محمّد وردي.. هنيهة يا صاحب (الحزن النبيل) هل لنا دونك من سبيل؟

محمّد وردي.. هنيهة يا صاحب (الحزن النبيل) هل لنا دونك من سبيل؟


05-26-2012, 11:17 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=400&msg=1347158654&rn=0


Post: #1
Title: محمّد وردي.. هنيهة يا صاحب (الحزن النبيل) هل لنا دونك من سبيل؟
Author: Yahia Elhassan
Date: 05-26-2012, 11:17 AM

يحيى الحسن الطاهر
الأربعاء 29/02/2012
استسررت هواك في قلبي حينًا من الدهر قد كان مذكورًا.. أتدري لماذا يا (صاحب الحزن القديم؟) يا (قمرا تسامى) على الحزن والفجيعة.. الممتدة كانت بحجم مليون آهة.. حملتها عبر زاجل صوتك البهي.. غسلتها من أدران التعاسة.. صهرت رانها بصقيل نخيل شمالها و(جنوبي هواها).. ثم مزجت بصلصال (بلدك الحبوب أبو جلابية وتوب).. فصنعت من آهاتنا منارات قمم عرفان الروح برحيق معنى صلاة الروح في محاريب عشق الأرض.. أرضنا السمراء إنسانا.. البيضاء سريرة.. المغسولة ببرد الطيبة.. وشفافية لطافة الثلج المقبل على الذوبان..
تدثرت أحلامك ممعنًا في غواية من يثقل عليها (القمر بوبا) وهي تغطيه خجلًا من قمر يبزغ بين وجنتيها متطلعة عبر الشقوق الشفيفة (لحبيب بعيد) وهي تغزل من فتات لآلئ دموعها (منديلا من حرير) الصبر.. خرجت نورسا.. غير آبه.. إلى فضاء حرية أن تغني عميقا في أقصى أزقة روحنا وحواريها البعيدة.. متأبطا عشقك القديم.. في بهو صوتك تتسكع أحلامنا بوطن (ملاذ) يؤوينا مثل أفراخ الحمام وادعين، نتوضأ بماء عشقه ونصلي في حضرة جلاله وبهو جماله، فيدنينا من صفا رضاه يبلل أرواحنا المكدودة برذاذ (من أغاني الخليل) كي لا نتوه في طرق لا تقودنا إليه.. وعشق لا يسميه موئلا للروح ومثابة وأمنا.. أترى جسدك الواهن لم يطق كل ارتعاش جمال الموسيقى التي تكركر فقاقيعها الملونة في أقبية روحك العميق.. فـ(قلت ترحل؟) ولكن هيهات.. فرحيلك فينا.. مثل ما رحلنا فيك بدءا..
ألكونك كنت تدرك، ببصيرة العارف فيك..أن الدمع لآلئ الروح، تناثرها كيفما شاءت في فضاء الحزن شجوا صامتا، أو صمتا شجيا وان لا مكنة للحرف من البوح سوى ما ادخره من سيميائية راكمتها دموع الحزانى، ممن يفترشن رمال أغنياتك.. يتعطرن ببنفسج ألحانك (ويوزعن شبال) فتطير عقول وقلوب العشاق.. لذا رحلت سامقا كنجمة تومض في ليل الحزانى.. أو خاطفا كبرق يفج غمام أكدارنا الثقال.. يستمطرها بعضا من عذوبة روحك ترياقا من سم تعاسة غيابك فينا وغيابنا عنا؟
كم هي عصية الحروف، حين تدعى للكتابة عنك: فرحا أو ترحا.. كيف تجيئك.. وأنت فارس الكلام رطانة وفصيح، أنت من دسست العطر في أعطاف اللغة، فارتعشت حياءً من بهاء جمالها.. حين ينظمها يراعك، تخشى الكتابة إليك وعنك، من أي عطٍر تبثه بين أفوافها كي ترحل إليك قرنفلا.. تتصارع الحروف: أي زى تتزيأه وهي تسعي إلى فضاء عينيك العميقتين، كبحر ترك ساحله إمعانا في الرحيل.. الرحيل بعيدا حيث تتثاءب النجوم على هدهدة الغيوم.. يأبى الحرف أن يساق إلى نعيك، إلا وهو منقوع بحبر اللوعة والأسى.. يأبى إلا أن يسير سحابة سوداء تمطر حزنا.. فتنبت في الأرض التي نسيت وقع أقدامك عليها حنظلا وشوكا، أتراك كنت تتسمع خطوات الموت، وهو يتمشي في بهو نعاسك حافي القدمين، أتراك رحلت - كما وعدت (قلت أرحل) فجعلتنا لوقتما نكره صدق الوعد إن كان كوعدك؟
لم يكن رحيلك موتا كموت جميع الموتى، فمن يموتوا يصنعوا حيلة خبيثة نحو الاحياء، يتواروا تاركين مهمة تفسير فكرهم، أن يتجادلوا حول ما قالوه، وما كان ممكنا أن يقولوه، بل حول ما لم يقولوه، أما أنت فكان رحيلك محض غياب شفيف، كغياب القمر وهو يلعب الاستغماية مع السحاب. رحلت إلى مواطن تلك الغيوم الشفيفة التي تتبخر من رذاذ أغانيك.. غيابك تحد للحروف أن تبتدع كيمائية خاصة تتسلل بها عبر شقوق مساء هادئ كنا نتسامر فيه.. فكيف لحرفي أن يكون صنارة اصطاد بها طيفك ذاك المساء؟ أتراك بغيابك أردت التمرد على زمانيتك العتيدة وأنت من يعربد في صدره حداء الأبد؟ الآن الموت يعشق الشّعراء، كما يعشقون القمر، في البرهة ما بين الغياب، وأول الحضور، رحلت حاملا غيابك بيديك، وناثرا أزهار رحيلك الحزينة، فوق قبرك سنديانة عشق تمد خطاها باحثة عن عصافير الغياب، كي تغني مزمور رحيل شجي.
هنيهة أيها الراحل، فقد نسيت في معطفك، ما استوهبتنا من حيل سحرية نخادع بها الحرف أن ينطق.. أن يفض سوسن حزن الروح، وشجن القلب!! نسيت أن تعلمنا كيف نتقوى على هذا (الحزن النبيل)... نسيت أن تعلمنا كيف لنا أن نفك شفرة هذا الحزن الذي يشاطئ روحنا حين المغيب، يباكرنا قبل صياح الديك أحيانا يصطفينا مزارا ومقاما في غدو ألحانك في سهوب الروح بين مروة الأسى وصفا الضياع.