صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!

صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!


03-13-2009, 10:06 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=359&msg=1239991257&rn=4


Post: #1
Title: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:06 PM
Parent: #0


جنى

Post: #2
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:16 PM
Parent: #1

Quote:
محمد بن عيسى يكتب: سيدي الطيب الزيلاشي
حين أسترجع رحلتي الطويلة مع الطيب صالح, الصديق والرفيق الحكيم والوفي, يذوب في الذهن الزمان. واحد وثلاثون سنة بدون بداية, وفي الذاكرة بدون نهاية. من يصدق أن الطيب صالح توفي رحمه الله؟

رحلة طويلة تعددت خلالها لقاءاتنا في الدوحة وباريس وتونس ولندن وواشنطن والرياض والقاهرة وأصيلة. عاش الطيب حياة المفكرين والأدباء والمبدعين الرحل, متقشفا كريما ومتسامحا منفتحا على الآخر.

لقاؤنا الأول كان في فندق الخليج القديم في الدوحة في شتاء 1978، قصدت المنبع أستشف المعرفة والنصح والبصيرة، كنت حاملا بمشروع أصيلة الثقافي، وقصدت الطيب أعرض عليه الفكرة والمشروع، لم يقدمه إلي أحد ولم يحدثني عنه أحد.

قرأت له "موسم الهجرة إلى الشمال" وترسخت قامة الرجل في الذهن والوجدان، ربما قرأت في الرواية الرائعة عن نفسي, عن جيلي, عن صراع الأنا والآخر في الغرب الحاكم والمتقدم والثري "الأبيض بسلوف شقراء وعيون زرقاء وشهوة محجبة بالعجرفة والاستعلاء, قبالتها فحولة الأنا السوداني المسلم العربي المقهور المتخلف الفقير, والرغبة في لذة الانتقام بلا ضرر".

وبدأت باكتشاف أسرار الرجل، تواضعه الصوفي وأنافته وقناعته المثلى وفكاهته المستورة ووفاؤه اللامتناهي. كان نقيا نزيها ومتعففا، وصوته الوديع القوي واستحضاره للآخر دائما بالحسنات، سميته شيخي سيدي الطيب تبركا بصفاء سريرته وعمق تأمله وسعة زهده في الدنيا.

لن أنسى محجنا إلى "جبل العلم" في سلسلة جبال الريف في المغرب، حيث ضريح الصوفي الشيخ عبدالسلام ابن المشيش العلمي الإدريسي رائد الشاذلية وشيخ موردها أبي الحسن الشاذلي رحمهما الله. أمضينا يوما وليلة بجوار الضريح والطيب صالح مسكون بروحانية المقام وأصوات المقرئين وتهاليل الزوار، سهرنا إلى قرابة طلوع الفجر، بكي سيدي الطيب وقبل الشباك والشجرة والهواء وعانق السماء، صوفيته غمرها الإيمان والحب وطهارة المكان.

العام الماضي زرته مع زوجتي في سكناه البسيط الهادئ في ويمبلدون في ضواحي لندن وتغدينا معه وزوجته، وأمضينا نصف يوم نحكي ونتذكر ونمزح. كان سيدي الطيب منهكا من حلقات "الدياليز" (تصفية الدم بسبب العجز الكلوي)، ولكنه كان كعادته متفائلا بشوشا ومهذبا في كل شيء. كرر لي الاعتذار عدة مرات عن عدم قدرته على حضور موسم أصيلة الثقافي الدولي في الذكرى الثلاثين العام 2008.

سنشتاق لزيارته لأصيلة في كل صيف, وحتى في كل شتاء. عزاؤنا أن سيدي الطيب الذاكرة والقهقهة الحالمة، غرفته في بيتي وفي فندق زيليس، مائدته في مطعم غارسيا وسمره والزوار من الكتاب الشباب والمعجبين والمحبين, سيدي الطيب هذا باق حاضر لم يمت، لن يزورنا كل عام ولكن روحه أزلية باقية فينا، في كل "الزيلاشيين"* وفي كل زوار أصيلة, كل عام.
______________
* زيلاشي هو اسم سكان أصيلة نسبة إلى زيلس اسم أصيلة الفينيقي.

Post: #3
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:23 PM
Parent: #2

Quote: أرخبيل الألفة والمسرات.. مؤانسة وعرفان بحضرة الطيب صالح


محمد الربيع محمد صالح

"عدت إلى أهلي يا سادتي بعد غيبة طويلة، سبعة أعوام على وجه التحديد كنت خلالها أتعلم في أوروبا، تعلمت الكثير وغاب عني الكثير، لكن تلك قصة أخرى. المهم أنني عدت وبي شوق عظيم إلى أهلي في تلك القرية الصغيرة عند منحنى النيل، سبعة أعوام وأنا أحن اليهم وأحلم بهم، ولما جئتهم كانت لحظة عجيبة أن وجدتني حقيقة قائمة بينهم، فرحوا بي وضجوا حولي، ولم يمض وقت طويل حتى أحسست كأن ثلجا يذوب في دخيلتي، فكأنني مقرور طلعت عليه الشمس ذاك دفء الحياة في العشيرة".

يمثل هذا المشهد الاستهلالي لرواية "موسم الهجرة إلى الشمال" للروائي السوداني الكبير الطيب صالح، والذي جاء على لسان الراوي، مدخلا واسعا للتأمل والحوار حول تجربته الروائية والفكرية وشخصيته الإنسانية، فالألفة هي كلمة السر في اللوحة البيانية لمشروعه الثقافي والجمالي ولعلاقته مع الوجود.

وأعماله الروائية والقصصية "موسم الهجرة إلى الشمال وعرس الزين، ويندر شاه بجزأيها ضو البيت ومريود، ودومة ود حامد" تشكل أرشيفاً للوجود الحميم وللألفة المهددة بالتمزق والشرور.

فإلى جانب العذوبة الواضحة والحميمية الغامرة للتفاصيل الإنسانية فيها، يعتمد الطيب صالح تكنيكاً جمالياً يستمد عمقه من بساطة آسرة في بناء المشاهد، أشبه ما تكون بعملية توثيق تلقائية للحظات مركزية في الوجود الحميم للمجتمع السوداني، ممثلا في جلسات الأنس والسمر والتعاضد الاجتماعي في المسرات والأحزان والنُّصرة في الملمات.

الإصغاء لنداءات الحنان
قال لي الطيب صالح حين سألته عن سر جماليات هذا البناء "إنه نوع من الإصغاء لنداءات الحنان التي يبثها هذا العالم، الذي اعتبر نفسي مجرد وسيط وناقل له".

والحوار مع الطيب الصالح لا يأخذ مداه في الأريحية والجمال إلا حين يقبس من هذه العوالم ناره، لأنه لا ينظر إلى التفاصيل في هذه الحياة بوصفها جزراً معزولة عن بعضها بعضا، بل يكونها أرخبيلاً اجتماعياً وثقافياً مفتوح الأبواب والنوافذ والممرات في وحدة وجود إنسانية على قاعدة الأُلفة، وهو يراه مثل كوم "القمح الذي تنطوي كل حبة منه على سر عظيم" مشيراً إلى مشهد زواج ضو البيت في رواية "بندر شاه" الذي كان حفلا أمّه جميع الناس بمختلف مناشئهم العرقية ومواقعهم الطبقية, وصورة المرأة التي زغردت تحت وقع هذا الإحساس الجماعي بالألفة، والتي كانت زغرودتها تعبيراً عن كونها جزءاً من هذا الجسم, لا يتحقق انتماؤها إليه إلا عندما يدخل صوتها مع بقية الأصوات.

التنويع على لحن الإلفة
كل شيء في حياة الطيب صالح هو تنويع على لحن الألفة: حياته الوظيفية، علاقاته الإنسانية، تأملاته النقدية، إبداعه الروائي. فهي الناظم الوجودي لهذا الأرخبيل، وفي معرض المؤانسة حول هذه التجربة التي طوفنا فيها على إنتاجه الإبداعي، سألته عن سر التوسع والامتداد والانتقال الذي حدث في المشهد الروائي لملامح شخصيات مثل مريود ومريوم وبندر شاه، من مسرحها الأساسي على منحنى النيل في السودان إلى قطر في مسرح فني جديد هو قصة "يوم مبارك على شاطئ أم باب" التي تدور في البحر وتتقاطع فيها مصائر الشخصيات وصراع معسكرات الخير والشر.. إلخ، فقال لي "كتبت هذا النص وجعلت مشاهده تدور في البحر رغم أنني ولدت قرب النهر وربما أعطيته هنا منزلة النهر بعد أن عرفته عالما مسيطرا خلال أسفاري، وأصبحت دلالته عندي ترتبط بالتئام الأمور واجتماعها وجلب العناصر إلى جانب دلالات الإطلاق واللانهائية، ومن الجائز أن أكون قد نقلت دون أن أشعر أصداء بعض الشخصيات مثل مريم في رواية مريود إلى رباب في قصة يوم مبارك على شاطئ أم باب".

