إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)

إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)


05-24-2006, 04:23 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=39&msg=1272864018&rn=4


Post: #1
Title: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: تراث
Date: 05-24-2006, 04:23 PM
Parent: #0

خرجت للحظتي من (الطريق إلي المدن المستحيلة) ممتلئاً يكل تفصيلة من تفاصيل حكايتها. تضج فيّ عناصرها ، كأني الآن هو تلك الرواية بعينها. مثلي ومثل محب (البنت التي طارت عصافيرها) ذلك الذي خرج محتشداً بها فغازله الناس في الشوارع.
إذا رآني احدهم الآن سيرى: "المدينة" و"جو"، وبقية "شلة قرف" ونظيراتهم من "مدرسة الأميرية". و"الجماعة ديل". سيحب فيّ "أستاذ عساكر"، و"عم عبده"، و"مصطفى بطيخة"، ذلك الذي صار تاجراً سخياً للكادحين حتى أفلس. سيبكي فرحاً بـ "شربات"، الذي ظل شرباتاً وهو تلميذاً في صباه وضابطاً في البوليس في شبابه. وسيرى أن سماتي كأنها كوستي تحتفي بخليطها الحميم. وتشبه كسلا بتوتيلها وقبة سيدي الحسن ، وتحمل من الخرطوم تناقضاتها بين العمارات المتصاعدة كنباتات شيطانية وبين عششها التي تزداد وجودا وتوسعاً يوماً بعد آخر. وسيرى أن جزءاً كبيرا مني تغطيه السجون التي قٌتل فيها أستاذ عساكر، وغيره الكثيرون. وسيفخر بتلك المظاهرات تجندل فيها "رينقو" و"هباش" و"الزنجي"، والمئات غيرهم الذين لم تذكر الرواية أسماءهم . ولكنها استحضرت كل واحد منهم وكرمته.
وسيرى الناظر ألي، واحدة من أجمل قصص الحب التي كتبت في تاريخ السرد الأدبي حتى الآن. تلك القصة التي جمعت بين "جو" و"نازك". وكانت نموذجا لحب غير عادي جمع أناس عاديين مع أناس وأماكن مثلهم في العادية.
قليلات الروايات التي تقرأها فتحتشد بها مثل هذا الاحتشاد ، حتى، تصير أنت هي. وبين هذه القلة يحق لرواية (الطريق إلى المدن المستحيلة) أن تتحكر.
ورغم ان الطريق إلى المدن المستحيلة) تعتبر واحدة من أعظم قصص الحب المعبّر عنها إبداعيا ، إلا أنها تأبي تصنيفها ضمن القصص الرومانسي. إنها تفلت من هذا التصنيف إلى الواقعية، وأحيانا إلى الواقعية الاشتراكية. ويتمظر ذلك في لجوء الرواية، في بعض الأحيان، إلى ما يشبه المباشرة، والتسجيلية، التي تحكي أحداثا سياسية واجتماعية مسجلة في كتب التاريخ بنفس تواريخها التي وردت في الرواية. ولكن متعة القاري ودهشته تزداد عندما يرى قدرة النص الروائي على تمرير تلك الأحداث عبر وسط كثيف من الإبداع ، فتنكسر أكثر كثيراً مما ينكسر الضوء في الماء، وتكتسي بجمال أخاذ.
بدأت قراءة رواية المبدع أبكر ادم إسماعيل (الطريق إلي المدن المستحيلة) أمس ثم أكملتها اليوم.
كنت قد أوقفت قراءة الروايات، منذ عدة سنوات، بسبب اعتقاد (انتلجنسوي)، صوّر لي أن عادة قراءة الروايات، التي اعتدتها لسنوات طويلة، هي عادة سيئة، تنشد التسلية، على حساب المعرفة، وحاولت حينها أن أقرأ في أوقات قراءتي كتب نظرية، معظمها يتعلق بعلوم اللغة والنقد الأدبي، التي أرغب في معرفتها أكثر .
