الضــفة الثالثة للنهـــــر.

الضــفة الثالثة للنهـــــر.


10-29-2014, 05:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1414598582&rn=2


Post: #1
Title: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-29-2014, 05:03 PM
Parent: #0





الضفة الثالثة للنهر

ليس نهر الوجد وحده بضفاف لا أحد يعرف سواحلها ، ولا الشوق الذي يعبر الطرقات المُشتجرة عند ملتقى الجسور وأشباه المدائن المغسولة بالغبار ، يمكنه أن يتحدث في التفاصيل التي ائتلفت ، وأمسكت بجزع الشجرة الذهنية . هذا هو اليوم الأول لتدريب الفرس الصغير على العدو .
وصف لها البيت على طرف الحي ، ووصف لها سيدته . وأوصاها أن تقول لها " أنا في انتظار أحدهم ". وذهبتْ . لحق بها بعد نصف الساعة . ألقى التحية على سيدة الدار ، فقالت له:

- هي تنتظرك في الغرفة .

دخل غرفة النوم ، التي تغوص في الدعة والرخاوة . وجد " صبيحة" التي تبادله الهوى جالسة على طرف السرير، مُطرقة على استحياء تنتظر . مترددة ومأخوذة بتجربة جديدة عليها . أول ما سألته حين قدم كان عن : سيدة الدار ، من هي ، وكيف تعرف عليها؟. لأنه عند قدومها تفحصتها بعين رقيب أخافتها . قال لها إنه عرف سيدة الدار عبر وسيط . ليست صاحبة أمكنة مفتوحة ، ولكنها تجارة من يحتاج ، ولا يريد أن يكون داره بضاعة عامة ، بل للخاصة الذين يتّبعون الحيطة والحذر ، خلوّة للهوى وسكراته . ذكر لها أنه عندما جاء أول مرة . تفحصته سيدة الدار بنظرٍ ثاقب ، نفذ من خلال الملابس إلى الجسد والروح . أطرق هو ثم أبدى بُرهة للبراءة أن تفوح من ملامحه كي يطمئنها ، لأن الروح القاهرة لا تنفع في الأماكن السريّة .
سألته سيدة الدار أول مرة رأته :

- أين تسكُن ؟

قال لها سيرة مختصرة . وأفصحت سيدة الدار عن الخصوصية وموجباتها ، وأن للبيوت أسرارٌ لا يحق أن يعرفها إلا المؤتمنون .أمّن هو على ذلك ووعد بإتباع النُظم ، والاحتفاظ بالأسرار.

(2)

تحركت أرنبة أنفه . تسللت إليها الرائحة المخضبة في مصنع الروائح الشعبية .جلس قرب " صبيحة ". ارتبكت كثيراً كأنها تراه أول مرة . قالت إنها لم تتعوّد مثل هذه المواقف . وإنها تودعه قلبها و اسرارها ، كما تودعه مفاتنها وشوقها الذي طفح ، ثم أدمعت عيناها، فأطرق ساهماً ،ومسح الأدمع قبل أن تنزلق عن الخدّين.

امسك يديها ، ليتبين الأصابع ، وتقاسيمها ، ولدانتها . قرأ السيرة المختبئة في تلال يدها اليمنى حين بسطت يدها . تل المُشتري ، وخطوط الرزق ، والعمر والمحبة . وجد خطاً مُنقطعاً ، فقلق على مُستقبلها، ولكنه صمت .أخفى ما رأى.
قبّلها على الخد ، فأصيبت برجفة و نزع الثوب عنها ببطء ، وهي تكاد تقبض عليه ، فما تعودت على هذا الخروج عن المألوف . عاتبته بنظراتها . فقد أرادتها فسحة للخلوة ، ليقولا ما يريدا ، وتفسح هي لخواطرها أن تتجسد ، وأن تحسّ من جديد ألق أنوثتها ،تُعطره الذكورة من جديد . فقد كادت العادة الآسنة أن تأتي على العواطف الخضراء . استلقيا بملابسهما الداخلية ، على السرير الفسيح . تنفسا بعمق ، وانكفأ يقبل الجسد من أعلاه إلى أدناه . وانفتح طائرٌ مغردٌ في الساعة المعلقة على الحائط ، معلناً الوقت الذي يزمع أن ينقضي .

