نميري: فاسد ونص وخمشة عبد الله علي إبراهيم

نميري: فاسد ونص وخمشة عبد الله علي إبراهيم


05-25-2014, 02:51 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=457&msg=1419307493&rn=1


Post: #1
Title: نميري: فاسد ونص وخمشة عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 05-25-2014, 02:51 AM
Parent: #0



يتربص بعض قادة الرأي بذِكر مشئومة مثل انقلاب 25 مايو الذي مر ذكره اليوم للطعن في إرادة الشعب التي أطاحت بنظم الاستبداد وفي تزكية المستبدين. وهذا لؤم منقطع النظير. ومتى صدر من بعض من يعتقدون أنهم طلاب حرية ما يزال مقاومون للإنقاذ تضاعف اللؤم. فأنى لهم طلب العدل والحرية اليوم وهم يهدمون "ساسات" لها في مثل ثورة أكتوبر 1964 وابريل 1985 يلهجون بحسن النظم التي اجتثتها تلك الثورات. قيل عن العملاق هو الذي يقف على أكتاف من سبقوه من المثابرين . ومتى رغب هادمو إرث الشعب الثوري عن كتف يقفون عليه حُبطت أعماهم وصار مطلبهم للحرية لغواً.
أسفت أن أجد علي يسين الكاتب المجيد بجريدة الرأي العام بدأ ترسيم نميري صالحاً من الصالحين تربصاً قبل حين من مرور ذكرى انقلابه. ثم رثيت لعبد المحمود الكرنكي يمجد عصر النميري تمجيداً لاحياء فيه. بل ولا رصانة. فمن رأيه مثلاً أن عهد النميري كان فريداً في إحسانه لأن أفضل الأغاني من بنات زمنه. ومتى جارينا الكرنكي في بؤس استدلاله قلنا أن العصر الجاهلي كان عصراً عظيماً بدليل ظهور المعلقات المعروفة في زمانه. فأنظر كيف يسوق قصر النظر إسلامياً مثل الكرنكي إلى الترويج للجاهلية التي قال أفضل الخلق عن عصبياتها: دعوها فإنها منتة".
ليست مراجعة التاريخ وتحريره حراماً. بل إذا استحق نميري النصفة عن حق فمرحباً وكرامة. فمراجعة التاريخ هي الدافع الأكبر للشغل التاريخي. ولكنها مما يقوم على نظر استجد على ضوء وثائق لم تتوافر من قبل، أو نظرية تاريخية مبتكرة استدعت تطبيقاً ذكياً لها في وقائع الماضي. أي أن مراجعة التاريخ تبعة ثقيلة لا تجدها عند بعض كتاب أعمدتنا. فكل عدتهم للمراجعة مزاج سياسي خرب أمض صاحبه كر الهزائم وتطاول سنين الخيبة فأنفرطت رباطة جأشه الروحية وأطلق لسانه في الشعب بدلاً عن تنويره حيث هو في زاويته الصحفية. وبقدر ما تبحث عن دليل تقوم عليه مراجعتهم لن تجد سوى الدليل الحكائي (anecdotal evidence) من مثل "قال لي عمنا فلان في فراش أخونا علان" كذا وكذا.
قصراً للكلام: سيخرج علينا من يقول إن نميري لم يكن حاكماً فساداً بدليل خروج جنازته من داره القديمة في حيه القديمة. وشاع دليل استحسان الحاكم أو الوزير لفقره ولزومه داره الأصل كثيراً. ولن يصح هذا الدليل عن تواضع دار الحاكم إلا في حالة واحدة وهي أن يكون مطلبنا من الحاكم أن "يسلك طريق القوم الصوفية فيزهد ويرق ويرقى المراقي". فالحاكم لا يحاسب بمسكنته في نهاية دولته. فبعض الناس قد لا يكترث للمال ولكنه مريض سلطان ويمد للفساد والمفسدين مداً ليستديم له السلطان. وربما كان سفيهاً أو مبذراً أو مهملاً.
