من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!

من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!


10-08-2012, 05:23 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=410&msg=1349670204&rn=2


Post: #1
Title: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:23 AM
Parent: #0

هذا البوست متفرّع عن بوست الأخت أميرة السيد، عن الصوفية: مالها وما عليها!
وأعرض فيه -بعد استئذانها- نصّاً من اروع النصوص (طبعاً من وجهة نظري الكليلة)
يتناول موضوعاً من أهم الموضوعات،
موضوعاً له قيمته الدينية الكبيرة،
كما له قيمته الوجودية في تجربة الإنسان الحيوية عموماً!
يتناوله كاتبه تناولاً يجمع بين المتعة والفائدة!
وربما يُتاح للبعض أن يعيدوا اكتشاف هذه الشخصية التراثية:
ابن قيم الجوزية،
وكتابه الرائع "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"!


في هذا النص يتناول ابن القيم:
أنواع الفناء!

أدعكم والنص، راجياً منكم أن تتركوا أي آثار سلبية، ناتجة من تقديمي له جانباً،
وتقرؤوه بوعي مفتوح:

Post: #2
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:26 AM
Parent: #1

Quote: فَاعْلَمْ أَنَّ الْفَنَاءَ مَصْدَرُ فَنِيَ يَفْنَى فَنَاءً إِذَا اضْمَحَلَّ وَتَلَاشَى وَعُدِمَ،
وَقَدْ يُطْلَقُ عَلَى مَا تَلَاشَتْ قُوَاهُ وَأَوْصَافُهُ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَمَا قَالَ الْفُقَهَاءُ:
لَا يُقْتَلُ فِي الْمَعْرَكَةِ شَيْخٌ فَانٍ، وَقَالَ تَعَالَى {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26]
أَيْ هَالِكٌ ذَاهِبٌ، وَلَكِنَّ الْقَوْمَ اصْطَلَحُوا عَلَى وَضْعِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ
لِتَجْرِيدِ شُهُودِ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ، وَالْغَيْبَةِ عَنْ شُهُودِ الْكَائِنَاتِ.
وَهَذَا الِاسْمُ يُطْلَقُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ:
الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى،
وَالْفِنَاءِ عَنْ شُهُودِ السِّوَى،
وَالْفِنَاءِ عَنْ إِرَادَةِ السِّوَى.




هذا التعديل وكل التعديلات التالية، تم فيها تكبير حجم النص فقط!

Post: #3
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:30 AM

Quote: فَأَمَّا الْفَنَاءُ عَنْ وُجُودِ السِّوَى:
فَهُوَ فَنَاءُ الْمَلَاحِدَةِ، الْقَائِلِينَ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ، وَأَنَّهُ مَا ثَمَّ غَيْرٌ،
وَأَنَّ غَايَةَ الْعَارِفِينَ وَالسَّالِكِينَ الْفَنَاءُ فِي الْوَحْدَةِ الْمُطْلَقَةِ،
وَنَفِيُ التَّكَثُّرِ وَالتَّعَدُّدِ عَنِ الْوُجُودِ بِكُلِّ اعْتِبَارٍ،
فَلَا يَشْهَدُ غَيْرًا أصْلًا، بَلْ يَشْهَدُ وُجُودَ الْعَبْدِ عَيْنَ وُجُودِ الرَّبِّ،
بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ رَبٌّ وَعَبْدٌ.
وَفَنَاءُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ فِي شُهُودِ الْوُجُودِ كُلِّهِ وَاحِدٌ، وَهُوَ الْوَاجِبُ بِنَفْسِهِ،
مَا ثَمَّ وُجُودَانِ مُمْكِنٌ، وَوَاجِبٌ،
وَلَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ كَوْنِ وُجُودِ الْمَخْلُوقَاتِ بِاللَّهِ، وَبَيْنَ كَوْنِ وُجُودِهَا هُوَ عَيْنُ وُجُودِهِ،
وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ فُرْقَانٌ بَيْنَ الْعَالَمِينَ وَرَبِّ الْعَالَمِينَ
وَيَجْعَلُونَ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ لِلْمَحْجُوبِينَ عَنْ شُهُودِهِمْ وَفَنَائِهِمْ،
وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ تَلْبِيسٌ عِنْدَهُمْ،
وَالْمَحْجُوبُ عِنْدَهُمْ يَشْهَدُ أَفْعَالَهُ طَاعَاتٍ أَوْ مَعَاصِيَ، مَا دَامَ فِي مَقَامِ الْفَرْقِ،
فَإِذَا ارْتَفَعَتْ دَرَجَتُهُ شَهِدَ أَفْعَالَهُ كُلَّهَا طَاعَاتٍ، لَا مَعْصِيَةَ فِيهَا،
لِشُهُودِهِ الْحَقِيقَةَ الْكَوْنِيَّةَ الشَّامِلَةَ لِكُلِّ مَوْجُودٍ،
فَإِذَا ارْتَفَعَتْ دَرَجَتُهُ عِنْدَهُمْ فَلَا طَاعَةَ وَلَا مَعْصِيَةَ،
بَلِ ارْتَفَعَتِ الطَّاعَاتُ وَالْمَعَاصِي، ل
ِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ اثْنَيْنِيَّةً وَتَعَدُّدًا، وَتَسْتَلْزِمُ مُطِيعًا وَمُطَاعًا، وَعَاصِيًا وَمَعْصِيًّا،
وَهَذَا عِنْدَهُمْ مَحْضُ الشِّرْكِ، وَالتَّوْحِيدُ الْمَحْضُ يَأْبَاهُ، فَهَذَا فَنَاءُ هَذِهِ الطَّائِفَةِ.

Post: #4
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:36 AM
Parent: #3

Quote: وَأَمَّا الْفَنَاءُ عَنْ شُهُودِ السِّوَى:
فَهُوَ الْفَنَاءُ الَّذِي يُشِيرُ إِلَيْهِ أَكْثَرُ الصُّوفِيَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَيَعُدُّونَهُ غَايَةً،
وَهُوَ الَّذِي بَنَى عَلَيْهِ أَبُو إِسْمَاعِيلَ الْأَنْصَارِيُّ كِتَابَهُ
وَجَعَلَهُ الدَّرَجَةَ الثَّالِثَةَ فِي كُلِّ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ.
وَلَيْسَ مُرَادُهُمْ فَنَاءَ وُجُودِ مَا سِوَى اللَّهِ فِي الْخَارِجِ،
بَلْ فَنَاؤُهُ عَنْ شُهُودِهِمْ وَحِسِّهِمْ،
فَحَقِيقَتُهُ: غَيْبَةُ أَحَدِهِمْ عَنْ سِوَى مَشْهُودِهِ،
بَلْ غَيْبَتُهُ أيْضًا عَنْ شُهُودِهِ وَنَفْسِهِ،
لِأَنَّهُ يَغِيبُ بِمَعْبُودِهِ عَنْ عِبَادَتِهِ، وَبِمَذْكُورِهِ عَنْ ذِكْرِهِ، وَبِمَوْجُودِهِ عَنْ وُجُودِهِ،
وَبِمَحْبُوبِهِ عَنْ حُبِّهِ، وَبِمَشْهُودِهِ عَنْ شُهُودِهِ.
وَقَدْ يُسَمَّى حَالٌ مِثْلُ هَذَا سُكْرًا، وَاصْطِلَاما، وَمَحْوًا، وَجَمْعًا،
وَقَدْ يُفَرِّقُونَ بَيْنَ مَعَانِي هَذِهِ الْأَسْمَاءِ،
وَقَدْ يَغْلِبُ شُهُودُ الْقَلْبِ بِمَحْبُوبِهِ وَمَذْكُورِهِ حَتَّى يَغِيبَ بِهِ وَيَفْنَى بِهِ،
فَيَظُنَّ أَنَّهُ اتَّحَدَ بِهِ وَامْتَزَجَ، بَلْ يَظُنُّ أَنَّهُ هُوَ نَفْسُهُ،
كَمَا يُحْكَى أَنَّ رَجُلًا أَلْقَى مَحْبُوبُهُ نَفْسَهُ فِي الْمَاءِ،
فَأَلْقَى الْمُحِبُّ نَفْسَهُ وَرَاءَهُ، فَقَالَ لَهُ:
مَا الَّذِي أَوْقَعَكَ فِي الْمَاءِ؟ فَقَالَ: غِبْتُ بِكَ عَنِّي فَظَنَنْتُ أَنَّكَ أَنِّي.
وَهَذَا إِذَا عَادَ إِلَيْهِ عَقْلُهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَانَ غَالِطًا فِي ذَلِكَ،
وَأَنَّ الْحَقَائِقَ مُتَمَيِّزَةٌ فِي ذَاتِهَا، فَالرَّبُّ رَبٌّ، وَالْعَبْدُ عَبْدٌ،
وَالْخَالِقُ بَائِنٌ عَنِ الْمَخْلُوقَاتِ،
لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ، وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ، و
َلَكِنْ فِي حَالِ السُّكْرِ وَالْمَحْوِ الِاصْطِلَامُ وَالْفَنَاءُ:
قَدْ يَغِيبُ عَنْ هَذَا التَّمْيِيزِ،
وَفِي هَذِهِ الْحَالِ قَدْ يَقُولُ صَاحِبُهَا مَا يُحْكَى عَنْ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ:
" سُبْحَانِي " أَوْ " مَا فِي الْجُبَّةِ إِلَّا اللَّهُ "
وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلِمَاتِ الَّتِي لَوْ صَدَرَتْ عَنْ قَائِلِهَا وَعَقْلُهُ مَعَهُ لَكَانَ كَافِرًا،
وَلَكِنْ مَعَ سُقُوطِ التَّمْيِيزِ وَالشُّعُورِ، قَدْ يَرْتَفِعُ عَنْهُ قَلَمُ الْمُؤَاخَذَةِ.
وَهَذَا الْفَنَاءُ يُحْمَدُ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُذَمُّ مِنْهُ شَيْءٌ، وَيُعْفَى مِنْهُ عَنْ شَيْءٍ.
فَيُحْمَدُ مِنْهُ:
فَنَاؤُهُ عَنْ حُبِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَعَنْ خَوْفِهِ، وَرَجَائِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ،
وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالِالْتِفَاتِ إِلَيْهِ، بِحَيْثُ يَبْقَى دِينُ الْعَبْدِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا كُلُّهُ لِلَّهِ.
وَأَمَّا عَدَمُ الشُّعُورِ وَالْعِلْمِ، بِحَيْثُ لَا يُفَرِّقُ صَاحِبُهُ بَيْنَ نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ،
وَلَا بَيْنَ الرَّبِّ وَالْعَبْدِ مَعَ اعْتِقَادِهِ الْفَرْقَ، وَلَا بَيْنَ شُهُودِهِ وَمَشْهُودِهِ،
بَلْ لَا يَرَى السِّوَى وَلَا الْغَيْرَ،
فَهَذَا لَيْسَ بِمَحْمُودٍ، وَلَا هُوَ وَصْفُ كَمَالٍ، وَلَا هُوَ مِمَّا يُرْغَبُ فِيهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ،
بَلْ غَايَةُ صَاحِبِهِ أَنْ يَكُونَ مَعْذُورًا لِعَجْزِهِ، وَضَعْفِ قَلْبِهِ وَعَقْلِهِ عَنِ احْتِمَالِ التَّمْيِيزِ وَالْفُرْقَانِ،
وَإِنْزَالِ كُلِّ ذِي مَنْزِلَةٍ مَنْزِلَتَهُ، مُوَافَقَةً لِدَاعِي الْعِلْمِ، وَمُقْتَضَى الْحِكْمَةِ، و
َشُهُودِ الْحَقَائِقِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ،
وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ الْقَدِيمِ وَالْمُحْدَثِ، وَالْعِبَادَةِ وَالْمَعْبُودِ،
فَيُنَزِّلُ الْعِبَادَةَ مَنَازِلَهَا، وَيَشْهَدُ مَرَاتَبَهَا، و
َيُعْطِي كُلَّ مَرْتَبَةٍ مِنْهَا حَقَّهَا مِنَ الْعُبُودِيَّةِ، وَيَشْهَدُ قِيَامَهُ بِهَا،
فَإِنَّ شُهُودَ الْعَبْدِ قِيَامَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ أَكْمَلُ فِي الْعُبُودِيَّةِ مِنْ غَيْبَتِهِ عَنْ ذَلِكَ،
فَإِنَّ أَدَاءَ الْعُبُودِيَّةِ فِي حَالِ غَيْبَةِ الْعَبْدِ عَنْهَا وَعَنْ نَفْسِهِ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ السَّكْرَانِ وَالنَّائِمِ،
وَأَدَاؤُهَا فِي حَالِ كَمَالِ يَقَظَتِهِ وَشُعُورِهِ بِتَفَاصِيلِهَا وَقِيَامِهِ بِهَا أَتَمُّ وَأَكْمَلُ وَأَقْوَى عُبُودِيَّةً.