(3)

صورتها لا تشيء أنها من بيتٍ أقل من الحال المتوسط ، وأن الراحل والدها كانت له غرفة منعزلة عن مكان الأسرّة لمجموعة معارفه الخاصين الذين يلعبون الورق، طول النهار وإلى الغروب . قِمار يتستر بتجمع ست إلى تسعة أشخاص ، و لأن والدها صاحب المكان ، ويوفر الماء المثلّج للاعبين فله من المكسب ( نصف الستّة ) ، وهي من مصطلحات القِمار . وتلك من زلّات الحاجة ، والبقاء بلا عمل.
أول كافيه انتقلا إليه بعد تعارفهما ، كان في مكان منزوٍ . وكانت " صبيحة " ترغب أن تكون بعيدة عن العيون . جلسا في زاوية خفيّة في المكان . انعكس ضوء على عينيها العسليتين ، فأضاءتا . يتحدثان ، كأنهما يقاطعان حديثهما ، ووجد نفسه مُتأملاً، كأن في صمتهما الكلام المعسول .
قال لها أول مرة رآها ، إنها قطعة أثرية من امرأة جميلة التكوين ، خلاسية ، بُهارها حادق ، وصورتها نقية ، وتقاسيم الجسد ، أنغام هادئة ، وصورة وجهها وتقاطيع الأنف ارستقراطية الجمال.

حكت له ضمن مجموعة أقاصيص أول اللقاء ،سيرة ابنها الأكبر ، وهو قمحي فاقع اللون ،وأنها عندما ذهبت تزوره في المدرسة الابتدائية في موطن والده ، وقابلت المدرِّسة المُشرفة ، وقالت عندما رأتها ، أنه لا يشبه أبيه ، فهو قطعة من أمه مسورٌ بالذكورة الناشئة . سردت له تفاصيل الحياة في موطنها الجديد . حي ريفي ، أشجار النخيل داخل البيوت ، والطرقات معشوشبة ، أشجار البلوط تلق بظلالها على الطرقات أمناً وسلامة.
حكت له" صبيحة "عن رحلتها الأولى للشمالية أول مرة في حياتها تُغادر العاصمة
إلى موطن زوجها ، فهو مدرِّس في المدرسة الثانوية في منطقتهم . فهو كما وصفت :رجل عادي ، طيب ، ومحدود الدخل مثل كل الذين استقطبت مؤسسات التعليم الحكومية ، في بلدٍ انقلبت فيه كل الموازين .

تذكر أنه تعرّف على زوجها " محمود "في ليلة أنس مع مجموعة أصدقاء ، فهو كما وصفته "صبيحة" : ودود ، وعلى درجة مقبولة من الحصيلة الثقافية بحُكم المهنة ، ولكن أحسّ بطعم الحزن الدفين وحديثه عن أن المهنة التعليمية صارت تتسول من يتعطف عليها .
حين قابل بين معرفته لمحمود وبين وصف زوجته" صبيحة " ، تأكد أنه هو . وقال لنفسه: كيف تتحرك النفوس ، وكيف تتدفق العواطف ، كالنُهير تنحدر إلى الوادي . فتأكد أن للمحبة سلطان أكبر من سلطة المال ، وجبروت أضخم من القيود الاجتماعية . وللقلوب دروب تقف عندها وتتلصص ، ثم تتكاسل وتنام في طريق الحياة الطويل . ثم تنتعش عندما تلمح النفوس المُتحابة وقد تآلفت من جديد ، وأحيت مزرعة العواطف ، من خارج صندوق العادات ونظم الحياة . ويأت الهوى من حيث لم يرِد الجميع . ينتقي من يشاء وهو لا يخضع للمصائر المعروفة .أحسّ بمكانته خائناً لأحد ممتهني التعليم وأصابه في أدفأ مكان الخصوصية . داس على ضميره وسكت عن وخز الإبر.

