حكاوي غريبة جدا يحكيها د.كمال الجزولي عن خالد الكد...رعب في جمال

حكاوي غريبة جدا يحكيها د.كمال الجزولي عن خالد الكد...رعب في جمال


02-19-2013, 11:03 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=420&msg=1361311389&rn=1


Post: #1
Title: حكاوي غريبة جدا يحكيها د.كمال الجزولي عن خالد الكد...رعب في جمال
Author: احمد سيد احمد
Date: 02-19-2013, 11:03 PM
Parent: #0



الجمعة:
فجر اليوم سطعت فى ذاكرتي ، مصادفة ، وأثناء بحثي فى بعض مراجع علم النفس لأغراض مهنيَّة بحتة ، حكاية فى غاية الغرابة وقعت لى عام 1977م مع صديقى الراحل خالد الكد عليه رحمة الله ، ولست متيقناً مِمَّا إذا كان من الممكن تفسيرها بـ
(الاستبصار Clairvoyance) ،

Telepathyاو التخاطر

، أو ما إلى ذلك مِمَّا يدخل فى باب (الادراك وراء الحِسِّي Parapsychology)

، أحد أكثر أبواب علم النفس تعقيداً. كنا معتقلين ، هو وأنا ، على أيام النميرى ، بسجن كوبر ، فأصبنا بتسمم حاد اقتضى نقلنا إلى المستشفى العسكرى بأم درمان ، حيث وُضعنا فى غرفتين منفصلتين تحت الحراسة. لكننا ، عدا ساعات القراءة والنوم ، كنا نقضى الوقت كله معاً. وكالعادة كان معين خالد من الحكايات لا ينضب ، بأسلوبه الذى يغلب عليه الحماس والتشويق ، وسط ضحكاته المجلجلة المُعدية. وذات ظهيرة زارنا صديقى الآخر وشقيق خالد المرحوم الأديب طه ليودِّعنا ، كونه سيسافر غداً ، ولمدة أسبوع ، فى مأمورية تفتيشيَّة من بنك السودان إلى نواحى سنار. بعد يومين لاحظت ، أول المساء ، تغيُّراً مفاجئاً على خالد. خَبَتْ ، فجأة ، شهيته للأكل ، وفقد حماسه للحكى ، وانطفأت ضحكاته المجلجلة ، وأصبح كثير الصمت والسهوم. إستفسرته ، فلم يستطع مداراة تردُّده فى الاجابة. قلقت ، فسألته إن كان طه أسرَّ إليه فى تلك الزيارة بأمر مزعج ، فهز رأسه بالنفى.
ـ "وإذن .. فيم المشكلة"؟!
ولأننى كنت متيقناً ، بحكم عُشرة أسريَّة لصيقة ، من عمق المحبة بين الشقيقين ، فقد تعجبت لردِّه بصوت متهدِّج:
ـ "المشكلة طه نفسه"!
سألته ، وأنا أضغط على الحروف متوجساً:
ـ "إن شاء الله خير"؟!
إلتوى وجهه الصبوح بالألم برهة ، ثم انصرف عنى يحدق عبر النافذة ، ثم ما لبث أن فجَّر قنبلته وهو يطرقع أصابع كفيه يخفى ارتباكاً مفضوحاً ، ويتحاشى أن تلتقى نظراتنا:
ـ "طه .. مات"!
لم أستطع ، للوهلة الأولى ، أو ربما لم أرد ، أن استوعب عبارته جيداً! حسبته قال "مريض" أو شيئاً من هذا القبيل.
ـ "وأنت .. من أين لك وحدك بهذا الكلام ، وطه مسافر ، ونحن متلازمان هنا على مدار الساعة"؟!
ـ "قلت لك طه مات .. مات فى القطار"!
عزَّ علىَّ أن يتبادر إلى ذهنى أن صديقى الحبيب أصيب بلوثة مفاجئة ، أو أن طول الحبس بدأ يؤثر عليه ، وهو المعروف بالجلد والبسالة والصبر على المكاره. وربما لهذا ألفيتنى ألوك كلاماً لا أذكر منه سوى خلوِّه من أى معنى محدَّد. لكنه قاطعنى مستطرداً:
