الرائع عبدالعزيز داؤود،،في زواج ابي،،اطربهم وانسهم خمسة عشر يوما بحلتنا بالجزيرة..

اها استعدو،،
اصلو ابوداؤود كان صديقا لعمنا احمد الشيخ ،،بتوتي.
ثم لما كان زواج والدي،،،جاؤا جميعا للجزيرة..المروية ،،المشروع
خمسة عشر يوما ،،قضاها بحلتنا
يغني ويؤانس...
كان ذلك عام 48.
ويحتفظ له االناس باحلي الذكريات
ويعشقه الجميع...

في الثمانينات ،نصفها الاول ،قبل رحيله بقليل...
كنت اركب تاكسي طرحة ماش السوق الشعبي..
والدنيا حر يشوي..
امام كبري الحرية...
فرملت الحركة...
جاء صوته من راديو العربات المتراصة
همسات ...... وخيالات الاماني....
وانا .....اري في النور...
كان كان لي بالامس.....
وتنفس الناس الصعداء
سري نفس انساني لطيف وشفيف
انهزم الضجر
كانت راحة الاكف تداعب منها الاصابع جسم العربات
والناس ،،،كل الناس في وجد وصفاء
لم يزعق بوري واحد،،،ولم يلعن سائق ما حدث...
حين انفرجت الزنقة
تفضل كل سائق الاخر
كانو جميعا مؤنسنين...

لم اجد له مثيلا في جميع من يشدون بحلو النغم في الشدو والتطريب ،كان حرفا ،لحنا واداء ،عالم بهي يسوقك للسمو،يغسل عنك الكرب،يدخلك في جنة توق والفة وحنين،ويمد لك بذلك الصوت الملائكي الحلو العذب الشجي اسباب الفرح والمسرة،،يدنيك من متعة لا تضاهي....
في الصباحات ،والشمس لم تشرق ،يملاني صوت ابي المتبتل،بتراتيل الكهف وال عمران،،،في المساءات ،يشدو بالبردة ومدائح الشيخ حياتي...
في الحقل ،،انا واياه،والنسيم حلو،والنبات طرب وانيس،،يترنم ابي-عليه الرحمات- بوجد،،،،باغاني لابي داؤود،،يخصني والحقل،،كل فترة باحداها...ولقد كان حفاظا لايضاهي،،وكان يؤديها بذوق،،،وحدنا...
ولا اعلم لمن غيري كان يترنم بها داخل بيتنا في المساءات الطيبة.

qute
وللأستاذ عبد العزيز إبداعاته المبتكرة في الأداء.. هلا ذكرت قدرته الساحرة في نسج خيوط الألفة بينه ومستمعيه من اللحظة الأولى.. قد يبدأها بالنكتة أو الخبر الطريف، ولكن البداية الحقيقية تكون بمختاراته من الشعر الرصين التي يتخذها »رميات«، ومنها:

القايمة بنبونة
الواشي ما جاب لي
ذكرى في فنونا
ما بريد دونا
يا كريم قول لي
خلني شوية
انقر التلفون كان يرد لي
عرضحالي التام حجة مدنية
وكم طربنا طرباً شديداً ونحن معه بكل حواسنا نستمع لرميته الأخاذة:
الطابق البوخة
قام نداه يهتف نام من الدوخة
إيده عاقباه
جدلة مملوخة
لي معالق الجوف موسه مجلوخة

أبوداؤود احد أساطيرنا السودانية لا تدري أتعجب بصوته أم بحكاويه وطرائفه

فليرحمه الله بقدر ما أسعدنا وامتعنا

كدي شوف حلو درب الطير في سكينة

عبدالعزيز داؤود عديل ؟
أكيد يا عبدالعزيز أخوي
أكيد ناس الشرق وناس الغرب من دأك الزمن
ولي يوم الليلة ده بتتكلم بي عرس حاج عثمان .
نعم يا عبدالعزيز
أبو داؤود حلاوة صوتو نفس حلاوة درب الطير في سكينة .
لا ديك أيام حتتكرر ولا ده صوت متلو حيتلقي ..
يا سلام
يا سلام

