نظام الخرطوم .. و سياسة حافة الهاوية في دارفور !

نظام الخرطوم .. و سياسة حافة الهاوية في دارفور !


04-01-2005, 00:40 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=357&msg=1189922101&rn=0


Post: #1
Title: نظام الخرطوم .. و سياسة حافة الهاوية في دارفور !
Author: hamid hajer
Date: 04-01-2005, 00:40 AM



علي نحو شهر مضي تكون الثورة في دارفور- قد أكملت عامها الثاني ، من دون أن يستبين في الأُفق أية حل عادل لقضية دارفور السياسية و مشكلة التهميش وأنعدام التنمية ، الأمر الذي يُرشح المزيد من العنف و العنف المضاد لأن يحدث مجدداً في كل ربوع دارفور ، ومن ثم لربما يتمدد مضاعفات الثورة لتشمل مساحات جديدة لم تكن ضمن دائرة الحرب باللأمس القريب .
هنا سيكون من اللزوم أن نشحذ ذاكرة القارئ الكريم الي أن شرارة الثورة في دارفور لم تنطلق قبل لقاء الفاشر التشاوري ، اللقاء الذي أن أحسنت حكومة الأنقاذ أستغلالها يومها لأصبحنا اليوم في حل من كل العنت الذي الزمت السودان به ، بمعني كان من الحَِري بالسيد رئيس الجمهورية الأعتراف المُبكر بمشكلةٍ ما في دارفور ، ليعطي الف فرصة للحوار قبل الرّكون الي معاول ( الفنتازيا ) وإستسهال الحل وفقاً لرؤية حربية ، أثبتت حرب الجنوب عقمِها .
في هذا السياق وفي محاولة لجرد حساب عامين أثنتين ، من عمر السودان السيلسي يكون المحصلة حاصل جمع عدد كافي من الأخطاء قد أدت الي الأتي :
[1-1]
الثورة في دارفور - كشفت مدى التعامي لمشكلة الذات السودانية ، وأستسهال النخبة المستعربة للركون الي العقل الأمني – المؤامراتي أن صّح التعبير الذي يختزل كل المصائب التي (صنعت في السودان) الي علة واحدة هي الأخر الغربي (الصهيوني) المتربص لنا بأستمرار ، وغالب الذين يروجون مثل هكذا طرح ممن يرجع معينهم الأيديولوجي الي بدايات (قومجية) و ( أسلاموية) ، واذا كان أتهام العقل السياسي أعلاه بهذه السمة يحمل في طياته رفضاً لألية تفكيره ، الذي هو نفسه متهماً بالأغتراب أن لم يكن أستلاباً ممنهجاً في جامعات القاهرة و بغداد ودمشق .
بيد أن ثورة دارفور كانت سبباً في الحراك الفكري و السياسي والتي زحزحت مسلمات النخب و التابوهات – Taboo التي ترسخت بأليات الدولة السودانية الحديثة ، وممكناتها الثقافية و التعليمية التي وجدت طريقها الي التنفيذ بقوة القرار السياسي الموجه ، والذي تشير أصابع الأتهام نحوه في مرحلة نقد الذات وصراع الرؤي ، بأنها مباعدةٌ لجهة تغبيش الرؤية أذاء جدلية الهوية والأنتماء لجل سكان السودان ، مفصحاً عن المسكُوتِ عنه لأكثر من نصفِ قرن من مسيرة الحركة الوطنية السودانية في مرحلة ما بعد الأستقلال . فإذا كان الأمر كذلك فلا بد وأن نصِف نتيجة ما جري في دارفور وحتي الجنوب في أنه حراكاً إيجابياً يعبر عن قوة إستقرار القاع الأجتماعي لمساحة ماهو إفريقي من غير أن يعطي لنفسه سبباً كافياً لوصفه من الجهات عينها بالعنصرية و التحوصُل ، رغم مايعتري حاضره من معاناة الحرب الحِسية و المعنوية الذي يواجهه أنسان دارفور ، فالتناقضات الراهنة بمثابة الأجوبة المعاكسة لحالة الكمون والكسل المعرفي ، وممكنات التأثير القوي للمنتوج الحضاري ، كما في مقاربة الدولة المهدوية في القرن الماضي ، والذي يستحيل أنتزاعه عنوة من شخوصه التي خلقت الواقع أنذاك كالسلطان علي دينار و دوسه والخليفة المهدوي ود تور شين .