Post: #5
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:39 AM
Parent: #4

Quote: فَتَأَمَّلْ حَالَ عَبْدَيْنِ فِي خِدْمَةِ سَيِّدِهِمَا:
أَحَدُهُمَا يُؤَدِّي حُقُوقَ خِدْمَتِهِ فِي حَالِ غَيْبَتِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنْ خِدْمَتِهِ؛
لِاسْتِغْرَاقِهِ بِمُشَاهَدَةِ سَيِّدِهِ!
وَالْآخَرُ يُؤَدِّيهَا فِي حَالِ كَمَالِ حُضُورِهِ، وَتَمْيِيزِهِ، وَإِشْعَارِ نَفْسِهِ بِخِدْمَةِ السَّيِّدِ،
وَابْتِهَاجِهَا بِذَلِكَ، فَرَحًا بِخِدْمَتِهِ، وَسُرُورًا وَالْتِذَاذًا مِنْهُ،
وَاسْتِحْضَارًا لِتَفَاصِيلِ الْخِدْمَةِ وَمَنَازِلِهَا،
وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ عَامِلٌ عَلَى مُرَادِ سَيِّدِهِ مِنْهُ، لَا عَلَى مُرَادِهِ مِنْ سَيِّدِهِ، فَأَيُّ الْعَبْدَيْنِ أَكْمَلُ؟
فَالْفَنَاءُ: حَظُّ الْفَانِي وَمُرَادُهُ،
وَالْعِلْمُ، وَالشُّعُورُ، وَالتَّمْيِيزُ، وَالْفَرْقُ، وَتَنْزِيلُ الْأَشْيَاءِ مَنَازِلَهَا، وَجَعْلُهَا فِي مَرَاتِبِهَا:
حَقُّ الرَّبِّ وَمُرَادُهُ،
وَلَا يَسْتَوِي صَاحِبُ هَذِهِ الْعُبُودِيَّةِ، وَصَاحِبُ تِلْكَ.

Post: #6
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:44 AM
Parent: #5

Quote: نَعَمْ، هَذَا (يعني: صاحب الفناء عن شهود السوى)
أَكْمَلُ حَالًا مِنَ الَّذِي لَا حُضُورَ لَهُ وَلَا مُشَاهَدَةَ بِالْمَرَّةِ،
بَلْ هُوَ غَائِبٌ بِطَبْعِهِ وَنَفْسِهِ عَنْ مَعْبُودِهِ وَعَنْ عِبَادَتِهِ،
وَصَاحِبُ التَّمْيِيزِ وَالْفُرْقَانِ - وَهُوَ صَاحِبُ الْفَنَاءِ الثَّالِثِ (الذي سوف يأتي بيانه)-
أَكْمَلُ مِنْهُمَا، فَزَوَالُ الْعَقْلِ وَالتَّمْيِيزِ وَالْغَيْبَةُ عَنْ شُهُودِ نَفْسِهِ وَأَفْعَالِهَا لَا يُحْمَدُ،
فَضْلًا عَنْ أَنْ يَكُونَ فِي أَعْلَى مَرَاتِبِ الْكَمَالِ،
بَلْ يُذَمُّ إِذَا تَسَبَّبَ إِلَيْهِ، وَبَاشَرَ أَسْبَابَهُ،
وَأَعْرَضَ عَنِ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ لَهُ التَّمْيِيزَ وَالْعَقْلَ،
وَيُعْذَرُ إِذَا وَرَدَ عَلَيْهِ ذَلِكَ بِلَا اسْتِدْعَاءٍ،
بِأَنْ كَانَ مَغْلُوبًا عَلَيْهِ،
كَمَا يُعْذَرُ النَّائِمُ وَالْمُغْمَى عَلَيْهِ، وَالْمَجْنُونُ، وَالسَّكْرَانُ الَّذِي لَا يُذَمُّ عَلَى سُكْرِهِ،
كَالْمُوجَرِ وَالْجَاهِلِ بِكَوْنِ الشَّرَابِ مُسْكِرًا، وَنَحْوِهِمَا.
وَلَيْسَ أَيْضًا هَذِهِ الْحَالُ بِلَازِمَةٍ لِجَمِيعِ السَّالِكِينَ،
بَلْ هِيَ عَارِضَةٌ لِبَعْضِهِمْ، مِنْهُمْ مَنْ يُبْتَلَى بِهَا، كَأَبِي يَزِيدَ وَأَمْثَالِهِ،
وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يُبْتَلَى بِهَا، وَهُمْ أَكْمَلُ وَأَقْوَى،
فَإِنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ –
وَهُمْ سَادَاتُ الْعَارِفِينَ، وَأَئِمَّةُ الْوَاصِلِينَ الْمُقَرَّبِينَ، وَقُدْوَةُ السَّالِكِينَ – ل
َمْ يَكُنْ مِنْهُمْ مَنِ ابْتُلِيَ بِذَلِكَ، مَعَ قُوَّةِ إِرَادَتِهِمْ، وَكَثْرَةِ مُنَازَلَاتِهِمْ،
وَمُعَايَنَةِ مَا لَمْ يُعَايِنْهُ غَيْرُهُمْ، وَلَا شَمَّ لَهُ رَائِحَةً، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِهِ،
فَلَوْ كَانَ هَذَا الْفَنَاءُ كَمَالًا لَكَانُوا هُمْ أَحَقَّ بِهِ وَأَهْلَهُ،
وَكَانَ لَهُمْ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ لِغَيْرِهِمْ.
وَلَا كَانَ هَذَا أَيْضًا لِنَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلَا حَالًا مِنْ أَحْوَالِهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
وَلِهَذَا - فِي لَيْلَةِ الْمِعْرَاجِ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ، وَعَايَنَ مَا عَايَنَ مِمَّا أَرَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ
مِنْ آيَاتِهِ الْكُبْرَى - لَمْ تَعْرِضْ لَهُ هَذِهِ الْحَالُ،
بَلْ كَانَ كَمَا وَصَفَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ
{مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى - لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم: 17 - 18]
وَقَالَ {وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ} [الإسراء: 60]
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ رُؤْيَا عَيْنٍ، أُرِيَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ،
وَمَعَ هَذَا فَأَصْبَحَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَتَغَيَّرْ عَلَيْهِ حَالُهُ،
وَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ صَعْقٌ وَلَا غُشِيَ،
يُخْبِرُهُمْ عَنْ تَفْصِيلِ مَا رَأَى، غَيْرَ فَانٍ عَنْ نَفْسِهِ، وَلَا عَنْ شُهُودِهِ،
وَلِهَذَا كَانْتَ حَالُهُ أَكْمَلَ مَنْ حَالِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِمَا وَسَلَّمَ لَمَّا خَرَّ صَعِقًا حِينَ تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ وَجَعَلَهُ دَكًّا.