ياسلالالالالالالالالالالالالالالام يا الللللللللللللللللللللللللللللللللللللللله
والله ياعدبالعزيز انت جٍبت لينا جمال السودان كلو فى بوستيك دا (ينصر دينك ياخ )

وهنا الابهار الكامل والادهاش مع العطبراوى

عهدا علي ان اتابع كل واحات السماحة والبهاء،ان اهزم القبح بقناديل الضوء وفوح عطر الياسمين،كانت لنا افراحنا المجيدة،ولاماسينا شجن وحبور،كانت الاوتار عذبة الشجية،والانغام تسلل للارواح تبعث الحب والالفة،،العشق الصادق،الوجد والحنان...
قد كان لنا زمان فيه يضج الافق بكل جميل...
وابوداؤود امير العذوبة ،الحلو العذب الحبيب يغني،،،
يازاهية ،،قلبي الشلتي جيبي
يالاهية عبثك بي لوسبتي
تطريبا يحرك الصخر الصم...
وهل نحن الابشر تحركنا هذي الاغاريد.

ولد ابو داوؤد ،ببربر حوالي العام 1930،ثم هو قد عرف اليتم صغيرا،يتما ساقه ليصنع مملكة المحبين والاصدقاء،من الفقراء والبسطاء والعلماء،موزعا مشاعره وعذب غناه للكل ،بلبلا غريدا،ونغما لايتكرر،دخل الخلوة ثم شق علي شيخ خلوته فهم ان الفتي رسول محبة وجمال حين ضبطه يغني للاقران في ختان صديق،،فنفاه من الخلوة،ولكن لم يبعد عشق كل جميل من قلب الفتي،،ففي مكتبة الاذاعة مع مايقرب من مائتي اغنية،عشرات التراتيل المدائح والابتهالات والاناشيد،،درب مضئ مشاه ،كله حب وجمال ونضا ر،،دعونا نمشيه معه..

الحجل بالرجل
يا صاحب
لعله عرسا يؤرخ له حتي اليوم
وابوداؤود فنانا جميلا ,, صوتا ومرحا
قالو بضبط الايقاع بالكبريتة
من زمن مستني عودة قلبي راجع
حضور عاشق

ياسامي من اين لهذا الرائع هذا الشجن...
فيه هديل الحمام،، وشدو العصافير،همس النسيم اللطيف،فيه الفة وشوق وحب وسماحة...
لذا عشقته كل الدروب،،المدن والحلال والسهول ،الغابات والصحاري،،
في رحلتي قبل شهر،،معي عمك الصديق متلفحا بتوبه،،ضبطه يردد طروبا مع المذياع....
يازهرة الروض الظليل
مع النسيم العليل
زاد وجدي
نوم عيني اصبح قليل...
وضحكنا بصفاء...

ياعثمان موسي هو قال ليك ايام زمان مابرجعن....
في فرد لمة،،يغني سرور والكاشف ،،وكرومة وزنقار,,,
ابوداوؤد،،سيد خليفة وردي الشفيع ودالامين احمدالمصطفي ع حسين الكابلي حسين عطية ووووو عمالقة متل هؤلاء
ويمدح المادحون،،،اولاد حاج الماحي،حياتي ،ودسعد البرعي حاج التوم ووووو..
وياتي الشعراء...
ويطل في جياته الطيب صالح وعلي المك
ويشرح عبدالله الطيب القران في رادي ام درمان
ثم علي الحسن مالك يعلن ان جكسا في خط ستة
وتهتف الجماهير
ماجد كفرو فكا،،،ثم كسره يا ابوعلي
ليجئ الصوت الحنون الطروب
في زمن......لابي داؤود

Quote: ويشرح عبدالله الطيب القران في رادي ام درمان ثم علي الحسن مالك يعلن ان جكسا في خط ستة وتهتف الجماهير ماجد كفرو فكا،،،ثم كسره يا ابوعلي ليجئ الصوت الحنون الطروب في زمن......لابي داؤود

ببلو..ببلو..ببا
ماجد كفرو فكا!!!!!
يا عبدالعزيز يبدو أنك هلالابى قاطع منذ زمن ماجد وجكسا , زمن كل شئ
جميل .
تصدق يا عبدالعزيز كنا ندخل دار الرياضه نتفرج على ماجد وجكسا وابراهوما سيد الإسم
وسمير ماشى ويوسف مرحوم وعمر عثمان بى 6 قروش بس !!!

