الختان والحجاب // رجاء سلامة

الختان والحجاب // رجاء سلامة


12-04-2006, 08:42 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=337&msg=1193303615&rn=2


Post: #1
Title: الختان والحجاب // رجاء سلامة
Author: Sabri Elshareef
Date: 12-04-2006, 08:42 AM
Parent: #0

قبل أن أعود إلى توضيح العلاقة بين ختان البنات وحجاب النّساء، لما يتّسم به الموضوع من دقّة وغموض، سأعلّق على بعض آليّات الدّفاع التي يحتمي بها بعضهم أو يشهرونها كلّما تعلّق الأمر بهاتين الظّاهرتين، وهي آليّات تنبني في كثير من الأحيان على إنكار الواقع، أو على المبادرة إلى اتّهام الآخرين لتجنّب مساءلة الذّات، أو على تداخل المرجعيّات وعدم وضوحها :

1-قد تريد لخطابك أن يكون إنسانيّا كونيّا، وتحاول أن تتحدّث عن الأشكال المستمرّة والجديدة لاستعباد المرأة والإنسان في كلّ مكان من العالم، وخاصّة في البلدان العربيّة، فيحصرونك في المحلّيّة ويخرجون خطاب النّعرات الوطنيّة، ويقولون : وماذا عن تونس، وعن شواطئ العري في تونس؟ ويعتبر كلّ بلاده "أمّ الدّنيا"، ويدافع كلّ عن قبيلته وعرض قبيلته. وقد يقول لك أهل بلادك أيضا : لماذا تتحدّثين عن ختان البنات وهو لا يوجد عندنا؟ وكأنّ الفكر والالتزام يخضعان إلى نظام التّأشيرات وجوازات السّفر وأماكن الولادة.
في هذه الرّدود شيء من ضيق الأفق، وعدم القدرة على الالتزام بقضيّة الإنسان عامّة سواء كان امرأة أو رجلا، وعدم القدرة على تجاوز الشّوفينيّة والنّرجسيّات الجماعيّة في عصر فلسفة حقوق الإنسان، وعصر تضامن المجتمعات المدنيّة من أجل دعم حقوق الإنسان في كلّ مكان.
فليترك كلّ منّا شيطان عصبيّته في جيبه، إذا أردنا أن نتحاور ونتجادل دون مصادرة للنّوايا ودون أفكار مسبقة عن المجتمعات.

2-إذا تحدّثت عن جريمة ختان البنات المتواصلة إلى اليوم بدون تدخّل ناجع للدّول لحماية الأطفال الإناث أخرج لك بعضهم فزّاعة التّمويل الأجنبيّ، وذكر بعض المشاريع المناهضة للختان وذات التّمويل الأجنبيّ، وكأنّ مسألة التّمويل أهمّ من تشويه الأجساد وقصف الأعمار، أو كأنّ هذا التّشويه أمر لا يوجد إلاّ في فلم أو في رواية، ولا تفوق نسبته 90 بالمائة في بعض البلدان العربيّة، ولا يؤدّي إلى حالات موت، ولا يؤدّي إلى معاناة دائمة لدى النّساء المختونات، وإن كانت هذه المعاناة صامتة لأنّها تتّصل بالجنس وبالمتعة في مجتمعات حريصة على تأمين المتعة للرّجال أوّلا وقبل كلّ شيء.
فخطاب المحافظة على الثّوابت حريص على عدم "تشويه صورة المسلمين" لدى الغرب، وكأنّ تحسين الصّورة أهمّ من تحسين الواقع البائس، وكأنّ الغرب عين جبّارة وكتلة واحدة ليس لها من همّ سوى الشّماتة في العرب والمسلمين.

