.... كــان أبـــــى !

.... كــان أبـــــى !


08-12-2011, 06:28 PM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=340&msg=1313170127&rn=0


Post: #1
Title: .... كــان أبـــــى !
Author: Dr Salah Al Bander
Date: 08-12-2011, 06:28 PM

(كن إبن من شئت واكتسب أدبا ..
يغنيك عن محموده النسب ..
إن الفتى من يقول ها أنا ذا ..
ليس الفتى من يقول كان أبى) ،

ربما هذان البيتان اللذان ينسبا للحجاج بن يوسف هما ما جعلانى أُمسك عن ذكر أبى الراحل حسن عوض الله طوال سنوات كتابتى الراتبة ،
فنحن معشر السودانيين نستعصم دوماً بالتواضع و(المسكنة) ونمقت ونفزع من شبهة التعالى وتزكية النفس . ما جعلنى أحيد عن هذه الخصلة الحميدة اليوم – وأعتقد اننى لن أكررها –
ذاك الحديث المؤثر الذى إستمعت له بالصدفة من راديو امدرمان فى أمسية رمضانية مباركة من هذا الشهر الكريم . كان المتحدث الأخ الكريم الفريق الفاتح الجيلى
وهو أحد القيادات السابقة والمرموقة فى أجهزة الأمن والشرطة ، والذى رغم ما كان يتطلبه عمله من إنضباط وصرامة مهنية إلا أنه ظل يتحلى بأخلاق (اولاد الناس)
وهذا ما شهد به خصوم النظام المايوى فى تلك الفترة التى إنطوت .
ذكر الأخ الفاتح فيما ذكر وهو يجتر فترة عمله مديراً لمكتب حسن عوض الله فى حقبة الستينات (وكان برتبة الملاحظ وقتها والتى ربما تعادل رتبة الرائد الآن) -
بينما كان الوالد يشغل منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية - ذكر وتطرق فى حديثه الإذاعى لقصة (المشروع الزراعى) . والقصة بإختصار أن
حسن عوض الله كان يعانى شأنه شأن رفاقه من رموز الحركة الوطنية من رقة الحال وضيق اليد خلال عهد عبود بسبب مقاطعتهم للنظام الذى
غيّب الحريات ووأد الديمقراطية ، فكتب خطاباً كأى مواطن عادى الى مدير الزراعة الآلية يطلب التصديق له بمشروع زراعى فى أصقاع السودان
يتعيش منه ،ولم يشر فيه الى أنه كان وزيراً للزراعة فى أول حكومة وطنية .. حكومة الاستقلال برئاسة الرئيس اسماعيل الأزهرى .
لم يعبأ أحد بذلك الطلب ثم جاءت ثورة أكتوبر فأصبح بعدها وزيراً للتربية والتعليم ثم نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً للداخلية ...
عندها وبعد أن أصبح وزيراً جاءه خطاب من الزراعة الآلية يفيد بتخصيص مشروع مميز لـ (سيادته) رداً على طلبه القديم .
لم يتردد وأملى فى ذات اللحظة خطاباً مقتضباً على مدير مكتبه الأخ الفاتح الجيلى نصه كالآتى : (السيد مدير الزراعة الآلية .. تحية وأحترام ..
عندما كتبت الطلب الذى أشرتم إليه كنت بلا عمل وأنا الآن أشغل منصب وزير الداخلية ، وبالتالى لا أستطيع قبول المشروع الزراعى الذى خصصتموه لى .
