إلى المدرســـة الأولية

إلى المدرســـة الأولية


09-03-2014, 10:32 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1409736764&rn=0


Post: #1
Title: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-03-2014, 10:32 AM





إلى المدرسة الأولية


الخوف والدهشة والفرح اجتمعوا جميعاً في قمة رأسي منذ المساء .
- بلغت الآن يا ( نجم الدين ) مرحلة النضج . آن لك أن تستبدل وإلى الأبد الجلوس على الرمل الخشِن أرضاً بالجلوس على المقاعد الخشبية كالسادة وكِبار السِن .
هكذا قلت لنفسي .
*
ودّعت وإلى الأبد ألواح ( الأردواز ) للكتابة وجاءت مرحلة الكراسات وأقلام الرصاص و الريشة والحِبر ، فقد كبرنا على خلوة عمنا الشيخ "عبد الرحيم ". السابعة من العُمر كان في ذهني هو موعد النُضج والانعطاف الكبير ، وآن الأوان أن أذهب برفقة أخي عثمان وابن عمي كمال الدين إلى المدرسة . سيقبلونني قسراً بينهم رفيقاً و مُسامراً . لن يتهكم أحد فلم أعد صغيراً ، فمنذ اليوم سوف أصبح مثلهم . قامتي تعدت المِتر قبل زمان، كنت أحسبها في ذلك الزمان عنفواناً ورجولة وقوة .
*
صحوت مُبكراً على غير العادة ، فالأفراح القادمة مع الخوف والقلق تُخلخل المنام . الجلباب الأبيض وغطاء الرأس وحذاء القماش ، هي اللباس الجديد . حلاقة الرأس كانت قبل يومين تحت ( راكوبة ) الحاج محمد في سوق الموردة ، ومنها بدأ العد التنازلي للذهاب إلى المدرسة .
*
أعدت والدتي كل شيء منذ الصباح الباكر . وكان عليَّ الإسراع لحمام الصباح والسواك . رغم أنني لا أحبهما ولكنني اعتدت على قبولهما فهي طقس من طقوس الكِبار ، يمارسونه بلا تردد ، أياً كان الماء بارداً أم دافئاً . للنضج مخاطر وقساوة لابُد من التعود عليها .
*
شاي الحليب مع (الِلقيمات ) تناولته مثل الجميع ،ثم أخذت الزاد اليومي ( قرشان ) للإفطار وهو في زمان الخمسينات من القرن الماضي مال يمكن للمُدبر أن يوفر ربعه ، أو نصفه إن كان مُقتِّـراً . التنبيه والتشديد على تفقد "المال" من الضياع عند كل حين كانت هي الوصية ، فالجري والقفز واللعب تُضيّع النقود ، لذا كان الحذر من الواجبات .
*
تحدد مُسبقاً تاريخ اليوم موعداً للذهاب للمدرسة . يقولون إن الشيخ "عبد الرحيم" قد حمل القائمة بأسماء التلاميذ الجدد ومعها وثائق الميلاد للمدرسة الأولية قبل أيام . تبعد المدرسة الأولية فرسخاً ونصف الفرسخ عن مسكننا . حضر ابن عمي" كمال الدين " إلى مسكننا في موعده اليومي ، فمسكننا يقع على طريق مسيرته إلى المدرسة . من المُعتاد أن يغشى أخي عثمان ويذهبان سوياً . الحقيبة القماشية على الكتِف تبدو لي اليوم جميلة ورائعة ، حتى ولو كانت فارغة . الطريق الترابي كنت أراه ضخماً فخماً هادئاً في الصباح . شمس الصباح رائعة . المذياع تُجمله أغنية في الطريق :
الزهور صاحية وإنتَ نايم