3-إذا تحدّثت عن ختان البنات في كتب التّراث الإسلاميّ، أنكر البعض ذلك وتصايحوا قائلين إنّه عادة فرعونيّة.
ختان البنات ليس عادة فرعونيّة وكفى، وإلاّ ما كان متواصلا إلى اليوم. إنّ من أسباب عدم اضمحلاله إلى اليوم وجود خطاب إسلاميّ يبرّره، متمثّل في الأحاديث النّبويّة التي تحضّ عليه، وفي الفتاوى القديمة والمعاصرة ذاتها. فالختان قد يكون عادة ذات أصل فرعونيّ، منتشرة في وادي النّيل، وهو فعلا غير مذكور في القرآن، ولكنّه في بعض البلدان تمّ ويتمّ باسم الإسلام. ألم يُـفْت شيخ من شيوخ مؤسّسة دينيّة معروفة بأنّ "الختان" واجب لا يجوز لأي بشر أن يمنعه، وأن رأي الأطباء في هذه المسألة لا يعتمد عليه أو يؤخذ به، لأن الطب علم والعلم متطور، وأن من يمنع الختان كمن يمنع الأذان ويحق للوالي محاربته»؟ ألم يفت الشّعراوي بوجوبه؟ هل هؤلاء يمثّلون الفراعنة ودين الفراعة؟ ما عدد المفتين بعدم جوازه اليوم ومن ينصت إليهم، وهل اتّخذت الهيئات الإسلاميّة المعنيّة بالدّفاع عن المسلمين موقفا واضحا منه؟

4-إذا تحدّثت عن الأسطورة فقد يواجهونك بالتّاريخ، لينكروا وجود الأسطورة.
إذا ذكرت أسطورة تطليق هاجر وطردها، قالوا لك إنّ هذه من الإسرائيليّات المدسوسة التي لم تثبت تاريخيّا، وفاتهم أنّ الأسطورة لا تخضع إلى نظام الإثبات التّاريخيّ، بل تخضع إلى ما يسمّى في العلوم الإنسانيّة الحديثة بـ"النّجاعة الرّمزيّة". لا شيء يثبت تاريخيّا الأساطير القديمة، ولكنّها كانت محلّ اعتقاد لدى الجميع أو لدى الأغلبيّة، ولذلك فقد كانت مؤثّرة ولا تزال. افتحوا كتب السّيرة النّبويّة وكتب التّفسير وكتب التّاريخ الإسلاميّ وكتب الأدب، قبل أن تبادر المؤسّسة الدّينيّة المشار إليها آنفا إلى "تطهيرها" اليائس ممّا تعدّه إسرائيليّات، فستجدون حديثا عن قصّة هاجر وغيرة سارّة منها وخروجها إلى الصّحراء صحبة طفلها إسماعيل. قد تكون هذه الأقاصيص من الإسرائيليّات، ولكن ألم يذكر القرآن نفسه قصّة سارّة وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق؟ ما الفاصل من وجهة النّظر هذه بين ما هو إسرائيليّات، وما هو توراتيّ وما هو قرآنيّ وما هو جهاز تأويليّ أحيط به طيلة عهود طويلة؟ المهمّ بالنّسبة إلينا، وبقطع النّظر عن التّحقيق الفيلولوجيّ والتّاريخيّ، وبقطع النّظر عن اختلاف الرّوايات، هو أنّ هذه الأساطير التّأسيسيّة آمن بها المسلمون القدامى، في حين كبتها المسلمون المحدثون ولا يريدون أن يعرفوا عنها شيئا. وفزعهم وارتعاشهم عند ذكرها، وهجومهم الشّرس على من يذكرها ليس إلاّ علامة من علامات عنف المكبوت عندما يثار فلا يقابل بالتّذكّر المحمود المخلّص بل يقابل بالإنكار والجحود.

