبانيا..

وصلنا الى الجزيرة الخضراء، وتناولنا طعامنا دجاج شوايه- لأول مرة آكل هذا النوع الذي وجدته فيما بعد في السعودية في أوائل الثمانينات- ومع نصف الدجاجة كانت شرائح البطاطس المحمرة بالزيت.. كان طعاماً لذيذاً جداً أو أنني كنت جوعاناً جداً.. فقد بدأت التهم الدجاجة والبطاطس بشراهة، ويبدو أن أحدهم أداني عين- سأخبركم فيما بعد كيف- وربما كان صاحبي الاسترالي الذي لاحظ ذلك قال لي أنك تأكل بسرعة، فقلت له لأنني جوعان..

عندما وصلنا الميناء علمت أن أصدقائي مسافرون للمغرب أيضاً، وكانت فرصة لي أن أسافر معهم حتى المغرب، ولكنهم آثروا ان يسافروا الى طنجة بينما رغبت انا العودة عن طريق سبته لأزور مرة أخرى اصدقائي في تطوان.. وافترقنا بعد ان شكرتهم وودعتهم وركبوا العبارة المتوجهة الى طنجة..

لم أنس أن استرد كاميرتي التي حبسها عني موظف الجمارك عند دخولي الأراضي الأسبانية هنا في الجزيرة الخضراء، وذهبت الى جمارك الميناء واسترددت كاميرتي التي لم استفد منها في تلك الأماكن السياحية الجميلة، ولولا آرون وميري قرين لما كانت تلك الصور التي نشرت بعضها هنا.. وتوجهت نحو العبارة المتوجهة الى سبته، وركبتها، وكانت صغيرة والمقاعد مرصوصة كما في البصات السفرية، ولكن صفوف كثيرة متجاورة، واتخذت أحدها مقعداً لي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #119
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-09-2013, 02:14 PM
Parent: #118


الحلقة السابعة والثمانين

نواصل

الأندلس 13

نواصل رحلة العبور من الأندلس الى المغرب:

وتحركت الباخرة، وبما أن الموسم كان شتاء فقد كان البحر هائجاً، رغم أنه كان مضيقاً وليس بحراً مفتوحاً، وبدأت الأمواج تلعب بالباخرة، فتعلو فوقها ثم تهبط، وبتكرار تلك الحركة بدأ الجميع يحس بدوار البحر، وبدأ الاكتئاب يبدو عليهم، ثم تحركت البطون، وما في البطون.. وبما أن المسؤولين عن البواخر يتوقعون مثل ذلك فقد وضعوا اكياس امام كل كرسي لتفرغ فيها ما في بطنك إذا استدعى الأمر.. وقد استدعى الأمر بالفعل.. وبدأ (العزف) فردياً ثم أضحى جماعياً، وتسابق الناس نحو الحمامات، ولكن عددها كان قليلاً مقارنة بالعدد الكبير للركاب، فصارت رائحة الباخرة لا تطاق، وامتلأت براميل النفايات الموضوعة بالباخرة بأكياس مليئة بمحتويات البطن غير المهضومة، ومنها دجاجة مشوية بالشواية وشرائح البطاطس المقلية بالزيت.. ما قلت ليكم أن أحدهم أداني عين!

قافن كول.. بعد أن فارقته في نهاية العام 1977، لم أسمع عنه، ثم ظهر ابتكار الانترنت، وتذكرت قافن، وقلت أبحث عنه في الفضاء الأثيري، فبحثت عبر محركات البحث، ووجدت عدد ممَنْ إسمه قافن كول ، ومن بينهم استاذ رياضيات، فتذكرت أنه ذكر لي مهنته تلك، فكتبت إليه إيميل أسرد له بعض تلك الذكريات ليؤكد لي أنه هو الذي كان طرفاً فيها، أو له الإعتذار إن لم يكن هو.. كان ذلك منذ عدة سنوات، وربما كانت في بداية الألفية هذه، أي كانت رسالتي له بعد أكثر من عقدين من الزمان منذ ذلك اللقاء.. ورد عليّ بأنه هو الشخص المعني، وسألته عن صوفي زوجته وعن أخته فقال انهما بخير، ومما أذكر قلت له في رسالتي توضيحاً للشخص الذي أعنيه أنه كان ملحداً، فقال لي في رده أنه ما زال كذلك، وقال لي أنه يتأسف لأنه يقول لي ذلك- تمنيت من كل قلبي أن يكون مسلماً لأن اخلاقه كانت أخلاق إسلام، فهو باسم المحيا ودوداً حيياً، وتفضل عليّ بفضل ظهر..

اقتربت العبارة من شاطئ سبته بعد ساعة من الإبحار في مضيق جبل طارق، وبعد تأرجحها فوق موج الشتاء العالي، وبعد توتر نفسي شديد.. وعندما وصلت الى رصيف الميناء دارت دورة شبه كاملة لكي تكون بوابة الخروج بموازاة الرصيف..ورغم أن هذه الدورة لم تأخذ غير دقائق معدودة إلا أنها كانت كالدهر بالنسبة لي.. ثم توقفت أمام الرصيف وفتحت الأبواب وهبطنا إلى الرصيف.. ما أحلى الأرض.. ما إن وطأت أقدامي أرض الميناء حتى أحسست بالأمان وبالراحة النفسية.. معهم حق أهلنا في السودان يسمون الأرض (الجابرة)، وأهلنا في المغرب يسمونها (الرحبة).. ولا تحس بقيمتها إلا حينما تكون خارجها في بحر او في جو، سيما إذا مررت بمثل الظروف التي مررنا بها للتو..

تجولت في سبته الجميلة قليلاً، وفيها قابلت أستاذي في جامعة محمد الخامس الدكتور موسى عبود- اللبناني الجنسية- وزوجته الاسبانية، وسلمت عليهما، وهو أستاذ القانون الدولي الخاص- قانون الجنسية- وهو يدرّس في المغرب وفي اسبانيا وفي لبنان، وكان عمره فوق السبعين أيامذاك.. ثم ركبت البص المتوجه الى تطوان الجميلة حيث اصدقائي آل محفوظ..

ذكرت لكم سابقاً أن حصيلتي من اللغة الاسبانية ازدادت منذ رحلتي السابقة في يوليو 1976 فاستفدت منها في رحلتي الأخيرة هذه، وكان أن حفّظني احمد محفوظ جملاً وكلمات ضرورية للتعامل بها في اسبانيا.. كان احمد الابن الثالث لآل محفوظ، اكبرهم عبد الوهاب، والذي يليه هو مصطفى زميلي في جامعة محمد الخامس- كلية الطب، وثالثهم احمد الذي التحق فيما بعد بكلية الآداب- قسم اللغات، ورابعهم حسن وخامسهم هشام.. في رحلتي الأخيرة الى ماليزيا، وفي جزيرة لانكاوي قابلت بالصدفة البحتة صديقنا المشترك وإبن تطوان ايضاً وزميل دراستنا في نفس الجامعة وفي كلية الآداب قسم الفلسفة الأمين بوخبزه- وقد جاءت سيرته في مقالي المنشور بجريدة "المستقلة"، وهو بن عم زوجة مصطفى محفوظ- التقيته بالصدفة في جزيرة لانكاوي الماليزية في شهر يوليو المنصرم 2011م وهو يشارك في لقاء برلمانات الدول الإسلامية، وفي عجالة أعطاني أخبار المغرب وخاصة تطوان، وكانت الأخبار قد انقطعت لضياع رقم مصطفى محفوظ مني، حيث كانت آخر زيارة لمصطفى لبيتي في السعودية في العام 2006 حينما جاء للعمرة..

وفجر بوخبزه القنبلة في وجهي.. لقد رحل احمد محفوظ عن دنيانا منذ عامين إثر ورم في الدماغ، ولحقه شقيقه هشام منذ نحو ثلاثة أشهر إثر جلطة أصابته.. لا حول ولا قوة إلا بالله، وإنا لله وإنا إليه راجعون ونسأل الله أن يتغمدهما ووالديهما برحمته ويجعل مثواهم الجنة..


OmarsudanFes2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تجمعني مع مجموعة سودانيين ومغاربة في حي الليدو بفاس.. المرحوم أحمد محفوظ الأول على يسار الصورة.. فبراير 1978م

وانتهت رحلة الأندس..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #120
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-10-2013, 04:41 PM
Parent: #119


الحلقة الثامنة والثمانين

نواصل

الأندلس (ملحق)

بعد انتظار طويل وصلني رد رسالتي لميري قرين، وكنت أتوقع الرد وإن كان قد طال الانتظار والترقب.. فالأمريكان لا يطنشون أبداً، وكنت متأكداً أن الذي وجدته في النت- وهو موقعها وشركتها- لابد ان يكون صحيحاً، ورغم انني لم أجد عنوانها شخصياً في الموقع إلا أنني أرسلت الرسالة عبر الإيميل المتوفر وهو يخص موظفة في شركتها.. فرحت جداً بالرد، لا سيما وأنه تضمن معلومات هامة سأشرحها حين أترجم لكم رسالتها:
________________________________________
From: Mary Swig
Sent: Saturday, September 10, 2011 10:38 AM
To:
Subject:

Dear Omar - how amazing to hear from your after, literally, decades!!!sorry for the delay in responding- our daughter was married on august 20 and for several months that seemed to be all I could do- the planning!!

Of course I remember who you are. I have remarried and have told my husband - Steve - about out encounter many times. It had a powerful Impact on me that has endured for decades. He very much wants to go to the Alhambra with me.

Tell me what you are doing now? My memory was that you were a student. I remember that you were reading the arabic inscriptions on the walls.

I have been married to Steven for 27 years. We have a wonderful daughter Samantha - 26 years old - who married a few weeks ago to the man of her dreams. My other daughter has three sons aged 9, 7 and 4. They are, of course, perfect - as all grandchildren are!! My business still goes on. I remember that you lived in the Sudan?? So much happening there. It turns out that I have discovered that one of my great great aunts - who was a nun - was a missionary there in the late 1800s - amazing really. I have several original letters from her about her time there written while she was there . Remarkable that they survived I think.

I would love to hear from you about what you are doing and how your life is. Thank you so much for persevering and getting in touch with me. As I said I have never forgotten you.

With warm regards
Mary
********

وإليكم الترجمة:

عزيزي عمر

من المدهش أن أسمع عنك بعد عقود!!! آسفة للتأخير في الرد- والسبب أن ابنتنا تزوجت في 20 أغسطس ولعدة أشهر بدأ لي أن كل ما يمكن فعله هو التخطيط لهذا العرس!!

بالطبع أتذكر من أنت. وقد تزوجتُ مرة أخرى، وقد أخبرت زوجي-ستيف- عدة مرات عن اللقاءات التي حدثت في الخارج والتي كان لها تأثير قوي على نفسي الشئ الذي أعانى منه لعقود. لذلك ستيف يود كثيرا الذهاب إلى الحمراء معي.

أخبرني ماذا تعمل الآن؟ في ذاكرتي أنك كنت طالب. وأذكر أنك كنت تقرأ الكتابات العربية على الجدران.

تزوجت ستيفن منذ 27 عاماً. لدينا إبنة رائعة سامانثا-عمرها 26 عاماً-التي تزوجت قبل بضعة أسابيع إلى فتى احلامها. ابنتي الأخرى لها ثلاثة أبناء أعمارهم 9 و 7 و 4 وهم بالطبع حلوين-شأنهم شأن جميع الأحفاد!! أعمالي لا تزال مستمرة.

أتذكر أنك كنت تعيش في السودان؟ يحدث الكثير هناك. تبين أنني اكتشفت أن واحدة من العمات القديمات -التي كانت راهبة- كانت تبشيرية هناك في نهاية القرن التاسع عشر- شئ مذهل حقا. لدي عدة رسائل أصلية منها حول أيامها هناك كتبتها حين كانت هناك. وأعتقد أن الشئ الرائع أن هذه الرسائل بقيت لحد الآن.

أنني أحب أن أسمع منك عما تعمل وكيف الحياة الخاصة بك. شكرا جزيلا للمثابرة على الإتصال بي. وكما أسلفت فإنني لم أنساك ابدأ.

مع تحياتي الحارة
ميري
************
وأهم ما أود قوله في هذه الرسالة تلك الرسائل التي تحتفظ بها ميري والتي كانت من عمتها التي عاشت في السودان في نهاية القرن التاسع عشر.. لذلك سأحرص على طلب الحصول على نسخ منها علها تعطينا شيئاً من تاريخ المنصرين الأمريكان في السودان في ذاك الزمان..

والملاحظة الثانية أن صديقي آرون- زوجها في ذلك الزمان البعيد (1976) قد فارقها لتتزوج من آخر، ولم تعطيني أي اخبار عن آرون..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله
..

Post: #121
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-12-2013, 05:53 PM
Parent: #120


الحلقة التاسعة والثمانين

نواصل

المغرب مرة أخرى

بعد عودتي من رحلة الأندلس استقررت في الرباط مندمجاً في الكلية والمذاكرة.. فقد كانت السنة الدراسية الثالثة والأخيرة لي.. كانت معظم المحاضرات في مقر الكلية الرئيسي بأكدال، وأحياناً كنت أتردد على المقر الجديد في السويسي قرب الحي الجامعي، وكنا قد عاصرنا بناء تلك المباني ذات الثلاث طوابق، والتي بنيت بنظام التركيب- أي يؤتى بالجدران والأسقف جاهزة البناء من مكان آخر ويتم تركيبها الى بعضها البعض لتكون قاعات وغرف ومكاتب- وكانت تلك طريقة غريبة في الهندسة في ذلك الزمان.. ولا أذكر إن كنا قد حضرنا فيها محاضرات أم لا، ولكني أذكر اننا كنا ندرس الدروس التطبيقية في قاعات صغيرة (فصول) في أحد المعاهد في أكدال، وكانت الدروس التطبيقية يعطيها اساتذة مساعدون لمجموعات صغيرة من طلاب الدفعة..

يوم 17 يناير احتفلت بعيد ميلادي الثاني والعشرون، ودعوت الأصدقاء المقربون، ودعوت زميل جديد سمعت أنه يغني، فقلت لعلنا نحتفل بعيد ميلادي مع الطرب والغناء والفرفشة، كان ذلك الطالب يسمى عز الدين عبد الماجد.. ولكن في يوم عيد ميلادي ذاك سقطت أمطار حالت دون حضوره.. وقد كتبت في مذكراتي التي أحرص أن أسجل في كل ذكرى ميلاد ما حدث في العام المنصرم، كتبت أنه ربما يغني في هذا اليوم فنان سيكون له شأن، وبالفعل كان لعز الدين عبد الماجد شأن في مجال الغناء، وقد حضرت له بروفه في التلفزيون بعيد العام 1978 وربما في العام 1979م في منافسات مهرجان الشباب، وقد كنت برفقة خالي المرحوم علي ميرغني العازف المعروف فيما كان يدرب عز الدين وإنعام صالح وحنان الصغيرة..

أرفق صورة تضم الفنان عز الدين عبد الماجد وهو يمسك بالرق، وثلاثة (يبشرون) فيه، هم من اليمين:محمد أبكر إبراهيم، ثم شخصي وقد غطت يد محمد أبكر وجهي، ثم جمال دهب، ويبدو جالساً فيصل الحلفاوي، وفي الجدار توجد بوسترات فيها كتابة وفيها تاريخ (يوليو 1978) لو كان التاريخ صحيحاً فلربما كان حفل وداع للدفعة الأخيرة، لأن يوليو هذا ليس فيه مناسبة وطنية تخص السودان..

Maroc095.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في هذا اليوم أيضاً فاجأني الزميل عبد اللطيف بالحضور بدون دعوه، حيث كنا متخاصمين، فأكبرت فيه ذلك وسلم عليّ بالأحضان، رغم أن الخصام طال، والغريبة ان المفروض من يخاصمني ليس هو وإنما النور، حيث يتعلق الموضوع بجكسويته هو وليس عبد اللطيف، وكل الموضوع انه تآمر جكسويات مغربيات وفتنة منهن.. ونجحن في تلك الفتنة بيني وبين عبد اللطيف، إلا أن النور من وقتها فهم اللعبة وتجاوز الحاصل، ثم دفع عبد اللطيف للمجئ الى غرفتي في يوم عيد الميلاد، وكان ذلك موقفاً لا أنساه له.. انتبهو يا سادة من مؤامرات بنات حواء..

بمناسبة الاحتفالات وجدت صوراً من بينها صور لحفل فيه أعضاء السفارة السودانية بالمغرب، ويبدو أنها كانت بمناسبة عيد الاستقلال أو مناسبة أخرى لم أعد أذكر، وعلى ما أذكر كانت في الحي الجامعي السويسي الأول.. وأوردها هنا

Maroc090.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في أقصى يمين الصورة ولا يظهر غير جزء من شعرها وجانب منها، هي عائشة عمر، ثم في واجهة الصورة بعدها فيصل الحلفاوي، ثم عبد الله الحلفاوي، ثم جمال دهب (الحلفاوي برضو)، ثم شخصي عمر حسن غلام الله، ثم شخصين واقفين خلفهم لم أتعرف عليهم، ثم جالساً خلفهم عمر الإمام النور، ويبدو الذي يلبس قميص أحمر ولا نرى إلا ظهره أنه عز الدين عبد الوهاب، ثم محمد المنير حماد..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #122
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-15-2013, 05:04 PM
Parent: #121


ملحق للصور:

الصورة المرفقة في نفس الاحتفال المذكور أعلاه، وفي واجهة الصورة اثنان من أعضاء السفارة ثم شخصي الضعيف- عمر حسن غلام الله- الخنفس المضيقها بالبدلة والكرافتة، وخلفي مباشرة- أبو عمه وجلابيه- عمنا المرحوم إبراهيم النيل، وهو مقيم من قبل مجيئنا للمغرب بعدة سنوات، وهو من قيادات حزب الأمة السوداني، وكان تاجر سلاح في المغرب، وهو زوج نور الشام عبد الله عبد الرحمن نقد، إبنة زعيم حزب الأمة بمدني، وشقيقة زميلتنا فاطمة التي جاءت ونحن في السنة الثانية او الثالثة، وتظهر في الصورة بالثوب السوداني البرتقالي اللون، وعلى يمينها يبدو وجه عائشه عمر الخبير، وأمام فاطمة أحد أعضاء السفارة الذي على يساره عثمان عمر رضوان الإداري بالسفارة، ويبدو وراءه من جهة كتفه اليسار زميلنا عمر الإمام النور.. والوجه الذي يظهر خلف المرحوم ابراهيم النيل هو حمو (على ما أظن) يجاوره سيف الدولة عبد المنعم، يجاور سيف وعلى يساره أيضاً زميلنا جمال ميرغني الذي يغطي جزء من وجهه وجه عائشه..

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-1005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة في حدائق الحي الجامعي السويسي الأول، حيث يبدو خلفنا أحد أجنحة الحي، وفي الصورة من على يمينك:
نادية حسن، محمد البيلي، كوكا حسن كاشف، فاطمة عبد الله نقد الله، عائشه عمر الخبير، سامية إبراهيم احمد، ثم شخصي
ويرقد على النجيلة امامنا هاشم منزول نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته ويجعل مثواه الجنة

sudansudansudansudansudansudan-sudansudansudansudansudansudan-1004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه صورة لشخصي جالساً على حافة شرفة غرفتي- 222 جناح 2 الحي الجامعي السويسي 2 بالرباط، والصورة في ديسمبر 1977، وقد التقط الصورة زميل لي وهو في الأرض خارج الجناح، وغرفتي في الطابق الثاني..

Maroc001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة التالية لشخصي أجلس على حافة مثلث من الأرض عليه نخيل ونجيلة، ومعي زميل في الكلية او في الحي الجامعي، وعلى ما أذكر فالصورة في مدينة الـقنيطرة، قرب محطة الحافلات التي تأتي من الرباط باتجاه الشمال- طنجه او تطوان- ولو لم تخني الذاكرة فقد كنا في طريقنا الى الشمال في رحلة الحي الجامعي او رحلة منظمات شبابية، وقد توقفت الحافلة للاستراحة في محطة الحافلات بالـقنيطرة شمال الرباط.. وربما الصورة في العام 1977م

Maroc062.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #123
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-16-2013, 03:00 PM
Parent: #122


الحلقة التسعون

نواصل

المغرب .. السنة الأخيرة

يبدو أنني أتثاقل في الكتابة لكي لا أغادر المغرب الحبيب! فكما تلاحظون لي مدة لم أكتب في هذا البوست، وإذا كتبت فموجز، والسبب أن هذه هي السنة الأخيرة لي في المغرب أبان الدراسة، بل إنها الشهور الأخيرة.. وكأن نفسي تأبى- بأثر رجعي لثلث قرن- أن تغادر المغرب.. وبالفعل قلت مرة لزملائي في السنة النهائية لي بالكلية: لا أريد أن أتخرج.. أريد أن أكرر (أعيد) السنة الأخيرة هذه حتى لا أفارق المغرب.. فنصحني هؤلاء الزملاء بألا أفعل.. فقد تكون لي سبباً في عدم النجاح فيما بعد، وأكون كما قال وردي: (براي سويتا في نفسي).. لذلك عدلت عن الفكرة، وفكرت في خيار آخر هو العمل بعد التخرج في المغرب نفسها، وبالتحديد في تطوان التي أحب..

جاء وقت الامتحان فجلست لامتحانات التحريري كالمعتاد، ونجحت، ثم بعد شهر جلست لامتحان الشفوي، وأذكر انه كانت من ضمن الشفوي مادة العرض والمناقشة، وكان أستاذ المادة هو الدكتور العراقي سهام شاكر شلال، وهو قادم من امريكا التي أمضى فيها 13 عام كما قال، وكانت لجنة الامتحان تتكون من الدكتور سهام واثنين من الأساتذة أحدهم كان أستاذاً لنا في أحد مواد الدروس التطبيقية، وكنت في أثناء العام دائم النقاش معه حول الشأن السياسي، وكنت أدافع عن الإسلاميين فيما يبدو هو يدافع عن اليسار واليساريين، وكانت الموضة في السبعينات موضة اليسار والإشتراكية، ونقيضها الممقوت هو الإمبريالية، فكان اليساريون يصنفون من لا يؤيدهم بأنه إمبريالي.. وهذا ما يبدو أنه كان يظنه بي استاذي- نسيت إسمه- وكان أثناء مناقشتي من قِبل اللجنة يقرأ في جريدة، وواقع الحال أنه كان يستمع لما يدور، لأنه عندما جاء دوره ليسألني، قال لي: أنك قلت بالحرف الواحد كذا وكذا وأنا أعرف موقفك من هذه القضايا، موقفك واضح، فضحكت وقلت له نعم، موقفي واضح، وقلت في نفسي (خربانة خربانة، خليني أموت بشجاعة)، وعلى ما أذكر كانت العبارة التي قلتها ولفتت نظره هي متعلقة بأمريكا والإمبريالية، حيث انتقدتها، ويبدو انه حسب ما صنفني فيه يستغرب مهاجمتي للإمبريالية.. والحمد لله لم يكن سبب خلافي الإيديولوجي معه قد أثر على نتيجة امتحان المادة، بل على ما أذكر تحصلت فيها على درجة كويسة، وكان أستاذ المادة لطيفاً معي، فيوم وصوله الى الكلية لأول مرة، وفي أول محاضرة له شرع يسرد لنا المراجع بالعربية، ثم بالإنجليزية وكنت استوقفه لأتأكد من اسم المرجع باللغة الانجليزية، ولم يكن الطلاب المغاربة يعرفون الانجليزية لذا لم يكترثوا بالمراجع الانجليزية، وهذا جعله يتعرف بي، وذكر لي خارج المحاضرة أنه يذكرني إذ كنت استوقفه لأكتب اسماء المراجع الانجيلزية..

Maroc031.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تضمني وعائشه عمر الخبير، ثم ثريا احمد السيد حمد، ثم زميلة لبنانية، ثم محمد الطاهر حمدان، والصورة في حوش كلية الحقوق- أكدال- الرباط، وتظهر لوحة الكلية في الأعلى، وخلفنا المدخل الرئيس للكلية، كما يظهر الدور العلوي الذي توجد به بعض المدرجات، والصورة على ما يبدو في صيف العام 1976م.. لست متأكد..

وعلى ذكر المناقشة مع الأساتذة ولكن خارج قاعات المحاضرات ومجالس الامتحانات، فقد سألت الدكتور إبراهيم دسوقي أباظة، وهو استاذ قانون مصري معروف، وكان يدرسنا مادة المالية العامة، ومادة القانون الاقتصادي، وقد أفرد جانباً منه للنظرية الماركسية في الاقتصاد وانتقدها، كذلك أورد لنا بعض نصوص الدستور السوفيتي الذي يبيح ممارسة الأديان، ثم في المادة التالية يبيح محاربة الأديان.. وقد سأله طالب هل أنت يا دكتور من الأخوان المسلمين فكان رده: (أنا مع كل فكر أصيل وضد كل فكر دخيل)، وعندما انتهت المحاضرة وخرجنا من القاعة سألته إن كان كما يقول فلماذا لم يكن مع الأخوان؟ فسرد لي بعض أخطاء الإخوان ومن ضمنها مقتل الهضيبي أو الدهبي لا أذكر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #124
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-17-2013, 03:23 PM
Parent: #123


الحلقة الحادية والتسعين

نواصل

المغرب .. الإمتحانات الأخيرة

من أساتذتنا في جامعة محمد الخامس الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس حزب الإستقلال وأول وزير أول (رئيس وزراء) للمغرب بعد الإستقلال وعلى ما أذكر كان يدرس لنا مادة المدخل لدراسة القانون، والدكتور أمل جلال وهو مغربي وأظن أنه أصبح من السياسيين وزعماء الأحزاب الآن، والدكتور رشدي فكار المصري المعروف وعالم الفلسفة، بل إنه كان يترأس مؤتمرات فلاسفة العالم، وكان يدرس لنا مادة علم الاجتماع (السوسيولوجي)، وكان محبوباً جداً من الطلاب سواء في قسمنا أو من الأقسام الأخرى فقد كان هؤلاء يزاحموننا في قاعتنا لحضور محاضرته فتمتلئ القاعة تماماً بالطلاب من الأقسام الأخرى بما فيها الأقسام التي تدرس بالفرنسية، فقد كان يحكي الطُرف وكان له أسلوب فكاهي محبب، وكان لبسه يدل على أنه فيلسوف لا يكترث للزينة ولا للأناقة، وأذكر من عباراته التي كان يرددها عندما يطلب منه الطلاب راحة أثناء المحاضرة – التي عادة ما تكون ساعتان أو أكثر- فيقول لهم: أنتم في حاجة إلى الراحة من الراحة!

ومن أساتذتنا الدكتور عاصم وهو مغربي أيضا وكان يدرسنا قانون الشغل، والدكتور الخمليشي استاذ القانون الجنائي، والدكتور محمد ميرغني وهو مصري نوبي وكان يدرسنا مادة القانون الإداري، وقال لنا من بداية السنة الدراسية أنه سيفهمنا المادة، وقد فعل، وقد أحرزت فيها أكبر درجة مقارنة ببقية درجاتي في المواد الأخرى.. وكان صديقاً للحلفاويين زملاءنا حيث كان يرطن رطانتهم، والدكتور البوزيدي كان يدرس لنا مادة القانون الدستوري، والدكتور المصري محمد بنونه الذي قال لنا مرة أنه أصلاً مغربي هاجر جده الى مصر حيث استقروا هناك.. وأذكر أنه في نهاية العام كان كثير المرض، ومرة أرسل إبنه الأصغر إلى الكلية لإيصال رسالة خاصة بالإمتحان، وصادفته في مدخل الكلية وسلمني الرسالة، فكتبتها على سبورة القاعة، وعقب الامتحانات وقبل أن نغادر المغرب نعى الناعي الدكتور محمد بنونه رحمه الله رحمة واسعة..

كما أسلفت جلسنا لامتحان التحريري ونجحت والحمد لله، ثم جلسنا لامتحان الشفوي ونجحت كذلك والحمد لله، وفرحت بالنجاح وفرحت أنني سأعود الى أهلي بعد غياب عامين، ولكن حزنت لفراق المغرب الجميل.. وكان استلام الشهادة من شباك في الكلية خلف المدرجات، نقف في زحمة خارج الشباك ليسلمنا الموظف من ورائه الشهادة.. لا احتفالات ولا حفلات ولا روب تخرج ولا تصوير ولا شهادة جدارية لتعليقها في المنزل، فقط شهادة ورقية، من ورق خفيف، فيها المعلومات الأساسية وكلمة ناجح والسنة الدراسية والتقدير (الدرجة) وعبارة: (لا يستخرج من هذه الشهادة إلا نسخة واحدة)، ثم توقيع الشهادة من عميد الكلية، وكان عامذاك محمد بنونة (ليس استاذنا الذي توفيّ في نفس العام) وتطابق الأسماء يؤكد ما قاله لنا المرحوم بأنه أصلاً من المغرب، كذلك فإن إسم (بنونه) نادر في مصر، ومن شباك آخر وفي وقت آخر تحصلنا على تفاصيل درجات المواد.. ولم أنس أن أسجل في السنة الأولى من دبلوم الدراسات العليا- ويسمونه هناك السلك الثالث- وهو يعادل الماجستير.. واستلمت شهادة التسجيل، وما زلت احتفظ بها، ولم يسعفني الحظ لمواصلة الدراسة بسبب عبارة واحدة قالها لي أحد أقربائي عندما جاء إلى منزلنا وسلم عليّ وبارك لي التخرج وسألني: ماذا ستفعل بعد التخرج؟ قلت له: سأواصل دراستي، فقال لي: (يا ولدي أبوك ده ما راجيك)! وكانت عبارته – رحمه الله ورحم الله والدي- هي القاصمة، فصرفت النظر عن الرجوع للمغرب، وبحثت عن العمل، واشتغلت بالبالكالوريس، وبعد ربع قرن التحقت بماجستير في جامعة الجزيرة!!

نعود الى المغرب وإلى الإجازة في الحقوق فرع العلوم السياسية (هذا مسمى شهادتنا التي تخرجنا بها) حيث قمنا بجولة لتوثيق الشهادات، من مكتب إلى آخر ومن وزارة التعليم العالي إلى وزارة الخارجية.. عدد كبير من الأختام والتوقيعات على ظهر الشهادة، والملاحظ أن استخراج الشهادة وتوثيقها كل هذه التوثيقات لم ندفع رسوم إلا في مرة واحدة وفقط مبلغ بسيط جداً ربما 12 درهم- فهمنا فيما بعد أن دفعنا له خطأ وما كان المفروض ان يطلبوه منا- عجيب أيها المغاربة، ندرس مجاناً ونُمنح منحة شهرية، ونسكن في الحي الجامعي برسوم رمزية، ونأكل في المطعم الجامعي برسوم رمزية أيضاً، ونسافر في رحلات ترفيهية برسوم رمزية، ولا ندفع شيئاً في استخراج شهاداتنا، ولا أي ورقة أخرى.. ونجد كل احترام وتقدير من المجتمع ومن الحكومة.. تالله ما أروعك يا المغرب، يا مغرب الأحباب (والأحباب في الدارجة المغربية تعني الأهل) ..

وهذه صورة لمجموعة من الطلاب السودانيين في الحي الجامعي السويسي الثاني حيث يظهر أحد الأجنحة خلفنا.. ولاحظوا الى تلك الشجيرات والأزهار التي امامنا.. فعلاً كنا نعيش في بحبوحة من العيش في تلك البلاد الجميلة.. وأهلها الأجمل.. الصورة فيها (على يمينك): كمال شرف، ثريا حمد السيد حمد، شخصي، محمد أبكر إبراهيم، محمد السماني عبد الرازق..

Maroc035.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #125
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-18-2013, 03:51 PM
Parent: #124


الحلقة الثانية والتسعون

نواصل

وداعاً مغرب الأحباب

كان لي زميل مصري اسمه محمد سيد، وكنا نحن السودانيين نقول للمصريين زملاءنا دوماً أن السودانيين شعب مضياف، فقال لي سأثبت لك ان المصريين ايضاً شعب مضياف، ودعاني لزيارتهم في مصر، كذلك صديقي النوبي مجدي عواض الذي سبق ذكره دعاني لزيارتهم في القاهرة.. لذلك كان خط سيري هذه المرة من المغرب الى السودان يمر عن طريق القاهرة، لذلك قطعت تذكرة الرباط القاهرة الخرطوم..

وبعد ظهور النتيجة وانتهاء العام الدراسي أغلق الحي الجامعي أبوابه، فنقلت الى أصدقائي البربر في شقتهم بحي المحيط- شارع مدغشقر- وبما أنها قريبة من وسط المدينة حيث السويقة وشارع محمد الخامس فقد تسوقت للسفر بارتياح، واشتريت ما استطعت شراؤه مما توفر لدي من المنحة المغربية هدايا للأهل بالسودان، بالإضافة لما كنت قد اشتريته من تطوان من بضائع اسبانية..

حددت موعداً لسفري الى القاهرة يوم 6 أغسطس 1978م (ذكرى إلقاء القنبلة النووية على هيروشيما اليابانية)، وفي آخر ليلة لي بالمغرب كنت في شقة اصدقائي ولم يكن يوجد غير أحمد نور الهدى العسكري في الجيش المغربي، ثم جاءت صديقة له فأنكرها وأبعدها عنه وقال لها إنه لم يعد يريدها وأنه ينتظر أخرى، وكالمعتاد في المغربيات تمسكت به إلا أنه لم يتراجع وقال لها إذا إردت وإذا أراد السوداني إذهبي له..

في صبيحة اليوم التالي توجهت للمطار حيث استقليت الطائرة المتوجهة الى القاهرة مودعاً مغرب الأحباب بعد ثلاثة سنوات إلا ثلاثة أشهر كانت من أجمل سني عمري، حاملاً شهادة الإجازة في الحقوق فرع العلوم السياسية، وفوقها أجمل الذكريات والتجارب الجميلة وحب المغرب وأهل المغرب وتجوال جميل في دول البحر المتوسط؛ اسبانيا وفرنسا وإيطاليا.. وتحركت الطائرة على مدرج المطار، وتجاذبتني مشاعر شتى، فرح للقاء اهلي وأصدقائي وحبيبتي، وحزن لفراق المغرب الجميل وأهله الطيبون وزملاء عزيزون من مختلف أنحاء العالم، آخرهم كوريان جنوبيان مسلمان قدما للمغرب في منحة دراسية لدراسة اللغة العربية، تذكرتهما الآن لأنني قابلتهما في مكتب الخطوط المغربية حيث كنت استلم تذكرتي للسفر الى القاهرة والخرطوم، وأذكر أن احدهما كان يسمى جون، وأحدهما كان يعرف قليلاً من اللغة العربية ولا يعرف شيئاً من الإنجليزية، والثاني كان يعرف قليلاً من الإنجليزية ولا يعرف شيئاً من العربية، وكنت أجتهد لأترجم لهما ولموظف الخطوط المغربية ما يريدان منه..

ثم فارقت عجلات الطائرة الأرض، وارتفعت في الجو.. وتحتنا كان المغرب الجميل يبتعد عن ناظرينا قليلاً قليلاً حتى لم نعد نرى غير قمم جبال الأطلس ونحن نتجه شرقاً صوب قاهرة المعز.. وداعاً أيها المغرب الجميل، وداعاً مغرب الأحباب، وداعاً أحبابنا المغاربة..

Maroc107001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي ويظهر في خلفية الصورة الزميل إبراهيم ميرغني، وعلى ما يبدو الصورة في الحي الجامعي السويسي الأول أو قربه، وغالباً الصورة اخذت في العام 1977م حيث أن ابراهيم تخرج في نفس العام لأنه سبقني في الدخول للجامعة، حيث كان من الدفعة الأولى قدوماً الى المغرب.. والبدلة تلك التي ارتديها تشير الى العام 1977م حسب ما تورده ذاكرتي التي بدأت تخرب.. كذلك الشعر الكثيف والخدود المكتنزة.. وكانت لنا أيام..

OmarsudanMolayIsmail001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تضمني (على يمينك) ثم أبو زيد محمد صالح، ثم النور محمد احمد، ثم عبد الله خالد في حديقة بالحي الجامعي مولاي اسماعيل ويظهر في الخلفية أحد أجنحة الحي.. وعلى ما يبدو الصورة في صيف أو ربيع العام 1976م - الرباط

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #126
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-19-2013, 12:50 PM
Parent: #125


محلق الصور لرحلة المغرب

M.BEELY.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة للزميل محمد البيلي، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي

M.BEELY001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

مكتوب خلف الصورة:
الأخ عمر أهديك رسمي عنواناً للصداقة والإخاء
محمد البيلي
15/1/77
وكما يبدو من ختم الاستديو فهو استديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 27 ديسمبر 1976م

M.Khalid001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة للزميل محمد خالد، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي

مكتوب خلف الصورة:
صديقي عمر
للذكرى والتاريخ
النيل يجري في الوادي
وحبك يجري في فؤادي
ولو كانت القلوب تهدى
لأهديتك حبك وقلبي
اخوك ابداً
محمد خالد محمد عثمان
الرباط في 24/3/1967 وهو يقصد 24/3/1976

وكما يبدو من ختم الاستديو فهو استديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 20 نوفمبر 1975م

MohamadOmar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة للزميل محمد عمر حامد، دفعتنا وفي نفس الكلية.. مهداة لشخصي..

وختم الاستديو خلف الصورة يشير الى أنه ستديو اطلس بالرباط- المغرب، وتاريخ ختم الاستديو هو 29 ابريل 1977م

Post: #127
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-22-2013, 03:44 PM
Parent: #126


ملحق الصور لرحلة المغرب (2)

MohammadOthman001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الزميل محمد عثمان الخليفة.. من أبناء القضارف.. شايقي.. شقيق وزير التربية والتعليم- أيام دراستنا الجامعية- محمد خير عثمان أمد الله في عمره.. درس بكلية الآداب- قسم الفلسفة- بالرباط
الصورة للزميل محمد عثمان على شاطئ الأطلسي خلف الحي الجامعي مولاي اسماعيل بالرباط.. ربما تاريخها في العام 1977م ..
محمد عثمان حالياً استاذ في القضارف.. قابلته قبل حوالي ثلاث أو اربع سنوات بمنزله بالقضارف بعد فراق دام ثلث قرن او على الأقل ثلاثة عقود.. له التحية

OmarAlImam001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

الزميل عمر الإمام النور.. من أبناء حليوه بالجزيرة.. زميل دراسة بمدني الثانوية ثم بجامعة محمد الخامس.. كلية الآداب..
حالياً عمر الإمام مقيم بالرباط - المغرب حيث يمتلك ويدير مطعماً هناك.. وقد كتب خلف صورته المهداة لي:

هدية الى
رفيق الدرب
الصديق الوفي
بل الأخ العزيز
أبداً
عمر حسن غلام الله
اخوك/ عمر الإمام

OmarAlImam002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وللأسف لم يكتب تاريخ ويبدو ان لصق الصورة في الألبوم قد أزال ختم الاستديو بما فيه الختم بالتاريخ.. ولكن أخمن انها كانت في العام 1977 تقريباً

OmarAlFarooq001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة للزميل الأخ عمر الفاروق.. من العاصمة.. درس معي بنفس الكلية.. أهداني هذه الصورة وكتب خلفها:
OmarAlFarooq002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الأخ عمر
لك رسمي اوراق اعتمادي
أخاً وصديقاً
مدى الحياة

والاستديو هو اطلس كما يظهر من الختم.. كذلك ختم التاريخ يشير إلى 18/5/1976
انقطعت اخباره عني منذ ايام الدارسة بالمغرب

Post: #128
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-07-2013, 04:12 PM
Parent: #127


ملحق الصور لرحلة المغرب (3)

TajAlsir001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الزميل تاج السر

TajAlsir002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثلاثة زملاء بجامعة محمد الخامس بالرباط وفي نفس الدفعة التي دخلت العام 1975م.. تاج السر وعبد اللطيف معي في كلية الحقوق، وطلحة بكلية الآداب..

وخلف الصورة كتب:

الى.. حواس مرهفة جياشة
وبعد معرفة....
أصبحت صداقته
حمامة بيضاء
رفرفت
على شغاف قلبي
ومصاريعه الصدئة
عمر غلام الله

وختم ستديو اطلس- الرباط
وتاريخ الصورة حسب ختم الاستديو 10 يناير 1978م

TalhaJibreel001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية للزميل طلحه جبريل

TalhaJibreel002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وخلف الصورة خط بيده:
عمر العزيز
مع اجمل تحياتي لك
طلحه

وختم ستديو اطلس- الرباط
وتاريخ الصورة حسب ختم الاستديو 7 ديسمبر 1976م

sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثالثة للزميل عبد اللطيف محمد خير
وهي وصلتني مؤخراً عبر الشبكة العنكبوتية من أحد الزملاء الذين درسوا معنا في المغرب..

Post: #129
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-23-2013, 03:12 PM
Parent: #128


ملحق الصور لرحلة المغرب (4)

Talhasudanothers.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة أعلاه نسختها من بوست الأخ عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعات فاس) في منبر سودانيز اونلاين، او ربما أرسلت إلي بالإيميل،
والتقطت في ضريح محمد الخامس- حسبما يتضح من الخلفية- او أمام صومعة حسان، وربما في مكان آخر.. ولا أعرف تاريخها ولكن أخمن- حسب هيئة الذين فيها ولبسهم وما حفظته الذاكرة من أشكال الزملاء في الأيام الأولى لوصولهم للمغرب- أنها كانت في العام 1975 او العام 1976م..

وتضم الصورة:
من يمينك وقوفاً: سيف الدولة عبد المنعم، محمد السماني عبد الرازق، محمد عمر حامد، أبو زيد محمد صالح
من يمينك جلوساً: طلحة جبريل موسى، محمد عثمان الخليفة، عمر الإمام النور، النور محمد أحمد

ويا حليل أيامكم يا شباب.. ويا حليل مغرب الأحباب

Talhasudanothers2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية أيضاً نسختها من بوست الأخ عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعات فاس) في منبر سودانيز اونلاين، او ربما أرسلت إلي بالإيميل،
والتقطت في الحي الجامعي مولاي إسماعيل- حسبما يتضح من الخلفية- او ربما في مكان آخر.. ولا أعرف تاريخها ولكن أخمن- حسب هيئة الذين فيها ولبسهم وما حفظته الذاكرة من أشكال الزملاء في الأيام الأولى لوصولهم للمغرب- أنها كانت في العام 1975

وتضم الصورة:
من يمينك وقوفاً: أحمد المصري- رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، فقد علمت بوفاته قبل أشهر من الآن- ثم طلحه جبريل موسى، ثم كمال شرف، ثم عز الدين عبد الوهاب (ربما)، ثم حماد (ربما)..

من يمينك جلوساً: محمد أبكر إبراهيم، حسن عبد اللطيف قرناص، محمد خالد محمد عثمان (ربما)، ثم النور محمد احمد..

وجميع الذين في الصورة هم من دفعتي التي وصلت الى المغرب في العام 1975م- عدا حماد الذي كان من الدفعة التي سبقتنا- والجميع كانوا في الرباط..

وإلى اللقاء في الحلقة القادمة بمشيئة الله..

Post: #130
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-24-2013, 04:49 PM
Parent: #129


الحلقة الثالثة والتسعون

نواصل

بن بطوطة السوداني في أرض الكنانة

كان بجانبي في الطائرة سوري يكبرني في السن، فعلق على شعري الخنفس إيجابياً وسألني إن كان شعراً طبيعياً أو مستعاراً فمسكت جزء من شعري وجذبته لأثبت له انه شعري الطبيعي، فأسرع بالقول: (لا لا مصدق مصدق، بس أنا قلت كده علشان انا كنت في الصومال ورأيتهم هناك يضعون صوف الأغنام وشعر الماعز على رؤوسهم فحسبتكم مثلهم).. المهم الونسة مع هذا الشامي قصر وقت الرحلة إلى أن وصلنا مطار القاهرة..

هبطنا من الطائرة الى أرض المطار ومنها إلى الصالات حيث ختمنا ختم الدخول على جوازاتنا، وتوجهنا الى سير العفش حيث استلمنا الشنط ووضعناها على العربات، ثم توجهنا صوب بوابة الخروج.. هأنذا حقيقة في أرض الكنانة، ففي المرة السابقة حينما كنا على متن طائرة وفد السودان المشارك في المسيرة الخضراء هبطت سودانير على مدرج المطار للتزود بالوقود، وبقينا جميعاً داخل الطائرة حتى أقلعت باتجاه أغادير.. أما الآن فأنا أمشي على تراب مصر هبة النيل..

خلف السياج الذي يفصل المستقبلين عن ممر العبور إلى الخارج رأيت زميلي محمد سيد القالع، سلمت عليه وعلى من معه- كان سائق التاكسي- وتوجهنا صوب مواقف السيارات حيث التاكسي الذي كان يستأجره من بيته للمطار وبالعكس، وركبنا التاكسي وتوجهنا نحو حي البساتين، وفي شارع البساتين العمومي كان مسكنهم .. صعدنا إلى الشقة ، وسلمت على والده ووالدته وإخوته الذين يصغرونه سناً كلهم، واخواته واحدة شابة تصغرنا وأخرى طفلة، وخصصوا لي غرفة.. غيرت ملابسي وأخدت دوش.. وكنت قد اكتشفت وجود سائل غليظ في ملابسي الداخلية عندما دخلت حمام الطائرة، فتوجست خيفة، وعند وصولي الى أصدقائي شكوت لهم ما رأيت، فاستدعى محمد صديق له طبيب يسكن بجوارهم فجاء الى الشقة وفحصني في غرفتي فقال لي أنني مصاب بإلتهاب من النوع القوي.. هذا بسبب تلك الليلة الليلاء الأخيرة في المغرب وكما أسلفت في الحلقة السابقة (وبالفعل وصلت الأخرى فاقتنعت الأولى.. ونفذت وصيته وليتها لم تفعل.. وستعلمون لماذا عندما أصل الى أرض الكنانة..).. ها قد وصلت الى ارض الكنانة وقد أصبت من جراء ما فعلت إصابة بالغة.. ما كان يجب أن يكون وداعي للمغرب ووداع المغرب لي هكذا.. انتبهوا يا شباب، فما كل متعة تنتهي براحة.. وأصر الطبيب أن آخذ حقن، وأخبرته بما حدث لي حينما أخذت الحقن- شرحت ما حدث لي في الحلقات السابقة- ولكنه أصر على الحقن على أساس أن العدوى شديدة وأن الإلتهاب حاد جداً ولا ينفع معه غير الحقن.. اقتنعت على مضض..

وفي دكان اللب والسوداني الذي يملكه والدهم والقريب من دارهم، وللتأكد من أنه ليس عندي حساسية من البنسلين، حقنني على ظاهر ساعدي بحقنة تجربة (حقنة صغيرة وإبرتها قصيرة وبها دواء يكشف إذا كان المريض يتحسس من البنسلين) وما إن بدأ في إدخال الإبرة في جلدي حتى أحسست بشئ في جوفي يصعد للأعلى فتابعته بيدي، وعندما وصلت يدي الى الصدر وضعت يدي على قلبي وبدأت عيناي تزغللان وبدأت أحس بدوشة، ثم لم أعد أرى شيئاً أو أسمع شيئاً.. لقد فقدت الوعي..

ثم بدأت أسمع أصوات متداخلة أشبه بأصوات الناس في السوق، جوطه، ثم بدأت أستعيد وعيي، فأحسست بشئ يدلك صدري، فتبينت فإذا هو الدكتور يدلك مكان القلب، وحوله مجموعة من الناس منهم صاحبي محمد وأصدقائه وأخيه، وكانوا عندما دخلنا الدكان لأخذ الحقنة يجلسون خارج الدكان.. ووجدت نفسي أتصبب عرقاً، وناولوني عصير ليمون معبأ في كيس ألمنيوم، فشربته وبدأت أستعيد حالتي الطبيعية..

الغريبة أن الطبيب لم يرَ ما يدل على وجود حساسية عندي ضد البنسلين، فالدائرة التي خطها بالقلم حول موقع طعنة الإبرة ظلت عادية ولم تنتفخ كما كان يتوقع في حالة وجود حساسية، فصنف ما أصابني بأنه حساسية نفسية.. المهم أنه أبدل الحقن بالحبوب، والحمد لله أنها أدت الغرض.. تاني تمشي تهبش!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..

Post: #131
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-27-2013, 03:55 PM
Parent: #130


الحلقة الرابعة والتسعون

نواصل

قاهرة المعز


يملك والد محمد ثلاث محلات لبيع اللب والسوداني والحلويات وما شابهها، وهي على ما يبدو تدر عليهم دخلاً جيداً بدليل مستوى المعيشة الذين يعيشونه، فما من سفرة طعام وإلا بها ما لذ وطاب من فراخ وبط ولحم، بكميات كبيرة عادة ما تبقى بعد الأكل بقية كثيرة.. مما استدعى جيشاً من الذباب في البيت، وكان عندما يرش بالمبيد يخرج من الشباك مثل سرب من طيور الزرزور ساعة مغربية يطير من حواشات العيش قرب مدني في طريقه للسراية في حي 114 حيث مسكنه.. ويتكرر إخراج (التير) كما تقول ميرفت شقيقة محمد وتقصد (الطير)- أي الذباب- بالمبيد الحشري أسراباً، ويتكرر رجوعه فرادى..

صادف وصولي لأرض الكنانة شهر رمضان المبارك، ومصر كلها تسهر حتى الصباح، وبعد الفجر البعض ينام والبعض يواصل النهار، ولكن الحياة كانت معظمها تدب في الليل القاهري.. كان اختلافاً كبيراً بين المغرب ومصر، فالمغرب تنام مبكراً- بحد أقصى العاشرة مساء- والقاهرة لا نوم لها، أو على الأقل لا نوم بالليل فيها.. المواصلات تجدها في أي وقت، المحلات مفتوحة دوماً، الشارع يزدحم بالناس، رجالاً ونساء وأطفال..

في مرة وانا جالس أمام أحد محلات عم محمد القالع لفت نظري خروج مجموعة من الصعايدة يتجاوز عددهم العشرة بجلاليبهم المميزة وعممهم الصغيرة من زقاق ومعهم عسكري، فسألت أخو محمد الذي كان يجلس معي عن هذا الحشد الصعيدي المفاجئ، فقال لي بكل بساطة: (فيه قريمة أتل)، فاندهشت لرده وكأنه يحكي عن فيلم.. فقلت له: (فين القتل ده)، فقال: (في الأهوه اللي قنبنا) وترجمتها (في القهوة اللي جنبنا).. وماذا يفعل هؤلاء الصعايدة؟ فأفادني بأنهم أهل القتيل، وأنهم يبحثون عن القاتل.. لماذا؟ قال لي أنهم لو وجدوه قبل ان يجده البوليس فسيقتلونه! هذا في القاهرة، وليس في الصعيد..

بنفس التاكسي الذي أحضرني من المطار كانت زياراتي لمعالم القاهرة، فزرت برج القاهرة حيث قطعنا تذكرة وصعدنا الى أعلاه، وتفرجنا على القاهرة من أعلى نقطة فيها، وكان النادي الأهلي يبدو تحت البرج مباشرة بميادينه الخضراء.. وكذلك زرنا الإهرامات حيث شرح لنا الدليل كيف ان قدماء المصريين قطعوا الحجارة التي بنوا بها الإهرامات في عشر سنين ونقلوها في عشر سنين وبنوا الأهرامات في عشر سنين.. ودخلنا الهرم الأكبر عبر النفق الضيق- الذي كان طولي عاقه وليس كما يقول المثل: (القصر عاقه والطول فاقه)- فقد أعاقني طولي حيث اضطررت طيلة الممر الذي يصعد الى القمة حيث غرفة التابوت أن أنحني وأنا أسير، مما جعلني مشدود عضلات الظهر والعنق والكتفين لحد الألم إلى أن وصلنا الى غرفة التابوت الخالية من التابوت..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #132
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-28-2013, 02:58 PM
Parent: #131


الحلقة الخامسة والتسعون

نواصل

أسكندرية الرائعة

جاءني زميلي النوبي مجدي علي إدريس عواض (شوفو كيف أنا متذكر إسمه الرباعي حتى الآن؟ ومع ذلك أقول أن ذاكرتي خربة) وأخذني معه الى منزلهم، وهو جناح في منزل سفير تشيكوسلوفاكيا حيث كان والده يعمل طباخاً او سفرجياً في المنزل، كان الجناح صغيراً وبسيطاً ولكنه كان أنيقاً ومرتباً، وكان منزل السفير في حي الدقي الراقي وقرب مستشفى السلام الدولي.. كان والديه طيبين للغاية، وكان له أخوات يصغرنه إحداهن شابة والثانية طفلة وأخ صغير، والجميع سمر اللون مثلي.. رأيت صوراً لأهله في النوبة فكأنني رأيت سودانيين في قرى الشمالية في السودان.. البيوت تشبه بيوت أهلنا في الشمال، والرجال يلبسون الجلاليب والعمم تماماً كجلاليبنا وعممنا، وفي يوم قال لي نذهب لنرى منزلهم الخاص الذي يبنونه، فخرجنا أنا وهو ووالدته، وللمفاجأة كانت والدته تلبس التوب السوداني.. تماماً كما تلبسه امي واهل السودان عامة، فسألته إن كان هذا هو لبسهم، فأجاب بالإيجاب، وكما يبدو فهو لبس الخروج كما حدث في ذلك اليوم، رغم أنها في البيت تلبس الجلابية الطويلة..

كانت مائدة الطعام عندهم مرتبة، ليس فيها إسراف، يأكلون بالشوكة والسكين، يجلسون جميعهم على سفرة حولها كراسي، طبخاتهم ممتازة وغير دسمة، يطبخون ما يأكلون فقط بلا تبذير.. كرماء بلا تكلف، تحس بينهم بدفء العشيرة.. وأنك اقتربت كثيراً من السودان.. وكان لمجدي رغبة أن يأخذ الجنسية السودانية لتفادي التجنيد في مصر..

تجولنا في منطقة الدقي واشتريت براويز مزخرفة ومذهبة وبعض تذكارات مصرية، مع ملاحظة أن المصنوعات الجلدية المصرية من أحزمة وشنط يد وتكايات أقل جودة وجمالاً من تلك التي تصنع في المغرب..

سافرت الى الإسكندرية حيث أهل جيراننا في السودان- مدني- حي 114، وكانت والدتهم فوزيه وقتذاك بالإسكندرية في منزل والدتها- التركية من جهة الأم والنوبية من جهة الأب- ومكثت معهم عدة أيام في بكوس الرمل، حيث قابلت شقيقها فاروق الذي كان سابقاً يسكن أيضاً في مدني حي 114 ويعمل بورشة 114، وتعرفت على إخوانه عيد وخميس وطه وجمعة.. وأيضاً تجولنا في الإسكندرية حيث زرنا بنت أخيها رقية (دقدق)، وكانت رقية قد زارت عمتها في السودان في أوائل السبعينات، وتعرفت علينا وتعرفنا عليها.. طبعاً ناس اسكندرية مميزين جداً وطباعهم تشبه طباع السودانيين الى حد كبير، ويحبون الناس ويحفظون العشرة.. كذلك هم أولوا مروءة، فما إن تسأل أحدهم عن مكان ما او عنوان ما إلا ويرشدك إليه بدقة، وإذا أحس أنك لم تفهم منه مشى معك حتى يوصلك الى العنوان.. وهم كريمون مضيافون، يمتازن بالشهامة والإستقامة، وهكذا هي دائماً الموانئ سكانها مميزون لأنهم يختلطون بالأجانب المقيمين والعابرين فيأخذون منهم حضارات وعادات تمتزج بمرور الوقت في بوتقة المدينة..

لاحظت ذات مساء ونحن نركب الترام انا والخالة فوزيه أن الساعة تجاوزت الثانية بعد منتصف الليل، وكأن الدنيا نهار، فاسكندرية مثل القاهرة تسهر حتى الصباح، سيما ونحن في رمضان.. وخط الترام هذا يوازي كورنيش البحر من محطة الرمل الى سيد جابر.. والإسكندرية منظمة وهادئة بالمقارنة بالقاهرة.. ونظيفة وجوها معتدل.. أحببتها أكثر من القاهرة، تحس فيها بالنفس الأوروبي، فكثير من المحلات أصحابها يونانيون، او بنيت على الطراز اليوناني أو الإيطالي، حتى أسماء المحلات والسينمات ما زالت أسماءها أجنبية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #133
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-29-2013, 03:07 PM
Parent: #132


لحلقة السادسة والتسعون

نواصل


الشيخ عبد الحميد كشك


رجعت من الإسكندرية القاهرة مرة أخرى حيث زرت شقيقة الخالة فوزية وزوجها هو أيضاً عم أولاد فوزية، أي عم محمد عابدين، ويسكنون في حي امبابه، وإبنهم صلاح يعيش في السودان منذ أواخر الستينات مع عمه وخالته جيراننا في مدني.. وبقيت في منزل زميلي محمد سيد في البساتين..


عندما زرت تطوان في المغرب وجدت شرائط خطب صلاة الجمعة للشيخ عبد الحميد كشك، ولم أسمع به من قبل، فاشتريت منها وسمعتها، فاشتريت المزيد منها، كانت مميزة ونارية ومبكية ومضحكة في نفس الآن.. لذلك عندما وصلت قاهرة المعز كان في بالي أن أحضر صلاة جمعة معه، وبالفعل أخذنا نفس التاكسي أنا ومحمد سيد الى حدائق القبة حيث المسجد الذي يخطب فيه الشيخ كشك.. ورغم أننا ذهبنا مبكرين إلا أننا وجدنا المسجد الأساسي ملأى بالمصلين، وكذلك الملحق الواقع خلف المسجد الأصلي والذي تزيد مساحته كثيراً عن المسجد الأصلي، والأدوار الثلاث للملحق ملأى بالمصلين وأيضاً الحوش الذي يحيط بالمسجد، وكذلك خارج الحوش..

وجلسنا ننتظر الآذان، وعندما أذن المؤذن آذان الجمعة وختمه رأيت عدداً كثيراً من الناس قاموا يشغلون المسجلات التي على حافة جدار الدور الذي نحن فيه والذي يقع أمام المصلين، ولاحظت أن هناك أعداد كبيرة متراصة من فيشات الكهرباء- بين كل فيش وآخر حوالي خمسة أو عشرة سنتيمترات- لتوصيل الكهرباء لأجهزة التسجيل التي تخص بعض المصلين- فضغط كل صاحب مسجل على زرار التشغيل وعاد يجلس في مكانه.. ثم بدأت الخطبة، وكان صوت كشك جهورياً وقوياً، وكالمعتاد منتقداً لكل خلل في المجتمع، واثقاً من نفسه، ثم في نهاية الخطبة واعظاً بصوت حزين.. وانتهت الخطبتان ووقفنا لنصلي الجمعة، وصلى بنا الشيخ كشك وانتهت الصلاة.

وبعد الصلاة بدأ في درس، فهبطنا سلالم الدور الذي كنا فيه، وتوجهنا نحو باب المسجد الرئيسي، ولم نستطع الدخول إذ لم يخرج أحد منه، فوقفنا في باب المسجد لنرى الشيخ كشك الذي ذاع صيته في المغرب ثم المشرق، فرأيته بجلابيته وعمامته وقامته القصيرة التي يكاد لا يصل فمه الى المايك رغم أن حاملة المايك كانت الأساسية- أي بغير تطويل بحديدة أخرى- لذلك فهو يرفع رأسه عالياً ليكون فمه في مستوى المايك.. وسمعنا الدرس الذي يعقب صلاة الجمعة، وفيه أضحكنا بحكاويه وقفشاته.. رحم الله الشيخ كشك رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان.. ودعوني أسجل هنا سيرته الذاتية التي اقتبستها من موقع ويكيبيديا:

عبد الحميد كشك (10 مارس1933م - 6 ديسمبر1996م الموافق للجمعة 25 رجب1417 هـ). عالم وداعية إسلامي، كفيف، يلقب بفارس المنابر ومحامي الحركة الإسلامية، ويعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي. له أكثر من 2000 خطبة مسجلة. خطب مدة أربعين سنة دون أن يخطأ مرة واحدة في اللغة العربية.

وُلد عبد الحميد بن عبد العزيز كشك في شبراخيت بمحافظة البحيرة في العاشر من مارس لعام 1933م، وحفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي السنة الثانية ثانوي حصل على تقدير 100%. وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر. وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #134
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-30-2013, 03:55 PM
Parent: #133


الحلقة السابعة والتسعون

نواصل

الشيخ عبد الحميد كشك (2)

عُين عبد الحميد كشك معيداً بكلية أصول الدين عام 1957م، ولكنه لم يقم إلا بإعطاء محاضرة واحدة للطلاب بعدها رغب عن مهنة التدريس في الجامعة، حيث كانت روحه معلقة بالمنابر التي كان يرتقيها من سن 12 سنة، ولا ينسى تلك الخطبة التي ارتقى فيها منبر المسجد في قريته في هذه السن الصغيرة عندما تغيب خطيب المسجد، وكيف كان شجاعاً فوق مستوى عمره الصغير، وكيف طالب بالمساواة والتراحم بين الناس، بل وكيف طالب بالدواء والكساء لأبناء القرية، الأمر الذي أثار انتباه الناس إليه والتفافهم حوله.

بعد تخرجه في كلية أصول الدين، حصل على إجازة التدريس بامتياز، ومثل الأزهر الشريف في عيد العلم عام 1961م، ثم عمل إماماً وخطيباً بمسجد الطحان بمنطقة الشرابية بالقاهرة. ثم انتقل إلى مسجد منوفي بالشرابية أيضاً، وفي عام 1962م تولى الإمامة والخطابة بمسجد عين الحياة، بشارع مصر والسودان بمنطقة حدائق القبة بالقاهرة. ذلك المسجد الذي ظل يخطب فيه قرابة عشرين عاماً.

سجنه

اعتقل عام 1965م وظل بالمعتقل لمدة عامين ونصف، تنقل خلالها بين معتقلات طرة وأبو زعبل والقلعة والسجن الحربي. تعرض لتعذيب رغم أنه كان كفيفا لا يبصر في هذه الأثناء ورغم ذلك احتفظ بوظيفته إمامًا لمسجد عين الحياة.
في عام 1972 بدأ يكثف خطبه وكان يحضر الصلاة معه حشود هائلة من المصلين. ومنذ عام 1976 بدأ الاصطدام بالسلطة وخاصة بعد معاهدة كامب ديفيد حيث اتهم الحكومة بالخيانة للإسلام وأخذ يستعرض صور الفساد في مصر من الناحية الاجتماعية والفنية والحياة العامة. وقد ألقى القبض عليه في عام 1981 مع عدد من المعارضين السياسيين ضمن قرارات سبتمبر الشهيرة للرئيس المصري محمد أنور السادات، بعد هجوم السادات عليه في خطاب 5 سبتمبر1981. وقد أفرج عنه عام 1982 ولم يعد إلى مسجده الذي منع منه كما منع من الخطابة أو إلقاء الدروس. لقي كشك خلال هذه الاعتقالات عذاباً رهيباً ترك آثاره على كل جسده وكان اعمى البصر.

في رحاب التفسير

ترك عبد الحميد كشك 108 كتاب تناول كافة مناهج العمل والتربية الإسلامية، وصفت كتاباته من قبل علماء معاصرين بكونها مبسطة لمفاهيم الإسلام، ومراعية لأحتياجات الناس. وكان له كتاب من عشرة مجلدات سماه "في رحاب التفسير" ألفه بعد منعه من الخطابة وقام فيه بتفسير القرآن الكريم كاملاً، وهو تفسير يعرض للجوانب الدعوية في القرآن الكريم.
كان عبد الحميد كشك مبصراً إلى أن صار عمره ثلاثة عشر عاماً ففقد إحدى عينيه، وفي سن السابعة عشرة، فقد العين الأخرى، وكان كثيراً ما يقول عن نفسه، كما كان يقول ابن عباس:

إن يأخذِ الله من عينيّ نورهما * ففي فؤادي وعقلي عنهما نورُ

وفاته

قبل وفاته في يوم الجمعة وقبل أن ينتفل قصّ على زوجته وأولاده رؤيا وهي رؤية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) وعمر بن الخطاب بالمنام حيث انه رأى في منامه الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقال له الرسول (صلى الله عليه وسلم) سلم على عمر، فسلم عليه الشيخ كشك، ثم وقع على الأرض ميتا فغسله الرسول (صلى الله عليه وسلم) بيديه فقالت له زوجته لِمَ قصصت علي هذه الرؤيا وقد علمتنا حديث النبي انه من رأى رؤيا يكرهها فلا يقصصها فقال الشيخ كشك ومن قال لك انني اكره هذه الرؤيا والله انني ارجو ان يكون الامر كما كان. ثم ذهب وتوضأ في بيته لصلاةالجمعة وكعادته، بدأ يتنفل بركعات قبل الذهاب إلى المسجد، فدخل الصلاة وصلى ركعة، وفي الركعة الثانية، سجد السجدة الأولى ورفع منها ثم سجد السجدة الثانية وفيها توفي. وكان ذلك يوم الجمعة الموافق 26 رجب 1417 هـ / 6 ديسمبر 1996م.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #135
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-31-2013, 04:22 PM
Parent: #134


الحلقة الثامنة والتسعون

نواصل

الحسين.. ورمضان.. والتجهيز للعيد

في أمسيات رمضان تجولنا في الحسين، ذلك الحي العتيق، واشتريت بخور من النساء اللاتي يبعن مثل هكذا بضائع حول الحسين، ولم يكن البخور سوى نشارة خشب عليها قليل من عطر يعطي رائحة البخور.. وكان التلفزيون يعرض أنشودة جميلة تدعو النائمين للإستيقاظ للسحور هي أنشودة (وحوي يا وحوي.. أصحى يا نايم.. صحى النوم)، وبطلة الفيديو كليب طفلة صغيرة أضحت فيما بعد المطربة الكبيرة هيام يونس- التي اشتهرت بأغنية تعلق قلبي طفلة عربية:

تعلق قلبي طفلةً عربيةً تنعمُ في الديباج والحلي والحلل
لها مقلة لو انها نظرت بها إلى راهب قد صام لله وابتهل
لأصبح مفتوناً معنى بحبها كأن لم يصم لله يوماً ولم يُصَل
ولي ولها في الناس قولٌ وسُمعهٌ ولي ولها في كل ناحيهِ
وكافٌ وكفكافٌ وكفّي بكفّها وكافٌ كَفوف الودْقِ من كفها انهمل
حجازية العينين نجدية الحشى عراقيّة الأطراف رومّية الكَفلْ
تِهاميّة الأبدانِ عبسيَّة اللَّمى خزاعيةُ الأَسنانِ دُرية القُبَلْ
ولا عبتُها الشَّطْرَنْجَ خيلي ترادفتْ ورُخِّي عليها دار بالشاهِ بالعجل
فقبّلتها تسعاً وتسعين قبلةً وواحدةً أخرى وكنت على عَجَلْ
وعانقْتها حتى تقطَّع عقدُها وحتى فصوص الطَّوْق من جيدها انفصلْ

- وقد قمت بتسجيل أنشودة (وحوي يا وحوي) بجهاز التسجيل الذي اشتريته في المغرب، ولكن للأسف نسيت أن آخذ الشريط معي للسودان.. وهاهي التكنولوجيا والعولمة تمكنني من سماع هذه الأنشودة الآن بكل سهولة بعد البحث عنها في القوقل وسماعها مسجلة في أحد مواقع الإنترنت.. يعني لميت في الأنشودة الضائعة مني منذ ثلث القرن.. سبحان الله..

وكان أن اقترب عيد الفطر المبارك، والمصريون مثلنا يجهزون الكعك والبسكويت للعيد، وجلسن البنات اخوات محمد وبنت عمه التي تسكن معهم على الأرض يجهزن الكعك، فشاركتهن إعداد الكعك، فأعطتني بنت عمه ككر لأجلس عليه، وقالت لي: حط ده على .... ويبدو أن الكلمة التي قالتها عادية عندهم، إذ قالتها بوجود بنات عمها ولم تلفت نظرهن أو أرى خجلاً في وجوههن، ونحن السودانيون لا نستطيع أن ننطقها، ومعنى جملتها تلك أن إجلس على ذلك المقعد الخشبي الصغير بدلاً عن الجلوس على الأرض..

لاحظت أن بنت عمهم هذه أحياناً أبناء عمها يضربونها، وقالت لي أيضاً زوجة عمها مرة أنها تخدمهم و(تاخد قرشين).. وفهمت ان أسرتها فقيرة، وفهمت من محمد بأن أسرته هو أيضاً كانت فقيرة وحكى لي أن أباه- وحكى لي الأب أيضاً نفس الحكاية- كان يدخن، وجاءه محمد يطلب منه قروش بسيطة لشراء كراس او أدوات مدرسية فقال له ليس عندي فلوس.. ثم قال الوالد في نفسه: (إبني يطلب كراسات ولا أعطيه حقها وأنا أشتري السجائر! والله لا أشربها إلا في غنى) ورمى بالسيجارة التي في يده.. ثم فتح الله عليه بهذا المحل الذي يبيع التسالي والفول السوداني والحلويات، ثم فتح محل آخر، فثالث وتحسنت أوضاعهم.. لذا استغربت من استغلال- أو قل استئجار- بنت عمهم في خدمتهم ومعاملتها بخشونة وصبرها على ذلك لفقرها.. ويبدو أن ذلك كله كان سبباً لطلبها الزواج مني.. ولو كان لي رغبة في الزواج وقتذاك لفكرت في شقيقة محمد ميرفت، او ربما كان اسمها فاتن لم أعد أذكر فقد اختلط عليّ اسمها واسم شقيقتها الصغرى، فقد كانت جميلة جداً وتدرس في المدرسة.. أو لكنت قد تزوجت من المغرب، سيما وأن آخر من طلب مني هذا الطلب تلك التي أصابتني بإلتهاب حاد.. لكن انتظار أهلي لي صرفني عن هكذا تفكير..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #136
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-03-2013, 03:49 PM
Parent: #135


الحلقة التاسعة والتسعون

نواصل

وداعاً أرض الكنانة..

أسمعني محمد سيد شريطاً كان متداولاً في تلك الأيام في مصر، وهو أهازيج كروية حيث تسمع فيه مشجعي نادي الزمالك يغنون لناديهم، والذي علق بذاكرتي منذ ذلك الوقت- رغم أنني لا كروي، أي لا أهتم بالكرة ولا بالتشجيع سواء لفرق سودانية او مصرية او غيرها- عبارة: (وقرن شطة ملهلب الميدان) وسبب بقائها في ذاكرتي حتى الآن هي أن المقصود فيها هو سوداني لعب لنادي الزمالك أيامئذ، وهو اللاعب شطة..

لاحظت أن محمد حينما كان يقف في دكانهم ويحتد معه زبون لسبب ما أو يتعامل معه على أساس أنه مجرد بائع لب، كان يقول له: (أنا جامعي وبأدرس في الخارج)، أي أنه ليس مجرد بائع لب وسوداني، طبعاً نحن السودانيين لا نقول ذلك حتى لو فهم الطرف الآخر ما فهم، ونرى من العيب أن نقول انا خريج او انا دكتور ما لم يستدعي الظرف ذلك أو نسأل مباشرة عن نوع الدراسة أو الوظيفة، ولكن لاحظت ان المصري عندما يعرفك بنفسه لابد ان يقرن اسمه ب: ليسانس آداب، او بكالوريوس حقوق، او المهندس او الدكتور او ماجستير كذا.. بينما نحن نذكر الإسم فقط دون ألقاب أو وظيفة او نوع الدراسة..

أذن وقت الرحيل الى الوطن فحجزت على الطائرة السودانية المتجهة الى الخرطوم، ورتبت شنطي رغم أنني لم استطع شراء كل ما وددت، وذلك أنني كنت أعطي محمد الدولارات ليصرفها لي جنيهات حيث كان يعرف مكان الصرافات، وكان يسلمني الجنيهات، ولكن آخر دفعة لم يسلمني الجنيهات، فاستحيت أن أسأله عنها، واستغربت تصرفه هذا، ولكن كأنه قد أخذ ثمن ضيافته لي! إذاً فلم يكن كما قال لي في المغرب: (سأثبت لك ان المصريين ايضاً شعب مضياف)!! وقد علم زميلنا مجدي عواض بذلك فاستغرب هذا التصرف.. ليس هذا فحسب، بل إنه عندما ركبنا التاكسي متوجهين للمطار وودعتهم وكان والدهم في وداعي في سيارة التاكسي ورأيته يدس جنيهات في يد محمد الراكب معي ليوصلني المطار، وخمنت أن تلك الجنيهات هي لسداد أجرة التاكسي أو لإعطائي إياها، ولكنه لم يسلمني شيئاً، بل إن مجدي هو الذي أعطاني جزاه الله خيراً على ذلك، وجزا الله خيراً أبا محمد الرجل الكريم الأصيل، وجزا الله محمد وعفا عنه هذه الهفوات أو الهنات..

احتفظت ببعض صور إخوة محمد التي أعطوني إياها، وكذلك كروت معايدة- أذكر منها واحدة فضية عليها سورة ياسين- من محمد إلى والدي ووالدتي بمناسبة قرب عيد الفطر المبارك، ولكن مطر مدني أتلف معظم صوري بما فيها صور إخوان محمد..

خانتني الذاكرة هذه المرة فلم استطع تذكر أكثر من هذا في أرض الكنانة، لذا سأودعها وأرحل ممتطياً صهوة جواد سودانير، مودعاً محمد ومجدي في مطار القاهرة، حيث استغرقت الرحلة ساعتان، ووصلت الى مطار الخرطوم بعد غياب عن الخرطوم والسودان دام لحوالي عامين إلا قليلاً..

وانتهت رحلة الدراسة الجامعية في المغرب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #137
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-04-2013, 01:52 PM
Parent: #136


الحلقة المائة

نواصل

عدتُ إلى أرض الوطن

وصلت الخرطوم وفجعني رحيل بن عمي (والده بن خالة والدي) السر التوم عماره الى دار البقاء، وسبب تذكري وفاته بعد ثلث قرن وأنا أسرد رحلة المغرب وعودتي منها هو أنه من حول لي الجنيهات الى دولارات والى شيكات سياحية حين سفري لأول مرة الى المغرب، حيث كان يعمل رحمه الله في البنك التجاري السوداني.. وثاني الكوارث حينما وصلت الى مدني وخلال أيام قليلة فقدنا بنت خالتي الطفلة ذات الخمس سنوات في حادث سير مؤلم، إنها رجاء عبد العاطي عمر.. ورغم هذه التراجيديا فقد سعدت بعودتي إلى أهلي ولقائي بوالديّ واخي الوحيد الصغير قمر الدولة واخواتي وبنات اختي، وبالحبيبة التي أصبحت خطيبة حيث طلبتها أمي من أمها إلى حين الخطوبة الرسمية..

قضيت أياماً جميلة بين ظهراني الأهل والأصدقاء والجيران، إضافة للمعارف الجدد من زملاء الدراسة بالمغرب وأهليهم، وأجمل الأوقات مع الحبيبة الخطيبة.. وكما أسلفت فقد كانت نيتي أن أعود للمغرب لمواصلة دراسة دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) بعد أن سجلت وحصلت على شهادة التسجيل، ولكن قريبنا وجدنا عبد الكريم عبيد رحمه الله ألقمني حجراً حين جاء ليسلم عليّ وسألني ماذا سأفعل- أي عقب التخرج- فقلت له سأعود لمواصلة الدراسة، فقال لي: (يا ولدي أبوك ده ما راجيك)! فغيرت تفكيري تماماً، سيما وأن ما قاله قد قاله بحضور أهلي ولم يعقبوا مما أشعرني بأنه قال ما لم يقولوه او قال ما في نفوسهم.. فصرفت النظر عن الرجوع للمغرب للدراسة، ولكن كنت أمني نفسي بالدارسة في المغرب إذا جاءتني موافقة للعمل في عمالة تطوان التي تقدمت بطلب وظيفة فيها.. ولكن تبخرت الأحلام بمرور الوقت.. وأصبح ألا مناص من العمل في السودان او في غيره من دول البترول التي لم أكن أحبذها لما سمعت من إساءة معاملة الأجانب بها، وأنا قد درست في بلد يحترم أهلوه أضيافهم..

بعد ان قضيت وقتاً ممتعاً مع الأهل والأصدقاء والجيران والحبيبة في مدني الحبيبة سافرت للعاصمة مرة أخرى وقدمت أوراقي لزميل رحلة وفد السودان للمسيرة الخضراء الذي كان أيام المسيرة مسجل إحدى الكليات بجامعة الخرطوم، وحين قدمت له الأوراق كان مدير إداري لشركة خاصة بالخرطوم، ثم عبر خالي (بن خالة أمي) ذهبت الى قريبه وكيل وزارة الخارجية عامذاك- ووزير الخارجية فيما بعد- المرحوم هاشم عثمان بمكتبه بالدور الرابع بمبنى الوزارة القديم بشارع النيل، وأذكر وأنا في بوابة الخارجية رأيت شابين يريدان الدخول للخارجية ويحملان ظرف مكتوب عليه: عمر السيد طه، وهو دبلوماسي كان يعمل بسفارة السودان بالمغرب، توفي فيما بعد رحمة الله عليه، والشابين يبدو من أشكالهم أنهم إخوان المرحوم.. المهم وجدت اسمي مكتوباً في دفتر الزيارات في المكتب الخارجي وسمحوا لي بالدخول الى الدور الرابع الذي كان له إجراء خاص للدخول إليه لأن فيه مكتب الوزير ومكتب الوكيل.. قابلت الوكيل وعرضت عليه شهادتي لا سيما دبلوم اللغة الفرنسية، وأذكر أنه قال لي لو تقدمت ثلاثة شهور لكنت صادفت اختيارنا لأول دفعة كان امتحانها فقط اللغة الفرنسية ولأول مرة في تاريخ الوزارة- من هذه الدفعة علي قاقارين- خلاصة المقابلة أنه يجب ان أنتظر الامتحان القادم الذي قد يكون بعد سنتين بسبب التقشف الذي حرم الوزارة من تعيين دبلوماسيين جدد في ذلك العام..

وقصدت آمال النور التي كانت تعمل في تلك الأثناء في البنك السوداني للإستثمار بعمارة الأخوة وكان أملي أن ألتحق بفرع البنك الذي سيفتح في مدني.. ذكرت لها فيما بعد في منزلهم العامر بأبي روف، بعد انتظار طال للوظيفة؛ أنني أحس بأنني عالة على أهلي وأنا الذي يجب أن أعولهم، فهونت عليّ الأمر وهدهدت خاطري بأن الوضع ليس من تقصيري ولكن بسبب عدم وجود وظائف.. طبعاً هذا العام الذي وصلت فيه الى السودان- 1978م- هو بداية التدهور في السودان، ففيه حدثت أول أزمة وقود في السودان، حيث اصبح الناس يترحلون داخل العاصمة باللواري والكارو بعد أن عاشوا عهداً زاهر حيث شركة مواصلات العاصمة- ابو رجيلة- والطراحات السهلة والتاكسيات الأنيقة.. وزامنت هذه الأزمة أزمة في السكر حيث صادفت شهر رمضان واضطر الناس لإذابة حلاوة كرملة في العصائر والحلو مر.. لقد وصلت السودان في وقت صعب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #138
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: ولياب
Date: 11-04-2013, 02:42 PM
Parent: #45

مادينقو

تحية وتعظيم

فاتني هذا القطار الجميل ، ولم أدرك الدرجة الأولى وعزاي أنني لحقت الدرجة الرابعة (الصفحة 4) وأن تلحق الرابعة خير من عربة الفرامل .

حاجة روعة .

Post: #139
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-05-2013, 06:21 PM
Parent: #138



شكرا ولياب على المرور وعلى المداخلة وعلى الكلمات الجميلة دي

انا حأحجز ليك صالون يا صديقي

بس ما تنسى - لما تلقى وقت- تمر على الصفحات الأولى..

تحياتي لك

Post: #140
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-05-2013, 06:30 PM
Parent: #139


الحلقة 101

نواصل

أول وظيفة بعد التخرج

بعد شهور عدة أعلنت لجنة الإختيار للخدمة العامة في الصحف عن وظائف في مجلس الوزراء، فقدمت اوراقي وانتظرت مع بقية الزملاء خريجي المغرب.. وظهرت النتيجة.. وقُبلت مبدئياً على أن أجلس لمعاينة، وجلست للمعاينة، وظهرت نتيجتها.. لقد تم تعييني في المؤسسة العامة للثقافة العمالية.. ويبدو أن نقاشي حول العمالة وما درسته في العلوم السياسية في المغرب قد رشحني لهذه المؤسسة، وقد علمت فيما بعد أن مدير عام تلك المؤسسة جاء بنفسه لاختيار من يريد من الخريجين، حيث كان قبل ذلك يعمل بمصلحة العمل.. رحم الله العم حسن الطاهر البشير..

وقد تم إلحاق بعض الزملاء خريجي المغرب بمجلس الوزراء منهم من الدفعة التي سبقتنا في التخرج من المغرب مثل عمر محمد صالح- الأمين العام للمجلس حالياً- ومن دفعتنا مصطفى البطل، وتم إلحاق إبن دفعتنا ابو بكر محمد صالح (البيبي) بالقصر الجمهوري، وفيما بعد لحقه طلال الملك، وتم إلحاق أبو بكر عبد العزيز (وكنا نلقبه في المغرب بوزير الصحة لنحافته) تم إلحاقه بمكتب العمل.. وحتى لا أنسى ففي السنوات القليلة التي تلت تم استيعاب زملاءنا عادل شرفي – دفعتنا- وأسامة نقد الله – الدفعة التي تلينا او التي تليها – بوزارة الخارجية.. وقد لحقنا بالمؤسسة العامة للثقافة العمالية من خريجي دفعة العام 1980م- وقد عاصرناهم ونحن في السنة الأخيرة- زملاءنا صلاح حسن خليفه وآخر أرجو أن أتذكر إسمه قريباً، ولابد أن أتذكره لأنه رفيقي في رحلة التقدم الى وظيفة مرة أخرى في البنك السوداني الفرنسي- البنك السوداني للإستثمار- سابقاً .. تذكرته.. إسمه عباس، ونلقبه بعباس ريكس.. عموماً سأذكر تلك القصة فيما بعد بمشيئة الله..

وتسلمت عملي في الثقافة العمالية حيث كان مقرها بشارع 57 بامتداد الدرجة الأولى – العمارات- بالخرطوم، وكان ذلك في مارس 1979م وبعد مضي أسبوع واحد صدر قرار بمأمورية لي إلى مدينة عطبرة حيث يحتاجون لمساعد مدير مركز عطبرة بديلاً لأحمد الطيب، ورجعت مدني لأبشرهم بتوظيفي، ولأودعهم لأسافر الى عطبرة التي وصلتها في أوائل ابريل 1979م وكان بانتظاري بمحطة القطار مدير المركز فاروق سند- رحمه الله- وحاول أن يأخذني الى منزله لكني طلبت منه إيصالي الى منزل عمي- بن خالة والدي- الحاج بشير محمد احمد - رحمه الله- حيث نزلت ضيفاً عليه وعلى أسرته لمدة مأموريتي التي امتدت لثلاثة أشهر، وفيها بقي فاروق سند بالعاصمة معظم الفترة وكنت أدير المركز مع خمس كاتبات وكاتب ولكن لم يكن موسم دورات تدريبية، لذلك لم يكن هناك عمل يذكر، فقمت بتنظيم عمل المكتب وضبطه.. ثم عدت للعاصمة لحضور المؤتمر التداولي للثقافة العمالية، وبعد انتهاء المؤتمر صدر قرار بنقلي الى مركز بورسودان.. فتمردت.. فقد كنت أريد النقل الى مسقط رأسي ومهوى فؤادي ومقر أسرتي وموطن حبيبتي.. لكن في النهاية أقنعوني بتنفيذ النقل على أن يعيدوني في أقرب فرصة.. وكانت أقرب فرصة بعد عام حكومي..

سافرت الى مدني لأودع أهلي، وكان وداع حبيبتي مميزاً، فقد بقيت معي حتى الواحدة بعد منتصف ليل مدني الذي سأسافر في غده الى الخرطوم ومنها الى بورسودان.. وكانت قد اتفقت مع بنت الجيران انها ستعود عبر جدار بيتهم، من بيتنا الى بيت الجيران الى بيتهم، وخرجنا لنجلس أمام باب بيتنا تحت النيمة- التي ما زالت باقية الى يومنا هذا- كان وداعاً حاراً.. بل حباً جارفاً في ليلة هادئة ساكنة لم يعكر صفونا شئ، ولا حتى عابر سبيل.. وانصرفت، ونمت، وفي الصباح الباكر ودعت أسرتي وتوجهت نحو موقف بصات الخرطوم حيث استقليت احدها نحو العاصمة الخرطوم، واستصدرت من المؤسسة تذكرة طائرة سودانير من الخرطوم الى بورسودان، وبالطائرة وصلت الى ميناء السودان الأول حيث كان في استقبالي خالي عابدين محمد الصادق- بن عم أمي وزوج خالتي- رحمه الله- في مطار بورسودان حيث أخذني الى منزلهم العامر بترب هدل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #141
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: بكري عباس علي
Date: 11-05-2013, 11:26 PM
Parent: #140

سرد ممتع ورائع دكتور عمر عشنا معك اللحظات كاننا معك

تحياتي

Post: #142
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-06-2013, 10:26 AM
Parent: #141


تسلم أخي بكري عباس
شكرا لمرورك الكريم
وشكرا لمداخلتك القيمة
وشكرا لكلماتك الرائعة في حقي
وخالص مودتي لك

Post: #143
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-06-2013, 10:38 AM
Parent: #142


الحلقة 102

نواصل

بورسودان.. والخطاب المدمر

كان وصولي الى بورسودان في أوائل سبتمبر من العام 1979م وكان الجو لطيفاً.. وفي اليوم التالي ذهبت الى مقر مركز الثقافة العمالية ببورسودان، وكان داخل نادي العمال الذي يجاور نادي الخريجين القريب من موقف البصات الداخلية، تسلمت مهام عملي كمساعد لمدير المركز وكان مدير المركز الأخ حيدر إدريس، وقد نفذت عدة دورات خاصة بهيئة الموانئ البحرية، وكما حدث في مركز عطبرة فقد غادر المركز مديره الى العاصمة وتركني وحيداً في المركز، ولم يكن بالمركز أي كادر آخر سواء كتابي او حسابي او غيره، للمقارنة فقط فقد كان مركز عطبرة به ستة كتبة.. لذا كان عليّ أن أقوم بدور المدير ومساعده والكتبة والفراشين والمراسلين وكل شئ.. لحسن الحظ ان موقع المركز كان قريباً من كل المصالح الحكومية المتركزة في قلب المدينة، وبقية المشاوير كانت تتم بالمواصلات التي موقفها الرئيسي في السوق قريب جداً من موقع المركز..

زرت أهلي الموجودين في بورسودان في أحيائها المختلفة؛ ترب هدل حيث أسكن مع خالتي، سلبونا وسلالاب وديم أبو حشيش وديم النور وديم المدينة، ولكن كان تواصلي الأكثر مع أصدقائي وأقربائي آل حمور، فقد كنت أزورهم في الأمسيات بصورة مستمرة حيث يوجد أولاد في سني وكانوا غاية في الظرف.. رغم ذلك ورغم الرحلات العلمية الترفيهية التي كانت تقام في الدورات وبعضها كان الى سواكن الأثرية فلم تكن بورسودان تروق لي، فقد كانت نفسي تهفو لمدني، ومن بمدني..

فاصل حلمي (من حلم أو بالأصح رؤيا لأنها ستصدق) قصير: استيقظت ذات صباح وتذكرت حلماً رأيته في الليلة السابقة، وكان الحلم كئيباً، وأصبحت وأنا مكتئب، وطوال النهار ظللت كذلك، وقد أخبرت خالتي فاطمة بأنني رأيت حلماً غريباً وسيئاً وأنني ما زلت أحسه ونفسي مكتئبة بسببه– والله يستر- فقالت لي (الله يستر)!

ومن مدني جاء والدي- رحمه الله رحمة واسعة- في مأمورية قصيرة الى بورسودان، فكان يوماً سعيداً، فسلمني خطاب من أهلي بمدني.. كان الخطاب مدمر (يبدو أن الحلم قد آن أوان تحققه)، قرأته وكأنني أقرأ حكم قضائي بإعدامي.. ، وخلاصته أن حبيبتي قالت أنها لا تريديني، وتعتبرني مثل أخيها، وأنهم- أي أهلي- (حيشوفوا) لي واحدة تانية، أو ربنا يعوضك بغيرها.. كيف هذا وأنها كانت معي لآخر ساعات لي في مدني؟ كيف هذا وأن آخر ليلة كانت من أحلى ليالي العمر وما زلت أحس بطعم القبل حتى الآن! قولوا شيئاً آخر يا أهلي غير هذا الكلام!! بعد ذلك الوداع الحار والعناق كانت هناك رسائل متبادلة من مدني والى بورسودان وبالعكس وكلها هيام وغرام.. فما الذي استجد فجأة ليقلب كل شئ رأساً على عقب؟

استلمت الخطاب حين عودتي من المكتب حوالي الساعة الثانية او الثالثة عصراً، او عند المغرب لم أعد أذكر.. وجاء الغداء او العشاء لا أدري ولم أستطع الجلوس معهم، ولم أستطع أكل شئ.. ونام الجميع.. ولم يغمض لي جفن، وظللت أحدق في السقف بلا تفكير ولا مشاعر ولا حزن ولا غضب.. وكأن عقلي قد أصابه الشلل، وإحساسي قد تم تجميده في القطب الجنوبي.. إلى أن قال المؤذن الصلاة خير من النوم.. فقمت فصليت في المسجد المجاور ورجعت أستلقي على السرير حتى موعد العمل.. ودعت أبي الذي كان سيرجع في ذلك الصباح إلى مدني، وسألني ماذا سأفعل، قلت له سأسافر الى مدني، قال لي أحسن..

لبست ثيابي وركبت مع خالي عابدين وشقيقه فتحي وركب معنا جار لهم، وعندما رجعت السيارة للوراء لتأخذ الطريق خنقتني عبرة.. كابدتها.. ولكن دموعي انهمرت فأخفيتها عن الذي يجلس بجانبي واجتهدت ألا يحس بأزيز البكاء داخل صدري.. لم أكن لحظة تلك العبرة أفكر بشئ، ربما فقط تذكرت الخطاب وما فيه، لم تكن المسافة بين المنزل والمركز طويلة.. أنزلوني في الشارع العام قرب المركز وواصلوا مشوارهم الى حيث عملهم في شركة الجزيرة- جلاتلي هانكي سابقاً- وما إن هبطت من السيارة ومشيت خطوات باتجاه المركز حتى أحسست بزهو عجيب.. أحسست كأنني خفيف تكاد لا تلامس أقدامي الأرض.. كأنني أقفز أو أطير ولا أسير في الأرض.. إحساس بسعادة مفاجئة وغامرة وغريبة.. والأغرب أنها عقب تلك العبرة الحرى..

ووصلت المركز، وكانت هناك دورة تعقد، وكان عليّ حصة إدارية مع الدارسين، ولم أستطع أداءها، فكلفتهم بواجبات ورجعت لمكتبي.. ثم غادرت الى موقف البصات الذي تتخلله أكشاك لبيع المرطبات، لا أدري هل ذهبت لأفطر أم لأشرب ليمون لا أذكر، وهذه الأكشاك تبث أغاني من مسجلاتها ذات الصوت الأستريو، وكان أحد المغنين هو عثمان حسين .. وما إن سمعته حتى أحسست بالعبرة مرة أخرى، لا، بل بنشيج حاولت كتمانه.. فأسرعت بالعودة لمكتبي.. وفشلت في كتمان نشيجي.. فأسرعت بإغلاق باب المكتب المؤدي للفصل والباب المؤدي للممر، وكذلك الشبابيك.. ثم انفجرت باكياً بأعلى صوتي.. لقد فقدت السيطرة على نفسي.. ولحسن الحظ لم يكن بجوار المكتب مكاتب أخرى سوى مكتب خاص بشركة الجزيرة للأقطان- وبينه وبين مكتبي ممر وباب لكل مكتب- ولم يكن يتواجد فيه غير شخص او اثنان، ويحيط بالمكتبين حوش النادي والشارع العام.. بعد أن سكت عن النحيب استأذنت من الدارسين وقلت لهم بعد أن يكملوا واجباتهم أن يغلقوا الفصل ويغادروا الى بيوتهم.. ورجعت الى بيت خالتي باكراً- قبيل منتصف النهار- وقبل موعد انتهاء العمل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #144
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-07-2013, 02:59 PM
Parent: #143


الحلقة 103

نواصل

محكمة!

ما إن رأتني خالتي حتى صاحت فيّ: (مالك؟) لم أرد عليها.. فقد كنت معبوراً.. ثم أنفجرت باكياً.. صاحت مرة أخرى: (المات منو)، فلم أستطع الرد، فأردفت: (فلانة ماتت؟) ولا أدري لماذا جاء في بالها فلانة (خطيبتي) فسألت عنها مباشرة .. رددت عليها: (يا ريتها كان ماتت!)، وألقيت إليها بالخطاب الذي كان ما يزال في جيبي وقتها.. قرأته، ثم حاولت أن تصبّرني.. قلت لها سآخذ حبة منومة لأنني لم أذق طعم النوم منذ صباح الأمس، قالت لي انتظر حتى يستوي الطبيخ فتتغدى، ثم غرفت لي من الحلة وهي ما زالت على النار- ما زلت أذكر الطبيخ حتى اللحظة.. كان طبيخ بطاطس- فأكلت على عجل ثم ذهبت الى المضيفة حيث أنام، وكانت خالتي معي في المضيفة تواسيني وتخفف عليّ، ثم أرادت الذهاب لتواصل عملها في المطبخ.. فطلبت منها ألا تتركني وحدي! لقد فاجأني حينها خوف مبهم.. خوف من لا شئ.. فبسملت خالتي وقالت لي: (قول بسم الله).. ويبدو أنني كنت قاب قوسين أو أدنى من الإنهيار العصبي، بل وصلت بالفعل لمرحلة الإنهيار العصبي منذ البارحة.. وبحثت في دولاب خالي فتحي عن حبوب منومة كان يستعلمها عندما يشتد عليه الصداع، وبالفعل وجدت حبة فاليوم 5 فبلعتها ثم فعل الفاليوم فعله فلم أدر بنفسي إلا في صبيحة اليوم التالي.. نمت من منتصف النهار حتى صباح اليوم التالي.. سألني خالي فتحي عن حالي، وقال لي: (لا أريد أن أسألك عما حدث لك، ولكن فقط أريد أن أطمئن عليك، فقد رأيتك تنهار فجأة).. طمأنته على صحتي.

أجريت اتصالاً مع زميلي مدير المركز- والمتواجد وقتها في الخرطوم- لأخبره بعزمي على السفر إلى مدني، وأعددت نفسي للسفر بالقطار، وعلى ما أذكر فقد استخرجت تصاريح سفر بالقطار على الدرجة الثانية من مكتب العمل حيث لا يوجد شئون إدارية تابعة لنا في بورسودان.. ثم استقليت القطار المتجه إلى الخرطوم والذي تحرك مساءاً، وحينما مرّ الكمساري وأبرزت له التصريح أخذ الصفحة الأولى والثانية وأرجع لي الثالثة بعد أن أشر عليها، ثم رجع لي فيما بعد حيث لاحظ حين مراجعة التصاريخ في قمرته أن الرقم المتسلسل في الصورة الأولى للتصريح غير مطابقة للصورة الثانية، فأخبرني بذلك وخيرني بين أن أدفع قيمة التذكرة نقداً أو أن يعمل لي اورنيك 200، حاججته بأن هذا تصريح صادر من جهة حكومية ولا ذنب لي إن كان هناك خطأ في التسلسل الرقمي، فقال لي أن ليس هناك غير الخيارين المذكورين، فاخترت أن انزل بأورنيك 200، ومعناه أنزل معتقلاً في محطة الخرطوم.. ثم فيما بعد فكرت فيما أنا فيه ونبذت العناد جانباً ودفعت قيمة التذكرة، وقد اتضح فيما بعد- حينما رجعت لبورسودان وراجعت موظف مكتب العمل الذي أصدر لي التصريح- أن التصاريح بالفعل فيها خطأ مطبعي، وقد عوضوني عن قيمة التذكرة، وكفى الله المؤمنين القتال، وكفاني الإعتقال..

وصلت الخرطوم في اليوم التالي مساء، اي بعد حوالي 24 ساعة، وبما أن المواصلات الى مدني لا توجد بالليل فقد كان لابد من المبيت في الخرطوم، ثم انطلقت في الصباح الى موقف البصات في السوق الشعبي حيث استقليت احد بصات الصباح ووصلت الى مدني.. كان الجو مكهرباً.. حكى لي أهلي الحاصل.. أحسست من الوهلة الأولى بسخافة الإدعاء، أتوا لي بالشهود الذين رأوها مع أحدهم.. كان بعضهم أقربائي من الدرجة الأولى، وكان أحدهم- رأس الحية – صديق قريبي ومن أبناء الحي، حكوا لي ما رأوه، وكل الذي رأوه أنها كانت تقف مع أحد الطلاب الذين يستضيفهم أحد بيوت الحي، أين رأوهما؟ قالوا في الشارع! عجباً! ألهذا السبب حدث لي كل ما حدث؟ ألأنها وقفت معه في الشارع يُحْكَم بفسخ خطوبتنا؟ ومن هو هذا الدون جوان الذي هو الوحيد الوقفته معها تدل على علاقة بينهما؟ ومنذ متى وقفة فتاة مع شاب في الشارع تدعو لكل هذه الضجة؟ ففي الحي يعرف السكان بعضهم البعض، ويتزاورون ويعتبرون أهل، ويلاقي هذا بنت الجيران فيسلم عليها ويتكلم معها، وتلاقي هذه ولد الحي فربما أوصلها الى بيتها إذا كان الوقت ليلاً أو كانت ذاهبة الى مكان خارج الحي.. حي شعبي بسيط أهله متعارفون ومتآلفون.. لكن قدري أن يفسر هذه الوقفة بهكذا تفسير ليكون سبباً في تعاستي.

ثم أرسلت في طلبها، وطلبت منهما أن يحكيا أمامها ما شاهداه، فحكى أحدهما حكاية وحكى الآخر حكاية أخرى- رغم أن المفروض انهما رأيا منظراً واحداً- فسألتها أيهما أصدق رواية، فقالت فلان!.. سألت أحدهما في أي وقت رأيتها؟ قال في الليل، وأين كانت؟ قال قرب منزل الدون جوان- منزل مضيفيه- وأين كنت أنت؟ قال كنت عند منزل علان.. ما شاء الله، قلت له لو كنت زرقاء اليمامة لما رأيت شخصين من هذا البعد وفي ظلام الليل (لا توجد أعمدة كهرباء بها أنوار في هذا الجزء من الحي)، ولو كان يرى بمنظار يعمل بالأشعة تحت الحمراء لما ميز ملامح هذين الشخصين ولما عرف هل هما ولدين أم بنتين أم ولد وبنت..

لقد كانت حبيبتي ثابتة وتتكلم بهدوء، بل وتضحك أحياناً سخرية مما قالوا، حتى انتهرتها كيف تضحك في مثل هكذا ظروف، ولكن فيما بعد عرفت أن ذلك من قوة شخصيتها وسلامة موقفها، لقد انهزم الشاهدان- بل هما الفتّانان- أمامها، وأما الذي قيل أنها قالت له أن عمر اصبح مثل اخي فلم التفت إليه لأنه لا يصح أن ينقل مثل هكذا كلام الى أسرتي لأن الأمر لا يعنيه، ثم إنه كان أكبرهم سناً، ويكبرني بأكثر من خمس سنوات.. لم استطع أن اسامحه حتى اليوم الذي أكتب فيه هذه الذكريات الأليمة، وإن كنت قد عذرت قريبي الآخر لصغر سنه عامذاك ولأنه ضحك عليه صاحبه..

ثم لما لم يقتنعوا بهزيمتهم أمامها أرادوا أن يأتوا ببرهان آخر ليؤكدوا لي صدق زعمهم- بعد أن فندته محبوبتي وسفّهت أقوالهم وبددت (أحلامهم)- فأتوا إليّ بالدون جوان المذكور، فوجدته إنساناً ساذجاً أقرب إلى الهبالة منه الى السذاجة، فقد تبرع لي باعترافه بأن هناك علاقة بينهما، بل وعلاقة متطورة فيها ما فيها، فقلت له: (هل تستطيع أن تقول هذا الكلام أمامها؟) قال نعم.. فسحبته من يده، فسألني إلى أين سآخذه؟ قلت له: إليها! فحاول أن يتملص من قبضة يدي ومن أقواله، ويبدو أنه مغرر به من طرف أولئك الفتّانين الذين لقنوه هذه الفرية، ولكني جذبته بإصرار باتجاه بيتها.. ووصلنا الى بيتها.. ورأيت من شباك مضيفتهم شخصاً نائماً- وقد كان الوقت ليلاً- فأسقط في يدي، إذ قد يكون هذا النائم هو والدها، فلا أستطيع طلبها، فعدلت عن مواجهته بها- لحسن حظه- وتركته وأنا أكثر اقتناعاً بأن ما حدث لعبة سخيفة ساذجة من شباب حقود استغل أهلي للتفريق بيني وبين محبوبتي الجميلة – أجمل بنات الحي بشهادة الكل- والتي لم أحبها لأنها جميلة، بل لأنني أحببتها- من النظرة الأولى- لذاتها، لشخصها، لروحها، حيث لم تكن أنوثتها قد اكتملت..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #145
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-10-2013, 04:18 PM
Parent: #144


الحلقة 104

نواصل

وداعاً بورسودان

قال لي أهلي أن هذه حياتك وأنت الذي تقرر.. لكن بعد إيه؟ بعد أن غرزوا سكيناً في قلبي؟ صحيح أن العاصفة قد عدت، ولكن الزلزال ما زالت هزاته التابعة تزلزل كياني.. عشت أياماً في مدني بعد هذه المأسأة، محاولاً لعق جروحي الغائرة.. أنّبتها على تهاونها في التعامل مع هكذا أشكال من البشر، كان حسن النيّة سبباً في ما حدث لي ولها.. وقفت في الشارع مع شاب تعرفه، وهذا ليس بدعاً في البنات، فكل بنات الحي يسلمن على شباب الحي، فلماذا هذه بالذات.. ليست وحدها من نالت عقاباً مثل ذلك بسبب جمالها، فقد حدث لخطيبة قريبي وكلاهما من نفس الحي، حدث لها ما حدث لخطيبتي، إدعاء بأنها وقفت مع فلان في الشارع، وأن تلاميذ مدرسة السني يشاغلونها، وخزعبلات من هذا القبيل، فكان نصيبها أن تسببت أخواته في إنهاء علاقتهما وفُسخت الخطوبة وأضحى كل منهما في وادي..

قضيت مع خطيبتي أياماً- لا أستطيع أن أقول إنها أياماً سعيدة- رغم إثبات براءتها مما نُسب إليها، فقد كانت حالة عدم التوازن ما تزال تلازمني، كنت التقيها يومياً في بيتنا أو في بيتهم.. ثم عدت إلى بورسودان، وسألتني خالتي لتطمئن عليّ فحكيت لها كل شئ، وسألتني لماذا فعل هؤلاء ما فعلوا، فقلت لها حسداً من عند أنفسهم! وعدت الى عملي.. وخلال فترتي في بورسودان رجعت الى مدني مرتين، مرة لزواج شقيقتي حياة من إبن عمي أنور خضر، حيث رقصت مع الخطيبة في الحفلة، وكان تركيز الجميع علينا، لقد كانوا يريدون معرفة نتائج المؤامرة علينا، وبالفعل لم يكن المزاج كما ينبغي، لقد بدأ واضحاً تأثير ما حدث علينا في تلك الليلة.. وزاد الطين بلة أحد أقربائي من الخرطوم كان (يقصنا) أثناء الرقص.. بمعنى أنه كان يدخل بيني وبينها عمداً، ورغم سذاجة قريبي هذا فالأمر كان يزيد توتري.. والمرة الثانية التي رجعت فيها لمدني كانت للعزاء في جدتي لأبي الزهره طه عليها رحمة الله وغفرانه وجعلها في الفردوس الأعلى من الجنة.. ثم عدت لبورسودان حيث أكملت التسعة أشهر وأزف وقت المؤتمر التداولي السنوي للثقافة العمالية في الخرطوم فودعت بورسودان وودعت خالتي وزوجها وأطفالها وخالي فتحي وبقية الأهل والأصدقاء وغادرت بورسودان الى العاصمة الخرطوم، وهناك حضرت المؤتمر، وبعده صدر قرار بنقلي إلى مدني مساعداً لمدير مركز الثقافة العمالية بمدني.. أخيراً سأستقر في مسقط رأسي، ومهوى فؤادي.. و.. دهراً تولى يا بثين يعود!

عدت إلى مدني الحبيبة في يونيو 1980 وتسلمت مهام عملي بدلاً عن الريح – رحمه الله- وكان مدير المركز وقتها عبد الكريم يس، وكما حدث في المراكز الأخرى ترك لي المدير المركز ومكث بالخرطوم، كان مقر المركز في مباني المدرسة العربية بشارع الدكاترة، مع مكتبة البلدية ودار اتحاد فناني الجزيرة- الذين كانوا لا يتواجدون إلا في الأمسيات فقط- يفصل المبنى الذي يضم هذه المكاتب عن الجزء المخصص من المدرسة العربية للمجمع التعاوني الإستهلاكي سور، وعن معهد الصناعات التقليدية الموجود أيضاً في جزء من المدرسة العربية؛ شارع الدكاترة.. وكانت لنا علاقات مع مدراء هذه المؤسسات.. خاصة مكتبة البلدية وأمينها محجوب إبراهيم النور- رحمه الله- وخفيرهم عم عثمان ومراسلهم عباس ريكس وكاتبتهم سميه، أما موظفينا فقد كان الكاتب عبد الجبار- رحمه الله- والكاتبات مريم الإمام وست أبوها، وفيما بعد الريله نصر وعبد الكريم والمراسل عادل.. وكانوا كلهم في مكتب واحد، والمدير ومساعده في مكتب، ثم هناك فصل للدارسين..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #146
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-11-2013, 03:01 PM
Parent: #145


الحلقة 105

نواصل

مدني، والنهاية المحزنة

بدأت علاقتي بخطيبتي تسوء بسبب خشونتي في التعامل معها، وبدأت أحس بالتوتر، كنت أجعل من كل حبة قبة.. حولت حياتها وحياتي لجحيم.. لقد بدأ مفعول الصدمة يسري.. لقد بدأت المؤامرة تؤتي ثمارها.. وجودي في مدني كان منى عمري لكي أكون بقرب الحبيبة.. ولكن يبدو أن الحاصل غير ذلك.. لم يكن الشك مصدر هذا التوتر، لأنني على يقين بأن ما حدث كان مؤامرة دنيئة دناءة من أحدثوها- على فكرة، لحد الآن وبعد مرور ثلث قرن بالتمام والكمال ما زال هؤلاء يعانون من (حق) المسكينة خطيبتي هذه، ما زالت لعنة ما قاموا به تطاردهم، لم يستقر أحد منهم في حياته، ولم يهنأ من استقر.. كبيرهم الذي علمهم السحر ما زال ينصب على خلق الله بعد أن كان ينصب على مدرسيه في المدرسة العربية، وفصل من الجامعة بفضيحة غش في الإمتحانات، وصار نصاباً معروفاً وسار صيته السيئ هذا في الركبان..

ثم ازدادت حالتي سوءاً.. وفي لحظة توتر شديدة ذهبت إلى خطيبتي في بيتهم ودار بيننا نقاش وختمته بأن قلت لها إن حياتنا معاً أصبحت جحيماً ولابد من الفراق.. فأمنت على كلامي.. فقلت لها سأخبر أخاك لكي يخبر والدك بأن خطوبتنا قد فُسخت.. قمت من مقعدي معتقداً بأنني قد أزحت جبلاً عن كاهلي.. لقد حسمت الأمر أخيراً.. بكت أختها التي كانت حاضرة هذا الحوار وهذا القرار.. وصلت باب الغرفة والتفت إليها، لم أجد تعبيراً في وجهها يدل على شئ، لا أدري هل كانت سعيدة بهذا القرار ام حزينة.. أم مصدومة؟ خرجت من بيتهم.. ولسان حالي يقول أين تلك اللحظة العصيبة من ذلك اليوم الذي دخلت فيه منزلهم لأول مرة.. شتان ما بين رئبال وسنور.. شتان ما بين جنة ونار..

بعد هذا اليوم العصيب قل نومي ولاذ النعاس بالفرار.. وحتى قليل النوم الذي كنت أجده أحياناً لم يكن نوماً عميقاً ولا مريحاً.. ثم بدأت أفقد شهيتي للأكل، ووصلت الى مرحلة أن أجلس في مائدة الطعام مع أهلي جبراً محاولاً عدم توتيرهم معي بعزوفي عن الأكل، ولكن كنت أمد يدي للطعام فلا أجد رغبة في الأكل، فأقطع من الخبزة وأمدها الى الملاح فتتوقف يدي في الطريق الى صحن الملاح، فأوجه الخبزة الناشفة الى فمي وأضعها فيه وأحاول أن ألوكها فلا أستطيع؛ فأشرب عليها جرعة ماء لتليينها كي أستطيع بلعها، ثم أقوم من السفرة.. والأسوأ من ذلك هو القلق، والخوف الغامض من لا شئ، ثم قلة الكلام خاصة في البيت.. كنت فقط أتحدث الى صديقي عماد سليمان- رحمه الله- رغم أنه كان أصغر مني سناً، وكان ينقل لي ما يدور في أذهان أهلي والذي يخبرونه به، وينقل لهم ما بي..

إزداد توتري مما جعلني متحفزاً تجاه البنات وشرساً للغاية، كنت أحذّرهن مني.. وأبعدهن عني رأفة بهن، ولكن دون جدوى.. يبدو أن البنات يردن من يبعدهن، ويبعدن من يريدهن.. كنت أقول لإحداهن إنني أشتهيك فقط، وليس لي قلب يحب، فتقول لي أنا اتعلقت بيك أكتر.. كانت إحداهن قد كتبت بدمها- طعنت إبهامها بإبرة كمن يريد أخذ عينة لفحص الملاريا ثم غمست القلم فيه- على علبة الحبوب التي أعطتنيها من صيدلية مصنع النسيج الذي تعمل به: حبة كل ست ساعات! لماذا فعلت هذا؟ قالت ليشارك دمي في علاجك! تذكرت رواية الطيب صالح موسم الهجرة الى الشمال، وقول مصطفى سعيد: أنا لست عطيلاً.. أنا صحراء الظمأ..

كنت أرى حبيبتي- التي كانت خطيبتي- في الصباح وأنا ذاهب الى العمل، وفي رحلة العودة أيضاً، حيث طريقها الى مدرسة الجزيرة حيث تدرس هو نفس طريقي الى مركز الثقافة العمالية بمباني المدرسة العربية القديمة.. وكنت أحياناً أراها في زيها المدرسي الرصاصي اللون.. فيحترق قلبي ولهاً.. ويلتهب فؤادي سيما إذا رأيت من ينظر إليها أو يعاكسها.. لقد أضعتها وتندمت.. بل لقد أضاعوها مني وأمرضوني ولا أستطيع ان أقول سامحهم الله.. وذات صباح مشيت خلفها حتى دخلت من باب المدرسة، ثم دخلت وراءها.. وكانت ما زالت في الحوش الذي يلي بوابة المدرسة وقد وقفت مع زميلة لها.. فغرت فاها دهشة، فقد حسبت أنني (جننت) وتبعتها حتى داخل المدرسة.. فتوجهت نحوها وطلبت منها ان تدلني على استاذة فلانه- حيث كان بيننا عمل- فدلتني عليها.. كذلك كنت أزور بيتهم من حين لآخر بحكم الجيرة وبحكم زمالة شقيقها الأكبر لي أيام الدراسة المتوسطة.. وأحياناً كنت أجدها فتسلم عليّ عادي، وكانت هي أحياناً تأتي الى بيتنا بحكم علاقتها بأسرتي..

كان بعض الأطباء لهم علاقة بمركز الثقافة العمالية، حيث كنا نساعدهم في الحجز على بصات شركة مواصلات الجزيرة التي كانت نقابتها على صلة طيبة بالمركز نظراً للدورات التي كنا نعقدها لهم، أحد هؤلاء الأطباء وعلى ما أظن اسمه عبد الله حمدت الله كان بصدد فتح عيادة خاصة في حي مايو فأخذني معه لأساعده في وضع اللمسات الأخيرة لمكتبه في العيادة، وبينما كنا نرتب عيادته سألته هل مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدني يعالج الأمراض العصبية فقط ام النفسية.. قال لي لماذا تسأل، فشرحت له ما أعاني من أرق وقلق وخوف مبهم، فأعطاني من عيادته حبوب وشرح لي كيفية استعمالها.. وبعد عدة أيام قابلني وسألني عن الحبوب فأجبته بأنها زادت الحالة سوءاً، فقال لي: (إنت لسه ما كملتها وتقول ما نفعت؟ إذاً علاجك ما عندي ولازم أوديك لاختصاصيين)، فكتب لي ورقة لزميله الدكتور حسن في مستشفى الأمراض النفسية والعصبية بمدني..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #147
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-12-2013, 02:58 PM
Parent: #146


الحلقة 106

نواصل


إكتئاب

أخذت الورقة وذهبت الى الدكتور حسن وشرحت له ما شرحت للدكتور عبد الله، وسألني عن حياتي العاطفية فأخبرته بالقصة.. فقال لي إذاً عرفنا المشكلة، ثم تركني في مكتبه وذهب الى الاخصائي الدكتور جعفر، ثم رجع إلىّ وطلب مني الدخول الى الدكتور جعفر وهو معي، فأعدت الحكاية مرة أخرى، وسألني عدة أسئلة، ثم طلبا مني الجلوس على الكنبة المقابلة لطاولته داخل المكتب- بعيداً عنهما قليلاً- وتحادثا لفترة ثم قام د. حسن وطلب مني مرافقته لمكتبه ثم كتب لي وصفة العلاج، وكانت ثلاثة أنواع من الحبوب أذكر إسم واحد منها هو (طفرانيل)، وعلمت منهم بأن ما أعانيه هو نوع من الإكتئاب..

بدأت بتناول تلك الأقراص بانتظام وكنت آخذ 7 حبات في اليوم، وكلما نفدت رجعت للدكتور حسن فيصرف لي حصتي منها لمدة شهر، ولكن كان في كل مرة يقلل عدد الحبات التي أتناولها في اليوم، ثم أصبحت نوعين بدلاً من ثلاثة، ثم في النهاية أصبحت نوعاً واحداً.. وأذكر أنني ذهبت في مأمورية للحصاحيصا، وعندما رجعت منها وكانت عندي مقابلة مع الدكتور حسن لاحظ نمو لحيتي وسألني عن حالتي فقلت أنها في تحسن فقال لي لِمَ لحيتك هكذا؟ فقلت له قصدت إرسالها وليست بسبب الإكتئاب.. وواضح من تقليل أنواع الحبوب وكميتها أن حالتي بدأت في التحسن، فصرت أنوم بارتياح وآكل بشهية وبدأ القلق يخف والخوف المبهم يختفي، وتحسنت صحتي البدنية التي كانت في تدهور مستمر..

في الحصاحيصا تعرفت على دارسات في دورات الثقافة العمالية التي نفذتها بمصنع الصداقة للغزل والنسيج، كانت أجملهن، توطدت علاقتي بها حتى وصلت للأسرتين، وكانت مخطوبة، وخطيبها في السعودية، وكانت علاقتي بها لا تتعدى حدودها، ولكن وصل الخبر مزوراً الى خطيبها في السعودية، فكتب لها خطاب يقول لها فيه ما معناه لماذا قطعتي الخطابات، ام أن ناس الثقافة (العمالية) مثقفين.. فردت إليه بخطاب ساخن- كما أخبرتني- تفند فيه تلك الإشاعات المغرضة وتتهمه بعدم الثقة بها، وأنه يجب أن يثق بها ولا يسمع كلام الناس.. والغريب في الأمر أن إحدى زميلاتها- وكانت قريبتي- عندما حكيت لها موضوع الخطاب ذاك، قالت لي لماذا لا يكون؟ قلت لها يكون ماذا؟ قالت يكون الذي ظنه خطيبها.. عقدت الدهشة لساني.. قالت بوضوح لماذا لا تتزوجها أنت؟ قلت ولكنها مخطوبة! ردت بكل ثقة: ولو! أو : يعني! ففهمت جزءاً من تفكير البنات، اي يمكن أن تبيع إحداهن خطيبها في أي لحظة دون أن يطرف لها جفن، وإذا دخل أحدهم في الخط فما المانع أن تقارن بينه وبين خطيبها او حبيبها؟ ويمكن بعد ذلك ان ترجح كفة هذا أو ذاك.. عجيب أمركن يا بنات حواء، هو الحاصل بأولاد آدم بسببكن شويه؟

وعندما حضر الخطيب للزواج وكنت وقتها في الخرطوم وبعثوا لي بالدعوة، ركبت البص من الخرطوم الى الحصاحيصا لحضور زواجها، ولم أنسى أن اشتري لها خاتم ذهب هدية زواج، وحينما هنأتهما قدمت للعريس الخاتم وقلت له ألبسه لعروسك، وكانت هي عندما رأتني في الحفل أشارت له الى شخصي وعرفته مَنْ أكون.. ثم زرتهم بعد ذلك في منزلهم بالححصاحيصا وتعرفت عليه أكثر.. واستمرت علاقتي بأسرتها في الحصاحيصا الى اليوم.. لقد خففت عني مثل هذه العلاقات الصدمة التي سببت لي الإكتئاب.