داعَبت شَعرك النسائم
. . . . . . . . .
لم أكن حينها أعرف أن شاعرها هو العملاق عبد الرحمن الريَّح ، أو أن الصوت الرخيم هو للفنان الرائع رمضان حسن .
*
النظرة المُستبشِرة و التحية من الجيران والعابرين ، فثلاثتنا الآن في طريقنا للمدرسة ، أنا وكمال الدين و أخي عثمان. كمال الدين في السنة الرابعة والأخيرة في المدرسة الأولية ، وعثمان في الثالثة وأنا سوف أصبح في الأولى . وأدركت أول ما أدركت و منذ خروجنا من مسكننا ، أن الجَدة (نفيسة ) كانت صادقة عندما قلبت أصداف ( الوَدِع ) الصغيرة أمامي ذات مرة و كان تقول :-
- الدار الكبيرة مُحَمِدَاك يا نجم الدين .
*
كان للذهاب المُبكر للمدرسة مَيزّة تعرفك على معالم المدرسة وفق ما يرى أخي عثمان . على جانب الطريق أشجار ( النيم ) متفرقة بلا انتظام على الطريق إلى المدرسة الأولية . ينضم إلينا في الطريق مبارك و محمد من أبناء عمومتي ، جميعهم يتسامرون وأنا أستمع . للمدرسة سور ضخم متصل تراه أنت من البعيد ، هو مبني من الطين وطرفه الأعلى من الطوب الأحمر ، بعرض 30 سنتمتر ، تسمح للجميع الصعود عليه والسير فيه وقت اللعب. الأغصان الباسقة تغطي الأسقف الهرمية الشكل . إنها لا تشبه مساكننا ، ترتفع أكثر مما يجب . إن رأيتها وأنت داخل القاعة الدراسية ، ترى أخشاب التيك داكنة اللون تتقاطع مع بعضها لتُمسِك سقف الأسبستوس الخرساني المتموج، أعلى قاعة الفصل والقاعات المجاورة كذلك . الحوائط بُنيت من الطوب الأحمر والنوافذ من ألواح التيك الخشبية، تفتح على الفرندة الممتدة جنوباً ، أما شمالاً فتظلل النوافذ أفرع أشجار ( اليارنج ) . ثمارها الخضراء حامضة الطعم، صرنا نحن بعد تعوُدنا نتبارى في تحمل حموضتها .
*
المدخل الرئيس عند بوابة المدرسة بعرض أربعة أمتار ، وأعلاه لافتة المدرسة :
( مدرسة أبو عنجة الأولية للبنين ) . بعد زمان من ذلك التاريخ أدركت أن المدرسة تحمل ذكرى البطل حمدان أبو عنجة ، حامل أحد ألوية المهدية و بطل من أبطالها ، وأدركت لاحقاً أن البنين تختلف عن البنات في الكتابة كما في الطبيعة ! . تجد الطريق أمامك عند مدخل المدرسة يفترِشه البحص والرمل . على اليمين وعلى اليسار حديقتان ، تحُف من حولهما مجموعة من أشجار ( البان ) و( التمر هندي ) والحشائش ومغطيات التربة تشكل تكوين الحدائق . إن خطوت خمسة عشر خطوة تجد على اليمين مظلة مبردات المياه الفخارية . مجموعة من الجرار تجلس على فتحات صنعت في بسطة خرسانية بارتفاع أقل من المتر . على رؤوسها أغطية خشبية بمقابِض ، وعليها أكواب صنعت من الألمنيوم كبيرة الحجم ربطت بحبال من نبات الكِناف ، تمنع الكوب أن يتجول بعيداً . عدة أمتار أخرى وإلى اليمين ملعباً صغيراً للكرة الطائرة اصطلاحاً ، فهو باحة وقائمين وشبكة . عشرة أمتار أخرى وتبدأ مباني قاعات الدرس ( الفصول ) . المباني أقامتها وزارة الأشغال منذ مطلع الخمسينات . تبتني هي أنموذجاً لمدرسة ، ويتم تنفيذها في كل مدن السودان وضواحيه والأرياف، وفق ما يتيسر . يقوم البناء على شكل هرمي . عِقد واسطته مكتب لمدير المدرسة و آخر للمدرسين . وعلى الطرفين ( فصلين ) على اليمين وعلى اليسار .