ياعلاء ياودسيد احمد،،لك كل خواطري الطيبة هذا المساء...
يازول ات عايش وسط سمح الغنا،،وكل هذا التطريب،،ستشف،تسقط عنك الكثافة،،يغسل عن قلبك الغبن،،وعن روحك السغم...
ليس متل الغنا السمح برء للوجع،،ترياق ضد السام،،تميمة تحمي من غول الكابة التي هتكت بعقل بلادنا الجمعي ،فانصرفنا عن كل هذا الجمال ،نستقطب القبح والخراب....
في بلادي شعب جميل وايم الله،،يحلم بحدائق الورد والياسمين...
ويغني،،،فالغناء سر الوجود...
وابوداؤود ينتظرك ليصعد بك للاعلي ياعلاء...
ولا زلنا في انتظارك ....

نعم يا عبدالحفيظ،لقد كان ابوداؤود تجسيدا حيا للفنان الراقي،الحلو الجميل،كله فنان،وفن،حتي اذا غني ،غني بكلياته ،ذلك انه يقدم ما يحسه هو،ويعشقه هو،فيجئ فنه ذو حس ونبض وحلاوة...
اين نحن الان من ذاك الفن ياصاحبي...

Quote: ياسامي من اين لهذا الرائع هذا الشجن... فيه هديل الحمام،، وشدو العصافير،همس النسيم اللطيف،فيه الفة وشوق وحب وسماحة... لذا عشقته كل الدروب،،المدن والحلال والسهول ،الغابات والصحاري،، في رحلتي قبل شهر،،معي عمك الصديق متلفحا بتوبه،،ضبطه يردد طروبا مع المذياع.... يازهرة الروض الظليل مع النسيم العليل زاد وجدي نوم عيني اصبح قليل... وضحكنا بصفاء...

هههههه هههههههههههههه حاج الصديق ربنا يديهو العافية ونعم الرفقة رفقتهم
تذكرت قصة الشيخ قريب الله حين صدح كرومة في ودنوباوي بيا ليل ابقالي شاهد فقال ائتوني به فلما جاءه طلب منه ان يعيدها عليه وقال قولته المشهورة " يغني المغني وكل يبكي علي ليلاه "

قريبي عبدالله عبدالله،،،
الماكان سمح شنو ياعبدالله اخوي...
صحيح،،الحياة جد بسيطة،،لكنها حلوة مشتهاة
شاي الصباح ولقيماتو،،عصيدة فطورو،كورة شراب الفريق،وله البلي،تيوة الصبيان،،ديوان الضيفان،،افراح الناس ولمتها،،الاحزان نفسها نبيلة صادقة،،،اما الكورة واللمة فوق الرادي،،،فدا كلام تاني...
لذلك حين يغني المغني ،،ابوداوؤدنا،،فانه يغني للحياة،والامل،،الفرح،،
ياحليل ناس هم ناسنا
ذكرياتن ديمة في راسنا
شالو روحنا وشالو انفاسنا
ياحليل...

باشمهندس سامي
تحياتي وشكرا علي الدروس المفيدة (بهناك)
"درب الطير" اختيار موفق جدا في مقام الحديث عن ابي داود.
بس ما قلت لي اخترت اللحن ولا المعني ولا الأثنين معا؟
ولو السؤال فيه طابع شخصي عفيتك
من الأجابة (وجه مبتسم)
وتحية لصاحب البوست الأخ (عبدالعزيز عثمان) والزوار.