(4)

ليس للنهر من ضفة ثالثة أُخرى ، إلا مع هذه العواطف التي تأتي متسللة كالعواصف بغتة ،عبر مسيرٍ شاق . لن تُرضي أحد . تهب عليك ريح بئيسة ، تُلاحقك أينما تذهب . هفوة واحدة وينكشف السِتر. أحسّ بقدرةٍ بهلوانية في العبث بالمُثل والقيم النبيلة .
حان موعد سفره المفاجئ ، فالجميع يخرجون زرافات إلى خارج الوطن ، رضيت الدولة بخروجهم أم لم ترض . لم يجد الوقت المناسب للتوديع . دخل بيت الأسرة الكبير . سأل عن والدتها ، والتقاها ، وسأل عن " صبيحة " ، فقالوا له جاءت أمس من السفر . انتظر في غرفة الضيوف قليلاً ،ثم حضرت ، بشوقها الذي يلفّه الصمت والحواجب الاجتماعية . قال أنه سوف يسافر خارج الوطن للعمل فقد اكتملت الإجراءات . التمعت عيناها ، كأن الدمع غشاوة ندية . أطرقت تنظر إلى الأرض ، وسألت وألحّت السؤال عن التفاصيل ، فعرفت أنه ليس بالأمر الطارئ ، ربما لن تراه إلا بعد سنوات . سيركب سفينة لا يعرف لبحرها ساحل . سألها :

- ما في وصية ؟

انهمرت الدموع من عينيها وقالت :

- ربنا يكتب سلامتَكْ .

اعتصر فؤاده ألمٌ ممض ،فتذكر نصاً يحكي عن الراوي أمام " حٌسنة بنت محمود " في رواية ( موسم الهجرة إلى الشمال ) :

{ حين سلّمت عليها أحسست بيدها ناعمة دافئة في يدي . امرأة نبيلة الوقفة ، أجنبيةالحُسن ، أم أنني أتخيل شيئاً آخر ليس موجوداً حقيقة ؟ .قامة ممشوقة تقرب من الطول، ليست بدينة ولكنها ريانة ممتلئة كعود قصب السكر ، شفتاها لعساوان طبيعة ،وأسنانها قوية بيضاء منتظمة . وجهها وسيم ، والعينان السوداوان الواسعتان . أنا مثل ... وملايين آخرين ، لست معصوماً من جرثومة العدوى التي يتنـزى بها جسم الكون ." امرأة أحس حين ألقاها بالحرج والخطر ، فأهرب منها أسرع ما أستطيع . ... خفق قلبي بين جنبي خفقاناً كاد يفلت زمامه من يدي .}

عبد الله الشقليني
29 أكتوبر 2014


*

Post: #2
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-30-2014, 05:01 AM
Parent: #1

الضفة الثالثة للنهر




.

Post: #3
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: جلالدونا
Date: 10-30-2014, 05:11 AM

و البعد اللا محدود للاشتياق
تحية ندية لابداع نديى

Post: #5
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-30-2014, 05:42 AM
Parent: #3

الأكرم : جلالدونا
تحية طيبة ،
ولك الشكر للقراءة والإمتنان للمحبة


.

Post: #4
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: dardiri satti
Date: 10-30-2014, 05:16 AM
Parent: #1

عزيزي ،

هندسة الأفكار والعواطف ،
ومعمارها الرائع البديع .

لك التحية

Post: #6
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-30-2014, 06:23 AM
Parent: #4

الأكرم : درديري ساتي
تحية طيبة ،
والشكر الجزيل للقراءة والتثمين

*

Post: #7
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 10-30-2014, 02:41 PM
Parent: #6

إلى حين :

Post: #8
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 10-31-2014, 08:47 AM
Parent: #7

التحية ملء الدسم للكاتب المبدع : عبد الحميد البرنس
حللت أهلاً

*

Post: #9
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 10-31-2014, 03:08 PM
Parent: #8

أخي الشقليني:

أهنئك بدءا على تلك القدرة الاستثنائية على الحكي المطبوع: لا تكلف وأصابع الحرفة آثارها مخفيّة ببراعة. وبعبارة أخرى: استمتعتُ بهذا النصّ. وإن بدا لي كقارئ أن بدايته هذه الجملة "هذا هو اليوم الأول لتدريب الفرس الصغير على العدو". ونهايته تلك العبارة الحوارية "- ربنا يكتب سلامتَكْ ". ولا شك لدي أن زوايا النظر قد تتعدد وتتنوع. ما بين هذه الجملة وتلك، ثمة حسّ إنساني رفيع يأخذك بعد القراءة إلى الرغبة في تعميق مفهومك إلى الناس والأشياء. كن بألف خير.