[2-2]
ثورة دارفور - قفزت بالمقام (العالي) للعقل السياسي الإقصائي الي الصِدام ، ليس بالعنف وتجريد المتحركات وأرتال الجانجويد الي قُري دارفور لتدميرها فحسب ، وإنما أستِصحاب الخطاب التخويني و التجريمي في حق قيادات حركتي العدل والمساوأة – Jem - وحركة تحرير السودان – Slm الذان تعملان علي أرضٍ تتهمها حكومة الأنقاذ بالتأمر مبطناً لدعم الثوار من أبنائها ، فنالتهم الجراح العميقة مع توفير مأزق حقيقي لأولوية السِلم الأهلي ، الذي أصبح سراباً مع الكشف عن غطاء تجييش المُغرر بهم من الجنجويد ؛ في طور غير مسبوقٍ لترجمة أحتياط – المراحيل في حروب النظام المقدسة التي تلد إحداها الأخري . لتنتهي بعد خرابٍ الي إتفاقات يصفقُ لها قيادات الأنقاذ قبل غيرهم مع أن عنوانها البارز هو – نِصَف الثروة و السلطة .
والسؤال المحير لمذا العبث بالحرب إبتداءً ؟!
[3-3]
ثورة دارفور - هي إدانة أخلاقية للأسلام السياسي وخطابها الممجوج ، الذي كتب سِفراً يفوق عدد صفحاته كتاب – الأمير - لنقولا مكيافيلي ، وتحدث الكثيرون بوعي و بدونها في منابر متعددة – بأسم الله - مع أن الرّبُ واحدٌ ، فالمطالبة بالديمقراطية ، الفدرالية ، والتنمية المصادرة (مع وقف التنفيذ) من قبل الأنقاذ تحت شعارات مخادعة ، نأكل مما نزرع – و أميركا ليك تسلحنا – كانت المرتكز الأهم في خطاب الأنقاذ ؛ أما اليوم فهي (تجاهد) ضد الديمقراطية بأعتبارها وصفة أميركية ، فتماهت مع القوي القومية والتقدمية التي لا تري في ثورة دارفور – إلا طبخة (التَمَليكة) تجد أوضح تمظهرها في العراق وفلسطين .
في مقامٍ غير محمود أنبري هؤلاء وبمراة مقعرة (إسلاموعربية) في تبديد حُلكة الأيديولوجيا المقرونة بنزقَ بوهيمي ، رأسه يحاكي عنترة مع أن تفكيره يتأبطُ شرًاً ، ليقلص كل المساحات حوله لصالح من أعاد خلط الأوراق في بيان الثلاثين من يونيو 1989 فوق جثامين شهداء رمضان .
إذن الثورة في دارفور – أوجدت التصنيف المناسب للتركيبة الغرائبية ، ولم تعد معها التصنيفات السابقة التي وردت في كتاب – الشيوعية وقضايا الثورة السودانية – ووثيقة البعث وقضايا النضال الوطني ، بما عُرف (بالقوي الوطنية) كصِفة ملازمة لهذه القوي بإعتبارها تمثل المستقبل المضاد بطبيعة الحال لقوي (الرجعية) و الطائفية ، لأن موقعا الكترونياً مرموقاً – كانت – تناهض أميركا وتسبح بحمد الأشتراكية تحالفت مؤخراً مع كتابات (الشوش) بشفرتها العنصرية رغم أنف رفاق القَدر المُحبب من أبناء دارفور ، الذين كانوا أكثر صدقاً أذاء معادلة العيش المشترك فكانوا في طليعة من حاربوا في العراق أستنصاراً لعضوية السودان في (نادي) الجامعة العربية ، قبل أن يتخطف الأنقاذ الشعار ذاته لشراء زمم الجنجويد ( العروبة المتخلفة) ضد أفارقة دارفور .
