عندما تذهب الزميلة الصحفية أمل هباني للسجن

لم ألتقيها مطلقا ولكنني أعرفها جيدا ؛ فلكم إلتقيت معها في واحات قلمها الجريء الذي يكاد في بعض الأحيان ينطق قناعاتي وفي أحيانا أخر يتباعد معها حد التقاطع ؛ لكنني مع ذلك احترمت هذا القلم وداومت على متابعته متابعة وصلت حد العشق والادمان ؛ إنها الزميلة الصحفية الرائعة أمل هباني ؛ ذلك القلم الجريء الذي قرأت عنه في إحدى مواقع الأنترنت أنه - القلم - سيذهب للسجن بسبب قضية رأي وموقف كسبها عنه جهاز الأمن السوداني .
تم تخييرها بحسب الخبر بين دفع المال والسجن فاختارت السجن رمزية لسجن القيم كما ترى ؛
وبغض النظر عن المتعلقات القانونية بالموضوع ورأيي العام حول الأمر ككل إلا أن الجانب المملوء من الكوب هو أن الخلاف في الرأي بات يحل في المحاكم ؛ وهي خطوة إن لم تكن برابوقندا إعلامية فإنها تستحق الكتابة عنها

ونواصل .....

يشكو زملاؤنا الاعلاميون من أن الخطوة جاءت عرجاء فهي من ناحية تكرس قوانيا تحد من حرية الصحفي ؛ وفي ذاتى الوقت تحاول التظاهر بإنصافه عبر منحه حرية محاكمته بتلك القوانين الجارية التي يرى معظم الاعلاميون ضرورة الحاجة لتعديلها أو تغييرها بما يتماشى مع القيم الانسانية والعقائدية والوطنية السامية التي تتطلبها طبيعة المرحلة المقبلة لوطن لازال يعيش نزف التمزق ويحتاج ما تبقى منه لتكاتف الجهود حتى لا يكبر الجرح وتتعدد أماكن التمزق والنزف فتبقى القدرة على الحياة ضعيفة وتضيق فرص التطور وتظل معاناة الأحياء فيه قائمة .
غير أن مجرد تعود جهاز كجهاز الأمن على وضع القانون حكما بينه واحرية الرأي تبقى أول صور المعافاة التي نأمل صدقها وتحولها إلى واقع حقيقي بقوانين تراعي أحقية المواطن بصورة عامة في الوطن وما يتبع ذلك من فك لكل العقد الاجتماعية التي ساهمت في تأخرنا

ونواصل .....

جرأة قلم الزميلة التي اختارت السجن ثمنا لقناعاتها تستحق الاشادة ؛ وهو دأب كل قلم حر لأن من حمل القلم كمن حمل السلاح يبقى معايشا كل توقعات الموت في أية لحظة ... ولكن حمل القلم للمهني يجب أن يبقى بعيون إنسانية وقيم وطنية عليا تتنزه عن كل الأغراض وتبعد عن السيناريوهات المعدة سلفا ... أمل هباني من الأقلام التي أحسست أنها مجردة ويجب أن يتم النظر لها من هذه الزاوية ...
ونواصل ....

نصف السودان الذي تبقى لنا يعيش مرحلة تحتاج الوعي لا العاطفة والتجرد لا التلون ... يجب أن تتجانس كل الألوان في هارموني واحد تنسجم كل خطوطه وتقاطعاته لتشكل لوحة خلابة لا منفرة .
بين الصحافة وسلطة يجب أن تتحدد الكثير من الفواصل وأن تتم مراجعة النظرة النفسية التي تعيش حالة التأهب المسبق حيث يتعامل كل من الآخر بقرنا إستشعار قلقين .
الصحافة هي السلطة الرابعة تلفزيونية كانت أو مسموعة أو ورقية أو اسفيرية ؛ وهي الرقيب على أداء السلطة ؛ والسلطة طرف يحكم الجميع في إطار قانوني يعطي كل ذو حق حقه في المواطنة والحرية والخصوصية ... هذه هي الدولة الناجحة التي يجب أن تقوم وهي الدولة التي تتضاءل أمامها حدة الخلافات في مختلف الرؤى والاتجاهات والايدلوجيات

ونواصل ....

أول وأشد الخلافات التي قامت في السودان بوضعه الجديد هو مشكلة الدستور ... بأي دستور يتم الحكم ؛ هل بدستور إسلامي كما تصر بعض القوى اليمينية وعلى رأسها الحزب الحاكم أم بالدستور العلماني كما ترى قوى اليسار وبعض من قوى اليمين .
الملاحظ في هذه المعركة أن العلمانية تمكنت من أن تضم لصالحها بعضا من قوى اليمين فيما لم يفلح دعاة الشريعة في اجتذاب قوى يسارية ؛ واتكأت قوى اليمين في صراعها على عدة عوامل منها :-
1- النزعة العقائدية للغالبية السكانية في السودان الحالي
2- صراحة أهمية تطبيق الشرع في القرآن الكريم وهو ما يجعل الجدل حول النقطة مقفولا .
3- تشرذم القوى اليسارية ومحدودية تأثيرها
4- إفلاحها في تفتيت القوى اليمينية التي جنحت للعلمانية وإضعافها بشغلها في الصراع مع شظاياها
5- إفقار بقية القوى ماديا وقانونيا وسلطويا وإبقائها تحت السيطرة ما أمكن

ولا زال الصراع محتدما ما بين النظرتين وهو جدل يحتاج الحسم الذي يجمع الأطراف لايفرقها ؛ ويمضي بالبلاد نحو الأمام لايقهقرها للخلف

ونواصل ...

كنت أتوقع أن تكون الأولية خدمية لا سلطوية .... فالدستور من التصنيفات السلطوية ... كنت أتمناها خدمية تعنى بحلول إخراج المواطن من حافة البطالة وجذب الاستثمار واستثمار خيرات الأرض فيما يفيد ؛ كنت أتمنى أن يكون المواطن هو البداية والخروج به من خانة المعاناة إلى خانة أفضل هو الهدف وبعد ذلك تكون الأولوية للحسم القانوني بما يتراضى الأطراف عليه إتفاقا كان أو إستفتاء أو قناعات .

ونواصل ....