5-عندما تقدّم حججا على ارتباط حجاب النّساء بالنّظام الباطرياركيّ القائم على تبادل النّساء، وعلى مراقبة أجسادهنّ وتحرّكاتهنّ في الفضاء العموميّ، فهناك من يخرج لك حجّة ذات طبيعة ديموقراطيّة حديثة هي حرّيّة اللّباس، ولكنّهم قد يخرجون لك في الأثناء أو في أماكن أخرى حجّة مختلفة ذات طبيعة دينيّة، قائلين إنّ الحجاب فريضة وركن من أركان الإسلام.
وما أراه هو أنّ على مناصري الحجاب أن يختاروا بين الأمرين. فإمّا أن يكون الحجاب لباسا، مجرّد لباس، أو أن يكون فريضة. إمّا أن يخضع إلى منطق الحرّيّات الفرديّة الحديثة، وإمّا أن يخضع إلى منطق دينيّ. أمّا إذا كان الحجاب لباسا، فإنّ شأنه شأن اللّباس الخليع للنّساء والسّروال القصير للرّجال والجينز، ويمكن لأيّ دولة أن تمنعه في مؤسّساتها التّعليميّة والعموميّة، من باب الحرص على حياد الإدارة وهيبتها، أو من باب اشتراط المؤسّسات لبعض المعايير لدى مستخدميها كفرض ربطة العنق، أو فرض لباس الحفلات في بعض الملاهي، أو فرض لباس معيّن للتّلاميذ. وليكفّ أنصار الحجاب آنذاك عن لعب دور الضّحيّة، وليكتفوا بالدّفاع عن حقّ ارتداء الحجاب خارج مؤسّسات الدّولة وخارج المؤسّسات التي لا تريده.
أمّا إذا كان الحجاب فريضة وركنا من أركان الإسلام، فهذه الحجّة تستوجب تكفير غير المحجّبات وغير القائلين بأنّ الحجاب فريضة، وهم كثيرون، ومنهم متفقّهون في الدّين ومصلحون دينيّون. فهل يتحمّل دعاة الحجاب-الفريضة عبء تكفيرهم لغير المحجّبات ولمن يقول بأنّ الحجاب ليس فريضة؟ ما حكم مبطلي الفرائض في الدّولة الإسلاميّة التي يعدون بها؟ كيف يمكن للفريضة أن تكون لباسا وشارة، وللرّكن أن يكون خاصّا بفئة من المسلمين؟ وإذا كانوا ينعتون أنفسهم بالدّيمقراطيّة، فهل يحقّ لهم التّهجّم على من لا يقول بأنّه ليس فريضة، وأن يتملّصوا من التّعدّديّة التي هي جوهر الدّيمقراطيّة؟ أليس من باب النّزاهة أن يتنصّلوا من الدّيمقراطيّة التي يدّعونها وأن يكشفوا لنا بوضوح طبيعة مشروعهم المجتمعيّ؟ أليس الدّفاع السّياسيّ عن الحجاب حجبا للقضايا السّياسيّة التي لا يجرؤ على طرقها حماة الإسلام هؤلاء؟ ألا يتّجر هؤلاء بأجساد النّساء على نحو خاصّ ليبنوا أمجادهم السّياسيّة وسط خصومات عجيبة تغيب فيها أحيانا القواعد الدّنيا لحرّيّة الفكر والتّعبير؟
لست من أنصار الحجاب لأسباب بيّنتها منذ سنين وسأعود إلى بيانها في علاقتها بالختان، ولكنّني، وهذا من باب التّوضيح أيضا، لست من أنصار انتزاع حجاب النّساء بالقوّة في الشّوارع، وأكتب أوّلا للنّساء عسى أن ينتزعن حجابهنّ بأنفسهنّ، بشوقهنّ التّلقائيّ إلى الحرّيّة لا بحدّ عصا الشّرطي.



Post: #2
Title: Re: الختان والحجاب // رجاء سلامة
Author: Sabri Elshareef
Date: 12-04-2006, 08:45 AM
Parent: #1

