لا يا صديقي الصيني.. القيامة مطلب إنساني. مقال لمولانا زمراوي.

لا يا صديقي الصيني.. القيامة مطلب إنساني. مقال لمولانا زمراوي.


03-30-2013, 03:39 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=420&msg=1364654376&rn=0


Post: #1
Title: لا يا صديقي الصيني.. القيامة مطلب إنساني. مقال لمولانا زمراوي.
Author: محمد قسم الله محمد
Date: 03-30-2013, 03:39 PM

Quote: لا يا صديقي الصيني، القيامة مطلب إنساني (1)
عبد الدائم زمراوي – المحامي *
هذا العنوان شركاء في إنتاجه ثلاثة، مهندس صيني وشيخي محمد الشنقيطي رحمه الله رحمة واسعة، ووزارة العدل ولكي أكون أكثر دقة بعض منسوبيها.
لكن ما الذي جمع هذا الأشتات فأخرج عنواناً غريباً ربما جعل البعض يتحسس مقابض سيوفهم.
أما المهندس الصيني فكان يبني لنا بيتاً وكنا عندما نزور الموقع نتجاذب أطراف الحديث وذلك عبر ما يمكن تسميته (عربي بكين) قياساً على (عربي جوبا). وفي مرة خطر لي أن أحدثه عن الإسلام فتشعب الحديث حتى وصلنا الموت والبعث، لكن المهندس الصيني باغتني بالقول (موتوا تاني ما بقوم) وكم جاهدت لأبين له أن البعث حق، لكنه ظل يداوم على تلك الجملة العجيبة (موتوا تاني ما بقوم).
وفي تلك اللحظات العجيبة مرت بخاطري الآية الكريمة (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ (116)).
وتعجبت كيف لمهندس يبني بيتاً وفقاً لتصميم تُتخذ فيه كل الاحتياطات الهندسية حتى يأتي البناء سليماً يثير إعجاب الناظرين فيثنون على مهارة صانعه، تعجبت لمهندس هذا شأنه، ألاَّ يتفكر ويتأمل في عجيب صنع الله في السموات والأرض ليرى من خلال ذلك عظمة الخالق وقدرته، بل ألاَّ يتأمل في نفسه وعجيب تصميمها وبنائها، وحينها تذكرت قوله تعالى (وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ).
لقد شغلني جهل هذا المهندس حيناً من الدهر، لكنني كنت أجد سلوتي في القرآن العظيم الذي يعلمنا أن إنكار البعث شأن إنساني قديم، فكنت أقف كثيراً عند قوله تعالى (قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا (50) أَوْ خَلْقًا مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيبًا) (51).
وهكذا ظل أمر إنكار البعث وجهل هذا المهندس يلاحقني من وقت لآخر حتى حدثت بعض الأحداث التي دعتني للربط بينها.
غادرت وزارة العدل مستقيلاً وبدأت في ترتيب شأني لما هو مقبل علي من أيام الدهر. وفجأة أطل علينا مقال الصحفي القدير ضياء الدين بلال رئيس تحرير صحيفة (السوداني) والذي تحدث عن فساد منسوب لمستشار بوزارة العدل، فقرأته كما قرأه الآخرون، وقد صدر هذا المقال بعد ثمانية أشهر من استقالتي عن العمل. بعد حين من الوقت اتصل عليَّ أخ عزيز وهو صديقي الأستاذ/ هاشم أبو بكر الجعلي وأعلمني بملامة نحوي من رجل كنت أجله وأقدره، وسبب الملامة اتهامي أنني أقف خلف ذلك المقال. والله يعلم أنيَّ لم أقابل الأخ ضياء في حياتي إلاَ بعد نشره لذلك المقال بعدة أيام وذلك عندما زارني في منزلي. ولم أعرفه إلا بعد أن عرفني بنفسه.
حقيقة آلمني ما نقله لي الأخ هاشم الجعلي، وكعادتي قررت مواجهة من نُقلت عنه الملامة، فذهبت إليه في مكتبه وسمعت منه أسماء من أمدوه بتلك المعلومات، ونقلت إليه ما ذكرته سابقاً بشأن هذا الأمر.
لكن يبدو أنهم لم يصدقوا حديثي بأن لا صلة لي البتة بما نُشر، ولذلك قرروا الانتقام من شخصي الضعيف.
طبعاً تودون أن تعلموا كيف كان الانتقام. لا أعتقد أن الوسيلة كانت جديدة بل هي قديمة قدم التاريخ. فبركة الوقائع ثم التشهير بك. لكن بقدر ما في هذه الدنيا من منافقين وكذبة، هنالك صالحون وطيبون.
