شيخوخة الثورة السودانية وعُثر مخاض 2012

شيخوخة الثورة السودانية وعُثر مخاض 2012


12-13-2012, 05:52 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1355417558&rn=0


Post: #1
Title: شيخوخة الثورة السودانية وعُثر مخاض 2012
Author: جلال جبريل
Date: 12-13-2012, 05:52 PM

untitled44442503.JPG Hosting at Sudaneseonline.com


لا أفضل التمعن في صفحات تاريخ الشعب السوداني الثوري، ولا أدعو للتمحيص في دقائق ما يحتويه من نضال أزاح عدد من الحكومات بقدرة قادر وإصرار الشعب، لأن هذا أمرٌ شائع ومعروف للكل. فمن دون الخوض في تفاصيله الدقيقة، يمكن الاكتفاء بمعطياته، والأعمال بخواتيمها. لذلك فإن ما يهمنا في هذا التاريخ، أسباب نجاح تلك الثورات ومقارنتها بالثورة التي لم تخرج من رحم شارع 2012 على الرغم من قوة شكيمة "الشدق" السوداني في "نجر" الهتافات وتنظيم المظاهرات والحِـنكة السياسية التي تسري في عروق الكل.
في تلك الحقب، لم تستكين "الطُـغَـمُ" الحاكمة لأي من مسيرات وتيارات معاكسة، بل تصدت لها بكل ما تملك من قوة، بلغت في بعض الفترات تصفيات واغتيالات وإعدامات لا تقل خطورة من الوضع الحالي بعضها يمر خداعاً تحت طاولات وغياهب بيوتات الأمن، والآخر يتم تطبيقه بكل جرأة دون خجل وبلا تردد. ففي الحالتين، كان الخروج منظمـاً احتوى تيارات شعبية قادتها شخصيات محنكة سياسياً تتبعها أطياف بشرية ظلت تستميت وتتشبث بالشارع لا تخرج منه إلى بقوة السلاح ثم "تعود" مرات أخر. رغم تحفظي على كلمتي "تقودها" و "تعود" وعدم ربطي لها بالاحتجاجات العفوية التي حدثت في عهد "الإسلاميين". لأن ما وصل إليه الحال في عهدهم، يكفي لخروج النمل من جحوره ناهيك من الشعب الذي أصبح يفضل العيش تحت رحمة بطاقة "المؤتمر الوطني" وتسهيلاتها، أكثر من اتكاله على مقدراته الشخصية بعد خالقه، بعد أن داست أرجل الحاكمين على أنفه مهما كانت مؤهلاته وخبراته العملية.
فبالنظر إلى ثورة أكتوبر 21، نجد أن الأمر الذي تسبب في تحرك الشارع يتمثل في رفض السلطات لقيام محاضرة وسط داخلية طلاب جامعة الخرطوم، تفاقمت وتطورت، بعد إصرار الطلاب على قيام المحاضرة، إلى أحداث راح ضحيتها الشهيد القرشي. هذه الصورة تكررت لعشرات المرات في عهد الإسلاميين، فلماذا لم يعيد الشارع ذاك المشهد؟ القرشي قتل برصاصة طائشة أطلقتها قوات الشرطة بعد أن نفاذ ما لديهم من "بمبان" وحاصرهم الطلاب داخل الداخلية، ومثله قتل آخرون وعلى بعد مئات من الأمتار من مكان سقوط القرشي. والاختلاف بين الحالتين، أن الذين شهدوا مقتل القرشي لم يتركوا الجثمان لقمة صائغة لرجال الشرطة والأمن، ومن حضروا مقتل سليم والتاية ذهبوا إلى حال سبيلهم.
ونجاح الشارع السوداني في ثوراته السابقة، لا يمكن تبريره بقوة نوعية في ذلك الجيل فقط، فالشخصية السودانية ظلت وستظل محافظة إلى حدٍ ما، على طبعها المتمرد على كل منافٍ للأخلاق، وإنما هناك أسباب أخرى معاصرة عززت من قوة الأجهزة التي تخصصها الحكومات لردع السلوك المتطرف، أكثرها وضوحاً تحول هذه الأجهزة من رقيب يكرس جهده للحد من الجريمة، إلى عصابات تضخ في خزائنها ملايين الدولارات لشراء أحدث تكتيكات قمع الاحتجاجات والتظاهرات بدلاً من الدفاع عن المواطن والحفاظ على حقوقه وانتزاعها من مخالب المسئولين. نسأل الله أن يثبت أقدامنا ليست عند مقتل آخر، ولكن عندما يشعر "أسد إفريقيا المعلول" بالطعنات التي تسددها سياسات البشير إليه من الخلف، ولكل طاغية نهاية.