من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي

من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي


10-18-2014, 11:57 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1413629876&rn=0


Post: #1
Title: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: د.محمد بابكر
Date: 10-18-2014, 11:57 AM

Quote: غنمت صداقتك قبل أن أراك. والصداقة الحقّة هذه الأيام، أندر من أسنان الدجاج. (لطشت) هذا التعبير الذي أراه بارعاً، من كاتب وشاعر اسمه "لانجستون هيوز"!. وعلى كلٍ، فإن هذا ليس مجال الحديث عن أسنان الدجاج، والخل الوفى، أو العنقاء.
قرأت رسالتك الجميلة إلى منظمة العفو الدولية، ترد بها على رسالة وصلت إليك منهم. حدّثني من لا أتهّم، أن رسائل المنظمة كانت تخترق أسوار السجون، طال بها الزمن أم قصر، وكنتم تقرأونها. تصل مثل ما يصل الهواء، لا يمنع وصله أحد. وكما تطلع الشمس، لا يحجب ضياءها أحد. ومثلما ترتفع السحب فى سماءٍ تعلقُ نفسها، لا يعارض سموها أحد. أنا بذلك جد سعيد. أغرتني رسالتك بالنظر إلى نفسي نظرة جوّالة، عاينت نفسي من داخلها، وأذكرتُها اًياماً يابسة، جفافها عجيب، يحصونها بعمر الزمان. يقولون ستة عشر عاماً. سألتني نفسي: لماذا لا تقولون ستة عشر سنة؟ ألأن (العام) مذكر، والسنة أنثى، أم ما زالت دنياكم تفكر بتلك الطريقة العقيمة؟! سكتّ، وماعندي لها من جواب!. نفسي سرحت بعدها، أجيل النظر حيث ينبغي لي، وحيث لا يكون ذلك. وكما تعلم، فإن البحث فى النفس ومعاتبتها أمر لا يقدر عليه إلّا قليل من الناس. إن المسافة بين سجن كوبر والبيت الذي أسكن فيه في (برّي)، جسر واحد. والمسافة بين وجود هذا السجن والإحساس به لبعض ممن هم خارجه، وهَمٌ لا نهائي. بضع عشر سنة كان الحديث فيها عن التعذيب تفيض به المجالس والجلسات. يتورّم الحدث بين جلسة وأخرى، ومجموعة وأختها. ماذا فعلت أنا مثلا؟! كنت مشغولاً بالركض اللاهث، عهد كانوا يرمون الناس في السجن، ويعذبون ويقطعون من خلاف، ويشنقون ويقتلون اللغة، وتعلم أنهم صلبوا منسوبات الأسماء! كنتُ أضعف الإيمان، ألعن الحياة، ولا أقدم شيئاً يذكر لصياغة معالمها.
عزيزي على الماحي
لقد أذكرتني رسالتك العذبة زمناً لعهد الحداثة والصبا، آمنا فيها حق إيمان أننا قادرون على طرد الاستعمار عن البلاد، وأنه يمكن لتلك الفئة المؤمنة أن تُوقف الحرب الثالثة الكبرى، تنذر بعد أختها الثانية، وما قد خلفت تلك من ويلات ودمار وبؤس وعار.
كنا نجمع التوقيعات على نداء (برين) ونداء (ستوكهلم)، ونلوذ بالظلال والجدران والسوق والبحر الصخاب أن يبطش بنا ما كنا نسميه (البوليس السري)، وأضحك الساعة. فالبوليس السري من أم درمان كلها آنذاك، من (أبي روفها إلى الموردة إلى ود نوباويها)، بضعة أفراد يلبسون الجلاليب تخفياً، ويعلنون بمناديل البوليس الحمراء والصفراء عن الهوية، وعن البضاعة كلتيهما. ونجمع التوقيعات! لا بأس، طفنا بالنداء (القصيرية) و(سوق العناقريب) و(الملجة)، وقرأ الطلاب والخضرجية والسمكرية والخراطون وأهل الحرف ومن لا عمل لهم، ثم وقّعوا عليه. ومن لا يعرفون الكتابة جعلوا على الورق بصماتهم.
بعض أولئك ما سمع بـ (أستوكلهم)، ومنهم من لا يعلم أي خط عرض يلاقى أي خط طول فتكوّن (برلين)، وهيّ أيام عذبة المذاق، ثم تجيء إلينا سنوات يصير فيها البوليس السري إلى شئ أكبر من المناديل والجلاليب، لكل مدينة نصيبها الوفير. جندٌ منهم وآلات، ما استطاعوا من قوة ومن رباط الخيل، وما ليس بمستطاع، وكنا عدوّهم، وهم لا ريب عدو الله، وأنهم قد نَفَذُوا إلى المؤسسات والمصالح والمصانع ودور الرياضة وأماكن الترفيه، فكانوا للطاغوت جنوداً ومنها العسل، فكان أولئك القوم يكتبون ويرسلون الرسائل ويصوّرون ويرصدون النشاط اليومي لزملائهم. فلان ذهب إلى الفطور، تحدث بالتلفون، دخل مع فلان وخرج مع علان، سمعناه ينشد شعراً.
حُرم عليكم أمرؤ القيس، وطرفة بن العبد، وصناجة العرب، وأعمى المعرّة، ولوركا، ومحمود درويش. قالوا، وكتبت العيون فى المؤسسات والجامعات ودور الرياضة تقاريرها للأمن، ويقيم الشرفاء بذلك السجن الكائن شرق النيل. أقول: كنا لعهد الحداثة والصبا نضرب عن الطعام ليخرج الانجليز، ومن الناس من سخر منا، وخرج الانجليز. ماذا ألمّ بي عهداً طوله ستة عشر سنة؟ ضعفت؟ فترت حماستي؟.
رسالتك تلك الرقيقة جعلتني أجيل النظر فى أنحاء نفسي، رسالتك زلزال سانحة تغري المرء أن يصفيّ دمه من شوائب ذلك العهد. إن للأسرة أغلالاً، وللولد أغلال، فذاك زمان شظف العيش. زمان تطير الأسقف عن الجدران. أوان الخوف والمسغبة. لا يقدر على كسر الاغلال سوى الشجعان الصناديد!.
عزيزي علي الماحي
أتصور ليلاتك فى السجن، فى خيالك زهراتك. والزهرة الكبرى هذا الوطن، وأتصور الجدران تحيط بكم، والطعام الغليظ. كان المفكرون فى مصر يتحدثون عن سجون الملك فاروق، ويكتبون عن أكلهم الطعام (ممزوجاً بالأسمنت)! وكلّمونا كيف تصنع السجون صنوفاً من السقام لا يعرفون مصدرها، وتصنع السل والاكتئاب. وفى خارج كوبر وشالا وسجن بورتسودان وغيرها، يركن بعض الناس للكلام عن أي المخابز رغيفها ناعم وأبيض، وأي الطلمبات بنزينها وفير، وعمالها فيهم سخاء ونخوة، فلا يعترفون بالحصة المقررة ولا بالتموين!.
فى دمنا يا أخي (علي) بعض هذا. أريد لهذا الدم أن يصفو، وتيسّر لى كلماتك النابهات العلاج.
عزيزي علي الماحي
أعتقد أنني قد غنمت صداقتك قبل أن أراك، والأمر بين يديك، ولك من بعد تقديري ومودتي الخالصة

