الطيب صالح ضيف في هضبة نجد!

الطيب صالح ضيف في هضبة نجد!


11-30-2014, 02:20 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1417353607&rn=0


Post: #1
Title: الطيب صالح ضيف في هضبة نجد!
Author: محمد التجاني عمر قش
Date: 11-30-2014, 02:20 PM

الطيب صالح ضيف في هضبة نجد!
محمد التجاني عمر قش
mailto:[email protected]@hotmail.com
قد يهونُ العمرُ إلا ساعةً ... وتهونُ الأرضُ إلا موضعا
هكذا قال أمير الشعراء أحمد شوقي علي لسان مجنون ليلي في قصيدته التي يقول فيها:
جبل التوباد حيَّاك الحيَّا ... وسقي الله صبانا ورعى
وقد صدق؛ لأن بعض ساعات العمر تكون من الروعة بمكان حتى أنها لا تنسى أبداً. ومن تلك الساعات الخالدة، ليلة متفردة، نظمها النادي الأدبي بالرياض عن الأديب الراحل الطيب صالح، رحمه الله، تحدث فيها كل من السفير الدكتور خالد فتح الرحمن نائب رئيس البعثة بسفارة جمهورية السودان، والأستاذ عبد الله الناصر، عضو مجلس الشورى السعودي، وكلاهما صديق حميم للطيب صالح؛ إذ تعرفا عليه إبان إقامتهما في لندن حيث عاش أديبنا الراحل وأخرج للناس كل هذا الإبداع من القصص والروايات والكاتبات المتفردة. أدار الندوة الدكتور سلطان القحطاني وهو ناقد وأديب معروف وعضو لجنة التحكيم لجائزة الطيب صالح الأدبية. وقد حضر تلك الليلة لفيف من كبار المثقفين والأدباء والصحفيين والإعلاميين والنقاد الذين اثروا الحديث عن هذا الرجل القامة، كما شرفها بالحضور سعادة السفير عبد الحافظ إبراهيم، سفير السودان لدى المملكة وسعادة سفير الجزائر.
لقد حلق بنا المشاركون في الندوة في عوالم من الأدب والفكر والشعر امتدت بين كرمكول في شمال السودان، ولندن وحزوى ومنطقة تبراك في قمة هضبة نجد، وكل هذه مناطق ارتبط بها وجدان الطيب صالح. كما ساد الليلة جو من اللطف زادته حلاوة وطلاوة نفحات نجدية تداعب الوجدان؛ لأن نجداً " لها وقع جميل في قلب كل عربي؛ إذ كانت ولا تزال رمزاً للشعر الأصيل، ونجماً يومض بالإلهام الشاعري، واسماً ارتبط بالحب العذري، ومن عاش في نجد أحبَّها واستطاب عيشها، ومن فارقها حَنَّ لها وبكى عليها، وتراثنا الشعري مليء بذكر نجد، وبحبِّ نجد، وبلوعة فراق نجد". أو لم تقرأ يا رعاك الله قول الصُمة القشيري وهو يودع نجد:
أقول لصاحبي والعيس تهوي ... بنا بين المنيفة فالضمار
تمتع من شميم عرار نجد ... فما بعد العشية من عرار
وقد تحدث الأستاذ عبد الله الناصر عن زيارة قام بها مع الطيب صالح إلى منطقة تبراك حيث عاش هذا الشاعر البدوي الذي يعد واحداً من أركان مدرسة الغزل العذري في العصر الأموي، ويتميز بجمعه بين الحب الشخصي وحبّ الديار، فغلب على شعره غرضا الغزل والحنين إلى الوطن وله نظرات في الحياة مبثوثة في ثناياه، وطغت على شعره المشاعر النفسية الفياضة التي تظهر شخصية مأزومة أثقلها التناقض البارز بين الواقع والطموح. ومن أروع شعره:
حننتَ إلى ريا ونفسُك باعدت مزارك من ريا وشَعباكما معا
أما حزوى فهي ديار الشاعر الفحل ذي الرُمُة صاحب مي الذي يقول عنها:
ما بَدَت حُزوى وَأَعرَضَ حارِكٌ مِنَ الرَملِ تَمشي حولَهُ العِينُ أَعفَرُ
وَجَدتُ فُؤادِي كَادَ أَن يَستَفِزَّهُ رَجيعُ الهَوى مِن بَعدِ ما يَتَذَكَّرُ
عَدَتني العَوادي عَنكِ يا مَيُّ بُرهَةً وَقَد يُلتَوى دونَ الحَبيبِ فَيُهجَر
تذَكِّرُني مَيّاً مِنَ الظَّبي عَينُهُ مِراراً وَفاها الأُقحوانُ المُنَوِّرُ
وكان الطيب صالح من المولعين بشعر ذي الرُمُة، الشاعر البدوي الذي أجاد وصف البادية حتى لكأنه يرسم بالكلمات، كما قال عنه الأستاذ الناصر. ولذلك زار منطقة "شوية" التي تقع إلى الشرق من الرياض وهي تحديداً في صحراء الدهناء ليقف على ربع شاعره المحبب برفقة صديقه الأستاذ عبد الله الناصر الذي قال عنه: " ما وصف لي رجل فرأيته إلا وجدته أقل مما يقال عنه إلا الطيب صالح فقد وجدته عملاقاً بأدبه وأخلاقه وثروته اللغوية ومحبته للتراث العربي والعرب والمسلمين" وقد وصف الناصر كيف أن الطيب صالح كان يلمس كثبان الرمال وكأنه يشم رائحة ذي الرمة.
أما الدكتور خالد فتح الرحمن فقد تحدث عن خمس دوائر يعتقد أنها مفاتيح لفهم شخصية الطيب صالح منها: حياة القرية التي أكسبته التسامح والوفاء وأهلته للخروج من الحيز الضيق إلى التعميم والرحابة، مع شيء من التواضع غير المخل. وقال إن الطيب صالح كان يعشق الحرية ويتمناها لغيره؛ ولذلك كان من مؤيدي حركات التحرر ومن المعجبين بنضال بعض الشخصيات مثل ليوبولد سنغور وهو لهذا يتسم بقدر من الإنسانية والانفتاح على الآخر، ومنها دائرة الإسلام، بمعنى أن تكون مسلماً فإنك تقترب من الطيب صالح أكثر وقد كان يتعامل وفق منهج الوسطية بلا غلو أو تزمت. أما العروبة فهي واحد من أهم العوامل المؤثرة في شخصية الطيب صالح فقد كان يرتاد المنابر ويتحدث اللغة العربية بطريقة شاعرية وبلسان عربي مبين. مجمل هذه العوامل جعلت كتابات الطيب صالح تتميز بقدر كبير من الواقعية أهّلها لكي تحظ باهتمام عالمي حتى أن كتبه قد ترجمت إلى ما يزيد عن ثلاثين لغة؛ إذ إنه كان يريد أن يقول أنظروا لأمور الحياة كما هي، أي كونوا واقعيين في تعاملكم مع الناس والأحداث.