الجزء الثاني


تيّارات الإسلام الحركيّ ما زالت تفضّل الدّعاية والتّعبئة الجماهيريّة وتجييش العواطف على الحوار والتّفاعل، وما زالت تؤمن بالجسد الواحد للأمّة الواحدة المكوّنة من الأشباه ولا تؤمن بالتّعدّديّة، وتـُخضع حقوق الإنسان إلى أحكام الفقه بدل أن تطوّر أحكام الفقه لكي تلائم مبادئ حقوق الإنسان، وتعتمد فكرة المرشد والزّعيم الأوحد، وتحكّم الدّين في كلّ الحلقة الأولى
مظاهر الحياة الفرديّة. وإذا كان بعض ممثّلي هذا التّيّار يعمد إلى الآن إلى التّكفير الصّريح في استراتيجيته الخطابيّة، فإنّ البعض الآخر يعتمد أساليب أكثر حذرا ولكنّها لا تختلف عن التّكفير إلاّ في درجة العنف. ومن هذه الأساليب مطالبة الخصم بالاعتذار عن رأيه، ومنها الدّعاء بالهداية للمخالف في الرّأي، وهي أساليب وصاية أبويّة من البديهيّ أنّ ما يفصلها عن أخلاقيّات الحوار الدّيمقراطيّ سنوات من النّضج النّفسيّ الضّروريّ لقيام حياة مدنيّة وسياسيّة. ولذلك، فرغم كلّ الاختلافات في درجة العنف، يبقى مفهوم الفاشيّة الإسلامويّة ذا وجاهة، بحيث لا يمكن أن نتخلّى عنه لمجرّد أنّ الرّئيس الأمريكيّ الحاليّ نطق بالعبارة، وإلاّ تملّصنا أيضا من الدّيمقراطيّة لأنّها أحد الشّعارات التي يستخدمها هذا الرّجل في خطابه السّياسيّ. وما قضيّة الحجاب اليوم، وما منع الإسلاميّين إبداء الرّأي الشّخصيّ فيه في بعض البلدان العربيّة سوى دليل ساطع على الطّبيعة الشّموليّة للإيديولوجيا الإسلاميّة، مهما اختلفت تعبيراتها، ومهما اختلف حاملوها.
وهناك مظهر آخر خفيّ من مظاهر الفاشيّة الإسلامويّة يتمثّل في منع المعرفة غير الدّينيّة عن الدّين، واعتبار رجال الدّين وحدهم مؤهّلين للخوض فيه، مع أنّ رجال الدّين يؤهّلون أنفسهم للخوض في كلّ صغيرة وكبيرة تخصّ حياة كلّ مسلم ومسلمة على وجه الأرض، ومن ذلك أيضا مواجهتهم المعارف الحديثة بالمعارف العتيقة التي كان عليها أن تدخل باب تاريخ المعرفة، لولا تضخّم الظّاهرة الدّينيّة في حياتنا ومؤسّساتنا التّعليميّة. فعندما تحدّثهم مثلا عن الأسطورة بالمفهوم الأنتروبولوجيّ يواجهونك بالجرح والتّعديل، وكأنّ ابن خلدون نفسه لم يبيّن في مقدّمته ومنذ مئات السّنين بطلان المقاييس الشّكليّة المعتمدة في نقد الرّجال دون نقد المتون، وهذا أوّل درس في التّاريخ وفي العلوم الدّينيّة تعلّمه طلبة الجامعة التّونسيّة من الجيل الذي أنتمي إليه، وهو جيل مدين بمعرفته إلى أساتذة حرصوا على أن يكون تدريسهم للدّين غير دينيّ، سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين، وحرصوا على أن يبتدئ كلّ كلامه باسمه الشّخصيّ لا بادّعاء الكلام باسم اللّه.
هناك مجال للحديث عن الدّين غير مجال الحلال والحرام، وهناك تحليلات مهمّة لظاهرة الحجاب كتبت بلغات أخرى، ولا نجد لها أثرا في الكمّ الهائل ممّا ينشر عن الحجاب في ديارنا، وهناك في مجال التّحليل النّفسيّ محاولات جدّيّة لربط المطالبة الحاليّة به بالتّعبيرات الهستيريّة، بالمعنى الدّقيق للكلمة الدّالّة أوّلا وقبل كلّ على بنية للذّات البشريّة، وعلى علاقة معيّنة بالجسد ونوع معيّن من التّماهيات. فليس شيء يبرز الجسد ويمسرحه ويجعله علامة مرضيّة ومصدرا للشّكوى أكثر من حجاب اليوم وعبادة الحجاب والصّراخ بأنّه حرّيّة في نوع من الإنكار للواقع. وهذا المظهر الهستيريّ للحجاب ممّا لا يتّسع المجال لتحليله في مقال بسيط التزمنا فيه بالحديث عن الحجاب في علاقته بالختان.