أرجو التكرم بمنحه لمن يستحقه حسب النظم واللوائح ..مع وافر الإحترام .. حسن عوض الله نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية) .
وعندما جاءت مايو قُدم حسن عوض الله مع ثلة من رموز الحزب الاتحادى الى محكمة عُرفت بـ (محكمة الشعب) بتهم الفساد وأستباحة المال العام ،
ورأس تلك المحاكم بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة المايوى ، وبعد أن قلّبت لجان التحقيق فى كل ورقة وفتشت تحت كل حجر حكمت المحكمة ببراءة المتهم حسن عوض الله ،
فى حين حكمت ظلماً وجوراً على أشرف وأطهر الرجال بسنوات سجن طوال وهم الأعمام أحمد السيد حمد وعبد الماجد ابو حسبو واحمد زين العابدين عمر... رحمهم الله جميعاً .
ورغم تلك البراءة ظل والدى فى السجن ثم أنتقل الى الإقامة الجبرية فى المنزل المتواضع الذى ورثه من أبيه ، هو وأشقاؤه وشقيقاته بحى البوستة بأمدرمان ،
وظلت لجان التحقيق حول الفساد المزعوم تواصل عملها . وذات صباح جاءنا بالبيت وفد يضم مستشاراً بالنائب العام ومعه ضابط شرطة ونقلا لوالدى ما أنتهت إليه تلك اللجنة ،
حيث وجدت اللجنة والدى مقارفاً لتهمة إختلاس مبلغ عشرين جنيهاً من خزينة الدولة هى قيمة تذكرة حفل السيدة ام كلثوم عند زيارتها للخرطوم ،
وكان عمنا عبد الماجد ابو حسبو وزير الإعلام يومها قد بعث له بتلك التذكرة ، وحالت ظروف عمله دون حضور ذاك الحفل . نقلت اللجنة المؤقرة لوالدى (المتهم) قرارها ،
إما بسداد المبلغ خلال يومين أو مثوله أمام المحكمة من جديد وانصرفت . كان والدى - والذى كان قبل بضعة أشهر نائباً لرئيس الوزراء ووزيراً - لا يملك جنيهاً واحداً ،
بل لا يملك ولم يملك عربة أو حتى منزلاً ، فبعثنى - وأنا صبى يافع يومها - الى العم محمد احمد عباس (رحمه الله) وأستدان منه المبلغ ،
ثم كلفنى فى اليوم التالى أن أذهب بـ (شورت المدرسة وزيها) الى مكاتب النائب العام لأقوم بسداد المبلغ مع تشديده لى بضرورة المطالبة بإيصال المبلغ .
توفى حسن عوض الله بمنزل مستأجرفى العام 1983 ورحل عن هذه الدنيا وهو لا يملك منها إلا قبر متواضع وسط قبور الشرفاء البسطاء الذين أحبهم ،
وقد إستغرب زميلنا المحرر الصحفى بصحيفة (حكايات) وهو يشرف على تحرير مادة صحفية تتناول بالصورة قبور من رحلوا من مشاهير العمل العام ..
إستغرب قولى له بأننى لا أعرف بالتحديد مكان قبر أبى ، فقد أوصى أن لا يوضع حتى (شاهد) على قبره وهو يقول :
(نحن لم نتمايز على الناس فى حياتنا ،
فلماذا تتمايز قبورنا على قبورهم بعد الموت ؟) .