وأجمل الطيب صالح شهادته عن قصة يوم مبارك بقوله: ربما كتبتها خاضعا لإحساس خفي أن العالم الوادع المطمئن للخليج مهدد بما يجلب له القلق.

والتعابير التي استخدمها في تلخيصه للبناء الجمالي لقصته وللعناصر والعلامات التي تعمل في نسيجها تدل بشكل واضح على قاموس الألفة الذي يسكن أعماقه ومشروعه مثل: وادع، مطمئن، مهدد، يجلب القلق.. إلخ.

وهيمنة هذا القاموس تتجلى في الأشكال والأطر البسيطة والحميمة التي يضع فيها مادته الفكرية والثقافية وتأملاته الجوهرية والعميقة، في مناطق معقدة من الفكر الإنساني مثل مقالاته العذبة بمجلة المجلة، بعنوان الإقامة في ويمبلدون, التي كشف فيها عن الحوار الإنساني العميق الذي يدور بينه وزوجته السيدة الأسكتلندية، والذي هو حوار أمزجة وطرائف مختلفة في التفكير، حولتها المودة إلى طيف جميل من المشاعر، ومجال إنساني لا يلغي فيه أحد الآخر.

وقد عبر بشفافية في حديثه إلي حين سألته عن الصعوبات التي يواجهها أحيانا نتيجة لهذا الاختلاف في الثقافة والمزاج قائلا: الأمر ليس سهلا في كل الاوقات, لكنها امرأة في غاية الطيبة, ومتفهمة وهبتني ثلاث بنات جميلات وأظن أن أفضل ما فعلتُ هو أنني فكرت منذ البداية أن أي محاولة لسودنتها ستكون مضرة بها وبي، فقبلتها كما هي وقبلتني كما أنا".

أبو العلاء شاعر وليس فيلسوفا
وعلى النسق نفسه والطريقة ذاتها، قدم قراءة عارفة وناقدة للإبداع الألماني في مقالاته "الإقامة في فايمار" واحتفظ بالتقليد ذاته في محاضرته عن أبي العلاء شاعراً في خيمة البرنامج الثقافي لمعرض الدوحة للكتاب، فاتخذ المؤانسة مدخلا إلى أسماع ووجدان الحضور، واللغة العذبة بسيطة الجرس عميقة الدلالة لمناقشة أكثر الأفكار تعقيدا، وليحاجج الدكتور طه حسين نافيا عن أبي العلاء الفلسفة التي أثبتها له ومؤكدا أنه شاعر أولا وأخيرا، معززا منطقه بإرسال العلامات الدالة على مركزية الشعر في تجربة أبي العلاء، ومبينا ًموقعه في المثلث الذهبي العربي (المتنبي والمعري وأبو نواس).

ولم ينس وهو يختتم حديثه عن شعرية أبي العلاء الإشارة إلى سؤال الأفة في قصيدة أبي العلاء التي يقول فيها:
طربن لضوء البارق المتعالي ببغداد وهناً ما لهن ومالي
إذا لاح إيماض سترت وجوهها كأني عمرو والمطي سعالي

قائلا: إنها قصيدة باذخة الجمال ونص بليغ يضيء أحوالنا المعاصرة، حيث الناس مثل إبل أبي العلاء تريد عالما أليفا، ويصر الناس على إحاطتها بالنوازع المادية، التشكيل والرواية.

ولا تكتمل هذه الكلمة حول المؤانسة والعرفان في حضرة الطيب صالح، دون الإشارة إلى تداعياته في الإجابة عن سؤالي حول علاقته شخصيا بأجناس الإبداع الأخرى وتجلّيها في كتابته وخصوصا علاقته بالموسيقى والتي قال فيها "إن الفنون جميعا تتجاوز، وتتحاور، وتؤثر في تجربة الفنان وخبرته الإبداعية، لكن التشكيل والموسيقى يأخذان أرجحية وخصوصية عندي خاصة تجربتي مع الفنان التشكيلي الكبير إبراهيم الصلحي الذي فتحت لي رسومه بعض الآفاق في الرواية، وفتحت له رواياتي بعض الآفاق في التشكيل، وقد انتبه الشاعر توفيق صائغ رحمه الله إلى ذلك مبكراً، فكلف الصلحي بعمل الرسوم للطبعة الأولى من "عرس الزين" التي أصدرتها دار الحوار، فجاءت تحفة فنية".

موسيقى الجاز
"أما الموسيقى فقد مكنتني تجربتي مع (بي بي سي) في الاستماع والتعرف على موسيقى من كل أنحاء العالم، ووجدت أنني أحب موسيقى الجاز خاصة أغنيات الفنانة العظيمة سيرا بون، التي يترقرق صوتها كالفضة المذابة وهي تغني تجربة وجودية وجمالية عظيمة، يشاركها في التعبير عنها مغنون كبار أسسوا للمعطى الحضاري الأبرز لأميركا (موسيقى الجاز) أمثال ماهيلا جاكسون وإد فيزجرالد ولوي آرمسترونغ وراي شارلس.

أما تجلي الموسيقى في إبداعه فقال عنها: لقد نشأت في منطقة تمثل المدائح للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، بإيقاعاتها وأنغامها وإيقاعات الطمبور "الربابة" جزءا أصيلا من عمارة الوجدان، ولا بد أن شيئا من ذلك تسرب من لا وعيي إلى عمارتي اللغوية والتعبيرية. لقد طوف بنا المبدع الكبير الطيب صالح في أرخبيل من الألفة والمسرات في حضرته العذبة بين آلاء المؤانسة والعرفان.

*أقيم الحوار المشار إليه في النص بالدوحة بقطر سنة 2005 م.
--------------------
ناقد وكاتب سوداني

Post: #4
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:29 PM
Parent: #3

Quote:

حسن أبشر الطيب

غيب الموت مساء الأربعاء 18 فبراير/شباط 2009 الموافق 23 صفر 1430هـ بالعاصمة البريطانية الروائي المبدع، والمفكر العربي المستنير، والناقد الأدبي الحصيف الأستاذ الطيب محمد صالح بعد صراع طويل مع المرض، عن عمر ناهز الثمانين عاما، استطاع خلالها أن يثري المكتبة العربية والمؤتمرات والمنتديات الثقافية بإبداعاته التي حظيت باحتفاء الكثرة الغالبة من رموز الفكر والثقافة على المستوى العربي والدولي.

"
المتأمل لأعمال الطيب صالح الروائية يجد شاعرا كبيرا يمتلك في اقتدار أدوات فنه بالقدر الذي جعل له أسلوبه المميز وطريقته المتفردة في التعبير التي تتسم بالثراء الفكري والفني
"
لقد أحدثت وفاته حزنا ممضا، ودويا هائلا، في كثير من المحافل الفكرية والثقافية، وتبارى النقاد في تثمين أعماله الروائية الإبداعية.

الطيب صالح جدير بهذا الاحتفاء وأكثر، وبهذه المكانة الرفيعة التي تسنمها بحق وجدارة، فأنت تقرأ أعماله الروائية وغير الروائية فتلمس هذه القدرة على التأليف الأدبي الإبداعي المتكامل الذي يُعنى بالشكل والمضمون في آن.

إنك تعيش في كل أعماله هذا الفيض الزاخر من الأفكار والأطروحات المبتكرة المتجددة، وتطرب في الوقت ذاته لعذوبة لغته الشاعرة التي تتسم بالقدرة الباهرة في التشكيل اللغوي الموحي، والنسيج الشعري الشجي المرهف الذي يكتسي وهجا وفنا صادقا أخاذا، وقدرة عالية على الإيحاء.