بعد التحسن في حالتي الصحية بدأت أحس بأنني ظلمت حبيبتي- التي كانت خطيبتي- وظلمت نفسي، ولم أكن أنقطع عن بيتهم بحكم الجيرة والصلة مع أسرتها وعلاقة الزمالة المدرسية القديمة في المدرسة المتوسطة مع شقيقها الأكبر- كما أسلفت- وأحست هي بتحسن حالتي وتغير موقفي تجاهها، فبدأت تتقارب معي مرة أخرى.. وبدأت أسمع كلاماً متداولاً صادراً من أهلي بأنها بعد أن بدأتُ أطيب رجعت لحياتي مرة أخرى لكي تعيدني الى مرضي واشياء من هذا القبيل، وكأنها هي السبب فيما جرى.. في هذه الأثناء بدأت بعض الجارات يلمحن لي ببناتهن، وبعض البنات من الجيران وبنات الأهل يبتعدن عني في رسالة مفادها أنك (مشوكش) وتبحث عمن ينقذك ويعوضك حبك الضائع وبالتالي انت ستجري ورائي.. وهن لا يدرين ما كنت أقوله للأخريات البعيدات عن الحي والعائلة ممَنْ يتعلقن بي أكثر حينما أقول لهن إن قلبي متحجر لا ينبض بالحب.. وأنني صحراء الظمأ وليس عطيلاً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #148
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-13-2013, 10:32 AM
Parent: #147


الحلقة 107

نواصل

تلفزيون الجزيرة الريفي

كان تلفزيون الجزيرة الريفي يقدم برنامجاً خاصاً بالعمال هو برنامج "مجلة العمال" وكان معد ومقدم البرنامج سكرتير اتحاد عمال الجزيرة عبد اللطيف الأحمر- رحمه الله- وقد كنت ضيفاً على البرنامج في إحدى حلقاته وتكلمت عن الثقافة العمالية على الهواء مباشرة.. ثم تقدمت لإدارة التلفزيون باقتراح ان نعمل حلقة تعريفية عن الثقافة العمالية، فوافقوا، وكنت مقدم البرنامج وكان أول ضيوفي مساعد المحافظ للعمل- مدير مكتب العمل بالجزيرة- سعيد محمد الخير- رحمه الله- وقد سجلت الحلقة باستديوهات تلفزيون الجزيرة الريفي بودمدني.. ولم تبث الحلقة أبداً لوفاة سعيد في حادث مروري أليم في طريق مدني الخرطوم تسبب فيه جرار زراعي، وكان يرافق المرحوم سعيد زميلنا الريح- سلفي في مركز مدني للثقافة العمالية- الذي أصيب بجروح شفي بعدها.

قضيت في مدني حوالي العام ونصف، جزء منها كان مأمورية للحصاحيصا، وكان مركز مدني نشطاً في مجال إقامة دورات التثقيف العمالي، فكان يتم عقد دورات لمصانع النسيج كالنيل الأزرق ونسيج مدني ونسيج الحصاحيصا وشركة مواصلات الجزيرة، كذلك كان يقيم دورات خاصة بتلاميذ التدريب المهني.. وكان المحاضرون من مكتب العمل ومن الصحة المهنية ومن التدريب المهني وبعضهم مدرسون من المدارس التجارية.. وكانت هناك مخصصات مالية لكل محاضرة- عدا المحاضرات التي يلقيها موظفو الثقافة العمالية من الدرجة بي فأعلى- والمفروض ان تدفع مخصصات المحاضر عند خروجه من محاضرته فيوقع على الكشف ويستلم مخصصاته، ثم نرجع الكشف لقسم المالية في المديرية حيث ميزانية المركز هناك..

وفي يوم قال لي أحد المحاضرين أنه لم يستلم مخصصاته عن دورات سابقة.. كيف هذا وتوقيعك على الورقة، قال لي أن مدير المركز كان يأخذ توقيعهم على الورقة بحجة أنه سيستلم المخصصات بناء على توقيعهم.. فسألت ثاني وثالث وكلهم أجمعوا على أنهم لم يستلموا مخصصات دورتين سابقتين عقدتا في وجود مدير المركز.. فكتبت في التقرير الشهري لنشاط المركز المرفوع لرئاسة المؤسسة: (يبدو أن بعض محاضري الدورة الفلانية والدورة العلانية لم يستلموا مخصصاتهم حتى الآن).. فوصل التقرير للمدير العام الذي حول الموضوع للتحقيق، فأرسلوا مساعد مدير المركز السابق لمدني ليحقق في الأمر، وكان التوجيه له بأن يسأل المحاضرين: هل استلموا مخصصاتهم ام لا؟ وكان قد سبقه الى مدني مدير المركز الذي سلم المحاضرين مخصصاتهم.. فسأل الريح – رحمه الله- المحاضرين فقالوا انهم استلموا مخصصاتهم.. فكتبوا لي خطاباً مفاده أنك اتهمت زميلك باختلاس اموال المحاضرين وبسؤال هؤلاء المحاضرين قالوا انهم استلموا مخصصاتهم.. رددت عليهم بأنهم إذا استلموا مخصصاتهم قبل تاريخ تقريري المرفوع لرئاسة المؤسسة فالحق عليّ، وإلا فواصلوا التحقيق في الأمر الى آخره.. وبما أنهم كانوا متواطئين معه فلم يردوا عليّ وكتموا على الموضوع.. وجعلوني عدوهم..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #149
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-17-2013, 03:53 PM
Parent: #148


الحلقة 108

نواصل

معهد الثقافة العمالية

ثم سافرت للخرطوم لحضور المؤتمر التداولي للثقافة العمالية، وعقب المؤتمر صدر قرار بترقيتي من مساعد مفتش الى مفتش (هذه وظائف الحكومة) وعليه فقد تم نقلي مساعداً لمدير معهد الثقافة العمالية بالسودان، ومقره الخرطوم، وكان قد صدر قرار إنشاؤه للتو، وكان قد تم تعيين مديري السابق في عطبرة فاروق سند- رحمه الله- مديراً للمعهد.. ولم يكن هناك مقر للمعهد وبالتالي لا أثاث ولا موظفين ولا كتبه ولا شئ سوى شخصي والمرحوم فاروق.. وكنا نعقد دورات نوعية بمعهد الكفاية الإنتاجية- لاحقاً مركز تطوير الإدارة- حيث كل المحاضرين من هناك، وكان مدير إدارة الإستثمار- تاج السر- يلقي على الدارسين محاضرة ويستلم مخصصاتها، فكتب اليّ مدير الإدارة عمر الصائغ – بصفتي أمسك ميزانية الدورة - استيضاح لماذا أدفع لتاج السر مخصصات وهو موظف بالمؤسسة، فرددت عليه بأن المعهد له مدير ويجب مخاطبة مدير المعهد وليس شخصي، فهناك تسلسل إداري، ثانياً إذا كان ممنوعاً على موظفي الثقافة العمالية من الدرجة بي فأعلى أخذ مخصصات مالية مقابل محاضرات، فلماذا خصصتم للمدير العام وآخرون من نفس درجة تاج السر في دورات سابقة مقابل محاضرات؟ ولماذا الآن تسألون عن تاج السر بالتحديد؟ ولم يستطع أن يرد على إجابتي تلك فابتلعها و(لبد لي في الدرة) كما يقول المصريون.

كانت تأتي دورات وتدريب من الخارج للمؤسسة عبر منظمة العمل العربية، وكان أن رشحني مدير الإدارة لدورة في تونس، ويبدو أن عصابة الأربعة- أيامئذ كانت عصابة الأربعة تتكون من زوجة ماو تسي تونق وثلاثة رجال، وعصابتنا هذه كانت تتكون من ثلاثة موظفين وموظفة- تدخلت سلباً وعطلت ذلك الترشيح، وفي مرة وأنا أبحث عن خطاب في الملف العام الذي به صور لكل الخطابات الصادرة والواردة وجدت خطاب ترشيحي للدورة، وللأسف كان تاريخ الدورة في نفس يوم وجدت فيه الخطاب.. فدخلت على المدير العام- الذي جاء بديلاً للمدير العام الذي انتدب لليمن، وهذا الموجود للأسف كان معمياً عليه من هذه العصابة، فاحتد معي وقال لي كيف عرفت قلت له من الفلوت فايل، قال لي لماذا تفتح الفلوت فايل، قلت له انا موظف في هذه المؤسسة ومن حقي الاطلاع على الفلوت فايل، واحتددت معه واحتد معي وخرجت من مكتبه يتطاير الشرر من عينيه، وفقدت أنا الدورة بسبب ما سبق من كشف للباطل وتحديات بالحق..

كنت عازفاً عن فكرة الإغتراب، ولكن ما كان يحدث في المؤسسة وما آل إليه حال البلد من أزمات متتالية مثل أزمة البنزين وبالتالي أزمة المواصلات وأزمة السلع مثل الخبز والسكر وغيره، وضيق العيش أثر في عزوفي هذا وجعلني أفكر في الإغتراب جدياً.. وتذكرت الطيب صالح وأنه في قطر قد يفيدني، فجاءت فكرة في رأسي للحصول على عنوانه، وهو علي مهدي الذي مثل دور الزين في فيلم عرس الزين، وكنت بحكم ترددي على شقيق خطيبتي بوزارة الثقافة قد رأيت علي مهدي، فذهبت إليه أسأله عن عنوان الطيب صالح، فدلني على شقيقه بشير- القاضي في المحكمة والتي لا تبعد كثيراً عن مقر وزارة الثقافة- فذهبت الى مولانا بشير ودخلت عليه وسلمت عليه وطلبت منه عنوان الطيب صلاح، فقال لي أن العنوان هو وزارة الثقافة – قطر، فبعثت رسالة للطيب صالح على وزارة الثقافة القطرية ولكن لم أتلق رد..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #150
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-18-2013, 12:56 PM
Parent: #149


الحلقة 109

نواصل

زملاء المغرب بالخرطوم

في بدايات وصولنا الى السودان نحن الدفعة التي تخرجت في العام 1978 وكذلك الذين تخرجوا في العام 1977 من الدفعة التي سبقتنا في الوصول الى المغرب، تجمعنا عدة مرات، مرة في مقهى أتني بشارع الجمهورية، وكان أيامذاك مشهوراً ولكننا حينما تجمعنا فيه وجدنا الخدمة فيه سيئة، فلا أحد يأتيك لتعلمه بطلباتك، وكان يعمل به أحباش.. فقررنا أن يكون لقاءنا التالي في مكان غيره.. وبالفعل تجمعنا في حديقة المقرن وكانت بإشراف شعبة الشباب في الإتحاد الإشتراكي، وكان يديرها هؤلاء الشباب.. وكان عددنا أكبر من أن تسعه ترابيزة واحدة، فجمعنا تربيزتين ورصصنا الكراسي حولهما، فجاءنا أحد موظفي الحديقة وقال لنا ممنوع التجمع! فقلت له من قال لك هذا قال لي مدير الحديقة، فذهبت إليه وسألته لماذا ممنوع التجمع؟ فقال لي: انتو جايبين حاجة معاكم؟ ويقصد طبعاً الشراب، فقلت له: آه.. شاي بلبن.. هم منعوه واللا إيه؟ (مقلداً عادل إمام) فضحك وقال لي إجلسوا كما تريدون، فرجعت للزملاء وأخبرتهم بما حصل وقضينا وقتاً جميلاً مع الشاي بلبن بعد أن كانت جلستنا ستضيع بسبب بلاهة البعض..

إنضم إلينا في المؤسسة العامة للثقافة العمالية زميلان من زملاء الدراسة في المغرب، كنت قد ذكرت اسم احدهما ونسيت الثاني، وقد تذكرته أخيراً وهو أخينا عباس (ريكس) وقد عملا معي في الرئاسة بشارع 57 وكانا ككل خريجي المغرب طيبين مرحين فاضلين.. وقد التحق الأول صلاح حسن خليفه لاحقاً بقسم الخرائط بوزارة الداخلية، وكان في الأمسيات يعمل بصيدلية شقيقه في محطة حجازي بشارع الديم زلط، وكنت أقضي معه أوقاتاً جميلة في الأمسيات عندما أكون نازلاً بمنزل عمي خضر غلام الله – رحمه الله- وكان صلاح وناساً لكن صوته كان منخفضاً جدا لدرجة أنك لا تكاد تسمعه إلا بشق الأنفس، وكان يكره ان يتحدث أحد معه بصوت عالي..

أبلغني عباس ريكس بأن هناك زميل لهم ودفعته عمل بالبنك السعودي الفرنسي، وهو مجدي يوسف، ولم أتذكره، فقال لي عباس إن مجدي يعرفك، وكانت قد أبلغتني آمال النور أن هناك وظائف في البنك الفرنسي، كما أكدت لي أن زميلنا مجدي يوسف قد تم تعيينه في البنك بوظيفة المساعد الثاني للمدير العام، وقد مررت على مجدي في مكتبه في إحدى زياراتي لآمال، وعرفته بنفسي فقال أنه يعرفني، ولم أكن أعرفه كما حصل لي مع الأخوين صلاح وعباس ريكس اللذين التحقا بالعمل معي بالثقافة العمالية، فقد كنت في عام التخرج وهم كانوا في السنة الأولى، وعادة الجدد يعرفون القدامى وبالكاد يتذكر القدامى الجدد..المهم عرفت من آمال أن لجنة المعاينة تتكون من زميلنا مجدي ومن صلاح المهدي شقيق الصادق المهدي، فاستبشرنا خيراً، وذهبنا للمعاينة وكانت بعد المغرب بمقر البنك بالخرطوم، والتقيت بصاحبي عباس ولم يكن البنك مفتوحاً فانتظرنا أمامه حتى حضر مجدي ونزل من سيارته وهو يحمل الشنطة الدبلماسية ومر بجانبنا ولم يسلم علينا ولم يلقي تحية الإسلام على المنتظرين أمام البنك رغم أنه توقف قليلاً ريثما يفتح له الحارس باب البنك! فاستبشرنا شراً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #151
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-19-2013, 02:06 PM
Parent: #150


الحلقة 110


نواصل


زميلي خريج المغرب بعدي بسنتين.. يمتحنني!


بعد أن فتح الحارس الباب وسمح لنا بالدخول انتظرنا في القاعة للدخول للجنة المعاينة المكونة من مجدي يوسف- المساعد الثاني للمدير العام- وصلاح الهادي المهدي (رحمه الله) شقيق الصادق المهدي- المساعد الأول للمدير العام- وجاء دوري في المعاينة فجلست أمامهما ولسان حالي يقول:

خربانه أم بناياً قش * مالا الدنيا دار الغش * تكتر في النصائب..

الذي أسبقه بسنتين خبرة على الأقل، وسنتين دراسة يمتحنني؟!!! عجباً والله.. لقد كان لعلاقة المصاهرة بينه وبين رئيس مجلس الإدارة آنذاك- خالد فرح- حيث زوجته بنت خالة مجدي القدح المعلى في تعيينه في البنك بهذه الوظيفة.. المهم كنت قد ضمنت سيرتي الذاتية أن لدي لغة فرنسية، فتحدث معي صلاح الصادق باللغة الفرنسية، وفي اول جملة غالطني فيها، فغالطته وقال لي الحكاية غلاط؟ أو شئ من هذا القبيل عندما صممت على رأي.. ومن هنا عرفت النتيجة سلفاً.. وكان يمكن أن تكون زمالة مجدي لي سبباً في إيجابية النتيجة، لا سيما أن البنوك تفضل من تعرفه بالإضافة للكفاءة، ولكن زميلي الذي ورائي بعامين دراسيين وعامين في الخبرة وجدني لا أصلح أن اكون من ضمن موظفيه.. وكذلك كانت النتيجة سلبية بالنسبة لصديقي عباس ريكس.. ثم أشاع مجدي أنني وعباس قلنا أنه كان السبب في عدم قبولنا في البنك او شئ من هذا القبيل..

وحتى لا أنسى فسوف أسرد مآل وظيفة مجدي في البنك السوداني للإستثمار الذي اضحى البنك السوداني الفرنسي، فقد حدثت مشكلة اضطرت السفارة الفرنسية في الخرطوم للتدخل، وكان نتيجتها ان أزيح خالد فرح من رئاسة مجلس الإدارة، فتأثر مجدي نفسياً بذلك ويبدو أنه شعر بأن وجوده في البنك مهدد، فقد قالت لي آمال انه كان يأخذ الشيك المراد توقيعه منه وينزل من مكتبه الى خارج البنك وبطريقة لا إرادية يعفص الشيك بيده حتى يكرفسه، ثم يصعد الى مكتبه.. قلت لها لقد ظلمه نسيبه بتعيينه في هذا المنصب مباشرة، فكان أفضل لمجدي ان يتدرج – ولو بسرعة- من أدنى وظيفة متدرباً فيها الى وظيفته الحالية مروراً بكل الوظائف حتى يلم بعمل كل وظيفة ويكون مصرفياً حقيقياً وليس مجرد موقّع ثاني أو ثالث على الشيكات.. وقد كان يحز في نفوس موظفي البنك أن مجدي بالبكالوريوس كان يرأس حملة الدكتوراة الذين هم رؤساء لبعض الأقسام..

خلال تواجدي بالعاصمة انتهزت الفرصة لأواصل دراسة اللغة الفرنسية التي كنت قد بدأتها في الرباط في المركز الثقافي الفرنسي، وكنت قد درست فترة واحدة في كل سنة دراسية، اي كان مجموع الفترات ثلاث اي ما يعادل سنة ونصف، ولكن من الواضح انني كنت انتقل الى السنة الثانية ثم الثالثة بحصيلة الفترة الواحدة التي كانت دائماً هي الفصل الثاني لتأخر وصول المنحة في السنة الثانية والثالثة، ولتأخر وصولي للمغرب في السنة الأولى، مما أفقدني فرصة اللحاق بالفصل الأول.. المهم ذهبت الى المركز الثقافي الفرنسي بالدور الرابع بعمارة النيل الأزرق بالخرطوم- شارع القصر قرب تقاطعه مع شارع الجمهورية- وشرحت لهم شفاهة ما درست ولم تكن معي أوراق تخص دراستي بالمغرب، فطلبوا مني الجلوس لامتحان – ربما تحديد مستوى- ثم صححوا الورقة وقالوا لي إدخل السنة الرابعة- الفصل الثاني.. رائع، لقد اختصرت سنوات الدراسة، وبالفعل أكملت السنة الرابعة معهم ثم في السنة التالية بدأت معهم السنة الخامسة- الفصل الأول (لأول مرة أدرس الفصل الأول على الإطلاق)، وأكملته وامتحنت ونجحت ودرست الفصل الثاني وامتحنت وحصلت على شهادة السنة الخامسة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #152
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-20-2013, 03:13 PM
Parent: #151


الحلقة 111

نواصل

امتحان سونا

كانت الدراسة بالمساء، وكنت أكمل العمل في النهار ثم أمر على بيت عمي خضر غلام الله في الديوم الشرقية أو بيت خالي سراج حسن الصادق في الصحافة مربع 35 وأقيل معهم وفي المساء أذهب للمركز في وسط الخرطوم ثم بعد إنتهاء الحصة أعود لمكان سكنتي في منزل خالي الدكتور الصادق حسن الصادق في شمبات الزراعة.. لاحظت أن معظم الدارسين في المركز الفرنسي من أبناء الذوات، بنين وبنات، وتعرفت على بعضهم وما زال راسخاً في ذهني بعضهم مثل نجيب القاضي وهو رجل أعمال شاب وقد تزوج لاحقاً بزميلتنا في المركز (ساميه)، وامتدت علاقتي بهما لفترة طويلة قبل أن ينتقلا للعيش في أمريكا، كذلك كان طالب الطب علي إدريس الذي كان دفعة بنت عمي- آمنة بشير- في الكلية وكنت أزورهم في الكلية في الأمسيات من حين لآخر، وعلي هذا من القلائل الذين قبلوا في السنة السادسة في المركز الفرنسي رغم أنه كان يدرس في كلية الطب بالتوازي مع المركز الفرنسي.. وقد استفاد من دراسته للغة الفرنسية حيث حضّر الدكتوراة في فرنسا، وهو حالياً اخصائي جراحة التجميل في السلاح الطبي.. أما أنا فقد كان الإمتحان الأخير قبل سفري الى السعودية بيوم أو يومين وقد أخرت السفر مخصوص لأجلس للإمتحان..

وكنت قد تقدمت لامتحان تحديد مستوى للالتحاق بكورس للغة الإنجليزية، وانعقد الامتحان في إحدى القاعات الكبيرة بجامعة الخرطوم، وكانت القاعة ملآى بالممتحنين، وأذكر أنني أول من سلم ورقة الإجابة، وظهرت النتيجة وبناء عليها التحقت بكورس متقدم للغة الإنجليزية بجامعة الخرطوم وقد حضرت حصة واحدة ولم أواصل والسبب كان السفر للسعودية..

وبذكر الإمتحانات، فقد جلست لامتحان الإلتحاق بوزارة الخارجية، ولم أوفق في الإلتحاق بها.. وكذلك جلست لامتحان للإلتحاق بوكالة السودان للأنباء (سونا) وكان الإمتحان في مقرها، واذكر أنني قبل الدخول للإمتحان تعرفت على فتاة قالت لي: (أنا فراعية "خريجة جامعة القاهرة فرع الخرطوم" وبالتالي ماسحة انجليزي)، فأجبتها بأنه لا مشكلة، وسألتها كيف هي في المعلومات العامة؟ قالت كويسة.. أول ما دخلت القاعة اخترت ترابيزة فاضية وجلست عليها، فجاءت تلك الفتاة ومعها أخرى- فراعية أيضاً- وجلستا على نفس الترابيزة وبعد قليل تداعى الفراعة الى طاولتنا بمعرفة الفتاتين فامتلأت الكراسي التي حول الترابيزة.. فجاء السيوبرفايزر وطلب منا الإنتقال الى قاعة أخرى خالية لتخفيف الضغط على هذه القاعة المكتظة، فقمت وقام جميع الجالسين معي حول تلك الترابيزة وتبعوني الى القاعة الأخرى، وجلست في ترابيزة خالية، فجلسوا جميعهم معي في نفس الترابيزة، ثم جاء السوبرفايزر مرة أخرى وقال: (ليه التربيزة دي مليانة كده.. انا عايز فيها ثلاثة بس!) فقام البعض وظللت انا جالس ومعي الفتاتين وشاب آخر.. وكنت أثناء الونسة قبل الإمتحان قلت لهم أتوقع سؤال معين في موضوع كان يذاع آنذاك في الإذاعة في شكل تنويه او شئ من هذا القبيل حول الإتحاد الإشتراكي، وبالفعل جاء السؤال في الإمتحان، فاتهموني بعد الإمتحان بأنني كاشف الإمتحان لا سيما وأن أحد زملائي السباقين في الثقافة العمالية يعمل الآن بسونا، قلت لهم لو كنتم تتابعون الإذاعة لعلمتم أن مثل هكذا سؤال لابد أن يرد في امتحان سونا.

عندما بدأ الإمتحان وجدت أربعتهم يعانون من رهاب الإمتحانات.. أما سعاد فكانت تنقل من ورقتي.. وكانت تقول لي بين الفينة والفينة: أنا ما راجياك! أي هي تنتظر إنتهائي من الإجابة لتنقلها.. ووجدتها ماسحة في الإنجليزي والمعلومات العامة وكل شئ، وكذلك زملاءها لأنهم كانوا ينقلون منها.. وقد أصابت زميلتها هستيريا فأصبحت تضحك باستمرار وبلا سبب وبطريقة تدل أن ضحكها غير عادي، وزميلهم الشاب طلب حبوب صداع حيث فاجأه صداع حاد كما قال.. ومرّ أحد المراقبين فقال لسعاد: أوعي تكوني نقلتي اسمو برضو في ورقتك! إشارة إلى نقلها من ورقتي كل إجاباتها، لذلك عندما جاء المراقب ليجمع الورق سلمته ورقتي وطلبت من سعاد أن تنتظر قليلاً فلا تسلم ورقتها بعدي مباشرة، وكانت في هذه اللحظة قد مدت الورقة للمراقب الذي مسكها ولم تفلتها هي، وسألتني لماذا، قلت لها بس انتي استني شويه، فأصرت ان تعرف وظلت ممسكة بالورقة من طرف والمراقب من طرف.. حتى قال لها المراقب انا فهمت بس انتي فكيها، فقلت لها فكيها ليهو، فأفلتتها له.. فأوضحت لها أن المصحح لو وقعت الورقتان متتابعتان في يده فسوف يدرك أنهما نسخة كربونية من بعضهما، ولكن المراقب الظريف تصرف وأبعدهما عن بعضهما..

كذلك لم انتظر نتيجة هذا الإمتحان، فقد سافرت قبل ظهور النتيجة الى السعودية، وفي أول إجازة زرت سعاد في مكتبها بمكتب العمل وتذكرت امتحان سونا فسألتها هل النتيجة ظهرت فأجابت بالإيجاب وقالت لي إنها نحجت، فقلت لها: (وأنا؟) فقالت: (شوف ده بالله، انا اقول ليك انا نجحت.. انت كيف ما تنجح؟) فضحكت، وعرفت من أخينا قرناص زميلنا في الثقافة العمالية الذي نجح ايضا في امتحان الدخول الى سونا ان ترتيبي كان الرابع من حوالي ثلاثمائة ممتحن.. أما سعاد فرغم نجاحها في الإمتحان إلا أن نتيجة المعاينة لها كانت سلبية.. حيث قالت لي أنهم أروها صورها وهي في الجامعة تتظاهر ضد النميري.. فقد كانت حزب أمة.. لذا استمرت في عملها في مكتب العمل.. ثم حدثت الإنتفاضة فانتقلت الى القصر الجمهوري مديرة لمكتب عضو مجلس رأس الدولة عن حزب الأمة، ثم رشحت نفسها في الإنتخابات- الديمقراطية الثانية- عن فئة الخريجين.. سعاد أرتني في مفكرتها عبارة: (الليله لاقيتو) ثم تاريخ كتابتها للعبارة.. وقالت لي هل تذكر التاريخ؟ قلت لها لا.. قالت هو تاريخ امتحان سونا.. ويبدو أن الشخص الذي لاقته في الليلة ديك.. هو أنا!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #153
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-21-2013, 10:43 AM
Parent: #152


الحلقة 112

نواصل

حبيبتي خطبوها

ويبدو أنني لم أحس بها وقتها لأنني كنت في حالة عدم توازن، لا سيما حينما جاء زميلي ومديري في بورسودان حيدر إدريس الى المؤسسة ذات نهار وفجر في وجهي قنبلة من العيار الثقيل- أشبه بقنبلة بوروسودان، بل أثقل منها- قال لي أن فتاتي قد خُطبت! قلت له أكيد انت غلطان، فقد بدأت المياه تعود لمجاريها بيننا.. قال لي أوليس إسمها (.....) قلت نعم، قال فقد تمت خطبتها لقريبي.. من قريبك هذا وماذا يعمل؟ قال فلان ويعمل عامل وكان في ليبيا.. ماذا تعني بكلمة عامل؟ قال لي (طُلبه- أي صبي عامل)، حينها ضحكت وقلت له إذاً المعلومة غير صحيحة.. كيف لهذه الحسناء ان تتزوج طُلبه- مع احترامي للمهنة- لا سيما وأنها قد التحقت بالجامعة..

توجهت من المؤسسة الى الديم حيث منزل جدها وأعمامها القريب جداً من المؤسسة، وسألت إبن عمها صديقي فأمن على المعلومة.. فأصابتني نوبة من البكاء المكتوم.. طُلبه يا أيتها الحسناء الذي بسبب حسنك كانت الكارثة؟ لقد تبدد الأمل تماماً، والعودة أمست مستحيلة.. قال لي حيدر إن البنات واقعيات أكثر من الرجال، فهي حتماً قد رأت أن المستقبل معك محفوف بالمخاطر، وأنها وأسرتك لن يتفقا، بالتالي لن تعيش في سعادة معك حتى لو كانت تحبك.. أما أنا فقد عزيت ذلك إلى أنها قد جُرحت واتُهمت بتهمة تؤثر على سمعة الفتاة مهما كانت.. وخطبتها ستقطع عنها الألسن، وستثبت أنها مرغوبة، وأنها لو كانت كما أُشيع عنها لما تقدم لها أحد.. هذا تفسيري.. وحينما قابلتها في مدني لاحقاً سألتها عن هذا القبول الغريب قالت لي بما معناه أنه لو كان قبول حقيقي- أي برغبة حقيقية- لما اخترت مثل هكذا شخص، اي كان قبولها لأي طارق لبابها والسلام! وبالفعل لم تستمر الخطبة كثيراً..

وجودي في الخرطوم خفف عني كثيراً تلك الصدمة، فوسعت من دائرة اجتماعياتي وصداقاتي- خاصة مع الجنس اللطيف- فكنت أزور صديقي عماد سليمان- رحمه الله- الذي كان يدرس في جامعة القاهرة فرع الخرطوم بالمساء ويعمل بالنهار في وزارة المالية، وهناك في وزارة المالية تعرفت على بعض البنات، كذلك في وزارة الثقافة حيث كنت أزور زميلتنا ساميه فتعرفت على بعضهن، كذلك عبر دورات الثقافة العمالية وبنات مركز تطوير الإدارة، هذا غير بنات الأهل، وكانت أجمل زياراتي تلك لكلية الطب جامعة الخرطوم حيث تدرس بنت عمي آمنة بشير حيث تعرفت على زملائها وزميلاتها منهم بابكر البشير خليفة الشاعر الفذ وكذلك علي ادريس زميلي بالمركز الثقافي الفرنسي- وهو ايضاً من ابناء مدني وشقيقه الأكبر دفعتي في مدرسة الأهلية الوسطى (أ)- وعلى الدكتورة مها محجوب زميلة شقيقتي حياة في المدرسة الوسطى.. هذه العلاقات البريئة خففت عني كثيراً..

كذلك ساعدني وجودي بشمبات الزراعة حيث الخضرة والنيل الذي يقع بجوار منزل خالي وليس بينه وبين المنزل غير الجروف الخضراء حيث بوابة المنزل الغربية يصلها ماء الفيضان في وقت الدميري، كذلك حديقة البيت الغناء الواسعة ذات الأشجار الباسقة والتي منها القشطة الهندية والتمر هندي واللبلاب التي زُرعت في عهد الإنجليز، وكنت كذلك أزور زملائي القدامي- في مدرسة الأهلية الوسطى (أ)- والذين يدرسون في كلية الزراعة والبيطرة بجامعة الخرطوم والتي مقرها شمبات الزراعة- التي سميت شمبات بإسم الكلية- ومنهم عبد الإله محمد الحسن، وعبد العظيم عوض دفع الله، وكذلك ميرغني فضل المولى وعبد المنعم سيد أحمد من أبناء حينا 114 بمدني، وكنت أتمشى من بيت خالي الى الكلية وأجلس معهم وأحياناً أحضر مناشطهم وندواتهم وحفلاتهم.. لقد ملأت وقتي لكي أنسى!

وقد واصلت علاجي بمستشفى بحري حيث حولني مستشفى مدني الى مستشفى بحري حسب طلبي حيث كنت اقيم في شمبات الزراعة وبالتالي مستشفى بحري كان الأقرب، فقابلت مساعدة طبية ويبدو أنها كانت شاطرة، فقد قلت لها متى اتوقف عن تناول الحبوب؟ فقالت لي إن الأعصاب تتوتر بالتدريج، ولابد أن ترتخي بالتدريج فلا تستعجل، وواصلت مراجعتها دورياً لأحصل على الحبوب التي أراحتني كثيراً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #154
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-24-2013, 04:09 PM
Parent: #153


الحلقة 113

نواصل

مقالي بجريدة الأيام حول الثقافة العمالية

نرجع للثقافة العمالية، فقد وجدت مقالاً كنت قد كتبته في جريدة (الأيام) السودانية- لم يكن في تلك الأيام غير صحيفتين يوميتين هما (الصحافة) و(الأيام)، والموضوع رد على مقال كتبه اتحاد الموظفين والمهنيين، وإليكم المقال المكتوب بجريدة الأيام الصادرة يوم الإثنين 21/3/1983م فهو يعطي ضوء على تلك الحقبة من تاريخ السودان الحديث، وعلى الثقافة العمالية ومؤسستها والعمال واتحاداتهم:

تعقيب حول:استراتيجية الثقافة العمالية بالسودان

اطعلت على الموضوع الذي كتبه اتحاد الموظفين والمهنيين تحت نفس العنوان بجريدة الأيام الصادرة بتاريخ 14/2/1983م.. وأسعدني أن تجد الثقافة العمالية اهتماماً من جانب الإتحاد، وراقني أنه موضوع للنقاش، وهأنذا أدلي بدلوي في الموضوع وأشير في البدء أن موضوعي هذا يحمل وجهة نظري الخاصة ولا يحمل بالضرورة وجهة نظر المؤسسة العامة للثقافة العمالية التي أنا موظف بها، كما أرجو أن يتسع النقاش لنستطيع أن نناقش دقائق الأمور لتعم الفائدة.

من ناحية الهدف فأنا متفق معكم، وفي الموضوع برمته أتفق معكم في كثير من نقاطه، فقط أوضح بعض النقاط وأناقش أخرى، وأبدأ بما ورد بموضوعكم حول النظرة الفوقية.

النظرة الفوقية:
إن وضع قانون الثقافة العمالية كقانون ولوائح وتنظيم إداري بواسطة خبير أو فني لا يؤثر بالضرورة على ما يُقدم للعامل وما يحتاجه، فالتنظيم المالي والإداري شئ عام وكل مؤسسة أو منشأة وشركة تحتاجه وبنفس القدر تقريباً، أما المدة التي تُقدم وهي التي تهم العامل الدارس مباشرة- وأقصد المحاضرات التي تقدم له- فإن للخبير دور فيها محدد، فالمشاركون في تحديد المواد التي تُدرس للعامل جهات متعددة، فبالإضافة للخبراء هناك القائمون بأمر الثقافة العمالية من إداريين، وهناك العمال أنفسهم الدارسين في الدورات وذلك عن طريق استمارة (تقييم الدارس للبرامج) وفيه يذكر الدارس في نهاية الدورة وبصراحة رأيه في البرنامج أولاً من حيث استفادته من البرامج وهل هي كبيرة أم متوسطة أو ضعيفة، ثم رأيه في مدة البرامج وهل هي مناسبة أم لا، وكذلك في زمن المحاضرة، والأهم رأيه في المواد التي درسها وهل يرى أن هنالك محاضرة أو محاضرات يجب حذفها من البرامج أم لا، وهل هنالك مواد يجب إضافتها للبرامج أم لا.. ثم تجمع هذه البيانات وتفرغ في استمارة معينة ترسل لقسم الإحصاء بالمؤسسة فتتجمع لديه استمارات جميع الدورات المعقودة في كل أنحاء السودان فيستخلص منها إن كان 40% من الدارسين في البلاد قد اتفقوا على شئ واحد فسينفذ فوراً، ونشير إلى أن استمارة تقييم الدارسين للبرامج لا يكتب فيها الدارس اسمه حتى يُعطى فرصة لإبداء رأيه بصراحة وموضوعية.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهناك طرف آخر يشارك في تحديد المواد، بل وفي تسيير المؤسسة بوضع الخطط العريضة للمؤسسة وإجازة ميزانيتها ألا وهو مجلس الإدارة والذي يمثل العمال فيه بستة أعضاء من مجموع الـ 21 عضواً الذين يمثلون 15 جهة، وأرى أن وجود أكثر من 28.5% من العمال في مجلس الإدارة يوفر لهم فرص التأثير وخلق ما يرونه مناسباً لهم، أما العقبة الكبيرة التي تعترض الثقافة العمالية والتي يعاني منها القائمون عليها وهي عزوف العمال عن الحضور لدورات الثقافة العمالية فهي في نظرنا ليست بسبب عدم إشباع تلك المواد لحاجات العمال الثقافية، وإنما لأسباب عدة من بينها صعوبة الإتصال الشخصي بالعمال المرشحين أو المراد ترشيحهم بسبب شح وسائل الإتصالات والمواصلات، وشح الأطر الإدارية التي تقوم بذلك العمل كنظرة العمال إلى معنى الثقافة العمالية من خلال إسمها، فمعظم العمال الذين يحضرون الدورة الأساسية لأول مرة يفاجأون بالواقع الذي هو خلاف ما كانوا يتصورونه، فهم كانوا يفهمون الثقافة العمالية على أنها غسيل مخ، ولذا كانوا يتهيبون الدخول الى دوراتها، وكثير منهم كان يعتقد أنها دراسة سياسية بحتة. وبعد حضور الدورة الأساسية تزداد الرغبة في حضور دورات الثقافة العمالية المتقدمة كالقيادية والتخصصية، بل إنهم يلاحقون القائمين بأمر الثقافة العمالية ليعقدوا تلك الدورات ويشركوهم فيها، وتقل عددية هذا النوع من الدورات للعوائق المذكورة آنفاً.

أيضاً قصور الإعلام له ضلع كبير في عزوف العمال عن الثقافة العمالية، فالشئ الذي تجهله تخافه، ورغم أننا نعرف أهمية الإعلام إلا أننا لم نستفد منه الفائدة المرجوة رغم محاولاتنا الجادة للوصول إلى العامل وإلى المخدم وإلى الإداري عبر وسائل وأجهزة الإعلام المختلفة، وفي أحيان يرجع السبب الى غير القائمين بتلك الأجهزة، وقد تشارك بعض النقابات وبعض النقابيين في تعتيم رؤية العامل للثقافة العمالية، أو جهلاً لأهميتها، أو عن قصد، أو بسبب موقف معين، أو بسبب فهم خاطئ لها.

وبعض المخدمين لهم باع في مسألة العزوف تلك، فهم يمانعون في منح العامل إجازة دراسية مدفوعة الأجر والممنوحة له بحكم القانون لحضور دورات الثقافة العمالية.. أيضاً بسبب جهلهم لفائدة الثقافة العمالية او لحساسيات داخلية بين المخدم والنقابة. وأخيراً تدخل المعيشة وصعوبة الحياة باب تلك المسألة بالعرض، فهي سبب مباشر وأساسي لعزوف العمال؛ فإنهم يفضلون العمل الإضافي الذي هو المساعد الأول على مواجهة قسوة الحياة.

(نواصل المقال في الحلقة القادمة بإذن الله)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #155
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-25-2013, 01:41 PM
Parent: #154


الحلقة 114

نواصل

مقالي بجريدة الأيام حول الثقافة العمالية (2)

(نواصل المقال)

الوسائل والأساليب:
هناك الوسائل السمعية والبصرية المستخدمة في الثقافة العمالية خاصة في العاصمة بالإضافة لأداء الأدوار ودراسة الحالة وأعمال الجماعات ومجلس الإدارة الذاتي وليس المحاضرة فقط هي الوسيلة الوحيدة كما ذكرتم، وتلك الوسائل لها نسب محفوظة في البرنامج، وهنالك حصص للنقاش كما أن كثير من المحاضرين- إن لم يكن كلهم- يجزئون المحاضرة يتخللها نقاش، كما ان معظم المحاضرين بالثقافة العمالية تمرنوا على تعليم الكبار ودرسوا، ولو بالتجربة، الدورات- كدورة المثقفين العماليين- سيكولوجية العمال، وفي بعض أنواع الدورات تكون التدريبات العملية بنسب عالية تكاد تكون مساوية في زمنها للمحاضرات.. إلا أننا نعترف بقصور الوسائل السمعية والبصرية المستخدمة في الأقاليم، إذ تفتقر إليها كل المراكز.. والسبب الإمكانات..

الهيئات المشرفة:
لقد أشركت المؤسسة العامة للثقافة العمالية العمال في تقديم محاضرات الثقافة العمالية واستفادت كثيراً من خبرتهم، بل وهناك إداري بالمؤسسة أصلاً كان عاملاً في السابق وكان رئيساً بل أو لرئيس لاتحاد عمال السودان، بالإضافة إلى عقد ثلاث دورات للمثقِفين العماليين بالسودان ورابعة بمصر هدفها خلق المثقِفين (بكسر القاف) العماليين ليحملوا راية الثقافة العمالية، ونحن ندري أنهم أكثر فهماً لزملائهم منا.. ونرجو أن يكونوا أهلاً لذلك، أما التمويل فنوافقكم بأنه لا تطيقه الحركة النقابية لأن الحكومة أقدر منها، ورغم ذلك فإن تمويل الثقافة العمالية قاصر فما بالك بمن موارده محدودة.. وبتساؤلكم عن أن تقديم الدولة للتمويل سيتضمن عنصراً من عناصر الوصاية أو التوجيه، فنقول أنه ليس هنالك وصاية أو توجيه، وإنما يضع مجلس الإدارة الخطوط العريضة ويقوم السيد المدير العام ونوابه وموظفيه بتنفيذ الخطة السنوية باستقلال تام، وأبرز دليل على ذلك ان مديري المراكز في العاصمة والأقاليم يديرون المراكز باستقلالية تامة دون الرجوع الى الرئيس المباشر في الرئاسة إلا نادراً، ولا تتدخل الرئاسة إلا لماما، فما بالك بالمؤسسة ككل.. وأؤكد لك أنه ليس هنالك وصاية حكومية بل ان التمويل الحكومي كما ذكرتم هو جزء من قيام الحكومة بواجباتها ومسؤولياتها القومية.

مستويات الثقافة:
فعلاً تركيز الثقافة العمالية على الدورات العامة مرجعه كما أسلفت ضيق ذات اليد، أما الحاجة الماسة لتكوين معهد الدراسات العمالية التخصصية فقد أدت فعلاً إلى تكوين (المعهد المركزي للثقافة العمالية) والذي يقوم بعقد الدورات التخصصية تاركاً الدورات العامة والدورات القيادية لتقوم بها المراكز في العاصمة والأقاليم، وللأسف فإن هذا المعهد الذي يحمل هذا الإسم العملاق والمسؤولية الأكثر كبراً ليس به سوى مدير ونائبه (.... وبس!) ولا مبنى له ولا ميزانية ولا أطر إدارية أخرى ولا أطر مساعدة، وحين يقرر المعهد عقد دورة تخصصية، وبدلاً أن يركز جهده على الترشيح والتفرغ وإعداد البرنامج والإتصال بالمحاضرين؛ نجده يبذل مجهوداً كبيراً في الحصول على قاعة ليعقد عليها الدورة، فيتصل تارة بمركز تطوير الإدارة وأخرى بأكاديمية السودان للعلوم الإدارية وثالثة بدار العاملين بجامعة الخرطوم للحصول على قاعة دراسية لمدة اسبوعين او ثلاثة هي مدة الدورة.وبخصوص معالجة الثقافة العمالية لقضايا مثل المطلبية والنقابية والتنظيم والبنيان النقابي ودور الحركة النقابية في التنمية؛ فإن هناك مجموعة محاضرات تغطي جزءاً من القضية الأولى والثالثة وكل القضية الثانية، أي التنظيم والبنيان النقابي.وأضم صوتي لصوتكم مطالباً بدعم الدولة للثقافة العمالية متمثلاً في توفير الإمكانات والميزانيات ووضع الهيكل المناسب للعاملين وإيجاد مقر دائم للمؤسسة ومراكزها ومعهدها المركزي.وفقكم وإيانا الله لخدمة الوطن الحبيب إنه سميع مجيب.

عمر حسن غلام الله
مؤسسة الثقافة العمالية

(انتهى المقال)

وإليكم صورة من الجريدة التي بها المقال:

sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #156
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-26-2013, 02:17 PM
Parent: #155


الحلقة 115

نواصل

فيزة للسعودية

عندما كنت بالخرطوم كنت متعدد مقار السكن، فمرة عند خالي سراج بالصحافة ومرة عند عمي خضر في الديوم الشرقية ومرة عند خالي الصادق في شمبات الزراعة، حتى أن أحد الزملاء الظرفاء قال لي لو حصلت ليك حاجة ما حد حيعرف، لأنو ناس الصحافة حيقولوا انت في الديم وناس الديم يقولوا انت في شمبات وناس شمبات يقولوا انت في الصحافة.. والحمد لله لم يحدث شئ لي، ولكن مرة بحث عني بن عمي انور خضر في كل مكان ولم يجدني، وبدأ بمؤسسة الثقافة العمالية القريبة من بيتهم، فوجد أنني قد خرجت باكراً، ثم بدأ يبحث عني ليعرفني بسعودي قابله مع علي (ود حلتهم في الديم) والذي يعمل سائق تاكسي وكان معه هذا السعودي، وسأل انور السعودي عن فيزة له- إن شاء الله داده- حسب فكاهته المعهودة، فقال له السعودي: (هل عندك لغات؟ أنا أبحث عن من عنده لغات)، فقال له بن عمي: (ليس عندي لغات ولكني اعرف من عنده لغات)، وطفق يبحث عني ليقابلني به..

وبالفعل قابلني براشد الحارثي الذي كانت لديه تأشيرات من ضمنها كاتب ومهندس لمؤسسته، وتأشيرة مربية وعامل مطعم لآخرين فوضوا مكتبه لاستقدامهم.. وقابلته في فندق في وسط الخرطوم وقدمت له شهاداتي، وقبلني على الفور وأخذ جوازي للسفارة وأخذ عليه التأشيرة بعد مقابلة مكتب العمل، وحدد لي الراتب بـ 1200 ريال، فقلت له انا لا اعرف كم يساوي هذا الراتب ولا هل يعيشني ام لا، لذلك أترك الأمر لك.. ولكن حسب مكتب العمل فإن الراتب الذي وقع عليه العقد معهم هو 2000 (ربما اكثر وربما اقل لا أذكر)، المهم قبلت بالعرض باعتباره تجربة لو نجحت لاستمررت ولو لم تنجح سأعود لوطني، وكانت المعيشة وقتذاك تزداد صعوبة (أوائل عام 1983م)، وأذكر ان الـ 1200 ريال كانت تساوي 600 جنيه، وكان راتبي في الثقافة العمالية وأنا في درجة مفتش (DS) قدره 135 جنيه..

وكان من ضمن المختارين للسفر سائق التاكسي (علي) المذكور اعلاه، الذي صادف راشد وهو خارج من المطار فلم ينتظره حتى يصل إلى بوابة الخروج، بل قفز السياج وقابله وأخذ شنطة راشد ليفوز بتوصيله، وقد أعجبت هذه الحركة راشد الذي اعتبر ذلك التصرف فهلوة وأعجبه ذلك فاختاره ليكون من ضمن المرشحين للسفر الى السعودية.. (علي) هذا بحكم احتكاكه براشد طيلة مكوثه في السودان حيث كان يأخذه في مشاويره داخل العاصمة، فقد (كب لي مكنات تقيله) عن كلام راشد عني وأنه سيجعل لي مكانة خاصة لأنه (وين يلقى ليهو زول زيك عندو لغتين- انجليزية وفرنسية- وسيخصص لك شقة وشغاله) وقد صدقته والمؤمن صديق.. وكان مقر العمل بمدينة الطائف، وهذه أيضاً مزية حيث شهرة الطائف في جوها الجميل البارد..

هذه المغريات وما أكابده من معاملة سيئة في المؤسسة وضيق الحال الذي بدأ يعم السودان، كل ذلك غلّب فكرة السفر للسعودية.. ثم سافر الكفيل على أن ألحق به، وأخرت السفر لأجلس لامتحان السنة الخامسة والأخيرة بالمركز الثقافي الفرنسي، ولأودع أهلي بمدني.. وسافرت الى مدني حيث عملوا لي حفل وداع (بارتي) وتجمع شباب الجيران من الأولاد والبنات.. وكانت هي معهم.. حبيبتي التي كانت خطيبتي.. وكان في كلامها ما يدل على شئ غير مريح، ولم أكن أتوقع أن تعدني بشئ مفرح، رغم فسخها لخطوبتها من الخطيب الثاني الذي فسرته بأنها قد وافقت في البدء لتخرج من الحالة التي وُضعت فيها ثم ما لبثت أن اكتشفت عدم قدرتها على الاستمرار في هذه الخطوبة.. فقد صدقت مقولة زميلي حيدر ادريس بأن البنات واقعيات أكثر من الأولاد، وأنهن ينظرن الى أبعد مما ننظر إليه..

ثم ودعتها، ولم يكن هناك وداع مثل الذي كان ليلة سفري الى بورسودان في يونيو 1979م، لقد ولى زمان الحب وليالي الغرام وأيام الهناء..
وودعت أهلي في مدني، وسافرت الى الخرطوم ..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #157
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-27-2013, 03:10 PM
Parent: #156


الحلقة 116

نواصل

الهجرة إلى السعودية

جاءت أمي معي الى الخرطوم لوداعي، وفي يوم 12 رجب 1403هـ الموافق 5 مايو 1983م ودعت أمي وأهلي في الخرطوم وصديقتي الصغيرة بنت خالي وفاق الصادق حسن ذات السنتين التي كنت أسكن معهم، وتذكرتها الآن لأن فراقها كان صعباً عليّ فقد كانت متعلقة بي جداً، وهي الآن أم وتعيش بأمريكا مع زوجها..

مرفق صورة الأمورة وفاق وبجانبها شقيقها حسن وشخصي جالس على الأرض- الصورة بعد سفري للسعودية واستقراري بها لحوالي ثلاث أو أربعه سنوات- والصورة في حديقة منزل والدهما الخال البروف الصادق حسن الصادق بشبمات الزراعة ببحري- السودان..

OmarHasan003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأقلعت الطائرة من مطار الخرطوم، وبعد حوالي الساعة ونصف هبطت بمطار جدة، وبعد اجراءات الجوازات والتقاط العفش والجمارك خرجت من المطار وسألت عن بصات النقل الجماعي المتوجهة نحو الطائف، فدلوني عليها فقطعت تذكرة وصعدت الى البص الذي تحرك بنا ومر على قسم من مدينة جدة التي أراها لأول مرة، ثم خرج الى الصحراء حتى وصل الى مكة المكرمة ودخل الى موقف حافلات النقل الجماعي حيث نزل ركاب وصعد آخرون، ونزلنا لنتناول شئ من البوفيه الموجود هناك، وعزمني سوداني كان يجلس بجانبي في البص على مشروب، فنظرت الى الرف فرأيت علب البيبسي والميراندا والتمر هندي، فاخترت التمر هندي الذي شربته فإذا هو شراب العرديب، وقرأت الكتابة على العلبة فوجدته مصنوع ومعبأ في أمريكا، والغريب ان ثمن علبة البيبسي والميراندا كانت بريال، بينما العرديب كان بريالين ونصف! ولم أره بعد ذلك في السعودية طيلة الثلاثين سنة التي تلت.

ثم ركبنا البص وانطلق بنا الى الطائف، وفي نقطة تفتيش قبل الطائف صعد عسكري الجوازات الى البص وتفقد هويات الركاب، ومد يده إلىّ فناولته جواز سفري فنظر فيه ثم نزل الى الأرض، ثم عاد واستدعاني فنزلت معه الى الضابط، الذي أعاد قلب صفحات الجواز ثم أعاده إليّ فرجعت الى مقعدي بالبص الذي كان ينظر إليّ ركابه باستغراب، وقلبت الأمر في رأسي لماذا العسكري فعل ما فعل؟ فخمنت أن يكون بسبب وجود تأشيرات سفارات ودخول من المغرب واسبانيا وفرنسا وإيطاليا، ويبدو أن العسكري لم يتعود إلا على جوازات خالية إلا من تأشيرة السعودية.. المهم واصل البص مسيره الى الطائف التي دخلناها حوالي العصر أو قبيله بقليل..

وكان الكفيل قد شرح لي عندما كان في الخرطوم كيفية الوصول الى مقر مؤسسته في الطائف، حيث يجب أن أنزل من البص عند المحكمة القريبة من مقر مؤسسته، وبالفعل نبهت سائق البص منذ وقت مبكر قبل أن يدخل الطائف أن ينزلني عند المحكمة الكبرى، وبالفعل توقف البص في الشارع وأشار لي إلى المحكمة فنزلت وأخذت شنطتي وتوجهت نحو المحكمة، ثم نظرت قبالتها فرأيت لافتة المؤسسة: (مكتب الميزان للإستقدام)، فمشيت نحوه وبعد خطوات قليلة في أرض فضاء وصلت المكتب وكان مغلقاً فطرقت الباب- حسب توجيهات الكفيل لي في السودان حيث أن هناك موظف مصري سكناه في المكتب – وبالفعل فتح الباب من الداخل، وربما وصل من المسجد ووجدني أقف عند باب المكتب لا أذكر- وأدخلني الى المكتب حيث هناك غرفة داخلية يتخذها سكناً له، فرحب بي مصطفى وفرح بوصولي- حيث فهمت فيما بعد أنه كان يريد السفر الى بلده فأخّره الكفيل حتى أصل أنا- وشاركته غداءه الذي طبخه في سكنه، ثم أبلغ بالهاتف الكفيل بوصولي، فطلب منه أن يوصلني اليه في منزله..

أخذني مصطفى الى الكفيل في منزله القريب من المؤسسة وجلسنا في صالونه العربي حيث الجلوس على مراتب اسفنجية مقوية على الأرض، وسألني سؤال: (لماذا تحيرت؟) واحترت في (تحيرت) هذه.. لكني فهمت معناها وهو: (لماذا تأخرت).. فشرحت له أنني كنت أسلم عملي وأودع أهلي في مدني.. وأذكر أن بنته الصغيرة (5 او 6 سنين) قالت لإبيها عندما سمعتنا نتحدث: هو يتكلم عربي؟ قال لها نعم، قالت له: طيب ليه هو عبدي؟ فوكزها بكوعه على جنبها فسكتت.. وفهمت أن كلمة عبدي عندهم تعني أسود.. والأمر سيان عندي، فقلت هذه من أولها!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #158
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-28-2013, 06:52 PM
Parent: #157


الحلقة 117

نواصل

أول أيامي في الطائف الجميلة



خصص لي الكفيل ملحق في سطح العمارة التي يسكنها، يتكون من غرفة كبيرة أشبه بالقاعة بالإضافة الى الحمام والمطبخ وحوش، وبقي مصطفى المصري كما هو في المكتب، ثم بعد يومين وصل مهندس معماري سوداني ليعمل في مؤسسة المقاولات التابعة للكفيل، فأسكنه معي في نفس الملحق.. ثم مارست عملي في المكتب فتسلمت العمل من مصطفى الذي سافر الى مصر في إجازة، وكما أسلفت فالكفيل يمتلك مؤسسة مقاولات ومكتب استقدام- كان الوحيد المرخص له في الطائف بالإستقدام- وكان موقع المكتب مميز، حيث يواجه المحكمة الكبرى التي يجاورها من جهة رئاسة شرطة الطائف ومن الجهة الأخرى قصر شبرا التاريخي الذي يفصل بينه وبين مسجد الملك فيصل- رحمه الله- الذي كان يصلي فيه عندما كان يقيم في قصر شبرا، والذي نصلي فيه نحن الآن حيث يبعد حوالي مائة متر أو أقل من مكتبنا- يفصل بينهما شارع شبرا . كذلك يواجه المكتب الضيافة العسكرية التي يفصل بينها وبين رئاسة الشرطة شارع شبرا.

وفي الأيام الأولى، وربما اليوم الثالث لوصولي، رن جرس الهاتف فرفعت السماعة فتكلم من في الطرف الآخر وقال لي: (معك العقيد فلان الفلاني مدير سجن الطائف)، قلت اهلاً وسهلاً.. قال: (لدينا خدامة في السجن نريدكم أن ترحلوها، فتعال الى مكتبي في السجن).. قلت له ان صاحب المكتب غير موجود ولا أستطيع أن أترك المكتب، قال لي: (تجي واللا أرسل لك دورية تاخدك؟) قلت له ارسل دورية لتأخذني.. فصمت قليلاً كأنه تفاجأ بردي، وقال لي: (ليش؟) قلت له: (لأنه إذا سألني صاحب المكتب لماذا تركت المكتب اقول له أخذتني الدورية).. فقال لي: (لا تذهب هنا واللا هنا)، بمعنى لا تزوغ.. قلت له: (سيجدني في المكتب ما لم يأتي في وقت الصلاة فسيجد المكتب مغلق فينتظرني حتى اخرج من المسجد..)

وبالفعل بعد صلاة الظهر فتحت المكتب وجلست فيه فجاءت سيارة شرطة (خاصة بالسجن) ونزل منها الشرطي ودخل المكتب وسلم وطلب الإذن للتحدث بالهاتف فأذنت له، فتكلم في الهاتف وسأل الذي بالطرف الآخر ما هو اسم المكتب، فتحدثت إليه وقلت له أنا المطلوب، فأعطاني السماعة فتكلم معي مدير السجن وقال لي تعال معه..

ركبت مع الشرطي في المقعد الأمامي حتى دخل السجن وأدخلني الى مكتب المدير الذي وجدته يتكلم بالهاتف حول نفس الموضوع، فأشار لي بالجلوس فجلست في المقعد الذي امام مكتبه، وسمعته يقول لمحدثه: (هاهو السوداني عندي)، ثم وهو يتكلم مد يده إليّ بورقة وقلم، فنظرت فيها ولم امد يدي لاستلامها، فلما فرغ من محادثته قال لي: (وقّع..) قلت له: (أوقع ماذا؟) قال لي: (توقع اقرار بأن ترحل الخدامة المصرية الى بلادها).. قلت له: (ما أقدرش!) قال لي: (إذاً احطك في العنبر) "يعني أضعك في السجن"! قلت له: (فليكن!) فنظر إلىّ ملياً ومستغرباً من هذا الرد الذي يبدو انه لم يكن يتوقعه.. فقال لي: (أين صاحب المكتب؟)، قلت: (له في بيته)، قال: (ا تصل به)، فأخذت الهاتف من أمامه واتصلت بكفيلي وأبلغته بما حدث فقال لي اعطني الضابط فأعطيته السماعة وبعد انهاء المكالمة قال لي الضابط ممكن تمشي، فعدت راجلاً الى مكتبي.. من أولها كده!

قصة الخدامة المصرية هذه هي انها ضربت كفيلها حتى أودع المستشفى، وهو عقيد في الجيش! لذلك أودعوها السجن لحين موعد ترحيلها الى بلادها.. ولو كنت وقعت لهم الإقرار فحتماً سأكون مسؤولاً عن ترحيلها ولن يسألوا كفيلي صاحب المكتب - الذي استقدمها قبل حضوري للسعودية بزمن- عن أي شئ يتعلق بها، والذي حدث بعد ذلك ان صاحب المكتب وعدهم بترحيلها، لذا (أفرج) عني!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #159
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-01-2013, 03:45 PM
Parent: #158


الحلقة 118

نواصل

مكتب الميزان للإستقدام

بعيد وصولنا الى الطائف بقليل كانت ليلة 27 رجب، فقررنا انا والمهندس ان نؤدي العمرة، فأعطانا الكفيل احرامات من عنده فأحرمنا وذهبنا الى موقف تاكسيات مكة القريبة من موقع مكتبنا وأظن كانت الأجرة عشرة ريالات للشخص، ونقلتنا التاكسيات الى امام باب الحرم المكي حيث أدينا العمرة لأول مرة في حياتنا.. وبعد ذلك كنت أواظب على أدائها كل حين وآخر، بل كنت في فترة من الفترات أنزل مكة كل جمعة لأصلي صلاة الجمعة بالحرم المكي الشريف..

تلخص عملي في مكتب الميزان للإستقدام في استلام تأشيرات استقدام السائقين والخادمات والعمال من الزبائن وكذلك وكالة لصاحب المكتب لمراجعة السفارات المعنية، بالإضافة الى مبلغ يتراوح بين 4 و 5 آلاف ريال للتأشيرة- الخادمة- اما السائقين والعمال فالمبلغ أقل بسبب ان هؤلاء عادة ما يدفعون هم للمكتب بالإضافة الى تكفلهم بتذاكر سفرهم، اما الخادمات فالمبلغ يشمل ما ندفعه للمكاتب في الدول المعنية والتي تقوم بإجراءات التأشيرة وحجز الطيران وشراء التذاكر، وعامذاك كان استقدام الخادمات يتم من سيريلانكا، وقبل أن أحضر كان من الفلبين التي توقف الاستقدام منها قبيل وصولي.. وكان هناك مكاتب وسيطة في البحرين هي التي تتعامل مع سريلانكا..

وكنا حينما تصل الخادمات الى مطار جدة نذهب انا وكفيلي لاستلامهن من مطار جدة ونحضرهن الى الطائف حيث نتصل على كفلائهن للحضور لاستلامهن، والسريلانكيات يشبهن في ملامحهن وزيهن الهنديات، فهن أقرب للسمرة وشعرهن أسود لامع طويل، ويلبسن الساري الذي يبدي جزء من بطونهن مكشوفاً.. كان هذا منظراً غريباً في بلد مثل السعودية، ولكن المطارات في العالم كلها تتعود على غرائب المسافرين، وعلى عاداتهم، فكما هو معلوم فإن المكان الوحيد المسموح فيه بالقُبَل والعناق- إذا كان ممنوعاً في البلد- هو المطار.. طبعاً قُبَل وعناق توديع او استقبال.. بس!

ثم فُتح باب استقدام الخادمات والسائقين من اندونيسيا، فذهب صاحب المكتب- كفيلنا- إلى اندونيسيا واتفق مع مكتب هناك، وبدأت تصلنا تأشيرات الزبائن على اندونيسيا، والاندونيسيات يشبهن الفلبينيات وهن مسكينات وهادئات ولا يبكين في الأيام الأولى كما تفعل السريلانكيات اللائي يظلن يبكين أيام وأحياناً أسابيع لفراق اهلهن او اولادهن، وقد يستاء كفيلها ويطلب ردها لبلدها بسبب هذا البكاء، لذلك كان مكتب البحرين يرفق مع كل خادمة سريلانكية ملف فيه ورقة مطبوعة تشير الى ذلك وتدعو الكفلاء الى الصبر عليهن حتى يتعودن على الغربة وبعد ذلك سكيونن فأفضل حال..

تسلمت جزئياً عمل زميلي مصطفى حينما سافر في اجازة لمصر، وكنت امسك حسابات مؤسسة المقاولات بالإضافة الى حسابات مكتب الإستقدام، وكان صاحب المكتب لا يعطي العمال- بما فيهم انا- رواتبهم بانتظام، فكلما طالبوا برواتبهم يعطيهم سلفة مائة أو مائتين، وبما ان ايراد الاستقدام كان مجزياً فكان يقول لي اعطي العامل الفلاني مائتي ريال والعلاني مائة ريال.. تلك المعاملة أدت الى أن يحتد أحد العمال المصريين مع صاحب المكتب ويخرج من المكتب غاضباً ويختفي بعد ذلك من السكن الخاص بالعمال، ومن الطائف، ومن السعودية، ويظهر في اسرائيل كما قال زملاؤه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #160
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-02-2013, 04:38 PM
Parent: #159


الحلقة 119

نواصل ...

أعدت المياه لمجاريها بين الحبيبين

طيلة الفترة الماضية مذ بدأت حكاوي الطائف وأنا أحاول تذكر اسم المهندس الذي سكن معي وللأسف لم أتذكره حتى الآن رغم أنني كنت السبب في عودته لخطيبته، فقد كنا نحكي عن حياتنا لبعض، وحكى لي كيف أنه تخلى عن خطيبته لأن بن عمها او بن خالها أراد خطبتها رغم انها لا تريده، بل تريد صاحبي المهندس، ولا أتذكر التفاصيل جيداً لكنني أذكر أنني قلت له اتصل على شقيقها- الذي قال لي المهندس أنه موجود بالرياض- وأشرح له رغبتك ورغبة شقيقته في الإرتباط.. فراقت له الفكرة واتصل بالفعل على شقيقها في الرياض الذي طلب منه الحضور إليه في الرياض للتفاهم، فشد الرحال الى الرياض، ورجع مستبشراً فقد سارت الأمور كما يروم، ثم بدأت اتصالات بينه وبين خطيبته- القديمة الجديدة- ثم عندما عاد الى السودان ارتبط بها وتزوجها، وعندما رجعت أنا الى السودان في اجازة سألت عليه لديها حيث كان قد أخبرني أنها تعمل في مكتب الضرائب بشارع الجمهورية، وانتظرته حتى أتى ليأخذها عند انتهاء دوامها، وقد دعاني للغداء بمنزلهم بأركويت فلبيت الدعوة وتغديت معهم.. لقد كنت سعيداً أن أعدت المياه لمجاريها.. بينما لم يستطع أحد أن يعيد المياه لمجاريها بيني وبين محبوبتي..

هذا المهندس لم يكمل الثلاثة أشهر معنا، حيث ضايقه الكفيل ولم يتحمل فظاظته، رغم أنني قلت لهذا الكفيل أن المهندس صغير في السن وحديث عهد بدنيا العمل عكسي أنا حيث أكبره سناً وخبرت العمل واتحمل ما لا يتحمله، فاستغرب الكفيل: هل هو فعلاً صغير في السن؟ قلت له نعم، ولكن رغم ذلك استمر في مضايقته، وربما استكثر عليه الخمسمائة وألفين ريال التي كان يعطيها إياه كراتب، وربما كان يريده ان يشتغل مهندس وملاحظ ومراقب عمال وعامل- حيث كان يقول له: (لماذا هذه القمطه مرميه هنا؟) عندما يرى حديدة من تلك التي يمسكون بها خشب التسليح في العمارة ملقاة على الأرض- فيثور المهندس ويقول له هل أنا عامل لألتقط ما يقع على الأرض؟ يريده أن يعمل كل شئ مقابل هذا الراتب.. وفي النهاية عمل له خروج نهائي وعاد الى الوطن وعمل هناك واستقر وتزوج كما أسلفت..

بدأت نوبات المغص (القبضة) تنتابني في أوقات متقاربة وبصورة أقوى، فقد عانيت منها في السودان في السنوات الأخيرة قبل حضوري للسعودية، فكانت حبتين من (اللوسبازمين) تكفي لشفائي، ولكن النوبة الثانية احتاجت الى نصف العلبة، والثالثة الى كامل العلبة، والرابعة الى حقنة، والخامسة الى عودة مرة أخرى الى المستشفى لأن الحقنة لم توقف الألم حيث أخذت حقنة ثانية.. وقد تكررت هذه النوبات وانا في الطائف، وقد كان يسأل عني اللواء المتقاعد بكر فلاح المزيني الذي كان يسكن قريب من المكتب ويصلي معنا في نفس مسجد شبرا، كان يسأل عني زميلي مصطفى عندما أغيب عن المسجد، فيجيبه مصطفى بأن عمر مريض في البيت، وعندما تكرر غيابي عن المسجد بسبب هذا المغص قال له: خلي عمر يجي أوديه المستشفى العسكري- وهو مستشفى خاص بالضباط والعساكر- ولكن لوضعه الوظيفي وعلاقته الطيبة بإدارة المستشفى أخذني الى هناك وسمحوا لي بالعلاج فيه رغم أنني أجنبي، علماً بأنه حتى السعوديين غير العاملين في الجيش لا يسمح لهم بالعلاج فيه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #161
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-03-2013, 02:32 PM
Parent: #160


الحلقة 120

نواصل ...

(داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)

قابلت هناك طبيب باكستاني متجنس سعودي، فكشف عليّ وطلب صور أشعة ملونة للمعدة وللأمعاء.. لعمل صورة المعدة كان عليّ شرب مزيج أبيض مثل الطباشير، وابتلاع عجينة منه، وكان هذا هيناً مقارنة مع ما يحدث للأمعاء، فقد كان بطريقة الحقن الشرجي لهذا المزيج، والأسوأ أن يظل بداخلك حتى يفرغوا من التصوير.. تصور أن هذا المزيج يدافعك وأنت تقاوم، ثم بعد إنتهاء التصوير كان عليّ أن أذهب الى الحمام من خارج المبنى لأن الممر الذي يؤدي من الداخل الى الحمامات يمر عبر عيادة نساء وغير مسموح بمرور الرجال، فاضطررت الى الالتفاف حول المبنى وأنا ألبس مريلة المرضى القصيرة وأركض ومعي الممرض ليدلني على الحمام والناس تنظر إليّ باستغراب وبشفقة.. كان موقفاً عصيباً، ثم وصلت الى الحمام والحمد لله انني وجدته غير شاغر وإلا كانت حالتي بائسة.. وأفرغت هذا المزيج الأبيض..

حدد الطبيب علتي، وهو أن المصران عصبي وملتهب، وسألني اسئلة وصل بموجبها إلى أنني كنت أتعاطى حبوب طفرانيل واخواتها، وعرف مني أنني توقفت عن تناولها، فقال لي يجب ان تستمر فيها.. وأعطاني حبوب للإلتهاب وأخرى للعصبي وأذكر أنها (بسكوبان)، على أن أراجعه بعد اسبوعين، وعندما قابلته أول سؤال سألنيه هو هل استمريت في تناول العلاج النفسي؟ أجبته بالنفي، فقال لي يجب الاستمرار فيه، وتكرر ذلك في اللقاء الثالث، وفي الرابع الذي أجبته بالإيجاب لأنني بالفعل راجعت مستشفى الصحة النفسية في الطائف والمشهور بمستشفى (شهار) حيث يقع في هذا الحي.. وحينما أجبت الدكتور بالإيجاب اطمأن وكتب لي آخر دفعة من الحبوب وكان ذلك آخر عهدي بهذا الدكتور الشاطر، وآخر عهدي بالمغص (القبضة) فجزاه الله خيراً وجزا الله خيراً عمنا بكر فلاح المزيني ورحمه رحمة واسعة.

في ذلك الزمان كانت الخطابات المرسلة عبر البريد ما تزال هي سيدة الموقف بالإضافة الى شرائط التسجيل كوصيفة لها.. وكان من ضمن من تصلني رسائلهم صديقي الصغير عماد سليمان حسن، بن خالة صديقي وزميل دراستي في الأهلية عبد الواحد محمد احمد، وإحدى رسائله كانت تحمل عبارات غريبة مثل: (داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)، فرددت عليه بما معناه: (ماذا بك يا عماد، هل اتشوكشت واللا شنو؟ ولماذا هذه العبارات المتشائمة؟) فجاءني رده بما يفيد أن رسالتي الأولى وصلته وهو في حالة معينة، فكان إما أن يرد وهو بهذه الحالة وإما ألا يرد، فآثر أن يرد، فجاءت رسالته هكذا..

ذات نوبة من نوبات المغص (القبضة) تلك وكنت راقداً في السكن وأحضر لي المهندس خطاباً وردني بالبريد، وكان واضحاً من الخط أنه من صديقي عبد الواحد محمد احمد، فتحت الخطاب فإذا به يبدأ بنعي.. نعي من هذا؟ لعلها خالته التي يسكن معها في مدني، أو لعله زوج خالته.. وتابعت بسرعة الرسالة إلى أن وصلت الى اسم عماد سليمان حسن.. بن خالته.. فصرخت، وبدأت انتحب بصوت عالي، فأسرع المهندس إلى الشبابيك وأغلقها وكذلك الباب.. تذكرت إسم المهندس الآن، إسمه الشيخ!

صورة قديمة للراحل عن دنيانا المقيم في دواخلنا عماد سليمان حسن رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة، ورحم والديه اللذين لحقاه إلى دار الخلود..

sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan75.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #162
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-04-2013, 01:26 PM
Parent: #161


الحلقة 121

نواصل ...

وانفجرت القنبلة

علمت فيما بعد كيف مات عماد، فقد كان يخطب في تجمع لطلاب الجزيرة بجامعة القاهرة فرع الخرطوم – حيث كان يدرس- وذلك بدار اتحاد عمال الجزيرة في مساء يوم 6 أغسطس 1983م بعد أن أدى صلاة المغرب بجامع الصائم القريب من الدار، وحدثني فيما بعد صديقه عبد العظيم سليمان أنه بعد الصلاة قال المرحوم له: (خلاص صليت) موجهاً راحة كفيه للأمام إشارة إلى تأكيد الإنتهاء، علماً بأن عماد- وما زال الكلام لعبد العظيم- كان يقول حينما يفرغ من الصلاة: (ركّعت)، ولأول مرة يقول (صليت) في تلك المرة الأخيرة، في تلك الصلاة الأخيرة..

وأثناء إلقاء كلمته رحمه الله عبر مكبرات الصوت، بدأ صوته ينخفض تدريجياً، فنادى عليه الحاضرون: أرفع صوتك.. أرفع صوتك.. ولكن صوته ازداد انخفاضاً ثم وقع على الأرض، فاعتقد الحاضرون أن التماساً كهربائياً أصابه فتنادوا أن أفصلوا الكهرباء، ففصلوها، ولم يكن هناك التماس كهربائي، فنقلوه الى المستشفى التي كانت بينها وبين الدار شارع.. فقال لهم الطبيب أنه ميت.. لقد مات واقفاً، وبعد أن خرجت الروح من قدماه لم تعودا تحملانه فسقط على الأرض وصعدت الروح الى بارئها.. لقد كان إبلاغ أسرته أمراً صعباً، وقد علم كل سكان حي 114 إلا أهل بيته، وكان الناس يحومون حول منزله ولا يجرأون على الدخول لإبلاغهم، رغم أن الحي كان غارقاً في مياه الأمطار وفي الوحل.. وأخيراً أبلغوا شقيقه الكبير صلاح، الذي بدوره أوصل الخبر الكارثة لوالديه- رحمهما الله- العم سليمان الذي التحق بعماد قبل ثلاثة أعوام ونصف، ولكن سبقته الخالة بخيته إلى إبنها قبل حوالي عقدين وعامين من الزمان من الآن، نسأل الله أن يجمعهم وإيانا في جنة النعيم..

لقد كان موتاً فجائياً مريحاً له ومتعباً لمن خلفه، أمه الثكلى وأختاه المكلومتان وأشقائه صلاح وكمال وحسن، وأخيه الذي تربى معهم وهو بن خالتهم عبد الواحد.. وأصدقائه عبد العظيم سليمان، وعلي ميرغني دافوري وحسن شوه – الذي لحقه بعد ذلك بعدة سنوات- وقد كانوا شلة جامع الجعلي، يصلون كل الأوقات فيه ويقومون على نظافته وملئ الأزيار وتجهيز الفرش للصلاة في الحوش.. حتى إن عماد سُمي حمامة المسجد، وقد نعاه خطيب الجمعة في نفس المسجد في صلاة الجمعة وعدد مآثره وما كان يقدمه للمسجد، وفي زاوية حي 114 أقاموا له ما يشبه التأبين حيث خطب فيهم استاذ الأجيال محمد يوسف معدداً مآثر المرحوم عماد سليمان.. لقد كان فقداً جللاً لحي 114 ولجامع الجعلي ولجامعة القاهرة فرع الخرطوم وللمديرية في مدني حيث كان يعمل.. رحم الله عماد سليمان وحسن شوه الذي قضى ايضاً فجأة في حادث كهرباء شهير بحي 114 حيث انقطع سلك الكهرباء العام في الشارع بفعل شاحنة وسقط داخل منزلهم وكان اليوم ماطراً فتكهربت المياه المتراكمة في الحوش فخرجت اخته فتكهربت، وجاءت امها لتنقذها فتكهربت، وجاء حسن فحدث له ما حدث لهما، فما كان من والده إلا أن أغلق باب الغرفة على من بقي من أبنائه..

كانت أختي حياة حبلى وعلى وشك الوضوع، فأرسلت لهم برقية أن سمو المولود عماد تخليداً لذكرى صديقي الراحل، فوضعت توأم أسمتهما عماد وعلاء.. عمرهما الآن أكثر من 30عام..

عندما زرت زملاء العمل القدامى في الثقافة العمالية وكانت هدى عبد الله قد انتقلت للعمل بالمديرية، فقالت لي أن مكتبها الحالي هو مكتب الراحل عماد سليمان، وقالت لي أنها وجدت في درج مكتب المرحوم أحد بطاقات المعايدة التي أرسلتها له من الطائف.. وتذكرت عبارته في خطابه قبل الأخير: (داخل كل منا قنبلة لا يدري متى ستنفجر)..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #163
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-05-2013, 02:43 PM
Parent: #162


الحلقة 122

نواصل ...

العمرة والحج

أديت عمره في رمضان ثم عمرة أخرى بعد وفاة عماد ووهبتها لروحه أسأل الله ان يتقبلها..

بعد حوالي خمسة اشهر من وصولي للسعودية أزف موسم الحج، فأحرمت ومعي زميلي مصطفى وكاتب المكتب الذي يقابل مكتبنا حسين مهران وتوجهنا الى مكة المكرمة يوم 8 ذي الحجة من عام 1403هـ حيث طفنا حول الكعبة وسعينا، ثم توجهنا الى منى في نفس اليوم الذي يصادف يوم التروية حيث قضينا الليل في العراء، ثم في الصباح توجهنا نحو عرفات مشياً على الأقدام، ولكن حسين قال ان أوراكه (متسلخة) ولا يستطيع السير على الأقدام، وقد تشعلقنا في بص متجه الى عرفات وتفرقنا بسبب ذلك..

عادة في الحج- حسب التجارب اللاحقة- يفترق الذاهبون معاً، وتلتقي بأشخاص صدفة وتكون مجموعة جديدة، فقد التقيت بالصدفة بزميل دراسة في الإبتدائية بمدرسة السكة حديد الغربية هو محمد عبد السلام الذي كنت قد التقيته آخر مرة بمستشفى ود مدني- حيث كان يعمل في قسم الحسابات- منذ عدة سنوات، وعلمت منه حين التقيته في عرفات بأنه يعمل حالياً بمكة المكرمة محاسباً لدى مجموعة صيرفة..

في عرفات كان الحجاج عددهم كبيراً جداً قُدر عامذاك بثلاثة ملايين، وهو أول حج يصل إليه هذا العدد على الإطلاق، لذلك كان هناك ضغط عالي على الخدمات من مواصلات وحمامات ومراحيض وطعام وشراب، وقد رأيت عدة أشخاص ميتون، وأتذكر بوضوح أن هناك شخص مغمى عليه ونبه أحد الحجاج عسكري قريب من المكان الى الشخص المريض، فقال له العسكري بتجهم: خليه يموت!

بعد مغرب يوم عرفة نفرنا الى مزدلفة على أقدامنا، وكان الجو حاراً جداً ولا ماء طيلة الطريق حتى وجدنا خزان ماء حديدي مربع الشكل على جانب من الطريق فتدافع الناس إليه، فما كان من أحد اليمانيين إلا ووقف بجانبه ونادى في الناس ان ملء الزجاجة بخمس ريال، فصار الناس يبحثون عن الزجاجات الفارغة في المنطقة ويدفعونها اليه ليدخلها مباشرة في الخزان ويستلم من كل واحد خمس ريالات، وكانت بعض الزجاجات البلاستيكية الفارغة ملقاة في التراب وبعضها يبدو عليه انه استعمل في الاستنجاء، ومع ذلك يدخل هذا النصاب الزجاجة في الماء بما علق بها من تراب ونحوه ليملأها بالماء الحار جداً- إذ أنه تعرض للشمس طوال النهار- ولكن العطش قد أخذ من الناس مبلغه فاضطروا الى دفع الريالات الخمس لشراء ماء ملوث وحار جداً، اشتروه ممن لا يملكه، وأذكر أنني هجت فيه ووبخته على ذلك ولكنه لم يكترث ولم يرد عليّ فقد جمع الكثير من المال ولم يؤثر فيه كلامي.

وصلنا الى مزدلفة منهوكي القوى وجمعنا الحصيات لنرمي بها الجمرات، ورقدنا على امل ان ننام، ولكن الإرهاق والتعب والعطش جعل نومنا (هزاز)، ثم اصبح الصبح ووجدنا طوابير على الحمامات وأماكن الوضوء.. توجهنا الى منى حيث رمينا جمرة العقبة الكبرى، ثم توجهنا لمكة لنؤدي طواف الإفاضة.. كان الزحام ايضاً شديداً، ورغم وجود المياه في منى إلا ان الضغط عليها جعلها غالية ونادرا ما تجدها باردة.. وأذكر أنني كنت أمسك علبة مياه غازيه (كولا) في يدي أشرب منها فمر من أمامي سوداني أخذها مني دون استئذان ودون حتى أن يلتفت إليّ ليرى ردة فعلي، فواصلت سيري وكأن شيئاً لم يكن.. وبعد الطواف رجعنا الى منى حيث بقينا فيها ثلاثة ايام ننام في العراء وتحت الكباري.. وفي اليوم الثالث رمينا الجمرات وتوجهنا الى موقف العدل حيث استقلينا التاكسي الى الطائف عقب أول حج لي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #164
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-08-2013, 02:29 PM
Parent: #163


الحلقة 123

نواصل ...

رحم الله إمرأة الكفيل

بمناسبة الحج، قبيل الحج وبعيده كنا نلاحظ وجود سيارات ذات دفع رباعي لوحاتها يمنية في الطائف، متوقفة في الساحات الخالية – كما في تلك التي أمام مكتبنا- وتزدحم المساجد وحماماتها بهؤلاء اليمنيين الذي يأتون للحج بسياراتهم فيبيتون في الطائف قبل التوجه الى مكة القريبة من الطائف.. ولفت نظري تصرف غريب من هؤلاء، فعندما أذهب إلى المسجد أرى على جانبي الباب من الخارج لباسات رجالية (سراويل قصيرة) فاستغرب وجودها أمام باب المسجد، ثم بعد الصلاة أشاهد هؤلاء اليمنيين يأخذون تلك اللباسات ويلبسونها امام باب المسجد، مع العلم انهم يلبسون الجلاليب وفوقها الجاكتات.. وقد علمت فيما بعد بأنهم يشكّون دائماً في طهارة لباساتهم تلك، لذلك يخلعونها قبل دخولهم للصلاة في المسجد..

لاحظت أن الطائف ليس بها مجاري، فقد كان هناك نظام البيارات في كل عماره، ثم جاءت شركة- ربما سعودي أوجيه- معظم عمالها كوريين وبدأوا في حفر أنفاق عميقة قيل لنا أنها مجاري الصرف الصحي، ثم فيما بعد حفروا أنفاقاً اخرى قالوا انها مجاري السيول والمطر، وكان أحد هذه الأنفاق امام مكتبنا مباشرة، وكانت هناك إمرأة عجوز تعيش في كوخ من الزنك في وسط الساحة الخالية التي امام المكتب والتي كما اسلفت تمتد من شارع شبرا المقابل للمحكمة الكبرى ورئاسة الشرطة ومن مسجد شبرا ومن أمام مكتبنا وبعض العمارات السكنية، هذه العجوز تربي كثيراً من الغنم والخراف، وتبيع منها، ويقال أنها تعيش حالة نفسية أقرب الى الجنون بسبب وفاة ابنتها الوحيدة في حادث حريق، وهي تتهم (الغوالب) بأنهم وراء الحادث، والغوالب (آل غالب) هم أغلب سكان حي العقيق الذي تعيش في طرفه.. لذلك سألت العجوز عما يحدث من حفريات فقالوا لها هذه للمجاري، فثارت ثائرتها وقالت: (زقان الغوالب يأتي بجنب بيتي؟) فصارت ترمي العمال الذين هم داخل النفق بالحجارة فيخرجون مسرعين هاربين من رجم تلك العجوز، وعندما كررت ذلك استدعوا لها الشرطة التي أخذتها ثم بعد ايام أطلقت سراحها، ولم تعاود الكرة برجم العمال.. عندما ماتت وجدوا في كوخها أموال طائلة منها اموال معدنية منذ عهد الملك عبد العزيز، وقد شاهد أحد سكان العمارات المقابلة لكوخها جثتها ملقاة خارج كوخها وداخل الحوش المبني من الزنك، فأبلغ الشرطة التي ظنت في أول الأمر أن وراء الموت جريمة بقصد السرقة، وبعد ان راقبت المكان لعدة ايام دخلوا واخذوا الجثة، رحم الله (غزوه) وأسكنها الفردوس الأعلى من الجنان..

علمت قبل قليل (25/1/2012) بنبأ وفاة طيبة الذكر المغفور لها بإذن ربها زوجة كفيلي الأول في الطائف راشد الحارثي، أسأل الله أن يجعل مثواها الجنة، فقد كانت إمرأة طيبة.. فقد كانت ترسل لنا الشاي وأحياناً العشاء مع ابنها البكر عبد العزيز في الملحق الذي كنا نسكنه في الملحق فوق عمارتهم، وذكرت ذلك لمن بلغني بوفاتها وهو الصديق إبن الطائف عايض الشلوي وهو قريب زوجها.. وأذكر أن عبد العزيز ذات مرة اسرع بجمع أواني الشاي التي جاء بها لنا حينما أحس بقدوم والده، فاستغربت ذلك منه، وقلت له ماذا لو رأي والدك اواني الشاي عندنا او علم بأنك جلبت لنا الشاي من منزله، فقال لا يرضى ويقول دعوهم – اي نحن- نعد الشاي بأنفسنا، اي ان المرحومة كانت ترسل لنا الشاي والطعام أحياناً (من وراء ظهره)، ولا أنسى أيضاً أنها قالت لي- عبر الهاتف- أنها معجبة ببنت جيرانهم السودانية وتريدني أن أتزوجها، فقلت لها اننا تعودنا في السودان أن نتعرف على البنت ونراها قبل ان نخطبها، وأن هؤلاء الذين أشارت عليهم هم قد وُلدوا وتربوا هنا منذ عشرات السنين وأصبحت عاداتهم كعادات اهل البلد- السعودية- ومن الواضح انني لن أراها، وبالفعل لم أرها قبل تلك المحادثة، ولم أرها بعد ذلك رغم انني كنت أذهب الى منزلهم لآخذ الإيجار من والدها لصالح كفيلي، وقد ذكر لي مرة والدها أن أم عبد العزيز أخبرتهم بأنها معجبة بإبنتهم وبشخصي (عمر) ولذلك تريد تزويجنا.. شكر الله لها صنيعها رغم انه لم يتم شئ من هذا ولكن رغبتها في الجمع بين راسين في الحلال أسعدتني، فاسأل الله لها الجنة بغير حساب.. لقد توفيت قبل حوالي ثلاثة اسابيع بسكتة، اي كانت وفاتها فجأة وفاجعة على أسرتها وعلى جيرانها.. فقد اخبرني عايض ان هناك جارة لهم (أجنبية- اي غير سعودية) سمعت الجلبة وسألت ماذا هناك فقالوا لها ان ام عبد العزيز توفيت فأصبحت تبكي بحرقة، وقد علموا منها أنها كانت تسدد رسوم المدارس لأولاد تلك الجارة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #165
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-09-2013, 10:53 AM
Parent: #164


الحلقة 124

نواصل ...

قال شقة وخدامة قال

اتضح ان زميلي في الإغتراب (علي) الذي (كب لي مكنة تقيلة) عندما قال لي ان الكفيل قال انه سيمنحني شقة وخدامة و.. و.. فكانت الشقة ذلك الملحق في السطوح ومعي المهندس الذي بعدما رجع حل محله ثلاثة صعايدة أحدهم مليس والآخران عاملان بنفس المهنة وهم يتبعون لنفس الكفيل في فرع مؤسسة المقاولات.. وأما الخدامة فكنا نستقدمها لكفلائها عبر مكتب الميزان ولا نراها إلا عندما نستلمها من المطار، او نوصلها للمطار، وبين ذلك إذا أتى بها كفيلها يشتكي منها او يريد تسفيرها، وأسباب التسفير كثيرة وغالبها ان زوجته ضبطته متلبساً مع الخدامة فتركت له البيت تحت شرط تسفيرها، او انها ليست جميلة وهو قد طلب ان تكون جميلة (عشان الأطفال وكده)، او قد يكون السبب انها جميلة وقد خافت الزوجة على زوجها منها (رغم اني واثقة من زوجي لكن صراحة خايفة على بيتي).. لذلك كانت تبقى معنا الخدامة قبل تسليمها لكفيلها، أو قبل تسفيرها عندما يسلمها للمكتب هي وجوازها وشنطتها.. وكانت السريلانكيات صعبات المراس، واما الاندونيسيات فليس أسلس منهن..

وجود الصعايدة بشقة السطوح معنا أراني بعض عاداتهم التي تشبه عاداتنا.. فذات يوم دخلت المطبخ فوجدت حلة بها ملاح ويكه خضراء مفروكه.. تعجبت، فأنا لم أطبخ، وزميلي المهندس الشيخ لا يعرف يسلق بيض، فمن أين أتت هذه الويكه؟ هل زوجة الكفيل أرسلت لنا تلك الحله؟ أكيد لا لأن السعوديين لا يفركون الويكه.. فانتظرت حتى جاء الصعايده فسألتهم عنها قالوا نعم نحن فركناها! وهل في بلدكم تفركون الويكه؟ قالوا نعم! وأيضاً مما يميز الصعايدة شهامتهم ورفضهم للخضوع والذل كشأن السودانيين، فأذكر انهم اختلفوا مع الكفيل، فقال لهم بصيغة تهديد مبطنة أنه سيعمل لهم خروج نهائي- وكانت هذه العبارة أداة من أدوات الضغط يمارسها الكفلاء على العمال- فما كان من المليس سيد إلا أن رد عليه فوراً وبقوة بعد أن أخرج الإقامة من جيبه وسلمها له: كم يكفيك من وقت حتى تعمل لنا الخروج النهائي؟ فسقط في يد الكفيل، ورضخ لطلبهم فهم يجلبون له المال كما قالوا له من قبل: نحن اللي بنأكّلك ونأكّل عيالك، وذلك عندما قال لهم أنا أأكلكم.. اي نحن سبب رزقك ورزق عيالك وليس كما تدعي انت..

تعرفت على أولاد صاحب العمارة التي بها مكتبنا، وكان اقربهم لي احمد، وكانوا يجلسون أمام المكتب وأتجاذب معهم أطراف الحديث، وكنت أساعد أحمد في دروسه، وكذلك بناتهم على حل دروسهن عبر كراساتهن، لأنه حسب العرف والتقاليد لا أراهن ولا أقابلهن.. ولكن كان أحد اخوانه يده خفيفه، فما إن يجد درج خزانة الملفات الذي أضع فيه إيراد المكتب حتى يأخذ منه المائة والمائتين، وكنت أعتقد أن السعودية بلد أمان وثقة لأن أجدادنا وآباءنا كانوا يخبروننا أنهم عندما يأتون للحج يلاحظون أن الدكاكين لا تغلق أبوابها للصلاة بل يوضع خشبة او ملاية على الباب او على البضاعة الموضوعة على الطاولات، لذلك كنت مهملاً في إغلاق الصندوق، إلا أن نبهني زميلي مصطفى..

في الشارع الذي يقع فيه المكتب وجدت سوداني له 35 سنة في السعودية، وآخر له 28 سنة، وذات مرة رأيت الذي له 28 سنة هذا يدخل من باب حوش كبير فظننت أنه منزله، وقلت في نفسي أكيد استطاع بناء هذا البيت الكبير طالما له كل هذه المدة، واتضح لي فيما بعد ان الذي دخله هو مبنى الضيافة العسكرية الذي يشتغل فيها، وعلمت أن لا مجال لأجنبي أن يتملك عقار- قبل خمس سنوات سمح بذلك عدا في مكة المكرمة والمدينة المنورة- وحتماً لن يستطيع اجنبي ان يشتري مثل هذه المساحة التي بها مقر الضيافة العسكرية..

وقبل أن أنسى مكنة علي في شأن الشقة والخدامة، فقد اضطررت أن أنظف وأكنس المكتب بعد أن سافر زميلي المصري الذي كان يفعل ذلك، وقال لي الكفيل لن أجلب لك شخص ينظف لك المكتب، فإما أن تنظفه او تجلس فيه وسـخان.. سبحان الله! مساعد مدير المعهد المركزي للثقافة العمالية يكنس مكتبه!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #166
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-10-2013, 09:51 AM
Parent: #165


الحلقة 125

نواصل ...

شتاء الطائف

جاء الشتاء البارد في الطائف، واضطررنا لتشغيل المدفأة، مما ذكرني بالمغرب، ولابد في كل حمام من جهاز تسخين المياه إذ لا يستطيع احد ان يستحم بالماء البارد، وقد لاحظت عدم وجود مكيفات الهواء في اي شقة او فيلا في الطائف، ونادراً ما ترى مروحة.. كذلك ينزل المطر في الشتاء، والطائف كثير المطر، ولكن التصريف جيد في الطائف لا سيما أنها أصلاً منطقة مرتفعة وشبه جبلية، ومياه المطر تتجمع وتصب غالباً في مزارع مثل تلك التي تقع قرب مكتبنا في حي العقيق، وأحياناً تصبح بعض الشوارع أنهاراً صغيرة من كثافة المياه وتدفقها بحيث لا تستطيع ان تعبرها- حتى لو كنت في طولي (182سم)، فهي تصل الى الركبة او فوقها، ومندفعة بقوة قد تفقدك توازنك، ولكن ما إن يتوقف المطر وتمضي ساعة حتى يرجع الشارع كما هو أسفلت يمر فيه الناس والسيارات..

لاحظت في الطائف أن الماء لا يرد الى البيوت بالمواسير كما عندنا في السودان، بل بالوايتات (فنطاز) حيث يصب في خزان أرضي أمام كل عمارة، حيث يرفع الماء بواسطة موتور الى خزان آخر في سطح العمارة ومنه عبر المواسير الى الشقق.. كان هذا غريباً علينا، فكيف لمدينة في السعودية أن لا يكون بها شبكة مياه ولا شبكة صرف صحي؟ والماء المنقول عبر هذه الحاويات السيارة (الوايتات) يجلب من آبار يملكها مواطنون، ويختلف طعم الماء من بئر لآخر، فبعضها يكون مالحاً وبعضها عذباً.. فيما بعد- بعد حوالي خمسة عشر او عشرين عاماً- تم تمديد شبكة مواسير مياه الشرب وتم جلب المياه المحلاة من البحر الأحمر عبر أنبوب من معمل معالجة المياه المالحة بالشميسي قرب جده، علماً بأن مدينة جدة بها شبكة مياه محلاة تصل الى البيوت ولكن غالباً لا تكفي حيث تصب مرتين او ثلاث مرات في الأسبوع، وفي بعض الأحياء قد لا تصب مرة في الشهر خاصة في الصيف حيث يزيد استهلاك المياه، وربما احتاج السكان الى جلب الماء عبر الوايتات لتكملة النقص في الماء حتى يصل ماء التحلية..

ذات نهار رأيت من خلال زجاج المكتب الناس يسرعون نحو البرحة (الفسحة) التي أمام المكتب، فخرجت استطلع الخبر، فرأيت هليوكوبتر تهبط في طرف الميدان جهة مقر الضيافة العسكرية ومقابل رئاسة الشرطة، ومجموعة من الشرطة تخرج من رئاسة الشرطة باتجاه المروحية، والناس يتدافعون نحو المكان، ورأيت الشرطة تُنزل شاباً من المروحية مخفوراً وتتجه به نحو مقر رئاسة الشرطة، وعلمت أنه شاب سعودي قتل والدته واخته وهرب الى الجبال حول الطائف، فتتبعته الشرطة بالمروحية حتى عثرت عليه فاقتادته الى رئاستها..

كان اقرب جامع- وجامع تعني مسجد يصلى فيه صلاة الجمعة، اما مسجد فيصلى فيه كل الصلوات عدا الجمعة- هو جامع عبد الله بن العباس رضي الله عنهما، وكان يوجد في قلب سوق الطائف، وكنا نتحرك من حي العقيق الذي به المكتب والسكن ونتوجه مشياً على الأقدام للجامع، وقد يأخذ المشوار ربع ساعة، وكان الجامع كبيراً وواسعاً، وكان يومها اكبر جامع في الطائف.. وكان أمامه برحة (ساحة) حينما نجدها مليئة بالشرطة قبل صلاة الجمعة نعرف ان هناك قصاص، اي ضرب عنق الجاني بالسيف بعد تلاوة الحكم عليه.. وكنت عقب انتهاء الصلاة أغير مسار رجوعي المعتاد الذي يمر أصلاً بقرب هذه الساحة، فأسلك طريقاً أبعد، بل عكس اتجاه بيتنا، تفادياً للمرور بقرب الساحة حتى لا أرى القصاص، بينما أشاهد الناس يسارعون بل ويجرون جرياً لمشاهدة القصاص، وأذكر انني بعد الصلاة كنت أصلي صلاة السنة عقب صلاة الجمعة، وكان الجامع مزدحم فصليت خارجه، فوجدت المصلين يتدافعون نحو الساحة حتى لم يعملوا حسابي وأنا اصلي فمروا من أمامي، وما زلت أذكر بوضوح تعابير وجه احدهم- باكستاني- وهو يجري فرحان كأنه ذاهب لمشاهدة حاوي او لعبة كرة قدم او شئ ظريف.. وما إن انتهيت من صلاتي حتى توجهت في اتجاه معاكس الى ان خرجت من منطقة الجامع، ومع اني لم أشهد القتل فقد جف حلقي وتوترت أعصابي وأصابني حزن غريب رغم انني لا أعرف الجاني الذي سينفذ فيه الحكم، فكيف لهؤلاء ان يشهدوا مثل هكذا منظر؟ بل وعرفت أنهم يصفقون بعد أن يضرب السياف رأس الجاني!

وذات مرة في نفس المكان وانا أمر بالسوق رأيت سيارة السجن تنزل شابين سعوديين يضعان الغطرة حول وجوههم ليخفوه عن أعين المارين، ثم رأيت الشرطي يقرأ الحكم: هذا الماثل أمامكم قد حُكم عليه بالجلد اربعين جلدة لأنه تكتم على أمر فاضح، ثم بدأ الشرطي بجلد الشابين، ولاحظت أن الشرطي يضم ساعده الى جنبه؛ فقط يتحرك كفه بالعصا (البسطونة) ويضرب مرة في أعلى ظهره والتالية في أعلى إليتيه، وقد علمت أنه يُسمح للمحكوم عليه بالجلد بارتداء ما يشاء من ملابس (يعني يردّف) حتى يخفف وقع الجلد عليه، ويسمح له بتغطية وجهه من الجمهور، ولا يُذكر اسمه.. وتذكرت في السودان الجلد بسوط العنج وأن الشرطي يرفعه الى أعلى ما تستطيع يده وينزله على جسد المجلود بأقوى ما عنده، بل ويُشهّر به عبر وسائل الإعلام بذكر اسمه وشهرته وشهرة أبيه أو أبيها إن كان مشهوراً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #167
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-11-2013, 10:54 AM
Parent: #166


الحلقة 126

نواصل ...

الصيفية في الطائف

ذات مرة وأنا جالس في مكتبي إذ جاء شخصان بدويان من اقرباء الكفيل يسألون عنه، فقالا لي: انت صبيّو؟ أصبحت يا مساعد مدير المعهد المركزي للثقافة العمالية صبي مكتب (على وزن صبي جزار وصبي خياط...)، هانت الزلابية.. وفي حكاية أخرى جاء إلى المكتب كهل ومعه زوجته العجوز يسألان عن السائق الذي طلباه من مصر عن طريق مكتبنا، فقلت لهما إن السائق قد وصل بالفعل إلى جدة، فلم يصدقاني، وطلبا لي الشرطة، وفي هذه الأثناء اتصل الكهل على صاحب المكتب وتحدث معه وجاء في سياق كلامه: أن خادمك قال لي... الخ، وهنا أصبح الصبي خادماً.. سبحان الله.. بكالوريوس الحقوق فرع العلوم السياسية، ولغة انجليزية ودبلوم لغة فرنسية، ويصنف من الخدم!! مين جابرك على المرّ يا جحا قال الأمرّ منو! عندما جاء الشرطي ليأخذني إلى القسم قلت له إن السائق موجود في جدة فاتصل على جوازات ميناء جدة فأكدوا له وجود السائق معهم!

كان مكتبنا بالإضافة الى الاستقدام يمارس عمل عقود الإيجار، فلدينا دفتر عقود لمن يريد أن يؤجر شقة لديه، فجاءنا ذات يوم إمام مسجد شبرا- المسجد الذي نصلي فيه وكان يصلي فيه الملك فيصل رحمه الله، وبين المسجد وقصر شبرا كما أسلفت شارع صغير- ومعه فلبيني استأجر شقة في عمارته، وطلب منا إعداد العقد، ودفع مائة ريال مقابل ذلك، ثم ذهب وترك الفلبيني لنسلمه نسخة العقد، فكانت المفاجأة أن قال لي الفلبيني أن المؤجر أخذ منه مائتي ريال نظير هذا العقد! علماً بأن المعتاد أن يدفع صاحب العقار رسوم إعداد العقد وليس المستأجر، ومائة ريال، وليس مائتين!!

يذكرني هذا أسعار ايجار الشقق في ذلك الزمان، فقد كانت تتراوح بين عشرين الى خمس وعشرين الف للشقة في حي العقيق الذي نسكنه والذي به المكتب، وهو من الأحياء شبه الراقية الى حد ما، وهناك حي شهار وحي السلامة من الأحياء الراقية في الطائف، وأما الشقق الأقل كلفة في الإيجار فمثل حي شرقرق المجاور لحي العقيق وكذلك حي بني سويلم وكلاهما أحياء بدوية، وهناك حي البخارية الذي يغلب عليه السعوديون من أصل بخاري وداغستاني وتركمانستاني، وهناك حي الشرقية وحي القمرية ووادي نمل وهي احياء شعبية والأخير بالذات غالبية سكانه من التكارنه.. والإيجار في الأحياء الشعبية والبدوية أقل من الأحياء الجديدة والراقية.. وكان أصحاب العقارات يفضلون تأجير شققهم في الصيفية فقط- أي في موسم الصيف- حينما تنتقل الحكومة من الرياض الى الطائف، فينتقل الملك والوزراء وموظفي القصور ومجلس الوزراء وتدار المملكة من الطائف في فصل الصيف ولمدة ثلاثة أشهر، لذلك يستفيد صاحب العقار من الإيجار بكامل المبلغ السنوي الذي يدفعه المصيفون ولا يسكنون غير ثلاثة أشهر فيحافظ صاحب العقار على عقاره جديداً الى الصيف القادم..

وكان من ضمن المسؤولين المصيفين في الطائف في ذلك العام مدير مكتب العمل بالطائف، وجاء الى المكتب بغرض التفتيش، وقابل صاحب المكتب وتناقش معه وسأله عن نشاط المكتب (الاستقدام) ولكن رفض صاحب المكتب الإدلاء بأي تفاصيل مالية، واستغربت انا ذلك حيث ان المسؤول طلب تلك المعلومات فكيف لصاحب المكتب ان يرفض إعطاءها إياه.. والى أن انتهت الزيارة لم يعطه المعلومات على أساس انها رزق من الله ويجب إخفاؤه.. ودعاه الى طعام في بيته فلبى الدعوة وتزاورت الأسرتان، وطلب مني هذا الرجل تدريس بنته وأخيه وكلاهما في الثانوية، فكانت تأتيني سيارة المرسيدس لتأخذني الى حي شهار حيث يسكنون في شقة مفروشة لتدريس البنت، وفي يوم آخر يأتيني اخوه بسيارته الجمس ليأخذني الى نفس البيت لتدريسه.. يعني طلعت من الزيارة بفائدة قرشين ساعدوني قليلاً وعلى ما أذكر كان الشهر لكل منهم بحوالي ألف وخمسمائة ريال.. ومن الطرائف أن البنت عندما كنت أدرسها كانت تلبس عبايتها وطرحتها ولكن وجهها مكشوفاً، ثم تصادف أن دخلت جدتها الكفيفة الى الغرفة التي كنا بها ولم تكن تعلم أن هناك غرباء، وكان وجهها مكشوفاً فقالت لها حفيدتها: الرجّال (الراجل) يا جدة.. فما كان من الجدة إلا أن أسرعت بكفيها الى وجهها تغطيه وقد بدأ عليها الإنزعاج ووقع المفاجأة، وانسحبت من الغرفة.

وأيضاً كنت أدرّس أخو أحد موظفي مجلس الوزراء وعلى ما أذكر انه كان في المتوسطة، وأدرّس الموظف لغة فرنسية.. هذا غير التبرع لسودانيين يسكنون بجوار المكتب بتدريس أبناءهم.. كذلك درست ولد وبنت في المتوسطة يسكنون في حي العقيق قرب المكتب، وأذكر أنني اتفقت معهم على كامل الفترة بحوالي أربعة آلاف أو أربعة آلاف وخمسمائة ريال.. وأذكر أن أول يوم درّست فيه البنت كانت تلبس العباية والطرحة، وفي اليوم الثاني تخلت عن الطرحة، وفي الثالث عن العباية، وبقيت في الأيام التالية بجلابية البيت..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #168
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-15-2013, 03:31 PM
Parent: #167



الحلقة 127

نواصل ...

إجازة في الوطن وزواج شقيقتي

بن عمتي الرشيد عكاشه خطب اختي اخلاص وحدد موعد الزفاف وكان لابد من السفر في الإجازة الى السودان لحضور مراسم الزواج سيما وأنني قد قضيت عاماً في الشغل، فتسوقت من الطائف ثم سافرت الى جدة حيث أخذت من هناك الطائرة المتوجهة الى الخرطوم، وعلى ما أذكر كان ذلك في الأسبوع الأول من شهر ابريل عام 1984م، وبعد السلام على أخوالي سراج والصادق وأبناء عمي خضر، زرت منزل جد وأعمام الحبيبة وسألت بن عمها نصر الدين الذي أفادني بأنها تدرس في الفرع وتسكن في الداخلية بشارع علي عبد الرحمن، وفي المساء أخذني الى هناك، وسألنا إحدى الطالبات الداخلات الى الداخلية عنها، فدخلت وسألت عنها ثم خرجت وأخبرتنا بأنها في الكوافير القريب من الداخلية ووصفته لنا فتوجهنا إليه، ودخل نصر الدين فوجدها تجهز شعرها وأخبرها بأن عمر معه، فقالت له: لا.. فجاء ونقل لي هذه اللا! فاستغربتها وتوجست خيفة وسألته عن معناها.. فقال لي معناها أنها: لا.. ما ممكن! أي ما بصدق.. ثم بعد قليل جاءت مسرعة والفرحة تبدو على وجهها الباسم أصلاً.. فاحتضنتني بحرارة وشوق..

بعد يومين- أي يوم 7/4/1984م سافرت الى مدني وكان يوم حنة العريس، وبمجرد وصولي الى مدني ذهبت الى منزل عمتي- منزل العريس- في المزاد فسلمت على أهل الدار ثم من هناك الى منزل الراحل عماد سليمان بحي 114، دخلت فوجدت أخيه صلاح واخته سلوى وصديقي عبد الواحد فبدأت بتعزيتهم، ولكن ما إن رأيت والدته حتى انفجرت باكياً، وفوجئت بأمي تدخل وتحضنني وهي تبكي، وعلمت فيما بعد أنها كانت تتوقع مروري أولاً على منزل عماد بعد ان علمت أنني وصلت منزل عمتي، فوقفت على ناصية شارعنا حيث من هناك ترى الداخل الى منزل أسرة عماد.. وبالفعل رأتني أدخل إليهم.. رحم الله عماد، ورحم الله بخيته والدته، ورحم الله سليمان والده.. ثم توجهت الى منزلنا حيث سلمت على أبي رحمه الله واخي قمر واخواتي وعلى الجيران وناس خالتي ام شرفين القريبين من منزلنا.. ثم وزعت الهدايا على أسرتي..

في المساء ذهبت الى منزل عمتي لأشارك في حنة العريس، وكانت الحفلة بصديق متولي.. وفي اليوم التالي 8/4/1984م كان الزواج بمنزلنا، وبدأت الإستعدادات منذ الصباح الباكر حيث جهزت الخراف ونظف الشباب الشارع امام المنزل ونصبوا الصيوان الذي احتل المساحة ما بين بيتنا ومدرسة شدو وبدأت النساء بإعداد البيت وشرع الطباخ في إعداد طعام الوليمة، والعروس ذهبت الى الكوافير.. وفي العصر تجمع الرجال لحضور عقد القران الذي تم بعد صلاة العصر..

في المساء أعد الشباب الكراسي للحفلة، وكانت الحفلة أيضاً بالفنان صديق متولي، وكنت قد أحضرت مسجل ستيريو كبير فسلمته لبنات عمي أذكر منهن آمونة عبد الرحيم وفاطمة الحاج حيث كانوا في الصف الأمامي ووضعت شريط في المسجل ليسجلوا الحفل عليه، فسجل غناء صديق متولي وونستهن أيضاً!

الصورة المرفقة يبدو أنها في صبحية العرس، حيث يظهر فيها والدي - رحمه الله رحمة واسعة- وهو يحمل (عماد انور خضر) وهو إبن شقيقتي حياة، والذي اسميته عماداً على إسم صديقي الراحل عماد سليمان حسن، وبجوار والدي يظهر إبن خالتي أمين محمد علي سركيس وخلفه يظهر إبن خالتي ماهر مبارك عبد الغفار..

OmarHasan001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية أيضاً التقطتها صبحية يوم العرس، وتضم من يمينك بثينة حاج بليل - إبنة عمي- ثم جدتي لأمي نعيمة محمد عبد الله- رحمها الله رحمة واسعة- ثم شقيقي قمر الدولة حسن غلام الله، ثم قريبي الذي يسكن معنا عمر خضر عبد الماجد، ثم إبن خالتي حسن محمد علي سركيس..

OmarHasan002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورتان في الشارع أمام بيتنا في حي 114 بمدني.. ويظهر في كلتيهما المزرعة التي أنشأتها في الزاوية المحصورة ما بين بيتنا وبيت العم خضر عبد الرحمن، أنشأتها عندما كنت أعمل في الثقافة العمالية بمدني في العام 1980م حيث أشغلت بها نفسي عن التفكير في الواقع المرير، ولأخفف بالخضرة والماء جفاف الحياة التي عشتها عامذاك..

في الصباح أخذ العريس عروسه وتوجه الى الخرطوم حيث سيسافر من هناك الى القاهرة.. وامتلأ منزلنا بالجكسي من بنات الأهل من خارج مدني ومن مدني وبنات الجيران.. وما تنسوا إنني أصبحت الآن مغترب.. وفي نظرهن إنني حر (فري) يعني خالي الوفاض.. ولكن واقع الحال إنني ملئ بحب افروديت ما زلت!



وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #169
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-16-2013, 02:25 PM
Parent: #168


الحلقة 128

نواصل ...

العودة إلى الطائف

قضيت أياماً في مدني ثم عدت للخرطوم وذهبت عدة مرات للحبيبة في الداخلية، وقد علمت أنها خطبت مرة أخرى لمغترب في الإمارات وفسخت خطبتها أيضاً، ومرة أخرى تدحض خطبتها ما قيل عنها أبان الحملة المغرضة ضدنا، وكأن الشباب ما صدقوا فسخ خطبتي منها حتى تواتروا يخطبونها الواحد تلو الآخر، وفسخ خطبتها من هذا الأخير ربما بسبب حبها لي، والظاهر الآن في مقابلاتي لها.. قد يظن البعض أن السبب لعودتها لي هو أنني قد اغتربت.. وهذا ليس منطقي، فالذي تقدم لها مؤخراً وفسخت خطبتها منه مغترب أيضاً.. وأعتقد أن السبب هو ما قاله لي زميلي حيدر إدريس؛ وهو أن البنات واقعيات أكثر من الأولاد، فهن ينظرن الى بعيد، إلى ما بعد الزواج، وإلى علاقتهن بأهل الزوج، فطالما كانت أسرة الزوج ترفضهن فلابد من المشاكل، ولذا آثرت هذه الإبتعاد لأن أهلي لا يريدونها والدليل سماعهم للوشاية وتصديقها و(قرارهم) بتركها- كما أسلفت- ولكن لماذا إذاً تقابلني وتخرج معي ومعاني ومباني الحب ظاهرة وبادية لا تخطئها عين زميلاتها ولا أبناء عمومتها، وأما الآخرين من طرفي فكان لابد من إخفاء كل شئ عنهم تفادياً لما قد يحدث مثلما حدث في السابق، وإن كان الجميع بدأ يعمل لي ألف حساب بعد أن وقفت ضد تلك المؤامرة وألجمت كل من تفوه بكلمة في حقها، وصُمْتُ عن الكلام مع أهلي خاصة أيام الإكتئاب، لذا فالجميع يتحاشى الكلام معي حول هكذا مواضيع؛ بعضهم رأفة وشفقة وبعضهم خوفاً من ردة فعلي..

تذكرت الآن شيئاً، وهو أنني بعد أن ألقيت لها بقنبلة الإنفصال في دارهم قبل عدة سنوات جمعتُ كل خطاباتها وصورها وصورنا المشتركة التي كنا قد التقطناها بكاميرتي الخاصة في ستديو إشراقة حيث التقطها لنا الشيخ وحمضها وطبعها لنا، بالإضافة الى صورة كبيرة لها كنت قد رافقتها ذات يوم الى ستديو اشراقة لتلتقط تلك الصورة (بوستال) فكانت الصورة روعة لدرجة أن صاحب الاستديو كبرها لأكبر مقاس ووضعها في فاترينة الاستديو.. كل هذه الصور والرسائل أعدتها لها لكي تطمئن على أسرارها وخصوصياتها ولا تقلق بأنها في يد غريب.. ولكنها قالت لي بعد ذلك بزمن طويل- جداً- أنها لم تكن لتقلق على اسرارها وهي بيدي، فهي تطمئن لي حتى لو لم تستمر علاقتنا، وأنها قد ظنت أنني لا أريد شيئاً يذكرني بها لذلك أرجعتُ لها كل شئ!

كم منزل في الحي يألفه الفتى * وحنينه أبداً لأول منزل
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى * ما القلب إلا للحبيب الأول

ما بين الخرطوم ومدني قضيت إجازتي وعدت إلى الطائف وإلى عملي المعتاد.. ثم أرسلت شيكات الحج لوالديّ، وهذه أول فائدة للإغتراب الذي خططت أن يكون قصيراً، حيث أحج أنا ثم أحضر والداي للحج وأبني البيت وأتزوج، لذا تكفيني سنتين ثلاثة في الغربة.. وهي الآن وصلت الى ثلاثة..... عقود فقط!!!

المكتب الذي يقابل مكتبنا هو مكتب عبد الله سيف المتخصص في النقليات وحفر الآبار، وكان يدير المكتب إبنه سيف، وذات يوم قال لي إنه مسافر الى تايلاند ويريدني أن أسافر معه- لأنني أعرف اللغة الإنجليزية وهو لا يعرف- فوافقت، وأستأذنت كفيلي فأذن لي، ولكن علمت من سيف لاحقاً أنه لم يكن يقصد تايلاند وإنما فرانكفورت في ألمانيا حيث يريد شراء سيارات، وذهبنا الى مكتب الحجز والسياحة حيث وجدنا عايض الشلوي قريب صاحب مكتبنا وقريب سيف أيضاً حيث كانوا كلهم من فخذ واحد (الشلوي) من قبيلة بني حارث.. وكان عايض يبحث عن حجز الى القاهرة فلم يجد حيث أن موسم الحج قد اقترب والعودة من مصر الى السعودية شبه مستحيلة لضغط الحجاج على الطيران في الموسم.. فقال له سيف لم لا ترافقنا الى المانيا؟ فوافق وقطع سيف لي وله تذاكر جدة فرانكفورت جدة، وقطع عايض نفس الخط.. وكان موعد السفر في نفس وقت الحج، ووالداي قد أبلغاني أنهما قد أتما إجراءات الحج وحددا وقت الحضور الى جدة.. فاستعنت بإبن خالتي احمد محمد احمد وقيه- عليه رحمة الله- والذي يعيش في جدة بأن يذهب إليهم في المطار ويطمئنهم ويطمئن عليهم، على أن يواصلوا هم مع بعثة الحج الى مطوفهم المخصص لهم حتى عودتي من ألمانيا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #170
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-17-2013, 03:05 PM
Parent: #169


الحلقة 129

نواصل ...

السفر الى ألمانيا

في الأسبوع الثالث من شهر أغسطس تقريباً عملت تأشيرة خروج وعودة وعملنا نحن الثلاثة تأشيرات دخول لألمانيا من السفارة الألمانية بجدة ثم عدنا للطائف حيث أعددنا حقائبنا، ثم ركبنا سيارة سيف الرينج روفر وتوجهنا نحو جدة عبر طريق الهدا، ونزلنا في فندق الواحة ببني مالك بجدة، وكانت غرف الفندق على شكل شاليهات أرضية منفصلة عن بعضها ومنتشرة على مساحة واسعة، ودخلنا بالسيارة عبر بوابة الفندق الرئيسية حتى توقفنا أمام الغرفة المخصصة لنا، وكان فندقاً هادئاً، فقضينا ليلة فيه، وفي الليلة الثانية تحركنا من أمام الغرفة بالسيارة وتوجهنا الى مطار الملك عبد العزيز بجدة- الصالة الشمالية (المخصصة للخطوط الأجنبية غير السعودية)- حيث ستقلع الرحلة في الثانية بعد منتصف الليل.. ونزلنا من السيارة وتركناها في مواقف المطار ودخلنا صالة المغادرة، ثم وقفنا في الكاونتر المخصص لخطوط لوفتهانزا ووزنا العفش واستلمنا بطاقات صعود الطائرة، ثم جلسنا في الكراسي ننتظر إعلان الدخول لصالة بوابات المغادرة.. وعندما اقترب موعد الإقلاع ولم نسمع عبر مكبرات الصوت أي إعلان عن الرحلة ذهبنا نستطلع الخبر، فقال لنا الموظف أين أنتم، نحن نبحث عنكم منذ ساعة وطلبناكم عبر مكبرات الصوت بالإسم.. قلنا له لم نسمع شيئاً، ثم أخذنا إلى بوابة المغادرة حيث استقلينا سيارة صغيرة لأن البصات نقلت كل الركاب الى الطائرة ولم يبق غيرنا فأخذونا بالسيارة الصغيرة- VIP- وعندما صعدنا الى الطائرة كان الجميع ينظر إلينا – لا ندري بزعل لأننا تسببنا في تأخير الطائرة، أم بحسد لأننا VIP ونقلونا الى الطائرة بسيارة صغيرة، وأن الطائرة انتظرت وصول سعادتنا! المهم ما إن جلسنا في مقاعدنا حتى أغلقت أبواب الطائرة ثم تدحرجت فوق مدرج المطار ثم ما لبثت أن أقلعت باتجاه الشمال فوق البحر الأحمر متوجهة الى أوروبا.. إلى مطار فرانكفورت..