Post: #7
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:47 AM
Parent: #6

Quote: [فَصْلٌ أَسْبَابُ الْفَنَاءِ]
فَصْلٌ
وَهَذَا الْفَنَاءُ (أي الفناء عن شهود السّوى) لَهُ سَبَبَانِ:
أَحَدُهُمَا: قُوَّةُ الْوَارِدِ وَضَعْفُ الْمَوْرُودِ، وَهَذَا لَا يُذَمُّ صَاحِبُهُ.
الثَّانِي: نُقْصَانُ الْعِلْمِ وَالتَّمْيِيزِ، وَهَذَا يُذَمُّ صَاحِبُهُ،
لَا سِيَّمَا إِذَا أَعْرَضَ عَنِ الْعِلْمِ الَّذِي يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ هَذَا الْفَنَاءِ،
وَذَمَّهُ وَذَمَّ أَهْلَهُ، وَرَأَى ذَلِكَ عَائِقًا مِنْ عَوَائِقِ الطَّرِيقِ،
فَهَذَا هُوَ الْمَذْمُومُ الْمَخُوفُ عَلَيْهِ.
وَلِهَذَا عَظُمَتْ وَصِيَّةُ الْقَوْمِ بِالْعِلْمِ، وَحُذِّرُوا مِنَ السُّلُوكِ بِلَا عِلْمٍ،
وَأُمِرُوا بِهَجْرِ مَنْ هَجَرَ الْعِلْمَ وَأَعْرَضَ عَنْهُ، وَعَدِمَ الْقَبُولَ مِنْهُ،
لِمَعْرِفَتِهِمْ بِمَآلِ أَمْرِهِ، وَسُوءِ عَاقِبَتِهِ فِي سَيْرِهِ،
وَعَامَّةُ مَنْ تَزَنْدَقَ مِنَ السَّالِكِينَ فَلِإِعْرَاضِهِ عَنْ دَوَاعِي الْعِلْمِ،
وَسَيْرِهِ عَلَى جَادَّةِ الذَّوْقِ وَالْوَجْدِ،
ذَاهِبَةً بِهِ الطَّرِيقُ كُلَّ مَذْهَبٍ، فَهَذَا فِتْنَتُهُ وَالْفِتْنَةُ بِهِ شَدِيدَةٌ، وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

Post: #8
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:52 AM
Parent: #7

Quote: [فَصْلٌ أَصْلُ الْفَنَاءِ (أي: الفناء عن شهود السوى]
وَأَصْلُ هَذَا الْفَنَاءِ: الِاسْتِغْرَاقُ فِي تَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ،
وَهُوَ رُؤْيَةُ تَفَرُّدِ اللَّهِ بِخَلْقِ الْأَشْيَاءِ، وَمُلْكِهَا وَاخْتِرَاعِهَا،
وَأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْوُجُودِ قَطُّ إِلَّا مَا شَاءَهُ وَكَوَّنَهُ،
فَيَشْهَدُ مَا اشْتَرَكَتْ فِيهِ الْمَخْلُوقَاتُ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ إِيَّاهَا،
وَمَشِيئَتِهِ لَهَا، وَقُدْرَتِهِ عَلَيْهَا، وَشُمُولِ قَيُّومِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ لَهَا،
وَلَا يَشْهَدُ مَا افْتَرَقَتْ فِيهِ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لِهَذَا وَبُغْضِهِ لِهَذَا،
وَأَمْرِهِ بِمَا أَمَرَ بِهِ، وَنَهْيِهِ عَمَّا نَهَى عَنْهُ، وَمُوَالَاتِهِ لِقَوْمٍ وَمُعَادَاتِهِ لِآخَرِينَ.
فَلَا يَشْهَدُ التَّفْرِقَةَ فِي الْجَمْعِ،
وَهِيَ تَفْرِقَةُ الْخَلْقِ وَالْأَمْرِ فِي جَمْعِ الرُّبُوبِيَّةِ،
تَفْرِقَةُ مُوجَبِ الْإِلَهِيَّةِ فِي جَمْعِ الرُّبُوبِيَّةِ،
تَفْرِقَةُ الْإِرَادَةِ الدِّينِيَّةِ فِي جَمْعِ الْإِرَادَةِ الْكَوْنِيَّةِ،
تَفْرِقَةُ مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ فِي جَمْعِ مَا قَدَّرَهُ وَقَضَاهُ،
لَا يَشْهَدُ الْكَثْرَةَ فِي الْوُجُودِ،
وَهِيَ كَثْرَةُ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَى،
وَاقْتِضَاؤُهَا لِآثَارِهَا فِي وَحْدَةِ الذَّاتِ الْمَوْصُوفَةِ بِهَا.
فَلَا يَشْهَدُ كَثْرَةَ دَلَالَاتِ أَسْمَاءِ الرَّبِّ تَعَالَى وَصِفَاتِهِ عَلَى وَحْدَةِ ذَاتِهِ.
فَهُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ: الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ، الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ،
السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ، الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ، الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ، و
َكُلُّ اسْمٍ لَهُ صِفَةٌ، وَلِلصِّفَةِ حُكْمٌ،
فَهُوَ سُبْحَانَهُ وَاحِدُ الذَّاتِ، كَثِيرُ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ،
فَهَذِهِ كَثْرَةٌ فِي وَحْدَةٍ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ مَأْمُورِهِ وَمَنْهِيِّهِ، وَمَحْبُوبِهِ وَمَبْغُوضِهِ، وَوَلِيِّهِ وَعَدُوِّهِ، تَفْرِقَةٌ فِي جَمْعٍ،
فَمَنْ لَمْ يَتَّسِعْ شُهُودُهُ لِهَذِهِ الْأُمُورِ الْأَرْبَعَةِ فَلَيْسَ مِنْ خَاصَّةِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْعَارِفِينَ،
بَلْ إِنِ انْصَرَفَ شُهُودُهُ عَنْهَا مَعَ اعْتِرَافِهِ بِهَا فَهُوَ مُؤْمِنٌ نَاقِصٌ،
وَإِنْ جَحَدَهَا - أَوْ شَيْئًا مِنْهَا - فَكُفْرٌ صَرِيحٌ أَوْ بِتَأْوِيلٍ،
مِثْلَ أَنْ يَجْحَدَ تَفْرِقَةَ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، أَوْ جَمْعَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ،
أَوْ كَثْرَةَ مَعَانِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ وَوَحْدَةَ الذَّاتِ.
فَلْيَتَدَبَّرِ اللَّبِيبُ السَّالِكُ هَذَا الْمَوْضِعَ حَقَّ التَّدَبُّرِ،
وَلْيَعْرِفْ قَدْرَهُ، فَإِنَّهُ مَجَامِعُ طُرُقِ الْعَالَمِينَ، وَأَصْلُ تَفْرِقَتِهِمْ،
قَدْ ضُبِطَتْ لَكَ مَعَاقِدُهُ، وَأُحْكِمَتْ لَكَ قَوَاعِدُهُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

Post: #9
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 05:56 AM
Parent: #8

Quote: وَإِنَّمَا يَعْرِفُ قَدْرَ هَذَا مَنِ اجْتَازَ الْقِفَارَ، وَاقْتَحَمَ الْبَحَّارَ،
وَعَرَضَ لَهُ مَا يَعْرِضُ لِسَالِكِ الْقَفْرِ، وَرَاكِبِ الْبَحْرِ،
وَمَنْ لَمْ يُسَافِرْ وَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ وَطَنِ طَبْعِهِ وَمَرْبَاهُ،
وَمَا أَلِفَ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ وَأَهْلَ زَمَانِهِ،
فَهُوَ بِمَعْزِلٍ عَنْ هَذَا،
فَإِنْ عُرِفَ قَدْرُهُ، وَكَفَى النَّاسَ شَرَّهُ، فَهَذَا يُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ،
وَإِنْ عَدَا طَوْرَهُ، وَأَنْكَرَ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ،
وَكَذَّبَ بِمَا لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمًا،
ثُمَّ تَجَاوَزَ إِلَى تَكْفِيرِ مَنْ خَالَفَهُ وَلَمْ يُقَلِّدْ شُيُوخَهُ،
وَيَرْضَى بِمَا رَضِيَ هُوَ بِهِ لِنَفْسِهِ،
فَذَلِكَ الظَّالِمُ الْجَاهِلُ، الَّذِي مَا ضَرَّ إِلَّا نَفْسَهُ،
وَلَا أَضَاعَ إِلَّا حَظَّهُ.

Post: #10
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:03 AM
Parent: #9

Quote: [فَصْلٌ الْفَنَاءُ وَمَهَالِكُهُ]
وَيَعْرِضُ لِلسَّالِكِ عَلَى دَرْبِ الْفَنَاءِ مَعَاطِبُ وَمَهَالِكُ،
لَا يُنْجِيهِ مِنْهَا إِلَّا بَصِيرَةُ الْعِلْمِ، الَّتِي إِنْ صَحِبَتْهُ فِي سَيْرِهِ،
وَإِلَّا فَبِسَبِيلِ مَنْ هَلَكَ.
مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا اقْتَحَمَ عُقْبَةَ الْفَنَاءِ
ظَنَّ أَنَّ صَاحِبَهَا قَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ،
لِتَشْوِيشِهِ عَلَى الْفَنَاءِ وَنَقْضِهِ لَهُ،
وَالْفَنَاءُ عِنْدَهُ غَايَةُ الْعَارِفِينَ، وَنِهَايَةُ التَّوْحِيدِ،
فَيَرَى تَرْكَ كُلِّ مَا أَبْطَلَهُ وَأَزَالَهُ،
مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ أَوْ غَيْرِهِمَا،
وَيُصَرِّحُ بَعْضُهُمْ بِأَنَّهُ:
إِنَّمَا يَسْقُطُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ عَمَّنْ شَهِدَ الْإِرَادَةَ،
وَأَمَّا مَنْ لَمْ يَشْهَدْهَا فَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لَازِمَانِ لَهُ،
وَلَمْ يَعْلَمْ هَذَا الْمَغْرُورُ أَنَّ غَايَةَ مَا مَعَهُ:
الْفَنَاءُ فِي تَوْحِيدِ أَهْلِ الشِّرْكِ الَّذِي أَقَرُّوا بِهِ،
ولَمْ يَكُونُوا بِهِ مُسْلِمِينَ الْبَتَّةَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان: 25]
وَقَالَ: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ
قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ
قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ
وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ
سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: 84 - 89]
وَقَالَ تَعَالَى:
{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} [يوسف: 106]
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَسْأَلُهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ؟
فَيَقُولُونَ: اللَّهُ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ غَيْرَهُ.
[[مضمون الفكرة هنا: أن من لمن يصحب العلم، فيُخشى
أن يسقط من دائرة الفناء عن شهود السوى،
إلى دائرة الفناء عن وجود السوى،
التي هي وحدة الوجود: صلاح]]