يا سامي بالله نزل دي،،،بالعود..
يانديما عب من كاس الصبا
ومضي يمشي الهوينا طربا طربا
بت اشكوه لنجم في الليالي لامعا
ولغيم عندما رق لحالي دمعا,...
من لم يحركه هذا الشدو،،ولا اطربه هذا التطريب،،،فلاشك انه دعا بدعوة محمود درويش،،ليت الفتي حجر،،وياليتني حجر،،ثم استجيبت دعوته...

تسلم اخونا بلة
هذه الاغنية اعدها من روائع الغناء السوداني رغم انها لم تجد من الشهرة التي نالتها نظيراتها
فجزالة الكلمات وروعة اللحن اكتملت باداء عبقري من ابوداؤود

Quote: هذه الاغنية اعدها من روائع الغناء السوداني رغم انها لم تجد من الشهرة التي نالتها نظيراتها فجزالة الكلمات وروعة اللحن اكتملت باداء عبقري من ابوداؤود

أتفق معك 100% . في الحقيقة ادهشني اختيارك لندرة هذه الأغنية والتي ينهمر فيها صوت ابو داوود بالطول والعرض وبكل طبقاته المدهشة. اما المعني وروعته فذلك حديث ليوم آحر ربما.. ومرة أخري الشكر لصاحب البوست الأخ عبدالعزيز.

عبد العزيز داؤد غنى في عرس ابوهو قبال مية سنة ولي الليلة مخلوع .. فتأمل!

بوست كلو جمال وطرب وذكريات و ......... ناس تتداعى.

فجأة و ....... طااااخ ...... يجيك نشاز.

بوست جميل وكلو جمال وذكريات وشجون ..
رحم الله الفنان عبدالعزيز أبوداؤود....
واصل في هذا السرد الجميل ولاتلتفت للاصوات النشاز

عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير، فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة، ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك، وإما أن تجد ريحاً خبيثة)).

Quote: "درب الطير" اختيار موفق جدا في مقام الحديث عن ابي داود. بس ما قلت لي اخترت اللحن ولا المعني ولا الأثنين معا؟

وهل قصة الرئيس عبود و الحاجه سكينه صاح ؟ هههه

تحياتي يا عبد العزيز يا جميل لك و لصديقي الجميل بله البكري ...

و نقطه و سطر جديد يا عزيز ... واصل ...

و ليك مني دعوه خاصة انت و بله تزوروني هنا و تسمعو ابوداؤود في اخر مداخله لي ...

أشوف حبيبتي .. و أنظر خدودها ... عساها ترحم ... تكون ودوده ...

مع حلاوة الصوت ونداوته،،تشبعه بالشجن والتطريب،وكلمة جزلي طروب،،ولحن مدوذن يدخل عميقا في الروح،،ياخذك ابوداوؤد اسيرا في مملكة الانسان عنده،بساطته وسلطان عشقه،بساط محبته المبسوط للخلق،مصادقا،ومسامرا مخلصا،حبيبا محبوبا من العالمين...
هل هو النغم الوحيد الذي سمع بنواحينا،،الشادي اليتيم الذي شدا،،الفرح الوحيد الذي عطر امسياته حلو غناء في ديارنا،،،لا..ولكن الفرح بقي جليلا واثيرا وحبيبا،،لانه فرح امي وابي،،والشدو شدو اثيري ووجدي وعشقي،، حدثوني به،،ولكاني من الحاضرين،،ولكاني كنت هناك في ساعة الاشواق القصوي،والاشراق العظمي،،،ساعة ان توحد ابي ونبض امي في مسار الحياة النبيل،،مشيا دربها كصالحين،،اعطيا وما منعا،،قناديلا بهية واقمارا بهية...اليس جديرا بتلكم اللحظات الفرحة،،ان تكون متوجة بنغم الانغام،،وشجن الاشجان،،الباذخ ،البسيط،المؤنسن الجذاب،،لطافة وحلاوة،،،،،هم ونحن وابوداؤود...

يابله البكري ذواقة انت،،وتعيش حلو الاغنيات جواك....
ومن لايطربه حلو النغم،،،فقد قيل كحجر اصم..

