مآل السودان: الجبهة الثورية والزنقة والكاتم

مآل السودان: الجبهة الثورية والزنقة والكاتم


05-13-2013, 09:50 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=430&msg=1368435004&rn=0


Post: #1
Title: مآل السودان: الجبهة الثورية والزنقة والكاتم
Author: ابراهيم حموده
Date: 05-13-2013, 09:50 AM

فرضية هذه الكتابة: ليست الجبهة الثورية وحدها هي التي ستزحف على المركز، ثمة زحف ثقافي واجتماعي حادث الآن ومحاولة التمسك بأغنية الحقيبة والاغنية الحديثة التي تلتها نوعا النوستالجيا.. المجتمع يتغير رغم انف كل شيء وفي اتجاه آخر غير الذي يشتهيه البعض.

حين تسقط الجبهة الثورية النظام الحالي للمؤتمر الوطني سيكون الامر بمثابة انهيار منظومة بكاملها وليس مجرد نظام سياسي سيحل محله نظام آخر كما كان يحدث سابقا في تاريخ السودان. وذلك لاسباب عدة ابرزها أن هذا النظام قد دفع بالخلافات مع خصومه السياسيين لحدها الاقصي مستدرجا وبشكل لا مواربة فيه فصائل المعارضة لحمل السلاح والحرب وقد تم له ما أراد.
كما مارس نظام المؤتمر الوطني عملية قسمة وفرز على كل المستويات السياسي والاقتصادي والثقافي ليس بينه وبين الفئات المناوئة له ولكن حتى داخل عناصر النظام ذاته لدرجة تجعل قبول من ساهم في مساندة النظام حتى رمقه الأخير مرة اخرى ودمجهم داخل المنظومة الجديدة أمرا مستبعدا هذه المرة لفظاعة ما ارتكبوه وللاذي الذي ألحقوه بكل قيمة جميلة كانت تمثل السودان والانسان السوداني.

الانظمة المستبدة من كل زمان، وكان الاستبداد دائما ظاهرا يطالعك فيه الديكتاتور المستبد بوجهه كما هو في العملة النقدية المضروبة لتخليده. وكما حال دولته المركزية التي يشع بريق سلطتها من المركز للاطراف. تقول ادبيات الحكم والتحكم أن الحاكم يجب أن يكون مهابا ولكن غير مكروه. ارتكب الطغاة الفظائع في كل الاوقات من أجل ان يجعلوا من ذلك عبرة لمن يعتبر وحتى يخاف باقي الناس. ولكن ثمة حد لارتكاب مثل هذه الفظائع، إن تجاوزه الطاغية سقطت هيبته وانكشفت عورة نظامه للناس. السلطة والنفوذ يتم الايحاء بهما ، التلويح بالعنف يكفي مؤونة استخدامه، مثل تلك الدول التي تملك العتاد النووي لا لاجل استخدامه ولكن لاجل خلق حالة من التوازن لا يفكر معها فريق باستخدام القوة النووية. ومثل الاب الذي يأمر وينهي ولكن حين يصل به الأمر لضرب أحد ابنائه فإنه بلا شك يكون قد بلغ مرحلة العجز في المسألة التربوية وبتكرار الضرب يفقد الابن خوفه ويفقد الوالد هيبته.

ما فعله نظام المؤتمر كان نوع آخر من الاستبداد ومن الظلم، مثل الطاغية الذي لا يظهر بكامل وجهه على القطعة المعدنية ولكن بمقطع جانبي، مثل مخادع ونصاب لا يريك كامل وجهه ولا يمكنك من النظر في عينيه، مثل كل الدجالين والأفاكين واللصوص وزعماء العصابات لا يمكنك الوثوق بهم حتى داخل قواعد اللعبة المتعلقة بمنظمة اجرامية. نظام كذب منذ ساعته الاولى وظل يمارس مهنة الكذب كي يحافظ على ما نهب من وطن. حين جاءوا انكروا علاقة الانقلاب بالعسكريين.حين ضرب مصنع السلاح قالوا ماكينة لحام تسببت بالانفجار. حين ينقطع التيار الكهربائي يكون الضب هو الذي تسبب في العطل، وحين يذهب البشير لجوبا باحثا عن ملاليم النفط ينكر وصفه للحركة الشعبية بالحشرة.

يتواصل مسلسل الكذب وتتوسع حلقاته لدرجة انفراط عقد النظام داخل بنية الدولة في اكثر مؤسساتها التي تعتمد على الانضباط وليس غيره. اصبحت هواية العساكر والنظاميين والتربويين هي اغتصاب الاطفال ، واصبح بامكان الضابط أن يردي مواطنة بريئة بسلاحه دون ان يتعرض للمحاسبة ، وصار بامكان رجل الشرطة انتهار المواطنين الذين يفترض ان يكون هو في خدمتهم وحراسة ارواحهم وممتلكاتهم ، صار ينهر المواطن : يا عبد؟ كما أن سيارات الشرطة وافرادها هم من يقومون بترويج المخدرات.
أي مجتمع تراه سيكون من تحكمه مثل هذه الآلة الفاسدة، واي قيم سينشأ عليها الجيل الجديد الذي فتح عينه على انقلاب الانقاذ وتربى في ظل مشروعها الحضاري؟؟

حين تحدث مثل هذه الاشياء فإن زحف الجموع من الاطراف نحو المركز أمر لا شك في حدوثه، تماما مثل كان يحدث منذ قرون وذلك لأن النظام يجعل اي امكانية تغيير بالطريقة المدنية أمرا مستحيلا لأن اجهزة العنف في الدولة (الجيش الشرطة السجون الجمارك الخ) لا تلتزم بأي كود أو شفرة أخلاقية ولا تعترف بتراتبية حتى الامر الذي يفقدها إسم القوات النظامية ويضعها في خانة العصابات المسلحة.