وهو في كل ذلك يعبر عن قدر وافر من التجارب، احتضنها وتأمّلها واستكشف معانيها، وصاغها عملا جديدا مبدعا خلاقا، فيه ملامح الواقع ولكنه ليس الواقع الذي يمكن أن تنقله آلة التصوير الصمّاء بأي حال من الأحوال. إنه واقع أرحب وأعمق وأكثر تعبيرا عن ما يعتمل في نفس المؤلف من أفكار ومشاعر.

القارئ المتأمل لأعمال الطيب صالح الروائية يجد شاعرا كبيرا يمتلك في اقتدار أدوات فنه بالقدر الذي جعل له أسلوبه المميز وطريقته المتفردة في التعبير التي تتسم بالثراء الفكري والفني.

إن العمل الإبداعي ينبني في شكله وفي مضمونه على درجة كبيرة من الإدراك والفهم المتكامل للظاهرة التي يعنى بها، وتلك حال لا تتأتى إلاَّ بالاستئناس بها وبالتفاعل بما تنطوي عليه من ثراء.

ومن هنا يبرز إلى موقع الصدارة أثر البيئة السودانية الريفية في أدبيات الطيب صالح، فهو يتمثلها في معظم المواقف، شكلا وموضوعا.

ولعل ذلك يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسة، أولها تلك الذكريات الدافئة الحميمة التي التصقت بذاكرة الطيب عن سنوات طفولته وصباه الباكر التي نعم فيها بالحياة في قريته تلك الوادعة الهانئة بين أحبائه وأترابه. قرية تماثل "ود حامد" في الشكل والجوهر.

وثانيا أن غربته لسنوات طوال قد عمقت في ذاته هذا الالتصاق الحميم ببيئته وكثفت اعتزازه بها لانتمائه الصادق لها ولما رأى من تناقضات لا تماثل طبعه وذوقه في بيئات أخرى.

وثالثا أن غربته قد منحته الفرصة للنظر من بعد بغية استقراء واستجلاء دقائق الحياة في بيئته تلك البريئة الوارفة الظليلة بعطائها الوافر ومواطنيها الطيبين. لواحد من هذه الأسباب، أو لكل هذه الأسباب مجتمعة، ظل الطيب صالح حفيا ولصيقا ببيئة قريته الوادعة الخيرة المسترخية على شاطئ النيل، وهو يتمثلها في الكثير من المواقف في كل أعماله الروائية.

ويبدو أثر البيئة بينا في أسلوب الطيب صالح حيث إنه لون وتصدر مقاطع شاعرية موحية وكان نبعا ثرا لإيحاءات بكر، وتشبيهات مبدعة، وتصوير بارع مفعم بالشفافية والقدرة على تجسيد الاستعارة، والاستعارة كما قال أرسطو هي دليل العبقرية.

ولقد اخترت لك هذه الومضات الإبداعية الخلاقة، دليلا على التصاق الأستاذ الطيب الحميم بالبيئة السودانية وقدرته على استكشاف عبقرية اللغة العربية للتعبير عنها:
جاء في عُرس الزين "رائحة الأرض.. تملأ أنفك، فتذكرك برائحة النخل حين يتهيأ للقاح. الأرض ساكنة مبتلة، ولكنك تحس أن بطنها ينطوي على سر عظيم. كأنها امرأة عارمة الشهوة تستعد لملاقاة بعلها".

ونقرأ في موسم الهجرة إلى الشمال: "وتفتح جمالها فجأة كما تنتعش النخلة الصبية حين يأتيها الماء بعد الظمأ. كانت ذهبية اللون مثل حقل الحنطة قبل الحصاد".

ولك أن تتأمل في هذا التصوير المبدع الذي جاء في بندر شاه: "كان القمر يبتسم بطريقة ما، وكان الضوء كأنه نبع لن يجف أبدا، وكانت أصوات الحياة في ود حامد متناسقة متماسكة تجعلك تحس بأن الموت معنى آخر من معاني الحياة لا أكثر. كل شيء موجود وسيظل موجودا. لن تنشب حرب ولن تسفك دماء.. وسوف تلد النساء بلا ألم والموتى سوف يدفنون بلا بكاء".

ولعلك تسمع بفضل روعة هذه اللغة الشاعرية أصوات وأنغام الفرح البهيج ليلة زواج ضوّ البيت "الليلة كل شاب عاشق، وكل امرأة أنثى، وكل رجل أبو زيد الهلالي. الليلة كل شيء حي، فاح العبير، وتم السرور، وشعشع الضوء ولاذت جيوش الكدر بالفرار، كل غصن تثنى، وكل نهد ارتعش، وكل طرف كحيل، وكل خد أسيل، وكل فم عسل، وكل خصر نحيل، وكل فعل جميل، وكل الناس ضوّ البيت".

"
هنا بيت القصيد. هنا تكمن الرسالة الأساسية التي يبثها الأستاذ الطيب صالح في كل أعماله الروائية. قضيته الجوهرية هي تأصيل المحبة والوئام والتسامح
"
هكذا يكون الالتصاق الحميم بالبيئة، والقدرة على تمثلها، والتعبير عن هذا العشق للوطن باستكشاف مواطن الجمال والحسن فيه، بهذه اللغة الشاعرية المبدعة المتفردة. فتأمل.

إن بناء الأفق الشعري للنثر وما يصحب ذلك من التعبير الروائي في لغة مشبعة بالحركة والخيال قد كان ولا يزال مذهبا فنيا للطيب صالح في جميع أعماله الروائية. ذلك مذهب يدفعه إليه طبعه وذوقه وقدراته الباهرة على التعبير بالقدر الذي جعل الشعر حاضرا وبصورة جلية في كل ما كتب.

يقول الطيب مؤكدا هذه الحقيقة "ربما قد يكون الشعر حاضرا في كل ما كتبت منذ البداية، ويظهر هذا بوضوح في أسلوبي الذي نميته وتعودت عليه والذي يكشف عن حبي للشعر، ويؤكد أيضا محبتي للغة العربية التي هي لغة شعرية بطبيعتها. وإذا اعتنى الكاتب -أي كاتب في اعتقادي- باللغة، بلغته، فلا مفر من أن يجد نفسه يكتب كتابة يمكن أن توصف بأنها شعرية".

وأبادر إلى القول بأن العديد من شخصيات الطيب صالح الروائية قد أصبح لها وجود حي ماثل في نفوس الكثير من القراء، وما كان ذلك إلا لقدرته المبدعة على رسمها رسما مشبعا بالحياة والحركة. وتلك سمة تميز بها الكثير من الأعمال الروائية والمسرحية الناجحة، سواء منها ما كتب باللغة العربية أو اللغات الأجنبية.

تذكر ذلك فتحضرك شخصية هاملت في مسرحية شكسبير، والسيد أحمد عبد الجواد وأمينة في ثلاثية نجيب محفوظ، وعبد الهادي في الأرض لعبد الرحمن الشرقاوي، وعزيزة في الحرام ليوسف إدريس، وما ذلك إلا غيض من فيض.

غير أنه من الأهمية بمكان التأكيد على أن شخصيات الطيب صالح الروائية، كما هو الحال في كل عمل روائي إبداعي خلاق، ليست بصور لشخصيات حقيقية في الواقع المعيش. إنها شخصيات روائية. هي بمثابة نماذج لها أصل وشبيه في الحياة، لكنها في الرواية غير هذا الأصل الحياتي الواقعي، فالروائي المبدع يعيد خلقها في الرواية ويرسمها فنا مبدعا يأخذ من صورة الواقع بطرف ومن رؤية الفنان وخياله بطرف آخر.

يقول الطيب "قد يظن القارئ أن عرس الزين قد حدثت بالفعل، وأن أشخاصها أحياء، وأن الزين شخص حي يرزق. أما بالنسبة لي فإن شيئا من ذلك لم يحدث، والرواية عالم من تصوري، وأنا المسؤول عنه. أما التفاصيل فربما يكون بعضها حقيقيا اعتمدت فيه على واقع استلهمته من ذكريات بعيدة للمكان الذي نشأت فيه".

هذا ضرب من الفن الروائي الرفيع لا تستطيعه إلا قلة من الروائيين المبدعين الذين يمتلكون هذه القدرة الباهرة على بناء الشخصيات ورسمها. وذلك قول يؤمن به الطيب صالح إذ يقول: "كل كاتب يستحق اسمه لا بد أن يكون قادرا على خلق شخصياته، وابتكار أجواء وأشكال من حياة ليست بالضرورة مستقاة من حياته الشخصية".

