الله في مذكرات مُلحد . مجموعة قصصية (2)

الله في مذكرات مُلحد . مجموعة قصصية (2)


09-28-2011, 07:25 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=340&msg=1317234308&rn=2


Post: #1
Title: الله في مذكرات مُلحد . مجموعة قصصية (2)
Author: حاتم محمد
Date: 09-28-2011, 07:25 PM
Parent: #0

( 2 )
اللحم الحــــلال
تُمطر سماء باريس كأمرة تعاني من ارهاصات حمل جديد , تهطل كيفما شاءت , ومتى شاءت , ليس لها مواعيد ثابتة , صباحاً كان ذلك أم مساءاً , تأتي الأمطار عاصفة , أو تتمهل في هبوطها , وفي كل الاحوال لا تمكث أمداً طويلاً , إلا أنها لا تنقطع , كصاحب عملٍ لا يثق في عمّاله , فيتلصص عليهم في كل ربع ساعة , مرة على الأقل .
باريس , مدينة تُشكل فيها المتناقضات منظومة معقدة التركيب والانسجام , أحياءها الأفريقية والعربية , أطرزتها الأوربية والفرنسية , أمكانها السياحية ومساحاتها المتسخة وغير الآمنة , الأزقة التي تنبعث منها رائحة التبول , المشردون القاطنون في الشوارع العامة وأسفل الكباري بأطراف نهر السين , الشحاذون أسفل برج أيفل أيضاً .
هنا حيث يتمايل السُكارى يمنةً ويُسرة , وتتأبض العشيقة ذراع عشيقها , ويداعب العشيق صاحبته على قارعة الطريق , حيث يُعلن السُكارى عُزلتهم الواضحة , والقليلون أمثالي يُهرلون في اتجاه أسرتهم لمضاجعة النوم , بينما يُسرع الباقون في إتجاه نادٍ ليلي يقع في منتصف الطريق العام .
حينها تكون الأرض قد مُلئت بالظلام , تنام الاحياء النائية خمس أيام في الأسبوع , وتفور هرجاً ومرجاً في عطلة نهاية الأسبوع , ولا تهدأ إلا في صباح يوم الأحد , مع دقات جرس الكنيسة معلنةً , زمان الصلاة الصباحية .
في بدياتي الباريسية , كُنت أبدأ عملي عند الرابعة مساءاً , أحمل مظلتي مثل بطاقة اثبات الهوية , كانت تظلل فقري , وتفضح جهلي بلغة البلد من الأصل , علاقاتي كانت سطحية بالأشياء , تأتي الأمطار فجأة , ثم تهبط , متقطعة , كدماء طمث شهرية , اندفعت فجأة , ثم تعاود التقاطر لمدة أسبوع كامل , لتبدأ من جديد بعد ذلك الأسبوع للتقاطر ثانيةً .
المدينة ساحرة , مليئة بعلاقات متنافرة , أشباح تتراءى من بعيد , تظهر ثم تختفي , كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء , ألوان بيض منتشرة , أنوف طويلة معقوفة , قامات متباينة في الطول والقصر , قوم بيض , رجال كانوا أم نساء , هؤلاء هم الفرنسيون , بيضاوي البشرة , ناعمي الشعر , يسيرون بوقار ثابت , تحن له نساء النيلين , يسيرون كتحف بيضاء آلية , يميزها اللون والتاريخ عن رجال المليون ميل السابقة , ويرجحهم ميزان القوة , فهم , مسموعوا الكلمة في المجلس الأمن الدولي بالطبع .
لكن الباريسيات لهن طعم خاص مختلف , يحملن الكثير من الشهوة واللغط الجانبي , في أروقة المثقفين , يسرنّ بقوة ومنعه , بسيطات جداً , لا يتدثرن بملابس كثيرة مثل نساء الخرطوم ذوات الأوزان الثقيلة , ترى ملابسهم الداخلية واضحة , ليس بينها قميص ( النُص ) الذي تتمتاز به نساءُنا , قبل مجيئي لهذه الأرض , كنت اعتقد أنه سلوك نسوي عالمي , لكن البارسيات أو غيرهن لا يرتدينه , لا صاحبات الأرض , أو المولدات نتيجة نزوات خاصة , حتى المهاجرات منهن , ليس لهن علاقة به.
تُباع هنا الحاجات النسائية على الملأ , تُباع الأشياء معرفة جداً , واضحة في هذا العالم : ( ملابس داخلية , قميص نوم , بلوزة , اسكيرت , قميص , بنطال ) لكن لا يوجد قميص ( النُص ) أو ( قُلنه ) داخلية , كل شيء واضح , قميص أو فستان , بعده اللحم الأبيض مباشرةً , أو أي لون آخر من اللحم , كل شيء واضح , حتى في الأيام الثلجية الماجنة , يضعن فلنة داخلية عادية , مثل الرجال تماماً .
كل شيء واضح عميق , لا سجال فيه أو جدال , إشارات واضحة المعني والمدلول , تُكتب لافته كبيرة أمام اللحم محدده نوعه ومصدره , مكتوب عليها : ( حلال ) , تشير لنوعية الذبح , مثل محلنا تماماً , عُلقت عليه هذه اللوحة على الباب تماماً , وخلفي توجد شهادة أخرى من مذبحة إسلامية , يدخل المسلمون , ليأكلون هنا , ومتأسلمون أيضاً , ويأتي زبائن آخرون لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالموضوع .
بدأت حياتي من هذا المكان , كنت عامل بسيط , أضع الأشياء ثم أرصها , أُنطف الموائد بعد ذهاب الزبائن الأجلاء , أصحاب القوة والمال , فأكون محترماً معهم , فهم من يدفع مرتبي الشهري !! من لا يملك قوته لا يملك قراره هذا شعار حكومة الإنقاذ المقدس .
