هل نحن نقتل الموهبة في أطفالنا؟

ابني الذي يقترب من الثالثة عشر يحب جداً كتابة و تصميم ما يمكن اعتباره صحيفة حائطية فيجلب ورقة كبيرة يكتب في قلبها موضوعا جادا
-مؤخراً كتب عن الاحتباس الحراري global warming - وفي الأطراف بعض المواضيع الخفيفة كسخريته من أخيه الأصغر و تقديره لتعب والدته وامتعاضه من وزني الزائد
ولكن والدته لا تحب منه ذلك النشاط وتطلب من التركيز في دراسته وحل الواجبات المدرسية الكثيرة التي تعدها له

اذكر أنني في الثانوي العام اعتقدت أنني شاعر مجيد كتبت عدة محاولات شعرية ....
أصر صديق لي على تقديم إحداها في الجمعية الأدبية - والتي كنت مسؤولا عن اختيار مواضيعها بمدرسة كوستي الاميرية الثانوية العامة - زاعما أنها للشاعر محمود عباس العقاد
(كان الاخ الكريم الطاهر عبدالرحمن النقر هو الذي اكتشف انني صاحب المحاولة ..وقد أسَر لي بذلك) ويشهد الله انني كنت ضد الفكرة ولكني رضخت تحت اصراره
كانت مقدمة القصيدة تقول
برز علي إلى الشارع........ فوجد ملاك في ثوب بشر
حسناء تخلب الألباب ووجهها يطفح بالسرور وبالبشر
....
كانت المحاولة طويلة نوعا ما، تحكي عن شاب (علي) يعاكس فتاة في الشارع و فجأة يكتشف انها (بنت الجيران) فيندم على فعلته و كنت قد اسميتها التائب
وأذكر من ابياتها مقطع يقول (( اتلمسها من حيث لا تحتسب...ولكن..تمًهل ..هذا غدر))
وبالطبع كانت محاولة فطيرة جلبت علي سخطا من الأستاذ المشرف على الجمعية (الاستاذ الفاضل النعيم ..الذي كان يدرًسنا اللغة العربية ) لأنني كنت مسؤولا عن اختيار المواضيع للجمعية
فلم اجد بدا من الاعتذار و الاعتراف بأنني مؤلف القصيدة
فنصحني استاذ النعيم - وقد كان يحبني كثيرا - بالتركيز في الشئ الذي أجيده بدلا من هذا الكلام الفارغ
وعندما هممت بالانصراف سألني أن كنت كتبت شيئا آخر

فجلبت له قصيدة أخرى يقول مطلعها
الماء من حولي والشمس من فوقي........ فماذا انتظر لكي أزيد شوقي
النهر أمامي والخضرة تترامى خلفي....... فكأني أنا الرب أتأمل خلقي

اذكر انه قال لي باني لست اكتب شعرا رديئا فقط بل الذي أيضاً يقودني مباشرة إلى النار (وقد كانت عبارته...يابني شِِعرك مش كعب و بس....ده طوالي بيوديك النار)

كانت مدرسة كوستي الاميرية الثانوية العامة تضم المتفوقين اكاديميا من المرحلة الابتدائية
لذا لم تشتهر (في زمننا) بالتفوق الرياضي او الفني ...رغم وجود مواهب كروية و فنية فذة بها
لم يكن هذا نابع من عدم اهتمام من المدرسة بقدر ما هو قلة المواهب في تلك المجالات....

وفي دفعتنا تم طرق كثير من الابواب المختلفة للابداع.....
فكان ماهر تاج السر العازف المشهور (السمندل)..والذي تفتحت مواهبة الفنية منذ صغره بالاميرية
ويستحق ماهر كل التقدير لاصراره في السير قدما نحو تطوير موهبته بالدراسة.....

ولكن هناك من قتل الموهبة في الاصرار على السير في الطريق الاكاديمي المعهود
عثمان محمد الامين (دفعتنا في الاميرية) ..كان في نظري أفضل (ناقد فني)...رغم اننا وقتها لم نكن ندري ماهو النقد الفني
كان عثمان يمتلك زخيرة معرفية كبرى في كل المجالات الفنية
كان يدخل الفيلم الهندي (ذو الساعتين او أكثر) ويعطيك كل القصة في 5 دقائق دون اخلال بالنص
كان اول من اشار (في شلتنا) لمحدودية صوت عبدالعزيز المبارك (باسلوب المراهقة انذاك) في وقت كان عبد العزيز نغمة كل الشفاه منتصف السبعينات

عثمان اهمل كل ذلك..وصار اكاديميا ناجحا كلل مسيرته بالتفوق الاكاديمي و المهني في مجال الاقتصاد