الفساد في نظام سياسي كالدولة ليس عاهة شخصية. فكثير ممن فسدوا في نظمنا ممن لن تصدق أنهم سينتهون إلى خفة اليد والإكثار من المال السحت. الفساج في مجتمعنا عند البعض وضع من أوضاع تراكم رأس المال "البدائي" يؤدي إلى نشأة طبقة متملكة لا من باب الإنتاج بل من باب "همبتة" الدولة. ولأنه حالة سياسية واجتماعية فخروج الحاكم صفر اليدين منه ليس ميزة. بل ربما كان غباءَ وقلة حيلة متى كان هو الأصل في تحريك نوازعه وحماية الفاسدين.
استبق من بادروا بالقول (أو هم في الطريق) بأن نميري غير فاسد وصالحاً من صُلاح الجبل بقولي إنه فاسد ونص وخمسة. ولم احتج لغير قراءة كتاب الدكتور منصور خالد "السودان والنفق المظلم: قصة الفساد والاستبداد" (1985) لأجد الحجة على فساده. وقد بنيت عليه قناعتي بفساد نميري لأنني لم أكن في الخرطوم خلال محاكمات رموز مايو بالفساد وبغيره. ولم أجد أياً من يرسمون نميري حاكماً صوفياً نقياً يرجع إلى أياً من المصدرين. ومنصور خالد مصدق عندنا ولكنه ليس القول الفصل بالطبع. ولكنه كان في بطن حوت "مايو قرباباً ود صلب" ملماً بخفاياه ومصارعاً، في زعمه، لنقاء ثوب "ثورة مايو" من درن الفساد. بل هو في رأيه ضحية هذا الصراع. وقد يضعف الضغن من رواية منصور على صمامتها. فهي ليست مجرد ذكريات من مثل "قال لي عمي ونحن في بكا أخونا المرحوم فلان". فقد استقوت الذاكرة عنده بالبحث المكتبي المعروف ونشر من ذلك كله عن فساد نميري وحاشيته مما لا مطعن فيه. ومهما كان الرأي في الكتاب يكون القول ببراءة نميري من مسبة الفساد ومغبته، بغير استصحاب له، ضرباً من الجهل الفدائي النشط.
قرات الكتاب في الإنجليزية (Nimeiri and the Revolution of Dis-May) وترجمت أجزاء منه ولخصتها وبخاصة من فصله الرابع والتاسع. ففي الرابع أوفى فساد الحاكم نميري وهو في قبضة عدنان الخاشوقجي وبطانته في القصر الجمهوري تفصيلاً . أما في الفصل التاسع فقد عرض لفساد نميري الذي اعترض أداءه هو نفسه، منصور، كموظف عام في وزارة الخارجية.
قصدت من هذا التذكير بكتاب منصور وفساد نميري أن أطلب من بعض كتاب الأعمدة أن يكتبوا عن علم. والعلم أن تقرأ ما كتب الناس قبلك. ثم تنظر صوابه في الشأن فإن بان كان بها وإن رأيت انحرافاً صححته بما استجد. أما الكتابة عن سأم فهي مما استهجنه المتنبى: "فمدفوع إلى السقم السقيم." إلى الحكاية:
أحاط بنميري منذ بداية السبعينات ثلاث مجموعات. التكنوقراط من اشتغل منهم بالسياسة ومن لم يشتغل ممن اختارهم لخبراتهم الأكاديمية والتقنية. وكانوا شاكرين لنميري الفرصة التي اتاحها لهم لخدمة وطنههم. وكانت المجموعة الثانية من أهل التعبئة السياسية بعضهم شديد القدرة والذكاء. ولكن بينهم هتيفة أرادوا تغيير السودان بالتهريج وصيحات الحرب. أما الجماعة الثالثة فهي حاشية البلاط ممن خرجوا لخدمة ذواتهم ومازوا عن الآخيرين بتربصهم ب"أبواب السلاطين" ومنفذهم إلى الرئيس. وليس لهذه الجماعة توقير للمؤسسات وصادفوا رئيساً معاد لها. وقاد هذه الجماعة الأخيرة الدكتور بهاء الدين أحمد إدريس. وقال منصور إنه وعمر حاج موسى أعترضا عليه. ولم يسمع نميري فيه حتى من صفيه عمر. وكان الليل قد تأخر وهما في الجدل فالتفت عمر إلى منصور وقال: ربما يرى الرئيس ما لم نره في الرجل. ثم قال لمنصور: تأخر الليل وعليّ أن اقطع جسراً لبيتي في الخرطوم بحري. فقال منصور لنفسه حذراً مما سيأتي: من الآن فصاعداً حُكم علينا جميعاً أن نقطع جسراً طويلاً ".
