الحركة الإسلامية: 25 عاماً من الخسران المبين عبد الله علي إبراهيم

الحركة الإسلامية: 25 عاماً من الخسران المبين عبد الله علي إبراهيم


06-29-2014, 10:02 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=457&msg=1419307175&rn=0


Post: #1
Title: الحركة الإسلامية: 25 عاماً من الخسران المبين عبد الله علي إبراهيم
Author: عبدالله علي إبراهيم
Date: 06-29-2014, 10:02 PM




غداً يمر ربع قرن منذ قيام نظام الإنقاذ. ومن بين خرائبه العظمى أنه قضى قضاء مبرماً على الحركة الإسلامية وظل يستأجر منها من شاء في وقته المناسب، وبالشروط "الهَبل"، ويستغنى منه متى شاء. ومن يقول من المعارضين أن "الكيزان" هم من يمسكون بزمام الحكم في السودان إنما ينبح الشجرة الخطأ. فحكمهم إلا مكاء وتصدية (زيطة وزمبريطة). وأحزنني الأمر حتى قلت مرة ماذا خسرنا بخسارة الحركة الإسلامية جرياً وراء عنوان مشهور لكتاب أبي الحسن الندوي:"ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟".
سيستحيل فهم الأزمة السودانية المعروفة بالدورة الخبيثة (انقلاب فديمقراطية لاهثة الأنفاس) ما لم نقف على تحليل أفضل لارتكاب الحركة الإسلامية طريق الانقلاب. وقد أضعنا فرصة سبقت إلى فهم ديناميكة الانقلاب بقفل الحزب الشيوعي باب الاجتهاد في المسألة بعد محنة 19 يوليو 1971. فقد أوسعنا العقلية الانقلابية درساً ومقاومة بعد انقلاب 25 مايو 1969. وكتب أستاذنا عبد الخالق محجوب في فقهها صحائف غراء. ثم وقع انقلاب 19 يوليو وغطت خجلته على تجديد ذلك الفقه.
وحرك ساكن هذا الحديث فيّ مقالة ذكية لخالد التجاني النور، رئيس تحرير "إيلاف" بإعادته أمس الأول نشر مقالة كان كتبها في فبراير 2012. فنظر إلى عوار حركته الخاملة التي تخطاها إسلاميون آخرون بقطار الربيع العربي. وقال إن هذا الربيع في شقه الإسلامي وجد حركته، بتورطها في انقلاب خرقت له الدستور ورعت انظاماً طغيانياً، متلبسة بالوقوف في الجانب الخاطيء من التاريخ والخاسر. وأعجبتني جذرية خالد. فهو لا يعتقد أن أياً من حركات اصلاح النظام الناشطة في دوائر الإسلاميين لوقتنا ستصيب الهدف. فكل برامجها لم تتخط سطح أزمة الحركة ولم تعتنق تشخيصاً عميقاً لها. فليس أزمتها، حسب خالد، في الانقلاب ولا الاستفراد بالحكم ولا . . ولا. فكل هذه عاهات مترتبة عن الأزمة العميقة. وصفتها أنها أزمة فكرية ومنهجية بالأساس ترتبت عليها ممارسات ذرائعية وميكافيلية للسياسة مثل سدانة مايو والانقلاب وبيوت الأشباح والتمكين والمشروع الحضاري. وغطت الحركة على هذه السياسات بلافتات وشعارات إسلامية براقة لم تتقيد فيها بما يمليه الوازع الأخلاقي والديني.
ويعيدني خالد هنا إلى تحليل عرضته قبل سنوات عن مشابه في مسيرة الحركتين الشيوعية والإسلامية في السودان. فكلاهما خرج في حركة جماهيرية بعد هزيمة أهل التربية فيه وهم من كانوا يدعون لتثقيف العضوية في مناهج فكرهما قبل أن يخوضوا في النشاط الجماهيري. فخرج عوض عبد الرازق (1952) من الشيوعي وجعفر شيخ إدريس (1969) من الإسلامية. وقال أهل السياسة أنهم سيخرجون بعموميات فكرهم للمارسة ثم يستدركون دقائق ذلك الفكر في النشاط العملي بين الجماهير. وقلت إن الحركتين في هذا بخلاف من الحزب الجمهوري الذي بدأ بالعمل الجماهيري في الأربعينات ثم ركز على التربية المحضة للأخوان. ولم ينجح لا الإسلاميين ولا الشيوعيين في استدراك ما التزموا باستدراكه من حظوظ التربية وعاشوا على عموميات فكرهما إلا من رحم.
ولم تسعف العموميات الحركة الإسلامية. فلم توطن بين صفوفها فقهاً أريحياً للديقراطية فأنقلبت عليها في المنعطف الأول ولم يرتفع غير صوت نادر هنا وهناك يحتج على هذه المسارعة الفطيرة لله. وهذا يعني أن الممارسة في الحركة عصا مرفوعة وعصا مدفونة بلا هدي أو خلق أو دين. ولم يقبل خالد بتحجج أهل الحركة بتغلب الانقلابيين عليهم في الحكم. وقال لهم كان الانقلاب عقيدة فيكم وليس مهماً من جنى ثماره بل من هز الشجرة. فالأهم فهم أدق لباب الغفلة الذي تسرب منه.
أعتقد أن الباب الذي يفتحه خالد لنقاش محنة الإسلاميين هو الأهدى. وليس بالأهدى للإسلاميين وحدهم بل لسائر حركات البرجوازية الصغيرة المتعلمة التي استثمرت في الانقلاب. ولا يزال الانقلاب أو أشكال العنف الأخرى "الحركات" تعشعش في أذهانها. ولن تكسب. فخالد يعيب على حركته أنها لم تقطع نفسها معرفياً من الانقلاب كحيلة أو تخريمة للحكم. ويُستغرب هذا من حركة قاومت ببسالة عدد انقلابيين في 1958 و1969. وكتب الله عليها الآن أن تقاوم انقلاباً من صنع يديها تولد عنه نظام طغياني فرعوني أثيم. وهذا بوء بخسران مبين.