Post: #11
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:08 AM
Parent: #10

Quote: وَمَنْ كَانَ هَذَا التَّوْحِيدُ (وحدة الوجود) وَالْفَنَاءُ (عن وجود السوى)
غَايَةَ تَوْحِيدِهِ؛
انْسَلَخَ مِنْ دِينِ اللَّهِ، وَمِنْ جَمِيعِ رُسُلِهِ وَكُتُبِهِ،
إِذْ لَمْ يَتَمَيَّزْ عِنْدَهُ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِمَّا نَهَى عَنْهُ،
وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَأَعْدَائِهِ،
ولَا بَيْنَ مَحْبُوبِهِ وَمَبْغُوضِهِ، وَلَا بَيْنَ الْمَعْرُوفِ وَالْمُنْكَرِ،
وَسَوَّى بَيْنَ الْمُتَّقِينَ وَالْفُجَّارِ، وَالطَّاعَةِ وَالْمَعْصِيَةِ،
بَلْ لَيْسَ عِنْدَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا الطَّاعَةُ
لِاسْتِوَاءِ الْكُلِّ فِي الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ الْمَشِيئَةُ الْعَامَّةُ الشَّامِلَةُ.

Post: #12
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:11 AM
Parent: #11

Quote: ثُمَّ صَاحَبُ هَذَا الْمَقَامِ يَظُنُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الْجَمْعِ وَالتَّوْحِيدِ،
وَأَنَّهُ وَصَلَ إِلَى عَيْنِ الْحَقِيقَةِ،
وَإِنَّمَا وَصَلَ الْمِسْكِينُ إِلَى الْحَقِيقَةِ الشَّامِلَةِ:
الَّتِي يَدْخُلُ فِيهَا إِبْلِيسُ وَجُنُودُهُ أَجْمَعُونَ،
وَكُلُّ كَافِرٍ وَمُشْرِكٍ وَفَاجِرٍ!
فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كُلَّهُمْ تَحْتَ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ!
فَغَايَةُ صَاحِبِ هَذَا الْمَشْهَدِ:
وُصُولُهُ إِلَى أَنْ يَشْهَدَ اسْتِوَاءَ هَؤُلَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ الْأَبْرَارِ،
وَأَوْلِيَاءِ اللَّهِ وَخَاصَّةِ عِبَادِهِ فِي هَذِهِ الْحَقِيقَةِ!
وَمَعَ هَذَا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْفَرْقِ،
وَالْمُوَالَاةُ وَالْمُعَادَاةُ ضَرُورَةً،
فَيَنْسَلِخُ عَنِ الْفَرْقِ الشَّرْعِيِّ،
وَيَعُودُ إِلَى الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ النَّفْسِيِّ بِهَوَاهُ وَطَبْعِهِ،
إِذْ لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا يَنْفَعُهُ فَيَمِيلُ إِلَيْهِ،
وَمَا يَضُرُّهُ فَيَهْرُبُ مِنْهُ،
فَبَيْنَا هُوَ مُنْكِرٌ عَلَى أَهْلِ الْفِرْقِ الشَّرْعِيِّ
نَاكِبًا عَلَى طَرِيقَتِهِمْ إِلَى عَيْنِ الْجَمْعِ،
إِذِ انْتَكَسَ وَارْتَكَسَ، وَعَادَ إِلَى الْفَرْقِ الطَّبْعِيِّ النَّفْسِيِّ،
فَيُوَالِي وَيُعَادِي، وَيُحِبُّ وَيُبْغِضُ، بِحَسَبِ هَوَاهُ وَإِرَادَتِهِ.

Post: #13
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:15 AM
Parent: #12

Quote: فَإِنَّ الْفَرْقَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِلْإِنْسَانِ،
فَمَنْ لَمْ يَكُنْ فَرْقُهُ قُرْآنِيًا مُحَمَّدِيًّا،
فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَانُونٍ يُفَرِّقُ بِهِ:
إِمَّا سِيَاسَةُ سَائِسٍ فَوْقَهُ،
أَوْ ذَوْقٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ،
أَوْ رَأْيٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ،
أَوْ يُفَرِّقُ فَرْقًا بَهِيمِيًّا حَيَوَانِيًّا بِحَسَبِ
مُجَرَّدِ شَهْوَتِهِ وَغَرَضِهِ أَيْنَ تَوَجَّهَتْ بِهِ،
فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفْرِيقِ بِأَحَدِ هَذِهِ الْوُجُوهِ.
فَلْيَنْظُرِ الْعَبْدُ مَنِ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْقِ،
وَلْيَزِنْ بِهِ إِيمَانَهُ قَبْلَ أَنْ يُوزَنَ،
وَلْيُحَاسِبْ نَفْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُحَاسَبَ،
وَلْيَسْتَبْدِلِ الذَّهَبَ بِالْخَزَفِ،
وَالدُّرَّ بِالْبَعْرِ،
وَالْمَاءَ الزُّلَالَ بِالسَّرَابِ الَّذِي
{يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً
حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا
وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ
فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ
وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [النور: 39]
قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَ الرَّجْعَةَ إِلَى دَارِ الصَّرْفِ،
فَيُقَالُ: هَيْهَاتَ! الْيَوْمُ يَوْمُ الْوَفَاءِ،
وَمَا مَضَى فَقَدْ فَاتَ،
أُحْصِيَ الْمُسْتَخْرَجُ وَالْمَصْرُوفُ،
وَسَتَعْلَمُ الْآنَ مَا مَعَكَ
مِنَ النَّقْدِ الصَّحِيحِ وَالزُّيُوفِ.

Post: #14
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:20 AM
Parent: #13

Quote: وَأَصْحَابُ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ:
أَتْبَاعُ كُلِّ نَاعِقٍ، يَمِيلُونَ مَعَ كُلِّ صَائِحٍ،
لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِنُورِ الْعِلْمِ،
وَلَمْ يَلْجَأُوا إِلَى رُكْنٍ وَثِيقٍ،
إِذَا تَنَاهَوْا فِي حَقِيقَتِهِمْ
أَضَافُوا الْجَمِيعَ إِلَى اللَّهِ إِضَافَةَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَى،
وَجَعَلُوهَا عَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ،
ضَاهَئُوا الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِمْ:
{وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا
لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ
نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا
وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: 35]
وَقَوْلُهُمْ عَنْ آلِهَتِهِمْ:
{لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} [الزخرف: 20]
وَقَوْلَهُ {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا
وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا} [الأعراف: 28]
فَاحْتَجُّوا بِإِقْرَارِ اللَّهِ لَهُمْ قَدَرًا وَكَوْنًا
عَلَى رِضَاهُ وَمَحَبَّتِهِ وَأَمْرِهِ،
وَأَنَّهُ لَوْ كَرِهَ ذَلِكَ مِنْهُمْ لَحَالَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ،
وَلَمَا أَقَرَّهُمْ عَلَيْهِ،
فَجَعَلُوا قَضَاءَهُ وَقَدَرَهُ عَيْنَ مَحَبَّتِهِ وَرِضَاهُ،
وَوَرِثَهُمْ مَنْ سَوَّى بَيْنَ الْمَخْلُوقَاتِ،
وَلَمْ يُفَرِّقْ بِالْفَرْقِ النَّبَوِيِّ الْقُرْآنِيِّ.
وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ذَكَرَتْ ذَلِكَ
مُعَارِضِينَ لِأَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ،
وَمَا بَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ، بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ،
فَعَارَضُوا الْحَقِيقَةَ الدِّينِيَّةَ الشَّرْعِيَّةَ
بِالْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ الْقَدَرِيَّةِ،
وَوَرِثَهُمْ مَنْ يَحْتَجُّ بِالْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ
فِي مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ،
وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ أَبْطَلَتْ أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ بِقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ.
وَظَنَّتْ طَائِفَةٌ ثَالِثَةٌ:
أَنَّ إِثْبَاتَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ يُبْطِلُ الشَّرَائِعَ وَالنُّبُوَّاتِ،
وَأَنَّ الْمُشْرِكِينَ احْتَجُّوا عَلَى بُطْلَانِهَا بِإِثْبَاتِهِ،
فَجَعَلَتِ التَّكْذِيبَ بِهِ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ،
بَلْ أَعْظَمَ أُصُولِهِ،
فَرَدَّتَ قَضَاءَ اللَّهِ وَقَدَرَهُ الشَّامِلَ الْعَامَّ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.