قضينا الليلة في الطائرة، وفي الصباح وصلت الى مطار فرانفكورت، ويا له من مطار.. عندما نزلنا من الطائرة ودخلنا صالة المطار ثم تابعنا اللوحات الإرشادية، وإذا بنا نمشي على سير أفقي متحرك لمسافة مئات الأمتار، ثم وصلنا لمكان الأمتعة حيث أخذنا شنطنا، ولاحظت أن هناك عاملاً مكتوب على ظهره (Zool) فقلت الزول ده الجابو هنا شنو؟ ولكن لاحظت أنه أحد مجموعة عمال يلبسون زياً موحداً علمت أنهم من عمال الجمارك، أي ان كلمة زول تعني جمارك.. وتوجهنا الى كاونترات الجوازات حيث ختمنا ختم الدخول، وفي صالة المطار الرئيسية وجدنا مكاتب تأجير الفنادق، وقالوا لنا إن فرانكفورت ليس بها فنادق شاغرة، ولكن هنالك مدينة قريبة منها يمكن الحجز في فنادقها، وبالفعل حجزوا لنا في فندق بمدينة (دارمشتاد).. فاستقلينا تاكسي وتوجهنا الى تلك المدينة التي لم تكن بعيدة عن فرانكفورت، بل تعتبر من ضواحيها، وتشتهر دارمشتاد هذه بالقاعدة الجوية الأمريكية فيها.. وبالفعل عندما وصلنا الفندق وجدنا كثير من نزلائه من الجنود الأمريكان، وهم العساكر الوحيدين الذين رأيناهم في ألمانيا، فلا ترى في أي شارع شرطي سواء مرور او شرطي عادي او سيارة نجدة أو سيارة مرور، وهذا لفت نظرنا منذ اليوم الأول.. فيبدو أن الألمان وصلوا درجة من الرقي والمدنية أن داخل كل فرد شرطي يضبطه، فوجدوا ألا داعي لنشر شرطة في الشوارع.. عجيب يا ألمان!

وصلنا الى الفندق وقابلنا موظفو الإستقبال الذي كان بينهم فلسطيني وألمانيتان جميلتان، فسلمناهم جوازاتنا وأعطونا مفتاح الغرفة حيث وجدناها جميلة وأنيقة وبها ثلاث أسرة بجانب كل سرير كومودينو، ودولاب ملابس وثلاجة صغيرة بها مشروبات غازية وروحية- خمر- فإذا أخذت منها واحدة استبدلتها الموظفة عند مرورها اليومي وجردت الناقص لتسجله على فاتورة الغرفة، اي إنك لا تطلب المشروبات من الإستقبال أو من المطعم، فكل شئ موجود بالثلاجة.. وعندما انحنت الموظفة فوق الثلاجة الصغيرة لتجرد ما فيها وكنت مستلقياً على السرير وبيني وبين الثلاجة سنتمترات فقط، وكانت تلبس فستاناً من قصره بانت ملابسها الداخلية كاملة.. ده شنو ده يا ألمان؟ ولم تكن تعبأ بمن ينظر إليها ولا إلى وضعيتها تلك، بل استمرت في تسجيل ما بالثلاجة، فثارت نفس صاحبي وقال لابد أن يطلب منها قبلة، فرجوته ألا يفعل لمعرفتي بالأوربيين.. فلم يسمع كلامي وتابعها إلى باب الغرفة وطلب منها، ولكنها اعتذرت له بلطف..

OMAR-GERMANY003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي وعايض وموظف الإستقبال الفلسطيني امام كاونتر الإستقبال بالفندق

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #171
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-18-2013, 04:38 PM
Parent: #170


الحلقة 130

نواصل ...

دارمشتاد

غرفتنا بها شرفة (بلكونة) تطل على الشارع وعلى حديقة عامة جميلة، وكان الجو لطيفاً ومشمساً وصحواً، ووقفنا لنتفرج على المنطقة من الشرفة، وقد لفت نظرنا منظراً شبيهاً بما رأيناه قبل قليل في الفندق من موظفة الثلاجة، ولكن التي رأيناها كانت كأنها ترفع فستانها وتخلع ما تحته، و لا ندري لماذا تفعل ذلك في حديقة عامة، ربما لأن شرفتنا لم تكن تطل مباشرة على الحديقة وبالتالي لم ترانا ولم يكن بالحديقة غيرها، او انها لا تكترث لأحد.. كل شئ جائز في المانيا..

تجولنا حول الفندق ولاحظنا أن إشارات المرور بها إشارة خاصة للمشاة، فلا يعبر المشاة الشارع إلا حين تضاء تلك الإشارة بالأخضر، فكنا نقلدهم في الإنضباط الذي لم نتعود عليه في بلادنا ولا في مغتربنا، فأحياناً نكون الساعة الثانية بعد منتصف الليل وتقل السيارات العابرة ومع ذلك ننتظر إشارة المشاة الخضراء لنعبر.. في هذا الوقت المتأخر من الليل نكون عائدين من الديسكو الذي لا يبعد كثيراً عن الفندق، ومدخل الديسكو كان في شكل بص، تدخل من بابه وتمر بين المقاعد لتصل من الباب الآخر الى قاعة الديسكو، كان ثلاثتنا لا يشربون إلا المياه الغازية.. وعندما توجهت ذات مرة الى دورات المياه لأفرغ ما تكون من مياه داخلي بسبب تلك المشروبات، ودخلت أحد الحمامات الخاصة بالرجال، وإذا بي أسمع في الحمام المجاور أصوات همس وهمهمات وزمر (على قول عادل إمام لناهد جبر في مسرحية شاهد ما شافش حاجة عندما قالت له عندما تدخل السينما ومعاك واحدة وتقعد- مثلت له الفعل بصوت يخرج من فمها- فقال لها أزمّر يعني؟)، ولو لم يكن الحمام خاص بالرجال لقلت أن الأمر عادي.. ولكن.. ومالو؟ برضو عادي في ألمانيا.. وأكيد لم تدخل إمرأة إلى حمام الرجال..

لاحظنا بعض التاكسيات عليها رسمة سلويت لأمرأة مستلقية على ظهرها وإحدى ركبتيها إلى أعلى ومكتوب فوق الصورة: (كريزي سكس)، فقادنا حب الإستطلاع الى سؤال صاحب تاكسي عن هذا الإعلان او هذه الدعاية، فأخذنا الى مبنى في أطراف البلدة يقف وحيداً في ذلك المكان.. كان مدخل البناية مفتوحاً ولكن تنسدل من أعلاه شرائط بلاستيكية سميكة وعريضة نسبياً في شكل ستارة، دفعنا الستائر البلاستيكية ودخلنا فوجدنا غرفاً مفتوحة وأخرى مغلقة.. المفتوحة تجلس بقرب بابها فتاة تلبس قطعتين صغيرتين جداً من الملابس، ثم صعدنا درجاً (سلماً) فإذا الطابق الثاني بنفس النمط.. وكذلك الثالث.. كانت الأجرة 70 مارك، وأي لمسة او أي مقدمات أخرى بـ 20 مارك إضافية.. تقولها لك بطريقة آلية تذكرك بالجرسون في مطاعم السودان في العهود الغابرة عندما تسأله: عندكم شنو؟ فيسرد لك قائمة الطعام بطريقة آلية، أو كالشرطي الذي يعتقل أحدهم في أمريكا فيسرد عليه حقوقه وواجباته ومنها عبارة مشهورة معناها: (وأي كلام تقوله يمكن أن يسجل ضدك)..
كان الحرص مطلوباً منهن، فإما واقي وإما غسيل بالصابون..رأيت فتاة إفريقية على خدودها وشم إفريقي.. قالت لي إنها من قبيلة الأشانتي الإفريقية.. وتعرف الإنجليزية، ورأيت عجوزاً أوروبياً يدخل إليها.. بعضهن كن لا يعرفن الإنجليزية، وصديقي يعرف القليل جداً من الإنجليزية.. ناداني لأتكلم مع إحداهن لأنه أعطاها مائة مارك ولم ترجع له الثلاثين.. سألتها لماذا؟ قالت: قلت له Welcome for change? فأجابني قائلاً (ok)، قلت لها لم يفهمك، قالت هذا شأنه..

في يوم آخر ذهبنا إلى حديقة عامة كبيرة فيها بحيرة استأجرنا قوارب تعمل بالبدال، وتجولنا في البحيرة حتى تعبت عضلات أفخاذنا من التبديل.. وكانت الحديقة غناء وبها ميادين خضراء مزروعة بالنجيلة، وملأى بأشجار التفاح المثمر، فقطفت واحدة وتذوقتها فكان طعمها لا يطاق، لقد ذكرتني بأشجار البرتقال المزروعة في الشوارع في المغرب، تراها مثمرة ولونها برتقالي فاقع وتظن أنها حلوة كلونها فتفاجأ بطعمها الحامض الذي لا يستساغ، والهدف كان الزينة وليس الأكل، وكأنهم يتعمدون ألا تكون مستساغة حتى يتركها الناس وشأنها..

OMAR-GERMANY002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي في شرفة الغرفة بالفندق، وتبدو الحديقة التي ذكرتها في أول فقرة أعلاه..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #172
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-19-2013, 10:58 AM
Parent: #171


الحلقة 131

نواصل ...

استأجرنا سيارة وعملنا حادث

عندما خرجنا من الحديقة بحثنا عن تاكسي فلم نجد في الشارع، وكان هناك صبي يلعب بدراجته الهوائية فلاحظ أننا نبحث عن تاكسي، فرطن معنا بالألمانية التي لم يكن أحد منا يجيدها، وهو لا يتحدث الإنجليزية، فمد يده لنا وفهمنا أنه يطلب عملة معدنية، فوضعناها في يده فتوجه نحو الكشك القريب حيث يوجد هاتف عملة، فاتصل مع شخص ما، ثم وضع السماعة وأشار إلينا أن ننتظر في مكاننا، وبعد قليل جاء تاكسي بناء على تلك المحادثة من الصبي، ولاحظنا أن في كل تاكسي جهاز لاسلكي، وقد اتصل الصبي بشركة التاكسي الذين طلبوا من أقرب تاكسي للمنطقة التي اتصل منها الصبي أن يتوجه إلى العنوان المطلوب، وفي دقائق كان التاكسي معنا.. كان ذلك في العام 1984م!

مسبح الفندق كان في الطابق تحت الأرضي، فنزلنا ذات يوم ووجدنا الخواجات رجالاً ونساء- خاصة الجنود الأمريكان- يسبحون فيه، وبما أننا لا نلبس لبس السباحة فكنا نكتفي بالجلوس على حافة الحوض ونتفرج على الماء..

في الفندق هناك ثلاث طرق لتناول الطعام، الأول هو في الغرف حيث تطلب الطعام فيؤتى إليك، وهذا فيه زيادة رسوم خدمة، والثاني في المطعم على الطاولات وهذا فيه رسوم خدمة ولكن أقل من خدمة الغرف، والثالث في الكاونتر مباشرة حيث تجلس على الكراسي العالية ويكون الكاونتر الذي خلفه المطبخ ومقدم الخدمة، وهذا أقل أسعاراً حيث يشبه نظام (اخدم نفسك بنفسك).. وذات مساء قال سيف نطلب الأكل هنا في الغرفة، فقلت له إن ذلك يكلف أكثر مما لو نزلنا الى المطعم، وأصر سيف على رأيه وعزيت إصراره إلى عدم اعتياده على الأكل بالشوكة والسكين ويظن أن تناوله الطعام بيده أو استخدام الشوكة والسكين بطريقة تنم عن عدم معرفته باستخدامهما سيلفت نظر الخواجات او يجعله سخرية، فقلت له هنا الناس لا يعبأون بغيرهم، فلو أكلت بيدك او بالشوكة والسكين فلن يلتفت إليك احد لأن لا أحد ينظر إلى أحد، فالكل هنا مؤدب وكل واحد في شأنه.. فأصر سيف وقال لي أنا من يدفع الحساب!

وعندما احتد النقاش وحصل الزعل انسحب عايض وتركنا ونزل إلى الأسفل ثم رجع بعد قليل ومعه ساندوتشات – شرائح الخبز المربع وبين الشريحتين قطعة لحم مسطحة- فسلم كل واحد منا واحد، فقضمت ركن الخبزة وبها طريف صغير جداً من اللحم.. وفجأة استدركت، فتوقفت عن المضغ، وسألت عايض: هل سألتهم عن نوع اللحم؟ فأجاب بالنفي.. فاتصلت على المطعم وسألت المسؤول هناك عن اللحم في الساندوتشات التي طلبها زميلنا قبل قليل، فقال لي: لا أدري ولكن غالباً تكون لحم خنزير! فألقيت الساندوتش من يدي في سلة المهملات، وكذلك فعل سيف ببقية الساندوتش، اما عايض فقال انه أكل واحداً في المطعم وهاهو يتناول الثاني.. ثم أردف قائلاً: أتاري بطني كركربت بعد أكلت الساندوتش!

تعارفنا على ثلاثة فلسطينيين يعملون في الفندق، أحدهم الذي يعمل في الإستقبال، فاشاروا علينا أن نستأجر سيارة لنوفر مصاريف التاكسيات المكلفة، وبالفعل اتصلوا على مندوب الشركة الذي حضر للفندق وحرر لنا العقد.. ثم سألني: هل تريدون أن أعمل لكم تأمين ضد الحوادث؟ فترددت ثم سألته كم يكلف؟ قال 30 مارك، فوافقت فوراً على عمل التأمين.. فعمل التأمين وسلمنا السيارة التي أوكلنا قيادتها لأحد الفلسطينيين..

وذات يوم ونحن في السيارة ويقودها الفلسطيني مرقت سيارة من شارع جانبي فاصطدمت بسيارتنا، فنزلنا منها ولم يصب أحدنا بأذى وكذلك سائق السيارة الأخرى، فانفتحت شبابيك في الأدوار العليا في العمارات المطلة على الشارع، وأذكر منهم رجل وإمرأة أطلا من شباك شقتهما ورطنا بالألمانية ففهمها الفلسطيني وأجابهما، وكان سؤالهما: هل هناك دم؟ أي هل هناك إصابات؟ ثم دخلا الى الداخل وبعد قليل وصلت سيارة الشرطة.. كما أسلفت ففي ألمانيا لا ترى سيارات شرطة مرور ولا نجدة في الشوارع.. فإذا حدث تصادم مثل هذا فيتصل أحدهم – كما فعل الزوج المذكورين أعلاه- على الشرطة التي تسأل نفس السؤال: هل هناك إصابات؟ فإذا كان هناك إصابات ترسل إسعاف ويستعجلون بالمجئ، وإلا فتأتي سيارة الشرطة بتمهل..

أول شئ لفت نظرنا في الشرطي ضخامة عضلات يده، فأجزم بأن حجم عضل اليد الواحدة يساوي فخذي أو ربما أكبر منه، والشئ الثاني أنه أخرج شريط لقياس أثر فرامل سيارتنا على الأسفلت، ثم رسم الحادث في أوراقه، والغريب انه لم يطلب من أيٍ من السائقين أوراقه او رخصته.. فقط قال لهما راجعوا مركز شرطة المرور، وأعطاهم ملاحظة بأن سيارتنا كانت مسرعة رغم خطأ الآخر الذي دخل من شارع جانبي.. المهم ذكرت للفلسطيني أنني قد أمنت على السيارة فصار ينطط من الفرح، وقال لي إذاً لن أذهب حتى لمركز شرطة المررو، فالذي سيذهب هو مندوب شركة التأمين.. فحمدت الله أنني أمنت على السيارة.. وفقط بثلاثين مارك..

Omar-Germany010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي وعايض في ممرات الفندق.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #173
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-23-2013, 10:41 AM
Parent: #172


الحلقة 132

نواصل ...

Frankfurt

في فرانكفورت دخلنا مركزاً تجارياً ضخماً حيث اشترينا بدلات اختار لنا موظفو المركز الألوان حيث كان البنطلون أسود والجاكيت أبيض كريمي والكرافتة فيونكه (بابيونه) سوداء والقميص أبيض، وقد اخترنا ثلاثتنا نفس البدلة، وبالنسبة لي كان البنطلون بدون كفة للرجلين لأن طولي لم يكن متوفراً لديهم، لذلك خصموا لي 10 مارك، وأخذ أحد موظفي المركز البنطلون والعشر ماركات وخرج من المركز لمنزل قريب ليخيطوا كفة البنطلون مقابل 10 مارك بينما كنا نكمل تسوقنا في المركز، فاشتريت بنطلون آخر كوردروي وقميص شبه صوفي، وبعد قليل رجع الموظف ومعه البنطلون جاهز وعلى مقاسي.. (الصور المرفقة كلها بالبدل التي اشتريناها من المركز)، ولاحظنا أن أقمشتها راقية جداً سواء الجاكيت أو البنطلون أو القميص، ونادراً ما تجد مثل تلك الخامات في السعودية او في السودان او في مصر.. ولأول مرة أرى القارئ الرقمي الذي يمرره المحاسب (الكاشيير) على القطعة المشتراة فينزلها في الفاتورة مباشرة ويجمع أسعار كل المشتريات، وبعد سنين طويلة دخل هذا النظام الى السعودية.

واشتريت لأخواتي أقراط ذهب وسلاسل خفيفة، طبعاً المصوغات الذهبية في أوروبا دائماً بسيطة وصغيرة وخفيفة، وسألت البائعة بكم الجرام فقالت لي هنا السعر بالقطعة بصرف النظر عن وزنها، وقالت لي أنا أتفهم سؤالك لأنني أعرف ان في بلادكم كل قطعة بالوزن.. وبما أن الرحلة بطلب من سيف فكانت تلك المشتريات على حسابه أيضاً.. كذلك اشتريت الكاميرا التي التقطنا بها هذه الصور، ولاحظت أن البائعة تلبس بلوزة قماشها من حبال رفيعة أشبه بالتريكو المنسوج في شكل حبال متقاطعة، ولا شئ يفصل البلوزة عن جسدها، لذلك ظهر سنام أحد صدريها خارج فتحات التريكو..

وذات يوم ذهبنا الى حديقة الحيوان بفرانكفورت، وهي حديقة ضخمة جداً لم أر مثلها في حياتي من حيث المساحة.. حديقة الحيوان بالخرطوم- زمن الزمن زين وكان في الخرطوم حديقة حيوان- تساوي عشرها او أقل بكثير.. لذلك ظللنا طوال اليوم فيها ولم نكمل التفرج على كل شئ فيها، وقد وجدنا أحدهم لديه جهاز وكاميرا، يلتقط لك صورة ويحولها لهذا الجهاز الذي يضع فيه تي شيرت فيطبع صورتك عليه، ويطبع خلف التي شيرت عبارة (Zoo Frankfort) كتذكار لتلك الحديقة، وقد عمل لكل منا صورته على تي شيرت، وكذلك صور مشتركة لنا في تي شيرت أيضاً، وكل حسب مقاسه.. فيما بعد أيضاً ظهر هذا الفن في الدول العربية وغير العربية، لكنه في ذلك العام 1984 كان شيئاً استثنائياً وغريباً علينا..

اقتربنا من عرين الأسد فتذكرت مقولة سمعتها من قبل، فذكرتها لزميليّ عايض وسيف؛ وهي أن الأسد لو برمت له شنبك فإنه سيغضب ويزأر.. ثم وصلنا إلى عرين الأسود فرأينا أسداً صغيراً يبدو أنه هندي، وهو يمشي بحركة دائبة داخل القفص من أول القفص إلى آخره وبالعكس، فبرمت له شنبي فلم يتمعر وجهه ولم يتغير شئ فيه وهو ينظر إليّ كأنه لا يراني.. وهناك أسد ضخم- يبدو أنه إفريقي- وبجواره اللبوه، وكان وقتذاك وجهه للجهة الأخرى وذيله لجهتنا، ثم استدار ناحيتنا، وأنا ما زلت ممسكاً بطرف شاربي أبرمه، ثم وقعت عيناه عليّ.. فزأر بقوة كأنه ينتهرني.. فما كان من سيف الذي يقف بجواري إلا أن قفز وتشبث بي محيطاً عنقي بكلتا يديه كأنه يطلب الحماية مني، او كأنه طفل صغير يدفن رأسه في صدر أمه من الخوف... وكانت هناك إمرأة أوروبية جالسة على حافة أحد الأقفاص المواجهة لعرين الأسد فقفزت من مكانها مرتعبة.. وجاء عايض الذي كان وقتها خارج العرين يستطلع الخبر عندما سمع ذلك الزئير.. ولاحظت أن السياج الذي يفصلنا عن الأسد أسياخه رفيعه، بمعنى أن الأسد لو ضربه بيده لتحطم.. وحينها حتلاقوني في المشرحة.. مشرحة إيه.. هو حيخلي فيّ حاجة!!

OMAR-GERMANY008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي (بالبدلة المذكورة أعلاه) بجانب شجيرة أمام الفندق، ويبدو في خلفية الصورة جنديين من جنود القاعدة الأمريكية بدارمشتاد والذين سكنوا معنا في نفس الفندق

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #174
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-23-2013, 10:41 AM
Parent: #172


الحلقة 132

نواصل ...

Frankfurt

في فرانكفورت دخلنا مركزاً تجارياً ضخماً حيث اشترينا بدلات اختار لنا موظفو المركز الألوان حيث كان البنطلون أسود والجاكيت أبيض كريمي والكرافتة فيونكه (بابيونه) سوداء والقميص أبيض، وقد اخترنا ثلاثتنا نفس البدلة، وبالنسبة لي كان البنطلون بدون كفة للرجلين لأن طولي لم يكن متوفراً لديهم، لذلك خصموا لي 10 مارك، وأخذ أحد موظفي المركز البنطلون والعشر ماركات وخرج من المركز لمنزل قريب ليخيطوا كفة البنطلون مقابل 10 مارك بينما كنا نكمل تسوقنا في المركز، فاشتريت بنطلون آخر كوردروي وقميص شبه صوفي، وبعد قليل رجع الموظف ومعه البنطلون جاهز وعلى مقاسي.. (الصور المرفقة كلها بالبدل التي اشتريناها من المركز)، ولاحظنا أن أقمشتها راقية جداً سواء الجاكيت أو البنطلون أو القميص، ونادراً ما تجد مثل تلك الخامات في السعودية او في السودان او في مصر.. ولأول مرة أرى القارئ الرقمي الذي يمرره المحاسب (الكاشيير) على القطعة المشتراة فينزلها في الفاتورة مباشرة ويجمع أسعار كل المشتريات، وبعد سنين طويلة دخل هذا النظام الى السعودية.

واشتريت لأخواتي أقراط ذهب وسلاسل خفيفة، طبعاً المصوغات الذهبية في أوروبا دائماً بسيطة وصغيرة وخفيفة، وسألت البائعة بكم الجرام فقالت لي هنا السعر بالقطعة بصرف النظر عن وزنها، وقالت لي أنا أتفهم سؤالك لأنني أعرف ان في بلادكم كل قطعة بالوزن.. وبما أن الرحلة بطلب من سيف فكانت تلك المشتريات على حسابه أيضاً.. كذلك اشتريت الكاميرا التي التقطنا بها هذه الصور، ولاحظت أن البائعة تلبس بلوزة قماشها من حبال رفيعة أشبه بالتريكو المنسوج في شكل حبال متقاطعة، ولا شئ يفصل البلوزة عن جسدها، لذلك ظهر سنام أحد صدريها خارج فتحات التريكو..

وذات يوم ذهبنا الى حديقة الحيوان بفرانكفورت، وهي حديقة ضخمة جداً لم أر مثلها في حياتي من حيث المساحة.. حديقة الحيوان بالخرطوم- زمن الزمن زين وكان في الخرطوم حديقة حيوان- تساوي عشرها او أقل بكثير.. لذلك ظللنا طوال اليوم فيها ولم نكمل التفرج على كل شئ فيها، وقد وجدنا أحدهم لديه جهاز وكاميرا، يلتقط لك صورة ويحولها لهذا الجهاز الذي يضع فيه تي شيرت فيطبع صورتك عليه، ويطبع خلف التي شيرت عبارة (Zoo Frankfort) كتذكار لتلك الحديقة، وقد عمل لكل منا صورته على تي شيرت، وكذلك صور مشتركة لنا في تي شيرت أيضاً، وكل حسب مقاسه.. فيما بعد أيضاً ظهر هذا الفن في الدول العربية وغير العربية، لكنه في ذلك العام 1984 كان شيئاً استثنائياً وغريباً علينا..

اقتربنا من عرين الأسد فتذكرت مقولة سمعتها من قبل، فذكرتها لزميليّ عايض وسيف؛ وهي أن الأسد لو برمت له شنبك فإنه سيغضب ويزأر.. ثم وصلنا إلى عرين الأسود فرأينا أسداً صغيراً يبدو أنه هندي، وهو يمشي بحركة دائبة داخل القفص من أول القفص إلى آخره وبالعكس، فبرمت له شنبي فلم يتمعر وجهه ولم يتغير شئ فيه وهو ينظر إليّ كأنه لا يراني.. وهناك أسد ضخم- يبدو أنه إفريقي- وبجواره اللبوه، وكان وقتذاك وجهه للجهة الأخرى وذيله لجهتنا، ثم استدار ناحيتنا، وأنا ما زلت ممسكاً بطرف شاربي أبرمه، ثم وقعت عيناه عليّ.. فزأر بقوة كأنه ينتهرني.. فما كان من سيف الذي يقف بجواري إلا أن قفز وتشبث بي محيطاً عنقي بكلتا يديه كأنه يطلب الحماية مني، او كأنه طفل صغير يدفن رأسه في صدر أمه من الخوف... وكانت هناك إمرأة أوروبية جالسة على حافة أحد الأقفاص المواجهة لعرين الأسد فقفزت من مكانها مرتعبة.. وجاء عايض الذي كان وقتها خارج العرين يستطلع الخبر عندما سمع ذلك الزئير.. ولاحظت أن السياج الذي يفصلنا عن الأسد أسياخه رفيعه، بمعنى أن الأسد لو ضربه بيده لتحطم.. وحينها حتلاقوني في المشرحة.. مشرحة إيه.. هو حيخلي فيّ حاجة!!

OMAR-GERMANY008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي (بالبدلة المذكورة أعلاه) بجانب شجيرة أمام الفندق، ويبدو في خلفية الصورة جنديين من جنود القاعدة الأمريكية بدارمشتاد والذين سكنوا معنا في نفس الفندق

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #175
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-24-2013, 03:14 PM
Parent: #174


الحلقة 133

نواصل ...

قاع المدينة (Frankfurt)

في يوم آخر قاد السيارة المستأجرة الفلسطيني وقال لنا سآخذكم إلى (قاع المدينة)، مدينة فرانكفورت، ووصلنا الى قاع المدينة الذي وجدناه مجمع مربع كبير يطل على أربعة شوارع، ولاحظنا وجود بعض الفتيات يبدو من زيهن وأشكالهن وطريقة مشيهن أنهن فتيات ليل، ولكن الفلسطيني أوضح لنا إنهن لسن بفتيات، بل فتيان، أي رجال، يلبسون زي النساء ويحومون حول هكذا مكان بانتظار زبائن من نوع خاص..

كل المحلات المطلة على الشوارع الأربعة متخصصة في بيع حاجيات وأدوات للبالغين (فقط)، ابتداء من الواقيات الذكورية ومجسمات للأشياء التي تركب عليها تلك الواقيات، وبكل الأحجام بدءاً من حجم يماثل أصبع اليد الصغير وانتهاء بحجم يماثل اليد كاملة بساعدها وزندها، ومجسمات لأنصاف أنثى مهيئة.. ومروراً بالمجلات الوضيـعـة.. وأما خلف المحلات تلك فيوجد كبائن صغيرة بها مقعد أمامه مرآة في أعلى الجدار وخلفه شاشة تقابل المرآة، يضع الزبون قطعة نقدية معدنية من فئة المارك في مكان ما في الكابينة فتبدأ الشاشة تعرض فيلم وضيـع لمدة دقيقة حتماً ستنتهي في أي لقطة وليس في نهاية الفيلم، والشاشة تنعكس صورتها في المرآة التي أمامه..

إذا توغلت الى داخل المجمع تجد صالة الـ Peep Show وتعني استراق النظر، حيث يضع الزبون قطعة نقدية معدنية من فئة المارك بجوار شباك فينفتح الشباك فيرى منصة دوارة حولها كبائن في شكل دائري- منها الكابينة التي بها الزبون- حيث يرى شبابيك مفتوحة في تلك الكبائن تطل منها وجوه تنظر الى المنصة الدائرة الدوارة التي بها فتاة لابسة من غير هدوم تتقلب، ثم تلحق بها أخرى.. ثم ينتهي مفعول المارك فتغلق النافذة تلقائياً..

وجدنا أحدهم واقفاً خارج باب صالة يدعو المارين للدخول، فرطن الفلسطيني له بلهجة حادة فرد عليه الرجل بنفس الطريقة، فاستغربنا لهذا الهجوم، فقال لنا الفلسطيني إن هذا الرجل يهودي.. فقلنا له كيف عرفت انه يهودي، قال نحن نعرفهم من اشكالهم (متعودين عليهم في فلسطين)، ويبدو ان اليهودي عرف الفلسطيني ايضاً من شكله.. فعلاً هذه المحلات وهذه الأعمال هي من صنع اليهود وترويجهم كما اعترفوا بذلك في بروتوكولات حكماء صهيون..

هناك قاعة كبيرة بها مسرح وأمام المسرح طاولات وكراسي، هي قاعة (التربتيز)، حيث تعزف الموسيقى فتصعد إحداهن وترقص ثم تبدأ بخلع ملابسها قطعة إثر أخرى حتى إذا ما خلعت آخر قطعة غادرت المسرح لتأتي أخرى، وهكذا.. فإذا خرجت من المسرح عبر كواليسه رجعت الى القاعة حيث تجلس مع من أراد، وتلزمه مديرة القاعة بشراء كأس شراب لها- وله إذا أراد- وطيلة بقائها معه فهي تشفط الكأس تلو الكأس – رغماً عنها- لأن مديرة القاعة تريد ثمن تلك الكاسات.. ولا مانع من مداعبة الجالسة معك..

خلف هذه المحلات والقاعات يوجد ما يشبه موقف السيارات، حيث هناك فقط الأعمدة التي تحمل البناية، ولا شئ غيرها إلا فتيات تلبس كل منهن قطعتين وتقف بجوار عمود، ويمر الزبائن عليهن فإذا اتفق معها صعدت معه إلى غرفتها في الطوابق العليا من البناية والتي خصصت لهذا الغرض حتى لا يتعب الزبون بالتجول في الطوابق كلها ويصعد سلم وينزل من سلم فيسروا له ذلك بوجودهن هنا، والسعر 50 مارك، وأي لمسة أو غيرها تصبح 70 مارك.. وتلك قاع المدينة..

Omar-Germany012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لشخصي وعايض وبيننا الفلسطيني، ولا أذكر إن كان هو الذي قاد سيارتنا أم لا، فالذين تعرفنا عليهم في الفندق كانوا ثلاثة. والصورة في شرفة الفندق في دارمشتاد..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #176
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-25-2013, 10:50 AM
Parent: #175


الحلقة 134

نواصل ...

حسن عبد الوهاب (سهرة السبت)

كنا عائدين بسيارتنا من فرانكفورت الى دارمشتاد حيث الفندق الذي نقيم فيه، فقال لنا الفلسطيني الذي يقود السيارة أن الطريق الذي نسلكه فيه حادث لذلك لابد أن نسلك طريقاً آخر، سألناه كيف عرفت؟ قال من الإذاعة.. فالإذاعات المحلية في اوروبا تقطع برامجها المعتادة لتنبه السائقين إلى أن هناك حادث في الطريق السريع ليخفضوا من سرعتهم وينتبهوا، او أن هناك زحمة في مكان ما يمكن تفاديها بالسير عبر طريق آخر.. لذلك تجد سائقي السيارات دائماً يفتحون راديو السيارة ويستمعون الى الإذاعة المحلية..

والطرق داخل المدن محددة السرعة القصوى فيها، وغالباً تكون ما بين ثلاثين الى خمسين كيلو في الساعة حسب الشارع، اما خارج المدن وفي الطرق السريعة فهناك سرعة دنيا يجب عدم (تجاوزها)، أي يجب ألا تقل السرعة عنها، وأظن أنها 160 كيلو في الساعة..

في طريقنا الى الفندق كنا نرى معرض للسيارات المستعملة- ومعظمها مرسيدس- فدلفنا إليه لنستفسر عن أسعار السيارات، فلاحظنا أنها لا تختلف كثيراً عن أسعارها في السعودية، ولم يكن سيف متحمساً لشراء سيارة أو حتى تسجيل ملاحظاته حول السيارات وموديلاتها وأنواعها وأسعارها، لذا استنتجت أنه لم تكن زيارته لألمانيا بغرض شراء سيارات وإنما للنزهة والسياحة فقط.. بالمناسبة كان عمره آنذاك 19 سنة، وعايض 24 سنة وشخصي 29 سنة، وكان سيف متزوج وأنا وعايض ما زلنا (شباب)..

وأنا في ألمانيا تذكرت حسن عبد الوهاب مقدم برنامج (سهرة السبت) وغيرها من البرامج في تلفزيون السودان في السبعينات، وهو شقيق زميل دراستي في المغرب عز الدين عبد الوهاب، وهم من أبناء مدني وأبناء الخليفة عبد الوهاب (الطهار) الذي طهرني أنا شخصياً (مش تطهير عرقي).. وقد كان حسن عبد الوهاب في معية الرئيس جعفر نميري في رحلته الشهيرة والطويلة الى أوروبا وأمريكا أواخر السبعينات، وفي ألمانيا فاجأت حسن عبد الوهاب أزمة مرضية بسبب الكلى، فاضطر للبقاء في المانيا حيث أجريت له فيها عملية زرع كلية، وبقي هناك لمتابعة العلاج، ولما طال أمد العلاج ألحقوه بوظيفة ملحق ثقافي بسفارة السودان في بون..

طلبت من سنترال الفندق أن يمدني برقم سفارة السودان في بون، وقد فعلوا، فاتصلت بالسفارة وسألت عن حسن عبد الوهاب، فقالوا لي أنه بالبيت وأعطوني رقم البيت، فاتصلت فرد عليّ شقيقه- الذي يصغره- صلاح، فسلمت عليه وعرفته بنفسي وأنني كنت زميل شقيقه عز الدين في المغرب، وسألته عن حسن فقال إنه الآن في الحمام، ودردشت معه قليلاً ثم وعدته بالإتصال بعد قليل لأتكلم مع حسن.. وبالفعل اتصلت مرة أخرى ورد عليّ حسن وسألته عن صحته فقال لي أنه بخير لكنه يعيش على الحبوب- حبوب تقليل مناعة الجسم لكيلا يرفض الكلية- وهي حبوب يستمر في تناولها الى ما شاء الله، وقال إنه يتكئ على عكاز في مشيه، تمنيت له الشفاء وودعته.. وفي إحدى إجازاتي في مدني لاحقاً صادفت رجوعه للسودان، ودعاني عز الدين لوليمة أعدت لهذه المناسبة في بيتهم بحي الدرجة، فذهبت وسلمت عليه، وكان يستقبل ضيوفه وهو راقد على السرير، فتذكرت ما قاله لي في تلك المحادثة الهاتفية في ألمانيا..

وسبحان الله قبل حوالي ثلاث سنوات ونصف علمت بوفاة شقيقه صلاح.. فتذكرت قول أمي الذي كانت تردده في مثل هكذا أحداث: (سألوهم مريضكم كيف؟ قالوا شديدنا مات!)، فعلاً لقد كان صلاح يمارض شقيقه حسن أمد الله في عمره، ورحم الله صلاحاً رحمة واسعة وأسكنه االفردوس الأعلى من الجنان.. وما زال حسن مقيماً في ألمانيا إلى تاريخه..

OMAR-GERMANY1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الأولى لشخصي في أحد شوارع دارمشتاد،

Omar-Germany014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية لشخصي جالس في صالة الفندق الرئيسية

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #177
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-26-2013, 05:33 PM
Parent: #176


الحلقة 135

نواصل ...

وداعاً دارمشتاد، وداعاً فرانكفورت، وداعاً ألمانيا..

بينما كنا نمشي في الشارع القتتنا إمرأة كبيرة في السن وكانت تطيل النظر إلينا- ربما من حب الاستطلاع- فبادرناها بالتحية فوقفت وسلمت علينا وسألتنا بالإنجليزية من أين نحن فقلت لها أنا من السودان وهؤلاء من السعودية، فقالت أين تقع هذه السعودية، فأُحبِط صاحباي! أتكون السودان معروفة لهذه الألمانية والسعودية لا؟ وحينما أوضحت لها أين تقع السعودية وأنها من منتجي النفط الكبار عرفتها.. فقال أصيحابي فقط عرفتها عندما اقترنت بالنفط؟ وعرفنا منها أنها أستاذة جامعية، وكانت تمشي في الشارع لوحدها.. ثم قابلنا فتاة سمراء اللون يبدو من هيئتها أنها إفريقية وأنها طالبة، وأيضاً نظرت إلينا فحييناها فحيتنا بابتسامة لطيفة فقال صاحباي لي: (اللون حن).. وفعلاً اللون يحن في بلاد الغربة لا سيما في التي لا يوجد فيها من شاكلة لونك الكثير من البشر.. ولم تتوقف تلك الفتاة بل مرت من جانبنا في الإتجاه المعاكس.. وفي إحدى الحدائق رأيت أسرة سودانية، رجل وزوجته وطفلاه، يجلسون على النجيلة، ورأونا، ولكنهم لم يعيرونا التفاتاً كالإفريقية إياها، بل تعمدوا ألا تقع عيونهم على عيوني، باختصار لم يريدوا أن يتعرفوا على شخصي ذي الملامح السودانية الواضحة- كما هم ملامحهم سودانية واضحة عرفتهم بها أنهم سودانيون.. يا ترى قد يقرأون هذا البوست فيتذكرونني أو يتذكرون تلك اللحظة؟ طبعاً واصلنا طريقنا وأنا في غاية الاستغراب..

قضينا حوالي 12 يوم في ألمانيا، جلها ما بين دارمشتاد- حيث الفندق الذي نقيم فيه- وفرانكفورت حيث حديقة الحيوانات وقاع المدينة والمولات الكبيرة.. ثم قرر سيف أن نقطع رحلتنا الى المانيا لنغشى مصر! قلت لهم لو كانت البداية مصر ثم أتينا الى المانيا لكان ذلك منطقياً، أما أن نكون في ألمانيا أولاً ثم نغشى مصر ثانياً فهذا غريب.. كيف تتعود عيوننا على ناطحات السحاب في فرانكفورت ثم تصطدم بعمارات القاهرة المتربة والمغطاة جدرانها الخارجية بعوادم السيارات؟ كيف تصم أذاننا أبواق السيارات في القاهرة وقد تعودت في دارمشتاد ألا تسمع إلا حفيف أوراق الشجر في حدائقها.. ولكنه أصر، قلت له سنجد صعوبة في الحصول على مقاعد من القاهرة الى جدة بسبب موسم الحج وذكرته بأن عايض لم يجد حجز العودة من القاهرة الى جدة حينما قابلناه في مكتب السفر في الطائف.. قالوا ان احدهم وعدهم بأن يجد لهم مقاعد.. المهم في النهاية وافقت مرغماً على السفر الى القاهرة..

حجزنا للقاهرة واستعددنا للسفر، ورتبنا أمتعتنا وغادرنا الفندق بعد أن ودعنا اصحابنا الفلسطينيين وتوجهنا بالتاكسي (نسيت أن أقول لكم التاكسي في ألمانيا يعمل بالعداد والسائقون منضبطون جداً ولا يخادعون ولا يسلكون إلا أقصر الطرق لهدف الراكب) من دارمشتاد الى مطار فرانكفورت عابرين مدينة فرانكفورت ذات العمارات الشاهقة والشوارع الفخيمة والنظيفة والحدائق العامة الغناء والمساحات الخضراء، ومطارها الضخم الحديث المنظم.. وضعنا الشنط في جهاز الكشف ثم توجهنا الى كاونتر الخطوط حيث أنهينا إجراءات وزن العفش وسحب بطاقة صعود الطائرة، ثم الى كاونتر الجوازات حيث ختمنا جوازاتنا بختم الخروج ثم بالسير المتحرك الى صالة المغادرة، وعبر الأنبوب الى داخل الطائرة.

Omar-Germany1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي وموظف الإستقبال (الفلسطيني) (الذي نسيت إسمه) وعايض في شرفة غرفتنا في الفندق بمدينة دارمشتاد بألمانيا

Omar-Germany011.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه الصورة لشخصي وموظف الإستقبال (الفلسطيني) في بهو استقبال الفندق في مدينة دارمشتاد بألمانيا

وأقلعت الطائرة من مطار فرانكفورت ورأينا الجمال تحتنا والروعة المعمارية والتخطيطية، وغادرنا فرانكفورت التي بدأت تبتعد عنا قليلاً قليلا، أو بالأصح نحن بدأنا نبتعد عن أرضها، ثم ما لبثت أن غُمّت علينا، وغادرنا ألمانيا وأوروبا وعبرنا البحر الأبيض المتوسط باتجاه إفريقيا، إلى وادي النيل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #178
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-29-2013, 04:14 PM
Parent: #177


الحلقة 136

نواصل ...

أرض الكنانة مرة أخرى


دخلنا الأجواء الإفريقية، أجواء مصر، ثم حلقنا فوق سماء قاهرة المعز، ثم هبطت الطائرة أرض المطار، واستأجرنا تاكسي من المطار حيث أخذنا إلى فندق يعرفه وقال لنا إنه فندق 4 نجوم، وعندما وصلناه رأينا في أعلى جداره الخارجي 4 نجوم مرسومة بالأسمنت.. ودخلنا الفندق فما وجدنا ما يدل على نجمة واحدة، ويبدو أن رسم النجوم على واجهة الفندق (ضحك على الذقون)، وعلى ما يبدو سائق التاكسي نال (حلاوته) من مسؤولي الفندق، وعندما دخلنا الغرف وجدناها سيئة لدرجة أن باب الحمام لا يمكن غلقه.. قضينا ليلة واحدة فيه وقررنا الرحيل عنه..

ومن فندق لا نجوم له إلى فندق ذو 5 نجوم، شيراتون الجزيرة، فانتقلنا الى هناك حيث البرج الأسطواني الداخل جزء منه في النيل، كان البرج رائعاً وموقعه أروع وغرف الفندق راقية، فرق شاسع بين هذا الفندق وذاك.. ولفت نظرنا أن الذين يعملون فيه لا يقبلون منك بقشيشاً حتى لو سيجارة، فهم ممنوعون من ذلك.. وهذا غريب في أرض الكنانة، ولكن رقي الفندق هو السبب.. وعلى ما اذكر كانت غرفتنا في الدور العاشر، وهي تطل على النيل وكان المنظر من علٍ رائعاً.. وفي المساء كانت هناك فرق غنائية واستعراضية، فكانت الراقصة المصرية الشهيرة فيفي عبده تؤدي وصلة، تليها خواجيتان تلبسان شورت جداً أشبه بلبس السباحة تؤديان رقصاً غربياً مع موسيقى غربية، وكان الرقص والغناء يقدم في وقت العشاء، ويكون سعر العشاء زائداً عنه قبل تقديم فقرات الرقص، فقد جلسنا في أول المساء وطلبنا العشاء فقالوا لنا وقت العشاء لم يحن، فطلبنا عصائر وشاي، وقالوا لنا إذا طلبنا العشاء بعد بدء فقرات الرقص فهناك زيادة في ثمن الوجبة، وأذكر أنني التقيت بطالبتين سودانيتيين لا أذكر الآن أين التقيتهما ولا أذكر إسميهما، ولكن دعيناهما إلى تلك الجلسة على شاطئ النيل في ساحة فندق الجزيرة شيراتون، ولم أرهما بعد ذلك.

لاحظت أن أجرة التاكسي زادت كثيراً عما كانت عليه في العام 1978 حينما زرت مصر لأول مرة، فأقل مشوار كان يطلب ثمانية جنيهات أو عشرة، وقلت في نفسي أن الغلاء استفحل في مصر، لا سيما تلك التاكسيات الواقفة أمام الفندق، ولا سيما إذا كان معي زميليّ السعوديين أو أحدهما.. علماً بأن في العام 1978 كانت الأجرة لا تزيد عن جنيه أو ربما نصف جنيه..

ذهبت إلى شارع البساتين أسأل عن أسرة القالع، ووجدت محلاتهم التجارية وسلمت على أولاد القالع الذين يشتغلون فيها، وأخذوني إلى شقتهم وهي نفسها التي نزلت فيها سابقاً، وسلمت على والدهم الذي استقبلني استقبالاً طيباً، ولكن والدتهم سلمت عليّ ببرود مما دفع أحد أبنائها أن يذكر لها إسمي ظاناً أنها لم تعرفني، ولكن ردت عليه: (عارفاه).. مما دفعني للظن بأنها زعلانة مني ربما بسبب الخطاب الذي بعثته لهم بعد عودتي للسودان في العام 1978 أشكر فيه زميلي مجدي عواض الذي سدد أجرة التاكسي للمطار، ولربما كشف خطابي إياه أن محمد لم يعطني شئ مما أعطاه أبوه ونحن نتحرك بالتاكسي من أمام منزلهم باتجاه المطار – كما أسلفت- وقد خمنت أن والده لامه فغضبت والدته له.. المهم سلمت عليهم وجلست قليلاً ثم غادرتهم..

زرنا أيضاً مكتب الصادق الشريف الذي كان مكتبنا في الطائف يتعامل معه في استقدام العمال المصريين، وكان موقع المكتب في شارع 26 يوليو قرب دار القضاء العالي، وكانت تعمل معه فتاة مليحة، فتعلقت بي، ولمحت بحبها، وأعجبتني، ولم تستمر العلاقة كثيراً لأن فترتنا كانت قصيرة في مصر، وعندما سألت عنها لاحقاً أخبرني صاحب المكتب أنها لا تصلح لي؟ لماذا؟ لأنها قبطية! وتذكرت كيف أنها كانت تحضر لي سجادة الصلاة إذا أردت الصلاة وأنا في مكتب الصادق!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #179
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-30-2013, 10:52 AM
Parent: #178


الحلقة 137

نواصل ...

وداعاً أرض الكنانة.. ومرحباً بالحج

سافرت إلى الإسكندرية حيث بن خالي عادل سراج يدرس هناك في معهد تبريد وتكييف، وأظن أنني كنت أعرف عنوانه فقد كان يراسلني في الطائف منه، وكان يسكن في الإبراهيمية فنزلت عنده وتجولنا معاً في شاطئ الإسكندرية الجميل والتقطنا صوراً هناك لم يبق منها غير صورتين على ما أظن،

Egypt001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الأولى لشخصي واقفاً على سور يفصل الشارع عن البلاج، في الإسكندرية- مصر وتاريخ الصورة يوليو 1984م

Egypt005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية لشخصي مع إبن خالي عادل سراج في نفس المكان والزمان..

وزرنا كذلك منزل والدة جارتنا فوزيه حيث قابلنا والدتها وإخوانها فاروق وخميس وكذلك بنت أخيها رقيه (دقدق).. كذلك تعرفت على صديق عادل المصري معتز في شارع شيديا، وسجلنا لهم زيارة في بيتهم وكان بيت كرم وضيافة خاصة والدهم مصطفى شنكل الذي يشبه في صفاته أكرم السودانيين..

بقيت في اسكندرية ربما يوم أو يومين، ثم رجعت للقاهرة، التحقت بزميليّ السعوديين ثم تجهزنا للعودة الى السعودية.. استقلينا الطائرة المتوجهة الى جدة، وهبطنا في مطار جدة، وكان سيف قد ترك سيارته في موقف المطار طيلة فترة غيابنا خارج السعودية، فركبنا السيارة وتوجهنا الى داخل جدة حيث سيلحق سيف بزوجته عند أهلها في حي بني مالك، وعايض أيضاً بقي في جدة وكان عليّ أن أسافر الى الطائف، فاجتهدت أن أحصل على أجرة السفر من جدة الى الطائف من سيف الذي كنت اتخاصم معه في ألمانيا لكي يقتصد في الصرف، كمثال ما حكيته عن الأكل في الغرفة بدلاً عن المطعم في الفندق في دارمشتاد بألمانيا..

في جدة ذهبت إلى أحمد ود أحمد (بن خالتي الذي وكلته ليستقبل والداي) وعلمت منه أنه استقبلهم في المطار وطلب من المسؤولين في مدينة الحجاج إخراجهم منها فطلبوا منه التنازل عن المطوف، ففعل، وأخذهم الى البيت، ثم اضطر مرة أخرى ان يبحث عن مطوف آخر وبرسوم أخرى، وبعد جهد جهيد وجد مطوف يقبلهم، وكانوا حين وصلت جدة قد غادروا الى مكة المكرمة.. (لست متأكد من أنني ذهبت لأحمد في بيته أم إنني اتصلت عليه بالهاتف، ولا أستطيع التأكد من هذه المعلومة بعد الآن- من غير سبيل الذاكرة والتذكر- حيث فارق دنيانا احمد قبل اقل من عام أسأل الله أن يتولاه برحمته ويجعل مثواه الجنة في أعلى عليين).

وصلت الطائف، وارتحت قليلاً من وعثاء السفر، وأحرمنا أنا وزميلي مصطفى المصري وتوجهنا الى مكة، وقابلت والداي هناك وأصرا على أن نبيت معهم في سكنهم بمكة، وتحسس مصطفى وأبى، لكن والداي أصرا عليه، فنمنا معهم في الغرفة التي كان بها غيرنا من الحجاج السودانيين، وكذلك سكنا معهم في مخيمهم في عرفات، ولكن دخول مصطفى الى مخيم السودانيين وهو مصري كان معضلة، حيث كانوا يعترضون دخوله إلا بمعيتي.. وأتممنا الحج معهم والحمد لله، ثم عدت بعد الحج الى الطائف وصرت أزورهم في مكة ثم في جدة حتى سافرا الى السودان.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #180
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-31-2013, 02:36 PM
Parent: #179


الحلقة 138

نواصل ...

الإتصالات والرسائل

كان الاتصال الهاتفي في تلك الأزمان الى السودان في غاية الصعوبة، هذا إذا كان هنالك هاتف أصلاً لدى أهلك تتصل عليه، ففي مدني لا توجد إلا عدة خطوط لتجار ومصالح حكومية وبعض الموسرين، وفي معظم الأحيان لا تعمل أو تتشابك الخطوط فتجد نفسك تسمع كل المحادثات التي تدور في تلك اللحظة في المدينة.. لذا كانت الرسائل الخطية و أشرطة التسجيل هي الوسيلة المتاحة للتواصل مع الأهل..

من الرسائل التي بقيت في الذاكرة، وبقيت كذلك بذاتها، رسالة من الصديق بابكر البشير خليفة الذي كان يدرس أيامئذ في كلية الطب بجامعة الخرطوم، وتعرفت عليه عندما كنت أزور إبنة عمي آمنة بشير وذلك في العام 1982م حينما كان مقر عملي في الخرطوم.. المهم تلقيت رسالة مكتوب العنوان عليها بخط جميل جداً ومميز جداً، حيث لم أعرف مثله في الخطوط المتعارف عليها من نسخ ورقعة وثلث وكوفي.. كان نوعاً آخر من الخطوط مبتكر، وخاص بصديقي بابكر البشير.. فتحت الظرف وأخرجت الرسالة المؤرخة 18/7/1984م والتي لم تكن سوى قصيدة.. قرأتها وفهمت الرسالة دون شروحات على الهامش أو في المتن، وحتماً ستفهمون الرسالة دون أن أشرحها أنا هنا، وإليكموها:

نادي منادي القلب الواجف * ولبى البشر الصوت الخاطف
جينا البلد الطاهر عمره * وسال الدمع السابل وزارف
ركعنا.. سجدنا.. طفنا.. سعينا * جلسنا دعينا تلينا مصاحف
زرنا الهمزه وسبعه مساجد * وزرنا بقيع الجيل السالف
بقيت بالحب النبوي متيم * مليت بالشعر الصوفي صحائف
قلت أزورك أعانق نورك * ونبض القلب الشوق الجارف
نويت أسقيك إحساس بالنيل * وغنوة ريد بصوت الكاشف
سألت عليك مليون متغرب * سألت عليك أحزاب وطوائف
طلبت العقل الآلي السنتر * لعله يحدد نمرة هاتف
كان الرد السلبي مسطر * قال العقل البنضم آسف
خلاص الأمل الشايلو اتبعثر * ورفض الحظ القاسي يحالف
ولما العقل احتار واتحير * قلت أسافر ليك وأجازف
أركب عربه ظريفه خفيفه * أأجر هنتر، وطبعاً عارف
لو تترحل خالي إقامة * تكون في حساب الشرطي مخالف
مهما تحاول تختا الكشه * ليك العسكر لازم يصادف
يقول لك وخّر وري هويتك * جنب عندك وخليك واقف
رجعنا بلدنا وما تلاقينا * وماتهنينا بالونسات الفيها طرائف
ليك وصية تتم بالنية * من القلب الكلو عواطف
تعال اتهنى* وكمّل دينك * شقى في الغربة الزول العازف
ألف تحية لكل مهاجر * صان العشرة معاك في الطائف
حي جمال الطقس الساحر * وكل ثمار الشجر الوارف
وأقبل من سودانا تحية * إنت ضميرو وجرحو النازف

("تعال اتهنى*" شرحها أسفل الصفحة: "تعال اتحنن")

فأين صاحب الرسم بالكلمات من هذه الرسمة الجميلة التي لم يجهد صاحبها نفسه فيها كثيراً فخرجت سلسة منمقة ومموسقة؟

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #181
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-01-2014, 02:09 PM
Parent: #180


الحلقة 139

نواصل ...

إجازة أخرى في السودان

مضت بقية العام في الطائف عادية، ثم حان موعد إجازتي السنوية، فسافرت عن طريق مطار جدة، الى مطار الخرطوم الذي بدأ لي كئيباً ومزدحماً وغير منظم وفوضى- خاصة العفش- فقد تكدس في صالة ضيقة لا تستطيع ان تمشي فيها من تراكم العفش، لقد ازدادت حركة الطيران وازدادت أعداد المسافرين ولم يواكب ذلك المطار الصغير البدائي..

بعد زيارة اهلي بالعاصمة علمت بأن أفروديت في الخرطوم، فتوجهت إليها في داخلية البنات قرب صينية سانت جيمس، بعد أن انتقلت إليها من داخلية شارع علي عبد اللطيف.. فرحت بلقائي وفرحت بلقائها.. ثم سافرت إلى مدني وسعدت بلقاء أسرتي وأقاربي وأصدقائي وجيراني.. ثم رجعت مرة أخرى للعاصمة، وبدأت أتردد على افروديت في الداخلية، ما إن أرى طالبة متوجة نحو باب الداخلية حتى أطلب منها أن تنادي فلانة، وانتظر قليلاً فتأتيني أفروديت.. التي كتب فيها زميل دراسة في الجامعة قصيدة ألقاها في رحلة للكلية.. وذكرها بالإسم الصريح، الذي لا أستطيع أن أذكره هنا.. وحينما تأتي كنا نجلس على حافة جدار الداخلية ونتونس..

وذات مرة دخلنا سينما قاعة الصداقة، العرض المتأخر، وأتذكر أن الفيلم كان يحكي قصة فدائيين كوريين ضد الغزو الياباني لبلادهم.. وبعد انتهاء الفيلم في حوالي الحادية عشرة ليلاً تمشينا في شارع النيل، ثم جلسنا على أحد الكنبات المطلة على النيل.. لم تكن جلسة رومانسية- رغم أن المفروض تكون كذلك- كان ثمة شئ يعكر صفو جلستنا.. شيء غامض لم أفهمه، كلمات مبهمة تصدر منها من حين لآخر.. تبدو ساهمة أحياناً.. وتلمح بأشياء تغلق الأفق أمامي.. فينقبض صدري.. على شاطئ النيل نعم، وحبيبي الساهر معاي، نعم، أسمر وجميل، نعم، كانت أيام يا وطني، نعم، زي الأحلام يا وطني، نعم.. ولكن...

قمنا من جلستنا على شاطئ النيل وتمشينا نحو الداخلية.. كان الصمت يلفنا معظم الطريق.. ثم وصلنا إلى الداخلية، ودعتها ودخلت هي للداخلية ورجعت أنا..

حكيت لقريبتي ما يقلقني، فتطوعت لمقابلتها لتعرف خبايا نفسها، ولتقرب بيني وبينها.. أخذتها بسيارتها لاستضافتها في بيتها.. و
كانت لنا أيام ... في قلبى ذكراها
مازلت أطراها ...
ياليتنا عدنا ... أو عادت الأيام
إن أنسى ما أنسى ... ذكراك يا سلمى
فى وكرنا المهجور والصمت قد عم
تحلو لنا الشكوى ... والحب والنجوى
لن أنسى نجواكى والهمسة والبسمة
وحرارة الانفاس ... فى قبلتى لما
ضمتك يمنايا ... يا سعد دنياي
وغفوتى في صدرى ... نشوانه بالأحلام
كيف أنسى أيامى يا فتنتي الكبرى
يا وحى إلهامى أنا همت بالذكرى
ذكرى لياليكى ... في خدر واديك
الليل أهواه في شعرك الناعم
النور والنوار في ثغرك الباسم

في وسط ذلك كله كانت تقول لي: الكلام القلتو ليك علقو حلقه في أضانك.. فيسقط في يدي.. كيف كل ذلك وأعلق ما قالت حلقه في أذني؟ كيف يجتمع المتناقضان؟ كتبت إسمها في لحى أشجار اللبخ وفي أوراق شجيرات الصبار في حديقة المنزل، وذكريات تلك الأيام الجميلة:
في لحى الأشجار كتبتو نحتو في صم الحجارة
وبحت للشمس البتقدل..
في مدارها
عيوني في الدمعات وحيله
اسمحيلا تشوف عيونك
اسمحيلا
أنا لا الصبر قادر عَلَىّ
ولا عندي حيله
وأنتِ منك لا بداية..
عرفت لسّه ولا نهايه
مرة أسرح..
ومرة أفرح..
ومرة تغلبني القرايه

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #182
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-02-2014, 11:05 AM
Parent: #181


الحلقة 140

نواصل ...

الزيارة الثالثة لأرض الكنانة

رجعت إلى مدني لأصطحب الوالد للسفر به الى القاهرة لعلاجه، فسافرنا من مدني الى الخرطوم وقبل أن نغادرها الى القاهرة طلبت من قريبتي التي استضافت افروديت ان تحل لي اللغز، وتكشف ذلك الغموض، وتسبر أغوارها لأعرف كنه تينك العبارات المبهمة..

أقلعت الطائرة صوب القاهرة، وبعد ساعتين من الطيران وصلنا مطارها، أخذنا تاكسي بعشرة جنيهات الى الألف مسكن حيث بيت طيبة الذكر المغفور لها بإذن ربها حاجة مسكة إبنة أخ جارتنا فوزية، وقد تعرفنا على حاجة مسكة حينما كانت تأتي السودان لتزور بنات عمتها فوزية في مدني، وكانت بحكم الجيرة القديمة لعمتها فوزية تزورنا، لم أر أطيب من تلك المرأة النوبية الملامح السمراء اللون صبيحة الوجه الباسمة دوماً.. نزلنا ضيوفاً عليها في بيتها حيث كان زوجها يسكن مع زوجته الثانية، وكان هناك شابين من أهلها يسكنان معها..

قابلنا الطبيب وطمأننا على الوالد إذ لم يكن هناك ما يقلق في صحته، وكتب له العلاج وبدأ في تناوله مع حمية في الأكل.. ثم سافرنا إلى الإسكندرية، وقصدنا إبن خالي عادل سراج حيث يسكن في سيدي جابر، وفي محطة المترو في سيدي جابر رأي والدي عادل في الشارع فلفتني إليه، فناديته، فالتفت وفوجئ بي، فوضع يديه على رأسه وتشهد.. لم يكن يتوقع أن يقابلني بالصدفة في الإسكندرية.. ثم اقترب منا فرأي والدي- ولم يكن رآه حينما رآني- فدمعت عيناه.. سلم علينا وهو يبكي، ثم أخذنا الى شقتهم حيث يقيم معه بعض الطلاب أذكر منهم حسن رشوان، استضافونا في شقتهم، ومنها انطلقنا في زيارات معارفنا هناك.. الحاجة فوزية وإخوتها فاروق وخميس ووالدتها.. والحاج مصطفى شنكل والد صديق عادل، وفي نفس الوقت قريب حسن رشوان.. وكذلك زرنا قريب للحاجة فوزية أنستني السنون إسمه، يسكن وحده مع بنته الوحيدة، وقد أصر أن يدعونا للغداء في بيته، فلبينا الدعوة ومعنا عادل وبعض زملاءه في الشقة..

Egypt002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تضمني وإبن خالي عادل سراج حسن الصادق.. التقطت لنا في مصر في تلك الزيارة

قريب من الشقة كان هناك مستوصف يسمى نور الإسلام، وكانت في تلك الأيام منافسة بين المسلمين والأقباط لتقديم الخدمات الإنسانية والخيرية، وكان مستوصف نور الإسلام خيري، حيث رسوم الكشف تكاد تكون رمزية- للمصريين ولغيرهم- وعلى ما أذكر كانت جنيه ونصف أو جنيهين او ثلاثة لا أكثر، وأذكر أن الدكتور الذي كشف عليّ يلبس زي الشرطة، فهو عقيد طبيب، وأذكر أنني راجعت المستوصف بخصوص القولون، فقال لي أكيد السبب أكل الشطة، وأنتم السودانيون تكثرون من أكلها لذلك كلكم مصابون بأمراض القولون، قلت له أنا لا آكل الشطة، قال لي أكيد كنت بتاكلها ولما أمرضتك تركتها، وقد كان صادقاً.. وفي تاريخي المرضي ذكرت له ما كنت اتناوله من مضادات الإكتئاب، فقال لي أن الطب النفسي في السودان متقدم جداً.. فقلت سبحان الله.. مصري يعترف لنا بالريادة في شئ؟ أي شئ؟ لقد كان صادقاً، فالطب النفسي في السودان متقدم والدليل ما أوردته سابقاً عن مستشفى الصحة النفسية في الطائف حيث معظم الأطباء النفسيين المقيمين سودانيون، وكذلك الأطباء الزائرون مثل الراحل حسبو وشيخ إدريس..

في المستوصف التقيت بفتاتين سودانيتين تدرسان في جامعات الإسكندرية، إحداهما تدعى فاتن، وعلى ما أذكر قالت إنها من الحلفاية، تعرفت عليهما، ودعوتهما إلى تناول وجبة معي في أحد المطاعم الذي صادف انه بقرب محطة المترو.. وأخذ عادل والدي الى السينما، وأخذت الفتاتين الى المطعم، وعند خروج والدي وعادل من السينما وانتظارهما في محطة المترو لأخذ المترو المتجه الى سيدي جابر رآني عادل عبر زجاج المطعم أتعشى مع الفتاتين داخل المطعم، وقال لي فيما بعد أنه خاف وقتها أن تقع عين والدي عليّ وأنا مع الفتاتين..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #183
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-05-2014, 04:58 PM
Parent: #182


الحلقة 141

نواصل ...

الزيارة الثالثة لأرض الكنانة (2)


غادرنا الإسكندرية وعدنا إلى القاهرة مرة أخرى وحضر معنا عادل سراج، وزرت مكتب الصادق الشريف، وعرفت منه أن القبطية قد تزوجت قبطي وتركت العمل.. ولم أزر هذه المرة منزل القالع، وما زلت محتاراً في عدم تذكري لماذا لم أزر منزل صديقي وزميلي مجدي عواض!

Egypt003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي في حديقة عامة بالقاهرة- 1985م

لاحظت شئ لفت نظري في التاكسي في القاهرة، فقد كان سائق التاكسي يطلب مني جنيه وربع، جنيه ونص، يعني قريب مما كان في زيارتي الأولى لمصر في العام 1978م (ربع جنيه، نص جنيه)، وبالمقارنة مع العام السابق يبدو الأمر غريباً.. كيف يقل سعر المشوار، وبهذه الدرجة؟ فكما تذكرون فقد كانوا يطلبون منا في العام السابق ثمانية جنيهات تقريباً.. ثم استنتجت أن السبب في هذا أن في العام السابق كنت اتنقل مع سعوديين، والآن اتنقل لوحدي أو مع أبي، يعني سودانيين!! وأدركت أن سائقي التاكسي يرفعون السعر للسعوديين أضعاف أضعاف ما يطلبون من السودانيين.. عارفين من أين يؤكل الكتف..

Egypt004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي في أحد شوارع القاهرة - 1985م

ذكرني هذا أنه في العام السابق، اي عندما زرنا مصر في طريق عودتنا من ألمانيا، أننا دخلنا كازينو في الهرم، ولم أكن أرغب في الذهاب إلى كازينو لأنني لا أحب التفرج على الرقص الشرقي، ولكن زملائي أصروا على الذهاب فذهبت معهم، ولاحظت أن المغني في الكازينو كان يذكر اسم دول الخليج التي يتواجد مواطنوها في الكازينو في تلك اللحظة، فذكر السعودية، وذكر اليمن رغم أنه لم يكن هناك يمني، ولكن أحد رفقائي كان يشبه أهل اليمن فظنه المغني يمنياً، والغريب أنه لم يذكر اسم السودان رغم أن ملامحي سودانية واضحة.. ولكن يعرف انه لن يستفيد مني، فلِمَ يوجع خشمو فيني؟!

Egypt006.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لشخصي في حديقة عامة بالقاهرة- 1985م

من الطرائف التي حدثت لي أننا كنا نسير في حي الألف مسكن مع أحد أقرباء الحاجة مسكة القاطنين معها، وكان كثير المزاح، فرأينا صعيديين يقودان معزتين، فقال لهم صاحبنا هذا: تبيعون المعزات؟ فتحاوروا معه وعلى ما أذكر أبدوا عدم رغبة في البيع بحجة أنني لا أملك ثمنهن، ويبدو أن كلامهم استفزني فأخرجت المحفظة من جيبي وأريتهم الفلوس، وأظن أنهم ازدادوا استفزازاً لي فأخرجت مبلغاً من المال وسلمته للصعيدي الذي ترك المعزتين في يد صاحبنا ثم (فص ملح وداب)، واختفى وزميله في أزقة الحي، وشربت المقلب.. فقد تابعت صاحبنا في هزله وحسبت أنه يدرك ما أقدم عليه، ولكن فيما بعد اتضح انه من السذاجة بمكان، وكنت أنا أكثر سذاجة منه لأنني وثقت فيه وفي عقله.. وكان واضحاً من (زوغان) الصعايده أن الثمن الذي قبضاه أكثر من سعر المعزتين الحقيقي.. وسحبنا المعزتين الى منزل الخالة مسكة، ثم أخذهم صاحبنا (وكان إسمه عادل، وقد ذكرني بإسمه عادل سراج اليوم) إلى مكان ما بمعرفته.. وبدأنا نصرف عليهما بإطعامهما، ثم بعد عدة أيام بعناهما بالخسارة.. مزحة انتهت بخسارة مادية.. ولكن استفدنا تجربة، فاستفيدوا أنتم منها دون أن تدخلوها، وبنقلها لغيركم حال قراءتكم لها هنا يستفيد آخرون..

لم أنس أن أشتري هدية رمزية لأفروديت، فوجدت سلسلة من الفضة ودلاية مكتوب عليها إسم الجلالة.. فاشتريتها لها..

ثم أزف وقت الرحيل من قاهرة المعز، فتوجهنا الى المطار، وتقدمنا إلى كاونتر الخطوط حيث قدمنا التذاكر ووضعنا العفش في الميزان، ولم يكن عفشنا يزيد عن الوزن المسموح به، ومع ذلك طلب العامل- الذي يأخذ العفش من الميزان ليضعه في السير- بقشيش، فاعتذرت له، فما كان منه إلا أن رفع الشنطة إلى أعلى وتركها تسقط من علٍ، نكاية في شخصي الذي لم يعطه بقشيش، فقلت له خذها مرة أخرى وأحذفها في السماء لتسقط من ارتفاع أعلى، تحدياً له لما قام به.. فابتسم موظف الكاونتر وابتسم أبي.. وهكذا حال هؤلاء، إما إن تعطيهم وإما أن يؤذوك.. وكأن البقشيش واجب عليك..

ثم أقعلت الطائرة متوجهة صوب الجنوب فوق النيل حتى وصلت الى مقرن النيلين، وهبطت في مطار الخرطوم.. لأجد في الخرطوم مفاجأة من العيار الثقيل.. عيار لم يُخترع عيار أثقل منه حتى الآن!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #184
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-06-2014, 04:53 PM
Parent: #183


الحلقة 142

نواصل ...

مفاجأة من العيار الثقيل جداً

فور وصولي الى الخرطوم اتصلت من هاتف جيران اختي في الديم على قريبتي التي وعدت بتقصي الحقائق ومعرفة الحقيقة وسبر أغوارها.. فجاء الرد صاعقاً.. ومباشراً.. وقاطعاً:

- عقدت!

توقعت كل شئ إلا هذا!

- عقدت؟

سألتُ قريبتي لأتأكد من الكلمة، ومن المعنى، ولكي تستوعب أذني ضخامة الكلمة، وليستوعب عقلي هول المفاجأة..
أكدت لي قريبتي ما قالته، وأضافت أن ذلك حدث يوم الخميس، أي قبل يومين!

الآن فقط بدأت استوعب ما كانت تردده لي: (الكلام القلتو ليك علقو حلقه في أضانك).. الآن فقط فهمت ذاك الشئ الذي كان يعكر صفو جلستنا على شاطئ النيل في تلك الليلة.. ذلك الشيء الغامض الذي لم أفهمه، تلك الكلمات المبهمة التي كانت تصدر منها من حين لآخر.. وكيف أنها كانت تبدو ساهمة أحياناً.. وتلمح بأشياء تغلق الأفق أمامي.. فينقبض صدري..

وهأنذا أكمل أغنية عثمان حسين التي بدأتها أعلاه:

لكن تباعدنا دهرا ... وما عدنا
للوكر يا سلمى ... او عادت الأيام

وأضيف:

عشرة الأيام ما بصح تنساها
كأنو ما حبيتك وكأنو ما عشناها
وضمانا أحلى غرام

ليه فجأة دون أسباب
من غير عتاب أو لوم
أخترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي ظلوم
هان ليك فراقي خلاص
وانا برضي حولك أحوم
كان عهدي بيك ترعاني
وأجمل صلاتنا تدوم
أمل المحبة سلام

بعدك أماني هواي
ياما جنيته عدم
ولا عرفت صديق
لي قلبي غير الهم
كم غيري يشدو سعيد
وأنا في هواك مغرم
ما اظني انا انساك
ومن العذاب اسلم
أسلم من الأوهام

ما كان فراقنا المر
في نيتي أو في إيدي
لكن ظروفك أبت
وقست ظروفي علي
واتلاشت الأحلام
وين حسن ظنك بي
وريني أيه ضراك
لو كا صبرت شوية
عمر السنين أيام

رحم الله عثمان حسين، ورحم أيامنا تلك..

وقبل أن أفيق من الصدمة ذهبت إلى الداخلية، وسألت عنها زميلاتها فقالت لي إحداهن- من اللائي كن أسألهن عنها في السابق- أنها خرجت مع فلان (الذي عقد عليها)، فسلمتها ظرفاً لتسلمه لها، فيه الهدية التي اشتريتها لها من مصر (السلس الفضي ودلايته "إسم الجلالة") وورقة فيها مباركة العقد لها وتمنياتي لها بحياة سعيدة، وسؤال: لماذا حدث ما حدث، وكيف يستقيم:

(فى وكرنا المهجور والصمت قد عم
تحلو لنا الشكوى ... والحب والنجوى
لن أنسى نجواكى والهمسة والبسمة
وحرارة الانفاس ... فى قبلتى لما
ضمتك يمنايا ... يا سعد دنياي
وغفوتى في صدرى ... نشوانه بالأحلام)

مع:

(ليه فجأة دون أسباب
من غير عتاب أو لوم
أخترت غيري صحاب
وأصبحت قاسي ظلوم
هان ليك فراقي خلاص)

وفي نفس الرسالة عرضت عليها أن نكون أصدقاء.. وطال إنتظاري للإجابة.. عقود..
وهنا أكمل أغنية وردي (جميلة ومستحيلة) التي بدأتها أعلاه:

ولّمن أكتبلك وداعاً..
قلبي ينزف في الدواية

عيوني في الدمعات وحيله
اسمحيلا تشوف عيونك
اسمحيلا
أنا لا الصبر قادر علىْ..
ولا عندي حيله

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #185
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-07-2014, 01:04 PM
Parent: #184


الحلقة 143

نواصل ...

انتهاء الفصل ما قبل الأخير من قصة أفروديت


سافرنا أنا ووالدي إلى مدني بعد إنتهاء رحلة الإستشفاء في مصر.. زارنا الأهل والجيران ليطمئنوا على صحة الوالد ويهنئونا على سلامة الوصول، وكان من بينهم شقيق افروديت- زميل دراستي بالمدرسة الوسطى- الذي زارنا في المساء، وعند خروجه خرجت معه وتمشيت قليلاً معه في شارعنا، ثم واصلت المسير معه إلى شارعهم الذي يقع خلف شارعنا، وأمام منزلهم رأيت آثار صيوان العقد وآثار مياه جافة واضح انها من آثار يوم الخميس، وقبل الدخول إلى بيته سألته: هل تم عقد قران فلانة؟ فأجاب نعم، قلت له: لأدخل وأهنئ.. وبالفعل دخلت معه وهنأت أسرتها بعقد قرانها.. وكنت متماسكاً وجَلِداً وكأن الأمر لا يهمني..

يبدو أن أهلي تنفسوا الصعداء.. فقد أضحت الجميلة مستحيلة.. وانغلق هذا الباب إلى الأبد، ويبدو أن الفتيات تنفسن الصعداء أيضاً، فقد تم تحييد منافس خطير.. وبعضهن كن ولابد شامتات، وبعضهن قد يزددن دلالاً بفهم أن أنظاري قد تتجه لهن حيث أنني أصبحت (خالي الوفاض) أو خالي القلب.. وأنا لسان حالي يقول كما قال الشاعر:
كم منزل في الحي يألفه الفتى * وحنينه أبداً لأول منزل
نقل فؤادك حيث شئت من الهوى* ما القلب إلا للحبيب الأول

قضيت بقية الإجازة بين مدني والخرطوم ثم غادرت السودان الى السعودية ورجعت لعملي المعتاد في الطائف، ونقلنا الكفيل من الشقة التي بسطح عمارته التي يسكن بها إلى عمارته التي تحت الإنشاء.. في شقة لم تكتمل بعد، ركب لها ابواب وشبابيك مؤقتة.. وأسكن فيها معي عدد من العمال.. إذاً تدنى وضع السكن بالنسبة لي..

في إجازة عيد الفطر قررت السفر إلى الرياض لقضاء إجازة العيد مع خالي- بن خالة أمي- الدكتور عبد الغفار الحاج سعيد، المحاضر بكلية الزراعة بجامعة الملك سعود- وبما أن الحال كان شلش ولا أستطيع السفر بالطائرة فقد استقليت بصات النقل الجماعي، وأذكر أنه في اثناء سير البص في الطريق سمعت صوت رجل يتحدث بطريقة غاضبة- يهرج- ثم إزداد صوته علواً ونبرته حدة، فالتفت لمصدر الصوت فرأيت شاباً أسمر يرتدي الزي السعودي وبجانبه فتاة وإمرأة كبيرة في السن بدأ أنهما أخته وأمه ويجلسان في آخر كراسي في البص- خلفي تقريباً- وكان الشاب ينظر إلى الأمام باتجاه شخص جالس في منتصف البص تقريباً وكأنه يوجه حديثه إليه، ويبدو أن الأمر تحول إلى مشادة كلامية حينما قام الشاب الأسمر من مقعده وتوجه نحو الراكب الآخر، مما إضطر سائق البص للتوقف في أقرب بلدة بها مركز شرطة، فنزل الشاب الأسمر والشخص الآخر والسائق وعدد من الركاب..

ثم بعد مدة صعد الى البص الجميع ومعهم شرطي، وتابع الشاب الأسمر حتى أجلسه في مقعده، ثم وجه الشرطي كلامه لي- لا أدري لماذا اختارني أنا بالذات مع ملاحظة أنني السوداني الوحيد في البص والبقية سعوديون وباكستانيون وعرب آخرون- طالباً مني أن أطلب من السائق أن يتوقف في أقرب مركز شرطة في الطريق إذا بدر من هذا الشاب الأسمر أي تصرف.. وفهمت أن هذا الشاب اتهم الراكب الآخر ظلماً، ولذا هددته الشرطة بأن تسلمه لأقرب مركز شرطة إن هو أبدى أي تصرف آخر غير طبيعي.. ثم نزل الشرطي وواصل البص سيره.. وبعد قليل سمعت الشاب الأسمر وهو يتكلم بحدة مع شقيقته، ثم بدأ يضربها، وبدأت أمه تدعو عليه، فالتفت للخلف فرأيتها تخبئ بنتها في حجرها وتنحني عليها وتحوطها بذراعيها حماية لها من ضربات أخيها.. وما إن رآني ألتفتُ إليه حتى ابتسم ابتسامة مداهنة، ويبدو أنه أدرك أنني مكلف بإيداعه مركز الشرطة وأن تصرفه الأخير هذا قد يقودني لتنفيذ طلب الشرطي.. حينها توقف عن ضرب أخته.. وقد استنتجت أن هذا الشاب مصاب بمرض الوسواس القهري، فما تصرفه تجاه الراكب إياه إلا تخيل بأنه يعاكس اخته، علماً بأن الراكب أمامه بمسافة ولا يستطيع النظر إلى اخته كون أن هناك عدد من الركاب يفصلون بينهم..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #186
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-08-2014, 02:29 PM
Parent: #185


الحلقة 144

نواصل ...

زيارتي الأولى لعاصمة السعودية الرياض


وصلنا الرياض عند الصباح واتصلت من أمام محطة النقل الجماعي على هاتف منزل الخال عبد الغفار، ولكن لا مجيب، وكان ذلك في آخر أيام رمضان، ويبدو أنهم يسهرون حتى الصباح ثم ينامون نهاراً.. ولما طال انتظاري وسهري- طبعاً مسافر طوال الليل بدون نوم- تطوع أحد الأخوة السودانيين الذين كانوا في النقل ا لجماعي ولا أذكر إن كان معي في نفس الرحلة أو كان ينتظر أحد، وأخذني معه لبيتهم – عزابه- فقضيت النهار معهم ثم في المساء اتصلت على منزل خالي فردوا عليّ وجاء وأخذني إلى بيته في السكن التابع لجامعة الملك سعود بمدينة الدرعية..

وكان في نفس السكن الجامعي يسكن الدكتور عبد المجيد كمبال، وهو زوج بنت اخت أبناء خالتي، وكان الجميع يقضون الليل في الونسة ولعب الكتشينة حتى الثامنة صباحاً ثم ينامون.. وبحثت عن زملاء الدراسة بالمغرب فوصلت إليهم في سكناهم وأذكر منهم جمال ميرغني وكمال شرف، وكذلك زرت بن عمي عثمان حاج بليل غلام الله وإبن حي 114 عبد العظيم سليمان الذي كان يعمل بمكتبة جرير في الكاشيير، ولشدة الزحمة لم نستطع أن نتونس معه، فصفوف المتسوقين متراصة وهو لا يرفع رأسه عن البضاعة المباعة ودرج الكاش، فقلت له: كيف تشرب الماء؟ فرد علي فوراً: قول لي كيف تقدر تمشي الحمام! الآن هو مدير جرير بقطر.

بعد أسبوع ونيف، وربما عشرة أيام رجعت الى الطائف، وتوجهت الى الشقة (غير المكتملة التشطيب في العمارة غير المكتملة البنيان) ودخلتها لأفاجأ بأن الحلة التي طبخنا فيها أنا وعلي آخر طبخة ما زالت كما هي ببقية الطبيخ الذي تحول إلى مستعمرة من الدود.. وكنت قد أوصيت علي بأن يغسلها عقب الإنتهاء من التهام ما فيها من طعام.. ولكنه تركها كما هي وذهب الى اصدقائه وبقي معهم طيلة الفترة التي غبت فيها عن الطائف، ولا أذكر لِمَ كان علي يسكن معي في تلك الشقة، فالمفروض أنه يعمل في مطعم ويسكن فيه أو بقربه، ولكن ربما كان قد ترك العمل في المطعم والتحق بالعمل مع كفيلي- الذي ربما كان كفيله أيضاً أو ربما نقل كفالته عليه- لم أعد أذكر.. وبمناسبة عمله في المطعم؛ أذكر أنني كنت أزوره في ذلك المطعم حيث يعمل، وجاء شاب سعودي ليحاسب على ما أكله، فقال له علي: (حسابك عشره ريال).. فقال الشاب أنا أكلت أرز فقط.. فأصر عليّ على أنه أكل دجاح مع الرز.. واحتد مع الشاب ومسك بخناقه، فذهب الشاب وأحضر شرطي.. واستفسر الشرطي عن الموضوع فقال له إن الزبون أكل دجاج مع الرز، فقال الشرطي للشباب إذاً هي عشرة ريال.. وخرج الشرطي وخرج الشاب.. فسألت علي عن الحاصل.. فقال لي وهو يضحك: (أكل رز بس).. وما زلت صورة ذلك الشاب في ذاكرتي حتى اليوم.. وما زلت متحسراً عليه وكأنني أنا الذي ظلمته، رغم أنني لم أعرف الحقيقة إلا بعد ذهابه، وما زلت أجهل سبب ما فعله عليّ مع ذلك الشاب الذي يبدو أنه فقير لدرجة أنه أكل رز فقط، وبالظلم دفع قيمة دجاج مع الرز!

تعرفت على سودانيين يسكنون بالعمارة المجاورة للعمارة التي بها مكتبنا، وكلاهما يعملان مترجمان في مدرسة الأمن الخاص بالطائف، احدهما صالح عمر والآخر خليل محمد خليل، وكان لهما زميل سعودي إسمه كريّم أبلغوني برغبته في عمل مشروع في المملكة المغربية، وعرف أنني درست بالمغرب فرغب أن يبعثني الى المغرب لدراسة الأوضاع هناك قبل الإقدام على تنفيذ المشروع، واقترح مشروع مطعم، حيث لديه مثل هذا المشروع في السعودية، ويعتقد أن مشروع الأكل والشرب لا يفشل أبداً.. راقت لي الفكرة، فهاهي المغرب الحبيبة تتراءى لي.. وهاهو الحلم بالعودة الى رباط الفتح وتطوان الهادئة وكازا العملاقة يلوح في الأفق..

سافرت الى جدة للتقديم إلى تأشيرة الدخول للمغرب من القنصلية المغربية، وكانت في حي مشرفة على ما أذكر، فقدمت جواز سفري فطلبوا مني إرسال برقية على حسابي الى وزارة الخارجية بالمغرب لطلب التأشيرة وانتظار ردهم الذي سيأتي عبر القنصلية، فأرسلت البرقية حسب العنوان الذي أعطوني إياه.. ثم رجعت للطائف، وانتظرت، وطال انتظاري، وكلما اتصلت على القنصلية يأتيني الرد نفسه: ما جاء شئ! فبدأت أحلامي تتبخر، وبدأت المغرب تبتعد قليلاً قليلا..

وفي مرة وأنا مستلق في شقة أصدقائي الصيادلة السودانيين الذين يعملون في صيدلية بقرب مكتبنا، وكانوا قد قدموا مؤخراً للسعودية، وسكنوا بحي الشرقية أو شارع أبو بكر لا أذكر، وطاف بذهني سيناريو لقائي المرتقب بأصدقائي المغاربة خاصة صديقي الدكتور مصطفى محفوظ، ففاضت عيناي بالدمع.. ولكن مال وزارة الخارجية لا ترد على برقيتي؟ وفجأة تذكرت وسام المسيرة الخضراء، فنهضت من رقدتي وخرجت أبحث عن تلفون عملة في الشارع.. واتصلت على القنصلية، فردت عليّ الموظفة التي ترد عليّ دائماً، فعرفتها بنفسي، فشغلت الأسطوانة: ما جاء شئ من الخارجية، فقلت لها أعطيني القنصل، فقالت لي لا يوجد قنصل ولكن يوجد نائب القنصل، فقلت لها بلهجة آمرة: أعطيني القنصل، وكنت أتكلم بثقة مفرطة.. فأعطتني القنصل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #187
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-09-2014, 01:42 PM
Parent: #186



الحلقة 145

نواصل ...

زيارتي الأولى للمغرب بعد التخرج

قلت له: أنا أرسلت برقية للخارجية المغربية لطلب تأشيرة دخول للمغرب.
رد علي: باقي ما زال ما جات
قلت له: أنا حاصل على وسام المسيرة الخضراء.. يعني شاركت في تحرير التراب المغربي من الإستعمار الأسباني..
قال لي: اتصل عليّ بكره..
اتصلت عليه في اليوم التالي، فقال لي تعال خد التأشيرة!
هذه كانت أول فائدة لوسام المسيرة الخضراء، وقد علمت من أحد السودانيين الذين حصلوا عليها أنهم حصلوا على تذاكر سفر مجانية للمغرب، ولكني لم أحاول الحصول على أي امتيازات أخرى، لا سيما وأنني قد أضعت بطاقة المسيرة الخضراء الخاصة بي والتي عليها إسمي ورقم البطاقة وتاريخها، ولكن الوسام ما زال معي..

سافرت الى جدة وقدمت جوازي للتأشيرة التي ختمت عليه، واستعددت للسفر، واشتريت بعض المستلزمات والهدايا البسيطة، وحجزت على الطائرة، ووصلت مطار جدة، وأنا بانتظار إقلاع الطائرة المتوجهة للدار البيضاء كنت أراقب لوحة إقلاع وهبوط الطائرات شبه الإليكترونية الضخمة المعلقة في جدران صالة المطار، وقد كتب على رحلات السودان القادمة: (ألغيت).. والسبب إنتفاضة رجب حيث أن مطار الخرطوم أغلق، لذلك تأكدت أن سفري للمغرب كان في الأيام الأولى من شهر إبريل 1985م لأن الانتفاضة التي أسقطت نظام مايو كانت في 6 ابريل 1985م..

أقلعت الطائرة من مطار الملك عبد العزيز بجدة باتجاه ليبيا حيث حطت في مطار طرابلس الدولي، ونزل بعض الركاب، وقمت أتمشى في الطائرة حتى وصلت الى باب الطائرة ووقفت عليه وتفرجت على مطار طرابلس.. وأثناء وقوفي بالباب جاء سوداني يعمل بمطار طرابلس ووجه كلامه لي بما معناه: خلاص جهزنا الطائرة، او خلاص زودناها بالوقود او شئ من هذا القبيل، وممكن تقلعوا.. معتقداً أنني أحد موظفي الطائرة، وقد كنت ألبس بنطلوناً أسود وقميصاً أبيض نصف كم، ومما زاده يقيناً بأنني أحد موظفي الخطوط السعودية هو أن بكتف القميص يوجد لسان بزراره مما يوضع فيه شريط او أشرطة رتبة الموظف (المضيف أو الكابتن).. فابتسمت وأوضحت له أنني لست من ضمن طاقم الطائرة السعودية..

ثم أقلعت الطائرة صوب الغرب باتجاه المغرب.. وبعد حوالي الثلاث ساعات وصلت إلى مطار الدار البيضاء.. هأنذا مرة أخرى في مغرب الأحباب.. البلد الذي اشتقت إليه كثيراً.. مهد الذكريات الجميلة والعشرة النبيلة.. بلاد العلم والثقافة.. بلاد الجمال بكل ضروبه، جمال الطبيعة، وجمال المناخ والطقس وجمال البشر وجمال الجمال..

هبطت الطائرة أرض المغرب، وتملكني إحساس يشبه إحساسي عندما هبطت الطائرة مطار الخرطوم بعد إنقضاء السنة الأولى للدراسة بالمغرب، اي في العام 1976م.. نعم إحساس العائد لوطنه يحدوه الشوق الجارف.. إحساس الذي ظن أنه لن يلتقى بأصدقائه مرة أخرى فإذا به قاب قوسين أو أدنى منهم.. لأماكن حُفرت في الذاكرة بأجمل ما تكون الذكريات، لريحة المكان.. نعم.. رائحة المكان.. رائحة السويقة في الرباط التي تغلب عليها رائحة الزيتون.. وسوق الخضار الذي يغلب عليه رائحة المندرين (اليوسفي)، ورائحة المقاهي التي يغلب عليها رائحة التبغ.. كل تلك الروائح أتذكرها وأنا بعيد عن المغرب جنباً إلى جنب مع الصور التي تمر كشريط في الذاكرة..

(جلست أكثر من اسبوع لأتذكر أين نزلت في تلك الرحلة فلم استطع، هل سافرت للرباط فوراً ام بقيت في الدار البيضاء، فلم استطع التذكر.. فقررت المضي في الكتابة دون تلك التفاصيل التي استغرب نسياني إياها على هذا النحو..)

طرحت ما أتى بي الى المغرب للأخوة السودانيين هناك وعلى رأسهم الصديق الفاضل محجوب البيلي الذي اقترح مشروع مقهى وسأل بعض معارفه من سماسرة العقار وأعطاني فكرة عن الإيجارات، وقد راجعت وزارة السياحة لمعرفة المشاريع السياحية الممكن تنفيذها، وقد جمعت بروشورات من وزارة السياحة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #188
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-12-2014, 06:24 PM
Parent: #187


الحلقة 146

نواصل ...

عبق الذكريات

وقد وجدت من الزملاء الباقون في المغرب غير محجوب البيلي الذي كان يعمل بجريدة مغربية، زميلي طلحه جبريل الذي أصبح مديراً لمكتب جريدة الشرق الأوسط بالمغرب، وقد زرته في مكتبه ودعاني إلى تناول الغداء معه في بيته، وكان قد تزوج بمغربية، ولبيت الدعوة، وما إن جلسنا على مائدة الغداء حتى بدأ المذياع يذيع نشرة أخبار الساعة الثانية من إذاعة الرباط، وبدأ طلحة يسجل في ورقة بعض الأخبار ، ثم جلس لمواصلة غدائه فرن جرس التلفون فتناول السماعة وبدأ يسرد الأخبار المغربية على موظف في الجريدة برئاستها في لندن، والتفت إليّ وقال لي ولقرينته: كلو، فهذه هي الحال دائماً.. وبعد أن فرغ من سرد الأخبار ووضع سماعة الهاتف عاد ليواصل غداءه.

الشرق الأوسط والصحافة ذكرتني المقال الذي كتبته في جريدة العلم المغربية عن موضوع التأشيرة السالف ذكره، وسأدرجه هنا لاحقاً، ولكن الشاهد أنني تذكرت أين كتبت هذا المقال.. كتبته في منزل أخي وصديقي محجوب البيلي في الرباط، حي أكدال، وتذكرت أنني التقيت محجوب امام محطة القطار الرئيسية في الرباط، وكنت سائراً من جهة شارع محمد الخامس باتجاه المحطة فوجدته واقفاً امام المحطة..

كان أيضاً من الزملاء القدامي الذين بقوا في المغرب إبن دفعتي عبد المنعم بيومي الذي كان يعمل وقتها في الملحقية الثقافية السعودية حسبما أذكر، أو في مطبعة الشرق الأوسط في الدار البيضاء (في زيارتي اللاحقة في اواخر عام 1987م كان يشغل إحدى هاتين الوظيفتين)، كذلك كان هناك ابراهيم اب زعانف، وهو من الدفعة السابقة لنا، وهو يعمل عامذاك في السفارة السعودية.. أيضاً من دفعتنا عصام قطر الذي كان يعمل في سفارة قطر مع خاله حسن قطر، كذلك كان الراحل ابو بكر الشريف يعمل في إحدى الصحف المغربية، والمرحوم ابو بكر كان قد قدم الى المغرب من ليبيا أواخر أيام دراستنا بالمغرب..

تذكرت أصدقائي القدامى في الشقة التي كنت أقيم فيها في إجازة صيف 1977م، وتساءلت هل يا ترى يكونوا موجودين؟ الطلاب قد يكونوا قد تخرجوا ورجعوا الى بلادهم في الجنوب، او التحقوا بوظيفة في مدينة أخرى، ولكن الجندي أحمد نور الهدى هل يكون باقياً في تلك الشقة أم أنه تزوج وانتقل الى شقة أخرى.. المهم توجهت الى شارع مدغشقر قرب حي المحيط، ووصلت الى العمارة رقم 20 ورأيت البقالة التي تحت العمارة كما هي منذ سبع سنوات، وكذلك المخبز، ومكتب مدرسة تعليم قيادة السيارات.. وبينهما دلفت الى مدخل العمارة، وصعدت السلالم.. وتنسمت عبق الذكريات.. ويا لها من ذكريات..

وصلت الى الطابق الأخير ونقرت على باب الشقة، فخرج لي شاب سألته عن أصدقائي فقال أنه سكن هنا قريباً ولكن سمع بهم، ولا يدري أين هم الآن.. شكرته وقفلت راجعاً، ودخل هو الى الشقة.. ولكني تذكرت جيراننا القدامى الذين نسيت أسماءهم، سكان الشقة التي تواجه شقة أصدقائي والذين استلفت منهم في رمضان أواني طعام يوم استضفت زميلاتي عائشة وثريا على إفطار رمضاني.. ويوم كنت أذاكر في سطح العمارة وكان أطفالهم يلعبون حولي وأنا أتفرج عليهم ثم التقطت لهم صور..

المهم تجرأت ونقرت على باب الشقة ولا أدري إن كان السكان هم نفسهم ام تغيروا كما تغير سكان الشقة الأخرى.. فتحت الباب بنت صغيرة عمرها حوالي 13 او 14 سنة، فسلمت عليها ثم سألتها سؤال بدأ غريباً: (إيش حال أنتم في هادي الشقة؟) وترجمتها (كم لكم في الشقة دي؟) فقالت لي: لحظة، ثم دخلت وبعد ثوانٍ خرج رجل فسلمت عليه ثم كررت له السؤال، فلم يفهم، فقلت له هل لكم في هذه الشقة 7 سنوات؟ فقال: أكتاااااااار.. فقلت له على الفور- بعدما تأكدت انهم هم جيراني القدامى ما دام لهم اكتر من سبعة سنوات-: هل تعرفني؟ فقال لي: عمر؟!!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #189
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-13-2014, 12:54 PM
Parent: #188


الحلقة 147

نواصل ...

أصدقائي القدامى

أدخلني إلى داخل الشقة حيث زوجته وإبنه حميد الذي أصبح عمره 17 سنة، ونجاة التي فتحت لي الباب ثم دخلت وقالت لوالدها ان هناك سوداني بالباب، وسألتها كيف عرفت أنني سوداني، فقالت لي أنها تذكرتني أول ما رأتني، ولكنها ربما لم تتذكر الإسم، بل تذكرت الشخصية.. وأما الثالثة فكانت فايزة التي أصبح عمرها الآن 9 سنوات.. فرحوا بي أيما فرح، واستعدنا ذكريات الماضي رغم قصر فترة معرفتي بهم، بل وأخرجوا لي الصور التي التقطها لهم وطبعت لهم نسخ منها والتي كانوا يحتفظون بها إلى ذلك الوقت.. قضيت أجمل وقت معهم في ذلك اليوم، وزرتهم أكثر من مرة خلال فترة تواجدي بالرباط، وقد عرفتهم بصديقي محجوب البيلي الذي اصطحبته معي ذات زيارة لهم، وبعد أن نزلنا من العمارة لحق بنا حميد إبنهم وبلغني دعوة والديه لي لتناول الغداء معهم في اليوم التالي، فلبيت الدعوة وحدي، فسألوني أين محجوب؟ وقبل أن أجيب- وقد لاحظوا ارتباكي- قالوا لي أوعى يكون حميد وجه لك الدعوة لوحدك؟ فأجبت بالإيجاب، فبدأ الحرج عليهم والإنزعاج، فقالوا لي كيف نصلح هذا الخطأ؟ فقلت لهم إن محجوب دائم التردد على مقهى في شارع محمد الخامس حددته لهم، فأرسلوا حميد وأحضره ليشاركنا الغداء..

كنت قد علمت أن صديقي مصطفى محفوظ قد تخرج من كلية الطب وعمل معيداً بنفس الكلية، ثم استاذاً، وفي نفس الوقت طبيباً في مستشفى إبن سينا، وكانت بيننا مكاتبات.. فتوجهت الى المستشفى وسألت عنه، ومن توجيه هذا الى توجيه ذاك وجدته جالساً في ساحة الكافتيريا الخاصة بالأساتذة، فالتفت إلى يمينه فرآني، فقال: أهلاً يا عمر يا حسن يا غلام الله! عجبت لبروده.. وأنا الذي كلما تذكرته في الماضي وتخيلت لحظة لقائي به تدمع عيناي! ثم قام من مكانه واحتضنني وسلم عليّ ثم أخذني إلى شقته في نفس مجمع المستشفى.. وذكرت له بعد ذلك هذا البرود حينما رآني، ففسر لي ذلك بأن مرد ذلك البرود هو تفاجؤه برؤيتي.. وكان كلما قابلنا صديق مشترك أحكي له هذه الواقعة، فكان يبادر ويقول لي وهو يضحك عندما يحدث ذلك: أشكيلو يا عمر أشكيلو!

كان مصطفى قد تزوج بإبنة الشيخ محمد بوخبزه العالم التطواني المعروف في تطوان وفي المغرب كذلك، وكان وقتها يعمل أميناً لمكتبة بلدية تطوان.. وهي إبنة عم زميلنا الأمين بوخبزة الذي كان يدرس معنا في جامعة محمد الخامس- كلية الآداب – قسم الفلسفة، والذي أصبح عضواً بمجلس النواب المغربي.. وقد استضافني مصطفى في شقته لليلة، ثم سافرت الى تطوان، ولا أدري هل سافر معي ام سافرت لوحدي حيث اسرته التي احبها والتي كانت لي أسرة في مغتربي الدراسي..

وصلت الى تطوان وأظن بالحافلات، وهبطت في محطتها الأخيرة والتي منها على الأرجل الى شارع العيون، ثم دلفت الى درب المصطفى، ثم الى رقم 9 حيث بيت آل محفوظ، واستعدت ذكريات جميلة في هذا المنزل الحبيب، ولم أنس زيارة أقربائهم مثل خال مصطفى وزوجته وابنته بالتبني وفاء، وكذلك زرت باب النوادر القريب جداً من المنزل حيث البضائع الإسبانية.. ولم أنس زيارة حديقة روضة العشاق وتناول الشاي الأخضر بها..

ولا أذكر أحدث هذا في هذه الزيارة ام التي تليها في العام 1987م، حيث زرت الشيخ محمد بوخبزة في مكتبة بلدية تطوان حيث يعمل، وأراني مصحف غرناطة المكتوب على رق (جلد) الغزال.. فطلبت منه تصويره لي، وكان في بالي أن أصوره بكاميرتي، ولكنه وضعه في طاقية الرأس للجلابة التي يلبسها والمتصلة بالجلابة (الجلابية) والتي تنسدل على ظهره، وتوجه نحو مكان تصوير مستندات، وصوروا صفحات المصحف، وكان الورق آنذاك هو الورق المعالج كيمائياً وليس الورق العادي المستخدم الآن في ماكينات التصوير.. وإليكم صورة من أحد صفحاته.. وتذكروا أني صورته من الأصل.

omar55.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #190
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-14-2014, 02:05 PM
Parent: #189


الحلقة 148

نواصل ...

أصدقائي القدامى (2)

وسألت عن زميلنا وشيخنا في مصلانا في الحي الجامعي السويسي الأول الأمين بوخبزة، والذي أصبح إبن عم زوجة صديقي مصطفى محفوظ، وعرفت أنه يدرس في مصر دراسات عليا، وبالفعل نال درجة الدكتوراة من جامعة القاهرة، ولكني لم ألتقه في تلك الرحلة.. وكذلك لم ألتق بكثير من أبناء تطوان اصدقائي القدامي إذ بعضهم خارج المغرب وبعضهم توزع في مدن المغرب المختلفة طلباً للعمل..

زرت أيضاً صديقي المغربي أحد أضلاع مثلث معهد الإحصاء الذين عرفوا طريق مصلانا بعد أن كانوا مثل السواد الأعظم من الطلاب في المغرب في ذلك الزمان، وقد ذكرت قصتهم في روايتي عن نشأة النهضة الإسلامية في الجامعات المغربية (وقفة مع سنوات مضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا)، وثاني الأضلاع هو التونسي مصطفى الشريف، وثالث الأضلاع هو الراحل علي أبو بكر التشادي الذي استشهد في الطائرة الفرنسية التي فُجرت فوق سماء النيجر وأشارت أصابع الإتهام الى القذافي.. المهم زرت لريبي حسن الذي كانت بيننا مكاتبات، وكان عنوان المراسلة هو عنوان بيته، لذا كان الوصول إليه سهلاً، بيته لم يكن يبعد كثيراً عن شارع محمد الخامس.. كان قد وصل في الوظيفة الى مدير قسم الإحصاء في وزارة التعليم العالي، ولم يتغير طبعه ابداً، فهو ذلك الهادئ الخافت الصوت خفيض الجناح، وكان قد تزوج ورزق الذرية، وقد وجدت معه صبي عرفني به بأنه إبن شقيقه الراحل، وقد سلمت عليه وتحدثت معه ولكنه لم يجبني، فسألت حسن ألا يعرف العربية إبن أخيك؟ فأجابني بأنه مولود في فرنسا وأمه فرنسية وقد تربى في فرنسا لذلك لا يعرف العربية، وقد أحضره حسن الى المغرب بعد وفاة والده- رحمه الله - شقيق حسن..

في مرة وأنا في الشارع بعد أن نزلت من شقة طلاب سودانيين في حي اكدال بالرباط سمعت من ينادي بإسمي، فالتفتُ إلى مصدر الصوت، فرأيت شخصاً متجهاً نحوي ومعه فتاة، وما إن اقترب مني حتى عرفته.. إنه على أبو بكر، زميلنا التشادي المذكور أعلاه- أحد مثلث معهد الإحصاء- كانت مفاجأة سارة وغير متوقعة إطلاقاً.. وفهمت منه أنه قد أكمل السلك الأول- الدبلوم- من معهد الإحصاء، ثم رجع إلى تشاد وعاد ليكمل السلك الثاني – ما يعادل البكالوريوس- ثم السلك الثالث- ما يعادل الماجستير- وإنه قد تزوج بتشاديه- هي التي معه الآن- وقد عرفني كذلك بإمرأة فرنسية كبيرة في السن تعمل في وزارة التعاون الدولي الفرنسية، وقد سألتني عن السودان وعما إذا كان يستفيد من وزارتهم تلك، وكنت أجتهد أن أتحدث معها بالفرنسية وهي تتجاوب معي بكل أريحية، ثم قالت لي أن الكلام الذي تريد أن تقوله لي مهم لذلك ستتحدث معي بالإنجليزية- أي أن فرنسيتي تلك ليست كافية للنقاش حول الموضوع- وهو كما أسلفت موضوع كيفية استفادة السودان من خدمات وكالة التعاون الدولية، وعلى ما أتذكر أن السودان لم تكن لديه علاقة ثقافية كالتي بين فرنسا وتشاد، فتشاد مستعمرة فرنسية، وفقيرة وتحتاج الى دعم تعليمي وثقافي من فرنسا، وعلى ما أظن كان علي ابو بكر من المستفيدين من تلك العلاقة، وما معرفته بتلك المرأة الفرنسية إلا نتاج تلك العلاقة..

خطرت لي فكرة أن أكتب مقالاً في أحد الصحف المغربية بشأن التأشيرة المطلوبة من السودانيين للدخول للمغرب، فبدأت كتابة المقال في بيت العزيز محجوب البيلي، وبعد أن أكملته سألني محجوب أي الصحف سأرسله لها، فقلت له أنه جاء في بالي جريدة "العلم" المغربية، فقال لي أنه فكر فيها كذلك، فهي جريدة محلية وعتيقة وواسعة الإنتشار في المغرب ومن كبريات صحف المغرب.. وبعد أن نقحت المقال كتبته باليد في صيغته النهائية، وسلمته لمحجوب الذي كان يعمل في جريدة مغربية أخرى، فقام بتسليمه لأحد معارفه بجريدة العلم..

بعد ذلك بيومين كنت في زيارة لمقر جريدة الشرق الأوسط، وبينما كنت أنتظر في مكتب السكرتيرة لحين خروج الضيف الذي عند طلحه جبريل لأدخل عليه، رأيت عدداً من الصحف في مكتب السكرتيرة، فسألتها هل هذه صحف اليوم؟ فأجابتني بالإيجاب، وأردفت: (اليوم فيه مقال جميل كاتبه طالب سوداني في جريدة العلم)، قلت لها: (وريني، يمكن أكون أنا هذا الطالب السوداني)، وأعطتني الجريدة وأشارت الى المقال الذي كان بأعلى الصفحة الأخيرة.. وللمفاجأة كان هو مقالي نفسه.. المفاجأة أنه نُشر في وقت قياسي، فأكيد اليوم الذي سلم فيه في المساء لا يحسب، وعادة المواد غير الخبرية تجهز قبل النشر بوقت كافٍ، اي على أقل تقدير قبل يومين من صدور الجريدة التي عادة يبدأ توزيعها في مساء اليوم السابق، ولو تذكرون كنت قد ذكرت في حكاوي أيام الدراسة في المغرب كيف اننا عندما نخرج من السينما عند منتصف الليل نجد باعة الصحف ينادون: (لوبنيون ديال غده، العلم ديال غده) أي جريدة العلم ولوبنيون ليوم الغد.. معنى هذا أن المقال تم طباعته بمجرد استلامه ووضع في الجريدة ونشر في العدد التالي مباشرة..

فأوضحت للسكرتيرة أن الطالب السوداني هو شخصي الجالس أمامها، فأكملت حديثها عن المقال بقولها أن أحمد البقالي قال لطلحة جبريل اليوم ان هناك سوداني كتب مقالاً (مره جميل)، فقلت لها من احمد البقالي؟ فقالت لي هو شاعر وأديب مغربي ويعمل بالديوان الملكي، (الآن بحثت عن احمد البقالي في القوقل فقادني الى الويكيبيديا حيث وجدت معلومات أخرى عنه، وهي أنه من أشهر الكتاب للأطفال كما يعتبر من رواد الخيال العلمي والقصة البوليسية في بلاده، وقد عمل البقالي في ميداني الدبلوماسية والثقافة في الرباط، وللأسف وجدت أيضاً خبر وفاته بتاريخ 30 يوليو 2010م)..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #191
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عبدالعزيز عثمان
Date: 01-14-2014, 06:45 PM
Parent: #190

والله ياوغلام الله،،،ما نسحرك،،،راسك مدونة ،،ما شاءالله..
حين تسقط الذاكرة تضيع الحياة،،،فما عشناه هو مانتذكره..
تكتب بحنين وصدق ووضوح ،،ولا بد ان اتصل بك ،بريدي [email protected]

Post: #192
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-15-2014, 02:57 PM
Parent: #191


Quote: والله ياوغلام الله،،،ما نسحرك،،،راسك مدونة ،،ما شاءالله..
حين تسقط الذاكرة تضيع الحياة،،،فما عشناه هو مانتذكره..
تكتب بحنين وصدق ووضوح ،،ولا بد ان اتصل بك ،بريدي


يا عبد العزيز سايبنا مشحتفين بهناك في بوست جدك كرداش وانت حايم بهنا؟
وكمان تعمل مداخله.. ياخي بكده ضيعت علينا حلقة من حلقات حكيك الجميل..
طيب كان على الأقل تورينا الكواريك الجات من جهة الحلة سببها شنو.. أصلك وقفت قلوبنا بهناك.. وبعد داك تجي بهنا..

شرفت كتير والله.. يوم سعيد ان تقرأ ما أكتب..

تصدق يا عبد العزيز- ودي نصيحة حقو انت تمسك فيها بيدينك وكرعينك- انو انا بشتكي من خراب الذاكرة.. بأعتبر ذاكرتي خربة.. والدليل:

إني أول ما بديت كتابة الرحلات دي كتبتها مباشرة في موقع ود مدني دوت كوم- مباشرة يعني من الكيبورد لصفحة المنتدى، وما كتبتها في أوراق خارجية ولا في جهاز الكمبيوتر الخاص بي في شكل word أو أي صيغة تانية- ويقووووم يحصل طوفان لموقع ود مدني.. ويضيع كل الكتبت.. وأولاد الحلال المتخصصين في تقنية المعلومات وتقنية المواقع يقوموا يعملوا جهدهم لاسترجاع بعض ما كان في البوست.. ولغاية هسه فيه مشاركات ضائعة ما لاقيها وما قادر اتذكرها عشان اعيد نسخها هنا وفي المواقع التانية..

شكرا لك مرة أخرى على زيارتك الغالية عندي

Post: #193
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-15-2014, 04:03 PM
Parent: #192


الحلقة 149

نواصل ...

مقالي بجريدة العلم

وإليكم المقال:


سفراء بلا جوازات سفر حمراء

كان المغاربة في القديم يعرفون السودان جيداً خاصة حجاج بيت الله منهم، إذ كانوا يمرون عبره إلى الأراضي المقدسة، ومنهم من استقر في إيابه بالأراضي السودانية وتزوج فيها وأنجب حتى أن بعض أحياء مدن السودان تحمل إسم "حي المغاربة" وكثير من العائلات السودانية الكبيرة تحمل لقب "المغربي".. كما أن الجعافرة الذين يسكنون منطقة الدويم على النيل الأبيض بالسودان والذين يعدون إحدى قبائل السودان المعروفة هم أصلاً من الجزر الجعفرية المغربية..

جاءت المرحلة الاستعمارية فاستعمرت فرنسا المغرب واستعمرت بريطانيا السودان.. وما أدراك ما الإستعمار.. فرق تسد.. وقد استعمرت فرنسا كذلك السودان الغربي- مالي.

المغرب ذلك الجزء الأصيل من الوطن العربي كان أهل السودان يعرفونه من قديم الزمان رغم أنهم كانوا بعيدين عنه جغرافياً. إلا أنني لم أسمع عن هجرات أو زيارات سودانية للمغرب، فقد كانت الإمكانات المادية لا تسمح لهم بالتواصل مع هذه البقاع البعيدة والتي كانوا يقولون عنها "فاس ال ما وراها ناس" أي أنها آخر الدنيا.. وهم صادقون في ذلك.. إذ بنهاية المغرب الفاسي ينتهي العالم القديم غرباً ليبدأ المحيط اللامنتهي..

المتصوفة من أهل السودان كانوا يعرفون المغرب بمعرفتهم للسيد أحمد التيجاني، وبعضهم أخذ عن الطريقة التيجانية المنتشرة الآن في أنحاء السودان.

في العام 1974م بدأ تبادل دبلوماسي بين المغرب والسودان، في نفس العام وصلت للمغرب أول دفعة من طلاب العلم السودانيين في إطار التبادل الثقافي بين المغرب والسودان.. كان عدد الطلاب عامذاك لا يتعدى 22 طالباً ثم تضاعف العدد في العام التالي، ثم وصل هذا العام لأكثر من خمسمائة طالب وطالبة انتشروا في شتى مدن المغرب بعد أن كانوا يتمركزون في الرباط ثم فاس والدار البيضاء في السنوات الأولى..

كان كاتب هذه السطور من الرعيل الأول، وكنا في نظر المغاربة- خاصة الطلاب زملاء الدراسة- كنا في اعتقادهم "أفارقة" من دول الفرانكفون، لأن هؤلاء الأخيرين سبقونا بالمجيء إلى المغرب، لذلك كان المغاربة يبادروننا بالكلام باللغة الفرنسية، فإذا ما طلبنا منهم التحدث معنا باللغة العربية دهشوا.. فكيف للزنوج أن يتكلموا "بالعربية ديالنا"!! فإذا ما أوضحنا لهم أننا عرب ولساننا عربي فصيح سألونا من أين نحن، فنجيب بأننا من السودان فيتجه فكرهم نحو السودان الغربي "مالي" وما جاورها، فهو أقرب إلى علمهم من السودان الشرقي الذي يعرفون عنه القليل، وهذا راجع للإستعمار.. أما كبار السن فكانوا يعرفون بلادنا بأنها السودان المصري!

وتواترت البعثات الطلابية السودانية إلى المغرب وبدأ المغاربة- خاصة في المدن الكبيرة وفي الأوساط الطلابية- في التعرف أكثر فأكثر على السودان وعلى السودانيين.. بل إن عدداً من الفتيات المغربيات قد استقررن في السودان بعد زواجهن من سودانيين خريجي الجامعات المغربية..

هذا العدد المتواتر المتزايد من الطلاب السودانيين بالمغرب هو الذي اسميه بالسفراء غير الرسميين.. فهم الذين ينقلون بصدق وأمانة وتلقائية العادات والأعراف والأخلاق السودانية إلى المغرب، وهم الذين ينقلون بصدق وأمانة وتلقائية مشاعرهم تجاه المغرب والمغاربة إلى السودان.. لا يتأثرون بمتغيرات السياسة ولا برياح التغيير التي تجتاح العالم العربي مخربة ما بين الشعوب من علاقات أزلية طيبة.. ولا يتلونون- أي السفراء غير الرسميين- بألوان العلاقات الرسمية غير الثابتة.. بل إنهم يترجمون نبض القلوب الشعبية.. نبض الشعوب بلا تزويق ولا رتوش..


وللمقال تتمة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #194
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-16-2014, 04:04 PM
Parent: #193


الحلقة 150

نواصل ...

تتمة مقالي بجريدة العلم

سفراء بلا جوازات سفر حمراء

لم أعرف سودانياً واحداً قد فارق المغرب بعد انتهاء دراسته ولم تغرورق مآقيه حزناً لفراق المغرب وأحبابه المغاربة.. هذه هي مشاعرنا نحن خريجي جامعات المغرب، فهي مشاعرنا البسيطة التلقائية تجاه شعب فتح ذراعيه لنا بكل حنان، وتجاه وطن استضافنا بكل كرم وجود، وتجاه إدارة احترمته ومنحته فرص العلم واسعة، وتجاه مليك كان وراء كل ذلك.

كل تلك المشاعر تجتاحني وأنا بعيد عن مغرب الأحباب.. اتحدث عن المغرب وأهله بحماسة وصدق مشاعر ومودة لا منتهية، وكثير منا قد حنّ إلى المغرب بعد فراقه وود عوداً إليه حميداً مستطابا بعد غياب عنه طال عند بعضنا.

صدمنا بأنه يجب علينا للدخول للمغرب أن نطلب تأشيرة من السفارة المغربية.. صدمنا لأننا كنا نتوقع مزيداً من التقارب والتراحم والتوادد.. لا مزيدٍ من الأسوار والأبواب والتأشيرات. واستجبنا لداعي التأشيرة.. فكل شيء يهون في سبيل وصالك يا مغرب الأحباب.. وتقدمنا للحصول عليها من القنصلية المغربية، فكان الإجراء المطلوب هو إرسال برقية (على حسابنا) إلى الخارجية المغربية، وانتظار ردها الذي قد يطول لأسابيع وأحياناً لأشهر.

فإذا ما جاء رد الخارجية المغربية كانت مدة الإقامة الممنوحة لنا بالمغرب هي أسبوعان فقط.

رغم أننا تخرجنا من جامعات المغرب وعشنا بين ظهراني المغاربة لسنوات؛ إلا أننا عوملنا معاملة غيرنا.. بل إن بعضنا يحمل وساماً مغربياً رفيعاً هو وسام المسيرة الخضراء، أي أنه كان لبعضنا شرف المشاركة في تحرير التراب العربي المغربي الغالي من ربقة الاستعمار الإسباني.. فمثل هؤلاء أتمنى أن يكون لهم وضع خاص، خاصة في مسألة تأشيرة الدخول للمغرب الذي يحبونه ولا يطيقون حاجزاً بينه وبينهم.. فهو وطنهم الثاني بلا منازع.
ملاحظة: المغربي الذي يريد زيارة السودان لا يطلب منه إرسال برقية من مقر إقامته الى الخارجية السودانية، بل يمنح التأشيرة من القسم القنصلي بالسفارة المعنية مباشرة.