لم يكن الأمر بذات الخصوصية أو التعقيد , لكنني حتماً لن أعمل في هذا الأمر بالخرطوم , إنها مهنة الحبش والنساء , كما ينص دستورنا الإجتماعي بالخرطوم , لكن هنا لا تثريب , وليست مأساة ماذا تعمل ؟؟ فقط المهم أن تعمل .
حقيقةً كنت خجلاً من مهنتي هذه في بداياتي الأولى , لكن مع الأيام صارت جزءاً من واقعي المُعاش , فأصبحت فخوراً بها , تعلمت لغة المهنة , فأصبحت أبيع الزبائن علانيةً , لم تكن المشكلة في سواد بشرتي , أو في شعري المجعد , كانت المشكلة تحديداً تكمن في العربية التي أتحدثها - بطلاقة حسب زعمهم - قال لي أحدهم يومياً : ( إنك تتحدث العربية بطلاقة !! ) , لم تُدهشني المسألة من الأساس , لكن انهارت الأرض تحت أقدامي عندما سألني ببلاهة : ( أين يقع السودان ؟؟ ) أعتقد أنه يستأهزأ بوطني المقسوم إلى نصفين , قابلة للزيادة أيضاً , فصمت لم أجب !!, فأردف العربي قائلاً : ( هل تتحدثون العربية في السودان ؟ ) , في الواقع بدا لي الأمر كأنه نكتة سخيفة , لكن مع تكرار ثبوت الأسئلة واختلاف نوعية الزبائن وأشكالهم , قررت أن أختصر الموضوع وأقول : ( أنني تعلمتها هنا ؟؟ في المدرسة العربية تحديداً ) , ثم جاءت نوعية أخرى من الأسئلة : ( هل أنت مسلم ؟؟ ) , فكنت أصمت في كل الأحوال , أجبت مرةً : ( بأي نعم ) شعر الزبون بنوع من الفرح والإنتصار المعنوي , وبثابت الدعوة وصدقها , وبالمقابل أردف : ( الدين الأسلامي يساوي بين الناس , ليس مثل هؤلاء الكفار والعنصريين !! ) , بينما في أخرى قررتُ المَكر والدهاء , فقلت : ( لا ) , فإلتحم حاجبا الرجل ثم انفرجا فيما بعد , وفي أخرى تركت الموضوع ولم أجب !!.
المكان في حد ذاته ليس به ما ينم على الأبداع او يمكن أن يطور شخص ينهم للمعرفة والتجدد , تركت الأمور تسير في اتجاه الريح , رجال يدخلون ملتحي الذقون , يتقيدون بالسنة في طول الذقن , مقدار قبضة اليد فقط , وبعضهم لا يتقيد بهذا الشرط , فيطلق لها العنان , تنم أعينهم عن حقد بائن , ومتزمجر , وفتيات يتعمدن إظهار شريط من بطونهن عن عمد , بالتأكيد سيعدمهن قانون النظام العام رمياً بالرصاص .
كانت الساعة الحادية إلأ الربع بالضبط عندما دخلا , كانت تلبس بنطال لا علاقة له ببنطال لبنى حسين , كان أضيق بكثير من ذاك البنطال الذي كادت أن تُجلد به لبنى , لولا لطف السماء ورحمة الكفار وحبهم لسترة عورات الناس .
كان بنطال وافر الفتحات الجانبية , تعكس أشعة الشمس البشرة التي تقف أمامي , يعتلية شريط بنفسجي له إمتداد أسفل البنطال ويلامس الجلد الأبيض الناصع - حنين رجالنا عن بكرة ابيهم اختلاف أنواعهم - كانت جميلة , ترتدي بلوزة باهتة اللون , تغطي ثدييها بمشّد أسود قطني , تحمل حقيبة بيضاء , وقفت مشدودة القوام واللون , نافرة ومستفزه قوية , غزال شارد من بندقية قناص فار من الجيش السوري , سألتني بالفرنسية أولاً , تصنعت الغباء , في الواقع لم أفهم , لم أحتار كثيراً , فقد انقذني صديقها الذي يقف بجانبها قائلاً : ( الأكحل – تعني الأسود , في لغة المغرب العربي - ما بتكلم فرنسية ) , فقالت مباشرةً : ( اللحم حلال ؟؟ ) .
أشرت للشهادة التي عُلقت خلفي , ثم تجمدت في مكاني , لم أتحرك البتة , خرجتُ من إطار النص , صمتُ برهة من الدهشة والحزن أيضاً .
الشاب على ما يبدو مفتون بها , رُسم على كتفه الأيسر , وشم لتنين يطلق النار من فمه ,يُبرز عضلاته المشدودة , مد يده , أحتوى خصر الفتاة أولاً , ثم إلتصق بها , على نحو تراجيدي مُثير جداً , ثم قال لها : ( نأخذ الغداء هنا أم في الخارج ؟ ) , اشارت إلى منضدة تقع في نهاية المحل , في مكان مظلم قليلاً , ثم أردف قائلاً : ( لو سمحت , أثنين شاورمة بصلصة المايونيز والهريسة – تعني الشطة بلغتهم ) ثم عقب ذلك الطلب بآخر قائلاً : ( وكوبين من البيرة الباردة أيضاً , ولو سمحت !! ) .
ركزت عيني محدقاً في قطعة اللحم الدائرة على محورها أمامي , وضعت سكينتي عليها , أقطع منها المستوي المحمّر , وأتخير منها أنا أيضاً ما أشاء !! , كانت تتساقط أمام عيني , وبفعل سكيني هذه .
في تلك اللحظة خيل لي أنشتاين يحاول أن يُوجد علاقة كونية ثابتة تربط بين اللحم الحلال والبيرة الباردة , لا أدري لماذا خُيل لي ذلك ؟