Post: #10
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: mustafa mudathir
Date: 11-01-2014, 04:50 AM
Parent: #9


شكراً يا بيكاسو، أمير قصاصي مطلع السبعينيات.
لقد أفرحتني عودتك للقص بعد أن صلت وجلت في النثريات.
لكن هذا هو مكانك "وللقلوب دروب تقف عندها وتتلصص ، ثم تتكاسل وتنام في طريق الحياة الطويل . ثم تنتعش عندما تلمح النفوس المُتحابة وقد تآلفت من جديد..."
سردية العاطفة السرية هذي لم تنفك عن تجديد نفسها. لذلك النص يستدعي حبساً للأنفاس، ربما لا ضرورة حقيقية له، ولكنه فعل النص.
النص يوثق للمحبة غير المشروطة، التي تنمو بين الناس كما ينمو الطفل وليد العلاقة غير المشروعة لأنه طفل ولأن الذين حوله يعرفون الأوجه الأخرى للحب.
المحبة غير المشروطة تؤكدها عبارة الوداع: ربنا يكتب سلامتك!
يا إلهي ربنا موجود بين شخوص النص!
وتطعننا يا بيكاسو بخياناتنا التي نظنها صغيرة: "أحسّ بقدرةٍ بهلوانية في العبث بالمُثل والقيم النبيلة ." ولكنك قلت قبلها: "أحسّ بمكانته خائناً لأحد ممتهني التعليم وأصابه في أدفأ مكان: الخصوصية . داس على ضميره وسكت عن وخز الإبر." فهنا يتقيّح الجرح وينداح التبكيت لكنه لا يطغى وليس فيه غير عذابه. ثم يجئ وصفك لتأصيل التلميذ ابن صبيحة وتوثيقه مع معرفة الراوي لأوصاف والده من أهم لحظات القصة التي تعري فيها خياناتنا حتى للفراسة وتلويثنا للتنسيب بإسقاطه عند حسابات الشهوة وما من تناقض هنا أشير إليه. ولكن هذا كله وبأكمله هو صنيع الانسان. All too human.
ورغم فداحة المصائر، "كالنُهير تنحدر إلى الوادي." إلاّ أن مسيرة الانسان لا تخلو من لحظات يخرج فيها عن نفسه ويتحرر من حيازة الآخرين له ليتأمل أشياء نستصغر أثرها ولكنها تقف متفردة: "استلقيا بملابسهما الداخلية ، على السرير الفسيح . تنفسا بعمق ، وانكفأ يقبل الجسد من أعلاه إلى أدناه . وانفتح طائرٌ مغردٌ في الساعة المعلقة على الحائط ، معلناً الوقت الذي يزمع أن ينقضي " فهذا الطائر المغرد بدا لي كالعنقاء وهو يذكر الخطاة بالزمن. لكن الأمر لا يخلو من طرافة. أن يفاجئك طائر ليذكرك بالوقت. ومثله كثير أشياء تشيّد وجودها بقوة تأثيرها! والزمن وارد في سردك "حان موعد سفره المفاجئ ، فالجميع يخرجون زرافات إلى خارج الوطن .." وهنا يندرج الحس العام بالزمن الذي أحدثته عوامل الطرد من الوطن مع الزمن الخاطف الشهواني الذي يعترضه طائر. الطرافة أن الانسان يخترع أشياء لتذكره بأشياء أخرى ولكن بلا فداحة أو تسلط.
لقد راهنت على عودتك يا بيكاسو وها أنت تعود قاصاً. لدي ملاحظات فنية سأبعثها لك في رسالة خاصة. دمت، وتحياتي للصديق الدفعة جمال محمد ابراهيم.


Post: #11
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-01-2014, 05:23 PM
Parent: #9

لك التحية والتقدير أخي الأكرم الكاتب والناقد : عبد الحميد البرنس
في منظار الرؤى الأخرى والنظر الناقد من الذين يمتلكون الحرفة
وملكة النغم الكتابي ، نتقدم بعد كشف عيوب ما نكتب وثقران يتعين
أن تمتلئ .
لقد يسرت لنا السماوات مجلساً منعقداً ، افتقدناه منذ الثمانينات
عندما كنا نلتقي كل خميس على قراءة كتاب في محاولة المقاربة
بين الأفكار واللغة وجديد الفكر .
لك الشكر الجزيل .

