لن نصبر على طعام واحد..

الشعوب القديمة التي عمرت الأرض قبل آلاف السنين اتسمت بالمناكفة الفظة..خاصة مناكفة الأنبياء وجدالهم بشدة، في مسألة الإيمان بالله "لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة"، بل ذهب بعضهم بطلب طعام من السماء مقابل الإيمان بالرسل.. حيث قالوا :"انزل لنا مائدة من السماء" وهناك غيرها من الآيات الدالة علي غلظة أولئك الأقوام البائدة في مناكفتهم للأنبياء..فكلما استجاب نبي لمطالبهم ونفذها على الفور بإذن الله لم يزدهم ذلك إلا غروراً وكفراً بل يظهرون نوعاً من (الدلع ) و(شناة) الطبع..حينما قالوا: لن نصبر لك علي طعام واحد"، رغم الاستجابة وانزال الدليل العملي لكي يؤمنوا لم يؤمن إلا القليل ،أما شعبنا السوداني المسلم في هذا الإطار شعب وديع وصابر و قنوع وسريع الإيمان و لا حاجة لبرهان مادي لإثبات إيمانه، فنحن السودانيون قوم مؤمنون.. ولم يفلح خواء البطون في إفراغ ما سكن في القلب من إيمان.. فكلما تدحرجت حياة المرء منا نحو هاوية حياة شظف وحاصره ضنكها.. إزداد إيمانه.. وقد يماً قالوا : " وطني و لا ملي بطني" فامتلاء البطن شر يفرخ إثماً، إن لم نفلح في كبح جماح طاقته أو توظيفها بمثالية "ما ملأ ابن آدم وعاء شر من بطنه" ولكن واقع حال حياتنا اليومي المزدان بغلاء الأسعار المتصاعدة لا يسمح لأحد اليوم ملء بطنه لدرجة ارتكاب الشر إلا القليلين.. بل أضحى الشر الصادر من البطون الخاوية أفدح و أجل..لقد بات عامة الشعب السوداني يتناول وجبة واحدة و على الأكثر و جبتين تتباعد المسافة بينهما و لم تعد منتظمة كما في الماضي .. فطور ، غداء عشاء، وبات اليوم السيد "الفول" يتصدر قائمة طعامنا اليومية خيارا ً وحيداً لعامة الشعب فرض عين ،فقد فرض نفسه بقوة على معدتنا، يدخلها يومياً بروتين ممل..الآلاف من طلاب جامعاتنا على إمتداد القطر تصافح أيديهم سيادته يومياً وهم يبتسمون بتفاؤل..إنه مصدر أساس لغذاء أدمغتهم التي تتأهب لتلقي المعرفة..والآلاف مثلهم من ممتهني الأعمال الشاقة ليس في مائدتهم غير الفول مصدراً وحيداً للطاقة ولإنجاز الأعمال الشاقة .. وهناك ملايين الأسر في بلادي لا تستطيع أكل غيره يومياً .. وبعضهم لا يجد حتى هذا الفول.. إنه طعام واحد .. أنه فقر غذائي أن تعتمد على نوع واحد من الطعام و لكن هم عليه صابرون.. لم يقولوا لن نصبر عليه كما قال الأولون ومع ذلك لم نسمع بأن أحد بدل إيمانه لأن طعامه واحد ..إنه الإيمان و الأمل في غدٍ أفضل، غد جديد تزيح فيه خيرات الأرض المتنوعة الطعام الواحد.. فتزدهر كل موائد السودانيين بطعام متنوع .. يثري مصدر ما يحتاجونه من طاقة يومية كل في موقعه لمقابلة مقدار ما يهدره من طاقة..فسبحان الله شعب طعامه واحد يمتاز بإيمان قوي وشعوب تزدحم موائدها بأنواع شتى منه ولكنها ميالة للجحود وفعل الشر ضد الآخرين بصلف واعتزاز .


نقلا عن صحيفة الآن