من المعلوم في الدّراسات الحديثة أنّ كلّ المجتمعات تنظّم المتعة الجنسيّة للأفراد عبر ما يسمّى بالخصاء الرّمزيّ، أي عبر اللّغة وعبر تحريم الأمّ ونكاح الأقارب، وهي مؤسّسات لا تستقيم الثّقافة إلاّ بها حسب ما بيّنه كلود لفي ستروس وغيره منذ خمسينات القرن المنصرم، ولا تكون الذّات البشريّة سويّة إلاّ بها.
إلاّ أنّ بعض المجتمعات التي وصفها فرويد بالبدائيّة لا تكتفي بالخصاء الرّمزيّ، بل تلجأ إلى وضع علامات على الأجساد، منها الجروح التي تسمّى ختانا. هذه الجروح تزيد في تنظيم المتعة وتؤكّد الفصل بين الجنسين، بقطع ما يذكّر بالعضو الأنثويّ لدى الرّجل (القلفة)، وما يذكّر بالعضو الذّكوريّ لدى المرأة (البظر). وقد تبيّن أنّ الختان الممارس على الأجساد الأنثويّة أخطر بكثير من ختان الذّكور لأنّ البظر منطقة حسّاسة تتوقّف عليها اللّذّة. فحظّ الإناث من هذه الجروح أهمّ بكثير من حظّ الذّكور، ومعاناتهنّ أطول وأبعد أثرا. ويمكن أن يتنزّل حجاب النّساء في هذا الإطار، فهو يهدف عموما إلى تنظيم المتعة الجنسيّة والحدّ منها، إضافة إلى كونه يهدف إلى الحفاظ على نظام الاختلاف الجنسيّ بجعل لباس المرأة مختلفا تماما عن لباس الرّجل، وتأكيد نظام تبادل النّساء، بحيث أنّ المرأة تكون محجوبة إلاّ عن المحارم، ويكون لزوجها حقّ النّظر إليها لأنّه هو الذي يملكها بما دفعه إلى أسرتها من مهر.
فما يجمع بين الختان والحجاب هو أنّهما شارة توضع على الجسد الأنثويّ لإخضاعه إلى التّنظيم الاجتماعيّ للمتعة وتنظيم الاختلاف الجنسيّ وتبادل النّساء. وضع الشّارة على ما هو جسديّ هو أحد تعريفات الخصاء حسب المحلّل النّفسانيّ جاك لاكان، ولكنّ هذه الشّارة يمكن أن تكون رمزيّة بدل أن تكون واقعيّة، أي يمكن أن يكون لها حضور في الواقع النّفسيّ فحسب. يمكن أن تنتظم المجتمعات بمجرّد وجود تهديد بالقطع والعقاب لا بالقطع نفسه، وبمجرّد وجود حجاب نفسيّ لا بالحجاب نفسه، ومجرّد الشّعور بالإثم النّاتج عن عقدة أوديب القائمة أوّلا على تحريم نكاح الأمّ والأب.
وبعبارة أخرى، يمكن للمجتمعات البشريّة أن تنظّم المتعة بالكلام وبالمسارات النّفسيّة التي تجعل الذّات البشريّة تستبطن المحرّم، وتضع الحواجز والحجب لنفسها بنفسها. فهي في غنى عن الجروح والشّارات الإضافيّة. فقطع بظر المرأة ليس ضروريّا لكي تكون المرأة إنسانا سويّا يضع الحدود لنفسه، ووضع حاجز الحجاب أمام نظر الرّجل ليس ضروريّا لكي يحترم الرّجل غيريّة المرأة وحرمة جسدها، ويحترم الحدود والضّوابط الاجتماعيّة. بل إنّ وجود القطع الواقعيّ والحجاب الواقعيّ يدلّ على ضعف المسارات النّفسيّة المنظّمة للمتعة، والمنظّمة للتّعايش بين الجنسين.