Post: #15
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:27 AM
Parent: #14

Quote: فَانْظُرْ إِلَى اقْتِسَامِ الطَّوَائِفِ هَذَا الْمَوْضِعَ،
وَافْتِرَاقِهِمْ فِي مَفْرِقِ هَذَا الطَّرِيقِ:
عِلْمًا وَخَبَرًا، وَسُلُوكًا وَحَقِيقَةً،
وَتَأَمَّلْ أَحْوَالَ الْخَلْقِ فِي هَذَا الْمَقَامِ،
تَنْكَشِفْ لَكَ أَسْرَارُ الْعَالَمِينَ،
وَتَعْلَمْ أَيْنَ أَنْتَ وَأَيْنَ مَقَامُكَ؟
وَتَعْرِفْ:
مَا جَنَى هَذَا الْجَمْعُ وَهَذَا الْفَنَاءُ عَلَى الْإِيمَانِ،
وَمَا خَرَّبَ مِنَ الْقَوَاعِدِ وَالْأَرْكَانِ،
وَتَتَحَقَّقْ حِينَئِذٍ: أَنَّ الدِّينَ كُلَّهُ فُرْقَانٌ فِي الْقُرْآنِ،
فَرْقٌ فِي جَمْعٍ،
وَكَثْرَةٌ فِي وَحْدَةٍ،
كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ،
وَأَنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَدِينِهِ
أَصْحَابُ الْفَرْقِ فِي الْجَمْعِ،
فَيَقُومُونَ بِالْفَرْقِ بَيْنَ مَا يُحِبُّهُ اللَّهُ وَيُبْغِضُهُ،
وَيَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ، وَيُوَالِيهِ وَيُعَادِيهِ:
عِلْمًا وَشُهُودًا، وَإِرَادَةً وَعَمَلًا،
مَعَ شُهُودِهِمُ الْجَمْعَ لِذَلِكَ كُلِّهِ:
فِي قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ، وَمَشِيئَتِهِ الشَّامِلَةِ الْعَامَّةِ،
فَيُؤْمِنُونَ بِالْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْكَوْنِيَّةِ،
وَيُعْطُونَ كُلَّ حَقِيقَةٍ حَظَّهَا مِنَ الْعِبَادَةِ.
فَحَظُّ الْحَقِيقَةِ الدِّينِيَّةِ:
الْقِيَامُ بِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ، وَمَحَبَّةُ مَا يُحِبُّهُ، وَكَرَاهَةُ مَا يَكْرَهُهُ،
وَمُوَالَاةُ مَنْ وَالَاهُ، وَمُعَادَاةُ مَنْ عَادَاهُ،
وَأَصْلُ ذَلِكَ: الْحُبُّ فِيهِ وَالْبُغْضُ فِيهِ.
وَحَظُّ الْحَقِيقَةِ الْكَوْنِيَّةِ:
إِفْرَادُهُ بِالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ،
وَالِالْتِجَاءِ إِلَيْهِ، وَإِفْرَادُهُ بِالسُّؤَالِ وَالطَّلَبِ، وَالتَّذَلُّلِ وَالْخُضُوعِ،
وَالتَّحَقُّقِ بِأَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ،
وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ سِوَاهُ لَهُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا،
وَلَا مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا،
وَأَنَّهُ مُقَلِّبُ الْقُلُوبِ، فَقُلُوبُهُمْ وَنَوَاصِيهِمْ بِيَدِهِ،
وَأَنَّهُ مَا مِنْ قَلْبٍ إِلَّا وَهُوَ بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ،
إِنْ شَاءَ أَنْ يُقِيمَهُ أَقَامَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُزِيغَهُ أَزَاغَهُ.
فَلِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ عُبُودِيَّةٌ، وَلِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ عُبُودِيَّةٌ،
وَلَا تُبْطِلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى،
بَلْ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِهَا،
وَلَا تَتِمُّ الْعُبُودِيَّةُ إِلَّا بِمَجْمُوعِهِمَا،
وَهَذَا حَقِيقَةُ قَوْلِهِ {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5]
بِخِلَافِ مَنْ أَبْطَلَ حَقِيقَةَ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] "
بِحَقِيقَةِ " {إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: 5] "
وَقَالَ: إِنَّهَا جَمْعٌ، وَ " {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة: 5] " فَرْقٌ،
وَقَدْ يَغْلُو فِي هَذَا الْمَشْهَدِ
فَلَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ قَبِيحَةً،
وَيُصَرِّحُ بِذَلِكَ وَيَقُولُ:
الْعَارِفُ لَا يَسْتَحْسِنُ حَسَنَةً، وَلَا يَسْتَقْبِحُ قَبِيحَةً لِاسْتِبْصَارِهِ بِسِرِّ الْقَدَرِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
حَقِيقَةُ هَذَا الْمَشْهَدِ أَنْ يَشْهَدَ الْوُجُودَ كُلَّهُ حَسَنًا لَا قَبِيحَ فِيهِ،
وَأَفْعَالَهُمْ كُلَّهَا طَاعَاتٍ لَا مَعْصِيَةَ فِيهَا،
لِأَنَّهُمْ - وَإِنْ عَصَوُا الْأَمْرَ - فَهُمْ مُطِيعُونَ الْمَشِيئَةَ،
وَيَقُولُونَ:
أَصْبَحْتُ مُنْفَعِلًا لِمَا تَخْتَارُهُ ... مِنِّي فَفِعْلِي كُلُّهُ طَاعَاتُ
وَيَقُولُ قَائِلُهُمْ: مَنْ شَهِدَ الْحَقِيقَةَ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ،
وَيَحْتَجُّونَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]
وَيُفَسِّرُونَ الْيَقِينَ بِشُهُودِ الْحُكْمِ الْكَوْنِيِّ، وَهِيَ الْحَقِيقَةُ عِنْدَهُمْ.

Post: #16
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:33 AM
Parent: #15

Quote: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَامَّةَ خَيْرٌ مِنْ هَؤُلَاءِ وَأَصَحُّ إِيمَانًا،
فَإِنَّ هَذَا زَنْدَقَةٌ وَنِفَاقٌ، وَكَذِبٌ مِنْهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَنَبِيِّهِمْ وَإِلَهِهِمْ.
أَمَّا كَذِبُهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ:
فَإِنَّهُمْ لَا بُدَّ أَنْ يُفَرِّقُوا قَطْعًا، فَرَغِبُوا عَنِ الْفَرْقِ النَّبَوِيِّ وَالْقُرْآنِيِّ،
وَوَقَعُوا فِي الْفَرْقِ النَّفْسِيِّ الطَّبْعِيِّ،
مِثْلَ حَالِ إِبْلِيسَ، تَكَبَّرَ عَنِ السُّجُودِ لِآدَمَ،
وَرَضِيَ لِنَفْسِهِ بِالْقِيَادَةِ لِفُسَّاقِ ذُرِّيَّتِهِ،
وَمِثْلَ الْمُشْرِكِينَ تَكَبَّرُوا عَنْ عِبَادَةِ اللَّهِ الْحَيِّ الْقَيُّومِ،
وَرَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِعِبَادَةِ الْأَحْجَارِ وَالْأَشْجَارِ وَالْمَوْتَى وَالْأَوْثَانِ،
وَمِثْلَ أَهْلِ الْبِدَعِ تَكَبَّرُوا عَنْ تَقْلِيدِ النُّصُوصِ،
وَتَلَقِّي الْهُدَى مِنْ مِشْكَاتِهَا،
وَرَضُوا لِأَنْفُسِهِمْ بِتَقْلِيدِ أَقْوَالٍ مُخَالِفَةٍ لِلْفِطْرَةِ وَالْعَقْلِ وَالشَّرْعِ،
وَظَنُّوهَا قَوَاطِعَ عَقْلِيَّةً، وَقَدَّمُوهَا عَلَى نُصُوصِ الْأَنْبِيَاءِ،
وَهِيَ فِي الْحَقِيقَةِ شُبُهَاتٌ مُخَالِفَةٌ لِلسَّمْعِ وَالْعَقْلِ.
وَمِثْلَ الْجَهْمِيَّةِ نَزَّهُوا الرَّبَّ عَنْ عَرْشِهِ،
وَجَعَلُوهُ فِي أَجْوَافِ الْبُيُوتِ وَالْحَوَانِيتِ وَالْحَمَّامَاتِ،
وَقَالُوا: هُوَ فِي كُلِّ مَكَانٍ بِذَاتِهِ،
وَنَزَّهُوهُ عَنْ صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ
حَذَرًا - بِزَعْمِهِمْ - مِنَ التَّشْبِيهِ!
فَشَبَّهُوهُ بِالْجَامِدَاتِ النَّاقِصَةِ الْخَسِيسَةِ الَّتِي لَا تَتَكَلَّمُ،
وَلَا سَمْعَ لَهَا وَلَا بَصَرَ، وَلَا عِلْمَ وَلَا حَيَاةَ،
بَلْ شَبَّهُوهُ بِالْمَعْدُومَاتِ الْمُمْتَنِعِ وُجُودُهَا.
وَمِثْلَ الْمُعَطَّلَةِ الَّذِينَ قَالُوا:
مَا فَوْقَ الْعَرْشِ إِلَّا الْعَدَمُ، وَلَيْسَ فَوْقَ الْعَرْشِ رَبٌّ يُعْبَدُ،
وَلَا إِلَهٌ يُصَلَّى لَهُ وَيُسْجَدُ،
وَلَا تَرْتَفِعُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ، وَلَا رَفَعَ الْمَسِيحُ إِلَيْهِ،
وَلَا تَعَرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ،
وَلَا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِ،
وَلَا دُنِّيَ مِنْهُ حَتَّى كَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى،
وَلَا يَنْزِلُ مِنْ عِنْدِهِ شَيْءٌ، وَلَا يَصْعَدُ إِلَيْهِ شَيْءٌ،
وَلَا يَرَاهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ مِنْ فَوْقِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ،
وَاسْتِوَاؤُهُ عَلَى عَرْشِهِ لَا حَقِيقَةَ لَهُ،
بَلْ عَلَى الْمَجَازِ الَّذِي يَصِحُّ نَفْيُهُ،
وَعُلُوُّهُ فَوْقَ خَلْقِهِ بِالرُّتْبَةِ وَالشَّرَفِ لَا بِالذَّاتِ،
وَكَذَلِكَ فَوَقِيَّتُهُ فَوْقِيَّةُ قَهْرٍ، لَا فَوْقِيَّةَ ذَاتٍ،
فَنَزَّهُوهُ عَنْ كَمَالِ عُلُوِّهِ وَفَوْقِيَّتِهِ،
وَوَصَفُوهُ بِمَا سَاوَوْا بِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَدَمِ وَالْمُسْتَحِيلِ،
فَقَالُوا: لَا هُوَ دَاخِلَ الْعَالَمِ، وَلَا خَارِجَهُ،
وَلَا مُتَّصِلٌ بِهِ، وَلَا مُنْفَصِلٌ عَنْهُ، وَلَا مُحَايِثٌ لَهُ، وَلَا مُبَايِنٌ لَهُ،
وَلَا هُوَ فِينَا، وَلَا خَارِجٌ عَنَّا.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: صِفْ لَنَا الْعَدَمَ، لَوَصَفَهُ بِهَذَا بِعَيْنِهِ.
وَانْطِبَاقُ هَذَا السَّلْبِ عَلَى الْعَدَمِ الْمَحْضِ
أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ وَالْفِطَرِ مِنِ انْطِبَاقِهِ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ
الَّذِي لَيْسَ فِي مَخْلُوقَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ ذَاتِهِ،
وَلَا فِي ذَاتِهِ شَيْءٌ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ،
بَلْ هُوَ بَائِنٌ مِنْ خَلْقِهِ، مُسْتَوٍ عَلَى عَرْشِهِ،
عَالٍ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ، وَفَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.