نعيش ونسعد بلقاء الكثير من الشخصيات النابضة بالحياة في أعمال الطيب صالح الروائية. يأتي في طليعتها الزين ومصطفى سعيد. كما نتفاعل أيضا مع شخصيات محجوب وسيف الدين والطريفي ولد بكري وود الريس وبنت مجذوب وعبد الحفيظ وود البصير والطاهر وود الرواسي وسعيد البوم وشيخ عبد الصمد ومحيميد وفطومة وإبراهيم ود طه وشيخ علي والإمام ومريود وغيرهم.

ولك أن تتأمل هذه القدرة البارعة التي مكنت هذا الفنان الروائي المبدع من رسم شخصيتين متناقضتين، لكل منهما تفردها وخصوصيتها وأثرها الباقي، الزين ومصطفى سعيد.

لم يكن الزين جميلا. كان يحمل وجها مستطيلا. لم تكن له حواجب أو أجفان. وتحت هذا الوجه رقبة طويلة. كان بدرجة من الدرجات درويشا مجذوبا. يعرفه أهل ود حامد مهذارا يكاد أن يكون أبله، غير أن روحه مفعمة بالمحبة وغامرة بالفرح.

في المقابل كان مصطفى سعيد رجلا وسيما مكتمل الخلقة، يمتلك عقلية فذة، لكنه يتحرك برؤية ومشاعر قلب أجوف، تدفعه نزواته الجنسية والمادية، ولا يضيء أركان حياته التعاطف أو الحنان.

كان الزين برا حفيا بموسى الأعرج وعشمانة الطرشاء. كان عالما بوحدة بين كل العوالم المتناقضة في قرية ود حامد، يحتضنها جميعا بمحبته. ولهذا اجتمعت في عرسه كل تناقضات قرية ود حامد. كان فرحا كأنه مجموعة أفراح.

"
بالرغم من كثرة ما كتب وتنوعه وعمقه وأهميته، لا تزال هذه النصوص الروائية قابلة لإعادة القراءة، وللمزيد من التأمل والتحليل لاستشراف الجديد من الأبعاد الرحبة والغنية التي تقف شاهدة على فرادته وإبداعه وتميزه
"
في المقابل فإن مصطفى سعيد -النقيض من الزين- فقد نعمة القدرة على الحب والانتماء والعطاء. اغترب عن بلاده، ولم يراوده الحنين للعودة، فلم تعن بلاده بالنسبة له شيئا. كانت "مثل جبل ضربت خيمتي عنده، وفي الصباح قلعت الأوتاد، وأسرجت بعيري، وواصلت رحلتي". حتى علاقته بأمه كانت كعلاقة مع شخص غريب، جمعته به الظروف صدفة، ولهذا فعندما بلغه نبأ وفاتها وقد كان مخمورا قال "لم أشعر بأي حزن، كأن الأمر لا يعنيني في كثير أو قليل".

ولكل ذلك فقد أدرك القاضي أن المأساة الحقيقية لمصطفى سعيد تكمن في عدم قدرته على التعاطف الإنساني والمحبة أو حتى الاستجابة لها، فقال له "إنك يا مستر سعيد رغم تفوقك العلمي، رجل غبي. إن في تكوينك الروحي بقعة مظلمة. لذلك فقد بددت أنبل طاقة يمنحها الله للناس. طاقة الحب".

هنا بيت القصيد. هنا تكمن الرسالة الأساسية التي يبثها الأستاذ الطيب صالح في كل أعماله الروائية. قضيته الجوهرية هي تأصيل المحبة والوئام والتسامح.

ولعلك كلما ازددت إمعانا في شخصية الزين ونقيضه مصطفى سعيد في رواية موسم الهجرة إلى الشمال ازددت إعجابا بهذه القدرة على تجسيد المعاني الموحية لرسالة المحبة والتعاطف الإنساني بل لعل في حديث الطاهر ود الرواسي لمحيميد ما يؤكد حرص المؤلف على تجسيد رؤياه للمعاني الظليلة الوارفة المعطاء لمعاني المحبة.

إن مسرح الأحداث لكل أعمال الطيب صالح الروائية قرية ود حامد التي تتمثل فيها ملامح القرى الساكنة على شاطئ النيل في الجزء الشمالي من السودان.

والمتأمل في أعمال الطيب صالح الروائية، وهي بترتيب صدورها، عرس الزين، وموسم الهجرة إلى الشمال، وبندر شاه بجزأيه ضوَّ البيت ومريود، يجد شخصياته تنمو وتتجدد وفقا لمتغيرات ومقتضيات الزمان والمكان.

فنجد مثلا شخصية سعيد البوم الذي كان مصدر سخرية في رواية عُرس الزين وهو القائل لزوجته "إنها امرأة جيفة. أمشي خدي دروس من بنات الناظر" نجده في بندر شاه، بعد أن دار الزمان دورته قد أصبح سعيد عشا البايتات بعد أن كان "بوما"، وتزوج بنت الناظر، وصار يعتلي مئذنة الجامع داعيا إلى الصلاة.

وتغير أسلوب حديثه ومنطقه واهتماماته، وأصبح القائل "أنا سعيد ود زايد ود حسب الرسول عربي حر، عليَّ اليمين أهلي في سودري يحجبو ضوء الشمس. مالي أنا مسلم موحد الله".

تأمل هذه القدرة الإبداعية المتفردة التي يمتلكها هذا الروائي الفنان الذي استطاع أن يجسد صورة حية لسعيد البوم وعشا البايتات في مرحلتين مختلفتين من عمره. ولقد تحدث سعيد في كل حالة بلسانه وفق ما تستوجبه مستوجبات الزمان والمكان.

لقد كتب عن أعمال الطيب صالح الروائية الكثير، ولكن بالرغم من كثرة ما كتب ومن تعدده وتنوعه وعمقه وأهميته، فلا تزال هذه النصوص الروائية قابلة لإعادة القراءة، وللمزيد من التأمل والتحليل لاستشراف الجديد من الأبعاد الرحبة والغنية التي تقف شاهدة على فرادته وإبداعه وتميزه.
__________________

كاتب سوداني

Post: #5
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: mohamed osman bakry
Date: 03-13-2009, 10:31 PM
Parent: #3

الصورة للأديب الراحل وهو صغير

Post: #6
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:35 PM
Parent: #5

Quote:
إشارات إلى عالم الطيب صالح الروائي


حامد بدوي

- البنية الشاملة والمحاور الرئيسية
- التفاصيل التكنيكية

لا يتسع المجال إلا للإشارات في مثل هذه العجالة، لذا سأخط مجرد إشارات لمقاربتين لعالم الطيب صالح الروائي، يمكن التوسع فيهما في فرصة أخرى ومجال آخر.

تسير المقاربة (أ) في اتجاه النظر إلى التجربة الإبداعية للطيب صالح في بنيتها الشاملة ومحاورها الرئيسية، كما تسير المقاربة (ب) في اتجاه التفاصيل التكنيكية لتجربته الإبداعية. ولضيق المجال هنا فسأعمد مباشرة إلى لب الإشارتين.

"
جعل الطيب صالح من قرية ود حامد سودانا مصغرا واشتغل عليه، موظفا قدرا هائلا من الشفافية والتلقائية والموهبة، لدرجة اختفاء الطيب صالح كصانع أو موجه للأحداث
"
(أ) البنية الشاملة والمحاور الرئيسية
يمكن إجمال محور البنية الشاملة في التجربة الإبداعية الروائية للطيب صالح في نقطتين جوهريتين تبدوان مدهشتين تماما بالنسبة لي على الأقل:

1- قدرة الكاتب على جعل الشؤون الحياتية الصغيرة أحيانا، لمجتمع بسيط في قرية متخيلة في شمال السودان، تسلك نفسها ضمن شمولية كونية وتكون قابلة لأن تقرأ وتمتع وتدهش في شتى أنحاء العالم وتترجم لعشرات اللغات.

ابتكر الطيب صالح قرية في منطقة معينة في شمال السودان، أسماها "ود حامد". والمنطقة التي اختارها بيئة لقريته، هي المنطقة الحاضنة للحضارات السودانية القديمة. ولا أعتقد أن هذا اختيار بقدر ما هو جزء من القدر الذي أوجد هذا الكاتب في هذا المكان في هذا الزمان، فالطيب صالح نفسه هو نتاج لهذه البيئة الغنية بالموروث الثقافي التي منحت رواياته هذا العمق وهذا الثراء.

