النظام العربي وبؤر التأزم الصحراوي ... السيد ولد أباه

النظام العربي وبؤر التأزم الصحراوي ... السيد ولد أباه


06-11-2012, 09:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=390&msg=1339446308&rn=0


Post: #1
Title: النظام العربي وبؤر التأزم الصحراوي ... السيد ولد أباه
Author: احمد حامد صالح
Date: 06-11-2012, 09:25 PM

تاريخ النشر: الإثنين 11 يونيو 2012
في شمال مالي، اشتعلت الحرب بين "جبهة تحرير ازواد" التي أعلنت الدولة المستقلة وحركة "أنصار الدين"التي تشكل إحدى المجموعات الأصولية المتشددة القريبة من تنظيم "القاعدة" النشط في المنطقة.ولقد أصبح من الواضح أن الدولة الصحراوية الناشئة ستتحول إلى نموذج "طالباني" جديد في هذا الإقليم المحوري في الخريطة الإستراتيجية الدولية (نقطة الالتقاء بين شمال وغرب أفريقيا).
وعلى الرغم من خصوصية الحالة المالية (الحركة الانفصالية الطارقية ذات الجذور البعيدة)، يمكن القول إن حلقات الامتداد الصحراوي في المجال العربي – الإسلامي أصبحت في عمومها مشتعلة، تنذر بمخاطر جمة على أوضاع المنطقة برمتها.
في هذا السياق، تتعين الإشارة إلى أن المنظومة الإقليمية العربية تتشكل من فضاءات صحراوية متداخلة ومتصلة جغرافياً وثقافياً، تتقطعها مراكز عمرانية آهلة بالسكان تمثل محاور التركز البشري والاقتصادي.
ويمكن القول على سبيل الاختصار والتقريب إن حدود المجال الفسيح هي: صحراء الجزيرة العربية التي تمتد على ضفتي الخليج العربي والبحر الأحمر والصحراء الأفريقية الكبرى التي تمتد بتعرجات عديدة من صحراء سينا إلى الساحل الأفريقي بخطين متصلين شمالًا إلى
" توات" الجزائرية و"تافلالت" المغربية، وجنوباً إلى ازواد في مالي والنيجر وصولًا إلى إقليم دارفور بالسودان.
ومع أن الدراسات التاريخية والاجتماعية منذ "ابن خلدون" دأبت على التركيز على دور المراكز العمرانية الحضرية الكبرى في حركية الفعل والتأثير مهملة العمق الصحراوي للمجال العربي، إلا أن استقراء التجربة التاريخية البعيدة والقريبة للمجتمع العربي يبين أن عوامل التجدد والانهيار معاً تبدأ دوماً من "أطراف" و"هوامش" هذا المجال التي هي في الواقع مكمن الكثافة وعمق المجال بأكمله.
وليس من همنا الرجوع إلى الحقب التاريخية البعيدة للتدليل على هذه الأطروحة التي لا تعوزها الحجج والبراهين، ولنكتفي بالإشارة في العصر الحديث إلى أن الدولتين الكبيرتين اللتين ظهرتا خلال القرن الثامن عشر في المشرق (الإمامة السعودية) والمغرب (السلطنة العلوية) انطلقتا من العمق الصحراوي ،كما أن حركات المقاومة والتمرد في أغلب البلدان العربية انطلقت من هذه "الهوامش".
وما يحز في النفس إنما نلمسه راهناً ليس تجدد الأمل والحيوية من العمق الصحراوي، وإنما اشتعال بؤر التأزم والانهيار والتفكك من الأطراف الصحراوية للمجال الإقليمي العربي.
على أطراف الجزيرة العربية، يتسارع مسار تفكك الدولة اليمنية، وتظهر السلطنات "الطالبانية" مهددة المنطقة كلها بنذر الإرهاب والفتن الطائفية والأهلية، على أن تتصل الحلقة اليمنية بالقرن الأفريقي حيث المعضلة الصومالية تتفاقم (دولة حركة الشباب الإسلامي الطالبانية).
وفي الساحة المصرية، تشتعل صحراء سيناء وتظهر فيها مجدداً الفتن القبلية والصراعات الأهلية مهددة الأمن الداخلي للبلد بكامله في مرحلة عاصفة عصيبة من تاريخه.