Post: #2
Title: Re: الله في مذكرات مُلحد . مجموعة قصصية (2)
Author: محمد قرشي عباس
Date: 09-28-2011, 10:31 PM
Parent: #1

حبيبنا حاتم

مرحب بيك و الله !!
إفتقدناك ..

سرد جميل بيشبه كتابة الروس بالمنلوجات الداخلية
و هو أصلا ملان ملابس داخلية مختفية !!
Quote:
والقليلون أمثالي يُهرلون في اتجاه أسرتهم لمضاجعة النوم

يدي الحلق للما ليهو أضان
أقعد بس إتفرج !!

Quote:
في تلك اللحظة خيل لي أنشتاين يحاول أن يُوجد علاقة كونية ثابتة تربط بين اللحم الحلال والبيرة الباردة , لا أدري لماذا خُيل لي ذلك ؟

إن لسه ما بطلت الهرطقة العلمية
بس فعلا إنتباهة جميلة ..
آينشتين زاتو كان حيضحك منها بسرور !!

تعال طلنا بيجاي
هل نشهد اليوم بداية لثورة كوبرنيكية جديدة تغير من رؤيتنا للعالم .. ؟!!

و ما تنسى تنقل البوست للربع الجاي
سلامي للأمورة الصغيرة و أمها ..

دمت بخير

Post: #3
Title: Re: الله في مذكرات مُلحد . مجموعة قصصية (2)
Author: حاتم محمد
Date: 09-29-2011, 06:21 PM

الاخ محمد قرشي
لك التحية
لكن اللفتة دي زاته أنا ما عارفة جات كيف ؟؟؟
Quote: إن لسه ما بطلت الهرطقة العلمية
بس فعلا إنتباهة جميلة ..
آينشتين زاتو كان حيضحك منها بسرور !!



على العموم
سعت جدا باطلاعك على القصة
ولك التحية