ـ "شوف يا كمال .. وأرجوك صدقنى ، عندنا فى الأسرة حدس لا أجد له تفسيراً ، لكنه ما خاب ولا مرَّة. أبوى حسن ، توأم أبوى حسين ، كان منتدباً بنيجيريا. ذات يوم عاد أبوى حسن من الشغل باكراً ، على غير العادة ، ليستلقى بكامل ملابسه على كرسى القماش فى البرندة ينضح عرقاً وقلقاً وتوتراً. هُرعت إليه أمى منزعجة ، فأخبرها بأن توأمه مريض فى غربته! هل هاتفك؟! قال: لا! هل أبرق؟! قال: لا! هل أخطرتك السفارة؟! قال: لا! إذن قول بسم الله! لكن ، قبل أن تكمل عبارتها ، كانت عربة حكوميَّة تقف أمام البيت ، وينزل منها أبوى حسن ، بادي الشحوب والاعياء ، ومتوكئاً بالكاد على أكتاف بعض زملائه ، بينما انهمك بعضهم الآخر فى إنزال حقائبه من صندوق العربة. أرقدوه على السرير ، الرقدة التى لم يقم منها ، وهو يحاول طمأنة أبوى حسين بصوت واهن: تعَب بسيط .. لم أشأ إزعاجكم بالخبر قبل وصولى"!
وختم خالد تلك الحكاية بقوله "هذه واحدة" ، ثم واصل:
ـ "أمسية تخرجى في الكلية الحربيَّة. كانت الأرض تكاد لا تسعنا فرحاً بالدبورة ، والميدان يغصُّ بالأهل والزغاريد والأضواء ، وفرق الموسيقى العسكريَّة تشق أنغامها عنان السماء. هنأنى والدى الذى حضر المراسم الأولى فى بدلة دمور جديدة ، قبل أن يغادر ليلحق باحتفال خاص أعده أصدقاؤه فى بيت حماد أفندى توفيق. لكن ، لم تكد تمر دقائق معدودات حتى دهَمنى ، بغتة ، وبلا سبب معلوم ، آخر إحساس يناسب ذلك اليوم وذلك المكان .. غثيان وانقباض ودوار رأس وعرق يتفصَّد من كل جسمى. وعلى حين كنت أتداعى ، وزملائى يسندوننى ، ويبحثون عن القائد لنقلى إلى المستشفى ، كان المشهد الفاجع يتراءى لي فى البداية غباشاً ، ثمَّ سرعان ما راح يتحدَّد وينجلى ، حتى إذا بلغ كمال وضوحه ، كان أبي مدهوساً ، أمامي ، تحت عجلات عربة مسرعة ، وبدلة الدمور الأنيقة غارقة فى الدم! لحظات وظهر القائد ليأخذنى من يدى ويدخل بى إلى مكتبه قائلاً إنه يريدنى لأمر مهم. بدأ حديثه بمقدمة ، كان واضحاً أنها ستطول ، عن الموت الحق والحياة الباطلة ، سوى أننى قاطعته ، فجأة ، مبهور الأنفاس ، وبصيغة تراوح بين السؤال والتقرير:
ـ "الوالد .. الشارع أمام الكليَّة .. حادث حركة"؟!
فما كان منه إلا أن نهض رافعاً كفيه المبسوطتين ، يتمتم بتأثر:
ـ "أحسن الله عزاءك ، وجعل البركة فيك وفى أخوانك ، الفاتحة"!
إنتقل خالد ، بعدها ، إلى الواقعة الثالثة فى سلسلة الأمثلة التى طفق يسوقها كي يقنعنى بأخذ ما يقول عن خبر طه على محمل الجد:
ـ "كنت مسئولاً عن تدريب بعض المستجدين ، وكنت أقيم بغرفة فى المعسكر. وذات مساء ، وأنا في الحمَّام بعد نهاية يوم شاق ، إعترتنى نفس الحالة ، الغثيان والانقباض والدوار والعرق والمشهد الذى يبدأ أغبشاً ثمَّ ما يلبث أن يستكمل تمام وضوحه .. أمى مسجاة على فراش الموت! إنطلقت ، كما القذيفة ، لاهثاً إلى حيث التلفون. ردَّت على شقيقتى الصغرى ملكة. سألتها:
