فايز عبدالرحمن يكتب: ندوة السيد الصادق - واشنطون: تلخيص وتعقيب

فايز عبدالرحمن عبدالمجيد: واشنطون
في البداية تحدث السيد الصادق المهدي عن الوضع في السودان ووصفه بالتمزّق و التشتت ، وبانّه مستهدف داخلياً و خارجياً ، وأن الوضع يحتاج لإنقاذ وراح يعدد في هذا الإتجاه .
لقد شهدت منطقة واشنطن عدد من المتحدثين عن سوء النظام والحالة المتردية التي وصل إليها السودان مستشهدين بالأرقام و البيانات، ومقارنة بما قاله السيد الصادق بحديث المتحدثين قبله، نجده ضعيفاً وكل المعلومات التي أوردها ، يكاد كل الحضور على علم بها، بل قد يكون البعض ملم بأكثر منها، وذلك بفضل وسائل الإعلام و التكنولوجيا التي إجتاحت كل بيت. و خلاصتها أنّ النظام يسير نحو الهاوية .

بعدها تم فتح باب النّقاش ولحسن التوفيق كنت أول من واتته الفرصة، انصب حديثي في أن السيد الصادق المهدي صاحب تاريخ حافل في التناقضات، فهو يدعو للديمقراطية في حين أنّ ممارساته كلها ديكتاتورية واستشهدت بعدد من أعضاء حزبه وذكرت السيد مبارك الفاضل المهدي، أمّا الشخص الثاني، فهو السيد صلاح عبدالرحمن علي طه " عليه الرحمة " وقد كنت شاهداً على قوله هذا و أنا لا أحتاج لتوكيد ذلك فقد تناولت الصحافة في حينها انشقاق الدكتور صلاح " عليه الرحمة " و بكري عديل. ولمزيد من دكتاتورية السيد الصادق ذلك الإنشقاق الذي ظهر بينه و بين السيد محمد أحمد محجوب ومحاولته لعزل المحجوب من رئاسة الوزراء . هذه مجرد نماذج ولديّ الكثير ولكن نسبة لضيق الحيز أكتفي بهذا.

ذكرت في حديثي أنّ السيد الصادق أخذ فرصتين لقيادة هذه الأمة وكان فاشلاً فشلاً ذريعاً، ليس هذا فحسب بل أنّه، على التحقيق، سبب من أسباب ما آل إليه حال السودان الراهن، اذ ظل دائما جزء من المشكلة، إن لم يكن أسها، وما عهدنا عليه قط انه كان جزءا من الحل. ويكفينا أن السودان اليوم في حالة من الإنهيار لا تسمح بتكرار التجارب الفاشلة التي لم تورث السيد الصادق، ولا قبيله أي حكمة.
السؤال لماذا يطرح السيد الصادق نفسه، هو بالذات ؟؟ هل عقمت حواءات السودان عن إنجاب قيادات أخري ؟؟ أعني حتى من حزب الأمة نفسه ؟؟ و الحقيقة أنّ دكتاتورية الصادق لم تسمح للدماء الحارة من شباب حزبه لقيادة المسيرة . ومن الواضح، من متابعاتنا لمجريات الأحداث انّ في حزب الأمة شباب متعلم وغيور وعلى وعي سياسي كبير، فلماذ لا يفسح لهم السيد الصادق المجال داعما لهم كأب روحي بعدما خبرنا فشله المستمر ؟؟!!

ذكر السيد الصادق في إجابته أنّ المؤتمر الوطني عرض عليه ليكون رئيساً للوزراء ولكنه إعتذر عن ذلك .. وفي تقديري أنّ السيد الصادق إعتذر لأنّه لا يرضى أن يكون الرجل الثاني في أي تنظيم مهما كان وله تجربة مماثلة مع جعفر نميرى عندما عينه نميري في الإتحاد الإشتراكي . ولعل اعتذاره، هذه المرة، لسبب آخر، وهو خشية تكرار سيناريو السيد مني أركو، الذي صرّح في واشنطون أنه مجرّد "مساعد حلة ". وهذه في قاموس السيد الصادق غير واردة ، فهو لم يرفض لإعتراضات في فكر التنظيم ، لأنّه سبق وأن ناور في الدخول للحكومة . و التقدير الثالث ، فقد شعر السيد الصادق وبحسه السياسي بأنّ هذا النّظام زائل والإنتفاضة على الأبواب فرأى ان ينأي بنفسه عن هذا النّظام ويلعب دور المعارض، حتى إذا نجحت الإنتفاضة كان من السهل عليه ركوبها .. ولكن كما ذكرت في مداخلتي له .. أنّ الشعب صار من الوعي بحيث لن تنطلي عليه مثل هذه القيادات و التي خبرها بفطرته قبل علمه .. وذكرت له أنّ الإنتفاضة قادمة بإذن الله ، ولن يكون له فيها نصيب وذلك بفضل وعي الجماهير .

ذكرت أيضاُ إنّ من أسباب تأخر الإنتفاضة ، أنّ الشعب بمثل ما إحتار في نظام الإنقاذ فقد احتار أيضاً في البديل وكرر كل الكتاب و الحادبون على مصلحة هذا البلد المنكوب أن لا زعامة للقدامي .
أيضاً ورد في حديثي كمية التناقضات التي مارسها السيد الصادق طوال حياته السياسية سواء أكان في الحكومة أو في المعارضة و هذه لا يسع المجال لذكرها وعبارته في أنّ قوانين سبتمبر لا تساوي الحبر الذي كتبت به غير بعيدة عن الأذهان ، و عندما استلم الحكم لم يشر إليها حتى مجرد إشارة .. أمّا الثانية فهي حل الحزب الشيوعي السوداني و الذي أبطله القضاء ، وحينها قال السيد الصادق " أن حكم المحكمة حكم تقريري ولا يؤخذ به" وكان من نتيجة ذلك ان استقال رئيس القضاء، حينها، السيد بابكر عوض الله احتجاجا على اذلال الهيئة القضائية .

