إستقلال السودان و استقلال الهند و حركة الكادي

زميلي في العمل لياقت عبدالله و هو من مدينة حيدرأباد جنوب الهند، أستطيع أن أقول أنني أتعلم منه الكثير خلال دردشات و ونسة أثناء ساعات العمل، اليوم أتى يرتدي قميصا جميلا استرعى انتباهي ، أبديت له إعجابي به فقال لي إنه من صنع الجدات في الهند... أخبرني أن هذا النوع من الصناعة يقوم به الآن المقعدون أو الذين لا يتحركون لعجز أو علة.... فهم يقومون بغزل القطن يدويا إلى خيوط لا ترقى في جودتها إلى مستوى مصانع الغزل الرفيع إذ يتباين الخيط في درجة سمكه فيبدو رفيعا حينا وسميكا حينا آخر.. ثم هم أيضا ينسجونه إلى أقمشة جيدة ومتينة تكتمل جودتها بغسلها بماء الازر فتصبح منشاة متينة.
ثم دلني لياقت إلى موقع يعرف هذا النوع من الأقمشة ..

وددت أن أشرك الجميع معي في مشاهدة هذا الإنجاز البسيط العظيم الذي يقوم به الهنود ..

كادي تعني القماش المغزول و المنسوج يدويا. ففي العام 1918 إبتكر المهاتما غاندي حركة الكادي من أجل إغاثة الكتل الضخمة من الفقراء التي تعيش في القرى الهندية. تم الإرتقاء بالغزل والنسيج إلى أيديولوجية من أجل الإعتماد على الذات. كان يتوجب على كل قرية أن تزرع و تحصد المواد الخام الخاصة بها من أجل انتاج الخيوط، وعلى كل إمرأة و رجل أن ينخرط في الغزل وعلى كل قرية أن تنسج ما تحتاجه لإستخدامها الخاص.
في النصف الأول من القرن العشرين، وفي أنحاء عديدة من الهند وإلى الآن ،فإن المزارعين لا يكادون يجدون عملا يقتاتون منه طوال العام. فهم يظلون لمدة أربعة أشهر عاطلين عن العمل بسبب موسم الجفاف الخالي من الأمطار. عليه فإن الغزل قد يشكل المهنة المناسبة، إذ يمكن تعلمه بسهولة. و هو عمليا لا يحتاج إلى رأس مال، و عجلة المغزل المحسنة يمكن تصنيعها بسهولة وبتكلفة زهيدة. نظر غاندي إلى ذلك كنهاية للإعتماد على المواد المستوردة ( والتي تمثل الحكم الأجنبي) و بالتالي كانت أول درس في الإستقلال الحقيقي.
كانت المواد الخام في ذلك الوقت تصدر بأكملها إلى إنجلترا ثم يعاد استيرادها كأقمشة مكتملة الصنع غالية الثمن، و يحرم السكان المحليون من فرص العمل ومن أي ربح يمكن أن يجنى.
أحس غاندي أيضا أن تلك المهنة في المقاطعات التي ينظر فيها إلى العمل اليدوي نظرة دونية يمكن أن تجمع الرفيع والحقير والغني والفقير معا من أجل أن يتعلموا أن يفخروا بقيمة العمل اليدوي. فهو لم يطلب ذلك من أولئك المحتاجين فحسب، بل طلب من الجميع أن يضحوا و يعملوا في الغزل و النسيج على الأقل لمدة ساعة واحدة في اليوم من أجل المقاطعة و كواجب تجاه الفقراء. و قد كان يأمل أن يخلق رابطة معينة من الوحدة بين الطبقات والكتل بأن يخلق جسورا تملأ الفراغ بمهنة مشتركة، و كان يرى قيمة إجتماعية عظيمة في الغزل اليدوي. ¬
و ليس من أجل أهداف سياسية فحسب كان إنشاء حركة كادي بل من أجل أسباب إقتصادية و ثقافية واجتماعية. في العام 1934/35 توسعت الفكرة من مساعدة الفقراء إلى الإعتماد على النفس في جميع القرى. ثم في 1942-43 أخذ يعقد جلسات مع مجموعات العمال و منظمي القرى من أجل إعادة تنظيم البرنامج كله ليطبق على مستوى القطر بأكمله.

عليه فإن كادي لم تكن مجرد قطعة قماش ، بل كانت أسلوب حياة.

كانت إستقلالا.

زميلي لياقت مرتديا القميص الخادي.. و الذي تصنعه الأمهات و الحبوبات و المقعدون..