إنسانُ النسيانِ

إنسانُ النسيانِ


06-21-2014, 05:32 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=470&msg=1403368357&rn=0


Post: #1
Title: إنسانُ النسيانِ
Author: بله محمد الفاضل
Date: 06-21-2014, 05:32 PM

إنسانُ النسيانِ

الأحد 13/6/2010م



ينسى الإنسانُ أن يظلَّ إنسانا..
فإن أمسى حاكِماً..
نسي إنسانَهُ في مرحلةٍ ما من مراحِلِ العُمرِ الفائتةِ،
فطغى وتجبرّ وظنّ أن الدُّنيا دانت لهُ وجاءتَهُ حتف أنفها..
يتمادى إن نُصِحَ من أيِّ كائنٍ كان،
فلا أحد يعرف أو سيعرف أكثر منه..
إذ كيف يتأتى ذلك وهو الحاكم لا ذاك الناصح!!
وإن بلغه أو أحس –إن أحس- بكدر الناس ورغبتهم في إزاحته..
فتش عن كيف يجبرهم –بسُبلٍ أكثر من التي دفعتهم- على القبول به،
فهو الأحسن في كُلِّ شيءٍ،
وهو الذي لم ولن يحدث لهم مثله البتة،
فكيف يفكرون يدبرون، ولِم؟
ومن ثم طفق يحيك المكائد لتمتين وتمكين عرشه،
فلا بأس بالتجويعِ والتشريدِ والتقتيلِ والحجرِ والحجزِ وما إلى ذلك،
كما ولا بأس أيضاً بتفتيتِ البِلادِ وتجويعِ العِبادِ وتشريدِ الأولادِ وتزويرِ الأعدادِ وهتكِ الأعراضِ وتفشي الأمراضِ وسلبِ الأغراضِ وما شئتَ من سجعٍ شريطة أن لا يخرجُ عن هذا الإطار...
والمحصلة أنه لا مشكلة عنده على الإطلاقِ في بقائه وحده بطولِ البِلادِ وعرضها..
وإن أستُوزِرَ
زأر وكشر وصال وجال وأرعد وأزبد ومشى كالبهلوانِ على الحِبالِ التي علّقها سيده آنف الذكرِ ولم يدخر حرفاً للتبجيلِ إلا ولوى عنقه باتجاه ذات السيد فألبسه خِرقةً لا تتفق وشكل دواخله وأفعاله وخرج هو عن مسارِ أن يكون إنساناً كما كان إن كان...
وإن وظِفَ بمحلٍ ما
طفق يتململُ وينظرُ إلى الأعلى إلى الأعلى حتى يبلغَ محل المستوزر أو فليسقط شهيداً دون نبل مرماه إذ هو الأجدر بخدمةِ السيدِ والأكثر دراية بمراميه وووو
وإن تُرِكَ بعيداً وهُجِرَ
عض الحسرة ذاتها وأبدى الندم كله وأخذ يُلقي على نفسه اللائمة في أيِّ عثرةٍ طوفت أمام السيد أو دارت بذهنه..
وكُلٌّ من تقدم ذكره يدورون في فلكِ النسيانِ لإنسانيتهم بمدارٍ واحِدٍ هو مدار اللهب وهو مدار السلطة وأذرعها وأقدامها وأذنابها وأجنحتها وبطنها وووو وهم في أحضانِ ذلك المدار احترقت إنسانيتهم أصلاً حالما اقتربوا قليلاً من اللهبِ..
فالإنسانية غلالة شفافة تلف المرء ويحرصُ عليها بالابتعاد عن كل ما يلوثها أو يعرضها للاحتراق وحالما يفقدها يكن امتلاكها لاحقاً مجرد إدعاء أو هي حُلة ندمٍ أو غير ذلك مما شبه له لكنما أبداً لن يقدر أحدهم على صنع حلة إنسانية فقدها مُجدداً..
وليس بعيداً عمن تقدم ذكرهم هؤلاء الذين يقفون في خط معارضتهم إذ أنهم مثلهم في التقسيمات التي خلت لكنما دورهم لم يحن بعد أو أنهم فقدوه ويحاولون العثور عليه أو ما يقربهم إليه مرة أخرى..
تبقى الإشارة إلى من هم في الحياد
فإنهم أضل سبيلاً إذ أن إنسانيتهم وإن بقيت مصونة فإنها مُعلقة على ظهرِ الخواءِ فلا قطعت أرضاً ولا بلغت سماء..
كذلك الإشارة إلى المُتذبذبين
وهم من تقطعت بينهم وبين إنسانيتهم الأسبابُ فناءت عنهم حتى يستقروا على مدارٍ فإما أُتلِفتْ باللهبِ أو عُلِقتْ بالخواءِ أو حلقت بأجنحتها ونفعت العِبادَ القادمين من رحمِ الغيبِ..
تتبقى فئة المترددين وفئة المُحلقين
فأما المترددون فإنهم أما يدركون المدارات جميعها لكنهم لم يدخلوا بعد في أيها أو أنهم لم يصلوا بعد مرحلة الإدراك لكنهم يدرسون وسيقررون لاحقاً بعد اتضاح الصورة كاملة أمامهم أو أنهم سينغمسون في أولِ مدارٍ يفتح بابه إليهم...
وأما المُحلقون فهم الذين انحازوا للإنسان والإنسانية فطفقوا يحلقون في مدارها لا يردعهم رادعٌ عن التحليق وإن قُصت أجنحتهم مِراراً وتكرارا فإنه لا تلبث أن تنبت أخرى أكثر شفافية ورحمة...
ولعل الفئة الأخيرة –مسك الختام- أضحى يعد المنتمين إليها على أصابع اليد الواحدة بكل دولة..
فإن كُنت منهم فأحفظ ضوءك الذي بفضله لا زال في الكون ثمة أمل وإن لم تكن فبادر بارتداء حُلة الندم وأعلم أنه مهما بلغت فلن ينفع الإنسان إلا أن يكون إنسانا..

مِدَادْ "الطيب برير يوسف"
بعضٌ منكَ
لا يلقاكَ
إلا في المدادْ
إذ ..
هكذا النّيرانُ
تدفنُ غبنها
في حزن ذاكرة الرّمادْ
فاحفظْ لنفسكَ ضوءهَا
لو مسّها
شئٌ من التّهميشِ
في غبشِ الحيادْ