عبارة مشهورة في المغرب، هي: "مرحباً بيك في المغرب" تعبر عن مشاعر الكرم والضيافة المغربية الأصيلة المشهودة للشعب المغربي.. وربما هي مشاعر الإدارة ا لمغربية أيضاً.. فهلا ترجمتها الإدارة إلى فعل، إجراءات؟!

عمر حسن غلام الله

السودان

(مرفق صورة المقال بجريدة العلم)

Sufraa001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #195
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-20-2014, 01:02 PM
Parent: #194


الحلقة 151

نواصل ...

كيف أنسى أيامي

لم أنس طبعاً زيارة الحي الجامعي السويسي الثاني مهد الذكريات الأجمل.. ووجدت أن البوابة الرئيسية على الشارع الرئيسي بها حارس، وفي عهدنا لم تكن تغلق وليس بها حارس، فاستأذنت الحارس وشرحت له بأنني خريج سابق فسمح لي بالدخول، فتجولت في الحي ولكني لم استطع دخول غرفتي 222 في الجناح 2 أو الجناح (ب) حيث أنه أصبح مخصصاً للبنات.. خساره .. ولاحظت وجود سور يفصل بين الحيين السويسي الأول والثاني مما أعطاني إحساس بأن مساحة الحي قد ضاقت.. كما لاحظت وجود مباني أخرى جديدة في الحي وعلى ما أذكر كانت أجنحة جديدة..

كذلك زرت الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وفي الباب سألني الحارس كالمعتاد إلى أين أنا ذاهب، فقلت له لا أسكن في الحي لكني سكنت فيه قبل عشر سنوات وأريد أن ألقي عليه نظرة، وقد سمح لي بالدخول، فتجولت فيه ولاحظت وجود مطعم لم يكن في وقتنا موجوداً.. يا بخت عشاق السكن في مولاي إسماعيل، فقد كانوا يفضلونه على السويسي رغم عدم وجود مطعم فيه.. أما الآن فقد اكتمل مناهم..
أيضاً زرت كلية الحقوق بأكدال وتجولت فيها ودخلت بعض قاعاتها، وكذلك المباني الجديدة للكلية بالسويسي حيث بنيت أواخر أيامنا في الجامعة، وقد امتلأ المكان بمباني كثيرة خاصة بالجامعة هناك مما جعل المساحة الخالية بين الحي الجامعي السويسي ومستشفى بن سيناء تختفي وتتجاور المباني وتكتظ.. وتتغير المعالم القديمة للمنطقة برمتها.. ترى أين يذاكر سكان الحي الجامعي السويسي الآن، فقد كانوا في عهد دراستنا يزرعون المساحة الفاصلة بين الحي الجامعي السويسي والغابة التي بالقرب من مستشفى بن سينا وهم يقرأون في كتبهم، حيث الهدوء يخيم على تلك المنطقة فلا تجد إلا القليل من الطلاب فقط وبعض الطالبات أيضاً.

وتجولت كثيراً في السويقة خاصة شارعها الرئيسي حيث محلات بيع الزيتون الذي ما إن تمر بجانبه حتى تزكمك رائحة الزيتون القوية، وقد كنت أكتم نَفَسي حينما أمر بجانبه إذ لم أكن آكل الزيتون ولا أطيق رائحته، ولكن بعدما أقنعني أحد الأصدقاء بأكل حبة واحدة منه عندما كنا جلوساً في مطعم الحي الجامعي السويسي الثاني- أيام الدراسة الجامعية- ويومها اقشعر بدني وتنملت فروة رأسي وأغمضت عيوني وأكلتها.. ثم طلب مني تناول أخرى ففعلت.. ومن ديك وعيك.. ولم أعد أكتم نفسي حينما أمر بجانب محل الزيتون الذي يبيع عشرات الأنواع منه.. ومررت على تلك المطاعم الشعبية والتي أدمنت أحدها في السنة الأخيرة للدراسة (1978) حيث كان يقدم نظام الوجبة المتكاملة: سلطة وطبق رئيسي من اللحم أو الدجاج وشوربه ومياه غازية أو شاي، وبسعر معقول، وتتغير الوجبة من يوم لآخر.. وأذكر أن أحد العاملين في هذا المطعم وقتها كان يسكن مع زملاء سودانيين منهم بانقا، وقد كان يحكي لهم كل يوم ماذا أكلت عندهم وماذا طلبت، وهم يحكوا لي.. يا لها من أيام.. ولم أنس أن أمر على الخياط محمد الذي كنا نخيط عنده البنطلونات والبدل..

وكذلك سرت في شارع محمد الخامس من محطة القطار مروراً بمبنى البرلمان والخزانة العامة والبريد وسينما Renaissance (النهضة) في الجهة المقابلة، والجزيرة الخضراء ذات النجيلة والأشجار النخلية الباسقة بين الطريقين الصاعد والنازل.. وكذلك امتداد شاعر محمد الخامس في السويقة والذي ينتهي بالمقابر التي على شاطئ المحيط الأطلسي.. ولم أنس المرور على سوق أكدال حيث يوجد مكتب البريد الذي كنا نرسل منه، وأتذكر أن الموظف الذي كنا نتعامل معه اسمه مدني، ولونه اسمر.. وقد وجدته كما هو في مكتب البريد وتذكرني.. يا لهم من قوم طيبون هؤلاء المغاربة..

سبب توقفي عن الكتابة لمدة هو عدم رغبتي في مغادرة المغرب.. فلو تذكرون توقفت عن الكتابة في الحلقات الأخيرة قبل مغادرتي للمغرب في العام 1978م حين انتهت دراستي.. وهأنذا استعد لمغادرة المغرب بعد انقضاء عشرين يوماً بها في ابريل من العام 1985م.. وأحس بأنني نسيت الكثير عن هذه الرحلة، وربما لم أنس شيئاً ولكن المدة كانت قصيرة بالمقارنة مع الفترة الأولى التي قضيتها في المغرب (حوالي ثلاثة أعوام).. المهم ودعت أصحابي محجوب البيلي ومصطفى محفوظ وآل النحيلة وبقية قدامى المحاربين- قصدي زملاء الدراسة من السودانيين الذين آثروا البقاء بالمغرب- ثم ودعت مغرب الأحباب عوداً إلى مقر إقامتي بالسعودية..

استقليت الطائرة التي حطت بي في مطار جدة، وزرت أقاربي بجدة ثم سافرت للطائف، واتصلت على الضابط الذي أوكل لي مهمة السفر للمغرب ولم يهتم بنتيجة زيارتي للمغرب، وفهمت من جارنا صالح عمر الذي عرفني به أول مرة أن كريم قد خسر في مشروع له في السعودية وبالتالي لم يبق له مال ليقيم مشروع في المغرب..
الصورة المرفقة لشخصي داخل كلية الحقوق وتبدو لوحة الكلية خلفي في الأعلى، وكذلك لوحة الإعلانات..

Maroc083.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #196
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-21-2014, 02:12 PM
Parent: #195


الحلقة 152

نواصل ...

الطائف الميمون.. ومقدمات اندونيسيا

عمنا عبد الحميد عباس كان بيته في نفس الشارع الذي فيه مكتب الميزان بحي العقيق، وكنت أزورهم دائماً وأتونس معه ومع أبنائه : عادل الذي كان يدرس وقتها بكلية الطب بجامعة الخرطوم، وعدنان الذي كان يدرس بكلية الهندسة بجامعة السودان، وأما عباس فقد جلس لامتحان الشهادة الثانوية في السعودية وحصل على 98 أو 97% وكان الأول على منطقة الطائف في ذلك العام، وقد التحق بجامعة السودان وجامعة الخرطوم في نفس الآن- فيما بعد حصل على الماجستير من ألمانيا، ومنحته الجامعة منحة لدراسة الدكتوراة- وكان أخيهم الأصغر ما زال في الإبتدائية وقتها، وشقيقتهم التي التحقت فيما بعد بجامعة القاهرة – فرع الخرطوم-

وقد حكى لي العم عبد الحميد مرة أنه التقى إندونيسي يسمى سوركتي، ولما كان هذا الاسم لا يسميه إلا السودانيون، بل وقبيلة الضناقلة- التي ينتمي لها العم عبد الحميد- هي التي تسمي به ، إذ هو برطانة الضناقله معناه (مجلد الأحجبة)، أي الفكي، فقد استغرب عمنا عبد الحميد تسمية إندونيسي بهذا الاسم ، وعند استفساره عن سر تسميته ب (سوركتي)، أفاده الإندونيسي بأنه سمي بهذا الاسم تيمنا برجل دين قام بتدريس آبائهم العلوم الإسلامية في إندونيسيا، وان هذا الرجل العالم هو سوداني فعلاً.. يا للعجب.. سوداني في اندونيسيا؟ ومن قديم الزمان؟ تلك الحكايات تأسرني، وتجعل خيالي يذهب معها بعيداً..

كان مكتبنا يتعامل مع مكتب في اندونيسيا لاستقدام السائقين والخادمات، هذا المكتب يملكه اندونيسي من أصل حضرمي يدعى محمد العكاس، ويقع في فندق كارتيكا بلازا.. ثم سافر صاحب مكتب الميزان الى اندونيسيا وتحول في التعامل مع مكتب آخر يملكه حضرمي آخر اسمه عبد الرحمن العطاس، ثم فيما بعد تعاقد مع عبد القادر العطاس أخو عبد الرحمن.. ويبدو أن عبد القادر عرض خدماته بأقل من سعر عبد الرحمن.. ولكن وصول السائقين والخادمات أصبح أسرع، فكان في الماضي يأخذ حوالي الشهرين، لكن بعد التعاقد مع عبد القادر اصبح اقل من شهر وأحياناً في اسبوع تصل الخادمة إذا صادف وصول تأشيرتها لمكتب اندونيسيا خادمات جاهزات في المكتب، وأعطى هذا سمعة طيبة لمكتب الميزان مما جذب زبائن كُثر من أهل الطائف كان بعضهم يذهب الى المكاتب التي في جدة، بل وقد اجتذب زبائن من مكة المكرمة أيضاً كانوا يتعاملون مع مكاتب جدة..

وقد اقترحت على صاحب المكتب أن يلتزم بإرسال رسوم الإستقدام أولاً بأول الى وكيلنا باندونيسيا حتى يرسل المكتب الخادمات في زمن أسرع ( فقد كان يستخدم إيرادات مكتب الإستقدام في تشغيل مؤسسة مقاولاته المعمارية) وفي نفس الوقت يزيد رسوم مكتبنا المأخوذة من العملاء في الطائف، اي نستفيد من سمعة المكتب بوصول الخادمات بسرعة مقابل الخمسائة ريال الزيادة، حيث كنا نأخذ خمسة آلاف عن كل خادمة، وقد نجحت هذه السياسة ودرت مكسب جيد للمكتب.. وقد قمت أيضاً بتنقيح عقد الاستقدام القديم وعدلت فيه، وأُعيد طبعه مرة أخرى.. وأذكر من ضمن بنوده أنه لا تعاد الخادمة أو السائق على حساب المكتب إلا في ثلاث حالات: الأولى أن تكون مريضة مرضاً معدياً، والثانية أن تكون مريضة مرضاً يمنعها من العمل، والثالثة أن لا تجيد العمل..

في هذه الأثناء أكمل صاحب المكتب بناء العماره التي أسكننا بها، وفي الطابق الأرضي بنى مكتب نقل إليه مكتبه من مقره القديم المستأجر في عمارة مقابل قصر شبرا والمحكمة الكبرى ورئاسة الشرطة، وأسكننا في شقة مجاورة للمكتب، وبينهما باب.. وكان معنا بعض معلمي مؤسسة المقاولات، فكان يسكن معنا سباك مصري بالإضافة الى شخصي وزميلي في المكتب وعلي السوداني.. وأذكر أن السباك المصري كان يقرأ في جريدة مصرية وقرأ بصوت عالٍ وصفة للأرق؛ وهي ملعقة عسل مع ملعقتين خل – وفي حالة عدم وجود الخل ليمون- تخلط في كأس وتلعق منها ملعقة واحدة، فإذا لم تنم خلال خمس دقائق خذ الملعقة الثانية من المزيج.. وما إن سمعت بهذه الوصفة حتى نهضت- وقد كنت أعاني من الأرق- وذهبت للبقالة القريبة واشتريت علبة عسل نحل (عادي) ونفذت الوصفة ولعقت ملعقة واحدة من المزيج.. ولم أضطر للثانية.. فقد علا شخيري في أقل من الخمس دقائق، مما استغرب له زملاء الغرفة.. أهي أعطيناكم وصفة للأرق.. وقد جربها غيري أيضاً ونجحت معهم.. جربوها..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #197
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-22-2014, 02:31 PM
Parent: #196


الحلقة 153

نواصل ...

سنقافورا

كثر الطلب على مكتبنا نتيجة للسرعة التي أصبحنا نستقدم بها الخادمات والسائقين من اندونيسيا، وكثرت التأشيرات المرسلة الى مكتب عبد القادر العطاس في جاكرتا، ويبدو أن مكتبه لم يعد بإمكانه الإيفاء بكل تلك الطلبات، فبدأ يتأخر في إرسال المطلوب.. وبدأ صاحب المكتب يتأخر في إرسال الرسوم، وبدأ الزبائين يتذمرون.. وبدأت أحلم بإندونيسيا.. وبسوركتي!

وجاءت المبادرة من صاحب المكتب.. (يا عمر ما تمشي تشوف الحاصل شنو في اندونيسيا).. على وزن (يا عمر ما تمشي طرف الشارع تشوف الولد ده مالو اتأخر كدي).. فرحت أيما فرح، فأنا أحب السفر، ولكن أن يكون البلد اندونيسيا؟ وأن يكون في اندونيسيا شخص اسمه سوركتي؟ أحمدك يا رب..

عمل لي كفيلي صاحب المكتب تأشيرة خروج وعودة، وسافرت الى جدة لأخذ تأشيرة دخول من السفارة الإندونيسية، وجدة كانت بالنسبة لنا نحن القاطنين في الطائف فرصة للتنزه، رغم أن الطائف نفسها مصيف وطقسها حلو وطبيعتها ساحرة، ولكن التغيير يبهج النفس، سيما وأن جدة مدينة عملاقة وبها كثير من الأهل والأصدقاء.. المهم أخذت التأشيرة في اليوم التالي بعد تسليم الجواز لهم، ولا أدري إن كنت قد عدت للطائف أم أنني كنت جاهزاً للسفر الى اندونسيا فسافرت منها..

أقلعت طائرة الخطوط السعودية يوم 5 مايو من مطار جدة، وكانت الساعة الواحدة ظهراً، وبعد ساعتين وصلت مطار الرياض حيث أنزلت ركاب وصعد إليها ركاب جلهم من الإندويسيين، لذلك انتشرت رائحة (أبو فاس) وأشباهه، وقد كنت أشم تلك الرائحة كلما استلمنا دفعة خادمات اندونيسيات، فهن يدلكن أنفسهن بهذا الزيت النفاذ ليريحوا أجسامهم ويرخوا عضلاتهم المشدودة من طول الرحلة.. ثم أقلعت من مطار الرياض صوب سنقافورا.. ولطول الرحلة، ولكي يقضوا على الملل على ما يبدو؛ فقد كانت خدمة الطعام والشراب مستمرة بلا إنقطاع، لا ندري كم وجبة قدموا لنا ولكنها كانت مستمرة كل حين وآخر.. وقد وجدت أن أحد المضيفين كان سودانياً، وعلى ما أذكر من عائلة شنقيط..

بعد تسع ساعات طيران، ونحن ما بين السماء والأرض، حلقت الطائرة فوق سنقافورا، يا للروعة.. عمران ونظام لم اره من قبل.. ناطحات سحاب وخضرة.. مدينة أمريكية في قلب غابات مطرية بشرق آسيا.. ودعوني أنقل لكم (بتصرف) نبذة عنها مستقاة من موقع ويكيبيديا:

سنغافورا، والاسم الرسمي هو "جمهورية سنغابور" ويرجع الإسم- وهي تلفظ باللغة المحلية "سنغابورا"- إلى كلمتي "سنغا" و"بورا" السنسكريتية التي يعنيان "مدينة الاسد"، وسبب هذه التسمية هو أن عند وصول أحد المستكشفين القدامى إلى هذه الجزيرة الصغيرة، وهو أمير سومطري يدعى "سانغ نيلا أوتاما" (Sang Nila Utama) - ويعتبر مؤسس سنغافورا- رأى أسداً فسماها "مدينة الاسد"، ولكن الابحاث أظهرت ان الاسود لم تعش قط في الجزيرة، لذلك يعتقد بأن الامير رأى نمرا. والأسد "ميرليون" (Merlion)، وهو اسد بجسد سمكة، يمثل الشعار الرئيسي للبلاد منذ عام 1986م.
ولسنغافورا موقع جغرافي فريد عند رأس شبة جزيرة الملايو حيث تشرف على مضيق ملقا الواقع بين الملايو وسومطرة، وهي جمهورية تقع على جزيرة في جنوب شرقي آسيا، عند الطرف الجنوبي من شبه جزيرة ملايو، بين خطي العرض 1°09' و 1°29' شمالا وبين خطي الطول 103°36' و 104°25' شرقا. وتتألف جمهورية سنغافورا من جزيرة سنغافورا وبعض الجزر الصغيرة الواقعة في المضايق البحرية المجاورة لها. ويفصلها عن ماليزيا مضيق جوهور، ولايعتبر فاصلاً كبيراً ذلك أن المواصلات البرية والحديدية تربط بين سنغافورا وماليزيا عبره، ويفصلها عن جزر رياو الاندونيسة مضيق سنغافورا. وتعتبر سنغافورا رابع أهم مركز مالي في العالم ومدينة عالمية تلعب دورا مهما في الاقتصاد العالمي. ومن ثم أصبحت أهم المواني التجارية في جنوب شرقي آسيا، لوقوعها على خطوط الملاحة بين حوض البحر الأبيض المتوسط وغربي أوروبا من جهة وبين الشرق الأقصى من جهة أخرى، ويعد مرفأ سنغافورا خامس مرفأ في العالم من ناحية النشاط.

وأرض سنغافورا منخفضة السطح بوجه عام، إلا أن بعض التلال تنتشر في الشمال الغربي وأعلى قممها لا تتجاوز 177متراً وتنتشر في الجنوب الشرقي، وتنحدر من تلالها بعض المجاري الصغيرة نحو الجنوب الشرقي ولا تزال غابات المنجروف تغطي كثيراً من سواحلها، كما تغطي الغابات الاستوائية بعض تلالها. ومناخ سنغافورا استوائي رطب. وأزيلت مساحات كبيرة من غاباتها، وحلت الزراعة محلها وتحولت أرض الجزيرة إلى مزارع علمية واسعة للمطاط وجوز الهند والفواكه المدارية. وعاصمة البلاد سنغافورا وتوجد في وسط الساحل الجنوبي، وتضم معظم سكان الجزيرة، وهي مدينة صناعية ومحطة تجارية مهمة، والجانب الشرقي أكثر سكاناً من الجانب الغربي.

ولسنغافورا تاريخ حافل بالمهاجرين؛ فسكانها الذي يصل تعداده إلى خمسة ملايين، هو خليط من الصينيين والملاويين والهنود وآسيويين من ثقافات مختلفة والقوقازيين. 42% من سكان الجزيرة هم من الأجانب الوافدين للعمل أو للدراسة، وتعتبر سنغافورا ثاني دولة في العالم من ناحية الكثافة السكانية بعد موناكو.

وفي مؤشر جودة الحياة التي تنشره "وحدة الاستخبارات الاقتصادية" في مجلة "الايكونوميست"، حصلت سنغافورا على الدرجة الأولى في آسيا والمرتبة الحادية عشرة على مستوى العالم. وتمتلك تاسع أعلى احتياطي في العالم. ولدَى الدولة جيش وطني مجهز بشكل جيد ويعتمد على أحدث الأسلحة.

singapore.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لجانب من سنقافورا، ويظهر الأسد "ميرليون" (Merlion)- وهو اسد بجسد سمكة، يمثل الشعار الرئيسي للبلاد - وهو ينثر الماء في شكل نافوره


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #198
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 01-23-2014, 01:23 PM
Parent: #197


الحلقة 154

نواصل ...

أخيراً جاكرتا.. بعد طنجه..

هبطت في مطار سنقافوره، وأعطونا ساعة لننزل الى المطار حتى ينظفوا الطائرة، وقد دخلت مجموعة من عاملات النظافة الى الطائرة ولاحظت أن ملامح بعضهن هندية والبعض الآخر ملامحهن صينية.. وهبطنا من الطائرة ودخلنا صالة المطار عبر أنبوب من باب الطائرة الى أرض المطار.. ومشيت بين مكاتب الخطوط ومكاتب تأجير الفنادق وتأجير السيارات في ممر طويل.. وما زلت سائراً ولم أصل الى نهاية المطار بعد، ونظرت في ساعتي فوجدت أن نصف الزمن قد انقضى، ويلزمني نفس الوقت الذي قضيته في الطريق من الطائرة لكي أرجع إليها! عجيب أمر مطار سنقافوره.. وقرأت مؤخراً أنه تم توسيعه.. أكثر من ذلك؟ مع أن سنقافوره جزيرة صغيرة جداً كما رأينا..

ركبنا الطائرة مرة أخرى وأقلعت باتجاه جاكرتا نحو الفجر.. وبعد حوالي ساعتين حلقت فوق جاكرتا، وكان ضوء الصباح قد عم الكون.. ومع ذلك كانت عقارب ساعتي تشير للساعة الثانية بعد منتصف الليل! لقد كانت ساعتي حسب توقيت السعودية، وكان ذلك يوم 6/5/1986.. وكان المنظر من الجو عجيب ورهيب.. غابات على مد البصر.. وهبطنا مطار جاكرتا وكانت الخضرة غالبة حول المطار، واقتربت الطائرة من أحد البوابات في مبنى المطار والتصق بابها بها، وعبر انبوب مشينا من داخل الطائرة الى داخل أرض المطار.. لاحظوا كان هذا في العام 1986م!

توجهنا نحو كاونترات الجوازات حيث ختمت جوازي بختم الدخول، ولاحظت أن كل الخادمات اللائي وصلن في هذه الطائرة تم توجيههن إلى أحد المكاتب، حيث ستبقى هناك إلى أن يأتي مندوب كل مكتب سافرت عبره لاستلامها ومن ثم تسليمها او تسفيرها لأهلها إذا كانت خارج جاكرتا (و99% - إن لم أقل 100%- من الخادمات من خارج جاكرتا)، حيث يتأكد المكتب أنها استلمت كافة رواتبها وحقوقها وأن لا مشاكل حدثت لها في بلاد الإغتراب.. وكل جواز ملصق عليه اسم المكتب وعنوانه الكامل ورقم هاتفه.. وبعد ختم الجوازات توجهنا لصالة استلام الأمتعة، والتقطنا امتعتنا وخرجنا من صالات المطار، وبحثت عن أي أحد يحمل لوحة عليها اسمي فلم أجد.. لماذا لم يستقبلني مندوب من المكتب الذي نتعامل معه؟ لقد بعثت لهم تلكس بموعد وصولي! أم يا ترى ظنوا أن رسالتي لهم مجرد تهديد غرضها أن يسرعوا بإرسال الخادمات؟

فكرت بالإتصال الهاتفي على المكتب ولكن نظرت إلى ساعتي وقلت في نفسي ما زال الوقت باكراً لحضور الموظفين للمكتب.. فخرجت خارج صالات المطار وجلست على كنبة انتظر أن يحين الوقت المناسب للإتصال على المكتب.. وكنت مجهداً ومرهقاً من طول الرحلة.. فقد مكثنا أربعة عشر ساعة في الطائرة- عدا تلك الساعة التي هبطنا فيها بمطار سنقافورا- وأكيد ساعتان أو ثلاث ساعات ما بين الوصول لمطار جدة وانتظار الطائرة وإجراءات السفر ووزن الأمتعة وعبور الجوازات ونقاط التفتيش.. وجلست على الكنبة أتجاذب أطراف الحديث مع أحد الإندونيسيين، وللغرابة كان مسيحياً، فكل الإندونيسيين والإندونيسيات الذين قابلتهم في السعودية كانوا مسلمين..

المهم بعد أن بدا لي أن الوقت أصبح مناسباً للإتصال بالمكتب اتصلت من كبائن الهاتف في المطار.. وردوا عليّ فوراً.. ولم يكونوا قد حضروا للتو، بل إنهم متواجدون على مدار الساعة في المكتب.. فهم يعملون في المكتب ويسكنون فيه أيضاً.. إذاً لقد ضيعت وقتاً ثميناً كان يمكن أن أرتاح فيه لو لم تكن تلك الفكرة في رأسي.. نحن كسودانيين لا يمكن أن نفكر او يخطر ببالنا أن مكان العمل يمكن أن يكون مكاناً للسكن، وحتى لو كان كذلك لما رد أحد على هاتف العمل بالليل، رغم أن زميلي المصري في مكتب الميزان بالطائف كان يسكن في غرفة داخلية في المكتب، ويرد على التلفونات حتى بالليل.. لكن الحمد لله على كل حال.. وانتبهوا أيها السادة في مثل هكذا ظروف.. بل جربوا كل فكرة تخطر على بالكم، فقد تكون هي الأصوب، ولا تركنوا للأفكار التقليدية او القناعات المسبقة..

عندما علموا بأنني في المطار أسرعوا إلىّ، وبعد مدة ليست طويلة وصل اثنان من موظفي المكتب، أصولهم حضرمية أيضاً، احدهم يتكلم العربية والآخر لا يتكلم العربية – تذكرت الآن بعد طول نسيان إسم الأخير، فقد كان اسمه رظال، والمقصود رضا الـ، .. أخذوني بسيارة المكتب مباشرة الى فندق كارتيكا بلازا ذي الخمس نجوم الذي يقع في الشارع الرئيس في قلب جاكرتا.. طبعاً لم يكونوا يتوقعون حضوري، بالتالي لم يحجزوا لي مسبقاً في الفندق.. ولكن علاقاتهم بهذا الفندق جعلهم يحجزون لي في نفس الصباح الذي وصلت فيه وبعد اتصالي بهم بالهاتف.. في استقبال الفندق سجلت معلوماتي وسلموني مفتاح الغرفة وصعد معي رفيقاي، وأخبرني أحدهم بأن هناك سوداني يعرفونه موجود بجاكرتا وجاء لنفس الغرض الذي جئت انا من أجله، اي استقدام العمالة الإندونيسية، وطلباه لي عبر الهاتف فتكلمت معه، وعرفني بنفسه وإسمه محمد حامد من أهالي كوستي ويعمل في مكتب استقدام بالرياض.. وسألته على الفور إن كان سمع شئ عن سوركتي السوداني في هذا الجزء البعيد من العالم، فأجابني على الفور أنه يعرفه، ويعرف أسرته! لم أصدق.. في الدقائق الأولى لي في جاكرتا أجد من يعرف آل سوركتي، بل وله صلة بهم! وبالفعل أعطاني رقم هاتف منزل محمد نور إبن أخ سوركتي!!

خرج رفيقاي فاستحممت في حمام الغرفة الراقي، ووقفت في شرفة الغرفة المطلة على حمام السباحة، وعلى ما أذكر كانت الغرفة في الطابقة الثامن.. ثم رقدت لاستجم من رحلة الطيران الطويلة تلك، ولا أدري إن كنت نمت نوماً عميقاً أم لا رغم ان الفراش كان وثيراً والمخدات ناعمة وكأنها محشوة بالحرير، فغالباً عندما أكون مرهقاً ومسافراً لا أنام بعمق، ولو نمت لساعات طويلة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #199
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-02-2014, 04:46 PM
Parent: #198


الحلقة 155


نواصل ...


نبذة عن إندونيسيا

دعوني أسرد لكم نبذة عن إندونيسيا منقولة- ولكن بتصرف- من موقع ويكيبيديا:


اقتبس اسم إندونيسيا من الكلمة اللاتينية إندوس وتعني الهند، والكلمة الإغريقية نيسوس وتعني جزيرة، تعود التسمية إلى القرن الثامن عشر، قبل تشكيل جمهورية اندونيسيا.

الجمهورية الإندونيسية دولة تقع في جنوب شرق آسيا وفي أوقيانيا بين خطي عرض 11° جنوباً و6° شمالاً، وخطي طول 95° و141° شرقاً. وتضم 17508 جزيرة، منها 6000 جزيرة مأهولة مبعثرة على جانبي خط الاستواء، أكبرها جاوة وسومطرة وبورنيو (المقسمة مع بروناي وماليزيا) وغينيا الجديدة (المقسمة مع بابوا غينيا الجديدة)، وسولاوسي، ولها حدود برية مشتركة مع ماليزيا في جزيرة بورنيو وبابوا غينيا الجديدة في جزيرة غينيا الجديدة وتيمور الشرقية في جزيرة تيمور. كما أن لها حدوداً بحرية عبر مضائق ضيقة مع سنغافورة وماليزيا والفلبين في الشمال، ومع أستراليا في الجنوب.

أكبر مدينة في البلاد هي العاصمة جاكرتا وتقع في جاوة، ، تليها سورابايا وباندونج ومدان وسيمارانج. ومساحة إندونيسيا هي 1919440 كم² ، وهي الدولة السادسة عشر من حيث المساحة، ومتوسط الكثافة السكانية هو 134 نسمة لكل كيلومتر مربع ، مع العلم أن جزيرة جاوة هي أكثر جزر العالم من حيث عدد السكان حيث أن الكثافة السكانية فيها هي 940 نسمة لكل كيلومتر مربع.. وقوع إندونيسيا على خط الاستواء يجعلها ذات مناخ مداري، مع موسمين من الرياح الموسميةرطبة وجافة، والمتوسط السنوي لهطول الأمطار في المناطق المنخفضة يتراوح بين 1780 و 3175 ملم، وتصل إلى 6100 ملم في المناطق الجبلية، وخصوصاً في الساحل الغربي لسومطرة وجاوة الغربية وكاليمانتان وسولاويسي، وبابوا. الرطوبة عالية عموما، في المتوسط نحو 80 and#1642;. درجات الحرارة تختلف قليلاً على مدار السنة، ومتوسط درجات الحرارة اليومية في جاكرتا 26-30 درجة مئوية.

ويبلغ عدد سكانها حوالي 238 مليون شخص، وهذه هي رابع دولة من حيث عدد السكان، وأكبر عدد سكان في العالم من المسلمين. وإندونيسيا هي أحد الأعضاء المؤسسين للأسيان وعضو في مجموعة العشرين للاقتصادات الرئيسية. الاقتصاد الإندونيسي في العالم هو الثامن عشر في تسلسل الناتج المحلي الإجمالي الاسمي، والخامس عشر من حيث القوة الشرائية.

كان الارخبيل الاندونيسي منطقة تجارية هامة منذ القرن السابع في عهد سريفيجايا، ثم في وقت لاحق، إمبراطورية ماجاباهيت بالتجارة مع الصينوالهند. الحكام المحليين استوعبوا تدريجياً الثقافات الدينية والسياسية الأجنبية منذ القرون الميلادية الأولى، وازدهرت الممالك الهندوسية والبوذية. وقد تأثر التاريخ الإندونيسي بالقوى الأجنبية بسبب مواردها الطبيعية. أدخل التجار المسلمون الإسلام، أما القوى الأوروبية فقد قاتلت بعضها البعض لاحتكار تجارة التوابل في جزر مالوكو خلال عصر الاستكشاف. بعد ثلاثة قرون ونصف من الاستعمار الهولندي حصلت إندونيسيا على استقلالها بعد الحرب العالمية الثانية. وقد كان تاريخ إندونيسيا مضطرباً بسبب التحديات التي تفرضها الكوارث الطبيعية والفساد والحركات الانفصالية وعملية التحول الديمقراطي وفترات من التغير الاقتصادي السريع. النظام الحالي لجمهورية إندونيسيا هو نظام وحدوي رئاسي، وتتكون من ثلاثة وثلاثين مقاطعة.

على الرغم من أن التجار مسلمين وصلوا أول مرة إلى جنوب شرق آسيا في وقت مبكر من العصر الإسلامي، وأقرب دليل على وجود السكان المسلمين في إندونيسيا تعود إلى القرن الثالث عشر في شمال سومطرة. انتشر الإسلام إلى المناطق الإندونيسية الأخرى تدريجيا، وأصبح الدين السائد في جاوة وسومطرة بحلول نهاية القرن السادس عشر. كان أول وصول للأوروبيين إلى إندونيسيا في عام 1512 عندما وصلت السفن التجارية البرتغالية بقيادة فرانسيسكو سيراو وسعوا لاحتكار مصادر جوزة الطيبوالقرنفلوالكبابة في جزر الملوك. بعد ذلك بدأ النزاع بين التجار الهولنديين والبريطانيين، في 1602 أنشأ الهولنديون شركة الهند الشرقية الهولندية (VOC) وأصبحت القوة الأوربية المهيمنة. بعد الإفلاس في عام 1800، أنشأت حكومة هولندا مستعمرةجزر الهند الشرقية الهولندية المؤممة.

إندونيسيا تتكون من مجموعات عرقية ولغوية ودينية مختلفة منتشرة ومتفرقة عبر العديد من جزرها. والجاوية هي أكبر إثنية في البلاد وهي المهيمنة سياسياً. وقد وضعت إندونيسيا الهوية المشتركة التي تحددها لغة وطنية؛ أما التنوع العرقي والتعددية الدينية فقد وضعت ضمن أغلبية السكان المسلمين (86.1%)، ورغم أن الدستور الإندونيسي يقر الحرية الدينية فإن الحكومة تعترف رسمياً بستة أديان فقط هي: الإسلام، البروتستانتية، الكاثوليكية، الهندوسية، البوذية، الكونفوشيوسية، ويجمعهم تاريخ المقاومة والتمرد ضد الاستعمار الهولندي. وشعار إندونيسيا الوطني هو: "Bhinneka Tunggal Ika" الذي يعني "الوحدة في التنوع". رغم عدد سكانها الكبير والمناطق المكتظة بالسكان، فإنه يوجد في إندونيسيا مساحات شاسعة من الأراضي البرية لتكون ثاني أعلى مستوى للتنوع الحيوي في العالم. إندونيسيا غنية بمواردها الطبيعية، لكن الفقر لا يزال منتشراً حتى الآن على نطاق واسع في إندونيسيا المعاصرة.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #200
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عبدالعزيز عثمان
Date: 02-02-2014, 11:55 PM
Parent: #199

اذا التقينا يوما ما فستكتشف ثلاث اشياء،،،انني اعرفك جيدا،،واعشق الاماكن التي تعشقها،،ذلك انك تجعلها معروفة ومعشوقه...
هكذا روعة الادب،،،معك بقجنا فوق كتوفنا,,

Post: #201
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-03-2014, 03:03 PM
Parent: #200


Quote: ذا التقينا يوما ما فستكتشف ثلاث اشياء،،،انني اعرفك جيدا،،واعشق الاماكن التي تعشقها،،ذلك انك تجعلها معروفة ومعشوقه...
هكذا روعة الادب،،،معك بقجنا فوق كتوفنا,,


العزيز عبد العزيز
شرفت البوست

لكن قراءك المتابعين لحكايات عمنا كرداش- ومنهم شخصي- سيزعلون .. لأننا في انتظارك هناك.. وانت اتاريك حايم بجاي!

وشكرا لكلماتك الرقيقة التي وصفتني بها ووصفت ما أكتب..

على طريق الأدب إذاً إلتقينا.. ولن نفترق بحول الله وقوته..

Post: #202
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-03-2014, 03:28 PM
Parent: #201



الحلقة 156

نواصل ...

مرحى.. أنا في جاوا

في المساء جاءني رفيقاي وأخذاني للمكتب عبر شوارع مدينة جاكرتا الجميلة، وجاكرتا عاصمة إندونيسيا تقع في جزيرة جاوا، ومعظم العرب يعرفون جاوا، بل ويعرفون إندونيسيا بأنها جاوا.. وكل الإندونيسيين الذين قدموا للحج يسميهم أهل السعودية (جاوا) وأول ملاحظة لي على شوارع جاكرتا - خاصة الشارع الرئيسي الذي به فندق كارتيكا بلازا- أن الشوارع نظيفة وفسيحة والحركة إنسيابية، وقد لاحظت في الشوارع غير الرئيسية وجود (باجاج) بكثرة في الشوارع، والباجاج هو ماركة لمواتر هندية الصنع، وهذا الباجاج الذي يحمل ركاباً ذو ثلاثة عجلات وغطاء فوقي.. هو الذي سيعرف بعد عشرين السنة في السودان بإسم (الركشه).. كذلك رأيت دراجات هوائية (عجلات/ بسكيلتات) ايضاً بثلاثة عجلات، ولكنها معكوسة، ففي الأمام عجلين وفي الخلف عجل واحد، وفي الأمام يوجد ما يشبه المقعد حيث يجلس شخص او إثنان ويقود صاحب الدراجة دراجته ويوصل الركاب الى مبتغاهم، وغالباً يكون المشوار قريب.. ويأخذ مبلغ بسيط.. الشارع الذي به فندق كارتيكا بلازا هو الشارع الذي تحتله المباني الشاهقة مثل الفنادق والشركات، أما بقية المنازل فهي ذات طابق أرضي واحد، أو طابقين بحد أقصى.. وحتى لا أنسى فإن منزل سوهارتو- الذي مررت بقربه مرات ومرات- أيضاً يتكون من طابقين فقط ولكن مساحته واسعة نسبياً.. مع ملاحظة أن أي بيت مهما كان بسيطاً أو فاخراً فإنه يزدان بالأشجار المزروعة في فناء كل منزل ولو كان الفناء صغيراً، والزهور ونباتات الزينة المعلقة على شرفاته او على أرضية نوافذه او حتى على جدران المنزل الخارجية، رغم أن اندونيسيا كلها غابة.. فشوارع جاكرتا تكثر فيها الأشجار الاستوائية، فالغطاء النباتي والخضرة هي الغالبة على جاكرتا.. ووصلنا المكتب، ولاحظت وجود غابة بالقرب منه، وما زلت أذكر اسم الشارع ورقم البناية التي تتكون من طابقين.. وهي البناية رقم 1 والشارع هو تبت تيمور Tebet Timur..

قابلت صاحب المكتب عبد القادر العطاس وصديقه الذي يعمل معه في المكتب، ورجل كبير في السن هو محمود واحتراماً له ينادونه بامحمود، وبعض الموظفات أذكر اسم واحدة منهن وهي إيفاد، وقد يكون المقصود (عفت) وكلهم حضارم، ولكنهم لا يتقنون العربية، بل إن معظمهم لا يتكلم العربية أصلاً، وحتى عبد القادر نفسه لا يتكلم العربية، وهو شاب صغير، قد يكون اصغر مني.. أكرموني بالشاي السادة الذي له طعم خاص ونكهة خاصة تختلف عما تعودنا عليه في الشرق الأوسط.. وفهمت منه سبب تأخر إرسال الخادمات، فالطلب أصبح أكثر من العرض، وقد كثرت التأشيرات المرسلة له من مكتبنا بسبب تلك السمعة الطيبة التي اكتسبناها في الأونة الأخيرة بسب السرعة في إحضار الخادمات، وكذلك لأنه أصبح يصدر لأكثر من مكتب في السعودية، ولا ننسى أنه ليس له الخبرة الكبيرة في إدارة مثل هكذا شركات..

في الطابق الثاني من البناية توجد غرف لإيواء الخادمات الجاهزات للسفر الى السعودية، وقد علمت أن منزل عائلته في مدينة سوكابومي يؤوي مجموعة من الخادمات في طور التدريب، حيث يقومون بتعليمهن مبادئ اللغة العربية او بعض الكلمات والجمل المفيدة في عملهن، وتدريبهن على الخدمة، وتشرف عليهن والدة عبد القادر.. أما السائقين فلهم مبنى خاص بهم في الشارع الثاني، وقد ذكرني هذا البيت بالحي الجامعي مولاي اسماعيل في الرباط، حيث السرائر على دورين، كذلك هنا في هذا البيت.. وقد لاحظت في مكتب عبد القادر أنه ليس هناك (دوش) في الحمام، بل ما يشبه البانيو مستطيل ومليء بالماء، ولكي تستحم تغرف بماعون من هذا الحوض وتصب على جسمك، ونفس الشيء إذا أردت الوضوء.. ويبدو أن هذا النظام هو المتبع في بيوت كل الإندونيسيين- كما لاحظت لاحقاً- وذكرني هذا قريتنا في شمال السودان حيث لا شبكة مياه ولا مواسير ولا حنفيات، حيث يجلب الماء من البئر في جردل وتغرف بكوز وتستحم في الطست (الطشت) .. كما أن مكان قضاء الحاجة مقعده أرضي، بلدي، وفتحته صغيرة جداً- ما عدا في الفنادق التي فيها مقعد افرنجي عالي..

كما لاحظت عدم وجود مبردات ماء، والكل يشرب الماء غير مبرد مباشرة من الحنفيات، ويبدو أن هذا ديدن كل أهل الشرق الأقصى، فقد كنا قد لاحظنا ذلك لدى الصينيين الذين عملوا على إنشاء كوبري حنتوب، فهم يغلون الماء ويضعونه في زمزميات ويشربونه بعد ان يبرد، ولا يضعونه في الثلاجة ولا يضعون عليه ثلج، لذلك شعوب تلك البلاد ليس لديهم كروش مترهلة كما في عالمنا.. وقد يظن البعض أن الجو بارد لذلك يكون الماء في الحنفيات بارد، ولكن الحاصل ان الجو حار، فهو استوائي، وعرفنا أنه طول العام يكون كذلك.. والمطر أيضاً طوال العام.. بمناسبة الكروش، فأحجام الإندونيسيين صغيرة وهم قصار القامة مع نحافة، وقد تجد منهم السمين، ولكن غالباً لا يكون مترهلاً، ويكون طوله متناسب مع حجمه، خاصة الجاوه- سكان البلاد الأصليين، طبعاً هناك إندونيسيون من أصل صيني، وهناك إندونيسيون من أصل حضرمي، وهؤلاء أجسامهم مثل العرب عامة.. وألوان الإندونيسيين تميل إلى الصفرة مثل الصينيين والفلبينيين، وبعضهم تميل صفرته للسمرة، وهناك جزر ألوان سكانها أسمر مثل إريان جايا والى حد ما سولاويسي، وكنت إذا تكلمت معهم بلغتهم – هذا فيما بعد- يعتقدون أنني اندونيسي فيسألوني من أين أنا فأقول لهم من سولاويسي فيصدقون، ثم أضحك فيعرفون أنني أمزح معهم، وفي ذات مرة قالت لي إحداهن قل من إريان جايا لأنهم بألوانهم وأشكالهم يشبهونك كثيراً.. أي هم أقرب للأفارقة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #203
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: بكري عباس علي
Date: 02-03-2014, 08:25 PM
Parent: #202

دكتور عمر غلام الله

متابعين هذا السرد الجميل

هيجت علينا ذكريات اندونيسيا الجميلة والشعب المؤدب ( زرتها لنفس الغرض ولكن قبل سنتين فقط ) نزلت في فندق اكاسيا القريب من المطاعم العربية


واصل في حكيك الطاعم

Post: #204
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-04-2014, 02:32 PM
Parent: #203


Quote: دكتور عمر غلام الله

متابعين هذا السرد الجميل

هيجت علينا ذكريات اندونيسيا الجميلة والشعب المؤدب ( زرتها لنفس الغرض ولكن قبل سنتين فقط ) نزلت في فندق اكاسيا القريب من المطاعم العربية

واصل في حكيك الطاعم


شرفت يا بكري عباس
سعدت بأنك زرت اندونيسيا.. فهذا يجعلك تتفاعل مع ما أكتب..
وملاحظاتك وآراءك هنا مهمة..
فلابد من تذكيري بأماكن وبأشياء قد تكون السنوات قد أنستنيها.. فهي أزيد من ربع قرن..

في ذاك الوقت لم تكن هناك مطاعم عربية.. ربما بعد زيادة السياحة العربية استغل بعض المستثمرين ذلك فافتتحوا تلك المطاعم..

شكرا لك أخي بكري على المرور وعلى المداخلة وعلى الكلمات الرقيقة في حقي.. تسلم

Post: #205
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-04-2014, 04:07 PM
Parent: #204


الحلقة 157

نواصل ...

سوركتي السوداني الإندونيسي

اتصلت على رقم الهاتف الذي أملاني إياه محمد حامد فردت علي فتاة تحدثت معها باللغة العربية فتحدثت معي باللغة الإندونيسية.. تحدثت معها بالإنجليزية فأدركت أنها لا تجيدها، او بالأصح لا تعرف منها شيئاً.. فراجعت أخينا محمد حامد فطلب مني الإتصال مساءً حيث يكون والد الفتاة موجوداً.. بالفعل اتصلت في المساء فرد عليّ مختار الأنصاري وتحدث معي بلغة عربية سليمة بلكنة أعجمية خفيفة، وقال لي سأرسل لك إبني ليأخذك من الفندق ويحضرك إلينا في البيت.. كدت أطير من الفرح لهذا الفتح.. هأنذا أخيراً قاب قوسين أو أدني من أسرة سوركتي.. وانتظرت بفارغ صبر هشام بن مختار.. وبالفعل عندما وصل استقبال الفندق اتصل بي فنزلت إليه وسلمت عليه.. كانت ملامحه سودانية مائة بالمائة، لونه اسمر وشعره خشن و(خنفس) وكانت تلك موضة في ذلك الزمان، وأهم من ذلك أنه يتكلم اللغة ا لعربية- بلكنة أعجمية- وركبنا تاكسي من أمام الفندق وتوجهنا إلى منزل آل سوركتي.. وقبل أن ندخل الى المنزل رأيت في مواجهته مدرسة كبيرة مكتوب على لافتتها باللغة ا لعربية: (نوادي الإرشاد)..

دخلنا البيت ووجدت عمنا مختار في انتظارنا.. كان سوداني الملامح، ضنقلاوي التقاطيع والشعر، رغم أن والدته حضرمية.. كذلك كان هشام إبنه، والدته حضرمية وجدته لأبيه حضرمية كذلك، ولكنهما نالا من لون السودانيين وملامحهم كل شئ.. لكن إبن هشام الصغير الذي والدته اندونيسية جاوية فقد كان لونه لون الجاوا وتقاطيعه كذلك، ولم يأخذ من والده وجده لوالده اي تقاطيع او ملامح.. ولم أر بناته، ويبدو أنهم محافظون على غير بقية الإندونيسين، سيما وأن مختار هذا هو رئيس مجلس علماء إندونيسيا- كما أخبرني_ وكذلك عضو مجلس النواب وعضو مجلس الشيوخ.. بالإضافة الى إشرافه على نوادي الإرشاد وقد أعطاني كرت به أحد هذه العضويات ولكن للأسف ضاع مني منذ زمن بعيد..

حكى لي عمنا مختار قصة عمه- إبن عم والده- سوركتي الضنقلاوي الذي كان يسكن أمدرمان مع أسرته، وفي ذات موسم حج اندس وسط الحجاج المغادرين من امدرمان للحجاز، وكان عمره آنذاك 11 عام.. ووصل الى مكة وبقي فيها ودرس في الحرم المكي حتى صار استاذاً، وهو أول أستاذ غير مكي يسمح له بالتدريس في الحرم.. ثم طلب وفد حجاج إندونيسيين ذات موسم من علماء الحرم أن يرسلوا معهم شيخ الى اندونيسيا ليعلمهم صحيح الدين حيث عمت البدع والخرافات البلاد، فوقع الإختيار على سوركتي.. فسافر الى اندونيسيا في العام 1911م (أي قبل قرن وثلاثة أعوام من الآن 2014م)..

وحينما وصل جاوا وحل بجاكرتا شرع في تدريس الناس الدين الإسلامي الصحيح، واصدر عدة فتاوى منها فتوى شهيرة بإلغاء نظام كان سائدا بمنع التزاوج بين الطبقات، وكان المجتمع الإندونيسي مقسما إلى خمس طبقات اجتماعية يحرم زواج أحد أفراد طبقة من الطبقة الأخرى، وقد انشأ سوركتي مدرسة في العاصمة جاكرتا اسماها نادي الإرشاد (تلك التي رأيتها أمام منزل مختار حينما وصلتهم) ، ثم جعل لها فروعا في مدن جاوا الأخرى وبقية جزر الأرخبيل، وقد استقدم أخاه وإبن عمه إلى إندونيسيا من السودان ليساعداه في تلك المهمة الكبيرة التي ألقيت على عاتقه، وأقاما معه في جاكرتا العاصمة، واستمر ثلاثتهم في التعليم الديني، وقد تزوج سوركتي من امرأة إندونيسية من اصل حضرمي ولم ينجب منها، فتروج بأخرى حضرمية أيضا ولم ينجب منها، وتزوج أخوه وإبن عمه من إندونيسيات حضرميات الأصل فولدن لهما أولادا وبناتا.

ومن ابن عمه هذا ويدعى محمد نور جاء محدثي مختار الأنصاري الذي تزوج هو وأخوه عبد الله وأخواته من بنات وأبناء أخوالهم الحضارم، ومختار هذا رغم أنه لم ير السودان لكنه يهتم به وبأخباره، وقد وجدت لديه بعض كتب تاريخ السودان..

الصورة الأولى المرفقة تضمني والعم مختار

Mukhtarsudanme.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية تضمني وأسرة سوركتي بأجيالها الثلاث: عمنا مختار محمد نور الأنصاري، وإبنه هشام، وإبن هشام، والصورة في منزلهم بجاكرتا بجوار نوادي الإرشاد- إندونيسيا- مايو 1986م.

Muktarsudansons.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #206
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-05-2014, 04:44 PM
Parent: #205


الحلقة 158

نواصل ...

العم مختار الأنصاري

لم ألتق عبد الله- شقيق مختار- الذي يعيش في مدينة بوقور- في جاوا أيضاً- وقد ذكر لي العم مختار أن شقيقه عبد الله زار السودان مرة حينما كان في مصر فعرج على السودان حيث أُحتفي به أيماء احتفاء واستقبله الإمام عبد الرحمن المهدي.. أيضاً لم ألتق بإبن مختار الثاني وهو هاشم في تلك الأيام، ولا أذكر إن كان خارج جاكرتا أم فقط لم يكن متواجداً في تلك الليلة فقط.. وقد ذكر لي هشام أنه في يوم زار السودان ولكن لم يعرف أحد ولم يعرفه أحد، فقط تجول في الخرطوم ثم غادر، وإن لم تخني الذاكرة فقد كان في طريقه إلى بلد آخر لا أدري إن كان إلى أمريكا او غيرها..

وبعد سنوات طويلة من زيارتي لآل سوركتي في جاكرتا، وبعد نشري لمقال حول الموضوع في جريدة الشرق الأوسط قرأه قريبي محمد حاج ماجد حاج موسى- مدير مركز آدم الإسلامي في أمريكا، ورئيس اتحاد المسلمين في امريكا الشمالية- وقال لي أنه قابل في امريكا أحد أفراد آل سوركتي السوداني الإندونيسي في أمريكا وتعرف عليه وقد أخبره بمقالي المذكور بجريدة الشرق الأوسط.. ولا أدري إن كان المقصود هشام ام هاشم أم أحد أبناء عمومتهم..

كما حكى لي العم مختار زيارة وفد السودان بقيادة الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري الى إندونيسيا لحضور مؤتمر باندونق، وقد زار الوفد نادي الإرشاد بجاكرتا، وقد أراني العم مختار صورا لأبيه وعمه مع وفد الحكومة السودانية في مؤتمر باندونق، ويظهر في الصورة مختار وهو ما زال صبيا في ذاك العام 1955 والصورة ملتقطة أمام نادي الإرشاد بجاكرتا، وتضم المرحوم إسماعيل الأزهري وحسن عوض الله وبقية أعضاء وفد السودان (برجاء من يتعرف على الآخرين في الصورة أن يخبرنا بأسمائهم لنضيفها هنا) بالإضافة الى محمد نور والد محدثي مختار الأنصاري، وبعضاً من أطفال أسرته بمن فيهم محدثي مختار الذي كان يومها طفلاً.

sudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudansudan49.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة الثانية هي جزء من الصورة السابقة مقربة حيث يظهر فيها الجزء غير الواضح من وسط الصورة السابقة- والناتج عن إنعكاس ضوء الفلاش من البلاسيتك المغلف لصفحة الألبوم التي بها الصورة- حيث يظهر الشيخ محمد نور في الوسط وعلى يمينه الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري وعلى يساره حسن عوض الله، وبعض أطفال أسرة سوركتي وعلى ما أعتقد فإن الصبي الذي أمام الأزهري مباشرة هو مختار الأنصاري.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #207
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-10-2014, 04:18 PM
Parent: #206


الحلقة 159

نواصل ...

موضوعي عن سوركتي في مواقع الانترنت

صورت صورة أخرى من ألبوم العم مختار وهي لوالده محمد نور، أدرجها هنا،


كما أدرج صورة هشام وإبنه، والصور التي بها أنا والعم مختار وإبنه وإبن إبنه التقطت بكاميرتي- التي اشتريتها من ألمانيا- في شهر مايو من العام 1986م، أي أي أن هذا الطفل يكون عمره الآن حوالي 27 عام، وقد يكون متزوج ولديه طفل عمره سنة او حتى خمس سنوات.. أرجو أن يتعرف على نفسه هنا او يتعرف عليه احدهم فيخبره..
(هناك مشكلة في إنزال الصور.. سأحاول لاحقاًَ إن شاء الله إنزالها)

بالمناسبة، بحثت عن موضوعي هذا لأتأكد من وجوده في موقع معين، فإذا بي أجده في موقعين لم أضعهما فيه، بل نقله إليهما شخص يدعى وجيه، وهذه معلوماته المسجلة في الموقع:

wajeeh
مسافر متالق
كتبها في 21/2/2008 الساعة 12:54 ظهراً
في موقع: منتدى العرب المسافرون- هذا الموقع مخصص للسياح العرب وهو احد افضل المواقع المخصصة للسياحة و مساعدة المسافرين ، و هو أحد مواقع شبكة منتديات مكتوب.

ولم يتم نقل الموضوع بحذافيره، بل ابتسره فجاء هكذا:

(سوركتي الإندونيسي السوداني

في الربع الأخير من القرن قبل الماضي خرج صبي لم يبلغ الحادية عشر من عمره مع قافلة للحج من مدينة امدرمان قاصدة مكة المكرمة- دون علم أهله- ولم يعد بعدها أبداً.
فقد تعلم على يد علماء الدين في مكه المكرمة والمدينه المنورة وتدرج في العلم حتى اصبح استاذا يدرس الدين الاسلامي ويدعو اليه بعدة لغات بحكم اختلاطه بالحجاج الاسيويين ...... وفي عام 1983 التقى احد الاخوه السودانيين بشخص اندونيسي يسمى سوركتي فأستغرب ان يكون هذا الاندونيسي يحمل اسما مشهورا تسميه قبيله واحده فقط من قبائل السودان بل ان الاسم دارج وبكثرة في هذه القبيله بالذات ...... فسأل الاندونيسي عن سر تسميته بهذا الاسم أفاده الإندونيسي بأنه سمي بهذا الاسم تيمنا برجل دين قام بتدريس آبائهم العلوم الإسلامية في إندونيسيا، وان هذا الرجل العالم هو سوداني.

حاليا وفي جاكرتا بالذات توجد عائله اندونيسيه كبيره جدا من اصل سوداني تسمى بعائلة آل سوركتي فقد جاء عميد هذه العائله من الحجاز ليعمل في مجال التدريس والدعوه الاسلاميه بعد ان طلب منه ذلك على يد بعض الحجيج الذين اخبروه بحاجتهم الماسه لمن يدرسهم الفقه والدعوة في ذلك العصر .

ذهب هذا العالم الزاهد جزاه الله خير الى اندونيسيا عام 1911 وعندما حل بجاكرتا شرع في تدريس الناس الدين الإسلامي الصحيح، واصدر عدة فتاوى منها فتوى شهيرة بإلغاء نظام كان سائدا بمنع التزاوج بين الطبقات ، وكان المجتمع الإندونيسي مقسما إلى خمس طبقات اجتماعية يحرم زواج أحد أفراد الطبقة من الأخرى ، وقد انشأ سوركتي مدرسة في العاصمة جاكرتا اسماها (نادي الإرشاد) ، ثم جعل لها فروعا في مدن جاوا الأخرى وبقية جزر الأرخبيل، وقد استقدم أخاه وبن عمه إلى إندونيسيا من السودان ليساعداه في تلك المهمة الكبيرة التي ألقيت على عاتقه ،وأقاما معه في جاكرتا العاصمة، واستمر ثلاثتهم في التعليم الديني، وقد تزوج سوركتي من امرأة إندونيسية من اصل حضرمي ولم ينجب منها ، فتروج بأخرى حضرمية أيضا ولم ينجب منها، وتزوج أخوه وبن عمه من إندونيسيات حضرميات الأصل فولدن لهما أولادا وبناتا.

الجدير بالذكر ان العائله انتشر ابنائها الى الكثير من المدن الاندونيسيه مابين عالم ومتعلم في شتى انواع العلوم .

لقد حمل الشيخ سوركتي راية الإسلام متعلماً ومعلماً حتى استقر به المقام في تلك البقاع النائية وخلف اخوة وأبناء اخوة حملوا راية الدعوة من بعده. جزاهم الله عنا خير الجزاء .

مغليكم)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #208
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-11-2014, 01:23 PM
Parent: #207


الحلقة 159

نواصل ...

موضوعي عن سوركتي في مواقع الانترنت (2)

وعقب على (مغنيكم) أحد المنتدين ويدعى (بوعرب) كما يلي:

(ماشاء الله عليه
هذا والله الناس اللي تفهم مو مثلنا
ندربي روسنا ... ومثل مانروح نجي ... لاإستفدنا ولا أفدنا
على العموم شكرا أبو فارس على هالمعلومات الطيبه

ثم عقب lurah indonesia

(تسلم يالحبيب وجزاك الله خير الجزاء والله ياخوي هذي الناس والا بلاش الي يرفعون السمعة الطيبة لبلدهم واصلهم وتحيتي لك)

وعقب (أسير الصمت) كما يلي:
الله يرحمة ويغفر له ويجزاه الجنه
(وجزاك الله خير وكتب لك وله الاجر
اشكر اطرائك على موضوع مثل هذا
شكرا لك)

ثم عقب (بينانغ):

(سبحان الله
أهم شئ تعجبت منه في أول زيارة لي هناك
هو انتشار الإسلام في تلك البلاد البعيدة
بلا قتال أو جهاد
أي أنّ الإسلام انتشر بالدعوة بالتي هي أحسن
وبالقدوة الصالحة
ــــ فرق بين زوار الأمس وزوار اليوم ـــــــ
وكتن حقيقة أتمنى أن أقدم التحية
لكل الدعاة السابقين خصوصاً الأخوة العرب الحضارم
كيف انتشروا في كل الجزر الآسيوية تقريباً
اندونيسيا ـــ الفلبين ــ ماليزيا ــ تايلند ـــ المالديف ـــ الخ...
كم من الأجر سوف يناله هؤلاء رحمهم الله
اللهم لا تحرمنا مثل اجورهم)

ثم عقب (الطائر الجريح):

(الله يرحمة ويغفر له ويجزيه الجنه لقاء ما قدم
وجزاك الله خيرا و كتب لك وله الاجر و الثواب
اشكر نقلك لهذا الموضوع الرائع , نسأل الله أن يجعلنا
من الدعاة في سبيله ..
شكرا لك أبا فارس و سلام لطيبة الطيبة)

ورغم أن الكاتب لم يذكر إسم صاحب الموضوع (شخصي) ولا الموقع الذي نقل عنه وهو موقع ود مدني، فقد فعل ما لم يفعله غيره من السودانيين، حيث ساعد على نشر سيرة الشيخ سوركتي العطرة لغيرنا من العرب.. لذلك سامحته على نقل الموضوع دون الإشارة الى شخصي..

Noori3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

الصورة التي أشرت لها في المشاركة السابقة، صورة الشيخ محمد نور والد عمنا مختار..

Hisham.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه صورة هشام إبن مختار، وهو يحمل إبنه الصغير، التقطت الصورة في منزل العم مختار بجاكرتا- إندونيسيا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #209
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-12-2014, 01:14 PM
Parent: #208


الحلقة 160

نواصل ...

موضوعي عن سوركتي في مواقع الانترنت (3)

وفي موقع (هنا إندونيسيا) نقل نفس الشخص (وجيه) نفس الموضوع، ومبتسر أيضاً وبدون أن يشير الى كاتبه الأصلي أو الموقع الذي نقله عنه، وأسرد بعض المداخلات التي جاءت في البوست:

أبو إبراهيم Puncak:
الغالي وجيه
تسلم على المعلومات الثقافية عن هذا الشيخ الفاضل
يعطيك ألف عافية على الموضوع
بارك الله فيك وفي الشيخ سوركتي

ثم عقب من سمى نفسه (نائب محافظ جالن براموكا):

مشكور على المعلومات عن الرجل السوداني
وجزاك الله خير وجزاه خير الجزاء
مودتي

ثم عقب من سمى نفسه (عمدة جاكرتا) وهو المشرف العام:
العالم العلامة أحمد سوركتي السوداني الأصل، الذي ينحدر من دنقلا بالولاية الشمالية
تسلم يمينك أخي وجيه على المعلومات عن العلامة السوداني
احترامي

ثم عقب من سمى نفسه (ضحية السفر):
تسلم على هذه المعلومات
والقصة التاريخية المثيرة للإهتمام
وكيف ان هناك من خدم الإسلام ورهن حياته لذلك

وعقب (قلق):
تسلم أخي الكريم على توصيل المعلومة المفيده.. تسلم يا غالي

وأخيراً عقب (نبض إندونيسيا):
معلومات كريمة وجميلة
ما أعظم الإسلام وما أعظم رجاله وتضحياتهم في كل زمان وكل مكان..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #210
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-13-2014, 02:27 PM
Parent: #209


الحلقة 161

نواصل ...

أصل مقالي الذي نُشر

في صحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان: "
سوركتي الإندونيسي السوداني"

وفي جريدة الخرطوم بعنوان: "أمدرمان - مكة المكرمة - جاكرتا"

بقلم: عمر حسن غلام الله- جدة – السعودية

في الربع الأخير من القرن قبل الماضي خرج صبي لم يبلغ الحادية عشر من عمره مع قافلة للحج من مدينة امدرمان قاصدة مكة المكرمة- دون علم أهله- ولم يعد بعدها أبداً.

في عام 1983م علمت من العم عبد الحميد عباس - سوداني بالطائف في السعودية - انه التقى أحد الاخوة الإندونيسيين يسمى سوركتي، ولما كان هذا الاسم لا يسميه إلا السودانيون، بل وقبيلة بعينها هي التي تسمي به ، إذ هو برطانة تلك القبيلة معناه (مجلد الأحجبة)، فقد استغرب محدثي تسمية إندونيسي بهذا الاسم ، وعند استفساره عن سر تسميته ب (سوركتي)، أفاده الإندونيسي بأنه سمي بهذا الاسم تيمنا برجل دين قام بتدريس آباءهم العلوم الإسلامية في إندونيسيا، وان هذا الرجل العالم هو سوداني.
في عام 1986م سافرت إلى إندونيسيا في مهمة عمل، وطيلة الوقت كنت أفكر بهذا الشيخ السوداني الذي سمعت انه في إندونيسيا- تلك الجزر النائية التي لم يخطر ببالي أن يكون فيها أحد من أفريقيا، ناهيك عن السودان - الذي لم يحب أهله هجر أوطانهم إلا في الربع الأخير الأغبر من القرن الماضي.

وحالما حللت بجاكرتا علمت من أحد مضيفي الإندونيسيين أن هناك سودانيا جاء لمهمة عمل مثلي، وتعرفت على هذا الأخير ، وعلى الفور أخبرته بما يدور في خلدي من تلك القصة حول وجود سوداني في هذا الأرخبيل البعيد كل البعد عن وادي النيل، فأمن على قولي وأكد لي صدق الرواية، بل وأعطاني هاتف آل سوركتي في جاكرتا، وكنت بين مصدق ومكذب، لأنني لم اكن أتوقع أن أجد ما ابحث عنه في تلك الجزر البالغة ثلاثة عشر ألف جزيرة، وبين 185 مليون إندونيسي هم سكان تلك الجزر، لم اكن أتوقع أن أجدهم بهذه السرعة وبهذه السهولة، ولكن يبدو ان آل سوركتي علم في رأسه نار.

وعندما التقيت بمختار الأنصاري لم يخالجني الشك لحظة واحدة بأنه سوداني ومن قبيلة الضناقلة بالضبط، ورغم انه لم ير السودان إطلاقا، فقد كان يتحدث العربية بطلاقة، ولكن بلكنة أعجمية خفيفة لا تظهر إلا بصعوبة، وكانت لهفتي شديدة في معرفة قصة وصولهم (أو بالأصح وصول آباءهم) إلى جزيرة جاوا.

حكى لي مختار الأنصاري أن عمه سوركتي عندما كان عمره أحد عشر عاماً رافق قافلة للحج متوجهة من امدرمان إلى مكة المكرمة، وهناك تلقى تعليما دينيا في الحرم المكي الشريف، وتدرج حتى وصل إلى درجة الأستاذية- وهو أول عالم غير مكي يحصل عليها- وفي ذات موسم قدم حجاج إندونيسيون إلى مكة وطلبوا إرسال عالم إلى بلادهم لتنوير الناس بعد ان عمت الخرافات والبدع فيها وأعمت بصائرهم عن العبادة الصحيحة، وكان ان وقع الاختيار على الشيخ سوركتي الأنصاري الذي غادر مكة المكرمة إلى جاوا في العام 1911م.

وعندما حل بجاكرتا شرع في تدريس الناس الدين الإسلامي الصحيح، واصدر عدة فتاوى منها فتوى شهيرة بإلغاء نظام كان سائدا بمنع التزاوج بين الطبقات، وكان المجتمع الإندونيسي مقسما إلى خمس طبقات اجتماعية يحرم زواج أحد أفراد الطبقة من الأخرى، وقد انشأ سوركتي مدرسة في العاصمة جاكرتا اسماها (نادي الإرشاد) ، ثم جعل لها فروعا في مدن جاوا الأخرى وبقية جزر الأرخبيل، وقد استقدم أخاه وإبن عمه إلى إندونيسيا من السودان ليساعداه في تلك المهمة الكبيرة التي ألقيت على عاتقه، وأقاما معه في جاكرتا العاصمة، واستمر ثلاثتهم في التعليم الديني، وقد تزوج سوركتي من امرأة إندونيسية من اصل حضرمي ولم ينجب منها، فتروج بأخرى حضرمية أيضا ولم ينجب منها كذلك، وتزوج أخوه وإبن عمه من إندونيسيات حضرميات الأصل فولدن لهما أولادا وبناتا.

ومن ابن عمه هذا- ويدعى محمد نور- جاء محدثي مختار الأنصاري الذي تزوج هو وأخوه عبد الله وأخواته من بنات وأبناء أخوالهم، وقد التقيت بإبن مختار الأنصاري ويدعى هشام، ورغم انه من الجيل الثالث إلا ان تقاطيعه سودانية مائة بالمائة، ومختار هذا رغم أنه لم ير السودان لكنه يهتم به وبأخباره ، وقد وجدت لديه بعض كتب تاريخ السودان وصورا لأبيه وعمه مع وفد الحكومة السودانية في مؤتمر باندنج، ويظهر في الصورة مختار وهو ما زال صبيا في ذاك العام 1955 والصورة ملتقطة أمام نادي الإرشاد بجاكرتا، وتضم المرحوم إسماعيل الأزهري وبقية أعضاء وفد السودان.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #211
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-16-2014, 03:35 PM
Parent: #210


الحلقة 162

نواصل ...

أصل مقالي الذي نُشر

في صحيفة "الشرق الأوسط" بعنوان: "
سوركتي الإندونيسي السوداني"

وفي جريدة الخرطوم بعنوان: "أمدرمان - مكة المكرمة - جاكرتا"

بقلم: عمر حسن غلام الله- جدة – السعودية
تكملة المقال:

وبالإضافة إلى إشرافه على نوادي الإرشاد المنتشرة في أنحاء إندونيسيا والتي أسسها عمه سوركتي فان مختار هذا هو رئيس مجلس علماء إندونيسيا وعضو مجلس الشيوخ الإندونيسي وكذلك عضو مجلس النواب، ومع ذلك فهو يسكن في منزل عادي أمام نادي الإرشاد في جاكرتا.

لقد حمل الشيخ سوركتي راية الإسلام متعلماً ومعلماً حتى استقر به المقام في تلك البقاع النائية وخلف اخوة وأبناء اخوة حملوا راية الدعوة من بعده، فهل من احتفاء بمثل هؤلاء؟ وهل يذكرهم ويتشرف بهم وطن آبائهم كما يذكرونه ويتشرفون به؟

إنني ادعوا من هذا المنبر أهل السودان بإكرام هؤلاء الدعاة المبشرين بدين الحق في أبنائهم الذين هم أيضا حملة لراية الإسلام في تلك الربوع.

وإليكم صورة المقال في جريدة الشرق الأوسط..

Indonesia002sudan2sudan.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد نقلته صحيفة "الإنقاذ الوطني" بدون علمي، ولم أعثر على الجريدتين، هذه، والخرطوم..

وفي اثناء بحثي في جهاز حاسوبي عن إسم الجريدة التي نقلت الموضوع بدون علمي (الإنقاذ الوطني)؛ وجدت هذا الخطاب:

سعادة الأستاذ الدكتور/ عبد الله الطيب حفظه الله

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

صباح اليوم وأثناء عودتي من توصيل ابني للمدرسة، وأنا استمع لإذاعة أمدرمان من راديو السيارة، سمعت في برنامج (المفكرة) الصباحي، أن هناك ندوة برئاستكم ستعقد في العاشرة من صباح الغد بقاعة الشارقة بالخرطوم، حول الشيخ سوركتي الأنصاري ، وبما أنني في جدة – وبالتالي سأحرم من حضورها- فإني لأرجو أن أشارك فيها من على البعد، فقد سبق لي زيارة ذوي سوركتي في جاكرتا بأندونيسيا، وتفاصيل ذلك في المقال المرفق الذي نشر لي بجريدة الشرق الأوسط عدد 4776 الصادر في 26/12/1991م ، والذي أعيد نشره فيما بعد في جريدة (الإنقاذ الوطني).

وأرفقه لكم هنا- مع أصل المقال المرسل للجريدة عله يكون أوضح من مقال الجريدة وأشمل، إذ تم إجراء بعد التعديلات والحذف- عسى أن يكون ذا نفع للندوة، وعسى أن أكون قد ساعدت في إكرام هؤلاء الدعاة.

بالمناسبة يا بروفيسور، لقد سعدت بلقائكم وكرمكم الفياض في منزلكم العامر بمدينة فاس العتيقة العريقة وكذلك التقيتكم في إحدى محاضراتكم عن أبي الطيب المتنبي في رباط الفتح في 77 و 1978 حين كنت أدرس بكلية الحقوق بالرباط، تحياتي للوالدة جوهرة، وللحضور في الندوة، ولأهل الوطن العزيز.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
____________
عمر حسن غلام الله


رحم الله البروف عبد الله الطيب، ورحم الله الشيخ سوركتي وشقيقه وإبن عمه محمد نور..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #212
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-17-2014, 05:06 PM
Parent: #211


الحلقة 163

نواصل ...


الدكتور كمال بدري مدير معهد اللغة العربية في جاكرتا وأساتذة سودانيين معه

علمت من الأخ محمد حامد الذي مكث في اندونيسيا لفترة من الزمن قبل وصولي إليها، ربما شهور، مما أكسبه معرفة بالمتواجدين في اندونيسيا من السودانيين، فبالإضافة الى اسرة سوركتي فقد عرفني بأساتذة سودانيين بمعهد اللغة العربية بإندونيسيا التابع لجامعة الإمام محمد سعود بالرياض- المملكة العربية السعودية، وعلى رأس هذا المعهد الدكتور كمال بدري من أسرة بدري المشهورة ذات الباع الطويل في مجال التعليم، كذلك وجدت ثلاثة من الأساتذة السودانيين بالمعهد، منهم واحد من أهالي عطبرة وعلى ما أذكر كان من قبيلة الرشايده، وعلمت أن والده هو رئيس جماعة أنصار السنة بعطبره، والآخر من الباوقه، ونسيت الثالث، ونسيت أسماء الآخرين..

(أثناء كتابتي لهذه الحلقة بحثت عن الصور فوجدت صورة تضمني والأخ أحمد الرشيدي- تذكرت الآن إسمه بعد أن رأيت صورته، وقد لا يكون الإسم الأول احمد، وقد يكون محمود او محمد لا أذكر، وفي الصورة أيضاً الإندونيسي من أصل حضرمي- رضا- الذي يعمل في مكتب عبد القادر العطاس، وعلى ما يبدو فإن الصورة في منزل الرشيدي..)

Indonesia004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقبل أن أنسى فقد أخبرني هؤلاء الأساتذة أنهم سمعوا من بعض الإندونيسيين الذين يعرفونهم بأن هناك ثلاثة سودانيين مسجونين في اندونيسيا، فلما تقصوا عنهم عرفوا أنهم من الذين صدقوا إشاعة أن سلطنة بروناي تريد سودانيين للعمل لديها- وللعلم فقد انتشرت تلك الشائعة في كل الدول العربية، ولكن أحدهم استغل حاجة السودانيين آنذاك للهجرة في بلاد الله الواسعة بحثاً عن الرزق حتى ولو كان ذلك في سلطنة بروناي في أقصى شرق آسيا؛ فعزف على هذا الوتر وأشاع ان السلطنة تريد سودانيين فقط! لذلك فقد بيعت الإستمارة الفارغة بعشرة جنيهات كاملة، واشتغل البريد كما لم يشتغل لعقود من الزمن، وعلى ما أذكر كان التقديم عن طريق سفارة بريطانيا، ولا أدري لماذا بريطانيا بالتحديد.. وقد ظهر في التلفزيونات أن السلطات في بروناي تنقل أطنان من الرسائل المتضمنة استمارات الإلتحاق بالعمل بالسلطنة وتعدمها.. اي ليس فقط السودانيين وحدهم من صدقوا الإشاعة-

ونرجع للسودانيين الثلاثة المسجونين في جاكرتا؛ فقد باع أحدهم كل ما يملك في السودان وقطع تذكرة لاتجاه واحد الى اندونيسيا بغرض الدخول من اندونيسيا الى بروناي، والآخران قدما من السعودية وأيضاً بتذكرة لاتجاه واحد، وعندما حضروا الى اندونيسيا لم يسمح لهم بالسفر الى بروناي لأنهم ليس لديهم تأشيرة دخول للسلطنة، ولم يكن لديهم تذاكر سفر للعودة، وعلى ما يبدو انتهت مدة تأشيرة الزيارة لاندونيسيا، فحبستهم سلطات الهجرة الإندونيسية لهذا السبب.. فلما علم أساتذة معهد اللغة العربية المذكور تبرعوا للمساجين بتذاكر سفر وأخرجوهم من السجن وغادروا الى السودان.. انتبهو يا شباب ولا تركنوا للإشاعات ولا تسافروا الى مكان في العالم إلا ومعكم تذكرة العودة.

زرت مدير المعهد الدكتور كمال بدري في منزله بجاكرتا، وكان الرجل مضيافاً كريماً عالي الثقافة، وكان يعيش وحده في جاكرتا، لكن صادف تلك الأيام زيارة إبنته إيناس له، وكان ينتظر زيارة إبنه القادم من لندن، وقد قال لي لو انتظرت حتى وصول إبني فإنه شخصية ظريفة جداً، وعلى ما يبدو كان موعد وصول إبنه بعد موعد رجوعي من اندونيسيا.. وكان إبنه يدرس بالجامعة في بريطانيا، وكانت إبنته تدرس في الثانوية في السودان على ما أذكر.. من حكمة الدكتور كمال أننا كنا نسير راجلين ثلاثتنا- أنا وهو وإبنته إيناس- من بيته فمررنا على مجموعة شباب اندونيسيين يجلسون في الشارع، ويبدو انهم رأونا أشكالنا غريبة عنهم فبدأوا في معاكستنا او مشاكستنا والتضاحك فيما بينهم كما يفعل كثير من الناس في بلاد العالم – عدا العالم الأول والبلدان المتحضرة- فما كان من الدكتور كمال إلا أن قال لهم: السلام عليكم.. وكأنما سُقط في أيديهم، فردوا السلام وسكتوا عنا.. وكأنما ألجمهم سلام الدكتور الذي عرف كيف يتصرف في هذا الموقف (البايخ).. تعلموا يا شباب من هذه الحكمة لهذا المربي الفاضل عليه رحمة الله- فقد علمت فيما بعد وربما بعد عقدين من الزمان من هذه المقابلة أنه انتقل إلى الرفيق الأعلى حيث أخبرني بذلك جارنا محمد عبد الرحمن بيلو في ونسة في جدة، كما أكدت لي الأستاذة مثاني السماني الوسيلة ذلك وأضافت أنه توفيّ هنا في الرياض حيث رجع للعمل في جامعة الإمام محمد بن سعود، وللأمانة فإنها قد ذكرتني بإسم إبنته الذي أنستنيه السنون..

في الصورة شخصي والمرحوم الدكتور كمال بدري، وهي في صالون منزله بجاكرتا،
Indonesia003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الأخرى لنا في حوش منزله..
Indonesia002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #213
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-18-2014, 04:21 PM
Parent: #212


الحلقة 164

نواصل ...

الإندونيسيون لا يعرفون الخبز

لاحظت أمام فندق كارتيكا بلازا شجيرات وأزهار وورود مزروعة، ومن ضمن الشجيرات رأيت شتلة نخيل البلح، وكانت يانعة الخضرة، ولكن أوراقها لا تنتهي بالحافة المدببة التي تكون شوكة حادة، بل كانت كورقة نبات عادية، واستنتجت أن المناخ هنا ليس مناخها لذلك تحورت أوراقها، وهي طبعاً زرعت هنا كشجرة زينة.. طبعاً المتوافر بكثرة هو نخيل جوز الهند، فهو في كل شارع، وطبعاً بالمقابل فإن نخيل جوز الهند الذي يزرع في بلادنا الحارة الجافة لا يثمر، بل يزرع كشجر زينة فقط.. ومن كثرة شجر نخيل جوز الهند فإن الباعة المتجولون يحملون على أكتافـهم او على الدواب سلال مليئة بثمرة جوز الهند، ويبيعونها بثمن بخس، ويكسرون أعلاه ثم يخرطون بملعقة المادة البيضاء من على جوانب الثمرة الداخلية ويتركونه داخل الثمرة في وسط مياهها، ويسلمونك إياها مع الملعقة فتغرف اللب وتأكله ثم تشرب الماء الموجود بداخلها..

أيضاً يبيع هؤلاء الباعة المتجولون شرائح من الأناناس في أكياس بلاستيك صغيرة، وكذلك بعض الفواكه الاستوائية كالباباي والمنقه، أي كما يبيع الباعة المتجولون عندنا في السودان النبق والدوم.. وقد لاحظت وجود فواكه في تلك البلاد لم أر في حياتي مثلها في أي مكان ولا حتى في الصور.. مثل فاكهة مستديرة كالبرتقالة وفي حجم البرتقالة الصغيرة، ولكن قشرتها تشبه جلد الثعبان تماماً! أما الموز فلا يباع بالكليو، بل يباع صف الموز كاملاً في شجرة الموز بعد ان يقطعوا الشجرة أفقياً الى أجزاء كل جزء فيه صف كامل من أصابع الموز ملتف حول عمود الشجرة.. وقد يكون هذا الجزء فيه من الموز ما يزن عشرة كيلوجرامات.. وقد رأيتهم في رمضان يعدون شوربة فيها قطع من الموز الذي يبدو من ملمسه انه وضع في القدر أخضر (غير مستوي).. ومن ورق الموز يجعلون في الفنادق فرشة للفاكهة الأخرى، فيضعون قطعة من ورق شجرة الموز مقطوعة بشكل دائري لتناسب الصحن الدائري، ثم يضعون الفواكه المقطعة كالبطيخ والأناناس والمنقه وغيرها..

لاحظت أيضاً عدم وجود الخبز، إلا في الفنادق ذات الخمسة نجوم، فالشعب الإندونيسي عامة لا يعرف الخبز، ويعتمد بصفة أساسية على الأرز والذي بلغتهم يسمى (ناسي)، فكل شئ يؤكل بالأرز سواء كان طبيخ او دجاج او لحم، وحتى البيض المقلي يأكلونه بالأرز! حيث يضعون الأرز في صحن ثم يضعون فوقه البيض المقلي، ويقطون بالملاعق البيض المقلي ويغرفون في نفس الوقت الأرز.. والأرز يطبخونه بالماء فقط، حتى الملح لا يضعونه فيه ناهيك عن الزيت او غيره.. الطعام عندهم غني بالبهارات الشرقية وكذلك صلصات خاصة تضاف للأكل بعد طهيه، وله نكهة معينة لذيذة، والطعام كذلك لذيذ وطاااااعم، وقد انتشرت في السعودية المطاعم التي تقدم الأكلات الإندونيسية..

هناك أكشاك صغيرة تبيع مشروبات غريبة.. زجاجات بها سوائل ملونة، يصب منها في كأس، ثم يضيف عليها مسحوق من ظروف صغيرة معبأة في المصنع وكل ظرف يختلف محتواه ومكتوب عليه اسم النبات، ثم يكسر بيضة صغيرة أشبه ببيضة الحمامة أو صغار الطيور، ثم يخلط المزيج ليشربه الزبون.. يقولون أن اسمه (جامو) وهو مقوي، بعضهم يشربه لينتعش وبعضهم ليقوي به همته، وأصحاب الدراجات التي ينقلون بها الركاب يقولون أنه يقويهم لممارسة عملهم المجهد عضلياً.. وقد طلبت مني إحداهن تجريبه بعد أن طلبت لنفسها، فاشمأزت نفسي منه خاصة عندما أضاف إليه محتويات البيضة، فطلبت مني أن أشرب السائل الذي في الزجاجة، فسكب لي البائع في كأس وتذوقته فذكرني بشراب التونيك، ولم استطع شربه.. مؤخراً في السعودية ظهر (الجامو) هذا كشاي للتإنسان رخيص..

Indonesia.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الأولى لصاحب دراجة لنقل الركاب، وكنت قد ذكرت هذا النوع من المواصلات في إحدى حلقاتي السابقة، ويظهر في الصورة شخصي ومعي موظف في مكتب عبد القادر العطاس نجلس في الدراجة، كما يظهر حارس الأمن التابع للمكتب، والمبنى الظاهر في الصورة هو المكتب، وتبدو اللوحة التي بها إسم الشارع (لم أر الصورة إلا أول أمس.. وذكري للشارع في أول حلقة عن اندونيسيا هو من الذاكرة وليس عندما رأيت الصورة)..

الصورة الثانية لشخصي واقفاً على جانب أحد الشوارع في جاكرتا، ولاحظوا الغطاء النباتي والخضرة اليانعة التي تزين كل مكان في اندونيسيا.. وربما الذي بجانبي مشتل..

Indonesia009.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #214
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-19-2014, 11:01 AM
Parent: #213


الحلقة 165

نواصل ...

عوداً على موضوع الشيخ سوركتي

عوداً على موضوع الشيخ سوركتي.. فقد قمت بالبحث في القوقل عن الإسم فقادني الى موقع "التوثيق الشامل" حيث وجدت بوست فخر الدين عبد القادر بابكر بعنوان: سوركتي ؟؟؟ وجاء في البوست:

سوركتي ؟؟؟

في منتصف العام 1982م ساقني الفضول إلى" بانكوك " ، وتصادف أن تزامن وجودي فيها مع مباريات نهائيات كأس العالم لكرة القدم التي نُظِّمت ذلك العام في إسبانيا. ولفارق التوقيت الـمهول بين تايلاند وإسبانيا، فقد تخيَّرت عدداً من الـمباريات وأدرجتها في جدول بمواعيدها سلّمته لـمكتب الاستقبال بالفندق (أو بالأحرى الفُنَيْدِق) الذي كنت أُقيم فيه، وطلبت من موظّفات الـمكتب أن يتصلن بي هاتفياً لإيقاظي متى حان موعد بث إيٍّ من تلك الـمباريات لكي أشاهدها في صالة مجاورة لغرفتي. وفي ذات فجرٍ وبينما كنت أشاهد مباراة بين البرازيل ومنتخب دولة أخرى لا أذكرها الآن تحديداً ، استرعى انتباهي شاب اندونيسي الهيئة والسمت كان يراقبني خلسةً وباستمرار بدلاً من مشاركتي مشاهدة الـمباراة. ظننت بادئ الأمر أنني ربما أكون أول أفريقي يراه في تلك الأصقاع القصيَّة ولم أُعره انتباهاً. لكنني وبعد لحظات قرأت على وجهه سؤالاً تبيَّن لي لاحقاً أنه كان يمنِّي النفس أن يسألنيه لولا أن قدراته في اللغة الإنجليزية كانت أضعف من أن تمكِّنه من ذلك. عرفت تلك الحقيقة في فجر اليوم التالي حيث عاد ذات الشاب الإندونيسي الهيئة والسمت مع آخر من بني جلدته يجيد اللغة الإنجليزية إلى حدٍ ما، وبادرني ذلك الآخر قائلاً ما معناه :

- هل أنت من السودان ؟؟.
- نعم أنا من السودان
- هل تعرف سيِِّدي سوركتي ؟؟
- أنا أعلم أن في شمال السودان أسرةً كبيرة أو ربما أسراً كبيرةً تحمل هذا الاسم ولكنّي لا أعرف (سوركتي) الذي تعنيه على وجه التحديد.
بعدها طفق ذلك الفتى الآخر يكلِّمني عن ذلك (السوركتي) بطريقة تنم عن توقيره له وحبِّه إياه لدرجة الوَلَه وتفيض عشقاً للسودان ولكل ما يمت لذلك (السوركتي) والسودان، كل السودان، بِصلة.

حالت مشاغلي دون استقصاء ما قاله ذلك الفتي الآخر .. ومرّت أعوام وأعوام .. وكان أن ذهبت في بداية العام 1997م إلى بيت عمّي في الحصاحيصا لـمناسبة عزاء أتت كذلك بشقيقي الأكبر من (الأراك) وأتى في ذات الوقت رجل من (الـمقل) لا أذكر اسمه كان في زيارة لأحد جيران عمّي، ودار بين شقيقي الأكبر وذلك الرجل القادم من (الـمقل) حديث عن صلة القُربى بين أسرتنا وأسرة ذلك الرجل .. وللـمفاجأة، فقد اتّفق كلاهما على أن حلقة الوصل بين أسرتينا هي أسرة (سوركتي) .. عادت لحظتها ذاكرتي الخربة إلى بانكوك وإلى الشابين الإندونيسيين اللذين كانا ينضحان تولُّهاً بذلك (السوركتي) وتبجيلاً له يتاخم التقديس .. وغرقت في الإحساس بالحياء والخجل من نفسي .. وانتابني ساعتئذٍ إحساس أقوى بأنني مدين لهما بالاعتذار عن جهلي بـمآثر أهلي .. وقادني أسفي على جهلي للاجتهاد في سبر غور تولُّههما بقريبي (سوركتي) .. تأكَّد لي لاحقاً أن هناك أكثر من أُسرة في شمال السودان تحمل هذا الاسم النوبي الرنين والإيقاع .. وبالتالي فإن ذلك (السوركتي) الـمُبجَّل بما يشابه التقديس ربما لا يكون قريبي .. ولكن يحق لي أن أعتزَّ بأنه مواطني على أقل تقدير ..

ألفيت نفسي أغوص في بحر من الروايات الـمتضاربة التي تقول أقربها للتصديق إن صبياً لم يتجاوز الحادية عشرة خرج من بيت أهله في أم درمان دون علمهم وانضم إلى قافلة حجاج ولم يَعُد. وقيل أن ذلك حدث في يوم ما في سنة ما من الربع الأخير من القرن قبل الـماضي .. وقيل كذلك ، والعهدة على الرواية الأقرب للتصديق، أنه مكث سنين عدداً بمكّة الـمكرَّمة والـمدينة الـمنوَّرة وفيهما تفقَّه على أيدي نفرٍ من علـمائهما حتى أضحى أستاذاً لعلوم الدين، بل وداعية إسلامي بعدّة لغات تعلَّمها عبر اختلاطه بالحجاج الآسيويين من شتي الجنسيات ... وتقول ذات الرواية أنه هاجر من الحجاز إلى إندونيسيا حيث نذر نفسه لتدريس القرآن والسنة والفقه، وأنشأ في جاكرتا مدرسة عُرفت باسم (نادي الإرشاد) .. وتقول ذات الرواية (التي ربـما تكون قد خلطت بين "سوركتي" الذي غادر أم درمان صغيراً و"سوركتي" آخر أو عدداً من الأشخاص بذات الاسم) أنه كان له فضل إصدار الفتوى التي أُلغي على إثرها عُرفٌ كان سائداً في إندونيسيا يُحرِّم التزاوج بين الـمنتمين لطبقات اجتماعية خمس كانت تشكِّل النسيج الاجتماعي في تلك الديار ... ويُقال كذلك أنه استدرج شقيقه وابن عمّه للحاق به ومساعدته في رسالته التعليمية والدعوية .. وأنه تزوج بامرأتين من أصل حضرمي ولم يُنجب منهما .. وتزوج أخوه وابن عمِّه من إندونيسيات حضرميات الأصل ورُزقا منهما ذريةً من بنين وبنات جابوا وجُبْن جُزر الأرخبيل الإندونيسي يحملون ويحملن ألوية الإسلام حيثما حلّوا وحللن ..

ليس بودِّي أن أسترسل في تفاصيل تلك الرواية لعدم استوثاقي حتى هذه اللحظة من مدى صحتها.. وإن كنت قد استوثقت، وعلى الطبيعة، من أنه توجد الآن في جاكرتا عشيرة هجين (سودانية/إندونيسية) تحمل اسم (سوركتي) وحاولت الوصول إلى أحد أفرادها ولم يمكنني قِصر إقامتي هنالك من ذلك. حقيقة الأمر أنني تعمَّدت أن أختزل الرواية التي ذكرتُ وأن أُسقط جُلّ تفاصيلها حتى لا أوثِّق لـما هو غير موثوق فيه أو غير مستوثق منه .. وربما كذلك لكي أُثير تساؤلات من قبيل العصف الذهني .. أملاً في أن يجتهد كل من يقرأ هذه الكلمات ليُضيف أو يُرشد إلى مَنْ قد يكون بمقدوره أن يضيف معلومة أو حتى جزئية من معلومة عن ذلك (السوركتي) الـمبجَّل بما يداني التقديس في ديار غير دياره وبين أهل غير أهله .. أملي أن لا يخيب فيكم أملي .. فهو يستحق أن نبذل في سبيل التوثيق له كلَّ جهد مستطاع ..

... يتبع ...

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #215
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-20-2014, 03:03 PM
Parent: #214


الحلقة 166

نواصل ...

عوداً على موضوع الشيخ سوركتي (2)

ثم جاءت مشاركة في البوست من الدكتور أبو شوك جاء فيها:

الشيخ أحمد محمد السوركتي (1876-1943م)

رائد حركة الإصلاح والإرشاد العربية في إندونيسيا

أحمد إبراهيم أبوشوك

شهد الربع الأخير من القرن التاسع عشر للميلاد والنصف الأول من القرن العشرين بوادر صحوة إسلامية تنادي بالعودة إلى الكتاب والسنة، وفتح باب الاجتهاد لتحقيق التوافق والانسجام بين النص الديني (الكتاب والسنة) والواقع الحياتي المعيش. وقد جاءت هذه الصحوة نتيجة لحركة تفاعل بين عوامل خارجية أفرزها الوجود الاستعماري الغربي في معظم بلدان العالم الإسلامي، ودوافع ذاتية استمدت منهجها من تراث ابن حنبل (780-855م)، وابن تيمية (1263-1328م) الرافض للبدع والخرافات التي فرضتها رجاحة الموروث المحلي على الكسب الفقهي المتبصر بمعتقدات الناس، وعباداتهم ومعاملاتهم في إطار الشريعة الإسلامية. وقد حمل لواء هذه الحركة علماء أجلاء أمثال جمال الدين الأفغاني (1838-1897م)، ومحمد عبده (1849-1905م)، ومحمد رشيد رضا (1865-1935م). وبفضل إسهامات هؤلاء العلماء انداحت دائرة الصحوة لتشمل عدداً من البلاد المسلمة التي تباينت درجات التأثر والعطاء فيها تبايناً طردياً مع معايير الاستعداد الفكري والقيم الثقافية والاجتماعية في كل قطر مسلم حداه.
يحاول هذا البحث أن يعرض التأثير الثقافي والفكري الذي أحدثته هذه الصحوة في إندونيسيا، وذلك بتركيز على الدور الذي تصدت له حركة الإصلاح والإرشاد العربية التي أسسها الداعية أحمد السوركتي (1876 -1943م) في مدينة جاكرتا (بتافيا) عام 1914م. وتوطئة لهذا الموضوع يستحسن أن يكون مدخلنا بعرض موجز لتاريخ دخول الإسلام وانتشاره في إندونيسيا، وذلك لنستوعب الظروف السياسية والبيئة الاجتماعية التي نشأت فيها حركة الإصلاح والإرشاد العربية، وتشكلت برامجها الإصلاحية فيها، ثم صراعها الفكري والسياسي مع السادة العلويين الحضارمة الذين كانوا يمثلون الطبقة الدينية الأرستقراطية في ذلك المجتمع.
.
.
.
تدريجياً انتقل مركز ثقل هذه الحركة من سنغافورة إلى إندونيسيا، حيث بدأت الحركة تأخذ شكلها المؤسسي في "جمعية خير" التي أنشأها نفر من العلويين بطريقة عرفية في مدينة بتافيا عام 1901م، وكان هدفها الأساس إعانة الفقراء وتعليم الأطفال. وفي عام 1903م تقدم أعضاء لجنتها التنفيذية بعريضة إلى مكتب شؤون الأهالي الهولندي للاعتراف بها رسمياً، فصدر قرار الموافقة في سنة 1905م، شريطة أن يكون نشاط الجمعية محصوراً في مدينة بتافيا. وفي العام نفسه انتخب السيد أحمد بن محمد بن شهاب الدين رئيساً للجمعية. وفي أبريل 1906م تقدمت الجمعية بطلب للتصادق لها بإنشاء مدرسة إعدادية لتعليم أبناء الجالية الحضرمية في بتافيا. وبعد ثلاث سنوات من هذا التاريخ فتحت مدرسة جمعية خير الإعدادية أبوابها للتعليم المجاني، وبدأت أيضاً تعقد دروساً عامة كل أسبوع للراغبين من النساء والرجال. وبهذه الكيفية توسعت أعمال جمعية خير، وطبع قانونها الأساس في سنغافورة، وفتحت لها مدارس إعدادية أخرى في معظم أحياء بتافيا. ثم بعد ذلك بدأت تلوح في الأفق فكرة انتداب معلمين من الخارج للعمل في مدارس الجمعية، لذا فقد بعثت الجمعية السيد عبد الله بن عبد المعبود الموصلي إلى الحجاز عام 1911م، لاختيار معلمين أكفاء. وبوساطة الشيخ يوسف الخياط والسيد حسن بن محمد الحبشي تم التعاقد مع الأستاذ أحمد محمد السوركتي السوداني، وصاحبيه الشيخين محمد الطيب المغربي، ومحمد بن الحميد السوداني، للعمل في مدارس جمعية خير في بتافيا.

أحمد محمد السوركتي: الأستاذ والداعية:
ولد الأستاذ أحمد محمد السوركتي في جزيرة أرقو بالولاية الشمالية في السودان عام 1876م، من أسرة مشهود لها بالورع والصلاح والعلم، حفظ القرآن بخلاوى منطقة دنقلا، ودرس مبادئ الفقه على والده، ثم تيمم شطر الحجاز عام 1897م هجرة في سبيل العلم والمعارف، ورغبة في أداء الفريضة. وبعد أداء فريضة الحج أقام في المدينة المنورة أربع سنوات ونصف، خلالها درس علوم القرآن والحديث والفقه واللغة العربية على علماء أكفاء في ذلك العصر، أمثال المحدث عمر بن حمدان المغربي، والفقيه المالكي أحمد بن الحاج علي المجذوب، والعالم اللغوي الشيخ أحمد البرزنجي. وجاور في مكة المكرمة لمدة عشر سنوات، حيث جود معارفه النقلية والعقلية على كبار مشائخ الحرم المكي، أمثال: العلامة أسعد بن عبد الرحمن الدهان، والشيخ محمد بن يوسف الخياط، والشيخ شعيب بن موسى المغربي. وبعد هذه الأربعة عشرة عاماً ونصف من السياحة في حلقات العلم والمعرفة بالحرمين الشريفين حصل المترجم له علي الإجازة العالمية من علماء الحجاز، وقُيِّد اسمه في سجل علماء أم القرى، ثم صُودق له بالتدريس في الحرم المكي.

وفي ضوء هذه المؤهلات العلمية والخبرة العملية تمَّ التعاقد مع الأستاذ السوركتي للعمل في مدارس جمعية خير بتافيا (جاكرتا)، ووصل السوركتي إلى مدينة جاكرتا وبصحبة الشيخين محمد الطيب المغربي، ومحمد عبد الحميد السوداني في شهر ربيع الأول عام 1329ه (مارس 1911م)، ثم نزل ثلاثتهم ضيوفاً على السادة العلويين الذين رحبوا بمقدمهم، باعتبارهم أول هيئة علماء تصل من الأراضي المقدسة للعمل في مدارس جمعية خير. وفور وصولهم عُيِّن الأستاذ السوركتي مديراً لمدرسة باكوجان ومفتشاً للتعليم، والشيخ محمد الطيب معلماً بمدرسة كروكت، والشيخ محمد عبد الحميد بمدرسة بوقور.

... يتبع...

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #216
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-23-2014, 02:14 PM
Parent: #215


الحلقة 167

نواصل ...

عوداً على موضوع الشيخ سوركتي (3)

ثم جاء رد صاحب البوست فخر الدين عبد القادر بابكر كما يلي:



الأخ الكريم د. أبو شوك ..

لك منِّي مجدداً وافر الشكر والامتنان لاستجابتك الكريمة لـمناشدتي .. وكلّ التقدير لجهدك الـمخلص الذي أثمر بحثاً رائعاً نهجاً ومضموناً .. ولك شكري بصفة أخص لتكرُّمك بإيراد معلومات ظللتُ ولعدّة سنوات أتوق لـمعرفتها عن الشيخ/ سوركتي .. جزاك الله عنِّي وعن كل مّنْ يقيِّض الله تعالى له قراءة بحثك خير الجزاء ... وأسأله سبحانه أن يوفّقك لإعداد بحث أكثر تفصيلاً في سيرة هذا الشيخ الجليل بحق ..

حمدتُ الله في سرِّي فور الانتهاء من قراءة بحثك أن ألهمني التشكك في صدقية الرواية التي أوردتُ أعلاه شذرات منها وتعمَّدتُ اختزالها من قبيل التشويق وطرح تساؤلات ضمنية أملاً في أن يجتهد الإخوة والأخوات في البحث عن إجابات لها .. ولكَم سرَّني وأبهجني أن أجد في بحثك إجابات وافية عن جُلِّ تلك التساؤلات ..

ولكي نجد إجابات وافية بذات القدر للبعض الـمتبقِّي من تلك التساؤلات بُغية سد الثغرات في سيرة ذلك الشيخ الـمبجَّل، آمل منك ومن الإخوة والأخوات الأكارم التقصِّي فيما يلي، بل وكذلك في ما عداه:
(1) وُلد الشيخ/ سوركتي في (جزيرة أرقو) في العام 1876م) .. فـما هي جذور أسرته ؟؟ وهل "أسرة سوركتي" أسرة واحدة انتقلت فروعها واستقرّت في مناطق شتى من شمال السودان وربما في أنحاء أخرى منه .. أم أن هنالك أكثر من أسرة تحمل ذات الاسم ؟؟ وقد سبق أن ذكر الأخ/ الفاضل محمّد محمّد خير أن ثمّة أسرة باسم (سوركتي) في (الـمقل).
(2) ما هي (على وجه التحديد) الخلاوى التي درس فيها القرآن في منطقة (دنقلا) وعلى أيدي مّنْ درس ؟؟
(3) تيمم شطر الحجاز في العام 1897م .. فهل عاش كلّ الفترة بين ميلاده وسفره إلى الحجاز في منطقة (أرقو) و(دنقلا) فقط ؟؟ أم أنه تنقَّل بين مناطق أخرى في السودان ودرس فيها كدأب طُلاب العلم آنذاك؟؟
(4) تُوفي الشيخ/ سوركتي عام 1943م ، فأين توُفّي ؟؟ ومتى تحديداً ؟؟
(5) تقول الرواية التي تشككتُ في صدقيتها إنه تزوَّج بامرأتين من أصل حضرمي ولم يُنجب منهما .. فـما مدى صحة ذلك ؟؟
(6) هل لديه مؤلّفات نالت حظّها من النشر ؟؟ وما هي ؟ ؟ وما السبيل للحصول عليها ؟؟
(7) وهل.... ؟؟ ومتى ..... ؟؟ وأين .... ؟؟ وكيف ..... ؟؟
(أكملوا الأسئلة واجتهدوا في الحصول على إجابات لها).

ومرّةً أخرى أقول : أملي أن لا يخيب فيكم أملي .. فالرجل يستحق أن يُبذل من أجل التوثيق له كلّ جهد مستطاع ..


انتهى ما جاء في البوست المذكور في موقع التوثيق الشامل والمنشور بتاريخ 18/5/2010م، وقد حاولت إرسال رسالة للموقع للتوضيح ولكن لم أجد طريقة للإرسال حيث لا يوجد (راسلنا) في الصفحة او في الموقع..

واضح من الرواية التي أوردها نقلاً عن مواقع أخرى، أنه حتماً نقلها من موقع trave.maktoob (العرب المسافرون)، أو من موقع (هنا إندونيسيا) والذي نقل فيه (وجيه) بتاريخ 21/2/2008م مقالي المنشور بجريدة الشرق الأوسط بتاريخ 26/12/1991م أو الذي بموقع ود مدني بتاريخ 25/2/2004م فابتسره في الموقعين المذكورين أعلاه فجاء مشوهاً، ويبدو هذا ما جعل فخر الدين عبد القادر يشكك في صدق الرواية.. (بالبحث أيضاً وجدت المقال المبتسر نقله عبد الخالق محمد احمد إلى موقع مشو musho بتاريخ 25/5/2011م).. وله الحق فخر الدين أن يشكك في الرواية؛ فقد أدخل وجيه فيها ما لم أكتبه، ولا أدري من أين أتى بهذه المعلومات، وواضح انه ليس سوداني..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #217
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-24-2014, 02:29 PM
Parent: #216


الحلقة 168

نواصل ...

عوداً على موضوع الشيخ سوركتي (4)

أما ما كتبه الدكتور ابو شوك فهو توثيق دقيق للغاية ومبنى على معلومات تاريخية مؤكدة.. ورغم أن معلوماتي ليست أكاديمية كمعلومات الدكتور أبو شوك، إلا أنها من في (فم) إبن أخ الشيخ سوركتي، وهو الشيخ مختار الأنصاري.. والذي هو إبن أحد الذين استقدمهم الشيخ سوركتي من السودان- أحدهم شقيقه والآخر بن عمه- وأولى الاختلافات بين رواية الشيخ مختار ورواية الدكتور ابو شوك هي كيفية وصول الشيخ سوركتي الى الحجاز.. فقد جاء في مقاله:

ولد الأستاذ أحمد محمد السوركتي في جزيرة أرقو بالولاية الشمالية في السودان عام 1876م، من أسرة مشهود لها بالورع والصلاح والعلم، حفظ القرآن بخلاوى منطقة دنقلا، ودرس مبادئ الفقه على والده، ثم تيمم شطر الحجاز عام 1897م هجرة في سبيل العلم والمعارف، ورغبة في أداء الفريضة.


وبالرجوع لما أوردته نقلاً على لسان الشيخ مختار فإن عمه الشيخ سوركتي الضنقلاوي الذي كان يسكن أمدرمان مع أسرته، وفي ذات موسم حج اندس وسط الحجاج المغادرين من امدرمان للحجاز، وكان عمره آنذاك 11 عام.. لذا فأرجو ممن له صلة بالدكتور أبو شوك أو يستطيع الدخول للموقع الذي يكتب فيه أن يسرد له رواية الشيخ مختار الأنصاري، والذي أرجو أن يكون موجوداً ليتصل به الدكتور ابو شوك او ان يرسل له أحد أعضاء السفارة السودانية في جاكرتا او احد افراد الجالية - التي نشأت مؤخراً حسبما رأيت في قنوات السودان التلفزيونية..

ثم يقول فخر الدين:

تقول الرواية التي تشككتُ في صدقيتها إنه تزوَّج بامرأتين من أصل حضرمي ولم يُنجب منهما .. فـما مدى صحة ذلك ؟؟ .


ومؤكد أن الإجابة هي ما ذكره لي الشيخ مختار الأنصاري- صاحب نفس الرواية التي تشكك فيها فخر الدين- والقائلة بأنه تزوج بامرأتين من أصل حضرمي ولم ينجب منهما.

والقوقل قادني أيضاً لموقع منارات إفريقية الذي أجرى حواراً مع أمين عام المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان، وقد جاء في ختام الحوار ما يلي:

نحن دايماً نتفاءل، والتفاؤل لايجعلك تفكر في العقبات ولكنه يقودك إلى الأمام، والدعوة الإسلامية إن ذهبت لتبليغها وحدك فستجد من يستمع إليك، واليوم الذي يليه ستكبر حلقتك رويداً رويداً، لذا لانضع هذه العقبات ولكننا نسير إلى الأمام والحمدلله، نحن متفائلون بإننا نسير ونؤدي رسالة دعوية، وفي التاريخ عِبَرْ؛ فكم من أناس خرجوا للدعوة لعدة مناطق وأدوا رسالتهم ونشروها، ولم يكونوا أصحاب سلطة، وما قصة سوركتي الأندونيسي عنا ببعيد، وقد ذهب لعمل لكنه أصبح داعية في أندونيسا، واهتدى على يديه أعداد كبيرة من الأندونيسيين، .


وهنا أيضاً معلومة مغلوطة عن سبب وصول الشيخ سوركتي الى اندونيسيا، حيث قال أمين عام المجلس الإسلامي الأعلى لجنوب السودان، أنه سافر لإندونيسيا بغرض العمل..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #218
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-25-2014, 02:02 PM
Parent: #217


الحلقة 169

نواصل ...

حكايات عن الإندونيسيين

تعرفت على بعض الأسر من أقارب عبد القادر العطاس، وقد حضرت مناسبة طهور أحد أطفالهم، ولاحظت أن سن الختان عند أطفالهم هي نفس السن في السودان في الزمان السابق- وإلى حد ما في هذا الزمن- اي في سن سبعة سنوات.. طبعاً في السعودية أصبح السودانيون يختنون أولادهم بمجرد الولادة او بحد أقصى شهرين ثلاثة.. والأغرب أن هناك ختان إناث في إندونيسيا، وأعتقد انه ختان ما يسمى (السنة)، وفي الختان الذي حضرته بدت العادات أقرب لعاداتنا في السودان، فقد اجتمع لفيف من أهل المختون وقدمت لهم الحلوى الخاصة بهذه المناسبة، ويلبس الطفل زياً تقليدياً خاصاً..

بمناسبة الزي الخاص، فالإندونيسيون يلبسون قصمان فيها أشكال ورسومات تشبه ورقة الشجرة الملتوية، وهي غالباً بنية اللون، ويلبسون البنطلون ولكن أحياناً يلبسون (الفوطة) مثل اليمنيين والبنغالة والصوماليين، وأحياناً في المناسبات يلبسون البدلة الإفرنجية الكاملة ثم يلفون الفوطة حول خصرهم لتدلى الى أسفل الساقين، ولكن غالباً تكون تلك الفوطة من قماش راقي ومميز، وقد رأيت رئيسهم يلبسها في مناسبة..

اما النساء فغالب زيهن الإسكيرت والبلوزة أو الفستان الميدي، والى حد ما البنطلون، ولا تكترث بعضهن بتغطية أجسادهن، فقد رأيت مرة إحداهن تقف متكئة على جدار خلفها وتضع باطن قدمها على الجدار الذي خلفها، فيرتفع أسفل الإسكيرت الميدي لينكشف كل ساقها وجزء كبير من فخذها وهي منهمكة في قراءة ورقة.. هذا هين.. فأدهى منه أنني كنت أرافق عبد الرحمن العطاس في زيارة له الى السفارة السعودية، وعندما وصلنا الى السفارة لاحظت أن هناك مجرى مائي عريض أمامها، وهو مبني بخرسانة وأسمنت، ورأيت إمرأة جالسة تستحم على حافته المنحدرة وتصب بكوز الماء على جسدها الذي لا يستره غير قطعة واحدة.. وكان الوقت نهاراً.. هذا أيضاً هين بالمقارنة مع أخرى على حافة نهير صغير خارج مدينة جاكرتا، فقد كان المرأة واقفة وتستحم، وحتى القطعة الواحدة لم تكن على جسدها.. هذا يقودني لملاحظة أخرى.. وهي أن في تلك البلاد في ذلك الزمان لا توجد عذراء بعد العشرين من العمر- إلا من رحم ربي- ولم يكن ذلك موضع سؤال..

ويبدو أن الإستعمار الهولندي قد أثر فيهم تأثيراً شديداً في هذه الناحية.. علماً بأن النساء يصلين أوقاتهن – خاصة في رمضان- في المساجد، فتجد المسجد ممتلئاً عن آخره، ونصفه رجال والنصف الآخر نساء.. فصلاة التراويح محضورة جداً في اندونيسيا، وتلاحظ أن كل فتاة وإمرأة داخلة الى المسجد وتحت إبطها لبس الصلاة الذي يتكون من قطعتين تدخل القطعة الأولى من رأسها حتى تصل الى منتصف جسدها حيث مطاط يحجز أعلاها في الخصر، ويتدلى باقيها ليغطي جسمها الأسفل حتى القدمين، ثم تضع القطة الأخرى على وجهها فتحيط فتحته بدائرة وجهها ثم تغطي به رأسها ثم ينسدل مغطياً نصفها الأعلى بما فيه الساعدين واليدين.. فإذا انتهت الصلاة خلعته في المسجد ووضعته تحت إبطها وخرجت بلبسها الذي دخلت به..

صليت مرة صلاة الجمعة في مسجد الفندق، ولم افهم الخطبة لأنها كانت باللغة الإندونيسية، لكني استنتجت أنه كان ينتقد حوض السباحة في الفندق، إذ ذكر Kartika Plaza Swimming Pool حيث تسبح الفتيات بالمايوه في نهار رمضان.. أيضاً لاحظت وجود أطفال يقفون بباب المسجد ومعهم بطاقات مربعة صغيرة عليها أرقام، حيث يأخذون منك حذاءك ليضعونه في أحد الأدراج المرقمة ويعطونك بطاقة عليها رقم الدرج فإذا خرجت من الصلاة أعطيتهم البطاقة فيستدلون بالرقم الذي عليها الى درج حذائك فيعطونك إياه فتعطيهم مائة روبية او عشرة لا أذكر، المهم قطعة نقدية معدنية.. وأذكر ان الطفل الذي أعطاني البطاقة وأخذ الحذاء يبدو أنه اختلط عليه الأمر ولم يجد الحذاء في الدرج الصحيح، فما كان من أحد المصلين إلا ان رطن معه موبخاً ودله على مكان حذائي.. وهم في النهاية أطفال يسترزقون من هذه الأعمال..

Indonesia008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي في أحد شوارع جاكرتا، ويبدو أطفال يلعبون التنس.. ولاحظوا جمال الخضرة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #219
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-26-2014, 06:32 PM
Parent: #218


الحلقة 170

نواصل ...

حكايات عن الإندونيسيين (2)

موظفي المكتب الذين استقبلوني في المطار أصبحوا يأتونني بسيارة المكتب الى الفندق ليأخذوني إلى المكتب أو إلى بعض الأماكن السياحية، وكنت ألاحظ في المساء على ناصية الشارع الذي به الفندق فتيات واقفات في مجموعة صغيرة ربما أربع او خمس ويلبسن زياً يفضح الغرض من وقوفهن، فتلك تلبس شورت جينز بدأ وكأنه ليس له أرجل البتة وهو أقرب للباس البحر، وتلك تلبس فستان مفتوح بالجنب من أعلى الفخذ حتى الركبة يجمع طرفي الفتحة خيط كرباط الحذاء.. ويبدو أنهن ينتظرن زبائن الليل.. وكن جميلات ويتفجرن أنوثة.. ومتزينات بكامل الزينة والمساحيق وأحمر الشفاه..

في أحد الأمسيات أخذني رضا وزميله الذي نسيت إسمه الى الديسكو.. حيث الأغاني والراقصين والراقصات، والبنات لمن أراد، بالخمسين او الثلاثين دولار لليلة.. وفي طريق عودتنا إلى الفندق رأيت الواقفات على ناصية الشارع الذي به الفندق، وقلت في نفسي لعل هؤلاء الواقفات هنا أقل سعراً من أولئك الذين في الديسكو لذلك هنّ يقفن في الشارع.. ثم أشار رضا الى الواقفات على ناصية الشارع وقال موجهاً الكلام لي: (هدا مهنوس).. ولم أفهم عربيته الضعيفة.. فاضاف موضحاً: (هدا مو هرمه.. هدا رجاا)، وبعد جهد جهيد فهمت ما يعني.. (هدا مهنوس) تعني (هذا مخنوس) وترجمتها هذا ########.. والعبارة الثانية ترجمتها (هذا ليس حرمه.. هذا رجل) ويعني ان الواقفات على ناصية الشارع ذكور وليسوا إناث.. لم أصدق ما قاله، ولكن لأنهم أهل بلد لابد من تصديقهم.. وقد علمت أن الدولة قد سمحت لهؤلاء بالتجمع في أماكن محددة لاصطياد الزبائن.. وحسب إفادة اصدقائي أولئك فغالباً ما يكون هؤلاء يعملون في أشغال تجعلهم طوال الوقت مع النساء، كالكوافير وصالونات التجميل، وبعضهم يحس بأنه بات أقرب للأنثى منه للذكر ويفضل أن يكون أنثى فيذهب للطبيب ليحقنه بالهرمون المؤنث- طبعاً كل إنسان فيه هرمون مؤنث وهرمون مذكر سواء كان رجلاً او إمرأة، ولكن في الرجل الهرمون المذكر يغلب على المؤنث وفي المرأة العكس- فهؤلاء عندما يأخذون حقنة الهرمون المؤنث تكبر صدورهم ومنطقة الحوض وأردافهم ويزول الشعر من وجوههم.. ويبدو الواحد منهم كأنثى تامة الأنوثة..

بل إن صديقي الذي نسيت اسمه قد حكى لي مرة أنه التقط فتاة غاية في الجمال، وعندما وصل مرحلة قضاء وطره اعتذرت له بأنها لا تستطيع.. (لأنه) أجرى عملية استئصال لعضوه منذ فترة قصيرة وما زالت العملية لم تبرأ تماماً، وقد أجرى العملية في سنقافوره (بألف دولار)! وتذكرت أنني في الثانوية في أواسط السبعينات من القرن العشرين قرأت في مجلة موضوعاً مشابهاً، حيث تجرى عملية استئصال العضو وترك الجلد ليحشر الى الداخل مكان الفراغ الذي أحدثه استئصال العضو، فتكون الشعيرات الدموية الدقيقة في جلد العضو بمثابة حساس بديل للمهبل!

وقد قارنت بين هؤلاء في إندونيسيا وبين الذين رأيتهم في المانيا من نفس الشاكلة، فلاحظت أن هؤلاء يصعب التفريق بينهم وبين الإناث بينما في المانيا تلاحظ أنهم ليسوا إناث إذا اقتربت منهم.. أيضاً في مرة ونحن نركب تاكسي في جاكرتا رأينا اثنين من هؤلاء في تاكسي آخر وقد نبهتني التي معي بأن هؤلاء رجال وليسوا نساء، وفي هذه المرة كان واضحاً أنهم ليسوا نساء فقد كانت تقاطيعهم تدل على إنهم رجال تماماً كما شاهدت في ألمانيا.. وكانا يلبسان لبس النساء ويتزين كما تتزين النساء، ويبدو أنهما لم يأخذا حقنة الهرمون..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #220
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 02-27-2014, 11:33 AM
Parent: #219


الحلقة 171

نواصل ...

حكايات عن الإندونيسيين (3)

لم أر في إندونيسيا اثنان يختصمان، او على الأقل يرفعان أصواتهما، الجميع يتكلم بهدوء.. لم أر مجنوناً، فلِمَ يجن من كان في مثل هذه البلاد الهادئة الجميلة ذات الطبيعة الساحرة الخلابة، وكيف يجن من كان يعيش بلا خصام او صراخ.. وفي ذات مرة كنت أسير في الطريق فإذا بإمرأة تجلس بجانب الطريق وأمامها مئات من أعقاب السجائر.. فقلت هذه مجنونة، ولكن مرافقتي صححتني فقالت لي: (تيدا مجنون.. مسكين) اي ان هذه المرأة ليست مجنونة وإنما مسكينة، أي فقيرة، وهي تدخن ولا تجد ما تشتري به السجائر، فتدخن أعقاب السجائر التي يرميها الناس.. يعني المجنون الوحيد الذي قابلته في اندونيسيا طلع مش مجنون.. طلع مسكين!