جاء عدنان الخاشوقجي، المليونير السعودي تاجر الأسلحة المغضوب عليه في بلده ومطرود منها، للسودان بواسطة سليم عيسى، الصحفي صاحب وكالة للسياحة في بيروت. وعرّف سليم الخاشوقجي ببهاء الدين. وكان الخاشوقجي خرج محرجاً في 1969 من محاكمات جرت لشركات أمريكية تعاملت معه وأفسد. وكتب عبد العزيز النصري سفير السودان في أمريكا وعلى النميري مدير الأمن عن وجوب الابتعاد عنه وعن سليم. وقال منصور إن ما لا يرغب نميري في سماعه هو الفساد الموثق. هو عنده كأن لم يوجد. فدولته هي الحكم نسياناً. وفتح الخاشوقجي مكتباً لشركته، ترياد،. وكانت حاشية بلاط نميري تمده بمعلومات من باطن الدولة أعانته على توضيب عطاءات ومشروعات لا راد لها. وكان ثمن تمتعه بثقة نميري زهيداً. فبينما دعم الخاشوقجي حملة نكسون الإنتخابية (50 ألف دولار) وأهدى بنته أسورة (30 ألف دولار) كان ثمن نميري زهيداً. فالنميري بالطبع غير مكلف إنتخابياً ولم يرزق ذرية يهدى لها. ولم تتجاوز تكلفة نميري سوى رحلات بطائرات الرجل ورحلات سياحية على قاربه البحري، نبيلة على اسم ابنته، واستضافة في قصور الثري التي سماها منصور في كتاب آخر "قصور الخورنق والسدير".
بدأ الخاشوقجي نشاطه في السودان في أثر قرض ضمان سعودي مقداره 200 ألف مليون دولار تم التعاقد عليه وفق الإجراءات المالية والمصرفية المعهودة. فعرض الثري على السودان أن يعهدوا إليه بالقيام بتمويل ال 200 ألف دولار وإدارتها مقابل أن يجذب للسودان مائة مليون دولار أخرى لصالح قيام مؤسسة التنمية السودانية. فقبل نميري وطلب من المالية وغيرها أن ترفع يدها عن الأمر. فسعى الخاشوقجي بين بنوك أوربا لجمع هذا المال قصير الأجل رافعاً الفوائد منه إلى 12% وعمولة لشخصه بلغت 4 مليون دولار. وكانت الفائدة من قرض الضمان السعودي لا تزيد عن 2% تدفع بشروط مريحة خلال 15 عام. وساء السعوديون تعامل نميري مع الخاشوقجي. ونقلوا لنميري انزعاجهم من سعر الفائدة العالي، كما عابوا على نميري استخدام طائرة الخاشوقجي لمثل حضور المؤتمر الإسلامي في لاهور مثلاً. بل عرضوا أن يوفروا له طائرة بشكل مستديم في 1974 وفعلوا.
ولم يعجب ترتيب الخاشوقجي البنك الدولي أيضاً. وحمل مدير الينك، الأمريكي ماكنيمارا، استياءهم للحكومة. واقترح البنك على السودان استخدام ضمان السعودية للحصول على قرض من بنك أمريكي بشروط ميسرة لا كما فعل الخاشوقجي. وقال إن البنك الدولي لن يقرض السودان، الذي يبدو من علاقته مع الخاشوقجي وضلالاته، أنه إما غني جداً أو فاسد جداً. وفاتح منصور خالد نميري في هذا التمويل البديل فقبل، بل تصنع القبول. واجتمعت طائقة من وزراء الدولة (منصور خالد ومنعم منصور وزكي مصطفى) مع بنك جيس مانهاتن وصاحبة روكيفلر. وجاء روكيفلر في 22 يناير 1975 لمواصلة التفاوض. واجتمع مع نميري بعد أن أجاز القرض. وكانت المفاجأة السخيفة أن صب النميري ماء بارداً على رأس الرجل قائلاً إنه لا يدري عن أي شيء يتحدث.