من ناحية أخرى سهلت هذه البيئة الثرية بالموروث الثقافي، الاستدعاءات والإحالات إلى ذلك الماضي العميق، كما سهلت في الوقت نفسه التماهي مع الخارق والغريب والسحري. ولعل هذا يتجلى أوضح ما يتجلى في الجزء الأول من ثنائية بندرشاه-مريود.

وهذا البعد الواقعي السحري هو أحد العوامل التي جعلت أعمال الطيب صالح قادرة على أن تنسلك ضمن شمولية كونية، من حيث إن الإرث السحري الغامض خاصية حضارية إنسانية مشتركة، فكل إنسان في كل مكان هو ناتج لأسطورة أو أساطير متجذرة في ذلك المكان.

وحيث ثبت أن للتراث الأسطوري البشري خطابا عاما وبنية عامة مشتركين، فإن إضافة أبعاد أسطورية إلى العمل الروائي من الأسباب التي تسلكه في شمولية كونية وتعطيه القدرة على الإمتاع والدهشة أينما قرئ.

"سرت وراء الصوت في جوف الظلام وأنا لا أدري هل أنا أسير إلى الوراء أم إلى الأمام. كانت قدماي تغوصان في الرمل، ثم أحسست كأنني أسير في الهواء، سابحا دون مشقة، والأعوام تنحسر عن كاهلي، كما يتخفف المرء من ثيابه. ارتفعت أمامي قلعة ذات قباب عالية، يتوهج الضوء من نوافذها.. ارتفعت كجزيرة سابحة في لجة. وصلت الباب يحدوني الصوت، فتحوا الباب، كأنهم ينتظرون قدومي، وسرت وراء الصوت في دهليز طويل ذي أبواب، على كل باب حرس، حتى انتهينا إلى قاعة واسعة مضاءة بآلاف القناديل والمصابيح والشموع.. وكان في صدر القاعة، قبالة الباب، منصة مرتفعة، عليها عرش، كرسي عن يمين وكرسي عن شمال، وعلى الجانبين وقف أناس طأطؤوا رؤوسهم.. كان المكان صامتا، لا كما تنعدم الضجة. لكن كأن النطق لم يخلق بعد".

وأعتبر هذه الرواية بجزأيها ما هي سوى مراوحة بين ذلك الماضي الأسطوري السحري وبين الحاضر المتشبث بالواقع وحضارة العصر، وهنا قد يبرز صراع ومنازعة نفسية سببها التجاذب بين الأسطوري والواقعي.

ومن هنا يجيء ذلك الحيز الكبير الذي أفرده الطيب صالح للعلاقة بين الجد والحفيد، (الماضي والمستقبل) والعلاقة التصالحية بينهما على حساب الأب (الحاضر).

وهذه إشارة خطيرة إذا لم نسلم بأن مثل هذا الصراع لازمة إنسانية، لأنه يصير في هذه الحالة لازمة عربية إسلامية. وفي هذا تفسير لوجود تلك القوى التي لا تني في محاولتها رسم المستقبل على صورة الماضي (حذوك النعل بالنعل).

إذن ففي العالم الروائي المتخيل كما في الواقع المعاش، يجيء الحفيد صورة طبق الأصل للجد. نتعلم ونأخذ بأسباب حضارة العصر ومنظوماتها السياسية والاجتماعية، وعند أول منعطف يتساقط كل ما اكتسبنا، فإذا نحن بين ليلة وضحاها نعود سيرتنا الأولى وندخل في جلود أجدادنا.

هنا نذبح الحاضر قربانا للصلح بين الماضي والمستقبل، وتتساقط القشور التي اكتسبناها من حضارة العصر عند أول هبة ريح كأننا كنا نلبس ثوبا مستعارا اضطررنا لخلعه.

وتقودني هذه الإشارات المرتبطة بالواقع، مباشرة إلى النقطة الثانية:

2- قدرة الكاتب صالح على جعل نفس هذه الشؤون الحياتية الصغيرة أحيانا، لمجتمع بسيط في قرية متخيلة في شمال السودان، مدخلا مدهشا لاستبطان الحراك الداخلي الخفي للمجتمع السوداني بكل تبايناته وتعدديته وعمقه، بدرجة تصل حد التنبؤ.

فقد جعل الطيب صالح من "ود حامد" سودانا مصغرا واشتغل عليه، موظفا قدرا هائلا من الشفافية والتلقائية والموهبة، لدرجة اختفاء الطيب صالح كصانع أو موجه للأحداث. ونحن نرى في ذلك السودان المصغر، الصفوة الحاكمة، وهي تعربد دون إحساس بالتهديد وكل شيء في البلاد طوع بنانها، ثم وهي ترى وعي الناس يتنامى من حولها ويبدؤون في مساءلتها والتشكك في أمرها، ثم مقاومة هذه الصفوة لهذا الوعي المتنامي، وأخيرا هزيمتها واستسلامها.

"
موسم الهجرة إلى الشمال هي قصة الراوي الذي نجد له ظلالا في شخصية محيميد في بندرشاه، الراوي الذي تتكشف من خلال وعيه أحداث الرواية
"
وهنا يحدث شيء غريب على صعيد التجربة الإبداعية للطيب صالح، فثنائية "بندرشاه-مريود" تتحول إلى ثلاثية "عرس الزين-بندرشاه-مريود". وفي هذه الثلاثية نرى "عصابة محجوب" في جميع أطوارها، من السيطرة المطلقة إلى المقاومة وانتهاء بالهزيمة.

"وعلى العشاء تناوب ود الرواسي وسعيد قص القصة على محيميد. كان سعيد غاضبا حين بدأ وغاضبا حين انتهى. وكان ود الرواسي يروي بلهجة من لم يعد يدهشه شيء. قالا إن الحكاية بدأت بنزاع حول أرض، فإن أم أولاد بكري هي أخت محجوب. كان محجوب يظن أن الأرض أرضه، ولكن أولاد بكري تصدوا له فجأة، وهو شيخ قد طعن في السن، وهم شباب في أوج رعونة الشباب. ظلوا ينازعونه حولا بأكمله يطلعون لمحكمة وينزلون من محكمة، خسروا الأرض ولكنهم قوضوا سلطان محجوب. بدؤوا يقولون جهارا ما كان الناس يقولونه سرا أو لا يقولونه البتة. وكأنما البلد كانت مستعدة للتغير. زاد الهمس وارتفع اللغط.

وكان الطريفي ولد بكري يتصدى لمحجوب في المجالس ويقول على مسمع منه "هذه العصابة، محجوب وجماعته، متى يتخلون عن زمام الأمور في ود حامد؟ هؤلاء جماعة انتهوا.. كفاية أكلوا البلد أكثر من ثلاثين سنة".

وتصل مقدرة الكاتب على جعل الشؤون الحياتية والصغيرة، لمجتمع بسيط في تلك القرية المتخيلة في شمال السودان، مدخلا مدهشا لاستبطان الحراك الداخلي الخفي للمجتمع السوداني، تصل هذه المقدرة إلى درجة معجزة تبلغ حد التنبؤ في مريود.

ففي هذه الرواية يصنع الطيب صالح حدثا روائيا متخيلا يتحقق على أرض الواقع بعد ما يزيد عن العشرين عاما. أما كيف حدث ذلك؟ فهذا ما لا نجد له اسما سوى العبقرية والقدرة على استبطان المجتمع وتوقع استقطاباته الخطيرة القادمة.

ففي أواخر الستينيات كان الطيب صالح يعمل في الجزء الثاني من ثنائيته "بندرشاه-مريود" فكتب، "كان السؤال على طرف لسان محيميد منذ أول ليلة. لكنه لم يرد أن يسأل، وكان يأمل أن يجيء الجواب من تلقاء نفسه. هو، محيميد، أيضا مهزوم، هزمته الأيام وهزمته الحكومة. إن طال الزمن وإن قصر سيسألونه، سيسأله ود الرواسي في الغالب، سيقول له ما بالك تقاعدت وأنت لم تبلغ سن التقاعد؟ سيقول له أحالوني إلى التقاعد لأنني لا أصلي الفجر في الجامع، سيقول ود الرواسي هل هذا جد ولا هزار؟ سيقول محيميد عندنا الآن في الخرطوم حكومة متدينة، رئيس الوزراء يصلي الفجر حاضرا في الجامع كل يوم وإذا كنت لا تصلي أو كنت تصلي وحدك في دارك، فسيتهمونك بعدم الحماس للحكومة. أن تحال للمعاش كرم منهم؟".