لاحظت كذلك احترام الناس لبعضهم، فالصغير يحترم الكبير والمرؤوس يحترم الرئيس والمرأة تحترم الرجل.. وكنت قد رأيت في السعودية كيف يتصرف الإندونيسيون في المسجد.. فكان إذا مر من أمامك تجده يثني ركبتيه ويدلي يده التي من جهتك صوب الأرض حتى يمر من أمامك.. وفي إندونيسيا رأيت من يريد ان يسلم شخص أكبر منه أو رئيسه شيئاً فإنه لا يقترب منه او يسلمه الشئ وهو واقف، بل يبرك على ركبتيه وعلى مسافة منه ثم يناوله إياه ماداً يديه إلى الأمام بالشئ.. كذلك تحترم المرأة الرجل احتراماً شديداً..

Indonesia011.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي ورضا (الإندونيسي من أصل حضرمي) أمام أحد البيوت، ولاحظوا الأشجار والشجيرات وكثافة الغطاء النباتي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #221
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-03-2014, 04:55 PM
Parent: #220


الحلقة 172

نواصل ...

حكايات عن الإندونيسيين (4)

زرت محمد حامد في غرفته بالفندق الذي يقيم فيه منذ شهور عدة قاربت العشرة.. ومعه فتاتان اندونيسيتان، إحداهما كانت تعمل خادمة في الطائف! وتعرف قليلاً من اللغة العربية.. وأصبحت مترجمتي ومرافقتي.. بسبب ذلك ضاعف الفندق أجرة الغرفة- على ما أذكر كان مائة دولار امريكي- لأن من لوائحه انه اذا زار نزيل الغرفة ضيف ليلاً فيحسب نزيل إضافي، ولم أكن أدفع أجرة الفندق بل من يدفعها هو مكتب عبد القادر العطاس، وهو من نبهني الى هذا الأمر ولم ينبهني موظفو الفندق.. بل كانت سرياتي- وهذا هو إسمها- تسلم ملابسها بما فيها الشرابات لقسم الغسيل الجاف في الفندق وأكيد الفاتورة على حساب الغرفة، ثم بدأت تحضر أطفال أحد معارفها وتنزل معهم الى المسبح وتطلب لهم المرطبات على حساب الغرفة.. كانت شبقة غير لبقة.. تتحدث بالهاتف طوال الليل والنهار.. لا تنام.. يرن الهاتف فأسبقها لرفع السماعة فأجد أحدهم يسأل عنها.. فأقول له هذه ليست غرفتها.. ولكي لا يزعجني رنين الهاتف طوال اليوم غافلتها وأنزلت الهاتف الى الأرض ووضعت فوقه المخدة حتى يكتم صوته فلا تسمعه..

طردتها، واستغنيت عن خدماتها- التي لم أكن أدفع لها راتباً- بل كانت شغاله ب(بطنها).. وذات يوم اتصلت عليّ من استقبال الفندق وقالت انها آتية من البلد.. وماذا تريدين؟ أفهمتني ألا مكان تذهب إليه الآن.. سمحت لها بالصعود.. وعندما غادرت شعرت بأنها عبثت بشئ داخل دولاب ا لملابس، فأسرعت أفتح محفظتي لأجد مائتي دولار قد اختفت، فلحقت بها في الممر وقبضت عليها وجرجرتها للغرفة تحت تهديد أنني سأبلغ أمن الفندق إن لم ترجع للغرفة.. وفي الغرفة فتشتها فأخرجت المال المسروق فأخليت سبيلها..

ذات مساء أحسست بالوحدة فخرجت أتمشى في نفس الشارع الذي به الفندق، وكان الوقت قبيل منتصف الليل، فرأيت رجل وإمرأة يجلسان على حافة حائط لسور مبنى.. فما إن رأتني المرأة حتى قامت من مكانها واتحهت نحوي وبدأت تتحدث معي بلغة إنجليزية لا بأس بها، وفهمت أن الرجل كان يؤانسها في وقت فراغها حتى تجد عملاً.. لذلك ما إن قامت ولحقت بي حتى غادر هو المكان.. فطلبت مني أن تذهب معي الى الفندق حيث أقيم.. فاعتذرت لها بأن هناك من يقيم معي.. فقالت نذهب لفندق آخر.. فاعتذرت أيضاً، وما زلت أسير في الشارع وهي تسير معي وتلح عليّ.. وعندما عجزت عن إغوائي قالت لي أنها تجيد عمل المساج، فطلبت أن تعمل لي مساج.. أين؟ قالت على جسر المشاة ذاك.. فصعدنا عبر السلم إلى جسر المشاة الذي لم يعبره أحد في تلك الساعة المتأخرة من الليل، وجلسنا ووجوهنا الى الشارع.. فأخرجت من حقيبتها زجاجة صغيرة بها زيت يشبه الكافور او الفكس- نفس الرائحة التي كانت تفوح من الإندونيسيات اللائي يصلن من اندونيسيا ونستقبلهن في مطار جدة- ثم رفعت قميصي من على ظهري ودهنت ظهري بالزيت ثم أخرجت قطعة عملة معدنية وصارت تخرش بها جلد ظهري لكي يتخلل الزيت الى داخل الجلد.. ثم علقت على قوة تحملي لهذه العملية وقالت أن القليل من الناس من يتحملون هكذا ألم..

ويبدو أن حكاية المساج تلك كانت حجة لكي تصل الى مبتغاها الذي لم تصل إلا إلى قسم منه.. فقد التقمته بعد مقاومة مني شديدة بدأت تنهار بإلحاحها بالكلام وإصرارها العملي.. وثم ختمت بتعليقها: يور كوك إز فيري بيق!

Indonesia015.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي لا أذكر إن كانت في جاكرتا او في مدينة سوكابومي، وغالباً تكون في الأخيرة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #222
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-04-2014, 06:41 PM
Parent: #221


الحلقة 173

نواصل ...

حكايات عن الإندونيسيين (4)

على شاطئ البحر في جاكرتا هنالك حديقة جميلة تسمى أنجول Ancol ، ويبدو أنها طبيعية لم يتدخل فيها الإنسان- في ذلك الوقت- أما الآن فيبدو أنها تغيرت كثيراً وأدخلت فيها الملاهي والألعاب.. فقد بحثت عن صور لها في النت فرأيت تغيراً كبيراً حدث لها، واخترت صورة لعرضها هنا وسبب اختياري لهذه الصورة أنها تشبه تلك الأيام الغابرة (1986م)،

Ancol.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وبالفعل وجدت صورة لي في هذا المكان تماماً، أدرجها هنا..

Indonesia-Ancol.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أما بقية الصور فلا تمت لتلك الحقبة بصلة.. فقد كانت مليئة بأشجار جوز الهند المتدلية بعضها إلى مياه البحر، وعلى حافة الشاطئ تلك السجادة الرملية الناعمة.. والناس يجلسون او يلعبون، وهي مكان جميل لعشاق الطبيعة وعشاق البحر في آن واحد..
هناك حديقة مشهورة عالمياً- ولكن لم أزرها- وهي حديقة تمن ميني Taman Mini حيث زرعوا فيها كل أشجار ونباتات العالم، وهي تجربة نادرة عالمياً..

في قلب جاكرتا يوجد نصب تذكاري للإستقلال عبارة عن مسلة تشبه المسلة المصرية وتسمى موناس Monas.. وفي هذه المنطقة يوجد سوق شعبي به منتجات رخيصة الثمن، وبه مطاعم تقدم الأكلات الإندونيسية، ولاحظت أن بعضها ليس له مقاعد للزبائن، حيث يأخذ الزبون طعامه إلى حيث يريد، وكانوا يضعون الأرز وقطعة الدجاج في ورقة بنية سميكة مغلفة بالشمع، ويلفونها ويربطونها بمطاط.. والشمع لا يسمح بتسرب الزيت او السوائل، وهي وسيلة سهلة ورخيصة وصحية.. وليس بعيداً عن ساحة موناس تلك مسجد الإستقلال، وهو أكبر مسجد في إندونيسيا..

دعاني عبد القادر الى السينما، فدخلنا ثلاثتنا انا وهو وصديقه الذي يعمل معه في مكتبه، وكان الفيلم أجنبي، لا أذكر إن كان ياباني أو غربي او كاراتيه.. لكنني أذكر أنني رأيت فيلماً إندونيسياً لا أدري إن كان في السينما او في التلفزيون، وكان رائعاً، فالقصة جميلة والإخراج متقن، وهو يعكس طبيعة إندونيسيا ذات الكثافة النباتية والشجرية الواضحة.. وحتى التمثيل كان مجوداً.. وهناك لقطة لم أنساها أبداً؛ حيث كانت الأستاذة تحفّظ التلاميذ قصار السور من القرآن الكريم، فبدأ التلاميذ يقرأون معاً سورة قصيرة والمدرسة تقرأ معهم في نفس الآن، وفي نهاية السورة أخطأ جميع التلاميذ في آية إلا تلميذ واحد صغير، هو والأستاذة، فقرب المصور وجه التلميذ هذا ثم ركز التصوير على فمه إلى أن أكمل الآية.. ويذكرني هذا أن كثير من اللقاءات الجماهيرية أو احتفالات الإندونيسيين تبدأ بالقرآن الكريم الذي كثيراً ما تتلو آياته فتاة..

وما رأيت أجمل من أصوات الإندونيسيين في تلاوة القرآن سواء كانوا بنات أو أولاد، وطبعاً يقرأونه بلسان عربي سليم، وقد لا يستطيع أحدهم أن يتكلم باللغة العربية ولو جملة واحدة.. فقط الذين يدرسون في معاهد للغة العربية يتكلمون العربية الفصحى، ولكن تجد بعضهم او بعضهن يتكلمون الدارجة السعودية او الخليجية فإذا سألتهم أين تعلمت العربية قالوا من معهد اللغة العربية، وهم ليسوا كذلك، فقد تعلموها في السعودية او الخليج، لأن الذي تعلمها في المعهد لا ينطقها إلا فصحى.. وقد ذكرني هذا سائق جاء ليعمل مع كفيلي في الطائف، وكان يتكلم العربية ولكن اللهجة السعودية فسألته أين تعلمها فقال في معهد اللغة العربية، ولكن فيما بعد صرح لي بأنه تعلمها هنا في السعودية عندما كان يعمل بالرياض، وهو لا يريد أن يقول انه اشتغل من قبل في السعودية لأن المواطنين لا يحبذون من سبق له العمل في السعودية ويعتقدون أنه أصبح (تفتيحه) ولا يمكن ترويضه كما يريدون..

Indonesia010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة اعلاه لشخصي ومعي طفلة، ولا أذكر من هي، لكن ربما كانت في مدينة سوكابومي بنت أحد الذين زرناهم هناك..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #223
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-05-2014, 01:26 PM
Parent: #222


الحلقة 174

نواصل ...

رمضان في إندونيسيا

اقترب رمضان، وعرفنا أنهم يكملون شبعان ثلاثين يوماً وليس مثلنا في المنطقة العربية نتحرى رؤية هلال رمضان.. ونفس الشئ بالنسبة لهلال شوال، لا يتحرونه بل يكملون رمضان ثلاثون يوما وعلى ما أذكر كان اليوم الذي يسبق رمضان يعطى إجازة في إندونيسيا .. ثم دخل رمضان، وكان الجو حاراً لكنه رطباً.. دعاني عبد القادر للإفطار في مطعم فندق كارتيكا بلازا أنا وصديقه الذي يعمل معه في مكتبه.. وكتقليد لبعض المطاعم الأوروبية التي تجعل بعض الفرق الموسيقية تعزف أثناء تناول الزبائن للطعام؛ قام مطعم فندق كارتيكا بلازا بإحضار فرقة تنشد أناشيد دينية أثناء إفطار الصائمين، صف من البنات يقفن في مواجهة طاولات المطعم وينشدن أناشيد دينية باللغة الإندونيسية.. لم يعجبني ذلك- ليس الأناشيد الدينية بحد ذاتها، بل الفكرة من أساساها- فالساعة ساعة إفطار، ولحظة الإفطار واحدة للزبائن وللمنشدين.. فلابد أن يكون بعض هؤلاء الفتيات صائمات.. ومعناها أنهن لن يفطرن إلا بعد أن يؤدين وصلتهن.. بينما ينظرن إلى الزبائن وهم يفطرون..

في رمضان تمتلئ المساجد عن آخرها في صلاة التراويح، نصف المسجد الأمامي للرجال ونصفه الخلفي للنساء، يحرص الإندونيسيون والإندونيسيات صغاراً وكباراً على صلاة التراويح في المسجد، خاصة مسجد الإستقلال أكبر مساجد إندونيسيا..

IstiqlalMosque.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة ملطوشة من القوقل لمسجد الإستقلال..

كان عبد الرحمن العطاس كريماً مع موظفيه وعماله والسائقين والخادمات الذين يجهزهم للسفر للسعودية، وفي رمضان تحفل مائدته بكل ما لذ وطاب، وتحفل بكل الناس الذين معه والذين يدعوهم الى مائدته، وقد دعاني لمائدته الرمضانية أكثر من مرة.. وبعد الصلاة طلب مني أن أدعو ليؤمنوا هم- بذات الطريقة التي عندنا في السودان- فاعتذرت لكنه أصر، وكنت قد حفظت دعاء أبان دراستي بالمغرب حيث طبعه أصدقائي في مسجد الحي الجامعي ووزعوا نسخه، فحفظته منذ ذلك الوقت، فدعوت به وأضفت إليه القليل، وأبعدت شبح الحرج إذ أتلعثم في مثل هذه المواقف.. ولم يتوقف كرم عبد الرحمن العطاس عند مائدته الرمضانية بل طلب مني أن اتصل من تلفونه على اهلي..

وبما أن السودان كان خارج الخدمة الهاتفية (مؤقتاً) فقد اتصلت على خالي الصادق حسن الصادق في امريكا.. وبعد السلام قال لي البركة فيكم.. قلت له: في منو؟ قال لي: حاج بليل.. فأحس بأنني تفاجأت بالنبأ، فقال لي: انت مش في السعودية؟ قلت له بل أنا في إندونيسيا.. لقد توفي عمي حاج بليل شقيق الوالد في رمضان من العام 1406هـ - 1986م- ولم أعرف الخبر إلا عن طريق امريكا، حيث كان الإتصال بالسودان مستحيل.. رحم الله العم حاج بليل وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان.. كتمت الحزن في قلبي ولم استطع التنفيس إلا حينما رجعت الى غرفتي بفندق كارتيكا بلازا، وفي النوم.. حيث بكيت وأنا نائم إلى أن أيقظتني مترجمتي التي سمعت نشيجي، وبينما أنا أستيقظ سمعت بكائي الذي خرج من لفائف الحلم الى واقع سمعته هي وسمعته انا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #224
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-06-2014, 01:24 PM
Parent: #223


الحلقة 175

نواصل ...

سوكابومي

منزل أسرة عبد القادر العطاس في مدينة سوكابومي حيث تقيم والدته، اما والده فهو متوفى، ومنزل الأسرة هو التجمع الأول للخادمات المسافرات للسعودية وتدريبهن، وقد طلب مني عبد القادر زيارة سوكابومي، وأرسل معي أحد موظفي المكتب وهو رضا..

توجهنا صوب موقف البصات حيث استقلينا بص متجه لسوكابومي التي تقع في نفس جزيرة جاوا، وكان الطريق رائع جدا جدا.. جبال وغابات ووديان وأنهار لم أر أجمل من تلك المناظر في حياتي.. نسير في أرض منبسطة فنعبر جسر فنرى في الأسفل وعلى بعد سحيق نهر يجري، ثم ننظر يميناً فنرى جبلاً أخضراً، والخضرة تسد الآفاق منذ تحركنا من جاكرتا وحتى وصلنا الى سوكابومي.. في الطريق كان يتوقف البص لينزل ركاب ويأتي الباعة المتجولون ببضاعتهم ومنها فواكه استوائية مقطعة الى قطع صغيرة وموضوعة في أكاس نايلون صغيرة بأسعار زهيدة..

سوكابومي- التي وصلناها بعد رحلة بالبص استغرقت حوالى اربع ساعات- مدينة صغيرة وهادئة وخضراء كبقية مدن وقرى اندونيسيا.. وصلنا الى بيت العطاس.. منزل فخم وكبير، قابلنا والدة عبد القادر، إمرأة فارعة الطول وممتلئة قليلاً، يمنية، لكنها تكلمت معنا باللغة الإندونيسية، ثم بعد قليل احست بأنني لم استوعب كلامها فاعتذرت وتكلمت بالعربية بلهجة أهل اليمن.. ثم أكرمتنا أيما إكرام، ورأينا الخادمات اللائي يتدربن للعمل في السعودية حيث خصص لهن ملحق في تلك الدار الكبيرة الواسعة ذات الحديقة الغناء حولها..

استضافني بمنزله بامحمود الموظف في مكتب عبد القادر العطاس، وأذكر انني بت معه ليلة أو ليلتين، وهم في هذه الناحية كالسودانيين يستضيفون الناس في بيوتهم بأريحية وبكرم.. وكان له أبناء وبنات أكبرهم فتاة في حوالي الرابعة عشر او ا الخامسة عشر.. وقد سألني لم لا تكون لك صديقة (وربما قال خطيبة) إندونيسية، فقلت له معي واحدة فقال لي أقصد خطيبة تتزوجها او شئ من هذا القبيل، وقد أحسست أنه يلمح لي لخطبة إبنته.. ولم أكن وقتها مهيئاً لمثل هكذا مشروع.. وقد لاحظت ان بناته يسلمن عليّ ويصافحنني ويتكلمن معي ولكن زوجته لم تظهر لي رغم بقائي في البيت، وعلى ما أذكر انها سلمت عليّ فقط حين وصلت ولم تصافحني..

ذهبنا ذات يوم الى متنزه جميل وكبير فيه حدائق واسعة ونجيلة على مد البصر وأشجار وألعاب ووجدنا أسر كثيرة تتنزه فيه وتلعب ألعاب جماعية وتعمل مسابقات، وقد رأيت شاباً إندونيسياً يلبس تي شيرت عليه نجمة داؤود من الأمام وعلم إسرائيل من الخلف.. فصعقت، ولكن يبدو أن المنظر كان عادياً بالنسبة للآخرين.. ويبدو أن اسرائيل تنشط في تلك الأماكن، لكن في السنوات الأخيرة الإعلام فضحها فاستعدت عليها شعوب حتى تلك الدول البعيدة مثل إندونيسيا..

إليكم بعض الصور التي توضح الحديقة التي ذكرتها آنفاً، ففي الصورة الأولى شخصي في أحد جوانب المتنزه،

Indonesia005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية شخصي ورضا في جانب آخر من المتنزه،

Indonesia006.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثالثة لشخصي ورضا ويبدو مجموعة من الأسر الإندونيسية في المتنزه،

Indonesia007.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة لشخصي جالس فوق مجسم لنافورة بجانب تمثال لبوذا ومكتوب على المجسم سيلابنتانا، وربما كان هذا اسم المتنزه..

Indonesia013.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الأخيرة لشخصي جالس أمام كافتيريا المنتزه..

Indonesia1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #225
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-09-2014, 05:06 PM
Parent: #224


الحلقة 176

نواصل ...

بونجاك

دعاني عبد القادر العطاس لرحلة الى (بونجاك) وهي منطقة جبيلة، خارج العاصمة جاكرتا الى الجنوب منها وعلى بعد مائة كليو متر.. بسيارة عبد القادر ركبنا ومعنا صديقه وزميله في المكتب، وسعوديين آخرين أصحاب مكاتب استقدام دعاهما أيضا عبد القادر لتلك الرحلة، وفي الطريق رأيت لأول مرة نقاط جباية رسوم العبور للطرق السريعة، ثم بعد ذلك بدأ الطريق يرتفع في طريق جبلي، ثم أخذ الطريق يلف حول الجبل بطريقة حلزونية حيث ان الجبل عالٍ جداً ولابد للصعود الى قمته من الدوران حوله في ممر على حافة هاويته.. وكانت المناظر خلابة حيث مزارع الشاي على جانب الجبل، ثم في منتصف الطريق تقريباً توقفنا في مقهى كبير في شكل كوخ حيث شربنا الشاي الأخضر الطازج، وأقصد بكلمة طازج هنا أنه مقطوف من المزرعة للتو، ويصب في كأس كبيرة وبدون سكر، لم استسغه ولكن التجربة كانت مثيرة، شاي من شجرة الشاي من المزرعة القريبة مباشرة الى كأسك.. كانت الجلسة في حد ذاتها رائعة في ذلك الكوخ الكبير وحولك الخضرة في كل مكان وانت في مكان عالٍ..

ثم واصلنا الطريق الى قمة الجبل حيث تتناثر فيلل صغيرة وجميلة، وأحسسنا ببرودة الجو بالمقارنة مع جاكرتا، وكان المكان هادئاً ويبدو أنه فقط مصيف، إذ أن كل الفيلل الموجودة تستأجر لعطلات نهاية الأسبوع والعطلات الأخرى، وكان صاحبنا عبد القادر قد استأجر لنا إحدى هذه الفلل.. دخلنا فيها وتوجه كل واحد الى غرفة، ثم غيرنا ملابسنا وخرجنا نتفرج على جمال الطبيعة في تلك البقعة العالية من جزيرة جاوا.. ورغم هذه الخضرة والزهور البرية والزهور التي تزين الفلل فقد رأيت أحدهم يحمل سلة عليها زهور وورود للبيع (مرفق صورة تضمه وشخصي).. أين نحن من هذه الثقافة..

طلب عبد القادر من حارس الفيلا أن يشتري لهم خروفاً، وذبح الخروف وأعدت عدة الشواء، وصاروا يقطعون من الذبيحة قطعاً صغيرة ثم يضعونها في سيخة ويشوونها ، ثم نغمس الشواء في تلك الصلصة الإندونيسية الرائعة التي بها ما يشبه الفول السوداني المدروش لونا ًوطعماً.. طعمنا من هذه الوجبة اللذيذة، وشربنا المياه الغازيه والمعدنية وبعضهم شرب اشياء أخرى، وكانت خدمة جلب الفتيات متوفرة ايضاً في هذه المنطقة- إذا لم تكن قد أحضرت مؤنتك معك من جاكرتا (من مؤسسات متخصصة) كما فعل مضيفنا لبعض ضيوفه، ومنهم الإفريقي الذي لم تتعود عليه صغيرات الجرم من سكان جنوب شرق آسيا مما يستدعي مراجعتها للطبيب- وخدمة ركوب الأحصنة كذلك- كما تشاهدون في صورة بائع الزهور صبي يركب حصاناً ليؤجره للمصطافين..

Indonesia016.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ومتوفر أيضاً الهواء النقي والهدوء الشديد.. كما يبدو من الصورة الثانية لشخصي في حديقة الفيلا..

Indonesia012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #226
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-10-2014, 02:35 PM
Parent: #225


الحلقة 177

نواصل ...

صراع الديكه.. قصدي صراع الدجاج

مع صديقي رضا- من موظفي المكتب- زرت أقرباء لهم حضارم ولكنهم شيعة يسكنون أحد أحياء جاكرتا شبه الشعبية.. وكان منزلهم بسيطاً ولكنه كمعظم بيوت جاكرتا.. مبنى من طابق واحد وله حوش صغير به من الشجيرات والأشجار والزهور ما يكفي حديقة عامة في السودان..

كنت أتردد دائماً على صديقي السوداني في غرفته بالفندق، وقد وجدت معهم- هو ومترجمته- فتاة من أصل حضرمي هي نور ليا محمد علي، وقد كانت البديل لمترجمتي السابقة سرياتي التي سرقتني فطردتها.. لم تقتنع سرياتي بذلك فصارت تلاحقني أينما حللت.. وذات يوم وانا ونور نزلنا من عند صديقنا السوداني فإذا بسرياتي تنتظر في ردهة الفندق وما إن رأتنا حتى هرولت نحونا.. ولم نستطع الفكاك منها إلى أن حاشها عنا بيديه صديقي السوداني فجرينا إلى التاكسي أنا ونور وركبنا وطلبنا من سائق التاكسي التحرك بسرعة إذ أن سرياتي كادت أن تغلب صديقنا السوداني وتنفلت منه . ثم بعد مسافة أنزلنا نور لتأخذ تاكسي آخر لأن أتجاهها مختلف.. وقد علمنا من موظفي استقبال الفندق انها ظلت جالسة تنتظرنا طوال الليل..

ثم انتقلت من الفندق ذو الخمسة نجوم الى فندق صغير حتى لا أثقل الفاتورة على صاحب المكتب عبد القادر سيما وأن سرياتي قد ساعدت على ارتفاع تلك الفاتورة – كما اسلفت- حيث يضاعفون ايجار الغرفة إذا دخل لك زائر في الليل وبقي معك.. انتقلت الى فندق لا بأس به ولكنه قليل التكاليف ولا أذكر كم كان الإيجار والذي يدفعه المكتب ايضاً.. وذات مرة كنا في جولة في ساحة موناس انا ومترجمتي نور ليا، وعدنا في الليل فوجدنا سرياتي تنتظرنا في ردهة الفندق، ولا أدري كيف عرفت مخبأنا هنا! وأخبرنا موظف الإستقبال انها جالسة منذ النهار.. ويبدو أنها لم تقتنع حتى الآن بأنها مفصولة.. فتكلمت معي كثيراً وسألتني عن نور ليا وقالت لي هل هذه زوجك؟ قلت لها نعم لكي تفارقني، ولكنها لم تفعل وأخذت تلفون إستقبال الفندق الذي يعمل بالعملة وطلبت مني ان ادخل العملة فأدخلت عملة ثم بدأت تتحدث، وطلبت مني أن أدخل عملة اخرى، ففعلت .. ولما استمرت في الكلام وانا ادفع ولا ادري مع من تتكلم وأحسست انها تريد ان تستنزفني والسلام تركتها وصعدت الى غرفتي..

في الصباح سمعت نقراً على باب غرفتي ففتحت فوجدتها سرياتي وقد رمت الى داخل غرفتي ورقة علمت انها فاتورة الفندق حيث بقيت بالإستقبال حتى الصباح- لا أدري من أين تستمد كل هذا الجلد وقوة التحمل لتجلس بالساعات، بل بالأيام وهي تنتظر دون راحة او نوم أو حتى إتكاءة- ثم قررت ان تنزل في غرفة، فأرادت أن ادفع لها فاتورة الغرفة (غصباً عني) فألقت بالفاتورة الى داخل غرفتي وهربت، فأخذت الفاتورة والقيت بها الى خارج الغرفة وأقفلت الباب واتصلت بالإستقبال واخبرتهم بما حدث وأنني لست مسؤولاً عن فاتورة تلك الفتاة.. فأفادني بأن أنسى الموضوع ولن يسألوني عن تلك الفاتورة..

بعد مدة من تلك الليلة قابلتها ومعها رجل كهل حضرمي- كنت أعرفه معرفة سطحية عبر صديقي السوداني- يبدو أنها اقتنعنت به بديلاً عني.. وسلمت عليّ وسألتني عن حالي ثم راح كل منا إلى حال سبيله.. وتذكرت الآن أنها كانت قد سافرت الى قريتها بعد ان طردتها، وحين عودتها من القرية أحضرت لي قميصاً إندونيسياً تقليدياً كهدية- أو ربما رشوة- ولكن طبعاً مقاسات الإندونيسيين لا يمكن أن تناسب أطوالاً إفريقية مثل طولي.. فكان صغيراً عليّ لذلك أهديته لأحدهم هناك..

الصورة المرفقة لشخصي وصديقي رضا وأحد موظفي المكتب- ربما كان السائق- ولا أذكر إسمه، وربما الصورة كانت في سوكابومي داخل منزل آل العطاس ..

Indonesia017.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #227
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-11-2014, 03:46 PM
Parent: #226


الحلقة 178

نواصل ...

Nelly Sallon

ذات يوم أرادت نور ليا ان تزور بيتها الذي يقع في حي (سُنتر) وهو حي شبه شعبي، فاستقلينا تاكسي وتوجهنا الى هناك، وعندما اقترب التاكسي من البيت رأت بن خالها واقفاً أمام بيتهم.. فصاحت في سائق التاكسي ان يواصل ولا يتوقف امام البيت، ثم قصرت من قامتها واندفست في المقعد لكي لا تظهر ويراها بن خالها هذا وهي معي.. وبعد مسافة من البيت نزلت ورجعت للبيت وواصلت انا بالتاكسي.. لقد دل ما حدث على انها تخاف من إبن خالها هذا الذي يعيش معهم في البيت.. وقد فهمت أن والدها متوفى وأمها متزوجة من رجل آخر وتعيش هي وزوجها معها في البيت نفسه، وقد جعلت صالة بيتها صالوناً للحلاقة والكوافير (وهي شئ واحد في اندونيسيا) حيث يرتاد صالونها الجنسين لقص الشعر او تصفيفه، ولديها شهادة من معهد متخصص في هذا المجال..

في يوم آخر دعتني للذهاب معها الى البيت، فقلت لها وماذا عن إبن خالك، فقالت لا يهمني فقد قصرت أيامك معنا في اندونيسيا- وكان قد اقترب موعد عودتي الى السعودية- فذهبت معها الى بيتهم، ورأيت لوحة بإسم الصالون- Nelly Salon أعلى الباب الخارجي، وبمجرد الولوج من الباب الخارجي تجد نفسك في الصالة التي أضحت صالون للحلاقة والكوافير وبها ما يشبه الكنبة التي يفحص فيها الأطباء مرضاهم، حيث ينام الزبون، وعند الطرف الذي يضع فيه رأسه هنالك وعاء لغسل الشعر بالشامبو والبلسم، ثم بقية أجهزة التجفيف وأدوات الحلاقة والكوافير.. ثم هناك حاجز خشبي يفصل الصالون عن بقية البيت الذي يتكون من غرفة داخلية خلف الحاجز الخشبي حيث تقيم امها وزوج امها، ثم غرفتها هي ثم غرفة مستأجرة من قبل صديقتها ويطل بابها على الصالة/ الصالون، ولا أذكر إن كان لإبن خالها غرفة منفصلة ام ينام في الصالة..

وقد وجدت الجميع موجودين وعرفتني بهم بمن فيهم إبن خالها الذي خافت منه في ذلك اليوم.. وقد كنت زبوناً استثنائياً في صالونها في ذلك اليوم، حيث أرقدتني في تلك الكنبة المذكورة وقامت بقص شعري بعد أن غسلته بالبلسم، وكانت طريقة القص غريبة لم أعهدها عند الحلاقين في بلادي او في السعودية، حيث تقوم بلم خصلات الشعر بين أصابعها السبابة والوسطى ثم تعقف الاصبعين الى اعلى ثم تقوم بقص الشعر الزائد فوق الإصبعين، وهكذا تلتقط خصلة إثر خصلة حتى تساوي الشعر كله، ويبدو أن هذه الطريقة هي التي درستها في المعهد، ويبدو أنها ناجحة، حيث فيما بعد شاهدني أخ سعودي قدم الى إندونيسيا لنفس الغرض الذي جئت من أجله وهو استقدام العمالة، فسألني اين قصصت شعري.. واستغرب عندما قلت له انني قصصته هنا في اندونيسيا حيث قال ان مثل هكذا حلاقة لم يرها هنا ابداً وهو قد مكث شهور..

وبعد ان أكملت نور ليا حلاقة شعر رأسي- مع حوافز أخرى خاصة بزبون استثنائي- دخلت لتستحم، ثم خرجت من الحمام وهي تضع فوطة (بشكير) الحمام حول جسدها، وبما أن عرض البشكير صغير فقد كانت حافته العليا فوق صدرها تماماً وحافته السفلى بالكاد تستر تضاريس جسدها الوسطى.. والغريب في الأمر أن إبن خالتها كان واقفاً يقرأ في مجلة وقد أسند ظهره لجدار الصالة ووجهه يقابل غرفة نور ليا.. فرفع رأسه عندما خرجت من الحمام ودخلت غرفتها المجاورة للحمام ووقع نظره عليها لمدة ثانية.. ثم عاد ينظر في كتابه وكأنه لم ير شيئاً غير عادي.. وهو يعلم أنني موجود!

ثم خرجت من غرفتها وهي تلف فوطة رجالية كالتي يضعها الهنود واليمنيين والمكاويين والإندونيسيين حول وسطهم، وهي لم تدخل فيها، بل لفتها حول وسطها (وهي مطبوقه)، ثم جاءت لتجلس بجانبي في كنبةخلف الحاجز الخشبي وأمام غرفة والدتها.. وإنداحت أطراف الفوطة يمنة ويسرة، وكذلك يدي.. ثم أحسست بأن ثمة شئ وراء ظهري، فالتفت فإذا أمها خلفنا مباشرة وقد تخبأت وراء ستارة باب غرفتها وهي تسترق النظر إلينا فارتبكت وأحسست بالحرج، ثم ابتعدت امها من خلف الستارة الى داخل غرفتها، فأخبرت نور ليا بما رأيت فقالت لي: (Mama hati baik) أي (إن أمي طيبة).. يعني ما تشغلش بالك!

ثم ونحن في جلستنا تلك سمعنا ضحكات مجلجلة تصدر من صديقتها التي تستأجر غرفة منها، يشاركها الضحكات شاب معها، ثم رأيت أمام الحاجز الخشبي- أي في الصالة/ الصالون- طرفاً منهما.. أقدامهما وجزء من ساقيهما، حيث وضُعت ساقين وقدمين فوق ساقين وقدمين في نفس الإتجاه! وفي هذه الأثناء خرج والد الفتاة الذي كان في زيارة لها، وحتماً رأي ما يحدث لأنه ليس بينهم وبينه حاجز كالذي بيننا، ولم تسكت ضحكاتهما ولم تزل الساقين والقدمين كما هما فوق ساقيه وقدميه.. فعلقت لنور ليا على ذلك وأن أباها لا يمنعها من ذلك او هي لا تستحي من والدها فقالت لي نور ليا: ما دامت تعطيه فلوس – أي إبنته- فليس هناك مشكلة!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #228
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-12-2014, 02:16 PM
Parent: #227


الحلقة 179

نواصل ...

وداعاً بلاد الجمال إندونيسيا..

قبل أن أودع اندونيسيا أضيف صورة لم استطع إضافتها في الحلقة 158 ، وإليكموها مع ما كتبته عنها:

(كما حكى لي العم مختار زيارة وفد السودان بقيادة الزعيم الراحل اسماعيل الأزهري الى إندونيسيا لحضور مؤتمر باندونق، وقد زار الوفد نادي الإرشاد بجاكرتا، وقد أراني العم مختار صورا لأبيه وعمه مع وفد الحكومة السودانية في مؤتمر باندونق، ويظهر في الصورة مختار وهو ما زال صبيا في ذاك العام 1955 والصورة ملتقطة أمام نادي الإرشاد بجاكرتا، وتضم المرحوم إسماعيل الأزهري وحسن عوض الله وبقية أعضاء وفد السودان (برجاء من يتعرف على الآخرين في الصورة أن يخبرنا بأسمائهم لنضيفها هنا) بالإضافة الى محمد نور والد محدثي مختار الأنصاري، وبعضاً من أطفال أسرته بمن فيهم محدثي مختار الذي كان يومها طفلاً.)

bandung.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


انتهت صلاحية تأشيرتي في إندونيسيا والتي كانت لمدة شهر، فأرسل مكتب عبد القادر جوازي لتمديد التأشيرة لمدة اسبوعين آخرين.. وهذا ذكرني الآن يوم رأيت ضابط شرطة في مكتب عبد القادر فسألت عن سبب زيارته للمكتب فقالوا إنه جاء ليأخذ المعلوم.. ليسهل لهم أمورهم مع الشرطة- وربما مع الجوازات- وهذا معتاد على ما يبدو في تلك البلاد..

في هذين الأسبوعين تعلمت اللغة الإندونيسية، حيث أن نور ليا لا تعرف الإنجليزية ولا العربية- لغة أجدادها- فاضطررت الى التخاطب معها بلغتها ولا أدري كيف تعلمتها (حتى أنها كانت تراسلني في السعودية بعد أن رجعت، وكنت أقرأ رسائلها وأفهمها)، وفي مرة ونحن نتعشى في مطعم انا وصديقي السوداني ونور ليا وصديقتها مر علينا بائع كتب فاشتريت منه (Kamos) أي قاموس للغة الإندونيسية مترجم الى اللغة الإنجليزية، فوجدت كثير جداً من المفردات العربية تستخدم في اللغة الإندونيسية ومنها كلمة قاموس نفسها، ومعظم كلمات حرف z وقد علمت أنهم كانوا يكتبون لغتهم بالحرف العربي- كما كان في تركيا سابقاً قبل أن يغيرها اتاتورك الى الحرف اللاتيني- وكما هو الآن في الباكستان حيث يكتبون بالحرف العربي..

وما زلت اتخاطب باللغة الإندونيسية مع كثير من أهل تلك البلاد.. حتى ان بعضهم يسألني من أين أنا في إندونيسيا فأقول لهم من سولاويسي وهي بلد سكانها يميلون للسمرة، ولكن إحدى مشرفات الخادمات في مكتب عبد القادر قالت لي قل أنك من (إريان جايا) لأنهم يشبهون الأفارقة، وبالفعل فسكان تلك الجزيرة يشبهون الأفارقة حتى في عاداتهم وسحنتهم وطبولهم وزيهم..

مع اقتراب عيد الفطر ازدانت شوارع جاكرتا بالرايات واللوحات التي تهنئ المسملين بالعيد (Selamat hari raya aidolfitri) شوفوا متذكر العبارة لغاية الآن.. وهي نفس العبارة التي يهنئون بعضهم بعضاً بها.. ويسمون صلاة العيد (تكبيرت) ويعنون بذلك التكبير المعروف في يوم العيد، فلا يقولون ذاهبون لصلاة العيد بل يقولون ذاهبون لـ (تكبيرت)..

وبما أن المدة طالت في إندونيسيا دون أن تنقضي مهمتي فيها، ولكي لا أحمل عبد القادر مزيد من المصاريف في الفنادق اقترحت عليه أن اترك الفندق واسكن في المنزل المخصص للسائقين، فأعطوني غرفة خاصة فيه، وهو يقع في الشارع الذي يقع خلف المكتب، لذلك عادت نور ليا لمنزلها ولعملها، ولكنها كانت تأتيني في المكتب وأحياناً نلتقي عند صديقي السوداني.. وحدث نفس الذي حدث ليلة مغادرتي للمغرب بعد انتهاء الدراسة في العام 1978م حيث اصبت بالتهاب بكتيري حاد راجعت الدكتورة التي أعطتني مضاد حيوي قوي .. وربنا ستر.. انتبهوا يا شباب..

أزف وقت العودة الى السعودية، ولم أجد حجز مباشر بل عن طريق بانكوك، وتم عمل الحجز عن طريق مكتب عبد القادر، وأفادوني بأن هناك انتظار في الترانزيت بمطار بانكوك لساعة او ساعتين، وكان مالي قد نفد فطلبت من عبد القادر إمدادي بما يساعدني على الوصول الى السعودية فوعدني خيراً، ولكن يوم سفري لم يحضر للمكتب لسبب ما، ونسي أن يترك المبلغ في المكتب او يخبر موظفيه بعمل اللازم.. وساعة مغادرتي للشركة اتصلت نور ليا لتودعني- كانت قد جاءت الليلة التي قبلها لتودعني او ربما طلبت مني أن آتي لأودعها لا أذكر بالضبط- ولكن حينما اتصلت كانت تبكي بشدة وأنا أحاول ان اواسيها، وقد سمع موظفو وموظفات المكتب صوتها من السماعة وهي تبكي فضغطوا على زر الاسبيكر ليسمعوا بوضوح نهنهاتها وعبراتها وهي تصر على أن أمر عليها قبل مغادرتي الى المطار، ولكن كان الوقت يضيق حتى على إكمال المحادثة التلفونية مما اضطرني الى إغلاق الخط رغم بكائها..

وأوصلني موظفو المكتب الى المطار حيث استقليت الطائرة المتجهة الى بانكوك.. تاركاً خلفي جاكرتا وجاوا واندونيسيا وجمالها وجبالها وخضرتها وأنهارها وأمطارها وأصدقائي وذكريات بقيت في الذاكرة أكثر من ربع قرن.. قد يكون بعضها طمس، فإذا تذكرته لاحقاً فسأرجع وأكتبه بمشيئة الله.. وداعاً بلاد الجمال والطبيعة الخلابة والناس الهادئون الطيبون المسالمون..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #229
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-13-2014, 05:11 PM
Parent: #228



الحلقة 180

نواصل ...

تايلاند

انطلقت الطائرة صوب الشمال باتجاه الأراضي التايلندية ولا أدري كم قضينا من الوقت حتى وصلنا مطار بانكوك، ربما ساعتين او ثلاثة.. هبطت الطائرة ارض المطار ودخلنا الصالة واتضح ان الرحلة المواصلة الى جدة في اليوم التالي وليست الليلة.. وسُقط في يدي.. كيف أدخل تايلاند وليس عندي تأشيرة دخول إليها، ولو عندي تأشيرة فمن أين لي بالمال لأنزل في فندق.. وكيف أبقى في المطار لليوم التالي؟ وهل أبيت على الأرض أم في الكراسي غير الوثيرة؟

راجع موظف الجوازات سجل الدول لديه وتلك التي يتطلب مواطنوها تأشيرة دخول لتايلاند وتلك التي لا يتطلب مواطنوها تأشيرة.. وللمفاجأة فقد كان السودان بين تلك الدول الأخيرة.. مع أنه في ذاك الزمان البعيد (1986م) لم يكن يتردد على تلك البلاد سودانيون.. فرحت ولكن فرحة ناقصة.. كيف لي أن أدخل تايلاند وليس معي سوى قليل من المال؟ المهم ختم لي موظف الجوازات ختم الدخول لتايلاند.. فتجاوزت صالة الجوازات الى صالة المطار حيث توجهت نحو مكتب الخطوط لأؤكد حجزي ليوم الغد، ثم خرجت من صالة المطار الى الشارع فقصدني رجل وإمرأة يعرضان سيارتهما لتوصيلي الى بانكوك، وهي ليست سيارة أجرة أو تاكسي او شركة، وإنما يسترزقان منها، فقلت لهما إنني أملك فقط حوالي مائتا ريال سعودي، فإذا رغبا في توصيلي وسداد فاتورة الفندق وإعادتي في اليوم التالي مقابل كل ما أملك فسأذهب معهما.. وأذكر أنهما أثناء التحادث معي كانا ينطقان كلمة ريال (ليات) مع تضخيم اللام.. المهم وافقا على الصفقة وركبت معهما في المقعد الخلفي والزوج يقود السيارة وإمرأته بجانبه، وكان الطريق من المطار الذي يقع خارج بانكوك الى المدينة رائعاً ومخضراً بالمزارع خاصة مزارع الأرز، والأشجار الإستوائية خاصة جوز الهند، ولكن لاحظت ان كثافة الأشجار والغابات ليست كما في إندونيسيا، بل أقل كثافة.. ونوع البيوت تشبه تلك التي في اندونيسيا والتي تتكون من طابق واحد وسقوفها محدودبة.. وداخل مدينة بانكوك لاحظت كتابة اسماء باللغة العربية مثل (مصرف) و (مطعم)، على تلك المحلات أو على جدرانها.

أوصلني الزوج إلى فندق لا بأس به داخل العاصمة بانكوك، وفي مكتب استقبال الفندق عرضوا عليّ قائمة أسعار الغرف مكتوبة باللغة العربية.. يبدو أن العرب كُثر في هذه البلاد لدرجة أن يكتبوا لهم باللغة العربية.. المهم تفاهم سائق السيارة مع موظفات الإستقبال وأعطوني مفتاح الغرفة وقبل أن أصعد إليها قال لي السائق أنه سيأتيني غداً ليأخذني الى المطار، وطلب مني أن أعطيه المبلغ المتفق عليه! عجبت لطلبه، وشئ في داخلي نبهني إلى أن أرفض طلبه.. لأنه إذا لم يأتيني فكيف لي ان ادفع أجرة الفندق؟ وكيف لي أن أصل الى المطار؟ وإذا وصلني متأخر فسأفقد الرحلة وربما لا أجد حجزاً آخر وهذا يدخلني في دوامة لا نهاية لها.. فرفضت إعطائه المبلغ، فذهب.

قضيت الليل في غرفتي ولم أخرج منها إلا ظهر اليوم التالي حيث غادرتها وغادرت الفندق بعد أن جاءني السائق وأخذني الى مطار بانكوك فأعطيته كل المبلغ الذي بحوزتي ودخلت صالة المطار وعند صالة المغادرة طلبت مني الموظفة رسوم المغادرة! وأسقط في يدي مرة أخرى.. فابتسمت لها إبتسامة باهتة تشير إلى أنني في ورطة فردت بابتسامة صفراء متدربة عليها ولكنها خالية من المعنى.. أو بالأصح معناها ادفع! وكان الصف كله سعوديون، فنظرت للشاب الذي أمامي وكان قد سمع ما قالته الموظفة.. وبحياء طلبت منه سداد المبلغ فاستجاب ودفعه.. ولم يكن المبلغ سوى قيمة جريدة الشرق الأوسط التي تباع في مطار بانكوك! اي ربما كان ريالين او حتى خمس ريالات.. ولكن ربما كانت عائقاً لسفري من بانكوك الى السعودية.. ولو كنت اعلم ان هناك رسوم مغادرة لكنت فرضتها على سائق السيارة الذي أعطيته كل ما لدي من ريالات.. لقد كان هذا أحرج موقف في حياتي.. وربما كان حله لدى مدير هذه الموظفة إذا لم يدفع لي الشاب السعودي، او مدير المطار نفسه، لأن المبلغ ليس بذي بال عندهم ولكنه كذلك عندي.. لأنني ببساطة لا أملكه.

وعبرت من الجوازات الى داخل صالة المغادرة وعند باب الطائرة قابلت صديقي محمد نايف قريب كفيلي والذي كان يسكن بجوارنا في مدينة الطائف والذي كان يتردد كثيراً على بانكوك.. في ذلك الزمان كانت الرحلات من جدة فقط (هذا غير الرياض والدمام) الى بانكوك 9 رحلات اسبوعية على الخطوط السعودية (هذا غير التايلنديه والكاثي باسفيك والصينية والخليج والسنغافورية وغيرها)..

وفي باب الطائرة التابعة للخطوط السعودية منع مضيفو الطائرة بعض الشباب من إدخال علب البيرة معهم الى الطائرة، فما كان منهم إلا أن أفرغوها في جوفهم ثم ركبوا الطائرة التي اقلعت باتجاه الغرب نحو الجزيرة العربية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله....

Post: #230
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عبدالعزيز عثمان
Date: 03-14-2014, 06:27 AM
Parent: #229

اها ،،وبعدين مع جماعتك الكتحو قيراوانات مريستن ديل في فرد كتحه،،غايتو باين علي الرحلة دي في الجو ،وريحتها جو جو،،متابعين.

Post: #231
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-16-2014, 05:33 PM
Parent: #230


مع الفارق الكبير في التمثيل بين الحالتين:

ده يذكرك بالسحور.. تظل تشرب كل دقيقة كلما اقترب موعد الإمساك، وتحس بالعطش كلما شربت وكلما اقترب الموعد، مع أنك روياااااااااااان..

وهكذا هم ..

شكرا على مرورك
وحمداً لله على سلامة العودة
وانا اتحمدت ليك السلامة بغادي.. لكن الظاهر ما شفتني

Post: #232
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-16-2014, 06:14 PM
Parent: #231


الحلقة 181

نواصل ...

ملحق إندونيسيا..

بعد أن أدرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. وأنهى المشاركة 175، تحصلت عن طريق فيصل الحارثي إبن صاحب مكتب الميزان بالطائف على رقم هاتف عبد القادر العطاس الذي حاولت من قبل استخدام تكنولوجيا البحث في النت للحصول عليه إلا أنني فشلت، أقول تحصلت من فيصل على رقم جوال عبد القادر واتصلت عليه من تلفون ثابت مساء أمس، إلا أنه لم يرد، فأرسلت له رسالة اجتهدت ان اكتبها باللغة الإندونيسية وكان فحواها : Selamat hari raya aidolfitri, saya suda liat anda di indonesia 1986, saya rindo sama kamu, saya tida orang indonesia وترجمتها: (عيد الفطر مبارك عليكم، انا شفتكم في اندونيسيا 1986، وانا مشتاق ليك، أنا مش شخص اندونيسي.)

أرسلت الرسالة وبعد دقيقة جاءني الرد باللغة الإندونيسية طالباً مني ذكر اسمي، وانا كنت تعمدت ألا أكتب إسمي حتى تكون مفاجأة اذا تكلمت معه، فكتبت له رسالة بأن يرد على التلفون الثابت الذي سيأتيه منه اتصال، وأرسلت الرسالة واتصلت من الثابت فرد عليّ.. فقلت له لن أذكر لك اسمي مباشرة، ولكني شاهدتك في جاكرتا ثم بعدها في الطائف في نفس تلك الأيام وربما في العام 1978م، فذكر لي اسم واحد سعودي ثم ذكر لي اسم صاحب المكتب الحارثي، فضحكت حيث أنه وصل بالفعل الى شخصيتي، ثم أكمل حدسه وقال لي: عمر؟ فضحكت كثيراً فرحاً بالتحدث اليه بعد كل تلك السنون الطويلة.. ومندهشاً بقوة ذاكرته، حيث حصر بحثه في معارفه بالطائف ثم استنتج بسرعة شخصيتي..

سألته عن أخيه عبد الرحمن فقال إنه بخير وقد بلغ السادسة والثمانين، وسألته عن والدته فقال إنها بخير وقد بلغت الثانية والثمانين، وسألته عن رضا فلم يتذكره، وسألته عن زميله وصديقه في المكتب - وكنت قد نسيت اسمه - فقال لي انه لطفي، وسألته عن بامحمود الذي كان يعمل معه في المكتب ويسكن سوكابومي فقال إنه توفي قبل حوالي سبع سنوات رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة وجعل البركة في ذريته، وسألته عن إبنته- إبنة بامحمود- تلك التي كانت وقتها في الرابعة عشر او الخامسة عشر فقال إنها تزوجت من شخص يعمل في السفارة الإندونيسية في اليابان وقد أنجبت عدة أطفال.. وسألته عن الشاب الذي كان يرافقني دوماً هو ورضا، فقال لي ربما هو احمد مختار او ناصر، وأن ناصر هذا قد توفي بمضاعفات السكري، ولم أتذكر ناصر هذا، واستبعد ان يكون هو صاحبي الذي كان يرافقني دوماً، حيث قال لي عبد القادر ان ناصر هذا كان نحيلاً بينما الذي أعنيه ممتلئ الجسم..

أما هو- اي عبد القادر- فكنت قد علمت من فيصل انه اصبح من كبار رجال الأعمال في اندويسيا، بل وقد اشترى اسهم في شركة الاتصالات السعودية وشركة النقل الجماعي السعودية.. وقد علمت من عبد القادر انه قد نقل مكتبه من تبت تيمور نمبر ون Tebet Timur No. 1الى مكان اكبر، حيث أسس شركة تعمل في مجالات شتى من بينها التعدين، وقد تزوج بيونانية.. لقد سعدت جداً بهذه المكالمة، وتذكرنا تلك الأيام الخوالي.. وسألني إن كنت سأحضر الى إندونيسيا فقلت له إنني اشتاق الى تلك الديار منذ العام 1986م وحتى الآن.. يا روحي هل من عودة هل؟ وكنت كلما التقيت اندونيسي هنا في السعودية وتحدثت معه بلغته أقول له: Indonesia number satu di donia وترجمتها: اندونيسيا هي الأولى في العالم، وهي عبارة التقطتها من فيلم اندونيسي أو دعاية أيامئذ في اندونيسيا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #233
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-17-2014, 05:05 PM
Parent: #232


الحلقة 182

نواصل ...

المغرب مرة ثالثة

وصلت الى مطار جدة، ثم سافرت من جدة الى الطائف..

ولحبي للمغرب سأنتقل مباشرة الى تلك الرحلة في العام 1987م حيث كلفني أحد السعوديين بإستقدام خادمة مغربية له، ولكن السبب الأساسي الذي جعلني أسافر للمغرب لا أذكره، هل هو تأشيرة خادمة مغربية أخرى تسلمها صاحب المكتب لزبون، أم هي لدراسة السوق لمشروع استثماري للسعودي (كريّم) زميل إخواننا السودانيين في الطائف صالح عمر وخليل، فقد اختلط علي سبب السفر بين هذه الرحلة ورحلة عام 1985م، والذي يغلب على ظني الآن أن رحلة عام 1985 كانت لاستقدام خادمة لصالح المكتب، والرحلة الثانية التي أنا بصددها الآن هي لمشروع (كريّم) وكلفني معها (سامي) الشرطي بنجدة الطائف لاستقدام خادمة بعينها (عائشه) بموجب تأشيرة لاستقدام خادمة من المغرب.. والذي يقوي هذا الظن عندي أنني لم آخذ منه فلوس لهذا العمل لأنني من تجربتي السابقة في العام 1985م لم أكن متأكداً أنني أستطيع تنفيذ المهمة، لذلك فضلت ألا آخذ الفلوس لكيلا أصرفها ثم يصعب عليّ إرجاعها له إذا فشلت في استقدام الخادمة له، لذا اكتفيت بالفلوس التي أعطاني إياها (كريّم) لعمل دراسة السوق لمشروعه الاستثماري..

المهم وصلت المغرب في أواخر نوفمبر 1987م وهبطت في مطار الدار البيضاء، وأخذت البص من المطار الى مدينة الدار البيضاء، وكان معي عنوان أسرة عائشة التي يريد استقدامها (سامي) فتركت حقيبتي في موقف الحافلات (ولا أذكر السبب) ربما لم يضعوها في الحافلة من المطار، وربما نسيتها.. وربما وضعتها في الفندق.. المهم أخذت تاكسي وتوجهت الى المدينة القديمة في الدار البيضاء حيث عنوان عائشه، وخلف أسوار المدينة القديمة كان منزل (اليمني).. كان رب المنزل محمد رجل طاعن في السن.. كان طيباً ووقوراً، وكذلك كانت ربة المنزل، وعائشة المراد استقدامها، تصغرها أمينة ثم فوزية، وسيد أحمد (اسم سوداني لكنه بنفس المعنى، فهو سيدي أحمد وينطق سيد احمد) ثم مصطفى آخر العنقود، ونسيت إسم الولد الكبير.. وهناك البنت الكبيرة ويسمونها (الكبيرة) ولا أدري هل هذا إسمها أم مجرد تسمية يطلقونها عليها لأنها أكبر إخوانها، وهي متزوجة وتسكن في مكان آخر مع زوجها وأولادها، ولها ولد في سن مصطفى، وأذكر أنه كان يداعب جدته ويقول لها: يا قبيحة.. فتضحك..

بعد أن أخبرتهم بسبب حضوري واستأذنت للإنصراف قال لي والدهم لماذا تنزل في فندق.. خليك معانا.. قلت أن شنطتي هناك (في الفندق او في محطة الحافلات) فقالوا لي يذهب معك سيد احمد لاحضارها، وبالفعل ذهب معي واحضرنا الشنطة.. وقضيت الليلة معهم وأنزلوني في الغرفة الكبيرة، وكان منزلهم من منازل الدار البيضاء القديمة، منزل منفصل يتكون من ثلاثة طوابق، الأرضي، والأول- حيث الغرفة الكبيرة التي أنام فيها- ثم ملحق السطح حيث المطبخ.. طبعاً المغاربة يشبهون السودانيين في مثل هذه الأمور، فيعزمون ضيوفهم للمبيت معهم واعتبار الحال واحدة، وبالفعل كنا نجلس جميعنا في هذه الغرفة الكبيرة التي تعتبر مضيفة.. ونتناول الوجبة والشاي مع بعض، رب البيت وحرمه والأولاد والبنات.. وكانت عائشه هذه قد عملت من قبل في السعودية، لذلك طلبها سامي بالإسم، وأما أمينة فتعمل في البنك، وأما فوزيه فتعمل في الجماعة الحضرية للمعاريف كموظفة صغيرة، ومصطفى وسيد احمد طلاب ثانوية والكبير يدرس في الجامعة..

كان الطريق الى منزلهم يمر بمقبرة اليهود، وكانوا قريبين من باب الملاح حيث حي اليهود.. وكان منزلهم قريب من السويقة، وكنت أتبضع الخضار والدجاج من هناك، وذات مرة أشتريت دجاجة حية ذبحوها لي وجلبتها للبيت وعند تقطيعها وجدوا ماء كثيراً في جوفها.. كانت مريضة.. شكلها عندها استستقاء! وكان لابد من المشاركة في مصاريف البيت ولو بجلب الخضار والدجاج والسكر والشاي..

في زيارتي الأخيرة للسودان وجدت مع والدتي بعض الصور التي تخصني، ومن ضمنها وجدت صورة لي مع اليمني سيد احمد

Maroc005.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتبت إهداء خلفها لأسرتي في مدني، وفي الإهداء كتبت تاريخ الصورة (ابريل 1985م)! اي انني التقيت هذه الأسرة في العام 1985م أولاً وليس في العام 1987م، ونحتُ الذاكرة فلم استطع تأكيد إن كنت قد حضرت في المرة الأولى في العام 1985م لاستقدام عائشه أم في المرتين! وإليكم الصورة المذكورة،

Maroc002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


كما أرفق صورة لأسرة اليَمْني

Maroc1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


(وحتى لا تقرأوها اليَمَني نسبة الى دولة اليمن فسأحكي لكم ما قاله لي العم محمد اليمني، إذ قال أنه في زمن الفرنسيين ألزموا المغاربة بتسجيل الأسماء في بطاقاتهم التعريفية بالإسم العائلي- حسب ما هو معمول به في فرنسا- وكان اسم الشهرة لعائلته هي (اليُسري) أي الأيسر او الأشول، فقال له موظف تسجيل الأسماء ان اليسري هذا إسم يهودي، فاقترح عليه ان يجعله اليمني بدل اليسري، ففعل فأصبح اسم عائلته اليمني (منسوب إلى اليمين وليس إلى اليمن).. وتضم الصورة من اليمين عائشه ثم والدتها فأخيها مصطفى، ثم والدها ثم شخصي، والصورة التقطت في سطح بيتهم.. ثم الصورة الثالثة تضمني والعم محمد اليمني نشرب القهوة في داخل منزله العامر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #234
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-18-2014, 06:24 PM
Parent: #233


الحلقة 183

نواصل ...

المغرب .. ذكريات وأعياد ميلاد

رافقتني عائشه الى الرباط ومعها جوازها وتوجهنا نحو السفارة السعودية في الرباط، وكنت قد علمت أن زميلنا عبد الرحمن بابا يعمل فيها، فطلبت الإذن بالدخول إليه، وكانت السفارة مغلق بابها ولا يسمح لأحد بالدخول، وتجد المغاربة نساء ورجالاً يقفون أمام البوابة.. المهم أرسلت ورقة أو مرسال الى عبد الرحمن فإذن لي بالدخول، فدخلت مكتبه فوجدت سعودي بالمكتب يتحدث معه، وفهمت أنه رئيسه في العمل لأنه مد يده إليّ مصافحاً وكأننا لم نفترق كل تلك السنوات.. وما إن غادر الموظف السعودي المكتب حتى عانقني عبد الرحمن بحرارة، وشرحت له موضوع التأشيرة.. وأذكر أنني قلت له يا بختكم انتو القعدتو ورانا في المغرب، نحن غادرناها سراعاً والآن أنتم الرابحون ببقائكم في المغرب، فقال لي: (ما عاملين لي فيها شطار ونجحتوا في الكلية ومشيتو بسرعة!)

في زيارتي السابقة في العام 1985م- والتي كنت أحمل تأشيرة استقدام لخادمة مغربية فيها- علمت ان ابراهيم ميرغني يعمل بالسفارة السعودية، وأعطاني الزملاء القدامى تلفونه فاتصلت عليه وسلمت عليه وأخبرته بأمر التأشيرة، وفهمت منه أنه لا يستطيع التدخل في هذا الأمر.. ولم أتصل عليه مرة أخرى ولم أره بعد ذلك حتى تاريخه..

عبد الرحمن بابا دعانا الى منزله حيث أمضينا انا وعائشه الليل معه في شقته التي ربما كانت في حي المحيط، ووجدت معه من زملاء الزمن الجميل شاع الدين شمو.. ولا أدري هل مكثت مع عبد الرحمن يوم أو يومين ثلاثة.. الصورتان المرفقتان لنا في شقته؛ الأولى في شرفة الشقة

Maroc006.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية في الصالون.. وتضمني أنا وهو والشخصين الآخرين لا أتذكر أسماءهم..

Maroc007.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


بعد التدقيق في الصور ومقارنتها ببعضها والتاريخ المكتوب على ظهر بعضها، استنتجت أن تكون زيارتي لعبد الرحمن بابا في العام 1985م.. لا أدري لماذا اختلطت عليّ احداث الرحلتين (1985 و1987) بهذا الشكل؟ المهم سأحكي رواية أخرى ولا أدري في أي السنتين حدثت، وهي أنني جئت الى الرباط من الدار البيضاء بالقطار السريع (عويطه) ومعي عائشه، وكنت أبحث عن منزل شخص نسيت الآن من هو.. المهم أثناء تجوالنا للبحث عن منزله التقتنا مغربية ورأتنا نسأل عن منزل هذا الشخص، وتحدثت معي بلهجة فيها شئ من لهجتنا السودانية وأبدت رغبتها في مساعدتنا في العثور على من نبحث عنه، وعرفتني بنفسها وأنها تعرف السودانيين حيث كانت تعمل مع أحدهم.. وقالت لنا لا مشكلة إذا لم تجدوا من تبحثون معه، ودعتنا الى الذهاب معها الى منزلها..

ركبنا تاكسي الى مدينة سلا، وفي أول سلا من جهة بورقراق وقرب المحيط بعد عبور الجسر، دلفنا الى منزل شعبي حيث تستأجر نعيمة غرفة به، وبقية الغرف تسكنها أسر أخرى، قضينا معها الليلة وفي الصباح ذهبنا ثلاثتنا الى السفارة السعودية، ثم عدنا لنقضي الليل مرة أخرى لديها، وفي الصباح غادرتنا عائشه الى الدار البيضاء.. وعرفتني نعيمة بأسرة عمتها التي تسكن في الشارع الثاني من نفس الحي في منزل منفصل من دورين هي وبنتها وإبنها، وأذكر أن عمتها سألتني عن الطريقة التيجانية في السودان، وقالت لي أنهم ينتمون لهذه الطريقة التيجانية.. وكانت إبنتها الشابة تزورنا في غرفة نعيمة تلك.

ثم انتقلت للسكن مع العزيز محجوب البيلي في شقته بأكدال، والصورة المرفقة تضمني ومحجوب ونعيمة في تلك الشقة،

Maroc009.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي الصورة نطفئ الشموع بمناسبة عيد ميلادي، أي ان الصورة كانت بتاريخ 17/1/1987م، وأذكر أن نعيمة اجتهدت في الإعداد لتلك المناسبة حيث رجعت الى غرفتها في سلا لتعد ما لذ وطاب من جاتوهات وتورتات وتحضره الى شقة محجوب.. والصورة الأخرى

Maroc008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


تضمني ومحجوب وهو يعزف البيانو الذي يجيده كما يجيد الرسم والشعر.. إنه محجوب الموسوعة ما شاء الله.. وأهم ما يجيده محجوب- وهذا لا يعرفه عنه الكثيرون الذين عاشوا في المغرب إبان دراسته او بعدها- وهو أنه (وناس) من الدرجة الأولى، ولم أضحك لدرجة أن نفسي إنقطع (حقيقة) إلا حينما كان محجوب يحكي عن أيام الصبا في بلدهم منصوركتي بالشمالية حيث تكثر المنقة في الموسم كما تكثر في قرى الشايقية والبديرية الأخرى..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #235
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-19-2014, 05:43 PM
Parent: #234


الحلقة 184

نواصل ...

المغرب .. جولات وجولات

زرت الحي الجامعي السويسي حيث التقيت مجموعة من الطلاب، وحاولت الدخول الى غرفتي لكن كان الجناح كله قد خصص لسكن البنات، وبما أن الدراسة في الجامعة كانت مستمرة والحي الجامعي مفتوح فلم أجد فرصة للصعود الى غرفتي 222 جناح 2 ، لذلك اكتفيت بالتفرج على شرفتها من الخارج وبزيارة الطلاب السوادنيين في غرفهم والتجول في أنحاء الحي، وكذلك جلسنا في (الفوييه) أي كافتيريا الحي حيث تناولنا القهوة.. مرفق صورة لبعض الطلاب،

Maroc010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وحسب مقارنات الصور التي ذكرتها سابقاً ففي الغالب تكون هذه الصورة في العام 1985م، ويظهر في الصورة الحي الجامعي السويسي الأول حيث أجنحة الحي في الخلفية على يمين الصورة، وعلى يسارها يظهر (الريستو) اي المطعم، ويبدو أننا نقف في ميدان الكرة، وللأسف لا أذكر اسم اي واحد من هؤلاء الطلاب، وشخصي هو الواقف يسار الصورة حيث كنت امسح عيوني بيدي فإذا المصور يلتقط الصورة.. رجاء من يعرف أحد هؤلاء الشباب ان يتحفني بإسمه.. وأوصي كل من التقط صورة ان يسجل فوراً تاريخها ومكانها وأسماء الأشخاص.. فقد تمضي 29 عاماً عليها – كما هي حالة هذه الصورة- وتخرب الذاكرة بعوامل الزمن- كما حدث لي- فلا يستطيع صاحب الصورة تذكر الأشخاص والتاريخ..

رجعت لبوست أخي عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعة فاس المغربية -نداء عاجل) فوجدت هذا التوضيح وأسماء الذين في الصورة، وإليكم مداخلة أخي احمد محيي الدين:


الاول من اليمين محمد عبد الله امام وهو يدرس بالمدرسه الاداريه بالرباط والثاني هو الزميل امير والثالث/ عبد المنعم محمود عثمان
من طلاب الحقوق بالرباط وجلوسا من اليسار تضم المرحوم / رائد شرطه نور الدين عبد الله التوم وهو خريج كليه الحقوق بالرباط
وهو من ابناء الحصاحيصا قريه العيدج وله رحمه الله تعالي وان يسكنه الله فسيح جناته مع الصديقين والشهداء


وكذلك زرت أصدقائي أسرة النحيله في شارع مدغشقر بحي المحيط، وفرحوا بي أيما فرح، وقد تزوجت فايزه – البنت الصغرى- وسافرت مع زوجها الى أمريكا، وكنت أتردد عليهم طوال بقائي في الرباط، وكانوا يراسلونني في الفترة السابقة وأنا في الطائف، حيث حكوا لي بعد سفري منهم في العام 1985م كيف أن فايزه تأخذ الوسادة التي كنت أتكيء عليها وتشمها وتقول هاهي ريحة عمر، وتقول نجاة أنه كان جالساً هنا.. وتضيف امهم في رسالتها بعد هذا السرد: ألم أقل لك إنك عجيب! وعجيب عند المغاربة تعني جميل او رائع.. وأروني الصور التي تركتها لهم في المرة السابقة وهم يحتفظون بها بصورة جيدة.. أما أنا فقد وجدت صورة واحدة فقط من ضمن صوري التي وجدتها مؤخراً في السودان (مرفقة)،

Maroc11.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهي لشخصي فوق سطح العمارة التي يسكنون فيها – وكنت في العام 1977 أسكن فيها ايضاً- ويبدو في خلفية الصورة العمارات التي تفصل بينها وبين العمارة تلك شارع مدغشقر.. والصورة على ما يبدو في ابريل 1985.. كما أنني وجدت صوراً قديمة من العام 1977م (بالأبيض والأسود) في مدني في زيارتي في يوليو 2012م- وفي الأولى شخصي ونجاة إبنة إدريس النحيلة،

Maroc013.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي الثانية نجاة وحامد أبناء إدريس النحيلة وأنا جالس بينهما، وكلا الصورتين على سطح عمارتهم..

Maroc014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


زرت أصدقائي في تطوان، أسرة محفوظ بمنزلهم العامر رقم 9 درب المصطفى بشارع العيون قرب باب النوادر ذلك السوق المشهور بالبضائع الإسبانية.. وقابلت هناك بعض أصحابي القدامى مثل خال مصطفى وزوجته وإبنتهما بالتبني وفاء، وأما الأمين بوخبزه فما زال عامئذ يدرس بالقاهرة لنيل درجة الدكتوراة.. وتجولنا انا ومصطفى في تطوان حيث زرنا حديقة (رياض العشاق) وشربنا الشاي الأخضر والقهوة، وتجولنا في شارع محمد الخامس في وسط المدينة ولم ننس زيارةالمقبرة التي يحرص مصطفى على زيارتها كلما جاء الى تطوان مسقط رأسه.. وفي الصورة شخصي بقرب أحد بوابات سور المدينة القديمة بتطوان.. إنني أحب تطوان حباً لا يضاهيه إلا حبي لمسقط رأسي مدني..

Maroc012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #236
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-20-2014, 07:34 PM
Parent: #235


الحلقة 185

نواصل ...

طلاب الدار البيضاء

في الدار البيضاء تعرفت على بعض الطلاب الذين كانوا يدرسون عامذاك (في الصورة الأولى بعضهم، ويبدو أن الصورة كانت في شقتهم،

Maroc015.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ويؤكد ذلك الصورة الثانية حيث تظهر خادمتهم)،

Maroc017.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وزرتهم في الجامعة، بل وقضيت ليلة مع بعضهم في الحي الجامعي، والذي استضافني في غرفته كان سكرتير اتحاد الطلاب السودانيين في الدار البيضاء (الذي خلف رأسي مباشرة في الصورة الثالثة)،

Maroc016.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وكان يدرس معهم طالب جنوبي ويسكن في نفس الحي، وهو كذلك عضو في الإتحاد الذي على ما أذكر كان يسيطر عليه الإسلاميون.. وجلست بالكافتيريا مع مجموعة منهم، للأسف نسيت أسماءهم ولكن الصور المرفقة قد تساعدني على معرفة أسماءهم عبركم.. وأذكر في إجازتي للسودان في العام 2010م حينما استضافتني رابطة خريجي الجامعات المغربية بدارهم الكائن بالموردة بأم درمان، وكان بين المحتفين بي بعض الخريجات، وقد تذكرتني إحداهن- وربما اسمها سوسن- وقالت لي أنها قابلتني في زيارتي للدار البيضاء في العام 1987 أو ربما العام 1985م، والغريبة لم أتذكرها..

وأذكر أنني كنت ماراً داخل الحي الجامعي فرأيت طالبة سودانية ألقيت عليها التحية وأنا عابر، ولكن أعملت ذاكرتي لأتذكر أين التقيت هذه الطالبة من قبل وهل تشبه لي أحد؟ المهم عندما جلست مع الطلاب في الكافتيريا سألتهم عنها بعد أن وصفتها لهم، فقالوا لي إنها هويدا عبد الباقي! إذاً فهي أخت صديقة أختي سميه عبد الباقي، وبنت خالة جيران بيت جدي في ود كنان بمدني، وإخوانها أعرفهم من بعيد.. فطلبت أن تذهب إحداهن لتناديها، وعندما حضرت لمتها لأنها كانت تعرفني عندما قابلتني قبل قليل ولم تقل لي ذلك، ويبدو أنها ساعتها أحست بأني (ودرتها) لذلك لم تبادر الى مصافحتي وتعريفي بنفسها..

أيضاً كانت تجلس معنا في الكافتيريا طالبة سودانية أخرى علمت أنها من مدني، وعندما سألتها من أين في مدني قالت من المزاد، ومن إسمها عرفت أنها اخت واحدة آذتني في شبابي أذية ما زلت احس بطعم مرارتها في حلقي إلى يوم الناس هذا.. لذلك عندما عرفتني بنفسها صرخت قائلاً لها : هل أنت أخت إقبال؟ وفوجئت هي بالنبرة الغريبة التي خرجت مني غصباً عني وكانت تشي بالصدمة، فأجابت بالإيجاب ولكنها لم تسألني لماذا هذا الإستغراب وهذه الصرخة، ويبدو أنها أحست بأن الإجابة على سؤالها إن سأته لن تكون مبشرة، فسكتت، وسكت أنا ولم أنبس ببنت شفة بعدها الى يوم الناس هذا..

Maroc018.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في مرة ذهبنا أنا ومحجوب وجلال حنفي (الصورة الرابعة تضمنا وهي في منزل جلال حنفي بالرباط) الى الدار البيضاء لزواج صلاح الأحمر، وأذكر أننا التقينا التشكيلي المغربي (الزفزاف) رحمه الله، ولأول مرة أشهد مراسم زواج مغربي، وقد كان في صالة أفراح تقليدية، وفيها تمت المراسم التقليدية ايضاً حيث حملت العروس في عرش، وكذلك العريس حيث يحمل أصدقاؤه وزملاؤه العرش على اك########م وهو جالس عليه، وكنت من ضمن الحاملين لعرش العريس (كما يظهر في الصورة المرفقة)،

Maroc115001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وتصادف أن كان في الخشبة التي أضعها على كتفي مسمار بارز فاخترق الجاكت الأبيض الذي اشتريته من فرانكفورت بألمانيا، ووصل إلى كتفي.. الكتف إلتأم جرحه لكن البدلة الألمانية لم يلتئم جرحها حتى ضاقت عليّ، وقلت لصلاح طالبك بدلة.. وكانت حاضرة في الزفاف السيدة نور الشام نقد الله أرملة المرحوم ابراهيم النيّل، وغنت للعريس وغنينا معها بعض الأغاني السودانية، وأذكر منها (نور السعادة الليلة ضو ليك إنت يا العريس مبروك عليك.. شوفوا العريس لابس هلالو والدبله في إيدو شبالو شالو).. وانتهت الحفلة مع الفجر فعدنا الى الرباط.. وكنت جوعان فأكلنا الإسفنج (وهو لقيمات او زلابية تعمل في شكل يشبه العجل) الذي بدأ الباعة في إنضاجه في عرباتهم المتحركة ويربطونه بسعفة نخيل.. ولم يكن هناك شئ غيره نأكله في ذلك الصباح الباكر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #237
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-23-2014, 05:11 PM
Parent: #236


الحلقة 186

نواصل ...

طلاب الدار البيضاء


وذات يوم وأنا أسير في أحد شوارع الدار البيضاء سمعت من ينادي، فالتفت فإذا بشاب يسير خلفي ومعه فتاة تلف ساعدها حول ساعده- كل المغاربة يمشون هكذا، سواء رجل وإمرأة، أو رجل ورجل أو إمرأة وإمرأة- فتوقفت حتى وصلوني، وقال لي الشاب: أنت سوداني؟ قلت نعم! قال: أنا برضو سوداني وشفتك من بعيد وعرفت انك سوداني.. ثم عرفني بالتي معه وقال هذه زهرة، زوجتي وهي مغربية وأنهما يعملان في العراق.. ودعاني الى الذهاب معهم الى منزلهم – منزل زوجته- فاعتذرت إلا أنهما أصرا، فقبلت فركبنا تاكسي وانطلق بنا الى شقتهم الكائنة بالدور الثاني بعمارة تطل على موقف الحافلات التي بها الخط الذي يذهب الى سيدي عثمان- ذلك الحي البعيد الذي يسكن فيه ربيع شقيق عائشه حيث كنا نذهب انا وهي الى هناك- لذلك علق بذاكرتي ذلك الموقف المجاور لمنزل أهل زهره زوجة عادل.. وتلك قصة طويلة!

في الشقة 3 في الدور الثاني بالعمارة التي في زنقة رقم 26 بشارع الفدا ولجنا ثلاثتنا، وكانت الشقة تتكون من صالة صغيرة وغرفة مستطيلة وغرفة أخرى صغيرة ومطبخ وحمام، يسكن في الشقة والد زهرة وزوجته- حيث ان والدة زهرة متوفاة – وشقيق زهرة وزوجته وطفليه، وشقيقة زهرة الصغرى المطلقة وبنتها ذات العامين.. ولزهرة ولد وبنت توأم أنجباهما في العراق وكان عمرهما عامذاك حوالي العام.. وكان عادل- وهو من أبناء شندي- وزهرة في إجازة في المغرب.. وقد أقاموا لي يومها ما يشبه المأدبة في الغداء، وأصرا على أن أبيت معهم- رغم ضيق الشقة- وكان معظمنا ينام في تلك الغرفة المستطيلة الطويلة، وقد وصفت من قبل نوع هذه الغرف التي تكون مجلساً بالنهار ومنامة بالليل، حيث على طول الجدران تجد ما يشبه الكنبة المحشوة بطانتها بالقش او القطن او الصوف، وهذا النظام يشبه المعمول به في السعودية فيما يسمى بالمجلس العربي- إما على الأرض أو على الكنب- وبالتالي تكون هناك مساحة في الوسط كافية مهما كان ضيق الغرفة..

بعد ذلك كنت أتردد عليهم إبان تواجدي في الدار البيضاء، وأحياناً أبيت معهم، ومن أمام منزلهم كنت أركب من الموقف الذي أمام منزلهم الحافلة المتجهة الى حي سيدي عثمان حيث منزل ربيع شقيق عائشه حيث أضحت تقيم هناك معه.. الآن بدأت ذاكرتي تصفو قليلاً.. لقد كانت تسكن عائشة مع اسرتها في المدينة القديمة- زنقة رقم 1- حينما زرت المغرب في العام 1985م حيث كان صاحب الفيزا السعودية يعرفها من قبل وطلب تحديداً استقدامها، وفشلت في ذلك، ثم حينما قررت الحضور للمغرب في العام 1987م أعطاني سامي الشرطي في النجدة تأشيرة مفتوحة لأستقدم له خادمة، فقصدت عائشة التي اعرفها من العاما 1985م لعل هذه المرة يُسمح لها بالسفر الى السعودية، وذكرني حي سيدي عثمان بذلك.. حيث عندما وصلت المغرب وزرت آل اليمني في دارهم بالمدينة القديمة وسألتهم عن عائشه أخبروني أنها تعيش في منزلها- وليس منزل شقيقها كما ذكرت سابقاً- في سيدي عثمان والذي يسكن فيه معها شقيقها ربيع وزوجته وأولاده..

كنا نخرج احيانا انا وعادل وشقيق زهرة الى الأماكن السياحية، واحيانا كانت تخرج معي شقيقتها الى الحي الجامعي حيث الطلاب السودانيين، وكان طليقها يرابط طوال اليوم في المقهى الذي يوجد أسفل العمارة التي يسكنون بها، حيث أنه عاطل عن العمل حسبما علمت منهم، وكذلك يبدو أنه غير مقتنع بفراقها لذلك ينتظر خروجها ليراها- أو ليراقبها- أو ليزور إبنته في الشقة.. وقد لاحظ خروجها المتكرر معي فجن جنونه.. وكان يعرف عادل فشكا إليه ذلك ظاناً أنني أنوي الإرتباط بها، وذات يوم إذ كنا جلوساً في الصالة الصغيرة فطرق باب الشقة ففُتح له ودخل دون أن يسلم عليّ ولا أن ينظر في وجهي فوضح لي جلياً انه قد اتخذ موقفاً ضدي- رغم أنني لم أره من قبل- وكما أسلفت فهو كان يراني وأنا خارج من العمارة او داخلاً إليها وأحياناً مع طليقته.. وأذكر بوضوح أنه- من غله كما يبدو- رفع إبنته من على الأرض بعصبية من قميصها قابضاً على ظهر القميص فأصبحت معلقة في الهواء وهو ممسك فقط بقميصها ثم وضعها بجانبه.. وأعطاها علبة زبادي (دانون).. وهنا ثارت ثائرة طليقته وانفجرت في وجهه ومن ضمن ما قالته في ثورتها تلك؛ لماذا لم يسلم على الضيف الجالس (أنا)؟ وإيش جاب الغراب لأمه.. (دانون)؟ و.. خذ الوصفة الطبية هذه واحضر لها الدواء إذا كانت تهمك وجئت لتراها.. ومن ضمن ما لاحظته وذكرته لها لاحقاً أن الكحة اختفت تماماً في تلك الأثناء، فقد كانت قبل دخوله تكح كثيراً.. ويبدو أن الإنفعال طرد الكحة.. وقد شهد الأب هذه التراجيديا، وتحدث عن قصة زواج إبنته بذلك الشاب، حيث ذكر أنه عارض الزواج لكن إبنته أصرت عليه، وهاهي النتيجة.. ثم تهدج صوته وأسكتته عبرة وانهمرت دموعه.. شقيقة زهرة هذه- نسيت إسمها ولا ادري لماذا نسيته، وربما كان إسمها سعاد- كانت رياضية، وجسمها يشي بذلك، وقد شاركت في سباق الضاحية في الدار البيضاء من قبل..
في الشقة 3 في الدور الثاني بالعمارة التي في زنقة رقم 26 بشارع الفدا ولجنا ثلاثتنا، وكانت الشقة تتكون من صالة صغيرة وغرفة مستطيلة وغرفة أخرى صغيرة ومطبخ وحمام، يسكن في الشقة والد زهرة وزوجته- حيث ان والدة زهرة متوفاة – وشقيق زهرة وزوجته وطفليه، وشقيقة زهرة الصغرى المطلقة وبنتها ذات العامين.. ولزهرة ولد وبنت توأم أنجباهما في العراق وكان عمرهما عامذاك حوالي العام.. وكان عادل- وهو من أبناء شندي- وزهرة في إجازة في المغرب.. وقد أقاموا لي يومها ما يشبه المأدبة في الغداء، وأصرا على أن أبيت معهم- رغم ضيق الشقة- وكان معظمنا ينام في تلك الغرفة المستطيلة الطويلة، وقد وصفت من قبل نوع هذه الغرف التي تكون مجلساً بالنهار ومنامة بالليل، حيث على طول الجدران تجد ما يشبه الكنبة المحشوة بطانتها بالقش او القطن او الصوف، وهذا النظام يشبه المعمول به في السعودية فيما يسمى بالمجلس العربي- إما على الأرض أو على الكنب- وبالتالي تكون هناك مساحة في الوسط كافية مهما كان ضيق الغرفة..

بعد ذلك كنت أتردد عليهم إبان تواجدي في الدار البيضاء، وأحياناً أبيت معهم، ومن أمام منزلهم كنت أركب من الموقف الذي أمام منزلهم الحافلة المتجهة الى حي سيدي عثمان حيث منزل ربيع شقيق عائشه حيث أضحت تقيم هناك معه.. الآن بدأت ذاكرتي تصفو قليلاً.. لقد كانت تسكن عائشة مع اسرتها في المدينة القديمة- زنقة رقم 1- حينما زرت المغرب في العام 1985م حيث كان صاحب الفيزا السعودية يعرفها من قبل وطلب تحديداً استقدامها، وفشلت في ذلك، ثم حينما قررت الحضور للمغرب في العام 1987م أعطاني سامي الشرطي في النجدة تأشيرة مفتوحة لأستقدم له خادمة، فقصدت عائشة التي اعرفها من العاما 1985م لعل هذه المرة يُسمح لها بالسفر الى السعودية، وذكرني حي سيدي عثمان بذلك.. حيث عندما وصلت المغرب وزرت آل اليمني في دارهم بالمدينة القديمة وسألتهم عن عائشه أخبروني أنها تعيش في منزلها- وليس منزل شقيقها كما ذكرت سابقاً- في سيدي عثمان والذي يسكن فيه معها شقيقها ربيع وزوجته وأولاده..

ولاحظت أن الصرف في البيت كان يتم من طرف عادل وزهره، إذ كان الأب متقاعد وإبنه عاطل عن العمل وسعاد مطلقة.. جانب سلبي لاحظته في عادل، فهو أحيانا كان يضرب زوجته، وفي حضور والدها وبقية أهل الدار، بل وبوجودي.. والجانب السلبي الآخر لدرجة الكارثة سيأتي بعد سنين، وسأعرفه بعد عشر سنوات وتحديداً في العام 1997م عند زيارتي التالية للمغرب..

أرفقت بعض الصور لشخصي في الدار البيضاء، وتعود للعام 1985م (إبريل)؛ أولاها لشخصي وحولي الحمام بجوار نافورة حديقة عمالة (محافظة) الدار البيضاء..

Maroc021.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثانية أمام أحد الأسواق الحديثة،

Maroc022.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثالثة وسط الزهور متصور،

Maroc023.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة قرب القبة التي تتوسط شارع محمد الخامس حيث يقع تحتها نافورة وممر تحت الشارع به درج يؤدي الى شارع محمد الخامس من جهة ومن الجهة الأخرى الى السويقة، وكانت هذه القبة في الماضي مزينة بزجاج ملون يغطي الفتحات التي بين الحديد الأبيض..

Maroc024.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #238
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-24-2014, 05:40 PM
Parent: #237


الحلقة 187

نواصل ...

بعض السلبيات

بعض السلبيات الأخرى التي عكرت صفو اجازتي هي عندما قضيت ليلة أو ليلتين مع أحد السودانيين بناء على دعوته- ولا أذكر هل في هذه الرحلة أم في الرحلة السابقة في العام 1985م وأغلب الظن أنها كانت في الرحلة السابقة- وفي الليلة الثانية كان يشرب فتصنع موضوعاً على إثره قال لي: (الواحد ما عايز يقول عشان البيت بتاعو).. وتصنع الموضوع هذا أوضحه لكم بقصة الكديس والفار اللذين كانا على ظهر مركب في عرض البحر، حيث قال الكديس للفار: ما تكتحنا! فرد الفار: يا عم الكديس كيف اكتحك ونحن في نص البحر؟ فرد عليه الكديس: عشان قلة أدبكم دي نحن بناكلكم! انتهت قصة الكديس والفار.. لكني اعتبرت كلامه كلام سكران فانتظرت حتى الصباح ليفيق وسألته عما قاله، فابتسم ابتسامة باهتة وقال لي: نعم!! أي انني أعني ما قلته! ولا أدري سبب هذا التحول المفاجئ، فكما أسلفت فقد دعاني هو لبيته، كما أن هناك أكثر من ضيف في البيت آنذاك، منهم طلاب ومنهم قدامى الخريجين مثلي.. ولكن استجبت لرغبته وغادرت شقته.. ويا ليته يقرأ كلامي هذا ويتذكر ويخبرني لماذا قال ذلك ولماذا تغير موقفه.. ولعله يتذكر بعد مضي كل هذه السنوات (ربع قرن أو أكثر)..

شئ آخر مشابه، فقد صحبني صديق سوداني من الرباط الى الدار البيضاء، وبما أنني كنت أسكن مع آل اليمني فقد مررت على دارهم، وطرقت الباب فلم يرد أحد، ففتحته فانفتح ودخلت ودخل معي صديقي وجلسنا في الغرفة التي بالدور الأرضي- حيث يستضيفون الضيوف- حتى وصل بعضهم.. ولم يعجب أمينة دخول صديقي معي الى بيتهم، وانتقدتني في ذلك، وكنت أظن انني ما دمت اسكن معهم فلا بأس أن يأتي معي صديقي، لا سيما وأنني جئتهم وفي ظني أنهم موجودون.. ولم يكن موقف الآخرين مثل موقف أمينة.. المهم تعلمنا شيئاً جديداً لم نكن نألفه لدى المغاربة، وربما كان فقط هو رأي لهذه الفتاة وحدها.. سردت هذا لأبين جانب من حياة أهلي المغاربة الذي قد لا يبدو مشرقاً هنا..

شئ سلبي آخر، فقد غيرت ملابسي ذات ليلة وأنا أبيت مع بعضهم ولبست جلابية النوم وتركت محفظتي في جيب البنطلون، وفي الصباح فقدت مائتي ريال سعودي.. لم أشك في الرجل ولا في زوجته، بل شككت في شقيقته التي لم تكتف بالمائتين درهم التي اشتريت لها بهما جلابة.. وربما أخذت المائتين من جيبي ثمناً لشئ آخر دون أن توضح لي ذلك..

ذات يوم ذهبت مع إحدى المغربيات الى صديقة لها من سنها- أي أكبر مني بحوالي أربع سنوات- ونحن في بيتها جاءت صبية ظريفة حلوة الحديث وصوتها نغمته محببة الى النفس، فعلقت على هذه الصبية وعلى هذه الصفات إيجاباً، فغارت مرافقتي وقالت لي: أخواتي فلانة وفلانة برضو حلوات وظريفات.. وكانت تتكلم بجدية.. مع أني علقت فقط ولم أبدي أي رغبة في علاقة مع تلك الصبية! ذكرني هذا أن إحدى أختيها هاتين حضرتُ خطبتها أول أيام وصولي لهم، وكعادة المغاربة جاء الخاطب لوحده ومعه بوكيه ورد وأُعدت القهوة بالحليب والجاتوهات والحلويات المغربية، وبهذا تم خطبة فلانة لفلان الذي كان يعمل معها في نفس المصلحة.. غالب ظني أن ذلك كان في زيارتي للمغرب في العام 1985م، لأنني أتذكر حينما عدت في العام 1987م وجدتها قد فسخت خطبتها منه.. لماذا؟ قالت أنه ضعيف الشخصية لدرجة أنه عندما يواجه مشكلة مع مديره في العمل يلجأ لها لتحلها، اي كانت هي التي تتولى الدفاع عنه وليس العكس، وهي تريد رجلاً يحميها لا رجلاً تحميه كما قالت.. فقلت لها هل هو بارد؟ فابتسمت وقالت نعم.. إذاً هذا هو السبب الحقيقي.. وعندما رجعتُ الى السعودية وكانت تراسلني عبر البريد وتتصل بي عبر الهاتف أفصحت عما كان يدور في نفسها من أنها كانت تتوقع مني أن أبادلها الحب الذي تكنه لي.. سألتها لماذا لم تقولي لي ذلك وأنا هناك معكم، فقالت لي: (توقعت ان تبادر أنت)، وقد ذكرتني ببعض المواقف التي بدرت منها كدليل على انها كانت تريد لفت نظري إلى ما تكنه لي..

Maroc019.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الأولى لشخصي أمام قصر الطالب.. ولا أذكر هل هو مقهى أم سكن طلابي ام غيره، ولا أذكر إن كان في الرباط أو بالمغرب، ولا أذكر هل الصورة في العام 1985 ام 1987م.. وأرجح أن تكون في العام 1985م لأني ألبس ملابس صيفية، حيث كنت في المغرب في العام 1985 في إبريل، بينما كنت في العام 1987 في ديسمبر ..

Maroc045.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية لشخصي في أحد شوارع الدار البيضاء، وأعتقد أنه قرب السويقة.. برجاء من يقيم في المغرب الآن او من ذاكرته قوية من الزملاء القدامى ان يؤكدوا هذه المعلومة، كذلك صورة قصر الطلاب أعلاه.. الصورة الثانية أخذت في إبريل عام 1985م ..

Maroc046.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثالثة لأسرة اليمني، حيث أظهر على يسارك وقد أعملت أمطار مدني في الصورة تشويهاً، يليني على يساري العم محمد اليمني، تليه عقيلته ثم زوجة إبنهم ربيع، ثم إبنهم مصطفى، وأمامنا أبناء ربيع الصغار، والصورة في منزل آل اليمني بالمدينة القديمة بالدار البيضاء- المغرب، وهي في العام 1985، وربما في العام 1987م..

Maroc047.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة لشخصي في حدائق عمالة الدار البيضاء- المغرب، وتبدو العمالة خلفي وتظهر النافورة الشهيرة، والصورة في إبريل 1985م..

Maroc053.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والخامسة لشخصي والأستاذ الدكتور (بروف) مصطفى محفوظ وبيننا زميل له، والصورة في حديقة (رياض العشاق) بمدينة تطوان- شمال الممغرب- إبريل 1985 أو ديسمبر 1987م..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #239
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-25-2014, 05:06 PM
Parent: #238


الحلقة 188

نواصل ...

بعض الصور

Maroc048.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الأولى لشخصي في مولاي إسماعيل، وتبدو الأجنحة خلفي، وقد كنت في زيارة لهذا الحي الذي قضيت فيه الأيام الأولى لي بالرباط قبل أن أنتقل الى الحي الجامعي السويسي الثاني.. وهذه الصورة غالباً تكون في العام 1985م وقد التقطها لي حامد النحيلة (لأنه ظهر في الصور الأخرى في نفس الحي وفي نفس الوقت تقريباً)..

والصورة الثانية

Maroc049.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في الحي الجامعي مولاي إسماعيل أيضاً وعلى يميني يجلس حامد النحيلة، وعلى يساري طالب سوداني نسيت إسمه.. همتكم يا شباب لتذكيري بإسمه، ويبدو أننا التقيناه بالصدفة في الحي الجامعي.. ولعله يطلع على ما كتبناه هنا فيذكرنا بتفصيل ذلك اللقاء.. ولا أذكر اين تقع هذه الكنبة التي نجلس عليها، لكن حسب الذكريات القديمة فإننا نجلس وخلفنا حائط الحي الذي يقع فيه الباب الرئيسي ثم الشارع الذي تقابله المحلات التجارية لا سيما البقالة التي كنا نشتري منها ساندوتشات الجبنة بالمربى وساندوتشات الساردين والحليب ("تصغير" القنطره، حيث أن السيستم يصلب على الكلمة إذا أضفنا إليها الياء للتصغير) و(الدار البيضاء) والخبز والسكر والشاي.. ويبدو على يمينك خلفنا المبنى الذي كان المقهى (الفوييه) في ذلك الزمان البعيد (1975م)، فهل ظل كذلك ام تغير موقعه، لا سيما أن المطعم الجامعي بني بعد زماننا ذاك بوقت طويل.. ويذكرني ذلك المقهى بأول جلسة لي فيه بعيد وصولنا للحي، وأذكر عبد المنعم بيومي وصديقه عبد السلام (من توتي) وهما يغنيان مع طالبتين مغربيتين بعض الأغاني المغربية.. ولو لم تخني الذاكرة فقد كانت أغنية (مرسول الحب) لعبد الوهاب الدوكالي:

مرسول الحب فين مشيتي وفين غبتي علينا
خايف لاتكون نسيتنا وهجرتنا وحالف ماتعود
مادام الحب بينا مفقود وانت من نبعه سقيتنا
باسم المحبه باسم الاعماق وأحر الأشواق
كان اترجاك اسأل فينا وارجع لينا يدوم الصمت وتتكلم اغانينا
مرسول الحب غيابك طال هذه المره
وقلوب الاحباب وانت بعيد كلها صحرا
لايحركها احساس جديد ولاتنبت فيها زهره
تتفتح بالشذى والطيب وتونس الي بات غريب
تايه في ليل بلا قمرا
اه من دنيا العشاق
ذبلت الاوراق
فين ذايبين بليل الحب
فين ذايبين بنار الفراق
باسم المحب ونار الاشواق
تعال يا مرسول اشتقنا لك يامرسول

يعني هذه اللحظة التي أتحدث عنها مضى عليها 37 سنة إلا شهرين!

الصورة الثالثة

Maroc050.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


لشخصي وانا امام مدخل معهد المغرب الكبير الذي كنا نتلقى فيه بعض المحاضرات لا سيما في السنة الأولى، وهو يقع قرب الحي الجامعي مولاي إسماعيل، فقد كنا نمشي راجلين إليه بين بيوت الحارة حيث يستغرق الطريق إليه حوالي عشر دقائق او ربع ساعة.. وفي إحدى قاعاته الكبيرة سمعت البث الإذاعي لمباراة السودان والمغرب في كأس إفريقيا في العام 1975م أو 1976م حيث كان الطلاب المغاربة يستمعون لتلك المباراة من مذياع حملوه معهم الى المدرج.. وفي هذه المباراة فاز المغرب على السودان واحد/صفر..

والرابعة

Maroc051.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


لشخصي وحامد النحيلة أمام أحد أجنحة الحي.. ربما يكون الجناح الذي كنت أسكن فيه في العام 1975م ويبدو أنني تعمدت أن التقط الصورة هذه أمامه تذكاراً لتلك الأيام (هذا مجرد استنتاج الآن ولم تسعفني الذاكرة بمعلومة مؤكدة).. لاحظوا الملابس المنشورة على ماسورة في الجدار الفاصل بين الجناح والفضاء الذي أمامه، كذلك فوق الشجيرات.. وهكذا كنا نفعل نحن في تلك الأيام، ولابد من مراقبة غسيلك المنشور حتى لا يختفي في ظروف غامضة! كما تلاحظون الدراجات الهوائية المتوقفة خارج الجناح وهي حتماً لطلاب يسكنون في الجناح، وهذا يذكرني بالدراجة التي اشتريتها لكي أذهب بها الى المركز الثقافي الفرنسي، وذات يوم لبست الزي ا لسوداني الكامل (جلابية وعمة) فانفك طرف العمة عن رأسي ونزل ولف مع تروس العجل والحمد لله لم يشد رقبتي معه فيكسرها.. وبذلت مجهود كبير لكي أخرج العمة من تروس العجل وطرف العمة باظ واتسخت يدي بالزيت المحروق المترب..

والخامسة

Maroc054.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


لشخصي ومعي حامد بن إدريس النحيلة فوق سطح عمارتهم رقم 20 شارع مدغشقر- الرباط، وهي أيضاً في العام 1985م كسابقاتها لأن الفنيلة التي ألبسها وعليها صورتي وصورة صديقي السعودي عايض ما زالت جديدة، حيث صممناها في حديقة حيوان فرانكفورت بألمانيا في العام 1984م .. كذلك البنطلون الكوردروي البني الذي اشتريته من ألمانيا أيضاً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #240
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عبدالعزيز عثمان
Date: 03-25-2014, 06:12 PM
Parent: #239

والله انك محظوظ ،،جد محظوظ...
تحتفظ بكامل سيرة حياتك ،،صورا واحداثا...
انت عارف،،،ابحث عن بعض صور لي في زماني القديم ،،وحتي القريب...التسعينات-
لقد سرقها من يفترض ان يطارد اللصوص،،،هي ومكتبتي وكتب اصدقاء وذكرياتهم....
ليتني اجدها،،،لاجدد بها روحي....

Post: #241
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-26-2014, 12:55 PM
Parent: #240


Quote: والله انك محظوظ ،،جد محظوظ...
تحتفظ بكامل سيرة حياتك ،،صورا واحداثا...
انت عارف،،،ابحث عن بعض صور لي في زماني القديم ،،وحتي القريب...التسعينات-
لقد سرقها من يفترض ان يطارد اللصوص،،،هي ومكتبتي وكتب اصدقاء وذكرياتهم....
ليتني اجدها،،،لاجدد بها روحي....


ليس كامل الحظ يا عبد العزيز

فالذاكرة الخربة تقف حائلاً دون إتقان السرد.. فأحس بأن كثير من الأحداث حجبها ضباب النسيان.. حتى الذي تذكرته وكتبته في أول هذه السلسلة وفي أول نشر لها في منتديات ود مدني، ثم جاء طوفان الهاكرز وجرفها.. ثم أعاد بعض الحلقات ذوي الخبرة الانترنتية، ولم يستطيعوا إعادة البعض.. وعندما احتجت إلى هذا البعض الذي ضاع من الموقع، وجدته قد ضاع من الذاكرة أيضاً..
أما الصور فحدث لها مثل ما حدث لصورك.. وقد سرقها الأقربون والجيرانيون وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، ودمر كثير منها مطر مدني المعروف.. فقد كان لي ألبومات من كثرتها وجمالها وندرة صورها أنها كانت تغذي جلسات إنس في بيتنا بمدني لساعات وساعات حتى وأنا متغرب في اصقاع الأرض.. تمنيت عليهم الآن أن يعيدوها إليّ لأنسخها فقط وأرجعها لهم.. ولكن لم يتبرع أحد بصورة واحدة.. ولحسن الحظ في إحدى زياراتي الأخيرة لمدني وجدت في سحارة الوالدة- أطال الله عمرها- بعض الصور القديمة التي كنت أبحث عنها منذ زمن.. فرحت بها كثيراً.. وأتمنى على من يحتفظ بصورة من صوري القديمة تلك ان يسلفني إياها أو ينسخها ويرسل لي النسخة ويحتفظ بالأصل..

وأما الكتب.. فقاصمة الظهر لي هي اختفاء مجلد (الأعمال الكاملة: الطيب صالح) والذي يضم كتبه الأربعة الأولى، وكنت قد اشتريته من المغرب، ولحسن حظي صادف وجوده معي زيارة الطيب صالح للمغرب لأول مرة في حياته ومقابلتي له، وقد كتب لي بخط يده اتوقراف.. واختفى هذا المجلد وأتمنى مِنْ مَن آخذه أن يرده لي، فهو ليس مجرد كتاب.. ففيه توقيع الطيب صالح، ويزيد الأمر خطورة أن كاتبها رحل عن دنيانا..

شكرا اخي العزيز عبد العزيز على المرور وعلى المشاركة

Post: #242
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-26-2014, 02:43 PM
Parent: #241


الحلقة 189

نواصل ...

بعض الصور (2)

الصورة التالية لشخصي امام عمالة الدار البيضاء إبان زيارتي للمغرب في إبريل 1985م.. ولاحظوا خلفي حافلة النقل الحضري (هل ذكرت إسم الشركة صحيح؟ لأنه اختلط في ذهني بالنقل الجماعي في السعودية)..

Maroc055.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية لشخصي في حديقة (رياض العشاق) التي تغير إسمها على ما أذكر الى (حديقة مولاي رشيد) بمدينة تطوان بشمال المغرب.. وكنت أحرص على زيارة هذه الحديقة كلما زرت مدينة تطوان.. وكنا نشرب الشاي الأخضر او القهوة التي يعدونها داخل كهف في جانب من الحديقة.. كان يعجبني جداً هذا الكهف لغرابة موقعه، فهو بالفعل كهف يقع أسفل جبل ثم تمتد الحديقة أمامه.. ولاحظوا النافورة الجميلة التي أتكئ عليها وهي مزدانة بالنقوش المغربية المشهورة..

Maroc056.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثالثة مع طلاب سودانيين وأبناء أحد العساسين في الحي الجامعي السويسي الثاني، وحسبما يظهر في الصورة خلفنا فإن هذه الأجنحة ليست هي الأجنحة القديمة التي كنا نسكنها في السبعينات، ربما كانت الأجنحة الجديدة المضافة له لاحقاً.. افتونا يا شباب، وأفيدونا بأسماء هؤلاء الطلاب الذين مسحت السنون أسماءهم من ذاكرتنا المتعبة..

وقد أفادني الزميل احمد محيي الدين عن الصورة في بوست للأخ عمر عبد السلام (الى الذين تسللوا الى جامعة فاس المغربية -نداء عاجل):

الاول من اليمين محمد عبد الله امام وهو يدرس بالمدرسه الاداريه بالرباط والثاني هو الزميل امير والثالث/ عبد المنعم محمود عثمان
من طلاب الحقوق بالرباط وجلوسا من اليسار تضم المرحوم / رائد شرطه نور الدين عبد الله التوم وهو خريج كليه الحقوق بالرباط
وهو من ابناء الحصاحيصا قريه العيدج وله رحمه الله تعالي وان يسكنه الله سيح جناته مع الصديقين والشهداء

Maroc057.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة لشخصي على يمينك وطالبين سودانيين أحدهما كما أوضح لي الأخ احمد محيي الدين هو الضو على يسارك، والصورة امام احد أجنحة الحي الجامعي مولاي إسماعيل.. وغالباً ما يكون الجناح الذي سكنت به في العام 1975م، اما هذه الصورة فهي في إبريل 1985م، اي بعد عشر سنوات من فترة سكناي به..

Maroc058.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والخامسة لشخصي- في الوسط- وعلى يميني الدكتور مصطفى محفوظ وعلى يساري اثنان من زملائه الأطباء، وطفلين لا أذكر أبناء من منهما، ويحملون لوحة عليها شعار (المؤتمر الطبي لدول المغرب العربي) حيث كانوا قد شاركوا في هذا المؤتمر.. والصورة على ما يبدو هي في مدينة تطوان فوق سطح أحد الأبنية التي قد تكون بيت أو عمارة بها شقة أحدهما (غير مصطفى لأني اعرف بيتهم وسطوحه) وهذه البناية هي قرب سور المدينة القديمة.. ولاحظوا منارة (مئذنة) المسجد القريبة من البناية..

ولاحظوا أريال التلفزيون القديم، حيث لم يشتهر الدش وقتها..



Maroc059.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #243
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-27-2014, 01:42 PM
Parent: #242


الحلقة 190

نواصل ...


بعض الصور (3)

الصورة الأولى لشخصي في الحي الجامعي السويسي الثاني، وهي خلف الأجنحة القديمة، وأعتقد أن المبنى الذي يظهر خلفي هو المعهد الزراعي (الأقرونومي) والسور الحجري هو الذي يفصل بين الحي الجامعي السويسي الثاني والمعهد الزراعي والسكن التابع له.. ويبدو شجر العرعر خلف السور، وعلى ما أذكر فإن المنظر لم يتغير كثيراً ما بين 1978م وتاريخ هذه الصورة- إبريل 1985م- فالشجر هو ذات الشجر، ولكن ميدان الكرة الذي أقف عليه يبدو أنه حديث حيث لا أذكر أنه كان موجوداً في العام 1978 عام فارقنا الحي.. ورغم أن الصورة مهتزة قليلاً وملامحي غير واضحة لكنها مهمة حيث توثق لذلك الجزء من الحي الجامعي السويسي الثاني والمعهد الزراعي في فترة أواسط الثمانينات..

Maroc060.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية لشخصي في منزل العزيز محجوب البيلي بأكدال- الرباط – وأنا أقطع تورتة عيد ميلادي، وقد أعدت التورته نعيمة القمش، وكان ذلك بتاريخ 17/1/1988م ذكرى ميلادي الـ 33 .. شباب.. ألا ليت الشباب يعود يوماً فأخبره بما فعل المشيب!

Maroc061.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أما الصورة الثالثة فقد وجدتها في مجموعة الصور التي كانت تحتفظ بها والدتي في مدني، وتعود لزميلنا محمد عمر حامد- من أبناء شمبات- وقد قابلته قبل حوالي ثلاث أو أربع سنوات في دار رابطة خريجي الجامعات السودانية في الموردة بأمدرمان.. وتاريخ الصورة المبين خلفها هو 29/4/1977م.. وهي مصورة في ستديو أطلس الذي يقع قرب الحي الجامعي مولاي إسماعيل..

MohamadOmar001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة للزميل عمر الفاروق، وخلفها كتب هذا الإهداء: (الأخ عمر لك رسمي أوراق اعتمادي أخاً وصديقاً مدى الحياة)، وتاريخ الصورة 18/5/1976م وهي أيضاً مأخوذة في ستديو أطلس الذي يقع قرب الحي الجامعي مولاي إسماعيل،

OmarAlFarooq001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ومرفق نسخة مما هو مكتوب خلف الصورة.. وعمر الفاروق من الزملاء الذين لم نسمع عنهم طيلة هذه السنوات الطويلة منذ فارقنا المغرب.. هل من يعلم عنه شيئاً؟ تذكرت الآن وأنا أراجع ما كتبت قبل إنزاله.. تذكرت إحدى بنات الحي- 114- بمدني انها قالت لي أنهن- اي بعض بنات الحي- كن يحضرن لمنزلنا والتفرج على صورنا لكي يشاهدن هذه الصورة .. صورة عمر الفاروق.. أوعى تكون يا عمر صلّعت زي زميلنا عز الدين عبد الماجد وكل أبناء الدفعة الذين كانوا أيام الدارسة الجامعية خنافس فافتقروا للشعر تماماً بعد ان مرت عقود على تلك الحقبة الجميلة..

OmarAlFarooq002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #244
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-30-2014, 04:53 PM
Parent: #243


الحلقة 191

نواصل ...

بعض الصور (4)

الصورة الأولى لصديقي وزميل دراستي بمدني الثانوية ومن ثم بكلية الحقوق بالرباط عمر الإمام النور، وهو من قرية حليوة بالجزيرة،

OmarAlImam001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتب خلف الصورة: (هدية إلى رفيق الدرب الصديق الوفي بل الأخ العزيز أبداً عمر حسن غلام الله- أخوك/ عمر الإمام) ويبدو أن الصورة أيضاً في ستديو اطلس رغم أن ختم الاستديو قد طمس.. التحية للأخ عمر الإمام الذي يقيم حالياً بمدينة الرباط- المغرب- حيث يملك مطعماً مشهوراً للشاورما، وأعتقد أنه أول من أدخل ذلك النوع من الطعام إلى المغرب..

OmarAlImam002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية للأخ والزميل طلحه جبريل الذي اختار دراسة الآداب بجامعة محمد الخامس هو ومحمد عثمان الخليفة- الوحيدان من دفعتنا الذين اختاروا الآداب.. لاحظوا أنه يلبس الجلابة المغربية الشتوية، وأذكر أنه أول من لبس الجلابة المغربية من الطلاب السودانيين وقتذاك..

TalhaJibreel001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتب خلف الصورة: (عمر العزيز- مع أجمل تحياتي لك- طلحه) وأيضاً الصورة مأخوذة في استديو اطلس وتاريخها 7/12/1976م.. وقد رجع الأخ طلحه للإستقرار في المغرب مرة أخرى بعد سنوات من الإغتراب في الولايات المتحدة الأمريكية مراسلاً لجريدة الشرق الأوسط اللندنية والتي كان مدير مكتبها في الرباط في فترة الثمانينات، وربما الآن أيضاً.. التحية له أينما كان..

TalhaJibreel002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الثالثة للزميل العزيل محمد البيلي

M.BEELY.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتب خلف الصورة إهداء: (الأخ عمر- أهديك رسمي عنواناً للصداقة والإخاء- محمد البيلي).. وأيضاً الصورة مأخوذة في ستديو أطلس، وتاريخها 27/12/1976م.. والزميل محمد لم أره بعد أن فارقنا المغرب إلا قبل حوالي ثلاث سنوات عندما علمت من بعض الزملاء أنه مقيم بالرياض التي نقلت إليها في العام 2006م وتحصلت على هاتفه واتصلت به وعرفت انه لا يغادر بيته بسبب عملية جراحية في رأسه، فزرته وتعرفت على أسرته حيث كنت ازوره مع اسرتي من حين لآخر، ثم غادر في العام الماضي الى السودان حيث استقر به المقام هناك بمسقط رأسه أمدرمان.. أسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية وأن يحفظ أسرته الصغيرة ووالدته..

M.BEELY001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الرابعة للزميل الفكه الظريف محمد خالد وهو زميلنا في شعبة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس،

M.Khalid001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد كتب خلف الصورة: (صديقي عمر- للذكرى والتاريخ- النيل يجري في الوادي وحبك يجري في فؤادي، ولو كانت القلوب بتهدى لأهديتك حبك وقلبي- اخوك ابداً محمد خالد محمد عثمان- الرباط في 24/3/1967 "يقصد طبعاً 1976م) والصورة كما في سابقاتها في ستديو اطلس وتاريخها 20/11/1975م- يعني هو الفتح الدرب للباقين لاستديو أطلس! اين أنت يا صديقي بعد تلك السنوات الطويلة مذ فارقنا مغرب الأحباب؟

M.Khalid002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #245
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: omarmahdi
Date: 03-30-2014, 10:08 PM
Parent: #244

شكرا علي هذا الجمال

Post: #246
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-31-2014, 03:29 PM
Parent: #245


Quote: شكرا علي هذا الجمال


تسلم يا عزيزي عمر المهدي
شكرا لمرورك المقدر

Post: #247
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 03-31-2014, 05:14 PM
Parent: #246


الحلقة 191

نواصل ...

بعض الصور (5)

الصورة الأولى في ريستنقا- شمال المغرب حيث كنا في رحلة من الحي الجامعي او من مركز الشباب،

Maroc027.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد وجدت أنني كتبت خلف الصورة ما يلي:

(ريستنكا- شمال المغرب في 14 مايو 1978م- معي مجموعة من الأخوة المغاربة بينهم الأخ ستيتو في الوسط مع الواقفين- عمر حسن غلام الله)..
الشئ الذي استغربت له لماذا ذكرت فقط ستيتو؟ ولماذا لم أكن أعرف اسماء البقية؟ ومن هو ستيتو هذا الذي ذكرته؟ لقد أصاب الذاكرة الضباب فلم أتذكر الشخصية صاحبة الإسم ولا الشكل دلني على تلك الشخصية في الصورة..

الصورة الثانية بحديقة فاس العامة في قلب مدينة فاس بالمغرب، لاحظوا المياه المتدفقة امامنا وخلفنا والأشجار والخضرة.. هل يا ترى ما زالت تلك الحديقة غناء كما كانت في ذلك الزمان (20/2/1978م)؟

Maroc026.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وتضم الصورة من يمينك: عبد الوهاب الشريف، رضوان، احمد محفوظ (رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة)، مصطفى، عمر حسن غلام الله، الصحراوي، آيت، أجبر، مصطفى محفوظ..

الثالثة في حديقة فاس العامة أيضاً، ونحن فوق جسر يعبر تلك البحيرة الصناعية، ونفس المجموعة في الصورة السابقة،

Maroc029.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وما يميز هذه الصورة دعابة آيت حيث يتدلى من فوق الجسر نحو البحيرة ويمسك به عبد الوهاب الشريف وعبد الله الشريف ورضوان وكأنهم يريدون إلقاؤه في البحيرة.. كانت أيام لا تنسى.. ذكريات جميلة لناس أجمل لبلاد الجمال فاس الما وراها ناس.. وتاريخ الصورة هو نفس تاريخ السابقة 20/2/1978م.

الرابعة في تلال حول مدينة فاس، حيث صعدنا إلى تلك التلال والتقطنا هذه الصورة وغيرها، ومن هذه البقعة العالية خارج فاس تظهر كامل مدينة فاس وتبدو منارة (مئذنة) وقبة جامع القرويين بادية للعيان خلفنا بلونها الأخضر..

Maroc040.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد وجدتني قد كتبت خلف الصورة بخط يدي ما يلي:

(من اليمين: رضوان، أنا، عبد الوهاب الشريف، احمد محفوظ، مصطفى محفوظ، عبد الله الشريف، مصطفى، آيت، ثم صحراوي واقفاً وجوار كتفه مباشرة تظهر جامعة القرويين بسقفها الأخضر.
ذكريات عذبة في مدينة فاس خلدت في ذاكرتي أبد الدهر وستبقى هذه الصورة تذكاراً لأيام عُذاب قضيتها في عاصمة العلم والدين والثقافة، وكان ذلك أيام المولد النبوي الشريف- 22 فبراير 1978م- المغرب
عمر حسن غلام الله)
انتهت ا لكتابة.

الخامسة في نفس مكان الصورة السابقة ولكن ليس فيها غير شخصي،

Maroc042.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وقد وجدت مكتوباً خلفها بخط يدي:

(العبد الله في مدينة فاس، وتبدو فاس القديمة في الخلف وتبدو جامعة القرويين- ذلك السقف الأخضر الذي يبدو أمامي مباشرة.
ذكريات حلوة في فاس أيام المولد النبوي الشريف- 22 فبراير 1978م
عمر حسن غلام الله
المغرب)
انتهى الإقتباس..

وبرضو تقول لي بتحب المغرب ليه؟

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #248
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-01-2014, 04:11 PM
Parent: #247

اكتب النص هنا
الحلقة 192

نواصل ...

بعض الصور (6)

الصورة الأولى في فاس أيضاً، وتحديداً في جامعة فاس، وتضم من يمينك شخصي، أحمد محفوظ، رضوان، عبد الله الشريف، احمد محفوظ، عبد الوهاب الشريف.. وكل أصدقائي هؤلاء من مدينة تطوان، رحم الله الأخ العزيز أحمد محفوظ وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنان..

Maroc038.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


لنفارق فاس ونذهب الى طنجه، ففي الصورة الثانية شخصي واقفاً على سطح العبارة الراسية في ميناء طنجة،

Maroc033.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وكما يبدو مضيق جبل طارق خلفي بعد أرض الميناء، والصورة أذكرها تماماً فقد كانت في رحلتي الأولى نحو أوروبا، حيث انطلقت بالقطار من الدار البيضاء الى طنجة ثم ركبت هذه العبارة الى الجزيرة الخضراء منطلق رحلتي عبر أراضي اوروبا حيث بدأت بمدريد وانتهت بروما التي منها ركبت الطائرة السودانية الى الخرطوم.. والصورة التقطتها في يوليو 1976م.. والقميص الذي أرتديه في الصورة طبعت عليه بنفسي رسمة هندسية بالألوان الزيتية وبقوالب صممها إبن خالتي عبد الرازق مكي، أو إبن عمي مصطفى هاشم محمد طه..

ثم نرجع الى رباط الفتح، والى الحي الجامعي السويسي الثاني حيث نظهر في الصورة الثالثة بجوار أحد الأجنحة وأمامنا أحواض من الزهور الجميلة،

Maroc035.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ويظهر في الصورة من يمينك كمال شرف ثم ثريا احمد السيد حمد، ثم شخصي، ثم محمد أبكر ابراهيم، ثم محمد السماني عبد الرازق الذي يمد يده مصافحاً لثريا التي يبدو انها وصلت للتو وقبل التقاط الصورة بثوان.. واعتقد ان تاريخ الصورة إما في العام 1877 أو في العام 1978م..