وحين يؤسس لنظام سياسي جديد عقب انتصار الجبهة الثورية يكون التغيير الاجتماعي والثقافي قد تبلور الى حد كبير بظهور تيارات بدأت ملامحها تضح منذ الآن على مستوى الفن الغنائي ممثلة بهذا الشكل لحساسية جديدة لا علاقة لها بالارث الطويل للاغنية السودانية بشكلها الذي تطورت به من الطمبور مرورا بالحقيبة الى الاغنية الحديثة بكل مراحلها ورموزها الذين نعرفهم جميعا.
تغير الذائقة والمزاج وظهور حساسيات جديدة في المجتمع أمر يحدث بمنتهى البطء ولا يمكن للمرء التكهن بسيادة صرعة أو تيار معين ولكن مجرد ظهور مثل هذه الصرعة يدعو لتأملها ولاتخاذها ربما مادة للتحليل في سياق من السياقات التي تيحط بها.

الزنقة والكاتم ظاهر غناء ورقص وربما (ستايل حياة ) ظهرت في الآونة الأخيرة وتناولها العديد من الزملاء في هذا المنبر ولكني اريد هذه المرة أن اربطها بالفكرة التي ذكرتها سابقا حول الزحف بمعناه العسكري الذي يحدث قبل قرون خلت من الاطراف قاصدة مركز الامبراطورية لدك حصونه واقتلاع النظام القديم وإبداله بنظام آخر وسادة جديدة. لنخاله زحفا ثقافيا وفنيا لفئات ادارت ظهرها لسبب أو لآخر لكل تراث وموروث الأغنية السودانية بكلماتها والحانها وايقاعاتها.
تعودنا أن ننظر للتغيير قياسا على اصل ما وحالة ما مثل شجرة تنمو من الجذور مرورا بالجذع والفروع، ولكن ثمة حالات اخرى يحدث فيها النمو مثل العشب من الوسط حيث لا جذور ولا فروع. هذا ما نراه في مثل هذا النوع من الغناء الذي يجب ألا ننظر إليه بأي منظار قيمي وتصنيفه بأنه غناء (هابط).

انظر مادة الفيديو في الرابط أدناه قبل مواصلة القراءة من فضلك ( ويا ليت احد الحرفاء يساعد بانزال الفيديو ):
http://www.youtube.com/watch?v=K3iM7LJVa9A

هبة جبرة، أيمن الربع، طارق بنة، مودة، نيجيري، رمانة، أنس، عزة، رشا الزنجية.. هم نجوم الموجة الجديدة من الغناء السوداني وهم شباب يمكنك من مظهرهم أن تخمن أنهم ولدوا في ظل نظام الانقاذ وترعرعوا في ظل مشروعه الحضاري الذي يود أن يربط الارض بقيم السماء.
حين ظهرت حنان بلوبلو في الثمانينات ثارت ضجة مماثلة وتم استخدام ميزان اخلاقي للحكم على ظاهرة فنية وتيار استمر وبقيت آثاره حتى اليوم. ليس بمقدور أحد أن يصف فنا من الفنون بأنه انحدار اخلاقي أو أنه يساهم ويؤدي لمثل هذا الانحدار. للفن جانبه الاجتماعي القابل للتأمل والدراسة بالطبع ولكن الحكم على فن ما يتم بمفردات هذا الحقل دون غيرها.

المتأمل لبرامج الغناء وبرامج المواهب التي يعرضها التلفزيون يرى ظاهرة اجترار روائع الحقيبة والاغنية الحديثة التي اعقبتها وهو أمر يشير الى حالة من الخواء وعدم التجديد التي يعانيها الوسط الفني الغنائي. ومفردة عدم التجديد هذه جزافية جدا لأن هنالك تجديد ولكن في جهة أخرى تماما. انظر لطه سليمان في اغانيه الخاصة واحمد الصادق (وهما من الخامات الصوتية الجيدة بحسب رأيي)
ثم الجزار وحسين الصادق وصولا لشباب الكاتم والزنقة الذين ذكرتهم قبل قليل. هذا التطور وهذه الحساسية لها جمهورها ومعجبيها وهي صناعة بكاملها. اصبح احمد الصادق امبراطورا يحمل على محفة.. ولا اعتقد أن الامر كان سيكون ممكنا دون التعويل على قاعدة كبيرة وعريضة من المعجبين.

من العبث هنا المقارنة بين العمالقة الراحل وردي وأبو الامين اطال الله عمره وبقية من تبقى من هذه الحقبة وبين الامبراطور أحمد الصادق. فهذا زمان آخر زحف فيه هولاء الشباب على امبراطورية الاغنية السودانية ونصبوا امبراطورا جديدا. الغناء ليس مجرد كلمات منظومة ولحن وايقاع، هو حساسية اجتماعية وثقافية. ثمة تفاعل حادث بين فن الغناء والمجتمع. اغاني الغدر والخيانة و"الشواكيش" ظهرت مع بداية فترة الاغتراب في نهاية السبعينيات حيث اصبح الاغتراب ظاهرة اقتصادية واجتماعية والمغترب نجم اجتماعي. قيل وقتها كلما هبطت طائرة من بلاد الاغتراب ظهر في بلادنا شاعر جديد ( في اشارة لزواج المغترب من احداهن وتخليها عن حبيبها).
أما في زماننا هذا فستعجب حين تسمع اغنية الجزار: أنا اللاقيتا أول اخدت معاها موعد:
استمع من فضلك وسنواصل.
http://www.youtube.com/watch?v=OiG31PzWnP0