السيد الصادق يلعب الآن على الحبلين ، ويلعب بالعبارات كعادته، فقد ذكر أنّ النظام يجب تغييره و ليس إسقاطه!! ما هذا ؟؟ ما الفرق بين تغيير النظام واسقاطه ؟؟ و أعجب لهذا التناقض أيضاً عندما قال " البشير جلدنا و نحن ما بنجر فيه الشوك ". و الآن يدعو لجر الشوك في جلد البشير . وفي هذه قال السيد الصادق أنه لم يقل البشير ولكن الصحف حرفت كلامه . حسنا، حتى لو أخذنا بهذا فلماذا لم تصحح الصحف في حينها ويقال لها السيد الصادق لم يقل ذلك وهذه ممارسة معروفة في العمل السياسي وقد مارسها حزب الأمة نفسه منذ أيام مصححا بيانا له بشأن نزاع قبلي بالسودان.
في الحقيقة، أن السيد الصادق يريد أن يجعل مساحة بينه وبين النظام فهو لا يريد إسقاطه و لكن يريد تغييره لذا كان نقده للنظام أشبه بالنقد الذاتي الذي يمارسه أعضاء أيّ تنظيم لتصحيح مسيرته .

إنّ هدف السيد الصادق واحد و لا يختلف فيه إثنان .. هو السلطة بكل سبيل .. وأراد أن يدخل تارة بمدخل المصلح وتارة بمدخل الذي يريد ان يغير النظام في الوقت الذي يتربص فيه بالإنتفاضة. قل لي بربك كيف تكون أنت المنقذ و المّصلح و انت سبب هذا الذي نحن فيه .. أليست هذه عين " دواني بالتي كانت هي الداء."
في مداخلتي واضح أن السيد الصادق قد إنزعج لهذه المداخلة ، فقد كانت الأولي مما جعله يظن أن كل المتداخلون سييسيرون في نفس الخط ، لأنه قبل فتح باب النقاش ترجي من الحضور ألاّ ينبشوا الماضي ..
لماذا لا ننبش الماضي؟؟ ومعروف أن كل ماض، في السياسة بالذات، إنما هو مفتاح لشخصية وتفكير السياسي وقد حفلت أدبيات السياسة بسيرة آل بوربورن في فرنسا "الذين لم ينسوا شيئا ولم يتعلموا شيئا كذلك"، أفلذلك لا يريدنا السيد الصادق أن نشير لماضيه لئلا ينكشف أنه لم ينس شيئا ولم يتعلم شيئا؟؟!!

عندما بدأت مداخلتي عرفت نفسي باسمي و ذكرت انني أتحدث نيابة عن نفسي و ليس نيابة عن تنظيم معين، لم أذكر إنتمائي خوفاً من الإفصاح ولكني أردت الاّ ينحرف النقاش عن مساره . وواضح أن السيد الصادق سأل عن إنتمائي التنظيمي للفكرة الجمهورية ، فبدل أن يذهب لتفنيد النقاط التي ذكرتها ذهب ليهاجم الجمهوريين وبأننا طبلنا لمايو طوال مدة بقائها في السلطة .. و الحمدلله فقد أجاب عن ذلك بنفسه إذ أننا أيدناها لأنها وقفت حائلاً بين الشعب و الطائفية و لكنه لم يورد موقفنا منها عندما حادت عن طريقها و تبنت قوانين سبتمبر التي و صفها بانها لا تساوي الحبر الذي كتبت به .
أتريدون الحق فإنّ الصادق لا يهمه امر السودان بقدر ما يهمه ان يكون حاكماً و لو على جثث شعبه و قد حدث هذا في الغزو الليبي، فلم تكد تجف دماء من غرّر بهم حتى ولج مكتب مايو السياسي قاسما على المصحف بالولاء لمبادئها "الإشتراكية"!!

كررت

قال السيد الصادق أنّه ضد تغيير النظام بالسلاح . أنا أيضاً أرى نفس الرأي ولكن هل هذا فكر السيد الصادق ؟؟ ألم يقم بهذه المحاولة من قبل، ما الفرق ؟؟ وكل ذلك يشير اذ يشير الى حب السلطة وهو حب قديم ومعروف فقد قال الشاعر عن سعد بن عبادة:

يقولون سعداً شكت الجن قلبه و لكنّ سعداً لم يبايع أبا بكر
لقد صبرت عن لذة العيش أنفس و ما صبرت عن لذة النهي و الأمر .
لا أفتأ أكرر، وأطالب السيد الصادق، من أجل مصلحة الوطن، ثم من أجل مصلحة حزبه، بل ونفه أن يفسح المجال للدماء الحارة فلعل الخير فيهم، ويظل مع ذلك، يا سيدي الصادق ، كما ذكرت في بداية مداخلتي ، أنك موضع إحترامي ، ولكن ما ينطوي عليه فكرك هو موضع حربى . و هذه قمة الديمقراطية .

فايز عبدالرحمن عبد المجيد
واشنطون

عزيزنا عبدالله عثما ن شكرا لمرورك الكريم واثراء النافذة
والتحية والتقدير للاخ الكتور النور حمد ولابن العم فايز عبدالرحمن