أما الصورة الرابعة

Maroc037.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


فهي تؤرخ لرحلة طلاب كلية الإقتصاد – جامعة الخرطوم- الذين وصلوا الى المغرب في رحلة تابعة للجامعة، وكانوا ينزلون في فندق في السويقة بالرباط، وقد التقيتهم بالصدفة في شوارع السويقة ثم أخذتهم الى الشقة التي كنت أسكنها- وهي شقة اصدقائي البربر – شقة 12 عمارة 20 شارع مدغشقر، حيث مكثت اجازة الصيف في ذلك العام في المغرب، بالتالي يكون تاريخ الصورة يوليو او أغسطس 1977م.. الآن بعد ان قلبت الصورة وجدت خلفها مكتوب: (صورة لطلاب سودانيين- يدرسون في المغرب، وبعضهم جاء في رحلة من جامعة الخرطوم- وتشاديين، موقف بصات "الكيران"- الرباط – المغرب- أغسطس 1977م- عمر حسن غلام الله).. انتهى المكتوب خلف الصورة..

ولكن دعوني أتذكر ولو بعض هؤلاء، فعلى يمينك وقوفاً عبد الملك ابو بكر دوده- تشادي ولكنه يعيش في الفاشر بالسودان ويدرس معنا في الكلية، ثم كمال شرف الذي يدرس معنا أيضاً، ثم بعده (نسيت اسمه) ولكن لقبه كهرباء من أبناء رفاعة ويدرس بجامعة الخرطوم هو والثلاثة الذين يلونه، ثم جمال ميرغني يدرس معنا، ثم آمال محمد النور من جامعة الخرطوم، ثم ابو زيد محمد صالح يدرس معنا، ثم تشادي يدرس معنا..

وجلوساً من على يمينك: تشادي، ثم تشادي، ثم كمال من جامعة الخرطوم، ثم شخصي، ثم تاج السر احمد محجوب، ثم تشادي.. وما عدا كمال فالبقية يدرسون في المغرب..

أما الخامسة فتضمني وبجواري جميلة وحورية طالبات كلية الطب وتسكنان معي في الحي الجامعي السويسي الثاني،

Maroc041.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه الصورة امام محطة (الستيام) في شارع محمد الخامس، وتبدو أعمدة عمارة جديدة تبنى في مكان الستيام، وكانت جميلة وحورية مسافرتان الى بلدهما صفرو فرافقتهما الى محطة بصات الستيام، والتقط لنا الصورة مصوراتي بالكاميرا الفورية، واعتقد ان تاريخ الصورة هو 1976م وفي عطلة الربيع، وقد وجدت الصورة وقد اتلفتها أمطار مدني ولكن ما بقي منها يكفي رغم عدم وضوح تفاصيل وجهي، والى حد ما وجه حورية.. التي من أجلها جئت لتوصيلهما الى محطة الستيام..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #249
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-02-2014, 05:55 PM
Parent: #248


الحلقة 193

نواصل ...

بعض الصور (7)

الصورة الأولى سبق ونشرتها هنا، ولكن لم تكن واضحة وقد فعلت أمطار مدني فيها ما فعلت، وقد وجدت نسخة نظيفة تحتفظ بها والدتي وهأنذا أدرجها هنا،

Maroc043.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ولحسن الحظ وجدت خلفها مكتوباً إسم صاحبي المغربي (عبد الرحمن)، ويبدو من كتابتي خلفها انها كانت مرسلة لأهلي من الرباط، والمكتوب خلفها:

(صورة تذكارية تجمعني والأخ الصديق المغربي عبد الرحمن، ومن خلفنا يبدو الحي الجامعي السويسي الثاني وجزء من مباني ملحق الكليات بالسويسي- الرباط
عمر حسن غلام الله)

ومباني ملحق الكليات باللون البني خلف أجنحة الحي الجامعي السويسي الثاني بيضاء اللون والمتدرجة مثل الهرم المتدرج، ويظهر ايضاً فوق مباني ملحق الكليات أوناش الرفع.. مما يدل على أن العمل كان لا يزال جارياً في تلك الكليات ولم تكتمل ساعتها بعد، كذلك يدل لونها البني على ذلك إذ أنها لم تطلى بعد.. والصورة ملتقطة لنا ونحن في ذلك الخلاء الذي يفصل بين الحي الجامعي السويسي وبين يعقوب المنصور البعيد، وكما تلاحظون فإن الحشائش و(الربيع) تغطي ذلك الخلاء، والربيع عند المغاربة هو العشب والحشائش.. وللأسف لم أجد تاريخاً مسجلاً خلف الصورة، ولكن أرجح انها كانت في ربيع أو صيف 1977 أو ربيع أو صيف 1978م..

الصورة الثانية ربما كانت في مدينة (تصغير القنطره) بين الرباط وطنجه، او ربما كانت في العرائش التي في الطريق بين الرباط وطنجه (وهذا الأرجح)، وعلى ما أظن اننا كنا في رحلة الى طنجه او شئ من هذا القبيل، فهبطنا في المحطة لنتزود بالطعام والشراب والتقطنا هذه الصورة، والذي يظهر في الصورة معي هو من أبناء الحي الجامعي ولا أذكر اسمه،

Maroc062.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الثالثة في احتفال تخريج دفعتنا الذي أقامه اتحاد الطلاب السودانيين بالمغرب في 9/7/1978م، ويبدو في الصورة من يمينك فيصل، عبد الله، محمد جمال دهب، وفي الخلفية بيني وبين جمال يظهر عمر الإمام النور، واقصى يسارك يظهر محمد المنير حماد.. وعلى ما أظن هي في قاعة بالحي الجامعي السويسي الأول- الرباط- المغرب..

RabatHaflah001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الرابعة في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وعلى ما يبدو أنها في العام 1976م وسأحاول تذكر ومعرفة ما تضمه من زملاء،

MolayIsmail.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


من يمينك يظهر واقفاً كمال شرف (بالجلابية) ، بكري أيوب (ربما) ، محمود الصاحب، عمر حسن غلام الله، محمد السماني عبد الرازق، عبد الله خالد (الملقب يومها بكوميرا)، سيف الدين عبد المنعم، محمد أبكر إبراهيم، أبو زيد محمد صالح، (لم أتبينه)، (لم أتبينه)، أحمد محيي الدين (ربما)، عز الدين عبد الوهاب، مصطفى البطل، خضر عباس.
جلوساً من على يمينك: محمد عثمان الخليفة، بكري علي، حمو (ربما)، (لم أتبينه)، أمامه محمد خالد، بجواره تجد محمد جمال دهب، خلف محمد جمال تجد أبو طاقيه (لم أتبينه)، بجوار محمد جمال تجد عبد اللطيف محمد خير، خلفه محمد عمر حامد، ثم النور محمد احمد، وأخيراً فيصل الحلفاوي..

الخامسة أيضاً في الحي الجامعي مولاي اسماعيل، وعلى ما يبدو أنها في العام 1976م كسابقتها،

MolayIsmail2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وتضم من يمينك وقوفاً: عبد الله الحلفاوي، كمال شرف، محمد السماني عبد الرازق، محمد خالد، ابو زيد محمد صالح، عمر حسن غلام الله، طالب تشادي، عز الدين عبد الوهاب، محمد عمر حامد، (لم أتبينه)..
جلوساً من يمينك: بكري علي، محمد ابكر ابراهيم، محمد عثمان الخيفة، سيف الدين عبد المنعم، النور محمد احمد، محمد جمال دهب، احمد محيي الدين، عبد الله خالد (كوميرا)..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #250
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-03-2014, 02:21 PM
Parent: #249


الحلقة 194

نواصل ...

عودة للطائف.. وإغلاق مكتبنا

نعود للطائف بعد رحلة المغرب.. وكان مكتب الإستقدام الذي اعمل فيه قد ازدحم بطلبات استقدام السائقين والخادمات من إندونيسيا.. كان بعض العملاء يرجعون الخادمات لمشاكل منهن أو عليهن، وغالباً يرفض صاحب المكتب استلامهن إذا كان السبب غير مقنع له، وأحياناً يقبل تسفيرهن واستبدالهن بغيرهن.. وذات يوم أرجع أحدهم خادمة اندونيسية واتصلنا بصاحب المكتب الذي كان هو وأسرته في مكة المكرمة، وبعد ان تفاهم مع كفيلها طلب منا أن نستلمها، فأحضرها كفيلها إلى المكتب والذي ملحق به السكن الخاص بنا، وكنا نضعهن في الصالة كما القادمات للتو من السفر لحين استلام كفلائهن لهن.. اما المغادرات فحتى نأخذهن الى مطار جدة يبقين في نفس الصالة بنفس الشقة التي نسكن بها..

كانت هذه الخادمة تتكلم اللغة العربية- اللهجة السعودية- بطريقة جيدة، رغم انها قدمت حديثاً للسعودية، وبررت معرفتها للغة العربية بقولها لي أنها درست في معهد للغة العربية في اندونيسيا، وحسب تجربتي فإن دارسات معهد اللغة العربية يتحدث العربية الفصحى وليس اللهجة السعودية، لذلك خمنت بأنها تخفي وجودها من قبل في السعودية- وعادة لا يعترفون بأنهم كانوا من قبل في السعودية لأن أهل البلد لا يفضلون من خدم أو خدمت سابقاً في بلادهم إذ يعتقدون بأنهم يكونون (مفتحين) وممكن أن يسببوا لهم مشاكل او مطالبات أو أن يكون لهم علاقات مع سائقين آخرين وخادمات أخريات او لهم علاقات مع أناس آخرين هنا- وبالفعل فيما بعد اتضح أنها كانت تعمل في الرياض قبل أن يعاد استقدامها للعمل بالطائف..

المهم باتت في شقتنا تلك الليله ثم جاء صاحب المكتب في اليوم التالي وأخذها الى بيته..

بعد يومين من ذلك أبلغني زميلي المصري مصطفى أن رجلين سعوديين جاءا يسألان عن إبن صاحب المكتب، فأفادهم بأنه في المدرسة.. سألوه أي مدرسة فذكرها لهم.. وأحس وقتها بأن الأمر فيه ما يريب.. وكان معه حق.. فتلك الخادمة كانت السبب في إغلاق المكتب..

بعد أن أخذها صاحب المكتب الى المنزل أحضر أهله من مكة.. وذات صباح رأته بعلته وهو يمازح الخادمة في المطبخ فاستشاطت غضباً وصاحت فيهما، فخافت الخادمة، ثم جمعت تلك الخادمة وخادمته التي بالمنزل حاجياتهما ووضعتاها في حقيبتاهما ثم خرجتا خلسة من الشقة الى خارج العماره وسارتا في الشارع.. سارتا في الشارع في وقت لا يكون فيه احد في الشارع، فالطلاب في مدارسهم والموظفين والعمال في اماكن عملهم وربات البيوت في بيوتهن إما نائمات وإما يجهزن طعام الغداء.. فكان منظر هاتين الخادمتين وهما تحملان حقيبتيهما في تلك الشوارع الخالية منظراً ملفتاً لنظر دورية الأمن التي تجوب الأحياء.. فاستوقفتهن ثم أخذتهن الى مخفر الشرطة.. فحكتا ما حدث لهن.. فاستدعت الشرطة صاحب المكتب وحبسته رهن التحقيق.. وأقرت الخادمة بأن الولد قد أعطاها مائتا ريال... فاستدعي من المدرسة، وأقر بما قالته الخادمة، وحولته الشرطة للقضاء وحوكم وأرسل الى جدة لتنفيذ حكم الحبس والجلد في دار للأحداث؛ حيث كان دون الثامنة عشره..

زرت صاحب المكتب في سجن الطائف عدة مرات بشأن العمل، فقال لي أنه يحلف بالله وهو صائم انه لم يفعل بتلك الخادمة ما يفعل الرجل بامرأته.. ومع ذلك قضى في السجن أسابيع وربما شهور لم أعد اتذكر، وتم استدعائي للشهادة حيث ارسلوا لي دورية لتأخذني للمخفر وكذلك تم استدعاء زميلي مصطفى.. فسردت لهم ما حدث منذ البداية حيث أحضرها كفيلها للمكتب وإتصالي بصاحب المكتب الذي طلب مني استلامها وإبقائها بالمكتب حتى حضوره.. ومن ثم حضوره في اليوم التالي وأخذه للخادمة من المكتب إلى بيته، وقد طلب مني الضابط ان اكتب الشهادة بنفسي في دفتر التحريات، بينما كان يسجل هو اقوال زميلي مصطفى.. وكنت قد رأيت الخادمة- وأظن أن إسمها سرياتي- في المخفر ومعها الخادمة الأخرى، وقلت في نفسي ماذا لو قالت شيئاً عني؟ إلا أنها كانت تعرف من أين تؤكل الكتف.. فقد طلبت عبر المترجم تعويضاً قدره مائتي الف ريال حيث ادعت ان صاحب المكتب فعل فيها ما فعل - والذي حلف بأنه لم يحدث- إلا أن تقرير الطبيب الشرعي أكد الفعل لكنه لم يثبت نسبه لصاحب المكتب.. بالطبع لم يكن لي صلة بذات الفعل..

ولم يثبت على صاحب المكتب شئ إلا أخذه للخادمة ووضعها في البيت وأهله غير موجودين، فقال لهم أأتركها في المكتب وسط الموظفين أم آخذها للمكتب؟ ولكنهم بعد شهور من التحقيق والحبس حكموا عليه بالجلد بتهمة الإختلاء.. وتم إغلاق مكتب الإستقدام وإلغاء الترخيص.. فأصبحت بلا عمل تقريباً..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #251
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-06-2014, 05:46 PM
Parent: #250


الحلقة 195

نواصل ...

وأصبحت خالي عمل

بمناسبة عقوبة الجلد في السعودية.. وللمقارنة فقط مع تلك العقوبة في السودان؛ فإنه مسموح للمدان ساعة تنفيذ العقوبة أن يكون ملثماً، كما أن القرار الذي يتلى قبل التنفيذ لا يذكر فيه إسم المدان، فقط يكتفى بالقول: (إن هذا الماثل أمامكم مدان بكذا وكذا) ورغم أن العقوبة تتم في مكان عام كالسوق مثلاً إلا أنه يمكن للمدان أن لا يظهر حقيقة نفسه، ولا المنفذ يظهرها.. كما أنه مسموح له بأن يلبس ملابس كثيرة حتى لا يؤلمه الضرب.. والضرب يكون بعصا صغيرة (بسطونه) حينما يضرب بها الشرطي المدان لا يفارق ذراعه جنبه أبداً، فقط يتحرك ساعده بالعصا، كما ان الجلد يكون ضربة في أعلى الظهر مكان الكتف، وضربة في أعلى إليتيه.. وفي السودان بسوط العنج وبأقصى قوة يملكها العسكري ويبطح الرجل- كما المرأة على الأرض- وتجلد المرأة أمام الرجال.. وتعلن أسماء المدانين وإدانتهم.. وأذكر أيام النميري كانت تعلن الأسماء في وسائل الإعلام، بل بشهرة المدان أيضاً او بشهرة أحد اقربائه.. وما ذنب القريب في جريمة او جناية او جنحة ارتكبها قريبه؟ (ولا تزر وازرة وزر أخرى)..
نعود لقضيتنا، ومكتبنا الذي تسببت في إغلاقه سرياتي- وربما صاحبه- فلم نعد نستقدم العمال والسائقين الخادمات.. ولكن نشاط مؤسسة المقاولات استمر، وتذكرت الآن كيف أن صاحب المكتب استقدم أحد أبناء النيل ليكون مسؤولاً عن مكتب الإستقدام ومؤسسة المقاولات كليهما؛ أن يكون رئيسنا انا وزميلي مصطفى المسؤول عن مكتب المؤسسة.. وحينما وصل هذا المسؤول كنت مسافراً للسودان في إجازة.. وقضيت يوم أو يومين معه قبل سفري وسلمته المكتب، وكان يقول لنا: لا تقولوا لي يا بيه قولوا لي يا أبو فلان.. وأنا من ناحيتي سواء قال لي ذلك ام لم يقل لي فلن أقول له يا بيه.. ببساطة لأنني لست من بلده ولا أستخدم مثل هكذا صفات.. وحتى زميلي مصطفى وهو إبن جلدته استاء من هذا الكلام.. وكنا نستغرب من كفيلنا كيف يأتي بشخص ثالث ونحن نقوم بالعمل على أكمل وجه، وكان الأولى ان يوزع راتب هذا الشخص علينا حيث كانت رواتبنا متدنية جداً مقارنة بما نقوم به..

المهم بعد قضاء إجازتي بالسودان رجعت فلم أجد هذا الشخص في المكتب ولا في الطائف ولا في السعودية.. ماذا حدث يا مصطفى؟ قال لي مصطفى: لقد جاءه اتصال هاتفي من أسرته وصار يبكي ويقول ان البيت إنهد على أطفاله.. وطلب من الكفيل عمل تأشيرة خروج وعوده له ليسافر لأسرته.. واستجاب له الكفيل.. ثم تكشفت الأوراق بعد سفره حيث اتضح أنه كان يعطي العمال سلفيات ويقيد ضعفها عليهم في السجلات، ويطلب من طالبي استقدام الخادمات خمسمائة ريال إضافية لتسريع إجراءات استقدام خادماتهم، ويقول لهم: (استقدام عادي بخمسة آلاف، ومستعجل بخمسة آلاف وخمسمائة).. والخمسمائة لا يعطي إيصالاً لها، بل يعطي إيصال بخمسة آلاف فقط.. ولم يرجع بعد ذلك، ومؤكد أنه لن يرجع.. وما كان ذلك الاتصال الهاتفي والبكاء والنحيب غير تمثيلية ليهرب بغنيمته.. طيب ما قلنا ليك يا كفيلنا من الأول..

بعد حادثة سرياتي وإيقاف نشاط المكتب اضطررت للعمل كعامل مع البنائين التابعين لمؤسسة المقاولات، وعلى ما أذكر كنت في السابق أشرف على العمال في مشروع تشطيب فيلات الحرس الوطني عندما يكون زميلي مصطفى في إجازة.. وذلك نهاراً، بالإضافة إلى أعمال مكتب الإستقدام مساء.. أما الآن فكنت أعمل (طلبه) لكي لا أبقى عاطلاً ولكي أنال القليل من الأجر (30 أو 50 ريال في اليوم) الذي يعينني على العيش وإرسال ما تيسر لأهلي بالسودان..

ثم التحقت بعمل بائع في محل ملبوسات كان صديقنا محمد علي النوري يعمل فيه، ومحمد هذا كان قد استقدمه كفيلنا – لا أذكر تحت كفالته ام لصالح كفيل آخر- وكان قد عمل في الجمعية التعاونية في أبو راكه قرية كفيلنا، ثم رجع للطائف واشتغل في محل المبلوسات هذا الذي على ما أذكر اسمه (معرض التوفير).. المهم اشتغلت بائع في المعرض لفترة من الزمن ربما شهر او أكثر لا أذكر وبراتب ربما 1500 او 1800 ريال لا أذكر.. وذات مرة أبديت ملاحظتي على قلة الراتب للعمال او على ساعات الدوام لا أذكر فاستغنى عن خدماتي صاحب المعرض.. ثم انتقلت للعمل مع مكتب للسفريات يملكه موظف بالبنك الأهلي، وكان راتبي 2000 ريال، ولم ينجح المكتب لأنه كان في شارع جانبي في حي شعبي، وكان يضع صور للخطوط السعودية وبوسترات فيما يوحي بأنه وكيل للخطوط، وذات مرة جاءني شخص وسألني عن صاحب المكتب فقلت له أنه غير موجود فقال لي قل له يراجعنا في مكتب الخطوط السعودية لأنه ليس وكيل للخطوط ويضع بوسترات توحي بذلك.. فلما جاء صاحب المكتب أخبرته فبدأ بنزع تلك البوسترات بنفسه..

ولم يقصر أصحابي في الطائف مثل صالح عمر وخليل محمد خليل في البحث لي عن عمل هنا او هناك ومن ضمنها مكتب السفريات المذكورة أعلاه، وكان استغرابي أنه يتم قبولي للعمل ثم ينتهي الأمر الى لا شئ، واحياناً يحددوا لي موعداً لبدء العمل ولكن لا أباشر العمل.. حتى اصدقائي هؤلاء كانوا اكثر استغراباً مني.. وحتى اقربائي في جدة كانوا يجدون لي وظيفة هناك مثل عمنا تاج السر شنيبو عليه رحمة الله، ولكن كالمعتاد لا أوفق في الدخول إليها.. إلا واحدة كانت في شركة تسمى القريشي في حي السلامة بجدة، حيث عملت كسكرتير في تلك المؤسسة التي تتعامل في بيع المواد الغذائية بالجملة.. وكان هناك أخوان يديرانها، احدهما متفرغ لها والآخر مهندس يأتي فقط في الأمسيات، واختلفت مع المهندس فأوقفني عن العمل ولم يرد شقيقه ان يخالفه، فأخذني في إحدى الشركات التابعة له وهي شركة ليموزين منشأة حديثاً ومقرها في نفس المبنى، وكنت أسكن في غرفة في شقة في نفس المبنى، وبقية الغرف في الشقة يسكنها فلبينيون يعملون بالشركة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #252
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-07-2014, 05:21 PM
Parent: #251


الحلقة 196

نواصل ...

توظفت في دله البركة


أثناء تواجدي بجدة كان حسن إبن عمي يعمل بشركة دله البركة، فأخبر مدير الإدارة بخصوصي فقال له ان لديهم وظيفة سكرتير في الإدارة، وبعد شهور من الإنتظار تم تعييني سكرتير بإدارة الاستثمارات العامة بمجموعة دله البركة، وكان مدير الإدارة هو عبد الرحمن عبده، ونائب الرئيس للاستثمارات العامة هو الدكتور عبد الفتاح ناظر.. واستلمت الوظيفة في اول اكتوبر 1988م وبعد حوالي الشهر استخرجوا لي تأشيرة عمل من دله البركة، فطلبت من كفيلي في الطائف ان يعمل لي تأشيرة خروج نهائي، ففعل فأخذت تأشيرة دله البركة وسافرت بها إلى السودان حيث قابلت عابدين وكيل دله في السودان وسلمته جواز سفري وصورة التأشيره فطلب مني إجراء فحوصات لدى عيادات معينة وبعد معاناة مع هؤلاء الأطباء ومحاولة استنزافي لعمل منظار واشياء من هذا القبيل رجعت لعابدين وقلت له انني مقيم بالسعودية بالفعل وقد انهيت اقامتي للتو ولا داعي لاعتباري ذاهب للسعودية لأول مره.. فتركوني وشأني وأكمل اجراءات تأشيرتي في السفارة السعودية وسلمني الجواز..

في هذه الفترة وأنا في السودان الخط شبك مع بنت بنت عمتي في الخرطوم..

بعد حوالي الشهرين رجعت للسعودية وواصلت عملي في دله البركة.. وبقيت الى حين في سكن شركة الليموزين وكنت بالمساء اعمل معهم، وبما أن المسافة بين مقر سكني والشركة ليس فيه مواصلات فاتفقت مع احد سائقي الليموزين التابعين للشركة (وإسمها ليموزين البحر) لتوصيلي يومياً من السكن الى الشركة بحوالي 500 ريال شهرياً.. ثم بعد ذلك انتقلت للسكن مع اقرباء لي عزابه- محمد وداعه- بحي الثعالبة.. ثم اشتريت سيارة مستعملة (نيسان- داتسون 140 واي موديل 1979م).. كنت اتنقل بها بين السكن والشركة وكذلك بين جدة والطائف التي كنت ازورها بانتظام وأصل اصدقائي القدامى خاصة الدكاترة الصيادله أسامة خضر ومحمد سعيد نوري وكذلك زملائي في العمل بمحلات التوفير للملبوسات الجاهزة محمد علي نوري وعوض ميسان ودفع الله.. وكذلك كفيلي وابناءه واصدقائي سيف عبد الله سيف وعايض الشلوي واحمد الأحمدي الحربي، وكذلك جيراني القدامى في حي العقيق..

وغالباً كنت ارجع من الطائف فجر السبت حيث أصلي الفجر وأتحرك عبر جبل الهدا الذي يكون في تلك الساعة من الصباح هادئاً وكنت أرى القرود تنزل من الجبال لحافة الطريق، ولكن إذا ارتفعت الشمس قليلاً فإنها تختفي وتعود الى اوكارها في الجبال (تبدل الحال فيما بعد وأصبحت تتواجد طوال اليوم، بل وأصبحت تألف الناس وتنتظرهم ليعطوها الموز والفواكه والخبز)، وكنت استمتع بسماح إذاعة أمدرمان من مذياع سيارتي لا سيما في أعلى الجبل، حتى إذا ما هبطت الى السهل اختفت الموجه.. وكنت أصل مباشرة الى مقر الشركة مع بداية الدوام لا سيما وان مقرها في اول شارع فلسطين من جهة الخط السريع القادم من مكة..

كان يعمل في إدارة الاستثمارات العامة غير مدير الإدارة إبن عمي حسن عبد الرحيم قيلي وعثمان احمد المقابل ومحمد الحسين سيد احمد الذي انتقل اليها من شركة الراجحي مؤخراً (أيام بداية عملي معهم) وكان هؤلاء الثلاثة محللين ماليين، وثلاثتهم سودانيين، وكان هناك مساعد إداري سعودي هو فهد وطابع على الآلة الكاتبه هو مصطفى نصر وهو سوداني ايضاً، وكاتب آخر هو جمال برهان وهو اريتيري، كما يوجد اخصائي كمبيوتر هو سليمان توماويس وهو فلبيني مسلم، وفراش مغربي هو بولحروز الحسن..

في 12/12/1989م أجريت عملية استئصال اللوز، وكان معي وقتها والداي حيث قدما للعمرة، وفي نفس هذا التاريخ بعد ان خرجت من المستشفى ورجعت لعملي أخبرني عبد الله عوض المحاسب بالإدارة المالية بمجموعة دله والتي توجد بالدور الخامس مع ادارة الاستثمارات العامة، اخبرني أنه قرأ لي موضوعاً في الشرق الأوسط بذات التاريخ، وكان الموضوع بعنوان: (خلط أهل المشرق بين جامعة القرويين وجامعة القيروان) وهو ثاني موضوع أرسله للشرق الأوسط، فنشروا هذا وبعثوا لي رسالة تفيد بوصول الأول وكانت بتوقيع نائب رئيس التحرير آنذاك محمد التونسي، وتحثني الرسالة على مواصلة الكتابة، وهي عبارة عن إعتذار مبطن لعدم نشر الموضوع الذي أذكر انه كان بعنوان: (انتبهوا حكام السودان الجدد فإن السلطة مفسدة)، وفي نفس الوقت دعوة للكتابة بالجريدة.. وبالفعل نشروا لي كل موضوع أرسلته لهم بعد ذلك..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #253
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-08-2014, 05:20 PM
Parent: #252


الحلقة 197

نواصل ...

خطبت وتزوجت

عندما كنت في اندونيسيا في العام 1986م تزوجت افروديت من أحد أقربائها وهو أيضاً من أبناء حينا 114 بمدني، والذي كان مستقراً من مدة طويلة بالعاصمة الخرطوم.. وبذا انقطع كل رجاء وأمل للعودة إليها والإقتران بها.. وبما أن العمر يمضي وهأنذا قد تعديت ثلث القرن عمراً فكان لابد ان ألحق بقطار الزواج.. لم يخفق قلبي لحب غيرها، فما الحل؟ لم يكن هناك حل غير الزواج بالعقل.. أي الإختيار بالعقل لا بالقلب.. ويبدو ان الجمال كان له الغلبة في نسب المطلوب في زوجة المستقبل، حيث لم يقبل عقلي من هي أقل جمالاً من افروديت- التي لم أكن أحبها لجمالها، بل أحببتها وتصادف انها كانت جميله، ثم ازدادت جمالاً- لذلك كان ترشيحي للجميلات.. ثم ألقيت بتلك الفكرة جانباً.. لا يمكن أن أتزوج بعقلي فقط.. لابد من أن يخفق قلبي لمن سأتزوجها.. وتركت لنفسي العنان ان تلتقط اي طرف خيط صادر من اي فتاة.. فوجدت خيطاً ولكنه كان (مشربك) فتركته، ووجدت ذاك مقطوعاً من البداية فألقيت به جانباً، ووجدت آخراً معقداً.. وواصلت رغم كل ذلك.. فكان الخيط الوحيد الذي ثبت في يدي وواصلت التمسك به هو الخيط الذي قادني لبنت بنت عمتي كما أسلفت.. وكان ذلك في أواخر العام 1988م، وبعد سنة خطبتها من والدتها التي أخبرت والدها، ثم أكمل أهلي الموضوع بطلبها رسمياً من اهلها..

ثم جئت للسودان في اجازة وكنا وقتها مخطوبين وكانت تدرس دبلوم محاسبة بجامعة السودان.. وعند انتهاء دراستها تم الزواج، وكان يوم حفل توزيع شهادات تخرجهم هو يوم زفافنا، وقد حضر زملاءها وزميلاتها حفل التخرج ثم توجهوا من الجامعة الى حي الرياض بالخرطوم لمشاركة زميلتهم سميه هاشم، وكان ذلك في 23/7/1992م، حيث كان الفنان محمد ميرغني يغني.. بينما غنى ياسر سيد خيلفه (من أبناء مدني وكان يقلد سيد خليفه بنفس صوته) في حفل الحناء في مدني في منزلنا بحي عووضه في الليلة السابقة..

في صبيحة اليوم التالي، اي يوم 24/7/1992م تمت مراسم الجرتق بمنزل هاشم مكاوي وأذكر ان جيرانهم الخواجات- وكانوا يعملون في منظمة إغاثية بالسودان- صوروا الجرتق وسألوا عن تلك العادة السودانية.. ثم توجهنا ومعنا وزيرتا العروس سميره هلوده ورويدا بسيارة إبن عمتي الرشيد عكاشه الى الاستديو للإلتقاط صور بالزي البلدي، بينما التقطنا بزي الزفاف صوراً في الليلة السابقة عقب الانتهاء من الكوفير .. ثم بعد التقاط الصور توجهنا الى فندق السودان حيث كنت قد حجزت غرفة هناك.. ثم غادرنا الوفد المرافق.. كان موقع الفندق رائعاً حيث كان يطل على شارع النيل وعلى النيل الأزرق.. وقد تمشينا كثيراً على شاطئ النيل الأزرق، وزرنا حديقة الحيوان التي كانت قريبة جداً من الفندق واستقبلتنا هناك إبنة عمي آسيا عبد الرحيم التي كانت تعمل هناك..

صورة لحظيرة النعام بحديقة الحيوان بالخرطوم التقطتها بكاميرتي في زيارتنا تلك

000062.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


كذلك زرنا متحف السودان القومي وتجولنا فيه واستمتعنا بما فيه من مواد تاريخية لأول مرة نراها.. والصورة أدناه لشخصي في حديقة المتحف

000102.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


بقينا ثلاثة ايام في فندق السودان ثم انتقلنا الى القرين فيلدج التي تقع وسط غابة على النيل بجوار معرض الخرطوم الدولي، وكانت في الأصل مقر ضيافة وفود المعرض، وهي عبارة عن بيوت جاهزة التصنيع مثل تلك التي توضع في المعسكرات، وهي قابلة للنقل ومصنوعة من فايبر قلاس، وموزعة بين أشجار الغابة، وهناك مبنى الإدارة والمطعم وأمامهما ساحة فيها نافوره.. وما زلت أذكر حركة وأصوات الورل الذي يسكن تحت غرفتنا ويتجول بين الغرف وبين الأشجار.. كان فندقاً جميلاً ومميزاً وغير تقليدي ورومانسياً أيضاً..

الصورة للعروسين في حدائق القرين فيلدج

000021-2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #254
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-09-2014, 05:17 PM
Parent: #253


الحلقة 198

نواصل ...

شهر العسل في أديس أبابا

بعد إتمام عقد القران أصدر أهل سميه لها جواز سفر مستقل- بعد ان كانت مضافة في جواز سفر دبلماسي لوالدتها، حيث كان أبوها بدرجة وزير في أواخر العهد المايوي، وكان يشغل منصب رئيس جهاز التفتيش الإداري.. ثم أرسلوا لنا جواز السفر الجديد فأخذته مع جوازي ووثيقة عقد القران وتوجهت نحو إدارة الجوازات لعمل تأشيرة خروج لها بغرض السفر الى اثيوبيا لقضاء بقية شهر العسل هناك.. فطلب مني ضابط الجوازات تصديق العقد من المحكمة، فذهبت للمحكمة، وبما أن العقد كان حديث عهد فلم يصل لتلك المحكمة، فأرسلوني للمحكمة التي يتبع لها المأذون في حي العمارات.. وبعد ان صدقت العقد طلبوا مني أخذ الإذن من جهاز الأمن- الذي كان له مكتب في إدارة الجوازات نفسها- ولكن كان دوامهم قد انتهى ولا مناص من الانتظار حتى السبت، فرجوتهم أن يتغاضوا عن هذا الشرط سيما وأن رحلتي التي حجزت عليها مساء الخميس وستفوتني إن انا انتظرت حتى يوم السبت، وأن يكتفوا بعقد القران المصدق وب (الحنة) التي على يديّ فرفضوا وعلمت أن ذلك التشديد مرجعه الى ان بعض الرجال يسافرون مع زوجاتهم بعقد قران سليم ولكن الزوجة لا تكون زوجة حقيقية وإنما بائعة هوى تستأجر ذلك الزوج ليخرجها لتمارس تجارتها في الخارج مما يسئ لسمعة البلد..

يعني لم يشفع لي قطع شهر عسلنا للتفرغ للتأشيرة وتوثيق العقد ولم يشفع لي وظيفتي في الجواز والشركة المعروفة التي اعمل بها في السعودية، ولم يشفع لي إسم والد العروسة الذي كان وزيراً سابقاً.. وكان لابد من انتظار السبت.. فاحتطت لأي مفاجآت أخرى وأحضرت معي العروسه فربما يطلبونها شخصياً.. ومن الصباح الباكر تركنا غرفتنا الباردة وقطعنا نومتنا وحضرنا الى مقر مكتب الأمن الذي لم يكن به أحد، فبقينا ننتظر حتى حضر الموظف، وما إن جلس على كرسيه حتى دخلنا عليه وسلمناه الجواز والورقه فقام على الفور بالتأشير عليها، وقال لنا: (ديل ما عارفين شغلهم- يقصد موظفي الجوازات- لأن موافقة الأمن دي للماشه مع خالها مع عمها مش مع زوجها)! يعني انتظرنا يومين وفوتنا الطياره لأن موظفي الجوازات ما عارفين شغلهم؟ ثم سلمنا الجواز لإدارة الجوازات بعد أن ذكرت لهم ملاحظة ضابط الأمن من أن موافقة الأمن ليست لمن يرافقها زوجها.. ولا أدري هل ختمنا تأشيرة الخروج فوراً ام انتظرنا لفترة أم ذهبنا وعدت لاستلامها مرة أخرى من إدارة الجوازات.. والحمد لله أن الدخول لاثيوبيا لم يكن يتطلب تأشيرة دخول من سفارتهم بالخرطوم وإلا لكان وقت إجازتي قد انقضى وراء التأشيرات..

رجعنا الى الفندق وبقينا فيه ربما ليلة أخرى ثم انتقلنا الى منزل أسرة العروسة ثم تأهبنا للسفر الى اديس ابابا.. وفي اليوم الأخير من يوليو أو اليوم الأول من أغسطس صعدنا الى طائرة الخطوط الإثيوبية، فجاءت المضيفة ودعتنا الى الانتقال الى مقاعد درجة رجال الأعمال حيث هناك مقاعد شاغره، ولا أدري لِمَ لمْ نلبي طلبها فبقينا في أماكننا، وربما بقاءنا في مقاعدنا بالدرجة السياحية كان أفضل لنا حيث ان الذي كان يجلس بجانبي سوداني رجل اعمال يسافر كثيراً الى اثيوبيا فأرشدنا الى الفندق الذي ينزل فيه مما كفانا مؤونة البحث عن فندق عقب وصولنا الى مطار أديس أبابا..

حلقت الطائرة فوق أديس أبابا التي تحيطها الجبال المخضرة، وكان الجو غائماً والسحب تلبد السماء.. ثم هبطت الطائرة في ارض المطار المحاط بالجبال أيضاً.. كان مطاراً بسيطاً وصغيراً، نزلنا من الطائرة وتوجهنا نحو الصالات وعبرنا كاونتر الجوازات بيسر وبدون تعقيد.. ثم التقطنا امتعتنا من صالة العفش وخرجنا ومعنا صديقنا السوداني حيث استقلينا تاكسي عبر بنا في طريقه الى البلد مناطق عشوائية ثم بدأ العمران بدخولنا الى اديس أبابا، ثم توقف التاكسي أمام فندق "قيون" وهو فندق خمس نجوم يقع وسط أديس أبابا، وكان للفندق حديقة كبيرة امامه بها أشجار ونجيله وزهور، رغم أنه يطل على الشارع الرئيسي القادم من المطار.. توجهنا الى كاونتر الاستقبال وسجلنا اسماءنا ومعلوماتنا واستلمنا مفتاح الغرفة وودعنا صديقنا وصعدنا الى غرفتنا التي كان لها شرفة تطل على منظر خلفي بديع..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #255
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-10-2014, 02:30 PM
Parent: #254


الحلقة 199

نواصل ...

أديس أبابا أو الوردة البيضاء..


بعد أن اغتسلنا ونمنا واستيقظنا لبسنا ثيابنا وهبطنا الى صالة الاستقبال في الفندق، وقد لاحظنا أنهم جعلوا قسماً من الصالة لعرض وبيع المنتجات التقليدية الإثيوبية، وبطاقات بريدية عليها مناظر من إثيوبيا، ثم خرجنا من الفندق وتفرجنا على الحديقة الجميلة التي أمام الفندق، ثم تمشينا قليلاً في الشارع الذي يمر من أمام الفندق وهو نفس الشارع الرئيس الذي يمتد من المطار الى وسط المدينة.. على هذا الشارع محلات تجارية وفنادق، وبينما نسير ألح علينا طفل صغير في السؤال، وكان يتكلم الإنجليزية بطلاقة رغم صغر سنه (ربما كان في التاسعة أو العاشرة او دون ذلك) ورغم انه شحاذ.. وسألناه عن إسمه فقال إن إسمه محمد، فقلت له أي أنك مسلم، فقال لا، انا مسيحي.. كيف تكون مسيحي واسمك محمد؟ فقال ممكن، لم لا؟

المهم هو يتكلم معنا ونحن نسير في الشارع ويصر على أن نعطيه.. فقلت له لا نملك (بر) لأننا وصلنا للتو لأثيوبيا ولم نصرف بعد فلوسنا.. فأشار الى زوجتي وقال لي قل لها تعطيني.. فقلت له من أين لها (بر) لتعطيك؟ فقال لي هي إثيوبية وأكيد معها بر؟ فضحكنا.. وقلت له إنها ليست إثيوبية.. بل سودانية.. ويبدو انه لم يصدق واعتبرني أتحايل عليه لكيلا أعطيه.. ولما اقتنع بأنها ليست إثيوبية استغرب وقال إنها تشبه الإثيوبيين شبهاً شديداً، بل والأمهرة تحديداً.

نفس الشئ حدث عندما تجولنا على أقدامنا لمسافة أطول حيث جلسنا في حديقة عامة كبيرة، فجاءت إلينا فتيات صغار يبعن ما يشبه حب الذرة المقلي- كالتسالي عندنا- وأيضاً رطن مع زوجتي على أساس أنها إثيوبية ولم يصدقن أنها سودانية..

Ethiopia011.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


يبدو أننا في مدخل حديقة Revolution Square بأديس وخلفنا الشارع الرئيسي الذي يصل أديس بالمطار، وتبدو مباني تجارية وفنادق خلفنا..

وذات مرة دخلنا فندق آخر وفي الإستقبال رطنت الموظفة مع زوجتي، وبما أنه لدينا خلفية عن شبه زوجتي بالأمهره فقد ضحكنا وقلت لهم هي ليست إثيوبية، فقالت الفتاة: لا يمكن أن أصدق، بل إنها تشبه شقيقتي شبهاً يفوق الوصف.. قلت سبحان الله، يخلق من الشبه أربعين .. حتى ولو في إثيوبيا..

أول ملاحظاتي على الإثيوبيين أنهم مسالمون جداً، ونظيفون جداً، وتحس بأن الحضارة فيهم ضاربة بجذورها في عمق التاريخ.. بالفعل تلاحظ أنهم أهل حضارة موغلة في القدم، ليسوا كبقية الشعوب التي حولنا.. أنيقون لدرجة كبيرة .. فالنساء إما يلبسن الزي التقليدي او الزي الإفرنجي، والرجال كذلك، ودائماً ما تجد الرجل يلبس البدلة الكاملة (الفل سوت) والحذاء والشراب.. ولابد أن يكون الحذاء لامعاً او ملمعاً.. وبمناسبة الحذاء اللامع.. كان قرب الفندق صبي صغير يجلس امام طبلية يبيع فيها اشياء بسيطة مثل اللبان والحلويات البسيطة والأمشاط واشياء قد لا تساوي في مجملها عشرة جنيهات، ورغم ذلك كان هناك صبي ورنيش يمسح حذاءه.. أين كبار موظفينا وتجارنا بل ومليونيراتنا من هذا؟

ذهبنا ذات مساء الى (التكل) وهو مبنى تقليدي من القش (كرنق) فيه جلسات بنابر ويقدم فيه المشروب الحلال والما حلال، ويعزف فيه آلات موسيقية محلية.. وقد شربنا الـ (بنّه) أي البن أي القهوه، ثم خرجنا حوالي منتصف الليل ووقفنا ننتظر تاكسي لينقلنا للفندق، فجاء إثيوبي سكران ورطن معنا ثم تقدم بطريقة مفاجئة نحونا مما دفع بزوجتي للإلتفاف خلفي وهي ترتجف، والسكران يضحك.. فانتهرته وتكلمت معه بلهجة حادة وبصوت عالي باللغة الإنجليزية التي يبدو أنه لم يفهمها، ثم جاء أحد الواقفين قربنا وسحبه بعيداً ودس في يده قطعة نقدية.. فأكبرت ذلك التصرف من هذا الرجل.. ويبدو أن السكران المسكين كان يريد حسنة ولكن حسب (الفي راسو) أظهرها بمظهر العدواني.. المهم ركبنا التاكسي وانصرفنا.. وما زالت باقية في ذاكرتي رغم مرور عقدين عليها..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #256
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-13-2014, 07:03 PM
Parent: #255



الحلقة 200

نواصل ...

الحفلة الليلية لفندق الهيلتون

تعرفنا في الفندق على سوداني يعمل في البنك السعودي البريطاني بجدة، وله زميل اثيوبي من اصل حضرمي كان يدعوه دائماً لزيارتهم في اثيوبيا، وقد دعانا محمد السوداني هذا الى الحفل الليلي الذي يقيمه فندق الهيلتون في أديس أبابا، فذهبنا معه وكان يحيي الحفل مطرب إثيوبي كانت معظم أغانيه سودانية، فغنى لأحمد المصطفى ولمحمد وردي ولسيد خليفه ولخوجلي عثمان.. وما زالت عالقة بذهني أغنية (قم يا طرير الشباب) ورغم صعوبتها إلا أنه أداها بصورة جميلة مع فشله في نطق بعض الكلمات التي أرى انها بالفعل صعبة للناطقين بغير العربية..

Ethiopia015.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي (أبشّر في الفنان الإثيوبي)

000059-Copy.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وتلك صورة أخرى، وفي يوم آخر

كان قد دعا معنا ايضاً شاب سوداني إدعى أنه يسكن حي الرياض بالخرطوم، وبما أن زوجتي تسكن الرياض أيضاً فقد عرفت وصف بيته الذي لا يبعد كثيراً عن بيتهم.. وقد تعرفنا على رجل كبير في السن أيضاً وهو رجل أعمال جاء لإثيوبيا في مهمة عمل، وبالونسة عرفنا أنه يقرب لجيران زوجتي.. ويبدو أن الشاب من الصنف الذي يلمع نفسه جيداً ويدعي ما ليس فيه.. ويبدو أنه قد نصب على رجل الأعمال كبير السن هذا .. وقد علمنا ذلك فيما بعد حيث بعد رجوعنا للسودان جاء الى قريبته- جارة زوجتي- لترشده الى بيت زوجتي التي طلب منها ومن قريبته معرفة بيت ذلك الشاب الذي وصفه لهم بأنه بجوار (شامل هاوس)، فذهبتا الى هناك يبحثان عن الشاب، فاتضح أنه لا يسكن هناك بل شقيقته هي التي تسكن هناك، وقد دلتهما شقيقته على بيتهم بأم درمان، فذهب رجل الأعمال إليه في بيته حيث تفاجأ به هذا الشاب، ويبدو أن رجل الأعمال رضي من الغنيمة بالإياب حيث استرجع منه أوراق مهمة وتغاضي عن أشياء مهمة اخرى- ربما تكون أموالاً.. تذكرت هذا الآن وأحببت أن اكتبه ليتنبه الناس إلى مثل هكذا نصابين يلتقونك في الغربة وينصبون لك الفخاخ..

في أثناء تجوالنا في شوارع أديس لاحظنا ان هناك شاب كان يسير خلفنا لمدة طويلة، ثم اقترب منا وتحدث معنا وقال ان هناك جالية يهودية في اديس ولديها محلات فيها مصنوعات تقليدية، وابدى رغبته ان يأخذنا الى هناك.. وبالفعل ذهبنا الى سوق شعبي يسمى (بياسه)، وهناك وجدنا محلات لبيع المصنوعات الجلدية والملابس التقليدية وغيرها من التحف.. ويبدو ان هذا الشخص الذي قابلنا (بالصدفة) في الشارع وتحدث معنا عن موضوع اليهود في اثيوبيا- كمقدمة لما يرمي إليه- ما هو إلا مرشد لهؤلاء التجار ليروج بضاعتهم ويأخذ عمولته عن كل زبون يأتي به..

بالفعل اشترينا بعض الصناعات التقليدية أذكر منها لوحة زرقاء مربعة من المخمل عليها مجسم بارز لخريطة إفريقيا ملصق عليها نحاسات صغيرة على أشكال الحيوانات البرية التي تعج بها إفريقيا، كذلك اشترينا بوستر لطفلة إثيوبية – ما زhلت حتى تاريخ كتابة هذه السطور موجودة في بيتنا- وبوستر لشابة إثيوبية بملابس تقليدية، وأعلى اللوحتين عبارة (13 months of sunshine).. كذلك فروه دائرية مصنوعة من قطع جلدية صغيرة مربعة- يبدو أنها من جلد الماعز- مختلفة الألوان والأشكال على صفين أو ثلاثة صفوف، مخيطة الى بعضها البعض، وتصلح أن تكون فرشة مثل السجادة في وسط الصالون..

الصورة المرفقة لشخصي في حفل فندق هيلتون أديس أبابا

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #257
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-14-2014, 05:23 PM
Parent: #256


الحلقة 201

نواصل ...

فندق أوردانوس وزميلة محمد هاشم

بقينا في فندق قيون هذا حوالي ثلاثة أيام ثم بدأنا نبحث عن فندق آخر السكن فيه بالبر وليس بالدولار، حيث ان السعر الرسمي للدولار كان 2 بر، بينما السعر في السوق السوداء 7 بر، بالتالي سنوفر الكثير اذا دفعنا أجرة الغرفة بالبر.. وفي أثناء تجوالنا على الفنادق وجدنا فندقاً جديداً ونظيفاً وأنيقاً وبسعر معقول جداً، ويسمى أوردانوس.. فقررنا الإنتقال إليه.. وفي آخر يوم لنا في قيون تغدينا في مطعم الفندق الذي كان يقع تحته شارع يؤدي للفندق، وأذكر أن موكباً من السيارات الرسمية الفخمة كانت تعبر من تحت الجسر الذي فوقه المطعم، ويبدو أن اجتماعاً او مؤتمراً يعقد في قاعة المؤتمرات بالفندق في تلك الأثناء.. فكان منظراً جميلاً ان نكون جالسين نتغدى وتمر السيارات من تحتنا..

ثم انتقلنا الى فندق اوردانوس وهو يقع على طريق المطار، أي كأنك خارج من وسط المدينة الى المطار، وكان جديداً كما أسلفت ولكن لاحظنا ان المياه الساخنة في أيام عطلتهم تتوقف، فأبلغنا المدير الذي تفهم (وضعنا) وسمح بتسخين المياه في الدوش طوال الوقت.. واعتذر لنا عن بعض القصور من عمال وموظفي الفندق بسبب حداثة عهدهم بالعمل في الفندق الذي هو ايضا جديد.

كنا نتصل بالسودان بين الفينة والأخرى، وكان محمد هاشم شقيق زوجتي موجوداً بالسودان في اجازة حيث يدرس ويعمل بالنمسا، فأعطانا هاتف زميلته في الجامعة وهي إثيوبية وحالياً بأديس أبابا لنتعرف عليها، فاتصلنا بها وسلمنا عليها ودعتنا لزيارة منزلهم في أديس أبابا، واعطتنا العنوان، فركبنا تاكسي وأعطيناه العنوان، فأنزلنا في مكان لم نجد فيه البيت، وظللنا نمشي في الشارع دون أن نعرف المنزل بالضبط،

000027.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لعروستي في الشارع المؤدي لمنزل الفتاة

ويبدو أن الفتاة استبطأتنا فخرجت هي وشقيقتها للبحث عنا، وبالفعل رأيناهما من بعيد- وكان الحي هادئاً والمارة قليلون- وبالقريحة عرفتانا وتوجهتا نحونا مباشرة وعرفتانا ثم رافقناهما الى منزلهما، وكان اول منزل ندخله في اثيوبيا.. كان بسيطاً وانيقاً ومبنياً من الطوب والحجر ومكون من دور واحد، وأكرمونا بالشاي..

000026-Copy.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لشخصي وعروستي والفتاة الإثيوبية داخل منزلهم بأديس

وواضح انهم ليسوا كالسودانيين او المغاربة لأنهم لم يزيدوا على الشاي ولم يدعوننا للغداء لا في ذاك اليوم ولا قدموا لنا الدعوة في يوم غيره.. وسألناهم عن والدتهم فقالوا انها ذهبت للكنيسة.. بينما أفهمنا محمد هاشم بأن الفتاة من يهود الفلاشا..

تعرفنا في الفندق على سودانيين عرسان في شهر العسل أيضاً، ثلاثة أزواج والرجال الثلاثة يعملون في الإمارات العربية المتحدة.. حسن من أبناء الخرطوم 2 وقد كنت اتونس معه في قاعة انتظار الفندق، وعندما عرفت انه من الخرطوم 2 قلت له ان خالي علي ميرغني العازف المشهور يسكن قريب منكم في الخرطوم 3، وفي هذه اللحظة تدخل زميله الذي وصل قبل دقائق ولم يرد مقاطعتنا قبلها قائلاً لي: (علي ميرغني خالي انا.. خالك انت من وين!) وفهمت منه أنه من أحفاد الفكي مكي عربي بحي الركابية- وبالفعل فيما بعد عندما جاء الخال علي ميرغني الى منزلي في جدة سألته منه فقال لي: (بالفعل انا خاله)- والغريب أن جدة أمين لأمه إثيوبية، وزوجته بنت خالته، وقد كانا ينويان زيارة بلد جدتهما التي قدمت للسودان منذ زمن بعيد، إلا أنهم علموا بأن بلدها بعيدة جداً عن أديس ابابا لذلك صرفا النظر..

لاحظنا في قاعة استقبال هذا الفندق وجود فتيات يبدو أنهن فتيات ليل، وقد أغرين أحد العرسان هؤلاء، حيث بعد الونسة طلبت منه ان يأخذها الى غرفته فقال لها إن عروسته بالغرفة، فقالت نستأجر غرفة أخرى، قال لها كيف وزوجتي هنا.. قالت نروح فندق آخر.. يعني مصرة وملحة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #258
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-15-2014, 06:56 PM
Parent: #257


الحلقة 202

نواصل ...

جو أديس رهيب

كان الجو في بداية أغسطس دائم الغيوم وبارداً والمطمر ينهمر كثيراً.. ورغم إنهمار المطر الدائم فكنا نتجول حيث أن الشوارع كانت تصرف مياه الأمطار مباشرة، وكانت هناك أودية تنحدر إليها مياه الأمطار تلك، وهناك مرتفعات وتلال وهضاب وخيران، وذات مرة أرشدونا الى رحلة خارج أديس فاستأجرنا تاكسي أخذنا الى أطراف أديس حيث صعد في دروب جبلية ألى أعلى الهضبة، ومن ذلك المكان الذي يطل على أديس بالكامل كان المنظر رائعاً، وكأنك في طائرة وتنظر الى أسفل فترى كل المدينة تحتك، وكانت المنطقة باردة جداً وقروية حيث رأينا بعض الرعاة بزيهم البسيط يرعون خرافهم وأغنامهم في بساط عشبي أخضر يانع، وحولهم غابات بديعة.. تمتعنا بذلك المنظر الخلاب حولنا، وذلك المنظر البديع تحتنا حيث تظهر كامل أديس أبابا.. ثم قفلنا راجعين ننحدر من الهضبة الى المدينة..

000066-Copy.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في طرف الغابة المذكورة أعلاه

000067-Copy.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة لشخصي وبجانبي فتيات وأطفال كانوا يرعون أغنامهم في تلك التلة

000068-Copy.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة ثالثة لشخصي وعروستي .. وطبيعة ساحرة فاتنة

لاحظنا ان اسعار مطعم الفندق اقل من اسعار مطعم قيون، حيث ان هنا الدفع بالبر الذي كنا نصرفه في السوق الأسود بسبعة بر مقابل الدولار.. لكننا تعرفنا على مطعم عربي فاخر وكان اقل من مطعم الفندق في الأسعار.. ثم ذات يوم ونحن نتجول في اديس دخلنا حديقة كبيرة تسمى ميدان الثورة وفي مدخل تلك الحديقة تماثيل لتحالف قوى الثورة، ثم احواض زهور جميلة وشجيرات وأشجار.. ثم تجولنا فيها حتى وصلنا الى (كرنق) ضخم حيث كان فيه مطعم يقدم (لحمة الصاج) تماماً كالتي نعملها في عيد الضحية في السودان.. ولكن كانت رائعة جداً وتقدم مع اللحوح (الكسره الحبشية) وكانت مع ذلك رخيصة السعر مقارنة بالمطعم العربي ومطعم الفندق.. فأخبرت العرسان الذين في الفندق فأصبحت في الأيام التالية أجدهم قبلي في ذلك المطعم..

ذات مرة ونحن نتمشى في الشوارع القريبة من الفندق فمررنا على بقالة داخل بيت ولكن بابها يفتح على الشارع، فوقفت لأشتري شيئاً فرأيت برطمانات مربى فأخذت واحدة، ولكن كعادتي دائماً اقرأ المكتوب عليها، فوقع بصري على تاريخ الإنتاج والصلاحية، فوجدت تاريخ انتهاء الصلاحية منذ ثلاثة أعوام.. ويبدو أن البلدية هناك نااااايمه نوم العوافي، فيمكن في اي بلد حتى بلد مثل السعودية تكون السلعة منتهية الصلاحية ليوم او يومين او اسبوع بالكتير، لكن ان تكون ثلاث سنوات فهذا لا يحدث إلا في بلد من العالم الرابع، مع ملاحظة اننا قلنا في السابق أن هذا البلد ذو حضارة موغلة في القدم، ولكن المدينة قد تكون غائبة الى حد ما أو الثقافة تتوقف هنا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #259
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 04-17-2014, 02:55 PM
Parent: #258


الحلقة 203

نواصل ...

نموذج لنصاب في أديس

عرفني العرسان حسن وأمين على شاب إثيوبي يبدل العملة الصعبة، وفي المرة الأولى التي قابلته فيها وأردت استبدال دولارات وكان ذلك أمام فندق اوردانوس وعلى جانب من المدخل الرئيس للفندق، وكان يرافقه شخص، فمددت له المائة دولار فبدأ يفتح الحقيبة التي معه بعد أن رفعها الى صدره ليخرج الفلوس الإثيوبية، فأتي بحركة مفاجئة تنم أنه يهم بالجري فكانت ردة الفعل مني سريعة حيث تهيأت للجري وراءه.. كل ذلك حدث في أقل من ثانية واحدة.. وواصل هو استخراج المبلغ وعده وتسليمي إياه.. عجبت لتلك الحركة التي صدرت منه.. ولم أفهم مغزاها إلا فيما بعد..

Ethiopia008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شلة العرسان الذين صادفناهم في الفندق وأصبحوا زملاءنا في شهر العسل، وكل الشباب يعملون في الإمارات.. ويظهر في الصورة على يمينك أمين وعروسته، ثم عروستي، ثم حسن وعروسته، ثم أمير (ربما كان هذا إسمه) وعروسته

اعتاد حسن وأمين ان يستبدلوا الدولارات لديه منذ مدة، اي منذ وصولهم تقريباً، وقد وثقوا فيه لدرجة انهم كانوا يعطونه الدولارات وفي وقت لاحق يأتيهم بما يعادلها بالبر.. وذات يوم أعطوه أربعمائة دولار وكاميرا تصوير تخص أمين لإصلاحها في السوق بمعرفته.. ثم تأخر، وطال انتظارهم له.. وانقضى اليوم ولم يظهر.. ولا في اليوم التالي، فقلت لهم لقد استدرجكم حيث كان يأخذ المائة دولار ويعود لكم بما يعادلها حتى وثقتم به، وازدادت ثقتكم به لدرجة انكم اعطيتموه اربعمائة دولار مرة واحدة، وحتماً سيكون هذا اكبر مبلغ يمكن ان يتحصل عليه دفعة واحدة، بل ومعه كاميرا.. ثم تذكرت تلك الحركة التي عملها يوم استبدلت منه المائة دولار، وفسرتها الآن- بعد اختفائه بفلوس وكاميرا هؤلاء الشباب- انه كان يقيس انتباهي ويقظتي، وهل يمكن أن لا تحدث ردة فعل لما فعله هو؟ وكل ذلك يعطيه مؤشر للشخصية التي يتعامل معها وهل من الممكن ان يستغفلها ام لا.. وقلت لهم سيراقب الفندق هو او بواسطة شريكه او شركاؤه حتى إذا اختفيتم وتأكد من مغادرتكم عاود الكرة مع غيركم.. وطبعاً لم يبلغوا الشرطة لأن تبديل العملة خارج نطاق البنوك ممنوع وبالتالي كانوا سيواجهون بالمساءلة ان هم فعلوا، واللص يدرك ذلك تماماً.

Ethiopia009.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي وعروستي أمام الكرنق الذي بداخل ميدان الثورة بأديس، وبه المطعم الذي كنا نتردد عليه ونلتهم لحمة الصاج باللحوح..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #260
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-01-2014, 01:34 PM
Parent: #259


الأخوة الأعزاء قراء هذا البوست

آسف للإنقطاع بسبب رحيل والدتي إلى دار البقاء، وسفري لمدني للعزاء
عليها رحمة الله

أسألكم الدعاء لها

Post: #261
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: بكري عباس علي
Date: 05-01-2014, 03:36 PM
Parent: #260

انا لله وانا اليه راجعون

ربنا يرحمها ويغفر لها ويصبركم

تعازي الحارة

Post: #262
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-01-2014, 05:09 PM
Parent: #260


الحلقة 204

نواصل ...

سودري الإثيوبية

صديقنا السوداني محمد الذي يعمل في البنك السعودي البريطاني في جدة كان يسكن في نفس فندق اوردانوس.. ذات مرة كنت أزوره في غرفته وكان أصدقاؤه الإثيوبيين من أصل يمني يمدونه بالقات، فوجدته (يخزن) ذلك القات، فقلت له ماذا تشعر وانت (تخزن) القات.. فذهب الى الحمام وبصقه ثم عاد وأجاب: أشعر بالقرف.. فضحكت على الإجابة وعرفت ان الحكاية وهم في وهم تماماً مثل السعوط عندنا في السودان..

أيضاً كان ينزل في نفس الفندق شاعر صيدلي مرح، فكنا نجلس في صالة الفندق الرئيسية ونستمع لحكاويه الغريبة، وهو قادم من مصر، وقال أنه خرج من السودان يوم كسر النميري أول زجاجة خمر في تطبيقه للشريعة الإسلامية- أي في سبتمبر 1983م- وأسمعنا قصيدة عن كسر الزجاجة تلك فكانت مثل قصائد إمرؤ القيس.. وحكى لنا مرة أنه حينما كان في السودان وأراد زيارة مصر ذهب الى صاحب مصنع الأسبرين- وكان صديقه او زميله- وطلب منه تصنيع عشرة آلاف حبة يكون عليها علامة زائد بدلاً عن إسمها، ثم وضعها في أعلى شنطته- وليس في قاعها حتى لا يشك موظفو الجمارك فيها إذا وجدوها مخبأة في الأسفل- وتوجه نحو القاهرة، ومرت من الجمارك التي لم يكن يخاف منها لأنهم لو حللوا الحبوب في المعمل سيجدونها اسبرين، وحين استقراره في القاهرة اتصل على احد تجار المخدرات وأبلغه ان معه حبوب عجيبه، فدفع التاجر ستة الآف جنيه- كان مبلغاً خرافياً في ذلك الزمن أواخر السبعينات- ثم انتظر ردة فعل التاجر.. فإذا به بعد عدة أيام يأتي إليه ويقول له: (زودني بكمية أخرى من (أبو صليب) دي.. خلصت عندي والناس عايزين المزيد).. طبعاً التاجر والمروجين هيأوا نفوس المدمنين بأن هذه الحبة (ابو صليب) من النوع اللي ما لوش مثيل، فأكلوا الوهم وعاشوا بالوهم.. تماماً كالقات الذي (خزنه صاحبنا إياه) وكالوهم الذي (يسفه) السودانيين ويسمونه التنباك..

اتفقنا نحن العرسان الأربعة أن نذهب الى منطقة تسمى سودري، ونسق لنا موظف استقبال الفندق الرحلة، حيث استأجرنا حافلة صغيرة (على ما أذكر بمائتي دولار)

000001.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لمجموعة العرسان داخل الحافلة المتجهة لسودري

أقلت ثمانيتنا منذ الصباح الباكر بعد أن تناولنا طعام الإفطار في مطعم الفندق واتجهت نحو سودري- غريب ان اسمها هو نفس اسم بلدة سودري في غرب السودان- وكان الطريق شبه مجدب وليس كمنطقة أديس أبابا، وبعد حوالي الساعة وصلنا الى تلك المنطقة الخضراء،

000002.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


منظر من الطريق قرب سودري، التقطنا الصورة من داخل الحافلة

وهي شبه واحة في تلك المنطقة الجبلية، ووجدنا خلقاً كثيراً من السياح والأحباش هناك، بعضهم كان يسبح في البحيرة وبعضهم في الينابيع الحاره، وبعضهم يجلس تحت الأشجار وفوق النجيلة،

كشخصي في هذه الصورة:

Ethiopia010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وبعضهم يتجول بين الأشجار وحول المباني السياحية القليلة التي منها المطاعم والمقاهي، وقد فعلنا كما فعلوا..

صورة أخرى لشخصي وخلفي شجرة ضخمة في سودري

Ethiopia012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وكان الجو دافئاً- بل وحاراً- وليس بارداً مثل أديس أبابا.. قضينا اليوم هناك ثم رجعنا الى أديس أبابا في المساء.. (مرفق صورة تضمني وعروستي وإحدى العرائس السودانيات، في سودري)..

Ethopia001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #263
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-05-2014, 05:21 PM
Parent: #262


الحلقة 205

نواصل ...

نبذة عن أديس أبابا

وإليكم نبذة عن أديس أبابا (جات متأخرة) مقتبسة من الويكيبيديا..

أديس أبابا وتكتب أحيانا أديس أبيبا، وتأسست في عام 1886. (في اللغات الإثيوبية: الأمهرية، أديس أبابا معناها "زهرة جديدة" وهي عاصمة إثيوبيا والاتحاد الأفريقي وسابقتها منظمة الوحدة الإفريقيةوOAU، وأيضا أكبر مدينة في إثيوبيا، ويبلغ عدد سكانها 2.738.248 وفقا لتعداد السكان لعام 2007. وغالبا ما يطلق عليها عاصمة أفريقيا أو "العاصمة الأفريقية" نظرا إلى أهميتها التاريخية والدبلوماسية والسياسية للقارة. المدينة يسكنها ناس من مختلف المناطق من إثيوبيا—البلد فيها ما لا يقل عن 80 جنسية يتحدثوا 80 لغة وينتمون إلى مختلف الطوائف الدينية. وتقع العاصمة الإثيوبية أديس أبابا على ارتفاع 7،546 قدم (2،300 متر) عند سفح جبل Entoto، مما يجعلها ثالث أعلى عاصمة في العالم.

احتلت القوات الإيطالية أديس أبابا في 5 مايو 1936 خلال الحرب الإيطالية الحبشية الثانية، مما يجعلها العاصمة الإيطالية لشرق أفريقيا من 1936 حتي 1941 بعد أن قتل حوالي مليون إثيوبي بغاز الخردل. بعد أن انهزم الجيش الإيطالي في إثيوبيا على يد الجيش البريطاني والقوات الوطنية الإثيوبية خلال حملة شرق أفريقيا، وعاد الامبراطور هيلا سيلاسي إلى أديس أبابا في 5 أيار 1941 بعد خمس سنوات لمغادرته وبدأ على الفور أعماله في إعادة إنشاء عاصمة بلده.

ساعد الامبراطور هيلا سيلاسي في تشكيل منظمة الوحدة الأفريقية في عام 1963، ودعى إلى منظمة جديدة لإبقاء مقرها الرئيسي في المدينة (تم حل المنظمة في عام 2002 وحل محلها . لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا أيضاً يوجد مقرها الرئيسي في أديس أبابا. وكانت أديس أبابا أيضا هي موقع مجلس الكنائس الأرثوذكسية الشرقية في عام 1965.

كثير من الإثيوبيين الفقراء يأتون من المناطق الريفية إلى أديس أبابا كمتسولين ويملئون بعض الشوارع. في الآونة الأخيرة، انخفض عدد المتسولين بعد محاولة الحكومة والمنظمات غير الحكومية لنقل بعضهم، وتوفير لهم التعليم وفرص العمل. انها تعتبر نسبياً مدينة نظيفة وآمنة، مع أن الجرائم الأكثر شيوعا هي النشل، النصب، والسطو البسيط.

والمدينة هي موطن المكتبة الإثيوبية الوطنية، ومتحف الاثنولوجي الإثيوبي (والقصر السابق)، ومتحف أديس أبابا، والمتحف التاريخ الطبيعي الإثيوبي، ومتحف السكك الحديدية الإثيوبية والمتحف الوطني للبريد.

من المباني المرموقة كاتدرائية القديس جورج التي تأسست في عام 1896 وأيضا كاتدرائية الثالوث المقدس وسابقاً كانت أكبر كاتدرائية أرثوذكسية إثيوبية . وهناك أيضا القصر الامبراطوري القديم لمينيليك الذي لا يزال في المقر الرسمي للحكومة، والقصر الوطني الذي كان يعرف سابقا باسم قصر اليوبيل (بنى ليميز الامبراطور هيلا سيلاسي بمناسبة اليوبيل الفضي عام 1955) الذي هو مقر إقامة رئيس إثيوبيا.

ومسرح هاجر Fikir، هوأقدم مسرح في إثيوبيا، ويقع في حي بيازا. وتقع قاعة أفريقيا عبر شارع مينيليك الثاني من القصر، وهذا هو مكان المقر الرئيسي للأمم المتحدة الاقتصادية لأفريقيا، وكذلك معظم مكاتب الأمم المتحدة في إثيوبيا. بل هو أيضا موقع تأسيس منظمة الوحدة الأفريقية (OAU) التي أصبحت فيما بعد الاتحاد الأفريقي.

بالقرب من كاتدرائية الثالوث المقدس يقع مبنى البرلمان، الذي بني في عهد الامبراطور هيلا سيلاسي، مع برج الساعة الخاص به. ويقع على الجانب الآخر من البرلمان قاعة Shengo، التي بناها نظام منجستو هايلي مريم بوصفها قاعة البرلمان الجديدة. وهي أكبر بناء جاهز في العالم، حيث شيدت في فنلندا قبل أن يتم تجميعها في أديس أبابا. وتستخدم لعقد الإجتماعات الكبيرة المؤتمرات الدولية.

صورة لشخصي وعروستي داخل حدائق Revolution Square بأديس أبابا (لم أتمكن من إنزال الصورة)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #264
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-06-2014, 05:44 PM
Parent: #263


الحلقة 206

نواصل ...

وداعاً أديس أبابا.. وداعاً إثيوبيا

في موقف بصات المدينة كان كماسرة الحافلات الصغيرة (ميني بص) ينادون كما ينادي نظرائهم في السودان: (بياسا بياسا).. وعلمنا أن بياسا هذه منطقة وسط أديس القديمة، حيث الأسواق الشعبية، فركبنا ذات يوم تاكسي وذهبنا إليها، وتجولنا في الماركاتو، وصلينا في الجامع الكبير المذكور في النبذة أعلاه، وقرب الجامع كان هناك مطعم شعبي بسيط تناولنا فيه العشاء..

بعد 12 يوم قضيناها في إثيوبيا ما بين أديس أبابا والمرتفعات المحيطة بها وسودري، آن أوان العودة للوطن، فركبنا الطائرة من مطار أديس أبابا، وعندما أقعلت لاحظنا أن القبطان جعل الطائرة تقلع كأنها صاروخ، فقد فارقت الأرض وكانت الزاوية بينهما زاوية منفرجة كادت أن تكون زاوية قائمة.. فلم تبتعد عن الأرض تدريجياً كما تفعل في مطار الخرطوم وفي المطارات الأخرى ثم ترتفع في السماء، بل أحسسنا بأن المنظر تحتنا يبتعد بصورة سريعة جداً، فهاهي الأبقار في المراعي القريبة من المطار تبدو في الثواني الأولى وكأنها دجاجات.. والبيوت كأنها ألعاب أطفال والمزراع وكأنها رقعة شطرنج.. ثم ما لبثت مباني المطار أن اختفت في ثوان.. ويبدو أن ضيق المطار وارتفاع الجبال التي حوله جعل القبطان يقلع بها رأسياً أو شبه ذلك مما جعلني ألتصق بظهر المقعد وكأنني أرقد عليه فأحس بأنني منضغط بجسمي بقوة على ظهر المقعد.. ثم بعد أن تعدى تلك الجبال بدأ يعيدها إلى الوضع الأفقي..

ثم دخلت الطائرة المجال الجوي السوداني، ثم ما لبثت أن مرت فوق مدينة ود مدني حيث ظهرت بوضوح مباني مصنع نسيج النيل الأزرق ومصنع نسيج مدني وغيرها من المصانع.. وكان المنظر رائعاً وواضحاً حيث كان الوقت نهاراً والطائرة تحلق بارتفاع منخفض.. ثم تابعت سيرها فوق النيل الأزرق الى أن وصلت الى الخرطوم، حيث حطت في مطار الخرطوم.. وهبطنا منها سالمين.. وبهذا تكون الرحلة الأولى- والأخيرة – لإثيوبيا قد انتهت..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #265
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-07-2014, 05:02 PM
Parent: #264


الحلقة 207

نواصل ...

بورسودان وسواكن ثم جدة

بقيت أيام في الخرطوم ثم سافرت وعروستي بالبص الى مدني حيث قضيت مع أهلي عدة أيام ثم ركبنا البص متوجهين الى مدينة بورسودان لنعزي خالتي في فقيد الأسرة زوجها وإبن عم أمي وإبن خال أبي الراحل عابدين محمد الصادق.. كانت رحلة طويلة أخذت منا طوال اليوم مع توقف بسيط في كسلا- وبالأصح خارج كسلا- وفي نهاية اليوم وفي المساء وصلنا الى بورسودان التي بقينا فيها عدة أيام أخر حيث زرنا أهلي وأهل عروستي الذين في بورسودان، وكان قريب المدام علي الباشا دليلنا وقائدنا الى أهل زوجتي الذين لم يكن لي سابق معرفة بهم.. كذلك هيأ لنا زيارة سياحية لسواكن حيث أمضينا يوماً جميلاً ما بين آثارها وبحرها.. ثم عدنا مرة أخرى الى الخرطوم، ثم من الخرطوم غادرت أنا عائداً الى مقر عملي بجدة تاركاً عروستي هناك حتى استخرج لها تأشيرة استقدام..

بمجرد وصولي لجدة قدمت عقد النكاح وشهادة البكالوريوس لقسم الإستقدام بالشوؤن الإدارية بشركة دله البركة حيث أصدروا لي تأشيرة استقدام في وقت وجيز، فأرسلت أصل التأشيرة إلى زوجتي في الخرطوم التي سلمتها لجارهم سراج السكرتير بالسفارة السعودية بالخرطوم وكان يسكن جارهم وأسرته تزور أسرة زوجتي باستمرار خاصة زوجته وإبنتها ذات الخمسة عشر ربيعاً، وكان له إبن يعمل بالبنك السعودي الأمريكي في جدة.. فقال لهم إن التأشيرة لم تصل بعد، ويلزمها حوالي اسبوعين.. وفعلاً بمجرد ان وصلت أبلغهم بذلك واخذ منها الجواز وختم لها تأشيرة الإستقدام.. كنت في هذه الأثناء أسكن في منزل العزابة الذي يستأجره قريبي محمد وداعة عباس، فبدأت البحث عن شقة لتجهيزها لعش الزوجية، فتصادف ان خالي محمد الحسين سيد احمد ضاقت عليه شقته واراد ان يتوسع في شقة اكبر، فذهبت الى صاحب العماره والذي يسكن في نفس العمارة التي بها الشقة وطلبت استئجارها عندما يرحل خالي.. وبالفعل وافق وعندما رحل بدأت في تأثيثها وفرشت الموكيت وبدأت في شراء الأثاث والأجهزة الكهربائية والأواني المنزلية والمراتب والملايات والمكيفات وغيرها..

في فبراير 1993م شرفت العروس مدينة جدة حيث ذهبت الى المطار في اليوم المحدد والذي أُبلغت به عبر التلكس من والدها بالخرطوم، ووقفت قبالة بوابة الخروج أنظر الى الواصلين وهم يجولون في صالة الوصول ما بين كاونترات الجوازات وصالة العفش، فجاءت عروستي فمددت لها إقامتي من فوق الحاجز البلاستيكي الشفاف الذي يفصل المستقبلين عن الصالة، فأخذت الإقامة لشرطي الجوازات- تأكيداً لأن زوجها هو من يستقبلها وليس سواه- ليسمح لها بالمرور، وأعطيت جوازها واستلمت عفشها وخرجت من الصالة فاستلمتها وتوجهنا نحو مواقف السيارات حيث سيارتي وركبنا وانطلقنا الى حي الصفا حيث شقة إبن عمي حسن قيلي الذي كان قد قدم هو وأسرته الدعوة لنا بتناول طعام الغداء معهم على شرف العروسة.. وبعد الغداء ركبنا سيارتي وتوجهنا الى شقتي بنفس حي الصفا..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #266
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-08-2014, 01:11 PM
Parent: #265


الحلقة 208

نواصل ...

ورحل أبي

أبلغتني بالهاتف أسماء زوجة إبن عمي حسن قيلي بأن اتصالاً وردهم يفيد أن والدي مريض وقد نُقل الى المستشفى بالخرطوم.. وعندما استفسرت عن صحته قالت إنه بخير.. ثم عندما استشعرت أنني قد لا أسافر على الفور أعادت على مسامعي أنه تعبان شويه والأفضل أن أسافر.. بدأت فوراً في طلب إجازة وإستخراج تأشيرة خروج وعودة لي ولزوجتي.. وأذكر أنني كنت أثناءها في مكتب زميلي زين العابدين وكان يجلس بمكتبه العم مدثر الفاضل، وكنت أتحدث عن سفري للسودان بسبب مرض والدي، فقال لي العم مدثر: (الله يطمنك عليه).. ولا أدري لم سدت العبرة حلقي لحظتها فخرجت من المكتب وأسرعت نحو الحمامات وأغلقت على نفسي أحدها ثم أجهشت بالبكاء.. رحم الله العم مدثر الفاضل..

طلبوا مني أهلي في السودان محلول خاص بغسيل الكى لوالدي قالوا انه غير موجود في السودان، وعلمت ان والدي قد أصيب بفشل كلوي وأنه منوم بمستشفى سوبا حيث وصل إليها بإسعاف من مدني، وكان يعالجه في تلك الفترة في مدني الدكتور الفاضل عيسى الذي لاحظ وجود طبقة بيضاء على جلده تشبه تلك التي يسببها البرد في الشتاء، فسأل أسرتي عنه فقالوا له هذا من الحمام، فقال لهم لا، هذا ليس بسبب الحمام، بل إنه أملاح تدل على خروجها عبر الجلد حيث لم تعمل الكلى على إخراجها بالطريق الطبيعي وهو البول مما يشير الى حدوث فشل كلوي، ولابد من نقله فوراً الى الخرطوم لإجراء غسيل كلى..

ظللت طوال اليوم أبحث عن هذا المحلول في الصيدليات ولم أجده، ونصحوني بأن أبحث عنه في صيدليات المستشفيات، فعثرت عليه في إحداها فاشتريت ما استطعت ان احمله من عبوات، وأنا خارج من صيدلية مستشفى بقشان-على ما أعتقد- حوالي الساعة الثالثة والنصف عصراً جاءت صورة والدي في ذهني واضحة وضوحاً شديداً، بينما قبل ذلك لم تكن تأتيني إلا ضبابية وغير واضحة.. وفي يوم 19/10/1993م وفي ليلة سفري للسودان وأنا بالمنزل اجهز شنطتي للسفر رن جرس الباب فدخل إبن عمي حسن قيلي، ثم دخل بعده بعض من أقربائي وأحسست أن بالأمر شيئاً، ولما امتلأ الصالون بهم أدركت بما لا يدع مجالاً للشك أن أبي قد التحق بالرفيق الأعلى..حتى وإن لم يخبروني.. وطال الصمت ولم أجرؤ على سؤالهم رغم يقيني بالإجابة.. وبعد فترة لا أدري كم طولها حيث كانت بالنسبة لي دهراً طويلاً.. تكلم إبن عمي قائلاً: (جاء اتصال من السودان...) ولم يزدد يقيني بالكارثة يقيناً.. فهاهو الكلام يختم فقط على الواقع.. نعم .. لقد انتقل والدي الى ربه راضياً مرضياً بإذن الله.. ظللت ساكناً لفترة من الزمن ثم عزاني الحضور ورفعوا أكفهم بالفاتحة والدعاء على روحه.. وبعد فترة انفجرت باكياً..

في اليوم التالي شددت الرحال الى الخرطوم من مطار جدة، وبعد أن هبطنا من الطائرة ومررنا عبر كاونتر الجوازات واستلمنا حقائبنا ووقفنا في كاونتر الجمارك، وكان ضابط الجمارك يتحدث الى احدهم وظهره إليّ، وطال انتظاري أمام الكاونتر، والتفت فرأيت عبر الحاجز الذي يفصل صالة الوصول عن صالة انتظار المستقبلين، رأيت إبن عمي عماره حسن عماره، ونسيبي هاشم مكاوي، وكانت المعلومة التي وصلتني وأنا في جدة أنهم سينتظروني بالجثمان في المطار لنرتحل جميعاً الى مدني.. فلما رأيت هؤلاء أحسست بأن انتظاري امام ضابط الجمارك طال حتى بلغ دهراً.. فقلت له: (لو سمحت مشيني لأنو فيه جنازة منتظراني في الخارج)، ثم تهدج صوتي وحاولت كتم نشيجي، فالتفت الي الضابط وفتح شنطتي ثم أغلقها وأشر عليها بالطباشيره، وتوجهنا انا وزوجتي الى خارج الصالة حيث وجدنا فقط نسيبي وعماره ولم نجد غيرهم.. فقد أخذوا الجثمان أمس الى مدني حيث واروه الثرى في مقابر حبيب الله القريبة من حي عووضه..

كان نسيبي هاشم مكاوي يعمل في الشركة السودانية الليبية للإستثمار في وظيفة المدير الإداري، وبسيارة الشركة توجهنا مباشرة من المطار الى السوق الشعبي، وهناك إلتقيت إبن بنت عمتي عادل علي الشيخ وسلمته كل عبوات المحلول التي معي ليسلمها للمستشفى ليستفيد منها مريض آخر، حيث استقلينا ومعنا هو البص المتوجه الى مدني.. ومن موقف السوق الجديد بمدني استقلينا التاكسي الى منزلنا بعووضه، ورأيت صديق الوالد محمد آدم يسير أمام المنزل لا أدري إن كان خارجاً او داخلاً.. وما إن نزلت من التاكسي حتى توجهت نحوه، وما إن رأني حتى انفجر باكياً وانفجرت باكياً، وما إن فرقونا عن بعض حتى وجدت خلقاً كثيراً خرج من البيت حيث كان الصيوان داخل الحوش، أخرجهم نحيب محمد آدم ونحيبي.. عزاني الرجال كلهم خارج الحوش، ثم دخلت لأعزي أمي فعزتني النساء، واخواتي وخالاتي في الحوش قبل الدخول على أمي في الغرفه.. وعزيت أمي.. رحمها الله فقد لحقت بأبي قبل 18 يوم، أي في العشرين من إبريل 2014م..

بعد انتهاء ايام العزاء زرت قبر أبي في مقابر حبيب الله.. لقد توفيّ والدي وهو في مرحلة الغسيل الذي أجريّ له عبر السرة، وكانت ساعة الوفاة هي الساعة التي جاءت صورته في ذهني صافية واضحة عندما كنت خارجاً من الصيدلية في جدة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #267
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-11-2014, 03:32 PM
Parent: #266



الحلقة 209

نواصل ...

وجاء حسن

عدنا أنا وزوجتي الى السعودية، وداومت في عملي كالمعتاد.. وكان قد نُقل مدير إدارة الإستثمارات العامة إلى شركة حلواني إخوان ليكون مديرها، فبقيت في الإدارة كسكرتير لكل الإدارة، وكنت قد حاولت زيادة راتبي في عملي الحالي لكن لم أوفق، وحاولت ان انتقل الى وظيفة اخرى أفضل في شركة دله البركة، وكان مدير شؤون الموظفين بشركة البركة يريدني ان أعمل لدى الرئيس التنفيذي للشركة- إلا أن نائب الرئب الرئيس للإستثمارات العامة رفض، ثم مرة أخرى طلبني للعمل سكرتيراً لدى ماجد الرفاعي وهو كويتي وأيضاً رفض الدكتور عبد الفتاح ناظر.. بل وقال لو واحد قرب على عمر أرحلو ولو كان كويتي.. ثم عينني مدير مكتبه سكرتيراً في المكتب، لكن أراد المرحوم عبد الفتاح ناظر سعودة وظيفة السكرتير فعين سكرتيراً سعودياً فعدت الى سكرتارية الإدارة، وكانت فرصة لي بعد تعيين سعودي سكرتيراً لدى نائب الرئيس للإستثمارات العامة – فجاءت فرصة أخرى بشركة البركة أيضاً فتقدمت لها وتم تعييني في وظيفة سكرتير لإدارة التمويل المحلي، براتب أعلى من الراتب الذي كنت اتقاضاه في إدارة الإستثمارات العامة.. وجاء رزق المدام معها..

أعود بكم قليلاً الى الوراء، ففي يونيو 1993م كنا في صالة الحجاج بمطار جدة لنودع خالتي شقيقة أمي أم شرفين التي كانت قد أدت مناسك الحج لذلك العام، فنظرت إلى زوجتي وقالت لها: (إنتي حامل.. عيونك بتقول كده).. فتبادلنا النظرات والإبتسامات أنا وزوجتي.. حيث أن هناك ما يشير إلى صدق فراسة خالتي، رغم أن مدة أربعة أو خمسة أيام تأخير ليست كافية لتأكيد الحمل من عدمه.. ولكن إمتدت الخمسة أيام لشهور.. وعندما عدنا من عزاء والدي كان الجنين قد بلغ خمسة اشهر..

زوجة محمد الحسين الذي كان يسكن سابقاً في شقتي تلك إنزلقت في المطبخ بسبب طراش بنتها الصغيرة على أرض المطبخ السيراميك فوقعت، فأصابت كوعها، فأخذوها للمستشفى وقرروا إجراء عملية لها لإصلاح عظم الكوع.. كنا معهم لوقت متأخر من المساء وكانت ما زالت في غرفة العمليات حتى رجوعنا.. وكانت وقتها قد أمضت ثمان او تسع ساعات في غرفة العمليات.. كان شيئاً غريباً.. عملية لإصلاح عظم الكوع تأخذ كل هذا الوقت؟

حوالي الساعة الثانية بعد منتصف الليل سمعنا خبطاً على شباك غرفة نومنا، فقمنا مفزوعين.. وفتحت الشباك فإذا هو قريبنا فتحي ابراهيم الشيخ يقول: (أولاد محمد الحسين اتوفوا)! أصاب زوجتي ما أصابها من فزعة الإيقاظ المفاجئ ومن صدمة الخبر.. ذهبنا الى المستشفى في تلك الليلة الليلاء لنواسي محمد الحسين.. وفي اليوم التالي ذهبنا المستشفى حيث أخذنا الجثمان الى المقابر لنواريه الثرى، وتركت زوجتي في بيت محمد الحسين حيث العزاء.. وعندما عدنا من المقابر وجدت زوجتي – والتي كانت حامل في الشهر الثامن- وجدتها وقد نزل منها ماء كثير، فأخذتها الى مستوصف دله وقابلت طبيب النساء والولادة الدكتور البكري الذي كان يتابع حالتها، وكان في وقت سابق قد رأى عبر الموجات الصوتية أن الجنين ذكر وأبلغنا بذلك، قرر تنويمها في المستشفى.. وقال إن نزول الماء من الرحم قد يضر الجنين وأمه.. ولابد من مراقبته حتى إذا استمر في التدفق لابد من إجراء عملية قيصرية.. ونمنا تلك الليلة في مستشفى السلامة بجدة.. وافهمنا الدكتور أنه ربما كان سبب نزول ا لماء نفسياً او عصبياً.. لذلك أرجعنا السبب إلى ما واجهته في الليلة السابقة من أهوال..

بعد عدة أيام من المراقبة وقياس الماء الذي لم يتكون مرة أخرى في الرحم قرر الدكتور أنه لابد من إجراء العملية خوفاً من أن يلتصق الجنين بجدار الرحم لعدم وجود الماء حوله حتى لا يتعرض هو للخطر وحتى لا يصيب الأم التهاب جراء الإلتصاق.. وقرر موعداً لإجراء العملية.. وكان الموعد بتاريخ 12/12/1993م.. نعم.. لقد أجريت العملية لزوجتي وأنجبت حسن .. وأخذ الى غرفة العناية المركزة لأن الدكتور يعتقد أن مولده قبل موعده يتطلب تركيب جهاز تنفس احتياطاً.. وقد رأيته في الحضانة عقب مولده وبعد أن اطمأننت على صحة أمه، وقد لاحظت أنه يتنفس طبيعي وليس هناك جهاز موصول بأنفه او شيئاً من هذا القبيل، بل لاحظت أن نظرته كانت مركزة على غير عادة المواليد الذين تكون عيونهم لا نظرة محددة فيها إلى مرحلة متقدمة من عمرهم ربما تمتد لاسابيع.. وكان وزنه 1.78 كيلو.. لذلك أبقي في الحضانة لثمانية عشر يوماً، وخرجت أمه بعد ثلاثة أيام، وكنا نزوره يومياً.. واستقبلنا جدته لأمه التي جاءت بتأشيرة زيارة ولم تكن تعرف ما حدث لبنتها حيث أخفينا كل شئ عنها حتى وصولها حيث أخذناها من المطار الى المستشفى لترى حفيدها الأول..الذي اسميناه على جده حسن الذي رحل عن الدنيا قبل شهرين..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #268
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-13-2014, 03:27 PM
Parent: #267


الحلقة 210

نواصل ...

فاتورة المستشفى على منو؟

كنا نتردد يومياً على المستشفى لرؤية إبننا الذي ينام في الحضانة بمستشفى السلامة وتحاول أمه إرضاعه، ولصغر حجمه ظل بالمستشفى حوالي ثلاثة أسابيع ليصل وزنه الى وزن يطمئن الأطباء، وبالفعل زاد وزنه حتى تعدى 2 كيلو.. لكنه والحمد لله لم يكن يحتاج للتنفس الصناعي.. وذات يوم طلبت مني الممرضة مقابلة قسم الحسابات، فذهبت إليهم فقالوا لي إن الفاتورة قد تضخمت، حيث تكاليف الحضانة في اليوم 2000 ريال، فقلت لهم وما شأني أنا بالفاتورة؟ الأم محولة من مستوصف البركة الذي يتكفل بعلاجها، وجاءت الى الطوارئ، وأدخلت المستشفى، وأجريت لها العملية.. ما دخلي أنا؟ يجب ان تتفاهموا مع المستوصف الذي أرسلها لكم.. فاقترح عليّ رئيس الحسابات أن أنقله الى مستشفى حكومي، وأنهم سيتكفلون بالإسعاف الذي سينقله اليها، فقلت لهم لا مانع، فقالوا لي أكتب طلب بأن المريض لا يستطيع سداد فاتورة العلاج.. فقلت لهم لا! لأن المستوصف رفض سداد الفاتورة وليس بسبب عجزي عن السداد.. ورفضت العرض.. فقالوا لي خذ الفاتورة وأعرضها على المستوصف،

فذهبت الى مستوصف البركة- التابع لشركتنا- ودخلت مكتب المدير ومددت له بالفاتورة، فقال لي: (الله يعينك.. تدفعها من جيبك).. فلم أنبس ببنت شفه فمددت يدي واستلمت منه الورقة وخرجت من مكتبه، ثم اتصلت من مكتبي على المسؤول في الشركة عن علاقة الموظفين بالمستوصف، وحكيت له ما دار، فقال لي اعطني مهلة استفسر من المستوصف، وبعد قليل اتصلت عليه فقال لي أن المستوصف قال لهم أنك لا تريد أخذ إبنك! قلت له كيف ذلك؟ ثم طلب مرة اخرى مهلة ليتصل بالمستوصف بعد أن فهم أن تلك الحالة غير حالتي.. ثم اتصل بي وقال لي لن تدفع اي شئ، نحن- اي شركة دله- تدفع للمستوصف مليون ريال مقابل علاج الموظفين وأسرهم.. وبالتالي يجب أن يدفعوا الفاتورة هم.. فداومت على زيارة إبني في المستشفى دون أن أتصل بإدارة المحاسبة..

وجاء يوم وقالوا لي كتب الدكتور خروج لإبنك.. ولكي آخذه لابد من عمل تسوية، فذهبت إلى مكتب المحاسبة فأثاروا نفس المشكلة، وكان المحاسب سوداني، فقال لي مكتوب عندي أن تدفع الفاتورة، فحكيت له الحكاية من الأول، فقال لي يجب أن تقابل المدير الطبي المناوب، واثناء وقوفي معه خرج المدير الطبي المناوب من المصعد فناداه وحكى له الأمر، فقال لي إن المبلغ كبير وحتى مثلنا لا يستطيع سداده، فقلت له لو كان ريال واحد فلن أدفعه ناهيك عن أن يكون مبلغ كبير.. وأضفت لا تسألوني أنا عن سداد الفاتورة، اسألوا مستوصف البركة، وكان اليوم خميس، وقاربت الساعة منتصف الليل، فقال لي لامجال للإتصال بالمستوصف إلا يوم السبت، فقلت له إذاً أتركوا إبني عندكم لغاية يوم السبت.. فقال لي لا، خذ إبنك وسنتفاهم نحن مع المستوصف، وأصدر أوامره للمحاسب السوداني (بالإفراج) عن إبني، فطلب منه المحاسب السوداني التوقيع بذلك.. فوقع، وأخذت إبني إلى بيتنا بعد حوالي ثلاثة أسابيع من ولادته..

وقبل أن نغادر المستشفى مررنا بزميلنا في دله عبده الطيب حيث كان منوماً في نفس المستشفى بعد أن وصل من أمريكا وهو مصاب بالملاريا، ومن مطار جدة الى المستشفى، وسببت له الملاريا يرقان، فودعناه بعد ان سلم على حسن إبني.. وبقي في المستشفى أياماً ثم خرج ثم ذهب الى لندن للإستشفاء حيث انتقل الى الرفيق الأعلى رحمه الله رحمة واسعة..

وبعد أن استقرت المدام والمولود بالبيت عملنا له العقيقه ووزعنا اللحم على الجيران والأهل، وأسميناه حسن.. على إسم الراحل والدي حسن غلام الله عليه رحمة الله ورضوانه.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #269
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-14-2014, 12:07 PM
Parent: #268


الحلقة 211

نواصل ...

رحلتي الرابعة لأرض الكنانة

دعونا نقفز لمصر مرة أخرى، فالسعودية أحداثها كثيرة ولو تابعناها لن نخرج منها بسهولة.. لذلك سأروى رحلتي الرابعة لمصر.. فقد اخترت دورة تدريبية باسكندرية تم ترشيحي لها من قبل إدارة التمويل المحلي- التي كنت أعمل بها- ومدير عام الادارة العامة للاستثمار والتمويل بالتنسيق مع إدارة التخطيط ونظم المعلومات بشركة التوفيق والأمين ، حيث نظمت الدورة جمعية إدارة الأعمال العربية .. وفي 3 مارس ركبت الطائرة من جدة متوجهاً الى الإسكندرية مباشرة، وفي مطار اسكندرية وقفت في صف الجوازات حتى إذا جاء دوري قدمت جوازي لموظف الجوازات الذي سلم جوازي لعسكري وقال لي اتبعه؛ فتبعته إلى مكتب آخر حيث سلم الموظف الذي فيه جوازي وطلب مني الجلوس فجلست ففتح دفتراً كبيراً- ربما بطول المكتب الذي يجلس خلفه- وبدأ يمر بنظره على الأسماء التي في الدفتر، ثم أغلق الدفتر وسلمني جواز سفري، أي إسمي لم يكن مكتوباً في هذا السجل الضخم الذي يبدو أنه للمحظورين من دخول مصر.. كان وقتها العلاقات السياسية بين السودان ومصر متوترة، ورغم ذلك لم يكن هناك تأشيرة دخول مسبقة..

بعد استلامي لجوازي توجهت نحو صالة العفش حيث التقطت شنطتي وتوجهت نحو كاونتر الجمارك، وفتحت له الشنط- كانت شنطتان وكيس على ما أذكر- وفي أثناء ذلك سألته عن موقع البنك لأصرف ريالات بجنيهات مصرية فأشار لي إلى موقع البنك.. فنظرت إلى حيث أشار وعرفت مكان البنك ثم رجعت ببصري إليه، فعاود الإشارة الى البنك وقال لي البنك هناك.. قلت له نعم رأيته! فقال لي:
- طيب إيه مستني؟
- مستنيك تفتش شنطي!
- ما خلاص فتشت شنطك!
ثم التفت الى زميله وقال له:
- هو مش مصدق اني فتشت شنطو!..
وكنت اعتقد ان التفتيش سيكون دقيقاً وسمجاً مع توتر العلاقات بين البلدين.. لكن الحمد لله كانوا لطفاء معي.. فأغلقت حقائبي التي لم تفتش وأخذتها وتوجهت نحو البنك حيث صرفت الجنيهات ثم خرجت من صالات المطار الى موقف التاكسي واستقليت أحدها وطلبت منه توصيلي إلى شارع شيديا حيث أسرة العم مصطفى شنكل الذي كان عادل سراج إبن خالي صديقهم، وكان أحد اقربائهم سوداني من أبناء بورسودان وهو حسن الذي سكن معه عادل فترة دراسته هناك، وحسن رشوان هذا جذوره مصرية ويدل على ذلك بوضوح اسم رشوان.. لذلك هو قريب عمنا مصطفى شنكل وكان الغرض من مروري أولاً عليهم هو ليوصلوني لبيت حسن رشوان الذي اتصلت به من جدة لأخبره بأنني سأنزل عنده..

أصر عمنا مصطفى شنكل وإبنه معتز- صديق إبن خالي عادل سراج- أن أقضي الليل معهم ثم في الصباح يوصلوني الى منزل حسن.. كانوا كريمين ومضيافين كأهل السودان.. بل كأهل الإسكندرية! وعلمت أن كل أصدقاء عادل وحسن يعاملون هكذا بأريحية وبصدر رحب، وقد جلست في المساء أتونس مع كل الأسرة خاصة والدتهم وأختيهم، كانت جلسة أسرية خالصة أحسست فيها بأنني مع أسرتي.. رحم الله العم مصطفى شنكل الذي توفيّ لاحقاً وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة ..

ثم ا نتقلت الى شقة حسن الذي كان معه زميل، وكان حسن قد درس مع عادل سراج ولكنه بعد انتهاء الدراسة فضل البقاء في مصر، وبالتحديد في المدينة التي أحبها.. الإسكندرية.. فمارس التجارة المتجولة، حيث يمتلك عربة خشبية متنقلة يضع فيها سلع بسيطة ويقف في أماكن تجمع الناس، ويعاني (كشات) البلدية حيث يهرب بعربته مع بقية الباعة المتجولين.. ثم في نهاية اليوم يضع عربته في مكان آمن (قاراج على ما أذكر) نظير مبلغ من المال حيث تكون في أمان من السرقة او سرقة محتوياتها.. رغم أن والده وأسرته تجار في بورسودان لكنه آثر البقاء في المدينة الجميلة اسكندرية وممارسة البيع الجائل البسيط رغم معاناته تلك.. والإسكندرية فعلاً مدينة ساحرة تسحر لب كل من عاش فيها..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #270
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-15-2014, 03:36 PM
Parent: #269


الحلقة 212

نواصل ...

دورة تدريبية بمدينة اسكندرية

ذهبت الى فرع جمعية إدارة الأعمال العربية وكان في شارع الأنبا يؤنس القريب من محطة الرمل، وصعدت الى مكاتبهم حيث استقبلوني أحسن استقبال.. وبدأت الدراسة لدورة الأساليب الحديثة في السكرتارية.. وكان عدد طلاب الدورة التي أنا بها واحد.. هو أنا.. وكانت هناك دورة أخرى أيضاً بها عدد واحد دارس كان من الإمارات او من الكويت لا أذكر.. وعجبت للمصريين.. يعقدون دورة لشخص واحد.. تعلموا منهم أيها السودانيون.. فحتى لو لم تغطي الدورة تكلفتها فأقلها أن يزداد عدد الدورات المنفذة بالجمعية ليطول جدول الدورات المنفذة، بالإضافة الى ان المحاضرين سيزداد دخلهم ويستفيد اهل مصر من تلك الدورة وتزداد سمعة المعهد حتى لو عن طريق دارس واحد.. والأعجب أن المحاضرين كانوا يأتون يومياً من القاهرة لتدريسي.. فلو اخترت القاهرة مقراً (لتلك الدورة) لوفرت عليهم عناء الانتقال اليومي من القاهرة الى الإسكندرية وبالعكس.. ولكن لأن عروس البحر المتوسط تأسرني فقد اخترت ان تكون الدورة التدريبية بها.. لذلك فصّلوا تلك الدورة على مقاسي!

وكان مدير فرع الإسكندرية هو الأستاذ محمد الجزار وسكرتيرة الفرع هي الآنسة هويدا وموظفي الضيافة (البوفيه) هما محمد و أحمد .. أما مدير الجمعية فهو الأستاذ عبد الوهاب الشرقاوي ومقره بالقاهرة.. وكانت الدورة مكثفة جدا تبدأ بيوم عمل يتكون من فترتين تبدأ الأولى في التاسعة وتنتهي في الواحدة بعد الظهر تتخللها فترة راحة لمدة نصف ساعة ، وتبدأ الفترة الثانية في الساعة الثانية بعد الظهر وتنتهي في السادسة مساء تتخللها أيضا فترة راحة لمدة نصف ساعة.. وفي فترة الراحة كان هناك بوفيه مفتوح فيه وجبات خفيفه وقهوة وشاي ومشروبات باردة..

وشمل البرنامج محاضرات متنوعة منها: مفهوم السكرتاية وأهميتها، أهمية المعلومات ودورها في تحقيق فعالية العمل المكتبي، السكرتارية العامة، مفهوم عمل السكرتارية الخاصة وطبيعته، مهارات السكرتير في تنظيم سكرتارية الإجتماعات، الأساليب الحديثة في معالجة وعرض البريد، أسس تصنيف المحفوظات، فهرسة المحفوظات، طرق الحفظ وتداول الملفات والأوراق، الإتصالات الإدارية، مهارات التعامل مع الآخرين، العلاقات التبادلية ومقومات تحقيق فعاليتها، أنماط البشر والطبيعة البشرية، مهارات التعامل الفعال مع الرؤساء، الكتابة الإدارية ومراحلها، مهارات إعداد وصياغة التقارير ومحاضر الإجتماعات، مهارات الاتصالات الهاتفية وأساليب رفع كفاءتها في العمل المكتبي، مهارات الحديث الجيد والإنصات الجيد، دور السكرتارية في معالجة المشكلات ومواقف المواجهة مع الآخرين، أساليب التفكير الإبتكاري وتوليد الأفكار في مواجهة مشكلات العمل، أساليب ومهارات السكرتارية في إدارة المقابلات، مهارات معالجة النقد واعتراضات الآخرين، مهارات تجنب النقد مع الغير، المباديء العلمية في عمليات ارجاع الأثر، إدارة الذات، مهارات وأساليب تحقيق التنمية الذاتية وخطة المستقبل..

وقد قام بالقاء المحاضرات علينا ثلاثة من الأساتذة الممتازين جداً هم : الدكتور جلال شمس والدكتور عبد القادر همام والأستاذ سيد حجاج، وهم أولوا علم غزير وأسلوب شيق في الأداء، ولم أكن أتوقع أن تكون الدورة بهذه الكثافة والغزارة والجدية.. وقد استفدت غاية الفائدة خاصة المواد الإدارية، والعيب الوحيد في هذه الدورة هو التكثيف الشديد لموادها وحصرها في تلك الأيام العشرة وقد علمت أنها تؤدى في شهر تم اختصاره إلى اسبوعين وفي حالتي اختزلت المدة إلى عشرة أيام بما فيها الخميس مما أرهقني جدا خاصة أنني كنت مواظبا على حضور جميع المحاضرات منذ بدايتها في التاسعة وحتى نهايتها في السادسة مساء، مما كان يحرمني - ليس من الراحة فقط بل حتى من وجبة الغداء التي كنت أستغل ساعتها في أداء فريضة صلاة الظهر وملء استمارات تقييم الفترة الصباحية ولا يتبقى بعد ذلك وقت للغداء الا بعد السادسة عند انتهاء اليوم الدراسي وملء استمارات تقييم الفترة المسائية. وفي إحدى المحاضرات تم دمج محاضرتي مع محاضرة الدارس الآخر في الدورة الأخرى- الإماراتي- وجلس المحاضران والدارسان في قاعة واحدة وكانت محاضرة نقاش وتداول على ما أذكر..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #271
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-18-2014, 06:08 PM
Parent: #270


الحلقة 213

نواصل ...

اسكندرية يا أجدع ناس!

وبعد السادسة كنت أخرج لأتغدى أولاً ثم اذهب للبيت منهوك القوى، وفي مرة كنت أتمشى في شارع الأنباء يؤنس الذي فيه مقر الجمعية مررت على بائع ساندوتشات فول وطعمية فوقفت لأتذوق الفول ذا النكهة المصرية، فوجدت البائع رجل سوداني كبير في السن، وبدا من ملامحه ولسانه أنه حلفاوي، فسلمت عليه فرد عليّ بأحسن منها وطلبت الساندوتشات فأعدها لي فناولته النقود فلم يستلمها مني إلا بعد إلحاح.. هكذا هم السودانيون حتى لو كانوا في مصر..

وأحياناً كنت أمر على حسن رشوان في مكان عمله وأبقى معه قليلاً ثم نرجع سوياً الى البيت.. وأحياناً أذهب إلى جارتنا في مدني الحاجة فوزية محمد حسين التي كانت تقيم وقتها قرب ميدان المنشية، وكذلك شقيقها العم فاروق وشقيقها خميس ووالدتهم الذين يقيمون في عمارة الأسرة- أي البيت الكبير- في محطة الرمل..

في نهاية الدورة يوم 17/3/1995م تم تسليمنا شهادة اجتياز الدورة وقد احتفلت بنا الجمعية بهذه المناسبة في حفل غداء على شرف الدارسين أقيم في مطعم متخصص في المأكولات البحرية في أطراف الإسكندرية، ولم أطلب غير السمك، رغم وجود الاستاكوزا والجمبري، واستغرب مضيفيّ عدم تفضيلي لهما على السمك، ولم أكن اعلم طعم هاتين الأكلتين إلا فيما بعد حيث ندمت بأثر رجعي، فما كان أحلى الجمبري الذي يفوق السمك في الطعم عشرات المرات، والاستاكوزا التي تفوق الجمبري في الطعم مئات المرات.. المهم كان المطعم فاخراً من الداخل والخارج، وكان يطل على البحر المتوسط مباشرة، والصورة المرفقة لشخصي واقفاً خارج المطعم ويبدو تمثالين بحجم الإنسان..

Egypt010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي طريق العودة أشار لي مضيفيّ الى منزل قالوا لي أنه منزل ريا وسكينة زعيمتا أكبر عصابة سرقة وقتل في تاريخ الإسكندرية، ولم يتوقفوا لألتقط صورة بجانب المنزل، فاكتفيت بالنظر إليه من السيارة..
وانتهت الدورة وسلموني شهادة من الجمعية.. وعندي رجوعي أرسلت لهم خطاب شكر هذا نصه (لحسن الحظ وجدته محفوظاً في جهاز الكمبيوتر):

التاريخ : 27 شوال 1415هـ الموافق : 28 مارس 1995م

السادة/ جمعية إدارة الأعمال العربية المحترمين


السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الموضوع: صوت شكر

يسعدني أن أتقدم لكم بالشكر الجزيل لما بذلتموه من جهد مقدر لإنجاح دورة "الأساليب الحديثة في السكرتارية" المنعقدة بالأسكندرية في الفترة من 6/3/95 إلى 16/3/1995م ، ولما لقيناه من ترحيب وكرم ضيافة وطيب معاملة وجدية في تنفيذ الدورة، خاصة من الأخ الكريم مدير فرع الإسكندرية الأستاذ/ محمد الجزار والأخت سكرتيرة الفرع الآنسة/ هويدا وللأخوين العزيزين محمد و أحمد اللذين ما زالت حلاوة قهوتهم في لساني، ووراء كل هذا الجهد والبذل والعطاء الزعيم الكبير الأستاذ/ عبد الوهاب الشرقاوي الذي أن شكرته هنا فقد أنقصت من قدره وما أوفيته حقه لذا أترك ثوابه ليجزيه الله خيرا مما أقول.

والشكر موصول لاساتذتي الأجلاء الذين مابخلوا علي بمعلومة ولا فائدة ولاشاردة ولا واردة إلا غذوا بها عقلي، وكانوا أكثر من محاضرين، كانوا نعم الاخوة ونعم المعين، فالتحية للدكتور/ جلال شمس والتحية للدكتور/ عبد القادر همام والتحية للأستاذ الكبير/ سيد حجاج، والتحية لاسكندرية الأصالة والتحية لقاهرة المعز والتحية لارض الكنانة.

ودمتم،،

عمر حسن غلام الله
شركة مجموعة دله البركة
جدة-المملكة العربية السعودية

وقد حضر نفس البرنامج فيما بعد زميلي زين العابدين محمد احمد الذي كان مكتبه يجاور مكتبي، وسأله مدير المركز والأساتذة إن كان يعرفني، فأجاب بالإيجاب، فقالوا له إن عمر أفضل من مرّ على جمعية إدارة الأعمال العربية.. والحمد لله أنهم يذكرونني بالخير..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #272
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-19-2014, 01:18 PM
Parent: #271


الحلقة 214

نواصل ...

زميلي في مكتب الميزان مصطفى عبد الهادي في ذمة الله

قبيل سفري الى مصر كنت قد علمت من أبناء كفيلي السابق بالطائف ان زميلي المصري في مكتب الميزان قد انتقل الى الرفيق الأعلى.. لذلك أول ما وصلت أرض مصر اتصلت على الصادق الشريف صاحب المكتب الذي كان يتعامل معه مكتبنا في مجال استقدام العمالة المصرية- وقد كان مصطفى يعمل معه قبل استقدامه للعمل بمكتب الميزان بالطائف- فأكد لي الخبر.. وأنه مات مقتولاً بضربة خلف رأسه من جيران دكان والده الذين يمتهنون نفس المهنة: بيع العلف.. فطلبت من الصادق إعطائي عنوان أسرته ففعل، فاتصلت بجميلة محمد عابدين إبنة جيراننا في مدني وأعطيتها العنوان لتذهب معي حين حضوري الى القاهرة..

وعقب انتهاء الدورة مباشرة سافرت الى القاهرة بحافلة السوبر جيت الفاخر الذي كان موقفه في اسكندرية قرب مقر جمعية ادارة الأعمال العربية.. وعند وصولي لمنزل الخالة الحاحة مسكة- إبنة خال جميلة- في الألف مسكن أخذت جميلة الى حي السيدة زينب حيث أسرة الراحل مصطفى عبد الهادي، وحينما وصلنا لحارتهم سألنا أحد أصحاب العلافات عن علافة بإسم والد مصطفى، فاشار لنا عليها وسألناه عن مسكنهم فوصفه لنا، وكان في وجهه تساؤل واستغراب واندهاش.. عرفنا سببه لاحقاً من أسرة مصطفى.. حيث أن هؤلاء هم الذين قتلوا مصطفى!

دخلنا منزل أسرة الراحل مصطفى حيث قدمنا واجب العزاء لوالديه واخواته- له اختين وأخ موجود في الكويت- وأخبرونا عن سبب مقتله؛ حيث نشأ خلاف عادي بين أهل الحرفة، وكان دكاناهما متجاوران، وتشاجرا، وانفض الشجار.. ولكن فيما بعد وبينما كان مصطفى يمشي في الشارع جاء أحدهم وضربه على مؤخرة رأسه بحديدة او ما شابهها، فخر الى الأرض ونزف ولم يسعفه أحد، وحينما نقلوه الى المستشفى فارق الحياة.. وبرأت المحكمة القاتل! رحم الله زميلي مصطفى وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة .. اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم ابدله داراً خيراً من داره واهلاً خيراً من أهله واجعل قبره روضة من رياض الجنة..

وقد سألنا عن زوجته وإبناه فقالوا لنا إنهم مع أسرتها.. وقالت لي والدتهم هل مصطفى مدين لك بشئ؟ فنظرت الى جميلة ونظرت إلىّ ولم أستطع الكلام لأن السؤال فاجأني ولم أكن أتوقعه.. فرددته مرة أخرى وقالت تستحثني أن أخبرها إن كان لي عند مصطفى شئ ليقضوه عنه لي.. فاغرورقت عيناي ولم أنبس ببنت شفة.. ما أتيت لهذا بل اتيت لتعزيتهم.. وتعزية نفسي..

رجعنا الى بيت الخالة مسكه في الألف مسكن، وكانت جميلة تسكن معها وكذلك إيمان شقيقتها. وعلى ما أذكر كان هناك زوج شاب يسكن معهم في أحد غرف البيت بالأجرة وعلى ما أذكر أنهما من مدينة بورسودان، وكانا حديثي الزواج.. وكان البيت مكون من طابقين وقد أسكنوني في غرفة لليومين او الثلاثة التي بقيتهما في القاهرة.. وقد قمنا بزيارة جارتنا في حي 114 بمدني بثينة (الداية) التي كانت في طريقها الى امريكا مع إبنها عادل الذي كان قد حصل على لجوء سياسي من سفارة امريكا بالقاهرة.. وكان معهما هويدا خضر عبد الرحمن إبنة بثينة وأخت عادل.. وفيما بعد – ربما بعد سنة من لقائي بهم في القاهرة- سافر ثلاثتهم الى امريكا وما زالوا بها الى اليوم..

وقد أخذتنا الحاجة مسكة الى حديقة كبيرة وجميلة في وسط القاهرة حيث أخذنا الغداء معنا الى هناك، وأذكر أنها كانت صائمة، لذلك أتصور ان اليوم كان خميس.. رحم الله الحاجة مسكة التي انتقلت الى جوار ربها منذ سنوات.. والصورة المرفقة تضمني جالساً على الأرض (على يسارك) وبجانبي حسن محمد عابدين، يليه شقيقته إيمان، ثم هويدا خضر وخلفها تقف الحاجة مسكة عليها رحمة الله، ثم العروسة التي أشرت إليها أعلاه (من بورسودان)، ثم هدى إبنة جارتنا بثينة..

Egypt009.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ولولا هذه الصورة لما تذكرت زيارتنا لهذه الحديقة.. الصورة الثانية لشخصي في نفس الحديقة،

Egypt007.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والثالثة كذلك جالساً على درج حجري في نفس الحديقة..

Egypt008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والرابعة لشخصي وبجانبي حسن محمد عابدين بجانب قطار ملاهي في نفس الحديقة..

Egypt011.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #273
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-21-2014, 12:15 PM
Parent: #272


الحلقة 215

نواصل ...

ملحق صور مصر

الصورة الأولى في نفس الحديقة وفي الخلفية يظهر مجسم عليه كلمة (الرياض) ويرمز لمباني الرياض (السعودية) التاريخية العريقة.. وتضم الصورة حسن محمد عابدين- على يمينك- وشخصي جالسين على الأرض، وخلفنا بثينة الدايه جارتنا في مدني وبجانبها العروس البورسودانية التي كانت تسكن في بيت حاجة مسكة هي وعريسها..

Egypt012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية تضمني- على يسارك- وحسن محمد عابدين وهي في نفس الحديقة، وخلفنا مجسم يجلس فوقه طفل..

Egypt013.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثالثة لشخصي في الحديقة وخلفي مجسم لرمز الكويت- برج التلفزيون-

Egypt015.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الرابعة لشخصي في الحديقة وتبدو خلفي أحواض من الزهور المنسقة، وكثير من المتنزهين

Egypt017.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #274
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-22-2014, 02:17 PM
Parent: #273


حلقة 216

نواصل ...

ملحق صور مصر

الصورة الأولى تضمني والأستاذ محمد الجزار مدير فرع جمعية إدارة الأعمال العربية بالإسكندرية، والصورة في مطعم السمك الإسكندراني، وخلفنا يظهر مجسمين لشخصيات مصرية

Egypt014.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية لشخصي في مطعم السمك ومزيد من مجسمات لشخصيات مصرية

Egypt1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثالثة تضمني والأستاذ محمد الجزار مدير فرع جمعية إدارة الأعمال العربية بالإسكندرية، والصورة في جسر صغير يؤدي لمدخل مطعم السمك الإسكندراني

Egypt018.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الرابعة لشخصي في محيط مطعم السمك حيث قفص لطائر البشروش (فلامينكو).. أي أن مطعم السمك هذا هو تحفه في حد ذاته، ناهيك عن ما يقدمه من طعام بحري مميز

Egypt019.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #275
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-25-2014, 03:55 PM
Parent: #274


الحلقة 217

نواصل ...

قدوم إيلاف.. وسفرنا إلى سوريا

ثم رجعت للإسكندرية مرة أخرى حيث أقعلت منها الى جدة في يوم 18/3/1995م، وبعدها بشهر بالضبط- أي في 18/4/1995م- رزقنا الله بإيلاف.. وسبب تسميتها إيلاف أن والدتها وضعتها في مستشفى السلامة بجدة- كالمعتاد بعملية قيصرية- وكانت في سريرها تشاهد صلاة الجمعة منقولة من الحرم المكي الشريف عبر التلفزيون، وقرأ الإمام سورة لإيلاف قريش، فأعجبها إسم إيلاف، فلما جئت لزيارتها في نفس اليوم اقترحت عليّ الإسم فوافقت فوراً.. وإيلاف الآن بكلية الطب- جامعة السودان العالمية بالسودان- الخرطوم..

في يونيو 1997م قررنا أن نغير وجهة إجازتنا السنوية لتكون الى سوريا، وفكرنا أن نسافر براً بحافلات النقل الجماعي، وتطلب منا تأشيرة عبور للأردن، ولم تكن سوريا تطلب تأشيرة دخول لأراضيها من السودانيين.. فقدمت جوازات سفرنا الى القنصلية الأردنية بجدة، وأذكر ان هناك موظفاً فظاً تعامل معي بغلظة غير مبررة، وكان كبيراً في السن، وليس له دخل أصلاً في إجراءات التأشيرة.. ولولا الظروف لتركت السفر براً والمرور عبر الأردن لهذا التصرف واستبداله بالسفر جواً.. لكن في النهاية حصلت على التأشيرة.. وحجزنا في الشركة السعودية للنقل الجماعي.. وكان موعد الإقلاع في التاسعة صباحاً- على ما أذكر- من يوم الثلاثاء 24/6/1997م.. وخرجنا من البيت حوالي السابعة صباحاً، فتعثرت قدم زوجتي في سلم العماره الخارجي والتوى كاحلها، وآلمها.. فقلت لها هل نؤجل السفر، قالت لا.. فواصلنا الى مقر النقل الجماعي قرب البلد وركبنا البص الذي تحرك بنا، وفي الطريق بدأت قدم زوجتي في التورم..

وفي محطة في الطريق توقف البص ووجدت زوجتي صعوبة في المشي على قدمها، فنصحنا بعض الركاب بتدليك القدم بالثلج وربطها، وفعلنا.. وزاد الطين بله أن إبني كان يبكي كثيراً- وهذه عادته- فضربته بالمسواك الذي في يدي ليسكت.. ولتني لم أفعل.. فقد ظللت نادماً الى تاريخ كتابة هذه السطور.. لا سيما أن بكاءه كان بسبب حمى سببتها له التهاب اللوزتان..

