متى تفيقوا أيها التائهون ؟

التيه في الأرض ..الضلال ..النوم ..إصابة القلوب تخثر وعمى .. السير في دائرة مغلقة دون هدى أو كتاب منير ,, السير من غير مقصد غير إشباع البطون على تخمتها من اموال البسطاء والفقراء والمعوزين ..السير فوق الأجساد التي أنهكها البحث عن العيش الكريم ، إنهاك النفس البشرية بالتجهيل والتضليل ..حكم الله على بني إسرائيل بالتيه من قبل أربعين عاماً ،وقد كان تيههم في فراسخ معدودة، فإذا أمسوا أخذوا يتحرّكون، ثم إذا أصبحوا رأوا أنّهم في مكانهم الأوّل، وهكذا إذا ساروا صباحاً، وجدوا أنفسهم في الليل في نفس المكان.
، فني جيل ومن بعده جيل ، جيل خائر ضعيف مهتريء لا يقوى على شيء ، جيل رخو ، أمي ، سهل الإنكسار والإنقياد والإنحراف ، لم يرضع من ثدي القيم والمثل إلا تلك التي يرددها أصحاب الحلاقيم الضخمة والأوداج المنتفخة أو يقرأها بلا وعي ، فجاء الحكم الرباني عادلا ، بعد اختبارهم وردهم الضعيف الذي يدل على خورهم( فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون ) فقعودهم وضعفهم أورثهم الهوان ...وهل كان في مقدورهم فعل شيء !! لقد خص موسى بمعجزات تعينه على اداء المهام فهو كليم الله و هو احد أولي العزم من الرسل وصاحب معجزة العصا واليد ..هذه المعينات اعتمد عليها موسى في أداء المهمة ، إذن موسى كان يعتمد في أسبابه على الوحي الرباني ..بخلاف علمنا القائم على الأخذ بالأسباب سعياً وبحثا وتقصياً واستقراْ واستنباطا ..هنالك نفوس شريرة بطبعها، ونفوس طيبة في طينتها، وقد كان بنو إسرائيل من القسم الأول، فقد فضّلهم الله على العالمين، إذ بعث فيهم أنبياء، وجعل منهم ملوكاً، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من العالمين.
ولو قسنا فترة تيه بني إسرائيل بتيهنا الذي نحن فيه ومحنتنا التي أوقعنا فيها من ضربوا على أنفسهم سياج عفة اليد واللسان والسمو ابلنفس علوا نحو مراتب الأنبياء أو الصحابة الكرام المبشرين بالجنة وقد هلل لهؤلاء كثير من التبع باختلاف مستوى نياتهم الحسنة ولكن ماذا كانت المحصلة ؟؟
فقد بلغت القلوب الحناجر وفار التنور واستوت الأمور كلها فأصبح الحق مزجاة في إبط الباطل والباطل مزين بطلاء الحق ..ولكن الحق الأبلج اختلط نابله ولم يعد يعلم حابله ، على كثرة الحبائل ، وأهل الريب يزينون لبعضهم بعضا ويجملون لأنفسهم ، فالذين اعتادوا الذلّة والخنوع، والجبن والإحجام عن كشف الزيف والأقنعة الباطلة سيلازمهم العجز والخوار حتى تنتهي آجالهم الموقوته والوقوف أمام مليك مقتدر وحينها لا ينفع الندم كما في المثل العربي الشهير (ندم زيد ولمّا ينفعه الندم) .
فبقاء بني إسرائيل في التيه لم يكن صرف عقوبةٍ على عدم إطاعتهم في دخول الأرض المقدسة، بل كان وراء ذلك إرادة تأديبهم ونضجهم، ليصلحوا أن يكونوا حملة رسالة موسى إلى الأمم الآتية، فإن حملة الرسالة لابد لهم من عقل ونضج، لا يتوفران للشخص بسرعة، وإنّما بطول المحنة والتجارب والشدائد.
وهكذا حالنا أشبه بتلك رغم فوارق الزمن ....


يكمل ......

لا يأس مع الحياة ..إن مناهج الرخاء لا تخرج قادة الأزمات . فالأزمة التي حدثت في التيه هي التي أخرجت الجيل الذي فتح الأرض المقدسة. ونأمل في أن يكون الجيل الذي يخرج من فترة التيه عندنا قد قوة إرادته واستوى عوده وأفاق من سكرته وانتفض لشعبه بعد أن تذوق الذل والمهانة على يد هؤلاء الأشرار

الأشرار أصبحوا يسيطرون على كل مناحي الحياة ..بكلامهم المعسول ومنطقهم المختل ولغتهم البذيئة وعجرفتهم وسوء خلقهم يظنون كل الظن أنهم الحق عينه وخلفاء الله في الأرض ولا أدري أي عقل وأي جرأة على الباطل والخداع يمتلكون!!
ولو أني سقت شواهد الفساد والإفساد لندى لها الجبين وشاب دونها الولدان ولكن الصمت في معرض الحاجة وليس على الله خافية .. بلغ السيل الزبى واستتنفد السامر أسماره !!!..