للسنوات الأولى والثانية من جهة ، وللسنوات الثالثة والرابعة من الجهة الأخرى . على طرف قصي مخزن و غرفة الحارس عمنا ( محمد الفرَّاش ) ، بها أيضاً مطبخه. لاحقاً بعد أن تعرفنا عليه ، تذوقنا عنده لأول مرّة " قُرّاصة " القمح مع طبيخ اللحم عصراً ،بعد انتهاء دوام المدرسة .
من الجهة الشرقية و على يُسراكَ وأن تدخل البوابة ، هنا يجلس ثلاثة من النسوة ، حولهم آنية وصحائف تجهيز الإفطار للتلاميذ ( في فُسحة الفطور ) : العَمة ( الحاجة ) ، ثم العمة ( زينب ) ثم العَمة ( حليمة ) . عمرهُنَّ يقارب أمهاتنا ، يقدمنَّ النصائح ويترفقنَّ بالفقراء من التلاميذ . من الجهة الغربية باحة كُبرى لطابور الصباح اليومي . في الوسط توجد مساحة لمزارع التلاميذ التعليمية . الخضروات والمحاصيل الموسمية ، وقد تقلصت لأحواض يتراوح أطوالها بين المتر والمترين . تربط بعضها قنوات الري ، تُقرِّب لنا في ذلك الزمان المزرعة في وقتٍ نأت المزارع بعيداً إلى أطراف النيل. ثلاثة فراسِخ شرق المدرسة الأولية و تحت جسر النيل الأبيض يوجد اليسير مما تبقى من مزارع الخُضر . فقد تمَدينت أم درمان وأخذت بأسباب التجارة والمهن الحرفية. بعُدت قليلاً عن حياة الريف ، وبقي أهلها ريفيون ولكنهم يلبسون قشور الحواضِر .
*
عندما تقاطر التلاميذ ، أخذني شقيقي إلى عمنا الشيخ "عبد الرحيم "، وأمسك الأخير بيدي . انتظرنا في الباحة بعد أن رأينا طابور الصباح ، وكيف ينتظم الجميع في سكون وأدب . يصطف الجميع ، يتفقد المعلمون الصفوف . كل مرحلة على جانب من الباحة ، قبل النشيد اليومي . ثم المغادرة إلى قاعة الدرس .
*
انتهت قراءة الأسماء المُعتمدة وتمَّ التسجيل للسنة الأولى. تفقد الشيخ " عبد الرحيم " الجميع و اطمأن على قبولهم . نبهنا بضرورة الالتزام بالآداب التي تربينا عليها في ( الخلوة ) . أوضح أن المخالفين سيقدمون إليه ليوقع العقوبة عليهم وفق النظام القديم ، إضافة لعقوبة أولياء الأمور . تحرك الموكب إلى داخل القاعة المخصصة لتلاميذ السنة الأولى . على باب القاعة وقف مُرشد الفصل المعلم ( مصطفى أحمد سالِم ) ، في يده اليُسرى سوطاً قصيراً ، ويده اليمنى مرفوعة توجه الداخلين .
*
يوليو هو شهر الصيف ، الحرّ والأتربة ثم الأمطار حين يبدأ العام الدراسي . بدأ المعلم " مصطفى "التعريف بالمدرسة ونظمها والقائمين عليها ، ثم بدأ قراءة قصة قصيرة مشوقة من قصص " كامل كيلاني " كي نتقرب إلى المدرسة عن طريق القص، وتلك بداية الطريق.