وبعد عشرين عاما شهد السودان كله، من قرأ هذه الرواية ومن لم يقرأها، ما كتبه الطيب صالح يتحقق أمام عيونهم في حملة ما سمي حينها الصالح العام التي أحيل بموجبها الآلاف من موظفي الخدمة المدنية وضباط الشرطة والجيش إلى التقاعد.

(ب) التفاصيل التكنيكية
يعمد الطيب صالح إلى دس وإخفاء تفاصيل سحرية بين طيات أعماله الروائية، تفاصيل تتكشف من خلال الإعادات في القراءة والتأمل المستمر. وهذه في اعتقادي إحدى سمات الأدب العظيم، وإلا لما ظل الناس حتى اليوم يكتشفون الجديد في أعمال شكسبير مثلا.

ومن أجل أن أعطي مثالا سريعا هنا، أشير إلى الرواية التي شغلت النقاد كثيرا، "موسم الهجرة إلى الشمال". ففي هذه الرواية، في تقديري، يمارس الطيب صالح من إخفاء الكنوز ما يصل إلى حد التضليل وحد اعتبار الرواية رواية مخادعة.

رسم الطيب صالح شخصية مصطفى سعيد بكثير من الألوان والتشويق الذي يقترب من تشويق أبطال القصص البوليسي، لذا يجعل قارئه يلهث مسرعا وقد انصرف بكامل ذهنه تجاه هذه الشخصية المثيرة وتفاصيلها ومصيرها. لهذا يظن كل قارئ لهذه الرواية أنها قصة مصطفى سعيد، وما هي كذلك.

"
شخصية مصطفى سعيد، بكل ألوانها وزخمها وحيويتها، ما هي سوى قمة جبل الجليد التي تلمع في ضوء الشمس مخفية ما هو أعظم. ففي نفس القرية ود حامد يعيش مصطفى سعيد حقيقي وراسخ ومتجذر في المجتمع السوداني.. إنه ود الريس
"
في تقديري أن موسم الهجرة إلى الشمال هي قصة الراوي الذي نجد له ظلالا في شخصية محيميد في بندرشاه، الراوي الذي تتكشف من خلال وعيه أحداث الرواية.

فذلك شخص عادي قادته صدف الحياة أو قاده تدبير من مصطفى سعيد إلى أن يغوص في سيرة حياة الأخير فيتكشف أمام وعيه عالم مثير لم يكن يفطن لوجوده، مع أنه مثل مصطفى سعيد، قد عاش ودرس في الغرب.

وتهز تجربة حياة مصطفى سعيد كل قناعات الراوي ويبدأ في رؤية الحياة من زاوية جديدة. وهو يغرق في هذه الرؤية الجديدة وفي انهيار قناعاته ومسلماته إلى حدود التوهم.

"مرة أخرى ذلك الإحساس، بأن الأشياء العادية أمام عينيك تصبح غير عادية. رأيت نافذة قمرة القطار وبابها يلتقيان، وخيل لي أن الضوء المنعكس على نظارة الرجل، في لحظة لا تزيد عن طرفة العين، يتوهج توهجا خاطفا كأنه شمس في رابعة النهار. ولا بد أن الدنيا في تلك اللحظة بدت مختلفة بالنسبة للمأمور المتقاعد أيضا".

"في لحظة لا تزيد عن مقدار ما يشيل البرق ثم يختفي، رأيت في عيني الشاب الجالس قبالتي شعورا حيا ملموسا بالذعر، رأيته في اتساع حدق العينين وارتعاش الجفن وارتخاء الفك الأسفل. إذا لم يكن خائفا فلماذا سألني هذا السؤال "هل أنت ابنه؟ سألني هكذا دون أن يدري هو الآخر لماذا نطق بهذه الكلمات الثلاث، وهو يعلم تمام العلم من أنا".

إذن، هذا شخص عادي متفاعل مع مجتمعه يعيش كل تفاصيل حياة القرية العادية، ثم فجأة تدخل وعيه تجربة مصطفى سعيد بكل زخمها فيبدأ في التحول وتتحطم قناعاته. ومصطفى سعيد، بكل الألوان والزخم الذي رسمت به شخصيته في الرواية، لم يظهر في الرواية إلا من أجل توصيل هذه التجربة المثيرة إلى وعي الراوي.

لهذا نجد أن مصطفى سعيد شخصية غير متحولة أو متطورة ضمن واقع الحكي الروائي، وإن تحولاته وتطوراته تاريخ بالنسبة لهذا الواقع في القرية. ولهذا نجد أن مصطفى سعيد ينسحب من عالم الرواية بهدوء بعدما اكتملت مهمته في توصيل تجربته إلى الراوي.

الطيب صالح، ومن خلال تفاصيل تجربة مصطفى سعيد، يزرع داخل قارئه، كما زرع داخل الراوي وداخل المأمور المتقاعد والشاب المحاضر في الجامعة، خوفا من نوع ما. فكل قارئ لهذه الرواية، يحس بصورة غامضة أنه يعرف هذه الشخصية.

لكن ما هذا الوهم الغامض والخوف الغامض، سوى نتيجة لأن داخل كل منا جزء من مصطفى سعيد. وهذا أيضا أحد أسباب الانشداد والانجذاب تجاه هذه الشخصية.

لكن ضمن كل هذا، يمارس الطيب صالح لعبة الإخفاء.. إخفاء الكنوز الحقيقية، فشخصية مصطفى سعيد، بكل ألوانها وزخمها وحيويتها، ما هي سوى قمة جبل الجليد التي تلمع في ضوء الشمس مخفية ما هو أعظم. ففي نفس القرية "ود حامد" يعيش مصطفى سعيد حقيقي وراسخ ومتجذر في المجتمع السوداني.. إنه ود الريس.

"... وسمعت أنه كان في شبابه آية في الحسن وأن قلوب الفتيات كانت تخفق بحبه قبلي وبحري، أعلى النهر وأسفله. كان كثير الزواج والطلاق لا يعنيه في المرأة إلا أنها امرأة، يأخذهن حيثما اتفق، ويجيب إذا سئل: الفحل ما عواف".

وأذكر من زوجاته دنقلاوية من الخندق، وهدندوية من القضارف وإثيوبية وجدها تخدم عند ولده الأكبر في الخرطوم، وامرأة من نيجيريا عاد بها من حجته الرابعة.. وأثناء حياتها معه تزوج بامرأة من الكبابيش".

ويشاء الطيب صالح أن يلتقي الشبيهان في حب حسنة بنت محمود، وأن يموت ود الريس مطعونا على صدر حسنة، وإن تردد مصطفى سعيد في الليلة الأخيرة مع جين مورس.
__________________
ناقد سوداني

Post: #7
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-13-2009, 10:43 PM
Parent: #6

Quote:
قصة "يوم مبارك على شاطىء أم باب"
يكسر الطيب صالح في هذه القصة حدود الأجناس الأدبية


محمد الربيع محمد صالح

"والبحر أرض ندائنا المستأصلة"
محمود درويش

الأجناس سجون تتضور الروح في أقبيتها الضيقة، ومثلما يرتفع الإنسان بالمعرفة ويحلِّق خارج حدود العرق، يكسر الطيب صالح في قصة "يوم مبارك على شاطىء أم باب" حدود التجنيس القديم، قصة، رواية، شعر إلخ.. ويدخل في وهج الكتابة المحض بعملية "انحراف معياري" تضع كامل الوحدات الجمالية في احتياطيه المعرفي لتخليق "الجسيد" يوم مبارك -الذي يمثل ذروة هذا الرصيد من أمشاج الجمال.

والنص يقترح هذا الانحراف من المطلع، إذ يبدأ في البحر: من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟ وينتهي فيه: أدار ظهره للبحر وانحدر وراء التل لاحقا بأهله. بشكل يضع حمولة النص من علامات في أوقيانوس الغرابة والمغامرة والهول والموت ومن ثم الاكتساء ببرود التجدد، حيث تغادر الأشياء هوياتها القديمة وتحجل في صفحة الضوء حيث: دخلوا البحر في وهج أضواء المحض.

ومثلما يمثل البحر أكبر مظان التناص في تجربة الوجود، حيث تتساكن الكائنات والتفاصيل والأشياء في وحدة وجود عرفانية عجيبة، تتقاطع أقباس التجربة في مظنة التناص -جسيد- يوم مبارك في تقاطع عرفاني تلقى فيه العلامات والأشياء والتفاصيل لبوسها وتنغمس في ضوء الكتابة.

