شجرة زان

شجرة زان
---------


رأيتها أول مرة في لوحة أثناء بحثي في أضابير النت عن مادة ذات صلة بفيلا إلزينبيرخ(Elzenburg (1 , ثم صادفتها لاحقا في يوتيوب (2) مكّون من جزئين يصوّر أطلال الفيلا الآنفة الذكر عندما كانت في حال أفضل مماهي عليه الآن , ثم وقفت عليها بعينيّ تهيمن على الموضع الذي كانت تتوسطه في السابق الفيلا قبل أن تتداعى و تتهدم بُعَيد خروج آخر ساكنيها . أهملها صاحبها إوالد مارخراف Ewald marggraff ثم زحفت عليها الأشجار والنباتات المتسلقة بعد موته الغامض الأسباب سنة2003 .

لمحميّة إلزننبيرخ بوابتان تطل إحداهما على شارع هوفنساسترات Hoevensestraat, أما الثانية فتشرف على شارع إلزنبيرخ .

على بعد خمسة أمتار من البوابة المطلة على شارع إلزينبيرخ تنتصب شجرة زان . البوابة مخلّعة يربطها بالفيلا ممر واسع تجتاز ثلثيه في خط مستقيم بين صفوف من السنديان و الزان تليها صنوبريات إبرية الأوراق . ينحني الممر يمينا مائلا إلى الضيق . في ذلك المنحنى تقف شجرة زان, تتجاوزها قليلا فيستقيم الممر من جديد , ليبرز من بين أغصان شجرة زان بعيدة هيكل الفيلا كما رأيتها مصبوغة في اللوحة المذكورة بلون كريمي .

كلما تغلغلت إلى أعماق المحمية تكشف لك أن الأرض هنا مغطاة بجذوع مقتلعة وفروع متساقطة بوتيرة أعلى مما يقع لأشجار الأطراف , و بإقترابك من البوابة المطلة على هوفنساسترات تأخذ الفيلا في الإضمحلال والزوال في سحاب يبين من بين فرجات الأغصان لتجد نفسك أخيرا وجها لوجه أمام شجرة زان عملاقة تجثم كالمبعوثة من عالم رجيم , مصبوغة الأوراق بلون كريمي , إلى اليمين من أطلال فيلا تحاصرها من كل الجهات خضرة وحشية .

قرميد أحمر بللته ثلوج و نبت عليه طحالب وأشنات , جبص هبت عليه ريح باردة , قطع من الأسمنت , ثلاثة أعمدة من الحديد الصلب متساوية الأطوال تقف على مقربة من بقايا جدار هو الأعلى ( يتجاوز المترين ) بين أطلال المكان, ثمة مبنى منعزل تبقى منه جدران ملتحمان يصل إرتفاعهما إلى مترين , بقايا حجرات متعددة المساحات لا يتجوز إرتفاع جدرانها القائمة مترا , حفرة جدرانها من الأسمنت مطمورة بالقرميد , إطار أسمنتي ملقى بين صف من أشجار الزان وألواح من الخشب تآكلت و تعفنت و تشتت في كل موضع غزته نباتات كالأفعوانات أولجت فروعها في أنوف الفيلا ( تقرأ شبابيكها وأبوابها المخلّعة ) كاتمة بذلك أنفاسها . رأيت طرفا من هذا في الYoutube المذكور بعاليه .
لم يبق للزواحف المنتصرة الكثير لتبتلعه الآن !.
لم يحدث شيء ذو بال . رأيت كل هذا وعدت أدراجي تحت شمس لا هي بالغائبة ولا الحاضرة .

على مائدة العشاء أطلعت رفيقة دربي على المادة التي ستتخلق منها هذه الحكاية التي بين يديكم : حزمة أوراق محبّرة بأرقام وأسهم ورسوم تقريبية وجمل ناقصة وأخرى مشطوبة وأبعاد جدران إلتهمتها نباتات
وأشجار تتساقط بوتيرة مخيفة وتنبت براعمها بوتيرة هي الأخرى مخيفة فتكشفت إبتسامتها الحيية عن دعابة ساخرة ملاطفة .
كنت مجهدا من القياس و الكتابة فآويت مبكرا إلى الفراش ونمت في الحال . و فيما يرى النائم رأيت فيلا إلزينبيرخ - كما في اللوحة - باللون الكريمي . تحيط بها أشجار باسقة جرداء .
لمحت إوالد مارخراف وهو يتناول كوبا من الشاي الأخضر في الفيراندا. كان له وجه طفل عليه سترة كهول .
وحيدا, يقعي بجانبه ك ل ب . ثم فجأة إنقلبت الصورة رأسا على عقب : إذ إكتست المحميّة بخضرة وحشية في الوقت الذي تراجع فيه بهاء الفيلا إلى لون طباشيري . وجعلت البناية تهتز إهتزازا عنيفا و يسمع لسقوط أعمدتها وحيطانها و سقوفها دوي أفزعني فتراجعت إلى الوراء تاركا الرجل الذي أوصد باب عالمه لائذا بالعزلة وسط أثاث أثري محتجبا عن أعين الفضوليين وراء ثنيات ستائر عمرها مائة عام يكمل تناول شايه غير آبه لسقوط الأشياء.

عثمان محمد صالح
فوخت ,28.04.2011
هامش :
--------
(1) تقع الفيلا في محمية إلزينبيرخ , هوفنساستراتHoevensestraat رقم 26 , قرية فوخت Vught.
http://elzenburg-vught.expertpagina.nl

(2) http://www.youtube.com/watch?v=wjGsxCDergI

, http://www.youtube.com/watch?v=1f_r84jPcIk&NR=1&feature=fvwp