وصلتني رسالة في أحد الأيام من موظفة تدعوني لأقرأ صحيفة ما لأنها كتبت عني حديثاً غير طيب وأضافت أنها لا تصدقه. طافت بذهني وقتها عشرات الأسئلة ماذا كُتب ومن كَتب؟ اشتريت الصحيفة واطلعت على ما كُتب. الخبر الوارد في الصحيفة منسوب لمصدر عدلي، ومن سياق الحديث يُفهم أنه نيابة حماية الأموال العامة، وفي السياق أورد الصحفي أن النيابة وعند التحقيق في قضية المستشار المشهور واجهت شخصي الضعيف بمستندات عقود وقعتها بالمخالفة للقانون ومن ضمنها عقد مع أخي وآخر مع قريبة زوجتي مما أدى لانسحابي من التحقيق. العقدان يتعلقان باستئجار حافلتين، نعم والله بعد تسع سنوات من العمل كوكيل لوزارة العدل وإشراف على ميزانيات بمليارات الجنيهات لم يجد لي "إخوان المستشار" – طبعاً الإخاء هنا مجازاً – إلاَّ تلك المخالفة كما ادعوا. فلله الحمد والمنة لم يجدوا لي شركة أو اسم عمل عهدت إليهما بشيء من بناء برج العدل أو متجر أجلب منه احتياجات الوزارة أو شيئاً مما عهده الناس فيمن يتنكبون الطريق في تصرفهم في المال العام، فاختلقوا ذلك الادعاء المضحك المبكي.
لا أستطيع أن أصف لكم حجم الألم والغضب الذي عصف بي، فآخر ما توقعته أن يصدر مثل هذا السلوك من جهاز مُناط به بسط العدل. فأنا لم أوقع أي عقد ولا علم لي بمثل هذه العقود ولم تعرض على النيابة عند التحقيق معي كشاهد أي عقد قمت بتوقيعه.
مرَّ علي أسبوعان وأنا آوي إلى فراشي في التاسعة مساء كعادتي ولكن لا يغمض لي جفن حتى الثالثة صباحاً، يُكاد عقلي ينفجر من التفكير. ثم قررت أن أصرف هذا الوقت في شيء إيجابي. قبل أن استرسل في ماهية الشيء الذي انصرفت إليه أود إطلاعكم على أمرين اتخذتهما:-
الأمر الأول:-
كتبت خطاباً للسيد وزير العدل أشرت فيه لما بدر من النيابة وطلبت منه أن يُحقق فيما نُسب إليَّ، والتمست منه إن وجده صحيحاً أن يحيلني للقضاء لألقى جزاء حنثي باليمين التي أديتها بأن أقوم بعملي بأمانة ونزاهة، وإن وجد أن ذلك محض افتراء أن يتخذ من الإجراء ما هو مناسب ضد أعضاء النيابة ممن وقف خلف هذا الأمر. قدمت ذلك الطلب في 5/7/2012م وتمَّ تكليف مستشار للتحقيق، وسمع كل ما يتعلق بهذا الأمر، وعلمت أنه فرغ من عمله ورفع توصياته، وحتى يوم الناس هذا لم تتكرم الوزارة بإخطاري بما خلص إليه التحقيق.
أرجو أن تقارنوا مسلك الوزارة هذا بما فعلته في قضية المستشار، فقد شكلت لجنة ابتداء ولما لم ترق لها توصيات تلك اللجنة، أحالت الأمر للقضائية وهي تعلم أنها غير مختصة، ثم نسبت للقضاء قراراً بالبراءة ثم نكصت عنه وأحالت الأمر لتحقيق جديد، ثم أحالت هذا التحقيق لنيابة الأموال العامة لإجراء تحقيق آخر. تم كل هذا وطلبي قابع في أدراج الوزارة. طبعاً كنت أود الاستشهاد بقول الشاعر:
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
ولكن عين السخط تبدي المساويا
لكنني تذكرت أنهم لم يجدوا شيئاً فآثروا الصمت.
لكن حراسة وزارة العدل لقيم العدالة بشأن طلبي هذا ذكرني بقصيدة للشاعر الكبير أحمد مطر، القصيدة تُسمى "عباس" وفيها يقول الشاعر:
عباس وراء المتراس
يقظ منتبه حساس
منذ سنين الفتح يلمع سيفه
ويلمع شاربه أيضاً، منتظراً محتضناً دفه
بلغ السارق ضفه
قلب عباس القرطاس
ضرب الأخماس بأسداس
(بقية ضفة)
لملم عباس ذخيرته والمتراس
ومضى يصقل سيفه
عبر اللص إليه وحل ببيته
(أصبح ضيفه)
قدم عباس له القهوة
ومضى يصقل سيفه
صرخت زوجة عباس
"أبناؤك قتلى، عباس"
ضيفك راودني "عباس"
قم أنقذني "عباس"
عباس – اليقظ الحساس – منتبه لم يسمع شيئاً

الأمر الثاني:-
في ذات الوقت رفعت دعوى إشانة سمعة ضد الصحيفة إياها، وكان لنا في تلك الدعوى مع النيابة قصة، قد نعود إليها في مقبل الأيام إن مد الله في العمر. على كل تجاوزنا عقبة النيابة وذهبنا للقضاء الذي بدأ سماع الدعوى، ولذلك لن نخوض فيها حتى لا يُقال، إنا نؤثر على سير العدالة.
ما هو الشيء الإيجابي الذي قررت صرف الوقت فيه بدلاً من التفكير دون طائل وما علاقة كل ذلك بصديقي المهندس الصيني ومقولته العجيبة.
في الحلقة القادمة إن شاء الكريم نواصل..
*وكيل سابق بوزارة العدل

*نقلاً عن السوداني