شَكْشاكة !

شَكْشاكة !


08-12-2013, 09:48 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=440&msg=1376297291&rn=0


Post: #1
Title: شَكْشاكة !
Author: shazaly gafar
Date: 08-12-2013, 09:48 AM

شَكْشاكة !
شاذلي جعفر شقَّاق
[email protected]

لا بُدَّ أنه رجلٌ مستقيم ..عفيف اليد واللسان ..سيماه في وجهه من أثر التقوى ..لا تني شفتاه تغمغمان ، وعيناه منكفئتان صوبَ الأرض ، إلاَّ أنَّه لا يرى غضاضةً في تحجيم ميزانية الدولة مقابل رداءة الخدمة المُناط به تجويدها والقيام بها على أحسن وجه .. ولمَّا كان الصدق ديدنه والشفافية خُلَّته الرئيسة و (الدغمسة ) عدُوُّته اللدودة ؛ فهو لا يعيد القيمة المخفَّضة – مع سبق الإصرار والترصُّد – إلى الخزينة العامة ..إنما يزجُّ بها مباشرةً في جيبه الأيمن حتى يستطيع أ، يُنفق على أسرته إنفاق مَن لا يخشى الفقر ، ويُعطى أبناءَه بيمينه ما لا تعلم شماله !
لا أحد في حارتنا لا يعلم ( أحمد شَكْشاكة) ولا يُنكر فضله في الإدارة المالية – على النحو السابق- لسائر الخدمات الرسمية والشعبية وروح المبادرة التي يتحلَّى بها دائماً لإنشاء المشروعات ..تقرِّظه في كلِّ ذلك علاقاتُه الواسعة والحميمة مع المسؤولين وحنْكتُه ودُرْبتُه في التعاطي مع دهاليز القرار ، وبيروقراطية الإجراءات ومطاردة الوعود التي تسقط (هاشميَّةً) من أفواه الساسة على المنابر التي هو من مُدمنيها ..وفوق كلِّ ذلك القبول الذي حباه به انتماءه لحزب الكلام وعذوبة اللسان وسحر البيان ، مشفوعاً بحفظه سِفْر الوصوليَّة ، العهد الجديد عن ظهر قلب بروايَتَيْه الإثنتين ! وتجويده المُطلَق لأصول اللعب الحريف بعيداً عن الخشونة اللفظية والحسيَّة ..تُعينه على ذلك الروح الرياضية العالية المؤصَّلة في كيانه والمكتسَبة بالتأهيل النفسي والتدريب المتقدِّم والتسامي فوق سفاسف الأمور وإفرازات الحسد – كما يُطلق عليها – من حواصب الحصا بأيدي الخارجين عن زُمرة أشياعه من المنتفعين أو المغفَّلين أو المغيَّبين ..كأن تدخل تلك النعوت مثل اللص – الفاسد – الانتهازي – الدجَّال من أذنه اليُمنى وتخرج من أذنه اليُسرى مثل كلام فارغ من لدنِّ (تعلمجي) عتيق لـ (مُستجد مقرَّم ) داخل الأرض الحرام أثناء حصة الإدارة الداخلية في هزيع الليل الأخير ، الغرض الأوَّل والأخير منها اكتساب مهارة قوَّة التحمُّل لا فهم الكلام !
الذي أكسب (أحمد شكْشاكة) هذا الاسم العجيب – وهو لا يضجر منه أبداً ولا يعتبره تنابذاً بالألقاب – هو إطلالته الراتبة سنوياً عند مدخل كلِّ خريفٍ مع الطلِّ الخفيف لغرض فتح إعادة تأهيل أو ما يُطلَق عليه تطهير مصارف المياه داخل الحارة ..ولأن الأرض ستنشقُّ وتبلعه عندما تهطل الأمطار العزيزة وتندلع السيول الجامحة لتذوب منازل الجالوص كفصوص ملح ..وتجرف المياهُ الرواكيب وسقَط المتاع نتيجة سوء التصريف !
