سجارة موديل 86!!

الزمان أبريل العام 1986 والإمام الصادق المهدى يتوكأ على المايك رئيسا حرا..
المكان عنبر القاينا(كما يسمى أهلنا عنبر النساء والتوليد) أو عنبر الهادى كما يسميه أهل عطبرة..
الهادى لم يبنه ولم يفتتحه ولم يتبرع فيه بعلاج اليتامى والمساكين وابناء السبيل والعاملين فيه..
هو دكتور الهادى الزين الأخصائى المعروف, فقد كان مثقفا سودانيا ابتكر طريقة للحفاظ على صحة البيئة فى العنبر..
وطريقته لاتبدأ برمى عمود الأكل من الدور الثانى ولاتنتهى باستعمال الشلوت للمرافقين والمرافقات..
وبهذا الصنيع استحق أن تنسب له المدينة عنبرا فى مستشفى بناها الإنجليز, هكذا عطبرة تتذكر جلاديها.

عطبرة تلك المدينة ذات الورشة ام دخاخين والتى تحت أجنحتها عرق الكادحين والذين كانوا يشكلون الطبقة الوسطى,
ولكن هذه الطبقة سقطت قطرات على الأرض عندما اترعت الكأس بالطمع المبرد بمكعبات الظلم..

هذه المدينة تتسربل باسكيرت من الأسمال البالية تكاد ترى البكينى تحته يغطى طبقة اجتماعية تنعم بأحواض السباحة وتلعب التنس فى ضاحية السودنة الأرستقراطية..

هذا الإسكيرت نسيجه من شعب نزح من شرق البلاد متتبعا كالنمل حبات الرزق المبعثرة على جنبات قضيب السكة الحديد من الميناء الى حيث تصان القاطرات..
أهل عطبرة يسمونهم العرب ونسميهم الهدندوة يسكنون فى بيوت من الشعر والخيش والبروش وينامون على الحصير..

هم كغيرهم من أهل السودان الساقطين من ذاكرة الوطن يشكلون الماء الحقيقى الذى يجرى تحت الزبد ليحرك المحيط..
عاشوا فى النكد حتى صادقوه وشفاههم متصالحة مع الإبتسامة الصافية لأقل سبب يغير فى كيمياء النكد اليومى..

كغيرهم يتمنون أن يتيح لهم الوطن فرصة يقولوا فيها شكرا ياموطنى ولايجدون..
هل سمعت بأناس يفرحون ببئر ماء ونقطة غيار ويكتبون الشعر فى الدونكى؟
لله درهم حين تغمرهم الفرحة والمحافظ يضع حجر الأساس لشفخانة,,
وغيرهم يطلب المزيد حين يفتتح الرئيس المدينة الطبية متعللين بعدم كفاية المكيفات..

فى ذاك اليوم كان العبد لله طبيبا بعنبر القاينا والحمد لله كنت أمر مرضايا مرتين على الأقل يوميا..
كانت بالعنبر هدندوية (كما نسميها) أصيبت بأمراض الطفولة الستة وأضافت عليهن أثنين(الزواج المبكر والخفاض الفرعونى) ولم تخرج بعاهة إلا بسبب هذين المرضين..
قد كانت فى وضع لايكاد المرء يستبين فيه خلقة الله التى وضعها فى بضع الأنثى..
لقد تآكل تماما باب الحياة عندها بفعل زوجها وبفعل المكروبات اللعينة والعلاج البلدى..

قد كانت ترافقها أمها وهى فى ريعان عذابها..
ورب ضارة نافعة, فتلك المريضة وأمها وبفضل الظل والفرش وقلوب الطبقة الطيبة تفتقت من محياهما أقمار ونجوم..

فى إحدى المغارب وبعد أن أنهيت مرورى تسللت خلفى الأم وهى تهمس فتوجست خبثا وريبة وتوثبت كل شهواتى لتلك الإبتسامة الصافية..
توقفت برهة ولعنت فى نفسى روح المثقف اللعينة متمتما أعوذ بالله !!

