القبائل وقسمة السلطة في الجنوب

القبائل وقسمة السلطة في الجنوب


03-26-2011, 08:29 AM


  » http://sudaneseonline.com/cgi-bin/sdb/2bb.cgi?seq=msg&board=320&msg=1301124551&rn=0


Post: #1
Title: القبائل وقسمة السلطة في الجنوب
Author: وليد الطيب قسم السيد
Date: 03-26-2011, 08:29 AM

كيف تُرسم معادلة السلطة الحاكمة في جنوب السودان؟
في الجنوب أزمة حكم حادة نشأ عنها صراع شرس حول السلطة وذو طابع قبلي صرف وذلك بسبب تسلط " الحركة الشعبية " وإصرارها على احتكار آلة الحكم . ومما يضاعف من حدة الأزمة أن قيادة الحركة تريد تصديرها إلى الشمال بتوجيه اتهام إلى حزب "المؤتمر الوطني" بأنه يحيك مؤامرة للإطاحة بحكومة الجنوب قبل حلول موعد الانفصال المقرر في يوليو المقبل.
الإجابة على السؤال المطروح تقتضي العودة إلى التاريخ القريب عندما خرجت " الحركة الشعبية لتحرير السودان " إلى حيز الوجود في عام 1983 بقيادة جون قرنق.
حينئذ عرضت الحركة نفسها وكأنها تنظيم اشتراكي ذو ميول ماركسية لكنها بعد ذلك أسقطت عن نفسها الصفة الاشتراكية لتعطي انطباعاً للغرب بأنها حركة تستلهم الفكر الرأسمالي الغربي.
وكما اتضح لاحقاً من خلال ممارساتها على الصعيد التطبيقي فأن ما ثبت في حقيقة الأمر أن هذه الحركة الجنوبية ليست سوى تنظيم قبلي آحادي لا يمثل سوى قبيلة جنوبية واحدة.. هي قبيلة الدينكا.
طوال سنوات الحرب الطويلة منذ عام 1983 وحتى إبرام اتفاقية سلام نيفاشا كان قرنق يتكتم على نواياه السلطوية نحو نظام الحكم في جنوب المستقبل. وما كان يضمره هو انفراد الحركة الشعبية بالسلطة الحاكمة كتنظيم قبلي دينكاوي.
بالطبع لم يكن مناسباً لبعض عناصر الحركة المنتمين لقبائل أخرى إثارة مسألة الحكم خلال ظروف الحرب لكن مع ذلك تمردت هذه العناصر ضد استفراد قرنق بعملية صنع القرار على المستوى القيادي للحركة. لكن بعد توقف الحرب وظهور مؤشرات حلول السلام مع الشمال برز السؤال الكبير: من يحكم الجنوب؟
كما هو معلوم فإن اتفاقية السلام قضت بمنح الجنوب حكما ذاتياً لكن منذ الوهلة الأولى لدخول الاتفاقية مرحلة التنفيذ على الأرض شرعت قيادة الحركة الشعبية في تشكيل سلطة حاكمة تتكون في كافة مستوياتها من كوادر دينكاوية وكأن الجنوب قد تحول إلى عقار تملكه قبيلة واحدة. وبذلك امتدت السيطرة الدينكاوية من مستوى رئاسة السلطة العليا والمناصب الوزارية إلى مستويات حكام الولايات وعضوية البرلمان. ويضاف إلى ذلك أن القوات العسكرية للحركة تحولت إلى جيش الجنوب الرسمي. وحتى علم الحركة تحول إلى علم الإقليم المعتمد رسمياً.
بكلمة واحدة يمكن القول دون مبالغة أن الجنوب دخل منذ تطبيق نيفاشا عهد " الاستعمار الدينكاوي"
من هنا صار من المحتم أن تفجر القبائل الأخرى مقاومة للتحرر من هذا الاستعمار ولأن جيش الحركة صار جيش الحكم الذاتي فأنه كان من المحتم أيضاً أن تتخذ هذه المقاومة نهج العمل المسلح.
هكذا نشأت ظاهرة المليشيات القبلية المسلحة وأبرزها مليشيات النوير والشلك وبعض قبائل الاستوائية لتشن نضالاً مسلحاً ضد الاحتكار السلطوي لقبيلة الدينكا مطالبة باستنباط صيغة عادلة لقسمة سلطة الحكم الذاتي بين القبائل قاطبة.
صحيح أن قبيلة الدينكا تعتبر أكبر قبيلة جنوبية من حيث العدد. لكن القبائل الأخرى مجتمعة هي التي تشكل غالبية سكان الإقليم.
ما يجري الآن في الجنوب هو صراع قبلي حول السلطة. إنها حرب جنوبية – جنوبية كان من المتوقع والمؤكد اشتعالها منذ انتقال الوضع في الجنوب من مرحلة الحرب إلى مرحلة الحكم. لكن قيادة الحركة الشعبية الحاكمة لا تريد أن تقر بطبيعة هذه الحرب خشية أن تحرج نفسها.
وكأن التاريخ يعيد نفسه. فقبل ما يقارب ثلاثة عقود زمنية ثارت قبائل الاستوائية ضد السيطرة الدينكاوية على نظام الحكم الذاتي الذي أنشئ بموجب اتفاقية أديس أبابا للسلام في عهد الرئيس جعفر نميري. ونستذكر أنه عندما تحرك نظام نميري لتصحيح الوضع في الجنوب وتحجيم النفوذ الدينكاوي لجأ عسكريون دينكاويون إلى محاولة انقلابية.. وكنتيجة لفشل هذه المحاولة. نستذكر أيضاً أن بعض هؤلاء العسكريين قد فروا عبر الحدود إلى أثيوبيا.. وكان من بينهم العقيد جون قرنق. وتلك المجموعة كانت النواة الأولى لإنشاء "الحركة الشعبية ".
قضية اليوم هي إذن قضية الأمس. فالحركة الشعبية تمثل قبيلة ترفض شراكة عادلة للسلطة للقبائل الأخرى. ولأن قيادة الحركة تدعي أنها تنظيم وطني يمثل كافة أهل الجنوب بكافة قبائلهم وليس قبيلة واحدة فأنها اكتشفت فيما يبدو أن من الأفضل عرض قضية الانتفاضة القبلية المسلحة ضدها وكأنها مؤامرة من تدبير الشمال للإطاحة بحكومة الحركة.
إنها خدعة قد تبدو ذكية ظاهرياً لكنها لن تضع حداً للانتفاضة المسلحة. فالنوير والشلك وقبائل الاستوائية لهم مطلب مشروع غير قابل للتنازل.

احمد شاموق
_________________