أخيرا وقبل أيام فقط قررت الرجوع إلى الروايات مرة أخرى، فقمت بإعادة قراءة (مرتفعات ويذرنج)، ثم أقبلت على رواية أبكر. فغرقت في بحر المانج. وفي طريقي إلى قاعة بكيت كثيرا. وسعدت قليلاً، وأعجبت وتعجبت حتى أنني صرت ألآن ما قرأته.
ومن الفور جلست في هذا الجهاز أسجل هذه الانطباعات. لست مختاراً، أخشى أن تفلت مني، لحظة البوح هذه.
واشدد هنا: إنها لحظة بوح، حتى لا يظن أحداً إنني اكتب نقدا لرواية أبكر ادم إسماعيل. فلا زلت مرآة للرواية وأنا اكتب هذه الأسطر.
علي فكرة أدهشني جداً ضمير الروي الذي بدأت به رواية (الطريق على المدن المستحيلة) باستناده على ضمير المخاطب (أنت) الذي يندر أن تكتب به رواية، لصعوبة ذلك على ما اعتقد. وهو إن ورد في الروايات، فغالباً ما يرد عرضاً في أوساطها، ولكنه ورد في (الطريق على المدن المستحيلة) منذ سطرها الأول (هب انك عثمان سنين، وأنت في الطريق على المدرسة الشرقية) ثم استمر هذا الضمير الصعب لصفحات مودياً دوراً كبيراً في خلق حميمية واضحـة ، بين الـرواية وقارئها ، من خلال الإيحاء للمتلقي بأن حاكي الرواية وشخصياتها يخاطبونه بشكل مباشر. من خلال ضمائر مخاطبة كثيرة وردت في جمل مثل: "هب أنك"، "أصلحت عمامتك" "الدقائق التي ضاعت من عمرك" :أفلت اللعب من يدك" ... الخ.
وكم هو مدهش الانتقال الذي يحدث في الرواية بين ضمائر الروي بسلاسة تجعلك لا تحس بهذا الانتقال . ولكنك تشعر بدوره في إغناء الرواية وتحريكها ، على جميع مستويات عناصرها الروائية.
ولفت انتباهي بشكل خاص لغة الراوي. فرغم الحياد الظاهر الذي احتفظ به الراوي ، كونه ليس أحد الشخصيات المشاركة في أحداث الرواية، فلقد بدأ وكأنه جزء من "شلة قرف" من خلال استعماله في أحيان كثيرة لنفس تعابيرهم اللغوية، مما يوحي بأنه منحاز لتلك الشلة، بل وكأنه جزء منهم . ولكن هذا الراوي نفسه يفصح في أحيان كثيرة عن قدرات هائلة في التعبير اللغوي المتصف بإبعاد فكرية عميقة وسمات شعرية بالغة الجمال يصعب لأفراد "شلة قرف" ـ بحكم أعمارهم واهتماماتهم ـ الإلمام بمثلها، باستثناء جو الذي اظهر قدرات جمالية (شعرية) عالية في كتاباته. ولقد جهدت ،كقاري، أن استوعب كيف لصبي في مثل عمره أن يكتب مثل تلك الكتابات؟
لسبب ما ، ربما هو وجودي في بلد عربي، يهتم مواطنوه بالسودان، ويحرص يعض مثقفيه على الإطلاع على ما ينتجه السودانيون من أدب . أصبحت لي حساسية خاصة تجاه الإكثار من المفردات والتعابير اللغوية في النص الأدبي السوداني غير المفهومة للقراء العرب من غير السودانيين، والتي يمكن للكتاب السودانيين استبدالها بتعابير أخرى مستعملة في السودان ومفهومة للمتلقين العرب غير السودانيين.
ومثل هذه التعابير لا مفر من بعضها في الحوارات المكتوبة باللهجات العامية السودانية. ومع ذلك أشعر أنها كثرت جداً في (الطريق إلي المدن المستحيلة) ولم تكتفٍ بورودها ضمن أحاديث وحوارات شخصيات الرواية . بل وردت كذلك في حكي الراوي (وهو عنصر محايد في أحداث هذه الرواية) . ويزداد الأمر صعوبة حد الإبهام عندما يقراٌ متلقي غير سوداني ما يقوله (ابدلاهي اساخا) وما قالته (النية بت أبكر) عندما رأته من نافذة القطر.