بعد ستة وعشرين ساعة من السفر، وبعد عبورنا لنقطة الحدود بين السعودية والأردن في حالة عمار، ثم نقطة الحدود (المدورة) بين الأردن وسوريا، وصلنا الى دمشق ظهر يوم الأربعاء 25/6/1997م، وتوقف البص في محطته الأخيرة في وسط دمشق.. وتقدم إلينا كثيرٌ من أصحاب التاكسيات يعرضون توصيلنا، فرشح لنا سائق البص- وكان سودانياً- أحدهم، وكان ما يميزه أن عينه بارزة الى الأمام كثيراً.. واتضح ان هدف اصحاب التاكسيات كان السمسرة لدى اصحاب العقارات اكثر منه توصيل بأجرة.. وعرض علينا عدة عروض لشقق مفروشة، وفي النهاية قبلنا بواحدة اخبرنا بسعرها، واشترطنا عليه أن يوصلنا للمستشفى أولاً قبل التوجه للشقة.. وساعدت زوجتي على المشي لأن قدمها كانت قد بلغت من التورم مبلغاً لم يعد شبشبها يدخل في قدمها..

وبالفعل أخذنا الى مشفى القدس او فلسطين لا أذكر، وهو مستشفى خاص، وعرضنا الاثنان للأطباء، حيث اتضح ان زوجتي مصابة بفكك في مفصل القدم، وحسن مصاب بالتهاب اللوزتين، وتم تقديم العلاج لهما، ودفعنا لهم تكاليف العلاج التي لم تكن عالية.. ثم بعدها أخذنا للشقة التي كانت في حي راق وكانت عبارة عن جزء من شقة يسكنها اصحابها رجل كبير في السن وزوجته، وكان القسم المخصص لنا عبارة عن صالون وغرفة، وكانت شقة نظيفة وعلى ما أذكر كانت بحوالي 3500 ليره في اليوم أو في الثلاثة أيام لا أذكر، وكان الريال يساوي وقتها 12 ليره، وأظن حتى الآن كذلك.. طبعاً لم يكن لنا خيار غير القبول رغم ان السعر الذي قاله لنا السائق السمسار هو غير الذي قال لنا به صاحب الشقة.. ولكن قبلنا للجهد الذي نحن فيه والسهر والمرض.. ونزلت بعد ذلك لأجلب طعام وأكلنا ثم خلدنا الى الراحة والنوم.. بعد رحلة مضنية مليئة بالمفاجآت غير السارة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #276
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 05-26-2014, 03:14 PM
Parent: #275


الحلقة 218

نواصل ...

يا دمشق.. يا دمشق.. كلنا في الهم والآمال شرق

بعد الراحة واستقرار حالة إبني وزوجتي بدأنا في استكشاف دمشق، فهبطنا الى سوق الحميدية الذي ذكرني بالسويقة في المغرب، وباب شريف في جدة، فهو سوق شعبي مسقوف الشوارع، والشوارع ضيقة سواء الشارع الرئيسي الذي يشق صفوف الدكاكين المتراصة أم الشوارع الجانبية، والدكاكين تبيع المنتجات السورية بأسعار رخيصة، وفي شارع جانبي وجدت مكتبة صغيرة تفحصت في الكتب التي تبيعها فوجدت كتباً نادراً ما تجدها في غير هذا المكان إلا المغرب.. وقد اشتريت بعض تلك الكتب منها (بروتوكولات حكماء صهيون) للكاتب محمد خليفة التونسي، وقد قمت بنشره في الانترنت منذ سنوات..

كذلك زرنا الجامع الأموي في دمشق، وبعد الدخول من الباب الرئيسي وجدنا ساحة واسعة ثم مبنى الجامع الذي يوجد به ضريح.. فسألت إمرأة قابلتني داخل الجامع عن صاحب الضريح، فقالت لي:
- هذا ضريح سيدنا يحيى، نبينا إحنا..
ولما خرجت سألت الحارس الذي يجلس على كرسي بجانب الباب الخارجي للجامع عن كلام هذه المرأة.. وكيف يكون نبيها سيدنا يحيى! فتفكر ثم قال لي:
- تكون هذه المرأة من طائفة كذا (للأسف نسيت اسم هذه الطائفة) وأن هذه الطائفة تعتقد في تناسخ الأرواح، وأنهم يعتقدون أن روح سيدنا نوح عليه السلام (لست متأكد من هل هو نوح أو نبي آخر) حلت في جسد سيدنا يحيى عليه السلام، وروح سيدنا يحيى حلت في جسد سلمان الفارسي رضي الله عنه..

المعيشة في سوريا في تلك الفترة كانت رخيصة؛ فالأكل جيد وبأسعار معقولة والتاكسي رخيص لدرجة مذهلة، فالمشوار داخل دمشق لا يتعدى 25 ليره اي ريالين، والشعب السوري مهذب وهاديء وودود.. وذات مرة استأجرنا تاكسي وأخذنا الى نهر بردى خارج دمشق- أعتقد أنها الغوطة الشرقية- حيث هناك حديقة صغيرة بها كافتيريا جميلة وجلسات رومانسية رائعة لولا رائحة المجاري التي تنبعث من نهر بردى حتى ظننا أن الذي يمر من تحتنا هو مصرف مجاري لا سيما وأنه صغير ولا يشبه الأنهار، بل كأنه جدول، وسألنا عن هذه الرائحة فقالوا ان الصرف الصحي يصب في هذا النهر.. لقد تغلبت مياه الصرف الصحي على مياه النهر فغلبت عليه صفة مياه المجاري..

000025-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لأسرتي في تلك الحديقة..

والصورة الثانية لحسن يمسك مجسم بالوني لديناصور أمام كشك المرطبات في تلك الحديقة

000026-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثالثة للأسرة مكتملة في نفس الحديقة

000030-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #277
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-01-2014, 03:44 PM
Parent: #276


الحلقة 219

نواصل ...

من حدائق نهر بردى الى حدائق تشرين

وقد بقينا في حدائق الغوطة (التي على نهر بردى) الى المغرب، وبما أن المكان خارج العمران والطريق الذي يمر به ليس طريقاً رئيسياً لذا فلم نر سيارة تاكسي تمر من هناك.. فخفنا ألا نجد ما يوصلنا لدمشق.. وكان في الحديقة رجل كبير في السن يجلس في الطاولة مع فتاة، وعندما رأى حيرتنا قال لنا أنه سيوصلنا معه الى دمشق.. وبالفعل أخذنا معه في سيارته المرسيدس، وبما أن سيارتي في السعودية كانت ايضاً مرسيدس فقد سألته أين أجد قطع غيار لها فقد سمعت ان قطع الغيار للسيارات المرسيدس في سوريا رخيصة حيث يجلبونها من تركيا.. فوصف لي مكان فقلت له هل أقول له أنني من طرفك.. قال لا! لأنه سيضع سمسرتي فوق السعر، لذلك أفضل ألا تقول له انك من طرفي.. ثم أوصلنا الى داخل دمشق دون مقابل مادي مشكوراً..

000031.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


حسن مع البائع وزميله في الكشك في الحديقة الصغيرة على نهر بردى (الغوطة الشرقية)

000032.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة أخرى لحسن فوق حاوية المشروبات في الحديقة الصغيرة على نهر بردى (الغوطة الشرقية).. لاحظوا الصورة التي خلفه!

وفي مرة أخرى ذهبنا الى حديقة ملاهي صغيرة داخل دمشق ولعبنا مع أطفالنا بها، ولم يكن هناك كثير ناس فيها، إلا بضع شابات.. منهن ثلاثة جئن سوياً، وقد جلس أحد موظفي الملاهي على حافة العربة التي تدور حول المحور والتي تجلس بداخلها إحدى الفتيات، وكانت العربة أمام عربتنا فدار حديث بينهما مفاده أنه- أي الشاب- بيجوز يتقدم لأهلها- أي لأهل الفتاة، اي ان الكلام غزل ويريد أن يطمئنها بأنه (يجوز) أن يطلبها من أهلها.. وهذه المحادثة بعد تعارف بينهما قبل عدة دقائق!

ثم ذهبنا الى حديقة ملاهي كبيرة، ولا أنسى يوم ركبنا لعبة الكراسي المعلقة على محور مثل المظلة التي تتدلى من أطرافها الكراسي وكنت أضع حسن على حجري وامه تضع ايلاف على حجرها، وعندما دارت هذه الداهية حول محورها بسرعة هائلة شعرت برعب شديد حيث أحسست أنني سأطير من مقعدي رغم أنني مربوط فيه، وخوفي على حسن الذي ضممته عليّ بقوة حتى لا (يطير) مني.. ولم أجرب مثل هكذا لعبة بعد ذلك..

في حديقة عامة ربما كان اسمها تشرين قضينا وقتاً جميلاً بين الأشجار والأزهار، ليس بالحديقة ملاهي، وربما كان هناك بعض ألعاب أطفال من مراجيح وزحليقات، ولكن كان الجلوس على الكنبات والتمتع بجمال الطبيعة الساحرة هو المكسب.. وبينا نحن نتجول اقترب منا شاب يحمل إناء به قهوة وفناجين وسكب لنا في فنجانين قهوة، فتذوقتها فلم أذق أمر منها من قبل.. قهوة مركزة جداً وبدون سكر تماماً، وعندما أعدنا له الفناجين سألناه كم يريد ثمن للفنجانين فقال خمسين ليره! دهشنا طبعاً، رغم أنه قدمهما لنا من تلقاء نفسه ولم نطلبها منه، فاحتججنا على هذا الثمن المرتفع إذ أنه يكفي لإطعامنا عدة وجبات.. المهم في النهاية قبل بخمس ليرات!

وهذه صورة أخرى لحسن بجانب نافورة في نفس الحديقة

48.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


أنا وزوجتي وحسن وإيلاف في الحديقة العامة التي شربنا فيها القهوة المرة

000038.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


زوجتي تحمل إيلاف وبجانبهم أطفال سوريين في حديقة تشرين

000034.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #278
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-02-2014, 01:03 PM
Parent: #277


الحلقة 220

نواصل ...

بلودان والزبداني


Syria004.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لحسن وأمه وأخته في حديقة تشرين (لم يسمح لي النظام "5 صور في المشاركة" أن أرفقها في المشاركة السابقة)

أثناء إقامتنا في هذه الشقة كنا نبحث عن شقة أخرى أرخص ثمناً، وعن طريق مكتب عقار تحصلنا على واحدة أرخص كثيراً عن الأولى.. فأكملنا الثلاثة الأيام التي دفعنا أجرتها مقدماً وانتقلنا للشقة الأخرى التي تتكون من ثلاث غرف وصالة ومنافعهما، وهي في عمارة قريبة من مسجد على ما أذكر أنه مسجد عمر بن الخطاب، وقد صليت فيه بما في ذلك صلاة الجمعة، وقد تعرفت أسرتي على الجيران الذين كان لديهم أطفال كثيراً ما تسامروا مع أطفالي ولعبوا معهم.. وكانت المنطقة آمنة، فأحياناً لا نهتم بإغلاق باب الشقة بإحكام سواء كنا بداخلها او إذا خرجنا منها، وأحياناً كنت أترك أسرتي وأخرج فأتجول على أقدامي في المنطقة القريبة، رغم أن البقالة الصغيرة التي تحت العمارة قد تم سرقة بعض بضائعها كما أخبرني صاحبها، ويبدو أن الاقتراب من السياح خط أحمر للصوص لذلك لا أحد يتعرض لهم كما يتعرض لأهل البلد.. كنا نشتري من تلك البقالة الحليب الذي يسمونه (الحليب المعقم) وهو معبأ من المصنع في زجاجات، ورغم أنهم يفضلون الحليب السائب الذي يباع بالكيلو في أكياس لاعتقادهم أنه طبيعي، فإن هذا المعقم أيضاً أحسست من رائحته أنه طبيعي، ففي السعودية لم أشم رائحة حليب مذ دخلتها، أما هذا الذي في سوريا فذكرني بحليب السودان حينما يفوَّر في النار ....

في أثناء تجوالنا على الأقدام مررنا على صف من المحلات التي تشبه محلات الحلاقين، ومكتوب على يافطاتها (مطهر أولاد)، وكل صاحب محل ينادي علينا عندما يرى معنا إبني حسن، فنقول له إنه مطهر، فيقول: (يمكن ما مظبوطه، تعالوا نعيدها له!).. وقد وصلت يوماً أثناء تجوالي بمفردي الى مقبرة بها قبر سيدنا بلال رضي الله عنه، وعدد من الصحابة ربما منهم سيدنا عبد الله بن مسعود..

ذات يوم قررنا زيارة بلودان والزبداني حسبما اقترح لنا بعضهم، فأخذنا تاكسي من وسط البلد حيث موقف سيارات ريف دمشق، وتوجهنا نحو بلودان والزبداني، وهي قريبة من دمشق ولكنها مرتفعة، وكان الطريق يمر بحقول ومزارع وبساتين، ثم بدأ الجو يبرد كلما اقتربنا منها، حيث أنها مرتفعة عن دمشق.. وصلنا بلودان ولم نتوقف فيها كثيراً ثم واصلنا رحلتنا نحو الزبداني، وكان الجو أكثر برودة حيث هي أكثر ارتفاعاً، لذا كان المنظر من أعلى الزبداني عندما ننظر الى الطريق الذي جئنا به والقرى التي تقع في المنخفض كان منظراً رائعاً.. وقد وجدنا كثير من السياح العرب وكثير من السوريين الذين كانوا يقضون عطلة نهاية الأسبوع فيها.. وهي منطقة سياحية من الدرجة الأولى حيث كل المحلات سياحية وأسعارها أكثر بكثير من دمشق.. ولكن رغم فارق السعر فتظل الأسعار معقولة.. وجلسنا في مطعم وتغدينا.. ثم تجولنا في شوارعها المنحدرة المتعرجة..

000039.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لحسن ووالدته وأخته في أحد شوارع الزبداني

وفي أثناء تجولنا قابلنا شباب سودانيين سلمنا عليهم وتعرفنا عليهم وكان أحدهم يسكن الديم بالخرطوم، وكعادة السودانيين أينما التقوا سألناه أين يسكن بالضبط في الديم لأن أختي تسكن هناك، وبالطبع وجدناه يعرف أسرة اختي ويعرف أخي الذي يسكن معهم.. وعرفنا منهم أنهم يعملون في مصنع يريد صاحبه أن يفتح مثله في السودان، فأستوعب هؤلاء ليتعلموا الصناعة التي يعمل بها ليرسلهم الى السودان حينما ينشئ مصنعه هناك.. وقد أخذونا الى مكان سكناهم الذي كان عبارة عن سينما مهجورة، حيث صعدنا الى الطابق الأعلى فوجدنا عدداً من الناس يسكنون فيها ومن ضمنهم أسر سورية.. وقد عرفونا على إحدى تلك الأسر التي تتكون من الأب والأم وأطفالهم، وهم على علاقة طيبة بهم، وقد قدموا لنا الشاي.. للأسف نسيت أسماء الشباب ولكن الصورة المرفقة

000015.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


قد يراها أحدهم او من يعرفهم فيذكرنا بأسمائهم.. والصورة لأسرتي ومعهم هؤلاء الشباب على شرفة السينما التي تطل على الشارع حيث يظهر الجبل وبعض المباني في الزبداني..

000016.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وكان كلما اقترب المساء كلما برد الجو أكثر.. وقرب المغيب ودعنا الشباب السودانيين وركبنا إحدى التاكسيات المتوجهة الى دمشق..

000033.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لحسن وأمه في أحد شوارع الزبداني ويظهر الجبل والمزارع الخضراء

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #279
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-03-2014, 01:07 PM
Parent: #278



الحلقة 221

نواصل ...

جبل قاسيون

ذات يوم ونحن نستقل تاكسي مررنا بما يشبه الدوار في العاصمة دمشق، ولاحظنا ان الحركة اصبحت بطئة، وكلما اقتربنا من الدوار ازداد بطء الحركة، ثم رأينا مجموعة من الناس واقفين بجانب سياراتهم، فظننا أن هناك حادث قد وقع وأن سائقي السيارات تلك قد نزلوا منها ليروا ما حل بسياراتهم أو أنهم ينتظرون وصول شرطة المرور، ولكن عندما وصلناهم لم نر ما يشير الى حادث او نحوه، بل وجدنا مجموعة من الشباب يقفون في قلب الشار ع بينما سياراتهم تقفل الطريق.. فسألت سائق التاكسي عما يفعل هؤلاء السائقين في قلب الشارع، فقال لي:
- شباب!
ولم يزد، فعلمت من طريقة كلامه (هي في الحقيقة كلمة واحده) وتعابير وجهه وحذره الشديد أن هؤلاء الشباب (يتونسون) فقط.. ويبدو أنهم من أبناء ذوي السلطة والنفوذ أو (المسنودين) الذين لا يخافون من شرطة مرور ولا من الجيش حتى، ولا يهمهم أن حركة المرور توقفت او الناس تأخرت او إنفلقت.. وعلى عكس ما كنت أتوقع من أهل سوريا النظاميون المؤدبون المطيعون لرؤسائهم الذين لا يخرقون القانون ابداً.. فقد كان هؤلاء استثناء غريباً.. والأغرب عدم اكتراثهم لشئ ولا للناس الذين يمرون بالطريق.. إنهم أمراء من غير ملكية.. فوق القانون.. وهاهي قد قلبت عليهم ظهر المجن.. وهاهي نذر زوال مملكتهم بادية للعيان، وهاهي أيامهم الأخيرة تقترب.. فسبحان من ينزع الملك ممن يشاء..

000010.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


حسن ووالدته وأخته في أحد شوارع دمشق

من المناظر الجميلة داخل دمشق جبل قاسيون، وهو جبل فيه أحياء سكنيه، وتبدو البيوت فوقه كانها ثريات معلقة خاصة بالليل حيث تضيء فيراها الناس من سفح الجبل كالثريات.. وقد ذكرني المنظر بالجبال المحيطة بمدينة تطوان في شمال المغرب، والفرق أن جبال تطوان خضراء كلها.. وقد استقيت من موسوعة الويكيبديا هذه النبذة عن جبل قاسيون (بعد تصحيح بعض الأخطاء الطباعية):

قاسيون جبل يطل على مدينة دمشق عاصمة سوريا، والذي يعتبر امتداداً جغرافياً لسلاسل الجبال السورية الغربية. امتداد لها النشاط العمراني خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. حيث تقع بعض أحياء دمشق مثل حي المهاجرين، وحي ركن الدين، حي أبورمانة والشيخ محي الدين وغيره.
ترتفع قمة جبل قاسيون أكثر من 1150 مترا عن سطح البحر. توجد على قمة الجبل محطة لتقوية البث الأذاعي والتلفزيوني. يعتبر جبل قاسيون أحد أماكن التنزه والترفيه المحيطة بمدينة دمشق بإطلالته الجميلة. كما يمكن مشاهدة مدينة دمشق بالكامل منه. يقع على سفح الجبل من الجهة الجنوبية الغربية نصب الجندي المجهول في مكان مميز، تنتشر المتنزهات والمطاعم والمقاهي والاطلالات الجميلة التي تشرف على مدينة دمشق وعلى منطقة دمر وغيرها ويحتوي أحد أهم المعالم الدينية والاثرية ألا وهي مغارة الدم أو ما يسمى مقام الأربعين.

انتهى مقال الويكيبديا عن جبل قاسيون.

000011-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أعناب تحملها والدتها وحسن بجانبها، ومجموعة أطفال سوريين في أحد أحياء دمشق

000013.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


أسرتي تسير في أحد شوارع دمشق..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #280
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-05-2014, 03:44 PM
Parent: #279


الحلقة 222

نواصل ...

وداعاً سوريا

في الأيام الأخيرة تسوقنا من سوق الحميدية حيث المصنوعات السورية ذات الشهرة مثل فوط الترابيز والجلابيات النسائية ولكن لم يكن هناك خيارات واسعة لملابس الأطفال، والسوق الذي به ملابس الأطفال وجدناها غالية ربما أعلى سعراً من السعودية، كذلك الأحذية الجيدة سعرها مثل سعرها في السعودية.. وخلف سوق الحميدية يوجد قصر العظم التاريخي، والذي بداخله يوجد المتحف، ولكن لا أذكر أننا دخلناه، ربما لأن موعد الدخول كان قد فات، أو أنه كان مغلقاً يومذاك للصيانة أو شئ من هذا القبيل..

000019-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي يحمل حسن، ووالدته تحمل أخته في أحد حدائق دمشق .

000020-20.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


على حافة النافورة جلسنا.. أنا وأسرتي في نفس الحديقة أعلاه..

000021.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


على حافة النافورة جلسنا.. أنا وأسرتي في نفس الحديقة أعلاه.. ولكن من الصورة من زاوية أخرى..

ثم حجزنا في النقل الجماعي للعودة، ولكن هذه المرة عن طريق المدينة المنورة لنزور أهلنا هناك، إبن عمتي الحاج عكاشه- رحمه الله رحمة واسعة فقد انتقل الى الرفيق الأعلى قبل حوالي عام ونصف- وعم المدام عمر سيد احمد وإبن عمتها احمد الحاج..

وبعد 12 يوم قضيناها في سوريا- أي في يوم 7/7/1996م- ركبنا حافلة الشركة السعودية للنقل الجماعي التي اتجهت نحو الحدود السورية الأردنية، فعبرنا نقطة حدود المدوره ومررنا بالتراب الأردني الى الحدود الأردنية السعودية، فخرجنا من نقطة الحدود الأردنية وبعد حوالي كيلو متر بين الشبك الذي على يمين الطريق وشماله وصلنا نقطة الحدود السعودية (حالة عمار) فطُلب من الركاب النزول والإنتظار في صالة كبيرة أشبه بالعريشه حيث سقفها من الزنك ومفتوحة من الجوانب وبها كنب، وطلب منا كذلك ترك العفش بالبص، ثم تحرك البص وغاب عنا.. ثم خضعنا لتفتيش شخصي من قبل موظفي الجمارك داخل غرف.. وكالمعتاد لم يتم التدقيق في تفتيشي- إذ أنني سوداني-

ثم رجع البص بعد تفتيشه، وقد علمنا أنه يتم فحص البص والعفش بواسطة الكلاب المدربة وكذلك يتم تفكيك أجزاء منه بواسطة فنيين بحثاً عن المخدرات، ثم صعدنا الى البص وتحرك بنا باتجاه المدينة المنورة التي وصلناها صباح اليوم التالي.. وانتهت رحلتنا الى سوريا..

ولا أنصح احد بالسفر بالحافلات (البصات) الى بلاد بعيدة.. فهي متعبة ومرهقة سيما إذا كان معك أطفال.. دي نصيحة مجرب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #281
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-08-2014, 04:04 PM
Parent: #280


الحلقة 223

نواصل ...

المغرب الحبيب مرة رابعة

شوقي الى المغرب يزداد مع مرور الأيام، وكلما طال عهدي بها اشتقت إليها أكثر.. فهاهو قد مر عقد من الزمان مذ زرتها لآخر مرة في أواخر 1987 وأوائل 1988م، وبحثت عن سبب يأخذني إليها، ففكرت في الدورات التدريبية، واتصلت بمقر الشركة السعودية لتنمية الكفاءات البشرية في الرياض وعلمت منهم أنهم سيقيمون دورة تدريبية في مجال لا يبعد كثيراً عن مجالي، والأهم أنهم سيعقدونها في المغرب، في مدينة طنجة.. فطلبت من إدارة التدريب في شركة التوفيق بالموافقة لي على الإلتحاق بتلك الدورة التي كانت بعنوان (بناء وتكوين فريق العمل الفعال)، وبعد موافقة مدير الشركة الذي كنت مديراً لمكتبه؛ وهو الأستاذ عبد الإله صباحي، تم التنسيق مع الشركة المنظمة للدورة، وبالصدفة التقيت بزميل لي في الشركة لا يعمل في نفس مجالي بل يعمل في إدارة المراقبة والمحافظ كمحلل مالي، وأخبرته بأمر الدورة وقلت له يمكنك الذهاب معي.. وراقت له الفكرة، فتقدم لإدارة التدريب بشركتنا فوافقوا له.. وبدأنا في ترتيب إجراءات السفر من إصدار تأشيرة الخروج والعودة وإصدار التذاكر، وعملنا تأشيرة دخول من القنصلية المغربية- تمت مباشرة من القنصلية دون الحاجة لكتابة برقية الى الخارجية المغربية كما كان يحدث في الماضي (يبدو أن مقالي المنشور بجريدة العلم المغربية في العام 1985م الذي كان بعنوان: (سفراء بلا جوازات سفر حمراء) قد آتى أكله..

Sufraa001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


كانت اسرتي الصغيرة قد غادرت الى السودان في إجازة يوم 17 سبتمبر، وفي اليوم التالي كان سفرنا الى المغرب عن طريق مصر بطائرة الخطوط الملكية المغربية.. واقعلت الطائرة من مطار جدة، وكنت جالساً بقرب النافذة، وبعد قليل من إقلاع الطائرة سمعت صوتاً يأتي من خارج مقصورة الطائرة يشبه صوت حديدة غير مثبتة جيداً يحركها الهواء فتصطدم بجسم الطائرة صدمات سريعة متتالية، فناديت المضيفة وأسمعتها ذلك الصوت.. وعلى ما أذكر نادت مضيفة أخرى وأسمعتها الصوت، ولكن الطائرة واصلت طيرانها نحو القاهرة.. وبعد ساعتين حطت في مطار القاهرة.. وهبطنا جميعنا ليغادرنا الركاب الذين إنتهت رحلتهم في القاهرة، فتجولنا في المطار وأذكر أن صالة الترانزيت كانت تعج بفتيات إثيوبيات مواصلات رحلتهن التي بدأت في أديس أبابا لتنتهي في بيروت حيث سيعملن خادمات هناك.. وكن متعلمات إذ تعرفت عليّ إحداهن وكانت تتقن اللغة الإنجليزية.. وتحدثت بحرارة عن ميزة الرجل الأسمر، ودعتني الى زيارتها في غرفة الفندق التي خصصت لهن، وزرتهن وكن مجموعة من الفتيات.. وكان الفندق داخل المطار وفي نطاق صالة الترانزيت..

ثم أبلغنا موظفو الخطوط المغربية في صالة الترانزيت بمطار القاهرة بأن الطائرة بها عطل! ويبدو أن هذا العطل هو ما سمعته حين اقلاعها من مطار جدة، وعجبت كيف وصلت الطائرة من جدة الى القاهرة رغم هذا الذي كنت اسمعه! يبدو أنه قد نجانا الله من كارثة.. وأفادونا بأننا سننتظر الى حين إصلاح العطل.. وكان وقت الإنتظار مملاً ولكن تجولي في صالة الترانزيت ومحلاتها التجارية وونستي مع الإثيوبية قلل من حدة الملل.. ثم بعد عدة ساعات جاءنا من يخبرنا بأن العطل لا يمكن إصلاحه الآن لأن هناك قطعة غيار سترسل من الدار البيضاء لإصلاح العطل، وهذا يعني أن الطائرة ستظل قابعة في مطار القاهرة لفترة طويلة.. لذلك لابد من الانتقال لطائرة أخرى.. وتم تقسيم الركاب لمجموعتين؛ على ما أذكر كانت مجموعة ستنطلق بالطائرة المصرية الى الدار البيضاء، وكانت المجموعة الأخرى ستنطلق بالطائرة الفرنسية الى باريس ومنها الى الدار البيضاء.. وكنا من ضمن الأخيرة..

أقلعت الطائرة الفرنسية من مطار القاهرة بعد منتصف الليل- ربما الثانية صباحاً- وعند الفجر حلقت فوق سماء باريس، ثم تدريجياً بدأت تهبط وبدأت تتضح معالم مدينة باريس وبرجها الشهير إيفّل (بالفاء العادية غير الأعجمية، وتشديدها) وبدأت تقترب منازل باريس وشوارعها ثم بدأنا نرى السيارات في الشوارع ثم ما لبثت أن لامست عجلات الطائرة أرض المطار.. وهبطنا منها الى صالة ركاب الترانزيت، حيث نقلونا بسيارات صغيرة الى صالة أخرى لا تبعد عن هذه الصالة كثيراً، حيث خضعنا لتفتيش استغربت له حيث اننا لم نغادر المطار وبالتالي لا يمكن أن نحمل شيئاً ممنوعاً، لأننا ببساطة انتقلنا من الطائرة الى صالة المطار.. وقد ساءني أن خضعت لتفتيش شخصي أكثر من بقية الركاب لا أدري سببه حتى الآن.. حيث خضع البقية للتفيش عبر أجهزة الأشعة السينية.. ثم بعد ذلك دخلنا صالة المغادرة حيث سنستقل الطائرة المتوجهة الى مطار طنجة، وبقينا كذلك عدة ساعات، أي تواصل سهرنا من صبيحة يوم الخميس 18/9/1997م دون أن نستطيع الاضجاع على جنب.. ثم أقلعت الطائرة من مطار شارل ديقول صوب الأراضي المغربية، حيث وصلنا الى مطار طنجه في وقت متأخر من مساء الجمعة، بل في الساعات الأولى من يوم السبت 20/9/1997م ..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #282
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-09-2014, 07:12 PM
Parent: #281


الحلقة 224

نواصل ...

طنجة مرة أخرى

مطار طنجة مطار صغير، ولذا لم يكن هناك زحمة فيه حيث كان ركاب طائرتنا هم الوحيدون في صالة الوصول ساعتذاك.. وختمنا جوازات سفرنا بختم الدخول، ثم توجهنا نحو صالة العفش حيث استلمنا شنطنا ومررنا على كاونتر الجمارك حيث فحصوا شنطنا، وأذكر أن رجال الجمارك تفحصوا قارورة المياه الصحية التي عبأتها بمياه زمزم وتلوث خارجها بشامبو الشعر الذي تسرب من قارورته.. وسألوني عن محتوى تلك القوارير فأخبرتهم أنها مياه زمزم، وربما ظنوها زجاجات معبأة بالخمر او سائل مشبوه سيما وأن الشامبو الذي لوث خارجها قد جعلها غير واضحة المعالم بالداخل، ولكن لم يفتحوها واكتفوا بإجابتي..

خرجنا من بوابة المطار فجاءنا أحد سائقي التاكسيات واتفق معنا لكن بعد أن يوصل المشوار الذي معه، ثم ذهب، وفي أثناء انتظارنا جاء آخر وعرض خدمته لنا، وبما أننا قد استبطأنا الأول فقد وافقنا على الذهاب مع الثاني، ولكن قبل ان نتحرك وصل الأول، فتخاصم الاثنان، ولم يتنازل أحدهم للآخر، فأصرا على الذهاب الى نقطة الشرطة أو الدرك الملكي لست أذكر التي في الطريق، وبالفعل توقف التاكسيان وعرضا المشكلة على العسكري المناوب الذي حكم لصالح الأول وتركه يأخذنا وبقي الثاني معه لا ندري هل سيحبسه لهذه المشكلة ام بسبب رائحة الخمر التي تفوح منه! كل هذه العقبات جعلت رحلتنا من جدة الى طنجة مضنية وطويلة.. وبعيد منتصف الليل وصلنا الى مدينة طنجة- كان المطار خارجها بمسافة- وأنزلنا أمام الفندق الذي تقام فيه الدورة حيث كنا قد حجزنا فيه غرفة.. وصعدنا الى الغرفة حيث نمنا في سرير لأول مرة منذ يومين..

في اليوم التالي بعد ان استيقظنا صعدنا الى سطح الفندق حيث القاعة التي تقام فيها الدورة، ووجدنا ان الدورة قد فاتتنا بيوم فشرحنا لهم ما حدث لرحلتنا التعيسة فوعدوا بتعويضنا هذا اليوم الذي ضاع منا.. لا سيما واننا الدارسان الأساسيان ومعنا سعوديان إثنان، حيث ان البقية هم تكملة عدد من المغاربة الذين استوعبوهم طالما ان هناك دورة قائمة، تماماً كما تفعل جمعية إدارة الأعمال في مصر.. وقد كان المشرف على الدورة مصري وكذلك محاضرها الأساسي مصري..

61.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي بين دارسين مغربيين، والأستاذ مشرف الدورة على يمينك

وكانت المحاضرات على فترتين تتخلهما راحة في الظهر حيث نتناول مأكولات خفيفة ومشروبات باردة وساخنة، ونصلي الظهر، ثم نواصل الى المساء، وكانت الدورة رائعة ومفيدة..

000030-1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في الحديقة الخلفية للفندق

وكنا بعد انتهاء اليوم الدراسي نتجول في الشوارع القريبة من الفندق حيث نقيم وحيث تقام الدورة، وكان الفندق نفسه يطل على شارع رئيسي بمحازاة البحر، وكان المنظر رائعاً من قاعة الدراسة حيث نرى البحر والشاطئ ونرى الميناء، وكذلك كنا نرى من على البعد في المساء أنوار جبل طارق عبر مضيق جبل طارق.. وكانت المدينة القديمة غير بعيدة عن الفندق وكان بها مطاعم عتيقة تذوقنا فيها أجمل جمبري.. بالإضافة الى الحريرة (شوربة مغربية) وكم شربنا الأتاي (الشاي الأخضر) في المقاهي القريبة من الفندق وتلك التي في المدينة القديمة،

Maroc097.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي جالس في الكراسي أمام المقهى احتسي ا لأتاي (الشاي الأخضر بالنعناع)، ويبدو عامل المقهى جالس بقربي

Maroc098.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وزميلي محمد دج جالسين في الكراسي أمام المقهى نحتسي الأتاي (الشاي الأخضر بالنعناع)،

وكان تحت الفندق قاعة تقام فيها الحفلات لنزلاء الفندق، وكانت صاخبة والموسيقى الغربية يرقص على نغمها الراقصون والراقصات، وكنت أتضايق من صخب وضوضاء القاعة فلا أطيق البقاء فيها فأترك زميلي وأقف في الشارع اتنسم هواء البحر النقي، أو أرجع لغرفتي واتفرج على التلفزيون وكانت القنوات الإسبانية تظهر بوضوح، واستغربت تبدل الحال في اسبانيا، حيث في السبعينات عندما زرتها كانت بلداً منضبطاً أخلاقياً، أما القنوات التي شاهدتها الآن ففيها العجب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #283
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-16-2014, 03:58 PM
Parent: #282


الحلقة 225

نواصل ...

طنجة مرة أخرى 2

وذات يوم عطلة نهاية الأسبوع اتفقنا نحن السودانيان مع السعوديان ان نذهب في جولة حول مدينة طنجة، فاستأجرنا تاكسي تجول بنا على الأماكن الهامة خاصة التي خارج طنجه ومن بينها قصر الأمير عبد الله، ثم في مكان عالي وقفنا نتفرج على خط التقاء المحيط الهادي بالبحر المتوسط، وكان منظراً مميزاً واستثنائياً.. والتقط لي أحد الزملاء هذه الصورة في ذلك المكان:

Maroc089.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأدناه صورة أخرى لي مع الزملين السعوديين في الدورة التدريبية، وأعتقد أن الثالث هو سائق التاكسي

Maroc105-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

كذلك زرنا كهف هرقل، وقطعنا تذاكر لزيارته، وهو كهف في الجبل يؤدي للبحر، وقيل ان المقاومين المغاربة كانوا يغيرون على سفن الغزاة ويدخلون في هذا الكهف ومنه الى الجبل فلا يراهم الغزاة

Maroc102-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لنا أنا - على يمينك- ثم محمد دج جالس على الكرسي، ثم الزملاء السعوديين، ونحن أمام مدخل الكهف، ويبدو أن المكتب والكرسي هما لموظف بيع التذاكر.. ولا أذكر لِمَ نحن جالسون عليها وأين أصحابها.. ربما بعد أن خرجنا كانت فترة الزيارة قد انتهت فغادر بائع التذاكر مكانه حيث لم يعد له عمل..

ثم دخلنا إلى داخل الكهف حتى وصلنا إلى البحر حيث فتحة الكهف الشهيرة المطلة على البحر، ذلك المنظر الذي أصبح رمزاً لطنجة، فما إن ترى فتحة الكهف هذه حتى تعرف أن هذه صورة لكهف هرقل بطنجة.. والتقطت لنا هذه الصورة ومعي زميلي محمد أبكر دج في ذلك المكان أنا على يمينك ومحد على يسارك والبحر يظهر بيننا وكذلك الأفق والسماء (وتبدو الصورة في شكل سيلويت):

Maroc075.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #284
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-17-2014, 05:15 PM
Parent: #283


الحلقة 226

نواصل ...

الحبيبة تطوان

منذ مدة طويلة وأنا في السعودية كنت دائماً أرى حلماً غريباً؛ خلاصته أنني أذهب إلى المغرب والى تطوان بالتحديد- وأحياناً الى الرباط- وأظل طوال الحلم وأنا أبحث عن بيت صديقي مصطفى محفوظ، أو أظل سائراً إليه دون أن أصله أبداً.. وبتكرار هذا الحلم الغريب بدأت أقلق على صديقي مصطفى، وأحس بأننا لن نلتقي أبداً.. لذلك أول شئ فعلته عندما وصلت إلى طنجه هو السؤال عن مصطفى، علماً بأنه كانت هناك مكاتبات بيننا لكنها في الفترة الأخيرة توقفت ولا أدري ما السبب، هل لأنه انتقل من سكناه القديم الى سكن جديد أو أنه غيّر رقم هاتف المنزل؟ لم أعد أذكر.. المهم كلفت من يسأل لي عنه في الرباط ويطمئنني عليه أو يأتيني برقم هاتفه، وبالفعل اطمأننت عليه وهاتفته بعد ذلك..

وفي عطلة نهاية أسبوع أخرى ذهبت الى موقف سيارات تطوان حيث استقليت تاكسي بالنفر متوجهاً إلى أصحابي القدامى سكان تطوان.. ووسط الجبال والحقول الخضراء والغابات سارت سيارة التاكسي إلى ان وصلت الى مدينة تطوان العريقة التي احبها كما احب مدينتي مدني.. ووجدتها قد تبدلت كثيراً وتغيرت وتوسعت وازدحمت.. وسرت على أقدامي حتى باب النوادر ذلك السوق الشعبي الذي يمتليء بالبضائع الإسبانية.. ومنه دلفت الى شارع العيون الضيق الذي تتراص الحوانيت (الدكاكين) على جانبيه.. وسرت فيه حتى وصلت الى درب المصطفى، فدلفت إليه وطرقت آخر باب في الدرب الذي به حوالي عشرة بيوت، على كل جانب حوالي اربعة او خمسة بيوت، وكان منزل أصدقائي آل محفوظ هو رقم 9، فطرقته ولكن لا أحد فيه.. فعدت أدراجي الى شارع العيون وحاولت جاهداً أن أتذكر أين يقع بيت خالهم.. وبالفعل استطعت أن أسير إليه دون مساعدة وأصله بالضبط فقط بالذاكرة، بل لقد قادتني قدماي إليه تلقائياً.. وكنت أعلم أن صاحبه خال صديقي مصطفى قد فارق الدنيا منذ زمن.. طرقت الباب ففتحوا لي، ووجدت وفاء إبنتهم بالتبني.. فعرفتها بنفسي فعرفتني، وتفاجأتُ بأن صاحبة الدار أيضاً قد لحقت بزوجها قبل فترة قصيرة عليهما الرحمة من الله والمغفرة، وقالت لي وفاء أنها ظلت حتى اللحظات الأخيرة من حياتها مرحة وصاحبة نكتة، حتى وهي تحتضر.. نعم لقد تذكرت حينما دعونا هي وزوجها للعشاء في سبعينات القرن الماضي وأعدوا لنا صينية سمك بالتفاح.. وكانت تقول لي: (كل) ثم بالفرنسية MANGE ثم تسأل مصطفى همساً: (إيش هي بالإنجليزية)؟ فيخبرها فتقول لي: EAT EAT .. تذكرت ذلك الآن ووفاء تخبرني بأنها ظلت كذلك حتى اللحظات الأخيرة قبل وفاتها.. وقد تزوجت وفاء ولها أطفال، وأخبرتني أن والدتها كانت قد تبنت بنتاً أخرى- أظن أن اسمها مفتاحة- ويبدو أنها أيضاً تزوجت، فبقيت وفاء في البيت هي وأطفالها وزوجها الذي لم يكن حين زيارتي لهم موجوداً.. وسألتها عن آل محفوظ فقالت لي إنهم قد انتقلوا جميعهم الى منزلهم في مرتيل.. فاستغربت لأن مرتيل كانت في السبعينات شاطئ (بلاج) فقط يرتاده اهل تطوان في الصيف، فكيف اصبح مسكوناً بصفة دائمة؟ المهم أخذت منها العنوان، عنوان البيت، وعرفت منها ان عبد الوهاب الأخ الأكبر لصديقي مصطفى يعمل في بلدية مرتيل، وقالت لي يمكنك ان تذهب اليه هناك حيث مكان عمله واضح وهو سيأخذك الى البيت..

بالفعل استقليت البص المتوجه الى مرتيل، ووصلتها فوجدتها قد أصبحت مدينة بالفعل.. وتذكرت أننا عندما كنا نأتي أنا ومصطفى من الرباط ونذهب إليها كانت هناك شاليهات فقط على الشاطئ.. يسكنها الناس في أشهر الصيف ثم يرجعون لتطوان ولغيرها من المدن.. الآن توسعت وأصبح بها أحياء وبيوت فخمة وبيوت عادية ومدارس ومصالح حكومية وبلدية.. سألت عن موقع البلدية فدخلتها وسألت عن عبد الوهاب فوجدته وسلمت عليه، ثم خرجنا باتجاه منزلهم، وهو قد سبق أسرته الكبيرة في السكنى في مرتيل بسبب عمله في بلدية مرتيل.. ولم يكن المنزل بعيداً عن البلدية حيث وصلناه راجلين.. وكان منزل الأسرة الكبير يجاور منزل عبد الوهاب.. فدخلنا إليه، وكانت والدتهم قد غادرت دنيانا قبل أشهر قليلة عليها رحمة الله.. ووجدت والدهم وقد بدأ عليه الكبر وضعف الذاكرة.. فسأل عني.. ثم قال: أنا كنعرفو (أعرفه)، فقال لي أبناؤه إنه قد بدأ يتذكرك.. وجاءت إمرأة طعنته حقنة، وعرفت أنها مستأجرة لرعاية عم محمد محفوظ بعد رحيل رفيقة دربه الخالة عائشة.. وقد علمت أن هذه المرأة المستأجرة لديها طفل تربيه بعد أن تنكر لها والده ولم يرتبط بها حسبما وعدها..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #285
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-18-2014, 04:02 PM
Parent: #284


الحلقة 227

نواصل ...

بلاج (شاطئ) مرتيل

كان حسن يسكن في نفس البيت في الدور العلوي مع زوجته التي تشبهه كثيراً، وبنفس نحافته، وأما هشام فقد خطب شقيقة رضوان- صديق مصطفى وإبن تطوان أيضاً- أو ربما شقيقة صديقاه عبد الله وعبد الوهاب الشريف..

000100.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تضمني- على يسارك- وبجواري حسن محفوظ، ثم هشام محفوظ، ولاحظوا الصورة التي فوقنا، وهي لوالدهم محمد محفوظ عندما كان برفقة أمهم وشقيقهم مصطفى بالمدينة المنورة، والصورة أمام الحرم المدني على ساكنه أفضل الصلاة وأتم التسليم

وقضيت الليلة معهم، وفي اليوم التالي أوصلني هشام الى منزل زميلنا وصديقنا الأمين بوخبزه الذي كان يسكن معنا في الحي الجامعي السويسي الثاني وقد سبق ذكره، والآن هو عضو البرلمان المغربي عن حزب العدالة والتنمية، وقد حصل على الدكتوراة من القاهرة وعمل بالتدريس في الجامعة، وقد أخبرته بالمقال الذي نشرته عنه وعن إخوته في الصحوة الإسلامية في الجامعات المغربية في أواسط السبعينات في جريدة المستقلة (وقفة مع سنواتمضت في المغرب: الشباب بدأ يجني ثمار ما زرعنا)، فقال لي أن أصدقاءه أخبروه به، وسألته عن محمد العربي فقال لي انه يدرّس في الجامعة في الرباط، وأعطاني عنوان منزله في طنجه.. ومن عنده اتصل على صديقي مصطفى فردت عليه بنت عمه – زوجة مصطفى- فقالت له إن مصطفى ذهب في سخرة (يعني في مرسال).. وعندما عاد اتصل بنا وتحادثنا معه..

000007.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة أخرى لشخصي أمام إحدى بوابات سور المدينة القديمة بتطوان، وأعلى البوابة لافتة مكتوب عليها: (حزب العمل الإقليمي بتطوان)، والصورة التقطتها أثناء تجوالي في مهد الذكريات التي تعود إلى قرابة العقدين من الزمان..

000008.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه صورة ثالثة لشخصي في حديقة، ربما كانت حديقة (رياض العشاق) التي أعشقها منذ رأيتها في سبعينات القرن الماضي.. وكم جلسنا فيها أنا وصديقي مصطفى محفوظ وشربنا (الآتاي) والقهوة.. كانت لنا أيام.. ولكن لو لم تخني الذاكرة لم تكن تلك البركة المائية التي تحفها النوافير موجودة في السبعينات والثمانينات، وعلى فكرة أصبح إسم حديقة (رياض العشاق) حين زرتها في العام 1997م (حديقة مولاي رشيد)..

في نهاية اليوم ودعت الأمين بوخبزه بعد أن أعطاني صورة حديثة له

sudansudansudansudansudansudan001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وخلفها هذا الإهداء

sudansudansudansudansudansudan002.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


(الحمد لله وحده
أتقدم للأخ الحبيب الوفي عمر حسن غلام الله بهذه الصورة هدية متواضعة عربون مودة ووفاء للأخوة التي جمعت بيننا أيام الطلب في عشرة يندر الزمان بمثلها ، أسأل الله العلي القدير أن يحفظك ويمتعك بموفور الصحة والعافية

أخوك: الأمين مصطفى بوخبزة

تطوان في: 23 جمادى الثاني 1418هـ
الموافق لـ 25 سبتمبر 1997م)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #286
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-19-2014, 02:50 PM
Parent: #285



الحلقة 228

نواصل ...

تطوان.. الصور تحكي

OmarsudanJamalDahab001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


للمقارنة فقط، فهذه الصورة فيها الأمين بوخبزة- في الوسط- وهي في سنة 1977م تقريباً حينما كنا سوياً في الحي الجامعي السويسي الثاني بالرباط.. أي الصورة هذه قبل التي بالأعلى بعشرين عاماً!!

64.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


هذه الصورة التقطتها وأنا في طريقي من موقف تاكسيات طنجة بتطوان الى منزل أصدقائي آل محفوظ

Maroc120001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


هذه الصورة في حديقة رياض العشاق (حديقة مولاي رشيد) وقد ذكرتها سابقاً .. وكانت حبيبة إلى نفسي تلك الحديقة الجميلة البسيطة الهادئة، والصورة ملتقطة في نفس رحلتي هذه في العام 1997م

Maroc122001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في حديقة رياض العشاق من زاوية أخرى..

Maroc121001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وأيضاً هذه

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #287
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-22-2014, 05:31 PM
Parent: #286


الحلقة 229

نواصل ...

وداعاً تطوان..

في نهاية اليوم ودعت الأمين بوخبزه وتوجهت نحو موقف تاكسيات طنجة حيث ركبت تاكسي بالنفر، وكان الذي يجلس بجانبي شاب تفوح رائحة الراح من فيه، وفي الطريق طلب من السائق أن يتوقف لينزل، وبالفعل توقف السائق فنزل من السيارة في حافة الطريق، ولم تكن هناك بلدة أو قرية في المكان الذي نزل فيه، فظننا أنه سيسير راجلاً من الطريق إلى قريته التي ربما تكون وراء هذا الجبل أو ذاك أو خلف هذه المزارع.. وواصل السائق سيره.. وبعد مسافة قال أحد الركاب أنه سمع صوتاً ينادي، فحسبناه جميعنا أن أحدهم يريد إيقاف التاكسي ليركب معنا، فلم نرى أحداً، فقال أحدهم أنه يظن ان الذي نادى هو نفسه الراكب الذي نزل، فرجع السائق بسيارته لنفس الإتجاه الذي جاء منه، وفي حافة الطريق رأينا صاحبنا يشير الى السيارات لتقف له، ولم يكن يعتقد ان السيارة التي وقفت له هي نفس السيارة التي أنزلته.. واتضح أنه طلب من السائق التوقف لأنه كان محصوراً وأراد أن يفرغ مثانته التي زاد من امتلائها ما شربه من الراح.. فركب معنا مرة أخرى.. وعندما وصلنا الى طنجه وتوقفت السيارة في الموقف قلت لهم حمداً لله على السلامة، ثم التفت الى صاحبنا الذي كاد أن ينقطع في الخلاء: (وانت بالذات) فرد عليّ: (فعلاً وأنا بالذات!)

بقينا في الفندق ليومين او ثلاثة ثم انتقلنا الى شقة مفروشة لا تبعد كثيراً عن الفندق.. أخذت العنوان وذهبت أبحث عن منزل زميلنا محمد العربي، وعندما وصلته ضغطت على زر جرس الباب الخارجي الذي كان على سور الحوش، فأطل شخص من الشباك يسأل عن الطارق، فسألته إن كان هذا منزل محمد العربي فأجاب بالإيجاب وسألني عمن أكون فعرفته بنفسه، ويبدو أنه نسيني.. وسأل عن ماذا أريد.. فأسقط في يدي.. هذا سؤال مستغرب في نظري من زميل كفاح لأجل إرجاع الطلاب المغاربة الى جادة الإسلام.. ورغم أنني متعود على مثل هذا السؤال في السعودية عندما تطرق باب أحدهم وتقول لهم أريد فلان فيسألونك: (إيش تبغى منو؟).. المهم قلت للعربي: (ما عقلت عليّ؟) أي ألم تتذكرني؟ ثم توارى عن النافذة ونزل الى الحوش وفتح لي الباب.. سلمت عليه وذكرته بنفسي أكثر.. فقال لي: (كنتَ نحيفاً وشعرك غزير).. قلت له نعم.. وسلمته نسخة من مقالي الذي في جريدة المستقلة، فقال لي : (ولكن إسمي العربي بوسلهام)، وكنت قد كتبته في المقال محمد العربي..

000033-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي أمام أحد بيوت طنجه، وربما كان بيت بوسلهام، او في شارعهم

كنت قد علمت من صديقنا الأمين بوخبزه أن العربي لم يتزوج حتى ذلك الحين، وقد وجدت معه والدته، وهما فقط سكان هذه الدار.. وكان كعهدي به أيام كنا طلاباً في جامعة محمد الخامس أواسط السبعينات، هاديء الطبع وخفيض الصوت.. وقد تذكرنا تلك الأيام الخوالي وأصدقاءنا المشتركون خاصة أبناء تطوان وعلى رأسهم بوخبزه ومحفوظ، وقد أصر بوسلهام أن أتغدى معهم لا سيما وأن اليوم كان جمعة والمغاربة لا يتغدون يوم الجمعة بغير الكسكس، وأنا أحب الكسكس لا سيما البيتي- أي الذي يطبخ في البيت- فلبيت الدعوة وتغديت معهم.. ثم استأذنت وودعته ورجعت للشقة..

000034-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في أحد شوارع طنجه

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #288
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-23-2014, 02:44 PM
Parent: #287


الحلقة 230

نواصل ...


إنتهاء الدورة التدريبية

كما وعد منظمو الدورة فقد عوضونا اليوم الذي فقدناه في أول الدورة إلى يوم بديل في آخر الدورة، وفي نهاية الدورة أقاموا لنا حفل تخرج صغير في نفس القاعة وقدموا لنا هدايا تذكارية عبارة عن محفظة نقود جلدية من الصناعة المغربية وكذلك جلابة مغربية.. لم تكن على مقاسي لذلك تركتها في دولابي حيث أهديتها لإبني قبل شهور إذ بعد خمسة عشر عاماً أضحت مقاسه، وكان عمره أربع سنوات حينما أُهديت إلىّ!

Maroc2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لأعضاء الدورة التدريبية من أساتذة ودارسين، ويبدو أنها كانت في اليوم الختامي، وهي في حديقة الفندق الذي أقيمت فيه الدورة، وشخصي على يمينك واقفاً يليه ثلاثة مغاربة، ثم الأساتذة المصريين المشرف على الدورة والمحاضر، ثم مغربيين أو مغربي وعماني- لا أذكر- ثم جلوساً من على يمينك زميلي السوداني محمد ابكر ابراهيم، ثم مغربي ثم سعوديين..وتاريخ الصورة قد يكون أواخر سبتمبر (27 او 28) 1997م..

Maroc095-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه صورة لشخصي في نفس حديقة الفندق وبنفس تاريخ الصورة السابقة..

Maroc094-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


و صورة أخرى لشخصي في نفس حديقة الفندق وبنفس تاريخ الصورة السابقة..

Maroc096.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أما هذه فهي أثناء تسلمي شهادة الدورة التدريبية من مدير الدورة..
وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #289
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-24-2014, 12:39 PM
Parent: #288


الحلقة 231

نواصل ...


جولة الكاميرا

000031-1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة تضمني وعلى يميني زميل مغربي في الدورة، وعلى يساري زميل مغربي أيضاً، وعلى يساره استاذ الدورة التدريبية المصري

000089-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة لي أمام فندق سولازور وخلفي البحر الأبيض المتوسط..

Maroc090-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وشخصي في سطح الفندق ويبدو جانباً من مدينة طنجة في الخلفية.. وهذا الجزء من المدينة حديث البناء كما يبدو

Maroc104-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


هذا جانب من المدينة القديمة، حيث يظهر سور أثري، وقد تجولنا في أرجاء طنجة وأحيائها القديمة والحديثة والضواحي..
يظهر في الصورة على يمينك الأخ محمد أبكر دج، ثم شخصي، ثم زميلنا - سعودي- في الدورة

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #290
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-25-2014, 11:30 AM
Parent: #289


الحلقة 232

نواصل ...


جولة الكاميرا 2

Maroc3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي فوق قلعة تطل على ميناء طنجة

Maroc099-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي على يسارك، ثم زميلنا السعودي، ثم محمد ابكر دج.. ونحن في مرتفع خارج مدينة طنجة، وخلفنا البحر الأبيض المتوسط والمحيط الأطلسي في موقع إلتقائهما

Maroc101-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي على يسارك، ثم محمد ابكر دج، ثم زميلانا السعوديان.. ونحن في درج في أطراف طنجة، ويبدو أن هذا الدرج يوصلنا الى قمة التل..

Maroc4.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أسفل الدرج.. ويبدو البحر خلفي

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #291
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-26-2014, 12:52 PM
Parent: #290


الحلقة 233

نواصل ...


جولة الكاميرا 3

000090.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


زملاءنا السعوديين في الدورة.. في نفس التلة التي تطل على ملتقى المحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط، خارج مدينة طنجة.. عندما أصور أنا تكون الصور واضحة، وعندما يصوروني تكون صورتي غير واضحة..

000091.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


زميلي السوداني محمد أبكر دج في نفس المكان

Maroc103.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أنا وزميلي السوداني محمد أبكر دج في نفس المكان ولكن من زاوية أخرى، حيث ظهر في الخلفية جزء من مدينة طنجة

Maroc175.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


زميلي السوداني محمد أبكر دج في حديقة فندق سولازور

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #292
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-29-2014, 02:20 PM
Parent: #291


الحلقة 234

نواصل ...

ثم غادرنا أنا وزميلي محمد دج طنجة الجميلة الى رباط الفتح.. حبي القديم.. مهد ذكريات فترة الجامعة، ومولاي اسماعيل، والحي الجامعي السويسي، وشارع مدغشقر، وكلية الحقوق بأكدال، ومعهد المغرب الكبير، والسويقه وشارع محمد الخامس.. وصلنا الرباط وتوجهنا الى منزل صديقي محجوب البيلي في أكدال.. لم يكن ذات الشقة التي نزلت معه فيها في العام 1987م، بل أخرى قريبة منها، وفي مبنى حديث، وهذه المرة مع زوجته، حيث غادر دنيا العزوبية بتأهله بسيدة مغربية تعمل معه في مجال الصحافة، هي نجية، ومعها إبنتاها- من طليقها- إحداهن طفلة والأخرى في أول الشباب، وكان يسكن معهم في الشقة شقيق لنجية.. وقد استضافونا وأحسنوا مثوانا، وقد أهديتهم بعض الأشياء التذكارية البسيطة التي جلبتها لهم من السعودية مثل العطور الزيتية التي يحبها محجوب، وكذلك ماء زمزم..

وقد علمت منهم أن هذه الشقة مستأجرة، ولهم شقة يملكونها في سلا وهي مؤجرة، فهم بإيجار تلك يدفعون إيجار هذه التي في أكدال، وعلى ما أذكر كان مبلغ إيجار كليهما حوالي أربعة آلاف وأربعة آلاف وخمسمائة درهم.. كلمة كراء تستخدم في المغرب بدلاً عن كلمة إيجار.. وأنا معهم زارهم صلاح الأحمر - الصحفي السوداني بالمغرب والذي حضرت زواجه من مغربية في العام 1987م بالدار البيضاء- ومعه ولديه، فقلت له أطالبك بتعويضي ببدلة عن تلك التي ثقب مسمار محفتك كتفها.. فقد تذكرت أن يوم زفافه في الدار البيضاء حين ذهبنا انا ومحجوب البيلي وجلال حنفي وفي قاعة الأفراح جاء العريس محمولاً على محفة- وتلك عادة المغاربة- فكنت أمسك المقبض الأمامي، وبما أنني طويل فقد كانت الخشبة تلامس كتفي، وكان بها مسمار بارز، فثقب المسمار البدلة في منطقة الكتف، وبما أنها بدلة مشتراة من فرانكفورت فقد كانت مأساة أن تعاب في هذا المكان – الكتف- خاصة وأنها بيضاء – أبيض كريمي- وقد تفرجت على صور ذلك الزفاف التي أثبتت بالدليل الصوري- من صورة- أنني كنت أحمل العريس على كتفي.. ضحكنا جميعاً لتذكر تلك الأيام الخوالي..

Maroc5.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة توضح ما جاء في الفقرة أعلاه

كنت قد اتصلت بصديقي مصطفى محفوظ واخبرته بموعد وصولي الى الرباط وطلبت منه أن أراه بمجرد وصولي- فقد بلغ الشوق مبلغه وأثّرت في نفسي تلك الأحلام الغريبة التي كانت تحزنني- فإما أن يأتي هو لبيت محجوب وإما أن يعطيني عنوان شقته فأذهب إليه.. وجاء إليّ في شقة محجوب، وبينما هو يصعد درجات السلم وهو باسم المحيا ضاحك الثغر مسرور برؤيتي رأيت معه مصطفى صغير رأيته في صور مصطفى عندما كان طفلاً.. لقد كان إبنه محمد.. وهو صورة طبق الأصل لمصطفى عندما كان صغيراً في تطوان حسب الصور.. جلسوا معنا في الصالة الفسيحة لشقة محجوب وعرفته بمحجوب ونجيه وسألاه عن طبيب في نفس مستشفى إبن سينا الذي يعمل به، فعرفه، فقالا له انه يقرب لنجيه..

وقد رددت الزيارة له في منزله الكائن بحي الرياض الذي لم يكن غير أرض خلاء أيام كنا ندرس في الجامعة، فقد كان حي السويسي آخر حي، فأصبح حي الرياض بعده.. وقد أخبرني مصطفى انهم مجموعة من الزملاء والأصدقاء قرروا ألا يأخذوا قروضاً من البنوك تفادياً للربا، لذلك اشتركوا لشراء الأرض وبناء العمارة ليتملك كلاً منهم شقة خاصة به.. وقد نجحوا في ذلك وبنوا عمارة حديثة، وقد كان بها مصلى أسفل العمارة صلينا فيه صلاة الفجر.. والتقيت هناك بأحد زملاء مصطفى القدامى في كلية الطب وكنت أعرفه منذ أيام الدراسة.. وكانت زوجة مصطفى متوارية وليست كبقية المغاربة الذين تجلس نساؤهم وبناتهم مع الضيف يستأنسون ويأكلون معه.. ربما لأنها إبنة العالم الفقيه محمد بوخبزه.. ومصطفى ليس هو من منعها.. وحتى حينما جاءت مع مصطفى وخالة مصطفى للحج وزارونا في بيتنا في جدة وباتوا معنا عدة أيام لم تصافحني.. أجريت هذه المقارنة فقط لأن بقية المغاربة دائماً غير ما كانت عليه أم محمد..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #293
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 06-30-2014, 01:23 PM
Parent: #292


الحلقة 235

نواصل ...

كان محجوب سابقاً قد أخبرني عبر النت أو عبر الهاتف لا أذكر بأن تلك الأسرة التي عرفته بها والتي تسكن شارع مدغشقر وكان يتردد عليهم بعد سفري، أخبرني أنه حينما ارتبط بنجيه قابلتهما ربة تلك الأسرة وهاجت في نجية ونعتتها بأنها قد سحرت محجوب لتأخذه لنفسها، وبدأ أنها كانت تأمل أن يتزوج محجوب إبنتها.. الآن سألته عن ناس (حميد) ففجر قنبلة من النوع الثقيل.. لقد توفيّ حميد! يا الله.. ذلك الشاب الصغير البسيط الطيب.. إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.. قال لي محجوب أن والدته قابلت في الشارع زميلنا بومدين الذي كان يسكن في نفس الحي ولا أدري إن كلمته فقط لأنه سوداني أم لأنها كانت تعرف أنه يعرف محجوب، وطلبت منه أن يخبر محجوب بالوفاة.. وقد فعل.. المهم واصل محجوب كلامه بأنه أخذ نجيه رغم تلك المواجهة العنيفة السابقة حوله من المرأتين، وذهبا لتعزيتهم..

Maroc052.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


حميد- بيني وبين والدته- في سطح عمارتهم في عام 1985م

لم يكن منزل محجوب في أكدال يبعد كثيراً عن شارع مدغشقر، لذلك آثرت الذهاب إلى آل النحيلة راجلاً، ووصلت العمارة رقم 20 التي لي بها ذكريات جميلة، ولاحظت بعض التغير في المحلات التي كانت تحتها، وأذكر أن المحلات التي كانت تحتها في السبعينات: مكتب مدرسة لتعليم قيادة السيارات ومخبز وبقالة.. صعدت الى الدور الثاني وأطلت النظر للشقة رقم 12 تلك التي سكنت فيها أيام إجازة الصيف في العام 1977 حينما استأذنت أصحابي البربر في المكوث فيها عندما كان الحي الجامعي مغلقاً في الإجازة.. ثم طرقت باب الشقة المقابلة لها- شقة رقم 11- حيث يسكن آل النحيلة.. طرقت الباب، ففتحت لي أم حميد فعزيتها، ولاحظت أنها قد كبرت كثيراً، ولم يكن استقبالها حاراً كسابق العهود ولم يكن السلام كما كان في الماضي، ربما لفقدها لولدها وربما لتقدمها في السن.. ثم جاءت إبنتها نجاة وسألت أمها إن كنتُ قد عرفت بالوفاة فأجابتها بالإيجاب وسألوني من أخبرني فقلت لهم محجوب..

Maroc064.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


حميد على يميني ونجاة على يساري فوق سطح عمارتهم في صيف عام 1977م

حكت لي أحداث رحيل إبنها الوحيد.. وقالت لي أنه ذهب ليلعب كرة القدم.. ثم رجع ودخل يستحم، فخرج من الحمام وهو يشتكي من رأسه، (ولما اشتد الألم) قالت لي: (أخذته بيدي هذه الى المستشفى ورجعت به جثة).. ويبدو أن استحمامه بالماء البارد وجسمه ما يزال ساخن من لعب الكرة أصاب عرقاً في رأسه فسبب له نزيف في المخ او شئ من هذا القبيل.. وحسب تاريخ وفاته فإنه توفي في نفس الشهر الذي توفي فيه والدي؛ أي في أكتوبر 1992م، عشرة أيام قبله أو عشرة أيام بعده.. رحم الله حميد وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.. سألت عن فايزة فقيل أنها ما زالت مع زوجها في أمريكا.. بعد سنوات من تلك الزيارة عرفت من محجوب أن الأسرة انتقلت نهائياً إلى سيدي قاسم حيث الأسرة الكبيرة، وعلمت ايضاً ان فايزه قد انفصلت عن زوجها – ربما- وعادت للإستقرار في المغرب..

Maroc6.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أن وحميد في الحي الجامعي مولاي إسماعيل في العام 1985
وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #294
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-01-2014, 12:34 PM
Parent: #293


الحلقة 236

نواصل ...

خرجت منهم وتوجهت نحو منزل بومدين الذي بنفس الحي- المحيط- وهو قد تزوج بمغربية أيضاً وله منها ثلاث بنات.. كانوا صغاراً في تلك الأيام ربما لا تتعدى أكبرهن العاشرة.. وكان وقتها يعمل في دائرة الشيخ زايد بن سلطان.. ورحم الله بومدين الذي انتقل الى الرفيق الأعلى إثر حادث انفجار دفاية غاز في مكان عمله بقصر زايد بن سلطان.. بعد زيارتي تلك ببضع سنين.. ورحم الله نجية التي لحقت بهما الى الرفيق الأعلى فيما بعد إثر مضاعفات مرض السكري بعد أن انتقلت هي ومحجوب للعمل في الإمارات.. سألت محجوب عن نعيمة التي استضافتني أنا وعائشة في غرفتها بسلا، والتي أعدت لنا مستلزمات عيد ميلادي الثاني والثلاثين الذي احتفلنا به بمنزل محجوب البيلي في يناير 1988م، فقال لي أن نعيمة قد عملت مربية لطفل لبناني هنا في الرباط، وقد تعلق بها الطفل لدرجة أن والده تزوجها، ثم ارتحلوا إلى فرنسا..

وعرفت أن زميلي المخضرم عمر الإمام النور الذي درس معي في مدرسة مدني الثانوية ثم درس معي بكلية الحقوق بالرباط قد عاد إلى المغرب كرجل أعمال بعد أن قضى سنوات في ليبيا عقب تخرجه من الجامعة، وقد فتح محل شاورما هو الأول على نطاق المغرب، وعلى ما أذكر فهو في شارع علال الذي يلتقي بشارع محمد الخامس في شكل مثلث على بعد خطوات من محل عمر.. وقد زرته في محله وزرته في بيته بحي المحيط قرب مولاي اسماعيل وقرب السويقه ولا يبعد كثيراً عن مهد الذكريات شارع مدغشقر.. وقد بت معه ذات يوم، وقد أخذني بسيارته الى أطراف الرباط حيث هناك مطعم سياحي على الطريق السريع فتغدينا مشاوي في الهواء الطلق النقي حيث أن المنطقة بعيدة عن العمران وحولها كثير من أشجار البان التي تكثر في المغرب.. وحسب علمي فإن عمر الإمام ما زال في المغرب الى تاريخه..

Maroc080.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في وسط الجزيرة التي تفصل بين اتجاهي شارع محمد الخامس بوسط الرباط.

أخذني مصطفى في جولة رباطية بسيارته المرسيدس حيث زرنا شاله لأول مرة رغم وجودي بالرباط أيام الدراسة وزيارتي للمغرب بعد ذلك في الأعوام 1985 و1987م وهي قد بناها الرومان على ما أذكر وأضحت الآن مزاراً سياحياً، وتفصل بينها وبين مدينة سلا نهر بورقراق.. وقد رأينا فيها مقابر رومانية أثرية.. وقد سبق وأن أنزلت بنذة عنها من الويكيبديا في الحلقات الأولى من هذا المسلسل..

Maroc108001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي داخل أسوار شاله حيث تظهر صومعة (مئذنة) لجامع ، كما يبدو في الخلفية وادي بورقراق، وخلفه تظهر على البعد تلال على الضفة الأخرى لبورقراق

Maroc109001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي أمام المباني الرئيسية لقلعة شاله

Maroc112001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي أمام البوابة الرئيسية لقلعة شاله (وأنا فيها زي أحدب نوتردام)

صورة لشخصي أمام مقبرة رومانية قديمة في قلعة شاله

وكذلك زرت معهد المغرب الكبير والتقطت صوراً هناك أيضاً.. زرت أيضاً الحي الجامعي السويسي الثاني..
وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #295
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-03-2014, 11:47 AM
Parent: #294


الحلقة 237

نواصل ...

ألبوم الصور

000099.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وثيقة الإستقلال.. صورتها في الرباط على ما أذكر.. ولكن نسيت أين صورتها.. ربما في شاله..

Maroc111001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي على يمينك وبجانبي الصديق محجوب البيلي جالسين أمام أحد المباني الأثرية، وأعتقد أنها في شاله أيضاً

Maroc076.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في موقع شاله

Maroc077.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي أمام مقبرة رومانية قديمة في قلعة شاله (لم تنزل في الحلقة السابقة.. نزل فقط هذا التعليق)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #296
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-06-2014, 02:41 PM
Parent: #295


الحلقة 238

نواصل ...

تابع ألبوم الصور

Maroc084.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي داخل أسوار شاله حيث تبدو الأسوار على البعد

Maroc083.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي داخل كلية الحقوق بأكدال بالرباط بعد تخرجي منها ب 19 عاما.. وللمقارنة، فالصورة أدناه أيام دراستنا في الكلية في السبعينات.. ربما 76 أو 1977.. أي بين الصورتين عقدين أو يزيد
لاحظوا اختفاء إسم الكلية باللغة الفرنسية في الصورة الحديثة التي في العام 1997م..

Maroc031.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذه صورة أخرى

Maroc087.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي خارج أسوار كلية الحقوق بأكدال بالرباط بجوار البوابة، وخلفي تبدو لوحة مكتوب عليها: (جامعة محمد الخامس- كلية العلوم القانونية والإقتصادية والإجتماعية) وعلى ما أذكر لم تكن هذه اللوحة موجودة عندما كنا طلاباً في هذه الكلية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..


Post: #297
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-08-2014, 03:38 PM
Parent: #296


الحلقة 239

نواصل ...

كازبلانكا

سافرت للدار البيضاء أنا ومحمد دج حيث نزلنا في شقة قريبي عباس وداعة.. وتجولنا في الدار البيضاء خاصة في شاطئ عين الدياب، والسويقه وشارع محمد الخامس.. وتذكرت شخصاً مغربياً كنت قد تعرفت عليه في العام 1975م في مراكش حينما كنت ضمن وفد السودان للمسيرة الخضراء، ثم زرته في منزله بالدار البيضاء حينما استقررت للدراسة بالرباط.. وهو محمد هلال لذا بحثت عن إسمه في الدليل الموجود في كابينة الإتصالات القريبة من العمارة التي سكنا بها، واتصلت بعدة أرقام تحمل نفس الإسم، ولكن للأسف لم أعثر على صاحبي.. فقط أن إحدى اللائي رددن على اتصالي حاولت أن يستمر التحادث معها وأظن (الخط شبك).. لكني لم أواصل..

Maroc088.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي ومحمد ابكر دج على شاطئ عين الدياب

000004.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة أخرى لشخصي جالساً على المقهى في شاطئ عين الذياب ويبدو أنني كنت أتملى جمال البحر المحيط

000081.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


أنا وعباس وداعة على كورنيش عين الدياب

70.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وفي نفس المكان محمد دج وعباس وداعة

قمت بزيارة ممثل شركة التوفيق والأمين في المغرب أحمد أحمد وهو مصري، ومن مكتبه اتصلت على أسرتي في السودان بعد أن استأذنته.. وقد قدم لي الدعوة للغداء او العشاء لا أذكر، ولكن عندما علم أن مديري عبد الإله صباحي قد ترك التوفيق والأمين وانتقل لمجموعة دله- كلاهما يتبعان لدله البركة- وربما رأى بأنني لم أعد أفيده بشئ حيث لن أكون مع المدير العام للتوفيق والأمين؛ لذلك نسي موضوع الدعوة.. ما أقصر نظر هؤلاء القوم!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #298
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-09-2014, 12:36 PM
Parent: #297


الحلقة 240

نواصل ...

مسجد الحسن الثاني

ثم قرر محمد دج السفر إلى لندن حيث كان قد دفع مبلغاً إضافياً بسيطاً لثمن تذكرته ليتسنى له مواصلة الرحلة الى لندن.. وبالفعل بعد ان قضى وقتاً جميلاً في الدار البيضاء سافر الى لندن، أما أنا فقد منحتني الخطوط المغربية تذاكر داخلية مجانية لعدة مدن مغربية- كان هذا المنح سبيلاً لجذب الركاب الى الخطوط لأنه لم يكن مسموحاً بتخفيض سعر التذكرة بأمر الإياتا (منظمة الطيران الدولية)، لذلك كانوا يلجأون لمثل هذه الإغراءات، لهذا كانت معي تذاكر سفر لكل من أغادير ومراكش..

في أحد الأمسيات ركبنا أنا وعباس وداعة تاكسي وذهبنا الى مسجد الحسن الثاني الذي بنى مؤخراً وأصبح مزاراً سياحياً لضخامته وفخامته وموقعه على الشاطئ بل وداخل مياه المحيط الأطلسي.. هبطنا من التاكسي وكان عداد التاكسي يشير للمبلغ المفترض ندفعه، ولا أذكر المبلغ بالضبط ولكنه دون العشرة دراهم، ولكن السائق طلب مبلغاً أكثر بحجة أن الأجرة تزيد 50% بعد الثامنة مساء، فتكلم معه عباس بحدة باللهجة المغربية التي يجيدها وقال له: (نحن كنعرف هادا الشي) وأوضح له أن الزيادة تبدأ بعد الثامنة والنصف وليس الثامنة، ولم تكن الساعة وقتئذ إلا الثامنة وبضع دقائق، فهدأ السائق من غضبة عباس وأخذ ما حدده العداد فقط..

000077.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لي أمام المسجد التقطناها قبل دخولنا إليه، وبما أن الوقت كان الساعة الثامنة وبضع دقائق فقد بدأ الظلام يحل.. لذلك جاءت الصورة غير واضحة..

casablanca3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أما هذه الصورة فهي للمسجد من بعيد، وقد استلفتها من صاحبها عبر عمنا القوقل..

ثم دخلنا المسجد، وأول ما لاحظت أن هناك أمام صف المصلين- وبعد مكان سجودهم- غطاء بلاستيكي تحته مجرى صغير يضع فيه المصلي حذاءه ثم يتغطى الحذاء بهذا الغطاء البلاستيكي الممتد على طول الصف.. لقد كان حلاً مبتكراً لسرقة الأحذية من أبواب المساجد، وقد ذقت الأمرين حينما سُرق حذائي الجميل من باب مسجد الحي الجامعي السويسي الأول بالرباط إبان سنوات الدراسة.. كذلك لاحظت وجود هاتف ثابت في مكتب بمقدمة المسجد وخلف مكان الإمام.. وهناك مكان للنساء للصلاة ودور ثاني، وكل شئ بالخشب المنقوش، وكذلك المحراب وواجهة المسجد مزينة بالجبس المنقوش بالنقش المغربي الشهير.. وإليكم نبذة عنه من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة:

مسجد الحسن الثاني هو مسجد يقع في ساحل مدينة الدار البيضاء، بالمغرب، وهو أكبر مسجد في البلاد و سابع أكبر مسجد في العالم، مئذنته أندلسية الطابع ترتفع 210 متر(689 قدم) وهي أعلى بناية دينية في العالم.

شرع في بنائه سنة 1987 م ثم أكمل بنائه ليلة المولد النبوي يوم 11 ربيع الأول 1414/ الموافق 30 أغسطس1993، في فترة حكم ملك المغرب الحسن الثاني.
تشكل الأبنية الملحقة بالمسجد مَجْمَعًا ثقافيّا متكاملاً، وبني جزئيا على البحر بمساحة 9 هكتارات (فدان) ويضم قاعة للصلاة، وقاعة الوضوء و دورة المياه، مدرسة قرآنية، مكتبة ومتحف . بالإضافة إلى تلبيسه بزخارف "الزليج" أو فسيفساء الخزف الملون على الأعمدة والجدران وأضلاع المئذنة وهامتها والحفر على خشب الأرز، الذي يجلِّد صحن المسجد وأعمال الجبص المنقوش الملون في الحنايا والأفاريز.

تتسع قاعة الصلاة بمساحتها الـ20,000 م² لـ25,000 مُصلي إضافة إلى 80,000 مصلى في الباحة. يتوفر المسجد علي تقنيات حديثة منها السطح التلقائي (يفتح ويغلق آليًا) وأشعة الليزر يصل مداها إلى 30 كلم في إتجاه مكة المكرمة.

وقد صمم من قبل المهندس المعماري الفرنسي ميشال بينسو، وتم بنائه من قبل المجموعة الفرنسية بويج (Bouygues)، وتكفلت بإدارة المشروع المؤسسة المغربية التابعة لها بيمارو.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #299
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Othman Al-Hasan Babikir
Date: 07-09-2014, 02:02 PM
Parent: #298



الأخ / عمر ... التحيات الزاكيات الطيبات ...
حقيقة لم أكن أريد أن أعمل هذه المداخلة حتى لا أفسد هذه السلسلة الممتعة من رحلات بن بطوطة خصوصاً عندما يتعلق الأمر بمغرب الحسن الثاني يا لها من ذكريات في تلك البلاد التي لا يمكن لأي إنسان زارها أن ينساها طال الزمن أو قصر كيف لا ونحن عشنا فيها بواكير عمر الشباب للدراسة الجامعية ، ما قصدته من هذه المداخله هو مجرد مؤازره وتشجيع لك للمواصلة في الكتابة عن المغرب وكل ما يتعلق بالمغرب فأنا من المتابعين لهذا البوست كيف لا وهو يأخذني إلى ذكريات لا تمحوها الذاكرة فنحن أخي عمر من الأجيال اللاحقة من الطلاب السودانيين الدارسين بالمغرب وآخر الدفعات التي درست عن طريقة المنحة خلال الفترة من 1988 وحتى 1993 في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء
مع تحياتي وتقديري لك واحترامي لما تملكه من كنز كبير ألا وهو ذكريات المغرب فهي حقيقة كنز كبير لا يعرفه إلا من عاش في تلك البقاع ...

أخوك / عثمان الحسن أو عثمان هلالية هو الإسم المتعارف بين زملاء الدراسة في تلك الأيام

Post: #300
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-10-2014, 10:04 AM
Parent: #299


العزيز عثمان الحسن

لك التحية والتقدير
ولك الشكر على متابعتك لما أكتب
وأثمن مداخلتك الجميلة
ويبدو أن الحظ لم يسعدني بلقائك في المغرب، حيث كانت الزيارة الأخيرة لي في العام 1997 والتي قبلها في أواخر 1987 وأوائل 1988 (نهاية يناير).. وبالفعل التقيت بكثير من الطلاب السودانيين الدارسين في المغرب في الزيارة قبل الأخيرة والتي قبلها (1985م).. ولكن في الزيارة الأخيرة لم يكن هناك غير قليل جداً من الطلاب الذين يدرسون في المغرب بعد إعادة غالبية الطلاب السودانيين حول العالم إلى السودان..

أحاول تذكر تفاصيل أكثر عن تلك الأيام الجميلة في المغرب.. فهي بحق أجمل أيام عمري، رغم أنها لم تصل حتى لثلاث سنوات كاملة، مقارنة مع دول أخرى عشت فيها أكثر من ثلاثة عقود.. إنها مغرب الأحباب التي ما رأيت أحداً زارها او درس بها او عاش فيها إلا ويبكي دماً على فراقها..

شكرا مرة أخرى أخي عثمان هلاليه

عمر حسن غلام الله

Post: #301
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-10-2014, 02:28 PM
Parent: #300


الحلقة 241

نواصل ...

مسجد الحسن الثاني- تتمة

ميزاته :
استعملت التقنية إلى أقصى الحدود خدمة لصناعة البناء وللصناعة التقليدية المغربية ويقدر ذلك بـ 2,500 عامل و 10,000 صانع تقليدي و 50,000 ساعة عمل. وهكدا فإن رافعة الأثقال التي تعتبر أعلى رافعة في العالم قد صيغت لتتناسب مع العلو الكبير للصومعة ذات الفانوس والجامور اللامعين، البالغ ارتفاعها مائتي متر. واستعمل اسمنت ضوعف مفعوله اربعة لا لدعم نفق تحت المانش ولكن لإقامة صومعة لا مثيل لها.


ويتسع المسجد لما لا يقل عن ثمانين ألف شخص. إن مسجد الحسن الثاني هو ثمرة لمجموعة متلاحقة من البنايات والمنشآت الإسلامية في سياق إحياء الثرات الأندلسي وتجديده. وبخاصة منها المغربية. وهو يستمد نبله ومظاهره الجميلة من جامع القرويينبفاس، ذلك الجامع الدي يبلغ من العمر أكثر من ألف سنة، كما أنه يرث كثيرا من رونق صومعة حسانبالرباط، وصومعة الكتبيةبمراكش، والخيرالدةبإشبيلية وجميعها أقامها السلطان الموحدي يعقوب المنصور. وتشترك المدارس المرينية مع مسجد الحسن الثاني في توفر كل منهما على خزانة. لكن المتحف الذي يعتبر امتداداً للخزانة يجعل منه مركباً ثقافياً حقيقياً يضفي ثراء على مجموع البناية وهي تؤدي رسالتها الدينية. ويرتبط مسجد الحسن الثاني يرتبط بالعنصر البحري الدي يضفي عليه طابعاً خاصا مع التركيز على إشعاع الإسلام في كل من المحيط الأطلسيوالبحر الأبيض المتوسط، تم تصميمه بالاعتماد على الآية القرآنية {و كان عرشه على الماء}.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله..

Post: #302
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: عبد المنعم سيد احمد
Date: 07-10-2014, 04:14 PM
Parent: #301



رمضان كريم تصوم وتفطر على خير ...
نتابع معك هذه السياحة الفريدة.

Post: #303
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-13-2014, 12:06 PM
Parent: #302


الأخ الكريم عبد المنعم سيد أحمد

شكرا لمتابعتك وشكرا لكلماتك الرقيقة ورأيك فيما أكتب

وممتن لك لهذا الشريط الجميل الذي أضفى على البوست جمالاً وفائدة.. فليس الوصف الكتابي كالشريط السينمائي الذي يوضح زوايا وخفايا تغيب عن الصور الثابتة وتغيب عن الوصف

خالص التحايا لك
وتقبل الله صيامكم وقيامكم وطاعاتكم
وكل عام وأنتم بخير

Post: #304
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-14-2014, 02:26 PM
Parent: #303


الحلقة 242

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق

زرت أيضاً صديقي لريبي حسن الذي كان يدرس بمعهد الإحصاء وكان رفيق السكن ورفيق مصلانا في الحي الجامعي السويسي الثاني، والذي اصبح موظفاً كبيراً في وزارة التعليم العالي بقسم الإحصاء.. كذلك زرت فوزيه اليمني في مقر عملها- الجماعة الحضرية للمعاريف- ووجدت أنها قد تزوجت وأنجبت ولدين كبيرهم إسمه زكريا، وأنها تسكن مع زوجها في شقة، وأخبرتني كذلك ان شقيقتها أمينة التي كانت تعمل في البنك قد تزوجت ولكنها انفصلت عن زوجها، وكذلك عائشه التي كانت تعمل من قبل في السعودية قد تزوجت أيضاً، ولكن الخبر السيئ هو أن والدها قد توفاه الله.. وللغرابة وحسب تاريخ وفاته فإنه توفي في نفس الشهر الذي توفي فيه والدي؛ أي في أكتوبر 1992م، عشرة أيام قبله أو عشرة أيام بعده.. أحدهما؛ العم محمد اليمني أو حميد النحيله، توفي قبل والدي بعشرة أيام والآخر بعده بعشرة أيام!

Maroc7.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة لشخصي مع العم الراحل محمد اليمني بمنزلهم بالمدينة القديمة بالدار البيضاء (نوفمبر 1987م).

قلت لها سأذهب الى داركم الكبيرة لأعزي والدتك فقالت لي أن أخي مصطفى يعمل معنا هنا في الجماعة الحضرية ومعه موتر ويمكنه ان يأخذني معه الى البيت، وبالفعل اتصلت به وخرجنا سوياً وركبنا الموتر وتوجهنا الى المدينة القديمة حيث مقر سكناهم، ووجدت والدتهم فعزيتها ولا أذكر هل كان بقية الأولاد موجودين أم لا، ولكن على ما أذكر أن أخاهم الكبير- الأكبر من سيد أحمد- قد اغترب في فرنسا.. استعدت ذكريات جميلة كانت في هذا البيت العتيق العريق في هذا الشارع وأظن رقمه (1) في المدينة القديمة ولم انس ان اتجول في السويقه القريبة منهم.. ثم زراتني فوزية ومعها زميلتها في العمل في بيت عباس الذي يقع في نفس الحي الذي به الجماعة الحضرية للمعاريف، حيث كنت قد اخبرتها بأنني اسكن في نفس المعاريف فظنت انه قريب جداً فجاءت وزميلتها على أرجلهما واتضح ان المسافة بعيدة بالأرجل، ولكن على كل حال فقد قطعوها مشياً على الأقدام..

تذكرت آل لرشداوي الذين تزوج إبنتهم عادل السوداني في العراق، ولم أكن أحفظ العنوان جيداً، فسألت عباس عن موقف البصات التي تذهب الى سيدي عثمان؛ حيث تذكرت أنني كنت استقل البص من الموقف الذي امام عمارة آل لرشداوي والمتوجه الى سيدي عثمان حيث بيت عائشه اليمني التي حاولت مرتين ان استقدمها بفيزة خادمة الى السعودية.. فوصف لي عباس المكان فذهبت إليه، كان شارع الفدا.. ثم أعملت الذاكرة فتبينت المقهى الذي كان تحت العمارة رقم 3 (والذي كان يجلس فيه طول الوقت طليق إبنة لرشداوي الثانية ينتظر خروج ودخول طليقته، والذي غار من تواجدي معهم بعض الأوقات وهو يتابع من هذا المقهى خروجي معها أحياناً وكان ذلك قبل عشر سنوات)، ثم وجدت باب العمارة في زقاق جانبي هو زنقة 27 فصعدت الدرج الى الدور الأول، ولا أذكر إن كانت الشقة في هذا الدور أم في الدور الثاني، المهم طرقت الباب ففتحت إمرأة وسألتني عمن أكون! فقلت لها بالدارجة المغربية: (ما عقلتي عليا؟) أي ألم تتذكريني؟ فقالت على الفور: عمر؟ قلت نعم، قالت فوراً أين الجماعة؟ قلت: أية جماعة؟ قالت: عادل وزهرة! قلت أنا من يسألكم عنهم!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #305
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-15-2014, 12:13 PM
Parent: #304


الحلقة 243

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (2)

كانت تلك زوجة إبنهم.. أدخلتني إلى داخل الشقة وحكت لي سبب سؤالها عن زهرة وعادل.. فقالت لي أنهم بعد بقائهم- أي عادل وزهره- في المغرب لحوالي العام وإنجابهم بنت (أمل) بعد التؤام الذي رأيتهما (ياسر ومشاعر)؛ تركوا الثلاثة أبناء وراءهم في المغرب ورجعوا للعراق في العام 1988 أو العام 1989م تقريباً وكانوا يتصلون عليهم بالهاتف من العراق.. ثم اشتعلت حرب الخليج في العام 1990م فانقطع اتصالهم، وانقطعت حتى الرسائل البريدية وانقطعت اخبارهم تماماً.. أي لهم سبعة أعوام لا يعرفون مصيرهم هل هم أحياء أم لا!

وأطفالهم توزعوا ما بين صديقة زهرة حيث أخذت الصغيرة أمل، ومشاعر أخذتها شقيقة زهرة- على ما أذكر- وأما الولد فقد حكى لي جده أحمد أنه كيف عانى حينما كان ينتظر في مكتب الوالي حتى الواحدة بعد منتصف الليل ليسمحوا له بالدخول إلى الوالي ليشفع في دخول ياسر في داخلية المعهد الذي يستقبل الطلاب ضعيفي الدخل حيث أن جده ليس له دخل، اي رقيق الحال، وكذلك خاله، وقد هاجرت خالته الى هولندا لتعمل هناك، وبما أن جنسية ياسر سودانية لأنه من أب سوداني فإن المسألة تطلبت كل هذا الجهد والعناء لاستثنائه لكونه أجنبي.. وبالفعل تم قبوله، وكان يأتي إلى بيت جده في عطلة نهاية الأسبوع او في فترات متقطعة، وقالت لي زوجة إبن احمد لرشداوي أن ياسر كان منطوياً في المعهد ولا يختلط بالأولاد، وحينما يأتيهم يكون منزوياً وقليل الكلام ودائماً مطرقاً رأسه الى الأرض.. لقد أثرّ في نفسه غياب والديه كثيراً.. وقد وعدتهم بأن أبذل جهدي لأتحرى عنهما، وسلموني صورة تضم عادل وزهرة، وصورة لشقيق عادل، وصورة لشقيقة عادل، ولكنها صوراً قديمة، ولكن قد تفيد، فشئ خير من لا شئ..

في المرة الثانية زرتهم ومعي عباس الذي سمع ماسأة هذه الأسرة، وقد أعطينا ما فيه النصيب للعم احمد وعزمنا أن نبحث لهم عن المفقودين عادل وزهرة، وعندما رجعت الى الرباط قصدت السفارة لهذا الغرض، ووجدت سفارة السودان قد انتقلت من زنقة تيداس الى حي السويسي، فقابلت بعض الدبلماسيين السودانيين وحكيت لهم القصة واعطيتهم عنوان وهاتف آل لرشداوي وذكرتهم بأن أبناء عادل هم سودانيون وينبغي للسفارة ان تعرف عنهم وتقف معهم.. ويبدو أن شيئاً من ذلك لم يحدث- على الأقل في تلك السنة او في السنوات القليلة التالية- ثم سجلت زيارة لكمال شرف الذي يعمل بدائرة زايد بن سلطان، وكمال دفعتنا في كلية الحقوق بالرباط وقد اشتغل في السعودية – الرياض- لفترة من الزمن قبل أن يرجع للسودان، ثم من السودان جاء للمغرب وحضّر للدكتوراة ونالها وعمل بالدائرة المذكورة.. وكان يسكن في الرباط هو وإبنه لوحدهما ما عدا الشغالة التي تخدمهم والتي أحضرت له طعام الغداء حين وصولي، وبدأ يتغدى وأنا أحكي له ماسأة تلك الأسرة فقال لي ما المطلوب مني؟.. قلت له أن تساعد هذه الأسرة من دائرة الشيخ زايد.. ويبدو أن شيئاً لم يحدث لهؤلاء الأطفال من قبل الدائرة او من قبله هو.

وقد وعد الزميل محجوب البيلي والأخ صلاح الأحمر بعمل ريبورتاج بمجلة سيدتي- وربما بمجلات أخرى التي بها باب يُعنى بمثل هذه المواضيع- وبما أنني أعمل بمجموعة دله البركة وشبكة راديو وتلفزيون العرب ART تتبع لنا، فقد فكرت بالإستعانة ببرنامج يهتم بنفس المشاكل (سأكتب عنه وعن بقية القصة لاحقاً بعد عودتي للسعودية- بمشيئة ا لله).

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #306
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-16-2014, 01:01 PM
Parent: #305


الحلقة 244

نواصل ...

مراكش الحمراء مرة ثانية


كما أسلفت فإن الخطوط المغربية قد منحتني تذاكر داخلية مجانية، فسافرت إلى الرباط لاستفيد من إحداها بالسفر إلى مراكش، حيث كان إتجاه التذكرة الرباط- مراكش- الرباط، وفي مطار الرباط رأيت أحد المغاربة فعرفته على الفور رغم مرور عقدين من الزمان على افتراقنا، فقد كان أحد الذين كانوا يسكنون معنا في الغرفة الجماعية في الحي الجامعي السويسي الثاني وتذكرته هو وصديقه الذي كان يسكن في نفس الغرفة التي كان بها ثمانية طلاب، ورغم أنني لم أمكث في تلك الغرفة كثيراً حيث منحت في بداية السنة الدراسية الجديدة 1976-1977م غرفة بها شخصين وبالتالي لم أعاشره كثيراً، ورغم ذلك فبمجرد ان سلمت عليه تذكرني، وعلمت منه أنه يعمل صحفيا في إحدى الصحف المغربية وكان في طريقه الى الصحراء المغربية لتغطية حدث ما على ما أذكر!

كان عباس قد اعطاني عنوان طلاب سودانيين بمراكش كانوا ممن تبقوا في المغرب بعد ان ارسلت الحكومة طائرة نقلت كل الطلاب الى السودان بعد القرار القاضي باستيعاب كل الطلاب الذين يدرسون خارج السودان في الجامعات السودانية، ومرد ذلك القرار ان تحويل المصاريف لهؤلاء عبر القنوات الرسمية وبسعر الدولار الرسمي يكبد الدولة أكثر بكثير مما يكبدها دراسة هؤلاء على نفقتها في الجامعات السودانية.. فقرر هؤلاء الذين أنا ذاهب إليهم في مراكش ان يواصلوا دراستهم ويتحملون فرق العملة ما بين التحويل بالسعر الرسمي وسعر السوق، أو أن مصاريفهم تأتي من غير السودان..

وصلت الى مطار مراكش ومنه بسيارة أجرة الى الحي الذي يقطنون فيه، وسألت عن الصيدلية التي كانت أقرب معلم بارز لهم، ثم وصلت الى شارعهم فقابلني شاب عرفت أنه سوداني من ملامحه، فسلمت عليه وسألته عن العنوان فقال لي أنت ذاهب لناس فلان، فقلت له نعم، فأخذني الى شقتهم الكائنة أسفل فيلا،

Maroc2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في الشارع الذي فيه الفيلا

وكان هذا الشاب يقيم مع هؤلاء الطلاب في نفس المنزل، عرفت فيما بعد أن إسمه كاظم كمبال.. وكان عباس قد أخبرهم بمقدمي.. أتذكر إسم واحد فقط منهم هو عثمان احمد حمزة وشهرته كوستاريكا لأنه من كوستي، وأتذكره لأنه كان مرافقي الدائم خاصة لخارج مراكش وكذلك زراني في بيتي في جدة وبات معي.. كذلك ما زلت أذكر كاظم الإبن البكر لكمبال- الذي عمل في سفارة الإمارات بالرباط- والذي كان طالباً في الثانوية على ما أذكر، وجاء من الرباط في زيارة لهؤلاء الشباب، وكنت عائداً بالطائرة الى الدار البيضاء وهو بالقطار.. والتقطنا صوراً بكاميرتي أمام المنزل الذي كنا نقيم فيه في مراكش، وأعتقد أن هذه الصور هي آخر صور له..

Maroc169-2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي (على يمينك) وكاظم كمبال أمام الفيلا التي نزلنا بها ويسكنها طلاب سودانيون

فعندما وصلت إلى الدار البيضاء علمت بوفاته التي حدثت عقب عودته من مراكش إلى الرباط - ربما بيوم أو يومين- فقد سقط من شرفة شقتهم الكائنة بالدور الثاني او الثالث وقضى نحبه وهو في ريعان صباه.. رحم الله كاظماً ورحم أباه الذي لحقه قبل حوالي سنة.. وقبل أن انتقل من هذه الذكرى الأليمة أخبرني صديقي مصطفى محفوظ عندما التقيته بعد الوفاة بعدة أيام وذكرت له الحادث، فقال لي أن اللجنة الطبية التي تجتمع كل يوم- وهو عضو فيها- وتتدارس أسباب الوفيات التي حدثت في المستشفى قرأت في سجل الوفيات لذلك اليوم أن المتوفية (سودانية)! فقلت له بل هو شاب سوداني! فقال لي إن هذا ما كُتب في سجل المتوفين في ذلك اليوم.. شئ غريب فعلاً!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #307
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-17-2014, 01:33 PM
Parent: #306


الحلقة 245

نواصل ...


ساحة باب الفنا ومنارة الكتبية مرة ثانية

تجولنا في سوق مراكش واشترينا خضار وفاكهة ودجاج وسكر وشاي وغيره، وطبخنا في الشقة طبخات سودانية، وكان يجتمع في الأمسيات سكان الشقة والضيوف مثلي ومثل كاظم رحمه الله، ومغربيين أحدهما عشاب والآخر (شيخ) وقد فحصني وقرأ عليّ وأعطاني ماء قرأ عليه وخلطه ببعض الأعشاب لأغتسل به.. كانوا يسمرون ويشربون، وقد قال لي العشاب أنه لم يكن يشرب ولكن قرر التجربة وستنتهي بحلول رمضان القادم..

تجولنا أيضاً في ساحة باب الفنا حيث مروضي الأفاعي الذين يعزفون المزمار والأفعى تحرك رأسها يمنة ويسرة كأنها ترقص، وبهذه المناسبة فإن المتفرجين وكذلك معظم الناس تظن أن الأفعى ترقص على أنغام المزمار، وحقيقة الأمر أن أفعى الكوبرا صماء! وحركتها التي تشبه الرقص هي مرتبطة بحركة العازف فإما أنها تقلده أو تتحرك بموجب حركته.. وقد أصر أحدهم أن يضع أفعى الأصلة حول عنقي رغم أنني لم أكن أريد ذلك، أعلم أنها لا تؤذي ولكن كان جلدي يقشعر منها.. وكذلك هناك مروضي القرود الذين يطلبون منها عمل حركات معينة ذكرتني بالحلبي في مدني في ستينات القرن الماضي حيث كان يحوم بقرده في أحياء مدني ويطلب منه أن ينوم نومة العروس فيفعل، ونومة العجوز فيفعل، وكنا ونحن أطفال نندهش من هذه الحركات ونستمتع أيما استمتاع بها، وندفع التعريفة والقرش مقابل الفرجة الجميلة تلك..

ثم مررت في ساحة جامع الفنا ببعضهم جالسين على الأرض يقرأون الكف، وأصر أحدهم أن يقرأ كفي فاعتذرت فأصر وألح.. فمددت له يدي فقال كلاماً عاماً تقوله الوداعية في السودان وكذلك مدعيات العلاج الروحي.. وقد أكون ذكرت قارئ الكف هذا في موقع آخر من هذه السلسلة، ربما حينما حضرت لمراكش لأول مرة في نوفمبر 1975م.. ولا أدري إن تكرر المشهد في الزيارتين أم اختلط عليّ الأمر.. لكن أرجح أن الذي حدث في العام 1997م مؤكد..


Maroc078.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في ساحة الفنا ويبدو في الخلفية منارة الكتبية وعلى يمين الصورة رجل جالس تحت مظلة ويفرش على الأرض أشياء أظن أنها حجبات وما شابه ذلك.. وربما يكون ذلك الفكي الذي أصر أن يقرأ لي كفي..

وفي الأكشاك التي تحيط بساحة باب الفنا شربنا كثيراً من عصير البرتقال الطازج الذي يعصرون البرتقالة بعصّارة يدوية بدون إضافة الماء لها، فقد كان الجو حاراً في مراكش في تلك الأيام، وبما أن البرتقال ينتج في المغرب لذا فإن سعره رخيص وكذلك عصيره.. وأيضاً اشتريت من المحلات التي حول الساحة والتي تبيع المنتوجات المغربية التقليدية تكايات مغربية من الجلد الطبيعي، تلك الدائرية التي تحشى بقطن أو بإسفنج أو بالقش او نحوه، وفيها بعض الزخرفة.. (مثل هذه الذي يجلس عليها أبنائي حسن وإيلاف).

Saudia003.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


تجولنا تحت صومعة (مئذنة) الكتبية الشهيرة التي هي التؤام الثالث للمآذن الثلاث؛ والأخريات هي صومعة حسان في الرباط، وصومعة "الخيرالدا" في إشبيلية بالأندلس، ولم نستطع الصعود إلى الصومعة فقد كان فيها خشب منصوب حولها ويبدو أنها كانت في مرحلة صيانة، وقد علمت أن اليونسكو قد اعتبرتها من التراث الإنساني، كما اعتبرت ساحة جامع الفنا كذلك من التراث الإنساني..

Maroc133001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


(صورة لشخصي أمامم صومعة الكتبية)

كذلك تجولنا في مزارع الزيتون في أطراف مراكش.. غابات كثيفة من تلك الأشجار الجميلة، وقد كانت ممتلئة بحبوب الزيتون الأخضر، وقد تذوقت واحدة فكانت مرة جداً، وقد علمت أنه يقطف ثم يجمع فيعالج بطريقة معينة حتى يصبح مستساغاً، كذلك مررنا بغابات من النخيل.. كانت مناظر لن تنسى أبداً..

عندما كنا ندرس في الرباط في السبعينات كان أشهر شاي أخضر هو شاي المنارة، وكان على علبة الشاي الكرتونية رسمة او صورة لبركة ماء بجانب مبنى محدودب السقف.. وهاهو ذا نفس المبنى وأنا أقف أمامه وأمام تلك البركة بعد 22 عاماً من رؤيتي له في علبة الشاي .. وإليكم صورة لشخصي في هذا المكان..

Maroc137001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #308
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 07-20-2014, 02:55 PM
Parent: #307


الحلقة 246

نواصل ...



جبال أوريكا

ثم قررنا انا وصاحبي عثمان أن نسافر الى خارج مراكش، حيث الجبال، وقد ركبنا تاكسي بالنفر الى منطقة أوريكا فوصلناها بعد صعود في الجبال ذكرني بالصعود الى الطائف عبر جبل الهدا.. كان طريقاً ملتوياً وحلزونياً يصعد الى أعلى الهضبة الجبلية هناك.. هبطنا من التاكسي وتجولنا بأرجلنا حيث البيوت مبينة على مدرجات في الجبل، أي تجد بيتاً في أعلى جرف، ثم تجد بيتاً آخر أعلى منه في جرف آخر أيضاً..

101.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في أحد شوارع أوريكا

وكان هناك نهر صغير متدحرج من أعالي الجبال وكان الماء يجري فيه بهدير شديد وليس بخرير؛ إذ كان المطر قد انهمر في الأعالي منذ قليل، وجلسنا على صخرة بجانب ذلك النهير وكان منظراً ساحراً وجلسة رائعة والجو أروع ..

000014.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وكوستاريكا على ضفة ذلك النهير، ويبدو أن تركيز فوكس الكاميرا كان على (البعيد) لذلك وضحت صورة الأبقار في الضفة الأخرى للنهير، بينما ظهرت وجوهنا غير واضحة..

وكان هدفنا التجول في تلك المنطقة والرجوع بعد ذلك لمراكش، ولكن نصحنا الأهالي بعدم السفر في هذا الجو المكفهر، حيث أن المطر إذا هطل يمكن أن يرمي بالحجارة من الجبل على الطريق فيتعرض المسافرون إلى الخطر.. لذلك لابد أن نبيت الليلة هنا.. وحينما قررنا المبيت فكرنا بالإتصال بأصدقائنا في مراكش لكي نخبرهم بهذا القرار حتى لا يقلقوا، ولكن لم نستطع؛ لا أذكر لسوء شبكة الاتصالات أم لأننا لم نجد هاتف نتصل منه.. ولكن السبب الأول هو الأرجح حسبما أتذكر..

102.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وسط الخضرة والجبال الجميلة متصور.. ويظهر جانب من مقهى ينصب مظلة أمامه وتظهر الطاولات والكراسي.. جلسة في الهواء الطلق

ثم ركبنا تاكسي محلي حيث وجهتنا فتاتان- وجدناهما في بقالة صغيرة- لموقع سكن بالإيجار، وتوجهنا إليه حيث كان عبارة عن منزل متواضع به شقق بسيطة ليس بها أسرة بل مراتب على الأرض، فتفاوضنا على الإيجار مع صاحبها، وحسبنا ما بقي لنا من نقود- حيث لم نكن قد وضعنا في حسباننا المبيت في هذه المنطقة- وساومنا حتى وصلنا الى سعر معقول للشقة التي تتكون من أكثر من غرفتين، وحاسبنا صاحب النزل على الاستحمام بالماء الساخن، وعلى العشاء الذي أعده لأربعة أشخاص واحتوى على البطاطس باللحم على ما أذكر (اللحم إسماً لأنه لم يكن هناك غير قطعة واحدة يغلب عليها العظم).. وبعد أن تعشينا واغتسلنا وأوينا إلى الفراش بدأ المطر ينهمر غزيراً، وكنا نسمع هدير الماء ينزل من أعلى الجبال بالقرب من مكان السكن، وداخلنا خوف.. وسبب هذا الخوف ما حكاه لنا الجميع بأن هذه البلدة قد شهدت مأساة قبل عدة شهور- او سنوات قليلة- حيث اكتسحها سيل من الجبال مات فيه أناس كُثر، فقد كان بعض السياح المغاربة والأجانب يستمتعون بالتجول بين الجبال والنهير الجاري فباغتهم السيل- خاصة الذين كانوا على الجسر الذي فوق النهير- فجرف سياراتهم الى النهير.. بينما سكان المنطقة كانوا يعرفون ما سيحدث لذا فقد صعدوا الى أعلى الجبال فسلموا..

103.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


جلسة على الصخرة في ضفة النهير

في اليوم التالي خرجنا من الشقة وتجولنا قليلاً.. وسألنا عن من يبيع زيت الزيتون أو ربما عرض أحدهم علينا زيت الزيتون والمشهورة به هذه المناطق حيث يعصر بطريقة بلدية، وبالتالي يكون نقياً وطبيعياً مائة بالمائة، واشتريت بالفعل جالون كبير بمائتي درهم، وتذكرت كيف أن زملائي المغاربة في السكن أيام الدراسة الجامعية كانوا يأتون بزيت زيتون من قراهم ويقولون أنه طبيعي ومعصور بطريقة بلدية- بمعاصر الدواب- وكانوا يأكلون زيت الزيتون بالخبز وكأنه وجبة كاملة، وبالفعل كان كذلك..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #309
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-08-2014, 03:53 PM
Parent: #308



الحلقة 247

نواصل ...


وداعاً أوريكا.. وداعاً مراكش

Maroc144001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي جالس على صخور يجري بينها ذلك النهير الصغير في جبال أوريكا- نواحي مراكش- ما أجمل الطبيعة الساحرة في المغرب

Maroc132001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي في منطقة بساتين الزيتون والنخيل بضواحي مراكش

وقد عرضت الزيت الذي اشتريت على المغاربة حين عودتي للدار البيضاء فأكدوا نقاوته، وقد استنشقته فوزية في الدار البيضاء وأكدت لي أنه أصلي.. بعد أن اشترينا الزيت ركبنا التاكسيات المتجهة الى مراكش، وعندما دخلنا الشقة وجدنا أصدقاءنا قلقون لدرجة أنهم كانوا سيرسلون أحدهم ليتعقبنا لا سيما حينما سمعوا أن أمطاراً قد هطلت في تلك الأماكن فخافوا أن يحدث ما حدث سابقاً من سيول مدمرة.. ولامونا على عدم الإتصال بهم، وقد أخبرناهم بأننا حاولنا لكننا فشلنا..

Maroc138001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي جالس على جدار بستان زيتون في مراكش

بقيت عدة أيام في مراكش ثم قررت الرجوع، وقد أجريت الحجز في مكتب للخطوط المغربية.. ثم ودعت أصحابي وذهب معي أحدهم- ربما عثمان كوستاريكا- ومررنا على محل صاحبنا المغربي العشاب حيث أخذت منه بعض الأعشاب العلاجية، وانطلقنا إلى مطار مراكش حيث ودعته ودخلت إلى المطار، وقطعت بطاقة صعود الطائرة، وقال لي الموظف أن إدخال الزيت الى الطائرة ممنوع، وهو يشير الى جالون زيت الزيتون الذي اشتريته من الجبال! ثم سألني أليس معك أحد في الخارج لترجعه له؟ قلت له لا! ويبدو انه تعاطف معي ربما يعلم أن الزيت من النوع الأصلي الغالي، وربما لا يريد ان يعاكس سائح في شئ بسيط.. فقال لي إذاً سوف نسلمه لكابتن الطائرة ويسلمك إياه في مطار الرباط.. فوافقت، وعندما ركبت الطائرة وجلست في مقعدي جاء به إليّ وقال لي ضعه على الأرض أمامك، ففعلت إلى أن وصلت بالسلامة الى مطار الرباط، ومنه بالقطار الى الدار البيضاء.. ومن محطة القطار بالتاكسي الى منزل عباس وداعة في حي المعاريف..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #310
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-09-2014, 04:12 PM
Parent: #309



الحلقة 248

نواصل ...


ملحق صور أوريكا..

Maroc147001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


جلسة بجانب النهير المتدفق بقوة من جبال أوريكا والتي تظهر في خلفية الصورة.. ما أجمل الطبيعة والمناخ هناك

Maroc152001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في أحد شوارع أوريكا الضيقة، وربما قرب النزل الذي قضينا فيه الليل

Maroc154001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي يتمشى في شارع رئيسي من شوارع أوريكا حيث تظهر المحلات التجارية والمقاهي

Maroc172.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


سوداني وسط جبال اوريكا .. وعلى صخور النهير المتدفق من أعلاها

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #311
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-10-2014, 02:47 PM
Parent: #310


الحلقة 249

نواصل ...


ملحق صور مراكش..

000037.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في الشارع قرب مبنى حكومي- ربما مقر الدرك (حيث تظهر سيارتهم)- والجو ملبد بالغيوم

Maroc145001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام مبنى حكومي .. ليس هناك لوحة تشير الى جهة معينة يتبعها، فقط العلم المغربي.. ولم تسعفني الذاكرة لأتذكر هذا المبنى

Maroc149001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


مروض الأفاعي والثعابين في ساحة بناب الفنا.. بكاميرتي.. ويظهر سائح خواجه يصور أيضاً..

Maroc150001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام قصر العدل- المحكمة الإبتدائية.. وأرجو من المقيمين في المغرب تأكيد مكان هذه الصورة.. هل هي في مراكش ام أغادير أم الدار البيضاء أم تطوان؟

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #312
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-10-2014, 04:28 PM
Parent: #310


الحلقة 249

نواصل ...


ملحق صور مراكش..

000037.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في الشارع قرب مبنى حكومي- ربما مقر الدرك (حيث تظهر سيارتهم)- والجو ملبد بالغيوم

Maroc145001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام مبنى حكومي .. ليس هناك لوحة تشير الى جهة معينة يتبعها، فقط العلم المغربي.. ولم تسعفني الذاكرة لأتذكر هذا المبنى

Maroc149001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


مروض الأفاعي والثعابين في ساحة بناب الفنا.. بكاميرتي.. ويظهر سائح خواجه يصور أيضاً..

Maroc150001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام قصر العدل- المحكمة الإبتدائية.. وأرجو من المقيمين في المغرب تأكيد مكان هذه الصورة.. هل هي في مراكش ام أغادير أم الدار البيضاء أم تطوان؟

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #313
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-11-2014, 04:54 PM
Parent: #312


الحلقة 250

نواصل ...


ملحق صور مراكش 2..

Maroc151001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في موقف الحافلات بمراكش.. ويبدو في الخلفية طرف من صومعة الكتبية.. ربما هذه الصورة عندما عدنا من اوريكا..

Maroc153001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في وسط ساحة باب الفنا.. وأحمل في يدي جالون زيت الزيتون الذي اشتريته من جبال اوريكا.. وربما الصورة التقطناها حين وصولنا للتو من اوريكا واضطرنا الطريق من موقف التاكسيات للعبور عبر ساحة باب الفنا

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #314
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-17-2014, 04:41 PM
Parent: #313


الحلقة 251

نواصل ...

أغادير.. مرة ثانية..

بقيت عدة أيام في الدار البيضاء ثم قررت السفر بالتذكرة المجانية المتبقية لديّ، الرباط – أغادير- الرباط.. فسافرت مرة أخرى بالقطار الى مطار الرباط حيث استقليت الطائرة المتجة الى أغادير.. حيث هبطت في مطارها الذي تغير إسمه الى مطار المسيرة، وكان حينما جئنا إليه من السودان مباشرة أيام المسيرة بطائرة الخطوط السودانية التي تحمل وفد السودان المشارك في المسيرة الخضراء كان اسمه مطار أغادير إنزغان- وإنزغان هذه قرية صغيرة في موقع المطار- المهم هبطنا في مطار المسيرة وبسيارة أجرة الى داخل مدينة أغادير التي تغيرت كثيراً في نظري منذ أن رأيتها آخر مرة في العام 1975م حينما كنت مع وفد السودان المذكور أعلاه.. بحثت عن فندق واستأجرت فيه غرفة ولم يكن غالي، وكان نظيفاً وحمامه داخلي، والحمد لله أن الحمام كان داخلي، فقد ظللت طوال الليل (اساسق) للحمام.. فقد ساهرت بي سخانة بول ما إن أخرج من الحمام حتى أحس بحرقة شديدة فأعود حتى نفد مافي مثانتي من ماء وما زالت السخانة تؤلمني! ربما سببها الدواء العشبي الذي كان قد أعطاني إياه صاحبنا العشاب من محله في مراكش..

000002-1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي على شاطئ المحيط الأطلسي في أغادير

في الصباح خرجت أتجول في أغادير وحرصت على زيارة الفندق الذي نزلنا فيه عندما قدمنا لهذا البلد الجميل لأول مرة في وفد السودان للمشاركة في المسيرة الخضراء منذ 22 عاماً، فندق أطلس الذي كان قد افتتح في أيامنا تلك.. وكانت تأسرني القبة التي فوق صالة الإستقبال الرئيسية والتي كانت كأنها السماء الصافية.. دخلت الفندق ورفعت رأسي الى القبة ولكن لم أجدها كما رأيتها منذ 22 عاماً.. لقد فقدت رونقها ذاك.. وما عاد الفندق في نظري بنفس الفخامة التي كان بها أيامئذ.. أو ربما قد تعودت على الفخامة وربما رأيت افخم منه كثيراً فأدت المقارنة الى جعله اقل فخامة من غيره.. ربما..

ثم تجولت في الشاطئ المقابل للفندق والذي كان يعج عامذاك بالمصطافين الأوربيين، ووجدته كذلك.. ثم تجولت في المنطقة المجاورة، وبما أنني كنت وحيداً فلم تكن الجولة ممتعة.. ولم تكن الإقامة وحدي في فندق تروق لي، فخير لي أن أسكن مع أصدقاء في بيت متواضع جداً من أن أكون وحدي في فندق فخم، ولم أكن وحيداً في غرفتي بالفندق، بل كنت وحيداً في المدينة قاطبة.. لذا مللت بسرعة وآثرت الرجوع من أغادير رغم أن الجو كان دافئاً والشاطئ جميل.. فركبت الطائرة ورجعت إلى الرباط.

(منذ الأمس وأنا أحاول إنزال الصور ولم أنجح.. اليوم نزلت صورة واحدة فقط وفشلت في إنزال البقية)

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #315
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السوداني ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-18-2014, 02:46 PM
Parent: #314


الحلقة 252

نواصل ...

أغادير.. ملحق الصور..

000003.JPG Hosting at Sudaneseonline.com

شخصي على بلاج أغادير.. ويظهر في الخلفية عدة فنادق.. ربما منها فندق أطلس الذي كنت قد نزلت فيه في العام 1975م مع وفد السودان للمسيرة الخضراء..

174.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وحيداً أجلس في مقهى مطل على بلاج أكادير.. استمتع بالمنظر الخلاب أمامي وأجلس على كراسي مقهى كنا نهاب أن نجلس في مثله أيام كنا طلاب.. فحتماً لم يكن وقتذاك لدينا الإستحقاق المالي لذلك الجلوس المرفه.. ولكن كانت المتعة في الرفقة التي معك حتى لو كنت تجلس في مقهى موريطانيا المتواضع في السويقة في الرباط، سواء كانت تلك الرفقة زملاء الدراسة أو زميلات أو غيره..

000005-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في أحد أزقة أغادير بجانب ما يشبه الحصن على يميني، ويظهر كذلك في خلفية الصورة قلعة على الجبل..

000035-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وسط الخضرة في مدينة أغادير، بقرب كشك للإتصالات، وفي الخلفية يظهر الجبل الشهير الذي منحوت فيه شعار المغرب: (الله- الوطن- الملك)، وعلى ما أذكر في قمة ذلك الجبل توجد قلعة عسكرية للجيش المغربي..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #316
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Kamal Karrar
Date: 09-18-2014, 11:07 PM
Parent: #315

الاخ/ أبا حفص سلمه الله،

أولا دعني أهنئك على هذا السرد الماتع والأسلوب البهي.. والحكي الجميل...الذي طوّف بنا وهوّم في عوالم الواقع الجميل.. فقد شددتني فصرت أتحين أوقات الفراغ حتى أواصل متعة القراءة.. ولعل بعض الشخوص التي جاء ذكرها في تطوافك بخاصة في المغرب كان لي شرف معرفتها وإن كان ذكر بعضها جاء لماما مثل خالد أحمد عمر نسيب الرشيد نور الدين سفير السودان في المغرب آنذاك وهو من أبناء مدينتنا بحري ومعروف "بخالد جني".. ولغرابة الصدف فإن جذورهم تمتد لمدينتي مدني ورفاعة.. وهو قريب آل محمد طه وأظن بيتهم في أول بانت على مقربة من موقف الباصات السفرية وأقرباؤه هم ناس سفيان وسيف وعادل محمد طه من عوائل مدني المشهورة..إن كنت تعرفهم....وعجبت حيث لم يرد في ذكرياتكم صديقنا من بحري ألا وهو خالد الفاضل حسن وهو أيضا من الدفع التي ربما قبلكم بعام على اكثر تقدير.. كما أن الظروف عرفتني على أفراد من عائلة أبراهيم النيل تاجر السلاح الذي ورد ذكره في أكثر من مرة .. وأظن أن له إبنة في الرياض جمعتنا بها الظروف في زواج إبني في العام الفائت..