لك حق ان تفتخر يا عبد العزيز فمن مثل عبد العزيز

ابوالعزائم،،،،ايها الطيب حياك الغمام
وغشي ناديك اسراب الحمام،،،،
شكرا...

د الصادق التحايا،،،لو انكم شاركتوني الاحتفاء،،خاطرة من الاعراس المجيدة،،خاطرة من تواصل ابوداؤود الفكه مع الناس،،او تنزيل غنوة حلوة..
شكرا لعبورك اللطيف ،وذوقك الجميل،،،ابوداوؤد...

من لم يحركه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فهو فاسد المزاج وليس له علاج."
....................أبو حامد الغزالي

الاخ الرائع / عبدالعزيز عثمان شكراً جميلاً لك وانت تتحفنا وتنثر كل هذا الجمال فى اركان سودانيز الاربعة
بقلمك الشفيف واحاسيسك المرهفة والتى لامست قلوب الكثيرين والذين يشاطرونك نفس الاحساس ولكنك سبقتهم
بالاعلان .. وكان البوست سببا فى اعادة كثير من الذكريات والمفردات التى كادت ان تندثر بفعل العولمــــــــــــــــــة
والمدنية .. شكرا لك وانت تعيد لنا كثيرا من ارث وجمال السودان المدفون ..