مثلما ظل "ابدلاهي اساخا" يحاول، أن يعبر عن إحساسه تجاه حبيبته (فتين) وعن أحلامه، معها،حاولت هنا التعبير هنا عن إحساس بفرح كبير برواية اسماعيل. وعن حلم بمقاربتهاأكثر.

Post: #2
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: Soumeta
Date: 05-24-2006, 04:46 PM
Parent: #1

سلام و تحية،،
الطريق إلي المدن المستحيلة،،
رواية تخص كل من يقرأها باشياء يحُس فيها القارئ انه المعني الوحيد،،
و إنها ذكري له في سابق زمان قد نسيها،،
مضي زمن علي قراءتي لها
هذا بلا شك لأنها لا توجد علي صفحات الإنترنت الآن،،
و إن كانت لرجعت لها كلما فاض بي حنين,
أو رف قلبي بي "جناح النسايم" أو إفتقدت أصدقاء لم ألتقيهم في زمن ،،

فعلاً بعد قراءتها تُحس ان كل الناس
يشيرون إلي سر الإبتسام الروحي المنبعث منك،،
أو كلما طُرحت شفاه،، فطن من بالشوارع إنها ترجع لتذكر مشهد ما ،،
داخل المدينة المستحيل طريقها،،

أسعدت جداً بالإنطباع الفوري للرواية،،

Post: #3
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: تراث
Date: 05-24-2006, 05:15 PM
Parent: #2

شكراً سوميتا على التعقيب المفيد. وعلى هذه الكلمات الجميلة.
أعتقد أن أحد الأعضاء المفيدين في هذا البورد كان قد تكرم علينا منذ زمن بانزال
نص رواية (الطريق الى المدن المستحيلة) في البورد. ربما تجدينها اذا قمت بعمل (سيرش) لايجادها في مكان ما من إشيف المنبر.

Post: #4
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: إسماعيل التاج
Date: 05-24-2006, 05:18 PM
Parent: #1

المدهش أنَّ "الطريق إلى المدن المستحيلة"
أعادك إلى "الضفة الأخرى" من الإبداع
المنبري.

لا أعرف، أنشكر أبكر آدم إسماعيل،
أم ذاك الطريق أم كليهما.

على كل حال فعلاً، الطريق إلى المدن المستحيلة
رواية تجعل القاريء يشعر أنَّ كل حادثـة تخصه
من قريب وليس من بعيد. تقرأ وتقرأ
ثـمَّ تعيد القراءة مرة أخرى. نفس ميكانيكية
الـجـذب في "موسم الهجرة". لا مكان للمل هنا،
لا مكان للإسترخاء.

وسعيدين بهذا "الطريق" الذي قادك
إلى هذه القراءة الأولية.
ونطمع في إنطباعات متأنية، أو نقدية.

تحياتي يا تراث

Post: #5
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: تراث
Date: 05-24-2006, 06:27 PM

اسماعين .. زمن والله
لا اشتاقك! فانت معنا دائما في حضور بهي، نجدده بالشريط الجميل لمسرحية الأستاذ محمود. ونرى في كل مرة سقوط اللحية "المكياج" عن وجهك فنضحك ونتذكرك اكثر. وتنتعش المحبة.

Post: #6
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: Omayma Alfargony
Date: 05-25-2006, 11:14 AM
Parent: #5

الاخ تراث

تحية طيبة

الطريق الي المدن المستحيلة

رواية بصوت واقع السودان

مميزة

تختلف عن الكثير من روايات الادب السودانى فى طريقة استعمال مؤلفها أبكر آدم أسماعيل للغة العامية.


هنا بمصر، نزلت الطبعة الثانية للرواية بغلاف مختلف وأجمل كثيرا للفنان للتشكيلى حسان حسن أحمد.

من المفترض أن نسخ الطبعة الثانية ستكون فى الاسواق السودانية فى القريب العاجل كما ذكر لي صديق كذلك بدول الخليج وبقية العالم العربي.

لك خالص الشكر على اللفتة المفيدة.


خالص المنى

Post: #7
Title: Re: إنطباعات فورية عن (الطريق إلى المدن المستحيلة)
Author: تراث
Date: 06-07-2006, 04:31 PM
Parent: #6

شكراً اميمة.. النسخة التي امتلكها من الرواية نسخة مصورة تكرم بارسالها إلي الصديق منوت..ارجو إفادتي باسم الدار الناشرة للطبعة الجديدة حتى يسهل علي البحث عنها في معرض صنعاء الدولي للكتاب في سبتمبر القادم.