لابس هذه الحادثة ظرفان. الأول منهما أن روكيفلر جاء بعد أيام من " ليلة السكاكين الطويلة" التي أطاحت بتكنقراط مايو ودبرتها حاشية القصر في قول منصور. أما الملابسة الثانية فكانت تحركات الخاشوقجي نفسه ليكون له طرف في قرض جيس مانهاتن. فأقترح عليهم أن يكون شريكاً في إدارة القرض عن طريق مؤسسة التنمية السودانية المقترحة آنذاك. ولما استعصت البروقراطية السودانية وامتنعت عليه في توظيفه للمؤسسة المقترحة قام بتكوين شركة مع ترياد جعل مؤسسة التنمية شريكاً فيها. وهي مؤسسة بنكية أسهم الحكومة فيها 25 في المائة تسيطر ترياد وشركات أخرى على 75 في المائة. وهكذا عاد نميري للبنوك الخاصة بعد التأميم في 1970. وبدأ الخاشوقجي في الاقتراض بضمان المال السعودي بنسبة أرباح تفوق المعروض من غير الجهات التي قصدها. فبدأ بإيداع 10 مليون دولار في حسابات خارجية بزعم دعم نظام نميري ولزوم "لحوسات" لجهات سعودية للتسهيل. وللخاشوقجي عمولة 4 مليون دولار علاوة على انتفاعه مما يقع له من المقرضين الذين جاءهم بنسبة عالية في الفوائد. ولا يعرف أحد أين ذهبت الست مليون الأخرى لتأريخه. ونبه محمد عبد الماجد أحمد، مدير مؤسسة التنمية السودانية، إلى استلامه القرض بالضمانة السعودية ناقصاً 10 ملايين دولار وكتبها ديناً على الحكومة.
وللمزيد من حلب السودان عن طريق مؤسسة التنمية اقترح الخاشوقجي على نميري أن يكون لها مجلس إدارة يكون هو على رأسه ومعه بهاء والخاشوقجي نفسه. وتدخل منعم منصور، وزير المالية، ليراجع نميري من أن يتورط في رئاسة مجلس إدارة شركة وهو في سدة السيادة. ومضى بهاء في صياغة عقود تأسيس شركة التنمية غير حافل. واستخدم خبرة قانونية خارجية رشحها الخاشوقجي منصرفاً عن السلطات القانونية الوطنية. وشملت مذكرة هذه الخبرة الأجنبية (12 فبراير 1974) إلى بهاء إجراءات تُتَبع للحصول على قرض بخمسين مليون جنيه المضمون بالسعودية. منها أن يصدر الرئيس إذناً بالتعاقد بالقرض وأمراً جمهورياً بتكوين شركة التنمية وانعقاد مجلس شركة التنمية. وكتب نميري توكيلاً لبهاء وزير الدولة للشؤون الخاصة فوض له تنفيذ كل تعاقدات الدولة واتفاقات القروض في أغسطس 1974 (صورة التفويض منشورة في الكتاب). ولم يستسلم الوزير منعم منصور لوضع الدولة في صورة مجلس الحاشوقجي ونجح في إدخال وزير المالية في مجلس الإدارة وكان الخاشوقجي قد أهمل ذكره. ولاسترضاء الوزير سعى الخاشوقجي لرشوة منعم منصور بسؤاله عن رقم حسابه ليضع فيه مالاً مخصصاً ما. وحمل منعم شكواه لنميري عن هذا الابتذال. فلم يزد نميري عن القول: "ما توقعته أن يفعل مثل ذلك مع وزرائي". وفي تلك الليلة كان نميري ضيفاً على الخاشوقجي في قصر ضيافة مخصص له لا يدخله إلا من وثق فيه بهاء.