Post: #17
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:36 AM
Parent: #16

Quote: وَالْقَصْدُ:
أَنَّ كُلَّ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ شَيْءٍ مِنَ الْحَقِّ وَجَحَدَهُ،
وَقَعَ فِي بَاطِلٍ مُقَابِلٍ لِمَا أَعْرَضَ عَنْهُ مِنَ الْحَقِّ وَجَحَدَهُ وَلَا بُدَّ،
حَتَّى فِي الْأَعْمَالِ:
مَنْ رَغِبَ عَنِ الْعَمَلِ لِوَجْهِ اللَّهِ وَحْدَهُ؛
ابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالْعَمَلِ لِوُجُوهِ الْخَلْقِ،
فَرَغِبَ عَنِ الْعَمَلِ لِمَنْ ضَرُّهُ وَنَفْعُهُ وَمَوْتُهُ وَحَيَاتُهُ وَسَعَادَتُهُ بِيَدِهِ،
فَابْتُلِيَ بِالْعَمَلِ لِمَنْ لَا يَمْلِكُ لَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ.
وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنْ إِنْفَاقِ مَالِهِ فِي طَاعَةِ اللَّهِ؛
ابْتُلِيَ بِإِنْفَاقِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ وَهُوَ رَاغِمٌ.
وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنِ التَّعَبِ لِلَّهِ؛
ابْتُلِيَ بِالتَّعَبِ فِي خِدْمَةِ الْخَلْقِ وَلَا بُدَّ.
وَكَذَلِكَ مَنْ رَغِبَ عَنِ الْهَدْيِ بِالْوَحْيِ،
ابْتُلِيَ بِكُنَاسَةِ الْآرَاءِ وَزِبَالَةِ الْأَذْهَانِ، وَوَسَخِ الْأَفْكَارِ.
فَلْيَتَأَمَّلْ مَنْ يُرِيدُ نُصْحَ نَفْسِهِ وَسَعَادَتَهَا وَفَلَاحَهَا:
هَذَا الْمَوْضِعَ فِي نَفْسِهِ وَفِي غَيْرِهِ.

Post: #18
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:37 AM
Parent: #17

Quote: وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَامَّةَ - مَعَ غَفْلَتِهِمْ وَشَهَوَاتِهِمْ –
أَصَحُّ إِيمَانًا مِنْ هَؤُلَاءِ إِذَا لَمْ يُعَطِّلُوا الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ،
فَإِنَّ إِيمَانًا مَعَ تَفْرِقَةٍ وَغَفْلَةٍ،
خَيْرٌ مِنْ شُهُودٍ وَجَمْعِيَّةٍ يَصْحَبُهَا:
فَسَادُ الْإِيمَانِ وَالِانْسِلَاخُ مِنْهُ.

Post: #19
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:40 AM
Parent: #18

Quote: وَأَمَّا كَذِبُهُمْ عَلَى نَبِيِّهِمْ:
فَاعْتِقَادُهُمْ أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ قِيَامُهُ بِالْأَوْرَادِ وَالْعِبَادَاتِ لِأَجْلِ التَّشْرِيعِ،
لَا لِأَنَّهَا فَرْضٌ عَلَيْهِ،
إِذْ قَدْ سَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ بِشُهُودِ الْحَقِيقَةِ وَكَمَالِ الْيَقِينِ،
فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَهُ وَأَمَرَ سَائِرَ رُسُلِهِ
بِعِبَادَتِهِ إِلَى حِينِ انْقِضَاءِ آجَالِهِمْ، فَقَالَ:
{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر: 99]
وَهُوَ الْمَوْتُ بِالْإِجْمَاعِ .
كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى عَنِ الْكُفَّارِ:
{وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ} [المدثر: 46]
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«أَمَّا عُثْمَانُ بْنُ مَظْعُونٍ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ مِنْ رَبِّهِ»
قَالَهُ لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ،
وَقَالَ الْمَسِيحُ: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ
وَجَعَلَنِي نَبِيًّا وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَمَا كُنْتُ
وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} [مريم: 30]
فَهَذِهِ وَصِيَّةُ اللَّهِ لِلْمَسِيحِ،
وَكَذَلِكَ لِجَمِيعِ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ،
قَالَ الْحَسَنُ: لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لِعَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ أَجَلًا دُونَ الْمَوْتِ.

Post: #20
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:44 AM
Parent: #19

Quote: وَإِذَا جَمَعَ هَؤُلَاءِ التَّجَهُّمَ فِي الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ،
إِلَى شُهُودِ الْحَقِيقَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَهَا،
فَأَعَاذَكَ اللَّهُ مِنْ تَعْطِيلِ الرَّبِّ وَشَرْعِهِ بِالْكُلِّيَّةِ،
فَلَا رَبَّ يُعْبَدُ، وَلَا شَرْعَ يُتَّبَعُ بِالْكُلِّيَّةِ.
وَمَنْ أَرَادَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ مَا ذَكَرْنَا
فَلْيُسَيِّرْ طَرْفَهُ بَيْنَ تِلْكَ الْمَعَالِمِ، وَلْيَقِفْ عَلَى تِلْكَ الْمَعَاهِدِ،
وَلْيَسْأَلِ الْأَحْوَالَ وَالرُّسُومَ وَالشَّوَاهِدَ،
فَإِنْ لَمْ تَجُبْهُ حِوَارًا، أَجَابَتْهُ حَالًا وَاعْتِبَارًا،
وَإِنَّمَا يُصَدِّقُ بِهَذَا مَنْ رَافَقَ السَّالِكِينَ، وَفَارَقَ الْقَاعِدِينَ!
وَتَبَوَّأَ الْإِيمَانَ، وَفَارَقَ عَوَائِدَ أَهْلِ الزَّمَانِ،
وَلَمْ يَرْضَ بِقَوْلِ الْقَائِلِ:
دَعِ الْمَعَالِي لَا تَنْهَضْ لِبُغْيَتِهَا ... وَاقْعُدْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الطَّاعِمُ الْكَاسِي

Post: #21
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:46 AM
Parent: #20

Quote: فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ مِنْ دَرَجَاتِ الْفَنَاءِ:
فَنَاءُ خَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ وَأَئِمَّةِ الْمُقَرَّبِينَ
وَهُوَ الْفَنَاءُ عَنْ إِرَادَةِ السِّوَى،
شَائِمًا بِرِقِّ الْفِنَاءِ عَنْ إِرَادَةِ مَا سِوَاهُ،
سَالِكًا سَبِيلَ الْجَمْعِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ،
فَانِيًا بِمُرَادِ مَحْبُوبِهِ مِنْهُ عَنْ مُرَادِهِ هُوَ مِنْ مَحْبُوبِهِ،
فَضْلًا عَنْ إِرَادَةِ غَيْرِهِ،
قَدِ اتَّحَدَ مُرَادُهُ بِمُرَادِ مَحْبُوبِهِ –
أَعْنِي الْمُرَادَ الدِّينِيَّ الْأَمْرِيَّ،
لَا الْمُرَادَ الْكَوْنِيَّ الْقَدَرِيَّ - فَصَارَ الْمُرَادَانِ وَاحِدًا.
وَلَيْسَ فِي الْعَقْلِ اتِّحَادٌ صَحِيحٌ إِلَّا هَذَا،
وَالِاتِّحَادُ فِي الْعِلْمِ وَالْخَبَرِ،
فَيَكُونُ الْمُرَادَانِ وَالْمَعْلُومَانِ وَالْمَذْكُورَانِ وَاحِدًا،
مَعَ تَبَايُنِ الْإِرَادَتَيْنِ وَالْعِلْمَيْنِ وَالْخَبَرَيْنِ،
فَغَايَةُ الْمَحَبَّةِ اتِّحَادُ مُرَادِ الْمُحِبِّ بِمُرَادِ الْمَحْبُوبِ،
وَفَنَاءُ إِرَادَةِ الْمُحِبِّ فِي مُرَادِ الْمَحْبُوبِ.

Post: #22
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:53 AM
Parent: #21