الفاضل حسن عوض الله

Post: #2
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: رغيم عثمان رغيم الحسن
Date: 08-12-2011, 07:16 PM
Parent: #1

الا رحم الله الرمز حسن عوض الله وكل الشرفاء من امثاله
سيرته من شدة طهارتها اشبه بالاسطورة فى ظل النظام الرسالى الذى يحتفى رئيسه فى الازاعة بنجاح استثمار زراعى خاص لوزير زراعته ويطلب منه ان ينقل تجربته للاخرين



****************************************
فى جلسة مجلس الوزراء بالنيل الازرق قبل عامين تقريبا طلب البشير من وزير الزراعة المتعافى ان يحدث الوزراء عن نجاح مشروعه الزراعى الخاص 10 الف فدان

Post: #3
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: Dr Salah Al Bander
Date: 08-12-2011, 11:13 PM
Parent: #2

(نحن لم نتمايز على الناس فى حياتنا ،
فلماذا تتمايز قبورنا على قبورهم بعد الموت ؟) .



تأملوا يا أهل السودان ....
في الذي كان ...
وما سيكون ...

Post: #4
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: ايمان بدر الدين
Date: 08-12-2011, 11:24 PM
Parent: #2

Quote: بل لا يملك ولم يملك عربة أو حتى منزلاً ، فبعثنى - وأنا صبى يافع يومها - الى العم محمد احمد عباس (رحمه الله) وأستدان منه المبلغ ،
ثم كلفنى فى اليوم التالى أن أذهب بـ (شورت المدرسة وزيها) الى مكاتب النائب العام لأقوم بسداد المبلغ مع تشديده لى بضرورة المطالبة بإيصال المبلغ .
توفى حسن عوض الله بمنزل مستأجرفى العام 1983 ورحل عن هذه الدنيا وهو لا يملك منها إلا قبر متواضع وسط قبور الشرفاء البسطاء الذين أحبهم ،


السيد الدكتور صلاح البندر لك التحيات والسلام

جميل جدا ان نذكر امهاتنا وآبائنا فهم فخر لنا وقلادة شرف نزين بها صدورنا وامثال والدك قليل من القلائل وتبقى مواقفهم اضاءات وبيارق تلمع فى سماوات النضال الوطنى والحركة الوطنية الشامخة
المرحوم والدك السيد حسن عوض الله استدان مبلغ العشرين جنية من رجل عرك معارك المصادرات وغوغاء محاكمات مايو حينما خرجت من رحم الغبن وشذاذ الآفاق ويفهم جدى محمد احمد عباس نفسية اولئك الذين اذلوا عزاز قومهم امثال المرحوم والدك حسن عوض الله والدكتور احمد سيد حمد وعبدالماجد حسبو ومحمد احمد عباس وغيرهم من اقطاب الحزب الوطنى الاتحادى قادة الحركة الوطنية السامقةولم تكن تلك المحاكمات المهزلة الا تشفى واحقاد قلبت الشعب عليهم يومذاك وعلى فاعلوها وحتى القيادات اليسارية التى غنت مايو بشعاراتها تضجرت من تطبيقات القوميون العرب الذين ارادوا بتلك المصادرات محاكمات الذل تكرارا وتطبيقا بل واعادة انتاج لنفس ممارسات ثورة يوليو المصرية واشتراكية الناصريين انذاك ومخرجاتها و التى لا تشبه الراسمالية الوطنية السودانية الغير مرتبطة بالاستعمار فأقطاع مصر لا يمكن تشبيهه بتجار السودان واعمدة اقتصاده الوطنى والحديث يطووووول عن ذلك الزمن وابطاله ولى حديث طويل انتم موعودون به عن رجل ذلك الزمان وهو محمداحمد عباس وان كنت احب ابنته عائشة فهو احب اليها من نفسها فاذا سالت من تحبين فساقول امى ومن من الرجال تحبين فساقول ابوها وهنا لا انسى ابى الذى كان من احب ابنائه وهو بدرالدين يوسف عامر متعه الله بالعافية والعمر المديد

Post: #5
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: Abureesh
Date: 08-13-2011, 00:30 AM
Parent: #4

شكـرا يا دكتور،

رحم الله السيد حسن عوض الله، والأباء الأوائل كانوا عفيفى اليد واللسـان.

وما ذكره عن اللواء الفاتح الجيلى فأنا أشهـد عليه فى تجربة شخصيـة.



.

Post: #6
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: حيدر حسن ميرغني
Date: 08-13-2011, 00:56 AM
Parent: #5

سلامات د. صلاح
رحم الله الوالد وأمثاله من الشرفاء
ففي سيرتهم عبر ودروس
أين ولاة أمرنا - الدجالين بإسم الدين - من هؤلا
الرحمة والمعفرة على روحهم السمحة

Post: #7
Title: Re: .... كــان أبـــــى !
Author: HAYDER GASIM
Date: 08-13-2011, 02:05 AM
Parent: #6

سيرة عطرة وملهمة, لرجل منيف صميم,

رحم الله حسن عوض الله, والبركة فيما تركه
لنا من سجل في الوطنية والتواضع والزهد
والأمانة.

شكرا أخي صلاح بندر على هذه الإضاءة المحفزة.

... ورمضان كريم