الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت

الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت


12-28-2013, 04:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=460&msg=1388244336&rn=0


Post: #1
Title: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: طه جعفر
Date: 12-28-2013, 04:25 PM


حكاية الانسان معروفة، فالانسان يولد نتيجة لالتقاء خليتين جنسيتين واحدة واردة من أنثى و أخرى واردة من ذكر و يتم هذا اللقاء بداخل رَحِم المرأة .. ونعرف حكاية اطفال الانابيب فهم أيضا بحاجة لرَحِم لأن ما يتم في الانبوب هو الإخصاب فقط. ليتحول الانسان من حالة الاعتماد الكلي علي الناضجين حوله إلي حالة الاعتماد علي الذات يحتاج كدحاً يستمر لعدد من السنين كافية لاستنفاد اغراض يفاعته و هي كثيرة جدا مقارنة بما يحتاجه حيوان آخر من الثديات لانجازمهمة الاستقلال التام عن الابوين. يتفاوت عدد السنين تلك للانسان بين حالة اجتماعية و أخري فهنالك "ناس دَرْدَمَا زَقَلا و ناس دَرْدَما ملّسَا خَتّا".
يثابر بعضنا بجدٍ للتعبير عن أسفهم لموت قريب أو صديق أو جار فيكون هذا التعبير عن الحزن متفاوتا أيضا بإختلاف الامور المتعلقة من ناحية بالميت ومن ناحية أخري بمن هم حوله من الاقارب و الاصدقاء و الجيران. لا أريد الخوض في فكرة مراسم الجنازة و ما يستتبعها من صلاة علي الميت او للميت و غيره لأن لاهل السودان المختلفون في الدين و الثقافة طرائق مختلفة في اكرام موتاهم.
عادة ما يتكلم السودانيون من أهل الثقافة العربية و الدين الاسلامي عن موتاهم بنوعِ من المبالغة في التعظيم. فتراهم يتذكرون محاسن موتاهم من بين دموع الفقد و الحزن فيتحول الموتي في العقل الجمعي لصالحين و أولياء من اصحاب الكرامات أحياناً. و قديما قيل "ربنا ما يجيب يوم شكرك" و المقصود ربنا يطول عمرك!. ذكر المحاسن و تفنيدها و تصنيفها يسمي نَدْب الميت ارجو شاكرا مراجعة المعني من القاموس ادناه.
ونَدَبَ الميتَ أَي بكى عليه، وعَدَّدَ مَحاسِنَه، يَنْدُبه نَدْباً؛ والاسم النُّدْبةُ، بالضم. ابن سيده: ونَدَبَ الميت بعد موته من غير أَن يُقَيِّد ببكاء، وهو من النَّدَب للجراح، لأَنه احْتِراقٌ ولَذْعٌ من الـحُزْن.
والنَّدْبُ أَن تَدْعُوَ النادِبةُ الميتَ بحُسْنِ الثناءِ في قولها: وافُلاناهْ !واهَناه! واسم ذلك الفعل: النُّدْبةُ، وهو من أَبواب النحو؛ كلُّ شيءٍ في نِدائه وا! فهو من باب النُّدْبة.
عرفنا من معني الكلمة في القاموس أن هذه العادة عادة عربية لأن كلمة النَدْب في العامية السودانية مازالت تحتفظ بعروبتها القاموسية الواضحة. و احيانا يقال " الوِصَيف" و هو بنفس معني النَدْب أي التوصيف.
و مثلا فأدناه شعر قالته الشاعرة شهاوي بت المك عجيل ترثي الامين ود النو
كم شدو له فوق مربيت
المقوي الثابي ما انهديت
ابوي التام ضراع الليث
إلي ان تقول:
الداخرنه للحوبات
كم جالس وِلاد خيمات
قولي القلته ما في غُلات
مين قبله المكرم مات.
و عند بعضنا ليس هنالك سبيل للاختلاف حول بطولة الميت و صلاحه و حسن خاتمته. و كما قالت الشاعرة "ما في غُلات".
صادف النَدْب العربي ميراثا ماكثا في تعظيم الأسلاف معروف عند اهل حضارة النوبا القديمة فلقد عبد اهلنا التمساح ليس لضرواته و قوته بل لأن ارواح الاسلاف تسكن جسده. و إلي زمان قريب كنا نشاهد التمساح معلقا علي ابواب المتاجر و البيوت في اشارة لعظمة الاسلاف كأنك تقول لولا عظمة اسلافي لما صرت إلي ما صرت إليه أو ربما فقط بقية من طلب قديم للمعونة من رب عبده أهلنا لازمان طويلة و مجيدة. و في تعظيم الموتي ابتني اهلنا إهرامات و بَنِيّات باذخة العلو و محتشدة بالمجد المرصوص كأحجار البناء نفسه. و لقد استلف الصوفيون ذلك الميراث ( ميراث الهرم او المدفن الملكي المضلع) فجعلوا لمشايخهم العظام قباباً مستديرة و مخروطية و نعلم أن بالسودان قباب مضلعة هرمية لمشايخ صوفيين. بذلك تكون الثقافة ماكثة و حاضرة و كذلك ما يستتبعها من شعور برغم تغيّر الدين.
يستمر هذا الميراث في تعظيم الموتي إلي يومنا هذا فنري البعض يسارع في اظهار حبهم و تقديرهم للميت دون أن يتذكروا إن كانوا قد شكروه و هو حيّ بينهم فقط للتعبير عن امتنان لشخص سيجيء يوم نبكيه و نؤلف الأشعار لنندبه.
و يجب ألا ننسي أن في ثقافتنا المحكية كلمات و عبارات تذم الشكر و المدح للأحياء كقولهم
"الشكروه قدامو نبزوهو"
"و أبليس شكار نفسو"
فهل نحن من أمة تمارس الشكر لأهل الفضل بعد الموت. معروفة تلك المشاعر الطيبة التي تتركها كلمة " شكراً" و نعرف أن الشكر و الثناء يسندان دوافع أخري متوفرة في النفس السوية؛ دوافع نحو النجاح و المثابرة و فعل الخير. فلماذا لا نقل شكراً. هل هو عبء الثقافة و حمولة الموروث؟ أم هو قبحٌ تسبب فيه سوء هضم للموروث.