ووقفت قبالتى وفى يدها هدية..

سجارة برنجى واحدة اشترتها خصيصا وكانت تنتظرنى بها منذ أن جاءت من سوق الزيارة..
أعطتنى إياها وكأنها لاتريد أن تعرف يسارها ماذا قدمت بيمينها..
أخذتها منها ورجعت مسرعة وكأنها تهرب من سماع كلمة شكرا..

هذه السجارة من المريضة أو المرافقة توديك فى داهية فى بلاد العم سام..
كنت أقرأ فى مايسمى بقانون ال good samaritan وهو باختصار يتيح للطبيب إن أراد أن يتوقف حال عثوره على حادث أن يعالج ما أمكنه ولايحاسب إن أخطأ..
ولكن
أهم وأغرب لكن..
إذا مثلا أسعفت مصاب وقام بسوء نية أصر على أن يعزمك كوب قهوة بدولار, وشربت معه القهوة ثم تونست قليلا ثم انصرفت..
هذا الشخص إن حدثت له مضاعفات من معالجتك لإصابته فى مكان الحادث واشتكى واكتشفوا أنه نفحك بكوب قهوة تعتبر خرجت من استثناء القانون أعلاه ويمكن أن تحاسب على خطئك ويمكن أن يعوض هو بربع مليون دولار..

أما نحن فى بلاد الخير والطيبة أتاحت لنا الظروف أن نستيقن بأن البسطاء فى أى مكان يتساوون فى العطاء..
لقد أتيحت لى فرصة العمل فى مناطق البدو والحضر فى السعودية, ففى مناطق البدو ياما عزمنا لعقيقة أو فرح وإن لم تذهب يأتيك نصيبك لحما أو خروفا حيا..
وفى موسم التمر تأتيك كرتونة, وفى موسم الطماطم تجيك كرتونة..
تحدثت لطبيب مصرى وآخر سورى وذكروا نفس الصفات فى المناطق الريفية فى بلادهم..

هؤلاء الناس من طينة آدم قبل أن يتلوث بالثقافة المصنوعة فى المطابع والتلفاز والراديو..

مطالبهم بسيطة وهم بسطاء ولكن شاء القدر أن يعم الظلام إلا من الأضواء الصناعية التى يستطيعها غيرهم, فهم من الظلام يروننا ولا نراهم..
بل هم الذين انغرسوا فى الجروف فى مستوى سطح البحر ونحن فى أعلى قمم الجبال نراهم صغارا ويروننا كذلك, وكلما نزلنا إليهم كبرنا فى نظرهم,وأتمنى ألا نتناولهم فى القمم الخاوية فعندها لن تخضر الجروف..

هؤلاء البسطاء هم أصدقاء الماء والخضرة يزفرون كثيرا عند الغضب المقيم فى صدورهم ولكن زفيرهم تتلقفه الأشجار لتصنع الكلوروفيل..
طيبون لايثقب غازهم المزفور طبقة الأوزون!!

البوست دا وقع فى حينه بسبب أن أحد شعراء المنبر قرر نشر ديوان شعره (رسائل)
وآثر أن تكون كل قصيدة فى بوست منفصل..
ومالقى إلا اليوم الأنا كتبت فيه البوست دا..

ثم ثانيا قررت عدم رفعه تلبية لنداء الموج لحوت المنبر بأن لابوست يعلو فوق بوستات الثورة!!

مع أنى شايف أن البوست ثورنجى!!!

Quote: مع أنى شايف أن البوست ثورنجى!!!

بالحيل يا دكتور
واحد زيو تاني وتنال لقب كاتبي المفضل للربع الجايي

أشرف الحلبى
زمااان كان الإعجاب أقل حاجة بالنص..
أما الآن أصبح بالكباية..
ياخى فى الدامر مرة ناس الشرطة لقوا صهريج إعجاب فوق السطح
واكتشفوه لما الضابط وهو طالع عايز يغسل يدينو!!

***