في حضرةِ الأرَق

في حضرةِ الأرَق


09-05-2013, 08:44 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=440&msg=1378367092&rn=0


Post: #1
Title: في حضرةِ الأرَق
Author: shazaly gafar
Date: 09-05-2013, 08:44 AM

في حضرةِ الأرَق !
شاذلي جعفر شقَّاق
[email protected]

تدخل دارَكَ آمِناً في هذه العشيَّة المُبلَّلة بالرطوبة والرَّهَق وبقايا مشاهد من تنطُّعٍ إداريٍّ عطنٍ ، وعبثٍ سُلْطويٍّ مُثيرٍ للغثيان كرائحة السمك المتعفِّن والبيض الفاسد المتخثِّر على شفاهِ تُرعةٍ راكدة .. تودُّ ألاَّ تجْترَّ من تلك المشاهد شيئاً ..تُلقِي بالحقيبة والتحيَّة وتنهيدةٍ فاترة ..تهشُّ بيديك على سرب بعوضٍ قبل أن تحشر رأسك داخل الناموسيَّة لتطبع قُبلتين ؛ هنـا وهنـاك على خدَّيْن مُتعرِّقين ..تنزع رأسك سريعاً ، تُحكم وثاق فتحة الناموسية جيِّداً ، ثم تغوص في تفاصيل حتميَّة بيد أنَّك أحوج ما تكون لتمُدَّ جسدكَ المُنهَك لتنام كيفما اتَّفق رُغم أنف السخانة والرطوبة واللَّسْع والطنين !
شجرة دِقن الباشا الكثَّة ، الرثَّة رغم كثافتها الدجَّالة وموسيقاها الطنَّانة ؛ تقف بلا حِراكٍ مثل خيال مآتةٍ تُرك مصلوباً بعد أن أدَّى الأمانة أو لم يؤدِّها ! شجرة الليمون تحلم أغصانُها الغضَّة برقصةٍ رهينةٍ بنسمة ، ولكن هيهات ! أزيز مكيِّف هواء عابر للجدران ..وقعُ أقدامٍ مترنَّحةٍ تكشط أديمَ الأرض في الشارع .. نُباحٍ من قَصيٍّ يعقبه نُباحٌ من قريب ..صوت (ركشة ) انسلَّت من زُقاق الطُلمبة ناحية الفسحة المُظلمة لينامَ مُحرِّكُها مُفْسِحاً المجال لضحكاتٍ شاهقةٍ تبدَّدتْ في العتمة بالتزامن مع تشغيل ماكينات المَحْجَر الصفيقة لدى الجبل الذي لم يبقَ منه على سطح الأرض من شئ ! سُحب الدخان المتماهية مع جُبَّة الليل الحالكة وضوء النُجيمات الخفيتة .. الشخير .. الأنين المصحوب بهمهمات وتلمُّظ وطمطمات ..السُّعال .. العطاس .. الصِراخ الطفولي إثر جعجعة طواحين الحجارة التي تقضُّ المضاجع .. تنبجس المناغاة لمحاولة استرداد السكينة الضائعة .. تُعلن الصراصير انضمامها لثورة الكلام ضدَّ الصمت .. حوارٌ قِطيٌّ ماجنٌ يتحوَّل – رغم عاديَّته الفجَّة وتكراره المُمل- إلى صراخٍ عدائيٍّ سافر عند انعقاد لقاء قمَّةٍ بين اثنتين .. والضفادع المسكونة بالرتابة تردِّد دونما كللٍ تغريداتها القديمة المتجدِّدة و الساخرة : (فوق رايْ .. فوق رايْ .. فوق رايْ)!!
مؤامرة عصابات البعوض المكشوفة منذ الأزل جعلتني أرجئ نومتي مُكرهاً ريثما ينعتق النسيم .. كيف أنام وجيش مقدِّمتها الطنَّان يُقيم حفله الصاخب في أذني اليُسرى بينما ينعم القنَّاصون بدمي في شوارع أوردتي الواجمة وأزِقَّة شراييني اللاهثة ..سُحقاً فالحيلة أقوى من العتاد .. والشجاعة وحدها لا تكفي .. والانتهازية ضربةُ الجبَّان وإنْ لم تَخِبْ ! ..والوصوليَّة ديدن الأذلَّة والحرباءات ! والقهر سُلطان الورى وخادمهم في آن ! وإذا كان الاستغلالُ البيِّنُ شيمةَ الضِّعاف المهترئين؛ فإنَّ الانتقام هو الإبن الشرعي للغبَن ، بحيث لا تُصبح أوساط الحلول سوى ربائب في مواخير القوانين ال########ة والدساتير الداجنة !