طه جعفر

Post: #2
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: طه جعفر
Date: 12-28-2013, 04:45 PM
Parent: #1

عندما سمعت برحيل الفنان بهنس
آلمني الخبر و تعبت .لقدانقطعت اخبار بهنس عني كما انقطعت اخباري عنه
و ما زال اخبار بعضنا مقطوعة عن بعض و نحن كثر مشتتون في عالم عريض و متعب.
بحثت الهام عبد الخالق في ملفات الصور بكمبيوتراتنا و فلاشاتنا و و الاكستيرنال ديسك درايف
فوجدنا صورا جمعت الراحل بالهام و مرتضي جعفر هم في الطريق لحضور تدشين الاخ ياسر عرمان لحملته الانتخابية في البجراوية
بالنسبة لنا كأسرة كانت تلك آخر مرة نتعامل فيها مع بهنس الذي نعرفه و هو لما صغير لم يمتحن الشهادة السودانية
بهنس بالنسبة لنا شقيق أصغر و رفيق في دربين ؛ درب يسعي نحو الحريات و الحقوق و درب آخر ابداعي ثقافي

صرح الكثيرون بأنهم لم يسمعوا ببهنس إلا عند موته و هذا امر عادي ببساطة لأننا متغربون و مهجرون و مشتتون بلا وطن
لام البعض بعضهم علي موت رفيقنا بهنس و هذا غير حميد لأن الجميع يعيشون عنتاً لا يترك لهم مجالا أبعد من نصال حاجاتهم الحرجة الحدة
و معلوم ان العذاب واحد و النكد شامل و البؤس ماثل

البركة فيكم
رحيل بهنس فتح بالفعل دروبا للامل فلا تطفئوها ببؤس الكلام غير المنتج
عاش كشمعة و رحل منيرا و فاتحا لدرب مفعم بالأمل
بهنس من ذلك النوع؛ فنان في الحياة و معلم في الموت مازال يقدم الدروس

لا تبتئس يا بهنس
لقد فهمنا الرسالة و وعينا الدروس
بالرغم من مرارة الفقد

طه جعفر

Post: #3
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: طه جعفر
Date: 01-03-2014, 08:46 PM
Parent: #2