*

Post: #12
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-02-2014, 05:32 AM
Parent: #11



الصدوق دكتور مصطفى
لك تحية ووداد يُطل كلما تكتُب .

لدي صديق منذ الطفولة الأولى : هو " هاشم حبيب الله " أهله من بيت المال . قرأ لك ولم يلتقيك . قال لي انقل محبتي للدكتور مصطفى مُدثر ، وقل له كثيرون يحبون ما تكتُب . تنزف وجداً . هو صديق الفرجوني ، وله كل مدوناته الشعرية التي تنتظر إذنه فتخرج للعلن . قدم برامج إذاعية ولقاءات منذ السبعينات عن أهل الفن ، ولديه لقاء إذاعي مع علي " المك "منذ السبعينات . هو يقرأ ولا يكتب كحال القاص " عثمان حامد سليمان "
*
كُنا في مواضي أيامنا نلوز باجتماع الصحبة ، نجلس نتغنى بالمعارف التي حصدناها ، نجول فيها بأذهاننا صغيرة التجربة ، ونتعرف على المنابع بقدر ما يتسع لنا الزمان . نُحبب المقروء إلى الصحاب . ونُكشف عما نميزه في الكتاب الذي نقرأ أو السِفر الذي نُفضله للقراءة . فكانت نظراتنا الناقدة خجولة . مضى الزمان أسرع مما ينبغي ، وصرنا نأسى على هذا الماضي الذي كنا نلتقي فيه ونُبعثر هواياتنا بين يديه .
لكن جاء الذين اكتشفوا ومهدوا لنا السماوات بما رحُبت ، فصرنا نلقى أصدقاءنا بأسرع مما نتصور ، رغم الدروب العسيرة في أن نجتمع مرة أخرى . وصرنا نلتمس أوصاف النقد : الواجد والمُقوِّم لما تأتي به نزواتنا من قدرة على جمع النقائض وتشتيت المتضامنين . وصرنا نُجرب الكتابة ، لعل فيها ما نسترشِد به ، أو نحقق في ذواتنا ما عجزنا من تحقيقه في دُنيانا من رغائب ، لم نستطع أن نفيها حقها . مثل أغلب العالمين نحن ، نجهد الجهد كله لنوفر لقمة عيش كان أهلونا في بسطة من السعادة في شبابهم ، حتى أيام ذُل الاستعمار ، كانت حياتهم مبسطة ، يلتقون على الضفاف . ونحن اليوم لا نستطيع فقد تفرقت بنا السُبل ، قد نلتقي وقد لا نلتقي .
في هدأة المكان والزمان تيسر لنا أن نتجاور في ورق افتراضي ، يذهب في البرهة إلى أركان الكون الذي فيه نحيا ، ونلتقي رغم جبروت الفرقة ، فهُدهُد الإنترنيت صار ينقل حديثنا ما طاب لنا ، عندنا تنام أنت ، أصحو أنا ، وعندما تكتوي أنت بالـ Home thick ، أجد من نفسي جالس في بساط الريح وإليك أسعى حتى أُواجِدَك ، فتعفو عنك سكرات الفراق ، وتستقبِل أيامك ولياليك من جديد .
يقول البروفيسور عبد الله الطيب : لم يأتِ النُقاد بمُصطلح جديد في النقد ، إلا وكان الأقدمون سباقين إلى نحته :
هذا أفحل من ذاك ، وذلك ينحِت من صخر ، وذاك صولجان طبري ، وهذا مُتكلف ، وتلك منحولة ، وتلك مسروقة ، وهذا ضعيف الصِناعة ، وهذا مُطنب ...
وأنتظر في بريدي ما تُرشدني إليه من أسباب ملء التجويف الذي يأتي من العجلة ، واستعجال الرغيف قبل أن تكتمل ناره الهادئة .
لك محبتي وكثير سلامي : وشيئاً من قصيد " الدكتور مبارك بشير " :

بيني مابينك
دموع القمرة بتحن للرجوع
بتريدنا وبتخاف في غيابا الطويل
نحتار وما نلقي الشموع
بيني مابينك
مسافات الغياب
وحسّ المطرة في الارض اليباب

عبد الله الشقليني

*

Post: #13
Title: Re: الضــفة الثالثة للنهـــــر.
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-14-2014, 06:18 AM
Parent: #12

ونواصل