عبد الله الشقليني
21أبريل 2005


*

Post: #2
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 09-03-2014, 01:02 PM
Parent: #1

حسب ويكيبيديا، يتم تعريف الطبوغرافيا، ك "تمثيل دقيق لسطح الأرض بعناصره الطبيعية والبشرية"، وهذا النصّ لعمري تمثيل دقيق لما كان يعرف ب "المدرسة الأولية"، لكنه تمثيل معجون بالحنين المصاحب لاستعادة تلك الأشياء الحميمة المتوارية خلف طبقات الزمن. و حرف الجر "إلى"، كما هو موضح في العنوان، يقوم بتحويل تلك الاستعادة، من مجرد فعل اجترار لعالم دارس، إلى فعل اكتشاف أركيولوجي لما كان عليه العالم في عموميته وتفاصيله الدقيقة، كما لو أن الشقليني عالم آثار، وهو ما يؤكده لاحقا السياق السردي، عبر العين البِكر لطفل.

Post: #3
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-03-2014, 05:36 PM
Parent: #2

Quote: حسب ويكيبيديا، يتم تعريف الطبوغرافيا، ك "تمثيل دقيق لسطح الأرض بعناصره الطبيعية والبشرية"، وهذا النصّ لعمري تمثيل دقيق لما كان يعرف ب "المدرسة الأولية"، لكنه تمثيل معجون بالحنين المصاحب لاستعادة تلك الأشياء الحميمة المتوارية خلف طبقات الزمن. و حرف الجر "إلى"، كما هو موضح في العنوان، يقوم بتحويل تلك الاستعادة، من مجرد فعل اجترار لعالم دارس، إلى فعل اكتشاف أركيولوجي لما كان عليه العالم في عموميته وتفاصيله الدقيقة، كما لو أن الشقليني عالم آثار، وهو ما يؤكده لاحقا السياق السردي، عبر العين البِكر لطفل.


عزيزي الأستاذ / عبد الحميد البرنس
تحية طيبة وكثير ودٍ لك
إني لقرأت دعوة مبطنة للتنوع في الكتابة ، ودعوة البنات أن يكون حراً فيما يكتب بسلاسة ، ولا ضير في ترتيب المنتج والمخرجات . كنت دائماً أتطلع إلى الشق المختبئ من الحفريات الاجتماعية ، فقد صرنا جميعاً اسري رواة تاريخ الأعلام في الحُكم ، ولم نجد النصف الآخر من الكرة التاريخية . وقد أعددت خميرة تاريخية عن ( معركة كرري ) و ( معركة الشُكابة ) وكتبت المصادر وروايتهم ، وفتحت دعوة للجميع لرؤية الجانب الخفي ، وأن ينقلوا لنا حكاوي الأجداد والجدات ، ولم أعثر على إضافة إلا واحدة ، كانت تتحدث أن محمد أحمد المهدوي الكبير تزوج من منطقة كوستي ، وكان مشغولاً بالزيجات التي تجعل منه واسطة عقد الأمم والقبائل السودانية ، وتلك منقولة من الأثر الإسلامي .
وأذكر إحدى جداتي وكان اسمها ( خريف ) وهي من بقايا أم درمان التي كانت زراعية المهنة والعوالم ، وقد سردت لي وقائع عن استباحة أم درمان بعد معركة كرري ، وكان الجنود في حالة هوس ، فما رأوا طفلاً ذكر إلا وقتلوه ، وقد خبأت الأسر الأطفال في " حفر " داخل البيوت ، ويسقفونها بالأغصان والبروش ويجلس عيها النسوة " مبلمات " ...ّ!
ولسوء الحظ فقد أثر الملفين ، وكتبت للأخ بكري وكما تقول الطُرفة عن النميري أنه كان يحكي عن الجفاف ، وقال أننا دعونا الله أن تمطر السماء ولكن ( لا حياة لمن تنادي )
لك الشكر الجزيل أخي البرنس على هذا الزاد المتدبر .

*

Post: #4
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبد الحميد البرنس
Date: 09-03-2014, 07:17 PM
Parent: #3

حياك الله مجددا، أخي الشقليني، وقد وجهت إليك تحية بدءا، عبر الاحتفاء، على طريقتي، بنصّ سردي غني شكلا ومضمونا. وهو ما يخرج رؤيتي تلك، على تواضعها واقتضابها، من الأسر الشائع للأخوانيات والمواضعات الاجتماعية السائدة الأخرى، تحريا للموضوعية، ما أمكن. على أنني أشير، في السياق نفسه، إلى الثراء المعرفي والإلمام الواسع بالمعلومات التاريخية، التي يحفل بها النصّ، وهي جميعا مقدمة ضمن النسيج الحيّ والمتلاحم للسرد ككل، لا مقحمة إقحاما، أو مفروضة قسريا من أعلى، وما يمنح القراءة متعتها لمثل هكذا نصّ، هو محاولة اكتشاف هذا العالم المدرسي، واستعادة دهشة ذلك الاكتشاف ، وتقديم أجواء العالم المعني، وعرض كنوزه المبثوثة في ثنايا الذاكرة، مثل شنطة الدمورية أوالدبلان، لا كقطع أو أدوات عملية، بل كتحف تذكارية مغمورة بالحنين.