التيه عن النصر على اعداء الإنسانية الذين يحكمون بقوة الحديد والنار باجندة عنصرية ، يرون الفساد رأي العين لكنهم اخذتهم العزة بالإثم ..يرون أتباعهم يعيثون فساداً في الأرض ولا رقيب ولا حسيب ، وقد حذر الله سبحانه عباده من سيرة الكفار من بني إسرائيل في قوله عز وجل: { لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ } " سورة المائدة الآيتان (78 79) المستفاد من التيه أيضا انه عملية إصلاحية أضافة إلى انه عقوبة وكان الهدف الرئيس منه إصلاح نفوس بني إسرائيل وتربيتهم على رفض الظلم والفساد وحكام الجور والطاغوت بعد أن كانوا انسوا به واستسلموا له ولم يحركوا ساكنا لتغيير وضعهم السيئ في مصر ، بل كان له اثر كبير في إصلاح بني إسرائيل وتأهيلهم لحمل الرسالة الإلهية ، وكذا الحال عندنا إن لم يأتي من رحم المعاناة جيل أشم متمرد على هؤلاء الطغاة فلن يتغير الوضع نحو الأفضل ..قرأت في الصحف السيارة أن من قتل القذافي شاب ولد في العام 1989 م فهو عام بدأ فيه التيه عندنا !!

الحكمة الإلهية من وراء هذا التيه هو ( تغيير أجيال بني إسرائيل ) فمن المعروف أن الفراعنة كانوا يحكمون بني إسرائيل في مصر لمدة طويلة قدرتها بعض المصادر بستمائة سنة وكان بني إسرائيل في هذه الفترة مستضعفين أذلاء تحت حكم الفراعنة .. التيه في السودان بدأ بعد سقوط جعفر النميري ..فقد انتفضت الأحزاب بعد سبات طويل لم تفعل فيه شيئاً ، نجحت نقابة الأطباء وخروج الشارع السوداني عفويا ، بعد سفر نميري إلى الولايات المتحدة فكانت فرصة للتغيير ولكن قصر النظر وضعف الوعي والحس الوطني هما الأصل في وأد التجربة الديموقراطية ، والمطامح الشخصية لبعض قادة الأحزاب ممثلة في سيء الذكر حسن ترابي وهو شخص نرجسي ، إقصائي ، قرب إليه أضعف الحلقات فكراً وممن ليس لهم تجربة في الحياة السودانية سواء في السياسة أو العمل العام كعلي عثمان مهندس فتق النسيج الاجتماعي حين وزيراً في وزارة التخطيط وأنشأ شعبة القبائل ..استمر التيه عقب الإنقلاب المشؤوم وهو إنقلاب طال الغنسان السوداني في كل مناحي حياته ، ولو قسنا أهوال التيه عند بني إسرائيل لتساوى أمرهما . قضت حكمة الله سبحانه على أن يتيهوا في الأرض لمدة أربعين سنة لكي يتم تغيير أجيال بني إسرائيل فيذهب جيل ويأتي جيل , وقد مات هارون علية السلام في التيه ثم مات موسى علية السلام بعده بعامين ..وهنا نحن قد مضى علينا 23 عاماً نتطلع لتغيير أجيال الشعب السوداني ، فقد مات الشريف زين العابدين ومات الشريف حسين ومات جعفر نميري ومات من هو حياً سياسياً الصادق المهدي والسيد محمد عثمان الميرغني بعد ان أصبحا يحصلان على معاش شهري عبر أبنائهما جعفر الصادق محمد عثمان وعبدالرحمن الصادق المهدي ..والأنكأ في الأمر همة الشعب السوداني جميعه فقد ماتت همته وضعفت مروءته وصار شعباً يستهين بالكبائر ويحتقر القيم والمثل والأخلاق ، فقد أصبح المجتمع سلبيا في كل شيء لا يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر ، ولا شك أن صلاح المجتمع واستقامته إنما يكون بالله سبحانه ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأن فساده وتمزقه وتعرضه للعقوبة العامة من أعظم أسبابه ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه )). السؤال الذي يتبادر إلى الذهن : هل أن التيه سنة كونيه يسلطها الله على عباده أم أختص بها بني إسرائيل ؟؟

عبدالرحمن الحلاوي


هلا سمحت بهذا الرابط من الصِلات؟
صَــــلاة...

شكراً مقدماً

...

..

شكرا فردة ، القصيدة معبرة