Quote: فَهَذَا الِاتِّحَادُ وَالْفَنَاءُ هُوَ اتِّحَادُ خَوَاصِّ الْمُحِبِّينَ وَفَنَاؤُهُمْ،
فَنَوْا بِعِبَادَةِ مَحْبُوبِهِمْ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ،
وَبِحُبِّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ، وَالطَّلَبِ مِنْهُ،
عَنْ حُبِّ مَا سِوَاهُ، وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ.
وَمِنْ تَحْقِيقِ هَذَا الْفَنَاءِ:
أَنْ لَا يُحِبَّ إِلَّا فِي اللَّهِ وَلَا يُبْغِضَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُوَالِيَ إِلَّا فِيهِ،
وَلَا يُعَادِيَ إِلَّا فِيهِ، وَلَا يُعْطِيَ إِلَّا لَهُ، وَلَا يَمْنَعَ إِلَّا لَهُ،
وَلَا يَرْجُوَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَلَا يَسْتَعِينَ إِلَّا بِهِ،
فَيَكُونُ دِينُهُ كُلُّهُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا لِلَّهِ،
وَيَكُونُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا،
فَلَا يُوَادُّ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانَ أَقْرَبَ الْخَلْقِ إِلَيْهِ،
بَلْ:
يُعَادِي الَّذِي عَادَى مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ...
جَمِيعًا وَلَوْ كَانَ الْحَبِيبَ الْمُصَافِيَا
وَحَقِيقَةُ ذَلِكَ:
فَنَاؤُهُ عَنْ هَوَى نَفْسِهِ وَحُظُوظِهَا بِمِرَاضِي رَبِّهِ وَحُقُوقِهِ.
وَالْجَامِعُ لِهَذَا كُلِّهِ:
تَحْقِيقُ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عِلْمًا وَمَعْرِفَةً، وَعَمَلًا وَحَالًا وَقَصْدًا.
وَحَقِيقَةُ هَذَا النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ الَّذِي تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الشَّهَادَةُ:
هُوَ الْفَنَاءُ وَالْبَقَاءُ،
فَيَفْنَى عَنْ تَأْلِيهِ مَا سِوَاهُ عِلْمًا وَإِقْرَارًا وَتَعَبُّدًا، وَيَبْقَى بِتَأْلِيهِهِ وَحْدَهُ.
فَهَذَا الْفَنَاءُ وَهَذَا الْبَقَاءُ هُوَ حَقِيقَةُ التَّوَحيدِ الَّذِي عَلَيْهِ الْمُرْسَلُونَ،
وَأُنْزِلَتْ بِهِ الْكُتُبُ، وَخُلِقَتْ لِأَجْلِهِ الْخَلِيقَةُ،
وَشُرِعَتْ لَهُ الشَّرَائِعُ، وَقَامَ عَلَيْهِ سُوقُ الْجَنَّةِ،
وَأُسِّسَ عَلَيْهِ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ.
...
وَهِيَ حَقِيقَةُ الْمَحْوِ وَالْإِثْبَاتِ،
فَيَمْحُو مَحَبَّةَ مَا سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَلْبِهِ:
عِلْمًا وَقَصْدًا وَعِبَادَةً،
كَمَا هِيَ مَمْحُوَّةٌ مِنَ الْوُجُودِ، وَيُثْبِتُ فِيهِ إِلَهِيَّتَهُ سُبْحَانَهُ وَحْدَهُ.
وَهِيَ حَقِيقَةُ الْجَمْعِ وَالْفَرْقِ،
فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْإِلَهِ الْحَقِّ وَبَيْنَ مَنِ ادُّعِيَتْ لَهُ الْإِلَهِيَّةُ بِالْبَاطِلِ،
وَيَجْمَعُ تَأْلِيهَهُ وَعِبَادَتَهُ وَحُبَّهُ وَخَوْفَهُ وَرَجَاءَهُ وَتَوَكُّلَهُ وَاسْتِعَانَتَهُ
عَلَى إِلَهِهِ الْحَقِّ الَّذِي لَا إِلَهَ سِوَاهُ.
وَهِيَ حَقِيقَةُ التَّجْرِيدِ وَالتَّفْرِيدِ،
فَيَتَجَرَّدُ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَاهُ، وَيُفْرِدُهُ وَحْدَهُ بِالْعِبَادَةِ،
فَالتَّجْرِيدُ نَفْيٌ، وَالتَّفْرِيدُ إِثْبَاتٌ، وَمَجْمُوعُهُمَا هُوَ التَّوْحِيدُ.

Post: #23
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 06:55 AM
Parent: #22

انتهى!
من كتاب:

مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين:
الجزء الأول، من صفحة 175 إلى صفحة 186


معتذراً عن الإطالة!
آملاً أن تكونوا قد ظفرتم فيه أو منه ببعض الفوائد!

Post: #24
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: عزالدين عباس الفحل
Date: 10-08-2012, 07:13 AM
Parent: #23


الغالي الحبيب صـلاح عباس

حياك الله ،،،

متعك الله بالصحة والعافية ،
،،،،







عزالدين عباس الفحل
ابوظبي

Post: #25
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: rummana
Date: 10-08-2012, 07:36 AM
Parent: #24

Quote: معتذراً عن الإطالة!
آملاً أن تكونوا قد ظفرتم فيه أو منه ببعض الفوائد

الأخ صلاح فقير
صباحك كله خير..
الاطالة ما مشكلة .. مشكور قسمت الموضوع على مداخلات متعددة..
المشكلة في الغلوتيات والتشكيل باسراف :)
شكرا على البوست وعلى مشاركاتك في بوست أميرة عن الصوفية ، فعلا بوست ممتع.

راجعة أقرأ الموضوع تاني عشان أطلع بمزيد من الفوائد..

Post: #26
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 07:58 AM
Parent: #25

عز الدين عباس الفحل، يا رفيق عهد الصبا والفتوة
حُيّيتَ من رجل!









أخبارك!
والله مشتاقين!
عاوزين نشوفك في القــــ
ضاع مني رقم جوالك!

Post: #27
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 08:06 AM
Parent: #26

رمانة:
Quote: راجعة أقرأ الموضوع تاني عشان أطلع بمزيد من الفوائد..

شكراً لك عزيزتي رمانة لاهتمامك بالموضوع!
وحقيقةً: هو يحتاج إلى القراءة مراتٍ عديدة،
لأنه يتضمن حقائق إيمانية وكونية وفلسفية كبرى!
وأيضاً فيه تفتيح شديد للوعي!
وإرشاد لأولئك الحيارى الذين يبحثون عن الطريق،
وهداية لأولئك الذين ضلت بهم السبل!
هدانا الله وإياك وجميع من مرّ هنا إلى صراطه المستقيم!

Post: #28
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: عماد موسى محمد
Date: 10-08-2012, 11:38 AM
Parent: #27

Quote: يتناول موضوعاً من أهم الموضوعات،
موضوعاً له قيمته الدينية الكبيرة،
كما له قيمته الوجودية في تجربة الإنسان الحيوية عموماً!
يتناوله كاتبه تناولاً يجمع بين المتعة والفائدة!
وربما يُتاح للبعض أن يعيدوا اكتشاف هذه الشخصية التراثية:
ابن قيم الجوزية،
وكتابه الرائع "مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"!

أخانا المحترم/صلاح عباس
جزاك اللله خيرا على حُسن اختيارك للموضوع
ورصانة عرضك له
وجمال مُقدّمته
وروعة محتواه
ونتمنى أن توشّي هذا الكلام "القيّمي" القيّم
بشئ من تعليقات أو شرح مبسّط
وأرى ان هذا الجهد قد يكون مشروعا لرسالة مختصرة
في موضوعها، فهلاّ شمّرت في عملها؟ عسى أن ينفع الله بها
وفّقك الله

Post: #29
Title: Re: من أروع ما قرأتُ: حول وحدةِ الوجود وأنواع الفناء!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-08-2012, 07:50 PM
Parent: #28

عماد:
Quote: ونتمنى أن توشّي هذا الكلام "القيّمي" القيّم
بشئ من تعليقات أو شرح مبسّط
وأرى ان هذا الجهد قد يكون مشروعا لرسالة مختصرة
في موضوعها، فهلاّ شمّرت في عملها؟ عسى أن ينفع الله بها

أخي عماد
شكراً لدعمك ومساندتك،
والموضوع فعلاً يحتاج إلى تسليط الضوء على بعض المسائل الفريدة ،
التي قد لا يُظفر بها في غيره إلا نادراً!
وسأجتهد في ذلك، رغم المشاغل العديدة، بإذن الله تعالى!

Post: #30
Title: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 00:24 AM
Parent: #29

الفناء طبعاً مصطلح صوفي، لم يجد بعض علماء السلف بأساً من التعامل معه!
وهذا المصطلح يبين الغاية التي يسعى إليها كلّ سالك في طريقه إلى الله عز وجل!
ثم إن طبيعة هذه الغاية، تنعكس على مسيرة السالك، وتطبعها بطابع منهجي معيّن!
وهذه الغاية تنوعت باختلاف أنواع السالكين، وبالتالي صرنا نتحدث عن ثلاثة أنواع من الفناء:
النوع الأول:
الفناء عن وجود السوى، وغاية السالك فيه: أن يفنى عن وجود أي شيء سوى الله عز وجل!
فكلمة السوى يقصدون بها (ما سوى الله عز وجل) من المخلوقات والكائنات.
وبالتالي تكون عقيدة صاحب هذا الفناء: أن هذا الوجود وجود واحد،
(ليس وجودين: أحدهما وجود واجب هو وجود الخالق،
والآخر وجود ممكن، هو وجود الخلق!)
بل هو وجود واحد!
فأين الوجود الآخر؟
الوجود الآخر -في اعتقادهم- اضمحلّ وفني في وجود الحق!
وهذه هي فكرة وحدة الوجود!
وهذه الفكرة لها مظاهر مختلفة، لكن حقيقتها أنها تنفي ثنائية خالق ومخلوق، أو عبد ومعبود،
وتجعل الخالق متجلياً في المخلوق! والمخلوق فانياً في الخالق!
النوع الثاني: ...

Post: #31
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: Abureesh
Date: 10-09-2012, 03:11 AM
Parent: #30

Quote: آملاً أن تكونوا قد ظفرتم فيه أو منه ببعض الفوائد!


الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

شكرا يا صلاح

Post: #32
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: Abureesh
Date: 10-09-2012, 03:12 AM
Parent: #30

Quote: آملاً أن تكونوا قد ظفرتم فيه أو منه ببعض الفوائد!


الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

شكرا يا صلاح

Post: #33
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: Abureesh
Date: 10-09-2012, 03:18 AM
Parent: #30

Quote: آملاً أن تكونوا قد ظفرتم فيه أو منه ببعض الفوائد!


الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

شكرا يا صلاح

Post: #34
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 03:40 AM
Parent: #33

أبوريش:
Quote: الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

حياك الله أبوريش!
فهلا أدليت بدلوك، لنستفيد!
أو حتى أثبتّ نصّاً يدل على حقيقة معنى الفناء عندك أو عندكم؛ لنقارن؟!
على أيٍّ شكراً لمرورك، عسى أن تعود!

Post: #35
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: Omer Abdalla Omer
Date: 10-09-2012, 03:43 AM
Parent: #33

Quote: الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

الجميلان صلاح و ابو الريش سلام عليكما و في العالميين.
وددت يا أبا الريش لو توسعت قليلا و أبنت الفرق ! و يا حبذا لو أوردت تعريف الأستاذ الموجز المحيط للفناء و البقاء و إجابته عن حال الحلاج في سؤال من أحد السالئيين!