فكرة عن الموت
و الموت

Post: #4
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: علي عبدالوهاب عثمان
Date: 01-05-2014, 08:06 AM
Parent: #3

Quote: صادف النَدْب العربي ميراثا ماكثا في تعظيم الأسلاف معروف عند اهل حضارة النوبا القديمة فلقد عبد اهلنا التمساح ليس لضرواته و قوته بل لأن ارواح الاسلاف تسكن جسده. و إلي زمان قريب كنا نشاهد التمساح معلقا علي ابواب المتاجر و البيوت في اشارة لعظمة الاسلاف كأنك تقول لولا عظمة اسلافي لما صرت إلي ما صرت إليه أو ربما فقط بقية من طلب قديم للمعونة من رب عبده أهلنا لازمان طويلة و مجيدة. و في تعظيم الموتي ابتني اهلنا إهرامات و بَنِيّات باذخة العلو و محتشدة بالمجد المرصوص كأحجار البناء نفسه. و لقد استلف الصوفيون ذلك الميراث ( ميراث الهرم او المدفن الملكي المضلع) فجعلوا لمشايخهم العظام قباباً مستديرة و مخروطية و نعلم أن بالسودان قباب مضلعة هرمية لمشايخ صوفيين. بذلك تكون الثقافة ماكثة و حاضرة و كذلك ما يستتبعها من شعور برغم تغيّر الدين.


نعم .. مجسمات التماسيح كانت على بوابات الحوش ..
كنت ألاحظ في الشمال أن التمساح لم يكن حيواناً مكروهاً ولكن كان له الهيبة والقدسية ..
وفي روابات بالنوبية .. أن التمساح لا يأتي إلى احد في بيته ولكن من يذهب الى التمساح في حمااه عليه ان يتحمل
النتيجة .. لقد عرفت الآن لماذا كانت هناك هالة من القداسة على التمساح دون الحيوانات الاخرى ..
كما ان التمساح يستخدم كنموذج للقوة في الشعر الشعبي ( الحماسة ) ..
على عكس الشعر والغناء النوبي لم يتطرق الى هذا النوع من الصور لأنه شعر يجنح الى السلم ..

استاذ طه لقد جعلتني اتعمق في بعض ابيات الشعر الشعبي :

دابي الساار ..

السار في النوبية هي المنطقة التي ترسوا فيها المركب ملاصقة للشاطيء .. ( يعني الواحد لا يحتاج ان يخوض في الماء ليصل الى البر ) خاصة الحريم لأنها لابد ان ترفع فستانها
وتظهر بعض مفاتنها .. فكان الرواس الماهر هو الذي يرسو بمركبه في السار وخاصة بعد الفيضان وانحسار الماء .. لأن السار عبارة عن منطقة صلبة ليست طينية كالجروف وتكون
في مساحة محدودة جداً على شريط النيل .. ويكون النهر فيه عميق ودائماً ما كان يحدث فيه الغرق لم لا يجيدون السباحة ..
فكانت منطقة مناورة للتماسيح لأن التمساح يحب التواجد بالقرب من البر ولكن في المياه العميقة ..
وأخطر انواع التماسيح هي الموجودة في منطقة السار لأنها تطبق على الفريسة بسهولة حتى لو كانت الفريسه في حجم ( ثور المحراث ) ..

معليش طه يمكن خرجنا من الموضوع شوية ..

Post: #5
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: ابو جهينة
Date: 01-05-2014, 10:08 AM
Parent: #4

تحياتي أخي الأستاذ طه جعفر

***


فهل نحن من أمة تمارس الشكر لأهل الفضل بعد الموت. معروفة تلك المشاعر الطيبة التي تتركها كلمة " شكراً" و نعرف أن الشكر و الثناء يسندان دوافع أخري متوفرة في النفس السوية؛ دوافع نحو النجاح و المثابرة و فعل الخير. فلماذا لا نقل شكراً. هل هو عبء الثقافة و حمولة الموروث؟ أم هو قبحٌ تسبب فيه سوء هضم للموروث.