أحاط بنميري منذ بداية السبعينات ثلاث مجموعات. التكنوقراط من اشتغل منهم بالسياسة ومن لم يشتغل ممن اختارهم لخبراتهم الأكاديمية والتقنية. وكانوا شاكرين لنميري الفرصة التي اتاحها لهم لخدمة وطنههم. وكانت المجموعة الثانية من أهل التعبئة السياسية بعضهم شديد القدرة والذكاء. ولكن بينهم هتيفة أرادوا تغيير السودان بالتهريج وصيحات الحرب. أما الجماعة الثالثة فهي حاشية البلاط ممن خرجوا لخدمة ذواتهم ومازوا عن الآخيرين بتربصهم ب"أبواب السلاطين" ومنفذهم إلى الرئيس. وليس لهذه الجماعة توقير للمؤسسات وصادفوا رئيساً معاد لها. وقاد هذه الجماعة الأخيرة الدكتور بهاء الدين أحمد إدريس. وقال منصور إنه وعمر حاج موسى أعترضا عليه. ولم يسمع نميري فيه حتى من صفيه عمر. وكان الليل قد تأخر وهما في الجدل فالتفت عمر إلى منصور وقال: ربما يرى الرئيس ما لم نره في الرجل. ثم قال لمنصور: تأخر الليل وعليّ أن اقطع جسراً لبيتي في الخرطوم بحري. فقال منصور لنفسه حذراً مما سيأتي: من الآن فصاعداً حُكم علينا جميعاً أن نقطع جسراً طويلاً ".
جاء ب عدنان الخاشوقجي، المليونير السعودي تاجر السلحة المغضوب عليه في بلده ومطرودمنها، للسودان بواسطة سليم عيسى، الصحفي صاحب وكالة للسياحة في بيروت. وعرف سليم الخاشوقجي ببهاء الدين. وكان خاشوقجي خرج محرجاً في 1969 من محاكمات جرت لشركات أمريكية تعاملت معه وأفسد. وكتب عبد العزيز النصري، سفير السودان في أمريكا، وعلى النميري مدير الأمن عن وجوب الابتعاد عنه وعن سليم. وقال منصور إن الذي لا يرغب نميري في سماعه حقاً هو الفساد الموثق فهو عنده كأن لم يوجد. فدولته هي الحكم نسياناً. وفتح الخاشوقجي مكتباً لشركته، ترياد،. وكانت حاشية بلاط نميري تمده بمعلومات من باطن الدولة أعانته على توضيب عطاءات ومشروعات لا راد لها. وكان ثمن تمتعه بثقة نميري زهيداً مقارنة بما دفعه لدعم حملة نكسون الإنتخابية (50 ألف دولار) وأهدى بنته زينة (30 ألف دولار). والنميري بالطبع غير مكلف إنتخابياً ولم يرزق ذرية يهدى لها. ولم تتجاوز تكلفة نميري سوى رحلات بطائرات الرجل ورحلات سياحية على قاربه البحري، نبيلة على اسم ابنته، واستضافة في قصور الثري التي سماها منصور في كتاب آخر "قصور الخورنق والسدير.
بدأ الخاشوقجي نشاطه في السودان في 1973 أثر قرض ضمان سعودي مقداره 200 ألف مليون دولار تم التعاقد عليه وفق الإجراءات المالية والمصرفية المعهودة. فجاء الخاشوقجي وعرض على السودان أن يعهدوا إليه بالقيام بتمويل ال 200 ألف دولار وإدارتها مقابل أن يجذب للسودان مائة مليون دولار أخرى لصالح قيام مؤسسة التنمية السودانية. فقبل نميري وطلب من المالية وغيرها أن ترفع يدها عن الأمر. فسعى الخاشوقجي بين بنوك أوربا لجمع هذا المال قصير الأجل رافعاً الفوائد منه إلى 12% وعمولة له شخصيلً بلغت 4 مليون دولار. وكانت الفائدة من قرض الضمان السعودي لا تزيد عن 2% تدفع بشروط مريحة خلال 15 عام. وساء السعوديون تعامل نميري مع الخاشوقجي. ونقلوا لنميري انزعاجهم من سعر الفائدة العالي، كما عابوا على نميري استخدام طائرة الخاشوقجي لمثل حضور المؤتمر الإسلامي في لاهور مثلاً. بل عرضوا أن يوفروا له طائرة بشكل مستديم في 1974 وفعلوا.
ولم يعجب ترتيب الخاشوقجي البنك الدولي أيضا. وحمل مدير البنك، الأمريكي ماكنيمارا، استياءهم للحكومة. واقترح البنك على السودان استخدام ضمان السعودية للحصول على قرض من بنك أمريكي بشروط ميسرة لا كما فعل الخاشوقجي. وقال إن البنك الدولي لن يقرض السودان الذي يبدو من علاقته مع الخاشوقجي وضلالاته أنه إما غني جداً أو فاسد جداً. وفاتح منصور خالد نميري في هذا التمويل البديل فقبل، بل تصنع القبول. واجتمعت طائقة من وزراء الدولة (منصور خالد ومنعم منصور وزكي مصطفى) مع بنك جيس مانهاتن وصاحبة روكيفلر الذي جاء في في 22 يناير 1975 لمواصلة التفاوض. واجتمع مع نميري بعد أن أجاز القرض. وكانت المفاجأة السخيفة أن صب النميري ماء بارداً على رأس الرجل قائلاً إنه لا يدري عن أي شيء يتحدث.