Post: #5
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: mustafa mudathir
Date: 09-04-2014, 02:21 AM
Parent: #4


سلام عبدالله محمد ابراهيم
وهكذا عرفتك حين أتاني طائراً أحد سكان الموردة وقال لي: خذ إقرأ قصة قصيرة.
وكنت أنت بعد في كلية الهندسة. وبعد فترة قالوا لي اسمه بيكاسو فأبعدوك عن جمال
محمد ابراهيم صديقي وزميلي في أعمال الجمعية الأدبية في المدرسة الوسطى (النهضة)
ثم لمع اسمك ككاتب في المنابر ولكنك بعدت أكثر باتخاذك اسم عبد الله الشقليني ولعل الحكمة
وحدها هي السبب وراء اتخاذك هذا الاسم!
أفرحني هذا النص كثيراً فهو واجب أديته على نحو رفيع لأن التفاصيل التي أوردتها تضع
الذكريات كمصدر قوي الأثر لمادة توثيقية عن تلك الحياة الباكرة في أم درمان وكيف يبدأ
الناس التحاقهم بدور العلم والمدارس وكيف كانت هي المدارس والطابور الخامس للتنوير
بما فيه نساء بيع المأكولات والخفراء ولاحقاً الصولات.
هذه كتابة تضع المعلومة في ثوب قشيب من الذكريات الفردية والجماعية. وحقيقة من غيرنا،
من غير من يقدرون على التعبير يستطيع أن يحمي حياتنا من الإزاحة المتعمدة لمعالمها
النابضة والتي لا زلنا نتنفسها.
مرحباً وأنت أعلم أن مكانك في الكتابة العامة والتوثيق المدعوم بالمعرفة المهنية وكذا في
الكتابة الابداعية لم يشغر وما علق بروحك الملتزمة يمكن أن يكون زاداً لك لا يفنى!
أعبر لك عن كثير ارتياحي لمجرد احتمال أن تعود للقصة وسردك أعلاه يمتزج فيه قدرك
كقاص بقدرك كمهندس وقائع من ذاكرة ذهبية!


Post: #6
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: حمزاوي
Date: 09-04-2014, 07:41 AM
Parent: #5

فى القولد التقيت بالصديـق
أنعم به من فاضل ، صديقى
خرجت أمشى معه للساقية
ويا لها من ذكريات باقيــة
فكم أكلت معــه الكابيدا
وكــم سمعت اورو والودا
***
ودعته والأهل والعشيرة
ثم قصدت من هناك ريره
نزلتها والقرشى مضيفى
وكان ذاك فى أوان الصيف
وجدته يسقى جموع الإبل
من ماء بئر جره بالعجـل
***
ومن هناك قمت للجفيـل
ذات الهشاب النضر الجميل
وكان سفري وقت الحصاد
فســرت مع رفيقى للبــلاد
ومر بي فيها سليمان على
مختلف المحصول بالحب إمتلا
ومرةً بارحت دار اهـلى
لكي أزور صاحبى ابن الفضل
ألفيته وأهله قد رحلـوا
من كيلك وفى الفضـاء نزلوا
فى بقعة تسمى بابنوسـة
حيث اتقوا ذبابة تعيســــة
***
ما زلت فى رحلاتى السعيدة
حتى وصلت يا مبيو البعيدة
منطقة غزيرة الاشجــار
لما بها من كثرة الأمطــار
قدم لى منقو طعــم البفره
وهو لذيذ كطعام الكســـره
***
وبعدها استمــر بى رحيلى
حتى نزلت فى محمد قـــول
وجدت فيها صاحبي حاج طاهر
وهو فتى بفن الصيد ماهـــر
ذهبت معه مرةً للبحـــــر
وذقت ماء لا كماء النهــــر
****
رحلــت من قول لود سلفاب
لألتقى بسابع الأصحــــاب
وصلته والقطن فى الحقل نضر
يروى من الخزان لا من المطر
أعجبنى من أحمد التفكيـــر
فى كــــل ما يقوله الخبيرُ
***
ولست أنسى بلدة أم درمــان
وما بها من كثرة السكـــان
إذا مرّ بي إدريس فى المدينة
ويا لها من فرصـــة ثمينة
شاهدت أكداساً من البضائــع
وزمراً من مشتر وبــــائعْ
***
وآخر الرحلات كانت أتبره
حيث ركبت من هناك القاطره
سرت بها فى سفر سعيد
وكان سائقى عبد الحميـــد
أُعجبت من تنفيذه الأوامر
بدقة ليسلم المســـــافر
***
كل له فى عيشه طريقـة
ما كنت عنها أعرف الحقيقـة
ولا أشك أن فى بــلادى
ما يستحق الدرس باجتهـــاد
فإبشر إذن يا وطني المفدي
بالسعي مني كــي تنال المجدا