***
كل هذه مجتمعة يا طه تجعلنا لا نقول شكرا. لدينا عشق غريب لنثر البكائيات بعد رحيل الراحلين.
***

رحيل بهنس فتح بالفعل دروبا للامل فلا تطفئوها ببؤس الكلام غير المنتج
عاش كشمعة و رحل منيرا و فاتحا لدرب مفعم بالأمل
بهنس من ذلك النوع؛ فنان في الحياة و معلم في الموت مازال يقدم الدروس

***

تُرى كم بهنس يمشي في الأسواق ولا يأكل الطعام ينتظر مصير بهنس الذي نتباكى عليه الآن ؟
تحتاج هذه المسألة وقفة طويلة وجادة من الكل.


سلمتْ يمناك يا رجل

Post: #7
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: طه جعفر
Date: 01-20-2014, 04:41 AM
Parent: #5

Quote: تُرى كم بهنس يمشي في الأسواق ولا يأكل الطعام ينتظر مصير بهنس الذي نتباكى عليه الآن ؟
تحتاج هذه المسألة وقفة طويلة وجادة من الكل.


سلمتْ يمناك يا رجل



الاستاذ الحبيب ابو جهينة صاحب الكتابات العميقة
شكرا لك
و اعتذار من جانبي علي التأخر في التعقيب علي مساهمتكم المهمة

اخوك
طه جعفر

Post: #6
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: طه جعفر
Date: 01-20-2014, 04:38 AM
Parent: #4

Quote: نعم .. مجسمات التماسيح كانت على بوابات الحوش ..
كنت ألاحظ في الشمال أن التمساح لم يكن حيواناً مكروهاً ولكن كان له الهيبة والقدسية ..
وفي روابات بالنوبية .. أن التمساح لا يأتي إلى احد في بيته ولكن من يذهب الى التمساح في حمااه عليه ان يتحمل
النتيجة .. لقد عرفت الآن لماذا كانت هناك هالة من القداسة على التمساح دون الحيوانات الاخرى ..
كما ان التمساح يستخدم كنموذج للقوة في الشعر الشعبي ( الحماسة ) ..
على عكس الشعر والغناء النوبي لم يتطرق الى هذا النوع من الصور لأنه شعر يجنح الى السلم ..

استاذ طه لقد جعلتني اتعمق في بعض ابيات الشعر الشعبي :

دابي الساار ..

السار في النوبية هي المنطقة التي ترسوا فيها المركب ملاصقة للشاطيء .. ( يعني الواحد لا يحتاج ان يخوض في الماء ليصل الى البر ) خاصة الحريم لأنها لابد ان ترفع فستانها
وتظهر بعض مفاتنها .. فكان الرواس الماهر هو الذي يرسو بمركبه في السار وخاصة بعد الفيضان وانحسار الماء .. لأن السار عبارة عن منطقة صلبة ليست طينية كالجروف وتكون
في مساحة محدودة جداً على شريط النيل .. ويكون النهر فيه عميق ودائماً ما كان يحدث فيه الغرق لم لا يجيدون السباحة ..
فكانت منطقة مناورة للتماسيح لأن التمساح يحب التواجد بالقرب من البر ولكن في المياه العميقة ..
وأخطر انواع التماسيح هي الموجودة في منطقة السار لأنها تطبق على الفريسة بسهولة حتى لو كانت الفريسه في حجم ( ثور المحراث ) ..

معليش طه يمكن خرجنا من الموضوع شوية ..



شكرا استاذ علي عبد الوهاب
لقد اثريت البوست بالمفيد
لك الشكر و لك اعتذار عن تأخري في التعقيب علي مساهمتكم الضافية

طه جعفر

Post: #8
Title: Re: الله ما يجيب يوم شكرك! فكرة عن الحياة و الموت
Author: محمد عبد الله حرسم
Date: 01-20-2014, 05:29 PM
Parent: #4

حقيقة

وثقافة الموت

وحكايات التوحش والانبهار

والبحث عن كنه الابنية التى تختبىء خلفها عيون لا الوجع هى حكاية كل يوم

لم أر هذا البوست من قبل

شكرا لانك اهديتنى ما كتبت اخى طه

معا نرى كل منا من زاويته المشهد

انت تكتب عن الموت وانا ابكى الانتباه للفقد بعد الرحيل ربما كنا نبك ذات البوصلة

دعنا نمضى كعنا من هنا ومن هناك