أبوداؤود في بلاط الواثق

(من كتابي أبو داؤود ...كيف الحياة غير ليمك وكتابي برعي وأبوداؤود كبريتة وعود )
هذه القطعة التي حلمت فيها برحلة إلى أعماق التاريخ إلي العصر العباسي في خلافة الخليفة الواثق لأنني موقن لو أن الفنان أبوداؤود جاء في زمن الخلافة العباسية لسيطر على مقاليد الغناء في ذلك العصر الذهبي.
وصلنا بغداد لثلاث بقين من شهر المحرم عام 227هـ الموافق 842م فى خلافة الخليفة العباسى الواثق بن المعتصم بن الرشيد واستقبلنا عالم علماء الموسيقى إسحاق بن إبراهيم الموصلى وجماعته .. فاستضافنا فى داره يومين ريثما يرتب لقاءنا بالخليفة الواثق فى قصره فى السامرا التى كان يطلق عليها "سُرَّ من رأى " وقد بناها الخليفة المعتصم على بعد 50 ميلاً من بغداد شرقي نهر دجلة . وكان وصول ركبنا فى السامرا فى الثالث من صفر ..
اجتزنا شوارعها وقبابها وقصورها حتى وقفنا أمام بوابة قصر الخليفة حيث أدخلنا مجلساً مفروشاً بالطنافس والرياش وقد أتو بالمجمر والمباخر فبخروا وطيبوا وقيل لنا أنزعوا أخفافكم وقلنسواتكم ثم أصيبوا شيئاً من الطعام ريثما يؤذن لكم بالدخول على الخليفة الواثق فى مجلسه .
وكل هذا الوقت واسحاق الموصلى وجماعته يحتفون بنا ويطيبون خاطرنا.
مجلس الخليفة تلك الليلة كان يعج بأهل الشعر والعلم والأدب والموسيقى منهم فيلسوف العرب الكندى مخلص الموسيقى العربية من الآثار اليونانية والهندية وواضع قوانين العزف على العود . ومنهم الطبيب حنين بن اسحاق واليعقوبى والبلاذرى وأبو حنيفة الدينورى وهؤلاء من المؤرخين وقد ضم أيضاً المغني مخارق بن يحيى وهو من موالى الرشيد وتعلم الغناء على إبراهيم الموصلى وأحمد بن يحيى بن مرزوق المكي وكان من الضراب الحاذقين المشهود لهم بحسن الصنعة ومن أقرب المقربين إلى إسحاق الموصلى وفليح بن العوراء وكان من أهل مكة وجاء إلى بغداد ليختار مع إسحاق الموصلى وإبن جامع المائة صوت للخليفة هارون الرشيد ومن المغنيات كانت هناك عريب وهى جارية من جوارى المامون وغنت من شعرها فى تلك الليلة :
وأنتم اناس فيكُم الغدر شيمةً
لكم أوجهٌ شتى وألسنةٌ عشرُ
عجبتُ لقلبى كيف يصبو إليكم
على عظم ما يلقى وليس له صَبْرُ
فسلبت العقول وحركت الأشجان وكانت هناك شارية التى تعلمت الغناء من إبراهيم بن المهدى ثم صارت إلى المعتصم وقد تغنت بصوت حسن وأداء جميل وشاركتها فى الغناء قلم الصالحية التى أخذت الغناء عن إبراهيم الموصلى فتغنت من الثقيل الاول :
فى إنقباضٍ وحشمةٍ فإذا
صادفتُ أهل الوفاء والكرمِ
أرسلتُ نفسى على سجيتها
وقلتُ ما قلت غير محتشمِ
تحدث إسحاق الموصلى مع الخليفة ثم أذن لى بالكلام فوقفت وقلت :
- أيّد الله مولاى وأعزه نحن قوم من أهل السودان قدمنا إلى حاضرة ملككم بعد أن وصلتنا أخباركم وسبقك إلينا صيتكم.
فيقول الخليفة :
- وماذا تقول أخبارنا لديكم ؟
أجبت :
- تقول يا مولاى .. إنك قد جمعت بين الملك والأدب والشعر وطيب الغناء .. فأما الملك فإن زان غيرك فإنك قد زنته , وإن شرف غيرك فإنك قد شرفته , وأما الأدب والشعر والغناء فهذا ميدانك الذى لا يجاريك فيه أحد إلا كبا كبوة لا قيام له بعدها .. تقدمت الذين قبلك وأتعبت الذين بعدك ..
وتهلل وجه الخليفة الواثق فقال :
-احسنت .. ألكم حاجة نقضيها لكم ؟
قلت :
• أحسن الله أمر مولاى .. إن مثولنا بين يديكم أعظم ما توجبه النعمة ويفرضه شرح الحال من المقال .. فهذا أبو داؤود عبد العزيز بن محمد سيد أهل الطرب والصنعة فى ديارنا له من الترجيع والهديل والترعيد وقوة الصوت ورقته وعزوبته الكثير .. وهذا شيخ العازفين وأضربهم بالعود .. أتقن فنه والعزف عليه من الثقيل وخفيفه ومن الرمل والهزج ومن غليظه وعريضه إلى أشده حدة وضيقاً أبو زرياب برعى بن محمد بن دفع الله . ونحن نعلم يا مولاى أنه ليس من هو اطيب صوتاً ولا أحكم صنعة منك وقد علمنا أنك صنعت أكثر من مائة صوت ليس فيها لحن ساقط فقدرنا إنك أصلح من يحكم علينا ويجيزنا .. فإن إستحسنت غناءنا كان ذلك تشريفاً لنا وتعظيماً لا يدانيه تشريف أو تعظيم وإن بخس فى نظرك وقل فى تقديرك .. هدانا الله الى خير منه .