Post: #36
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: تبارك شيخ الدين جبريل
Date: 10-09-2012, 03:52 AM
Parent: #33

Quote: الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

شكرا يا صلاح

أثنّي ...

(واتساءل ... هو ابن قيم الجوزية وكت بيطربق بلا فهم ... قاديننا بيهو ليه؟ عشان فقيه السلطان وابن قيّم السلطان على المدرسة الجوزية؟)








... المهم ....

Post: #37
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 04:29 AM
Parent: #36

تبارك:
Quote: أثنّي ...
(واتساءل ... هو ابن قيم الجوزية وكت بيطربق بلا فهم ... قاديننا بيهو ليه؟ عشان فقيه السلطان وابن قيّم السلطان على المدرسة الجوزية؟)

وأيضاً يا تبارك، فهلا أدليت بدلوك!

Post: #38
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 04:34 AM
Parent: #37

عمر عبد الله عمر:
Quote: وددت يا أبا الريش لو توسعت قليلا و أبنت الفرق !
و يا حبذا لو أوردت تعريف الأستاذ الموجز المحيط للفناء و البقاء و إجابته عن حال الحلاج في سؤال من أحد السالئيين!

حياك الله يا عمر، وشكراً لمرورك الجميل!
وفيماذا تريد من أبو الريش أن يتوسع، هو أصلاً لم يقل شيئاً!
الحكم المجرد يمكن أن يطلقه كل أحد،
ولكن الرؤية والدليل والبرهان!

Post: #39
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: عزالدين عباس الفحل
Date: 10-09-2012, 07:15 AM
Parent: #38


الـمـوت فـي الـمـنام ،،،



هو في المنام دال على رد الودائع، أو خلاص المريض من مرضه، أو السجين من سجنه، وربما دلّ ذلك على الاجتماع بالغائب. والموت في المنام نقص في الدين وفساد فيه وعلو في الدنيا إذا كان معه بكاء وصراخ ما لم يُدفَن في التراب، فإذا دُفِنَ لم يُرجَ منه صلاح. ومن رأى أنه مات ولم يكن هناك هيئه أموات دلّ ذلك على هدم بيت من داره، وقيل: بل ذلك عمى في بصيرته وطول في عمره. وقيل: الموت سفر أو فقر. قيل: الموت على الإطلاق زواج لأن الميت يحتاج إلى الطيب والغسل كالمتزوج. ومن رأى أنه مات وحمل ولم يدفن فإنه يقهر أعداءه. ومن رأى أنه عاش بعد موته فإنه يستغني بعد فقره أو يتوب من ذنبه. ومن أخبره ميت أنه لم يمت فإنه في مقام الشهداء. ومن رأى الميت مريضاً فإنه مسؤول عن أمر دينه. وإذا خرج أهل القبور وأكلوا طعام الناس كله فإن سعر الطعام يغلو. وما أخبر به الميت عن نفسه أو غيره في المنام فهو حق وصدق. ومن رأى ميتاً في هيئة حسنة وهو ضاحك فإنه كذلك. ومن رأى أنه يصلي على ميت فإنه يعظ رجلاً لا قلب له. ومن رأى أنه يمشي في أثر ميت فإنه يقتدي بسيرته. ومن رأى أن الإمام مات خُربت البلد وبالعكس. والموت ندامة من ذنب عظيم. ومن رأى أنه مات وهو عريان فإنه يفتقر، وإن كان على بساط فتبسط له الدنيا. ومن رأى أن ابناً له مات فإنه ينجو من عدو له. ومن رأى أنه قد مات ودفن فإن عبداً دلّ على عتقه، وإن كان غير متزوج دلّ على تزوجه، وإذا رأى المريض أنه تزوج فإنه يموت. والموت دليل خير لمن كان خائفاً، أو حزيناً وموت الاخوة يدل على موت الأعداء. ومن رأى أنه بين قوم أموات فإنه بين قوم منافقين. ومن رأى أنه يصاحب ميتاً فإنه يسافر سفراً بعيداً. ومن رأى أنه على المغتسل يرتفع أمره، وينجو من ذنوب وهموم وديون. ومن رأى ميتاً أنه حي فإنه يحيا له أمر ميت. وإن رأى الميت مشغولاً أو متعباً فإن ذلك شغله بما هو فيه، وإن كان مريضاً فإنه مسؤول عن دينه. وإن رأى أن وجهه مسود فإنه مات على الكفر. ومن رأى أنه أحيا ميتاً فإنه يسلم على يديه يهودي أو نصراني أو صاحب بدعة. وإن رأى أنه يحيي الموتى فإنه يهدي قوماً ضالين. ومن رأى حياً أعطى الميت شيئاً مما يؤكل أو يُشَرب فهو ضرر يصيبه في ماله. وإن رأى الميت أعطاه طعاماً فإنه يصيب رزقاً شريفاً. فإن رأى أن الميت أخذ بيده فإنه يقع بيده مال من جهة ميئوس منها. والكلام مع الأموات طول عمر، والأخذ من الميت رزق. ومن رأى أنه يكلم ميتاً فإنه يكون بينه وبين الناس جحود. ومن رأى أنه يقبل ميتاً معروفاً فإنه ينتفع من الميت بعلم قد خلفه أو مال. وقيل: من رأى أنه يقبل ميتاً وكان صاحب الرؤيا مريضاً فإنه يدل على موته. ومن رأى أنه تزوج امرأة ميتة ورأى أنها حية فإن الحي يموت. ومن رأى أن الميت أعطاه قميصه البالي أو ال###### فيفتقر. ومن رأى أن الميت يضرب حياً فإن الحي قد أحدث في دينه فساداً. ومن رأى ميتاً يضربه فإنه ينال خيراً من سفر. ومن رأى ميتاً نائماً فإن نومه راحته في الآخرة. وإن رأى حياً نام مع ميت فإن عمره يطول. ومن رأى حياً بين الموتى فإنه يسافر سفراً بعيداً، ويفسد دينه، وإن رأى أنه مع الموتى وهو حي فإنه يخالط قوماً في دينهم فساد. ومن رأى الميت من الكفار وعليه ثياب قديمة فهو سوء حاله في الآخرة. ومن رأى ميتاً فأخبره بأنه لا يموت أبداً فإنه في مقام الشهداء وهو يهنأ في الآخرة. ومن رأى أن أمه تموت فتذهب دنياه ويفسد حاله. ومن رأى أن أخاه قد مات، وكان مريضاً فهو موته. ومن رأى أن زوجته تموت فتكسد صناعته التي فيها معيشته. ومن رأى أنه يصلي على ميت فإنه يشفع لرجل فاسد الدين. ومن رأى أن ميتاً يغرق في بحر فإنه غريق في الخطايا. ومن رأى أن الموتى خرجوا من قبورهم فإنه يُطلَق من في السجن. وربما دلّ الموت فجأة على سرعة الغنى للفقير. وموت الأنبياء عليهم السلام في المنام ضعف في الدين وحياتهم عكس ذلك. وربما دلّ موت العالم على ظهور بدعة في الدين، وموت الوالدين ضيق المعيشة، وموت الزوجة دنيا ذاهبة، وموت الولد انقطاع ذكر. وصلاة الميت على الميت أعمال باطلة. ورؤية أموات المشركين في المنام أعداء ،،،

المصدر :-
تفسير الاحلام ،
شبكة روش ،
،،،،







عزالدين عباس الفحل
ابوظبي

Post: #40
Title: Re: تعليق عن معنى الفناء وأنواعه عموماً!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 07:20 AM
Parent: #39

جزاك الله خير يا عز الدين!
(اعمل لي رنة!)

Post: #41
Title: تعليق!
Author: صلاح عباس فقير
Date: 10-09-2012, 08:10 AM
Parent: #40

من الطبيعي أن يكون المرء متحمساً لما يراه الحقّ!
على أن يجتهد في تأسيس رؤاه على الأدلة والبراهين المقنعة،
وليس شرطاً أن يكون المرء محقّاً في كل مذهب يراه،
بل من ظنّ ذلك فهو مغرور،
وعندئذ فينبغي أن يكون عند المرء مجال للتراجع والمراجعة،
حتى يُتاح له أن يرتقي في فكره ورؤاه،
وإلا بقي دهراً يدور على نفسه، ويطوف حول ذاته!
ولعلّ مقولة الإمام الشافعي في هذا الصدد تكتسب مصداقية كبيرة،
وهي قوله:
قولنا صواب يحتمل الخطأ، وقول غيرنا خطأ يحتمل الصواب!
لما قلت: إن هذا النص من أروع ما قرأت!
فهذا هو تقديري واعتقادي!
الذي أردفته ببرهانٍ، ألا وهو النص ذاته!
ثم بدأت بالتعليق على النص، من أجل إيضاح زاوية رؤيتي للنص.
وما ألمسه في نفسي: أني رغم قناعتي بما كتبته، أجدني على استعداد
تامّ لمراجعة نفسي! عندما يظهر الدليل والبرهان!
وعندئذ فعلى من يرى خلاف ما أرى، أن يبادر بسوق الدليل
الذي يعتمد عليه ويستند إليه!

Post: #42
Title: Re: تعليق!
Author: عماد موسى محمد
Date: 10-09-2012, 09:33 AM
Parent: #41

Quote: الفائدة الوحيـدة التى ظفرت بها هى ان إبن قيم الجوزيـة لا يفقـه قيـم التصوف، ولا يعرف معنى الفناء..

شكرا يا صلاح

أستأذن الأخ الكريم صلاح عباس في خيطه القيّم هذا
لأردّ على هذه الشبهة التي طرحها الأخ أبوريش:
أقول للأخ ، إبن القيم نفسه كان يعتقد سابقا عقائد
التصوف ، وتشرّبها وكان من كبارها..فهو-إذن-يفقه التصوف
بل عاشه وتبنّاه ، ويعرف كل هذه المصطلحات والمعاني..
وقدأشار ابن القيم في "النونية" إلى هذه النقطة
وإلى رحمة ربه به أن هداه لمنهج السلف على يد شيخه-شيخ
الإسلام-ابن تيمية
مع خالص الشكر لك أخي أبوريش ، وللأخ صلاح صاحب الخيط الرائع