وممّا يدلّ على ذلك أنّ وجود الحجاب وانتشاره لا يمنعان من التّحرّش بالنّساء ومن الاغتصاب، والوقائع تشهد أمامنا بهذا، والتّجارب الشّخصيّة للنّساء. فنحن لا نرى رجالا أكثر تحرّشا بالنّساء وأكثر انفلاتا جنسيّا، وأكثر تشييئا لجسد المرأة، وأكثر استعدادا لاستغلال جسدها في مقابل ماليّ من أولئك الذين يعيشون في مجتمعات تفرض الحجاب على النّساء، لا سيّما الحجاب القمعيّ المتمثّل في النّقاب. ولا يعني ما قلته طبعا أنّ كلّ الرّجال في هذه المجتمعات هم على هذه الشّاكلة.
الحجاب والختان هما الزّيادة التي تخفي نقصا أو هشاشة، الزّيادة الدّالّة على إخفاق المسارات النّفسيّة التي تحدث الخصاء دون خصاء واقعيّ، والحجاب دون حجاب.
ولكي أزيد في توضيح هذه الفكرة، أضرب مثلا كاريكاتوريّا : تخيّلوا إنسانا يكمّم فمه يوما لكي لا يقول كلاما غير لائق، أو تخيّلوه يلفّ عضوه الجنسيّ لكي لا يرتكب المعصية، فالتّكميم واللّفّ يدلاّن على فشل هذا الإنسان في وضع الحدود النّفسيّة التي تجعله يصون لسانه ويصون جسده وأجساد الآخرين. فهو يخصي جسده على هذا النّحو لعدم ترسّخ الخصاء الرّمزيّ لديه.
ولئن كان الختان عادة بلفّها الصّمت وليست مجال دفاع ومطالبة إلاّ لدى بعض شيوخ الإفتاء، فإنّ الحجاب تحوّل اليوم إلى شعار ومطلب تحرّريّ. فهو أكثر ما يدلّ على حصول كارثة نفسيّة ما، تجعل الحجب النّفسيّة غير كافية أو مهدّدة بالخطر. إنّ الحجاب هو من باب التكميم واللّفّ المشار إليهما، ولذلك فإنّ المجتمعات التي تحجّب نساءها هي المجتمعات القلقة التي يوجد فيها انفلات ما للغرائز، ويوجد فيها عجز عن ترسيخ القيم البشريّة لدى أفرادها، وتضخّم للشّعور بالإثم، نتيجة عدم ترسّخ الخصاء الرّمزيّ.







--------------------------------------------------------------------------------




Post: #3
Title: Re: الختان والحجاب // رجاء سلامة
Author: Sabri Elshareef
Date: 12-04-2006, 07:21 PM
Parent: #1

وبعبارة أخرى، يمكن للمجتمعات البشريّة أن تنظّم المتعة بالكلام وبالمسارات النّفسيّة التي تجعل الذّات البشريّة تستبطن المحرّم، وتضع الحواجز والحجب لنفسها بنفسها. فهي في غنى عن الجروح والشّارات الإضافيّة. فقطع بظر المرأة ليس ضروريّا لكي تكون المرأة إنسانا سويّا يضع الحدود لنفسه، ووضع حاجز الحجاب أمام نظر الرّجل ليس ضروريّا لكي يحترم الرّجل غيريّة المرأة وحرمة جسدها، ويحترم الحدود والضّوابط الاجتماعيّة. بل إنّ وجود القطع الواقعيّ والحجاب الواقعيّ يدلّ على ضعف المسارات النّفسيّة المنظّمة للمتعة، والمنظّمة للتّعايش بين الجنسين.