فاستحسن الخليفة ردى ثم قال :
- وأنت ما شأنك ؟ أشاعر أنت ؟
- قلت : لا
- قال : ألك صنعة بهذا الضرب من الفن مثل صاحبيك؟
- قلت : لا
قال : إذن من تكون ؟
- قلت : أنا تابعهم يا مولاى .. مستغرق فى بديع صنائعهم وفنهم .. أجلو حلاوته وأبين غلاوته .. أعزف بلسانى على حواشى أفضالهم فانال بعض الرضا
فالتفت الخليفة الى إسحاق الموصلى وقال :
- ما ترى عند هؤلاء ؟
- قال إسحاق : أصلح الله حال مولاى الأمير .. فإن كان فى صنعتهم ما يفيدنا أخّذنا به وعلمناه لتلاميذنا .
وهنا أذن لنا الخليفة بإظهار ما عندنا ..
وبدأ الساحر برعى ينقر على العود من خيف الثقيل وأخرج أبوداؤود كبريتةً وضعها بين أصابعه فإختفت ولم يظهر منها شئ سوى (النقرشة) التى تنبعث منها فاشرأبت أعناق القوم لذلك الأمر العجاب الذى لم يشاهدوه فى صناج أو ثلاث ..
ثم إنطلق أبوداؤود يغنى الشعر لعبيد عبد الرحمن
صفوة جمالك صافي
الماء على البلور
ينعم صباحك خير
ويسعد مساك النور
وقد بان على القوم أنهم لم يسمعوا صوتاً كهذامن قبل وظهر الإستحسان على وجه الخليفة الواثق ومضى أبو داؤود ليصدح :
نور من جبينكْ لآحْ
لا نور شموسْ لا بدور
فقْتَ المعاكْ فى الجيلْ
فقْتَ المعاكَ فى الدورْ
والأمر الذى أذهل القوم وأسكرهم أن صوت أبو داؤود كان يتموج ويرتفع وينخفض وهو ينقرش على الكبريتة إلا إنه كان ساكناً سكون جبل احد .. وكأنه يأتى على مجرى .
وتغـــــنى وكأنها لا تغنى
من سكون الأوصال وهى تجيدُ
وعندما وصل أبو داؤود الى :
وعزابي لو سراك طبعاً أكون مسرور ..
وصل الطرب باسحاق الموصلى قمته فقال مخاطباً الخليفة الواثق :
_ بلى يا مولاى .. احسن فأوفى .. يسرنا ما يسرك ويغضبنا ما يغضبك حتى ولو كان فى ذلك عذابنا فقال الخليفة :
- وأيم الله إننا لم نسمع مثل هذا فى هذه الأرجاء ..
وإننى أعلم الناس بالشعر وببحوره وبفنونه .. ما فاتنى منه حسن إلا وقفت عنده وما عرض على جزل إلا تمعنت فيه ولكن مثل هذا الغناء ما ظننت أننى ملاقيه .. واصل .. واصل ..
وبنقرشة من كبريتة أبو داؤود عبد العزيز بن محمد نقر برعى على العود فى مقام لم يسمعه أحد من أهل السامرا .. فغنى أبوداؤود من شعر عمر البنا :
يا زهرة الروض الظليـــل
جانى طيبِك مع النسيـــم العليلْ
زاد وجدِى ونوم عينى أصبح قليل ْ
يا زهــــرة طيبك جانــى ليل ْ
اقلــــق راحتى وحار بى الدليلْ
إمتــــى اراك مع الخــليلْ
أجلـس أمامكم خاضع ذلـيل
قال إسحاق :
ما سمعت هذا الصوت إلا وظننت أن الحيطان والابواب والسقوف وكل ما فى المجلس يجيبه ويغنى معه من حسن صوته حتى خلت أننى أسمع أعضائى وثيابى تجاوبه وبقيت مبهوتاً لا أستطيع الكلام ولا الحركة لما خالط قلبى من اللذة التى غيبتى عن الوجود .. هل فى هذه الدنيا غناء مثل هذا نحن لم نسمع به ولم نعرفه ؟
وإستمر أبو داؤود يصدح ويغنى وبرعى يعزف .. والقوم قد سكروا طرباً وهم يتمايلون مع :
أيُّها العشَّــــاق دارت كأسكُم
يَوْم جئنا نصطلى مـن ناركُــمْ
وصدَىَ الناى وضفاف الغدير تترنم
حُمْرة فى الخدِّ آذها العبيرْ تتظلم
قصةٌ فى العين والصمت المثير يتكلم
تلك ليلة يا صاحبى لو جلست أحكى وقائعها لما إنتهيت فلم يكن قبلها قبل ولا بعدها بعد .. أذهل فيها أبو داؤود عبدالعزيز بن محمد جميع من كان فى مجلس الخليفة الواثق بن المعتصم الذى أمر أن يبقينا عنده أياماً بل شهوراً وهو يستزيد من ذلك الغناء والطرب الأصيل وأبو داؤود لا يبخل عليه فأقام رواقاً بإسمه ظل باقياً حتى دخول هولاكو إلى بغداد عام 1257م وهزيمته للخليفة المستعصم آخر خلفاء الدولة العباسية ..