تبَّاً للسقوط في فخِّ الاجترار وملابساته ..أفلا ألوذ بإحدى الفضائيَّات ؟ عسى أن أجد لديها سلوى أو تَعِلَّة ، أو أعود منها بنُعاسي الذي أهدرت دمُه خراطيم البعوض ! تحت الأضواء الراقصة والموسيقى الهادرة يمشي الخُيَلاءَ رجالٌ ضخامٌ غِلاظٌ مفتولو العضلات ..تشعُّ من أعينهم شراراتُ القوَّة والتحدي واللامبالاة ..تلمع أجسادهم المدهونة كالصخور الصمَّاء ..تشي هيئاتهم بما تتحمَّله هذه الآلات البشرية التدميرية أضعاف مضاعفة فوق طاقة البشر .. ولكنهم مع كلِّ ذلك كانوا يسيرون - أمام شابٍ غِرٍّ وإنْ شئتَ الدِّقَّةَ أمام غلامٍ رطْبٍ – كقطيعٍ من الأبقار البلديَّة لا يحيدون عن مسارهم الذي حدَّده الشاب قيدَ أنْمُلة ..حتى أوقفهم كخيولٍ السباق حول حلبة مهيبةٍ .. لا ليستعرض قُواهم الخارقة أو يكسب بهم الرهانات ..إنما جيئ بهم مُساقين ليشهدوا بأمِّ أعينهم العذاب المُهين الذي سيحلُّ بأحد زملاءهم ليكون عبرةً لهم أجمعين ! وما صاحبهم هذا بمُذنْبٍ ، وما نقموا منه ( أصحاب النفوذ ) سوى أنَّهم لا يرغبون فيه كمتفوِّق على أقرانه ..بجدارةٍ وكفاءة اكتسحت سائر أحابيل المحاباة والمحسوبية المُبطَّنة ..فما لبثوا إلاَّ أن زجّوا به داخل هذه الحلبة الرعناء بين ثلاثة كلابٍ بشريةٍ مرتزقةٍ لم يرِد في قاموسها كلمةً تحمل حقيقةً أو مجازاً معنىً للعدل وإنْ كان شعارهم هو العدْل !
أما الجواميس التي تحفُّ الحلبة بأمر الولد الرَّطْب لا تستطيع أن تحرك ساكناً أو تنبس ببِنْت شَفَة ، فإذا كانت الشجاعة وحدها لا تكفي ؛ فأيضاً القوَّة وحدها لا تكفي ! لا تستطيع النظر في عين رقيبها وإنْ بدا على عيونها الشفقة والتعاطف و التأفُّف والاستنكار الذي يشارف على الغضب ، فإن لم يكن من باب الانحياز إلى العدالة ، فلأجل أنفسهم ، إذْ لم يكن الذي يجري أمامهم إلاَّ قهراً لهم أجمعين من صاحب الحلبة الذي بيده كلُّ شئ ! مَن يجرؤ منهم على الإعتراض ليُصبح التالي بين مخالب العذاب المُهين !
هذا المشهد الذي لُذتُ به تَعِلَّةً على سبيل المُصادفة ، كان هو الاستعارة التصريحية التي اختزلت كلَّ تلك الرُّطوبة والعطن لظلامٍ دامسٍ ظلَّ يحفُّ هذا المسرح الكئيب لمتابعة مسرحية لم تُكتب أصلاً لأبطالٍ مُجرَّدين من كلِّ شئ سوى موهبة التضليل !

الوفاق – اليوم الخميس 5/9/2013م


Post: #2
Title: Re: في حضرةِ الأرَق
Author: بله محمد الفاضل
Date: 09-05-2013, 09:08 AM
Parent: #1

وقد شهدتها أيضاً
ولم أجد ملجأ من قرفٍ
وغيظٍ لا يغفو
إلا في صراخي الحانق
وتعبئة الشاشة أمامي
بالبصاق....


رشيقُ العبارة شاذلي
لك التحايا والمحبات