نص يوم مبارك على شاطىء أم باب، هو في هذه القراءة المعادل الموضوعي لفكرة البحر، والعكس صحيح، إذ أن كليهما -البحر والنص- مظان للتناص، تتقاطع التفاصيل والأشياء في أفقهما وتتحول إلى"مسرح متنقّل" بتعبير جوليا كريستيفا (1) التي تعتبر التناص هو عملية التقاطع والتشرب والتحويل التي تتم لوحدات عائدة لنصوص أخرى، وتبقى ممركزة في معنى خاص.

وأول تجليات هذا التناص هو تحرير التكنيك من قوانينه وعاداته، وجعل الأصوات المتحدثة في النص تبدِّل هوياتها وفق مقتضى التحولات في النص، لا كما يحدث في الواقع والمألوف، فالصوت متكلما ًومخاطباً وغائباً، يجدِّد هويته وفق مقتضى المقام الجمالي في النص، بل يكتفي في مطلع النص بالتجوهر في سؤال: من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟ حيث يختفي الصوت في أبراج السؤال.

ويناصص الطيب صالح تجربته الجمالية الذاتية في أكبر عملية تحشيد لأمشاجها على شرفات اليوم المبارك على شاطىء أم باب، حيث يثاقف قراءته لتجربة عنترة ويدرجها في النسيج النصي في استدعاء بديع لجماليات الهجنة: حيث السواد ولون البنفسج واليقظة والنعاس يتجاوران في ألق مهيب.

كما يناصص الطيب صالح تجربته في بندر شاه، فرباب التي جاءت مكملة متسربلة باسمها مثل "سحاب في طيات سحاب" الموصوفة بأنها: خلاصة الذرية التي لم ننجبها. هي مقلوب مريود في بندر شاه الذي حمل ملخصا لجينات تاريخ/جده "ظلمات في طيات ظلمات" و"جلس مثل شعاع باهر مدمر في عرش الفوضى".

وفي مشهد آخر يناصص تجربة مريوم في نص مريود التي "عندما دفناها شهقت الأضواء في حافة القبر" وتجربة رباب "جسدها شفاف ينزلق على صفحة الماء كما ينزلق الشعاع على البلور".

وفي علامات العرفان -الشهر زوري ابن الفارض "أنا من الله ولي الله" و "تتصرفين مثل رابعة العدوية" يناصص الطيب صالح "أبوك أرجح منكما في موازين أهل العدل فقد أحب بلا ملل وأعطى بلا أمل وحسا كما يحسو الطائر، وعندما راودته نفسه على المجد زجرها".

وهكذا مثلما تتعانق الكائنات في مرآة وحدة الوجود العرفانية، تتعانق العلامات في مرآة وحدة الوجود الجمالية التي اقترحها الطيب صالح في نص يوم مبارك على شاطىء أم باب، الجسيد الذي يعيد قراءة تجربة الحال في مظنة التناص الجديدة حيث يدخل الجميع كائنات وتجارب وتفاصيل في وهج الكتابة المحض.



-------------
(1) جوليا كريستيفا، علم النص، ترجمة فريد الزاهي، دار تويقال، المغرب، ط1-1991

مقطع من يوم مبارك على شاطىء أم باب:
من أين يجيء البحر بكل هذا الحطب؟
قالت (رباب) "هذا اللوح من السويد"
"كيف عرفت أنه من السويد؟"
"ألا ترى الكتابة؟ هذه الأحرف آخر كلمة (سويدن)"
لم يمكث طويلا في البحر كما ترى لعله من صندوق سقط من سفينة
"وهذا من أين؟"
"هذا جزء من قناة"
"أعرف أنه جزء من قناة"
"من شرق أفريقيا ربما من زنجبار؟"
ألا تعرف أنهم كانوا يسقفون بيوتهم بالقنا في هذه المنطقة؟ هذه القنا عمرها على الأقل مائة عام، نقلتها المراكب الشراعية ربما إلى البحرين أو عُمان، على الأرجح إلى عُمان.
"لماذا عمان؟"
قالت كأنني تلميذ بطيء الفهم "ألا تعرف الصلة بين عُمان وزنجبار؟"
ضحكت وقالت (رباب) "لعلهم هدموا البيت وبنوا مكانه بيتا من الأسمنت، أو تهدم وحده، ألا تعرف أنهم كانوا يبنون بيوتهم على سيف البحر؟"
"ما معنى سيف البحر؟"
"يعني شاطىء البحر"
"لماذا!"
"الهواء أبرد وأيضا لأن حياتهم كلها كانت على البحر"
"ماذا قال عنترة في القنا؟"
نظرت إلى نظرة عاتبة بعينيها السوداوين كأنهما بحيرتان جبليتان عند الغروب بين السواد ولون البنفسج بين اليقظة والنعاس، كانت تحب شعر عنترة لكنها ظنت أني امتحنها فلم تجب، جمع الأطفال حطباً كثيراً جعلوا منه كوما هائلا على ساحل البحر، أوقفتهم (رباب) صفا مثل طابور عسكري وقسمتهم قسمين، قسماً أمرته أن يتجه يمينا وقسماً يتجه شمالاً، جعلت على كل فرقة قائدا وهي القائد الأعلى، لم تكن أكبرهم سنا، وكان في الجيش ذكور لكنهم أذعنوا لإمرتها بلا جدال، في التاسعة من عمرها وأشهر ولدت في الصيف، والآن أول الربيع ابنتنا الوحيدة بل هي كل من أنجبنا، تأخرنا لأننا ظللنا ننتظر أحدنا الآخر (الرجل) في الخمسين (المرأة) في الأربعين ليس خيالاً، هذا يحدث أحياناً أغلب الناس يتزوجون كيفما اتفق لأن الظروف مواتية، لأن الشخص لا غبار عليه، لأن العمر يمضي، إنما قلة من الأرواح المختارة يطلب بعضها بعضا، لا تستقر حتى تجد إحداها الأخرى، في المدينة وهما سائران من الحرم النبوي بعد صلاة الفجر، في اللحظة التي رفع وجهه إليها رفعت وجهها إليه، تماسكت عيونهما وكأن الضوء حول المآذن نبع يتفجر من تحت اقدامها:
"أنت فلانة؟"
"نعم"
"من كيت وكيت"
"نعم"
"من وراء أزرعات: آه، أنت أم رباب"
"وأنت فلان"
"نع"
من كيت وكيت وأهلك كذا وكذا، يا له من يوم مبارك - الحمد لله"
"هل تعذبت كثيرا؟"
"وأنت، سوف نتسلى بذلك في ليالي الشتاء الطويلة"
بعد أن اعتمرت جاءت إلى المدينة مع أخيها الأكبر وأمها وأختها، وكنت وحيدا،ً تزوجنا في تلك الساعة عند باب المسجد وعقدنا بعد صلاة العصر، وأولمنا ليس أكثر مما فعل الرسول في زواج ابنته فاطمة، ودعونا أهل الصفة ومن وجدنا من فقراء المدينة.

. ناقد وكاتب سوداني

Post: #8
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-14-2009, 11:15 AM
Parent: #7


هذا الطفل الجالس على تكن ساقية فى كلنكاكول عند منحنى النيل نقل للعالم باسره تتويج الملكة اليزابيث عام 1955 ونقل الى العالم جلسة الامم المتحدة الشهير الذى ضرب فيها نيكيتا خروشوف الطاولة بحذائه ابان حرب خليج الخنازير!
هذا الطفل البرئ والذى ظل يحتفظ ببراءة الطفولة حتى بلوغه الثمانين كتب رواية ترجمت الى اكثر من ثلاثين لغة وعدت من افضل مائة عمل روائى فى تاريخ الانسانية!
اى مج واى فخر ايها النبيل الذى نقش اسم وطنه وقريته واسمه باحرف من نور فى سجل الخلود!
آنسك الرحيم فى وحشتك بقدر ما آنستنا وأسكنك عوالى الجنان
جنى

Post: #9
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: حيدر حسن ميرغني
Date: 03-14-2009, 11:28 AM
Parent: #8

جني

لا اعتقد أن هذه الصورة هي صورة الراحل الطيب في صغره

الاشارة لمسقط راسه إستدعت وضع صورة رمزية لها
الراحل غادر السودان لاول مرة عام 1952 الى لندن وكان في بداية العشرينات
الصورة المنشورة حديثة لاتمت لذلك التاريخ البعيد