وبهذا التداخل إنفلتت المعايير ولم يعد هناك من حدٍ ولو واهٍ يمكن أن يفصل بين ذاك (الوطني) العتيق الذي هو علماني بشكل عام وبين أصحاب الأفكار الظلامية بين قيادات الأحزاب الشمالية - اللذين هم (جلابة) كجزء من خلل تأريخي نشأ مع الدولة السودانية قبِيل الأستقلال . فالشعور بالخطر من وجود أحزمة (سوداء) حول العاصمة ، حسب تعبير الدكتور حسن مكي – يمكن قراءتها مع حملات الكشّة وترحيل الغرابة بالقطار من العاصمة أيام حكم المخلوع جعفر نميري ، بالأضافة الي إستغاثات منّظر (العباسيين) الطيب مصطفي ، في كتاباته التي هي محسوب عليه وليس له ، لأن الأفريقيين يقولون ببساطة ، ولدنا أحراراً ، فالنعش مختلفين كل علي حقيقته وأخيرا فالنمت متساويين !
[4- 4]
ثورة دارفور – ومن جهة قرارات مجلس الأمن ضد النظام في الخرطوم ، أعادت الأزمة (criss ) الي واجهة الأخبار في وسائل الأعلام العالمية مجدداً وتحدث عنها الجميع ما بين متحمس ومتحفظ بل حتي رافض لها كما كانت تفعل خارجية الأنقاذ ( too lettle- too late ) فالثوار في دارفور لم يراهنوا علي شيئ من هذا القبيل لأنها ببساطة {لعبة الأُمم} لا تعرف عهدا ولا زمة ، فالأشخاص الذين يتضورون جوعاً في مخيمات دارفور ، مجرد بيادق شأنهم شأن الأشخاص الذين هم في مركز القرار بالحرب و الدمار في حكومة الأنقاذ ، ستقدمهم الدول الكبري قرابين علي مزابح مصالحها ، حتي الصين و روسيا اللتان تأكلان خبزاً ممرغاً بالنفط و دماء أهل السودان ، إنما ترعيان مصالحهما ، وعندما يجف هذا المعين سيكون كل السودان قد خسر لحظة تفكير .
[5- 5 ]
يمكننا القول ، بأن خطاب الهيمنة قد مارست دوراً سياسياً قُبيل جلاء المستعمر الخارجي 1956 ، ليأتي العهد الوطني الذي كان مفتقداً لبرنامج واضح بما يفعل بهذا (الأرث) ، ليقوم أكبر الأحزاب بأعطاء ضوءً أخضرَ لأول أنقلاب عسكري بعد عامين من الأستقلال 1958 .
تم أحتواء ثورة أكتوبر الشعبية 1964 ووادها في أقابيل جبهة الأحزاب و الهيئات ولم تتحول بقدرتها الي برنامج خلاص وطني ، ودفن ألالام الوطن في مهدها ، فدفنتها أنقلاب مايو ، مكرراً ( السيناريو) ذاتها ، ليُطل أنقلاب الجبهة القومية الأسلامية بدثار الجنرال البشير الذي أعاد أنتاج الأزمة .
هذا الفراغ الواسع من الفشل ، لم يكن مسؤلاً عنه السودان كله ، وأنما دوما عبرت عن مؤسسات هزيلة التي تُشكل الوجه الأخر لإستراتيجية الأستيعاب الثقافي الشامل للأخر السوداني عبر الدين و اللغة . فالأحزاب السودانية الطائفية و المدينية - تم تأسيسها من قبل نُخب تنتمي جغرافياً الي الوسط النيلي وسياسياً الي أستراتيجيات الهيمنة القومية (بمعني الوطني) وبالتالي ( أدمنت الفشل) لقصورها الذاتي تجاه إستصحاب كل السودان نحو الوحدة الحقيقية المبنية علي الثقة بالأخرين من أبناء الهامش ، وبالتالي ثقة السودان بنفسه في محيطٍ متغير .
أن ثورة دارفور – إدانةٌ شعبية لكل هذا التأريخ من الفشل وفقدان الوزن الدولي والأقليمي ، بل هي صرخةٌ وطنية تؤرخ لما بعدها من مراحل سياسية و إجتماعية ، أي تعديل جزري لوظائف جهاز الدولة السودانية لعقلنته .


..