اتفاقيات السلام السوداني ما بين ضغوط الوسطاء ورغبات البسطاء/ رجاء العباسى

اتفاقيات السلام السوداني ما بين ضغوط الوسطاء ورغبات البسطاء/ رجاء العباسى


07-03-2005, 06:53 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=44&msg=1251865177&rn=0


Post: #1
Title: اتفاقيات السلام السوداني ما بين ضغوط الوسطاء ورغبات البسطاء/ رجاء العباسى
Author: الواثق تاج السر عبدالله
Date: 07-03-2005, 06:53 AM


sاتفاقيات السلام السوداني ما بين ضغوط الوسطاء ورغبات البسطاء

رجاء العباسي/القاهرة

يمثل السلام في السودان الحلم الذي يشترك فيه الجميع وإن اختلفت زواياهم ووسائلهم في تحقيقه.. ومع صيف 2002 هلًت أولى بشائر هذا السلام متمثلة في بروتوكول "مشاكوس" الذي مثل أول وثيقة لإيقاف الحرب في جنوب السودان، وتأكيد لمفاهيم الحريات وحقوق الانسان، وإن غلفت هذا البروتوكول النية في فصل السودان على أساس تشريعي ديني (دستور إسلامي في الشمال، ودستور مدني في الجنوب).. كما انتقل بالأزمة السودانية من أزمة سياسية تاريخية إلى أزمة جغرافية..

ثم انتقلت المفاوضات إلى مربع ثان بفضل الضغوط الدولية الغربية عامة والأمريكية خاصة.. وهو مربًع بحث القضايا التي تهم كل السودان وليس الطرفين المتفاوضين فقط.. مثل قضايا التحول الديموقراطي، وقومية القوات المسلحة وقوات الشرطة، وقومية الخدمة المدنية، وتوزيع الثروة بين كل أقاليم السودان بطريقة عادلة. وانتهت المفاوضات إلى احتكار الشمال من قبل حزب المؤتمر الوطني الحاكم، والجنوب من قبل الحركة الشعبية، بالرغم من انهما يعلمان جيدا أن لا المؤتمر الوطني يمثل الشمال أو أغلبيته، ولا الحركة الشعبية تمثل الجنوب. وفٌرض واقع جديد على الشعب السوداني..

الاتفاق الثاني جاء بطريقة ضبابية لم تقنع حتى الأطراف المشاركة فيه.. وهي تنظيمات التجمع الوطني الديموقراطي، وحكومة الخرطوم فقد بدأ بتحديد مسبق لموعد توقيع الاتفاق الذي كان حتى بعد التوقيع في رحم الغيب. مما جعل كل الأوراق التي وقعت يوم 28 يونيو الماضي في القاهرة هي مجرد "محضر" لما نوقش ولا يزال يناقش.

وبالرغم من أن اتفاق القاهرة ارتكز على اتفاق ضبابي آخر وهو "اتفاق جدة" إلى أن الجميع داخل التجمع عمل على الاستفادة منه كمدخل لطرح الحل ومناقشته، أو كما يقول المثل (يعمل من الفسيخ شربات)، وقد نجح التجمع في تضمين بنود عن التحول الديموقراطي ولتشديد على إلغاء القوانين المقيدة للحريات، وتضمين قوانين أخرى للدستور تحمي الديموقراطية المرجوًة.. إلا أن مسالة المحاسبة التي خلت منها اتفاقية "نيفاشا" بين الشمال والجنوب، وردت بشكل خجول في اتفاقية "القاهرة" تحت مسمى (رفع الضرر ودفع المظالم)، وذلك بتكوين "لجنة تتلقى وتدرس الشكاوى المقدمة من الأفراد والمؤسسات والأحزاب وتعالجها بما يضمن رفع المظالم ودفع الضرر الناتج عن أي تجاوزات لحقوق الإنسان أو أي ممارسات مادية أو معنوية سالبة. وإعادة المفصولين تعسفيا ورد الممتلكات المصادرة.

الحركة الشعبية بدأت عملها السياسي بخطأ مبكر، وهو مشاركتها للمؤتمر الوطني وتجاوزهما بقية القوى السياسية في أعمال مفوضية الدستور.. الأمر الذي استدركته لاحقا، فجاء رئيسها للقاهرة لمقابلة حلفائه القدامى ليزيد لهم حصصهم في المشاركة في إعداد الدستور الانتقالي، وهو الأمر الذي فرًق بين ما هو مكتوب ومتفق عليه بوصاية دولية، وبين ما طالبت به الأرض وفرضه الواقع السوداني.

ولأن اتفاق التجمع الوطني كان مبهما، غير مفسًر، وناقصا من حيث عدم الاتفاق بعد على نسبة وكيفية المشاركة في الحكومة الانتقالية، ومعالجة أوضاع قواته في شرق السودان. فإن خطوة ابتعاثه المتعجل لمجموعة (معظمها مغمور) للمشاركة في اعمال مفوضية الدستور في أسبوعها الأخير، كانت خطوة غير مفهومة لكافة قطاعات الشعب.

وكشفت شخصيات سياسية سودانية معارضة مثل الصادق المهدي رئيس حزب الأمة، ومحمد إبراهيم نقد سكرتير عام الحزب الشيوعي السوداني عن اختلافات بين ما تم الاتفاق عليه وبين ما هو مطلوب على أرض الواقع. وبالرغم من ان الحزب الشيوعي كان أحد الاطراف الموقعة للإتفاق إلا ان حديث السكرتير العام في ندوته الجماهيرية الأولى أعلن أن اتفاق القاهرة جاء بضغوط الوسطاء، وركًز على تصحيح بعض المفاهيم والبنود الواردة فيه، وتوضيح ماذا تعني على أرض الواقع.. خاصة مبدأ "المحاسبة" الذي شدد عليه كثيرا، - وقال في معنى - إن ما جاء في اتفاق القاهرة بهذا الخصوص لا يوضح المحاسبة كما يريدها شعب عذًب وقتل أبنائه، واغتصبت نسائه، وشرًد وجوًع أطفاله، وسرقت أمواله وثرواته وتكدست في أيد معينة.

الصادق المهدي يعتبر أن الاتفاقات الثنائية لن تساعد في حل مشكلة عامة.. ولهذا شكًل معارضة خجولة أيضا مع المؤتمر الشعبي حزب "نسيبه" د. حسن الترابي . وهي جبهة مفتوحة لكل التوقعات ومنها: عودة المياه لمجاريها بين شقي الجبهة الإسلامية، أو توقيع اتفاق ثنائي بين المؤتمر الوطني وحزب الأمة تتويجا لحوار دام اكثر من 5 أعوام. هذه الجبهة المعارضة لا تمثل عامل جذب لغالبية الشعب غير الموافق على اتفاقيتي "نيفاشا" و"القاهرة".. لأن كلا من الأمة والشعبي لا يحظيان بثقة خارج حدود مريديهما كان سببها تجاربهما الفاشلة السابقة.

تبقت أيام معدودة ليمين سوف يؤدى، ورئيس سوف يٌجدد له، ونائب رئيس جديد هو د. جون قرنق. ومن ثم تبدا فترة انتقالية يراهن الكثير من المراقبين على أنها لن تستمر كما حلم الوسطاء أو الأطراف الموقعة.. وإنما سيقول البسطاء كلمتهم.. وتسمع الأرض صوتها.
_________________
رجا العباسي