ـ "هل أمى بخير"؟!
ـ "بخير والحمد لله"!
ـ "هل هى بالقرب منك؟! دعيها تكلمنى"!
لحظات وانساب صوتها عبر التلفون تبدى دهشتها من انزعاجى بلا سبب. وكانت محقة ، فما كنت تركتها تشكو من شئ عندما ودعتها بعد عطلة نهاية الأسبوع الماضى! ولكى أدارى حرجى قلبت الموضوع إلى تشهِّياتٍ لطعام رجوتها أن تعدَّه بنفسها غداً وترسله مع سائقى!
لكن ، ما من شئ فى تلك المحادثة طمأننى ، فعدت إلى غرفتى بنفس الحالة البغيضة! قلت أذهب إلى نادى الجنود علنى ، بمشاهدة التلفزيون مثلاً ، أبدِّد ذلك الاحساس الثقيل .. وهيهات! فلا المشى فى الظلام ، ولا مشاهدة التلفزيون ، ولا ضجة النادى أجدت فتيلاً. فعدت واضطجعت على سريرى أتقلب فى العرق والأرق والقلق ، حتى أسلمنى الارهاق، قبيل الفجر ، إلى غفوة ما أظنها طالت حين أيقظتنى حركة أقدام خفيفة فى الغرفة. هببت واقفاً لأجد بعض الأهل فى الجلابيب البيضاء والعمائم. سلموا ، بارتباك ، ثمَّ شرعوا فى المقدمة التى سوف تطول عن الموت الحق والحياة الباطلة .. غير أننى قاطعتهم وقلبى فى حلقى:
ـ "الوالدة"!
ـ "البركة فيك يا خالد .. الفاتحة"!
إنسلخ المساء بأكمله وخالد يروى لى حكاياته الغريبة العجيبة. لكن ما كان لأىٍّ منها أن تقنعنى بأن طه الذى ودعناه أول البارحة ، شديداً لضيضاً ، قد مات لمجرَّد أن نفس خالد قد هجست بهذا ، أو لأن لدى الأسرة تاريخاً قديماً مع مثل تلك الخبرات الأليمة! مع ذلك طيَّبت خاطره بكلمتين ، ثمَّ ودَّعته ، وذهبت إلى غرفتى لآوي إلى فراشى ، محاولاً أن أستقطر النعاس بلا طائل ، فقد ظللت ، حتى قبيل الفجر ، أتقلب فى العرق والأرق والقلق، وكلمات خالد تطنُّ فى رأسى طنيناً.
إستيقظت متأخراً فى الصباح. وجدت الحرس قد تبدَّل. أخذت حمَّاماً بارداً ، وغيَّرت ملابسى ، بنيَّة أن أتوجه ، كالعادة ، لشرب الشاى والقهوة معه فى غرفته ، متعزِّياً بأننى سأجده ، حتماً ، وقد نفض عن نفسه الكرب ، وعاد ضحوكاً بشوشاً ، وحكاءً لا يُمل. لكننى ما أن خرجت من الحمَّام حتى فوجئت بعدد من آل الكد فى الجلابيب البيضاء والعمائم يملأون الغرفة! سلموا ، وقبل أن يشرعوا فى مقدمة سوف تطول عن الموت الحق والحياة الباطلة ، وجدتنى أقاطعهم صائحاً ، وقلبى فى حلقى:
ـ "طه! متى وأين وكيف"؟!
ـ "مساء أمس. فى القطار. بالقرب من سنار. أزمة قلبيَّة حادة لم تمهله ريثما ينقلوه إلى أقرب مستشفى. جهاز الأمن منح خالداً إذناً ، هذا الصباح ، لمدة ثلاثة أيام لحضور المأتم تحت الحراسة ، غير أن المساعي جارية لاستصدار قرار بإطلاق سراحه نهائياً قبل رفع الفراش ، وقد طلب أن نجئ لإبلاغك وتعزيتك ، لكن .. كيف عرفت"؟!