في سوريا، انطلقت حركية الثورة والعصيان من صحراء "الجزيرة" و"القامشلي" وشكلت العشائر البدوية وقود التمرد المسلح الراهن.
وفي منطقة الساحل الأفريقي تتزايد حلقات التأزم على طول الشريط الصحراوي الممتد، في الوقت الذي تتعرض وحدة الكيانات التي صنعتها الهندسة الاستعمارية في مطلع القرن الماضي للتآكل والانهيار، مخلفة تأثيرات خطيرة على منطقة المغرب العربي المتداخلة جغرافياً وبشرياً معها.يتعين التنبيه هنا إلى أن لهذه الخريطة الإقليمية مفاتيح ثلاثة تشكل رهانات مستقبلية، لا مناص من مراعاتها:
أولها: البعد الاقتصادي المتعلق بتركز الثروات النفطية والمعدنية في الهوامش الصحراوية التي شكلت دوماً – على عكس الصورة السائدة- منافذ حيوية في مسالك التجارة والتبادل العالمي في العصر الوسيط ،وتمثل اليوم حلقات حيوية في تأمين الاقتصاد العالمي.ومن هنا ندرك ديناميكية الاستقطاب الاستراتيجي الواسع حول بؤر التأزم الصحراوية التي تتزايد أهميتها العالمية تدريجياً.
ثانياً:تنامي حركية التطرف الديني في مناطق التأزم الصحراوية التي اختارتها المجموعات المتشددة والتنظيمات المسلحة ملاذاً آمناً لأسباب تتعلق بوعورة الوسط الطبيعي وهشاشة البنيات المركزية للدولة. يجدر التأكيد هنا أن الإرهاب الأصولي يندمج في اقتصاد الجريمة في هذه المناطق التي تنشط فيها حركية التهريب وتجارة المخدرات وعمليات القرصنة واختطاف الرهائن الأجانب.
ثالثاً:التحديات المترتبة عن التنوع القومي والقبلي (والديني والطائفي أحياناً) في هذه المناطق التي تشكل في الآن نفسه حلقات تداخل بين مجالات إقليمية متعددة، نذكر منها على الأخص محور التداخل بين المجالين العربي – الأمازيغي (البربري) والأفريقي. ويتعلق جانب من هذه التحديات بشكل الحكامة السياسية في بلدان فشلت فيها آلية التحكم المركزي (نموذج الدولة القومية ذات السيادة الأحادية المطلقة)، ويتعلق جانب منها بالعلاقات الشائكة بين التنظيمات والفضاءات الإقليمية.
ومن المثير للاستغراب أن الهم الصحراوي لا يزال ضعيف الحضور في العقل الاستراتيجي العربي وفي الدراسات السياسية والاجتماعية، على الرغم من أهميته الفائقة التي ألمحنا إلى جوانب رئيسية منها.كما أن هذا المبحث لا يزال محدود الأثر في سياسات الأمن القومي واتجاهات العمل الدبلوماسي، وينعكس هذا القصور الجلي في صيغ تعامل القوى العربية والدولية مع الملفات الشائكة العديدة التي تشكل اليوم أجندة أساسية في خريطة النظام الدولي والساحات الإقليمية.
فشل العرب والمجتمع الدولي في انتشال الصومال من محنته الطويلة التي زادت على عشرين سنة، وبدا جلياً أن تجاهل هذه المعضلة الأليمة أفضى إلى نتائج كارثية على منطقة القرن الأفريقي وامتداداتها في الجزيرة العربية.
ويواجه الإقليم المغاربي أزمة مماثلة باستفحال مشكل "ازواد" الذي نجمت عنه نتائج ثلاث أولية بادية للعيان هي:تفكك الدولة المالية التي كانت قوة توازن واستقرار رئيسية في المنظومة الساحلية - الصحراوية، وتزايد خطر التطرف الديني المسلح ونشاط شبكات الجريمة المنظمة في المنطقة، وانفجار القضية القومية الطارقية التي كادت توازي القضية الكردية شرقاً بتأثيراتها المحتملة على وحدة وتماسك البلدان التي تضم أقليات من الطوارق (الجزائر وليبيا والنيجر وبوركينا فاسو).
كان المؤرخ الفرنسي الكبير "فرناند بروديل" يقول إن الصحراء الكبرى هي المتوسط الآخر، وتشكل العلاقة بينهما محوراً لاستقرار العالم