أخي الكريم .. أرجو أن تسمح لي بتسجيل بعض الملاحظات والتي لا ترقى لمستوى النقد العلمي الممنهج لما جاء في متن السرد إنما هي ملاحظات عابرة ربما أصابت أو خابت وفي الحالتين فإن ما دفعني للكتابة هو استمتاعي اللامحدود بما تكتبه.
وقبل أن أدلف للملاحظات فإنني أريد أن أشير إلى أسم الطائفة التي ذكرت أن نبيها يحي وأنك نسيتها هي طائفة الصابئة المندنائية وهي في العراق وسوريا وقلة في لبنان..

هناك شيء ملفت أن الموت يمشي جنبا إلى جنب في سردك الماتع... ولعمري هكذا هي الحياة..
أبكتنا قصص الموت التي سقتها وأحبطتنا قصة حبيبتك التي لم تتوج.. وفرحنا أن جمعك الله بأم حسن (الصغير) التي قدرها لك في الأزل...
أنفطرت قلوبنا لموت أختك الصغيرة وموت حميد ونجية واليمنى.. وحلّقت بنا في فسيفساء الحياة التي لا توفر لونا..

أما فيما يتعلق بالسرد ففي أعتقادي شابه ما يلي :-
- كثرة الفلاش باك والبلاي باك.. مما يفقد السرد تماسكه وسلاسته..
- الأكثار من إتهام الذاكرة وضعفها في تفاصيل يبدو للقاريء أنه ربما كان لعدم رغبتكم الخوض في هكذا تفاصيل أو أنك لم تبذل الجهد الكافي في تذكرها على الرغم من أنك دائما تؤكد على بذلك الجهد المأمول للتذكر.
- التصريح ببعض العبارات عن أفعال كان يمكن الاستعاضة عن تلك العبارات بأخرى تتركها لفطنة القاريء لمعرفة كنهها فمثلا حديثك عن نقلك لما قالته الاندونيسية التي بدأت بالمساج وأنتهت بما أنتهت ربما يخدش الحياء. وقد كان أعجبني تعليق سابق في أن قلت "كان ما كان" فكان تعبيرا جامعا محتشما...
- الأعادة والتكرار واسترجاع وتضمين ما قلته بحلقات سابقة في حلقات لاحقة أيضا يؤثر على نسيج السرد..
- الأشارة إلى الويكيبديا.. وأهراق المداد في نقل ما جاء فيها والذي يحتاج إلى الكثير من التدقيق والتحميص حيث أنها ليست مصادر محصنة من التحريف والغرض. كما أنني لا أرى داع لذلك.
أخي الكريم..
كل تلك ملاحظات بمحبة وتأكيد أن ما كتبته تابعته بكل أهتمام وأخشى مجيء الحلقة الأخيرة لآنها سوف توقف هذا الفيض من الذكريات الصادقة ونبيلةعلى الرغم من ملاحظاتي..
لك العتبى وشكرا لآمتاعك لنا ولاشراكنا معكم في تلكم السياحة الجميلة

التعديل في الحالتين لخطأ في الطباعة

Post: #317
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-21-2014, 02:18 PM
Parent: #316


Quote: الاخ/ أبا حفص سلمه الله،

أولا دعني أهنئك على هذا السرد الماتع والأسلوب البهي.. والحكي الجميل...الذي طوّف بنا وهوّم في عوالم الواقع الجميل.. فقد شددتني فصرت أتحين أوقات الفراغ حتى أواصل متعة القراءة.. ولعل بعض الشخوص التي جاء ذكرها في تطوافك بخاصة في المغرب كان لي شرف معرفتها وإن كان ذكر بعضها جاء لماما مثل خالد أحمد عمر نسيب الرشيد نور الدين سفير السودان في المغرب آنذاك وهو من أبناء مدينتنا بحري ومعروف "بخالد جني".. ولغرابة الصدف فإن جذورهم تمتد لمدينتي مدني ورفاعة.. وهو قريب آل محمد طه وأظن بيتهم في أول بانت على مقربة من موقف الباصات السفرية وأقرباؤه هم ناس سفيان وسيف وعادل محمد طه من عوائل مدني المشهورة..إن كنت تعرفهم....وعجبت حيث لم يرد في ذكرياتكم صديقنا من بحري ألا وهو خالد الفاضل حسن وهو أيضا من الدفع التي ربما قبلكم بعام على اكثر تقدير.. كما أن الظروف عرفتني على أفراد من عائلة أبراهيم النيل تاجر السلاح الذي ورد ذكره في أكثر من مرة .. وأظن أن له إبنة في الرياض جمعتنا بها الظروف في زواج إبني في العام الفائت..


الأخ الفاضل كمال كرار حفظه الله ورعاه

أشكرك جزيل الشكر أن عقبت على ما أكتب.. فالثلاثمائة أو أكثر من الذين يقرأون هذا البوست يومياً (حسب العداد) لا يعقبون ولا يعلقون، يكتفون فقط بالقراءة، وربما لا يكونون من أعضاء المنبر لذلك لا يستطيعون الرد.. وإن كان هناك مجال آخر للتعقيب هو الفيس بوك وغيره من الوسائل.. لذلك سرني تعقيبك.. وأسعدني ما به من معلومات جمة ومفيدة.. بالإضافة الى رأيك الإيجابي فيما أكتب..

من الصدف الغريبة - وعلى ذكر الزميل خالد أحمد عمر- فقد كنت في الشهر الماضي (أغسطس) في إجازة في السودان، وتصادف أن ألتقيت بزوج بنت بنت عمتي، وطافت الذكريات بالإمارات العربية المتحدة حيث كان يعمل، وتطرق الحديث إلى زملائنا خريجي المغرب الذين كانت معيشتهم بالإمارات، منهم الفنان عز الدين عبد الماجد والذي أوجد له وظيفة بشرطة دبي خالد احمد عمر.. وكانت المفاجأة بالنسبة لي حيث أخبرني المهندس محمد الحسن عوض الله - محدثي أعلاه- بأن إبن شقيقة خالد أحمد عمر تزوج إبنته! قلت في نفسي لو قلت لخالد أبان دراستنا في المغرب أننا سنصبح نسايب في يوم من الأيام لما صدق..

والشئ الآخر هو أنني لأول مرة أعرف أن لخالد جذور بمدني.. فلم يذكرها لي أيام الدراسة بالمغرب، رغم أن عددنا نحن أبناء مدني في تلك الحقبة لم يكن كبيراً..

أما خالد الفاضل حسن فلا أعتقد أنه من الدفعة التي قبلنا، فليس هناك إلا دفعة واحدة قبلنا هي التي وصلت المغرب في العام 1974م ومنها خالد احمد عمر.. ولم يكن من دفعتنا حيث أعرفهم جميعاً هم والدفعة التي قبلنا.. ثم التي تلينا كذلك أعرفها ولم يكن منها هذا الإسم، وأعرف كثير من الدفعة الرابعة والتي وصلت في العام 1977م ولكن لا أؤكد أنني أعرف أسماءهم أو أعرفهم كلهم.. وربما يكون خالد الفاضل منهم أو من الدفع التي بعدهم.. الذين من بحري ومن دفعتنا تاج السر احمد محجوب، وعمر حامد من شبمات ومحمد السماني من حلفاية الملوك..

سأواصل التعقيب على ملاحظاتك القيمة..

Post: #318
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-21-2014, 03:53 PM
Parent: #317


الحلقة 253

نواصل ...

أغادير.. ملحق الصور 2..

000036-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أتأمل أمواج المحيط الأطلسي في يوم من أيام سبتمبر.. ونخلة تقف وحيدة مثلي على الشاطئ.. ترى أكانت موجودة عندما زرت هذه المدينة لأول مرة ووقفت في شاطئها قبل نيف وعشرين عاما؟
قليل من المصطافين كانوا على الشاطئ.. هل كانوا في القيلولة؟

000038-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والشمس تدنو من الأفق الغربي مزينة الشاطئ على ضفة الأطلسي الشرقية بلون قرمزي يضفي على المكان سحراً خاصاً.. ما أجملك يا أغادير.. ما أروعك يا مغرب الأحباب

Maroc114001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


هذا أنا.. ولكن أين؟ هل في أغادير؟ أم في مراكش؟ غالباً في أغادير.. ويظهر خلفي مقهى.. يا سكان المغرب ويا زواره أفيدونا أفادكم الله أين هذا المكان.. أفي أغادير أم في مراكش؟

Maroc128001.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة من عل لشاطئ أغادير.. ذا المياه الزرقاء.. ورمال الشاطئ البيضاء.. والجبال الخضراء.. ما أجمل الطبيعة الساحرة في المغرب

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #319
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-21-2014, 05:30 PM
Parent: #318


العزيز كمال كرار

أواصل التعقيب على تعقيبك الجميل

Quote: أخي الكريم .. أرجو أن تسمح لي بتسجيل بعض الملاحظات والتي لا ترقى لمستوى النقد العلمي الممنهج لما جاء في متن السرد إنما هي ملاحظات عابرة ربما أصابت أو خابت وفي الحالتين فإن ما دفعني للكتابة هو استمتاعي اللامحدود بما تكتبه.
وقبل أن أدلف للملاحظات فإنني أريد أن أشير إلى أسم الطائفة التي ذكرت أن نبيها يحي وأنك نسيتها هي طائفة الصابئة المندنائية وهي في العراق وسوريا وقلة في لبنان..

هناك شيء ملفت أن الموت يمشي جنبا إلى جنب في سردك الماتع... ولعمري هكذا هي الحياة..
أبكتنا قصص الموت التي سقتها وأحبطتنا قصة حبيبتك التي لم تتوج.. وفرحنا أن جمعك الله بأم حسن (الصغير) التي قدرها لك في الأزل...
أنفطرت قلوبنا لموت أختك الصغيرة وموت حميد ونجية واليمنى.. وحلّقت بنا في فسيفساء الحياة التي لا توفر لونا..


ملاحظاتك في محلها.. ولو لم يكن النقد كذلك فكيف يكون؟

ومرة أخرى أشكرك على كلماتك الرقيقة حول ما أكتب.. وأسعدني استمتاعك بتلك الحكاوي الواقعية البسيطة التي اجتهدت أن تكون مقبولة للقارئ..

كما أشكرك على التوضيح بشأن طائفة الصابئة المندنائية، وهذا يدل على مدى ثقافتك ومعرفتك وعمق إطلاعك على المعارف والعلوم، مما يجعلني سعيد بأن مثلك يقرأ لي، وبأن ملاحظاتك ملاحظات حادب على أن يكون عملي مجوداً..

ملاحظتك حول أن الموت يمشي جبناً الى جنب في سردي؛ هذا يذكرني بالزميل مجدي علي إدريس عواض - المصري النوبي الذي درس معي في كلية الحقوق بجامعة محمد الخامس- وقد التقاني عبر النت بعد غياب دام عقود، التقاني بسبب هذه السلسلة من رحلات إبن بطوطة.. وقد سألني سؤال مشابه لملاحظاتك تلك، فقال لي: (هو يا عمر إنت كل اللي تعرفهم بيموتو؟) .. وبما أن الموت علينا حق.. وأنه لابد أن يموت في كل عام شخص، أو في كل شهر، ولابد أن يكون من ضمن هؤلاء الموتى من نعرف.. ولا ننسى أننا نتحدث عن فترة قاربت الأربعين عاما!! وبما أن الحزن ينحت نفسه في الأعماق.. والمآسي تحفر نفسها في قاع الذاكرة دون الأشياء المفرحة أو السعيدة؛ فذلك ما يجعل ما نسرد من ذكريات يتغلب عليه الجانب الحزين أكثر من الجانب السعيد.. ونتذكر الذين مضوا لأن فقدهم أليم، بالتالي لا ينسى، على غير الأفراح والمناسبات السعيدة.. نسأل الله أن يتغمد من رحل عن دنيانا بواسع رحمته وأن يلهمنا دوماً الصبر الجميل وحسن العزاء.. ونترحم خاصة على شقيقتي لبنى- وعلى والدتها التي رحلت قبل خمسة أشهر ويوم- وعلى صديقي الصغير حميد وعلى نجية وعلى محمد اليمني..

وهكذا هي الحياة يا صديقي.. تجلل يومنا بالسواد ثم يأتي مولود نفرح به، ثم نرقص فرحاً لزواج تم او لإبن نجح.. وتستمر الحياة.. بحلوها ومرها..

أيضاً سأواصل الرد على ملاحظاتك القيمة..

Post: #320
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-22-2014, 02:33 PM
Parent: #319


الحلقة 254

نواصل ...

بعض قدماء المحاربين

نسيت أن أذكر أنني قابلت الزميل طلحه جبريل في الرباط، وهذه المرة ليس في مقر جريدة الشرق الأوسط، بل في مقر اليونايتد برس حيث عمل بها بعد تركه للشرق الأوسط، وكان مقر اليونايتد برس على بعد خطوات من شقة محجوب البيلي حيث كنت أنزل.. وقد علمت منه أنه تزوج للمرة الثانية ومن مغربية أيضاً.. وكذلك قابلت عصام قطر الذي يعمل بسفارة قطر، وقد زرته في شقته وهي نفس الشقة التي سكنها خاله- حسن قطر- بعد مغادرته للمغرب، حسن كان يعمل أيضاً بسفارة قطر بالرباط ، وعندما غادر المغرب ترك الشقة لعصام، وعصام أيضاً قد تزوج بمغربية ورزق منها ذرية..

من المحاربين القدماء التقيت أيضاً بعبد المنعم بيومي الذي غادر بعد مغادرتي المغرب الى السودان نهائياً بعد قضاء 22 عاماً.. والآن رجع الى المغرب مرة أخرى، وقد قلت له عبر الفيس بوك قبل أيام: (أنك يا عبد المنعم كالسمكة لا تستطيع أن تعيش خارج الماء، وأنت لا تستطيع أن تعيش خارج المغرب.. وكذلك أنا.. ولكنك يا عبد المنعم قدرت على ما لم أقدر عليه!).. أيضاً قابلت عبد الرحمن ميرغني (الشايقي) الذي لم يكن من دفعتنا ولكن شقيقه الأكبر كان في الدفعة التي سبقتنا الى المغرب- ابراهيم ميرغني (ابزعانف)- والأخير لم أقابله، وعلى ما أذكر كانت والدتهمها في زيارة للمغرب وقد وجدت مجموعة من السودانيين في بيت أحدهم- ربما بيت عبد الرحمن الشايقي– كان متزوجاً بإبنة سوداني ضنقلاوي أو محسي يعمل ساعياً في السفارة السودانية بالرباط منذ أن افتتحت، وكان متزوجاً بمغربية.. وربما كان ذلك اللقاء في بيت ابو بكر الشريف الذي كان يعمل في إحدى الصحف المغربية، وهو كان قد قدم الى المغرب من ليبيا أواخر أيام دراستنا بالمغرب.. والآن- في زيارتي هذه في العام 1997م- كان رئيساً للجالية السودانية في المغرب على ما أظن - رحمة الله عليه فقد توفيّ قبل عدة سنوات.. كذلك التقيت بالأخ صلاح الأحمر الذي حضر لزيارة محجوب البيلي في شقته، وكان برفقته إبناه، ثمرة ذلك الزواج الذي حضرناه انا ومحجوب البيلي وجلال حنفي في العام 1987م..

Maroc8.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لبعض المحاربين القدماء وجدتها مؤخراً: وهي في زواج أخينا صلاح الأحمر بالدار البيضاء كما أسلفت أعلاه، ويظهر العريس فوق المحفة يحمله شخصي الضعيف (في الجانب اليمين من المقدمة، وفي الجانب اليسار من المقدمة مغربي)، وخلفي سوداني لا أعرف من هو، يليه خلفه مباشرة الراحل المقيم بومدين خليفه، يليه خلفه مباشرة (يظهر جانب من وجهه ونظارته) عبد المنعم بيومي، ثم سوداني آخر على يمين بيومي لا أعرف من هو..

التقاني رجل طاعن في السن في أكدال- ربما في مكتب البريد الذي زرته لأسأل عن المغربي الأسمر- مدني- الذي كان موظفاً أيام كنت طالباً وأرسل الرسائل من هذا المكتب، وقد علمت من زملائه أنه قد تقاعد عن العمل، وقال لي زميله هذا أنه يتذكرني أيضاً منذ أيام السبعينات- المهم الرجل الذي التقاني وهو أسمر أيضاً بل أشد سواداً مني، وقد تعرف عليّ ودعاني الى منزله وأصر على أن أذهب معه، ويبدو أن اللون حن، وبالفعل ذهبت معه الى منزله الكائن بأكدال، وقد عرفني بزوجته وهي مغربية بيضاء ومسنة أيضاً، وشربت معهم الشاي وأعطاني كرته وأتذكر أن إسمه مبارك..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #321
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-22-2014, 05:19 PM
Parent: #320


المحترم جداً كمال كرار..

Quote: أما فيما يتعلق بالسرد ففي أعتقادي شابه ما يلي :-
- كثرة الفلاش باك والبلاي باك.. مما يفقد السرد تماسكه وسلاسته..
- الأكثار من إتهام الذاكرة وضعفها في تفاصيل يبدو للقاريء أنه ربما كان لعدم رغبتكم الخوض في هكذا تفاصيل أو أنك لم تبذل الجهد الكافي في تذكرها على الرغم من أنك دائما تؤكد على بذلك الجهد المأمول للتذكر.
- التصريح ببعض العبارات عن أفعال كان يمكن الاستعاضة عن تلك العبارات بأخرى تتركها لفطنة القاريء لمعرفة كنهها فمثلا حديثك عن نقلك لما قالته الاندونيسية التي بدأت بالمساج وأنتهت بما أنتهت ربما يخدش الحياء. وقد كان أعجبني تعليق سابق في أن قلت "كان ما كان" فكان تعبيرا جامعا محتشما...
أخي الكريم..


يا ريت تجيب لي نماذج من الفلاش باك والبلاي باك عشان أعرف مقصودك.. وأعمل على الإستفادة من ملاحظاتك القيمة..

بالنسبة لإتهام نفسي بضعف الذاكرة فهو في حقيقة الأمر ليس اتهام.. بل حقيقة.. وربما علماء النفس يجدوا لي تعليلاً أو تفسيراً لذلك.. فأنا قد أتذكر أشياء دقيقة جداً كما لاحظت أنت ولاحظ بعض القراء الذين أفادوني بذلك.. وقد أنسى حقبة كاملة.. ودليلي على ذلك أنني بدأت سرد هذه الحلقات في موقع ود مدني دوت كوم، وكنت أكتب مباشرة من الذاكرة الى الكيبورد إلى الصفحة دون أن أنسخ ما كتبت في وثيقة او مكان آخر في جهازي، فجاء فيضان هكر فأباد الموقع بما فيه البوست.. وبعد جهد ومساعدة من بعض متقني الحاسوب استطعت ان اتحصل على بعض الحلقات- او قل معظمها- فأعدتها في الموقع نفسه ثم في مواقع أخرى، ولكن حتى الآن أحس بأن هناك حلقات مفقودة لم استطع تذكرها او تذكر أحداثها لأعيد كتابتها هنا.. والذاكرة أمرها عجيب.. تحتفظ بما تريد ان تحتفظ به ولو كان عمره خمسون عاماً.. وتنسى ما حدث بالأمس أو صباح اليوم حتى.. ولم يمنعني من التذكر عدم الرغبة في سرد بعض التفاصيل.. وقد أعملت الذاكرة بالفعل ولكنها (عصلجت) ..

بالنسبة للعبارات الخادشة للحياء.. ربما لم تجد غير هذه العبارة التي كتبتها بالحروف العربية لعبارة قالتها بالإنجليزية.. وعدم وجود غيرها يدل على حرصي على حياء القاريء، ولكن انتظرت كثيراً في المواقع الأخرى التي نشرت فيها هذه المذكرات سابقاً، انتظرت إشارة من أحدهم ينبئني عن استياء او خدش للحياء حدث له/لها ولكن لم يحصل غير الآن.. غير واحد زميل دراسة بالمغرب علق لي مباشرة عندما قابلته في السودان عن حكاوي أخرى غير تلك- خاصة حكاوي المغرب- ويعتقد أنه لا يجوز أن أكتبها.. والغريبة نقلت وجهة نظره تلك لشاعرة وقارئة لما أكتب، فدار بيننا الحوار التالي:

الشاعرة: - الحكاوي شيقة أحيانا تسخن وأحيانا تبرد غير أنها في مجموعها تحكي قصة حياة جميلة يمكن ان تكون مشروع كتاب متكامل
يا ريت لو إستطعت أن تعكس فيها ماكان يخالج ابن بطوطة من شعور كما ظهر في الحلقات الاولي
شخصي:- الحلقات الأولى اللي كان فيها ما يخالجني من شعور زي شنو عشان استنير برأيك
الشاعرة:- كنا نشعر فيها بدهشة الكاتب مرات ومرات أخري بسعادته ومرات أخري بتكوينه وإندماجه في المجتمعات التي يلجها و ملاحظته لزملائه وللمجتمع الذي أتي منه من خلال العبارات والسرد
دون توجس او رهبة او حتي حياء يخل بالنص المكتوب
مثلا في الحكايات الاولي كنت الاحظ ثمة تشابه بينك وبين ماركيز
فأحسست بحريتك ككاتب
ولاحقا لاحظت طغيان كم المعلومات علي السرد الادبي فظننت بأنك ربما إنتابك توجس او تقييد داخلي
شخصي:- وأما التوجس والتقيد الداخلي فناتج لرأي أحد الزملاء الدارسين معي بالمغرب، وكذلك إبن خالتي مقيم هنا في القصيم، فهم يرون أنني أسرد أشياء ما كان ينبغي أن أسردها.. فاتخذتهم مرآة تعكس آراء القراء- ربما بعضهم يعلق في نفس الحلقات- ولكن هؤلاء يعرفوني فألجمت قلمي قليلاً
الشاعرة:- أحيانا يخاف أصدقاء الكاتب من صدق الكاتب
فيؤثرون سلبا علي العملية الابداعية ولكن يمكنك أخذ ملاحظتي ومقارنتها مع ملاحظاتهم ثم إستفتاء محايد غير سوداني او سوداني مثقف واديب
شخصي:- فمثلاً أحدهم يعتب عليّ فيما كتبت عن حبيبتي، ويسأل: أليس لها أولاد يمكن أن يقرأوا ما أكتب؟ والإجابة أبسط من سؤاله: من أدراهم أن المقصود هي أمهم؟ فأنا لم أذكر اسم صريح! ثم جاء السؤال منه بصيغة أخرى: ماذا عن زوجتي وأولادي؟ والإجابة أيضاً بسيطة: أنا أكتب عن مرحلة تاريخية سابقة لوجودهم في حياتي.. وكذلك لم أكتب شيئاً معيباً أو جريئاً
كلامك في محلو.. قد يخاف أن اتطرق لشئ في السرد يمسه من قريب أو بعيد
الشاعرة:- بالتأكيد ولكن أنت كمبدع تكتب بحس تستطيع أن تخرج سرد إبداعي دون أن تمس ايا كان كما وانك تعلم القانون إضافة إلي أن أسرتك يجب ان تعلم بأنك كاتب
نحن كسودانيون متناقضين في الواقع ونحاول وضع بصمة هذا التناقض أيضا في كتاباتنا لذلك نمحو ما نكتبه كثيرا لاننا نقول ربما غضب منا فلان أو جرحنا فلان لذا لا يوجد لدينا احلام مستغانمي ولا غادة السمان ولا وداد الكواري لا أدري ولكن مثلك يجد حريته في قلمه لذا أتمني أن تطلق لنفسك العنان في الكتابة لتؤرخ لكاتب في أدب الرحلات بمعايير عالمية متعك الله بالصحة والعافية

انتهى الحوار بيني وبين الشاعرة

وقبل أن أبدأ في كتابة هذا الرد انتبهت لمداخلة عبر الفيس بوك من الدكتور محمد.. لا تختلف كثيراً عما أوردته الشاعرة أعلاه، أحيلك إليه

وأيضاً سأتابع الرد على مداخلتك الراقية..

Post: #322
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-25-2014, 03:13 PM
Parent: #321


الحلقة 255

نواصل ...

وداعاً مغرب الأحباب

ثم أزف وقت الرحيل، وفراق مغرب الأحباب، والمغرب فراقه حار حتى لو كان عبر هذه الكتابة.. فهأنذا أشعر بأنني لا أود التوقف عن الكتابة عن تلك الرحلة وعن تلك الأيام الجميلة- رغم أنها لاترقى بجمالها إلى تلك الأيام الخوالي عندما كنت طالباً في السبعينات- وللغرابة فإن أيام الدراسة كانت ايام فلس وكانت حياة طلابية تنقصها كثير من الرفاهية، وزيارتي الآن وأنا موظف في السعودية ولي دخل واستطيع ان اعيش في رفاهية.. وقد أحسست في هذه الرحلة بأن المغاربة ما عادوا كما كانوا في الفترات السابقة، وربما لأن العمر قد تقدم بي، وربما أصبحت غير شاب ولا جذاب وربما وربما.. وقد بحت بهذا الشعور لصديقي محجوب البيلي..

ودعت أصدقائي السودانيين والمغاربة، وودعت قريبي عباس وداعه، ثم توجهت نحو مطار محمد الخامس- مطار الرباط- وأنهيت إجراءات التذكرة والعفش.. وأنا أتجول في صالة المطار لفت نظري رجل مغربي يحدق في اتجاه الكاونترات، فذهب بصري حيث ينظر.. فرأيت اوروبية تضع شنطتها فوق الميزان أمام كاونتر وزن العفش، وظهرها إلينا والفستان الذي تلبسه قصير جداً، ليس ميني جيب، بل ميكروجيب، وكانت تنحني انحناءة خفيفة لا تعدو خمس او عشر درجات، ولكنها كانت كافية بأن تبرز ما فوق أعلى الفخذين، بل وبدت وكأنها لا تضع ملابس داخلية.. هل نسيت ان تلبسها؟ أم تعمدت ألا تلبسها؟ هذا المنظر وذاك الشئ الذي ظهر لا تراه حتى على الشاطئ أو على حمام السباحة.. وفيما بعد – بعد سنوات- عرفت أن هناك ملابس داخلية نسائية لا تظهر من الخلف، حيث أنها كورقة التوت، تغطي فقط الجزء الأمامي، أما الخلفي فيكفيه خيط يربطه بورقة التوت تلك.. أي أن تلك الأوروبية لم تنس وقتها أن تلبس ملابسها الداخلية..

000039-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لي وأنا خارج صالات المطار، حيث أقف على حافة الساحة العلوية وخلفي منظر الحدائق الغناء التي أمام مطار محمد الخامس.. حيث أستنشق هواء الرباط العليل قبيل وداعه.. وحزيناً لفراقه..

000040-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وصورة التقطتها من الساحة العلوية للأسفل حيث مواقف السيارات وخلفها الحدائق الغناء لمطار محمد الخامس.. وداعاً للمناظر الخلابة.. وداعاً للجو الجميل..

ثم ركبت الطائره التي اقلعت باتجاه جدة مفارقة خضرة المغرب وجوه الرهيب وأهله الطيبين، وأظن كان تاريخ ذلك اليوم هو 14/10/1997م، اي بعد 24 يوم قضيتها في تلك الديار الجميلة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #323
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-25-2014, 03:53 PM
Parent: #322


الفاضل كمال كرار

مواصلة لموضوع الاحتشام.. فرغم ترددي كثيراً قبل أن أكتب تلك العبارة التي قالتها الإندونيسية، فقد تذكرت بوست (تيموليت المغربية السحاقية) للكاتب محسن خالد، وطبعاً العبارة التي كتبتها في بوستي هذا تعتبر محتشمة جداً جداً مقارنة بما جاء ببوست تيموليت الذي كان يتابعه الكثيرون من أعضاء البورد بمن فيهم السيدات والآنسات اللائي سودن البوست بآرائهن وإعجابهن بالبوست رغم أنني رفضت أن ينقله أحدهم الى منتدانا (ود مدني دوت كوم).. ورغم كل ذلك فقد كنت متردداً كثيراً أن أكتب تلك العبارة، وعندما قررت كتابتها كتبتها بتلك الصيغة بالحروف العربية لجملة انجليزية، وحتى الكلمة التي أعتبرتها خادشة للحياء لا يعرف معناها إلا من عاش في أمريكا .. فالقراء هنا من السودانيين وقد يفهمونها من السياق فقط، وقد لا يكونون قد سمعوا بها من قبل.. ورغم أنني لم أزر أمريكا ولم أسمع بهذه الكلمة من قبل (أو بالأصح المعنى الثاني للكلمة) إلا أنني فهمتها مما حدث .. وكنت قد نويت- وما زلت- أن أحذف هذه العبارة.. إلا أن الأخ الدكتور محمد في مداخلته عبر الفيس بوك أدناه قد جعلني أتردد.. إذ ان إرضاء الكل غاية لا تدرك..

Quote: - الأعادة والتكرار واسترجاع وتضمين ما قلته بحلقات سابقة في حلقات لاحقة أيضا يؤثر على نسيج السرد..
- الأشارة إلى الويكيبديا.. وأهراق المداد في نقل ما جاء فيها والذي يحتاج إلى الكثير من التدقيق والتحميص حيث أنها ليست مصادر محصنة من التحريف والغرض. كما أنني لا أرى داع لذلك.
أخي الكريم..
كل تلك ملاحظات بمحبة وتأكيد أن ما كتبته تابعته بكل أهتمام وأخشى مجيء الحلقة الأخيرة لآنها سوف توقف هذا الفيض من الذكريات الصادقة ونبيلةعلى الرغم من ملاحظاتي..
لك العتبى وشكرا لآمتاعك لنا ولاشراكنا معكم في تلكم السياحة الجميلة


يا ريت تديني الأماكن التي تم فيها التكرار حتى أحذفه، فقد أكون بالفعل كررت حلقات أو مواقف بالخطأ أو بالنسيان، فأنا أنقل من مواقع سبق أن نشرت فيها نفس السلسلة، والخطأ وارد.. أما إن كان تضمين ما قلته بحلقات سابقة للتذكير فقط فهذا يؤيدني فيه الدكتور محمد، ويحبذه..

بالنسبة للويكيبيديا.. فأيضاً كنت أتردد كثيراً قبل أن أنقل ما بها.. حتى أنني سألت نفسي: (هل إذا أنزلت هذه السلسلة في كتاب؛ هل أنقل ما جاء في الويكيبيديا؟) ورأيك هنا يرجح عدم إدراجها، رغم أهمية المعلومات التي ظننت أنها تفيد القارئ.. صحيح أنها تبتر السرد البسيط من شخصي، لكنها معلومة قد تفيد القارئ لفهم المكان الذي أتحدث عنه ..

مرة أخرى أشكرك جزيل الشكر على هذه الملاحظات القيمة جداً والتي أتت من قارئ حصيف ومثقف، واستفدت منها غاية الإستفادة وسأضعها نصب عيني وأنا أكتب.. ولا تبخل عليّ بأي ملاحظة أو تعليق..

Post: #324
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Kamal Karrar
Date: 09-26-2014, 00:12 AM
Parent: #323

أخي أبا حفص سلمه الله،

تحياتي ومعذرة لعدم ردي والذي مرده أمران...

انشغال عادي في الحياة..

انني سوف أكتفى بما قلت ردا على الملاحظات دون أن أنسى شكركم بتفضلكم علي بكلمات طيبات في حقي..

وكل ما أستطيع أن أقوله والله ما قلت ذلك إلا محبة وإعجابا بسردك الجميل...

وكما قلت أخي إرضاء كل الناس غاية لاتدرك...

ولا يدخلن قلبك ريبة من أستخدامي عبارة "خادش للحياء"... فهي على كل حال عبارة نسبية...

قد تكون وقد لا... فهي لم تقسر قسرا إنما جاءت في سياق طبيعي.. إلا أنني رأيت ما رأيت من شأن استخدامها

ولكن ليست هل كل ما في الأمر... فلنتجاوزها لمتعة السرد...

مع أطيب تحياتي

Post: #325
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-29-2014, 03:25 PM
Parent: #324


من مداخلات الفيس بوك أسفل الصفحة:
Quote: العزيز عمر حسن غلام الله يا اخى لى اكثر من شهر وانا ابحث فى مقالات ولم اجدها الى اليوم منذ عودتى من الاجازة ولكن الحمد لله اليوم قرأت ما تبقى مما لم اقرأه سابقا بالجد كتابة جميلة جدا وانا من المعجبين بهذا النوع من السرد خاصة ما يكون به بعض التكرار لان الكثيرين منا قد لايتذكر ما قرأه سابقا بشكل كامل ولكن بتكرار بسيط لبعض ماث سابقا يجعلك تتذكر صفحات قرأتها ولكن قد تكون نسيتها ولذلك السرد الممتع لابد من ان يكون هنالك بعض التكرار غير الممل خاصة وان هذه ذكريات من واقع الحياة وليست قصة من خيال او رواية بالنسبة لاشاراتك الى بعض الاشياء بكل وضوح افتكر ليس فيها شئ بالعكس هكذا تكون الذكريات . على كل السرد غاية فى الامتاع وارجو ان لا تنقطع طويلا وياليت لو ضمنته فى كتاب باسم ذكريات ابن بطوطة من طنجة الى جاكرتا يكون اجمل ولا تنسى ان تهدى لى نسخة لاننى من مدمنى الذكريات الجميلة خاصة فى الزمن الجميل . تحياتى ولك التوفيق د. محمد


الأخ العزيز الدكتور محمد أبو ضامر فضل الله (أرجو أن أكون قد كتبت إسمك صحيحاً)

جزاك الله خيراً على اهتمامك ومتابعتك لما أكتب.. وبحثك لأكثر من شهر عن مقالاتي راجع لتوقفي عن مواصلة السرد، فقد كنت أيضاً في إجازة في السودان، ولم أدخل للمنتديات لقرابة الشهر وأسبوع..

وأشكرك على رأيك فيما أكتب، فقد أثلج صدري، ومداخلتك أيضاً أسعدتني.. فرغم أنني ألاحظ عداد القراء الذي ينبئني بأن هناك ما يفوق الثلاثمائة قارئ يتابعون ما أكتب يومياً، إلا أنني كنت أود أن أعرف آراءهم وملاحظاتهم، وقد تفضل أخي كمال كرار بملاحظات هامة ومفيدة لي، وقد فعلت أنت كذلك يا دكتور محمد..

بالنسبة لإشاراتي بكل وضوح لبعض الأشياء؛ فكم ترددت قبل أن أرسل المشاركة التي بها مثل هذه الأشياء.. فقد تجرح مشاعر بعضهم رغم أنني أغلفها دوماً بأغلفة المواربة أو المداراة.. ومما شجعني على إرسالها بوست (تيموليت المغربية) المذكور أعلاه.. فكما أسلفت فإن ما أكتب مقارنة بما جاء في ذلك البوست لهو مؤدب ومهذب جداً.. ومع ذلك فطبعي الحساس (الذي أمرضني) يدفعني لمعالجة ما جاء في ملاحظة أخي كمال كرار..

فكرة جمع هذه المذكرات في كتاب زودني بها قارئ من قراء موقع منتديات ود مدني دوت كوم، ومنذ ذلك الوقت وأنا اجتهد لأنزل الفكرة الى حيز التنفيذ.. وبالفعل في زيارتي الأخيرة للسودان، و في مدني بالتحديد مررت على مطبعة الجزيرة وأخذت فكرة عن الطباعة بها وتكاليفها، وإن شاء الله اجتهد في انجازه.. وسيكون لك نسخة بإذن الله..

Post: #326
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 09-30-2014, 12:03 PM
Parent: #325


الحلقة 256

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (3)

بعد وصولي إلى جدة ما زالت قصة السوداني المتزوج مغربية في العراق تؤرقني.. وذات يوم كنت خارج البيت وكان اخي قمر الدولة موجوداً فرن جرس الهاتف فسألته المتصلة عني وعن موضوع تلك الأسرة السودانية/ المغربية الغائبة، وقالت له أنها تتصل من أوروبا- نسيت اسم الدولة- بهذا الخصوص لأنهم منظمة تهتم بهكذا مواضيع، ولا أذكر إن كانت قد أخذت الخبر من ART أم من مجلة سيدتي.. المهم لم يأخذ اخي اسمها ولا هاتفها ولم تتصل هي مرة أخرى..

حكيت لزميل لي في شركة دله عن الموضوع فأخذني الى موظف في القنصلية السودانية بجدة فطلبت منه أن أنشر إعلان في لوحة إعلانات القنصلية لعل أحدهم يتعرف على عادل، وبالفعل كتبت الإعلان:

إسم الشخص المختفي: عادل ....- سوداني
اسم زوجته المختفية: زهرة .... – مغربية (والدها ......... احمد مقيم بالدار البيضاء بالمغرب
انقطعت اخبارهم من العراق منذ حرب الخليج الثانية عام 1990 حيث كانا يقيمان ويعملان
تركوا ابناء بالدار البيضاء بالمغرب يقيمون مع جدهم المذكور، وهم:
- ياسر ومشاعر (تؤام) مولودان في العراق عام 1986م تقريباً
- أمل مولودة في المغرب عام 1989م تقريباً
إخوة عادل بالسودان:
- أخ اسمه غير معروف- صاحب الصورة
- اخت: كوثر .... (صاحبة الصورة)
- اخت: أميرة
- أخت: مشاعر
عنوان الأولاد بالمغرب:
شقة 3 عمارة 3 زنقة 27 شارع الفدا- الدار ا لبيضاء- المغرب
تلفون: ....
يرجى من ذوي السيد عادل بالسودان الاتصال برقم التلفون المذكور لتفقد الأطفال، وإن كان لديهم أي معلومات إضافية.
عنوان المرجع بالسعودية: عمر حسن غلام الله- مدينة جدة
تلفون عمل:........ من الساعة 9 صباحاً - 5 مساء
تلفون منزل: ....... من الساعة 6 مساء – 12 مساء

وقد وعد الموظف في السفارة ان يعمل تحرياته في السودان أيضاً.. وفي اليوم التالي لنشر الإعلان اتصل بي ذلك الموظف وأعطى السماعة لشخص قال إنه يعرف المذكورين، وأفاد بأنهم بعد إندلاع حرب الخليج غادروا العراق واستقروا في الأردن ثم غادروه للسودان.. ثم اتصل موظف السفارة بي مرة أخرى في يوم آخر واعطاني السماعة لأكلم شخص آخر قال نفس المعلومات وزاد أنهما كانا في مدينة الرزقاء بالأردن ولتأكيد معرفته بهما وصفهما وصفاً دقيقاً حيث أشار الى قصر في ساق زهرة، وقد كان محقاً، بل قال إن عادل من مدينة شندي.. وقد قادت تحريات الموظف بالقنصلية الى عنوان لعادل في شندي وهاتف قريب له في الخرطوم.. فأسرعت وكتبت خطاباً الى عباس وداعة وأرسلته بالفاكس على الدار البيضاء ليبشر اسرة لرشداوي بأن ابنتهم وزوجها على قيد الحياة، ونص الخطاب:

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #327
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-13-2014, 04:48 PM
Parent: #326


الحلقة 257

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (4)

ونص الخطاب:

((الأخ العزيز عباس وداعه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

بالإشارة إلى موضوع السوداني المتزوج من مغربية في العراق، فقد قمت بنشر صور عادل واخوته في السفارة السودانية فاتصل عدة أشخاص تعرفوا عليهم، وخلاصة المعلومات أن عادل وزوجته زهره على قيد الحياة وفي السودان وأنجبوا بنتاً أخرى هي معهم الآن، سارع واتصل بأهل زهرة وخذ البشارة منهم – وما تنسى نصيبي.

لكن الأغرب من الخيال أنهم على قيد الحياة ولم يتصلوا بأهلهم في المغرب أو يطمئنوا على أولادهم هناك، ويبدو انهم غادروا العراق مع بدء الحرب، واستقروا في الأردن ثم رحلوا إلى السودان، وقد ذكر أحد المتصلين- بعد قراءته للإعلان في السفارة- أنه شاهد عادل وزوجته في الأردن ما بين يناير وأبريل هذا العام.. لكن اثنين من المتصلين أكدوا وجودهما في السودان ما بين شندي والخرطوم، وعنوانهما في شندي: مصنع النسيج الحكومي- نور ... ومنه ل حاتم - مربع ....، أو بواسطة محمد ....– السوق – شندي. وعنوان الخرطوم: المحامي عوض تلفون ..... أو بواسطة احمد – المباحث- امدرمان – هاتف ......

وأرجو أن تبلغ محجوب البيلي وصلاح الأحمر بأن لا يعملوا الريبورتاج في المجلات لأنه لم يعد ثمة مبرر لذلك، وكذلك بلغ أبو سن القنصل السوداني في المغرب بذات المعنى.

تحياتي للجميع وتقبل تحيات الجميع،

وتفضلوا بقبول خالص التحية،،،

عمر حسن غلام الله))

وبالفعل ذهب عباس وداعة الى العم أحمد وأخبره بالخبر السار.. فأرسل الأخير إليّ رسالة بالبريد على الظرف من الخارج ختم الدار البيضاء مؤرخ في 17/11/1997م ومضمون الرسالة التي احتواها الظرف كالآتي:

((البيضاء في 17-11-1997

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله

تحية طيبة وخالصة وأشواقي حارة من صميم الفؤاد
إلى الأخ والحبيب عمر حسن غلام الله
أما بعد؛

تحيات أسرة زهرة لك وهي تحمل كل الحب والمودة.
أخي عمر لا تكفي العبارات أو السطور على التعبير والمحبة التي نحملها لك في قلوبنا
لقد فعلت شيئاً لا ينسى أبداً وخيراً كبيراً في العمل الذي قمت به للبحث عن زهرة وزوجها
لك منا كامل المحبة ونحن شاكرين لك هذا المعروف
لقد اتصل بنا الأخ لم أعد أتذكر أسمه (القاضي) وأبلغنا بالنبأ العظيم وهو وجودهم في السودان وعلى قيد الحياة والفضل كله يرجع لك ولشهامتك الرجولية.
أخي عمر لست أدري كيف أعبر لك عن فرحتنا وسرورنا.
وأخيراً وليس بيننا أخير في انتظار رسالة منك لكي نطمئن عن صحتك وصحة الأسرة الكريمة.
سلامنا كل واحد بإسمه لك ولجميع أفراد اسرتك.
ومرة أخرى لك جزيل الشكر على العمل الذي قمت به.

امضاء: محمد رشداوي

ملاحظة: (تعازينا لك عن المرحوم عمك)
إنا لله وإليه راجعون
ونحن جد متأسفين عن وفاته))

ثم مرّ زمن على ذلك الحدث فطلبت في قت لاحق من عباس الذهاب إليهم مرة أخرى والاستفسار عما صار بعد ذلك، فوجدهم قد ارتحلوا من البيت ولم يعرف احد مكانهم الذي انتقلوا إليه.. ثم وأنا أفتح بروفايل الأخ عمر عبد السلام صاحب بوست (نداء عاجل إلى الذين تسللوا الى جامعات فاس)، فقرأت عنواناً لأحد بوستاته لفت نظري، ففتحته فإذا به يتحدث عن تلك المأساة لهذه الأسرة المنكوبة، وكيف أنهم كتبوا موضوع عنه في الصحف السودانية والذي أدى الى العثور على هذه الأسرة في السودان وتوصيلها هاتفياً بالأولاد في المغرب، وعلمت من البوست بوفاة العم لرشداوي اسأل الله تعالى بمنه وكرمه ان يجعله من أصحاب اليمين ويرزقه الجنة بغير حساب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله


Post: #328
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-14-2014, 02:44 PM
Parent: #327



من مداخلات الفيس بوك أسفل الصفحة، ومن الأخ الدكتور محمد أبو ضامر فضل الله أيضاً

Quote: واضيف تعليق اخر بجد انا كلما اقرا ذكرياتك هذه ياتينى هاجس بان هذا الاسلوب الممتع لقد صادفنى من قبل ولكن لا اذكر ولكن بعد قرأتى لحوارك مع الشاعرة تاكدت بان الاسلوب اقرب الى جارسيا ماركيز حيث الابداع الصريح فى الكتابة . انت مشروع كاتب جيد ولذلك ارجو الاستمرار مع قليل من ترتيب الاحداث.


ياخي أديتني مكانة تخلي راسي يكبر ساكت.. جارسيا ماركيز عديييييل كده!

أشكرك جزيل الشكر على وصفك الجميل لما أكتب.. وعلى المداخلة والمتابعة..

معليش ما انتبهت للمداخلة التانية دي إلا مؤخراً، حيث كانت مختبئة تحت الأولى..

Post: #329
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-14-2014, 03:02 PM
Parent: #328



الحلقة 258

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (5)

قبل سنة أو سنتين- وأثناء تصفحي بروفايل أخينا عمر عبد السلام صاحب بوست (إلى الذين تسللوا الى جامعة فاس المغربية- نداء عاجل) في موقع سودانيز أونلاين- وعمر عبد السلام خريج المغرب ويعمل هناك حالياً كصحفي في جريدة الشرق الأوسط- أثناء تصفحي لبروفايله في سودانيز اونلاين لفت نظري عنوان بوست آخر في مكتبته يعود تاريخه لعام 2008م بعنوان (مأساة أسرة سودانية: ابحثوا معي عن والد "مشاعر").. وجاء في أول البوست ما يلي:

((اليوم عدت بعد زيارة لإستخراج وثائق لإبني من السفارة السودانية بالرباط، وحملت معي مأساة درامية تبدو كفيلم هندي، ولكنها قصة حقيقية ماساوية بمعنى الكلمة
كنت جالسا في صالة الإستقبال مع بعض المراجعين، كانت بينهم فتاة نحيفة ضئيلة الحجم ملامحها مغربية ولكن، لاتخفى على العين وجود بصمة سودانية في وجهها بالرغم من لكنتها المغربية الكاملة
بدأالنقاش معها من طرف الجالسين بعد ان طلب منها موظف بالسفارة ان تكتب طلبا عن موضوعها، فبدت تائهة ومترددة لشح المعلومات لديها فبدات بالسؤال عن بعض الجزئيات
وهنا حكت قصتها الغريبة المحزنة :
اسمي مشاعر عادل....... ، ابى سوداني من مواليد مدينة شندي ، وامي مغربية تزوج بها وكان حينها يعمل في العراق
وعندما اندلعت حرب الخليج التى اخرج خلالها جيش صدام من الكويت

اضطر الأب السوداني ، ان يخرج عائلته من العراق وكانت وقتها تضم الى جانب زوجته المغربية: مشاعر وتوأمها { ياسر } وسنهما وقتها 3 سنوات، وطفلة رضيعة تبلغ من العمر سنة واحدة تدعى { امل }
جاءت الأسرة للدار البيضاء بالمغرب حيث منزل جد مشاعر وجدتها
لم يرق الحال للوالد عادل البقاء في المغرب لصعوبة الحصول على عمل ، فقرر ان يعود للسودان اولا ومن ثم البحث عن مخرج آخر،وقررترك اولاده مؤقتا مع جدهم وجدتهم، وبالرغم من صغر سنهم، قررت الأم هي ايضا مرافقة زوجها الى السودان بعد ان قضوا بضعة اشهر في المغرب

وبعد وصول عادل وزوجته للخرطوم حسب ما ذكرته { مشاعر } نقلا عن جدها قبل وفاته، انه لم تصلهم اي رسائل منهما، فتكفل هو وجدتها برعايتهم

وتكتمل المأساة، فبعد سنوات قليلة توفي الجد والجدة في فترة متقاربة، ووجد الأبناء انفسهم امام وضع صعبا للغاية لقلة اقرباء العائلة، فتولت جارة قريبة من والدتها باحتضان { مشاعر واختها أمل } في منزلها { ولا زالتا تقيمان معها }، اما اخوها التؤام { ياسر } لإنقطاعه عن الدراسة ووضعه المادي الصعب، لجأ الى مؤسسة خيرية بالدار البيضاء، توفر له المأوى، وكان خلالها بعد أن شب عوده، يقوم ببعض الأشغال الهامشية و يقدم ما زاد عن حاجته من أموال لشقيقتيه

اما { مشاعر} بفضل مساندة جارة امها، واصلت دراستها الى مرحلة الشهادة الثانوية { البكالوريا } ولكن لم تستطع اجتياز الإمتحان لعدم حصولها على بطاقة الإقامة لأنها تعتبر اجنبية من والد سوداني، وهي شرط اساسي لدخول الإمتحان
وكانت قد بلغت سن 18 سنة، فاضطرت للبحث عن عمل بوضعية صعبة لعدم توفرها على وثائق رسمية

وقبل سنتين بنصيحة من جارة امها جاءت للسفارة السودانية بالرباط بقصد الحصول على وثيقة جنسية ثم جواز سوداني، ولكن منذ ذلك الحين ظلت تتصل هاتفيا بسكرتيرة السفارة للسؤال اذاكان جواز سفرها قد وصل، فكانت الإجابة دوما لم يصل بعد، فقد ذكرت ان قلة الوثائق التى ارسلت مع طلب الجواز ربما اعاقت حصولها عليه

ولظروفها الماديةالصعبة ، كانت تتردد عن المجئ للسفارة، ولكن بعد صدور قانون جنسية جديد في المغرب يمكن الأبناء من اجانب وام مغربية الحصول على الجنسية المغربية، جاءت عسى ان تقوم باجراء عن طريق السفارة يمكنها من الحصول على بطاقة مواطنة مغربية

ومن خلال ماعرضته امام الحاضرين في صالة السفارة من وثائق تركها والدها في المغرب من ضمنها، بطاقة عمل في العراق، ورخصة قيادة صادرة في تركيا تحديدا في مدينة اسطنبول حيث يبدو انه كان قد عمل هناك لفترة
بالفعل عرضت علينا مشاعر وثائق رسمية تحمل صورة الوالد عادل وملامحه السودانية ، وكتب عليها ايضا جنسيته السودانية

السؤال الذي لم تجد مشاعر اجابة له: لماذا لم يحضر او يتصل الأبوان من السودان وتركا فلذات كبدهما في الدار البيضا.. الان هم ليسوا بسودانيين ولا هم بمغاربة لعدم توفرهم على اي مستندات رسمية ... ماذاحدث لهما؟ هل لا قدر الله، توفي أحدهما وقرر الآخر نسيان امر الأبناء، أم الأثنان معا { الأب والأم } فارقا الحياة دون ان يأتي احد للسؤال عنهم من اسرة الأب في السودان ؟؟))

.. لبوست عمر عبد السلام بقية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #330
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-15-2014, 05:47 PM
Parent: #329


الحلقة 259

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (6)

مواصلة لبوست عمر عبد السلام:

قبل قليل اجريت اتصالات مع بنتنا مشاعر، فهي ما شاء الله بالرغم من مأساتها، ولكن يبدو انها تتمتع ما شاء الله بذكاء وقدرة على تحمل المسؤولية، فقد ابدت نشاط وحيوية لحل موضوعها بالرغم من ظروف عملها الشاقة في القطاع الخاص والذي يجبرها للعمل من الصباح حتى المساء ما عدا يوم الأحد فهو اليوم الوحيد كما ذكرت لى انها يمكنها ان تاتي لي بصورعائلتها، ولكن من جانبها سارعت الى انشاء ايميل خاص بها ويمكنها مؤقتا أن ترسل لي ولكم الصور عن طريقه، وهو الأمرالذي وعدتني اليوم بانجازه،
ايميل بنتنا { مشاعر} كالتالي : .........

كما ان الجالية السودانية -التي ليس لها علم بهذه القصة المحزنة - ستبدأ بدورها التحرك لمساعدة ابنتنا مشاعر، وهاهوالأخ / صلاح الأحمر، عضو المنبر ومجلس الجالية، اكد على البورد ذلك مشكورا، ونتمنى ان تنفرج ازمة مشاعر واخوتها في اقرب وقت ويتلم الشمل ان شاء الله.. وهذ ايميلي الخاص للتواصل مع الأخوة خارج المنبر ............

يبدو ان ازمة ابنتنا مشاعر واخوتها ستزداد تعقيدا اذا لم تجد حلا في القريب العاجل..
اليوم اتصلت بي صباحا من الدار البيضاء، واخبرتني انها امس في سبيل محاولتها استخراج مستندات لإكتساب الجنسية المغربية عن طريق الأم الغائبة، واجهتها عقبة كبرى، اذ طلب منها الموظف المسؤول، نسخة مصادق عليها من عقد الزواج بين والدها وامها .. واسقط في يدها، فهي لا تملك هذا العقد ولا صورة منه.. واخبرتني، يائسة، انها ستاتي مضطرة للسفارة السودانية بالرباط بالرغم من ظروف عملها الشاقة في محاولة للحصول على شهادة منها تؤكد العلاقة الزوجية بين ابوها وامها كبديل عن عقد الزواج الذي لدي الوالدين.. ولا ادري هل ستجد حلا لهذه المشكلة في السفارة السودانية؟

ويتواصل بوست عمر عبد السلام

بشرى سارة
لقد وجدنا والدي مشاعر في السودان وكلمت الأب شخصيا

الحمد لله كللت جهودكم ايها الكرام بالمنبر بجني اول الثمار

منذ امس كانت الأحداث تتلاحق.. وباتصالين من مشاعر بدات تنجلى الصورة

كلمتني انه بفضل جهود الأخ الصحفى وجدي كردي وعضو المنبر استطاعت والدة مشاعر من الخرطوم- ونعلن اسمها لأول مرة { زهرة أحمد ........}- ان ترسل رسالة هاتفية لمشاعر بالدار البيضاء تخبرها بانها والدتها ويمكنها الإتصال بها هاتفيا.. وبالفعل بادرت مباشرة مشاعر بالاتصال بالوالدة ومع الدموع وبكاء الوالدة الحار اخبرتها بانها بخير وكذلك والدها ولكن بسببب خلاف اسرى لم يعودا يسكنان سويا.. الأب في شندي حاليا، والأم تقيم في ام بدة.

واليوم صباحا في تمام التاسعة ونصف بتوقيت الدولي التقيت الأبنة مشاعر التي اتت للرباط تحمل معها صورها وصور عائلتها، وبينما نتبادل اطرف الحديث جاء اتصال من الصحفى / وجدي كردي، اكد على المعلومات، ولقاء الأم، وانه قام بفتح بوست خاص يبشر الجميع بهذا الخبر السار، وسعي صحيفته لقيام باجراءات ملموسة للم الشمل، من ضمنها ارسال تذاكر سفر عن طريق فاعل خير لمشاعر واخوتها للسفر للخرطوم باسرع وقت، وقيام السفارة في الرباط باستخراج وثائق سفر اضطرارية لهم، وكذلك التنسيق مع عم مشاعر للم شمل الزوجين اولا ثم الأبناء.

وبعد لحظات من محادثة الأخ كردي اتصل الوالد، عادل شخصيا على هاتف مشاعر وقال لها انا ابوك عادل، ثم بدات مشاعر بأنفعال وبالدمع تسال بعتاب: لماذا تركتنا ولم تسال علينا؟، ويبدو ان الأب لم تكن لديه اجابة فورية المهم طمأنها بان الأمور ستكون بخير.

وتكلمت معه بعد تعريفي لشخصى، واخبرني بأنه متأسف لما آل اليه وضع ابنائه في المغرب لظروف خارجة عن ارادته، فطلبت منه فورا ان يبدأ بخطوة عملية، وهي التوجه لوزارة الخارجية في الخرطوم لمخاطبة السفارة في الرباط لإستخراج وثائق سفر اضطرارية للأبناء. فابدى موافقته وقال انه سيسعى في الأمر فورا..

المهم حاليا انقشع الغمام، واتضحت الرؤية، فلنعمل سويا على اكمال المشوار لسفر الأبناء من المغرب للسودان.
وان شاء الله ستبدأ الجالية هنا في المغرب بأجراءات عاجلة للتخفيف من الظروف المادية السيئة لمشاعر واخوتها الى حين سفرهم الى الخرطوم ونحمد الله ونشكره على ما وصلت اليه جهود الجميع الى هذه الخطوة المباركة.


.. لبوست عمر عبد السلام بقية..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #331
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-16-2014, 01:48 PM
Parent: #330



Quote: أخي أبا حفص سلمه الله،

تحياتي ومعذرة لعدم ردي والذي مرده أمران...
انشغال عادي في الحياة..
انني سوف أكتفى بما قلت ردا على الملاحظات دون أن أنسى شكركم بتفضلكم علي بكلمات طيبات في حقي..
وكل ما أستطيع أن أقوله والله ما قلت ذلك إلا محبة وإعجابا بسردك الجميل...
وكما قلت أخي إرضاء كل الناس غاية لاتدرك...
ولا يدخلن قلبك ريبة من أستخدامي عبارة "خادش للحياء"... فهي على كل حال عبارة نسبية...
قد تكون وقد لا... فهي لم تقسر قسرا إنما جاءت في سياق طبيعي.. إلا أنني رأيت ما رأيت من شأن استخدامها
ولكن ليست هل كل ما في الأمر... فلنتجاوزها لمتعة السرد...

مع أطيب تحياتي


الأخ الفاضل كمال كرار

أرجوك لا تكتفي بما قلت رداً على الملاحظات.. فما زلت أطمع في المزيد منها..
وأعرف يا عزيزي أنك ما قلت ذلك إلا محبة، وهذا من أصلك..

ويا ريت تجيب لي نماذج من الفلاش باك والبلاي باك عشان أعرف مقصودك.. وأعمل على الإستفادة من ملاحظاتك القيمة..

ويا ريت تديني الأماكن التي تم فيها التكرار حتى أحذفه،

مع جزيل شكري وامتناني لك وأمنياتي لك بدوام الصحة لك ولمن تحب

Post: #332
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-16-2014, 02:55 PM
Parent: #331



الحلقة 260

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (7)

مواصلة لبوست عمر عبد السلام:

وتتوالى البشريات

قبل قليل وصلني هاتف من السفارة من المستشار الذي استقبل هذا الصباح { مشاعر } بعد لقاءها معي واخبرني انه قام فورا باتصال بشقيق والد مشاعر في السودان وطمأنهم الأخ بأن الأم بخير، فقط الأب { عادل } يواجه حاليا وضع صحي صعب شوية، وهوالذي عقد امور الأسرة في السودان منذ سنوات طويلة، وان اخت مشاعر التى ولدت في السودان { لنا } تقيم مع عائلة الأب، والام بالرغم من اقامتها في ام مبدة مع الأبن الاخر { احمد } ما زالت تزور العائلة في شندي في المناسبات وهي على وفاق تام مع عائلة الزوج

والمهم في الأمر ان السفارة ستشرع فورا في استخراج وثائق سفر اضطرارية وعمل كل اللازم لسفر مشاعر واخويه للسودان في أقرب وقت
والمهم جدا ان { مشاعر } عادت للدار البيضاء هذا الظهر ومشاعرها وافراحها لا توصف وقالت ستبشر اخوها التوأم ياسر واختها الصغير امل بهذه الأخبار السارة جدا

وارجو من الأخوان في البورد مع ملاحظة الأخ وجدي كردي التي اوردها في البوست الجديد لأهميتها:

(ايوة يا جماعة ما في داعي للعجلة واطلاق الأحكام المسبقة..
والد مشاعر في محنة نسأل الله أن يفك كربتو)

وبالرغم من انني عشت كل لحظات فصولها التراجيدية منذ التقائي الأول بمشاعر ولكن كنت في كل خطوة منها، اكذب نفسي احيانا واقول: هل ما حدث هي واقعة حقيقية أم مشهد مسرحي تراجيدي؟ ولكن للأسف كل ماحدث هو الحقيقة المؤلمة التي لا تقبلها النفس البشرية السوية.. ولقد تعرضت صراحة اثناء متابعتي مع مشاعر للموضوع وحضوري للحظات صعبة خاصة عندما خاطبت ابوها لأول مرة امامي بعد 18 سنة عبر الهاتف، لهزة نفسية قوية، ولكن تماسكت وتمالكت مشاعري حتى اكمل المهمة الى آخرها.. والحمد لله على ما تحقق.. ونتمى ان تعود الكثير من فصول هذه القصة الغريبة الى مجراها الطبيعي.

تصور اكتشفنا بالصدفة الغريبة أن الأبن التوأم لمشاعر، { ياسر } الذي يعيش في ملجا ايتام كان مديره وهو رجل فاضل وهو على وشك ترك وظيفته في الملجأ ، كان يعاني من هاجس، ان يترك ياسر في وضعيته الصعبة تلك، بدون { هوية ووثائق} ولا يدري ما كان سيتعرض له بعد تركه للمسؤولية في الملجأ ، خاصة وهو كان متعاطفا للغاية معه لطيبته واخلاقه العالية بالرغم من الظرف السيئ جدا الذي عاشه في طفولته وريعان شبابه.. و الآن مدير الملجأ بعد أن عرف بان القضية في طريقها للحل ، استبشر خيرا وشعر بأنه سيتحلل من هاجس الخوف على مستقبل { ياسر }

من التداعيات السلبية لهذه المأساة العائلية:

أن الإبن { ياسر } تؤام { مشاعر } { مزركن } في موضوع سفره للخرطوم مع شقيقتيه، بل حتى رافض الحديث عن موضوع والديه تماما
امس كانت { مشاعر } معه في محاولة ثانية لإقناعه بالسفر للسودان، وأثناء وجودها معه، اتصلت الوالدة { زهراء} من السودان وحاولت الحديث معه، ولكنه رفض ان يتحدث مع أمه.. صراحة { الوضع } الذي عاشه { ياسر} خلال السنوات الماضية ،كان أكثر ايلاما من وضعية شقيقتيه، فاحتضان الجارة لهما ، خفف كثيرا من وطأة الحرمان والنقمة على الوالدين، أما { ياسر } يبدو أنه محتاج الى جهد هائل لإعادة تاهيله نفسيا كي يستوعب هذا الوضع المأساوي..
نطلب من أهل الخير كما فعلوا باتصالهم بمشاعر وعبروا عن تضامنهم معها الشئ الذي كان له اثر طيب في رفع معنوياتها، نرجو لو تكرموا بلإتصال هاتفيا بالإبن { ياسر} لإقناعه بالعدول عن موقفه، ويدرك ان شعب السودان جميعه يتضامن معه، وهو غير راض عن ما آل اليه في وضع حرج.. للأسف لا يملك هاتفا خاصا، ولكن زميله المقرب في { الماوى} او ما عرف في المغرب { الخيرية } ويدعي { ابراهيم } يملك هاتف جوال رقمه كالتالي ..........
لعل وعسى ان يستجيب لندائكم مشكورين.

.. وانتهى الإقتباس من بوست عمر عبد السلام..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #333
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-20-2014, 04:28 PM
Parent: #332



الحلقة 261

نواصل ...

مأساة أسرة المغربية المتزوجة سوداني في العراق (8)

مناقشة بعض ما جاء في بوست الأخ عمر عبد السلام

اقتباس:

Quote: كما ان الجالية السودانية -التي ليس لها علم بهذه القصة المحزنة - ستبدأ بدورها التحرك لمساعدة ابنتنا مشاعر، وهاهوالأخ / صلاح الأحمر، عضو المنبر ومجلس الجالية، اكد على البورد ذلك مشكورا، ونتمنى ان تنفرج ازمة مشاعر واخوتها في اقرب وقت ويتلم الشمل ان شاء الله.. وهذ ايميلي الخاص للتواصل مع الأخوة خارج المنبر ............


بل الجالية السودانية في المغرب لها علم بهذه القصة المحزنة.. وكذلك السفارة السودانية.. فكما أسلفت فقد ذهبت للسفارة وأبلغتهم بالحاصل وسلمتهم اسماء الأسرة المنكوبة وعنوان سكناهم وهاتفهم، واخبرت عدة سودانيين مقيمين في المغرب في ذلك العام (1997م) وأذكر منه على سبيل المثال إبن خالتي عباس وداعه في الدار البيضاء الذي كان همزة الوصل بيني وبين أسرة زهرة في الدار البيضاء، كذلك صلاح الأحمر الذي استعد هو ومحجوب البيلي لعمل ريبورتاج في المجلات العربية لهذه المأساة قبل أن أطلب منهما التوقف بسبب العثور على عادل وزهرة في السودان.. كذلك كمال شرف وبقية الزملاء السودانيين الذين درسوا معي بالمغرب وغير الذين درسوا معي..

اقتباس:
Quote: بشرى سارة
لقد وجدنا والدي مشاعر في السودان وكلمت الأب شخصيا
الحمد لله كللت جهودكم ايها الكرام بالمنبر بجني اول الثمار
منذ امس كانت الأحداث تتلاحق.. وباتصالين من مشاعر بدات تنجلى الصورة
كلمتني انه بفضل جهود الأخ الصحفى وجدي كردي وعضو المنبر استطاعت والدة مشاعر من الخرطوم- ونعلن اسمها لأول مرة { زهرة أحمد رشداوي}- ان ترسل رسالة هاتفية لمشاعر بالدار البيضاء تخبرها بانها والدتها ويمكنها الإتصال بها هاتفيا..


غريبه!
كانت هذه البشرى في العام 2008م..


(إلى الأخ والحبيب عمر حسن غلام الله
أما بعد؛

تحيات أسرة زهرة لك وهي تحمل كل الحب والمودة.
أخي عمر لا تكفي العبارات أو السطور على التعبير والمحبة التي نحملها لك في قلوبنا
لقد فعلت شيئاً لا ينسى أبداً وخيراً كبيراً في العمل الذي قمت به للبحث عن زهرة وزوجها
لك منا كامل المحبة ونحن شاكرين لك هذا المعروف

لقد اتصل بنا الأخ لم أعد أتذكر أسمه (القاضي) وأبلغنا بالنبأ العظيم وهو وجودهم في السودان وعلى قيد الحياة والفضل كله يرجع لك ولشهامتك الرجولية.

أخي عمر لست أدري كيف أعبر لك عن فرحتنا وسرورنا.)


وكانت رسالة احمد لرشداوي هذه في 1997م! أين الأحد عشر عاماً التي بين التاريخين؟ ماذا حدث بعد ان عرف والد زهرة بخبر وجود إبنته وزوجها في السودان؟ ألم يكن هناك اتصال بينهم؟ ولا مكاتبات؟ رغم أنني ارسلت لهم ارقام هواتف وعناوين لأكثر من شخص! وإذا لم يكن قد اتصل بهم هاتفياً او كتابياً لسبب او لآخر لكان قد عاود الكتابة اليّ أو الاتصال بقريبي عباس وداعه في الدار البيضاء لتسهيل التواصل مع فلذة كبده التي كأنها جاءته من عالم الأموات الى عالم الحياة!

أم يا ترى قرر- بعد أن استمرا فيما هما فيه- أن يعيد اعتبار أنهما في عالم الأموات ونسي أمرهما ولم يخبر أبناءهم بما صار؟ وحتماً ولابد أن يكون قد بشّرهم بوجود والديهم في السودان حينما أبلغه قريبي عباس وداعه.. فهل يا ترى نسيت مشاعر وتؤامها ياسر واختها امل ما ذكره لهم جدهم عن مآل والديهم؟ لم تكن مشاعر ولا تؤامها بصغار لدرجة انهم لا يستوعبون مصير والديهم، ففي العام 1997م كان عمر التؤام تقريباً أحد عشر عاماً، وأمل ربما اقل من عشر سنوات بقليل! الأمر يبدو غامضاً جداً وغير منطقي؟؟ وقد بذلت جهداً في ذلك الزمان لمعرفة ما حدث بعد خطابي له وخطابه لي فطلبت في قت لاحق- بعد مراسلاتي مع والد زهرة- من عباس الذهاب إليهم مرة أخرى والاستفسار عما صار بعد ذلك، فوجدهم قد ارتحلوا من البيت ولم يعرف احد مكانهم الذي انتقلوا إليه..

اقتباس

Quote: وقيام السفارة في الرباط باستخراج وثائق سفر اضطرارية لهم،


لقد تأخرت السفارة أحد عشر عاماً.. لم يكن مطلوباً في ذلك الزمان الغابر (1990م) حينما اختفى عادل وزوجته في العراق و(1997م) حينما أبلغتهم بتلك المأساة.. لم يكن مطلوباً غير البحث عن عادل وزهرة لتقتصر المأساة على سنة او حتى سبع سنوات بالكثير.. ولكانت الغصة في حلوق هؤلاء قد زالت مرارتها الآن.. ولكان ياسر قد درس ما طاب له من العلم في الجامعات وكذلك مشاعر التي حال دون جلوسها لامتحان البكالوريا عدم وجود اقامة نظامية لها.. ولا ادري عن امل شئ..

هل يحس موظفو سفارة السودان (في العام 1997) بوخز الضمير يا ترى الآن؟ أرجو ذلك.. لأنهم لو احسوه فمعناه انهم لن يتركوا مثل هكذا مصائب دون حل، ومن هم مثل هؤلاء الأيتام ذوي الأبوين الأحياء- في وضع كهذا أبداً!

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #334
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-21-2014, 04:05 PM
Parent: #333


الحلقة 261

نواصل ...

الأردن

بعد عام من زيارتي للمغرب لحضور دورة تدريبية؛ تقدمت للإلتحاق بدورة أخرى في الأردن ينظمها مركز التدريب بالأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، وبعد القبول في الدورة وإنهاء إجراءات تأشيرة الخروج والعودة وكذلك تأشيرة الدخول للأردن- وقد حرصت ان تكون متعددة حتى اخرج من الأردن الى سوريا وأرجع للأردن- وعمل حجز الطيران وكذلك حجز الفندق في عمان بمساعدة مكتب شبكة art في الأردن، سافرت من جدة الى عمان بالطائرة بتاريخ 18 سبتمبر 1998م، حيث هبطت في مطار عمّان وبعد ختم جوازي بختم الدخول وأخذ متاعي غادرت المطار بتاكسي الى قلب عمان حيث الفندق الذي حجزت فيه..

قضيت الليلة في الفندق ثم في الصباح اتصلت على مكتبنا فأرسلوا لي سيارة الى الفندق، حيث أخذتني الى مقر الشركة فسجلت زيارة لمكاتبنا في عمّان، وقابلت المهندس راضي الخص مدير المكتب، وكذلك مديرة مكتبه فريال الحارس والراحل الدكتور عمر الخطيب الذي كان يقدم برنامجاً شهيراً بعنوان (بنك المعلومات)، وقد عرفت بوفاته الآن من القوقل عندما أردت معرفة اسم البرنامج، فتفاجأت بوفاته التي يبدو انها حدثت منذ زمن طويل 7 ديسمبر2007م عن 77 عاماً حسبما ورد في الويكيبيديا التي فتحتها الآن).. رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة.. لقد كان دمث الأخلاق متواضعاً، وقد تجاذبنا أطراف الحديث مراراً في مقر شركتنا في عمان..

في اليوم التالي أخذت تاكسي من أمام الفندق الى مقر الدورة بمركز التدريب، وكانت مديرة المركز هي الأستاذة إيمان غزاوي واستاذ الدورة هو حنا قاقيش وهو مسيحي كما يبدو من اسمه.. وكان معنا بالدورة شابان من سلطنة عمان، وكانا يدرسان في نفس المركز في دورة مصرفية مطولة- ربما مدتها سنتان- وقد تمت دعوتهما لتكوين عدد مناسب في دورتنا هذه التي أيضاً تم ترتيبها بناء على تقدمي للإلتحاق بدورة تدريبية.. كذلك كانت هناك ليبية.. وبالإضافة الى العمانيين والليبية كان هناك مجموعة من الأردنيين والأردنيات أضافوهم كذلك ليكملوا بهم الدورة.. وقد كان الدكتور حنا رائعاً في تدريسه وفي اخلاقه وفي أريحيته، وقد كان يدرسنا كل المواد.. وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الإدارة العامة في الجامعة الهندية سنة 1980، عمل باحث ميداني في معهد الإدارة العامة سنة 75، وأصبح نائب المدير العام في معهد الإدارة العامة وقت دورتنا تلك.

وفي مركز التدريب لم ييخلوا علينا بخدمة الاتصال الهاتفي بالسعودية حيث كنت اتصل بأسرتي في جدة للإطمئنان عليهم.. وكانت الدورة تتخللها فترات راحة يقدمون فيها الوجبات الخفيفة والمشروبات الباردة والساخنة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #335
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: مختار البكري
Date: 10-22-2014, 04:03 PM
Parent: #334

الأخ الفاضل الصامد عمر غلام الله
لك التحايا والود الجميل
لقد سرني أنك ما زلت مواصلاً هذا المشوار الجميل ، وإن منعتنا بعض الظروف من
المشاركة خلال الشهور السابقة إلا أننا بين الفينة والأخري حضوراً وقراءً لما تكتب
والجميل في الأمر عندما تكتمل الحلقات ، ويساعدنا الزمن فاننا سوف نجدهذا البوست
محفوظاً في مكان أمين ، ويومها تتم القراية برواقة . خاصة تلك المواقع التي تتحدث
فيها عن المغرب الحبيب ، وأنا مثلك قد زرت نفس المواقع والمدن التي تشير إليها دائماً
في كتاباتك ، وكانت رحلاتي مع بعض الأصدقاء أذكر منهم الأحباب مصطفى أحمد عبد الرحمن
ومزمل بخيت وعبد المنعم الصديق شلعي ، ولذلك كثيراً ما أجد نفسي بين السطور ، ويعيد لنا
ذلك ذكريات الحب القديم المتجدد دوماً الخالد أبداً لتلك الربوع ما بقيت الحياة . لقد أرسلت
لك أخي العزيز رسالة بعد رحيل الوالدة إلى روضات الجنان بأذن الله ، وأتبعت تلك الرسالة بمحاولة الإتصال
بكم تلفونياًولكن لم أتمكن من سماع صوتكم يومها، ونسأل الله أن يمنحكم أجر الصابرين ويجعل مقاها
بجوار المصطفى عليه أفضل الصلاة والتسليم . وفي الختام واصل المشوار ، ونسأل الله أن يجمعنا
كما جمعنا الأخ الفاضل عمر عبد السلام عبر بوست فاس ليلتئم الشمل من جديد . ودم في حفظ الله ورعايته
أخوك
مختار البكري
الولايات المتحدة

Post: #336
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-22-2014, 05:19 PM
Parent: #334



الحلقة 262

نواصل ...

عمان

نظم مركز التدريب للدارسين زيارة ميدانية لمصنع اسمنت يقع خارج عمان، وقد فوجئت بالتقدم التكنولوجي في هذا المصنع، فقد كان يستخدم نظام الـ Paperless office – لا تنسوا أن ذلك كان في العام 1998 وفي الأردن التي ليست دولة بترولية، بل كما قال لنا استاذنا حنا قاقيش رداً على سؤال أحد الدارسين عن مصادر الدخل للأردن: (الشحده)! أي ان مصادر الدخل للأردن هي من امريكا في شكل مساعدات.. ومع ذلك كان مصنع الأسمنت في قمة التكنولوجيا، فإذا وصل بريد ورقي يستلمه مكتب الوارد ويعمل له مسح (scan) ليدخل في الكمبيوتر وعبر الكمبيوتر يرسل الى الشخص المعنون له الخطاب، وعندما يقرأ هذا الشخص الخطاب في الكمبيوتر ويريد ان يوجهه لموظف آخر يسحب ورقة صفراء لاصقة (yellow pad) اليكترونية ويكتب عليها تعليقه ويلصقها (إليكترونياً) على الخطاب ويرسله للمعني، وهكذا يظل الخطاب يتنقل من موظف لآخر عبر الشبكة الإليكترونية الى أن يصل لمرحلة الأرشفة، ولديهم غرفة بها شرائط كبيرة الحجم نسبياً وتشبه شريط الفيديو الصغير، كان هذا النمط يعجبني وكم وددت ان يعمم على دول اخرى.. وهأنذا في السعودية وفي شركة عملاقة ولكن للأسف ما زلنا نتعامل بالورق حتى الآن ونحن في العام 2014م..

كنت بعد الخروج من مقر الدورة بعد المحاضرات اتمشى في الشوارع القريبة من مقر الدورة أو القريبة من الفندق، وقد لاحظت أن عمان نظيفة وجميلة وحديثة ومبانيها فخمة مقارنة بسوريا، وسياراتها جديدة او شبه جديدة، وكذلك التاكسي فيها نظيف وشبه جديد.. وكنت أتعشى في المطاعم التي لاحظت ان بعضها يشتغل فيه مصريون، وكانت المعيشة اعلى قليلاً من السعودية.. وذات مرة وانا راجع الى الفندق بتاكسي هبطت قرب الفندق وحاسبت السائق فقال لي (لو بدك شئ) فشكرته واعتقد انه كان قد عرض علي سهر في ديسكو او كازينو او شئ من هذا القبيل او ربما كان يعرض بضاعة من الرقيق الأبيض..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #337
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-26-2014, 04:44 PM
Parent: #336


الحلقة 263

نواصل ...

المدرج الروماني

وقد زرت كذلك المدرج الروماني في العاصمة عمّان حيث التقطت صوراً في مواقع مختلفة منه، وهو مسرح أثري بناه الرومان قبل آلاف السنين، ويقع في الجزء الشرقي من العاصمة الأردنية عمّان، وبالتحديد على سفح جبل الجوفة على أحد التلال المقابلة لقلعة عمان. تشير كتابة يونانية موجودة على إحدى منصات الأعمدة إلى أن هذا المدرج قد بُني إكراماً للامبراطور مادريانوس الذي زار عمان سنة 130م.

000003-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي يشير الى كتابة في أحد قطع الأعمدة الموجودة بقرب المدرج الروماني، ربما كانت تلك الكتابة هي المشار إليها أعلاه، والواردة في نبذة مقتبسة من الويكيبيديا.. مع ملاحظة أن المدرج (روماني) والكتابة (يونانية) كما ذكرت الويكيبيديا أعلاه!

000005-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في تلة عالية تطل على المدرج الروماني- على يمينك- وعلى الساحة التي بها الساعة التي ربما هي ساحة الفورم - على يسارك، وتبلغ مساحتهما معا ما مجموعه 7,600 متر2 ويعود تاريخ بنائهما على الأرجح إلى القرن الثاني الميلادي وتحديدا بين عامي 138م و161م إبان عهد القيصر أنطونيوس بيوس.


000086-1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي- مشار إليه بالسهم الأحمر- داخل ساحة المدرج الروماني..

استعمل المدرج الروماني للعروض المسرحية والغنائية. بسبب جودة نظام الصوت فيه، يستعمل لغاية اليوم أحيانا للعروض الفنية. يتسع المسرح لـ 6,000 متفرج، ويعتبر إلى يومنا هذا أكبر مسرح في الأردن. أمام منصة المسرح التي يعلوها الفنانون، هناك مكان معين في وسط المسرح يستطيع المتفرجون سماع الصوت الصادر منه بطريقة واضحة في جميع مدرجات المسرح . المدرجات مقسمة إلى 44 صفا، في ثلاث مجموعات رئيسية. كانت مجموعة الصفوف الأولى تستعمل لعلية القوم وكبار الشخصيات، بينما كانت مجموعات الصفوف الثانية والثالثة مخصصة لباقي الشعب.

وهناك غرف خلف منصة المسرح، يستعملها الفنانون لتغيير ثيابهم وللتحضير للظهور أمام الجمهور. كان يبلغ علو بناية منصة المسرح الأصلية حوالي ثلاث طوابق، أي أعلى من الأعمدة في ساحة الفورم. كان هناك معبد صغير في أعلى المسرح، منحوت في الصخر، كان به تماثيل للآلهة الرومانية.

000083-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في الساحة التي بها الساعة - ربما ساحة الفورم- وتبدو في الخلفية بعض البيوت المبنية على تله..

هناك متحفان صغيران اليوم على جانبي المسرح، متحف الحياة الشعبية ومتحف الأزياء الشعبية. الأول يحكي تطور حياة سكان الأردن واستعمالهم للأدوات والأثاث على مدى القرن السابق، وخاصة حياة الريف والبدو. المتحف الثاني يتناول مواضيع أزياء المدن الأردنية والفلسطينية التقليدية والحلى وأدوات التزيين التي تستعملها النساء.


000076-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي بين عمودين ضخمين قرب المدرج الروماني..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #338
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-27-2014, 05:27 PM
Parent: #337


الحلقة 264

نواصل ...

المدرج الروماني - ملحق الصور

2.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


من التلة التي يوجد بها المدرج الروماني أقف ويبدو جانب من مدينة عمّان

000078.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي بقرب العمودين العملاقين في منطقة المدرج الروماني

000084-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام بعض الأعمدة الأثرية المكسورة في منطقة المدرج الروماني

000088-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في المدرج الروماني

000085-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي جالس في ساحة المدرج الروماني ويبدو كثير من السياح الأجانب في المدرج

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #339
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-28-2014, 04:52 PM
Parent: #338


الحلقة 265

نواصل ...

المدرج الروماني - ملحق الصور 2


000089-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي في أعلى المدرج الروماني

000090-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أتفرج على مسرحية.. من القرن الثاني الميلادي!

000091-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


بجوار منطقة المدرج الروماني

000094-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في جانب من المدرج الروماني

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #340
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 10-30-2014, 03:44 PM
Parent: #339



الحلقة 266

نواصل ...

المدرج الروماني - ملحق الصور 3

000096-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


جلسة ما منظور مثيلا.. في التلة التي بها المدرج الروماني.. وعمّان تبدو من عل .. منظر بهيج..

000097-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام بقايا أعمدة أثرية في منطقة المدرج الروماني

Jordan1.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ما زلت بمنطقة الآثار بعمّان- الأردن

000087-3.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


في المدرج الروماني.. السهم الأحمر يشير الى شخصي

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #341
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-02-2014, 03:06 PM
Parent: #340


الحلقة 267

نواصل ...

كهف أهل الكهف

مديرة مكتب المهندس راضي الخص الأستاذة فريال الحارس ساعدتني كثيراً في تحديد الأماكن السياحية التي يمكن أن أزورها، وكذلك بتوفير سيارة بسائق، وقد كانت زيارة كهف أهل الكهف في ضاحية عمان من ضمن تلك الزيارات الهامة، وقد وصلنا الى تلك المنطقة شبه الصحراوية حيث قادتنا لوحات إرشادية منصوبة في الطريق الى موقع الكهف.. وليس بعيداً عن شارع الأسفلت وصلنا الى الكهف حيث لاحظنا أنه خارجه يوجد قبور عليها كتابة بيزنطية، وفوق الكهف ما يشبه محراب المسجد غير المكتمل حيث لا سقف لهذا المسجد..

000105-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام لوحة عليها كتابة تشير الى الكهف

000098-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام التلة التي يوجد بها الكهف، ويظهر أحدهم على باب الكهف

ثم دلفنا الى الداخل عبر مدخل للكهف عليه باب بمصراع واحد، ووجدنا منطقة خالية قيل أنها التي كان ينام عليها الفتية.. ثم على الجوانب قبور حجرية وفي أحدها كوتان مستطيلتان ترى من خلالهما ما داخل القبر من عظام لموتى.. وعلى هذه القبور كتابة قيل إنها بيزنطية، ولا أدري إن كانت هذه العظام للفتية المذكورين في القرآن ام كانت بقايا موتى بيزنطيين غيرهم.. كذلك نظرنا الى الفتحة التي في أعلى الكهف والتي كان يتجدد هواء الكهف من خلالها..

000099-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي أمام باب الكهف، ويظهر في أعلى الباب محراب المسجد الذي يقع فوق الكهف

وكما جاء في الويكيبيديا فإنه لم يثبت بعد فيما إذا كان هذا الموقع هو المكان الذي اتخذها أصحاب الكهف- ويعرفون بالإنجليزية باسم The Seven Sleepers- ملاذاً لهم بعد هروبهم بدينهم من الامبراطور ديقيانوس.
كما تتعدد المقولات القائلة بأن كهف أهل الكهف قد يكون في تركيا أو سوريا أو اليمن. كما تتعدد الدلائل على وجود الكهف والمسجد الذي أقيم عليه.

وقد اكتشف هذا الموقع جنوب شرق عمّان من قبل عالم الآثار الأردني: محمد تيسير ظبيان سنة 1963م. ويقع هذا الكهف في قرية الرجيب وكان الاسم القديم لهذه القرية هو الرقيم انسجاماً مع الحادثة، وقد حشرت جميع الهياكل العظمية لأصحاب الكهف في منطقة صغيرة، ويمكن رؤية هذه الهياكل من خلال فتحة صغيرة سدّت بقطعة زجاجية صغيرة.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #342
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-03-2014, 02:39 PM
Parent: #341


الحلقة 268

نواصل ...

كهف أهل الكهف 2

000104-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي قرب التلة التي يوجد بها الكهف، ويظهر الكهف وفوقه المسجد..

ظهر في الكهف ثمانية قبور وبالقرب من باب الكهف تم العثور على جمجمة كـلـب (الفك العلوي فقط) وكان حارسهم. كما أن الدلائل التي وجدت في الموقع تشير إلى أن أصحاب الكهف (هذا إذا كان الكهف هو الكهف الصحيح) سبعة من بينهم الراعي، وثامنهم كـلبـهـم، وقد دفن الكـلـب على عتبة الباب حيث كان يحرس، ولم يدفن في القبر الثامن؛ ولا يعلم بعد لمن القبر الثامن.

000093-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أحد القبور داخل الكهف وتبدو خلفية الكهف.. كما تلاحظون فإن في أعلى الكهف توجد الفتحة التي تظهر في شكل بقعة ضوء، وهي الفتحة التي كانت تدخل عبرها الشمس لأهل الكهف.. الصورة من تصويري

وحسب ما جاء في الويكيبيديا أيضاً أنه في عهد الملك ثاؤذوسيوس الصغير وجدت سيرتهم على لوح نحاسى داخل الكهف وعلم انه مضى على وجودهم هناك 309 سنة، ويلقبون في الديانة المسيحية باسم النوّامة السبعة؛ بالإنجليزية (Seven Sleepers).واسماؤهم هي (مكسيموس، مالخوس، مرتينيانوس، ديوناسيوس، يوحنا، سرابيون، قسطنطين).

000101-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


أحد القبور بها كوتان ترى من خلالهما عظام بشرية، ويوجد إضاءة كهربائية داخل القبر.. كما يلاحظ وجود حجر أعلى القبر مكتوب عليه بحروف بيزنطية على ما يبدو، ولكني لاحظت البسملة بالعربي في أعلى اللوحة.. من تصويري أيضاً

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #343
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-05-2014, 03:44 PM
Parent: #342


الحلقة 269

نواصل ...

البحر الميت

من الزيارات التي رتبها لنا مركز التدريب زيارة للبحر الميت، وقد كان برفقتي ثلاثة سودانيين كانوا من ضمن دورة تدريبية للمصرفيين في نفس المركز، وهم يعملون في مصارف بالسودان.. وقد جهز لنا المركز سيارة صغيرة نقلتنا الى البحر الميت عبر طريق صحراوي قاحل، وعند وصولنا إلى شاطئ البحر الميت رأينا بعض الكبائن ونزل صغير ومطعم ومقهى ودكاكين لبيع منتجات البحر من أملاح ولفت نظري ألوان تلك الأملاح، فقد كانت معبأة في زجاجات وفي كل زجاجة ملح بلون من ألوان الطيف.. كما كان هناك بعض التذكارات والصناعات اليدوية مثل قناني الرمل الملون التي تظهر لوحات جميلة من خلف زجاجاتها، وكذلك الميداليات والبطاقات البريدية التي تحمل صوراً للبحر الميت الذي كان يسمى قديما « بحر لوط » هو بحيرة يعتبر سطحها أعمق نقطة في العالم على اليابسة، حيث يقع على عمق 417 متر تحت سطح البحر، وتقع ما بين الأردن، وفلسطين وإسرائيل.. حسبما جاء في الويكيبيديا..

000019-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي والسوداني وبيننا السائق الأردني أمام المباني الإدارية لمنتجع بالبحر الميت.. ويبدو على ملابسنا أثر البلل بعد أن ارتديناها بعد السباحة..

وقد أطلق على هذه البحيرة اسم «البحر الميت» بسبب عدم قدرة الكائنات الحية أو الاسماك على العيش فيه لكون مياهه شديدة الملوحة، فهي تقارب عشرة أضعاف ملوحة المحيطات، وكان في الماضي جزءا من بحيرة واسعة حلوة المياه امتدت على منطقة غور الأردن ومرج بن عامر وصبت في البحر الأبيض المتوسط. وأسفرت التغييرات في علوّ الأرض قبل مليوني عام تقريبا إلى انقطاع الوصلة بين تلك البحيرة والبحر الأبيض المتوسط، فأدى حصر مياه البحر الميت، وتبخر الماء إلى زيادة نسبة الأملاح فيه.

000020-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي ومعي السودانيين ويظهر مبنى كافتيريا وخلفه البحر الميت..

يعتبر البحر الميت من مناطق السياحة العلاجية الأكثر نشاطا في المنطقة حيث يقال أن الأملاح الموجودة به تشفي كثيرا من الأمراض الجلدية مثل الصدفية والحساسيات الجلدية المتنوعة، وأيضا يعتبر من المراكز الاقتصادية التي تبنى عليها كثير من الصناعات مثل مصانع الملح ومصانع المستحضرات التجميلية والعلاجية، وقد أقيمت الكثير من المنتجعات على كلا شاطئيه الشرقي والغربي. وقد رشح ليكون أحد عجائب الدنيا الطبيعية في نطاق البحيرات.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #344
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-06-2014, 05:07 PM
Parent: #343



الحلقة 270

نواصل ...

البحر الميت 2

ثم رأينا بالعين المجردة عبر البحر في الجهة الأخرى اسرائيل، حيث لم تكن المسافة طويلة بين الشاطئين.. ثم خلعنا ملابسنا الخارجية ونزلنا الى مياه البحر الميت بعد أن حذرنا بعضهم ألا نترك الماء يصل الى عيوننا.. حيث ان الملوحة العالية في الماء تتلف العين..

ولقد سبحت (قصدي طفوت) فيه.. حيث أنني لا أعرف السباحة.. لذا فقد استلقيت على ظهري كأنني راقد على سرير، وظللت طافياً وأنا هكذا ممدد على ظهري.. وحاولت أن (أغرق) ولكن هيهات.. فمجرد أن تغطس (تجي نابل).. ولو غمست اي شئ فيه بالقوة، فسيرجع الى السطح فوراً، بل يقاومك الماء وانت تضغط الشئ لتحت والماء يدفعه لأعلى..

وكنت قد شاهدت صوراً وقرأت تقريراً- في مجلة العربي الشهيرة- قبل حوالي الخمسة والأربعين عاماً، ودهشت عندما رأيت الرجل في الصورة مستلقٍ على ظهره في الماء ويقرأ في الجريدة، وآخر مستلقٍ على ظهره وبجانبه آنية الشاي، إلى أن جربت ذلك بنفسي في شهر سبتمبر من العام 1998م، لقد كانت تجربة مثيرة بالفعل.. وقد التقطت صوراً لشخصي وأنا راقد فوق مياه البحر وسأدرج صورة منها هنا.. والذي يظهر في الصورة معي ربما كان الزميل السوداني..

Jordan008.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وبعد السباحة- قصدي الطفو- توجهنا نحو الدوش المركب على الشاطئ وقرب دكاكين بيع منتجات البحر الميت، وأذكر أن إحدى السائحات وكانت ملامحها تشي بأنها من شرق آسيا، ربما من اليابان او الصين او الفلبين، وكانت قد لطخت وجهها بطين البحر مما أخاف صغيراً كان يحمله ابوه- على ما أظن كان اردنياً- فكان ينظر من خلف كتف ابيه بعيداً عن وجه تلك المرأة الذي بالفعل بدأ مخيفاً حيث هي صفراء اللون ووجهها اسود من الطين الذي لطخته عليه.. وكانت تداعبه بحركات من وجهها، ورغم ان أباه حاول ان يقنعه بأن ينظر إليها حتى يفجر عقدة الخوف فيه إلا أنه ظل على موقفه حتى بعد ان غسلت المرأة وجهها..

وقد رأيت أسماكاً ميتة في طرف البحر عند الشاطئ، فاستغربت حيث أنه حسب علمي سمي بالميت لعدم وجود احياء فيه! فأوضح لي بعضهم أن هذه الأسماك تصل اليه مع مياه نهر الأردن، فإذا دخلت مياه البحر الميت ماتت، فيجرفها المد الى الشاطئ.. ولله في خلقه شؤون..

قضينا وقتاً جميلاً على شاطئ البحر الميت وجربنا السباحة فيه رغم انني لا أعرف السباحة، وكانت تجربة فريدة ومثيرة.. ثم عدنا بعدها الى عمان..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #345
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-13-2014, 05:02 PM
Parent: #344



الحلقة 271

نواصل ...

دعوات مركز التدريب

دعانا مركز التدريب كذلك إلى عشاء في إحدى المناطق السياحية.. وقد انتقلنا الى ذلك المكان من وسط عمان الى أطرافها بحافلة وكنا مجموعة من الدارسين في دورات مختلفة بالمركز، وقد كان من بينهم مجموعة من السودانيين الذين يعملون في البنوك وأذكر بعضهم من بنك الخرطوم وبينهم سيدة سألتها عن زميلة دراسة لنا بالمغرب كنت اعرف انها تعمل في بنك الخرطوم فقالت انها تعرفها، وقالت لي أنها قد تزوجت مؤخراً.. فقلت بتلقائية: الحمد لله.. فقالت هي: فعلاً الحمد لله.. حيث كلانا يعرف انها تأخرت كثيراً في الزواج..

000073.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وأحد المدعوين في المطعم نقف أمام مجسم لمحارب

كان المطعم جميلاً وهو في هيئة كهف كبير أو ربما في شكل قلعة او بيوت أثرية، وربما كان إسم المطعم (كان زمان).. وغير مكان الطعام هناك أماكن للصناعة التقليدية مثل صناعة الزجاج، حيث تشاهد الصناع يصهرون الزجاج المكسر في افران ويعيدون تشكيله بعد ان يصبح مادة شبه سائله، فيصنعون منه المزهريات والطفايات التي على شكل طيور او اشكال فنية اخرى، حيث يسحب بماسورة جزء من الزجاج السائل ثم ينفخ بفمه من طرف الماسورة ليصل الى الطرف الآخر الذي به سائل الزجاج فيبدأ في التكور، فيحرك الماسوره يمنة ويسرة داخل الفرن وخارجه حتى يتكون شكل أشبه بالقاروره، ثم يواصل النفخ والتحريك حتى يتكون ما يريده من شكل القاروره او الفازه .. (كما في الصورة المرفقة الملطوشة من القوقل)..

glass.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي مكان آخر هناك فنان يكتب الأسماء على حبة الأرز.. يكتب على حبة الأرز أسمك وفي الجهة الثانية يكتب اسم زوجتك او حبيبتك.. ثم يضع حبة الأرز في دلاية في شكل إناء يشبه الفانوس القديم- وهي صغيرة جداً- ويملأها بالزيت ويغلق فوهتها بالغراء ثم يضع خيطاً لتتدلى منه الدلايه، والزيت يجعل حبة الأرز تبدو أكبر والكتابة عليها تبدو أوضح.. بالطبع جهز لي حبة أرز بإسمي وبإسم زوجتي.. كما اشتريت تلك القوارير الزجاجية التي يرسمون في جدارها الداخلي بالصمغ رسومات مثل المناظر الطبيعية او الطيور، ثم يدخلون رملاً ناعماً وملوناً بطريقة فنية حيث يجعلون كل لون فوق الآخر وبطريقة متموجة، ثم يغلقون الزجاجة بسداده فيظهر المنظر جميلاً من خارج الإناء الزجاجي لوحة بالرمل الملون! كذلك هناك علاقات مفاتيح وسلاسل وأسورة تقليدية وما شابهها..

تعشينا عشاء فاخراً وختمنا بالفاكهة والشاي، وفي الصورة أحمل عنقوداً من عنب.. تليني حسناء أردنية (ربما) ولم أعد أذكر هل هي في إحدى الدورات ام من منسوبي مركز التدريب، ولكن الرجل الذي يلي الذي يليها (في الوسط تقريباً) هو على ما يبدو استاذنا حنا قاقيش، وكما تلاحظون فإن تاريخ الصورة مكتوب إليكترونياً عليها وهو 24/9/1998م..

عفواً لم أجد الصورة.. سأحاول البحث عنها وإدراجها

قضينا وقتاً ممتعاً في تلك الليله وكان أنساً لا ينسى..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #346
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-26-2014, 04:49 PM
Parent: #345


الحلقة 272

نواصل ...

ملحق للصور

((تعشينا عشاء فاخراً وختمنا بالفاكهة والشاي، وفي الصورة أحمل عنقوداً من عنب.. تليني حسناء أردنية (ربما) ولم أعد أذكر هل هي في إحدى الدورات ام من منسوبي مركز التدريب، ولكن الرجل الذي يلي الذي يليها (في الوسط تقريباً) هو على ما يبدو استاذنا حنا قاقيش، وكما تلاحظون فإن تاريخ الصورة مكتوب إليكترونياً عليها وهو 24/9/1998م..

عفواً لم أجد الصورة.. سأحاول البحث عنها وإدراجها))

أعلاه ما جاء في البوست السابق..

وقد حصلت على الصورة، وإليكموها:

Jordan2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وفي الصورة الثانية ونحن نتعشى وأمامنا صحون المقبلات وأذكر انني احتددت في النقاش مع اخوة مصريين والسبب رأيهم في السودان أو تهكمهم فيه، وعلى ما يبدو فإن الذي في يسار الصورة ويلبس الطاقية هو زميلنا العماني..

Jordan019.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وهذا الببغاء الحقيقي كان بالمطعم.. وقد صورته بكاميرتي

000075.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #347
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-27-2014, 02:55 PM
Parent: #346


الحلقة 273

نواصل ...

مقام النبي يوشع والنبي شعيب

وقد وفّر لي فرع شركتنا في عمان سيارة بسائق- أظن أن اسمه امجد عبد الهادي، حيث ذكرتني به قبل قليل فريال الحارس عبر اتصال هاتفي لغرض خيري- ليخرج بي هذه المرة الى خارج عمان الى منطقة الأغوار حيث مقام النبي شعيب الذي يبعد عن عمان مسيرة ساعة أو أقل بالسيارة، وقد عبرنا جبالاً وودياناً ومررنا على بعض الآثار منها مقام النبي يوشع القريب من مدينة السلط.. والتقطنا صوراً، منها هذه التي أظهر فيها ومعي السائق أمجد وتظهر المدينة تحتنا حيث ان الصورة ملتقطة في أعلى تلة ربما تلك التي عليها مقام النبي يوشع بن نون- سبط النبي يوسف عليهما السلام- وتحيط الجبال بمدينة السلط..

000011-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثانية لشخصي أمام مداخل لغرف محيطة بمقام النبي يوشع، وقد اختفت وتلفت كثير من الصور لهذه الأماكن الجميلة بفعل الزمن وعوامل المناخ من أمطار مدني الغزيرة التي اتلفت لي كثير من الصور الهامة والتاريخية..

000079-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الثالثة لشخصي في المرتفع أيضاً ولكن يظهر هذه المرة الجانب الحرشي من الجبال في منطقة الأغوار، ويبدو ان الأشجار التي تبدو أسفل التله هي أشجار الزيتون..

0000103-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة الرابعة لشخصي بمنطقة النبي يوشع غالباً.. أقف خارج مدخل كهف في الجبل..

000080-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


ثم واصلنا مسيرنا بالسيارة حتى وصلنا منطقة وادي شعيب- على ما يبدو- حيث وجدت نبذة عنها في الوكيبيديا رجحت بأنها المنطقة التي زرتها، فقد جاء في الويكيبيديا أن وادي شعيب قرية أردنية عدد سكانها لا يتجاوز الـ 500 نسمة معظمهم من عشيرة العبادي تقع في محافظة البلقاء وتبعد اقل من 4 كم جنوب مدينة السلط، توجد فيها آثار من حقب زمنية مختلفة إسلامية كمسجد وضريح النبي شعيب ومقابر بيزنطية، ومن أهم ما تشتهر به آثار مستوطنة للإنسان الحجري تعود إلى الألف السادس قبل الميلاد.

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #348
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 11-30-2014, 05:46 PM
Parent: #347



الحلقة 274

نواصل ...

مقام سيدنا شعيب

ثم صعدت السيارة في تلة حيث مقام النبي شعيب،

000106-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


والصورة لشخصي أمام لوحة إرشادية تدل على مقام النبي شعيب (الذي بالأردن بالطبع)..

وحسبما جاء في موقع ويكيبيديا فيقال أنه ابن ميكيل بن يشجن، ويقال له بالسريانية يترون، ويقال أن جدته أو أمه هي بنت لوط والثابت هو أنه من مدين الواقعة في أطراف الشام في منطقة وادي شعيب في الأردن ويعتقد أنه عاش 242 سنة، وآمن بنبي الله إبراهيم، وهاجر معه ودخل معه دمشق وكان فصيحا مفوها حيث كان بعض السلف يسمي شعيبًا بخطيب الأنبياء لفصاحته وحلاوة عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان، أرسل إلى أهل مدين برسالته كما جاء بالقرآن الكريم { وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ}

000082-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com

صورة لي أمام المسجد الذي به ضريح سيدنا شعيب

ودخلنا الى الضريح حيث القبر مغطى بقماش أخضر، ولفت نظري ضخامة القبر طولاً وعرضاً.. فهو لا يشبه أي قبر رأيته من قبل من حيث الحجم.. وخارج الضريح يوجد مسجد، وقد رأيت رجلاً كبيراً في السن يبدو أنه يسكن هذا المكان، وقد أوضح لي مرافقي أن هذا الرجل هو المسؤول عن المقام ويبدو أنه يجمع (الزيارة) التي يجود بها الزوار.. وقد لفت نظري وجود أسرة هندية بزيها المعروف..

وهناك مكان آخر يقال أن به مقام النبي شعيب، وحسبما جاء في الويكيبيديا عن هذا المكان أيضاً فإن النبي شعيب هو اسم موقع بجوار قرون حطين، في منطقة الجليل الأسفل، بالقرب من مدينة طبريا، حيث يقال أنه هو قبر النبي شعيب .. وهو من أقدس المواقع للدين الدرزي، وهناك العديد من المقامات الأخرى مخصصة للنبي شعيب.

إلا أن هناك معلومة اقتبستها من موقع ويكيسورس تقول أن الحافظ ابن عساكر ذكر في تاريخه عن ابن عباس أن شعيبًا عليه السلام كان بعد يوسف عليه السلام. وعن وهب بن منبه أن شعيبًا عليه السلام مات بمكة، ومن معه من المؤمنين، وقبورهم غربي الكعبة بين دار الندوة، ودار بني سهم.

ثم عدنا أدراجنا الى عمان عبر الجبال التي بعضها خضراء وبعضها جرداء، ولكن كانت الرحلة جميلة ومفيدة وتاريخية..

000081-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


وشخصي على حاجز حديدي في الطريق وتبدو تحتي فيلا وسط مزرعة وخلفها الجبال المزروعة أيضاً بشتلات لأشجار ربما كانت أشجار زيتون.. وهذا في الطريق إلى منطقة مقام سيدنا شعيب..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #349
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-01-2014, 06:19 PM
Parent: #348


الحلقة 275

نواصل ...

ميناء العقبة

قبل ذلك أضيف صورة كان يجب إضافتها في الحلقة السابقة، فيها شخصي داخل ضريح سيدنا شعيب عليه السلام

000108-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


اتفقنا نحن بعض المنضمين لدورة "تنمية المهارات الإدارية لمدراء المكاتب" الى الذهاب في عطلة نهاية الأسبوع الى العقبة الواقعة في أقصى جنوب المملكة الأردنية باقتراح من أحد الزملاء الأردنيين، وعلى ما أذكر ذهبنا بسيارته حيث كان يقود هو وكانت معنا زميلة ليبية والزميلين العمانيين.. ولا أذكر كم استغرقت الرحلة من عمان الى العقبة ولكن ربما كانت ثلاث أو أربع ساعات، وكانت المسافة حوالي 330 كيلومتر ومعظم الطريق كان صحراوياً ويمر عبر جبال.. وقد مررنا على منطقة البتراء ورأينا من بعيد خزنتها الشهيرة..

وكان الزميل الأردني قد حجز لنا بالهاتف من عمان غرفاً في الفندق في العقبة، وكانت بأسعار مناسبة، وعلى ما يبدو كانت له علاقات طيبة مع الفندق او مع نافذين في البلد.. وعندما وصلنا الى ميناء العقبة ودخلنا الفندق بسيارتنا وأوقفناها وتوجهنا الى استقبال الفندق وأبرزنا جوازاتنا وهوياتنا وتسلمنا مفاتيح غرفنا، وكانت الغرف عبارة عن كبائن أرضية موزعة على مساحة من الأرض.. وهذا النوع من الفنادق يعجبني، ويذكرني بالقرين فيلدج في الخرطوم وبفندق الواحة في جدة..

تغدينا في مطعم الفندق ثم نزلنا الى الشاطئ الخاص بالفندق حيث يطل مباشرة على خليج العقبة- ويمنع غير نزلاء الفندق بالتواجد في هذا الشاطئ الخاص بالفندق لذلك لم يكن مزدحماً- ونزلنا الى الماء، وبما إنني لا أعرف السباحة فقد ساعدتني الزميلة الليبية على الطفو فوق مياه الخليج، وكانت هي تجيد السباحة، فعلمتني طريقة يمكن بها الطفو فوق المياه- المالحة- دون أن أغرق حتى لو لم أكن أعرف السباحة، حيث أرقد ممداً على ظهري ويديّ على جانبيّ ورجليّ متباعدتان عن بعضهما واسترخي.. حينها تجد نفسك طافياً فوق الماء.. لقد استمتعت بالماء دون أن أكون ملماً بالسباحة- رغم أنني حاولت تعلمها يومذاك بمساعدة الزميلة الليبية..

تجولنا في العقبة التي لم تكن كبيرة، ورأينا الميناء ورأينا الجانب الإسرائيلي في إيلات واضحاً وبيوتها واضحة، ولم تكن الأراضي الإسرائيلية تبعد عن العقبة بل هي مجاورة لها تماماً حيث يقعان كلاهما- العقبة وإيلات- على رأس خليج العقبة المتفرع من البحر الأحمر.. كما أن الجبال كانت تكمل الحلقة حول العقبة.. فالبحر من جهة ومن الجهة الأخرى الجبال..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #350
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-02-2014, 04:51 PM
Parent: #349



الحلقة 276

نواصل ...

وداعاً العقبة

في المساء كان العشاء في مطعم الفندق، وبينا كنا نتناول طعام العشاء كانت هناك فرقة تعزف وتغني، وراقصة ترقص رقصاً شرقياً، وقد كانت تمر على الزبائن وتقف بجانب كرسي الواحد منهم وترقص، وكانت تلبس كما الراقصات اللائي كنا نراهن في الأفلام المصرية القديمة.. وأذكر أن والد صديقنا الذي رتب لنا هذه الرحلة ووالدته واخته كانوا ايضاً قد حضروا الى العقبة، وكانت اسرة مسيحية حسبما لا حظت من الصليب الذي على صدر والدته او أخته، وكانوا معنا في نفس طاولة العشاء، ويبدو أن والده قد أكثر في الشرب ولم يعد يعي ما يفعل، حيث داعب الراقصة إلى أن نبهته زوجته بلطف....

بتنا في غرفنا وفي الصباح ذهبنا الى المطعم لتناول الإفطار، وكان المطعم ممتلئاً بالسياح، وأثناء وقوفي في الصف لأملأ الصينية التي أحملها حيث كان النظام (اخدم نفسك بنفسك)، وبينما انا في الصف تقدم إليّ عامل في المطعم وبدأ من لهجته انه مصري وقال لي: (في حاجة بتسحب وراك) وربما قال (معاك).. فلم أفهم قصده إلى أن أشار الى قدمي.. فنظرت فإذا شئ يخرج من تحت فتحة البنطلون فيظهر بجوار الحذاء.. فاستغربت عن ماهية هذا الشئ.. فلما دققت النظر فيه عرفت أنه ملابسي الداخلية.. حيث كنت قد خلعت البنطلون البارحة وهو بداخله، ثم عندما اردت ان البس البنطلون صباح اليوم لبست داخلي آخر ولم أنتبه للذي بداخل البنطلون.. ويبدو أنه أثناء المشي بدأ ينزل بالتدريج ما بين ساقي والبنطلون حتى وصل الى قدمي.. ولا أذكر ماذا فعلت بالضبط ولكن في الغالب أكون قد سحبته من رجل البنطلون ووضعته في جيبي!

ثم عندما جلست للفطور كانت هناك مجموعة من السياح الأجانب من بينهم مجموعة من الفرنسيين تجلس في طاولة قريبة وتبادلنا الأحاديث وامتحنت معهم لغتي الفرنسية التي كادت الأيام ان تنسينيها.. وعلى ما أذكر كانت إحداهن تعلق على حركة بالأصابع تحدث فرقعة يفعلها العماني حينما يغني او يرقص.. فكنت اترجم للعماني بالعربية واشرح لها بالفرنسية..

000010-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي ومعي العماني. ولا أذكر أين التقطنا هذه الصورة، ولكن يبدو أنها في غير عمّان، وكذلك في غير طريق العقبة الذي كان قفراً وموحشاً.. ربما كانت في الطريق الى مقام سيدنا شعيب..

حدثت سلبيات بسيطة في الفندق، حيث اشتكت زميلتنا الليبية من اتهام أحد موظفي الاستقبال لها بأنها دخلت غرفة شباب، فاغتاظت جداً وشكت ذلك لنا فاستشاط صاحبنا الذي حجز لنا غضباً، لا سيما أن كل الذي فعلته زميلتنا الليبية أنها مرت علينا في الغرف لتدعونا إلى النزول للشاطئ وتقول لنا انها ذاهبة للبحر، وعلى ما أذكر لم تدخل غرفة أحد.. واستغربت من تصرف ذلك الموظف لا سيما اننا جئنا مع بعض، والشباب المقصود هم زملاء الرحلة.. وقد توعد صاحبنا هذا الموظف ولكن الموظف قدم اعتذاره للبنت ولصاحبنا..

لا أذكر هل قضينا ليلة واحدة ام ليلتين في العقبة.. ثم غادرناها الى عمان بنفس الطريق.. وكانت تجربة جميلة ورحلة رائعة..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #351
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-03-2014, 03:14 PM
Parent: #350



الحلقة 277

نواصل ...


صور التخرج ورحلتي الثانية الى سوريا

لقد كانت رحلتي إلى الأردن مليئة بالرحلات والزيارات رغم قصرها، وقد تجولت داخل عمان وخارجها، من ضمن المناطق التي زرتها في عمان منطقة الجامعة الأردنية فقد مررت بقربها ورأيت مبانيها الفخيمة ومساحتها الواسعة الشاسعة وأشجارها ونباتاتها وحشائشها.. وهي في منطقة راقية.. وكذلك كانت المنطقة التي بها فرع شركتنا art هادئة وراقية..

بعد اختتام الدورة التدريبية وتسليمنا الشهادات والتقارير دعاني العمانيان الى الانتقال الى شقتهما وترك الفندق، ففعلت لا سيما وأنني قد نويت أن أسافر الى سوريا لمدة يومين، ويوم عودتي من سوريا سأسافر الى السعودية بمشيئة الله..

Jordan010.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة المرفقة لشخصي أتسلم شهادة التتخرج من محاضر الدورة ومشرفها- حنا قاقيش- وقد ذكرتني هذه الصورة بإسم أحد العمانيين وإسمه عيسى مبارك الجابري، وقد لاحظت الإسم في الصورة، حيث ظهر في اللوحة التي توضع أمام الدارس في منضدته..

Jordan001-2.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


الصورة الثانية لمنسوبي الدورة، حيث شخصي وبيميني على ما أذكر عماد- وأيضاً كنت قد نسيت إسمه، ولكني قد لاحظت الإسم في الصورة الأولى، حيث ظهر في اللوحة التي توضع أمام الدارس في منضدته، ولم يظهر غير إسم عماد، وهو أردني..
وعلى يمينه زميلنا الذي نسق لرحلة العقبة.. ووقوفاً خلفنا أستاذ ومشرف الدورة الدكتور حنا قاقيش والعمانيان وزميلة نسيت إسمها.. والصورة بكاميرا محترفة ربما التقطها مصور المعهد..

وتضمنت رحلتي إلى الأردن رحلات الى خارجه؛ حيث سافرت الى سوريا براً بالتاكسيات، وما أدراك ما التاكسيات السورية والأردنية عابرة الحدود.. فهي من النوع الأمريكي الضخم- صالون- ربما شيفروليه وربما فورد ولكنها جميعاً من موديلات آواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات.. وتسير في الطريق الرابط بين الأردن وسوريا بكل ثقة وتحس بها راسية وقوية.. وقد امتطيت واحدة من تلك السيارات العتيقة من قلب عمان، ثم عبرنا الحدود السورية الأردنية، وبما أن سوريا لا تطلب من السودانيين تأشيرة دخول مسبقة فقد دخلتها من الأردن مباشرة دون مشاكل، وككل الحدود فتجد نقطة الحدود الأردنية فتعبرها ثم تسير بين شبك لمسافة كليو تقريباً ثم تصل الى نقطة الحدود السورية، ورغم ان الدولتان متجاورتان ورغم ان نقطتي الحدود يفصل بينهما كيلو متر واحد فالفارق الحضاري بين النقطتين شاسع.. فالأردنيون عينهم مليانه، بينما السوريون ينتظرون من العابرين البقشيس او التسهيلات.. وأذكر أن احد السوريين الذين كانوا معنا في التاكسي وكان يجلس بجواري، كان متخوفاً أن يعرف أحد العساكر- ولو عسكري مرور- بعد ان عبرنا الحدود ودخلنا سوريا، أن يعرف انه قادم من الأردن، فسألته لماذا؟ فقال انهم لو عرفوا انني قادم من الأردن فسيظنون أنني أعمل هناك- وهو كذلك- فيطمعون فيّ ويطلبون مني نقوداً.. المهم وصلنا الى محطة الوصول الأخيرة في قلب دمشق، ونزلنا وتناولت بعض الكيك والبسكويت والعصائر من اكشاك داخل الموقف..

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله

Post: #352
Title: Re: رحلات إبن بطوطة السودان ما بين طنجة وجاكرتا
Author: Mandingoo
Date: 12-04-2014, 05:43 PM
Parent: #351


الحلقة 278

نواصل ...

وكنت قد نسقت مع قريبي حاتم هاشم سوركتي الذي كان يدرس في دمشق فقابلني في محطة الوصول.. ثم ركبنا تاكسي داخلي وتوجهنا الى دكان السمسار الذي كنت قد استأجرت الشقة عن طريقه عندما جئت الى سوريا مع اسرتي في العام قبل السابق (1996)، وطلبت من السمسار شقة لمدة يومين.. ولكن حاتم أصر على ألا استأجر شقة وأن اجلس معهم اليومين هذين في شقتهم (الطلابية).. فتركنا السمسار وركبنا تاكسي وتوجهنا الى شقة الطلاب.. ورغم بساطتها إلا أنني احسست بالأنس بينهم..

Syria012.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


صورة لشخصي ومعي حاتم هاشم سوركتي في وسط دمشق قرب سوق الحميدية، وتبدو خلفنا نافوره ضخمه لكنها في تلك اللحظة لا تعمل..

تجولت داخل دمشق وزرت الحميدية ومررت على المكتبات في الشوارع الجانبية حيث اشتريت بعض الكتب الهامة التي اعلم انني لن اجدها في السعودية، وأذكر منها كتاب (الماسونية والماسونيين في الشرق الأوسط)، وكتاب آخر لا أذكر اسمه الآن – وقد حجزهما مني موظفو الجمارك السعوديين في مطار جدة عندما رجعت وأعطوني إيصالاً بها لأراجع وزارة الإعلام لاحقاً، وقد راجعت الوزارة، وكان القرار مصادرتهما- وكتابان آخران عن الشعر أذكر منهما كتاب عن الشاعر علي بن الجهم صاحب أشهر بيتين:
الأول: أنت كالكلب في الوفاء وكالتيس في قراع الخطوب
والثاني: عيون المها بين الرصافة والجسر جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري

وهذان الكتابان لم يصادرهما موظفو الجمارك السعوديين.. وأما كتاب اسرار الماسوينة للجنرال جواد رفعت اتلخان فلا أذكر ان كنت قد اشتريته في زيارتي هذه ام في زيارتي السابقة في العام 1996م..

نظم لي حاتم هاشم رحلات داخلية في دمشق ورحلات خارج دمشق.. فمن ضمن الأماكن التي زرتها هذه المرة ولم أزرها في زيارتي السابقة؛ ضريح السيدة زينب الذي يقع بريف دمشق على بعد 10 كليومترات جنوبها،

Syria007.jpg Hosting at Sudaneseonline.com


شخصي وحاتم في منقطة ضريح السيدة زينب.. ويبدو خلفنا الجامع الذي بداخله الضريح، وتبدو المئذنة الجميلة

وادرك بن بطوطة الفجر الذي لاح.. فسكت عن الكلام المباح ...
.. والحديث ذو صلة..
إلى اللقاء في الحلقة القادمة بإذن الله