Post: #2
Title: Re: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: عبد الخالق عابد
Date: 10-18-2014, 02:03 PM
Parent: #1

رحم الله النقابى والمناضل على الماحى السخى ورحم الله البروف على المك بقدر ما قدموا لشعبهم ولاصدقائهم ورفاقهم

تحياتى لك دكتور محمد بابكر

Post: #3
Title: Re: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: Sabri Elshareef
Date: 10-18-2014, 02:13 PM
Parent: #1

الرحمه للاديب علي المك كم كان لطيفا وفكها
والي النقابي علي الماحي السخي المناضل النقابي القوي

ولك يا محمد بابكر سلامي واحترامي في العيد كنت مع ابو عبيدة وازهري عمر وكانت سيرتك نضره
ويبلغوك السلام

Post: #4
Title: Re: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: د.محمد بابكر
Date: 10-18-2014, 03:04 PM
Parent: #3

لك التحيه الاخ عبدالخالق ولك صبرى ولذلك القادم من (المغاوير) ورفيقه ابن(امدرمان) الفكه خفيف الظل خالص التحايا واحلى الامنيات باقامة امنه مع العم سام وياريت ترسل لى تلفوناتكم على الخاص..

Post: #5
Title: Re: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: سيف اليزل الماحي
Date: 10-19-2014, 07:06 AM
Parent: #4

.



لو كنا بلد آخر وشعب آخر،
لوجدت رسالة علي المك لعلي الماحي السخي ضمن القطع الأدبية في كتب المطالعة المدرسية!
لكننا في هذا السودان للأسف!


.

Post: #6
Title: Re: من علي المك إلى عزيزه علي الماحي السخي
Author: عبدالرحمن يسن حسين
Date: 10-19-2014, 07:29 AM
Parent: #5

لهم الرحمة البرف على المك والمناضل على الماحى