كتبت- جهاد الشبيني: نازعه المرض وظل يقاومه حتى استنفد قواه، عاش حياته مجادلًا لشقيقه الأكبر، صامدًا أمام آراء الأخير حتى بعد وفاته، وعن عمر يناهز 93 خريفًا، رحل المفكر الإسلامي جمال البنا، الشقيق الأصغر لحسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، تاركًا ميراثًا من المؤلفات وآراء اتسمت بالجدلية، هي حصيلة عقود من الانخراط بالسياسة المنغمسة في الدين.
سُمي جمال البنا بهذا الاسم تيمنًا بجمال الدين الأفغاني، أحد أبرز أعلام الفكر الإسلامي المُجددين، ولد جمال عبد الرحمن البنا بالمحمودية بمحافظة البحيرة عام 1920، وكان آخر العنقود من الذكور، لم يولد من أشقائه بعده إلا فوزية.
انتقل البنا الصغير مع عائلته إلى أزقة القاهرة، وكان هزيلًا نحيلًا، فلم يكن يستطيع أن يلعب ويرتع مع رفقاء سنه، فالبنا حتى مماته لم يستطع ركوب الدراجة، وبالتالي كان المتنفس الوحيد له هو القراءة، فانطوى على نفسه.
وكانت جريدة الأهرام تطبع في رواية مسلسلة مترجمة لكتاب ومؤلفين، وتنشرها في صفحاتها الأخيرة من كل عدد، فكان البنا يقص مكان الرواية المنشورة من الصحف، ثم يرتبها ويجلدها، ليحتفظ بها.
بعد وفاة والده، استقر البنا في القاهرة، بمنطقة العباسية، وكان منزله عبارة عن كتب مرصوصة على كافة الجدران، وكان دائم الجلوس خلف مكتبه المرتفعة عليه أكوام من الأوراق والمجلات والصحف القديمة أمامه.
يصف البنا علاقته بأخيه بأنها كانت ''جدلية'' وكان يقول عن أخيه الأكبر أنه كان يرى السياسة ليست ضمن عمل الإخوان، وأنه كان يكره الأحزاب لأنها دائما تؤثر مصلحتها الخاصة على المصلحة الوطنية، وأن كل همها الحكم.
كان للبنا آراء جدلية على الشقين السياسي والديني، أما السياسي فكان يرى أن جماعة الإخوان المسلمين لا يعملون بمنهج مؤسسها حسن البنا في الإصلاح، وأنها تتعامل بانتهازية، وكان يقول: ''الإخوان تخلوا عن نهج حسن البنا، ولم يحاولوا تجديد فكره، فبعد وفاته أصبح الجو يحكمه العنف وليس العقل، وفي ظل هذا المناخ نجح التيار القطبي بفكره ونهجه، حتى بدأت الجماعة الإسلامية في عمل مراجعاتها الشهيرة في تسعينات القرن الماضي''.
وما يتعلق بأبرز آراءه الدينية التي أثارت جدلًا، فكان البنا يرى أن الحجاب ليس فرضًا على المرأة، وأن التدخين أثناء الصيام لا يُبطل الصوم، وخصوصًا لغير القادرين عن الإقلاع عنه، وأن تبادل القبلات بين الجنسين جائز.
كان كتاب ''ثلاث عقبات في الطريق إلى المجد'' أول كتاب يصدره البنا عام 1945، تلاه في عام 1946 كتابه الثاني ''ديمقراطية جديدة''، ثم توالت مؤلفاته في الصدور حتى تجاوزت ومترجماته الـ150 كتابًا.
توفي البنا مساء الثلاثاء الموافق 29 يناير 2013، في مستشفى الزراعيين بالدقي، نتيجة أصابته بنزلة معوية حادة مياه على الرئة، وستخرج الجنازة من مسجد علي بن علي طالب بالدقي بعد صلاة العصر – وفقا لتصريحات أحد أفراد عائلته