إلاَّ أنَّ تصاريف القدر ستنبشه من رمثه الاختياري في الخريف القادم في كامل صحته البدنية ووجهه الصبوح وهندامه الناصع البياض الذي لا تبدو عليه آثار الدفن ..يطل مع أول (شكشاكة) فيستأذن إمام المسجد بعد أن تُصلَّى المغرب ..يحمد الله ويُثني عليه ويُبشِّر المؤمنين بأمطار الخير والبركة ثم يقول : ( نحن حقيقةً درجنا على الاستعداد لهذا الفصل المبارك ..حقيقةً بذلنا مجهوداً كبيراً لحفر مصرفين جديدين لتلافي أضرار العام الماضي إنشاء الله ..وفي الحققية كوَّنا لجنة لتحديد مكان المصارف ..حقيقةً وقع الاختيار على شارع سوداتل والطلمبة ..قمنا بالتنسيق مع اخوانا الحفَّارين والقلابات ..المهم أيّ زول عايز ردمية ل يبيتو يسجِّل اسمو هنا ده .. لأنّو ح أبيع ليكم القلاَّب بنصف القيمة بإذن الله ..حقيقةً تهمّنا مصلحتكم ، وجزاكم الله خيراً )!!
بعض الذين يعلمون يقيناً إنّ الإسراف في استخدام كلمة (حقيقة) يعني بالضرورة نقيضها ..وإنَّ تقديم المشيئة لدى (أحمد شكْشاكة ) يعني بلا أدنى شك تقديم مصلحته الشخصية على مصلحة العامَّة مثلاً ردْم شارع منزله على حساب الآخرين ودرء خطورة المجرى عن بيته بتغيير مقترح الإنشاء الأوَّل المطابق لحاجة التصريف وفق التضاريس وطبيعة الانسياب ..لذلك حاول هؤلاءِ الاعتراض على شارع الطلمبة لأنَّه وبفضل (شكشاكة) ولجنته قد خُنق مدخلُه – رغم أنف التخطيط- بمنزلٍ شاهقٍ ابتناه ذو يدٍ طولى في ليلةٍ وضحاها وغرس أمامه أشجاراً ناضجة الثمار ! ولكن شكشاكة دعاهم للتعامل مع الوضع بواقعية وعدم الركون لأمرٍ قد نفذ وانتهى ، سيما وأنه لا ناقة له فيه ولا جمل وأنّ ذمَّته بُراء من هذا التجاوز وهو مجرَّد عبد المأمور ، وأنَّه متضرِّر مثلهم تماماً ..والحكمة تقتضي ألاَّ ندع مجالاً للرجوع إلى الوراء ! ثم أبدى سعادته لمنح مَنْ شاء منهم قلاَّب تراب مجَّاناً !
وفي جولة (أحمد شكشاكة) الطويلة حول المجاري يحث العمَّال على تطهيرها كيفما اتفَّق وهو يعلم إنَّ المياه لا تستطيع أن تعبر شارع الإسفلت .. ولكنه يركِّز على الحفر أمام المنازل بصورةٍ أشبه ما تكون بإقامة الحفائر حتى انبرى له أحد المواطنين الحانقين :
- تبَّاً لك يا أحمد كشْكاشة ..أيها اللص الحقير .. يا عديم الحياء والضمير ..أتبيعنا تُراب شوارعنا دون أن يرمش لك طرف ؟ عينك يا تاجر !.. تحفر القنالات أمام منازلنا هنــا والمجرى هنـاك مسدودٌ بالمنزل الشاهق ؟! أتظنُّ أنَّ هذه القنالات ستصبح ناقة سيِّدنا صالح لتشربَ مياه الأمطار والسيول بدلاً من التصريف ؟؟!!
هنــا ضحك أحمد شكْشاكة حتى بانت نواجذُه البيضاء ثم قال وهو يمضي في وقارٍ زائف :
- صبرٌ جميلٌ واللهُ المُستعان على ما تصفون !!!



الوفاق –االثلاثاء 6/8/2013م