Post: #8
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-04-2014, 11:07 AM
Parent: #6

الأكرم : حمزاوي

تحية طيبة ،،،
أنعمت علينا بصحفحة الذكرى ، وتلك البطاقة الشعرية المحببة إلى النفس .
ويا لها من ذكرى عطرة ، يريدوننا أن نطمرها بالتراب ، مثلما يفعلون مع كل
خير نبت ..
لك شكري

Post: #7
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-04-2014, 10:52 AM
Parent: #5

Quote: سلام عبدالله محمد ابراهيم
وهكذا عرفتك حين أتاني طائراً أحد سكان الموردة وقال لي: خذ إقرأ قصة قصيرة.
وكنت أنت بعد في كلية الهندسة. وبعد فترة قالوا لي اسمه بيكاسو فأبعدوك عن جمال
محمد ابراهيم صديقي وزميلي في أعمال الجمعية الأدبية في المدرسة الوسطى (النهضة)
ثم لمع اسمك ككاتب في المنابر ولكنك بعدت أكثر باتخاذك اسم عبد الله الشقليني ولعل الحكمة
وحدها هي السبب وراء اتخاذك هذا الاسم!
أفرحني هذا النص كثيراً فهو واجب أديته على نحو رفيع لأن التفاصيل التي أوردتها تضع
الذكريات كمصدر قوي الأثر لمادة توثيقية عن تلك الحياة الباكرة في أم درمان وكيف يبدأ
الناس التحاقهم بدور العلم والمدارس وكيف كانت هي المدارس والطابور الخامس للتنوير
بما فيه نساء بيع المأكولات والخفراء ولاحقاً الصولات.
هذه كتابة تضع المعلومة في ثوب قشيب من الذكريات الفردية والجماعية. وحقيقة من غيرنا،
من غير من يقدرون على التعبير يستطيع أن يحمي حياتنا من الإزاحة المتعمدة لمعالمها
النابضة والتي لا زلنا نتنفسها.
مرحباً وأنت أعلم أن مكانك في الكتابة العامة والتوثيق المدعوم بالمعرفة المهنية وكذا في
الكتابة الابداعية لم يشغر وما علق بروحك الملتزمة يمكن أن يكون زاداً لك لا يفنى!
أعبر لك عن كثير ارتياحي لمجرد احتمال أن تعود للقصة وسردك أعلاه يمتزج فيه قدرك
كقاص بقدرك كمهندس وقائع من ذاكرة ذهبية!



الحبيب : ( يا قريب مني بعيد ) : الدكتور مصطفى مدثر

تحية ود في ملجأ نفسك البهية بالطلع ، والمخضبة بالغنى كعرائس البحر القديمة .
لم يعد أحد يذكر تلك اللفافة الحياتية ، بدمها المُسال . ونعيش الآن في كف تتسرب منه الحواشي ،
علنا ننسى هذا التاريخ المطموس كي لا نتذكر أن الدولة القديمة كانت تُعلم الناشئة وتوفر لهم العلاج الصحي المجاني ،
وأسرة الاستشفاء في المستشفيات ، ويهرب منها المرضى رغم الدعة والخدمة الممتازة .
ما فعلناه أن نزعنا تلك الأقصوصة عن أن تصير قصاً مُضيعاً .
لم أزل أذكر كتابك لي عندما كانت الدنيا خضراء ، وقلتَ لي سوف أكتُب عن أخي ، ورحل الشاعر النضير ولم تكتُب ....
تقبل محبتي
*

Post: #9
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: محمد أحمد الريح
Date: 09-04-2014, 12:56 PM
Parent: #7

الأخ عبد الله
بعد التحية
دوماٌ نستمتع بكتابتك الرائعة وتوثيقك لذلك الزمن الجميل.
يا سلام على تلك الأيام الطيبة أيام المحبة والمحنة والجيرة
النقية والتوادد اللا محدود.
شكرا يا عزيز على السرد الجميل.