Post: #10
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: jini
Date: 03-14-2009, 11:52 AM
Parent: #9

الأخ حيدر
الصورة باستعمال تقنية التعرف الالوان بواسطة الكمبيوتر والتى استعملت فى تلوين حتى الافلام القديمة الالوان والصورة للراحل الطيب صالح ومن البومه المثبت فى قناة الجزيرة انظر الى الملامح
الرابط محطات فى حياة الطيب صالح
http://www.aljazeera.net/PhotoGallery/Aspx/Show.aspx?album=G_946
جنى

Post: #11
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: حيدر حسن ميرغني
Date: 03-14-2009, 11:54 AM
Parent: #9

أيها الطيب العظيم...لن ننساك

اليوم 18 فبراير 2009 غيب الموت عنا الأديب السوداني الكبير الطيب صالح بعد صراع طويل مع المرض . وانطفأت بذلك شمعة هامة في عالم الرواية و الأدب ...رحل هذا العملاق مبدع "موسم الهجرة إلى الشمال" و"المنسي" و "عرس الزين" تاركا وراءه كنزا ثقافيا ثمينا ورصيدا لا ينضب من المحبة و الاحترام ...توفي سفير السودان إلى العالم مخلفا فراغا كبيرا وحزنا شديدا في شتى البيوت العربية و حتى الغربية. سيفتقده العالمان العربي و الإسلامي و ستفتقده موريتانيا التي كان يدرك جيدا رحمه الله المكانة التي يحتلها عند أبنائها...وكان يبادلهم تلك المشاعر كما عبر عن ذلك أكثر من مرة في مناسبات مختلفة.

ومن الأسر الموريتانية التي حزنت على فقدان الطيب صالح أسرة والدي المرحوم عبد الله ولد أربيه..فما أن انتشر خبر وفاته حتى بدأت المكالمات والرسائل تتوالى علي و على بقية أفراد أسرتي من داخل و خارج موريتانيا... فكثيرون يعرفون تلك الصلة الوثيقة التي كانت تربط المرحوم بوالدي. استقبلنا التعازي في فقيدنا الغالي ويا له من فقيدهو فقيدنا...رحمه الله...و حتما لن تكفي هذه الأسطر التي أخطها وأنا أشعر بالكثير من الحزن و المرارة لتوفيه حقه. لكنها أبسط الإيمان...للأسف لم يكتب لي الحديث معه أثناء صراعه مع المرض رغم محاولاتي المتكررة وهذا يحز كثيرا في نفسي...ففي لندن حيث كان يعيش كانت زوجته هي التي ترد على الهاتف دوما و في آخر مكالمة أخبرتني أنه بخير و يستجيب للعلاج وعاهدتني أن أتحدث معه إذا تكامل شفاءه.دعوت له من كل قلبي...

هو فقيدنا ..رحمه الله ...كان صديقا حميما لوالدي فقد جمعهما المكتب الإقليمي لليونسكو في العاصمة القطرية الدوحة عندما كان الطيب صالح يتولى إدارته في الثمانينات. وكان كل منهما ينهل من علم الآخر وقد سطر المرحوم تلك العلاقة في مرثية رائعة لوالدي(**)...ووقف معنا وقفة لا تنسى كان لها مفعول قوي لتخفيف ألم الفاجعة..وظل يذكره دائما ويستمتع بالحديث عنه...ويحيي ذكراه مع جميع الموريتانيين الذين يلتقيهم ويلوح ظله في مقالاته الأدبية.

هو فقيدنا رحمه الله...لقد ظل وفيا لهذه العلاقة و كان لأسرتنا نعم الأب و الصديق والمرشد. والحمد لله لم يحل بعد المسافة دون تواصلنا. رحمه الله...كان عاقدا العزم على كتابة سلسلة من المقالات عن والدي وطالما منانا بزيارة لموريتانيا لكن القدر لم يشأ ذلك. كان زاهدا في دنيا أغرت غيره، كان متواضعا رغم شهرته الكبيرة و كان محبا للعلم و المعرفة كان حنونا رحيما صبورا يحب الخير للآخرين ويتألم لآلامهم... هكذا عرفناه...هكذا عايشناه...وتلك قواسم مشتركة كانت أساساصلبا لعلاقته مع والدي رحمه الله.

هو فقيدنا ...رحمه الله...التقيته صدفة آخر مرة في مهرجان أصيلة بطنجة بالمغرب سنة 1999 ..كان يرتدي زيه السوداني التقليدي وابتسامته لم تفارقه...فاجأه وجودي...وأصر أن أختزل له في دقائق ما حدث في سنوات..كان حديثي متقطعا نظرا لأنني لم أتمكن من إيقاف نهر الدموع الذي ينهمر من عيوني..."كبرت كثيرا" قالها لي و كأنه يريدني أن أتوقف عن البكاء...مضيفا "شاهدتك في التلفزيون وسررت كثيرا بذلك، أتمنى لك مسيرة إعلامية موفقة"..سألني عن الأسرة فردا فردا وعن موريتانيا واسترسل في ذكر الشاعر ذي الرمة الذي قال إنه كان لوالدي الفضل في معرفته له و تمنى أن يقضي أياما في البادية الموريتانية في جو هادئ نقي و مليء بالناس الطيبين كما قال... وأخيرا تمنى لي التوفيق على أمل لقاء آخر يجمعنا.

هو فقيدنا رحمه الله...لم أكن أعلم أنه لن يكون هناك لقاء آخر...لكن قدر الله و ماشاء فعل و نحن كمسلمين لا نملك أن نعترض على قضاء الله.

هو فقيدنا رحمه الله..فليعم كل فرد من أفراد أسرة هذا الفقيد الغالي أين ما كان و لتعلم السودان وليعلم العالم العربي و الإسلامي وليعلم الكون بأسره أن للطيب صالح أسرة في موريتانيا تكن له كل التقدير والاحترام و ستظل تترحم على روحه الطاهرة بإذن الله و تدعو له بأن يظله الله بظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يكون من عباد الله الذين لا خوف عليهم ولاهم يحزنون. عسى أن يكون له نصيب من اسمه في الآخرة كما كان له في الدنيا وأن يحسن المولى العلي القدير مثواه. وإنا لله و إنا إليه راجعون.


(*) باسم أسرة عبد الله ولد أربيه


http://www.alakhbar.info/5347-0-AC--FCB-FC---F5-.html

Post: #17
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: محمد قور حامد
Date: 03-14-2009, 07:55 PM
Parent: #6

الأديب السوداني الراحل الطيب صالح ،، وضع سقفاً سميكاً للأدب يصعب تجاوزه خلال الخمسين عاماً المقبله!!


فبينما يتسع الفضاء الفني للطيب صالح بكل شاعريته ودراميته ،، تضيق في خيال كثير من الكتاب الآفاق !


Post: #12
Title: Re: صور نادرة لطفل نادر قل ان يتكرر!
Author: Zomrawi Alweli
Date: 03-14-2009, 12:47 PM
Parent: #1



بالله دي صورة ما قبل الاستقلال يا جني؟؟
ياخي في الزمن داك مافي تصوير ملون حتى لو عملوا ليها رتوش انا لا اصدق
والا كيف يا جماعة الخير

Post: #13
Title: الصورة
Author: اسعد الريفى
Date: 03-14-2009, 01:42 PM
Parent: #1


Post: #14
Title: Re: الصورة
Author: jini
Date: 03-14-2009, 07:10 PM
Parent: #13

http://omanlover.org/vb/showthread.php?t=95457
الموقع اعلاه يوضح كيف تتم عملية تحويل للصور الاسود وابيض الى ملون
اها يا حيدر وزمراوى تانى عندكم كلام
كنت اتوقع ان لا تفوت عليكم الوداعة فى وجه الطيب طفلا وشابا وكهلا!
انا احتفظ بصور كثيرة للطيب حتى العائلية منها
جنى

Post: #15
Title: Re: الصورة
Author: jini
Date: 03-14-2009, 07:20 PM
Parent: #14


أليست هى ذات الوداعة السمة المميزة للراحل المقيم!
جنى

Post: #16
Title: Re: الصورة
Author: jini
Date: 03-14-2009, 07:35 PM
Parent: #15


الوداعة علامة فارقة للطيب صالح لا تخطئها العين!
جنى