لابس هذه الحادثة ظرفان. الأول منهما أن روكيفلر جاء بعد أيام من شهر "السكاكين الطويلة" الذي أطاح بتكنقراط مايو التي دبرتها حاشية القصر في قول منصور. وسنتحدث عن هذه الليلة في ووقتها. أما الملابسة الثانية فكانت تحركات الخاشوقجي نفسه ليكون له طرف في قرض جيس مانهاتن. فأقترح الخاشوقجي أن يكون شريكاً في إدارة القرض عن طريق مؤسسة التنمية السودانية المقترحة آنذاك. ولما استعصت البروقراطية السودانية وامتنعت عليه في توظيفه للمؤسسة المقترحة قام بتكوين شركة مع ترياد جعل مؤسسة التنمية شريكاً فيها. وهي مؤسسة بنكية أسهم الحكومة فيها 25 في المائة بينما تسيطر ترياد وشركات أخرى على 75 في المائة. وهكذا عاد نميري للبنوك الخاصة بعد التأميم في 1970. وبدأ الخاشوقجي في الاقتراض بضمان المال السعودي بنسبة أرباح تفوق المعروض من غير الجهات التي قصدها. فبدأ بإيداع 10 مليون دولار في حسابات خارجية بزعم دعم نظام نميري و"لحوسة" لجهات سعودية للتسهيل. وللخاشوقجي عمولة 4 مليون دولار علاوة على انتفاعه مما يقع له من المقرضين الذين جاءهم بنسبة عالية في الفوائد. ولا يعرف أحد أين ذهبت الست مليون الأخرى لتأريخه. ونبه محمد عبد الماجد أحمد، مدير مؤسسة التنمية السودانية، إلى استلامه القرض بالضمانة السعودية ناقصاً 10 ملايين دولار اضطر ليكتبها ديناً على الحكومة. وللمزيد من حلب السودان عن طريق مؤسسة التنمية اقترح الخاشوقجي على نميري أن يكون لها مجلس إدارة يكون هو على رأسه ومعه بهاء والخاشوقجي نفسه. وتدخل منعم منصور، وزير المالية، ليراجع نميري من أن يتورط في رئاسة مجلس إدارة شركة وهو في سدة السيادة.
ومضى بهاء في صياغة عقود تأسيس شركة التنمية غير حافل. واستخدم خبرة قانونية خارجية رشحها الخاشوقجي منصرفاً عن السلطات القانونية الوطنية. وشملت مذكرة هذه الخبرة الأجنبية (12 فبراير 1974) إلى بهاء إجراءات تُتَبع للحصول على قرض بخمسين مليون جنيه المضمون بالسعودية. منها أن يصدر الرئيس إذناً بالتعاقد بالقرض وأمراً جمهورياً بتكوين شركة التنمية وانعقاد مجلس شركة التنمية. وكتب نميري توكيلاً لبهاء وزير الدولة للشؤون الخاصة فوض له تنفيذ كل تعاقدات الدولة واتفاقات القروض في أغسطس 1974 (صورة التفويض منشورة) . ولم يستسلم الوزير منعم منصور لتجاهل الدولة في مجلس الحاشوقجي وقاوم ونجح في إدخال وزير المالية في مجلس الإدارة وكان الخاشوقجي قد أهمل ذكره. ولاسترضاء الوزير سعى الخاشوقجي لرشوة منعم منصور بسؤاله عن رقم حسابه ليضع فيه مالاً مخصصاً ما. وحمل منعم شكواه لنميري عن هذا الابتذال. فلم يزد نميري عن القول: "ما توقعته أن يفعل مثل ذلك مع وزرائي". وفي تلك الليلة كان نميري ضيفاً على الخاشوقجي في قصر ضيافة مخصص له لا يدخله إلا من وثق فيه بهاء.