Post: #10
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 09-05-2014, 03:31 PM
Parent: #9

Quote: الأخ عبد الله
بعد التحية
دوماٌ نستمتع بكتابتك الرائعة وتوثيقك لذلك الزمن الجميل.
يا سلام على تلك الأيام الطيبة أيام المحبة والمحنة والجيرة
النقية والتوادد اللا محدود.
شكرا يا عزيز على السرد الجميل.


لك الشكر الجزيل سعادة العميد / محمد أحمد الريّح


*

Post: #11
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-05-2014, 08:24 PM
Parent: #10

.

Post: #12
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: ABDALLAH ABDALLAH
Date: 11-06-2014, 03:19 AM
Parent: #11

التحيه لك أخى العزيز عبدالله الشقيلينى وأنت تتحفنا بكل ما هو رائع ومبسط وجميل .
وهل من عوده لذلك الزمن الجميل الذى ولى ؟!!
ما أجمل ذكريات المدرسه الأوليه
كريت الأبت الرجوع للبيت
والبيت الذى بناه الجاك .....

واصل يا حبيب
ومتابعين .

Post: #13
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالعزيز عثمان
Date: 11-06-2014, 06:05 AM
Parent: #12

حكي بديع،معطون في الحنين لازمنة سمحة،ولت ،للاسف وليس لها من عودة..
شدتني جزالة اللغة،وصورة واضحة للاماكن،وتصوير بليغ للشخوص،ووضع الحوادث تمشي امامنا،اراكم راي العين،شنط القماش،مباني الفصول،الطابور الصباحي،ونشيد الانشاد..
مااجمل ماكتبت ،،وما ابهاها من لغة،،سيدي عبدالله..

Post: #14
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-06-2014, 06:49 AM
Parent: #12

الأكرم : عبد الله عبد الله
تحية طيبة لك ،
نحاول توثيق تاريخنا عن طريق القص ، فقد احتجب التاريخ الاجتماعي
بسبب الثقافة الشفهية التي نحاول قدر الإمكان توثيقها بالكتابة

لك شكري

Post: #15
Title: Re: إلى المدرســـة الأولية
Author: عبدالله الشقليني
Date: 11-06-2014, 07:29 AM
Parent: #14


إلى المدرسة الأولية (2)


نحن نغادر المدرسة مُبكرين عن فصول السنوات الأخرى . وكما اتفقت مع أخي انتظاره في أحد الظلال . من البعيد استمع للأناشيد بألحانها :
بلدتي بلدتي بهجة النظر ** أيُ منظر فيك لا يسُر
وينشدونها على لحن " الوافر ضراعهُ أمنتو الرسول " للمطربة " مهلة العبادية "
*
من بعد تأكد لي معرفة طريق العودة إلى البيت ، ولا حاجة لانتظار أخي . ( الحاجة حليمة ) منحتني " ساندوتش فول " للإفطار في اليوم الأول بالمجان ترحيباً بشقيق زبائنها الصغار ، فوفرت قرشان دون عُسرة . ولكن والدتي زجرتني عندما علمت ، لأنها تريد مني أن اعتمد على النظم ، فلا ينفع انتظار الهبات والتعود على الكسل والرخاوة .
لم أزل افتقد أحد أصدقائي الصغار ، عندما انتقلنا للسنة الثانية ، افترقت عنه نهار يوم ، ولم يحضر اليوم الثاني ، ولا الثالث . وعرفت بموته بمرض السحائي . تملكني الخوف والحزن ، وكدت أمتنع عن القدوم إلى المدرسة . ولكنني حضرت غصباً بإصرار أسرتي وأخي . ولما علِم الأستاذ ( مصطفى ) استدعاني لمكتبه في فسحة الوقت بعد الإفطار . خفف عني المُصاب ، وقال لي أنه ذهب المأتم هو ومعه طاقم الأساتذة ، وأن أمراض السحائي منتشرة ، ونصح الجميع بشرب الماء .
لم تزل صورة هذا الصديق في ذاكرتي ، لم تفارقني . وفي مراحل لا حقة تعرفت على طالبة عندما كنا في المرحلة الجامعية ، وكانت تشبه صديقي ذاك . وسألتها عنه ، وحدثتني بوفاة شقيقها الأكبر في السنة الثانية في المرحلة الأولية . ملامح الطفولة هي ملامح الأنثى ، يتشابهان ، وما فترت الذاكرة من تقليب المواجع ، حتى بعد مرور تلك السنوات .

*